الكتاب: سير أعلام النبلاء
المؤلف: الذهبي
الجزء: ١٩
الوفاة: ٧٤٨
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق: تحقيق وتخريج وتعليق : شعيب الأرنؤوط
الطبعة: التاسعة
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

سير أعلام النبلاء 19
1

سير أعلام النبلاء
تصنيف
الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفي
748 ه‍ - 1374 م
الجزء التاسع عشر
حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه
شعيب الأرنؤوط
مؤسسة الرسالة
3

بسم الله الرحمن الرحيم
4

1 - الدباس *
الشيخ الفقيه المعمر المسند، أبو سعيد محمد بن علي بن أبي
صالح، البغوي، الدباس.
آخر من روى " جامع الترمذي " عاليا عن عبد الجبار الجراحي (1).
وسمع أيضا من مسعود بن محمد البغوي، وعلي بن أحمد
الاستراباذي (2).
حدث عنه: ابنه عثمان، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشيرازي،
وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو الفتح محمد بن أبي علي، ومحمد بن عبد
الرحمن الحمدويي (3)، وخلق سواهم.

* الأنساب: 2 / 256، 257، العبر: 3 / 322، عيون التواريخ 13 / 51.
(1) تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر، رقم الترجمة (154).
(2) ضبطه السمعاني في " الأنساب " 1 / 214 بكسر الهمزة والتاء وسكون السين،
وتابعه على ذلك ابن الأثير في " اللباب "، وانفرد ياقوت في " معجمه " 1 / 174، فضبطه
بفتح الهمزة والتاء وقال: أسترآباذ: بلدة كبيرة مشهورة أخرجت خلقا من أهل العلم في كل
فن وهي من أعمال طبرستان.
(3) بفتح الحاء وسكون الميم وضم الدال: نسبة إلى حمدويه: اسم لبعض أجداد
المنتسب إليه.
5

وعاش ثمانيا وثمانين سنة، وكان من الفقهاء.
مات ببغشور (1) في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
وآخر من بقي من أصحابه عبد الرحمن بن محمد المسعودي.
2 - الترياقي *
الشيخ الامام الأديب المعمر الثقة، أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن
علي بن إبراهيم بن ثمامة، الهروي، الترياقي. وترياق: قرية من عمل
هراة (2).
سمع " جامع أبي عيسى " - سوى الجزء الأخير منه، أوله: مناقب ابن
عباس - من الجراحي.
سمعه منه المؤتمن الساجي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي (3).
وقد روى أيضا عن القاضي أبي منصور الأزدي، والحافظ أبي الفضل
الجارودي.

(1) هي بليدة بين هراة ومرو الروذ من بلاد خراسان، والنسبة إليها بغوي على غير
قياس، انظر " الأنساب " 2 / 254، و " معجم البلدان " 1 / 467، و " شرح السنة "
1 / 20، وقد تحرفت في " الشذرات " إلى بشفور.
* الأنساب المتفقة: 33، الأنساب: 3 / 50، معجم البلدان: 2 / 28، العبر:
3 / 302، 303، اللباب: 1 / 214، شذرات الذهب: 3 / 368.
(2) هراة: مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان، افتتحها الأحنف بن قيس
في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ياقوت: لم أر بخراسان عند
كوني بها في سنة (607 ه‍) مدينة أجل ولا أعظم ولا أفخم ولا أحسن ولا أكثر أهلا منها،
فيها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة، وخيرات كثيرة محشورة بالعلماء، ومملوءة بأهل الفضل
والثراء، وقد غزاها الكفار التتار سنة (618 ه‍) فخربوها حتى أدخلوها في خبر
كان....
(3) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين برقم (183).
6

وعمر أربعا وتسعين سنة. مات في شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين
وأربع مئة.
3 - الغورجي *
الشيخ الثقة الجليل، أبو بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل،
الغورجي (1)، الهروي، التاجر، راوي " جامع أبي عيسى الترمذي " عن
عبد الجبار الجراحي.
حدث عنه: المؤتمن الساجي (2)، وأبو الفتح الكروخي،
وغيرهما.
وثقه المحدث الحسين بن محمد الكتبي.
توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربع مئة بهراة، وهو في عشر
التسعين
4 - الصاعدي * *
قاضي القضاة، رئيس نيسابور، أبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد

* تقييد المهمل: الورقة / 24 أ، المنتظم: 9 / 44، معجم البلدان 4 / 216،
اللباب: 2 / 393، الكامل في التاريخ: 10 / 168، العبر: 3 / 297، شذرات الذهب:
3 / 365.
(1) بضم الغين، وسكون الواو، وفتح الراء: نسبة إلى غورة، وبعضهم يقول:
غورج: قرية من قرى هراة. انظر اللباب: 2 / 393، ومعجم البلدان: 4 / 216.
(2) هو الحافظ الحجة محدث بغداد، أبو نصر المؤتمن بن أحمد بن علي بن الحسين
الديرعاقولي ثم البغدادي المتوفى سنة 445 ه‍، وسيترجمه المؤلف في هذا الجزء برقم
(195).
(* *) المنتظم: 9 / 49 - 50، الكامل في التاريخ: 10 / 180، العبر: 3 / 299،
مرآة الجنان: 3 / 133، الجواهر المضية: 1 / 279 - 281، النجوم الزاهرة: 5 / 129، كتائب أعلام الأخيار: رقم (282)، الطبقات السنية: رقم (324)، شذرات الذهب:
1089، الفوائد البهية: 34 - 35.
7

ابن محمد الصاعدي. ولد سنة عشر.
وسمع من جده أبي العلاء صاعد، وأبي بكر الحيري، وأبي سعد
الصيرفي، وطبقتهم.
وعنه: زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وعبد الله بن الفراوي (1)، وعبد
الخالق بن زاهر، وآخرون.
قال ابن السمعاني: تعصب بأخرة في المذهب حتى أدى إلى إيحاش
العلماء، وإغراء الطوائف، حتى لعنوا على المنابر، حتى أبطله نظام
الملك (2).
أملى مجالس، وكان يقال له: شيخ الاسلام.
توفي في شعبان سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
5 - الثقفي *
الشيخ العالم المعمر، مسند الوقت، رئيس أصبهان ومعتمدها، أبو

(1) بضم الفاء وفتح الراء كما في " الأنساب "، وضبط ياقوت الفاء بالفتح: نسبة إلى
فراوة: بليدة على الثغر مما يلي خوارزم، يقال لها: رباط فراوة، بناها أمير خراسان عبد الله
ابن طاهر في خلافة المأمون.
(2) الوزير الكبير أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، منشئ المدرسة
النظامية في بغداد، وسترد ترجمته برقم (53) من هذا الجزء.
* السياق: الورقة / 76 ب، التقييد: الورقة / 192 ب - 193 أ، دول الاسلام:
2 / 18، العبر: 3 / 325، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 4 / 1227، والاعلام لابن قاضي
شهبة حوادث / 489، كشف الظنون: 55 و 522، شذرات الذهب: 3 / 393، الرسالة
المستطرفة: 77، تاريخ الأدب العربي: 6 / 178.
8

عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود، الثقفي،
الأصبهاني، صاحب " الأربعين " و " الفوائد العشرة " (1).
ولد سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.
وأول سماعه في سنة ثلاث وأربع مئة، ورحله أبوه في صباه إلى
خراسان، والعراق، والحجاز، ولقي الكبار.
سمع أبا طاهر محمد بن محمد بن محمش، وأبا عبد الرحمن
السلمي، وأبا زكريا المزكي، وعبد الرحمن بن بالويه، وعلي بن أحمد بن
عبدان، والقاضي أبا بكر الحيري، ومحمد بن موسى الصيرفي، وأبا عمرو
محمد بن عبد الله الرزجاهي (2)، وعلي بن محمد بن خلف، وأبا حازم
العبدوي، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن حبيب، وطائفة بنيسابور،
وأبا الفرج عثمان بن أحمد البرجي، وعبد الله بن أحمد بن جولة، وأبا
عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وعلي بن
ماشاذه الفرضي، وأحمد بن عبد الرحمن الأزدي، وعدة ببلده، وهلال بن
محمد الحفار، وأبا الحسين بن بشران، وابن يعقوب الأيادي، ومحمد بن
الحسين بن الفضل القطان، وأبا عبد الله الغضائري، وعدة ببغداد، وأبا
عبد الله بن نظيف المصري بمكة.
وروى الكثير، وتفرد في زمانه، وكان صدرا معظما.

(1) وهي المعروفة ب‍ " الاجزاء الثقفيات " وتدعى أيضا ب‍ " الفوائد العوالي ".
(2) بفتح الراء وسكون الزاي وفتح الجيم: نسبة إلى رزجاه: قرية من قرى بسطام،
وأبو عمرو هذا كان من أهل الفضل والعلم، أسمع الإسماعيلي، وابن عدي، وأبا أحمد
الحاكم، وروى عنه الامام البيهقي، وغير واحد، أقام بنيسابور مدة، وحدث بها بالكتب،
وقرأ الأدب عليه بها جماعة إلى سنة خمس وأربع مئة، ورجع إلى وطنه بسطام، وتوفي بها
سنة 427 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (326).
9

حدث عنه: ابن طاهر، وإسماعيل التيمي، وأبو نصر الغازي، وأبو
سعد البغدادي، وأبو المطهر الصيدلاني قاسم، وأبو جعفر محمد بن
الحسن الصيدلاني، وأبو رشيد محمد بن علي بن الباغبان (1)، والحسن
ابن العباس الرستمي (2)، وحفيده مسعود بن الحسن الثقفي، وأبو رشيد
عبد الله بن عمر الأصبهاني، والحافظ أبو طاهر السلفي، وآخرون.
قال السمعاني: كان ذا رأي وكفاية وشهامة، وكان أسند أهل عصره،
وأكثرهم ثروة ونعمة وبضاعة ونقدا، وكان منفقا، كثير الصدقة، دائم
الاحسان إلى الطارئين والمقيمين والمحدثين، وإلى العلوية خصوصا، كثير
البذل لهم، عزل في آخر عمره عن رئاسة البلد، وصودر، فوزن مئة ألف
دينار حمر لم يبع لها ملكا، ولا أظهر انكسارا.
وكان من رجال الدنيا، عمر، ورحلت إليه الطلبة من الأمصار، وكان
صحيح السماع، غير أنه كان يميل إلى التشيع على ما سمعت جماعة أهل
أصبهان.
قال يحيى بن منده: لم يحدث في وقت أبي عبد الله الرئيس أوثق منه
في الحديث، وأكثر سماعا، وأعلى إسنادا، كان فيما قيل: يميل إلى
الرفض، سمع " تاريخ يعقوب الفسوي " من ابن الفضل القطان، وسمع
" تاريخ يحيى بن معين " من أبي عبد الرحمن السلمي.
قال السلفي: كان الرئيس الثقفي عظيما، كبيرا في أعين الناس،
على مجلسه هيبة ووقار، وكان له ثروة وأملاك كثيرة.

(1) هذه النسبة إلى حفظ الباغ - وهو البستان، انظر الأنساب 2 / 44.
(2) بضم الراء وسكون السين وفتح التاء، نسبة إلى رستم بعض أجداد المنتسب،
انظر الأنساب 6 / 115.
10

وقال السمعاني: كان محمود السيرة في ولايته، مشفقا على الرعية،
سمعت أن السلطان ملكشاه أراد أن يأخذ من الرعية مالا بأصبهان، فقال
الرئيس: أنا أعطي النصف، ويعطي الوزير - يعني نظام الملك - وأبو سعد
المستوفي النصف. فما قام حتى وزن ما قال، فظني أن المال كان أكثر من
مئة ألف دينار أحمر.
وكان يبر المحدثين بمال كثير، رحلوا إليه من الأقطار.
مات الرئيس في رجب سنة تسع وثمانين وأربع مئة، وهو في عشر
المئة.
6 - التفليسي *
الامام القدوة المقرئ أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن السري
ابن بنون (1)، التفليسي، ثم النيسابوري، الصوفي.
مولده في رجب سنة أربع مئة.
وسمع من عبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبي عبد الرحمن السلمي،
وحمزة المهلبي، وأبي صادق الصيدلاني، وعدة من أصحاب الأصم.
وأملى مدة.
حدث عنه عبد الغافر بن إسماعيل، وأثنى عليه، وإسماعيل بن
المؤذن، ووجيه الشحامي.

* الأنساب: 3 / 65 - 66، العبر: 3 / 303، النجوم الزاهرة: 5 / 131، شذرات
الذهب: 3 / 393.
(1) تصحفت في " الأنساب " 3 / 65 إلى " بتون " بالتاء المثناة، والتفليسي: بفتح
التاء وتكسر نسبة إلى تفليس، وهي آخر بلدة من بلاد أذربيجان.
11

وسئل عنه إسماعيل بن محمد التيمي، فقال: شيخ صالح يتبرك
بدعائه، سمع الكثير من المهلبي.
قلت: توفي في سلخ شوال سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة.
7 - ابن أبي العلاء *
الامام الفقيه المفتي، مسند دمشق، أبو القاسم علي بن محمد بن
علي بن أحمد بن أبي العلاء، المصيصي (1)، ثم الدمشقي، الشافعي،
الفرضي.
ولد في رجب سنة أربع مئة.
وسمع وهو حدث من الكبار، وارتحل، ولحق العوالي.
سمع محمد بن عبد الرحمن القطان، وعبد الرحمن بن أبي نصر،
وأبا نصر بن هارون، وعبد الوهاب بن جعفر الميداني، وعبد الوهاب
المري، وعددا كثيرا بدمشق، وأبا الحسن بن الحمامي (12) ببغداد. لحقه
مريضا هو وعبد العزيز الكتاني رفيقه، فسمعا منه أربعة أحاديث، وسمع

* الأنساب: 532 ب، تاريخ دمشق:، معجم البلدان: 5 / 145، العبر:
3 / 317، طبقات السبكي: 5 / 290 - 291، طبقات الأسنوي: 2 / 412 - 413، حسن
المحاضرة 1 / 404، شذرات الذهب: 3 / 381.
(1) ضبطها السمعاني بكسر الميم والصاد المشددة، وقال ياقوت: بفتح الميم،
وانفرد الجوهري وخاله الفارابي، فقالا: " المصيصة " بتخفيف الصادين، وتابعهما على ذلك
صاحب " القاموس " فقال: والمصيصة كسفينة، ولا تشدد. وهي مدينة على ساحل البحر
من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس، كان يرابط بها كثير من العلماء
والصالحين.
(2) تحرف في معجم ياقوت إلى " الحماني ". وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع
عشر رقم (265).
12

ببلد (1) من أحمد بن الحسين بن سهل بن خليفة، وأخيه محمد، وبمصر من
أبي عبد الله بن نظيف، وأبي النعمان بن تراب بن عمر، وبعكبرا من أبي
نصر البقال، وببغداد أيضا من هبة الله بن الحسن اللالكائي، وطلحة بن
الصقر، وأحمد بن علي البادي (2)، وأبي علي بن شاذان، وطائفة.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، ومات قبلة بأربع وعشرين سنة،
والفقيه نصر المقدسي، والخضر بن عبدان، وهبة الله بن أحمد الأكفاني،
وجمال الاسلام علي بن المسلم، ونصر بن أحمد بن مقاتل، وهبة الله بن
طاووس، والقاضي يحيى بن علي الفرسي، وابنه القاضي الزكي محمد بن
يحيى، وأبو القاسم الحسين بن البن، وأبو العشائر محمد بن خليل،
وعلي بن أحمد بن مقاتل، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبي، وآخرون.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: كان فقيها فرضيا من أصحاب
القاضي أبي الطيب. مات بدمشق في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع
وثمانين وأربع مئة.
حكى البهجة بن أبي عقيل عن ابن أبي العلاء أنه كان بيده دفتر حساب
يحاسب رجلا، ثم نظر إلى فوق، وقال: ما هذا الوجه؟ هذه صورة شخص
قد تمثل لي، ثم رمى الدفتر، وأغمي عليه، ومات.
قلت: سمعنا من طريقه عدة أجزاء، كحديث ابن أبي ثابت، وجزء

(1) بلد: اسم بلدة قديمة على دجلة فوق الموصل، بينهما سبعة فراسخ، وبينها
وبين نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخا. انظر " معجم البلدان " 1 / 481، و " الأنساب "
2 / 284، 286.
(2) قال ابن ناصر الدين في التوضيح 1 / 28 / 1: وسبب لقبه أن أمه حملت به وبولد
آخر توأما، فولدته قبل أخيه، فقيل له: البادي وعرف به، توفي سنة (420 ه‍).
13

علي بن حرب (1)، ومن فضائل الصحابة لخيثمة (2).
وفيها توفي مسند نيسابور أبو بكر بن خلف الشيرازي صاحب الحاكم،
ونائب حلب قسيم الدولة آقسنقر جد نور الدين (3)، والأديب النحوي أبو نصر
الحسن بن أسد الفارقي (4)، والحافظ أبو علي الحسن بن عبد الملك
النسفي (5)، وعبد الله بن عبد العزيز أبو عبيد البكري (6) صاحب " معجم
البلاد "، والمقتدي بالله العباسي، وشيخ القراء عبد السيد بن عتاب،
والفضل بن أحمد والد الفراوي، وأبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد
ابن طلحة الأسفراييني الشاعر، وأبو عامر محمود بن القاسم الأزدي (7)،
والمستنصر بالله معد العبيدي.
8 - خواهرزاذة *
شيخ الحنفية، وفقيه ما وراء النهر، ونعمان الوقت، أبو بكر
خواهرزاذه، واسمه محمد بن حسين بن محمد القديدي (8)، البخاري،

(1) المتوفى سنة (225 ه‍)، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثاني عشر رقم (93).
(2) ابن سليمان بن حيدرة القرشي الأطرابلسي المتوفى سنة (343 ه‍) تقدمت
ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (230).
(3) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (67).
(4) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (44).
(5) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (73).
(6) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (21).
(7) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (19).
* الأنساب: 5 / 201، اللباب: 1 / 468، العبر: 3 / 302، الجواهر المضية:
1 / 236 و 2 / 49، الاعلام (خ) حوادث / 483، تاج التراجم: 46، مفتاح السعادة:
2 / 276، كشف الظنون: 569، 1223، 1580، شذرات الذهب: 3 / 367، الفوائد
البهية: 163 - 164.
(8) نسبة إلى قديد، منزل بين مكة والمدينة. انظر الأنساب: 10 / 77.
14

ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، ولذلك لقب
بخواهر زاذه، معناه: ابن أخت عالم.
سمع أباه، ومنصورا الكاغدي، وأبا نصر أحمد بن علي الحازمي،
والحاكم أبا عمر محمد بن عبد العزيز القنطري، وأملى عدة مجالس،
وخرج له أصحاب وأئمة.
حدث عنه: عثمان بن علي البيكندي، وعمر بن محمد بن لقمان
النسفي، وطائفة.
وطريقته أبسط الطريق، وكان يحفظها، وكان من بحور العلم. ذكره
السمعاني في " الأنساب " (1).
توفي ببخارى في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة، وقد
شاخ.
وفيها مات عاصم العاصمي، ومحمد بن إسماعيل التفليسي (2)، وأبو
بكر أحمد بن ثابت الخجندي (3) المتكلم، وأبو الغنائم محمد بن علي
الدقاق، وأبو نصر محمد بن سهل السراج، والوزير فخر الدولة محمد بن
محمد بن جهير، وعبد العزيز بن محمد الترياقي.

(1) 5 / 201، والنص فيه: كان إماما فاضلا بحرا في مذهب أبي حنيفة رحمه الله،
وطريقته أبسط طريقة لهم، جمع فيها من كل جنس، وكان يحفظها.
(2) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (6).
(3) بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون نسبة إلى خجند: بلدة كبيرة على
طرق سيحون من بلاد المشرق، فتحت سنة ثلاث ومئة في خلافة يزيد بن عبد الملك بن
مروان.
15

9 - الخلالي *
مسند جرجان في زمانه أبو القاسم إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم
الجرجاني.
ولد سنة تسعين وثلاث مئة.
وسمع من: أبي نصر محمد بن الإسماعيلي، وأبي الفضل محمد بن
جعفر الخزاعي، وأبي سعد الماليني، وغالب بن علي الرازي، وحمزة
السهمي، وخلق.
يروي عنه: سعد بن علي الغضائري، وطائفة.
توفي بجرجان سنة نيف وثمانين وأربع مئة، رحمه الله.
10 - ابن سمكويه * *
الشيخ الامام الحافظ المفيد المصنف الثقة، أبو الفتح محمد بن أحمد
ابن عبد الله بن سمكويه، الأصبهاني، نزيل هراة، كان من فرسان
الحديث، والمكثرين منه.
سمع ببغداد من أبي محمد الخلال وطبقته، وبنيسابور من أبي حفص
ابن مسرور، وبأصبهان من إبراهيم سبط بحرويه، وعدة. وبسمرقند من
مسندها عمر بن شاهين، وبشيراز من أبي بكر بن أبي علي الحافظ.

* قال السمعاني في " الأنساب " 5 / 218: الخلالي: بفتح الخاء المعجمة،
وتشديد اللام ألف، وفي آخرها اللام، هذه النسبة إلى الخل، وإلحاق الياء في مثل هذا
الانتساب أكثرها بجرجان وطبرستان وخوارزم.
(* *) المنتظم: 9 / 52، تذكرة الحفاظ: 4 / 1212 - 1213، الوافي بالوفيات:
2 / 88، البداية والنهاية: 12 / 136، طبقات الحفاظ: 446، شذرات الذهب 3 / 367.
16

مولده في سنة تسع وأربع مئة، وإنما طلب الحديث على كبر، وكان
عابدا صالحا خيرا، يتبرك بدعائه.
حدث عنه إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو عبد الله الدقاق،
وغيرهما.
قال الدقاق في " رسالته " (1): كان لابن سمكويه الكثرة الوافرة في كتب
الحديث. قال: ووهمه أكثر من فهمه، صحب عبد العزيز النخشبي إلى
نيسابور، وأقام بهراة سنين يورق، صادفته بها، وبيني وبينه ما كان من الحقد
والحسد (2).
قلت: بئست الخصلتان أعاذنا الله منهما.
مات بنيسابور في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
11 - هبة الله بن عبد الوارث *
ابن علي، الامام الحافظ المحدث، أبو القاسم الشيرازي، رحال

(1) الموسومة ب‍ " رحلة الدقاق " ذكر فيها ألف شيخ أخذ عنهم.
(2) قلت: فلا يلتفت إلى قول الدقاق في المترجم: " وهمه أكثر من فهمه " لأنه طعن
صادر عن حقد وحسد كما صرح به الدقاق نفسه. قال الامام الذهبي في " الميزان " 1 / 111
في ترجمة أبي نعيم صاحب " الحلية ": وكلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا
لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا
من الاعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك
كراريس، اللهم * (لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم) *.
* السياق: الورقة / 94 ب - 95 أ، تاريخ ابن عساكر، المنتظم: 9 / 74 - 75،
الكامل في التاريخ: 10 / 218، العبر: 3 / 314، تذكرة الحفاظ: 4 / 1215 - 1216،
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 246 - 248، البداية والنهاية: 12 / 144، طبقات
الحفاظ: 446 - 447، كشف الظنون: 296، شذرات الذهب: 3 / 379.
17

جوال، كتب بخراسان، والحرمين، والعراق، واليمن، ومصر، والشام،
والجزيرة، وفارس، والجبال (1).
حدث عن: أبي بكر محمد بن الحسن بن الليث الشيرازي، وأحمد
ابن طوق الموصلي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأبي جعفر بن
المسلمة، وأقرانهم، وعمل تاريخا لشيراز.
قال السمعاني: كان ثقة خيرا، كثير العبادة، مشتغلا بنفسه، خرج
وأفاد، وانتفع الطلبة بصحبته وبقراءته، وكان قدومه بغداد في سنة سبع
وخمسين. روى لنا عنه أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب بمرو،
وعمر بن أحمد الصفار، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو نصر محمد بن
محمد الفاشاني (2)، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو بكر اللفتواني (3).
سكن في آخر أمره مرو.
وقال ابن عساكر: حدث عنه الفقيه نصر المقدسي، وهبة الله بن
طاووس، وأبو نصر اليونارتي (4).
ثم قال: حدثنا ابن طاووس، حدثنا هبة الله بن عبد الوارث، حدثنا
أبو زرعة أحمد بن يحيى الخطيب بشيراز، أخبرنا المقرئ الحسن بن سعيد

(1) قال ياقوت: الجبال: جمع جبل اسم للبلاد التي ما بين أصبهان إلى زنجان
وقزوين وهمذان والدينور وقرميس والري، وما بين ذلك من البلاد الجليلة والكنوز العظيمة.
(2) بفتح الفاء والشين نسبة إلى " فاشان " قرية من قرى مرو، خرج منها جماعة من
العلماء ذكرهم السمعاني في " الأنساب ": 9 / 225، 228، وقد تصحفت في المطبوع
من المنتظم: 10 / 54 إلى " القاساني "، وفي الجواهر المضية: 2 / 122 إلى " القاشاني ".
(3) بفتح اللام وسكون الفاء وضم التاء، كما في " الأنساب "، وضبط ياقوت التاء
بالفتح: نسبة إلى لفتوان قرية من قرى أصبهان.
(4) نسبة إلى يونارت: قرية على باب أصبهان.
18

المطوعي (1)، حدثنا أبو مسلم الكجي، فذكر حديثا.
وقال عبد الغافر: هبة الله شيخ عفيف صوفي فاضل، طاف البلاد،
وخطه مشهور، وكان كثير الفوائد.
قال أبو نصر الفاشاني: كنت إذا أتيت هبة الله بالرباط، أخرجني إلى
الصحراء، وقال: اقرأ هنا، فالصوفية يتبرمون بمن يشتغل بالعلم
والحديث (2)، يقولون: يشوشون علينا أوقاتنا.
مات هبة الله سنة ست وثمانين وأربع مئة. وقيل: سنة خمس في
رمضان، فقيل: قام ليلة وفاته سبعين مجلسا، كل مرة يستنجي بالماء.
12 - الناصحي *
العلامة، قاضي القضاة، عالم الحنفية، أبو بكر محمد بن عبد الله
ابن الحسين الناصحي النيسابوري.
سمع القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وطائفة،
وحدث ببغداد وخراسان.
روى عنه: محمد بن عبد الواحد الدقاق، وعبد الوهاب بن
الأنماطي، وأبو بكر بن الزاغوني، وآخرون.

(1) بضم الميم، وفتح الطاء المشددة، وكسر الواو: نسبة إلى المطوعة وهم جماعة
فرغوا أنفسهم للغزو ومرابطة الثغور، وقصدوا جهاد العدو في بلادهم.
(2) وهذا الوصف ينطبق على أكثرهم.
* المنتظم: 9 / 60، الكامل في التاريخ: 10 / 630، العبر: 3 / 306، الوافي
بالوفيات: 3 / 338، البداية والنهاية: 12 / 138، الجواهر المضية: 2 / 64 - 65،
شذرات الذهب: 3 / 372، الفوائد البهية: 179 - 180.
19

قال عبد الغافر في " تاريخه ": هو قاضي القضاة أبو بكر ابن إمام
الاسلام أبي محمد الناصحي، أفضل أهل عصره في الحنفية، وأعرفهم
بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حظ وافر من الأدب والشعر والطب،
درس بمدرسة السلطان في حياة أبيه، وولي قضاء نيسابور في دولة ألب
أرسلان، فبقي عشر سنين، ونال من الحشمة والدرجة، وكان فقيه النفس،
تكلم في مسائل مع إمام الحرمين، فكان يثني الامام عليه (1)، ثم شكا قلة
تصاونه في قبض يده، ووكلاء مجلسه وأصحابه عن الأموال، وأشرف بعض
الحقوق على الضياع من فتح أبواب الرشا، فولي قضاء الري، ثم مات
منصرفه من الحج في رجب سنة أربع وثمانين وأربع مئة بقرب أصبهان (2).
13 - حمد بن أحمد *
ابن الحسن بن أحمد بن محمد بن مهران (3)، الشيخ العالم الثقة، أبو
الفضل الأصبهاني الحداد، أخو أبي علي الحداد.
ولد بعد عام أربع مئة.
وسمع من: علي بن ميلة، وعلي بن عبدكويه، وأبي بكر بن أبي علي
الذكواني، وعلي بن أحمد الخرجاني (4)، وأبي سعيد بن حسنويه، وعدة.

(1) انظر " الفوائد البهية " 179 - 180.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 60.
* المنتظم: 9 / 88، التقييد: الورقة 88 / ب، الكامل في التاريخ: 10 / 254،
العبر: 3 / 311 وأرخ وفاته (486) ه‍، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 3 / 1199،
شذرات الذهب: 3 / 377.
(3) على هامش الأصل ما نصه: مهرة خ.
(4) قال السمعاني: الخرجاني بفتح الخاء المنقوطة بنقطة، وسكون الراء المهملة،
وفتح الجيم، وكسر النون، هذه النسبة إلى خرجان، وهي محلة كبيرة بأصبهان، اجتزت بها
غير مرة، وأهل أصبهان يقولون لها: خورجان إلى الساعة، ثم ذكر علي بن أحمد هذا من
المشهورين بالانتساب إليها.
20

وحدث ببغداد بكتاب " الحلية " لأبي نعيم عنه لما حج.
قال السمعاني: كان إماما فاضلا، صحيح السماع، محققا في
الاخذ، حدثنا عنه إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن
ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وغير واحد.
ورد نعيه من أصبهان إلى بغداد في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين.
وأرخ موته بعض الأصبهانيين في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وأربع مئة.
قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن حمد الحداد، فقال: كتبنا
عنه، قل من رأيت مثله في الثقة، كان يقابل، ولا يثق بغيره.
وقال أبو علي الصدفي: كان فاضلا جليلا عند أهل بلده، وكانت له
مهابة.
وقال ابن النجار: قرأت بخط أبي عامر محمد بن سعدون: حج حمد
الحداد، ثم انصرف، فنزل بالحريم، وحدث بكتاب " الحلية " وغير
ذلك، سمعت منه، وكان ذا وقار وسكينة، يقظا فطنا، ثقة ثقة، حسن
الخلق، رحمه الله.
14 - سليمان بن إبراهيم *
ابن محمد بن سليمان الحافظ العالم المحدث المفيد، أبو مسعود.

* الأنساب: 542 / أ، المنتظم: 9 / 78، العبر: 3 / 311، تذكرة الحفاظ:
3 / 1197 - 1200، ميزان الاعتدال: 2 / 195، المغني في الضعفاء: 1 / 277، مرآة
الجنان: 3 / 142، البداية: 12 / 145، لسان الميزان: 3 / 76 - 77، طبقات الحفاظ:
443، شذرات الذهب: 3 / 377 - 378، الرسالة المستطرفة: 30.
21

الأصبهاني الملنجي (1).
ولد في رمضان سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.
وسمع أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه،
وابن جولة (2) الأبهري، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا سعيد
محمد بن علي النقاش، وأبا نعيم، وعدة، وببغداد أبا علي بن شاذان، وأبا
بكر البرقاني، وأبا القاسم بن بشران، وابن طلحة المنقي (3)، وأبا القاسم
الحرفي (4)، ونظراءهم، وكتب الكثير، وجمع وصنف.
سمع منه أبو نعيم شيخه.
وحدث عنه: أبو بكر الخطيب، وهو أكبر منه، وإسماعيل بن محمد
التيمي، وأحمد بن عمر الغازي، وهبة الله بن طاووس المقرئ، وأبو سعد
البغدادي، ومحمد بن طاهر الطوسي، وشرف بن عبد المطلب الحسيني،
ومحمد بن عبد الواحد المغازلي، ورجاء بن حامد المعداني (5)، وأبو جعفر
محمد بن حسن الصيدلاني، ومسعود بن الحسن الثقفي، وآخرون.
قال السمعاني: كانت له معرفة بالحديث، جمع الأبواب، وصنف

(1) بكسر الميم، وفتح اللام، وسكون النون، وبعدها جيم: نسبة إلى ملنجة من
قرى أصبهان.
(2) بضم الجيم، وهو أبو بكر محمد بن علي بن جولة الأبهري " مشتبه المؤلف ":
1 / 274.
(3) هذا يقال لمن ينقي الطعام. " اللباب ": 3 / 264.
(4) هذه النسبة للبقال ببغداد، ولمن يبيع الأشياء التي تتعلق بالبقالين. " الأنساب ":
4 / 112.
(5) بفتح الميم، وسكون العين، وفتح الدال نسبة إلى معدان، وهو اسم لجد
المنتسب إليه.
22

التصانيف، وخرج على " الصحيحين "، سألت أبا سعد البغدادي عنه،
فقال: لا بأس به، ووصفه بالرحلة والجمع، والكثرة، كان يملي علينا،
فقام سائل يطلب، فقال سليمان: من شؤم السائل أن يسأل أصحاب
المحابر. وسألت إسماعيل الحافظ عنه، فقال: حافظ، وأبوه حافظ (1).
قال أبو عبد الله الدقاق في " رسالته ": سليمان الحافظ له الرحلة
والكثرة، ووالده إبراهيم يعرف بالفهم والحفظ، وهما من أصحاب أبي
نعيم، تكلم في إتقان سليمان، والحفظ هو الاتقان، لا الكثرة (2).
وقال أبو سعد البغدادي: شنع عليه أصحاب الحديث في جزء ما كان
له به سماع، وسكت أنا عنه (3).
قلت: الرجل في نفسه صدوق، وقد يهم، أو يترخص في الرواية
بحكم الثبت.
وقال يحيى بن منده: في سماع كلام، سمعت من ثقات أن له أخا
يسمى إسماعيل أكبر منه، فحك اسمه، وأثبت اسم نفسه، وهو شيخ شره لا
يتورع، لحان وقاح (4).
قلت: توفي في ذي القعدة سنة ست وثمانين، وله تسعون عاما غير
أشهر.

(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1198، و " لسان الميزان ": 3 / 76.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1198، و " لسان الميزان ": 3 / 77.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1198.
(4) في اللسان: وقح الرجل: إذا صار قليل الحياء، فهو وقح ووقاح، وقد أورد
المؤلف كلام ابن منده هذا في " التذكرة ": 3 / 1198.
23

أنبأنا المسلم بن علان، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو
بكر الخطيب، أخبرنا سليمان بن إبراهيم أبو مسعود، حدثنا محمد بن
إبراهيم، حدثنا محمد بن الحسين القطان، حدثنا إبراهيم بن الحارث،
حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن
الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته
دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا بلغته البيضاء،
وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة.
وأخبرناه عاليا محمد بن حسن الفقيه، أخبرتنا كريمة القريشية، عن
محمد بن الحسن الصيدلاني، أخبرنا سليمان بهذا. وقد عاش الصيدلاني
بعد الخطيب مئة سنة وخمس سنين.
أخرجه البخاري (1) عن إبراهيم، فوافقناه.
وينبغي التوقف في كلام يحيى، فبين آل منده وأصحاب أبي نعيم
عداوات وإحن (2).

(1) رقم (2739) في أول الوصايا، وإبراهيم بن الحارث ليس له في البخاري سوى
هذا الحديث، ويحيى بن أبي بكير هو الكرماني، وليس هو يحيى بن بكير المصري
صاحب الليث، وأبو إسحاق هو السبيعي، وعمرو بن الحارث هو المصطلقي الخزاعي أخو
جويرية أم المؤمنين، وقد صرح أبو إسحاق السبيعي بسماع هذا الحديث من عمرو بن
الحارث في رواية البخاري (2873) من طريق عمرو بن علي، عن يحيى، عن سفيان،
عن أبي إسحاق، وهو عند البخاري (2912) و (3098) و (4461) من طريقين، عن
أبي إسحاق به، وأخرجه أحمد 4 / 279، والنسائي 6 / 229 في الأحباس، من طريقين،
عن سفيان، عن أبي إسحاق به.
(2) في ميزان المؤلف 1 / 111 في ترجمة أبي نعيم: وكلام ابن منده في أبي نعيم
فظيع لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان، لا أعلم لهما
ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها، قرأت بخط يوسف بن أحمد الشيرازي
الحافظ: رأيت بخط ابن طاهر المقدسي، يقول: أسخن الله عين أبي نعيم يتكلم في أبي
عبد الله بن منده، وقد أجمع الناس على إمامته، وسكت عن لاحق، وقد أجمع الناس على
أنه كذاب. قلت: (القائل الذهبي): كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا
لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب، أو لحسد.
24

ومات معه حمد الحداد (1)، وابن زكري الدقاق، والشيخ أبو الفرج
الشيرازي، وعبد الواحد بن فهد العلاف، وشيخ الاسلام أبو الحسن
الهكاري (2)، وأبو الحسن بن الأخضر، وأبو المظفر موسى بن عمران
الأنصاري، ونصر بن الحسن التنكتي (3) الشاشي (4)، وهبة الله بن عبد
الوارث الشيرازي (5)، ويعقوب البرزبيني الحنبلي (6).
15 - أبو الأصبغ *
العلامة أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي الجياني
المالكي.
تفقه بمحمد بن عتاب، ولازمه، وسمع من حاتم الأطرابلسي،
ويحيى بن زكريا القليعي، والقاضي ابن أسد الطليطلي، وابن ارفع رأسه.

(1) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (13).
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (37).
(3) ضبطت في الأصل بضم الكاف، وكذلك ضبطها ياقوت في " معجمه "، وضبطها
السمعاني في " الأنساب " بفتح الكاف، وتابعه على ذلك ابن الأثير، وتنكت: مدينة من
مدن الشاش وراء نهر سيحون.
(4) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (234).
(5) تقدمت ترجمته برقم (11).
سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (52).
* الصلة: 2 / 438، بغية الملتمس: 403، العبر: 3 / 311، المرقبة العليا:
96 - 97، الديباج المذهب: 2 / 70 - 72، شذرات الذهب 3 / 377 - 378، هدية
العارفين: 1 / 807، شجرة النور الزكية: 1 / 122.
25

وصنف في الاحكام كتابا (1) حسنا، ورأس بسبتة، نوه به صاحبها
البرغواطي (2).
وأخذ عنه القاضي أبو محمد بن منصور، والقاضي إبراهيم بن أحمد
النصري، وأبو محمد بن الجوزي، وآخرون. وولي قضاء غرناطة.
قال ابن بشكوال (3): يروي عن مكي القيسي، وأبي بكر بن الغراب،
وابن الشماخ، وتوفي مصروفا عن قضاء غرناطة في المحرم سنة ست وثمانين
وأربع مئة، وله ثلاث وسبعون سنة.
16 - الحصري *
الأديب العلامة أبو الحسن علي بن عبد الغني، الفهري، القيرواني،

(1) سماه ابن فرحون في " الديباج المذهب ": 2 / 71: " الاعلام بنوازل
الاحكام "، وقال ابن بشكوال: مفيد، يعول عليه الحكام، ووصفه الزركلي في " الاعلام "
بأنه مجلد ضخم في خزانة الرباط (86) أوقاف، عمل في تحقيقه وتهيئته للطبع الدكتور
نصوح النجار.
(2) لم أعثر على نسبته في كتب الأنساب.
(3) الصلة: 2 / 438.
* جذوة المقتبس: 314 - 315، الذخيرة: 4 / 1 / 245 - 283، السلفي: 63،
110 - 111، الصلة: 2 / 432، 433، الخريدة: 2 / 186، بغية الملتمس: 1229،
معجم الأدباء: 14 / 39 - 41، أدباء مالقة لابن عسكر: 157، المعجب: 205، الحلة
السيراء: 2 / 54، 67، وفيات الأعيان: 3 / 331 - 334، المختصر: 2 / 208، تتمة
المختصر: 2 / 17 وفيه الحضري، مسالك الابصار: 11 / 375، 455، 468، العبر:
3 / 321، الوافي بالوفيات (خ) 12 / 100، نكت الهميان: 213، عيون التواريخ (خ):
13 / 6 - 17، طبقات القراء: 1 / 550 - 551، كشف الظنون: 1337، 1344،
شذرات الذهب: 3 / 385 - 386، إيضاح المكنون: 1 / 110، هدية العارفين:
1 / 693.
26

الحصري، المقرئ، الضرير، من كبار الشعراء، وله تصانيف في
القراءات (1).
وقد مدح الملوك، وأخذ جوائزهم، وله في ابن عباد قصائد، ونظمه
عذب جزل (2).
اتفق موته بطنجة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
وكان المعتمد بن عباد بعث إليه خمس مئة دينار ليفد عليه، فكتب:
أمرتني بركوب البحر أقطعه * غيري لك الخير فاخصصه بذا الرائي
ما أنت نوح فتنجيني سفينته * ولا المسيح أنا أمشي على الماء (3)
17 - ظهير الدين *
الوزير العادل، ظهير الدين، أبو شجاع محمد بن الحسين بن

(1) منها القصيدة الرائية الحصرية في قراءة نافع، عدد أبياتها مئتان وتسعة أبيات.
(2) وهو صاحب القصيدة السائرة التي أولها:
يا ليل الصب متى غده * أقيام الساعة موعده
رقد السمار فأرقه * أسف للبين يردده.
وقد عارضها غير واحد من الشعراء، منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، ومطلع
قصيدته:
مضناك جفاه مرقده * وبكاه ورحم عوده
وانظر ما كتب د. زكي المبارك في الموازنة بين القصيدتين.
(3) البيتان في وفيات الأعيان: 3 / 334.
* المنتظم: 9 / 90 - 94، الخريدة: 1 / 77، الكامل في التاريخ: 10 / 250،
وفيات الأعيان: 5 / 134 - 137، الفخري: 297 - 299، الوافي بالوفيات: 3 / 3 - 4،
طبقات السبكي: 4 / 136، 140، البداية: 2 / 150 - 151، الاعلام (خ) حوادث:
488، كشف الظنون: 344، معجم الأنساب: 9.
27

محمد (1) الروذراوري (2).
مولده بقلعة كنكور (3)، من أعمال همذان، سنة سبع وثلاثين وأربع
مئة.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: تغير القائم على وزيره أبي نصر
ابن جهير، فصرفه بأبي يعلى الحسين بن محمد، فخدم ولده أبو شجاع
صهر ابن رضوان القائم بثلاثين ألف دينار. فعزل ابن جهير سنة ستين،
ومات حينئذ أبو يعلى، فعوض ولده أبو شجاع عن المال بدار البساسيري،
فباع منها بأضعاف ذلك المال، وتكسب، وتعاني العقار، ثم خدم ولي
العهد المقتدي، وصار صاحب سره، فلما استخلف، عظم أبو شجاع،
فسمع نظام الملك، فكاتب المقتدي في إبعاده، فكتب المقتدي إلى النظام
بخطه يعرفه منزلة أبي شجاع لديه، ويصف دينه وفضله، ثم أمر أبا شجاع
بالمضي إلى أصبهان، وبعث في خدمته خادمه مختصا، فخضع النظام،
وعاد لأبي شجاع بالود في سنة خمس وسبعين، ثم عزل المقتدي ابن جهير
في سنة ست، واستوزر أبا شجاع (4)، وأقبلت سعادته، وتمكن من المقتدي
تمكنا عجيبا، وعزت الخلافة، وأمن الناس، وعمرت العراق، وكثرت
المكاسب.
وكان كثير التلاوة والتهجد، ويكتب مصاحف، ويجلس للمظالم،

(1) في " المنتظم " و " الكامل " و " الوافي ": محمد بن الحسين بن عبد الله بن
إبراهيم.
(2) بضم الراء، وسكون الواو، والذال المعجمة، وفتح الراء والواو بينهما ألف في
آخرها راء أخرى: نسبة إلى روذراور: بليدة بنواحي همذان.
(3) ضبطت في الأصل بفتح الكافين، أما ياقوت، فقد ضبطها في معجمه بكسرهما.
(4) انظر " الكامل " لابن الأثير: 10 / 122، 130.
28

فيغتص الديوان بالسادة والكبراء، وينادي الحجاب: أين أصحاب
الحوائج؟ فينصف المظلوم، ويؤدي عن المحبوس، وله في عدله حكايات
في إنصاف الضعيف من الأمير (1).
وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوجت بالمقتدي، فاستعفي
من لبس الحرير، فنفذت له عمامة ودبيقية (2) بمئتين وسبعين دينارا،
فلبسها.
وقيل: إنه أمر ليلة بعمل قطائف، فلما أحضرت، تذكر نفوس
مساكين تشتهيها، فأمر بحملها إلى فقراء وأضراء (3).
وقيل: أحصي ما أنفقه على يد كاتب له، فبلغ أزيد من مئة ألف
دينار (4).
قال الكاتب: وكنت واحدا من عشرة يتولون صدقاته (5).
وكان كاملا في فنون، وله يد بيضاء في البلاغة والبيان، وكتابته طبقة
عالية على طريقة ابن مقلة (6)، ولقد بالغ ابن النجار في استيفاء ترجمته.

(1) قال العماد في " الخريدة ": وكان عصره أحسن العصور، وزمانه أنضر الأزمان،
ولم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدين وقانون الشريعة مثله، صعبا شديدا في أمور
الشرع، سهلا في أمور الدنيا، لا تأخذه في الله لومة لائم. وانظر " المنتظم ": 9 / 91،
و " طبقات السبكي ": 4 / 137.
(2) نوع من الثياب تنسب إلى دبيق، بليدة بين الضرما وتنيس من أعمال مصر، معجم
البلدان: 2 / 438، والقاموس في مادة دبق.
(3) " المنتظم ": 9 / 91.
(4) " المنتظم ": 9 / 90.
(5) " المنتظم ": 9 / 90.
(6) هو أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الوزير الكاتب المشهور الذي
يضرب بحسن خطه المثل، ولد في بغداد، وولي جباية الخراج في بعض أعمال فارس،
واستوزره المقتدر العباسي سنة 316 ه‍، ثم تقلب به الدهر من حال إلى حال، إلى أن توفي
في سنة 328 ه‍. تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (86).
29

وزر سبع سنين وسبعة أشهر، ثم عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة
لموجدة، فأنشد أبو شجاع:
تولاها وليس له عدو * وفارقها وليس له صديق (1)
ثم خرج إلى الجمعة، فضجت العامة يدعون له، ويصافحونه، فألزم
لذلك بأن لا يخرج من داره، فاتخذ في دهليزه مسجدا، ثم حج لعامه،
ورجع، فمنع من دخول بغداد، وبعث إلى روذراور، فبقي فيها سنتين، ثم
حج بعد موت النظام والسلطان والخليفة، ونزل المدينة وتزهد، فمات
خادم، فأعطى الخدام ذهبا، حتى جعل موضع الخادم، فكان يكنس
ويوقد (2)، ولبس الخام، وحفظ القرآن هناك، وطلب منه أبو علي العجلي
أن يقرأ عليه ديوانه، فامتنع، وأنشده بعضه (3).
قال أبو الحسن الهمذاني: دفن بالبقيع في نصف جمادى الآخرة سنة
ثمان وثمانين وأربع مئة عن إحدى وخمسين سنة، رحمه الله تعالى.
وخلف من الولد الصاحب نظام الدين، فتوفي بأصبهان سنة ثلاث
عشرة وخمس مئة، وهو والد الوزير المعظم ظهير الدين محمد بن أبي منصور
حسين بن الوزير أبي شجاع.

(1) البيت غير منسوب في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 187، و " وفيات الأعيان ": 5 / 135،
و " الوافي بالوفيات ": 3 / 3.
(2) انظر " المنتظم ": 9 / 93، و " طبقات السبكي ": 4 / 39.
(3) وقد أورد له ابن خلكان، والعماد، وابن الجوزي، والصلاح الصفدي جملة
من شعره.
30

وزر للمستظهر في حياة أبيه، وكان أبوه قد لحق بالسلطان محمد بن
ملكشاه، فتشفع السلطان في الولد إلى المستظهر حتى استوزره، فوزر،
وسنه يومئذ سبع عشرة سنة وستة أشهر (1)، وناب عنه علي بن طراد الزينبي،
ثم استخلف المسترشد، فعزله، ولم يستخدم بعدها، ولزم داره نحوا من
خمسين سنة مرفها مكرما، وكان كثير الصدقة.
مات في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمس مئة.
18 - الهمذاني *
العلامة أبو الفضل عبد الملك بن إبراهيم الهمذاني - ويعرف
بالمقدسي - الفرضي، المقرئ، الشافعي، نزيل بغداد، والد المؤرخ
محمد بن عبد الملك، رأس في الفرائض، فقيه صالح، متأله، أريد على
قضاء القضاة، فامتنع.
ولد سنة نيف عشرة وأربع مئة.
وسمع في سنة ثلاث وثلاثين بتستر.

(1) في " المنتظم " لابن الجوزي: 9 / 198: وكان عمره عشرين سنة.. فكتب له
أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
هنيئا لك الفخر فافخر هنيا * كما قد رزقت مكانا عليا
رقيت كآبائك الأكرمين * لدست الوزارة كفوا رضيا
تقلدت أعباءها يافعا * كما أوتي الحكم يحيى صبيا
* المنتظم: 9 / 100 - 101، الكامل لابن الأثير: 10 / 261، ذيل تاريخ بغداد:
1 / 8 - 14، عيون التواريخ: 13 / 55، نكت الهميان: 54، طبقات السبكي: 5 / 162 -
164، طبقات الأسنوي: 2 / 529، البداية: 12 / 153، لسان الميزان: 4 / 57، كشف
الظنون: 1252.
31

روى عن: عبد الله بن عبدان الفقيه، وأبي علي الشاموخي (1)، وعدة.
وقال أحمد بن الآبنوسي (2): منسوب إلى الاعتزال.
وفي " فنون " ابن عقيل (3): كان عالما في أصول الفقه والعربية
والفرائض، وأكثر علمه الفقه، قال: وكان على طريقة السلف زاهدا ورعا.
وقال شجاع الذهلي: معتزلي علقت عنه (4).
وقال ابنه: كان يحفظ " غريب الحديث " لأبي عبيد (5)، و
" المجمل " لابن فارس (6). لم نعرف أنه اغتاب أحدا.
توفي في رمضان سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
19 - أبو عامر الأزدي * الشيخ الامام المسند القاضي أبو عامر، محمود بن القاسم ابن القاضي

(1) نسبة إلى شاموخ، وهي قرية بنواحي البصرة. الأنساب: 7 / 265.
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم: (177).
(3) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (259)، وكتابه " الفنون " يقال: إنه في أربع
مئة مجلد، ولا يعلم في الاسلام تأليف أكبر منه، وقد طبع منه مجلد، وتولى تحقيقه من
ليس بأهل لان يتولاه، فوقع له فيه أغاليط وتحريفات كثيرة مدونة في مجلة المجتمع بدمشق.
(4) انظر ذيل تاريخ بغداد: 1 / 12.
(5) القاسم بن سلام الهروي المتوفي سنة 244 ه‍، تقدمت ترجمته 10 / ت 164،
وكتابه " غريب الحديث " مطبوع في دائرة العثمانية بالهند سنة 1964.
(6) هو أحمد بن فارس بن زكريا، اللغوي الأديب، المتوفي سنة (395) وقد
تقدمت ترجمته 17 / ت 65، وكتاب " المجمل " أشهر كتب ابن فارس في اللغة، التزم فيه
إيراد الصحيح من اللغات، وقد طبع منه جزء صغير غير محقق في مطبعة السعادة بمصر سنة
1331 ه‍ وتقوم الآن مؤسسة الرسالة بنشره كاملا بتحقيق زهير عبد المحسن سلطان، وسيكون في أيدي
القراء قريبا إن شاء الله تعالى.
* التقييد: الورقة: 199 أ - 199 ب، العبر: 3 / 318، طبقات السبكي:
5 / 327 - 328، طبقات الأسنوي: 1 / 94 - 95، شذرات الذهب: 3 / 382.
32

الكبير أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن حسين بن محمد بن
مقاتل بن صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة،
الأزدي، المهلبي، الهروي، الشافعي، من كبار أئمة المذهب.
حدث بجامع الترمذي عن عبد الجبار الجراحي.
قال أبو النضر الفامي: شيخ عديم النظير زهدا وصلاحا وعفة، لم يزل
على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهائه. وكانت إليه الرحلة من الأقطار،
والقصد لأسانيده (1). ولد سنة أربع مئة.
وقال أبو جعفر بن أبي علي الهمذاني: كان شيخنا أبو عامر من أركان
مذهب الشافعي بهراة، كان نظام الملك يقول: لولا هذا الامام في هذه
البلدة، لكان لنا ولهم شأن - يهددهم (2) -. وكان يعتقد فيه اعتقادا عظيما،
لكونه لم يقبل منه شيئا قط.
ولما سمعت منه " الجامع " (3)، هنأني شيخ الاسلام أبو
إسماعيل (4)، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة. وكان شيخ الاسلام قد
سمعه قديما نازلا، ثم سمعه من الجراحي (5).

(1) الخبر في " طبقات السبكي ": 5 / 328.
(2) في " طبقات السبكي ": 5 / 328: يهددهم به.
(3) أي: جامع الامام الترمذي، وأخطأ من سماه " صحيح الترمذي " فإنه لم يلتزم فيه
الصحة كالبخاري ومسلم.
(4) هو الحافظ الكبير أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد الأنصاري
الهروي، صاحب كتاب " الأربعين "، وكتاب " منازل السائرين "، وكتاب " ذم الكلام
وأهله ". المتوفى سنة 481 ه‍ وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260).
(5) وقد أورد المؤلف ذلك في " تذكرته ": 1183.
33

قلت: روى عنه المؤتمن الساجي، وابن طاهر، وأبو نصر
اليونارتي، وصاعد بن سيار، وزاهر بن طاهر، وأبو جعفر محمد بن أبي
علي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي المجاور، وأبو الفتح نصر بن سيار
الباقي إلى سنة ثنتين وسبعين وخمس مئة.
قال السمعاني: هو جليل القدر، كبير المحل، عالم فاضل (1).
سمع من جده أبي منصور الأزدي، وعبد الجبار الجراحي، وأبي عمر
محمد بن الحسين البسطامي، وأبي معاذ أحمد بن محمد الصيرفي،
والحافظ أحمد بن محمد الجارودي، وأبي معاذ بن عبس الزاغاني، وبكر
ابن محمد المروروذي، وجماعة.
وقال أبو جعفر بن أبي علي: كان شيخ الاسلام يزور أبا عامر ويعوده
إذا مرض، ويتبرك بدعائه (2).
قال الفامي: مات أبو عامر الأزدي في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين
وأربع مئة.
20 - السمسار *
الشيخ المعمر، أبو نصر عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن يوسف،
الأصبهاني السمسار.
حدث عن: أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وعلي بن ميلة

* طبقات السبكي: 5 / 328، والأسنوي: 1 / 95.
(2) طبقات السبكي: 5 / 328.
* العبر: 3 / 328، عيون التواريخ: 13 / 79، شذرات الذهب: 3 / 359.
34

الفرضي، وأبي بكر بن أبي علي.
وعنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو طاهر السلفي.
سئل عنه إسماعيل الحافظ، فقال: شيخ لا بأس به.
وقال السلفي: توفي في المحرم سنة تسعين وأربع مئة.
قلت: نيف على التسعين، وهو آخر من حدث عن الجرجاني موتا.
21 - البكري *
العلامة المتفنن أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري،
نزيل قرطبة.
حدث عن: أبي مروان بن حيان، وأبي بكر المصحفي، وأجاز له أبو
عمر بن عبد البر، وكان رأسا في اللغة وأيام الناس.
صنف في أعلام النبوة، وعمل شرحا لأمالي القالي، وكتاب
" اشتقاق الأسماء "، وكتاب " معجم ما استعجم من البلدان

* القلائد للفتح: 191، الذخيرة: ق 2 / م 1 / 232 - 238، الصلة: 1 / 287 -
288، الخريدة: 12 / الورقة: 158، بغية الملتمس: 436، وقال: ذكره محمد بن
مدرك الغساني توفي سنة 496 ه‍، الحلة السيراء: 2 / 180 - 187، عيون الانباء: 500،
المغرب في حلي المغرب: 1 / 347 - 349، البيان المغرب: 3 / 240، طبقات المسالك:
11 / 422، الوافي بالوفيات (خ): 15 / 59 - 60، نهاية الإرب: 5 / 145، طبقات
النحاة لابن قاضي شهبة: 336، بغية الوعاة: 2 / 49، إيضاح المكنون: 1 / 540،
2 / 396، تاريخ الفكر الأندلسي: 309 - 311، مقدمة الميمني على سمط اللآلئ،
مقدمة معجم ما استعجم: 1 / من ص - ش، الجغرافية والجعرافيين لحسين مؤنس:
107 - 148، دائرة المعارف الاسلامية: 4 / 48 - 50.
35

والأماكن "، وكتاب " النبات ". وكان من أوعية الفضائل.
حدث عنه: محمد بن معمر المالقي، ومحمد بن عبد العزيز بن
اللخمي، وطائفة.
توفي سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
22 - [البكري القصاص]
أما البكري القصاص الكذاب، فهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن
محمد البكري، طرقي مفتر، لا يستحيي من كثرة الكذب الذي شحن به
مجاميعه وتواليفه (1)، هو أكذب من مسيلمة، أظنه كان في هذا العصر.
23 - نجيب بن ميمون *
ابن سهل بن علي، الشيخ الجليل، مسند هراة، أبو سهل الواسطي،
ثم الهروي.
سكن والده هراة، وسمع ولده من أبي علي منصور بن عبد الله
الذهلي، ورافع بن عصم الضبي، وحاتم بن محمد الهروي، وأحمد بن

(1) قال المؤلف في " الميزان ": 1 / 112: وما روى حرفا من العلم بسند، ويقرأ له
في سوق الكتبيين كتاب " ضياء الأنوار "، و " رأس الغول "، و " شر الدهر "، وكتاب
" كلندجة "، و " حصن الدولاب "، وكتاب " الحصون السبعة "، وصاحبها هضام بن
الجحاف، وحروب الإمام علي معه، وغير ذلك. ومن مشاهير كتبه " الذروة " في السيرة
النبوية، ما ساق غزوة منها على وجهها، بل كل ما يذكره لا يخلو من بطلان إما أصلا، وإما
زيادة.
* المنتخب: الورقة: 138 ب - 139 أ، التقييد: الورقة: 215 ب، العبر:
3 / 324، عيون التواريخ: 13 / 51، شذرات الذهب: 3 / 392 وفيه محبب تحريف.
36

علي الشارعي، ومحمد بن منصور الحوتكي (1)، والقاضي محمد بن محمد
الأزدي، وعدة.
مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة.
حدث عنه: ابن طاهر، ووجيه الشحامي، وأبو النضر الفامي، وعبيد
الله بن حمزة الموسوي (2)، وأخوه علي بن حمزة، والمطهر بن يعلى،
ومحمد بن المفضل الدهان، والجنيد بن محمد القايني (3)، وأبو الفتح نصر بن
سيار، وعلي بن سهل الشاشي، وأمة الله بنت محمد العارف، وآخرون.
قال أبو عبد الله الدقاق: ليس بقي في الدنيا من يروي عن أبي علي
منصور سوى نجيب.
مات نجيب في العشرين من رمضان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وله
ست وتسعون سنة وشهر، وروى شيئا كثيرا.
24 - طراد بن محمد *
ابن علي بن حسن بن محمد، الشيخ الامام الأنبل، مسند العراق،

(1) قال ابن دريد في " الاشتقاق " ص: 546: ومن بطونهم: بنو حوتكة بمصر،
و " الحوتك ": الصغير من كل شئ، وقال محققه الأستاذ عبد السلام هارون: في ديارنا
المصرية بلدة تسمى " الحواتكة " من أعمال أسيوط.
(2) نسبة لجماعة من السادة العلوية ينسبون إلى موسى الكاظم. اللباب: 3 / 268.
(3) في الأصل الفاتني، وهو تحريف، وسترد ترجمته في الجزء العشرين رقم (181).
* الاكمال: 4 / 202، الأنساب: 6 / 346، المنتظم: 9 / 106، الكامل في
التاريخ: 10 / 280، دول الاسلام: 2 / 20، العبر: 3 / 331، وذكره الذهبي في تذكرة
الحفاظ: 4 / 1228، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 132 - 133، عيون التواريخ:
13 / 81 - 82، الوافي بالوفيات (خ): 14 / 98، مرآة الجنان: 3 / 154، البداية
والنهاية: 12 / 155، الجواهر المضية: 2 / 281 - 282، النجوم الزاهرة: 5 / 162،
الطبقات السنية: رقم / 1017، كشف الظنون: 2 / 1178، شذرات الذهب: 3 / 396 -
397، تاج العروس: 2 / 409.
37

نقيب النقباء، الكامل، أبو الفوارس بن أبي الحسن القرشي، الهاشمي،
العباسي، الزينبي، البغدادي.
ولد سنة ثمان وتسعين، وسمع أبا نصر بن حسنون النرسي، وأبا
الحسن بن رزقويه، وهلالا الحفار، وأبا الحسين بن بشران، والحسين بن
برهان، وأبا الفرج بن المسلمة، وأبا الحسن بن الحمامي، وطائفة. وأملى
مجالس عدة، وخرج له " العوالي " المشهورة، و " فضائل الصحابة ".
حدث عنه ولداه: علي الوزير، ومحمد، وابن ناصر، وعمر بن
عبد الله الحربي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وشهدة الكاتبة،
وكمال بنت أبي محمد بن السمرقندي، وعمها إسماعيل، وهبة الله بن
طاووس، وتجني الوهبانية، وأبو الكرام الشهرزوري، وعبد الله بن علي
الطامذي (1) الأصبهاني، وخلق، آخرهم موتا خطيب الموصل أبو الفضل
الطوسي.
قال السمعاني: ساد الدهر رتبة، وعلوا، وفضلا، ورأيا، وشهامة،
ولي نقابة البصرة، ثم بغداد. ومتع بسمعه وبصره وقوته، وترسل عن
الديوان، فحدث بأصبهان، وكان يحضر مجلس إملائه جميع أهل العلم،
لم ير ببغداد مثل مجالسه بعد القطيعي (2). وقد أملى بمكة سنة تسع وثمانين

(1) قال السمعاني: بفتح الطاء المهملة والميم، بينهما الألف، وفي آخرها الذال
المعجمة، هذه النسبة إلى طامذ، وظني أنها قرية من قرى أصبهان.
" الأنساب ": 8 / 179.
(2) هو أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي صاحب القطيعيات، وهي خمسة
أجزاء حديثية، وراوي مسند أحمد، تقدمت ترجمته في الجزء السادس عشر رقم (143).
38

وبالمدينة، وألحق الصغار بالكبار.
قال أبو علي بن سكرة: كان أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة.
وقال السلفي: كان حنفيا من جلة الناس، وكبرائهم، ثقة، ثبتا، لم
ألحقه.
قلت: مات في سلخ شوال، سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، ودفن
بداره حولا، ثم نقل.
وقد مر أخوه مسند بغداد أبو نصر الزينبي (1)، وسيأتي أخواهما نور
الهدى الحسين، وأبو طالب حمزة (2) سنة بضع وخمس مئة، وأخوهم
الخامس - هو الأكبر - أبو تمام محمد بن محمد الزينبي، ومولاه أبو علي
محمد بن وشاح الزينبي من كبار الرواة، وأخوهم السادس أبو منصور محمد
ابن محمد بن علي، يروي عن عيسى بن الوزير (3).
كتب عنه الخطيب، وقال: توفي سنة إحدى وخمسين وأربع مئة (4).
أبوهم:
25 - [محمد بن أبي تمام] *
النقيب السيد أبو الحسن محمد بن أبي تمام علي بن أبي القاسم
الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن محمد بن سلمان بن

(1) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر (228).
(2) انظر الترجمة (208) و (209) من هذا الجزء.
(3) " تاريخ بغداد ": 3 / 238.
(4) انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 3 / 237 - 238.
* ذكره السمعاني في " الأنساب " مع أولاده: 6 / 346.
39

عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن حبر الأمة
عبد الله بن العباس الهاشمي.
ولي نقابة بني هاشم بعد موت أبيه أبي تمام، في سنة أربع وثمانين
وثلاث مئة، وسمع من أبي بكر بن شاذان.
حدث عنه: أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي في مشيخته.
وكان يلقب بنظام الحضرتين.
عاش إحدى وستين سنة، وتوفي في ذي القعدة سنة سبع وعشرين
وأربع مئة، ورثاه الشريف المرتضى.
26 - ابن أبي حرب * الشيخ الثقة العابد، أبو القاسم الفضل بن أبي حرب أحمد بن محمد
ابن عيسى الجرجاني، ثم النيسابوري التاجر.
ولد سنة خمس وأربع مئة. وسمعه أبوه الكثير.
فحدث عن حمزة المهلبي، وابن محمش، وأبي عبد الرحمن
السلمي، ويحيى المزكي، وعبد الرحمن بن محمد السراج، وعلي بن
محمد بن السقاء، وأبي بكر الحيري، وعدة.
وعنه أحمد بن سعد العجلي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو عثمان
العصائدي (1)، وعبد الله بن الفراوي، وعمر بن أحمد الصفار، وصدقة

* لم أعثر له على ترجمة.
(1) بفتح العين والصاد المهملتين: نسبة إلى عمل العصيدة، واسم أبي عثمان:
إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد بن أحمد، قال السمعاني: 8 / 463: كان شيخا كاتبا
شهما، ذا بصر بالأمور الجليلة، مليح الشيبة...، حدث بالكثير، وعمر العمر الطويل،
وأملى مدة مديدة بجامع نيسابور، وحضرت مجلس إملائه، وكتبت عنه بمرو ونيسابور،
وكانت ولادته في سنة خمس وستين وأربع مئة بنيسابور. قلت: لم يؤرخ السمعاني وفاته،
وأرخها الامام الذهبي في " المشتبه " 2 / 463 سنة (500) ه‍.
40

ابن محمد السياف، وأحمد بن قفرجل، ونصر بن نصر العكبري،
وآخرون.
قال أبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحداد: سمعت بعض جيران
الفضل بن أبي حرب يقول: ما ترك أحدا في جواره منذ ثلاثين سنة أن ينام من
قراءته وبكائه.
وقال محمد بن أبي علي الهمذاني الحافظ في مشيخته: ومنهم الشيخ
الجليل العالم أبو القاسم الجرجاني التاجر الصدوق، صاحب سماع كثير،
ومسانيد جياد، وكان أجود الناس كفا في مواساة الفقراء، وكان والده يضرب
به المثل، ويقال: أبو حرب، حاتم وقته في السخاء.
توفي أبو القاسم في ثالث عشر رمضان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
حدث بخراسان، والعراق، ومكة. وكتب عنه الحفاظ رحمه الله.
27 - العباداني *
الشيخ الجليل المعمر مسند البصرة أبو طاهر جعفر بن محمد بن
الفضل القرشي، العباداني، ثم البصري.
سمع من القاضي أبي عمر الهاشمي أجزاء من مسند علي بن إسحاق

* الأنساب: 8 / 336، العبر: 3 / 336، عيون التواريخ: 13 / 98، شذرات
الذهب: 3 / 399.
41

المادرائي (1)، وشيئا إملاء أبي عمر الهاشمي.
حدث عنه: أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، وعلي بن عبد
الملك الواعظ، وطلحة بن علي المالكي، ومحمد بن طاهر المقدسي،
وعبد الله بن علي الطامذي، وعبد الله بن عمر بن سليخ البصري،
وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعدة، والسلفي بالإجازة.
فأما قول المحدث أبي نصر اليونارتي: إن العباداني راوي سنن أبي
داود عن الهاشمي، فقول مردود، فإن الطلبة ازدحموا على أبي علي
التستري، فارتحل إليه ابن طاهر، ومؤتمن الساجي، ومحمد بن مرزوق
الزعفراني، وعدة. وقد مات سنة تسع وسبعين، فلو كان العباداني سمع
السنن، وبقي بعد التستري بضع عشرة، لكانت إليه الرحلة في الكتاب
أضعاف ذلك. ثم ما علمنا أحدا روى السنن عن العباداني، ولا ادعى
سماعها منه، فهذا شئ تفرد بذكره اليونارتي، وأظنه وهم.
قال أبو علي بن سكرة: أبو طاهر العباداني رجل صالح أمي.
وقال السلفي في " معجم أصبهان " له: سمعت يحيى بن محمد
النجراني يقول: توفي العباداني في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وأربع
مئة، ونودي له في البصرة: من أراد الصلاة على ابن العباداني الزاهد،
فليحضر. فلعله لم يتخلف من أهل البلد إلا القليل، ثم قال السلفي: كان
يروي عن الهاشمي، وأبي الحسن النجاد. قال: ومن مروياته: كتاب
السنن لأبي داود، يرويه عن أبي عمر الهاشمي.
قلت: مشى السلفي وراء قول اليونارتي.

(1) نسبة إلى مادرايا من أعمال البصرة، وعلي بن إسحاق هذا توفي سنة 334 ه‍.
42

أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا ابن رواج، أخبرنا
السلفي قال: كتب إلينا جعفر بن محمد من البصرة، وحدثني عنه شجاع
الكناني، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا علي
ابن حرب، حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن شقيق قال: كان ابن
مسعود يقول: إني لاخبر بمكانكم، فما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية
أن أملكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة كراهية السآمة علينا (1).
ومات معه في سنة ثلاث خلق.
منهم: الفقيه أبو القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد الباجي
الأصولي.
والفقيه أبو بكر أحمد بن عمر البيع الهمذاني.
وأبو عبد الله بن طلحة النعالي مسند العراق.
ولغوي الوقت سلمان بن عبد الله بن الفتي (2) النهرواني.
وعبد الله بن جابر بن ياسين الحنبلي.

(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (68) في العلم، و (6411) في الدعوات،
ومسلم (2821) في صفات المنافقين، والترمذي (2855)، وأحمد 1 / 377 و 378
و 425 و 440 و 443 و 462 من طرق عن الأعمش بهذا الاسناد.
وأخرجه من طريق منصور، عن شقيق، البخاري (70) في العلم: باب من جعل لأهل
العلم أياما معلومة، وأحمد 1 / 427 و 465.
(2) بالفاء وتاء واحدة بعدها ياء كما في الأصل، وفي المصادر التي ترجمت له، ولم يرد لها ذكر
في كتب الأنساب، وأورد السمعاني 9 / 239: " الفتيتي " وضبطه بضم الفاء والياء الساكنة بين
التاءين ثالث الحروف، وقال: كذا رأيت في تاريخ بغداد 2 / 99 مقيدا مضبوطا، وهو أبو
الحسن علي بن محمد بن عبد الله الفتيتي القطان من أهل النهروان... وسلمان هذا مترجم في
" معجم الأدباء " 11 / 234، وإنباه الرواة 2 / 26 - 28، والوافي بالوفيات 15 / 311 ومرآة
الجنان 3 / 156، وطبقات المفسرين للسيوطي 13، وبغية الوعاة 1 / 595، وشذرات الذهب
3 / 399، وروضات الجنات 322 - 323.
43

وأبو سعد عبد الجليل بن محمد الساوي (1) السفار.
والمقرئ عبد القاهر بن عبد السلام العباسي صاحب الكارزيني (2).
وأبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل الكفرطابي (3) البزاز.
والوزير ابن الوزير عميد الدولة أبو منصور محمد بن فخر الدولة ابن
جهير، وشيخ الطب مؤلف " المنهاج " (4) أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة
البغدادي (5).
وفقيه ما وراء النهر أبو اليسر محمد بن محمد بن حسين ابن المحدث
عبد الكريم بن موسى بن مجاهد البزدوي النسفي (6)، ويلقب بالقاضي
الصدر عن نيف وسبعين سنة.
28 - هبة الله بن عبد الرزاق *
ابن محمد بن عبد الله بن الليث، الشيخ الجليل المعمر، أبو الحسن
الأنصاري الأوسي الأشهلي، ثم السعدي البغدادي، من ذرية سعد بن معاذ

(1) نسبة إلى ساوة: بلدة بين الري وهمذان.
(2) نسبة إلى " كارزين " وهي من بلاد فارس مما يلي البحر " الأنساب ":
10 / 316.
(3) نسبة إلى " كفرطاب " وهي بلدة عند المعرة بين حلب وحماة. الأنساب:
10 / 448.
(4) والاسم الكامل: " منهاج البيان فيما يستعمله الانسان من الأدوية المفردة
والمركبة " وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 107 طب.
(5) انظر ترجمته في هذا الجزء رقم (108).
(6) انظر ترجمته في هذا الجزء رقم (30).
* المنتظم: 9 / 107 - 108، العبر: 3 / 332، عيون التواريخ: 13 / 84،
شذرات الذهب: 3 / 397.
44

الذي اهتز العرش لموته (1).
سمع جزء الحفار من صاحبه هلال بن محمد بن جعفر، وسمع من
أبي الحسين بن بشران، وأبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي.
وكان آخر أصحاب التميمي.
حدث عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو البركات بن الأنماطي،
وعبد الخالق اليوسفي، وعبد الرحمن بن أحمد الطوسي، ثم الموصلي،
ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني، وآخرون، وأجاز للحافظ
السلفي، وما تنبه له أن عنده جزء الحفار.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت بعض مشايخي يقول: إن الشريف
هبة الله الأنصاري كان يأخذ على جزء الحفار دينارا صحيحا.
قلت: ولد سنة اثنتين وأربع مئة، ومات في الحادي والعشرين من
ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وكان من ذوي الهيأت، ومن قراء
المواكب، صحيح السماع.
وفيها مات: طراد (2) الزينبي، وأبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن
أشته (3)، وأبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي بن الخطاب (4)، وأبو

(1) أخرجه من حديث جابر بن عبد الله البخاري (3803) في مناقب الأنصار: باب
مناقب سعد بن معاذ، ومسلم (2466) (124)، والترمذي (3848)، وابن ماجة
(158)، وأحمد 3 / 296 و 316 و 349، وفي الباب عند أحمد 3 / 234، ومسلم
(2467) من طريق أنس، و 4 / 352 عن أسيد بن حضير، 6 / 329 عن رميثة بنت
عمرو، و 6 / 456، عن أسماء بنت يزيد بن السكن.
(2) تقدمت ترجمته برقم 24.
(3) سيترجمه المؤلف برقم 104.
(4) مترجم برقم 111.
45

العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن بشرويه (1)، والحسن بن أحمد
السمرقندي الحافظ (2)، وسهل بن بشر الأسفراييني (3)، وعبد الرزاق بن
حسان بن سعيد المنيعي، وعبد الواحد بن علوان الشيباني (4)، وأبو سعد
محمد بن الحسين الحرمي (5) بهراة، ومكي بن منصور السلار الكرجي (6).
29 - ابن البطر *
الشيخ المقرئ الفاضل، مسند العراق، أبو الخطاب نصر بن أحمد
ابن عبد الله بن البطر البغدادي البزاز القارئ.
ولد سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة، وسمعه أخوه من أبي محمد عبد الله
ابن عبيد الله بن البيع، وعمر بن أحمد العكبري، وأبي الحسين بشران،
وأبي الحسن بن رزقويه، وأبي بكر المنقي، ومكي الحريري، وتفرد في
زمانه، وارتحل المحدثون إليه.
حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو بكر الأنصاري، وإسماعيل بن
السمرقندي، وعبد الوهاب بن الأنماطي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو

(1) مترجم برقم 135.
(2) مترجم برقم 125.
(3) مترجم برقم 88.
(4) مترجم برقم 65.
(5) مترجم برقم 122.
(6) ستأتي ترجمته برقم 39.
* الأنساب: 9 / 133 - 134، المنتظم: 9 / 129، معجم البلدان: 4 / 192،
اللباب: 2 / 377، الكامل في التاريخ: 10 / 327، العبر: 3 / 340، دول الاسلام:
2 / 24، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 240 - 241، عيون التواريخ: 13 / 107، البداية
والنهاية: 12 / 161، تبصير المنتبه: 3 / 1002، شذرات الذهب: 3 / 402.
46

بكر بن العربي (1)، ومحمود الزمخشري المعتزلي (2)، وابن ناصر، وعبد
الخالق اليوسفي، وابن البطي، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، ومحمد
ابن محمد بن السكن، وخزيفة (3) ابن الهاطرا، وعبد الواحد بن الحسين
البارزي، وأحمد بن المقرب، وعبد الله بن علي الطامذي، والمبارك بن
محمد البادرائي (4)، وأبو طاهر السلفي، وشهدة، وخطيب الموصل،
وخلق.
قال ابن سكرة: شيخ مستور ثقة.
وأخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر
السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن ابن البطر، فقال: كان قريب
الحال (5)، لينا في الرواية، فراجعته في ذلك، وقلت: ما عرفنا مما (6)
ذكرت شيئا، وما قرئ عليه شئ يشك فيه، وسماعاته كالشمس وضوحا،
فقال: هو لعمري كما ذكرت، غير أني وجدت في بعض ما كان له به
نسخة، سماعا يشهد القلب ببطلانه، ولم يحمل عنه من ذلك شئ (7).
قال أبو المظفر في " مرآة الزمان " (8): كان ابن البطر على دواليب.

(1) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين رقم (128).
(2) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين رقم (91).
(3) في " تبصير المنتبه ": 1 / 421: بخاء معجمة وزاي بدل الذال: خزيفة بن سعد
ابن الهاطرا، مشهور ذكره ابن نقطة.
(4) نسبة لبادرايا وهي بلدة من نواحي واسط. انظر الاكمال بتعليقه 1 / 404.
(5) في " المستفاد ": كان قريب الامر.
(6) في الأصل: ما.
(7) الخبر في " المستفاد ": 241.
(8) وقد صور منه الجزء الثامن والأخير - وهو يبتدئ بحوادث سنة 495 ه‍ - في أمريكا
سنة 1907 م.
47

البقر، مشرفا على علوفاتهم، فكتب إلى الخليفة المستظهر بالله: العبد ابن
البقر المشرف على البطر، فضحك الخليفة من تغفيله.
قال السلفي: دخلت بغداد في الرابع والعشرين من شوال، فبادرت
إلى ابن البطر، فدخلت عليه، وكان عسرا، فقلت: قد وصلت من أصبهان
لأجلك، فقال: اقرأ، ونطق بالراء غنيا، فقرأت متكئا من دماميل بي،
فقال: أبصر ذا الكلب! فاعتذرت بالدماميل، وبكيت من كلامه، وقرأت
سبعة وعشرين حديثا، وقمت، ثم ترددت إليه، فقرأت عليه خمسة وعشرين
جزءا، ولم يكن بذاك.
قال السمعاني: كان ابن البطر يسكن باب الغربة (1) عند المشرعة (2)
مما يلي البدرية، وعمر حتى صارت إليه الرحلة من الأطراف، وتكاثر عليه
الطلبة، وكان صالحا صدوقا، صحيح السماع. هو آخر من حدث عن ابن
البيع، وابن رزقويه، وابن بشران.
مات في سادس عشر شهر ربيع الأول، سنة أربع وتسعين وأربع مئة،
وله ست وتسعون سنة.
أخبرنا بجزء فيه حديث الإفك للآجري الطواشي بلال المغيثي (3)،

(1) هو أحد أبواب دار الخلافة ببغداد، سمي بغربة كانت فيه - وهي شجرة ضخمة
خضراء -: " معجم البلدان ": 4 / 192.
(2) هي المواضع التي ينحدر إلى الماء منها.
(3) ترجمة المؤلف في " مشيخته " ورقة: 39، فقال: بلال بن عبد الله الأمير الكبير
حسام الدين أبو الخير الحبشي الخصي المغيثي الجمدار، ويعرف بالوالي، ربى ملوكا،
وأولاد ملوك، وكان وافر الحرمة، له أوقاف وبر، وفيه حب للرواية، عنده سفاين أجزاء عن
ابن رواج وغيره، مات بعد الهزيمة في رمل مصر في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وست
مئة، وكان من أبناء التسعين. وابن رواج: هو عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح
الإسكندراني المالكي المتوفى سنة 648، " شذرات الذهب ": 5 / 242.
48

قال: أخبرنا أبن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا ابن البطر.
وقد روى هذا الجزء أبو الفتح بن شاتيل عن ابن البطر، وذلك وهم من
بعض الطلبة، لم يدرك ابن شاتيل ذلك، والله أعلم.
30 - البزدوي *
ويلقب بالقاضي الصدر، هو العلامة شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير،
أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين بن المحدث عبد الكريم بن موسى بن
مجاهد النسفي. وبزدة: قلعة حصينة (1).
قال عمر بن محمد في " القند " (2): كان أبو اليسر إمام الأئمة على
الاطلاق، والموفود إليه من الآفاق، ملا الكون بتصانيفه في الأصول
والفروع، وولي قضاء سمرقند (3)، أملى الحديث مدة.
توفي ببخارى في تاسع رجب سنة ثلاث وتسعين.
وقال ابن السمعاني: مولده سنة إحدى وعشرين.
وحدثنا عنه عثمان بن علي البيكندي، وأحمد بن نصر البخاري،
ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو رجاء محمد بن محمد، وآخرون.
قلت: ما سمى شيوخه.

* الأنساب: 2 / 189، الجواهر المضية: 2 / 116 و 270 - 271، تاج التراجم:
48، 49، مفتاح السعادة: 2 / 185، الفوائد البهية: 188، هدية العارفين: 2 / 77.
(1) على ستة فراسخ من نسف، كما في " معجم " ياقوت: 1 / 409.
(2) واسمه الكامل " القند في تاريخ سمرقند " تأليف أبي حفص نجم الدين عمر بن
محمد النسفي السمرقندي المتوفى سنة 537 ه‍.
(3) انظر " الجواهر المضية ": 2 / 270 و " مفتاح السعادة ": 2 / 185.
49

31 - ابن شغبة *
الامام المحدث، العالم الثقة، القدوة العابد، شيخ البصرة، أبو
القاسم عبد الملك بن علي بن خلف بن محمد بن النضر بن شغبة الأنصاري
البصري، وجده فرد مستفاد مع شعبة (1).
حدث عن: القاضي أبي عمر الهاشمي، والحسن بن بشار
السابوري، ويوسف بن غسان، وطائفة.
حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو نصر الغازي، وأبو نصر بن
ماكولا، وجابر بن محمد، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وأبو غالب
الماوردي، وآخرون.
قال السمعاني: شيخ حافظ متقن ثقة مكثر، حضر ابن ماكولا مجلس
إملائه.
وقال ابن سكرة: أدركته وقد ترك كل شئ، وأقبل على العبادة،
صادفته يدعو ويبكي بعد الصبح، فقرأت عليه شيئا من الحديث. رزق
الشهادة في آخر عمره، وكان عنده جملة من " سنن أبي داود "، عن أبي عمر
الهاشمي.
قلت: قتل في سنة أربع وثمانين وأربع مئة، وهو في عشر التسعين.
لم يقع لي شئ من عواليه.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا محمد بن

* الاكمال: 5 / 64 وانظر ما قاله المعلمي، العبر: 3 / 305، تبصير المنتبه:
2 / 782، شذرات الذهب: 3 / 371 - 372، تاج العروس: 1 / 323.
(1) من كتب المشتبه.
50

إسماعيل الطرسوسي (ح)، وأنبأنا ابن أبي الخير، عن الطرسوسي، حدثنا
يحيى بن عبد الوهاب الحافظ، سنة خمس وخمس مئة إملاء، أخبرنا عبد
الملك بن شغبة البصري بها، أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي مسلم إملاء،
حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن
أبي زهير، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن عبد العزيز
ابن عمر، عن صالح بن كيسان، عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات، إذا جاء رمضان، يقول " اللهم سلمني
لرمضان، وسلم رمضان لي، وتسلمه مني متقبلا " (1). غريب، ورواه أبو
زرعة الرازي عن خلف بن الوليد، وتفرد به خلف.
32 - أبو الفرج الحنبلي *
الامام القدوة، شيخ الاسلام، أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن

(1) إسناده ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي، واسمه عيسى بن ماهان، قال ابن
المديني: كان يخلط، وقال يحيى: كان يخطئ، وقال أحمد: ليس بالقوي في
الحديث، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرا، وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن
المشاهير، قلت: وهو راوي حديث أنس: ما زال رسول الله يقنت في صلاة الصبح حتى
فارق الدنيا. أخرجه أحمد: 3 / 162، والدارقطني 2 / 39، والطحاوي: ص: 143،
والبيهقي: 2 / 201، كلهم من طريق أبي جعفر هذا عن الربيع بن أنس، عن أنس بن
مالك، والثابت عن أنس كما في الصحيح وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا في صلاة الفجر ثم
تركه.
قال الحافظ ابن حجر في الدراية ص: 117: ويؤخذ من الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت
إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحا: فعند ابن حبان وابن خزيمة، عن أبي هريرة: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم. وعند ابن خزيمة
(620) عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح.
* طبقات الحنابلة: 2 / 248 - 249، الكامل في التاريخ: 10 / 228، العبر:
3 / 312، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 1199، الوافي بالوفيات (خ): 17 / 82 -
83، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 68 - 73، الدارس: 2 / 65 - 66، الانس الجليل:
1 / 297 وهو فيه عبد الواحد بن أحمد بن محمد، طبقات المفسرين للداوودي: 10 / 360 -
362، شذرات الذهب: 3 / 378، إيضاح المكنون: 1 / 155، 2 / 287، هدية
العارفين: 634.
51

علي بن أحمد الأنصاري، الشيرازي الأصل، الحراني المولد، الدمشقي
المقر، الفقيه الحنبلي الواعظ، وكان يعرف في العراق بالمقدسي، من كبار
أئمة الاسلام.
سمع من: أبي الحسن بن السمسار، وشيخ الاسلام أبي (1) عثمان
الصابوني، وعبد الرزاق بن الفضل الكلاعي، وطائفة بدمشق بعد الثلاثين
وأربع مئة.
وارتحل إلى بغداد، فلازم القاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه به،
ودرس ووعظ، وبث مذهب أحمد بأعمال بيت المقدس، وصنف
التصانيف (2).
قال أبو الحسين بن الفراء في " طبقات الحنابلة " (3): صحب والدي
من سنة نيف وأربعين وأربع مئة، وتردد إليه سنين عديدة، ونسخ واستنسخ،
مصنفاته، وسافر إلى الرحبة والشام، وحصل له الاتباع والغلمان.
قال: وكانت له كرامات ظاهرة، ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم
بالحجة في مجلس السلاطين بالشام.

(1) في الأصل " أبو " وهو خطأ.
(2) من تصانيفه: " المبهج "، و " الايضاح "، و " التبصرة " في أصول الدين،
وكتاب " الجواهر " وهو ثلاثون مجلدة في التفسير، و " مختصر في الحدود "، وفي " أصول
الفقه "، و " مسائل الامتحان ".
(3) 2 / 248، ونقله عنه في " ذيل الطبقات ": 1 / 69، 70.
52

قال: ويقال: إنه اجتمع بالخضر عليه السلام مرتين (1)، وكان يتكلم
في عدة أوقات على الخواطر، كما كان يتكلم ببغداد أبو الحسن بن القزويني
الزاهد، وكان الملك تتش (2) يعظمه، لأنه تم له مكاشفة معه.
إلى أن قال: وكان ناصرا لاعتقادنا، متجردا في نشره، وله تصانيف
في الفقه والوعظ والأصول.
قلت: توفي في ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربع مئة، ودفن بمقبرة
باب الصغير، وقبره مشهور يزار، ويدعى عنده. وهو والد الامام الرئيس شرف
الاسلام عبد الوهاب (3) بن أبي الفرج الحنبلي الدمشقي، واقف المدرسة
الحنبلية (4) التي وراء جامع دمشق بحذاء الرواحية (5)، وكان صدرا معظما
يرسل عن صاحب دمشق إلى الخلافة، وتوفي سنة نيف وأربعين وخمس
مئة.
وشرف الاسلام هذا هو جد الامام المفتي شيخ الحنابلة:

(1) وهذا مبني على أن الخضر حي لم يمت بعد، وهو قول مؤوف لا يصح، فقد
صرح بموته جمهور أهل العلم فيما نقله أبو حيان في " البحر المحيط " وذكر الحافظ في
" الإصابة " منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، وأبا طاهر بن
العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر بن العربي، وابن الجوزي، وغيرهم.
(2) ستأتي ترجمته برقم (46).
(3) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين رقم 63.
(4) هي المدرسة الشريفية عند القباقبية العتيقة، أنشأها شرف الاسلام عبد الوهاب،
انظر مختصر تنبيه الطالب، وإرشاد الدارس ص: 124.
(5) هي مدرسة للشافعية لصيقة بالجامع الأموي من جهة بابه الشرقي، وبانيها هو زكي
الدين أبو القاسم التاجر المعروف بابن رواحة، المتوفى سنة 622 ه‍، ولي التدريس فيها
نخبة ممتازة من أهل العلم والفضل كابن الصلاح، وبهاء الدين السبكي، والكمال بن
الزملكاني، وصفي الدين الأرموي، وشمس الدين المقدسي. انظر " الدارس " ص: 1،
21، 32، 39، 130، 135، 268، و " مختصر تنبيه الطالب " ص 43 - 45.
53

33 - ناصح الدين *
عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي الواعظ،
الذي مولده في سنة أربع وخمسين وخمس مئة.
سمع ببغداد من عبد الحق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، وجماعة،
وبأصبهان من أبي العباس الترك، والحافظ أبي موسى، وطائفة.
ووعظ بمصر، ودرس، وصنف (1)، وكان مدرسا بمدرسة جده.
روى لنا عنه ابن مؤمن، والعز بن العماد، وابن حازم، وأبو عبد الله
ابن الواسطي، وابن بطيخ، والشهاب بن مسرف، وآخر من حدث عنه
المعمر أبو بكر بن عبد الدائم.
مات الناصح أبو الفرج بن أبي العلاء بن الحنبلي في ثالث المحرم،
سنة أربع وثلاثين وست مئة، وله ثمانون سنة، وله أقارب وذرية علماء.
34 - ملكشاه * *
السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان

* ذيل الروضتين: 164، دول الاسلام: 2 / 137، العبر: 5 / 138، مرآة
الزمان: م 8 / 463، البداية: 13 / 146، ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 193 - 201، النجوم
الزاهرة: 6 / 297، الدارس: 2 / 70 - 71، المنهج الأحمد خ، القلائد الجوهرية:
1 / 159، كشف الظنون: 78، شذرات الذهب: 5 / 164 - 166، هدية العارفين:
1 / 524 - 560، منتخبات التواريخ: 502 - 503.
(1) ذكر ابن رجب في " ذيل طبقات الحنابلة ": 2 / 199 من مصنفاته كتاب:
" أسباب الحديث "، وكتاب: " الاستسعاد "، وكتاب: " الأنجاد في الجهاد ".
(* *) المنتظم: 9 / 69 - 74، أخبار الدولة السلجوقية: 55، الكامل في التاريخ:
1 / 76، 78، 90، 210 - 214، وفيات الأعيان: 5 / 283 - 289، المختصر:
2 / 202 - 203، دول الاسلام: 2 / 13 - 14، العبر 3 / 309، تتمة المختصر:
2 / 12 - 13، البداية والنهاية: 12 / 142 - 143، تاريخ ابن خلدون: 5 / 13، النجوم
الزاهرة: 5 / 134 - 135، شذرات الذهب: 3 / 376، معجم الأنساب والأسرات
الحاكمة: 52، 73.
54

محمد بن جغريبك (1) السلجوقي التركي.
تملك بعد أبيه، ودبر دولته النظام الوزير بوصية من ألب أرسلان إليه،
في سنة خمس وستين، فخرج عليه عمه ملك كرمان قاروت (2)، فالتقوا
بقرب همذان (3)، فانكسر جمعه، وأتى بعمه أسيرا، فوبخه، فقال:
أمراؤك كاتبوني، وأحضر خريطة فيها كتبهم، فناولها لنظام الملك ليقرأها،
فرماها في منقل نار، ففرح الامراء، وبذلوا الطاعة، وخنق عمه (4)، ثم
تملك من المدائن ما لم يملكه سلطان، فمن ذلك مدائن ما وراء النهر،
وبلاد الهياطلة (5)، وباب الأبواب، وبلاد الروم، والجزيرة وكثير من
الشام، فتملك من كاشغر (6) إلى القدس طولا، ومن أطراف قسطنطينية إلى
بلاد الخزر (7)، وبحر الهند عرضا، وكان حسن السيرة، لهجا بالصيد

(1) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 51.
(2) كذا الأصل: (قاروت) بتقديم الراء على الواو، وهو كذلك في ابن خلكان 5 / 284
وفي الكامل لابن الأثير: 1 / 78: (قاورت) بتقديم الواو على الراء، وفي أخبار الدولة
السلجوقية ص: 50: (قارود) بالدال بدل التاء.
(3) انظر خبر الحرب بينهما في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 78 - 79.
(4) في الوفيات: 5 / 284: ثم أمر بقتل عمه فخنق بوتر قوسه.
(5) قال ياقوت في معجم البلدان: هيطل: اسم لبلاد ما وراء النهر، وهي بخارى،
وسمرقند، وخجند. سمي بهيطل بن عالم بن سام بن نوح عليه السلام.
(6) قال ياقوت: هي مدينة وقرى ورساتيق يسافر إليها من سمرقند وتلك النواحي وهي
في وسط بلاد الترك، وضبطها ابن خلكان بفتح الكاف، وبعد الألف شين معجمة ساكنة،
وغين معجمة مفتوحة، وبعدها راء، وقال هي قصبة بلاد تركستان.
(7) قال ياقوت: هي بلاد الترك خلف باب الأبواب المعروف بالدربند، وقيل: سمي
بالخزر ابن يافث بن نوح. وقال في العين: الخزر: جيل خزر العيون انظر " معجم البلدان ":
2 / 367.
55

واللهو، مغرى بالعمائر، وحفر الأنهار، وتشييد القناطر، والأسوار،
وعمر ببغداد جامعا كبيرا، وأبطل المكوس والخفارات في جميع بلاده.
هكذا نقل ابن خلكان (1).
قال: وصنع بطريق مكة مصانع، يقال: إنه ضبط ما اصطاده بيده،
فبلغ عشرة آلاف وحش، فتصدق بعشرة آلاف دينار، وقال: إني خائف من
إزهاق الأرواح لغير مأكلة.
شيع مرة ركب العراق إلى العذيب (2)، فصاد شيئا كثيرا، فبنى هناك
منارة القرون (3) من حوافر الوحش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرق
ونزل وسجد، وعفر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: بلغوا سلامي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولوا: العبد العاصي الآبق أبو الفتح يخدم ويقول: يا نبي
الله، لو كنت ممن يصلح لتلك الحضرة المقدسة، كنت في الصحبة، فضج
الناس وبكوا، ودعوا له.
وأمنت الطرق في دولته، وانحلت الأسعار، وتزوج الخليفة المقتدي
بابنته بسفارة شيخ الشافعية أبي إسحاق (4)، وكان عرسها في سنة ثمانين،
وعملت دعوة لجيش السلطان ما سمع بمثلها أبدا، فمما دخل فيها أربعون

(1) في " وفيات الأعيان ": 5 / 284.
(2) هو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال. " معجم
البلدان ": 4 / 92.
(3) قال ابن خلكان: والمنارة باقية إلى الآن، وتعرف بمنارة القرون، وذلك في سنة
480 ه‍.
(4) هو أبو إسحاق الشيرازي صاحب " المهذب " و " التنبيه "، وقد تقدمت ترجمته
في الجزء الثامن عشر رقم (237).
56

ألف منا سكرا، فولدت له جعفرا (1).
وقدم ملكشاه بغداد مرتين، وقدم إلى حلب، ولم يكن للمقتدي معه
غير الاسم، ثم قدمها ثالثا عليلا، وكان المقتدي قد فوض العهد إلى ابنه
المستظهر، فألزمه ملكشاه بعزله، وأن يولي ابن بنته جعفرا، وأن يسلم
بغداد إليه، ويتحول إلى البصرة، فشق على المقتدي، وحار، ثم طلب
المهلة عشرة أيام ليتجهز، فصام وطوى، وجلس على التراب، وتضرع إلى
ربه، فقوي بالسلطان المرض، ومات في شوال سنة خمس وثمانين عن
تسع وثلاثين سنة، فقيل: سم في خلال تخلل به، وكان وزيره النظام قد
قتل من أيام، ولم يشهد السلطان كبير أحد (2)، ولا عمل له عزاء، ونقل
تابوته إلى أصبهان، فدفن في مدرسة عظيمة.
وقد تزوج المستظهر بالله بخاتون بنته الأخرى، وتنازع في الملك
أولاده من بعده زمانا، وكان آخرهم موتا ابنه سنجر صاحب خراسان، عاش
بعد أبيه أقل من سبعين سنة. وكان ملكشاه كثير الجيوش، خفيف الركاب.
عبر في سنة (482) إلى ما وراء النهر، فسار إلى بخارى، وسمرقند،
فتملكها، ثم سار في بلاد الترك إلى كاشغر، فأذعن صاحبها بطاعته، ونزل
إلى خدمته (3).
قال المؤيد في " تاريخه " (4): كان من أحسن الناس صورة ومعنى،

(1) انظر الكامل في التاريخ: 10 / 160 - 161، الوفيات: 5 / 288، وابن
خلدون: 5 / 9 - 10.
(2) ابن خلكان: 5 / 188، وفيه: ولم يشهد أحد جنازته ببغداد، ولا صلي عليه في
الصورة الظاهرة.
(3) انظر الكامل في التاريخ: 10 / 171 - 172.
(4) 2 / 203.
57

خطب له من حدود الصين إلى آخر الشام، ومن مملكة الروم إلى اليمن،
وقصد حلب، فافتتحها، ودانت له الدنيا.
35 - المعتمد بن عباد *
صاحب الأندلس، المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن الملك
المعتضد بالله أبي عمرو، عباد بن الظافر بالله أبي القاسم، قاضي إشبيلية،
ثم ملكها، محمد بن إسماعيل بن قريش اللخمي.
قيل: هو من ذرية النعمان بن المنذر صاحب الحيرة.
حكم المعتمد على المدينتين قرطبة وإشبيلية، وأصلهم من الشام من
بلد العريش، فدخل أبو الوليد إسماعيل بن قريش إلى الأندلس، ثم برع
القاضي في الفقه، وولي القضاء، ثم تملك مدة، وقام من بعده ابنه
المعتضد، فساس المملكة بإشبيلية، وبايعوه بالملك في سنة ثلاث وثلاثين
وأربع مئة.
وكان شهما، صارما، داهية، ذبح جماعة من أعوان أبيه،
وصادرهم، وعلا شأنه، ودانت له الأمم.
غرز خشبا في قصره، وعممها برؤوس كبار وملوك، وكانوا يشبهونه

* مطمح الأنفس: 10 - 22، الذخيرة: ق 2 / م 1 / 41 - 81، خريدة القصر:
2 / 25، الكامل في التاريخ: 10 / 248 - 250، المعجب: 158، الحلة السيراء:
2 / 52 - 67، وفيات الأعيان: 5 / 21 - 39، البيان المغرب: 3 / 257، المختصر:
2 / 207 - 208، العبر: 3 / 321 - 322، تتمة المختصر: 2 / 16، الوافي: 3 / 183 -
188، عيون التواريخ: 13 / 19 - 49 وفيه كثير من شعره، أعمال الاعلام: 157، تاريخ
ابن خلدون 5 / 158، النجوم الزاهرة: 5 / 157، القلائد: 40، نفح الطيب: 4 / 212 -
228، شذرات الذهب: 3 / 386 - 391، تراجم إسلامية لعنان: 212 - 224.
58

بالمنصور العباسي. ورام ابنه إسماعيل اغتياله، فأخذه، وضرب عنقه،
وعهد إلى ابنه المعتمد (1).
قيل: سمه طاغية الفرنج في ثوب فاخر، أهداه له (2).
ومن جبروته وعتوه أنه أخذ مالا لاعمى، فهج وجاور بمكة، فبلغ
المعتضد أنه يدعو عليه، فندب رجلا أعطاه جملة دنانير مطلية بسم، فسار
إلى مكة، وأوصله الذهب، فقال: يظلمني بإشبيلية، ويصلني هنا؟! ثم
وضع منها دينارا في فمه كعادة الاضراء، فمات من الغد.
وهرب منه مؤذن إلى طليطلة، فبقي يدعو عليه في السحر، فنفذ من
جاءه برأسه.
وقد سكر ليلة، وخرج في الليل معه غلام، وسار مخمورا، حتى
وافى قرمونه (3)، وصاحبها إسحاق البرزال، وبينهما حروف، وكان يشرب
أيضا في جماعة، فاستأذن المعتضد، ودخل، فزاد تعجبهم، فسلم
وأكل، وأل (4) [من] سكره، وسقط في يده، لكنه تجلد، ثم قال: أريد أن
أنام، ففرشوا له، فتناوم، فقال بعضهم: هذا كبش سمين، والله لو أنفقتم
ملك الأندلس عليه ما قدرتم، فقال معاذ بن أبي قرة: كلا، رجل قصدنا،

(1) تقدم الخبر في " السير " مفصلا في ترجمة " المعتضد " في الجزء الثامن عشر رقم
126.
(2) الخبر في فوات الوفيات: 2 / 147.
(3) قال ياقوت: 4 / 330: قرمونيه: بالفتح ثم السكون، وضم الميم، وسكون
الواو، ونون مكسورة، وياء مخففة، وهاء: كورة بالأندلس يتصل عملها بأعمال إشبيلية
غربي قرطبة وشرقي إشبيلية، قديمة البنيان، وأكثر الناس يقولون " قرمونه ".
(4) في اللسان: أل في سيره ومشيه. إذا أسرع واهتز واضطرب. وما بين الحاصرتين زيادة
يقتضيها النص.
59

ونزل بنا مستأمنا، لا تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا، ثم انتبه وقام، فقبلوا
رأسه، وقال للحاجب: أين نحن؟ قال: بين أهلك وإخوانك. قال: هاتوا
دواة، فكتب لكل منهم بخلعة ومال وأفراس وخدم، وأخذ معه غلمانهم
لقبض ذلك، وركب، فمشوا في خدمته. لكن أساء كل الإساءة، طلبهم
بعد أشهر لوليمة، فأتاه ستون منهم، فأكرمهم، وأنزلهم حماما، وطينه
عليهم سوى معاذ، وقال لمعاذ: لم ترع، حضرت آجالهم، ولولاك،
لقتلوني، فإن أردت أن أقاسمك ملكي، فعلت، قال: بل أقيم عندك،
وإلا بأي وجه أرجع، وقد قتلت سادات بني برزال، فصيره من كبار قواده،
وكان من كبار قواد المعتمد.
وحكى عبد الواحد بن علي في " تاريخه " (1) أن المعتضد ادعى أنه
وقع إليه المؤيد بالله هشام بن الحكم المرواني، فخطب له مدة بالخلافة،
وحمله على تدبير هذه الحيلة اضطراب أهل إشبيلية عليه، أنفوا من بقائهم
بلا خليفة، وبلغه أنهم يتطلبون أمويا، فقال: فالمؤيد عندي، وشهد له
جماعة بذلك، وأنه كالحاجب له، وأمر بالدعاء له في الجمع، ودام إلى أن
نعاه للناس سنة خمس وخمسين وأربع مئة، وادعى أنه عهد إليه بالخلافة.
وهذا هذيان، والمؤيد هلك سنة نيف وأربع مئة، ولو كان بقي إلى
هذا الوقت، لكان ابن مئة سنة وسنة (2).

(1) هو " المعجب في تلخيص أخبار المغرب " لعبد الواحد بن علي التميمي
المراكشي المتوفى سنة 647 ه‍، فرغ من تأليفه سنة 621 ه‍، وقد طبع بمصر بتحقيق
الأستاذ الفاضل الأديب سعيد العريان رحمه الله، وانظر الخبر فيه ص 141 - 142.
(2) وقد ذكر المؤلف اختفاء المؤيد وظهوره والاختلاف في أمر وفاته في الجزء السابع
عشر في ترجمة ابن عباد والد المتعضد برقم (354).
60

هلك المعتضد سنة أربع وستين، وأربع مئة.
وخلفه المعتمد صاحب الترجمة، فكان فارسا شجاعا، عالما أديبا،
ذكيا شاعرا، محسنا جوادا ممدحا، كبير الشأن، خيرا من أبيه. كان أندى
الملوك راحة، وأرحبهم ساحة، كان بابه محط الرحال، وكعبة الآمال (1).
قال أبو بكر محمد بن اللبانة الشاعر (2): ملك المعتمد من مسورات
البلاد مئتي مسور، وولد له مئة وثلاثة وسبعون ولدا، وكان لمطبخه في اليوم
ثمانية قناطير لحم، وكتابه ثمانية عشر.
قال ابن خلكان (3): كان الأذفونش (4) قد قوي أمره، وكانت الملوك
بالأندلس يصالحونه، ويحملون إليه ضرائب، وأخذ طليطلة (5) في سنة ثمان
وسبعين بعد حصار شديد، من القادر بن ذي النون، فكان ذلك أول وهن
دخل من الفرنج على المسلمين، وكان المعتمد يؤدي إليه، فلما تمكن،
لم يقبل الضريبة، وتهدده، وطلب منه أن يسلم حصونا، فضرب الرسول،
وقتل من معه، فتحرك اللعين، واجتمع العلماء، واتفقوا على أن يكاتبوا
الأمير أبا يعقوب بن تاشفين صاحب مراكش لينجدهم، فعبر ابن تاشفين
بجيوشه إلى الجزيرة، ثم اجتمع بالمعتمد، وأقبلت المطوعة من النواحي،

(1) ذكره ابن خلكان بأطول مما هنا: 5 / 24، نقلا عن أبي الحسن علي بن القطاع
السعدي في كتابه " لمح الملح ".
(2) ستأتي ترجمته في هذا الجزء برقم (215).
(3) في وفيات الأعيان: 5 / 28 - 30.
(4) أي ملك الفرنج فرذلند.
(5) قال السمعاني: بضم الطاء المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء، وكسر الطاء
الأخرى، وقال ياقوت: ضبطه الحميدي بضم الطائين وفتح اللام، وأكثر ما سمعناه من
المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية.
61

وركب الأذفونش في أربعين (1) ألف فارس، وكتب إلى ابن تاشفين يتهدده،
فكتب في ظهر كتابه: " الذي يكون ستراه ". ثم التقى الجمعان، واصطدم
الجبلان بالزلاقة من أرض بطليوس (2)، فانهزم الكلب، واستؤصل جمعه،
وقل من نجا، في رمضان سنة تسع وسبعين، وجرح المعتمد في بدنه
ووجهه، وشهد له بالشجاعة والاقدام، وغنم المسلمون ما لا يوصف. وغدا
ابن تاشفين (3).
ثم عبر في العام الآتي، وتلقاه المعتمد، وحاصرا حصنا للفرنج،
وترجل ابن تاشفين، فمر بغرناطة، فأخرج إليه صاحبها ابن بلكين تقادم
وهدايا، وتلقاه، فغدر به، واستولى على قصره، ورجع إلى مراكش، وقد
بهره حسن الأندلس وبساتينها، وحسن له أمراؤه أخذها، ووحشوا قلبه على
المعتمد (4).
قال عبد الواحد بن علي: غلب المعتمد على قرطبة في سنة
(471)، فأخرج منها ابن عكاشة، إلى أن قال: وجال ابن تاشفين في
الأندلس يتفرج، مضمرا أشياء، معظما للمعتمد، ويقول: نحن أضيافه
وتحت أمره، ثم قرر ابن تاشفين خلقا من المرابطين يقيمون بالأندلس،
وأحب الأندلسيون ابن تاشفين، ودعوا له، وجعل عندهم بلجين قرابته،

(1) في الأصل: أربعة ألف، والتصويب من ابن خلكان: 5 / 29.
(2) مدينة كبيرة بالأندلس، تقع على الحدود الشرقية للبرتغال، كانت عاصمة بني
الأفطس التجيبيين في عهد ملوك الطوائف.
(3) ذكر ابن خلكان في ترجمة المعتمد: 5 / 29 أن الأمير يوسف عاد إلى بلاده، ثم
ذكر في ترجمة الأمير يوسف: 7 / 119، أنه لم يرجع بل ظل في إشبيلية.
ونبه على ذلك لئلا يظن القارئ أن في كتابه تناقضا، انظر " وفيات الأعيان ":
7 / 127.
(4) " وفيات الأعيان ": 5 / 29 - 30.
62

وقرر معه أمورا، فهاجت الفتنة بالأندلس في سنة ثلاث وثمانين، وزحف
المرابطون، فحاصروا حصونا للمعتمد، وأخذوا بعضها، وقتلوا ولده
المأمون في سنة أربع، فاستحكمت الإحنة، وغلت مراجل الفتنة، ثم
حاصروا إشبيلية أشد حصار، وظهر من بأس المعتمد وتراميه على الاستشهاد
ما لم يسمع بمثله. وفي رجب سنة أربع، هجم المرابطون [على] البلد،
وشنوا الغارات، وخرج الناس عرايا، وأسروا المعتمد (1).
قال عبد الواحد (2): برز المعتمد من قصره في غلالة (3) بلا درع ولا
درقة، وبيده سيفه، فرماه فارس بحربة أصاب الغلالة، وضرب الفارس
فتله (4)، فولت المرابطون. ثم وقت العصر، كرت البربر، وظهروا على
البلد من واديه، ورموا فيه النار، فانقطع العمل، واتسع الخرق على الراقع
بقدوم سير ابن أخي السلطان، ولم يترك البربر لأهل البلد شيئا، ونهبت
قصور المعتمد، وأكره على أن كتب إلى ولديه أن يسلما الحصنين، وإلا
قتلت، فدمي رهن على ذلك، وهما المعتد، والراضي، وكانا في رندة
ومارتلة، فنزلا بأمان ومواثيق كاذبة، فقتلوا المعتد، وقتلوا الراضي غلية،
ومضوا بالمعتمد وآله إلى طنجة بعد أن أفقروهم، ثم سجن بأغمات (5) عامين

(1) المعجب ص 161 وما بعدها، و " وفيات الأعيان ": 5 / 30، وانظر " الوفيات "
أيضا في ترجمة ابن تاشفين: 7 / 121 - 123.
(2) المعجب ص 206 وما بعدها.
(3) الغلالة: شعار يلبس تحت الثوب، لأنه يتغلل فيها، أي: يدخل، وفي
" التهذيب " الغلالة: الثوب الذي يلبس تحت الثياب أو تحت درع الحديد، والدرقة:
الحجفة، وهي ترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب.
(4) أي: صرعه.
(5) أغمات: ناحية في بلاد البربر المصامدة من أرض المغرب قرب مراكش بينهما
مسافة يوم.
63

وزيادة، في قلة وذلة، فقال:
تبدلت من ظل عز البنود * بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانا ذليقا * وعضبا رقيقا صقيل الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهما * يعض بساقي عض الأسود (1)
قيل: إن بنات المعتمد أتينه في عيد، وكن يغزلن بالاجرة في
أغمات، فرآهن في أطمار رثة، فصد عن قلبه، فقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا * فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة * يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة * أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والاقدام حافية * كأنها لم تطأ مسكا وكافورا (2)
وله من قصيدة:
قد رمت يوم نزالهم * أن لا تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القميص * ص عن الحشا شئ دفوع
أجلي تأخر لم يكن * بهواي ذلي والخشوع
ما سرت قط إلى القتال * وكان في أملي رجوع (3)

(1) الشعر في ديوان المعتمد: 94، والذخيرة: 2 / 1 / 75، وابن خلكان: 5 / 32،
ونفح الطيب: 4 / 214، والوافي بالوفيات: 3 / 186، ورواية الشطر الأول من البيت الأول
في الذخيرة: تبدلت من عز ظل البنود.
(2) ديوانه: 100، والقلائد: 25، ومختارات الصيرفي: 199، والذخيرة:
2 / 1 / 73، ووفيات الأعيان: 5 / 35، 36، والوافي: 3 / 186.
(3) ديوانه: 88، والذخيرة: 2 / 1 / 53، والقلائد: 22، والمعجب: 202،
ومختارات الصيرفي: 120.
64

ولابن اللبانة - ووفد بها إلى السجن -:
تنشق رياحين السلام فإنما * أفض بها مسكا عليك مختما
وقل لي مجازا إن عدمت حقيقة * بأنك في نعمى فقد كنت منعما (1)
أفكر في عصر مضى لك مشرقا * فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما
وأعجب من أفق المجرة إذ رأى * كسوفك شمسا كيف أطلع أنجما
قناة سعت للطعن حتى تقصدت (2) * وسيف أطال الضرب حتى تثلما
بكى آل عباد ولا كمحمد * وأبنائه صوب الغمامة إذ هما
صباحهم كنا به نحمد السرى * فلما عدمناهم سرينا على عمى
وكنا رعينا العز حول حماهم * فقد أجدب المرعى وقد أقفر الحمى
وقد ألبست أيدي الليالي محلهم * مناسيج سدى الغيث فيها وألحما (3)
قصور خلت من ساكنيها فما بها * سوى الأدم يمشي حول واقفه الدمى (4)
كأن لم يكن فيها أنيس ولا التقى * بها الوفد جمعا والخميس عرمرما
فكنت وقد فارقت ملكك مالكا * ومن ولهي أبكي عليك متمما
(5) تضيق علي الأرض حتى كأنني (6) * خلقت وإياها سوارا ومعصما
وإني على رسمي مقيم فإن أمت * سأجعل للباكين رسمي موسما
بكاك الحيا والريح شقت جيوبها * عليك وناح الرعد باسمك معلما

(1) في الذخيرة وغيرها: لعلك في نعمى...
(2) أي: تكسرت، وفي " نفح الطيب ": تقسمت.
(3) في الأصل: " الغيب ".
(4) في " عيون التواريخ " قائمة الدما.
(5) ورد البيت في جميع مصادر الترجمة كما يلي:
حكيت وقد فارقت ملكك مالكا * ومن ولهي أحكي عليك متمما.
(6) في جميع المصادر: " كأنما ".
65

ومزق ثوب البرق واكتسب الضحى (1) * حدادا وقامت أنجم الليل مأتما
ولا حل بدر التم بعدك دارة * ولا أظهرت شمس الظهيرة مبسما
سينجيك من نجى من الجب يوسفا * ويؤويك من آوى المسيح ابن مريما (2)
فلما أنشده إياها، وأراد الخروج، أعطاه تفضيلة وعشرين دينارا،
وأبياتا يعتذر فيها. قال: فرددتها عليه لعلمي بحاله، وأنه ما ترك عنده شيئا.
قال ابن خلكان (3): مولده كان في سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة،
ومات في شوال سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. وقد سمى ابن اللبانة بني
المعتمد بأسمائهم وألقابهم، فعد نحوا من ثلاثين نفسا، وعد له أربعا
وثلاثين بنتا.
قلت: افتقروا بالمرة، وتعلموا صنائع، وكذلك الدهر، نسأل الله
المغفرة.
36 - ابن المرابط *
الامام مفتي مدينة المرية وقاضيها أبو عبد الله محمد بن خلف بن

(1) في " عيون التواريخ " و " الذخيرة ": واكتست الدجى.
(2) القصيدة في الذخيرة: 2 / 1 / 77، 78، وابن خلكان: 5 / 33، 34، ونفح
الطيب: 4 / 257، 258، وعيون التواريخ: 13 / 29، 32، وابن اللبانة: هو محمد بن
عيسى بن محمد أبو بكر اللخمي الأندلسي المتوفى سنة 507 ه‍، سترد ترجمته برقم
(215).
(3) 5 / 37.
* الصلة: 2 / 557 - 558، معجم البلدان: 5 / 119 - 120، العبر: 3 / 308،
الوافي بالوفيات: 3 / 46 - 47، الديباج المذهب: 2 / 240، كشف الظنون: 2 / 1361،
شذرات الذهب: 3 / 375، هدية العارفين: 2 / 76، شجرة النور الزكية: 1 / 122.
66

سعيد بن وهب الأندلسي المريي (1)، ابن المرابط صاحب شرح صحيح
البخاري (2).
أجاز له أبو عمر الطلمنكي، وأبو عمرو الداني.
وسمع من أبي القاسم المهلب، وأبي الوليد بن ميقل، وارتحل إليه
الطلبة، وأخذ عنه أبو عبد الله بن عيسى التميمي، وأبو علي بن سكرة، وأبو
محمد بن أبي جعفر السبتي، وآخرون.
توفي في شوال سنة خمس وثمانين وأربع مئة، وقد شاخ. من كبار
المالكية.
37 - الهكاري *
الشيخ العالم الزاهد، شيخ الاسلام، أبو الحسن علي بن أحمد بن
يوسف بن جعفر بن عرفة بن مأمون بن المؤمل بن الوليد بن القاسم بن الوليد

(1) نسبة إلى المرية: بالفتح ثم بالكسر، وتشديد الياء، وهي مدينة كبيرة من كورة
إلبيرة من أعمال الأندلس.
(2) قال في " هدية العارفين ": 2 / 76، له من الكتب: تاريخ بلنسية، ومختصر
شرح البخاري للمهلب بن أبي صفرة، وزاد عليه....، وقال في " الصلة ": 2 / 557:
وله تأليف في شرح البخاري. سمع منه.
* الأنساب: 591 / أ، المنتظم: 9 / 79، " ذيل تاريخ بغداد ": 3 / 172، اللباب:
3 / 390، الكامل في التاريخ: 10 / 226 - 227، وفيات الأعيان: 3 / 345، العبر:
3 / 312 - 313، ميزان الاعتدال: 3 / 122، المغني في الضعفاء: 2 / 443، وذكره الذهبي
في تذكرة الحفاظ: 3 / 1199، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 182 - 183، مرآة الجنان:
3 / 142، النهاية: 12 / 145، لسان الميزان: 4 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 138،
شذرات الذهب: 3 / 378 - 379.
67

ابن عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، السفياني،
الهكاري (1).
وقيل: سقط من نسبه خالد بين الوليد والقاسم (2).
قال السمعاني: تفرد بطاعة الله في الجبل، وابتنى أربطة ومواضع
يأوي إليها الفقراء والمنقطعون، وكان كثير العبادة، حسن الزهادة، مقبولا،
وقورا.
رحل وسمع بمصر من أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وببغداد من عبد
الملك بن بشران، وبالرملة من ابن الترجمان، وبمكة من أبي الحسن بن
صخر. حدثنا عنه يحيى بن عطاف، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسي،
وحسن بن أبي علي المقرئ، وجماعة.
وقال عبد الغفار الكرجي: ما رأيت مثل شيخ الاسلام الهكاري زهدا
وفضلا.
وقال يحيى بن منده: قدم علينا، وكان صحاب صلاة، وعبادة واجتهاد، ومن كبراء الصوفية.
وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في روايته (3).

(1) الهكارية: نسبة إلى قبيلة من الأكراد، لهم معاقل وحصون وقرى من أعمال
الموصل.
(2) أورد الدمياطي في " المستفاد ": ص 182 نسبه ولم يذكر " خالدا " بين الوليد
والقاسم، وقال: هكذا رأيت نسبه بخط أبي علي بن البرداني.
(3) وقال ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " 3 / 173. وحدث بالكثير وانتقى عليه محمد
ابن طاهر المقرئ، وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات ولم يكن حديثه يشبه حديث أهل
الصدق، وفي حديثه متون موضوعة مركبة على أسانيد صحيحة، ورأيت بخط بعض أصحاب
الحديث أنه كان يضع الحديث بأصبهان، وقال أبو نصر اليونارتي: لم يرضه الشيخ أبو بكر بن
الخاضبة.
68

وقال ابن ناصر: مات في أول المحرم سنة ست وثمانين وأربع مئة
بالهكارية، وهي جبال فوق الموصل.
قلت: عاش سبعا وسبعين سنة، وله تواليف، وعناية بالأثر، رحمه
الله.
38 - العميري *
الشيخ الامام القدوة الزاهد القانت، أبو عبد الله محمد بن علي بن
محمد بن عمير بن محمد بن عمير العميري (1) الهروي.
ولد سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
وأول ما سمع في سنة سبع وأربع مئة.
سمع أباه عن العباس بن الفضل النضروي (2)، وسمع علي بن أبي
طالب الخوارزمي، وعلي بن جعفر القهندزي (3)، وعبد الرحمن بن محمد
الديناري، وضمام بن محمد الشعراني، وعدة بهراة، والقاضي أبا بكر
الحيري بنيسابور، وأبا علي بن شاذان وأقرانه ببغداد، ومحمد بن الحسين
الصنعاني بمكة.

* الأنساب: 9 / 61، المنتظم: 9 / 101، العبر: 3 / 326، الوافي بالوفيات:
14 / 141، عيون التواريخ: 13 / 57، شذرات الذهب: 3 / 394.
(1) ضبطه السمعاني: بضم العين المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء، وقال:
هذه النسبة إلى الجد، والمنتسب إليها الامام الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي.
(2) بفتح النون، وسكون الضاد، وضم الراء وفي آخر الياء المنقوطة باثنتين.
(3) نسبة إلى قهندز: المدينة الداخلة المسورة، وهي بضم القاف والهاء، وسكون
النون، وضم الدال المهملة، وفي آخرها الزاي: وهي في مواضع كثيرة، وبلاد شتى في
بخارى، ونيسابور، وسمرقند، وهراة. انظر " الأنساب ": 10 / 274، 277، ومعجم
البلدان: 4 / 419.
69

قال أبو النضر الفامي: توحد العميري عن أبناء زمانه بالعلم والزهد
والاتقان في الرواية، والرغبة في التحديث، والتجرد من الدنيا (1)،
والاعراض عن حطامها، والاقبال على الآخرة.
وقال أبو عبد الله الدقاق: العميري ليس له نظير بخراسان فكيف
بهراة!
وقال في " رسالته ": لم أر في شيوخي كالامام المتقن الزاهد أبي
عبد الله العميري.
وقال آخر: كان إماما في الفقه، قدوة، واسع الرواية.
وقال السمعاني: حج ودخل اليمن، وسمع بمكة من محمد بن
الحسين الصنعاني، وسمع بنيسابور من الحيري والصيرفي، وببغداد من ابن
شاذان، والحرفي، وابن دوست، وبهراة من يحيى بن عمار، وأبي
يعقوب القراب.
حدث عنه: ابن طاهر، والمؤتمن، ومحمد بن أبي علي
الهمذاني، وأبو الوقت، وعلي بن حمزة، وأبو النضر الفامي (2)، والجنيد
القايني (3).

(1) " عيون التواريخ ": 13 / 57.
(2) واسمه عبد الرحمن بن عبد الجبار.
(3) ضبطه السمعاني بفتح القاف والياء، وقال ياقوت: قاين: بعد الألف ياء مثناة من
تحت، وآخره نون، وذكر ابن الأثير أن " القايني " مثل ما قبله - أي: القايمي - إلا أنه عوض
الميم نون، ومقتضى هذا أن تكون الياء مكسورة.
70

سألت إسماعيل التيمي عنه، فقال: إمام زاهد.
وقال ابن أبي جعفر: قال لي أبو إسماعيل الأنصاري: احفظ الشيخ
العميري، واكتب عنه، فإنه متقن. قاله مع ما كان بينهما من الوحشة.
مات في المحرم سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
39 - السلار *
الشيخ الجليل الرئيس المسند المعمر، سلار الكرج (1)، أبو الحسن
مكي بن منصور بن محمد بن علان الكرجي المعتمد.
ولد سنة سبع أو تسع، وتسعين وثلاث مئة.
وسمع ببغداد من أبي الحسين بن بشران، وأبي القاسم اللالكائي،
وطائفة، وسمع بنيسابور من القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد
الصيرفي، ومحمد بن القاسم الفارسي.
وطال عمره، وتفرد، وارتحل الطلبة إليه.
روى عنه: الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي
الشافعي، وأبو المكارم أحمد بن محمد بن علان، وأبو بكر أحمد بن نصر.

* التقييد: الورقة: 204 ب - 205 أ، العبر: 3 / 331 - 332، المشتبه:
2 / 546، عيون التواريخ م: 13 / 83 - 84، تبصير المنتبه: 3 / 1209، شذرات
الذهب: 3 / 397.
(1) قال ياقوت: كرج: بفتح أوله وثانيه، وآخره جيم، وهي فارسية وأهلها يسمونها
كره، وقال السمعاني: 10 / 379: وهي بلدة من بلاد الجبل، بين أصبهان وهمذان، بنيت
زمن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور، بناها عيسى بن إدريس بن معقل بن
عمرو بن خزاعي العجلي.
71

ابن دلف، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وأبو زرعة طاهر بن محمد
المقدسي، وأبوه، والقاسم بن الفضل الصيدلاني، وأبو طاهر السلفي،
ورجاء بن حامد المعداني، ومحمد بن أحمد بن ماشاذه، وآخرون.
قال شيرويه: رحلت إليه إلى الكرج، وسمعت منه ولدي، وكان لا
بأس به، محمودا بين الرؤساء، محسنا إلى الفقراء والعلماء.
وقال ابن طاهر: رحلت بابني أبي زرعة إلى الكرج حتى سمع " مسند
الشافعي " من السلار مكي، وكان قد سمعه بنيسابور، وورق له أبن هارون،
وكانت أصوله صحيحة جيدة.
وقال أبو طاهر السلفي: كان السلار جليل القدر، نافذ الامر، محبوبا
إلى رعيته بجود سجيته، وآخر قدمة قدمها أصبهان كنت أول من قرأ عليه،
ولم يتهيأ لي أن أكثر عنه، وأدركته المنية.
وقال السمعاني: هو من رؤساء الكرج، كانت له الثروة الكثيرة،
والدنيا العريضة الواسعة، والتقدم ببلده. عمر حتى صار يرحل إليه، ونقل
عنه الكثير، لأنه لحق إسناد العراق وخراسان.
قال يحيى بن منده: مات بأصبهان في سلخ جمادى الأولى سنة إحدى
وتسعين، وأربع مئة.
40 - المديني *
الشيخ المسند أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد
ابن إبراهيم بن عبد الوهاب بن بهمن، المديني المقرئ.

* طبقات القراء: 2 / 241، وغاية النهاية 2 / 241.
72

مولده في سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
وسمع من أحمد بن عبد الرحمن اليزدي، في سنة تسع وأربع مئة.
ومن أبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله،
ومحمد بن صالح العطار، وطائفة.
حدث عنه أبو بكر محمد بن منصور السمعاني، وإسماعيل بن محمد
التيمي، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.
قال يحيى بن منده: كان شروطيا، ثقة، أمينا، أديبا، ورعا، قرأ
كتاب " الحجة " (1) لأبي علي الفارسي على أبي علي المرزوقي (2)، ولزمه
مدة. توفي في حادي عشر شعبان سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
وقال السلفي: هو أول من كتبت عنه الحديث.
41 - الخليلي *
مسند الوقت، الرئيس أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد
الخليلي (3) البلخي الدهقان.

(1) في علل القراءات السبع، بناه على كتاب القراءات السبع لشيخه ابن مجاهد،
وهو غاية في النفاسة والجودة، إلا أنه - رحمه الله - كما قال تلميذه ابن جني - أغمضه وأطاله
حتى منع كثيرا ممن يدعي العربية - فضلا عن القراءة - منه، وأجفاهم عنه، وقد صدر منه جزء
في القاهرة نشرته دار الكاتب العربي للطباعة والنشر.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (313). * الأنساب: 5 / 170 - 171، التقييد: الورقة: 139 أ - 139 ب، اللباب:
1 / 458، العبر: 3 / 333، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، الجواهر
المضية: 1 / 310 - 311، الطبقات السنية: رقم 355، شذرات الذهب: 3 / 397 -
398.
(3) قيل له الخليلي: لأنه كان يخدم القاضي الخليل بن أحمد السجزي شيخ الاسلام
ببلخ.
73

ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة.
وسمع في سنة ثمان وأربع مئة مسند الهيثم بن كليب (1)، والشمائل
من أبي القاسم الخزاعي (2) لما قدم عليهم.
حدث عنه: أبو شجاع البسطامي، ومسعود بن محمد الغانمي،
ومحمد بن إسماعيل الفضيلي، وأبو نصر اليونارتي، وآخرون.
قال السمعاني: مات في صفر سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وله مئة
سنة وسنة.
42 - الخلعي *
الشيخ الامام الفقيه القدوة، مسند الديار المصرية، القاضي أبو
الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن محمد الموصلي الأصل، المصري
الشافعي الخلعي (3)، صاحب " الفوائد العشرين " (4)، وراوي السيرة النبوية.

(1) الشاشي المتوفى سنة 335 ه‍، وقد أورد المؤلف ترجمته في الجزء الخامس عشر
برقم: 183، ومسنده هذا لم يطبع، ومنه نسخة جيدة في دار الكتب الظاهرية بدمشق.
(2) هو علي بن أحمد بن محمد الخزاعي البلخي راوي مسند الشاشي عنه، توفي سنة
(411) ه‍ تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (114). * وفيات الأعيان: 3 / 317 - 318، دول الاسلام: 2 / 22، العبر: 3 / 334،
وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 88 - 89،
الوافي بالوفيات: 12 / الورقة: 35، مرآة الجنان: 3 / 255، طبقات السبكي: 5 / 253 -
255، طبقات الأسنوي: 1 / 479، تبصير المنتبه: 2 / 550، النجوم الزاهرة: 5 / 164،
حسن المحاضرة: 1 / 404 - 405، كشف الظنون: 722، 1297، شذرات الذهب:
3 / 398، تاج العروس: 5 / 323، هدية العارفين: 1 / 694، الرسالة المستطرفة: 91.
(3) بكسر الخاء وفتح اللام وبعدها عين مهملة، هذه النسبة إلى الخلع، ونسب إليها
أبو الحسن لأنه كان يبيع بمصر الخلع لاملاك مصر، فاشتهر بذلك وعرف به. قاله ابن
خلكان: 3 / 318.
(4) خرجها له أبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي في عشرين جزءا، وسماها الخلعيات.
74

مولده بمصر في أول سنة خمس وأربع مئة.
(1) وسمع أبا محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبا العباس بن
الحاج، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا العباس منير بن أحمد
الخشاب، وإسماعيل بن رجاء الأديب، والحسن بن جعفر الكللي، وأبا
عبد الله بن نظيف، والخصيب بن عبد الله القاضي، وشعيب بن عبد الله بن
المنهال، وأبا النعمان تراب بن عمر، وأحمد بن الحسين العطار، وأبا خازم
محمد بن الحسين، وإسماعيل بن بكران، وعبد الوهاب بن أبي الكرام،
وغيرهم، وكان آخر من حدث عن جماعة كالنحاس والماليني.
حدث عنه: أبو علي الصدفي، ومحمد بن طاهر، وأبو الفتح سلطان
ابن إبراهيم الفقيه، وسليمان بن محمد بن أبي داود الفارسي، وعلي بن
محمد بن سلامة الروحاني (2)، وعبد الكريم بن سوار التككي، وعبد الحق
ابن أحمد البانياسي، ومحمد بن حمزة العرقي (3) اللغوي، والقاضي أبو بكر
ابن العربي، وعبد الله بن رفاعة السعدي، وآخرون.
قال ابن سكرة: هو فقيه، له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوما
واحدا واستعفى، وانزوى بالقرافة (4)، وكان مسند مصر بعد الحبال (5).

(1) الخبر في حسن المحاضرة: 1 / 404، الوفيات: 3 / 318، والنجوم الزاهرة:
5 / 164.
(2) نسبة إلى روحا، قرية من قرى الرحبة.
(3) بكسر العين، وسكون الراء، وآخرها قاف، نسبة إلى " عرقة " وهي بلدة تقارب
أطرابلس الشام.
(4) القرافة: قرافتان، الكبرى منهما ظاهر مصر، والصغرى ظاهر القاهرة، وبها قبر
الشافعي رحمه الله، وانظر الخبر في ابن خلكان: 3 / 317، والسبكي: 5 / 253،
والأسنوي: 1 / 479، وعيون التواريخ: 13 / لوحة 8، وحسن المحاضرة: 1 / 404.
(5) ترجمة المؤلف في الجزء الثامن عشر رقم (259).
75

وقال أبو بكر بن العربي: شيخ معتزل في القرافة، له علو في الرواية،
وعنده فوائد، وقد حدث عنه الحميدي، وعبر عنه بالقرافي (1).
وقال آخر: كان يبيع الخلع لملوك مصر (2).
وقال الحافظ إسماعيل بن الأنماطي: سمعت أبا صادق عبد الحق بن
هبة الله القضاعي المحدث، سمعت العالم أبا الحسن علي بن إبراهيم بن
بنت أبي سعد، يقول: كان القاضي الخلعي يحكم بين الجن، وإنهم
أبطؤوا عليه قدر جمعة، ثم أتوه، وقالوا: كان في بيتك أترج، ونحن لا
ندخل مكانا يكون فيه (3).
قال أبو الميمون بن وردان: حدثنا أبي أبو الفضل، حدثنا بعض
المشايخ، عن أبي الفضل الجوهري الواعظ، قال: كنت أتردد إلى
الخلعي، فقمت في ليلة مقمرة ظننت الصبح، فإذا على باب مسجده فرس
حسنة، فصعدت، فوجدت بين يديه شابا لم أر أحسن منه يقرأ القرآن،
فجلست أسمع إلى أن قرأ جزءا، ثم قال للشيخ: آجرك الله. قال: نفعك
الله، ثم نزل، فنزلت خلفه، فلما استوى على الفرس، طارت به، فغشي
علي، والقاضي يصيح بي: اصعد يا أبا الفضل، فصعدت، فقال: هذا
من مؤمني الجن، يأتي في الأسبوع مرة يقرأ جزءا ويمضي (4).
قال ابن الأنماطي: قبر الخلعي بالقرافة يعرف بقبر قاضي الجن

(1) الخبر في وفيات الأعيان: 3 / 317، وطبقات السبكي: 5 / 254، وجاء في
" الوفيات ": وكنى عنه بالقرافي.
(2) " عيون التواريخ ": 13 / 89.
(3) أورده السبكي في طبقاته: 5 / 254.
(4) الخبر أيضا في " طبقات السبكي ": 5 / 254.
76

والانس، يعرف بإجابة الدعاء عنده (1).
قال: وسألت شجاعا المدلجي وغيره عن الخلعي: النسبة إلى أي
شئ؟ فما أخبرني أحد بشئ، وسألت السديد الربعي، وكان عارفا بأخبار
المصريين، عدلا، فقال: كان أبوه بزازا، وكانت أمراء المصريين من أهل
القصر يشترون الخلع من عنده، وكان يتصدق بثلث مكسبه.
وذكر ابن رفاعة أنه سمع من الحبال، وأنه أتى إلى الخلعي، فطرده
مدة، وكان بينهما شئ، أظن من جهة الاعتقاد، فهذه الحكاية منكرة، لان
أبا إسحاق الحبال كان قد منع من التحديث قبل موته بسنوات، ويصبو ابن
رفاعة عن إدراك الاخذ عنه قبل ذلك.
قال أبو الحسن علي بن أحمد العابد: سمعت الشيخ ابن بخيساه (2)
قال: كنا ندخل على القاضي أبي الحسن الخلعي في مجلسه، فنجده في
الشتاء والصيف وعليه قميص واحد، ووجهه في غاية من الحسن، لا يتغير
من البرد، ولا من الحر، فسألته عن ذلك، فتغير وجهه، ودمعت عينيه (3)،
ثم قال: أتكتم علي ما أقول؟ قلت: نعم. قال: غشيتني حمى (4) يوما،
فنمت في تلك الليلة، فهتف بي هاتف، فناداني باسمي، فقلت: لبيك

(1) الخبر في " طبقات السبكي ": 5 / 254، وليس من شرط إجابة الدعاء أن يدعو
الانسان عند قبر نبي أو صالح، بل هو مما استحدثه من لم يتضلع من هدي القرآن، وسنة
النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرة السلف الصالح الذين هم خير القرون بشهادة المصطفى صلى
الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
(2) في " طبقات السبكي ": نحيساه، وقال محققه: وفي س بالخاء المعجمة، وفي
عيون التواريخ: بختشاه.
(3) في الطبقات: عيناه.
(4) في الأصل: حماه، وفي " اللسان ": الحمى والحمة: علة يستحر بها الجسم.
77

داعي الله، فقال: لا، قل: لبيك ربي الله، ما تجد من الألم؟ فقلت:
إلهي وسيدي، قد أخذت مني الحمى ما قد علمت، فقال: قد أمرتها أن
تقلع عنك، فقلت: إلهي، والبرد أيضا؟ قال: قد أمرت البرد أيضا أن يقلع
عنك، فلا تجد ألم البرد ولا الحر، قال: فوالله ما أحس بما أنتم فيه من
الحر ولا من البرد (1).
قال هبة الله بن الأكفاني: مات الخلعي بمصر في السادس
والعشرين من ذي الحجة، سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة (2).
أخبرنا أبو الحسين يحيى بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز الجذامي
بالثغر، أخبرنا محمد بن عماد سنة عشرين وست مئة، أخبرنا عبد الله بن رفاعة،
أخبرنا علي بن الحسن الشافعي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن
النحاس إملاء، أخبرنا أحمد بن الحسين بن داناج الإصطخري إملاء، سنة
خمس وثلاثين وثلاث مئة، حدثنا إسحاق الدبري (3)، قال: قرأت على

(1) طبقات السبكي: 5 / 254، 255، وعيون التواريخ: 13 / لوحة 88.
(2) طبقات السبكي: 5 / 255، وطبقات الأسنوي: 1 / 479، وحسن المحاضرة:
1 / 404.
(3) نسبة إلى الدبر: قرية من قرى صنعاء اليمن، وهو إسحاق بن إبراهيم بن عباد
الدبري راوي كتب عبد الرزاق، قال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق، قال الامام
الذهبي في الميزان: 1 / 181، 182: ما كان الرجل صاحب حديث، وإنما أسمعه أبوه،
واعتنى به، سمع من عبد الرزاق تصانيفه، وهو ابن سبع سنين أو نحوها، لكن روى عن
عبد الرزاق أحاديث منكرة، فوقع التردد فيها: هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما
تفرد به عبد الرزاق؟ وقد احتج بالدبري أبو عوانة في صحيحه وغيره، وأكثر عنه الطبراني،
وقال الدارقطني في رواية الحاكم: صدوق ما رأيت فيه خلافا، إنما قيل: لم يكن من رجال
هذا الشأن، قلت: ويدخل في الصحيح؟ قال: إي والله. وفي مرويات أبي بكر محمد بن
خير في فهرسته ص: 131 كتاب إصلاح الحروف التي كان إسحاق بن إبراهيم الدبري
يصحفها في مصنف عبد الرزاق.
78

عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي
هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشونيز: " عليكم بهذه الحبة السوداء،
فإن فيه شفاء من كل داء إلا السام " (1) يريد الموت.
43 - السعيداني *
الامام المحدث المفيد أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي بن
الحسين بن علي بن محمد بن معاوية، القرشي الأموي، العتابي،
السعيداني البصري المحتسب، من ذرية عتاب بن أسيد، الذي استعمله
النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على مكة (2).
مولده سنة تسع وأربع مئة.
وسمع في سنة ثماني عشرة من علي بن هارون المالكي، وطلحة بن

(1) وأخرجه البخاري (5688) في الطب، ومسلم (2215) في السلام، والترمذي
(2041) في الطب، وابن ماجة (3447) في الطب من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن
وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد 2 / 241 و 261 و 268 و 423 و 429 و 504 من طريق أبي سلمة عن
أبي هريرة.
وهو عند أحمد أيضا 2 / 389 و 484، من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه،
عن أبي هريرة، و 2 / 468 و 538، من طريق قتادة، عن هلال بن يزيد، عن أبي هريرة،
و 2 / 510 من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وفي الباب عن عائشة عند البخاري (5687)، وأحمد 6 / 138 و 146، وابن ماجة
(3449). * لم نقف له على ترجمة في المصادر التي رجعنا إليها.
(2) انظر ترجمة عتاب بن أسيد وأخباره في " الاستيعاب ": 3 / 1023 - 1024،
وأسد الغابة: 3 / 556 - 557، و " نسب قريش ": ص 187، و " الإصابة ": 2 / 451 -
452.
79

يوسف المواقيتي (1)، والمبارك بن علي بن حمدان، وحسن بن أحمد
الدباس بالبصرة.
وارتحل إلى بغداد، وسمع، وكان فاضلا عالما له تخاريج.
روى عنه: جابر بن محمد الأنصاري، وأبو نصر الغازي، ومحمد
ابن عبد الواحد المغازلي المروزي، وأبو غالب الماوردي، وشجاع
الذهلي، وعدة.
أرخ ابن النجار وفاته في سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
44 - الفارقي *
العلامة، شيخ الأدب (2)، أبو نصر الحسن بن أسد، صاحب كتاب

(1) نسبة لمن يعرف المواقيت. * يتيمة الدهر: 4 / 441، الخريدة، قسم شعراء الشام 4 / 198 - 200، معجم
الأدباء: 8 / 54 - 75، إنباه الرواة: 1 / 294 - 298، العبر: 3 / 316، فوات الوفيات:
1 / 321 - 324، الوافي بالوفيات: 11 / 401، 404، مرآة الجنان: 3 / 143، طبقات
ابن قاضي شهبة: 1 / 298، النجوم الزاهرة: 5 / 140 - 141، بغية الوعاة: 1 / 500،
وذكر في كشف الظنون: 1563، شذرات الذهب: 3 / 380، روضات الجنات: 221،
إيضاح المكنون: 2 / 43، البلغة لائمة اللغة: 54، والفارقي: نسبة إلى ميافارقين: أشهر
مدينة بديار بكر تقع إلى الشمال الغربي من الموصل، بين الجزيرة وأرمينية.
(2) قال ياقوت في " معجم الأدباء ": 8 / 54: " شاعر رقيق الحواشي، مليح
النظم، متمكن من القافية، قلما يخلو له بيت من تصنيع وإحسان وبديع ". وذكر له أبياتا
كثيرة منها:
أيا كم أعاني الوجد في كل صاحب * ولست أراه لي كوجدي واجدا
إذا كنت ذا عدم فحرب مجانب * وتلقاه لي سلما إذا كنت واجدا
أحاول في دهري خليلا مصافيا * وهيهات خلا صافيا لست واجدا
80

" الألغاز " (1)، صدر معظم، ولي ديوان آمد (2)، ثم صودر، فتحول إلى
ميافارقين، فخلت من أمير، فقام أبو نصر بها، وحكم، ونزل القصر، ثم
خاف وهرب إلى حلب، ثم تجسر ورجع إلى حران، فأخذ وشنق (3) بأمر
نائب حران، في سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
45 - أمير الجيوش *
بدر بن عبد الله الأمير الوزير، الأرمني، الجمالي، اشتراه جمال
الملك بن عمار الطرابلسي، ورباه، فترقت به الأحوال إلى الملك
ولي نيابة دمشق للمستنصر في سنة خمس وخمسين وأربع مئة، فبقي

(1) قال في كشف الظنون: 1 / 149: " هو علم يتعرف منه دلالة الألفاظ على المراد
دلالة خفية في الغاية، لكن لا بحيث تنبو عنها الأذهان السليمة، بل تستحسنها وتنشرح إليها
بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجودة في الخارج ". وذكر له ياقوت في
" معجم الأدباء ": 8 / 56: كتاب " شرح اللمع "، وكتاب " الافصاح في شرح أبيات
مشكلة "، وقد عقد السيوطي في المزهر: 1 / 578 فصلا في الألغاز وذكر أنواعها وأشهر
المؤلفين فيها.
(2) آمد: بكسر الميم: إحدى مدن ديار بكر على شاطئ دجلة الأيسر، وتقع اليوم
في الأراضي التركية شمال ماردين، وصفها ياقوت بأنها أعظم مدن ديار بكر، وأجلها قدرا،
وأشهرها ذكرا.
(3) ذكر ياقوت أن أحمد بن مروان غضب عليه فقتله صلبا، وانظر خبر صلبه مفصلا
في: " معجم الأدباء ": 8 / 57 - 61. * الإشارة إلى من نال الوزارة: 55، الكامل في التاريخ: 10 / 235 - 236،
وفيات الأعيان عند ذكر ولده: 2 / 448 - 450، المختصر في أخبار البشر: 2 / 205، دول
الاسلام: 2 / 15، العبر: 3 / 320، تتمة المختصر: 2 / 14، الوافي بالوفيات:
10 / 95، البداية: 12 / 147 - 148، النجوم الزاهرة: 5 / 141 وفيه 87، رفع الاصر:
1 / 130 - 137، حسن المحاضرة: 2 / 204، شذرات الذهب: 3 / 383، معجم
الأنساب والأسرات الحاكمة: 45، 149.
81

ثلاث سنين، ثم هاج أحداث دمشق وشطارها (1)، وكانت لهم صورة كبيرة،
وإليهم أسوار البلد، فتسحب منها في سنة ستين، وأخرب قصره الذي كان
يسكنه خارج باب الجابية (2)، ثم مضى إلى مصر. وقيل: بل ركب البحر
من صور إلى دمياط لما علم باضطراب أمور مصر، وشدة قحطها، فهجمها
بغتة، وسر بمقدمه المستنصر الإسماعيلي (3)، وزال القطوع (4) عنه، والذل
الذي قاساه من ابن حمدان (5) وغيره. فلوقته قتل عدة أمراء كبار في الليل،
وجلس على تخت الولاية، وقرأ القارئ: * (ولقد نصركم الله ببدر) * [آل
عمران: 123] (6)، وردت أزمة الأمور إليه، فجهز جيشا إلى دمشق، فلم
يظفروا بها، كان قد تملكها تاج الدولة تتش أخو السلطان ملكشاه.
وهو الذي أنشأ بالإسكندرية جامع العطارين (7)، وكان بطلا شجاعا

(1) جمع شاطر: وهو من أعيا أهله ومؤدبه خبثا، مأخوذ من قولهم: شطر عن أهله
شطورا وشطورة وشطارة: إذا نزح عنهم وتركهم مراغما أو مخالفا، وأعياهم خبثا. قال أبو
إسحاق: قول الناس: فلان شاطر معناه: أنه أخذ في نحو غير الاستواء، ولذلك قيل له:
شاطر، لأنه تباعد عن الاستواء.
(2) قال ابن عساكر: 1 / 262: باب الجابية من غربي البلد منسوب إلى قرية
الجابية، لان الخارج إليها يخرج منه لكونه مما يليها، وكان ثلاثة أبواب، الأوسط منها
كبير، ومن جانبيه بابان صغيران على مثال ما كان عليه الباب الشرقي، وذكر بدران أنه رمم
سنة 515 ه‍. والجابية - كما في معجم ياقوت - من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من
ناحية الجولان، قرب مرج الصفر في شمالي حوران، فقول العامة: إنه منسوب إلى الست
جابية قول باطلا لا مستند له، وهو اليوم شرقي جامع سنان باشا، انظر: " ثمار المقاصد ":
59.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (72).
(4) الادبار والنحس: عن حاشية الوفيات.
(5) هو ناصر الدولة ابن حمدان، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 156.
(6) تمام الخبر في الوفيات والوافي: ولم يتم الآية - وهي قوله تعالى: * (وأنتم
أذلة) * - فقال المستنصر: لو أتمها ضربت عنقه.
(7) قال ابن خلكان: 2 / 450: وكان فراغه من عمارته سنة تسع وسبعين وأربع مئة.
82

مهيبا، من رجال العالم.
مات بمصر سنة ثمان وثمانين وأربع مئة (1)، وقام بعده ابنه الملقب
أيضا بأمير الجيوش (2).
وقيل: عاش بدر نحوا من ثمانين سنة، والله يسامحه. قصده علقمة
العليمي الشاعر، فعجز عن الدخول إليه، فوقف على طريقه، وفي رأسه
ريش نعام، ثم أنشده أبياتا (3) وقعت منه بموقع، ووقف له، ثم أمر الحاشية
أن يخلعوا عليه، وأمر له بعشرة آلاف، فذهب بخلع كثيرة إلى الغاية،
وهب منها لجماعة من الشعراء.
وخلف بدر (4) أموالا عظيمة.
46 - تتش *
الملك تاج الدولة تتش بن السلطان أبي شجاع ألب

(1) " حسن المحاضرة ": 2 / 204، والوفيات: 2 / 450، والوافي: 10 / 95.
(2) سترد ترجمته برقم 294 من هذا الجزء.
(3) وهي كما في ابن خلكان: 2 / 449، وابن الأثير: 10 / 236.
نحن التجار، وهذه أعلاقنا * در، وجود يمينك المبتاع
قلب، وفتشها بسمعك إنما * هي جوهر تختاره الاسماع
كسدت علينا بالشآم وكلما * قل النفاق تعطل الصناع
فأتاك يحملها إليك تجارها * ومطيها الآمال والأطماع
حتى أناخوها ببابك والرجا * من دونك السمسار والبياع
فوهبت ما لم يعطه في دهره * هرم ولا كعب ولا القعقاع
وسبقت هذا الناس في طلب العلا * فالناس بعدك كلهم أتباع.
(4) في الأصل " بدرا " وهو خطأ. * أخبار تتش واستيلاؤه على دمشق وحلب لابن القلانسي: 116، 120 - 125،
المنتظم: 9 / 87 - 88، تاريخ الدولة السلجوقية: 75 - 78، الكامل في التاريخ: 10 /
244 - 246، وفيات الأعيان: 1 / 295 - 297، المختصر: 2 / 204 - 205 و 206، دول
الاسلام: 2 / 15 و 17، العبر: 3 / 320، تتمة المختصر: 2 / 14 و 15 و 17، عيون
التواريخ: 13 / لوحة 2 - 3، الوافي بالوفيات: 10 / 378، للصفدي، البداية: 12 / 149 -
150، تاريخ ابن خلدون: 5 / 147، النجوم الزاهرة: 5 / 155، شذرات الذهب: 3 /
384، تهذيب تاريخ دمشق: 3 / 343.
83

أرسلان (1) بن داود بن ميكال السلجوقي أخو السلطان ملكشاه التركي.
كان شجاعا مهيبا جبارا، ذا سطوة، وله فتوحات ومصافات، وتملك
عدة مدائن، وخطب له ببغداد، وصار من كبار ملوك الزمان.
قدم دمشق، فخرج ليتلقاه المتغلب عليها أطسز (2) الخوارزمي،
فسلم عليه، ثم سار، وشد عليه تتش، فضرب عنقه، وأخذ البلد (3)،
وجرت له أمور وحروب مع المصريين، وتملك بضع عشرة [سنة] (4)، ثم
سار في سنة ثمان وثمانين وأربع مئة ليتملك بلاد العجم، فقتل في المصاف
بالري، التقاه بركياروق ابن أخيه.
وكان يتغالى في حب الشيخ أبي الفرج الحنبلي (5)، ويحضر
مجلسه، فعقد له ولخصومه في مسألة القرآن مجلسا، فقال تتش: هذا مثل
ما يقول، هذا قباء حقيقة ليس هو بحرير، ولا قطن، ولا كتان، ولا
صوف.

(1) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 210.
(2) في وفيات الأعيان: 1 / 295، وعيون التواريخ، والوافي بالوفيات، وغيرها:
" أتسز " بالتاء بدل الطاء، وفي كامل ابن الأثير: 10 / 111: " أقسيس " وذكر عن ابن
الهمذاني، وابن عساكر في تاريخه أن ملكه إياها كان سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة.
(3) الوافي بالوفيات: 1 / 295، عيون التواريخ: 13 / 2، تهذيب ابن عساكر:
3 / 343، والكامل في التاريخ: 10 / 111، وغيرها.
(4) زيادة يقتضيها النص.
(5) تقدمت ترجمته برقم (32) من هذا الجزء.
84

وكان عسوفا للرعية، تملك دمشق بعده ابنه شمس الملوك دقاق (1)
وغيره، ثم مملوكه طغتكين (2) وأولاده، إلى أن تملكها العادل نور الدين
السلجوقي (3)، ثم صلاح الدين وابنه، ثم أخوه، وأهل بيته، ثم مواليهم،
وإلى اليوم.
47 - الحموي *
الامام المفتي، شيخ الشافعية، قاضي القضاة، أبو بكر محمد بن
المظفر بن بكران الشامي الحموي الشافعي الزاهد.
ولد سنة أربع مئة، وقدم بغداد شابا.
فسمع من عثمان بن دوست العلاف، وأبي القاسم بن بشران،
وطبقتهما.
حدث عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد
التيمي، وهبة الله بن طاووس، وآخرون.
قال السمعاني: هو أحد المتقنين للمذهب، وله اطلاع على أسرار

(1) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (129).
(2) سترد ترجمته برقم (302) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (340). * الأنساب: 4 / 229، المنتظم: 9 / 94 - 96، معجم البلدان: 2 / 301،
اللباب: 1 / 391، الكامل في التاريخ: 10 / 253، طبقات ابن الصلاح: الورقة:
24 / ب، دول الاسلام: 2 / 17، العبر: 3 / 322 - 323، عيون التواريخ: 13 / لوحة
51، الوافي بالوفيات: 5 / 34 - 35، طبقات السبكي: 4 / 202 - 205، طبقات
الأسنوي: 2 / 95 - 96، تاج التراجم: 50، كشف الظنون: 1 / 264، شذرات
الذهب: 3 / 391 - 392، هدية العارفين: 2 / 76، إيضاح المكنون: 1 / 206.
85

الفقه، وكان ورعا زاهدا، متقيا سديد الاحكام، ولي قضاء القضاة بعد أبي
عبد الله الدامغاني مدة إلى أن تغير عليه أمير المؤمنين المقتدي، فمنع
الشهود من حضور مجلسه مدة، فكان يقول: ما أنعزل ما لم يتحقق علي
فسق، ثم إن المقتدي رضي وخلع عليه (1).
وشهد عنده المشطب الفرغاني (2)، فلم يقبله، لكونه يلبس الحرير،
فقال: تردني، والسلطان ووزيره نظام الملك يلبسانه؟! فقال: ولو
شهدا، لما قبلتهما (3).
قال ابن النجار: تفقه على القاضي أبي الطيب (4)، وحفظ تعليقه،
ولم يأخذ على القضاء رزقا، ولا غير مأكله ولا ملبسه، وكان يسوي بين
الناس، فانقلب عليه الكبراء، وكان نزها ورعا على طريقة السلف له كارك (5)
يؤجره كل شهر بدينار ونصف، كان يقتات منه، فلما ولي القضاء، جاء
إنسان، فدفع فيه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغير ساكني، وقد ارتبت
بك، هلا كانت الزيادة من قبل القضاء (6)؟!

(1) طبقات السبكي: 4 / 202 - 203.
(2) هو أبو المظفر المشطب بن محمد بن أسامة بن زيد بن النعمان الفرغاني، من
فرغانة ما وراء نهر جيحون، كان من فحول المناظرين، وكانت له يد باسطة في النظر
والجدل، وكان مختلطا بالعسكر، وكان لا يفارقهم. انظر " الأنساب ": 9 / 275.
(3) المنتظم: 9 / 96، وابن الأثير: 10 / 253، والسبكي: 4 / 204، 205، وفيه
عندهم: ولو شهدوا عندي في باقة بقل، ما قبلت شهادتهما.
(4) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري البغدادي، وقد تقدمت ترجمته برقم
(462) في الجزء السابع عشر.
(5) الكلمة فارسية، ومعناها: البيت كما يفهم من هذا السياق، وكذلك وردت عند
السبكي: 4 / 205، وفي " المعجم الذهبي ": كارك: عمل صغير، وكاركاه: معمل،
مصنع، دكان، قصر.
(6) طبقات السبكي: 4 / 205.
86

وكان يشد في وسطه مئزرا، ويخلع في بيته ثيابه ويجلس، وقال: ما
دخلت في القضاء حتى وجب علي (1).
قال أبو علي الصدفي: هو ورع زاهد. وأما الفقه، فكان يقال: لو
رفع مذهب الشافعي، لأمكنه أن يمليه من صدره (2).
علق عنه القاضي أبو الوليد الباجي.
قال عبد الوهاب الأنماطي: كان قاضي القضاة الشامي حسن
الطريقة، ما كان يتبسم في مجلس قضائه (3).
قلت: كان قدومه بغداد في سنة عشرين وأربع مئة، وكان من أوعية
الفقه، وقد صنف " البيان في أصول الدين " (4) ينحو فيه إلى مذهب
السلف.
قال أحمد بن عبد الله الآبنوسي: كان لقاضي القضاة الشامي
كيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وقميصا من القطن الحسن (5)، فإذا
خرج لبسهما، والكيس الآخر فيه فتيت يجعل منه في قصعة ويقتات منه (6).
وعنه قال: أعصي إن لم أل القضاء، وكان أبو محمد التميمي - فيما

(1) طبقات السبكي: 4 / 205.
(2) طبقات السبكي: 4 / 203، طبقات الأسنوي: 2 / 95، عيون التواريخ: 13 / الورقة
51.
(3) طبقات السبكي: 4 / 203.
(4) ذكره في كشف الظنون: 1 / 264، وهدية العارفين: 2 / 76، وإيضاح
المكنون: 1 / 206.
(5) في الطبقات: الخشن.
(6) طبقات السبكي: 4 / 205.
87

قيل - قد بذل فيه ذهبا كثيرا، وقيل: كانت في الشامي حدة وزعارة، ومناقبه
جمة رحمه الله.
مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وقد قارب التسعين،
ودفن في تربة له عند أبي العباس بن سريج (1).
48 - ابن مفوز *
الامام الحافظ الناقد المجود، أبو الحسن طاهر بن مفوز بن أحمد بن
مفوز المعافري الشاطبي، تلميذ أبي عمر بن عبد البر، وخصيصه، أكثر
عنه وجود (2).
وسمع أيضا من أبي العباس بن دلهاث، وأبي الوليد الباجي، وابن
شاكر الخطيب، وأبي الفتح التنكتي (3)، وحاتم بن محمد القرطبي، وأبي
مروان بن حيان، وعدة.
وكان فهما ذكيا، إماما، من أوعية العلم، وفرسان الحديث، وأهل
الاتقان والتحرير، مع الفضل والورع، والتقوى والوقار والسمت.
مولده في سنة تسع وعشرين وأربع مئة (4).
ومات في رابع شعبان سنة أربع وثمانين وأربع مئة.

(1) المنتظم: 9 / 96، طبقات السبكي: 4 / 205، طبقات الأسنوي: 2 / 96. * الصلة: 1 / 240 - 241، بغية الملتمس: 327، العبر: 3 / 305، تذكرة
الحفاظ: 4 / 1222 - 1223، طبقات الحفاظ: 448، شذرات الذهب: 3 / 371 وفيه
تصحف اسمه إلى ظاهر بن منور المعافري.
(2) انظر بغية الملتمس: 327.
(3) سترد ترجمته برقم (50) من هذا الجزء.
(4) في الصلة: 1 / 241: سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
88

حدث عنه أبو علي بن سكرة الصدفي وغيره، وكان أخوه عبد الله زاهد
أهل الأندلس في زمانه (1).
49 - ظاهر *
الشيخ الحافظ البارع المفيد، أبو محمد ظاهر (2) بن أحمد بن علي
السليطي (3) النيسابوري، ويسمى عبد الصمد أيضا.
ولد بالري، وبها نشأ، وكتب ما لا يوصف بخطه المليح.
سمع أبا عبيد صخر بن محمد الطوسي بالري، وعبد الكريم بن أحمد
المطيري (4) بساوة، وعبد الملك بن عبد الغفار البصري، وعدة بهمذان،
وأبا علي بن المذهب، وأبا إسحاق البرمكي، والقاضي أبا الطيب،
والجوهري، وعدة ببغداد.
حدث عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وابن بدران الحلواني،
ومحمد بن الحسين المزرفي (5)، وطائفة.

(1) قال عنه ابن بشكوال في " الصلة ": 1 / 284: " روى عن أبي عمر بن عبد البر
كثيرا، ثم زهد فيه لصحبته السلطان، وعن أبي تمام القطيني، وأبي العباس العذري
وغيرهم، وكان من أهل العلم والفهم والصلاح والورع والزهد مشهورا بذلك كله، وتوفي
سنة خمس وسبعين وأربع مئة ". * المنتظم: 9 / 50، تذكرة الحفاظ: 4 / 1223 - 1224، البداية: 12 / 135،
طبقات الحفاظ: 448.
(2) في المنتظم، وتذكرة الحفاظ، والبداية، وطبقات الحفاظ: " طاهر " بالطاء
المهملة، وهو تصحيف.
(3) نسبة إلى سليط، وهو اسم لجد المنتسب إليه.
(4) نسبة إلى المطيرة: قرية من نواحي سامراء، وكانت من متنزهات بغداد وسامراء.
(5) بفتح الميم، وسكون الزاي، وفتح الراء: نسبة إلى المزرفة، وهي قرية كبيرة
بالقرب من بغداد، وقد تحرفت في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1223 إلى المزروفي.
89

سكن همذان مدة، ومات بظاهرها.
قال شيرويه: كان أحد من عني بهذا الشأن، حسن العبارة، كثير
الرحلة، صدوقا، جمع كثيرا في سائر العلوم، ما رأيت فيمن رأيت أكثر كتبا
وسماعا منه، عاجله الموت.
وقال يحيى بن منده: هو أحد الحفاظ، صحيح النقل، يفهم
الحديث ويحفظه (1).
قال أبو جعفر محمد بن أبي علي الحافظ: سمعت مسعود بن ناصر
السجزي يقول: أشهد أن كل كتاب بغدادي عند عبد الصمد السليطي كلها
غارة ونهب من نهب نوبة البساسيري ببغداد، لا ينتفع بها دنيا ولا دينا (2).
قال أبو سعد السمعاني: مات ظاهر بهمذان في سنة اثنتين وثمانين
وأربع مئة (3).
وهو الذي انتقى لأبي محمد الجوهري بعض مجالسه.
50 - التنكتي *
الشيخ الجليل العالم المحدث الثقة أبو الفتح نصر بن الحسن بن

(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1223.
(2) الخبر في " التذكرة " وعلق عليه العلامة المعلمي، فقال: يعني أنها لما وقعت
فتنة البساسيري، ونهبت بيوت بغداد، كان في ذلك كتب اشتراها الناس من ناهبيها، ثم
باعوها فاشترى عدة من تلك الكتب، وهي في الأصل مما نهبه الناس، والظاهر أن ظاهرا
اعتمد ظاهر اليد، فاشترى ولم يتعمق، والله أعلم.
(3) المنتظم: 9 / 50، تذكرة الحفاظ: 4 / 1224. * جذوة المقتبس: 356، الأنساب: 3 / 88 - 90، وفيه قال السمعاني: بضم
التاء وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها تاء أخرى، الصلة: 2 / 637 - 639، المنتظم:
9 / 79 - 80، بغية الملتمس: 476، معجم البلدان: 2 / 50، وفيه قال ياقوت: بضم
الكاف، اللباب: 1 / 224 - 225، الكامل لابن الأثير: 10 / 227 - 228، العبر:
3 / 314، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 1200 وفيه الشكتي محرف، شذرات الذهب:
3 / 379، وقد تحرف فيه إلى السكشي.
90

القاسم، التركي، الشاشي، التنكتي. وتنكت: بلد من أعمال الشاش.
ولد سنة ست وأربع مئة.
وسمع على كبر من أبي الحسن الطفال بمصر، ومن أبي الحسين
الفارسي، وابن مسرور بنيسابور، ومن الخطيب بصور، وبالإسكندرية من
الحسين بن محمد المعافري، وبالأندلس من ابن دلهاث.
وجاب النواحي تاجرا ومحدثا، وكثرت أمواله جدا.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الخالق اليوسفي، ونصر
ابن نصر العكبري، وطاهر بن مفوز.
وروى الصحيح بالأندلس (1)، وكان دينا ورعا وقورا رئيسا متصدقا.
توفي سنة ست وثمانين وأربع مئة (2). رحمه الله.
51 - الدبوسي *
العلامة، شيخ الشافعية، أبو القاسم علي بن أبي يعلى المظفر بن

(1) في الأنساب: واشتهر برواية كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج بالعراق ومصر
والأندلس عن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وانظر " المنتظم ": 9 / 80،
والصلة: 2 / 637، والكامل لابن الأثير: 10 / 228، وجذوة المقتبس: 356، وبغية
الملتمس: 476.
(2) الأنساب: 3 / 90، المنتظم: 9 / 80، ونقل ابن بشكوال: 2 / 638 عن ابن
قاسم أنه توفي بصور، وعن طاهر بن مفوز أنه توفي بأطرابلس الشام سنة إحدى وسبعين
وأربع مئة. * الأنساب: 5 / 275 - 276، المنتظم: 9 / 50، معجم البلدان: 2 / 438،
اللباب: 1 / 490، الكامل لابن أثير: 10 / 81، طبقات السبكي: 5 / 296 - 298،
طبقات الأسنوي: 1 / 526 - 527، البداية: 12 / 135 - 136، النجوم الزاهرة:
5 / 129.
91

حمزة بن زيد، العلوي، الحسيني، الشافعي، الدبوسي.
ودبوسية: بلد بين بخارى وسمرقند.
كان فقيها بارعا، أديبا أصوليا، مناظرا، مدركا، حسن الأخلاق،
سمحا جوادا.
سمع من محمد بن عبد العزيز القنطري، وأبي سهل أحمد بن علي
الأبيوردي، وأبي مسعود البجلي، وعدة.
وقدم بغداد لتدريس النظامية في سنة تسع وسبعين وأربع مئة،
فدرس، وأملى مجالس (1).
روى عنه هبة الله بن السقطي، وأبو العز القلانسي، وعبد الوهاب
الأنماطي، وعبد الرحمن بن الحسن الشرافي (2).

(1) الأنساب: 5 / 275، 276، والمنتظم: 9 / 50، وطبقات السبكي: 5 / 297.
(2) تحرف في " الأنساب ": 5 / 276 إلى " السيرافي " وفي " طبقات السبكي ":
5 / 298. إلى " الشرابي "، والشرافي هذا من شيوخ السمعاني، ترجم له في " التحبير ":
1 / 390، 391، وقال: توفي في أول رجب سنة أربع وأربعين وخمس مئة ببنج دية، وبنج
دية: معناه بالفارسية الخمس قرى، وهي كذلك خمس قرى متقاربة من نواحي مرو الروذ،
ثم من نواحي خراسان، قال ياقوت: عمرت حتى اتصلت العمارة بالخمس قرى، وصارت
كالمحال بعد أن كانت كل واحدة مفردة، فارقتها في سنة 617 قبل استيلاء التتر على خراسان
وقتلهم أهلها، وهي من أعمر مدن خراسان، ولا أدري إلى أي شئ آل أمرها، وقد تعرب
فيقال لها: فنج دية، وينسبون إليها فنجديهي، وقد نسب إليها السمعاني: 5 / 178 خمقري
من الخمس قرى وقال: هي أيفان، ومرست، ومدو، وكريكان، وبهونة، وقد يختصرون
فيقولون: بندهي.
92

قال السقطي: أبو القاسم هو إمام الشافعية، قرأ القرآن والفقه والحديث
والأصول واللغة والعربية، وكان فطنا في الاجتهاد، وله التوسع في الكلام
والفصاحة في الجدال والخصام، أقوم الناس بالمناظرة، وتحقيق
الدروس، وكان موفقا في الفتوى (1).
وقال في مكان آخر: كان المشار إليه في المذهب والخلاف، ومعرفة
الغريب والبلاغة، وإليه انتهت رئاسة الشافعية، توفي في العشرين من
جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
قلت: لم يشخ كثيرا، وما وقع لي حديثه عاليا، رحمه الله.
52 - البرزبيني *
شيخ الحنابلة، القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن
سطورا (2)، العكبري، الحنبلي، تلميذ القاضي أبي يعلى.
وكان صاحب فنون، يدري الأصول والحديث والقرآن، تفقه به خلق
كثير، وصنف في المذهب (3)، وما درس عليه أحد إلا وتميز (4).

(1) طبقات السبكي: 5 / 297. * طبقات الحنابلة: 2 / 245 - 247، الأنساب: 2 / 147، المنتظم: 9 / 80،
اللباب: 1 / 137، الكامل لابن الأثير: 10 / 227، وفيه المرزباني، ذيل طبقات
الحنابلة: 1 / 73 - 76، إيضاح المكنون: 1 / 299، هدية العارفين: 2 / 544.
والبرزبيني: نسبة إلى برزبين، وهي قرية كبيرة من قرى بغداد على خمسة فراسخ
منها، وقد تحرفت في المنتظم إلى البرزباني.
(2) كذا الأصل: (سطورا) بالألف، وجميع مصادر الترجمة على حذفها.
(3) قال ابن رجب في ذيل الطبقات: 1 / 75: وله تصانيف في المذهب، منها
" التعليقة " في الفقه في عدة مجلدات، وهي ملخصة من تعليقة شيخه القاضي.
(4) في ذيل الطبقات: 1 / 74، ذكره ابن السمعاني، فقال: كانت له يد قوية في
القرآن والحديث والفقه والمحاضرة، وقرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد، وانتفعوا به، وكان
حسن السيرة، جميل الطريقة، جرت أموره على سداد واستقامة. * الأنساب: 6 / 37 ذكره في الراذكاني، المنتظم: 9 / 64 - 68، تاريخ دولة آل
سلجوق: 1 / 115، معجم البلدان: 3 / 13 و 4 / 50، المنتخب: الورقة: 54 / ب،
التدوين: الورقة: 189 أ - 189 ب، الكامل في التاريخ: 10 / 204 - 206، الروضتين:
1 / 25 - 26، طبقات النووي: الورقة: 73 - 74، وفيات الأعيان: 2 / 128 - 131، ابن
العبري: 192 - 195، دول الاسلام: 2 / 13، العبر: 3 / 307 - 308، الوافي
بالوفيات: 12 / 123 - 127، طبقات السبكي: 4 / 309 - 329، البداية: 12 / 140 -
141، تاريخ ابن خلدون: 5 / 11 - 13، النجوم الزاهرة: 5 / 136، شذرات الذهب:
3 / 373 - 375، روضات الجنات: 221، أعيان الشيعة: 22 / 225.
93

تفقه به أبو حازم بن الفراء، وأجاز لغانم بن خلف، وأبي نصر
الغازي.
مات في شوال سنة ست وثمانين وأربع مئة في عشر الثمانين.
53 - نظام الملك *
الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي
ابن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير، سعيد، متدين، محتشم،
عامر المجلس بالقراء والفقهاء.
أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد (1)، وأخرى بنيسابور، وأخرى
بطوس (2)، ورغب في العلم، وأدر على الطلبة الصلات، وأملى
الحديث، وبعد صيته.

(1) وهي المشهورة بالمدرسة النظامية، شرع في عمارتها سنة سبع وخمسين وأربع
مئة، وفي سنة تسع وخمسين جمع الناس على طبقاتهم ليدرس بها أبو إسحاق الشيرازي.
فلم يحضر، فذكر الدرس أبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل عشرين يوما، ثم جلس الشيخ
أبو إسحاق بعد ذلك.
(2) ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على ثلاث مئة وإحدى وعشرين قرية.
94

وكان أبوه من دهاقين بيهق (1)، فنشأ وقرأ نحوا، وتعاني الكتابة
والديوان، وخدم بغزنة، وتنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب
آرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف
المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جنابه،
وازدادت رفعته، واستمر عشرين سنة.
سمع من القشيري، وأبي مسلم بن مهربزد (2)، وأبي حامد
الأزهري.
روى عنه علي بن طراد الزينبي، ونصر بن نصر العكبري، وجماعة.
وكان فيه خير وتقوى، وميل إلى الصالحين، وخضوع لموعظتهم،
يعجبه من يبين له عيوب نفسه، فينكسر ويبكي.
مولده في سنة ثمان وأربع مئة، وقتل صائما في رمضان، أتاه باطني
في هيئة صوفي يناوله قصة، فأخذها منه، فضربه بالسكين في فؤاده،
فتلف، وقتلوا قاتله، وذلك ليلة جمعة سنة خمس وثمانين وأربع مئة،
بقرب نهاوند، وكان آخر قوله: لا تقتلوا قاتلي، قد عفوت، لا إله إلا
الله (3).
قال ابن خلكان (4): قد دخل نظام الملك على المقتدي بالله،

(1) ذكر له السبكي في طبقاته تسع مدارس أخرى غير هذه.
(2) هو العلامة النحوي المفسر المعتزلي محمد بن علي بن مهربزد، تقدمت ترجمته
في الجزء الثامن عشر الترجمة (79).
(3) " المنتظم ": 9 / 66 - 67، و " وفيات الأعيان ": 2 / 130.
(4) 4 / 128، وهو في طبقات السبكي: 4 / 322.
95

فأجلسه، وقال له: يا حسن، رضي الله عنك، كرضى (1) أمير المؤمنين
عنك.
وللنظام سيرة طويلة في " تاريخ ابن النجار "، وكان شافعيا أشعريا.
وقيل: إن قتله كان بتدبير السلطان، فلم يمهل بعده إلا نحو شهر (2).
وكان النظام قد ختم وله إحدى عشرة، واشتغل بمذهب الشافعي،
وسار إلى غزنة، فصار كاتبا نجيبا، إليه المنتهى في الحساب، وبرع في
الانشاء، وكان ذكيا، لبيبا، يقظا، كامل السؤدد (3).
قيل: إنه ما جلس إلا على وضوء، وما توضأ إلا تنفل، ويصوم الاثنين
والخميس، جدد عمارة خوارزم، ومشهد طوس، وعمل بيمارستانا، نابه
عليه خمسون ألف دينار، وبنى أيضا بمرو مدرسة، وبهراة مدرسة، وببلخ
مدرسة، وبالبصرة مدرسة، وبأصبهان مدرسة، وكان حليما رزينا جوادا،
صاحب فتوة واحتمال ومعروف كثير إلى الغاية، ويبالغ في الخضوع
للصالحين.
وقيل: كان يتصدق كل صباح بمئة دينار.
قال ابن عقيل: بهر العقول سيرة النظام جودا وكرما وعدلا، وإحياء
لمعالم الدين، كانت أيامه دولة أهل العلم، ثم ختم له بالقتل وهو مار إلى
الحج في رمضان، فمات ملكا في الدنيا، ملكا في الآخرة، رحمه الله (4).

(1) في الوفيات: برضاء.
(2) قال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 67: وإنما كان بينهما خمسة وثلاثون يوما.
(3) انظر " طبقات السبكي ": 4 / 312.
(4) نص كلام ابن عقيل في " المنتظم ": 9 / 67، 68، وقد نقله ابن الجوزي من
خطه: وأما النظام، فإن سيرته بهرت العقول جودا وكرما وحشمة، وإحياء لمعالم الدين،
فبنى المدارس، ووقف عليها الوقوف، ونعش العلم وأهله، وعمر الحرمين، وعمر دور
الكتب، وابتاع الكتب، فكانت سوق العلم في أيامه قائمة، والعلماء مستطيلين على
الصدور من أبناء الدنيا، وما ظنك برجل كان الدهر في خفارته لأنه كان قد أفاض من الانعام
ما أرضى الناس، وإنما كانوا يذمون الدهر لضيق أرزاق واختلال أحوال، فلما عمهم
إحسانه، أمسكوا عن ذم زمانهم.
وقد رثاه شبل الدولة مقاتل بن عطية، فقال:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمن من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف
ونقل السبكي 4 / 318 - 319 كلام ابن عقيل هذا عن " الفنون ". * ذيل تاريخ بغداد: 1 / 426 - 430، العبر: 3 / 329، عيون التواريخ:
13 / 79 - 80 وفيه عبد بن عبد الله، شذرات الذهب: 3 / 395.
96

54 - عبدوس *
ابن عبد الله بن محمد بن عبدوس الامام الجليل المتقن، شيخ
همذان، أبو الفتح الروذباري، الفارسي، ثم الهمذاني، أكبر أهل
همذان، وأعلاهم إسنادا.
ولد في سنة خمس وتسعين وثلاث مئة.
سمع عم أبيه علي بن عبدوس، ومحمد بن أحمد بن حمدويه صاحب
أبي العباس الأصم، وأبا طاهر الحسين بن سلمة، والحسين بن محمد بن
منجويه، ومحمد بن عيسى المحتسب، ورافع بن محمد القاضي،
وعدة.
وله إجازة صحيحة من أبي بكر أحمد بن علي بن لآل، وأبي عبد
الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وشيخ الحرم أبي الحسن بن
جهضم.
97

روى عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وإسماعيل بن السمرقندي،
ومحمد بن بنيمان (1) الهمذاني، وأبو زرعة المقدسي، وآخرون، وأجاز
لأبي طاهر السلفي.
قال شيرويه: سمعت منه، وكان صدوقا متقنا فاضلا ذا حشمة
وصيت، حسن الخط، حلو المنطق، كف بصره وأصم في آخر عمره،
وسماع القدماء منه أصح إلى سنة نيف (2) وثمانين، ومات في جمادى الآخرة
سنة تسعين وأربع مئة، فغسلته (3). قال ابن طاهر: دخلت همذان بعد
رجوعي من الري بأولادي، وكنت أسمع أن سنن النسائي يرويه عبدوس،
فقصدته، فأخرج إلي الكتاب، وفيه السماع ملحق طري بخطه، فلم
أقرأه، وبعد مدة خرجت بابني أبي زرعة إلى الدوني (4)، فقرأت له الكتاب.
عليه (5).
55 - السيبي *
الامام المقرئ المعمر الكبير أبو القاسم يحيى بن أحمد بن محمد بن

(1) سترد ترجمته برقم (375) من الجزء العشرين.
(2) في ذيل ابن النجار: " ست ".
(3) ذيل ابن النجار: 1 / 429 - 430.
(4) نسبة إلى دونة على عشرة فراسخ من همذان، وهي بين همذان ودينور، واسمه
عبد الرحمن بن حمد، قال يحيى بن منده فيما ذكره ابن نقطة في " الاستدراك " ورقة 177: قرأنا
عليه كتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي بسماعه من القاضي أبي نصر أحمد بن الحسين
الكسار، عن أحمد بن السني، عنه، سألته عن ميلاده، فقال: ولدت في سنة سبع وعشرين
وأربع مئة، وتوفي سنة خمس مئة. وسترد ترجمته برقم (147). * ذيل ابن النجار: 1 / 429.
(*) الأنساب: 7 / 216، المنتظم: 9 / 105، الكامل في التاريخ: 10 / 271،
العبر: 3 / 330، معرفة القراء الكبار: 1 / 357 - 358، غاية النهاية 2 / 365، عيون
التواريخ: 13 / 80، البداية: 12 / 155، توضيح المشتبه: 2 / 55 / 1، النجوم الزاهرة:
5 / 161، طبقات القراء: 2 / 365، شذرات الذهب: 3 / 396.
وقد جاء في الأنساب، والمنتظم، ومعرفة القراء الكبار، وطبقات القراء: يحيى بن
أحمد بن أحمد بن محمد.
98

محمد بن علي السيبي القصري.
قال لجماعة: ولدت في سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة بقصر ابن
هبيرة. وتلا على الحمامي.
وسمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت، وأبا الحسين بن
بشران، وأبا الفضل عبد الواحد التميمي، وابن الفضل القطان.
ولو سمع في الصغر، للحق أصحاب البغوي، وكان مجودا محققا،
قرأ بالروايات على أبي الحسن بن الحمامي، وختم عليه خلق.
قال السمعاني: رحل الناس إليه من الآفاق، وأكثروا عنه، وكان خيرا
صالحا، ثقة ثبتا. روى لنا عنه أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم بن
السمرقندي، وأبو البركات الأنماطي، و عبد الخالق اليوسفي، وأبو القاسم
إسماعيل التيمي، وأبو نصر الغازي.
وقال ابن سكرة: كان صالحا مسنا عفيفا، كان يتعمم بالسواد.
قال ابن ناصر (1): مات في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة
تسعين وأربع مئة.

(1) هو أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي - نسبة إلى دار السلام وهي بغداد - المتوفي
سنة 550، سيترجمه المؤلف في الجزء العشرين رقم (180).
99

وفيها مات فقيه البصرة أبو يعلى العبدي (1)، وأبو نصر عبد الرحمن بن
محمد السمسار الأصبهاني (2)، وعبدوس بن عبد الله بن محمد الفارسي
بهمذان (3)، والفقيه نصر المقدسي (4) بدمشق.
وفيها (5) في ربيع الآخر اجتمعت الستة: الشمس، والقمر،
والزهرة، والمريخ، وعطارد، والمشتري، في برج الحوت، وزعموا أنهم
لم يسمعوا باجتماعهم في برج في هذه الأزمنة، ثم فسروا بأنه يكون غرق
عظيم، فكانت المياه قليلة.
56 - تاج الملك *
الوزير أبو الغنائم، مرزبان بن خسرو بن دارست.
كان كاتبا للأمير سرهنك، فمات مخدومه، فصادره نظام الملك،
وقال: عندك لمخدومك ألف ألف دينار، فقال: إذا قيل هذا عني، فما
يقال فيمن خدم سلطانين ثلاثين سنة؟! ولكن أنا القائم بما يطلب مني،
وحمل إلى خزانة السلطان ألفي ألف دينار، فعظم بذلك عنده، وقربه،
فتألم النظام، وبقي يعظم النظام صورة، ويحط عليه باطنا، فلما قتل

(1) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (83).
(2) تقدمت ترجمته برقم (20).
(3) وهو الذي مر قبل السيبي برقم (54).
(4) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (72).
(5) في كامل ابن الأثير: 10 / 259 - 260، والنجوم الزاهرة: 5 / 158،
والمنتظم: 9 / 97: أن ذلك وقع عام 489. * المنتظم: 9 / 74 أورده في سنة 485 ه‍، أخبار الدولة السلجوقية: 67،
الكامل لابن الأثير: 10 / 216، وفيات الأعيان: 2 / 131 مع ترجمة نظام الملك، البداية:
12 / 144 في وفيات 485 ه‍، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 338.
100

النظام، وزر هذا لملكشاه، ثم لابنه محمود، وجرت حروب على الملك،
فأسر مرزبان، فشد عليه غلمان النظام، فقتلوه في المحرم سنة ست (1)،
وكانت أيامه أربعة أشهر، وكان يتعبد ويصوم، رحمه الله.
57 - النعالي *
الشيخ المعمر، مسند العراق، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن
محمد بن طلحة، النعالي، البغدادي، الحمامي، الحافظ، يعني يحفظ
ثياب الحمام وغلته (2).
أسمعه جده من أبي عمر بن مهدي، وأبي سعد الماليني، وأبي
الحسن محمد بن عبيد الله الحنائي، وأبي سهل محمود العكبري، وأبي
القاسم بن المنذر القاضي، وهو آخر من حدث عنهم.
حدث عنه: ابن ناصر، وهبة الله بن الحسن الدقاق، ومحمد بن
إسحاق بن الصابي، وعبد الله بن منصور الموصلي، وأبو الفتح بن البطي،
والمبارك بن المبارك السمسار، ويحيى بن ثابت البقال، ومحمد بن علي
ابن العلاف، وصالح ابن الرخلة (3)، وأبو علي أحمد بن محمد بن الرحبي،

(1) وثمانين وأربع مئة كما في " الوفيات ": 2 / 131 وانظر خبر قتله كاملا في الكامل
لابن الأثير: 10 / 216. * الأنساب: لوحة: 564 ب، المنتظم: 9 / 115، اللباب: 3 / 317، دول
الاسلام: 2 / 23، العبر: 3 / 336، الوافي: 12 / 339، لسان الميزان: 2 / 268،
شذرات الذهب: 3 / 399، أعيان الشيعة: 25 / 165.
(2) في لسان الميزان: 2 / 268: وكان يعرف بالحافظ، لأنه كان يحفظ ثياب الناس
في الحمام.
(3) هو صالح بن المبارك البغدادي الكرخي سترد ترجمته في الجزء العشرين رقم:
(342).
101

وأحمد بن المقرب، وعبد الله الطامذي، وكمال بنت المحدث عبد الله بن
السمرقندي، وتركناز بنت عبد الله بن الدامغاني، وشهدة بنت (1) الإبري،
ونفيسة البزازة، وتجني الوهبانية، وعدد كثير.
قال أبو علي بن سكرة: هو رجل أمي، له سماع صحيح عال، وكان
فقيرا عفيفا، من بيت علم، يخدم حماما في الكرخ، حدثنا عن أبي
الحسن بن رزقويه.
قلت: ويروي أيضا عن أبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن
الحمامي.
قال شجاع الذهلي: هو صحيح السماع، خال من العلم والفهم،
سمعت منه (2).
وقال أبو عامر العبدري: هو عامي أمي رافضي، لا يحل أن يحمل عنه
حرف، لا يدري ما يقرأ عليه (3).
وقال السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ بأصبهان، فقال: هو من
أولاد المحدثين، سمع الكثير، وسألت إبراهيم بن سليمان عنه، فقال: لا
أحدث عنه، كان لا يعرف ما يقرأ عليه (4).
وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: دلنا عليه أبو الغنائم بن أبي
عثمان، فمضينا إليه، فقرأت عليه جزءا فيه اسمه، وسألته: هل عندك

(1) سترد ترجمتها في الجزء العشرين برقم (344).
(2) لسان الميزان: 2 / 268.
(3) لسان الميزان: 2 / 268.
(4) لسان الميزان: 2 / 268.
102

شئ من الأصول؟ فقال: كان عندي شدة (1) بعتها لأبي الحسين بن
الطيوري (2)، ما أدري ما فيها، فمضينا إلى ابن الطيوري، فأخرجها فيها
سماعه من الماليني وغيره، فقرأناها عليه.
قلت: مات الحافظ أبو عبد الله هذا في صفر سنة ثلاث وتسعين وأربع
مئة عن أرجح من تسعين سنة، وقد روى عنه السلفي بالإجازة، ووقع لنا من
عواليه جماعة أجزاء.
58 - الذكواني *
الصدوق، المكثر، أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي
بكر محمد بن أبي علي الهمذاني، الذكواني، الأصبهاني، صاحب
أصول، واسع الرواية.
سمع من ابن ميلة، وأبي بكر بن مردويه، والماليني، وجده،
وعثمان البرجي، وخلق.
ولد سنة نيف وتسعين وثلاث مئة، وتوفي في يوم عرفة سنة أربع
وثمانين وأربع مئة.
حدث عنه خلق، منهم: عبد الجليل بن محمد كوتاه (3)، والحافظ

(1) أي: مجموعة من الأوراق يشد بعضها إلى بعض.
(2) لسان الميزان: 2 / 268. * الأنساب: 6 / 15 - 16، العبر: 3 / 304 - 305، شذرات الذهب: 3 / 371.
(3) كوتاه: لقب لعبد الجليل عند المصنف كما في " تذكرته ": 4 / 1314، وقال
الحافظ ابن حجر في " نزهة الألباب ": هو لقب لأبيه محمد، وسترد ترجمته في الجزء العشرين
رقم: (224).
103

إسماعيل التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، وأبو نصر الغازي، وكان صدوقا
جليلا نبيلا، وعنده عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وعثمان بن أحمد
البرجي.
59 - الوركي *
الشيخ الامام الفقيه الصالح المعمر، مسند الدنيا أبو محمد عبد الواحد
ابن عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل، القرشي، الزبيري، البخاري،
الوركي.
قال أبو سعد السمعاني: عمر الوركي مئة وثلاثين سنة، وبين كتابته
للاملاء عن أبي ذر عمار بن محمد، صاحب يحيى بن صاعد، وبين موته
مئة سنة وعشر سنين.
رحل الناس إليه من الأقطار.
حدث عن أبي ذر المذكور، وإبراهيم بن محمد بن يزداد الرازي،
وإسماعيل بن حسين البخاري، وإسحاق بن حمدان المهلبي، وأحمد بن
محمد بن سليمان الجوري.
حدث عنه جماعة ذكرهم السمعاني، وقال: قبره بوركى على
فرسخين من بخارى، زرت قبره.
قلت: حدث عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو العطاء أحمد بن
أبي بكر الحمامي، ومحمد بن أبي بكر بن عثمان البزدوي، وأخوه عمر

* العبر: 3 / 342، عيون التواريخ: 13 / 115، شذرات الذهب 3 / 402 -
403، والوركي: بفتح الواو وإسكان الراء وبعدها كاف. هذه النسبة إلى " وركة " وهي من
قرى بخارى. أنظر: معجم البلدان: 5 / 373، اللباب: 3 / 362.
104

الصابوني، ومحمد بن ناصر السرخسي، ومحمود بن أبي القاسم الطوسي،
وآخرون.
قال السمعاني: هو فقيه إمام زاهد، مات في سنة خمس وتسعين
وأربع مئة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله قراءة، أنبأنا عبد الرحيم بن عبد الكريم
المروزي، أخبرنا عثمان بن علي، أخبرنا الامام عبد الواحد بن عبد الرحمن
سنة أربع وتسعين وأربع مئة، حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان الفارسي
إملاء سنة ست وثمانين وثلاث مئة، حدثنا علي بن محمد بن الزبير القرشي،
حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن
صالح، حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، سمع عمرو بن الحمق
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبد خيرا عسله "، فقيل: يا
رسول الله، وما عسله؟ قال: " فتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى
يرضي عنه من حوله " (1).
60 - ابن خيرون *
الامام العالم الحافظ المسند الحجة، أبو الفضل أحمد بن الحسن بن

(1) أخرجه أحمد في " المسند ": 5 / 224 من طريق زيد بن الحباب بهذا الاسناد،
ورجاله رجال الصحيح، وصححه ابن حبان (1842)، والحاكم: 1 / 340، ووافقه
الذهبي، وله شاهد من حديث أنس عند أحمد: 3 / 106 و 120 والترمذي: (2143)،
وصححه هو وابن حبان (1821)، والحاكم: 1 / 340، ووافقه الذهبي وهو كما قالوا،
وآخر عن أبي عنبة: 4 / 200، ورجاله ثقات، وثالث عن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير
(7522)، و (7725)، و (2900) من طرق. * المنتظم: 9 / 87، الكامل لابن الأثير: 10 / 253، دول الاسلام: 2 / 17،
العبر: 3 / 319، ميزان الاعتدال: 1 / 92، تذكرة الحفاظ: 4 / 1207 - 1209، عيون
التواريخ: 13 / 51، الوافي بالوفيات: 6 / 320، البداية: 12 / 149، لسان الميزان:
1 / 155، طبقات الحفاظ: 400، تاريخ خميس: 2 / 360، طبقات القراء: 1 / 46،
شذرات الذهب: 3 / 383.
105

أحمد بن خيرون البغدادي المقرئ ابن الباقلاني.
ولد سنة أربع وأربع مئة.
وأجاز له أبو الحسن محمد بن أحمد بن الصلت الأهوازي، وأبو
الحسين بن المتيم، ومحمد بن أحمد بن المحاملي، وأبو الحسن بن
رزقويه، وأبو الحسين بن بشران، وأبو نصر حسنون النرسي، ومحمد بن
فارس الغوري، ومحمد بن عبد الله بن أبان النصيبي، وإسماعيل بن
عباس، وأبو سهل محمود بن عمر العكبري، والقاضي أبو إسحاق
الباقرحي، وجماعة.
وسمع من أبي علي بن شاذان، أبي بكر البرقاني، وعثمان بن دوست
العلاف، وأبي القاسم الحرفي، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي، وعبد
الملك بن بشران، وأبي يعلى أحمد بن عبد الواحد، والحسن بن محمد
الخلال، وخلق، وينزل إلى أصحاب المخلص، ونحوه، وتفرد بأشياء
وبإجازات.
حدث عنه: شيخه أبو بكر الخطيب، وأبو علي بن سكرة، وأبو عامر
العبدري، وأبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الطلحي
الحافظ، وأبو بكر قاضي المارستان، وإسماعيل بن أبي سعد الصوفي،
وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح بن البطي، وخلق كثير.
ذكره أبو سعد السمعاني، فقال: ثقة عدل متقن، واسع الرواية،
كتب بخطه الكثير، وكان له معرفة بالحديث، سمعت أبا منصور بن خيرون
106

يقول: كتب عمي أبو الفضل عن ابن شاذان ألف جزء، وسمعت عبد
الوهاب الأنماطي يقول: ما رئي مثل أبي الفضل بن خيرون، لو ذكرت له
كتبه وأجزاءه التي سمعها، يقول لك عمن سمع، وبأي طريق سمع، وكان
يذكر الشيخ وما يرويه، وما ينفرد به.
قال أبو منصور: كتبوا مرة لعمي: الحافظ، فغضب، وضرب عليه،
وقال: قرأنا حتى يكتب لي الحافظ؟!
قلت: وتلا بالروايات على أبي علي الواسطي، وعلي بن طلحة، قرأ
عليه ابن أخيه أبو منصور بن خيرون، وأبي علي بن سكرة الصدفي، وكان
يقال في ذلك الزمان: هو كيحيى بن معين في زمانه، إشارة إلى تزكيته
لمشايخ وقته، وتبيين جرحهم، وكان ينصف.
قال السلفي: كان يحيى بن معين وقته (1).
وقد تكلم فيه ابن طاهر بكلام زيف، فذكر أنه كان يلحق بخطه أشياء
في " تاريخ الخطيب ".
قلت: ما ذا بإلحاق، بل هو حواش، وقد كان شيخه الخطيب أذن له
في مثل ذلك، وخطه، فمشهور بين، لا يلتبس بغيره، مات في رجب سنة
ثمان وثمانين وأربع مئة، وله أربع وثمانون سنة وشهر.
ومات معه شيخ العراق أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي،
وشيخ المعتزلة المفسر أبو يوسف عبد السلام القزويني، وطائفة، ذكرتهم
في " التذكرة " (2) وغيرها.

(1) عيون التواريخ: 13 / 51.
(2) 4 / 1208 - 1209.
107

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه،
أخبرنا محمد بن عبدا لباقي، أخبرنا أحمد بن خيرون، أخبرنا عبد الملك
ابن محمد، أخبرنا أحمد بن خزيمة، حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي،
حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: سمعت
ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو أن لابن آدم واديا من
مال، لأحب أن يكون له إليه مثله، ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب، والله
يتوب على من تاب ". قال ابن عباس: فلا أدري أمن القرآن هو أم لا؟ رواه
مسلم عن زهير، عن حجاج (1).

(1) برقم (1049) في الزكاة: باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا.
وأخرجه البخاري (6436) و (6437) في الرقاق، وأحمد: 1 / 370 من طرق عن
ابن جريج به. وفي الباب عن أنس عند البخاري (6439)، وأحمد: 3 / 122 و 168
و 176 و 192 و 198 و 236 و 238 و 247 و 272 و 340 و 341 و 368، ومسلم
(1048)، والترمذي (2337)، والدارمي: 2 / 318، 319.
108

الطبقة السادسة والعشرون
61 - ابن الخاضبة *
الشيخ الامام، المحدث الحافظ، الصادق القدوة، بركة
المحدثين، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدا لباقي بن منصور البغدادي
الدقاق، عرف بابن الخاضبة.
أخبرنا المقداد بن أبي القاسم في كتابه، أخبرنا أبو البقاء النحوي
ببغداد، أخبرنا محمد بن عبدا لباقي، حدثنا محمد بن أحمد الحافظ،
أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، حدثنا عبيد الله بن محمد، حدثنا عبد
الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا
سليمان بن بلال، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله

* سؤالات السلفي: 102، المنتظم: 9 / 101، معجم الأدباء: 17 / 226 -
230، الكامل في التاريخ: 10 / 260 - 261، دول الاسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 325 -
326، المغني في الضعفاء: 2 / 548، ميزان الاعتدال: 3 / 465، تذكرة الحفاظ: 4 / 1224 -
1227، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 5 - 6، الوافي: 2 / 89 - 90، عيون التواريخ:
13 / لوحة: 55 - 56، البداية: 12 / 153، لسان الميزان: 5 / 57، طبقات الحفاظ: 448،
449، شذرات الذهب: 3 / 393.
109

صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخله الصائمون يوم القيامة، لا
يدخل معهم أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق " (1). أخرجه البخاري عن
خالد، ومسلم عن ابن أبي شبية، فوافقناهما.
ولد سنة نيف وثلاثين وأربع مئة، وسمع من مؤدبه أبي طالب عمر بن
محمد بن الدلو في سنة ست وأربعين، قال: حدثنا عنه أبو عمر بن حيويه،
فهذا أقدم شيخ له، وأخذ عن أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الرحيم بن
أحمد البخاري الحافظ، والحافظ أبي بكر بن ثابت الخطيب، وأبي محمد
ابن هزارمرد الصريفيني، وأبي الحسين بن النقور، وإمام جامع دمشق عبد
الصمد بن تميم، وأبي الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي - صادفه
ببيت المقدس - وأبي الغنائم محمد بن الغراء، وخلق من طبقتهم،
وبعدهم.
وقرأ للناس الكثير، هو كان مقرئ المحدثين ببغداد، وكتب،
وخرج، وأفاد، وهو متوسط في الفن، مع ديانة متينة، وتعبد وفصاحة،
وحسن قراءة.
حدث عنه: القاضي أبو علي بن سكرة، وأبو الفضل محمد بن
طاهر، وأبو الفتح بن البطي، وجماعة يسيرة، فإنه توفي قبل أن ينفق
مروياته.

(1) رقم (1896) في الصوم: باب الريان للصائمين، ومسلم (1152) في
الصيام: باب فضل الصيام.
وأخرجه البخاري (3257) في بدء الخلق، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن
مطرف، والترمذي (765) عن محمد بن بشار، عن أبي عامر العقدي، عن هشام بن
سعد، والنسائي: 4 / 168، عن طريق علي بن حجر، عن سعيد بن عبد الرحمن،
ثلاثتهم عن أبي حازم به. وأخرجه أحمد من طريقين آخرين عن أبي حازم: 5 / 333.
110

قال أبو علي الصدفي: كان أبو بكر محبوبا إلى الناس كلهم، فاضلا،
حسن الذكر، ما رأيت مثله على طريقته، وكان لا يأتيه مستعير كتابا إلا أعطاه
أو دله عليه (1).
وسمعت أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي الامام يقول - وذكر شدة إصابته
بمطالبة طولب بها، وأنه كانت له عند ذلك خلوات يدعو ربه فيها ويناجيه،
فقرأ علي مناجاته يقول: ولئن قلت لي يا رب: هل واليت في وليا؟ أقول:
نعم يا رب، أبو بكر بن الخاضبة، ولئن قلت لي: هل عاديت في عدوا؟
فأقول: نعم يا رب. ولم يسمه. قال: فأخبرت ابن الخاضبة بقوله،
فقال: اغتر الشيخ (2).
قال أبو سعد السمعاني: نسخ ابن الخاضبة " صحيح مسلم " بالاجرة
سبع مرات.
قال محمد بن طاهر: ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث من
ابن الخاضبة في وقته، لو سمع إنسان بقراءته يومين، لما مل (3).
قال السلفي: سألت أبا الكرم خميسا الحوزي عن ابن الخاضبة،
فقال: كان علامة في الأدب، قدوة في الحديث، جيد اللسان، جامعا
لخلال الخير، ما رأيت ببغداد من أهلها أحسن قراءة للحديث منه، ولا
أعرف بما يقوله (4).
قال ابن النجار: كان ابن الخاضبة ورعا تقيا، زاهدا ثقة، محبوبا

(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1224.
(2) في تذكرة الحفاظ: 4 / 1224: أعز الله الشيخ.
(3) المستفاد: ص: 5.
(4) سؤالات الحافظ السلفي: 1.
111

إلى الناس، روى اليسير (1).
وقال علي بن محمد الفصيحي: ما رأيت في أصحاب الحديث أقوم
باللغة من ابن الخاضبة (2).
قال السلفي: وسألت أبا عامر العبدري عن ابن الخاضبة، فقال: كان
خير موجود في وقته، وكان لا يحفظ، إنما يعول على الكتب (3).
ابن طاهر: سمعت ابن الخاضبة، وكنت ذكرت له أن بعض
الهاشميين حدثني بأصبهان أن أبا الحسين بن المهتدي بالله يرى الاعتزال،
فقال: لا أدري، لكن أحكي لك: لما كان سنة الغرق (4)، وقعت داري
على قماشي وكتبي، ولم يكن لي شئ، وعندي الام، والزوجة والبنات،
فكنت أنسخ، وأنفق عليهن، فأعرف أنني كتبت " صحيح مسلم " في تلك
السنة سبع مرات، فلما كان في ليلة من الليالي، رأيت القيامة قد قامت،
ومناد ينادي: أين ابن الخاضبة؟ فأحضرت، فقيل لي: ادخل الجنة، فلما
دخلت الباب، وصرت من داخل، استلقيت على قفاي، ووضعت إحدى
رجلي على الأخرى، وقلت: استرحت والله من النسخ، فرفعت رأسي،
فإذا ببغلة في يد غلام، فقلت: لمن هذه؟ قال: للشريف أبي الحسين بن
الغريق، فلما أصبحت، نعي لنا الشريف، رحمه الله (5).

(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1226.
(2) تذكرة الحفاظ: 4 / 1226، والعبر: 3 / 325 - 326.
(3) التذكرة: 4 / 1226.
(4) وكان ذلك في سنة 466 ه‍.
(5) الخبر في المنتظم: 9 / 101، ومعجم الأدباء: 17 / 227 - 228، والمستفاد:
ص: 6، وعيون التواريخ: 13 / لوحة: 56، وابن كثير: 12 / 153، وتذكرة الحفاظ:
4 / 1226، والوافي بالوفيات: 2 / 90.
112

أبو القاسم بن عساكر: سمعت أبا الفضل محمد بن محمد بن
عطاف، يحكي أنه طلع في بعض أولاد الرؤساء ببغداد إصبع زائدة، فاشتد
ألمه له، فدخل عليه ابن الخاضبة، فمسح عليها، وقال: أمرها يسير،
فلما كان الليل نام وانتبه، فوجدها قد سقطت، أو كما قال.
قال ابن عساكر: سمع ابن الخاضبة بالقدس من عبد الرحيم
البخاري، وأحمد بن علي الدينوري، وكتب الكثير، وكان مفيد بغداد في
وقته، وكان صالحا متواضعا.
مات ابن الخاضبة في ثاني ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة،
وكانت جنازته مشهودة، وختم على قبره ختمات.
أخبرنا القاسم بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرئ،
أخبرنا عبد اللطيف الطبري، أخبرنا محمد بن البطي، أخبرنا محمد بن
أحمد بن عبدا لباقي، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا ابن أبي
الفوارس، حدثنا الحسين بن أحمد الهروي الصفار، قال: كنت عند
الشبلي، فسأله بعض المتصوفة: الرجل يسمع قولا لا يفهمه، فيتواجد
عليه، فأنشأ يقول:
رب ورقاء هتوف في الضحى * ذات شجو صدحت في فنن (1)
فبكائي ربما أرقها * وبكاها ربما أرقني
ولقد أشكو فما أفهمها * ولقد تشكو فما تفهمني
غير أني بالجوى أعرفها * وهي أيضا بالجوى تعرفني (2)

(1) في الأصل (صاحت) وهو خطأ. والتصويب من " التذكرة ": 4 / 1225.
(2) الأبيات في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1225.
113

وفيها مات أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني، والمقرئ أحمد بن
عمر بن الأشعث، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن السراج، والمحدث
عبد الله بن يوسف الجرجاني (1)، والمحدث عبد المحسن بن محمد
الشيحي (2)، وأبو مروان عبد الملك بن سراج (3) لغوي زمانه بالأندلس،
ومسند الوقت القاسم بن الفضل الثقفي (4)، وأبو عبد الله محمد بن علي
العميري (5) الزاهد، وأبو المظفر منصور بن محمد السمعاني.
62 - أبو المظفر السمعاني *
الامام العلامة، مفتي خراسان، شيخ الشافعية، أبو المظفر منصور
ابن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي، السمعاني، المروزي،
الحنفي كان، ثم الشافعي.
ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة.
وسمع أبا غانم أحمد بن علي الكراعي، وأبا بكر بن عبد الصمد

(1) ستأتي ترجمته برقم (86).
(2) ستأتي ترجمته برقم (79).
(3) ستأتي ترجمته برقم (70).
(4) تقدمت ترجمته برقم (5).
(5) تقدمت ترجمته برقم (38). * الأنساب: 7 / 139 - 140، المنتظم: 9 / 102، اللباب: 2 / 138 - 139،
وفيات الأعيان: 3 / 211 في ترجمة حفيده، دول الاسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 326،
الوافي: م / 96، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 54، مرآة الجنان: 3 / 151 - 152،
طبقات السبكي: 5 / 335 - 346، طبقات الأسنوي: 2 / 29 - 30، البداية: 12 / 153 -
154، طبقات الشافعية لابن قاضي شبهة: 28 / ب، النجوم الزاهرة: 5 / 160، طبقات
المفسرين للداوودي: 2 / 339 - 340، مفتاح السعادة: 2 / 332، كشف الظنون: 107،
151، شذرات الذهب: 3 / 393 - 394، هدية العارفين: 2 / 473، الرسالة المستطرفة:
43.
114

الترابي، وطائفة بمرو، و عبد الصمد بن المأمون، وطبقته ببغداد، وأبا
صالح المؤذن، ونحوه بنيسابور، وأبا علي الشافعي، وأبا القاسم الزنجاني (1)
بمكة، وأكبر شيخ له الكراعي، وبرع في مذهب أبي حنيفة على والده العلامة
أبي منصور السمعاني، وبرز على الاقران.
روى عنه: أولاده، وعمر بن محمد السرخسي، وأبو نصر محمد بن
محمد الفاشاني (2)، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وإسماعيل بن محمد
التيمي، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن البغدادي، وخلق كثير.
حج على البرية أيام انقطع الركب، فأخذ هو وجماعة، فصبر إلى أن
خلصه الله من الاعراب، وحج وصحب الزنجاني. كان يقول: أسرونا،
فكنت أرعى جمالهم، فاتفق أن أميرهم أراد أن يزوج (3) بنته، فقالوا:
نحتاج أن نرحل إلى الحضر لأجل من يعقد لنا. فقال رجل منا: هذا الذي
يرعى جمالكم فقيه خراسان، فسألوني عن أشياء، فأجبتهم، وكلمتهم
بالعربية، فخجلوا واعتذروا، فعقدت لهم العقد، وقلت الخطبة،
ففرحوا، وسألوني أن أقبل منهم شيئا، فامتنعت، فحملوني إلى مكة وسط
العام (4).
قال عبد الغافر في (تاريخه): هو وحيد عصره في وقته فضلا
وطريقة، وزهدا وورعا، من بيت العلم والزهد، تفقه بأبيه، وصار من

(1) هو سعد بن علي بن محمد الزنجاني شيخ الحرم في عصره، كان جليل القدر
عالما زاهدا حافظا، توفي في سنة 471 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (189).
(2) في الأصل (القاشاني) وهو تصحيف، والتصويب من الأنساب، والمشتبه، وقد
سبق التعريف بهذه النسبة في الترجمة رقم 11.
(3) تحرفت في (طبقات السبكي) إلى (يتزوج).
(4) طبقات السبكي: 5 / 336 - 337.
115

فحول أهل النظر، وأخذ يطالع كتب الحديث، وحج ورجع، وترك طريقته
التي ناظر عليها ثلاثين سنة، وتحول شافعيا، وأظهر ذلك في سنة ثمان
وستين، فاضطرب أهل مرو، وتشوش العوام، حتى وردت الكتب من الأمير
ببلخ، في شأنه والتشديد عليه، فخرج من مرو، ورافقه ذو المجدين أبو
القاسم الموسوي، وطائفة من الأصحاب، وفي خدمته عدة من الفقهاء،
فصار إلى طوس، وقصد نيسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالا عظيما أيام
نظام الملك، وعميد الحضرة أبي سعد، فأكرموه، وأنزل في عز وحشمة،
وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية، وكان بحرا في الوعظ،
حافظا، فظهر له القبول، واستحكم أمره في مذهب الشافعي، ثم عاد إلى
مرو، ودرس بها في مدرسة الشافعية، وقدمه النظام على أقرانه، وظهر له
الأصحاب، وخرج إلى أصبهان، وهو في ارتقاء (1).
صنف كتاب (الاصطلام) (2)، وكتاب (البرهان) (3)، وله
(الأمالي) في الحديث (4)، تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان
شوكا في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة.
وقال أبو سعد: صنف جدي التفسير، وفي الفقه والأصول.

(1) طبقات السبكي: 5 / 344.
(2) في الرد على أبي زيد الدبوسي الحنفي، ويسمى (المختصر)، انظر الأنساب:
7 / 139، وطبقات السبكي: 5 / 342، وطبقات المفسرين للداوودي: 2 / 340، والنجوم
الزهرة: 160 / 5.
(3) قالوا: إنه يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية.
(4) قال حفيده في الأنساب: 7 / 139، 140: وأملى المجالس في الحديث،
وتكلم على كل حديث بكلام مفيد، وصنف التصانيف في الحديث مثل (منهاج أهل
السنة)، و (الانتصار)، و (الرد على القدرية)، ثم قال:... وقد جمع الأحاديث
الألف الحسان من مسموعاته عن مئة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث.
116

والحديث، وتفسيره ثلاث مجلدات (1)،، وله (الاصطلام) الذي شاع في
الأقطار، وكتاب (القواطع) (2) في أصول الفقه، وله كتاب (الانتصار
بالأثر) (3) في الرد على المخالفين، وكتاب (المنهاج لأهل السنة)، وكتاب
(القدر)، وأملى تسعين مجلسا.
سمعت من يحكي عن رفيق جدي في
الحج حسين بن حسن، قال: اكترينا حمارا، ركبه الإمام أبو المظفر إلى
خرق، وبينها وبين مرو ثلاثة فراسخ، فنزلنا، وقلت: ما معنا إلا إبريق
خزف، فلو اشترينا آخر؟ فأخرج خمسة دراهم، وقال: يا حسين، ليس
معي إلا هذه، خذ واشتر، ولا تطلب بعدها مني شيئا.
قال: فخرجنا على
التجريد، وفتح الله لنا (4).
وسمعت شهردار بن شيرويه، سمعت منصور بن أحمد، وسأله أبي،
فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفيا، فبدا لي،
وحججت، فلما بلغت سميراء (5)، رأيت رب العزة في المنام، فقال لي:
عد إلينا يا أبا المظفر، فانتبهت، وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي، فرجعت
إليه (6).

(1) علمت أن طلبة قسم الدراسات العليا في الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة
يقومون بتحقيقه، وستتولى الجامعة طبعه فيما بعد.
(2) ذكره ابن الجوزي: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، وحفيده، وقال: وهو يغني
عما صنف في ذلك الفن.
وقد حققه، وأعده للطبع د. محمد حسن هيتو.
(3) ذكره في المنتظم: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، والأنساب: 7 / 139،
والنجوم الزاهرة: 5 / 160، وكشف الظنون: 1 / 173، وقال: هو مختصر على ثلاثة
أبواب، الأول: في الحث على السنة والجماعة، والثاني: في فضل الحديث، والثالث: في
شجرة العلم.
(4) طبقات السبكي: 5 / 337.
(5) منزل بطريق مكة بعد توز مصعدا وقبل الحاجز، انظر معجم البلدان: 3 / 255.
(6) طبقات السبكي: 5 / 338.
117

وقال الحسين بن أحمد الحاجي: خرجت مع أبي المظفر إلى الحج،
فكلما دخلنا بلدة، نزل على الصوفية، وطلب الحديث، ولم يزل يقول في
دعائه: اللهم بين لي الحق، فلما دخلنا مكة، نزل على أحمد بن علي بن
أسد، وصحب سعدا الزنجاني حتى صار محدثا (1).
وقرأت بخط أبي جعفر الهمذاني الحافظ: سمعت أبا المظفر
السمعاني يقول: كنت في الطواف، فوصلت إلى الملتزم، وإذا برجل قد
أخذ بردائي، فإذا الامام سعد، فتبسمت، فقال: أما ترى أين أنت؟! هذا
مقام الأنبياء والأولياء، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم كما سقته إلى
أعز مكان، فأعطه أشرف عز في كل مكان وزمان، ثم ضحك إلي، وقال:
لا تخالفني في سرك، وارفع يديك معي إلى ربك، ولا تقولن البتة شيئا،
واجمع لي همتك حتى أدعو لك، وأمن أنت، ولا يخالفني عهدك القديم،
فبكيت، ورفعت معه يدي، وحرك شفتيه، وأمنت، ثم قال: مر في حفظ
الله، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة، فمضيت وما شئ أبغض إلى من
مذهب المخالفين (2).
وبخط أبي جعفر: سمعت إمام الحرمين يقول: لو كان الفقه ثوبا
طاويا، لكان أبو المظفر السمعاني طرازه (3).
وقال الإمام أبو علي بن الصفار: إذا ناظرت أبا المظفر، فكأني أناظر
رجلا من أئمة التابعين (4)، مما أرى عليه من آثار الصالحين.

(1) طبقات السبكي: 5 / 338.
(2) طبقات السبكي: 5 / 338.
(3) طبقات السبكي: 5 / 342.
(4) طبقات السبكي: 5 / 342.
118

قال أبو سعد: حدثنا أبو الوفاء عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر
يقول: سمعت أبي يقول: ما حفظت شيئا فنسيته (1)
وقال أبو سعد: سمعت أبا الأسعد بن القشيري يقول: سئل جدك
بحضور والدي عن أحاديث الصفات، فقال: عليكم بدين العجائز (2).
إلى أن قال: ولد جدي سنة (426)، وتوفي يوم الجمعة الثالث
والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة (3). عاش ثلاثا وستين
سنة رحمه الله.

(1) طبقات السبكي: 5 / 344، والمنتظم: 9 / 102، والداوودي: 2 / 340،
والبداية 12 / 140.
(2) المنتظم: 9 / 102، والبداية: 12 / 154، وزاد الأخير: وصبيان الكتاتيب.
ويستبعد صدور مثل هذا عن مثل هذا الامام الذي ألف التآليف المتعددة في العقائد
والعبادات والمعاملات، وكلها مقرونة بالأدلة والحجج والبينات، اللهم إلا إذا قالها في حالة
ضعف وذهول، وفي مثل هذه الحالة لا يعتد بما يقوله صاحبها المتلبس بها، وكيف ينصح
مسائليه بأن يلزموا دين العجائز، والله سبحانه يحثنا في غير ما آية من كتابه على النظر
والاستدلال، والأئمة المجتهدون اتفقوا على وجوب الاهتداء بالقرآن، وسنة نبيه عليه الصلاة
والسلام، وعلى المنع من التقليد الذي يصد عنهما، ويقتضي هجرانهما، ولم يجعلوا
أنفسهم شارعين يطاعون، وإنما كانوا أدلاء للناس لعلهم يهتدون، والذي يعرفه كل واقف
على تاريخ الصدر الأول من المسلمين، هو أن أهل القرنين الأول والثاني لم يكونوا يقلدون
أحدا، أي لم يكونوا يأخذون بآراء الناس وأقوال العلماء، بل كان العامي منهم على بينة من
دينه يعرف من أين جاءت كل مسألة يعمل بها من مسائله، إذ كان علماء الصدر الأول يلقنون
الناس الاسلام ببيان كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان الجاهل بالشئ يسأل عن
حكم الله فيه، فيجاب بأن الله تعالى قال كذا، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو فعل كذا، أو
أقر على كذا، فإن لم يكن عند المسؤول فيه هدي من كتاب أو سنة ذكر ما جرى عليه
الصالحون، وما يراه أشبه بما جاء في هذا الهدي، أو أحال على غيره ممن هو أعلم منه،
وأقر الناس إلى معرفة الحق في المطالب العالية هو الباحث المستقل الذي يسترشد بالطريقة
التي وردت في القرآن، وجاءت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
(3) في الأنساب: 7 / 140.
119

63 - الحميدي * الامام القدوة، المتقن الحافظ، شيخ المحدثين، أبو عبد الله
محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد يصل (1)،
الأزدي، الحميدي، الأندلسي، الميورقي، الفقيه، الظاهري، صاحب
ابن حزم وتلميذه.
وميورقة: جزيرة فيها بلدة حصينة تجاه شرق الأندلس،
هي اليوم بأيدي النصارى.
قال: مولدي قبل سنة عشرين وأربع مئة.
لازم أبا محمد علي بن أحمد (2) الفقيه، فأكثر عنه، وأخذ عن أبي
عمر بن عبد (3) البر، وطائفة، ثم ارتحل، فأخذ بمصر عن القاضي أبي
عبد الله القضاعي، ومحمد بن أحمد القزويني، وأبي إسحاق الحبال،
وعدة، والحافظ عبد الرحيم بن أحمد البخاري، وسمع بدمشق من أبي
القاسم الحنائي، والحافظ أبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، وسمع

* الأنساب: 4 / 233، فهرست ابن خير: 226 - 227 و 400 وغيرها، الصلة:
2 / 560 - 561، المنتظم: 9 / 96، بغية الملتمس: 123 - 124، معجم الأدباء:
18 / 282 - 286، اللباب: 1 / 392، الكامل في التاريخ: 10 / 254، دول الاسلام:
2 / 18، العبر: 3 / 323، تذكرة الحفاظ: 4 / 1218 - 1222، تتمة المختصر: 2 / 17،
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 34 - 36، الوافي بالوفيات: 4 / 317 - 318، مرآة
الجنان: 3 / 149، البداية: 12 / 152، النجوم الزاهرة: 5 / 156، مفتاح السعادة:
2 / 140، نفح الطيب: 2 / 122 - 115، كشف الظنون: 252، 385، 581، شذرات
الذهب: 3 / 392، إيضاح المكنون: 1 / 124، الرسالة المستطرفة: 173، مقدمة جذوة
المقتبس لمحمد الطنجي ومقدمة طبعة دار إحياء التراث.
(1) بفتح الياء، وكسر الصاد، وبعدها لام.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 99.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 85.
120

بالأندلس أيضا من أبي العباس أحمد بن عمر بن دلهاث، وبمكة من
المحدثة كريمة (1) المروزية، وبمصر أيضا من عبد العزيز الضراب، وابن
بقاء الوراق، وببغداد من عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن
المهتدي بالله، وأبي محمد بن هزارمرد، وأبي جعفر بن المسلمة، وبواسط
من العلامة أبي غالب بن بشران اللغوي، وأكثر عن أصحاب أبي طاهر
المخلص، ثم عن أصحاب أبي عمر بن مهدي، إلى أن كتب عن أصحاب
أبي محمد الجوهري، وجمع وصنف، وعمل (الجمع بين الصحيحين)،
ورتبه أحسن ترتيب (2).
استوطن بغداد، وأول ارتحاله في العلم كان في سنة ثمان وأربعين
وأربع مئة.

(1) تقدمت ترجمتها في الجزء الثامن عشر رقم 110.
(2) وهو لم يطبع بعد، وقد زاد فيه ألفاظا وتتمات ليست في واحد منهما، أخذها من
أصحاب المستخرجات على (الصحيحين) منبها عليها، فقد جاء في أثناء مقدمة كتابه ما
نصه: وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما تنبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر
الإسماعيلي، وأبي بكر الخوازمي - يعني البرقاني -، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم من
الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض، أو تتميم لمحذوف،
أو زيادة من شرح، أو بيان لاسم أو نسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم.
قال الحافظ ابن حجر: ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن يعزوها لمن
رواها من أهل المستخرجات وغيرها، فإن عزاها لمن استخرجها أقرها، وإن عزاها لمن لم
يستخرجها تعقبها غالبا، لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين، أو من أحدهما ثم يقول:
زاد فيه فلان كذا، وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد، ثم يقول: اقتصر
البخاري على كذا، وزاد فيه الإسماعيلي كذا.
وأخطأ من ظن أنه سرد تلك الزيادات في ضمن أحاديث الشيخين من غير بيان ولا تمييز.
ويغلب على الظن أن ابن الأثير في جامع الأصول - وقد اعتمد في نقل ما في
الصحيحين على كتاب الحميدي - أنه لا ينقل منه إلا إذا كان منسوبا فيه إلى الشيخين أو
أحدهما، ولا ينقل منه ما زاده من كتب المستخرجين.
121

حدث عنه: الحافظ أبو عامر العبدري، ومحمد بن طرخان التركي،
ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وإسماعيل بن محمد التيمي صاحب
(الترغيب والترهيب)، والقاضي محمد بن علي الجلابي، والحسين بن
الحسن المقدسي، وصديق بن عثمان التبريزي، وشيخه أبو بكر الخطيب،
ومات قبله بدهر، وأبو إسحاق بن نبهان الغنوي، وأبو عبد الله الحسين بن
نصر بن خميس الموصلي، وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقندي، وأبو
الفتح محمد بن البطي، والحافظ محمد بن ناصر، وآخرون.
وكان من
بقايا أصحاب الحديث علما وعملا وعقدا وانقيادا، رحمة الله عليه.
قال محمد بن طرخان: سمعت أبا عبد الله الحميدي يقول: كنت
أحمل للسماع على الكتف، وذلك في سنة خمس وعشرين وأربع مئة،
فأول ما سمعت من الفقيه أصبغ بن راشد، وكنت أفهم ما يقرأ عليه، وكان قد
تفقه على أبي محمد بن أبي زيد، وأصل أبي من قرطبة من محلة تعرف
بالرصافة، فتحول وسكن جزيرة ميورقة، فولدت بها.
قال يحيى بن البناء: كان الحميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في
الحر، فكان يجلس في إجانة (1) في ماء يتبرد به.
قال الحسين بن محمد بن خسرو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدق الباب
على الحميدي، وظن أنه أذن له، فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى
الحميدي، وقال: والله لقد نظرت إلى موضع لم ينظره أحد منذ عقلت.
قال أبو نصر بن ماكولا (2): لم أر مثل صديقنا أبي عبد الله الحميدي

(1) قال في (المصباح): الإجانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب.
(2) انظر الأنساب: 4 / 233.
122

في نزاهته وعفته، وورعه، وتشاغله بالعلم، صنف (تاريخ الأندلس) (1).
وقال يحيى بن إبراهيم السلماسي: قال أبي: لم تر عيناي مثل
الحميدي في فضله ونبله، وغزارة علمه، وحرصه على نشر العلم، وكان
ورعا تقيا، إماما في الحديث وعلله ورواته، متحققا بعلم التحقيق والأصول
على مذهب أصحاب الحديث بموافقة الكتاب والسنة، فصيح العبارة،
متبحرا في علم الأدب والعربية والترسل.
إلى أن قال: وله كتاب (جمل تاريخ الاسلام)، وكتاب (الذهب
المسبوك في وعظ الملوك)، وكتاب (الترسل) (2)، وكتاب (مخاطبات
الأصدقاء)، وكتاب (حفظ الجار)، وكتاب (ذم النميمة)، وله شعر
رصين في المواعظ والامثال.
قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن الحميدي، فقال: لا يرى
مثله قط، وعن مثله لا يسأل، جمع بين الفقه والحديث والأدب، ورأى
علماء الأندلس، وكان حافظا.
قلت: كان الحميدي يقصد كثيرا في رواية كتاب (الشهاب) عن

(1) واسمه (جذوة المقتبس) وهو مطبوع متداول ألفه في بغداد، وذكر في خطبته أنه
كتبه من حفظه، افتتحه بمقدمة تاريخية ضافية عن ولاة الأندلس منذ الفتح حتى عصر
الحسنيين، ثم أورد ما يحضره من أسماء رواة الحديث بالأندلس، وأهل الفقه والأدب،
وذوي النباهة والشعر، ومن له ذكر منهم، أو ممن دخل إليهم، أو خرج عنهم في معنى من
معاني العلم والفضل أو الرياسة والحرب، مرتبا على حروف المعجم، وقد ذيل عليه أحمد
ابن يحيى الضبي المتوفي سنة 599 ه‍، وسماه (بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس).
(2) في معجم الأدباء: 18 / 285، وغيره (تسهيل السبيل إلى علم الترسيل)،
والترسل والترسيل واحد.
123

مؤلفه (1)،، فقال: صيرني الشهاب شهابا.
قال أبو علي الصدفي: كان الحميدي يدلني على الشيوخ، وكان
متقللا - من الدنيا - يمونه ابن رئيس الرؤساء، ثم جرت لي معه قصص
أوجبت انقطاعي عنه.
وحدثني أبو بكر بن الخاضبة أنه ما سمع الحميدي
يذكر الدنيا قط.
قال محمد بن طرخان: سمعت الحميدي يقول: ثلاث كتب من علوم
الحديث يجب الاهتمام بها: كتاب (العلل)، وأحسن ما وضع فيه كتاب
الدارقطني.
- قلت: وجمع كتاب (العلل) في عدة كتب علي بن المديني إمام
الصنعة، وجمع أبو بكر الخلال ما وقع له من علل الأحاديث التي تكلم عليها
الإمام أحمد، فجاء في ثلاثة مجلدات، وفيه فوائد جمة، وألف ابن أبي
حاتم كتابا في العلل، مجلد كبير (2).
قال: والثاني كتاب (المؤتلف والمختلف)، وأحسن ما وضع فيه
(الاكمال) (3) للأمير ابن ماكولا، وكتاب وفيات المشايخ، وليس فيه كتاب،

(1) وهو محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي المصري، ذكره الحافظ ابن عساكر في
تاريخ دمشق، وقال: روى عنه أبو عبد الله الحميدي، وتولى القضاء بمصر نيابة من جهة
المصريين، وتوجه منهم رسولا إلى جهة الروم، وله عدة تصانيف، منها كتاب (مسند الشهاب)
وتتولى مؤسسة الرسالة نشره في ثلاثة أجزاء بتحقيق الشيخ عبد المجيد السلفي، وكتاب (مناقب
الإمام الشافعي رضي الله عنه) وكتاب (الانباء عن الأنبياء) و (تواريخ الخلفاء)، وله كتاب
(خطط مصر) توفي سنة 454 ه‍.
وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (41).
(2) الأول طبع جزء منه بتحقيق الأعظمي، والثاني لم نقف عليه، والثالث مطبوع في مصر
في المطبعة السلفية في مجلدين.
(3) وهو مطبوع في سبعة مجلدات بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله.
124

- يريد: لم يعمل فيه كتاب عام - قال الحميدي: وقد كنت أردت أن أجمع فيه
كتابا، فقال لي الأمير: رتبه على حروف المعجم بعد أن ترتبه على
السنين (1).
قلت: قد جمع الحافظ أبو يعقوب القراب (2) في ذلك كتابا ضخما،
ولم يستوعب، ولا قارب، وجمع في ذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن منده
الأصبهاني كتابا كبيرا منثورا، وعلى ما أشاربه الأمير أبو نصر عملت أنا
(تاريخ الاسلام) (3)، وهو كاف في معناه فيما أحسب، ولم يكن عندي
تواريخ كثيرة مما قد سمعت بها بالعراق، وبالمغرب وبرصد مراغة، ففاتني
جملة وافرة.
قال محمد بن طرخان: فاشتغل الحميدي بالصحيحين إلى أن
مات (4)
قال أبو عبد الله الحميدي في (تاريخه) (5): أخبرنا أبو عمر بن عبد
البر، أخبرنا عبد الله بن محمد الجهني بمصنف النسائي قراءة عليه، عن
حمزة الكناني، عنه.
قال القاضي عياض: محمد بن أبي نصر الأزدي الأندلسي، سمع
بميورقة من ابن حزم قديما، وكان يتعصب له، ويميل إلى قوله، وأصابته فيه

(1) انظر الخبر في (معجم الأدباء): 18 / 284.
(2) هو إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي المتوفى سنة 429 ه‍، وقد أورد
المؤلف ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (376).
(3) انظر عن هذا الكتاب دراسة مستفيضة تتضمن حياة الذهبي ومنهجه في تاريخ
الاسلام للدكتور بشار عواد، وقد بدأنا بتحقيقه بمشاركة الدكتور بشار عواد، وستصدر مجلدات
منه في هذا العام بعون الله وتوفيقه.
(4) (معجم الأدباء): 18 / 284.
(5) ص: 251.
125

فتنة، ولما شدد على ابن حزم، خرج الحميدي إلى المشرق (1).
توفي الحميدي في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة
عن بضع وستين سنة أو أكثر، وصلى عليه أبو بكر الشاشي، ودفن بمقبرة
باب أبرز، ثم إنهم نقلوه بعد سنتين إلى مقبرة باب حرب، فدفن عند بشر
الحافي.
قال الحافظ ابن عساكر: كان الحميدي أوصى إلى الاجل مظفر بن
رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر، فخالف، فرآه بعد مدة في النوم يعاتبه،
فنقله في صفر سنة إحدى وتسعين، وكان كفنه جديدا، وبدنه طريا يفوح منه
رائحة الطيب، رحمه الله، ووقف كتبه (2).
أخبرنا أبو الفهم بن أحمد، أخبرنا أو محمد بن قدامة، وقرأت على
سنقر الزيني بحلب، أخبرنا الموفق عبد اللطيف بن يوسف قالا: أخبرنا
محمد بن عبدا لباقي، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحافظ سنة (485)،
أخبرنا منصور بن النعمان بمصر، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق
القاضي، حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري، حدثنا عبد الله بن معاوية
الجمحي، حدثنا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد قالا: حدثنا عبد العزيز
ابن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن
في السحور بركة) رواه ابن ماجة (3) من طريق حماد بن زيد، وهو غريب عن

(1) وفي ذلك يقول:
ألفت النوى حتى أنست بوحشتي * وصرت بها لا بالصبابة مولعا.
فلم أحص كم رافقت فيها مرافقا * ولم أحص كم يممت في الأرض موضعا.
ومن بعد جوب الأرض شرقا ومغربا * فلا بد لي من أن أوافي مصرعا.
(2) وانظر (معجم الأدباء): 18 / 284.
(3) رقم (1692).
126

حماد بن سلمة، وأخرجه مسلم (1) من طريق ابن علية وغيره، عن عبد العزيز
ومن نظم الحميدي:
طريق الزهد أفضل ما طريق * وتقوى الله تأديه الحقوق
فثق بالله يكفك واستعنه * يعنك وذر بنيات الطريق (2).
وله:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا * سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا * لاخذ العلم أو إصلاح حال (3)
وله:
كتاب الله عز وجل قولي * وما صحت به الآثار ديني
وما اتفق الجميع عليه بدءا * وعودا فهو عن حق مبين
فدع ما صد عن هذي وخذها * تكن منها على عين اليقين (4).
64 - صاحب سمرقند *
الخان أحمد، كان جبارا مارقا، قام عليه الامراء، وأمسكوه، ثم
عقدوا له مجلسا، فادعوا أنه زنديق (5)، فجحد، فأقاموا الشهود عليه

(1) رقم (1095) وهو في (صحيح البخاري) (1923) وسنن الترمذي (708) والنسائي
4 / 141.
(2) البيتان في (نفح الطيب): 2 / 115.
(3) البيتان في (معجم الأدباء): 18 / 286، و (وفيات الأعيان): 4 / 283،
و (نفح الطيب): 2 / 114.
(4) الأبيات في (معجم الأدباء): 18 / 285، و (نفح الطيب): 2 / 115. * الكامل في التاريخ: 10 / 243 - 244، دول الاسلام: 2 / 17 وفيه 488، تتمة
المختصر: 2 / 15.
(5) قال ابن الأثير في (الكامل): 10 / 243: وكان سبب ذلك أن السلطان ملكشاه
لما فتح سمرقند، وأسر أحمد خان هذا قد وكل به جماعة من الديلم، فحسنوا له معتقدهم،
وأخرجوه إلى الإباحة فلما عاد إلى سمرقند كان يظهر منه أشياء تدل على انحلاله من
الدين. * المنتظم: 9 / 106 - 107، ذيل تاريخ بغداد: 1 / 260 - 262.
127

بعظائم، فأفتى الفقهاء بقتله، فخنقوه، وسلطنوا بعده ابن عمه مسعودا،
سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
65 - الشيباني *
الشيخ المسند، أبو الفتح عبد الواحد بن علوان بن عقيل بن قيس،
الشيباني، البغدادي، السقلاطوني (1)، النصري، أخو عبد الرحمن.
سمع أبا نصر أحمد بن محمد بن حسنون، وأبا القاسم الحرفي،
وعثمان بن دوست، وأبا محمد الحسن بن رامين.
حدث عنه: قاضي المارستان، وولده عبد الباقي، وإسماعيل بن
السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وعمر بن ظفر، وأبو الكرم بن
الشهرزوري، وفخر النساء شهدة، وعتيق بن صيلاء.
مولده سنة ثلاث وأربع مئة.
قال شجاع الذهلي: توفي في رجب سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
66 - ابن الفرات * *
الشيخ أبو الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات
الدمشقي، ينتمي إلى ابن الفرات الوزير (2).

(1) نسبة إلى سقلاطون بلد بالروم تنسب إليه الثياب كما في (القاموس).
(* *) تاريخ ابن عساكر، العبر: 3 / 339، عيون التواريخ: 13 / 106، شذرات
الذهب: 3 / 400، تهذيب ابن عساكر.
(2) المتوفى سنة 213، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (59).
128

ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
سمع أباه، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ومنصور بن رامش،
والعتيقي.
قال ابن عساكر: حدثنا عنه هبة الله بن طاووس، ونصر بن أحمد ابن
مقاتل، وعلي بن أشلبها، وأحمد بن سلامة، وعبد الرحمن بن أبي الحسن
الداراني، وكان من الأدباء، لكنه رافضي رقيق الدين. توفي في صفر سنة
أربع وتسعين وأربع مئة.
67 - قسيم الدولة *
الأمير الكبير، قسيم الدولة أبو الفتح آقسنقر التركي الحاجب، مملوك
السلطان ملكشاه السلجوقي، وهو جد نور الدين الشهيد، وقيل: لا، بل
هو لصيق بملكشاه، فيقال: اسم أبيه آل ترغان كان رفيع الرتبة عند
السلطان، وتزوج بداية الملك إدريس بن طغان، وقدم مع السلطان حلب
حين حارب أخاه تاج الدولة، ففر، وتملكها ملكشاه سنة تسع وسبعين وأربع
مئة، فقرر نيابتها لاقسنقر، فأحسن السياسة، وأباد الدعار (1)، وعمرت
حلب، وقصدها التجار، وأنشأ منارة جامعها، فاسمه منقوش عليها، وبنى
مشهد قرنبيا، ومشهد الذكر، وصار دخل البلد فلي اليوم ألفا وخمس مئة
دينار (2)

* الكامل في التاريخ: 10 / 232 - 233، وفيات الأعيان: 1 / 241، دول
الاسلام: 2 / 16، العبر: 3 / 315 - 316، تتمة المختصر: 2 / ك 14، البداية:
12 / 147، النجوم الزاهرة: 5 / 141، شذرات الذهب: 3 / 380.
(1) هم المفسدون والخبثاء وقطاع الطرق، الواحد داعر.
(2) قال ابن الأثير: 1 (/ 233: وكان قسيم الدولة أحسن الامراء سياسة لرعيته،
وحفظا لهم، وكانت بلاده بين رخص عام، وعدل شامل، وأمن واسع، وكان قد شرط على
أهل كل قرية من بلاده، متى أخذ عندهم قفل، أو أحد من الناس، غرم أهلها جميع ما
يؤخذ من الأموال من قليل وكثير، فكانت السيارة إذا بلغوا قرية من بلاده، ألقوا رحالهم
وناموا، وحرسهم أهل القرية إلى أن يرحلوا، فأمنت الطريق..
129

وأما تاج الدولة، فاستولى على دمشق، فلما كان في سنة سبع
وثمانين، تحارب هو وآقسنقر، وعرض آقسنقر عشرين ألف فارس، والتقى
الجمعان، فبرز آقسنقر بنفسه، وحمي الوطيس، ثم تفلل جمعه، وثبت
آقسنقر فأسر في طائفة في فرسانه، فأمر تاج الدولة بضرب عنه وأعناق
أصحابه، وذلك في جمادى الأولى من السنة رحمه الله (1)، ثم دفن
بالمدرسة الزجاجية بحلب بعد أن دفن مدة بمشهد قرنبيا، نقله ولده الأتابك
زنكي، وأنشأ عليه قبة، ولما قتل كان ولده زنكي صبيا، وتنقلت به الأيام،
ثم صار ملكا.
68 - ابن العربي *
الامام العلامة الأديب، ذو الفنون أبو محمد عبد الله بن محمد بن
العربي الإشبيلي، والد القاضي أبي بكر (2).
صحب ابن حزم، وأكثر عنه (3)، ثم ارتحل بولده أبي بكر، فسمعا
من طراد الزينبي، وعدة، وكان ذا بلاغة ولسن وإنشاء.

(1) انظر خبر مقتله في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 232، " وفيات الأعيان ":
1 / 241 (*) وفيات الأعيان: 4 / 297، وذكره الصفدي في (الوافي) في ترجمة ابنه أبي
بكر.
(2) سيورد له المؤلف ترجمة مطولة في الجزء العشرين رقم (128).
(3) وقال المؤلف في ترجمة ابنه: (وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد
ابن حزم الظاهري).
130

مات بمصر (1) في أول سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة في عشر
التسعين، فإن مولده كان في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، ورجع ابنه إلى
الأندلس.
69 - الحكاك *
الشيخ الامام الحافظ المفيد أبو الفضل جعفر بن يحيى بن إبراهيم
التميمي المكي بن الحكاك.
سمع أبا ذر الحافظ، وأبا بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني، وأبا
الحسن بن صخر، وأبا نصر عبيد الله السجزي، وعدة.
وقدم بغداد،
فانتقى على أبي الحسين بن النقور وطبقته.
قال ابن النجار: كان موصوفا بالمعرفة والحفظ والاتقان والفقه
والصدق، وكان يترسل عن أمير مكة ابن أبي هاشم إلى الخليفة وإلى
الملوك، ويتولى قبض الأموال منهم، ويحمل كسوة الكعبة (2).
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وصالح بن شافع، ومحمد
ابن ناصر، ويحيى بن عبدا لباقي الغزال، ومحمد بن عبدا لباقي بن
البطي، وآخرون.

(1) وقال المؤلف في ترجمة ابنه أيضا: (رجع إلى الأندلس بعد أن دفن أباه في
رحلته - أظن بيت المقدس). * دمية القصر: 1 / 77، المنتظم: 9 64، العبر: 3 / 307، الوافي بالوفيات:
11 / 167 - 168، مرآة الجنان: 3 / 138، البداية: 12 / 140، العقد الثمين:
3 / 433، شذرات الذهب: 3 / 373.
(2) (المنتظم): 9 / 64، و (الوافي بالوفيات): 11 / 167.
131

السلفي: حدثنا ابن الطيوري، سألت أبا بكر الخطيب عند قدومه من
حجه: أرأيت بمكة من يقيم الحديث؟ قال: لا، إلا شابا يقال له: جعفر
ابن الحكاك.
وقال المؤتمن الساجي: صحب جعفر أبا ذر، وأبا نصر السجزي،
وكان ذا معرفة.
وقال اليونارتي: كان ابن الحكاك من الفضلاء الاثبات.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: ثقة مأمون.
وقال أبو علي الصدفي: قرأت عليه ببغداد كثيرا، وكان يفهم الحديث
جيدا، مولده سنة ست عشرة وأربع مئة، ومات في صفر سنة خمس وثمانين
وأربع مئة (1).
أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي، أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن
إجازة، أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا جعفر بن يحيى، أخبرنا محمد بن
علي بن محمد الأزدي بمكة، حدثنا عمر بن سيف، حدثنا محمد بن
دليل، حدثنا عبد الله بن خبيق قال: قال بشر بن الحارث (2): النظر في وجه
الظالم غيظ، والأحمق سخنة (3) العين، والبخيل قساوة القلب.

(1) في المنتظم: 9 / 64: توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر حين قدم من الحج:
وكانت وفاته بالكوفة، ودفن في مقبرة البيع.
(2) هو المحدث الزاهد الملقب بالحافي، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر رقم
الترجمة (153).
(3) سخنة العين: نقيض قرتها، يقال: أسخن الله عينه، أي: أبكاه. وانظر
" اللسان ": (سخن) و (قر).
132

70 - ابن سراج *
الشيخ الامام المحدث اللغوي الوزير الأكمل، حجة العرب، أبو
مروان عبد الملك بن قاضي الجماعة أبي القاسم سراج بن عبد الله بن
محمد بن سراج الأموي، مولاهم القرطبي، إمام اللغة غير مدافع.
ولد سنة أربع مئة في ربيع الأول، قاله لأبي علي الغساني.
روى عن: أبيه، وإبراهيم بن محمد الأفليلي (1)، ويونس بن عبد الله
ابن مغيث، ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبي عمرو السفاقسي، وجماعة.
روى عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو عبد الله بن الحاج، وابنه الحافظ
أبو الحسن سراج، وطائفة.
قال ابن سكرة: هو أكثر من لقيته علما بالآداب، ومعاني القرآن
والحديث.
وقال القاضي عياض: الوزير أبو مروان الحافظ اللغوي النحوي، إمام
الأندلس في وقته في فنه، وأذكرهم للسان العرب، وأوثقهم على النقل،
وكان أبوه أبو القاسم من أفضل العلماء. إلى أن قال: وأخبرني أبو الحسين
الحافظ، أن مكي بن أبي طالب كان يعرض عليه بعض تواليفه، ويأخذ رأيه

* قلائد العقيان: 190، الذخيرة: ق 1 م 2 / 808 - 812، ترتيب المدارك:
4 / 816 في ترجمة سراج بن عبد الله، الصلة: 2 / 363 - 365، الخريدة: 2 / 374،
بغية الملتمس: 367 - 368، إنباه الرواة: 2 / 207 - 208، المغرب في حلي المغرب:
1 / 115 - 116، العبر: 3 / 325، تلخيص ابن مكتوم: 119، عيون التواريخ:
13 / لوحة 56 - 57، الديباج المذهب: 2 / 17، بغية الوعاة: 2 / 110، شذرات
الذهب: 3 / 392 - 393، شجرة النور الزكية: 1 / 122.
(1) انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 51.
133

فيها، وإليه كانت الرحلة.
قال أبو الحسن بن مغيث: كان شيخنا أبو مروان بحر علم، عنده
يسقط حفظ الحفاظ، ودونه يكون علم العلماء، فاق الناس في وقته، وكان
بقية الاشراف والأعيان (1).
وقال أبو علي الغساني: متع بجوارحه على اعتلاء سنه، وكان متوقد
الذهن، سريع الخاطر، توفي يوم عرفة سنة تسع وثمانين وأربع مئة، رحمه
الله.
71 - الوقشي *
العلامة البحر ذو الفنون أبو الوليد هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد

(1) وقال في الريحانة: برع في علم اللسان، وارتقى في ذروته، واعتلى درجته،
وعكف على كتاب سيبويه ثمانية عشر عاما لا يعرف سواه، ثم درس الجمهرة فاستظهرها
واستدرك الأوهام على المؤلفين، وطال عمره مع البحث والتنقير، وكان يقول: طريحتي في
كل يوم سبعون ورقة.
وفي الذخيرة لان بسام: 1 / 2 / 811: وأحيا كثيرا من الدواوين الشهيرة الخطيرة التي
أحالتها الرواة الذين لم تكمل لهم الأداة، ولا استجمعت لديهم تلك المعارف والآلات،
واستدرك فيها أشياء من سقط واضعيها، ووهم مؤلفيها ككتاب البارع لأبي علي البغدادي،
وشرح غريب الحديث للخطابي، وقاسم بن ثابت السرقسطي، وكتاب أبيات المعاني
للقتبي، وكتاب النبات لأبي حنيفة، وكتاب الأمثال للأصبهاني، وغير ذلك من كتب الحديث
وتفسير القرآن مما لم يحضرني ذكره، ولم يمكن حصره...
وقال في المغرب: 1 / 115: أديب فاضل، شاعر، عالم باللغة، وهو من ذرية سراج بن قرة
الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في " الإصابة ": 2 / 17، في ترجمة سراج: جاهلي
معروف، زعم أبو الحسين بن سراج الأندلسي شيخ عياض أنه جده، وأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان
يقول إنه ابن قرة - بضم القاف والراء، والمعروف في الشاعر أنه ابن قوة، وقال عياض: لم أر أحدا
تابع شيخنا على أن للسراج وفادة... وقد ذكر المرزباني في " معجم الشعراء " سراج بن قوة
العامري أحد بني الصموت بن عبد الله بن كلاب، وقال: إنه جاهلي، وأنشد له شعرا قال في يوم
من أيام الجاهلية. * الصلة: 2 / 653 - 654، معجم البلدان: 5 / 223، معجم الأدباء: 19 / 286 -
287، المطرب: 223، بغية الوعاة: 2 / 327 - 328، نفح الطيب: 3 / 376 - 377، و
4 / 137، 138، 162، 163.
134

الكناني الأندلسي الطليطلي. عرف بالوقشي، ووقش: قرية على بريد من
طليطلة.
مولده سنة ثمان وأربع مئة.
أخذ عن الحافظ أبي عمر الطلمنكي، وأبي محمد بن عياش
الخطيب، وأبي عمرو السفاقسي، وأبي عمر بن الحذاء، وجماعة.
قال صاعد: أبو الوليد أحد رجال الكمال في وقته باحتوائه على فنون
المعارف، من أعلم الناس بالنحو واللغة ومعاني الشعر والبلاغة، بليغ
شاعر، حافظ للسنن وأسماء الرجال، بصير بالاعتقادات وأصول الفقه،
واقف على كثير من فتاوى الأئمة، نافذ في الفرائض والحساب والشروط وفي
الهندسة، مشرف على جميع آراء الحكماء (1)، ثاقب الذهن، مع حسن
المعاشرة، ولين الكنف، وصدق اللهجة.
وقال ابن بشكوال: أخبرنا عنه أبو بحر الأسدي، وكان مختصا به،
وكان يعظمه، ويقدمه، ويصفه بالاستبحار في العلوم، وقد نسبت إليه
أشياء، فالله أعلم (2).
وقال عياض: كان غاية في الضبط، نسابة، له تنبيهات وردود، نبه

(1) في الصلة: 2 / 653: وكان شيخنا أبو علي الريوالي يقول: والله ما أقول فيه إلا
كما قال الشاعر:
وكان من العلوم بحيث يقضى * له في كل علم بالجميع.
(2) في الصلة: وقد نسبت إليه أشياء والله أعلم بحقيقتها، وسائله عنها ومجازيه بها.
135

على كتاب أبي نصر الكلاباذي، وعلى " مؤتلف " الدارقطني، وعلى
" الكنى " لمسلم، ولكنه اتهم بالاعتزال، وألف في القدر والقرآن، فزهدوا
فيه (1). توفي سنة تسع وثمانين وأربع مئة في جمادى الآخرة.
72 - الفقيه نصر *
الشيخ الامام العلامة القدوة المحدث، مفيد الشام، شيخ الاسلام،
أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود النابلسي المقدسي
الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف والأمالي.
ولد قبل سنة عشر وأربع مئة، وارتحل إلى دمشق قبل الثلاثين،
فسمع " صحيح " البخاري من أبي الحسن بن السمسار، صاحب الفقيه أبي
زيد المروزي، وسمع من عبد الرحمن بن الطبيز (2)، وأبي الحسن محمد

(1) في معجم البلدان: 5 / 381 نقلا عن عياض: وظهر له تأليف في القدر والقرآن
وغير ذلك من أقاويلهم، وزهد فيه الناس، وترك الحديث عنه جماعة من كبار مشايخ
الأندلس، وكان أبو بكر بن سفيان بن العاصم قد أخذ عنه، وكان ينفي عنه الرأي الذي زن
به، والكتاب الذي نسب إليه، وقد ظهر الكتاب، وأخبر الثقة أنه رآه عليه سماع ثقة من
أصحابه وخطه عليه. * تاريخ ابن عساكر م 17 / 269، تبيين كذب المفتري: 286 - 287، معجم ابن
الأبار: 199، تهذيب الأسماء: 2 / 125 - 126، دول الاسلام: 2 / 19، العبر:
3 / 329، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 78 - 79، مرآة الجنان: 3 / 152، طبقات
السبكي: 5 / 351 - 353، طبقات الأسنوي: 2 / 389 - 390، النجوم الزاهرة:
5 / 160، الانس الجليل: 264، طبقات ابن هداية الله: 181، الزيارات: م: 14 / أ،
كشف الظنون: 58، 98، شذرات الذهب: 3 / 395 - 396، هدية العارفين:
2 / 490، إيضاح المكنون: 1 / 129، منتخبات التواريخ لدمشق: 469.
(2) هو الشيخ المعمر المسند أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد الحلبي
السراج المشهور بابن الطبيز المتوفي سنة 431 ه‍ وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر،
رقم (321)، وانظر " مشتبه المؤلف " 2 / 418، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي
2 / 122.
136

ابن عوف المزني، وابن سلوان المازني، وطبقتهم، وسمع من هبة الله بن
سليمان، وغيره، وبصور من الفقيه سليم الرازي، وبغزة من محمد بن
جعفر الميماسي، سمع منه " الموطأ "، وبالقدس من أبي القاسم عمر بن
أحمد الواسطي، وأبي العزائم محمد بن محمد بن الغراء البصري، وأبي
الفرج عبيد الله بن محمد المراغي النحوي، وأبي بكر محمد بن الحسن
البشنوي الصوفي، وعدة، وبميافارقين من أبي الطيب سلامة بن إسحاق
الآمدي، وسمع أيضا من أبي علي الأهوازي المقرئ، ومن عبد الوهاب بن
الحسن بن برهان الغزال، لقيه بصور، وأجاز له من مكة أبو ذر عبد بن أحمد
الهروي، ومن بغداد القاضي أبو الطيب، ومن صيدا الحسن بن محمد بن
أحمد بن جميع وطائفة.
وصنف كتاب " الحجة على تارك المحجة " (1)، وأملى مجالس

(1) وهو كتاب يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة، وعن هذا
الكتاب نقل الامام النووي في " الأربعين " حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: " لا
يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "، وقال: رويناه في كتاب الحجة بإسناد
صحيح، وتعقبه الحافظ ابن رجب الحنبلي في " جامع العلوم والحكم ": 364، فقال:
تصحيح هذا الحديث بعيد جدا من وجوه.
منها: أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي، ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة
من الأئمة، وخرج له البخاري، فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلابته في
السنة، وتشدده في الرد على أهل الأهواء، وكانوا ينسبونه إلى أنه يتهم، ويشبه عليه في
بعض الأحاديث، فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف...
ومنها: أنه قد اختلف على نعيم في إسناده، فروي عنه عن الثقفي، عن هشام،
وروي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره، وعلى هذه الرواية
يكون الشيخ الثقفي غير معروف عنه، وروي عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام
أو غيره، فعلى هذه الرواية، فالثقفي رواه عن شيخ مجهول، وشيخه رواه عن غير معين،
فتزداد الجهالة في إسناده.
ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب بن أوس
أيضا، وقد خرج له أبو داوود والنسائي وابن ماجة حديثا عن عبد الله بن عمرو، ويقال:
عبد الله بن عمر، وقد اضطرب في إسناده، وقد وثقه العجلي، وابن سعد، وابن حبان،
وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته، وقال ابن عبد البر: هو مجهول، وقال
الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وإنما يقول: قال عبد الله
ابن عمرو، فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة.
137

خمسة، وبرع في المذهب.
تفقه على الدارمي، وعلى الفقيه سليم وغيرهما، واستوطن بيت
المقدس مدة طويلة، ثم تحول في أواخر عمره، وسكن دمشق عشر سنين،
وتخرج به الأصحاب.
حدث عنه: الخطيب وهو من شيوخه، ومكي الرميلي (1)، ومحمد
ابن طاهر، وأبو القاسم النسيب، وجمال الاسلام أبو الحسن علي بن
المسلم، والقاضي المنتجب (2) يحيى بن علي القرشي، وأبو الفتح نصر الله بن
محمد المصيصي، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وحسان بن تميم، ومعالي
ابن الحبوبي، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبي، وحمزة بن أحمد بن كروس،
والقاضي أبو بكر بن العربي، وخلق كثير.

(1) بضم الراء وفتح الميم نسبة إلى الرميلة، وهي من قرى الأرض المقدسة وهي غير
الرملة، ومكي هذا أسره الصليبيون حين أخذوا بيت المقدس، وطلبوا في فدائه ذهبا كثيرا، فلم
يفد، فقتلوه بالحجارة سنة 492 ه‍، وسترد ترجمته برقم (99) في هذا الجزء.
(2) بالجيم المعجمة على صيغة المفعول: وهو المختار من كل شئ، وقد انتجب فلان
فلانا: إذا استخلصه، واصطفاه اختيارا على غيره، وهو الشيخ الامام الفقيه يحيى بن علي بن
عبد العزيز القرشي الدمشقي الشافعي المعروف بابن الصائغ، المتوفى سنة 534، وسترد ترجمته
عند المصنف في الجزء العشرين رقم الترجمة (39).
138

ولحقه أبو حامد الغزالي، وتفقه به، وناظره، وكان يشغل في جامع
دمشق في الزاوية الغربية الملقبة بالغزالية (1).
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: قدم دمشق سنة ثمانين وأربع مئة،
فأقام بها يدرس المذهب إلى أن مات، ويروي الحديث، وكان فقيها،
إماما، زاهدا، عاملا، لم يقبل صلة من أحد بدمشق، بل كان يقتات من
غلة تحمل إليه من أرض نابلس، فيخبز له كل يوم قرصة في جانب
الكانون (2). حكى لنا ناصر النجار - وكان يخدمه - من زهده وتقلله وتركه
الشهوات أشياء عجيبة.
قال غيث بن علي الأرمنازي: سمعت الفقيه نصرا يقول: درست على
الفقيه سليم الرازي من سنة سبع وثلاثين وأربع مئة إلى سنة أربعين، ما فاتني
منها درس، ولا وجعت إلا يوما واحدا، وعوفيت. وسألته في كم التعليقة
التي صنفها؟ قال: في نحو ثلاث مئة جزء، ما كتبت منها حرفا إلا وأنا على
وضوء، أو كما قال.
قال: وسمعت من يحكي أن الملك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان
زار الفقيه نصرا يوما، فلم يقم له، ولا التفت إليه، وكذا ابنه الملك دقاق،
فسأله عن أحل الأموال التي يتصرف فيها السلطان، قال: أحلها أموال
الجزية، فقام من عنده، وأرسل إليه بمبلغ، وقال: هذا من الجزية، ففرقه
على الأصحاب، فلم يقبله، وقال: لا حاجة بنا إليه، فلما ذهب الرسول

(1) ويقال لها: المدرسة الغزالية. انظر التعريف بها في " الدارس ": 1 / 97 و
557، و 2 / 103.
(2) " عيون التواريخ ": 13 / 78.
139

لامه الفقيه نصر المصيصي، وقال: قد علمت حاجتنا إليه، فقال: لا تجزع
من فواته، فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرس
فيه (1).
قال الحافظ ابن عساكر: كان رحمه الله على طريقة واحدة من الزهد
والتنزه عن الدنيا والتقشف، حكى لي بعض أهل العلم قال: صحبت إمام
الحرمين بخراسان، والشيخ أبا إسحاق ببغداد، فكان طريقه عندي أفضل
من طريقة إمام الحرمين، ثم قدمت الشام، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت
طريقته أحسن من طريقتيهما (2).
قلت: كان الفقيه نصر يعرف أيضا بابن أبي حائط، ألف كتاب
" الانتخاب الدمشقي " في بضعة عشر مجلدا، وله كتاب " التهذيب " في
المذهب، في عشرة أسفار، وله كتاب " الكافي " في المذهب، مجلد، ما
فيه أقوال ولا وجوه. وعاش نيفا وثمانين سنة، رحمه الله، ودفن بمقبرة باب
الصغير.
قال الحافظ أبو القاسم: توفي في المحرم سنة تسعين وأربع مئة.
قلت: في مجالسه غلطات، وأحاديث واهية.
قرأت على أبي المحاسن محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل
العباسي ببستانه، أخبرنا الفضل بن عقيل بن عثمان العباسي المعدل في سنة

(1) " تبيين كذب المفتري ": 286، و " طبقات السبكي ": 5 / 252 - 253.
(2) " تبيين كذب المفتري ": 287، " تهذيب الأسماء واللغات ": 2 / 125، و
" طبقات السبكي ": 5 / 253.
140

خمس وعشرين وست مئة، أخبرنا أبو الندى حسان بن تميم الزيات سنة
ثلاث وخمسين وخمس مئة، أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا
سليم بن أيوب، أخبرنا القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي،
أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا
عبد الرزاق بن همام، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني عبد الله بن عامر
ابن ربيعة، عن حارثة بن النعمان قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه
جبريل جالس بالمقاعد، فسلمت عليه، واجتزت، فلما رجعت، وانصرف
النبي صلى الله عليه وسلم، قال لي: " هل رأيت الذي كان معي "؟ قلت: نعم، قال:
" فإنه جبريل، وقد رد عليك السلام " (1).
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أخبرنا أحمد بن الخضر، أخبرنا
حمزة بن أحمد بن فارس، أخبرنا نصر بن إبراهيم الزاهد، حدثنا عبدوس بن
عمر التنيسي، أخبرنا أبو الفتح الفرغاني، أخبرنا علي بن عبد الله الصوفي،
حدثنا محمد بن الحسن المقرئ، سمعت يوسف بن الحسين، سمعت ذا
النون يقول: كان العلماء يتواعظون بثلاث، ويكتب بعضهم إلى بعض: من
أحسن سريرته، أحسن الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله
ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته، أصلح الله أمر دنياه.

(1) إسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة ": 1 / 299 عبد الله بن عامر بن
ربيعة اتفق الشيخان على إخراج حديثه، وقد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه صحبة
مشهورة، وهو في " المسند ": 5 / 433 من طريق عبد الرزاق، عن معمر به، وحارثة بن
النعمان هذا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في الجنة يقرأ القرآن، ففي مصنف عبد الرزاق
(20119) ومن طريقه أحمد: 6 / 151، و 166 عن معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن
عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ،
فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك البر " وكان أبر
الناس بأمه. وإسناده صحيح، وصححه الحاكم: 3 / 208، ووافقه الذهبي.
141

حكى الفقيه نصر (1) عن شيخه نصر أنه قبل موته بلحظة سمعه وهو
يقول: يا سيدي أمهلوني، أنا مأمور وأنتم مأمورون، ثم سمعت المؤذن
بالعصر، فقلت: يا سيدي المؤذن يؤذن، فقال: أجلسني، فأجلسته،
فأحرم بالصلاة، ووضع يده على الأخرى وصلى، ثم توفي من ساعته،
رحمه الله.
أرخ ابن عساكر وفاة الفقيه نصر في يوم عاشوراء سنة تسعين (2)، فقال
من شيعه: لم يمكنا دفنه إلى قريب المغرب، لان الخلق حالوا بيننا وبينه،
ولم نر جنازة مثلها، وأقمنا على قبره سبع ليال (3).
قلت: وفيها مات شيخ المالكية أبو يعلى أحمد بن محمد بن الحسن
العبدي البصري ابن الصواف (4) عن تسعين سنة، وله تصانيف جمة.
ومسند أصبهان أبو نصر عبد الرحمن بن محمد السمسار (5)، خاتمة
من روى عن أبي عبد الله الجرجاني.
وشيخ همذان أبو الفتح عبدوس (6) بن عبد الله بن محمد بن عبدوس
عن خمس وتسعين سنة.
وشيخ القراء ببغداد أبو القاسم يحيى بن أحمد السيبي (7)، تلا على
الحمامي، وعمر مئة وسنتين.

(1) يعني نصر الله المصيصي.
(2) أي: وأربع مئة.
(3) انظر " تبيين كذب المفتري ": 287.
(4) ستأتي ترجمته في هذا الجزء برقم (83).
(5) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (20).
(6) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (54).
(7) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (55).
142

حكى الفقيه نصر الله المصيصي، عن الفقيه نصر قال: أدركت
القضاعي، ولو أردت أن أسمع منه لفعلت، ولكني تورعت لأجل أنه كان
يترسل للمصريين، ثم احتجت في التخريج، فرويت عنه بالإجازة.
قال نصر الله: أول ما تفقه الفقيه نصر بالقدس، ثم سار إلى ديار
بكر، ورأى الكازروني، ثم لقي سليما...
إلى أن قال: وكان أبوه فاميا (1)، وكان الفقيه ربعة، إلا أنه لم يبق منه
غير اللحم والعظم، وكان في القدس يعمل الدعوات لتلاميذه، وينفق عليهم
شيئا كثيرا من وقف كان عليهم.
73 - النسفي *
الامام الحافظ المحدث أبو علي الحسن بن عبد الملك بن علي بن
موسى بن إسرافيل النسفي، ولد مفتي نسف القاضي أبي الفوارس.
ولد سنة أربع وأربع مئة.
وسمع الكثير من الحافظ جعفر بن محمد المستغفري، ولازمه، ومن
أبي نعيم حسين بن محمد صاحب خلف الخيام، ومن معتمد بن محمد
المكحولي، وعدد مثير لا أعرفهم، وروى الكثير ببخارى وسمرقند.
حدث عنه: المحدث عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسين
ابن علي الزدوي، وأبو المعالي محمد بن نصر وآخرون.
لحق السمعاني وابنه عبد الرحيم أصحابه.

(1) وهو الذي يبيع الحبوب اليابسة والفواكه المجففة، ويقال له: البقال. * شذرات الذهب: 3 / 381.
143

توفي بنسف في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة سبع
وثمانين وأربع مئة.
74 - الكرجي *
الشيخ الامام المحدث الحجة، أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد
ابن الحسن بن خداداد الكرجي الباقلاني البغدادي.
ولد سنة ست عشرة وأربع مئة.
وسمع من أبي علي بن شاذان كتاب السنن لسعيد بن منصور، وسمع
من البرقاني، وعبد الملك بن بشران، وجماعة كتبا مطولة ينفرد بها، وهو
ابن خال الحافظ أبي الفضل بن خيرون، ورفيقه في الطلب.
روى عنه: أبو علي الصدفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر،
وآخرون، وأجاز للسلفي.
قال السمعاني: كان شيخا عفيفا زاهدا منقطعا إلى الله، ثقة فهما، لا
يظهر إلا يوم الجمعة. سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو طاهر
الباقلاني أكثر معرفة من أبي الفضل بن خيرون، وكان زاهدا، حسن
الطريقة، ما حدث في الجامع، وكان يقول لنا: أنا بحكمكم إلا يوم
الجمعة، فإنه للتبكير (1) والتلاوة، وكتبوا أسماء شيوخ بغداد لنظام الملك،

* المنتظم: 9 / 98، العبر: 3 / 324، تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، الوافي
بالوفيات: 6 / 306، عيون التواريخ: 13 / اللوحة: 56، شذرات الذهب: 3 / 392.
وقد تصحف في معظم المصادر إلى الكرخي بالخاء المعجمة.
(1) أي: لصلاة الجمعة، لحديث أوس بن أوس الثقفي مرفوعا: " من غسل يوم
الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ كان له
بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ". أخرجه أبو داوود (345)، وأحمد: 4 / 104،
والترمذي (496)، والنسائي: 3 / 97، وابن ماجة (1087)، وإسناده صحيح.
ولحديث أبي هريرة مرفوعا: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما
قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما
قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة
فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام، حضرت الملائكة يستمعون الذكر " أخرجه مالك:
1 / 101، ومن طريقه البخاري: 2 / 304 - 305، ومسلم: (850).
144

وألحوا على أبي طاهر، فما أجاب إلى المجئ إليه (1).
توفي في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
75 - ابن أيوب *
الشيخ الثقة المأمون أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب
البغدادي المراتبي (2) البزاز.
سمع: أبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، وعبد الغفار
المؤدب.
حديث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الوهاب الأنماطي،
ومحمد بن ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وشهدة الكاتبة، وخطيب
الموصل، وآخرون.
قال أبو سعد السمعاني: كان من خيار البغداديين، ومتميزيهم، ومن

(1) المنتظم: 9 / 98، وفيه قال: أبو الفضل بن خيرون قرابتي، وما أنفرد أنا بشئ
عنه، ما سمعته قد سمعه، وهو في خزانة الخليفة فما يمتنع عليكم، فأما أنا فلا أحضر. * المنتظم: 9 / 111، العبر: 3 / 334، عيون التواريخ: 13 / 91، شذرات
الذهب: 3 / 398.
(2) نسبة إلى باب المراتب أحد أبواب الخلافة ببغداد، قال ياقوت: كان من أجل
أبوابها وأشرفها، وكان حاجبه عظيم القدر، ونافذ الامر، فأما الآن فهو في طرف من البلد
بعيد كالمهجور لم يبق فيه إلا دور قوم من أهل البيوتات القديمة.
145

بيت الصون والعفاف والثقة والنزاهة، ولد سنة عشر وأربع مئة، وما يوم
عرفة سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
قال السلفي: سألت شجاعا عنه، فقال: كان صحيح السماع، ثقة
في روايته، سمعت منه.
وقال ابن سكرة: شيخ من التجار نبيل بزاز مستور.
وقال أبو بكر بن العربي: هو ثقة عدل، وأصله من الموصل.
وقال إسماعيل بن السمرقندي: سألته عن مولده، فقال: الغالب على
ظني أنه سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وفيها توفي شيخ القراء أبو البركات بن طاووس، وأبو الحسين أحمد بن
عبد القادر بن يوسف اليوسفي (1)، ومسند بلخ أبو القاسم أحمد بن محمد بن
محمد الخليلي (2)، وصاحب غزنة (3) إبراهيم بن مسعود بن فاتح الهند
محمود بن سبكتكين، وشاعر وقته أبو القاسم أسعد بن علي الزوزني، وأبو
تراب عبدا لباقي بن يوسف المراغي (4) الفقيه، وأبو الحسن علي بن الحسن
ابن الحسين الخلعي (5)، وأبو أحمد فضلان بن عثمان القيسي بأصبهان،
والمحدث مكي بن عبد السلام الرميلي (6) شهيدا في أخذ بيت المقدس.

(1) ستأتي ترجمته برقم (89).
(2) تقدمت ترجمته برقم (41).
(3) ستأتي ترجمته برقم (82).
(4) ستأتي ترجمته برقم (93).
(5) تقدمت ترجمته برقم (42).
(6) ستأتي ترجمته برقم (99).
146

76 - السرخسي *
الشيخ العالم الفقيه المعمر، أبو العباس الفضل بن عبد الواحد بن
الفضل السرخسي ثم النيسابوري الحنفي التاجر.
سمع من: أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وابن عبدان،
وأبي سهل بن حسنويه، والقاضي أبي بكر الحيري، وصاعد بن محمد
القاضي، وأبي بكر محمد بن عبويه المروزي الأنباري بمرو، وأبي سهل
الكلاباذي ببخارى.
مولده في سنة أربع مئة، وقدم ببغداد في سنة عشر مع أبيه للتجارة.
قال السمعاني: شيخ مسن معمر، حسن السيرة، ذو نعمة وثروة،
حدثنا عنه عمي الحسن، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو مضر
الطبري، وعبد الله بن الفراوي، وناصر بن سلمان الأنصاري، وجماعة
كثيرة.
قال: وقرأت بخط إسماعيل بن عبد الغافر: طلبوا من الفضل هذا
ألفي دينار، وأخذوه، وضربوه، وضمنه ابن صاعد، وبقي أياما، ومات في
جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وأربع مئة، وما وجدوا له شيئا، فإن ابنه
هرب وأصحابه، وكان صلبا في مذهب أبي حنيفة.
وفيها مات أبو الفضل أحمد بن علي بن الفرات بدمشق (1)، وكان

* السياق: الورقة: 75 أ، الجواهر المضية: 2 / 694 - 695، الطبقات السنية:
رقم: 1704.
(1) تقدمت ترجمته برقم (66).
147

يترفض، والمفتي سعد بن علي العجلي (1) بهمذان، وعبد الخالق بن محمد
ابن خلف المؤدب ابن الأبرص (2)، لقي اللالكائي، وشيخ الشافعية أبو
الفرج عبد الرحمن بن أحمد المروزي الزاز (3)، والعلامة أبو سعيد عبد
الواحد بن القشيري، وعزيزي بن عبد الملك الجيلي القاضي شيذله (4)، ومحمد
ابن الحسن الراذاني الحنبلي العابد، وأبو مسعود محمد بن عبد الله بن أحمد
السوذرجاني، والقاضي أبو نصر بن ودعان الموصلي (5)، ومنصور بن بكر بن
حيد (6)، ونصر بن البطر مسند الوقت، وعلي بن أحمد بن الأخرم المؤذن (7).
77 - الجياني *
الامام الحافظ المجود، الحجة الناقد، محدث الأندلس أبو علي
الحسين بن محمد بن أحمد الغساني، الأندلسي، الجياني (8)، صاحب

(1) سترد ترجمته برقم (118) من هذا الجزء.
(2) سترد ترجمته برقم (119) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته برقم (80) من هذا الجزء.
(4) سترد ترجمته برقم (96) من هذا الجزء.
(5) واسمه محمد بن علي بن ودعان المتوفى سنة 494، وهو متهم بالكذب،
وسيترجمه المؤلف برقم (90) من هذا الجزء.
(6) سترد ترجمته برقم (102) من هذا الجزء.
(7) سترد ترجمته برقم (84) من هذا الجزء. * الصلة: 1 / 142 - 144، بغية الملتمس: الضبي: 265، 266، وفيات
الأعيان: 2 / 180، العبر: 3 / 351، تذكرة الحفاظ: 4 / 1233، الوافي بالوفيات: (خ)
11 / 105، عيون التواريخ: 13 / 135 - 136، مرآة الجنان: 3 / 46، 161، البداية
والنهاية: 12 / 165، الديباج المذهب: 1 / 332 - 333، النجوم الزاهرة: 5 / 192، كشف
الظنون: 88، 470، شذرات الذهب: 3 / 408، 409، فهرس الفهارس: 2 / 254،
شجرة النور: 1 / 128، أزهار الرياض: 3 / 149.
(8) قال ابن بشكوال: 1 / 143: ويعرف بالجياني، وليس منها إنما نزلها أبوه في
الفتنة البربرية حوالي 400 ه‍، وأصلهم من الزهراء.
148

كتاب " تقييد المهمل " (1).
مولده في المحرم سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
حدث عن: حكم بن محمد الجذامي، وهو أعلى شيخ له، وحاتم
ابن محمد الطرابلسي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي عبد الله محمد بن
عتاب، والمحدث أبي عمر بن الحذاء، وأبي شاكر عبد الواحد القبري (2)،
وسراج بن عبد الله القاضي، وأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبي
العباس أحمد بن عمر بن دلهاث، وطائفة سواهم.
ولم يرحل من الأندلس، وكان من جهابذة الحفاظ، قوي العربية،
بارع اللغة، مقدما في الآداب والشعر والنسب. له تصانيف كثيرة في هذه
الفنون، نعته بهذا وأكثر منه خلف بن عبد الملك الحافظ، وقال: أخبرنا عنه
غير واحد، ووصفوه بالجلالة، والحفظ، والنباهة والتواضع، والصيانة.
قال أبو زيد السهيلي (3) في " الروض الأنف ": حدثنا أبو بكر بن
طاهر، عن أبي علي الغساني، أن أبا عمر بن عبد البر قال له: أمانة الله في

(1) وهو كتاب جيد في بابه، غاية في النفاسة، قيد فيه المهمل، وميز المشكل بين
الأسماء والكنى والأنساب لمن ذكر اسمه في صحيحي البخاري ومسلم، ويقع في عشرة
أجزاء بمجلدين، ولم يطبع بعد، وعندنا منه مصورة عن أصل جيد، عليه سماع تاريخه سنة
548 ه‍.
(2) نسبة إلى قبرة مدينة بالأندلس بينها وبين قرطبة ثلاثون ميلا.
(3) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ السهيلي الأندلسي المالكي،
مؤرخ محدث حافظ، له عدة مؤلفات غير كتاب " الروض " منها كتاب " التعريف والاعلام
فيما أبهم في القرآن من الأسماء والاعلام "، وكتاب " نتائج الفكر "، ومسائل كثيرة مفيدة،
توفي في مراكش سنة (581) ه‍.
149

عنقك، متى عثرت على اسم من أسماء الصحابة لم أذكره، إلا ألحقته في
كتابي، يعني " الاستيعاب ".
قال أبن بشكوال (1): سمعت أبا الحسن بن مغيث قال: كان أبو علي
الجياني من أكمل من رأيت علما بالحديث، ومعرفة بطرقه، وحفظا
لرجاله، عانى كتب اللغة، وأكثر من رواية الاشعار، وجمع من سعة الرواية
ما لم يجمعه أحد أدركناه، وصحح من الكتب ما لم يصححه غيره من
الحفاظ، فكتبه حجة بالغة، جمع كتابا في رجال الصحيحين سماه " تقييد
المهمل وتمييز المشكل "، وهو كتاب حسن مفيد، أخذه الناس عنه، قال
ابن بشكوال: سمعناه على القاضي أبي عبد الله بن الحجاج عنه... لزم
بيته مدة لزمانة لحقته.
قلت: وروى عنه أيضا: محمد بن محمد بن حكم الباهلي، ومحمد
ابن أحمد بن إبراهيم الجياني، الملقب بالبغدادي، والقاضي أبو علي بن
سكرة، وأبو العلاء زهر بن عبد الملك الأيادي، وعبد الله بن أحمد بن سماك
الغرناطي، والحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن أبي ليلى، ويوسف بن يبقى (2)
النحوي، ومحمد بن عبد الله بن خليل القيسي مسند مراكش، فحدث
عنه بصحيح مسلم في سنة سبعين وخمس مئة.
توفي الأستاذ الحافظ أبو علي في ليلة الجمعة، ثاني عشر شعبان سنة
ثمان وتسعين وأربع مئة.

(1) في " الصلة ": 1 / 143.
(2) بفتح الياء والقاف وسكون الباء، ويعرف بابن يسعون، كان أديبا نحويا لغويا،
حسن الخط والوراقة، توفي في حدود سنة 540 ه‍، انظر " بغية الوعاة ": 2 / 363.
150

أخبرنا الحسن بن علي الأمين، أخبرنا جعفر بن منير المالكي، أخبرنا
أبو محمد العثماني، أخبرنا محمد بن محمد بن حكم، أخبرنا الحافظ أبو
علي الغساني، حدثنا حكم بن محمد، حدثنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا
أبو القاسم البغوي بمكة إملاء، سنة عشر وثلاث مئة، حدثنا هدبة بن خالد،
حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا
لصاحبه " (1).
هذا حديث حسن الاسناد.
ومات مع أبي علي الحافظ، مفيد بغداد أبو علي أحمد بن محمد بن
أحمد البرداني (2) عن سبعين سنة، والحافظ مفيد أصبهان أبو بكر أحمد بن
محمد بن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه (3)، ومسند خراسان أبو علي
نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي (4)، وشيخ الحرم المفتي أبو
عبد الله الحسين بن علي الطبري الشافعي (5)، ومقرئ بغداد أبو المعالي
ثابت بن بندار (6) البقال، ومسند بغداد الشريف أبو الفضل أبو محمد بن عبد
السلام الأنصاري.

(1) رجاله ثقات، وسنده قوي، فقد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث عند البخاري
في " الأدب المفرد ": 544. وابن حبان في صحيحه: 2509، وصححه الحاكم:
4 / 171، ووافقه الذهبي.
(2) سترد ترجمته برقم (136) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته برقم (126) من هذا الجزء.
(4) سترد ترجمته برقم (91) من هذا الجزء.
(5) سترد ترجمته برقم (123) من هذا الجزء.
(6) سترد ترجمته برقم (124) من هذا الجزء.
151

78 - الكتبي *
الامام الحافظ، محدث هراة، الحاكم أبو عبد الله الحسين بن محمد
الكتبي الهروي المؤرخ.
سمع سعيد بن العباس القرشي، والحافظ أبا يعقوب القراب، وسالم
ابن عبد الله أبا معمر وطبقتهم.
وعنه: أبو النضر الفامي، وعبد الرشيد بن ناصر، وعبد الملك بن
عبد الله، ومسعود بن محمد الغانمي، وآخرون.
أثنى عليه السمعاني، وقال: له عناية تامة بالتواريخ، ويلقب بحاكم
كراسة (1).
مات في صفر سنة ست وتسعين وأربع مئة، وله سبع وثمانون سنة.
79 - الشيحي *
الامام المحدث الجوال الصدوق، أبو منصور عبد المحسن بن محمد
ابن علي بن أحمد بن علي بن شهدانكه الشيحي (2)، ثم البغدادي، الفقيه،

* السياق: الورقة: 11 ب.
(1) وقد جمع التاريخ لوفاة المشايخ بعد إسحاق بن إبراهيم القراب إلى غيره، ذكر فيه
كل من بلغه ذكره من المشايخ المعروفين السادة والكبار من البلدان في النواحي والأقطار،
وذكر عبد الغافر الفارسي بأنه طالعه واستفاد منه بهراة. انظر التعليق على التحبير:
1 / 499.
(* *) الأنساب: 7 / 442، المنتظم: 9 / 100، معجم البلدان: 3 / 379،
اللباب: 2 / 220، العبر: 3 / 324 - 325، المشتبه: 349، تذكرة الحفاظ: 4 / 1227،
عيون التواريخ: 13 / 55، البداية والنهاية: 12 / 153، التبصير: 721، شذرات
الذهب: 3 / 392.
(2) تحرف في البداية: 12 / 153 إلى الشنجي، وشهدانكه، إلى: شهداء مكة.
152

المالكي، النصري، من محلة النصرية، التاجر، السفار.
قال غيث بن علي: قال لي: ولدت في سنة إحدى وعشرين وأربع
مئة، وسمعت في سنة (427).
سمع: أبا بكر أحمد بن محمد بن الصقر، وأبا منصور محمد بن
محمد بن السواق، وعبد العزيز بن علي الازجي، وأبا طالب بن غيلان،
وأبا محمد الخلال، وعدة، وبمصر أبا الحسن بن الطفال، وأبا القاسم
الفارسي، وبدمشق أبا عبد الله محمد بن يحيى بن سلوان، وبالرحبة عبيد
الله بن أحمد الرقي، وعدة، وكتب بخطه أكثر تصانيفه.
حدث عنه: الخطيب شيخه، وأبو السعود المجلي، وإسماعيل بن
السمرقندي، وأبو الفتح بن عبد السلام، والفقيه سعيد بن محمد الرزاز،
وابن ناصر، وابن الزاغوني، وابن البطي، وخلق.
سئل عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، فقال: شيخ جليل فاضل ثقة.
وقال أبو عامر العبدري: كان من أنبل من رأيت وأوثقه.
وقال أبو علي بن سكرة: كان فاضلا نبيلا كيسا ثقة، وكان عنده أصل
أبي بكر الخطيب بتاريخ بغداد، خصه به. قال السمعاني: هو الذي نقل
الخطيب إلى العراق، فأهدى إليه تاريخه بخطه (1).

(1) في البداية: 12 / 153: وأكثر عن الخطيب وهو بصور، وهو الذي حمله إلى
العراق، فلهذا أهدى إليه الخطيب تاريخ بغداد بخطه، وقال ابن الجوزي في المنتظم:
9 / 100: وروى عنه الخطيب في تصانيفه فسماه عبد الله، وكان يسمى عبد الله، وكان ثقة
خيرا دينا توفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة (489)، ودفن بمقبرة
باب حرب.
153

وقال البرداني (1): كان أمينا سريا متمولا، كتب كثيرا، مات في
جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
80 - الزاز (2) *
العلامة، شيخ الشافعية، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن محمد
ابن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن
زاز، السرخسي الشافعي، فقيه مرو، ويعرف بالزاز.
كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، اشتهرت كتبه، وكثرت
تلامذته، وقصد من النواحي.
تفقه بالقاضي حسين، وسمع الأستاذ أبا القاسم القشيري، والحسن
ابن علي المطوعي، وأبا المظفر محمد بن أحمد التميمي، وخلقا كثيرا،
وعني بالآثار.
حدث عنه أحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، وأبو طاهر
السنجي، وعمر بن أبي مطيع، وآخرون، ومات قبل محل الرواية، فقل ما
خرج عنه.

(1) نسبة إلى (بردان): قرية من قرى بغداد.
(2) في " الأنساب ": 6 / 219: الزاز، بالألف بين الزايين المنقوطتين، وهو اسم
لبعض أجداد المنتسب إليه، وهو الزاز، هكذا سمعت: أبا سعد الزاز، والمشهور بهذه
النسبة إمام عصره بلا مدافعة علما وزهدا وورعا..، أبو... عبد الرحمن بن...، في
أصول الأنساب بياض في مكان النقط فيستدرك من هنا. * المنتظم: 9 / 125 - 126، معجم البلدان: 3 / 209، تهذيب الأسماء
واللغات: 2 / 263، تاريخ الاسلام: 2 / 173، العبر: 3 / 339، عيون التواريخ:
13 / 106 - 107، طبقات الشافعية الكبرى: 5 / 101 - 104، البداية والنهاية:
12 / 160، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 41 ب - 42 أ، كشف الظنون: 163،
شذرات الذهب: 3 / 400، هدية العارفين: 1 / 158.
154

صنف كتاب " الاملاء " في المذهب، وانتشر في البلاد، وكان من
أئمة الدين، ثخين الورع، محتاطا في القوت، بحيث إنه ترك أكل الرز،
لأنه لا يزرعه إلا الجند (1)، وكان عديم النظير في الفتوى.
توفي في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وأربع مئة عن نيف وستين
سنة، رحمه الله.
81 - القومساني *
الحافظ الامام البارع، محدث همذان، أبو الفرج إسماعيل بن
محمد بن عثمان، القومساني، ثم الهمذاني، العابد.
روى عن جده عثمان بن أحمد بن مزدين، ووالده أبي الفضل، وعمر
ابن جاباره (2)، وابن غزو النهاوندي، وطبقتهم، وببغداد أبي الحسين بن
المهتدي بالله، وطبقته.
قال شيرويه: هو شيخ بلدنا، والمشار إليه بالصلاح، وكان ثقة
حافظا، حسن المعرفة بالرجال والمتون، وحيد عصره في حفظ شرائع
الاسلام وشعاره، توليت غسله في المحرم سنة سبع وتسعين وأربع مئة،
وعاش ثمانيا وخمسين سنة. وذكره السلفي فيمن أجاز له، وأنه مشهور
بالمعرفة التامة بالحديث.

(1) في طبقات الشافعية للسبكي: 5 / 102: " لأنه يحتاج إذا زرع إلى ماء كثير،
وصاحبه قل ألا يظلم غيره في سقي الماء ". * المنتظم: 9 / 140، معجم البلدان: 4 / 414، البداية والنهاية: 12 / 164.
(2) كذا الأصل، ونقل عبد الرحمن المعلمي قول ابن نقطة في استدراكه على
الاكمال: " وأما جابار - آخره راء - فهو...، وعمر بن جابار بن عمر، أبو حفص، روى
عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الريحاني، سمع منه الميداني ". انظر " الاكمال " 2 / 11.
155

82 - صاحب الهند *
السلطان الكبير، أبو المظفر إبراهيم ابن السلطان مسعود ابن السلطان
فاتح الهند ومبيد البد (1)، محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة.
كان إبراهيم ملكا عادلا، منصفا سائسا، شجاعا مقداما جوادا، محببا
إلى الرعية، واسع الممالك (2)، دام في السلطنة أربعين سنة، وعاش
سبعين سنة، توفي سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
83 - العبدي * *
الشيخ الفقيه العلامة، شيخ المالكية، أبو يعلى، أحمد بن محمد بن
حسن بن علي بن زكريا، العبدي، البصري، المالكي، ويعرف بابن
الصواف، مسكنه القسامل، محلة بالبصرة (3).

* المنتظم: 9 / 109، 110، الكامل: 10 / 5 - 6، 167، وفيه توفي سنة
481 ه‍، دول الاسلام: 2 / 10، العبر: 3 / 225، تتمة المختصر: 2 / 9، عيون
التواريخ: 13 / 89 - 90، البداية والنهاية: 12 / 157، النجوم الزاهرة: 5 / 164.
(1) البد: بيت فيه أصنام وتصاوير، وقيل: البد: الصنم نفسه الذي يعبد، فارسي
معرب، ويقصد به هنا الصنم (سومنات) الذي كان يعبد في الهند عندما غزاها السلطان
محمود سنة 416 ه‍، فكسر الصنم وأخذ ما كان عليه من مال وجوهر، وأخذ قطعة من
الصنم فجعلها عتبة مسجد غزنة، وقد أورد المؤلف خبر هذه الغزوة مطولا في الجزء السابع
عشر في ترجمة السلطان محمود برقم (319). فانظره هناك.
(2) وكان يقول - كما في الكامل: 10 / 167 -: لو كنت موضع أبي مسعود بعد وفاة
جدي محمود، لما انفصمت عرى مملكتنا، ولكنني الآن عاجز عن أن أسترد ما أخذوه،
واستولى عليه ملوك قد اتسعت مملكتهم، وعظمت عساكرهم.
(* *) ترتيب المدارك: 4 / 791، المنتظم: 9 / 103، العبر: 3 / 328، البداية
والنهاية: 12 / 154، الديباج المذهب: 1 / 175، شذرات الذهب: 3 / 394، شجرة
النور الزكية: 116.
(3) قال ياقوت: قسامل: بالفتح قبيلة من اليمن ثم الأزد، يقال لهم القساملة، لهم
خطة بالبصرة تعرف بقسامل هي الآن عامرة آهلة بين عظم البلد وشاطئ دجلة رأيتها، وهي
علم مرتجل لا أعرف غيره في اللغة.
156

ولد سنة أربع مئة.
وسمع إبراهيم بن طلحة، وعدة بالبصرة، وابن شاذان، والبرقاني
ببغداد.
حدث عنه: أبو علي الصدفي، وأبو بكر عتيق النفزاوي، وجابر بن
محمد البصري، وأبو الحسن البوشنجي.
تفقه بعلي بن هارون البصري، وصنف التصانيف، وتخرج به أئمة،
منهم أبو منصور بن بأخي، وأبو عبد الله بن ضابح.
وسمع منه خلق، وأملى مجالس، وكان زاهدا عابدا قانعا مهيبا.
قال جابر بن محمد: كان فريد عصره، وكان له معرفة بالحديث،
وقيل: كان إماما في عشرة علوم، مات رحمة الله عليه في رمضان، سنة
تسعين وأربع مئة، وقد كمل التسعين.
قال القاضي عياض: كان أبو يعلى العبدي يملي الحديث، وعلى
رأسه مستمليان يسمعان الناس، سمع منه عالم عظيم.
وقال السمعاني: كان مدرسا متزهدا، خشن العيش، مجدا في
العبادة، ذا سمت ووقار (1).
84 - ابن الأخرم *
الشيخ العالم الزاهد، بقية المسندين، أبو الحسن علي بن أحمد بن

(1) " الديباج المذهب ": 1 / 175. * العبر: 3 / 339، النجوم الزاهرة: 5 / 168، شذرات الذهب: 3 / 401.
157

محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أخرم المديني، ثم
النيسابوري، الصندلي المؤذن.
مولده في رجب سنة خمس وأربع مئة.
سمع أبا عبد الرحمن السلمي، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبا
القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبا بكر الحيري، وأبا سعيد
الصيرفي، وأبا نصر أحمد بن علي الزاهد، وأبا صادق محمد بن أحمد
ابن شاذان العطار، والأستاذ أبا إسحاق الأسفراييني، وأبا عبد الله الحسين
ابن محمد بن منجويه، وأبا بكر أحمد بن علي الحافظ، وطائفة، وعقد
مجلس الاملاء، وحضره الأعيان.
حدث عنه: عبد الله بن محمد الفراوي، وأبو العباس العصاري،
وعمر بن الصفار، وعبد الخالق بن زاهر، والوزير سعيد بن سهل الفلكي،
وآخرون.
قال عبد الغافر في " تاريخه ": شيخ عابد فاضل جليل، من تلامذة
الامام أبي محمد الجويني، كان يسكن المدينة الداخلة، لزم مسجده سنين،
منزويا عن الناس، قل ما يخرج، روى عنه خلق كثير، وعقد مجلس الاملاء،
توفي في ثامن عشر المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مئة، رحمه الله.
وفيها مات معه:
85 - أسعد بن مسعود *
العتبي النيسابوري، من ذرية عتبة بن غزوان الصحابي.

* الأنساب: 8 / 381، المنتظم: 9 / 125، الكامل: 10 / 326.
158

روى عن: الحيري، والصيرفي، وعنه عبد الله بن الفراوي، وعبد الخالق
ابن زاهر.
86 - الجرجاني *
القاضي الامام المحدث الحافظ، أبو محمد عبد الله بن يوسف
الجرجاني.
ولد سنة تسع وأربع مئة.
وسمع حمزة بن يوسف السهمي، وأحمد بن محمد الخندقي،
وأصحاب ابن عدي، والإسماعيلي، وبنيسابور من أبي حفص بن
مسرور، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وهذه الطبقة.
وجمع وصنف، وكان ذا حفظ وفهم، جمع كتابا في مناقب
الشافعي، وآخر في مناقب أحمد.
حدث عنه: ابن أخته تميم بن أبي سعيد المؤدب، والجنيد بن محمد
القايني (1)، وعلي بن حمزة الموسوي، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد هبة
الرحمن بن القشيري، وآخرون.
عاش ثمانين عاما، وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
ومن شيوخه أبو نعيم عبد الملك بن محمد الاستراباذي الصغير،

* تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، طبقات السبكي: 5 / 94، طبقات الأسنوي:
1 / 358، الاعلان بالتوبيخ: 367، كشف الظنون: 1105، 1840، هدية العارفين:
1 / 453، معجم المؤلفين: 6 / 146.
(1) نسبة إلى قاين: بلدة قريبة من طبس بين نيسابور وأصبهان، خرج منها جماعة من
المحدثين، كما في " الأنساب ": 10 / 37.
159

صاحب أبي بكر الإسماعيلي، وأبو معمر المفضل بن إسماعيل
الإسماعيلي.
87 - الطريثيثي *
الإمام الزاهد المسند، شيخ الصوفية، أبو بكر أحمد بن علي بن
الحسين بن زكريا الطريثيثي، ثم البغدادي الصوفي، المعروف بابن زهراء.
مولده في شوال سنة إحدى عشرة وأربع مئة، وقرأت بخط السلفي أنه
سمع أبا بكر يقول: إنه ولد في شوال سنة اثنتي عشرة وأربع مئة.
سمع أباه، وابن الفضل القطان، وهبة الله بن الحسن اللالكائي، وأبا
القاسم الحرفي، وأبا الحسن بن مخلد، وأبا علي بن شاذان، وعدة،
وزعم أنه سمع من أبي الحسن بن رزقويه.
قال السمعاني: صحيح السماع في أجزاء، لكنه أفسد سماعاته بادعاء
السماع من ابن رزقويه، ولم يصح سماعه منه (1).
وقال شجاع الذهلي: مجمع على ضعفه (2).
وقال السمعاني: له قدم في التصوف، رأى المشايخ، وخدمهم،
وكان حسن التلاوة، صحب أبا سعد النيسابوري (3).

* المنتظم: 9 / 138 - 139، الكامل في التاريخ: 10 / 379، طبقات النووي:
الورقة: 54 أ، العبر: 3 / 246، ميزان الاعتدال: 1 / 122، الوافي بالوفيات:
7 / 202، طبقات السبكي: 4 / 39 - 40، لسان الميزان: 1 / 227، 228، شذرات
الذهب: 3 / 405.
(1) " طبقات السبكي " 4 / 40.
(2) " المنتظم ": 9 / 139.
(3) " طبقات السبكي ": 4 / 39.
160

قلت: روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي، وابن ناصر، وعبد
الخالق اليوسفي، وأبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفضل
الطوسي خطيب الموصل، وقد سمع منه عبد الغافر الألمعي، وهبة الله
الشيرازي، وعمر الرواسي (1).
قال إسماعيل بن السمرقندي: دخلت على ابن زهراء وهو يقرأ عليه
جزء لابن رزقويه، فقلت: متى ولدت؟ قال: سنة اثنتي عشرة، فقلت:
فابن رزقويه في هذه السنة توفي! وأخذت الجزء، وضربت على التسميع،
فقام وخرج من المسجد (2).
وقال ابن ناصر: كان كذابا.
وقال السلفي: هو أجل شيخ رأيته للصوفية، وأكثرهم حرمة وهيبة عند
أصحابه، لم يقرأ عليه إلا من أصل، وكف بصره بأخرة، وكتب له أبو علي
الكرماني أجزاء طرية، فحدث بها اعتمادا عليه، ولم يكن ممن يعرف طريق
المحدثين ودقائقهم (3)، وإلا فكان من الثقات الاثبات، وأصوله كالشمس
وضوحا.
وقال أبو المعمر الأنصاري: مولده في شوال سنة إحدى عشرة، وتوفي

(1) وقيل له الرواسي، لان والده كان يبيع الرؤوس بدهستان، وكان ابنه عمر يعمل
معه، ثم تحول إلى طلب الحديث وسماعه بسبب أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله
البجلي الرازي في خبر مطول أورده السمعاني في " الأنساب ": 6 / 173.
(2) " المنتظم ": 9 / 139.
(3) قال الحافظ في " لسان الميزان ": 1 / 228 بعد نقله كلام السلفي هذا: فما كان من
حديث يرويه السلفي عنه فإنا نعلم في الجملة أنه من صحيح سماعاته.
161

في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربع مئة.
88 - الأسفراييني *
الشيخ الامام المحدث المتقن الرحال، أبو الفرج، سهل بن بشر بن
أحمد بن سعيد، الأسفراييني، الصوفي، نزيل دمشق.
سمع بمصر علي بن حمصة، وعلي بن منير، وعلي بن ربيعة،
ومحمد بن الحسين الطفال، وحسن بن خلف الواسطي صاحب أبي محمد
ابن ماسي، وببغداد أبا محمد الجوهري، وبدمشق أبا عبد الله بن سلوان،
ورشأ بن نظيف، وبالرملة محمد بن الحسين بن الترجمان، وبصور سليم بن
أيوب الرازي، وبتنيس علي بن الحسين بن جابر، وبجرجان محمد بن عبد
الرحيم.
حدث عنه ابناه طاهر والفضل، وجمال الاسلام علي بن المسلم،
وهبة الله بن طاووس، ومحفوظ النجار، ونصر الله بن محمد المصيصي،
وأبو يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي، وعبد الرحمن بن أبي الحسن،
وعدة.
قال غيث بن علي: سألت أبا بكر الحافظ عن سهل بن بشر، فقال:
كيس صدوق.
قال سهل: ولدت ببسطام سنة تسع وأربع مئة.

* العبر: 3 / 331، الكامل في التاريخ: 10 / 280، شذرات الذهب:
3 / 396.
162

توفي في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وكان قد تتبع
" السنن الكبير " للنسائي وحصله، وسمعه بمصر.
89 - ابن يوسف *
الشيخ النبيل العالم الثقة الرئيس، أبو الحسين، أحمد بن عبد القادر
ابن محمد بن يوسف البغدادي.
ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وسمع أبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دوست، وأبا علي بن شاذان،
وعبد الملك بن بشران، وطبقتهم ببغداد، وأبا الحسن بن صخر، وأبا نصر
السجزي بمكة، وأبا الحسن بن حمصة الحراني بمصر، ومحمد بن
الحسين بن الترجمان بالرملة، وعدة سواهم.
حدث عنه: بنوه: عبد الله، والحافظ عبد الخالق، وعبد الواحد،
ومحمد بن ناصر الحافظ، وأبو الفتح بن البطي، وشهدة الكاتبة، وعتيق بن
عبد العزيز بن صيلاء، والخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي،
وخلق سواهم.
قال ابن ناصر: كان صالحا ثقة.
وقال السمعاني: شيخ جليل ثقة خير، مرضي الطريقة، حسن
السيرة، سافر الكثير، ووصل إلى المغرب.
وقال ولده عبد الخالق: حدثني أخي، قال: رأيت في النوم.

* المنتظم: 9 / 109، العبر: 3 / 333، عيون التواريخ: 13 / 90، شذرات
الذهب: 3 / 397.
163

والدي، فقلت: يا سيدي، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي.
توفي أبو الحسين في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
قال شجاع الذهلي: كان ثقة متحريا.
وقال أبو نصر اليونارتي في " معجمه ": كان أحد الأئمة الورعين.
صحب أبا الحسن القزويني مدة، ونظر في الفقه والأدب، وكان أوحدي
الطريقة، ما خرج إلينا فاستند لتواضعه، وما قام عنا إلا استأذن.
90 - ابن ودعان *
الشيخ الجليل، قاضي الموصل، أبو نصر محمد بن علي بن
عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان، الموصلي.
تردد إلى بغداد، وحدث بها في آخر أيامه.
قال: ولدت ليلة النصف من شعبان سنة اثنتين وأربع مئة، وذكر أنه من
ربيعة الفرس (1)، وأول سماعه سنة ثمان وأربع مئة.

* المنتظم: 9 / 127 - 128، اللباب: 3 / 356، الكامل في التاريخ:
10 / 327، ميزان الاعتدال: 3 / 657 - 659، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 27،
الوافي بالوفيات: 4 / 141 - 142، عيون التواريخ: 13 / 101 - 102، البداية والنهاية:
12 / 161، لسان الميزان: 5 / 305 - 306، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) حوادث:
494، تاريخ الخميس: 2 / 361، كشف الظنون: 1 / 60، 715، إيضاح المكنون:
1 / 431، هدية العارفين: 2 / 78، بروكلمان: 1 / 435.
(1) هو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان أخو مضر، لقب بربيعة الفرس لأنه أعطى من
ميراث أبيه الخيل، قال ابن عبد البر في " الانباء " ص 96: إن العرب وجميع أهل العلم
بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليها السلام ربيعة
ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان لا خلاف في ذلك.
164

روى عن عمه أبي الفتح أحمد بن عبيد الله، ومحمد بن علي بن
محمد بن بحشل، والحسين بن محمد بن جعفر الصيرفي وغيرهم.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد النيسابوري بالحجاز، ومروان بن
علي الطنزي بديار بكر، وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، وأبو
عبد الله بن خسرو البلخي، وأبو طاهر السلفي، ووجيه الشحامي،
وآخرون.
وإنما أوردته هنا لشهرته، وقد ذكرته في " الميزان " (1) وأنه غير ثقة،
ولا مأمون.
قال ابن النجار: أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو
نصر بن ودعان ببغداد، أخبرنا عمي، أخبرنا نصر بن أحمد المرجئ،
أخبرنا أبو يعلى التميمي، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا محمد بن ثابت،
حدثنا جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس
قال: تضيفت ميمونة خالتي، وهي ليلتئذ لا تصلي، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد
صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقة عند رأس الفراش،
فاتزر بها، وخلع ثوبيه، فعلقهما، ثم دخل معها، حتى إذا كان في آخر
الليل قام إلى سقاء معلق، فحله، ثم توضأ منه، فهممت أن أقوم، فأصب
عليه، ثم كرهت أن يرى أني كنت مستيقظا، ثم أخذ ثوبيه، ثم قام إلى
المسجد، فقام يصلي، فقمت، فتوضأت، ثم جئت، فقمت عن يساره،
فتناولني بيده من ورائه، فأقامني عن يمينه، فصلى، وصليت معه ثلاث
عشرة ركعة، ثم جلس، وجلست إلى جنبه، فأصغى بخده إلى خدي حتى

(1) 3 / 657، ونعته بصاحب تلك الأربعين الودعانية الموضوعة.
165

سمعت نفس النائم، ثم جاء بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله، فقام إلى
المسجد، فأخذ في الركعتين، وأخذ بلال في الإقامة (1).
قال السلفي: سألت شجاعا الذهلي عن ابن ودعان، فلم يجب عنه.
قال السلفي: قرأت عليه " الأربعين " (2) جمعه، ثم تبين لي حين تصفحت
كتابه تخليط عظيم يدل على كذبه، وتركيبه الأسانيد على المتون.

(1) محمد بن ثابت هو العبدي أبو عبد البصري، لينه الحافظ في " التقريب "، وقال
المؤلف في " الميزان ": قال فيه غير واحد: ليس بالقوي، وهو في " المسند " 1 / 284،
285 من طريق محمد بن ثابت بهذا الاسناد، إلا أنه بإسقاط كريب. وللحديث طرق أخرى
صحيحة عن ابن عباس بنحوه مطولا ومختصرا في " المسند ": 1 / 242، 282، 284،
والبخاري: (117) و (138) و (697) و (698) و (699) و (726) و (728)
و (859) و (1198) و (4569) و (4571) و (4572) و (5919) و (6215)
و (6316) و (7452)، ومسلم (763)، (181) و (182) و (183) و (184)
و (185) و (186) و (187) و (188) و (189) و (190) و (191) و (192)
و (193)، ومالك: 1 / 121، وأبي داوود: (58) و (610) و (611) و (1353)
و (1354) و (1355) و (1356) و (1357) و (1358) و (1364) و (1365)
و (1367)، والنسائي: 2 / 30 و 218، و 3 / 210 و 236. وقد استوفى رواياته في الكتب
الستة ابن الأثير في " جامع الأصول ": 6 / 80 - 90 فراجعه.
(2) وهي التي تعرف بالأربعين الودعانية، قال ابن حجر في " لسان الميزان ":
5 / 306: وقد سئل المزي عنها فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد
شئ، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع
ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة، وقيل: زيد بن عبد الله بن مسعود بن
رفاعة الهاشمي، وهو الذي وضع رسائل أخوان الصفا فيما يقال، وكان جاهلا بالحديث،
وسرقها منه ابن ودعان، فركب بها أسانيد، فتارة يروي عن رجل، عن شيخ ابن رفاعة،
وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك بوجوده، والحاصل أنها فضيحة
مفتعلة، وكذبة مؤتفكة.
وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 127 عن ابن ودعان هذا: قدم بغداد في سنة
ثلاث وسبعين ومعه جزء فيه أربعون حديثا عن عمه أبي الفتح، وهي التي وضعها زيد بن
رفاعة الهاشمي، وجعل لها خطبة، فسرقها أبو الفتح بن ودعان عم أبي نصر هذا، وحذف
خطبتها، وركب على كل حديث شيخا إلى شيخ الذي روى عنه ابن رفاعة.
166

وقال ابن ناصر: رأيته ولم أسمع منه، لأنه كان متهما بالكذب، وكتابه
في " الأربعين " سرقه من زيد بن رفاعة (1)، وزيد وضعه أيضا، وكان
كذابا، ألف بين كلمات قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كلمات من كلام لقمان
والحكماء وغيرهم، وطول الأحاديث.
وقال السلفي: كان ابن ودعان خرج على كتاب زيد بن رفاعة كتابه -
بزعمه - حين وقعت له أحاديثه عن شيوخ، فقد أخطأ، إذ لم يبين ذلك في
الخطبة، وإن جاز سوى ذلك، فأطم وأعم، إذ غير متصور لمثله مع نزارة
روايته، وقلة طلبه، أن يقع له كل حديث فيه من رواية من أورده عنه.
وقال السلفي أيضا: بلغنا أنه توفي في المحرم سنة أربع وتسعين
وأربع مئة بالموصل.
91 - الخشنامي *
الشيخ العالم المعمر الصالح الصادق أبو علي نصر الله بن أحمد بن
عثمان، الخشنامي، النيسابوري.
سمع أبا عبد الرحمن السلمي، والقاضي أبا بكر الحيري، وعلي بن
أحمد بن عبدان، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وصار مسند
وقته، وروايته عن السلمي حضور، فإن أبا سعد السمعاني ورخ مولده في
رمضان سنة تسع وأربع مئة، وقال: هو ثقة صالح، روى عنه خلق، ومات

(1) في " الميزان ": 2 / 103: زيد بن رفاعة الهاشمي أبو الخير معروف بوضع الحديث
على فلسفة فيه، أخذ عن ابن دريد، وابن الأنباري، قال الخطيب: كذاب. * السياق: الورقة / 93 أ، الأنساب: 5 / 131، التقييد: الورقة / 214 ب -
215 أ، اللباب: 1 / 447، العبر: 3 / 352، عيون التواريخ: 13 / 139 - 140،
شذرات الذهب: 3 / 409.
167

في شعبان سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
قلت: وروى عنه حفيده مسعود بن أحمد، ومحمد بن أبي بكر
السنجي، وأبو بكر محمد بن منصور السمعاني، وعبد الخالق بن زاهر،
وعمر بن أحمد الصفار الفقيه، وآخرون، ومن متأخريهم: سعيد بن سهل
الفلكي الوزير.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا زين الامناء الحسن بن محمد، أخبرنا
سعيد بن سهل، حدثنا أبو علي نصر الله بن أحمد إملاء بنيسابور، أخبرنا
محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن
سنان القزاز، حدثنا محبوب بن الحسن، حدثنا يونس بن عبيد، عن
الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أن رجلا أعتق ستة
مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجزأهم
ثلاثة، ثم أقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرق أربعة (1).
92 - أبو داود *
الشيخ الامام العلامة، شيخ القراء، ذو الفنون، أبو داود سليمان بن

(1) محمد بن سنان القزاز ضعيف، وشيخه فيه محبوب - واسمه محمد بن الحسن بن
هلال - فيه لين، وأخرجه مسلم (1668) في الايمان: باب من أعتق شركا له في عبد،
والترمذي (1364) في الاحكام، وأبو داوود (3958) في العتق، والنسائي في الجنائز:
4 / 64، وأحمد: 4 / 426 و 428 و 431 و 438 و 440 و 445 و 446، ومالك: 2 / 774
في العتق والولاء، من طرق عن عمران بن حصين. وفي الباب عن أبي زيد عمرو بن
أخطب الأنصاري عند أحمد: 5 / 341. * الصلة: 1 / 203 - 204، بغية الملتمس: 289 - 290، دول الاسلام:
2 / 26، العبر: 3 / 343 - 344، معرفة القراء: 364 - 365، الوافي بالوفيات (خ)
13 / 162، عيون التواريخ: 13 / 120، غاية النهاية: 1 / 316 - 317، النجوم الزاهرة:
5 / 187، نفح الطيب: 2 / 135، 153، 4 / 171، شذرات الذهب: 3 / 403 - 404.
168

أبي القاسم نجاح مولى صاحب الأندلس المؤيد بالله هشام بن الحكم،
المرواني الأندلسي، القرطبي، نزيل دانية وبلنسية (1).
ولد سنة ثلاث عشرة وأربع مئة، وصحب أبا عمرو الداني وأكثر عنه،
وتخرج به، وهو أنبل أصحابه وأثبتهم، وأخذ أيضا عن أبي عمر بن عبد
البر، وابن دلهاث، وأبي عبد الله بن سعدون، وأبي الوليد الباجي، وأبي
شاكر الخطيب، وعدة.
تلا عليه أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن غلام الفرس، وأبو علي
الصدفي، وأبو العباس بن عاصم الثقفي، وأحمد بن سحنون المرسي،
وإبراهيم بن أحمد البكري، وجعفر بن يحيى، ومحمد بن علي
النوالشي، وعبد الله بن فرج الزهيري، وأبو الحسن بن هذيل، وأبو داود
سليمان بن يحيى القرطبي، وخلق.
قال ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين وخيارهم، عالما بالروايات
وطرقها، حسن الضبط، ثقة دينا، له التصانيف في معاني القرآن، وكان
مليح الخط، أخبرنا عنه جماعة [من شيوخنا، ووصفوه بالفضل والعلم
والدين] مات في رمضان سنة ست وتسعين وأربع مئة، وتزاحموا على
نعشه (2) قرأت بخط تلميذ لأبي داود تسمية تواليفه، منها: " البيان في علوم

(1) وهو من الراحلين من الأندلس إلى المشرق، فقد ولد سنة 371، وابتدأ بطلب
العلم سنة 387، ورحل إلى المشرق سنة 397، فمكث بالقيروان أربعة أشهر، ودخل مصر
في شوالها، فمكث بها سنة، وحج ورجع إلى الأندلس في ذي القعدة سنة 399.. " نفح
الطيب ": 2 / 135.
(2) الصلة: 1 / 204، والزيادة منه، وقال الضبي في " بغية الملتمس ": ص:
304: وكتب بخط يده كتاب البخاري في عشرة أسفار، وكتاب مسلم في ستة، وقرأهما معا
على الباجي، وعلى أبي العباس العذري مرات، واحتفل في تقييدهما حتى صار كل واحد
منهما أصلا يقتدى به، رحلت إلى بلنسية في عام ستة وتسعين، وقابلت بهما كتابي،
وانتفعت بهما،.. وأخبرت أن أبا علي بن سكرة الحافظ قابل أصليه بالكتابين المذكورين،
وناهيك بهما صحة وتقييدا وضبطا. * السياق: الورقة / 57 أ - 57 ب، الأنساب: ورقة / 519 أ، 558 ظ،
المنتظم: 9 / 110، اللباب: 3 / 190، 306 - 307، العبر: 3 / 333، عيون
التواريخ: 13 / 90، مرآة الجنان: 3 / 555، طبقات السبكي: 5 / 96، طبقات
الأسنوي: 2 / 415، البداية والنهاية: 12 / 157، الجواهر المضية: 2 / 356، النجوم
الزاهرة: 5 / 164، الطبقات السنية: رقم 1133.
169

القرآن " في ثلاث مئة جزء، وكتاب " التبيين لهجاء التنزيل " ست
مجلدات، وكتاب " الاعتماد " أرجوزة عارض بها شيخه في أصول القرآن
والدين عشرة أجزاء، وهي ثمانية عشر ألف بيت ونيف، وكتاب " الصلاة
الوسطى " مجلد، وعدة تواليف جملتها ستة وعشرون مصنفا، وكان من
بحور العلم، ومن أئمة الأندلس في عصره.
قلت: قرأت بالروايات من طريقه عن أبي عمرو الداني.
93 - المراغي *
الشيخ الامام القدوة الفقيه العلامة، بقية المشايخ، أبو تراب عبد
الباقي بن يوسف بن علي بن صالح بن عبد الملك بن هارون المراغي،
النريزي (1)، الشافعي، نزيل نيسابور (2).
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وأبا طاهر بن عبد
الرحيم الأصبهاني، وعدة.
حدث عنه عمر بن علي الدامغاني، وأبو عثمان العصايدي، وزاهر
ابن طاهر، وابنه عبد الخالق بن زاهر، وآخرون.

(1) بفتح النون وكسر الراء: نسبة إلى نريز: قرية من أذربيجان.
(2) في اللباب: انتقل إلى نيسابور، وسكنها وولي الإمامة والتدريس بمسجد عقيل.
170

قال السمعاني: هو الإمام أبو تراب، عديم النظير في فنه، بهي
المنظر، سليم النفس، عامل بعلمه، حسن الخلق، نفاع للخلق، قوي
الحفظ، فقيه النفس، تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب.
قال أبو جعفر بن أبي علي الهمذاني: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد
البسطامي وغيره يقول: كنا عند الامام أبي تراب حين دخل عبد الصمد ومعه
المنشور بقضاء همذان، فقام أبو تراب، وصلى ركعتين، ثم أقبل علينا،
وقال: أنا في انتظار المنشور من الله على يد عبده ملك الموت، أنا بذلك أليق
من منشور القضاء، ثم قال: قعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب
أحب إلي من ملك العراقين، ومسألة في العلم يستفيدها مني طالب علم
أحب إلي من عمل الثقلين (1).
قال السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن أبي تراب المراغي،
فقال: مفتي نيسابور، أفتى سنين على مذهب الشافعي، وكان حسن
الهيئة، بهيا، عالما، قيل: عاش ثلاثا وتسعين سنة، مات في رابع عشر ذي
القعدة سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة. وقيل: بل مولده سنة إحدى وأربع مئة.
94 - ابن أبي ذر *
الشيخ العالم الصدوق أبو مكتوم عيسى بن الحافظ الكبير أبي ذر عبد

(1) وتمامه كما في البداية 12 / 157: والله لا أفلح قلب تعلق بالدنيا وأهلها، وإنما
العلم دليل، فمن لم يدله علمه على الزهد في الدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من
العلم، ولو علم ما علم، فإنما ذلك ظاهر من العلم، والعلم النافع وراء ذلك، والله لو
قطعت يدي ورجلي، وقلعت عيني أحب إلي من ولاية فيها انقطاع عن الله والدار الآخرة،
وما هو سبب فوز المتقين وسعادة المؤمنين. * العبر: 3 / 348، عيون التواريخ: 13 / 126، شذرات الذهب: 3 / 406.
171

ابن أحمد الأنصاري، الهروي، ثم السروي، تزوج والده في سراة بني
شبابة، وتحول إلى هناك من مكة مدة، فولد عيسى في سنة خمس عشرة
وأربع مئة.
وسمع من أبيه شيئا كثيرا، ومن محمد بن الحسين الصنعاني، وغير
واحد.
روى عنه أبو التوفيق مسعود بن سعيد، وأبو عبيد نعمة بن زيادة الله
الغفاري، وميمون بن ياسين المرابط، وابتاع منه " صحيح البخاري " أصل
أبيه، وعلي بن عمار المكي، وآخرون، والسلفي بالإجازة، وقال:
اجتمعت أنا وهو في الموقف سنة سبع لما حججت، وقلنا: نسمع منه
بالحرم، فتعجل في النفر الأول (1) إلى السراة.
قلت: وبعد سنة سبع وتسعين وأربع مئة انقطع خبره، وانتقل إلى
الله.
95 - ابن الجراح *
الامام الكبير المقرئ أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن
عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح، البغدادي، الكاتب.

(1) النفر في اللغة: التفرق، ويوم النفر الأول هو اليوم الثاني من أيام التشريق،
والنفر الآخر: اليوم الثالث، ولا حجر على الحاج في أن ينفر من منى إلى مكة في اليوم
الثاني بعد الزوال، أو يؤخر إلى اليوم الثالث، قال تعالى: * (فمن تعجل في يومين فلا إثم
عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) *، والسراة: الأرض الحاجزة بين تهامة واليمن. * المنتظم: 9 / 140 - 141، العبر: 3 / 348، معرفة القراء: ص: 370،
عيون التواريخ: 13 / 126، غاية النهاية: 1 / 548 - 549، شذرات الذهب: 3 / 406.
172

سأله ابن السمرقندي عن مولده، فقال: في رجب سنة تسع وأربع
مئة.
تلا على الحسن بن الصقر الكاتب، وابن بكير النجار، وأحمد بن
مسرور، ومسافر بن عباد.
وسمع من أبي القاسم بن بشران، ومحمد بن عمر بن بكير،
وطائفة، ونظم قصيدة في القراءات مشهورة، سماها " المسعدة " (1)، وأم
بالخليفة المقتدي، وبأبيه المستظهر، وكان شافعيا ثقة صدوقا عالما.
تلا عليه أمم، وختم عليه عدة، قرأ عليه سبط الخياط أبو محمد، وأبو
الكرم الشهرزوري، وسعد الله بن الدجاجي، وأبو طاهر السلفي.
وحدث عنه هؤلاء، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وعمر
المغازلي، وخطيب الموصل أبو الفضل، وأسعد بن بلدرك، وآخرون.
قال السلفي: سألت شجاعا الحافظ عنه، فقال: أحد القراء الحفاظ
المتقنين، من أهل الفضل والأدب، وله شعر جيد مدون.
وقال السلفي في " معجمه ": هو إمام في اللغة، وشعره ففي أعلى
درجة، وخطه فمن أحسن الخطوط، تلوت عليه بقراءة أبي عمرو التي قرأ بها
على ابن الصقر، والقول يتسع في فضائله (2).
قال شجاع: توفي في العشرين من ذي الحجة سنة سبع وتسعين
وأربع مئة.

(1) تحرفت في المنتظم إلى " المبعدة ".
(2) معرفة القراء: 370، وغاية النهاية: 1 / 549، وفيهما تتمة: وكان يصلي بأمير
المؤمنين المستظهر بالله التراويح.
173

96 - شيذله *
الامام الواعظ المحدث المذكر أبو المعالي عزيزي (1) بن عبد الملك
أبن منصور الجيلي، نزيل بغداد.
سمع بجيلان من أبي سعد إسماعيل بن علي التميمي، وشيخ
الاسلام الصابوني، قدما عليه حاجين، وبامل طبرستان الامام أبا حاتم
محمود بن الحسين القزويني، وببغداد ابن غيلان، وأبا محمد الخلال، وأبا
منصور بن السواق، وأبا الحسن العتيقي، وعلي بن أحمد الفالي، وعبيد
الله بن شاهين، والحافظ الصوري.
وعمل لنفسه معجما، وله تصانيف في الوعظ، وكان عارفا بمذهب
الشافعي، واعظا، فصيحا، ظريفا، مليح النوادر.
روى عنه: أبو الحسن بن الخل الفقيه، والحسين بن علي بن
سلمان، وشهدة الكتابة، وولي القضاء بباب الأزج.
قال السمعاني: سمعت علي بن طراد يقول: ضاع حمار لسوادي
بباب الأزج، فتطلبه، فقال له عزيزي: خذ المقود، وشده في رقبة من

* المنتظم: 9 / 126، الكامل في التاريخ: 10 / 326، وفيات الأعيان:
3 / 259 - 260، العبر: 3 / 339 - 340، عيون التواريخ: 13 / 104 - 105، مرآة
الجنان: 3 / 157، طبقات السبكي: 5 / 235، طبقات الأسنوي: 2 / 103، البداية
والنهاية: 12 / 160، شذرات الذهب: 3 / 401.
وقال ابن خلكان: وشيذله بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحتها،
وفتح الذال المعجمة واللام، وبعدها هاء ساكنة، وهو لقب عليه ولا أعرف معناه مع كثرة
كشفي عنه، وقد تصحف في البداية إلى سيدلة.
(1) في ابن خلكان: 3 / 260: وعزيزي، بفتح العين المهملة، وضبطه الفيروزآبادي
في القاموس: (شذل) بصيغة التصغير ضبط قلم.
174

أردت من أهل المحلة، فإنهم مثل ما تطلبه (1).
قال ابن سكرة: كان شيذله شيخ الوعاظ، وكان متزهدا متقللا، لم
يكن يدري ما الحديث، وكان شافعيا (2).
قلت: مات في صفر سنة أربع وتسعين، وأربع مئة.
97 - ابن جهير *
الوزير الكامل عميد الدولة أبو منصور محمد بن الوزير الكبير الملك،
فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، وزر في أيام والده، وخدم ثلاثة
خلفاء، وأوصى به القائم حفيده المقتدي، وأثنى عليه، ثم وزر سنة اثنتين
وسبعين، واستقل خمس سنين، وعزل بأبي شجاع، ثم عزل أبو شجاع سنة

(1) وفي " المنتظم " 9 / 126: وقال يوما بحضرة نقيب النقباء طراد: لو حلف أنه لا
يرى إنسانا، فرأى أهل باب الأزج، لم يحنث، فقال النقيب: أيها الثالب من عاشر قوما
أربعين يوما كان منهم.
(2) في طبقات السبكي: 5 / 237 نقلا عن شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري، قالت:
سمعت القاضي الامام عزيزي بن عبد الملك من لفظه سنة تسعين وأربع مئة يقول: اللهم يا
واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله، إلهي.. أذنبت في بعض
الأوقات، وآمنت بك في كل الأوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري
مؤمنا، إلهي لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها وأنا عبد، فكيف لا أرجو
أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت رب، فيا من أعطانا خير ما في خزائنه، وهو الايمان
به قبل السؤال، لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك، وهو العفو مع السؤال، إلهي حجتي
حاجتي، وعدتي فاقتي، فارحمني، إلهي، كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمنع
من الذنب من العطاء، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت، إلهي
أسألك تذللا فأعطني تفضلا. * المنتظم: 9 / 118 - 119، الكامل في التاريخ: 10 / 298 - 299، العبر:
3 / 337، الوافي بالوفيات: 1 / 122 - 124، النجوم الزاهرة: 5 / 165 - 166، معجم
الأنساب والأسرات الحاكمة: 9.
175

أربع وثمانين، واستوزر هذا (1)، فدام تسعة أعوام، ولكن كانت وزارة
الخلفاء هذا الزمان دون رتبة وزارة السلطان، فكان نظام الملك أعلى رتبة
منه.
وكان عميد الدولة خبيرا، سائسا، شجاعا، شهما، تياها،
فصيحا، أديبا، بليغا، يتقعر كابن عباد في خطابه، وله هيبة شديدة،
وألفاظه معدودة، مدحته الشعراء.
وفي الآخر حبسه المستظهر وصادره وزير السلطنة، ثم أخرج ميتا في شوال
سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة، وكان بكبره يضرب المثل، ولكنه في النكبة
ذل، وخارت نفسه، وأناب إلى الله، وآخر ما سمع منه الشهادة، سامحه الله.
وعاش تسعا وخمسين سنة.
روى عن أبي نصر الزينبي، وغيره، وله نظم جيد.
98 - أبو مطيع *
الشيخ المحدث المعمر، مسند وقته أبو مطيع محمد بن عبد الواحد
ابن عبد العزيز بن أحمد بن زكريا الضبي، المديني، الناسخ، المجلد

(1) وقد نظم فيه الشاعر أبو منصور المعروف بصردر القصيدة المشهورة وأولها:
قد رجع الحق إلى نصابه * وأنت من دون الورى أولى به
ما كنت إلا السيف سلته يد * ثم أعادته إلى قرابه
ومنها:
تيقنوا لما رأوها ضيعة * أن ليس للجو سوى عقابه
إن الهلال يرتجى طلوعه * بعد السرار ليلة احتجابه
والشمس لا يؤيس من طلوعها * وإن طواها الليل في جنابه * دول الاسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 348 - 349، الوافي بالوفيات: 4 / 67،
عيون التواريخ: 13 / 126، شذرات الذهب: 3 / 407.
176

الصحاف، الملقب بالمصري.
سمع من الحافظ أبي بكر بن مردويه، وأبي سعيد محمد بن علي
النقاش، وعبد الله بن محمد بن عقيل الباوردي، وأبي منصور معمر بن
زياد، والحسين بن إبراهيم الجمال، وأبي بكر بن أبي علي المعدل، وأبي
زرعة روح بن محمد، والفضل بن عبيد الله، وجماعة، تفرد بالرواية عن
كثير منهم، وأملى عدة مجالس.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، ومحمد بن معمر اللنباني،
وأبو حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي، ومحمد بن عبد الله بن علي
المقرئ، وعمر بن أبي سعد، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفتح عبد الله بن
أحمد الخرقي، وأبو العباس الترك، وعدة.
قال السمعاني: كان صالحا معمرا أديبا فاضلا، مات سنة سبع
وتسعين وأربع مئة.
قلت: مات وهو في عشر المئة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو حنيفة
القاضي، حدثنا أبو مطيع، حدثنا أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا أحمد بن
هشام بن حميد، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أخبرنا علي بن عاصم، أخبرنا
حصين، عن عامر، عن عروة البارقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخيل معقود
بنواصيها الخير "، قيل: وما ذاك؟ قال: " الاجر والمغنم إلى يوم القيامة ".
اتفقا عليه (1) من حديث حصين بن عبد الرحمن.

(1) أخرجه البخاري (2850) في الجهاد: باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى
يوم القيامة، و (3119) في فرض الخمس، ومسلم (1873)، (99) في الامارة. وأخرجه
البخاري (2852)، ومسلم (1873)، (98)، والترمذي (1694)، والنسائي:
6 / 222، والدارمي: 2 / 211، 212، وأحمد 4 / 375 و 376 من طرق عن عامر الشعبي
عن عروة. وأخرجه أحمد من طرق عن عروة.
وفي الباب من حديث أبي هريرة عند الترمذي (1636)، والنسائي: 6 / 215، وعن
عبد الله بن عمر عند البخاري (2849) و (3644) ومسلم (1871)، والموطأ 2 / 467،
وعن أنس عند البخاري (2851)، وعن جرير بن عبد الله عند مسلم (1872)، والنسائي:
6 / 221، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد: 3 / 39.
177

99 - الرميلي *
الامام الحافظ العالم الشهيد أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن
الحسين الرميلي المقدسي، أحد الجوالين.
قال السمعاني: كان كثير التعب والسهر والطلب، ثقة، متحريا،
ورعا، ضابطا، شرع في تاريخ لبيت المقدس (1)، سمع من محمد بن يحيى
ابن سلوان، وأبا عثمان بن ورقاء، وأبا القاسم الحنائي، وعبد الباقي بن
فارس، وعبد العزيز بن الحسن الضراب، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر
الخطيب، وخلقا كثيرا بالشام ومصر والعراق والجزيرة وآمد.
روى عنه: عمر الرواسي، ومحمد بن علي المهرجاني، وعمار بن
طاهر، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو الحسن بن المسلم السلمي،
وحمزة بن كروس، وغالب بن أحمد، وآخرون.

* الاكمال: 4 / 226، الأنساب: 6 / 166، 167، معجم البلدان: 3 / 73،
اللباب: 2 / 38، دول الاسلام: 2 / 22، العبر: 3 / 334، تذكرة الحفاظ: 4 / 1229،
عيون التواريخ: 13 / 91، طبقات السبكي: 5 / 332 - 333، طبقات الأسنوي:
1 / 583، النجوم الزاهرة: 5 / 164، طبقات الحفاظ: 449، الانس الجليل: 1 / 264،
شذرات الذهب: 3 / 398 - 399، هدية العارفين: 2 / 471.
(1) في طبقات السبكي: 5 / 332 شرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع فيه
شيئا، وحدث باليسير لأنه قتل قبل الشيخوخة.
178

ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وكان مفتيا على مذهب الشافعي،
وكانت الفتاوى تجيئه من البلاد، وكان عالما ثبتا، ابتلي بالاسر وقت أخذ
العدو بيت المقدس، وطلبوا في فدائه ذهبا كثيرا، فلم يفد، فقتلوه
بالحجارة عند البثرون (1)، رحمه الله، في ثاني عشر شوال سنة اثنتين
وتسعين وأربع مئة، وله سبعون سنة وأشهر.
وقتلوا بالمقدس نحوا من سبعين ألفا، ودام في أيديهم تسعين سنة (2).

(1) كذا الأصل، وفي تذكرة الحفاظ " بيروت " ويغلب على الظن أنه تصحيف، وجاء
في معجم ياقوت: بثرون بالتحريك والراء: حصن بين جبيل وأنفة على ساحل بحر الشام،
وفي تذكرة الحفاظ أيضا: فقتل صبرا بظاهر أنطاكية، وقال أبو الفضل محمد بن ناصر
الحافظ: فأقام ببيت المقدس يدرس الفقه على مذهب الشافعي ويروي الحديث إلى أن
غلبت الإفرنج على بيت المقدس، فحكى لي من رآه وهو يحمل عليهم حتى يخرجهم من
المسجد، وقتل منهم ثم قتل شهيدا في سنة تسعين وأربع مئة.
(2) وحين صح العزم من المسلمين على مناهضة أعدائهم، واسترداد ما سلب منهم،
اطرحوا الخلافات التي بينهم، ووحدوا كلمتهم، واتجهوا إلى الله بقلب سليم، واستنزلوا
النصر منه، وقاتلوا في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص بالقوى المتاحة لهم، حين فعلوا
ذلك كله، حقق الله لهم النصر على أعدائهم، ومنحهم أكتافهم، وتم فتح بيت المقدس
على أيديهم سنة 583 ه‍ بقيادة السلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي.
وقد كان لتسامح المجاهدين وعلى رأسهم صلاح الدين، وأخلاقهم الفاضلة عندما
فتحوا بين المقدس أثر كبير في نفوس أعدائهم، فقد امتدحهم مؤرخوهم، وأثنوا عليهم ثناء
طيبا، فها هو رنسمان يقول: الواقع أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة والانسانية،
فبينما كان الفرنج منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون دماء ضحاياهم، لم تتعرض الآن دار من
الدور للنهب، ولم يحل بأحد من الاشخاص مكروه، إذ صار رجال الشرطة بناء على أمر
صلاح الدين يطوفون الشوارع والأبواب، يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين.
ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح
والمقلب في صفحات التاريخ يلاحظ أن سنة الله في عباده المسلمين لا تتبدل ولا تتغير،
فهم حين يتناسون الخلاف فيما بينهم، وينضوون تحت راية الاسلام، ويرتضونه دينا يهيمن
على شؤون حياتهم، ويرخصون أنفسهم في سبيل الله، ويأخذون أنفسهم بسنن الله، فإنهم
يحققون انتصارات باهرة على أعدائهم، ويستخلفهم الله في الأرض، ويمكن لهم دينهم،
ويبدل خوفهم أمنا، وصدق الله العظيم: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون) *. * الكامل في التاريخ: 10 / 289 - 291.
179

100 - مجد الملك *
الوزير الكبير، أبو الفضل أسعد بن موسى البلاشاني.
وزر للسلطان بركيا روق، وكان فيه خير وعدل وديانة وقلة ظلم، وكان
كبير الشأن، عالي الرتبة، وصار يعتضد بالباطنية (1)، فقيل: رتب من قتل
الأمير برسق، فنفر منه الامراء، وقاموا عليه، وتنكروا لبركيا روق، وما زالوا
حتى غلب عنهم، وأسلمه إليهم، فقتلوه، وكان شيعيا (2) قد هيأ في كفنه
سعفة وتربة، وكان له مع بدعته تهجد وتعبد وصلات دارة على العلوية، قتل
في رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
101 - ابن خذام * *
الشيخ الامام المعمر الواعظ مسند بخارى أبو الحسن علي بن محمد
ابن حسين بن خذام الخذامي (3) البخاري.

(1) في كامل ابن الأثير: 10 / 289: إن الباطنية لما تولى منهم قتل الامراء الأكابر
من الدولة السلطانية، نسبوا ذلك إليه، وأنه هو الذي وضعهم على قتل من قتلوه.
(2) في " الكامل ": وكان يتشيع إلا أنه كان يذكر الصحابة ذكرا حسنا، ويلعن من
يسبهم.
(* *) الأنساب: 5 / 56 - 57، اللباب: 1 / 426، المشتبه: 146، الجواهر
المضية: 2 / 605، الطبقات السنية: 1505.
(3) كذا الأصل بالذال المعجمة، وفي " مشتبه " المؤلف 1 / 146: وبخاء معجمة
علي بن محمد الخذامي في أجداده خذام، قال ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه "
ورقة: 126: وجدت المصنف نقط الدال فوق بخطه في الموضعين، والصواب إهمالها،
وقبلها خاء معجمة مكسورة، وهكذا قيده الأمير، وابن السمعاني، وغيرهما، وكأن المصنف
تبع ابن نقطة، فإنه عطفه على الجذامي بالجيم والذال المعجمة، فقال: وأما الخذامي
بكسر الخاء المعجمة، والباقي مثله، وذكره.
180

ولد سنة نيف وأربع مئة.
وسمع من منصور الكاغدي، وحسين بن خضر النسفي القاضي،
وأحمد بن محمد بن القاسم الفارسي، وأحمد بن حسن المراجلي (1)،
وخلق.
روى عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسن بن علي
البرديجي (2)، وأبو رجاء محمد بن محمد، ومحمد بن محمد السنجي،
ومحمد بن علي الواعظ، وآخرون، وعاش تسعين عاما.
توفي سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، أو قريبا منها.
102 - ابن حيد *
الشيخ الجليل الأمين، أبو أحمد منصور بن بكر بن محمد بن علي بن
محمد بن حيد بن عبد الجبار النيسابوري التاجر، نزيل بغداد.
سمع من جده أبي بكر بن حيد صاحب الأصم، وببغداد من ابن
غيلان، وعبد العزيز الازجي، وعدة.
حدث عنه عمر بن ظفر، وأبو المعمر الأنصاري، وابن ناصر،

(1) نسبة إلى عمل المراجل جمع مرجل.
(2) نسبة إلى برديج: بليدة بأقصى أذربيجان بينها وبين برذعة أربعة عشر فرسخا. * لم نقف له على ترجمة في المصادر المتيسرة لنا.
181

والسلفي، وخطيب الموصل، وشهدة بنت الإبري (1)، وعدة.
مات في شوال سنة أربع وتسعين وأربع مئة، وقد شاخ وأسن.
103 - صاعد بن سيار *
ابن يحيى بن محمد بن إدريس، قاضي القضاة، جمال الاسلام، أبو
العلاء الكناني الهروي.
سمع أبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد الطرازي
صاحبي الأصم، وجده القاضي أبا نصر يحيى بن محمد، والقاضي أبا
العلاء صاعد بن محمد الحنفي، وأبا بشر الحسن بن أحمد المزكي،
وسعيد بن العباس القرشي، وطائفة، وانتخب عليه شيخ الاسلام أبو
إسماعيل (2).
وحدث عنه: محمد بن طاهر، وحفيده نصر بن سيار بن صاعد.
وكان صينا نزها، وقورا علامة، معظما في النفوس، صاحب سنة
وجماعة، عمر دهرا، وكان مولده في وسط سنة خمس وأربع مئة.
ومن الرواة عنه: حفيده شهاب بن سيار، وعلي بن سهل الشاشي،
وعبد المعز بن بشر، ومحمد بن الفضل الدهان، وعبد الواسع بن عطاء،
ومسرور بن عبد الله الحنفي.

(1) نسبة إلى جمع الإبر وعملها، وهي جمع إبرة. * العبر: 3 / 341، عيون التواريخ: 13 / 115، النجوم الزاهرة: 5 / 169،
شذرات الذهب: 3 / 402.
(2) عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي صاحب منازل السائرين المتوفى سنة
481 ه‍. تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260).
182

توفي في شهر رجب سنة أربع وتسعين وأربع مئة، وله تسعون سنة غير
أشهر.
104 - ابن أشته *
الشيخ الثقة المسند أبو عباس أحمد بن عبد الغفار بن أحمد بن علي
ابن أشته الأصبهاني الكاتب.
سمع الحافظ أبا سعيد محمد بن علي، وعلي بن ميلة الفرضي،
وابن عقيل الباوردي، والفضل بن شهريار، وعدة.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو سعد بن البغدادي،
وأبو طاهر السلفي.
مات في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وله اثنتان وثمانون
سنة.
وفيها مات أبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي (1)، ثم المصري ابن
الحطاب، والعابد أحمد بن سهل السراج بنيسابور، وأبو العباس أحمد بن
محمد بن بشرويه المحدث (2)، ومسند الوقت طراد الزينبي (3)، وسهل بن
بشر الأسفراييني محدث دمشق (4)، والحافظ الحسن بن أحمد بن محمد

* التقييد: الورقة 24 أ - 24 ب، العبر: 3 / 331، عيون التواريخ: 13 / 83،
مرآة الجنان: 3 / 154، شذرات الذهب: 3 / 396.
(1) سترد ترجمته برقم (111).
(2) مترجم برقم (135).
(3) تقدمت ترجمته برقم (24).
(4) تقدمت ترجمته برقم (88).
183

السمرقندي (1)، وعبد الرزاق بن حسان بن سعيد المنيعي، وأبو الفتح عبد
الواحد بن علوان الشيباني (2)، وأبو سعد محمد بن الحسين الحرمي (3)
المحدث، ومكي السلار (4)، وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري صاحب
الحفار (5).
105 - الكامخي *
الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الساوي (6) الكامخي،
محدث رحال فاضل.
سمع بنيسابور القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد محمد بن موسى
الصيرفي، وأبا بكر البرقاني، وهبة الله اللالكائي، وطائفة.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وسعيد بن سعد الله
الميهني، وأخواه هبة الله، وراضية، وأبو زرعة المقدسي، وآخرون.
حدث بمسند الشافعي من غير أصل (7).

(1) سترد ترجمته برقم (126).
(2) تقدمت ترجمته برقم (66).
(3) نسبة إلى حرم الله تعالى. إما لولادة به أو لسكناه، وسترد ترجمته برقم (123).
(4) تقدمت ترجمته برقم (40).
(5) تقدمت ترجمته برقم (29). * العبر: 3 / 342، ميزان الاعتدال: 3 / 467، عيون التواريخ: 13 / 115،
لسان الميزان: 5 / 63، شذرات الذهب: 3 / 403.
(6) الساوي: نسبة إلى ساوه، بلد بين الري وهمذان، والكامخي: نسبة إلى من
يصنع الكامخ: وهو شئ يؤتدم به أو المخللات المشهية، وقد تحرف في لسان الميزان إلى
الكاسجي.
(7) قال المؤلف في " الميزان ": قلت ترخص المتأخرون في هذا كثيرا.
184

قال ابن طاهر: سماعه فيما عداه صحيح (1).
قلت: حدث بحران غيبته في سنة خمس وتسعين وأربع مئة.
وفيها توفي مفتي أصبهان حسين بن محمد الطبري، ثم البغدادي،
الشافعي (2)، وصاحب مصر المستعلي أحمد بن المستنصر، وأبو طاهر
خالد بن عبد الواحد التاجر، ومعمر زمانه عبد الواحد بن عبد الرحمن
الوركي (3)، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الفقيرة ببغداد، وأبو ياسر محمد
ابن عبد العزيز الخياط، سمعا من أبي القاسم بن بشران، وشيخ الشافعية أبو
الحسن بن أبي عاصم العبادي المروزي مصنف كتاب " الرقم " في
المذهب، وله ثمانون سنة.
106 - ابن البسري *
الشيخ الصالح الثقة أبو عبد الله الحسين بن الشيخ أبي القاسم علي بن
أحمد بن محمد بن البسري البندار البغدادي، بقية المشيخة، وآخر من
حدث عن عبد الله بن يحيى السكري.
وسمع أيضا من أبي الحسن بن مخلد، وأبي علي بن شاذان، وأبي
بكر البرقاني، وطائفة.
حدث عنه أبو علي بن سكرة، وسعد الخير الأنصاري، وأبو طاهر

(1) وقال السمعاني فيما نقله عنه ابن حجر في اللسان: 5 / 63: هو محدث فهم
معروف بالطلب، رحل وسمع بنفسه وأكثر...
(2) سترد ترجمته برقم (128).
(3) تقدمت ترجمته برقم (59). * الأنساب: 2 / 211 - 212، اللباب: 1 / 152، العبر: 3 / 346 - 347،
عيون التاريخ: 13 / 125، شذرات الذهب: 3 / 405.
185

السلفي، وعبد الخالق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، وأبو الفتح بن شاتيل،
وآخرون، وكان من الصلحاء.
قال السلفي: لم يرو لنا عن السكري سواه.
قلت: ولد سنة تسع وأربع مئة أو نحوها، ومات في جمادى الآخرة
سنة سبع وتسعين وأربع مئة.
وفيها مات صاحب دمشق السلطان شمس الملوك، أبو نصر دقاق بن
الملك تاج الدولة تتش (1) بن السلطان الكبير ألب أرسلان السلجوقي،
وكانت دولته بعد أبيه عشر سنين، ودفن بخانقاه الطواويس.
وفيها مات أبو ياسر أحمد بن بندار البقال، وأبو بكر أحمد بن علي
الطريثيثي (2)، والقاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة
الثقفي الكوفي، والمحدث الزاهد أبو الفرج إسماعيل بن القدوة محمد بن
عثمان القومساني بهمذان، والواعظ الكبير الأمير أردشير العبادي، وكان
تالفا (3)، وطاهر بن أسد الشيرازي الطباخ، والمنشئ البليغ أبو سعد العلاء
ابن حسن بن الموصلايا (4)، وأبو الخطاب بن الجراح، وعيسى بن أبي ذر
الهروي (5)، وأبو مطيع المديني، ومحمد بن الفرج الفقيه الطلاعي (6)، وأبو
المطرف عبد الرحمن (7)، الشعبي بمالقة.

(1) سترد ترجمته برقم (129).
(2) تقدمت ترجمته برقم (87).
(3) في الأنساب: 8 / 337: أبو الحسين أردشير بن أبي منصور العبادي الملقب
بأمير، كان واعظا مليح الوعظ، حسن السيرة، ظهر له القبول التام ببغداد فيما بين العوام.
(4) سترد ترجمته برقم (120).
(5) تقدمت ترجمته برقم (94).
(6) سترد ترجمته برقم (121).
(7) سترد ترجمته برقم (140) وفيها عبد الرحيم.
186

107 - المتولي *
شيخ الشافعية أبو سعد [عبد الرحمن بن] (1) مأمون بن علي بن محمد
الأبيوردي المتولي، تفقه ببخارى وغيرها، وهو من أصحاب القاضي
حسين، وكان رأسا في الفقه والأصول، ذكيا، مناظرا، حسن الشكل،
كيسا متواضعا، تمم كتاب " الإبانة " للفوراني، فجاء في عشرة أسفار (2)،
و " الإبانة " سفران، وكان يلقب بشرف الأئمة.
مولده بأبيورد سنة سبع وعشرين وأربع مئة، ومات في شوال سنة
ثمان وسبعين (3) وأربع مئة، ورثي بقصائد، وقد درس بالنظامية بعد وفاة
الشيخ أبي إسحاق مدة يسيرة (4)، ثم صرف بابن الصباغ.
تفقه عليه جماعة.

* المنتظم: 9 / 18، الكامل في التاريخ: 10 / 146، وفيات الأعيان: 3 / 133 -
134، تاريخ الاسلام: 156، دول الاسلام: 2 / 8، العبر: 3 / 290، الوافي (خ):
16 / 61 - 62، مرآة الجنان: 3 / 122 - 123، طبقات السبكي: 5 / 106 - 108،
طبقات الأسنوي: 1 / 305 - 306، البداية والنهاية: 12 / 128، طبقات ابن قاضي
شهبة: 1 / 264، طبقات ابن هداية الله، كشف الظنون: 1 / 1251، شذرات الذهب:
3 / 358، إيضاح المكنون: 2 / 150.
(1) سقطت الزيادة من الأصل، ولا بد لها، فكل من ترجم له قد ذكرها.
(2) في طبقات ابن كثير: 1 / 85 / ب: وصنف التتمة ولم يكمله، وصل فيه إلى
القضاء وأكمله غير واحد، ولم يقع شئ من تكملتهم على نسبته، قال الأذرعي: ونسخ
التتمة تختلف كثيرا، وفي طبقات السبكي: 107: وله كتاب التتمة على إبانة شيخه
الفوراني، وصل فيه إلى الحدود ومات.
(3) في الأصل: وتسعين، وهو خطأ.
(4) في ابن خلكان: 3 / 133: لما جلس للتدريس أبو سعد بعد الشيخ أبي إسحاق
الشيرازي، أنكر عليه الفقهاء استناده موضعه، وأرادوا منه أن يستعمل الأدب في الجلوس
دونه، ففطن وقال لهم: اعلموا أنني لم أفرح في عمري إلا بشيئين: أحدهما أني جئت من
وراء النهر، ودخلت سرخس وعلي أثواب أخلاق لا تشبه ثياب أهل العلم، فحضرت مجلس
أبي الحارث بن أبي الفضل السرخسي، وجلست في أخريات أصحابه، فتكلموا في مسألة
فقلت واعترضت، ولما عادت نوبتي استدناني وقربني حتى جلست إلى جنبه، وقام بي،
وألحقني بأصحابه، فاستولى علي الفرح، والشئ الثاني حين أهلت للاستناد في موضع
شيخنا أبي إسحاق رحمه الله تعالى، فذلك أعظم النعم، وأوفى القسم. * تاريخ الحكماء: 365 - 366، المنتظم: 9 / 119، الكامل: 10 / 105،
302، عيون الانباء: 343، وفيات الأعيان: 6 / 267 - 268، المختصر: 2 / 223،
تاريخ مختصر الدول للعبري: 339، تتمة المختصر: 2 / 21، المستفاد: 259 - 260،
عيون التواريخ: 13 / 96 - 97، البداية والنهاية: 12 / 159، النجوم الزاهرة: 5 / 166،
إيضاح المكنون: 1 / 85.
187

108 - ابن جزله *
إمام الطب أبو علي يحيى بن عيسى بن جزله البغدادي، كان
نصرانيا، فأسلم في كهولته على يد قاضي القضاة الدامغاني (1)، ولازم أبا
علي بن الوليد في المنطق، وله " منهاج البيان " في الطب في الأدوية المفردة
والمركبة، وكتاب " تقويم الأبدان " مجدول، ورسالة في الرد على النصارى (2).
مات في شعبان سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة.
وكان ذكيا صاحب فنون ومناظرة واحتجاج، وكان يداوي الفقراء من
ماله.
109 - شرف الملك * *
الصاحب الأمجد أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي الكاتب

(1) في ابن خلكان: 6 / 267، أن سبب إسلامه أبو علي بن الوليد المعتزلي.
(2) قال ابن خلكان: مدح فيها الاسلام، وأقام الحجة على أنه الدين الحق، وذكر
فيها ما قرأه في التوراة والإنجيل من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي مبعوث، وأن اليهود والنصارى
أخفوا ذلك ولم يظهروه، ثم ذكر فيها معايب اليهود والنصارى، وهي رسالة حسنة أجاد فيها.
(* *) المنتظم: 9 / 128، الكامل في التاريخ: 10 / 54، 326، عيون التواريخ:
13 / 106، البداية والنهاية: 12 / 161، النجوم الزاهرة: 5 / 167.
188

المستوفي، كان صدرا معظما محتشما، كثير الأموال، وكان مستوفي ديوان
المملكة الملكشاهية، فيه خير وسؤدد، بنى مدارس ومساجد، وهو منشئ
المشهد على ضريح الامام أبي حنيفة، والقبة، والمدرسة، ثم إنه في
أواخر أمره، لزم داره مكرما محترما، كانت الملوك يصدرون عن رأيه، وفيه
يقول الصدر أبو جعفر البياضي لما بنى المشهد:
ألم ترا أن العلم كان مبددا * فصيره هذا المغيب في اللحد (1)
كذلك كانت هذه الأرض ميتة * فأنشرها فعل العميد أبي سعد
قال: فوصله بألف دينار، حكى ذلك أبو طالب الحسين بن محمد بن
علي الزينبي.
مات شرف الملك في المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
110 - الشيرجاني *
المحدث الرحال أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن
الفضل الكرماني الصوفي، تعب وكتب الكثير، وتغرب.
وسمع من أبي الحسين محمد بن مكي بدمشق، ومن سليم بصور،
ومن ابن طلحة، وعاصم بن حسن ببغداد، وكان ذا عبادة ونسك.

(1) في " وفيات الأعيان ": فجمعه هذا المغيب في اللحد. * المنتظم: 9 / 132، ميزان الاعتدال: 1 / 521، الوافي بالوفيات: 12 / 215،
لسان الميزان: 2 / 254.
والشيرجاني كالشيرجي: نسبة لمن يبيع الشيرج، وضبطه بكسر الشين السمعاني،
وتابعه عليه ابن الأثير، والسيوطي، وخالف صاحب المصباح المنير، فقال: هو بفتح الشين
مثال زينب وصيقل وعيطل، وهذا الباب باتفاق ملحق بباب " فعلل " نحو " جعفر "، ولا
يجوز كسر الشين، لأنه يصير من باب " درهم " وهو قليل، ومع قلته، فأمثلته محصورة،
وليس هذا منها.
189

روى عنه: أبو البركات إسماعيل بن أحمد الصوفي، والسلفي،
ولاح كذبه وتزويره.
قال شجاع: ضعيف.
وقال المؤتمن: ينبغي أن ينادى على قبره: هذا كذاب.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو خرب بيت ابن زهراء الطريثيثي.
وقال ابن ناصر: كان يكذب.
وقال السلفي: لم أكتب إلا من أصوله.
وقال السمعاني: كتب ما لا يدخل تحت الحصر ولا ينفع، وادعى
أشياء، وسمع لنفسه (1).
مات سنة خمس وتسعين وأربع مئة في شبعان، وله سبع وثمانون
سنة.
111 - ابن الحطاب *
الامام المحدث الفقيه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن
الحطاب، الرازي، الشافعي، نزيل مصر.

(1) في " لسان الميزان " عن ابن السمعاني: إلا أنه ادعى سماع ما لم يسمعه،
وأفسد سماع جماعة من الشيوخ، فحملهم على أن حدثوا بما لم يسمعوا، منهم أبو بكر
الطريثيثي، ورأيت أنا في عدة أجزاء من تصانيف الخطيب سماعه إما ملحقا وإما مصلحا،
وكان مع ذلك له ورع وصلاح وزهد وتنسك، وصحبة للمشايخ.
وقال ابن ناصر: كان ظاهره الصلاح، والخبر منكر، ولو قنع بما رزقه الله من السماع
كان أصلح، لان الرجل ينتفع بالقليل مع الصدق. * تذكرة الحفاظ 4 / 1228، وتصحف فيه إلى الخطاب بالخاء المعجمة، توضيح
المشتبه 1 / 209 / 1، التاج: حطب.
190

حج سنة أربع عشرة وأربع مئة، ودخل اليمن.
وسمع بمصر شعيب بن عبد الله بن المنهال وطبقته، ثم سمع ولده من
ابن حمصة، وابن الطفال، وعدة، سنة إحدى وأربعين وأربع مئة وقبلها
وبعدها، وسمع هو بدمشق من علي بن السمسار، وتلا على الحسين بن
عامر، وتلا بمكة بروايات على أبي عبد الله الكارزيني، وانتقل إلى
الإسكندرية في القحط الكائن في قرب سنة ستين وأربع مئة، وقرؤوا عليه
كثيرا، وكتب عنه الحافظ أبو زكريا البخاري، ومكي الرميلي، وغيث
الأرمنازي، وعبد المحسن الشيحي، وسمع عليه ابنه أبو عبد الله الشاهد
الكثير بالإسكندرية وبمصر.
قال السلفي: كان من الثقات، خيرا، كثير المعروف.
قال ابنه في " مشيخته ": حدثنا أبي، حدثنا محمد بن الحسن أنا (1)
عمر الصيرفي بانتخاب أبي نصر السجزي... فذكر حديثا. ثم قال ابنه: كان
أبي في سكرة الموت وهو يقول لي: ما لي حسرة إلا أني أموت، ولم يؤخذ
عني ما سمعته على الوجه الذي أردته.
مات سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
112 - اللواتي *
العلامة القاضي أبو محمد مروان بن عبد الملك اللواتي المغربي
الطنجي المالكي، إمام صاحب فنون وقراءات.
حج وتلا على أبي العباس بن نفيس وغيره.

(1) في الأصل: أن. * الغنية للقاضي عياض ص 258 - 260.
191

وسمع من أبي محمد بن الوليد، وكان خطيبا مفوها نحويا، ولي الفتيا
والخطابة بسبتة في دولة البرغواطي، وكان ذا هيبة وسطوة، درس
" المدونة "، وأكثر الناس عنه.
قال القاضي عياض: سمع عليه خالاي أبو عبد الله (1)، وأبو محمد ابنا
الجوزي، وعبود بن سعيد القاضي، وأبو إسحاق بن جعفر.
توفي سنة إحدى وتسعين.
وأخوه أبو الحسن مفتي طنجة علي بن عبد الملك.
ولأبي الحسن ولدان:
أحدهما: عبد الله قاضي غرناطة، ثم قاضي تلمسان.
والثاني: قاضي مكناسة، الفقيه عبد الرحمن والد قاضي تلمسان في
سنة ثلاثين وخمس مئة أبي (2) الحسن علي بن عبد الرحمن.
وكان لمروان بنون أئمة، منهم قاضي طنجة عبد الخالق، ثم عبد
الوهاب قاضي طنجة أيضا، وكان من قضاة العدل، والثالث العلامة ذو
الفنون عبد الرزاق قاضي جيان، والرابع القاضي عبد المنعم ولي قضاء
مكناسة، ثم المرية، ثم ولي قضاء إشبيلية، ثم استعفى، فنقل إلى
غرناطة. ذكرهم القاضي عياض، ولم يذكر وفياتهم.
113 - شمس الملك *
السلطان نصر بن إبراهيم صاحب ما وراء النهر.

(1) في المطبوع من الغنية: أبو بكر.
(2) في الأصل: أبو. * طبقات الأسنوي: 2 / 416.
192

قال السمعاني: كان من أفاضل الملوك علما ورأيا وسياسة وحزما،
درس الفقه، وكتب بخطه المليح مصحفا، وخطب على منبر بخارى، وعلى منبر
سمرقند، وتعجبوا من فصاحته، وأملى الحديث عن حمد بن محمد
الزبيري، وغيره، وكان يعرف النجارة، عمل بيده باب المقصورة.
روى عنه محمد بن نصر الخطيب.
توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
114 - السوذرجاني *
الشيخ المسند الصدوق، بقية المشيخة، أبو الفتح أحمد بن عبد الله
ابن أحمد السوذرجاني الأصبهاني، أخو الشيخ المسند الصادق أبي مسعود
محمد بن عبد الله.
سمعا معا من علي بن ميلة الفرضي، وأبي سعيد محمد بن علي
النقاش، وعلي بن عبدكويه، وأبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعمرا
دهرا، وتفردا.
وسمع منهما أبو طاهر السلفي، وهما من كبار شيوخه.
وروى عن أبي الفتح هذا إسماعيل بن غانم البيع، ومحمود بن
حمكا، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وعدة، وكان نحويا ماهرا
مشهورا، انتخب عليه الحفاظ، ومات في صفر سنة ست وتسعين وأربع.
مئة، وله نحو من تسعين عاما.

* معجم البلدان: 3 / 278.
أخوه محمد له ترجمة في: الأنساب: 7 / 185، اللباب: 2 / 153.
193

وتوفي أخوه محمد قبله بعامين في سنة أربع.
قال يحيى بن مندة: حدث عن ابن ماشاذه، والفضل بن عبيد الله بن
شهريار، وأبي سهل الصفار، وأكثر عن أبي نعيم، وكان محبا لأبي الحسن
الأشعري، يؤدب الصبيان.
ومات في سنة ست مقرئ العراق أبو طاهر بن سوار (1)، وأبو سعد
الحسين بن الحسين بن علي الهاشمي الفانيذي، وأبو بكر خازم بن محمد
القرطبي - وفيه ضعف - وأبو داود سليمان بن نجاح الأموي مولاهم
المقرئ، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن الدوش الشاطبي، وأبو
الحسين يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد البياز، وأبو البركات محمد بن المنذر
ابن طيبان، والمحدث أبو ياسر بن كادش، وأبو العلاء محمد بن عبد الجبار
الضبي الفرساني.
115 - الربعي *
الشيخ الفقيه العالم المسند أبو القاسم علي بن الحسين بن عبد الله
ابن عريبة الربعي، البغدادي، الشافعي.
قال: ولدت سنة أربع عشرة وأربع مئة.
سمع أبا الحسن بن مخلد البزاز، وأبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن
بشران، وتفقه على القاضي أبي الطيب، وأقضى القضاة الماوردي، وأخذ

(1) سترد ترجمته برقم: (139). * العبر: 4 / 5، المشتبه: 457، عيون التواريخ: 13 / 251، مرآة الزمان:
8 / 18، طبقات السبكي: 7 / 223 - 224، تبصير المنتبه: 945، النجوم الزاهرة:
5 / 119، شذرات الذهب: 4 / 4.
194

الكلام عن أبي علي بن الوليد المعتزلي، وغيره.
حدث عنه: أبو بكر السمعاني، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر
السلفي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو محمد بن الخشاب
النحوي، وشهدة بنت الإبري، وأبو الفتح بن شاتيل، وأبو السعادات
القزاز.
قال شجاع الذهلي: كان يذهب إلى الاعتزال.
وقال السمعاني: سمعت أبا المعمر الأنصاري - إن شاء الله - أو غيره
يذكر أنه رجع عن الاعتزال، وأشهد المؤتمن الساجي وغيره على نفسه
بالرجوع عن رأي المعتزلة، والله أعلم.
مات في الثالث والعشرين من رجب سنة اثنتين وخمس مئة.
قال ابن النجار: قرأ الأدب على أبي القاسم بن برهان، والمذهب
على القاضي أبي الطيب.
من شعره:
إن كنت نلت من الحياة وطيبها * مع حسن وجهك عفة وشبابا
فاحذر لنفسك أن ترى متمنيا * يوم القيامة أن تكون ترابا
وأمه هي عريبة، وقال للسلفي: مولدي سنة اثنتي عشرة.
116 - بركيا روق *
السلطان الكبير، ركن الدين، أبو المظفر بركيا روق بن السلطان

* المنتظم: 9 / 141 - 142 - 144، أخبار دولة آل سلجوق: 75، الكامل في
التاريخ: 10 / 380 - 381، وفيات الأعيان: 1 / 268 - 269، دول الاسلام: 2 / 27،
العبر: 3 / 349، 350، تتمة المختصر: 2 / 26 - 27، الوافي بالوفيات: 10 / 121 -
122، عيون التواريخ: 13 / 138 - 139، مرآة الزمان: 8 / 8 - 9، البداية والنهاية:
12 / 164 - 165، العبر لابن خلدون: 5 / 12، السلوك: 1 / 1 / 34، النجوم الزاهرة:
5 / 191، تاريخ الخلفاء: 425 - 426، شذرات الذهب: 3 / 407 - 408. * الأنساب: 2 / 314، طبقات فقهاء اليمن: 119، المنتظم: 9 / 133،
اللباب: 1 / 180، الكامل في التاريخ: 10 / 352، الوافي بالوفيات: 5 / 156، نكت
الهميان: 277، طبقات السبكي: 4 / 207، طبقات الأسنوي: 2 / 204، البداية
والنهاية: 12 / 162، العقد الثمين 2 / 381، طبقات ابن هداية الله ص 185، كشف الظنون:
2 / 1733، هدية العارفين: 2 / 78.
195

ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، ويلقب أيضا: بهاء الدولة.
تملك بعد أبيه، وناب عنه على خراسان، أخوه السلطان سنجر.
وكان بركياروق شابا شهما شجاعا لعابا، فيه كرم وحلم، وكان مدمنا
للخمر، تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته ثلاث عشرة
سنة في نكد وحروب بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها، هي مذكورة في
الحوادث.
مات ببروجرد في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وأربع مئة بعلة
السل والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطد ملكه، وعظم شأنه، ولما
احتضر، عهد بالامر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الامراء، فعقدوا له، وهو
ابن خمسة أعوام.
117 - البندنيجي *
العلامة المفتي أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت، الشافعي
الضرير، تلميذ أبي إسحاق الشيرازي.
درس في أيام شيخه، ثم جاور.
196

وحدث عن أبي إسحاق البرمكي.
روى عنه: أبو سعد البغدادي، وإسماعيل التيمي، وعبد الخالق
اليوسفي.
وكان متعبدا معتمرا، كثير التلاوة، وعاش ثمانيا وثمانين سنة (1)،
توفي سنة خمس وتسعين وأربع مئة.
118 - العجلي *
مفتي همذان وعالمها الإمام أبو منصور سعد بن علي بن حسن العجلي
الأسد اباذي، ثم الهمذاني الشافعي.
قال السمعاني: هو ثقة، مفت، مناظر، كثير العلم والعمل.
سمع أبا إسحاق البرمكي، وكريمة المروزية، وطائفة.
قلت: روى عنه ابنه أبو علي أحمد، وإسماعيل بن محمد التيمي،
وبالإجازة أبو طاهر السلفي.
قال السمعاني: مات في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
119 - ابن الأبرص * *
الشيخ الصالح المعمر أبو تراب عبد الخالق بن محمد بن خلف

(1) ومن شعره:
عدمتك نفسي ما تملي بطالتي * وقد مر أصحابي وأهل مودتي
أعاهد ربي ثم أنقض عهده * وأترك عزمي حين تعرض شهوتي
وزادي قليل ما أراه مبلغي * أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي * المنتظم: 9 / 125، الوافي بالوفيات: 15 / 181، طبقات السبكي: 4 / 383،
طبقات الأسنوي: 2 / 213 - 214.
(* *) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.
197

البغدادي ابن الأبرص المؤدب.
سمع هبة الله بن الحسن الحافظ، وأبا القاسم الحرفي.
روى عنه إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو
طاهر السلفي، وآخرون.
مات في شهر رمضان سنة أربع وتسعين أيضا.
120 - ابن الموصلايا *
المنشئ البليغ، ذو الترسل، الفائق، أمين الدولة، أبو سعد العلاء
ابن حسن بن وهب البغدادي.
كان نصرانيا، فأسلم على يد المقتدي، وله باع مديد في النظم
والنثر، عمر دهرا، وأضر، بعد أن كتب الانشاء نيفا وستين سنة، ولما أسلم
كان قد شاخ، وقد ناب في الوزارة غير مرة، وكان أفصح أهل زمانه، وفيه
مكارم وآداب وعقل (1).
مات فجأة، وكان كثير الصدقات، وقف أملاكه، أسلم لما ألزمت
الذمة بلبس الغيار (2).

* المنتظم: 9 / 141، الخريدة: 1 / 123، الكامل في التاريخ: 10 / 377 -
378، وفيات الأعيان: 3 / 480، تتمة المختصر: 2 / 26، عيون التواريخ: 13 / 122،
125، نكت الهميان: 201، مرآة الزمان: 8 / 8، البداية والنهاية: 12 / 164، النجوم
الزاهرة: 5 / 189.
(1) حكى في المنتظم 9 / 141، عن بعض أصحاب ابن الموصلايا قال: شتمت يوما
غلاما لي، فوبخني، وقال: أنت قادر على تأديب الغلام أو صرفه، فأما الخنا والقذف فإياك
والمعاودة له، فإن الطبع يسرق من الطبع، والصاحب يستدل به على المصحوب.
(2) قال المطرزي في " المغرب ": 2 / 119: الغيار: علامة أهل الذمة كالزنار
للمجوس.
198

توفي سنة سبع وتسعين وأربع مئة، وخلفه في كتابه الانشاء ابن أخته
العلامة أبو نصر.
121 - الطلاعي *
الشيخ الامام، العلامة القدوة، مفتي الأندلس ومحدثها، أبو عبد الله
محمد بن الفرج القرطبي المالكي، مولى محمد بن يحيى بن الطلاع (1).
ولد سنة أربع وأربع مئة.
قال ابن بشكوال: هو بقية الشيوخ الأكابر في وقته، وزعيم
المفتين بحضرته.
حدث عن يونس بن عبد الله القاضي، ومكي بن أبي طالب، وأبي
عبد الله بن عابد، وحاتم بن محمد، وأبي عمرو المرشاني، ومعاوية بن
محمد العقيلي، وأبي عمر بن القطان.
وكان فقيها، حافظا للفقه، حاذقا بالفتوى، مقدما في الشورى، وفي

* الصلة: 2 / 564 - 565، بغية الملتمس: 123، المغرب في حلى المغرب:
165، دول الاسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 349، الوافي بالوفيات: 4 / 318 - 319،
عيون التواريخ: 13 / 126، الديباج المذهب: 2 / 242 - 243، كشف الظنون: 137،
شذرات الذهب: 3 / 407، إيضاح المكنون: 2 / 270، هدية العارفين: 2 / 78، شجرة النور
الزكية: 123.
(1) في برنامج التجيبي ص 56: وقال سراج بن عبد الملك اللغوي الحافظ:
الصواب فيه ابن الطلاء بالهمز، لان أباه فرجا كان يطلي مع سيده اللجم بالربض الشرقي من
قرطبة بإزاء باب الجديد، ومن قال: ابن الطلاع بالعين فقد أخطأ، وقال أبو عبد الله بن
هشام النحوي اللغوي السبتي: هو ابن الطلاع بالعين المهملة، وقيل له ذلك لان أباه كان
يطلع نخل قرطبة، قلت (القائل التجيبي): وجدت عن بعض أهل الحديث أنه إنما قيل له
الطلاع لان والده كان يطلع الدهان مع سيده، فعلى هذا يكون الطلاع والطلاء معا بمعنى
واحد، والله تعالى أعلم.
199

علل الشروط، مشاركا في أشياء [من العلم حسنة]، مع دين، وخير،
وفضل، وطول صلاة، قوالا للحق وإن أوذي، لا تأخذه في الله لومة
لائم، معظما عند الخاصة والعامة، يعرفون له حقه، ولي الصلاة بقرطبة،
وكان مجودا لكتاب الله، أفتى وحدث وعمر، وصارت الرحلة إليه، ألف
كتابا في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم (1)، قرأته على أبي عنه (2).
وقال القاضي عياض: كان صالحا، قوالا للحق، شديدا على
المبتدعة، شوور عند موت ابن القطان إلى أن دخل المرابطون، فأسقطوه
من الفتيا لتعصبه عليهم.
سمع منه عالم كثير، ورحلوا إليه لسماع " الموطأ "، ولسماع
" المدونة " (3) لعلوه في ذلك، ول‍ " سنن النسائي " وكان أسند من بقي
صحيحا فاضلا، عنده بله (4) بأمر دنياه وغفلة، ويؤثر عنه في ذلك طرائف،
وكان شديدا على أهل البدع، مجانبا لمن يخوض في غير الحديث.
ونقل اليسع بن حزم عن أبيه قال: كنا مع ابن الطلاع في بستانه، فإذا
بالمعتمد بن عباد مجتاز من قصره، فرأى ابن الطلاع، فنزل عن مركوبه،
وسأل دعاءه، وتضرع، وتذمم، ونذر، وتبرع، فقال له الشيخ: يا

(1) وفي فهرست ابن خير ص 246: كتاب أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف الفقيه أبي
عبد الله محمد بن فرج، حدثني به الشيخ الفقيه أبو القاسم أحمد بن محمد بن بقي رحمه الله
قراءة مني عليه في منزله، قال: حدثني به أبو عبد الله محمد بن فرج مؤلفه رحمه الله قراءة
عليه.
(2) الصلة: 2 / 564، 565.
(3) انظر فهرست ابن خير ص: 241.
(4) أي: انه لانصرافه إلى العلم، وانشغاله بإصلاح نفسه، وبني جنسه، أغفل أمور
دنياه، فجهل حذق التصرف فيها، وهذا النوع من البله محمود، وحديث " أكثر أهل الجنة
البله " أخرجه البزار وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.
200

محمد، انتبه من غفلتك وسنتك (1).
قلت: روى عنه عدد كثير، منهم أبو جعفر البطروجي، ومحمد بن
عبد الخالق الخزرجي، ومحمد بن عبد الله بن خليل القيسي، نزيل مراكش
الذي بقي إلى سنة سبعين وخمس مئة، وعلي بن حنين، بينه، وبين مالك في
الموطأ أربعة أنفس، وبينه وبين النسائي في " سننه الكبير " (2) اثنان.
مات في رجب سنة سبع وتسعين وأربع مئة. أرخه ابن بشكوال،

(1) وكان الأذفونش طلب من المعتمد بن عباد أن يأذن لامرأته أن تدخل إلى جامع
قرطبة لتلد في مكان فيه في الجانب الغربي معظم عندهم، وأن ينزلها بالمدينة الزهراء غربي
قرطبة، وكان السفير بينهما يهوديا، فامتنع المعتمد بن عباد من ذلك، فراجعه فأباه وأيأسه
من ذلك، فراجعه اليهودي، وأغلظ له في القول، وواجهه بما لم يحتمله ابن عباد، فأخذ
ابن عباد محبرة كانت بين يديه، وضرب بها رأس اليهودي، فأنزل دماغه في حلقه، وأمر به
فصلب منكوسا بقرطبة، واستفتى لما سكن غضبه الفقهاء عن حكم ما فعله باليهودي، فبادره
المترجم محمد بن الفرج بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به
القتل، إذ ليس له ذلك، وقال الفقهاء: إنما بادرت بالفتوى خوفا أن يكسل المعتمد عما عزم
عليه من منابذة العدو، وعسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا.... وانظر تمام
الخبر في " نفح الطيب ": 4 / 358، 359...
(2) انظر برنامج الوادي آشي: ص 197، وفهرست ابن خير: ص: 110 وهو الذي
لم يطبع منه سوى جزء واحد بتحقيق عبد الصمد شرف الدين، ومنه نسخة خطية كاملة برواية
ابن الأحمر، وابن سيار الأندلسيين في مكتبة ملا مراد باستانبول، والمطبوع المتداول بين أهل
العلم هو المجتبى منه، وهو اختيار تلميذه أبي أحمد بن محمد بن السني، وأخطأ ابن الأثير
صاحب جامع الأصول، فزعم وهو يترجم للنسائي ان المجتبى من تأليف النسائي وانتقائه،
وأنه تحرى فيه الصحة استجابة لرغبة بعض الامراء، وقد تابعه على خطئه هذا غير واحد من
أهل العلم، فقالوا بصحة جميع الأحاديث التي في " المجتبى " من غير نظر في أسانيدها،
ولا بحث في عللها، ويغلب على الظن أنهم قلدوا ابن الأثير، ولم يخبروا الكتاب
بأنفسهم، فإن في المجتبى عددا غير قليل من الأحاديث قد حكم بضعفها النسائي نفسه وغيره
من الأئمة الذين هم القدوة في هذا الفن، والمعول عليهم فيه، كما أن في الأصل الذي ألفه
النسائي أحاديث كثيرة صحيحة، وردت في مواضيع متعددة لا وجود لها في مجتبى ابن
السني.
201

وقال: شهده جمع عظيم.
كتب إلي بالموطأ ابن هارون من تونس، أخبرنا ابن بقي، أخبرنا
محمد بن عبد الخالق، أخبرنا محمد بن الفرج، أخبرنا يونس بن
عبد الله، أخبرنا أبو عيسى، أخبرنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا
أبي، عن مالك (1).
122 - الحرمي *
الامام الحافظ القدوة أبو سعد محمد بن الحسين بن محمد المزكي
الحرمي، نزيل هراة.
سمع أبا نصر السجزي وطائفة بمكة، ومحمد بن الحسين الطفال،
وعلي بن حمصة، وعلي بن بقاء بمصر، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر
الخطيب ببغداد، وأقرانهم.
وكان زاهدا عابدا ربانيا.
قال أبو جعفر محمد بن أبي علي: كان أبو سعد الحرمي من
الأوتاد (2)، لم أر بعيني أحفظ منه.

(1) انظر برنامج التجيبي: ص 53، وبرنامج الوادي آشي: ص 187، وفهرست ابن
خير: ص 80. * الأنساب: 4 / 116، المنتظم: 9 / 107، وتحرف فيه الحرمي إلى المخرمي،
اللباب: 1 / 359، تذكرة الحفاظ: 4 / 1228، وتحرف فيه الحسين إلى الحسن، والمزكي
إلى المكي، العقد الثمين: 2 / 7 - 8، طبقات الحفاظ: 449، شذرات الذهب:
2 / 397.
(2) أي من حفاظ الحديث المتمكنين منه، العارفين به.
202

وقال الواعظ أبو حامد الخياط: إن كان لله بهراة أحد من الأولياء، فهو
هذا، وأشار إلى الحرمي.
مات بهراة في شعبان سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، والحسن بن علي قالا: أخبرنا أبو
الفضل الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا المؤتمن بن أحمد،
سمعت أبا سعد الحرمي الحافظ يقول: لا يصبر على الخل إلا دوده،
يعني: لا يصبر على الحديث إلا أهله.
123 - الطبري *
الامام، مفتي مكة ومحدثها، أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين
الطبري الشافعي.
ولد بآمل سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
وسمع في سنة تسع وثلاثين " صحيح مسلم " من أبي الحسين
الفارسي، ورواه مرات، وسمع من أبي حفص بن مسرور، وأبي عثمان
الصابوني، وناصر العمري، وتفقه عليه، وكريمة المروزية، وله أعقاب
بمكة.
حدث عنه إسماعيل التيمي، ورزين العبدي (1)، والقاضي أبو بكر بن

* العبر: 3 / 351، تبيين كذب المفتري: 287، عيون التواريخ: 13 / 135،
طبقات السبكي: 4 / 349 - 356، طبقات الأسنوي: 1 / 567 - 569، العقد الثمين:
4 / 200 - 202، طبقات ابن هداية الله: 186، كشف الظنون: 1 / 408، شذرات
الذهب: 3 / 408.
(1) في الأصل: العبدي.
203

العربي، ووجيه الشحامي، وأحمد بن محمد العباسي، وأبو طاهر
السلفي، وخلق.
وكان من كبار الشافعية، ويدعى بإمام الحرمين، تفقه به جماعة
بمكة (1).
توفي بمكة في شعبان سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
124 - ثابت بن بندار *
ابن إبراهيم بن بندار، الشيخ الامام، المقرئ المجود، المحدث
الثقة، بقية المشايخ، أبو المعالي الدينوري، ثم البغدادي البقال.
ولد سنة ست عشرة وأربع مئة، وطلب العلم في حداثته.
وسمع أبا القاسم الحرفي، وأبا بكر البرقاني، وأبا علي بن شاذان،
وعثمان بن دوست، وأبا علي بن دوما، وعدة، وتلا على ابن الصقر
الكاتب، وأبي العلاء الواسطي، وأبي ثعلب الملحمي، وغيرهم.
قرأ عليه أبو محمد سبط الخياط، وأبو الفضل أحمد بن شنيف،
وطائفة.

(1) وقال السمعاني: كان حسن الفتاوى، تفقه على ناصر الدين الحسين العمري
بخراسان، وعلى القاضي أبي الطيب ببغداد، ثم لازم الشيخ أبا إسحاق حتى صار من
عظماء أصحابه، ودرس بالنظامية.
وذكره القاضي عياض في المشيخة التي خرجها لابن سكرة، وقال: شافعي أشعري
جليل، لازم التدريس لمذهب الشافعي، والتسميع بمكة نحوا من ثلاثين سنة، وكان من
أهل العلم والعبادة. * المنتظم: 9 / 144، الكامل في التاريخ: 10 / 396، العبر: 3 / 351، الوافي
بالوفيات: 10 / 471 - 472، عيون التواريخ: 13 / 139، طبقات القراء: 1 / 188،
شذرات الذهب: 3 / 408.
204

وحدث عنه: ابنه يحيى بن ثابت - وسمع منه موطأ القعنبي -
وإسماعيل بن السمرقندي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر
السلفي، وأحمد بن المبارك المرقعاتي، وعمر بن بنيمان، وأخوه أحمد،
وشهدة الكاتبة، وخلق.
وقد حدث عنه بالإجازة الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي.
قال السمعاني: قرأت بخط أبي: ثابت ثابت.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو ثقة مأمون دين كيس خير.
وقال غيره: كان ثابت يعرف بابن الحمامي.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
قال ابن النجار: كان من أعيان القراء وثقات المحدثين، سمع الكثير
بنفسه، وكتب بخطه، وروى أكثر مسموعاته.
وقيل: كان جده إبراهيم حماميا بالدينور.
قلت: أول سماعه في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة.
125 - السمرقندي *
الامام الحافظ الرحال، أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن
قاسم بن جعفر السمرقندي، الكوخميثني.
ولد سنة تسع وأربع مئة.

* المنتخب: الورقة: 54 ب، تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، 1231، شذرات
الذهب: 3 / 394 - 395، الرسالة المستطرفة: 125.
205

وصحب جعفر بن محمد المستغفري الحافظ، وتخرج به، وأكثر عنه.
وسمع عبد الصمد العاصمي، وحمزة بن محمد الجعفري، وأبا
حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وأبا سعد الكنجروذي،
وأمثالهم، وأكبر شيخ له منصور الكاغدي، ولم يرحل إلى العراق، وقد
جمع وصنف.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، ووجيه الشحامي، وأبو
الأسعد بن القشيري، ومحمد بن جامع خياط الصوف، والجنيد
القايني (1)، وآخرون.
قال السمعاني: سألت عنه إسماعيل الحافظ، فقال: إمام حافظ،
سمع، وجمع وصنف.
وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب " القند ": هو الامام الحافظ،
قوام السنة أبو محمد، نزيل نيسابور، لم يكن في زمانه مثله في فنه في
الشرق والغرب، له كتاب " بحر الأسانيد في صحاح المسانيد "، جمع فيه
مئة ألف حديث، فرتب وهذب، لم يقع في الاسلام مثله، وهو ثمان مئة
جزء.
وقال عبد الغافر في " السياق ": أبو محمد عديم النظير في حفظه،
استوطن بنيسابور، وهو مكثر عن المستغفري، مات في ذي القعدة سنة
إحدى وتسعين وأربع مئة عن نيف وثمانين سنة.

(1) تصحف في الأصل إلى " الفايني " بالفاء، وقاين: بلدة قريبة من طبس بين نيسابور
وأصبهان كما تقدم في التعليق ص 159، وترجمة الجنيد سترد في الجزء العشرين برقم
(181).
206

126 - ابن مردويه *
الشيخ الامام المحدث العالم أبو بكر أحمد بن محمد بن الحافظ
الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى الأصبهاني.
ولد سنة تسع وأربع مئة، قاله يحيى بن مندة.
سمع أبا منصور محمد بن سليمان الوكيل، وأبا علي غلام محسن،
وعمر بن عبد الله بن الهيثم الواعظ، وأبا بكر بن أبي علي الذكواني،
والحسين بن إبراهيم الجمال، وعبد الله بن أحمد بن قولويه التاجر، وأحمد
ابن إبراهيم الثقفي الواعظ، وأبا نعيم الحافظ، وأبا الحسين بن فاذشاه،
والناس، ولم يرحل.
قال السلفي: كتبنا عنه كثيرا، وكان ثقة جليلا، سمعته يقول:
كتبوا عني في مجلس أبي نعيم الحافظ.
وروى عنه السلفي، وإسماعيل بن غانم، وجماعة، وحفيده علي بن
عبد الصمد بن أحمد.
وكان أبو بكر يفهم الحديث، رأيت له جزءا فيه طرق " طلب العلم
فريضة " (1) يدل على معرفته، ولم يدرك السماع من جده.
مات بسوذرجان من قرى أصبهان، سنة ثمان وتسعين وأربع مئة. وله

* العبر: 3 / 350، تذكرة الحفاظ: 4 / 1212، عيون التواريخ: 13 / 139،
طبقات الحفاظ: 445، 446، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) هو حديث حسن بطرقه وشواهده، فقد قال الحافظ المزي: روي هذا الحديث
من طرق تبلغ رتبة الحسن، قال السيوطي: وهو كما قال، فإني رأيت له خمسين طريقا،
وقد جمعتها في جزء. وانظر مصادر تخريجه في الجامع الصغير.
207

تسع وثمانون سنة، ومات حفيده المذكور سنة سبعين وخمس مئة، أو
بعدها، في عشر التسعين.
قرأنا على عيسى بن يحيى، أخبركم منصور بن سند، أخبرنا أبو طاهر
السلفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا عمر بن عبد الله
ابن عمر الواعظ، أخبرنا أبو أحمد العسال، حدثنا محمد بن عبد الله بن
رسته، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن المستلم بن
سعيد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ما من ولد بار ينظر إلى والده نظرة رحمة إلا كانت له بكل رحمة حجة
مبرورة "، قيل: وإن نظر إليه في كل يوم مئة رحمة (1)؟ قال: " نعم، إن الله أطيب
وأكثر " (2).
هذا منكر.
وفيها مات الحافظ أبو علي البرداني، والمحدث أبو بكر سبط ابن
مردويه، والسلطان بركيا روق بن ملكشاه (3)، وثابت بن بندار البقال (4)،
وفقيه الحرم الحسين بن علي الطبري (5)، والحافظ أبو علي الغساني، وأبو
الحسن علي بن خلف العبسي بقرطبة (6)، وفيد بن عبد الرحمن بن محمد

(1) في " الجامع الكبير " " مرة ".
(2) إسناده ضعيف جدا، ومحمد بن حميد هو ابن حيان التميمي الرازي، قال
البخاري: فيه نظر، وكذبه أبو زرعة، وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال
النسائي: ليس بثقة، وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب من ابن حميد ومن ابن
الشاذكوني، وشيخه زافر بن سليمان كثير الأوهام، وقد أورده السيوطي في " الجامع الكبير " 2 / 732
ونسبه للحاكم في تاريخه، وابن النجار.
(3) تقدمت ترجمته برقم (116).
(4) تقدمت ترجمته برقم (124).
(5) تقدمت ترجمته برقم (123).
(6) ترجمته في " الصلة ": 1 / 423.
208

الشعراني، ونصر الله بن أحمد الخشنامي (1)، والشريف محمد بن عبد
السلام.
127 - الحبال *
الشيخ الثقة أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي بن إسماعيل الكوفي
الحبال الخزاز - بمعجمات - ويعرف بخريبه.
ولد سنة عشر وأربع مئة.
وسمع من القاضي نجاح بن نذير المحاربي، وزيد بن أبي هاشم
العلوي، وأبي الطيب أحمد بن علي الجعفري، وليس هو بالمكثر، لكنه
اشتهر.
وحدث عنه أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو المعالي
الحلواني المروزي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وكثير بن
سماليق، وعبد الخالق اليوسفي، وابن ناصر، وأبو طاهر السلفي،
وآخرون.
قال السمعاني: شيخ ثقة، صحيح السماع، انتشرت عنه الرواية،
وعمر حتى روى كثيرا، وبورك له فيما سمع، سأله هزارسب عن مولده،
فقال: سنة عشر، وقال أبو بكر بن طرخان، والحسين بن خسرو: سألناه
عن مولده، فقال سنة ثلاث عشرة.

(1) تقدمت ترجمته برقم (91). * العبر: 3 / 354، عيون التواريخ: 13 / 154، النجوم الزاهرة: 5 / 193،
شذرات الذهب: 3 / 410.
209

قلت: حدث ببغداد، وبالكوفة، وبها مات في جمادى الآخرة سنة
تسع وتسعين وأربع مئة.
128 - الطبري (آخر)
* العلامة، مفتي الشافعية، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله
الطبري، الحاجي، البزازي.
قدم بغداد في الصبا، وسكنها، وتفقه على القاضي أبي الطيب،
وسمع منه، ومن الجوهري، ولزم الشيخ أبا إسحاق حتى أحكم المذهب
والأصول والخلاف، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، ودرس بالنظامية
سنة (483)، ثم قدم بعد أشهر عبد الوهاب بن محمد الفامي الشيرازي،
فتقرر أن أشرك بينهما في التدريس، فدرسا مديدة، ثم صرفا بتولية
الغزالي، فلما حج الغزالي سنة ثمان وثمانين، وذهب إلى الشام وطول
الغيبة، ولي الطبري تدريس النظامية في صفر سنة تسع، ثم فارق بغداد بعد
ثلاثة أعوام، وسار إلى أصبهان لودائع كانت عنده.
روى عنه هبة الله بن السقطي شيئا.
مات في شعبان سنة خمس وتسعين وأربع مئة بأصبهان، رحمه الله.
129 - دقاق * *
صاحب دمشق، شمس الملوك، أبو نصر دقاق بن السلطان تاج الدولة

* الكامل: 10 / 352.
(* *) الكامل: 10 / 375 - 377، دول الاسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 347، تتمة
المختصر: 2 / 26، عيون التواريخ: 13 / 122، مرآة الزمان: 8 / 7 - 8، البداية
والنهاية: 12 / 163 - 164، النجوم الزاهرة: 5 / 189، شذرات الذهب: 3 / 405،
معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 46، 340.
210

تتش بن السلطان ألب آرسلان السلجوقي التركي.
تملك بعد مقتل أبيه سنة سبع وثمانين وأربع مئة، فكان في حلب،
فطلبه خادم أبيه ونائب قلعة دمشق سرا من أخيه رضوان صاحب حلب، فبادر
دقاق وجاء، فتملك، ثم أشار عليه زوج أمه طغتكين الأتابك (1) بقتل خادمه
المذكور ساوتكين لتمكنه، فقتله، ثم أقبل رضوان أخوه محاصرا لدمشق،
فلم يقدر عليها، فترحل، ثم استقل دقاق، ثم عرض له مرض تطاول به إلى
أن مات في ثامن عشر رمضان سنة سبع وتسعين، فكانت دولته عشر سنين،
فقيل: إن أمه سمته، رتبت له جارية سمته في عنقود عنب نخسته بإبرة
مسمومة، ثم ندمت أمه، وتهرى جوفه، ودفن بخانقاه الطواويس (2).
وعمد الأتابك طغتكين، فأقام في اسم الملك طفلا لدقاق بعد أن
استحضر من سجن قلعة بعلبك أخا لدقاق اسمه أرتاش، وسلطنه، ثم بعد
ثلاثة أشهر تخيل أرتاش من الأتابك، وفر إلى بغدوين الفرنجي صاحب
القدس، فما أعانه، فتوجه إلى العراق على الرحبة، فجاءه الاجل، فعمد
الأتابك إلى الطفل المذكور، فنصبه مديدة، ثم تملك، وامتدت أيامه (3).

(1) الأتابك: لفظه تركية مركبة من أتا: وهو الأب، وبك: وهو الأمير، وأول من
لقب بذلك: هو نظام الملك وزير ملكشاه، حين فوض إليه هذا تدبير المملكة سنة
465 ه‍، وليس للأتابك وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي، وغايته رفعة المحل، وعلو
المقام، وكان الأتابك يكلف من قبل السلطان الحاكم بالوصاية على واحد أو أكثر من أبنائه
الذين لم يبلغوا سن الرشد، انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 365، وصبح الأعشى:
4 / 18.
(2) في " وفيات الأعيان ": 1 / 296: ودفن في مسجد بحكر الفهادين بظاهر دمشق
الذي على نهر بردى.
(3) انظر ابن خلكان: 1 / 296.
211

وكان قد وزر لدقاق أبو القاسم الحسن بن علي الخوارزمي، وقد كان
عمل مصافا بقرب حلب مع أخيه، فتفلل جمعه، ورد إلى دمشق.
130 - صاحب خراسان *
السلطان أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي.
لما مات أخوه السلطان ملكشاه، بادر هذا، واستولى على خراسان،
وتمكن، وكان ظالما شرس الأخلاق، كثير العقوبة لخاصكيته، فدخل عليه
غلام له، فأنكر عليه أرغون تأخره عن الخدمة، فاعتذر، فلم يقبل له عذرا،
وكان وحده، فشد الغلام عليه بسكين، فقتله في المحرم سنة تسعين وأربع
مئة.
وكانت دولته أربع سنين، فعلم بمقتله السلطان بركيا روق بن
ملكشاه، فسار إلى خراسان، واستولى عليها، وخطبوا له أيضا ببلاد ما وراء
النهر، واستناب على خراسان أخاه الملك سنجر الذي امتدت أيامه.
وكان أرسلان قد تملك بلخ ومرو وترمذ، وظلم وغشم، وخرب سور
نيسابور وغيرها من المدائن، ووزر له عماد الملك بن نظام الملك، ثم قبض
عليه، وأخذ منه ثلاث مئة ألف دينار، وذبحه.
131 - ابن السوادي * *
الامام المفتي أبو الحسين المبارك بن محمد بن السوادي الواسطي

* الكامل في التاريخ: 10 / 262، 264، العبر: 3 / 326 - 327، تتمة
المختصر: 2 / 18، عيون التواريخ: 13 / 57 - 58، البداية والنهاية: 12 / 154، النجوم
الزاهرة: 5 / 161، شذرات الذهب: 3 / 394.
(* *) طبقات السبكي: 5 / 311 - 312.
212

الشافعي، نزيل نيسابور، مدرس، مناظر، متصون.
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا عبد الله بن نظيف المصري.
وعنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وطاهر بن مهدي، وعمر بن أحمد
الصفار، وعبد الخالق الشحامي، وآخرون.
قال السمعاني: إمام عديم النظير، يتجمل، يتقنع بقليل تجارة،
تفقه بالقاضي أبي الطيب.
مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وله سبع وثمانون
سنة.
132 - ابن الطيوري *
الشيخ الامام، المحدث العالم المفيد، بقية النقلة المكثرين أبو
الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله
البغدادي الصيرفي ابن الطيوري.
ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
سمع أبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، ثم أبا الفرج
الطناجيري، وأبا محمد الخلال، وابن غيلان، وأبا الحسن العتيقي،
ومحمد بن علي الصوري، وعلي بن أحمد الفالي، وأبا طالب العشاري،

* الأنساب: 4 / 209، المنتظم: 9 / 154، التقييد: الورقة: 197 أ -
197 ب، الكامل: 10 / 439، دول الاسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 356، ميزان
الاعتدال: 3 / 431، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 223 - 226، عيون التواريخ:
13 / 194 - 195، لسان الميزان: 5 / 9 - 11، شذرات الذهب: 3 / 412، الرسالة
المستطرفة: 69.
213

وعددا كثيرا، وارتحل، فسمع بالبصرة أبا علي الشاموخي، وغيره، وجمع
وخرج، وسمع ما لا يوصف كثرة.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وابن ناصر، وعبد الخالق
اليوسفي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر بن السمعاني،
وأبو المعالي الحلواني المروزي، وأبو طاهر السلفي، وأبو بكر بن النقور،
وعبد الحق بن يوسف، وخطيب الموصل، وأبو السعادات القزاز، وأحمد
ابن علي العلوي النقيب، وبشر كثير.
قال أبو سعد السمعاني: كان محدثا مكثرا صالحا، أمينا صدوقا،
صحيح الأصول، صينا ورعا وقروا، حسن السمت، كثير الخير، كتب
الكثير، وسمع الناس بإفادته، ومتعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية،
وصار أعلى البغداديين سماعا، أكثر عنه والدي، وكان المؤتمن الساجي
يرميه بالكذب، ويصرح بذلك، وما رأيت أحدا من مشايخنا الثقات يوافق
المؤتمن، فإني سألت مثل عبد الوهاب وابن ناصر، فأثنوا عليه ثناءا حسنا،
وشهدوا له بالطلب، والصدق، والأمانة، وكثرة السماع، سمعت سلمان
الشحام يقول: قدم أبو الغنائم النرسي، فانقطعنا عن مجلس ابن الطيوري
أياما، فلما جئنا ابن الطيوري، قال: ما قطعكم عني؟ قلنا: قدم فلان كنا
نسمع منه، قال: فأيش أعلى ما عنده؟ قلنا: حديث البكائي، فقام الشيخ
أبو الحسين، وأخرج لنا شدة (1) من حديث البكائي، وقال: هذه سماعي
من أبي الفرج بن الطناجيري عنه. قال السمعاني: وأظنني سمعتها من ابن
ناصر.

(1) أي مجموعة من الصحف التي كتب بها حديث البكائي مشدودة بعضها إلى
بعض.
214

وقال أبو علي بن سكرة الصدفي: هو الشيخ الصالح الثقة أبو
الحسين، كان ثبتا فهما، عفيفا متقنا، صحب الحفاظ ودرب معهم،
سمعت أبا بكر بن الخاضبة يقول: شيخنا أبو الحسين ممن يستشفى
بحديثه.
وقال ابن ناصر في إملائه: حدثنا الثقة الثبت الصدوق أبو الحسين.
وقال السلفي: هو محدث مفيد ورع كبير، لم يشتغل قط بغير
الحديث، وحصل ما لم يحصله أحد من كتب التفاسير والقراءات واللغة،
والمسانيد والتواريخ والعلل والأدبيات والشعر، كلها مسموعة، رافق
الصوري، واستفاد منه، والنخشبي، وظاهرا (1) النيسابوري. كتب عنه
مسعود السجزي، والحميدي، وجعفر بن الحكاك، وأكثروا عنه.
وقال الأمير أبو نصر: هو صديقنا أبو الحسين يعرف بابن الحمامي -
مخفف - سمع خلقا، وهو من أهل الخير والعفاف والصلاح (2).
قال ابن سكرة: ذكر لي شيخنا أبو الحسين أن عنده نحو ألف جزء بخط
الدارقطني، أو أخبرت عنه بذلك، وأخبرني أن عنده أربعة وثمانين مصنفا
لابن أبي الدنيا.
انتقى السلفي عدة أجزاء من الفوائد والنوادر على ابن الطيوري (3)،

(1) بالظاء المعجمة ضبطه المؤلف في " المشتبه ": 2 / 416، وهو لقب له، واسمه
عبد الصمد.
(2) الاكمال: 3 / 287.
(3) في لسان الميزان: 5 / 10: وأكثر عنه السلفي، وانتقى عليه مئة جزء تعرف
بالطيوريات. قلت: ومنه نسخة في ظاهرية دمشق تحت رقم 320 حديث، في 286 ورقة،
مكتوبة بخط نسخي معتاد.
215

وكتب الحديث ابن إحدى عشرة سنة.
وقال أبو نصر اليونارتي: هو ثقة ثبت، كثير الأصول، يحب العلم
وأهله، وقد وصفوه بالمعرفة، وسعة الرواية، وكان دينا صالحا،
رحمه الله (1).
مات في نصف ذي القعدة سنة خمس مئة عن تسعين سنة.
133 - أبو الفتح الحداد *
الشيخ العالم المقرئ مسند الوقت أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد
ابن سعيد الأصبهاني، الحداد، التاجر، سبط الحافظ أبي عبد الله بن منده.
تفرد بإجازة إسماعيل بن ينال (2) المحبوبي صاحب ابن محبوب (3).
وسمع من أبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعلي بن عبدكويه،
وأحمد بن إبراهيم بن يزداد غلام محسن، وأبي سهل عمر بن أحمد
الفقيه، وأبي بكر محمد بن الحسين الدشتي، وأبي سعيد الحسن بن محمد

(1) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 154: وكان مكثرا، صالحا، أمينا،
صدوقا، متيقظا، صحيح الأصول، رصينا ورعا، حسن السمت، كثير الصلاة، سمع الكثير،
ونسخ بخطه، ومتعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية، حدثنا عنه أشياخنا، وكلهم
أثنوا عليه ثناء حسنا، وشهدوا له بالصدق والأمانة مثل عبد الوهاب، وابن ناصر، وغيرهما،
وذكر عن المؤتمن أنه كان يرميه بالكذب، وهو شئ ما وافقه فيه أحد. * المنتظم: 9 / 151، الكامل في التاريخ: 10 / 439، دول الاسلام: 2 / 29،
العبر: 3 / 355، معرفة القراء: 368 - 369، الوافي بالوفيات: 7 / 323، غاية النهاية:
1 / 101 - 102، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 410.
(2) في الأصل " بنان " وهو تحريف، والتصحيح من " مشتبه " المؤلف: 2 / 672.
(3) أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر المروزي المتوفى سنة
340 ه‍ راوية كتاب الجامع للترمدي. تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (315).
216

ابن حسنويه، وعبد الواحد بن أحمد الباطرقاني، وأبي الفرج محمد بن
عبد الله بن شهريار، وعدد كثير، وأجاز له أيضا أبو سعيد الصيرفي، وعلي بن
محمد الطرازي.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد
الخرقي، وعبد الوهاب الأنماطي، وصدقة بن محمد، وشاكر
الأسواري، وآخرون.
وقد قرأ القراءات على أبي عمر الخرقي (1)، وبمكة على أبي عبد الله
الكارزيني، فكان خاتمة أصحابه موتا.
تلا عليه السلفي لعاصم إلى الحواميم (2).
مولده في سنة ثمان وأربع مئة، ومات في ذي القعدة سنة خمس مئة.
134 - القزويني *
الشيخ الفقيه الخير أبو الفرج محمد بن المفتي أبي حاتم محمود بن
الحسن الأنصاري القزويني الآملي الذي أملى بالمدينة النبوية على السلفي.

(1) هو محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف الأصبهاني الخرقي، مترجم في " طبقات
القراء ": 2 / 77، وقد تصحف في " الوافي بالوفيات ": 7 / 323 إلى الحرفي.
(2) الحواميم: السور المفتتحة ب‍ (حم)، والجادة أن يقال: آل حاميم، وذوات
حاميم، قال الجوهري: ولا تقل: حواميم، فإنه من كلام العامة، وليس من كلام العرب،
وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير القياس، وأنشد: آل حاميم،
وبالحواميم التي قد سبعت
قال: والأولى أن تجمع بذوات حاميم. وقال أبو حاتم: قال العامة في جمع حم،
وطس: حواميم وطواسين، والصواب: ذوات حم، وذوات طس، وذوات ألم. * العبر: 4 / 2، عيون التواريخ: 13 / 233، مرآة الجنان: 3 / 171، طبقات
الأسنوي: 2 / 301، شذرات الذهب: 4 / 3.
217

سمع أباه، ومنصور بن إسحاق، وسهل بن ربيعة.
روى عنه: ابن ناصر، وشهدة، وابن الخل.
مات بآمل في أول سنة إحدى وخمس مئة.
وفيها مات إسماعيل بن عمرو البحيري المحدث (1)، وصاحب
إفريقية تميم بن المعز بن باديس، وأبو علي التككي (2)، وأبو محمد
الدوني (3)، وأبو سعد الأسدي، وصاحب الحلة سيف الدولة صدقة بن
منصور بن دبيس الأسدي (4) قتل.
135 - ابن بشرويه *
الامام الحافظ، المفيد الصدوق، أبو العباس أحمد بن محمد بن
عبد الله بن الحسن بن بشرويه الأصبهاني.
قال: ولدت سنة خمس عشرة وأربع مئة.
سمع أبا عبد الله بن حسنكويه، ومحمد بن علي بن مصعب التاجر،
والهيثم بن محمد الخراط، ومحمد بن علي بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ،
وأبا ذر الصالحاني، وإبراهيم بن محمد الجلاب، وخلقا كثيرا.
حدث عنه: هبة الله بن طاووس، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو
طاهر السلفي، وعدة.

(1) سترد ترجمته برقم (173).
(2) سترد ترجمته برقم (160).
(3) مترجم برقم (147).
(4) سترد ترجمته برقم (165). * تبصير المنتبه: 1 / 91، النجوم الزاهرة: 5 / 163، الاستدراك لابن نقطة
1 / 36 / 1.
218

قال السلفي: كان من أهل المعرفة بالفقه والحديث والفرائض،
كتبت بانتخابه كثيرا، وأكثرنا عنه لثقته ومعرفته.
قلت: مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
136 - البرداني *
الشيخ الامام الحافظ الثقة، مفيد بغداد، أبو علي أحمد بن محمد بن
أحمد بن محمد بن حسن البرداني (1)، ثم البغدادي.
ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة.
وسمع أبا طالب بن غيلان، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا طالب
العشاري (2)، وأبا الحسن بن القزويني الزاهد، وأبا محمد الجوهري،

* سؤالات السلفي لخميس الحوزي: 72، الأنساب: 2 / 136، المنتظم:
9 / 144، اللباب: 1 / 135، العبر: 3 / 350، تذكرة الحفاظ: 4 / 1232، المستفاد من
ذيل تاريخ بغداد: 67 - 68، الوافي بالوفيات: 7 / 322، عيون التواريخ: 13 / لوحة
139، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 94 - 95، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) ضبطها السمعاني وياقوت بفتح الباء كما في الأصل، وانفرد ابن الأثير في
" اللباب " فضبطها بضم الباء، وهي نسبة إلى بردان: قرية من قرى بغداد على سبعة فراسخ
منها قرب صريفين، وفيها يقول جحظة:
ادفع ورود الهم عنك بقهوة * مخزونة في حانة الخمار
جازت مدى الأعمار فهي كأنها * عند المذاق تزيد في الأعمار
يسعى بها خنث الجفون منعم * في خده ماء النضارة جار
في رقة البردان بين مزارع * محفوفة ببنفسج وبهار
بلد يشبه صيفه بخريفه * رطب الأصائل بارد الأسحار
(2) بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة، وهو لقب جد أبي طالب، لقب به
لأنه كان طويلا، من قولهم: ثوب عشاري: إذا كان طوله عشرة أذرع، وقد سمع المترجم
من العشاري وهو في الثامنة من عمره، فإنه ولد سنة 426، وسمع منه سنة 433 ه‍ وهو أول
سماعه كما في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 94 لابن رجب.
219

وعبد العزيز الازجي، والقاضي أبا يعلى، وعبد الصمد بن المأمون،
والخطيب، وعدة، ولم يرحل.
قال السمعاني: كان أحد المشهورين في صنعة الحديث، وكان
حنبليا، استملى للقاضي أبي يعلى (1)، حدثنا عنه إسماعيل الحافظ.
قلت: جمع مجلدا في المنامات النبوية، سمعنا منتقاه على الأمين
الصفار، عن الساوي، عن السلفي، عنه، وقد سأله السلفي عن تبيين
أحوال جماعة، فأجاب وأجاد.
قال السلفي: هو كان أحفظ وأعرف من شجاع الذهلي، وكان ثقة
نبيلا، له مصنفات (2).
قلت: وحدث عنه أيضا علي بن طراد الوزير، وأحمد بن المقرب.
وقرأت بخط أبي علي البرداني، أخبرنا عثمان بن دوست العلاف
إجازة سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وفيها مات، قال: أخبرنا أبو بكر
الشافعي، فذكر حديثا.
وأخبرنا محمد بن طارق، أخبرنا يوسف بن محمود، أخبرنا السلفي،
أخبرنا أبو علي، أخبرنا محمد بن عبد الملك، أخبرنا الحسين بن عمر،
أخبرنا حامد بن شعيب، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر،
أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، عن

(1) في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 95: قال أبو الحسين في " الطبقات ": سمع
درس الوالد سنين، وسمع منه الحديث الكثير، وكان أحد المستملين عليه بجامع المنصور.
(2) ونقل السلفي في سؤالاته: ص 72 عن خميس الحوزي الحافظ، قال: كان أبو
علي بن البرداني أحد الحفاظ الأئمة الذين يعلمون ما يقولون.
220

أبيه، عن أبن عباس قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في
مرضه الذي مات فيه، فقال: " اللهم هل بلغت " ثلاث مرات - " إنه لم يبق
من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة " وذكر باقي الحديث، وهو غريب
فرد (1)، أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة كلهم من حديث
إسماعيل بن جعفر (2)، وهو ثقة.
مات البرداني في شوال سنة ثمان وتسعين وأربع مئة، وأبوه شيخ
محدث.
وفيها مات السلطان ركن الدولة أبو المظفر بركيا روق (3) بن السلطان
ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي شابا له خمس وعشرون سنة، وبقي في

(1) الغريب الفرد: هو الذي انفرد به راو واحد، وإن تعددت الطرق إليه، وحكمه أنه
إذا كان الراوي ثقة ضابطا كان الحديث صحيحا، وإن كان متوسطا في الضبط والحفظ، كان
الحديث حسنا، وإن كان غير ضابط لما يرويه كان الحديث ضعيفا، والغالب على الحديث
الغريب الضعف، ومنه الصحيح كالافراد المخرجة في " الصحيحين " أو أحدهما مثل حديث
عمر " إنما الأعمال بالنيات "، وحديث أبي هريرة: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمان، خفيفتان
على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "، وحديث ابن
عمر " نهى عن بيع الولاء وهبته "، وحديث أبي هريرة: " الايمان بضع وسبعون شعبة ".
(2) هذا وهم من المصنف رحمه الله، فقد أخرجه من طرق إسماعيل بن جعفر،
مسلم (479) (208) في الصلاة: باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود،
والنسائي: 2 / 217، 218، في الافتتاح: باب الأمر في الاجتهاد بالدعاء في السجود،
وأما أبو داود وابن ماجة فلم يخرجاه من طريق إسماعيل بن جعفر، وإنما هو عندهما (876)
و (3899) من طريق سفيان بن عيينة، عن سليمان بن سحيم، وكذلك أخرجه مسلم (479)
(207)، والنسائي: 2 / 189، 190، وأحمد 1 / 219. ونص الحديث بتمامه عند
مسلم: " يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما
الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، فأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب
لكم ".
(3) تقدمت ترجمته برقم (117).
221

الملك اثنتي عشرة سنة، وجرت بينه وبين أخيه السلطان محمد حروب تشيب
الأطفال، مات ببروجرد.
وفيها مات صاحب ماردين، وجد ملوكها الملك سقمان بن أرتق
التركماني (1).
137 - الخياط *
الامام القدوة المقرئ، شيخ الاسلام أبو منصور محمد بن أحمد بن
علي بن عبد الرزاق البغدادي الخياط الزاهد.
ولد في سنة إحدى وأربع مئة، فلو سمع في صباه، لأدرك أصحاب
القاضي المحاملي، ولو تلا وهو حدث، للحق أبا الحسن بن الحمامي.
سمع أبا القاسم بن بشران، و عبد الغفار المؤدب، وأبا بكر محمد بن
عمر بن الأخضر، وأبا الحسن بن القزويني، وتلا على أبي نصر بن مسرور
وغيره.
جلس لتعليم كتاب الله دهرا، وتلا عليه أمم.
وروى عنه سبطاه: أبو محمد عبد الله، والحسين بن ناصر،

(1) وقد ألم به مرض الخوانيق الذي كان يعتريه دائما وهو ماض في طريقه لمحاربة
الفرنج في طرابلس، ومنعهم من الوصول إلى دمشق، فأشار عليه أصحابه أن يعود إلى
حصن كيفا فامتنع، وقال: بل أسير، فإن عوفيت تممت ما عزمت عليه، ولا يراني الله
تثاقلت عن قتال الكفار خوفا من الموت، وإن أدركني أجلي، كنت شهيدا سائرا في جهاد،
فساروا، فاعتقل لسانه يومين، ومات في صفر، وبقي ابنه إبراهيم في أصحابه، وجعل في
تابوت، وحمل إلى حصن كيفا، وسترد ترجمته برقم (144). * الكامل في التاريخ: 10 / 415، دول الاسلام: 2 / 28، العبر: 3 / 353،
معرفة القراء: ص: 370، 371، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 153 - 154، البداية:
12 / 166، طبقات القراء: 2 / 74 - 75، شذرات الذهب: 3 / 406 - 407.
222

والسلفي، وخطيب الموصل، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي (1)،
وسعد الله بن الدجاجي، وعدة.
قال السمعاني: صالح ثقة عابد ملقن، له ورد بين العشاءين
بسبع (2)، وكان صاحب كرامات.
وقال ابن ناصر: كانت له كرامات.
وقال آخر: كان إمام مسجد ابن جردة بالحريم (3)، لقن العميان دهرا
لله، وكان يسأل لهم، وينفق عليهم، بحيث إن ابن النجار نقل في
" تاريخه " أن أبا منصور الخياط بلغ عدد من أقرأهم من العميان سبعين ألفا،
ثم قال: هكذا رأيت بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ.
قلت: هذا مستحيل، والظاهر أنه أراد أن يكتب نفسا، فسبقه القلم،
فخط ألفا (4)، ومن لقن القرآن لسبعين ضريرا، فقد عمل خيرا كثيرا.
ونقل السلفي عن علي بن الأيسر العكبري قال: لم أر أكثر خلقا من
جنازة أبي منصور، رآها يهودي، فاهتال (5) لها وأسلم.
وقال أبو منصور بن خيرون: ما رأيت مثل يوم صلي على أبي منصور
من كثرة الخلق.

(1) نسبة إلى باجسرا: بليدة شرقي بغداد على عشرة فراسخ منها، قريبة من بعقوبا.
(2) أي أنه كان يقرأ بين العشائين سبعا كاملا من القرآن.
(3) أي بحريم دار الخلافة ببغداد.
(4) رد ابن الجزري في " الطبقات ": 2 / 74 نقد الذهبي لهذا الخبر بما ينهض
حجة فراجعه.
(5) من الهول، وهو المخافة من الامر لا يدري ما يهجم عليه منه، والجمع أهوال،
ويقال: هلته فاهتال: إذا أفزعته ففزع.
223

قال السمعاني: رؤي بعد موته، فقال: غفر الله لي بتعليمي الصبيان
الفاتحة. مات في المحرم سنة تسع وتسعين وأربع مئة.
وفيها مات أبو الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريدي بدمشق، وأبو
سعد علي بن عبد الله بن أبي صادق الحيري، وأبو الفوارس عمر بن المبارك
الحرفي المحتسب، وأبو نعيم محمد بن إبراهيم الواسطي ابن
الجماري (1)، وأبو البركات محمد بن عبد الله بن الوكيل المقرئ، وأبو
البقاء الحبال.
138 - مهارش *
ابن مجلي بن عكيث الأمير أبو الحارث، مجير الدين، من وجوه
العرب (2) بعانة والحديثة (3)، ذو بر وصدقات، وصلاة، وخير، أجار
القائم بأمر الله في فتنة البساسيري (4)، وآواه إليه سنة في ذمامه إلى أن عاد إلى

(1) ضبطه ابن نقطة بضم الجيم وتشديد الميم، وبعد الألف راء مكسورة، وفي
سؤالات السلفي لخميس الحوزي: ص 30، أنه حدث بمسند مسدد ووثقه. * المنتظم: 9 / 148، الكامل لابن الأثير: 10 / 416، وفيات الأعيان: 5 / 269
في ترجمة المقلد بن المسيب، و 1 / 193 في ذكر البساسيري، عيون التواريخ:
13 / 153، البداية: 12 / 166، النجوم الزاهرة: 5 / 193.
(2) من أمراء بني عقيل.
(3) عانة: على فراسخ من الأنبار، وهي مشرفة على الفرات، وبقربها الحديثة
وتعرف بحديثة الفرات، وحديثة النورة، وبها قلعة حصينة في وسط الفرات والماء يحيط بها.
(4) هو أرسلان بن عبد الله أبو الحارث البساسيري - نسبة إلى بلد بسا وهي بالعربية فسا
وأهل فارس ينسبون إليها هكذا - تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (70)
وهو مقدم الأتراك ببغداد، ويقال: إنه كان مملوك بهاء الدولة بن عضد
الدولة بن بويه، وكان الخليفة القائم بأمر الله قد قدمه على جميع الأتراك، وقلده
الأمور بأسرها، وخطب له على منابر العراق وخوزستان، فعظم أمره، وهابته الملوك،
ثم طغى وبغى وعتا وخرج على الإمام القائم سنة 450 ه‍، وخطب للمستنصر العبيدي
صاحب مصر، فراح القائم إلى الأمير مهارش بن المجلي العقيلي صاحب الحديثة وعانة،
فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة، حتى جاء طغرلبك السلجوقي، وقاتل
البساسيري وقتله، وعاد القائم بعد ذلك إلى بغداد وكان دخوله إليها في مثل اليوم الذي خرج
منها وبينهما سنة كاملة، وكانت قتلة البساسيري يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة سنة
إحدى وخمسين وأربع مئة، وطيف برأسه في بغداد، وصلب قبالة باب النوبي.
انظر " المنتظم " 8 / 190 وما بعدها، ووفيات الأعيان: 1 / 192، 193، والعبر:
3 / 225، والكامل في التاريخ: 9 / 640 - 650، والشذرات: 3 / 287، والوافي
بالوفيات: 8 / 340، والبداية: 12 / 76 - 84.
224

مقر عزه، فكان يخدم الخليفة بنفسه.
وله، وكتب بها إلى القائم:
لولا الخليفة ذو الافضال والمنن * نجل الخلائف آل الفرض والسنن
ما بعت قومي وهم خير الأنام وقد * أصبحت أعرف بغدادا وتعرفني
ما يستحق سواي مثل منزلتي * ما دام عدلك هذا اليوم ينصفني
وهي طويلة (1). مات سنة تسع وتسعين وأربع مئة.
139 - ابن سوار *
الامام، مقرئ العصر، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر
ابن سوار (2) البغدادي، المقرئ، الضرير، أحد الحذاق.
ولد سنة اثنتي عشرة وأربع مئة، وقرأ بالروايات على عتبة بن عبد

(1) انظر عيون التواريخ: 13 / 77 / 1.
* المنتظم: 9 / 135، معجم الأدباء: 4 / 46 - 48، دول الاسلام: 2 / 26،
العبر: 3 / 343، معرفة القراء: 1 / 362 - 363، الوافي بالوفيات: 7 / 204 - 205،
عيون التواريخ: 13 / لوحة: 119 - 120، البداية: 12 / 163، طبقات القراء: 1 / 86،
النجوم الزاهرة: 5 / 187، شذرات الذهب: 3 / 403، تاج العروس: 3 / 284.
(2) سوار بكسر السين والتخفيف كما في الأصل، مشتبه المؤلف: 1 / 376، وضبط
في معجم الأدباء: 4 / 46 خطأ بفتح السين وتشديد الواو.
225

الملك العثماني، وأبي منصور أحمد بن محمد بن إسحاق صاحب أبي
حفص الكتاني، وعبد الله بن مكي السواق، وأبي الفتح بن شيطا، وأبي
نصر أحمد بن مسرور، وأبي علي الشرمقاني، والحسن بن علي العطار،
وعلي بن محمد الخياط، وحسن بن غالب الحربي، وفرج بن عمر
الواسطي.
وسمع من محمد بن عبد الواحد بن رزمة، ومحمد بن الحسين
الحراني، ومحمد بن محمد بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وآخرين.
قرأ عليه بالسبع وغيرها أبو علي بن سكرة، ومحمد بن الخضر
المحولي، وذكوان بن علي، وأبو الكرم الشهرزوري، وأبو محمد سبط
الخياط.
وحدث عنه: ابن ناصر، وأبو طاهر السلفي، وعبد الوهاب
الأنماطي، وأحمد بن المقرب.
قال ابن سكرة: حنفي ثقة خير، حبس نفسه على الأقراء
والتحديث (1).
وقال ابن ناصر: ثقة، نبيل، متقن، ثبت.
وقال أبو سعد السمعاني: كان ثقة أمينا مقرئا، حسن الاخذ، ختم
عليه جماعة كتاب الله، وكتب بخطه الكثير من الحديث.
وقال السلفي: سمعت منه معظم كتاب " المستنير " (2) له،

(1) وسمع منه كتابه " المستنير ".
(2) في القراءات العشر، وانظر إسناد ابن الجزري في رواية هذا الكتاب عن المؤلف
في النشر 1 / 82.
226

وله فوت من آخره (1).
قلت: توفي ابن سوار في شعبان سنة ست وتسعين وأربع مئة ببغداد،
وأول ما تلا كان في سنة ثلاثين وأربع مئة.
140 - الشعبي *
شيخ المالكية، أبو المطرف عبد الرحيم بن قاسم الشعبي المالقي،
مفتي بلده.
سمع من قاسم المأموني بالمرية، وأبي الحسن بن عيسى المالقي،
وله إجازة من يونس بن عبد الله بن شعيث، وطائفة.
روى عنه أبو عبد الله بن سليمان وغيره.
ولي قضاء بلده، ثم سجنه أميرها تميم لأمر بلغه، فلما استولى ابن
تاشفين، دعاه للقضاء فأبى، وأشار بأبي مروان بن حسون، فكان أبو مروان
لا يبرم أمرا دونه، وعمر دهرا، وبعد صيته.
مات في رجب سنة سبع وتسعين وأربع مئة، وله خمس وتسعون
سنة.
مات هو وابن الطلاع (2) في جمعة.

(1) وذكره أبو بكر بن العربي في شيوخه، فقال: واقف على اللغة، مذاكر، ثقة،
فاضل. * لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.
(2) انظر عيون التواريخ: 13 / لوحة 126، والعبر: 3 / 349، وشذرات الذهب:
3 / 407.
227

141 - السراج *
الشيخ الامام، البارع المحدث المسند، بقية المشايخ، أبو محمد
جعفر بن أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي، السراج، القارئ،
الأديب.
قال: ولدت في آخر سنة سبع عشرة، أو في أول التي تليها.
سمع أبا علي بن شاذان، ثم سمع بنفسه من أحمد بن علي التوزي،
ومحمد بن إسماعيل بن سنبك، وأبي محمد الخلال، وعبيد الله بن عمر بن
شاهين، وأبي محمد الحسين بن المقتدر، وأبي طالب الغيلاني، وأبي
الحسن بن القزويني، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي القاسم التنوخي، وأبي
الفتح بن شيطا، وعدة ببغداد.
وسمع من الحافظ أبي نصر السجزي مسلسل الأولية (1) بمكة، ومن

* المنتظم: 9 / 151 - 152، معجم الأدباء: 7 / 153 - 162، الكامل في
التاريخ: 10 / 439، وفيات الأعيان: 1 / 357 - 358، دول الاسلام: 2 / 29، العبر:
3 / 355، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 93 - 95، الوافي بالوفيات: 11 / 92، 93،
عيون التواريخ: 13 / لوحة: 166 - 169، مرآة الزمان: 8 / 13، مرآة الجنان:
3 / 162، طبقات الأسنوي: 2 / 45 - 46، البداية: 12 / 168، ذيل طبقات الحنابلة:
1 / 100 - 103، النجوم الزاهرة: 5 / 194، بغية الوعاة: 1 / 485، كشف الظنون:
492، 957، شذرات الذهب: 3 / 411 - 412، بروكلمان: 1 / 594.
(1) وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الراحمون
يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " فهذا الحديث رواه
العلماء والحفاظ بالاسناد المتصل إلى سفيان بن عيينة، وكل شيخ في الاسناد يرويه عن
من سبقه، ويقول: هو أول حديث سمعته منه، ثم بعد سفيان بن عيينة تقف سلسلة الأولية،
فيرويه سفيان بدونها، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو، قال
الحافظ في " شرح النخبة ": ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم. وهو حديث صحيح
تقدم تخريجه.
228

محمد بن إبراهيم الأردستاني، وبمصر من الشيخ عبد العزيز بن الحسن
الضراب، وطائفة، وبدمشق من أبي القاسم الحنائي، والخطيب، وخرج
له شيخه الخطيب خمسة أجزاء مشهورة سمعناها.
حدث عنه: ابنه ثعلب، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الوهاب
الأنماطي، ومحمد بن ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي،
وسلمان الشحام، وأبو الحسن بن الخل، وعبد الحق اليوسفي، وأبو
الفضل خطيب الموصل، وشهدة بنت الإبري (1)، وخلق كثير.
كتب بخطه الكثير، وصنف كتاب " مصارع العشاق " (2)، وكتاب
" حكم الصبيان "، وكتاب " مناقب الحبش "، ونظم الكثير في الفقه، وفي
المواعظ واللغة، وشعره حلو عذب في فنون القريض، انتخب السلفي عليه
من أصوله ثلاثين جزءا. حدث ببغداد، ومصر، ودمشق، وسمع منه شيخه
أبو إسحاق الحبال.
قال شجاع الذهلي: كان صدوقا، ألف في فنون شتى.
وقال أبو علي الصدفي: هو شيخ فاضل، جميل وسيم، مشهور
يفهم، عنده لغة وقراءات، وكان الغالب عليه الشعر، نظم كتاب " التنبيه "
لأبي إسحاق (3)، ونظم منسكا.

(1) وهي آخر من حدث عنه، قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 151: وآخر من
حدث عنه شهدة بنت الإبري، قرأت عليها كتابه المسمى بمصارع العشاق بحق سماعها
منه.
(2) وجعله أجزاء، وكتب على كل جزء أبياتا من نظمه، فكان على الجزء الأول:
هذا كتاب مصارع العشاق * صرعتهم أيدي نوى وفراق
تصنيف من لذع الفراق فؤاده * وتطلب الراقي فعز الراقي
(3) هو إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 472 ه‍، تقدمت ترجمته في الثامن عشر
رقم (237)، والتنبيه في فروع الفقه الشافعي، ولعلي بن عبد الرحمن بن داود بن الجراح فيه:
سقيا لمن ألف التنبيه مختصرا * ألفاظه الغر واستقصى معانيه
إن الامام أبا إسحاق صنفه * لله والدين لا للكبر والتيه
رأى علوما عن الافهام شاردة * فحازها ابن علي كلها فيه
229

وقال أبو بكر بن العربي: ثقة عالم مقرئ، له أدب ظاهر،
واختصاص بأبي بكر الخطيب.
وقال السلفي: كان ممن يفتخر برؤيته ورواياته لديانته ودرايته، له
تواليف مفيدة، وفي شيوخه كثرة، أعلاهم ابن شاذان.
وقال حماد الحراني: سئل السلفي عن السراج، فقال: كان عالما
بالقراءات، والنحو، واللغة، ثقة ثبتا، كثير التصنيف (1).
وقال ابن ناصر: كان ثقة مأمونا، عالما فهما صالحا، نظم كتبا
كثيرة، منها كتاب " المبتدأ " لوهب بن منبه، وكان قديما يستملي على
الخلال والقزويني، مات في صفر سنة خمس مئة.
قال السلفي: أنشدنا السراج لنفسه:
لله در عصابة * يسعون في طلب الفوائد
يدعون أصحاب الحديث * بهم تجملت المشاهد (2)
طورا تراهم بالصعيد * وتارة في ثغر آمد

(1) وقال ابن النجار فيما نقله ابن رجب في " الذيل ": 1 / 102: كتب بخطه
الكثير، وكانت له معرفة بالحديث والأدب، وحدث بالكثير على استقامة وسداد ببغداد والشام
ومصر، وسمع منه الأئمة الكبار والحفاظ، وكان متدينا حسن الطريقة مع ظرفه ولطف
أخلاقه.
(2) تحرفت " تجملت " في " ذيل الطبقات ": 1 / 103 إلى " تجلت ".
230

يتبعون من العلو * م بكل أرض كل شارد
وهم النجوم المقتدى * بهم إلى سبل المقاصد (1)
142 - جياش *
هو صاحب اليمن وأبو أصحابه الملك أبو فاتك جياش بن نجاح
الحبشي، مولى حسين بن سلامة النوبي مولى آل زياد ملوك اليمن.
كان أبوه قد استولى على اليمن، وأباد أضداده، وتمكن إلى أن ظهر
الصليحي (2) وتملك ومكر بنجاح، فسمه، فهرب أولاده، ولحقوا
بالحبشة، ورأسهم سعيد بن نجاح الأحول، وتكلم الكهان بأن هذا الأحول
يقتل الصليحي، وصورت للصليحي صورة الأحول على جميع أحواله،
واستشعر منه، فترقت همته، وجاء من الحبشة في خمسة آلاف حربة،

ومن شعره وهو في مصارع العشاق: 1 / 103:
بان الخليط فأدمعي * وجدا عليهم تستهل
وحدا بهم حادي الفرا * ق عن المنازل فاستقلوا
قل للذين ترحلوا * عن ناظري والقلب حلوا
ودمي بلا جرم أتيت * غداة بينهم استحلوا
ما ضرهم لو أنهلوا * من ماء وصلهم وعلوا * تاريخ اليمن لعمارة: 295، طبقات فقهاء اليمن: 104، خريدة القصر:
3 / 223، المشتبه: 140، الوافي بالوفيات: 11 / 228، كشف الظنون: 1777، بلوغ
المرام: 16 - 17، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 181.
(2) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي، رأس الدولة الصليحية، وأحد
من ملكوا اليمن عنوة، صحب عامر بن عبد الله الرواحي أحد دعاة العبيديين، فمال إلى
مذهبهم، ويقول المقريزي: إنه صار إماما فيه، وجعل يحج دليلا بالناس، ويتألف منهم من
يتوسم فيه الاقبال عليه حتى كان له ستون نصيرا من مختلف القبائل، حالفوه بمكة في سنة
429، وتكاثر جمعه، فلم تكن سنة 455 ه‍ حتى ملك اليمن كله... ثم قتله سعيد
الأحول سنة 473 ه‍ بثأر أبيه تقدمت ترجمته في الثامن عشر رقم (173).
231

فكبس الصليحي بالمهجم مخيمه، فقتله، وقتل أخاه، وعدة، وأخذ
خزائنه، وكانت عظيمة، وجمع بعض آل الصليحي، فقتلهم رميا بالحراب،
وتملك زبيد، وعلق الرأس، فقال العثماني شاعر:
نكرت مظلته عليه فلم ترح * إلا على الملك الاجل سعيدها
ما كان أقبح وجهه في خالها * ما كان أحسن رأسه في عودها
سود الأراقم قاتلت أسد الشرى * يا رحمتا لأسودها من سودها (1)
ثم بعد سنة، حشد مكرم بن الصليحي (2)، وأقبل من صنعاء،
فالتقوا، فانكسر السودان، وانهزم الأحول، ونزلوا السفن، واسترد مكرم
زبيد، وخلص أمه، ثم فلج، ففوض الأمور إلى زوجته الحرة سيده، وأقبل
على اللهو مع فالجه إلى أن هلك سنة (484)، وعهد بالملك إلى ابن عمه
السلطان سبأ بن أحمد، وكان الحرب بينه وبين آل نجاح سجالا، وكتب
خليفة مصر إلى الحرة: قد زوجتك بأمير الامراء سبأ على مئة ألف دينار، ثم
لما مات سبأ (3)، قامت بملكها، ودبر دولتها المفضل، وامتدت أيام الحرة
خمسين سنة.
نعم، ثم توثب سعيد الأحول على صنعاء، ثم هلك سنة ست وثمانين،
وتملك بعده أخوه جياش، وقد تنكر وسار مع وزيره قسيم الملك إلى الهند.
قال جياش: دخلنا الهند سنة (481)، فأقمنا ستة أشهر ورجعنا،

(1) الأراقم: جمع أرقم: الحية التي على ظهرها رقم، أي: نقش، وسود الأراقم:
الحيات التي فيها سواد، وهي من أخبث الحيات، وأعظمها وأنكاها، وليس شئ من
الحيات أجرأ منه.
(2) هو أحمد بن علي بن محمد الصليحي، المتوفى سنة 477 ه‍، وله ذكر في ترجمة أبيه
18 / (137).
(3) سنة 492 ه‍.
232

فقدم إنسان من سرنديب يتكلم على المستقبلات، فسألنا عن حالنا، وبشرنا
بأمور لم تخرم، واشتريت جارية هندية، وجئنا عدن، فقلت لوزيري:
امض إلى زبيد، فأشع موتي، واكشف الأمور، وصعدت جبلة (1)،
وكشفت أحوال المكرم، ثم أتيت زبيد، فخبرني الوزير بما يسر عن أوليائنا،
وأنهم كثير، فأخذت من لحيتي، وسترت عيني بخرقة، وطولت أظفاري،
وقصدت دار ابن ألقم الوزير فأسمعه يقول: لو وجدت كلبا من آل نجاح
لملكته، وذلك لشر وقع بينه وبين ابن شهاب رفيقه، فخرج ولد ابن ألقم،
فقال: يا هندي، تحسن الشطرنج؟ قلت: نعم، قال: فغلبته، فثار،
وكان طبقة أهل زبيد، فقال له أبوه: ما لنا من يغلبك إلا جياش، وقد مات،
ثم لعبت مع الأب، فمنعت الدست، فأحبني وخلطني بنفسه، وهو يقول
كل وقت: عجل الله علينا بكم يا آل نجاح، فأخذت أكاتب الحبوش حتى حصل
حول زبيد خمسة آلاف حربة، وأمرت وزيري، فأخذ لي عشرة آلاف دينار مودعة،
فأنفقتها فيهم، وضرب ولد ابن ألقم عبدا له، فنالني طرف سوطه، فقلت:
أنا أبو الطامي، فقال أبوه: ما اسمك؟ قلت: بحر، قال: كنية مناسبة.
وقال مرة لابنه: إن غلبت الهندي، أوفدتك بارتفاع السنة على
المكرم. قال: فتراخيت له، فغلبني، فطاش فرحا، ومد يده إلى وجهي،
فأحفظني، وقمت، فعثرت، فاعتزيت (2)، وقلت: أنا جياش بن نجاح،

(1) بكسر الجيم وسكون الباء: مدينة باليمن تحت جبل صبر، وتسمى ذات
النهرين، وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها.
(2) أي: انتسبت، يقال: عزا فلان نفسه إلى بني فلان يعزوها عزوا، وعزا واعتزى
وتعزى كله: انتسب صدقا كان أو كذبا، وانتمى إليهم، وفي الحديث الصحيح المخرج في
" المسند ": 5 / 136: " من تعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " أي:
انتسب وانتمى، فقد كانوا في الجاهلية يقولون في الاستغاثة: يا لفلان، وينادي: أنا فلان
ابن فلان ينتمي إلى أبيه وجده لشرفه وعزه ونحو ذلك، فمعنى الحديث: قبحوا عليه فعله،
وقولوا: اعضض بهن أبيك، فإن من القبح مثل هذه الدعوى.
233

ففهمها الأب، فوثب خلفي حافيا، وضمني، وأخرج المصحف، وحلف
لي، وحلفت له، وأمر بإخلاء دار أعز بن الصليحي، وحمل إليها الأمتعة،
ونقلت إليها سريتي، فولدت لوقتها ولدي الفاتك، وضربت الطبل،
وظهرنا، فأسرنا ابن شهاب، فقال: مثلي لا يطلب العفو، والحرب
سجال، قلت: ومثلك لا يقتل. ثم أحسن إليه جياش، وتسلم دار الملك،
ولم يمض شهر حتى ركب في عشرين ألف حربة، ولم يقو به المكرم، ولم
يزل مالكا إلى أن مات سنة خمس مئة.
وقيل: مات سنة ثمان وتسعين عن ستة بنين، فتملك ابنه الفاتك، ثم
حار به إبراهيم أخوه، ومات فاتك سنة (53)، فملكت عبيده ولده المنصور
صغيرا، فتوثب عبد الواحد بن جياش، فتملك زبيد، وهربت الخدم
بالصبي، وجرت حروب طويلة، ثم تمكن الصبي مدة، وولي بعده ابنه
فاتك بن المنصور، ثم تملك ابن عمه، فدامت دولته إلى أن قتله عبيده في
سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة، واسمه فاتك بن محمد بن المنصور، وكان
هو وعبيده لا بأس بدولتهم، وحكموا على شطر اليمن مع بقايا آل
الصليحي، ومع الشرفاء الزيدية.
143 - صاحب ماردين *
الملك سقمان بن الأمير الكبير أرتق بن أكسب (1) التركماني

* الكامل في التاريخ: 10 / 389 - 392، العبر: 3 / 351 - 352، تتمة
المختصر: 2 / 27 - 28، الوافي: 15 / 287، عيون التواريخ:، مرآة الزمان: 8 / 22 -
23، النجوم الزاهرة: 5 / 188، شذرات الذهب: 3 / 409، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة:
344.
(1) قال ابن خلكان: 1 / 191: وأكسب: بفتح الهمزة، وسكون الكاف، وفتح
السين المهملة، وبعدها باء موحدة، وقيل: هو أكسك بالكاف بدل الباء، وقد رجح الثاني
ابن خلدون، والعيني، وابن حجر.
234

أخو الملك إيلغازي.
وليا إمرة القدس بعد أبيهما (1)، فضايقهما [ابن] بدر أمير الجيوش (2)،
وأخذه منهما قبل أخذ الفرنج له بأشهر، فذهبا واستوليا على ديار بكر (3).
مات سقمان بقرب طرابلس سنة ثمان وتسعين، وماردين اليوم ومن قبل
ما زالت في يد ذريته.
قيل: إن ابن عمار (4) طلبه لينجده على الفرنج، وإن صاحب دمشق
مرض، وهم بتسليم دمشق إليه، فسار إليها ليملكها، ثم يغزو الفرنج،
فمات بالخوانيق، ونقل، فدفن بحصن كيفا (5).
144 - الباقلاني *
الشيخ الصالح المحدث أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد بن

(1) في سنة 484 ه‍.
(2) هو أمير الجيوش المصرية الأفضل بن بدر الجمالي أبو القاسم، وهو الذي وطد
دعائم الملك للآمر بأحكام الله العبيدي صاحب مصر. توفي سنة 515 ه‍، وقد تم استيلاؤه
على القدس سنة 491 ه‍، وسترد ترجمته برقم (294).
(3) وفيات الأعيان: 1 / 191، ويعد سقمان هذا مؤسس أولى الامارات الأرتقية في
ديار بكر.
(4) هو فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس، سترد ترجمته برقم (196).
(5) هي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر. * المنتظم: 9 / 153 - 154، دول الاسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 356، عيون
التواريخ: 13 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 412.
235

الحسن بن خذاداذا الباقلاني، البقال، الفامي، البغدادي.
سمع من أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، وأحمد بن عبد الله
ابن المحاملي وطائفة.
روى عنه أبو بكر السمعاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وابن
ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل، وشهدة، وخلق.
أثنى عليه عبد الوهاب الأنماطي، وقال ابن ناصر: كان كثير البكاء من
خشية الله (1).
قلت: عاش ثمانين سنة أو أزيد، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة
خمس مئة، وهو أخو الشيخ أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي المذكور.
145 - ابن زنجويه *
الامام الفقيه المعمر أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن
زنجويه الزنجاني (2) الشافعي.
ولد سنة ثلاث وأربع مئة.
وقدم بغداد شابا، فسمع من أبي علي بن شاذان، وطائفة، فسمع
" مسند الإمام أحمد " من الحسين الفلاكي صاحب القطيعي، وسمع " غريب

(1) وقال ابن الجوزي في " المنتظم " 9 / 154: حدثنا عنه أشياخنا، وهو من بيت
الحديث، وكان شيخا صالحا كثير البكاء من خشية الله تعالى، صبورا على إسماع
الحديث. * طبقات السبكي: 4 / 45 - 46، 6 / 47 - 48.
(2) نسبة إلى زنجان: بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل قريبة من أبهر وقزوين.
236

أبي عبيد " من ابن هارون التغلبي عاليا، وقرأ لأبي عمرو (1) على ابن الصقر
الكاتب (2)، وصارت الرحلة إليه، ومدار الفتوى ببلده عليه، وسمع من أبي
طالب الدسكري، والعلامة عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأصولي،
والحسن بن معروف الزنجاني صاحب ابن المقرئ، سمع منه " مسند أبي
يعلى ".
قال شيرويه الحافظ: كان فقيها متقنا رحلت إليه بابني شهردار،
وسمعنا منه بزنجان.
قلت: وحدث عنه السلفي، وشعبة بن أبي شكر الأصبهاني، وابن
طاهر المقدسي، وهو من كبار تلامذة القاضي أبي الطيب الطبري، رأيت له
ترجمة مفردة بخط الحافظ عبد الغني كتبها عن السلفي، وأنه قرأ كتاب
" المرشد " على مؤلفه أبي يعلى بن السراج (3)، وتلا عليه بما فيه، وأنه
كتب بنيسابور تفسير إسماعيل بن أحمد الضرير عنه، وسمع من أبي عبد الله
ابن باكويه، ثم قال: سمعته يقول: أنا أفتي من سنة تسع وعشرين وأربع
مئة، وقيل لي عنه: إنه لم يفت خطأ قط، وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه،
الخواص والعوام، ويذكرون ورعه، وقلة طمعه.

(1) هو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري المتوفي سنة 154 ه‍، إمام العربية
الثقة، وأحد القراء السبعة مترجم في الجزء السادس رقم (167).
(2) هو الحسن بن علي بن الصقر أبو محمد البغدادي الكاتب المتوفى سنة 429 ه‍،
شيخ عالي الرواية قرأ لأبي عمرو على زيد بن علي بن أبي هلال، وهو آخر من روى عنه،
" معرفة القراء " رقم (332).
(3) هو محمد بن الحسين بن عبيد الله بن عمر بن حمدون، أبو يعلى الصيرفي
المعروف بابن السراج، قال الخطيب في " تاريخه ": 2 / 251: كتبت عنه، وكان ثقة،
وهو أحد الحفاظ لحروف القرآن، ومذاهب القراء، وعلم النحو، يشار إليه في ذلك، وله
مصنف في القراءات. توفي سنة 427 ه‍.
237

قلت: ما ظفرت بوفاته، لكنه حدث في سنة خمس مئة، وانقطع
خبره.
146 - ابن أبي الصقر *
العلامة أبو الحسن محمد بن علي بن حسن بن أبي الصقر الواسطي
الكاتب، أحد الشعراء.
وكان من كبار الشافعية، علق المذهب بالنظامية عن الشيخ أبي
إسحاق، فله عنه ثلاث تعليقات.
وحدث عن عبيد الله بن هارون القطان، وعيسى بن خلف الأندلسي،
وأخذ الأدب عن أبي غالب بن الخالة، ومحمد بن محمد بن عيسى الخيشي
النحوي، وسمع ببغداد من أبي بكر الخطيب، وعاد إلى بلده، ثم قدم
بغداد، وحدث بها.
روى عنه: ابن ناصر، وابن الجواليقي، وكثير بن سماليق، والسلفي.
وقال شيخ الذهلي: لا بأس به، وله شعر مطبوع (1).

* سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي: 36، المنتظم: 9 / 145، خريدة
القصر: 4 / 1 / 315، معجم الأدباء: 18 / 257 - 260، الكامل: 10 / 396 - 397،
وفيات الأعيان: 4 / 450 - 452، تتمة المختصر: 2 / 28، الوافي بالوفيات: 4 / 142 -
143، عيون التواريخ: 13 / 127 - 135، مرآة الزمان: 8 / 9 - 10، طبقات السبكي:
4 / 191 - 192، طبقات الأسنوي: 2 / 140 - 142، البداية والنهاية: 12 / 165، النجوم
الزاهرة: 5 / 191، كشف الظنون: 818.
(1) قال ابن خلكان في " الوفيات ": 4 / 450: ورأيت له بدمشق ديوان شعر في
الخزانة الأشرفية التي في الجامع المشهور في تربته شمال الكلاسه التي هي زيادة في الجامع
الكبير، والديوان في مجلد واحد.
ومن شعره:
من قال لي جاه ولي حشمة * ولي قبول عند مولانا
ولم يعد ذاك بنفع على * صديقه لا كان من كانا
وله في اعتذاره عن ترك القيام لأصدقائه:
علة سميت ثمانين عاما * منعتني للأصدقاء القياما
فإذا عمروا تمهد عذري * عندهم بالذي ذكرت وقاما
238

وقال الحوزي أبو الكرم: كان يقول أنا من ولد الوزير أبي الصقر
إسماعيل بن بلبل.
قال أبو الكرم: ولما وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعريين،
كان قائما وقاعدا فيها، وعمل في ذلك أشعارا (1)، وبلغ التسعين إلا
شهورا، مات بواسط في جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وأربع مئة (2).
147 - الدوني *
الشيخ العالم، الزاهد، الصادق، أبو محمد عبد الرحمن بن حمد
ابن الحسن بن عبد الرحمن الدوني الصوفي، من قرية الدون: من أعمال
همذان، على عشرة فراسخ منها مما يلي مدينة الدينور.
كان آخر من روى كتاب " المجتبى " من سنن النسائي، وغير ذلك عن
القاضي أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار صاحب ابن السني.
حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وابنه أبو زرعة، وأبو بكر بن
السمعاني، وأبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني، وأبو طاهر السلفي،
وأبو الفتوح الطائي صاحب الأربعين، وسعد الخير الأندلسي، ومحمد بن
بنيمان، وعبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، وابن عمه المطهر بن عبد

(1) قال ابن خلكان: وكان شديد التعصب للطائفة الشافعية، وظهر ذلك في قصائده
المعروفة بالشافعية.
(2) انظر سؤالات السلفي: ص: 36. * معجم البلدان: 2 / 490، اللباب: 1 / 517، تاريخ الاسلام: 4 / 165، دول
الاسلام: 2 / 30، العبر: 4 / 2، عيون التواريخ: 13 / 233، النجوم الزاهرة:
5 / 197، شذرات الذهب: 4 / 3.
239

الكريم، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبو العباس بن ينال الترك،
وآخرون.
قرأ عليه السلفي في سنة خمس مئة بالدون كتاب النسائي، وحدثني أنه
اقتدى في التصوف بأبيه، وأبوه اقتدى بجده، وهو اقتدى بحسين بن علي
الدوني، وهو اقتدى بمحمد بن عبد الخالق الدينوري صاحب ممشاذ
الدينوري، وممشاذ بالشيخ أبي سنان، فقيل: إن هذا اقتدى بأبي تراب
النخشبي.
وقال السلفي: قال ابنه أبو سعد لي: لوالدي خمسون سنة ما أفطر
النهار.
قال شيرويه: كان صدوقا متعبدا، سمعت منه " السنن "، و " رياضة
المتعبدين ".
وقال السلفي: كان سفياني المذهب (1) ثقة، ولد سنة سبع وعشرين
وأربع مئة.
وقال غيره: سماعه للسنن في شوال سنة ثلاث وثلاثين، مات في
رجب سنة إحدى وخمس مئة.
قلت: ذهب إلى أصبهان، فحدث بها بالكتاب.
148 - ابن خشيش *
الشيخ الصالح المعمر الصدوق أبو سعد محمد بن عبد

(1) أي يتقلد رأي سفيان الثوري في الفروع. * المنتظم: 9 / 160 - 161، تاريخ الاسلام: 4 / 168، العبر: 4 / 5، شذرات
الذهب: 4 / 5.
240

الكريم بن خشيش البغدادي.
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسن بن مخلد البزاز، وسماعه
صحيح، وهو من رواة جزء ابن عرفة.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والكاتبة شهدة، وأبو السعادات
القزاز، وآخرون.
مات في عاشر ذي القعدة سنة اثنتين وخمس مئة، وله تسع وثمانون
سنة رحمه الله تعالى (1).
وفيها توفي أبو الفوارس حسين بن علي بن الخازن صاحب الخط
البديع، وأبو أحمد حمد بن عبد الله بن أحمد يحنه الأصبهاني المعبر،
والعلامة أبو المحاسن الروياني (2)، قتلته الإسماعيلية، وأبو القاسم
الربعي (3)، وهبة الله بن أحمد بن محمد بن الموصلي في عشر التسعين،
والعلامة أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي (4).
149 - ابن سوسن *
الشيخ المعمر أبو بكر أحمد بن المظفر بن حسين بن عبد الله بن
سوسن التمار.

(1) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 161: وروى عنه أشياخنا، وكان ثقة
خيرا، صحيح السماع، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بدار حرب، وفي تاريخ المؤلف:
وكان شيخا صالحا صحيح السماع.
(2) سترد ترجمته برقم (162).
(3) تقدمت ترجمته برقم (115).
(4) سترد ترجمته برقم (170). * المنتظم: 9 / 164، تاريخ الاسلام: 4 / 169، العبر: 4 / 6، عيون
التواريخ: 13 / 255، لسان الميزان: 1 / 311، شذرات الذهب: 4 / 7.
241

حدث عن أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم الحرفي (1)، وعبد
الملك بن بشران.
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي،
وأبو طاهر السلفي، ويحيى بن شاكر، وآخرون.
قال الأنماطي: شيخ مقارب (2).
وقال السمعاني: كان يلحق سماعاته في الاجزاء. قاله شجاع
الذهلي (3)، مات في صفر سنة ثلاث وخمس مئة، وله اثنتان وتسعون سنة.
150 - ابن العلاف *
المولى الجليل، الحاجب الثقة، مسند العراق، أبو الحسن علي بن
المقرئ أبي طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن يعقوب البغدادي
ابن العلاف، من بيت الرواية والعلم، ومن حجاب الخلافة.
قال أبو بكر السمعاني: سمعته يقول: ولدت سنة ست وأربع مئة في

(1) تصحف في " لسان الميزان ": 1 / 311 إلى الخرقي.
(2) قال السخاوي في شرح الألفية: ص 158 و 163: هو من القرب ضد البعد،
وهو بكسر الراء، ومنعاه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، وبفتح الراء أيضا،
أي: حديثه يقاربه حديث غيره فهو بالكسر والفتح معناه واحد، وهو أن حديثه وسط لا ينتهي
إلى درجة السقوط ولا الجلالة، وهو نوع مدح، وقال ابن رشيد: أي ليس حديثه بشاذ ولا
منكر.
(3) في " المنتظم " 9 / 164: قال شجاع بن فارس الذهلي: كان ضعيفا جدا، قيل
له: بماذا ضعفتموه؟ قال: بأشياء ظهرت منه دلت على ضعفه منها أنه كان يلحق سماعاته
في الاجزاء. * المنتظم: 9 / 168، تاريخ الاسلام: 4 / 173، العبر: 4 / 9 - 10، عيون
التواريخ: 13 / 271، شذرات الذهب: 4 / 10.
242

المحرم، وسمعت من أبي الحسين بن بشران: ووعظ أبي سبعين سنة.
قلت: سمع أبا الحسن بن الحمامي، وعبد الملك بن بشران، وكان
حميد الطريقة، صدوقا، ضاع سماعه من أبي الحسين.
حدث عنه: ولده أبو طاهر محمد بن علي، ومحمد بن محمد
السنجي، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفضل الطوسي، وأبو بكر بن النقور،
وعبد الحق اليوسفي، وقيس بن محمد السويقي، وأبو طالب بن خضير،
والمبارك بن علي الخياط، ويحيى بن ثابت البقال، وعبد الله بن منصور
الموصلي، ووجيه بن هبة الله السقطي، وأحمد بن علي العلوي النقيب،
وعبد الله بن أحمد بن النرسي، وخمرتاش مولى ابن المسلمة، وعبد الله بن
أحمد بن حمتيس السراج، وأبو السعادات نصر الله القزاز، وخلق سواهم.
مات في الثالث والعشرين من المحرم سنة خمس وخمس مئة، وقد
استكمل تسعا وتسعين سنة.
وفيها مات المحدث أبو محمد عبد الله بن علي بن الآبنوسبي (1)،
والحافظ أبو بكر محمد بن حيدرة بن مفوز الشاطبي (2)، وشيخ الفقهاء بسبتة
أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي (3)، وحجة الاسلام أبو حامد
الغزالي (4)، وأبو سعد محمد بن علي بن محمد التأني (5) سرفرتج من
أصحاب أبي نعيم.

(1) سترد ترجمته برقم (176).
(2) سترد ترجمته برقم (243).
(3) سترد ترجمته برقم (166).
(4) سترد ترجمته برقم (204).
(5) سترد ترجمته برقم (198).
243

151 - السنجبستي *
القاضي الامام، الفرضي المعمر، مسند خراسان، أبو القاسم
إسماعيل بن الحسن بن علي بن حمدون الخراساني السنجبستي (1).
ولد سنة عشر وأربع مئة تقريبا أو جزما.
وسمع أبا بكر أحمد بن الحسن الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا
علي البلخي، وعمر دهرا، وألحق الأحفاد بالأجداد، وهو من بيت حشمة
وجلالة.
حدث عنه: أبو بكر السمعاني، ومحمد بن محمد السنجي، وأبو
شجاع عمر بن محمد البسطامي، ومحمد بن حسين الواعظ، وأبو الفتوح
الطائي، وعدة.
وثقه عبد الغافر بن إسماعيل، كان يقدم من قريته، ويحدث
بنيسابور، وهي على مرحلة من نيسابور.
توفي بسنجبست في صفر سنة ست وخمس مئة، وهو في عشر المئة.
وفيها مات أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد بن القارئ العدل (2)،
والمحدث أبو الفضل العباس بن أحمد الشقاني (3) النيسابوري، والفضل بن

* الأنساب: 7 / 162، المنتخب: الورقة: 42 أ - 42 ب، اللباب: 2 / 146،
تاريخ الاسلام: 4 / 178، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب:
4 / 14.
(1) بفتح السين، وسكون النون، وفتح الجيم والباء: نسبة إلى سنجبست: منزل
معروف بين نيسابور وسرخس.
(2) سترد ترجمته برقم (172).
(3) المشهور ضبط الشين بالفتح، والصحيح كسرها، فقد نقل صاحب " الأنساب "
عن صاحبه أبي بكر البروجردي أنه سمع الامام محمدا الشقاني يقول: بلدنا شقان بكسر
الشين، ثم قال: ثم جبلان، وفي كل واحد منهما شق يخرج منه ماء الناحية، فقيل لها:
الشقان، وسترد ترجمته برقم (178).
244

محمد بن عبيد القشيري (1)، والواعظ أبو سعد المعمر بن علي بن أبي عمامة
الحنبلي (2)، وقاضي دمشق أبو عبد الله محمد بن موسى التركي
البلاساغوني (3) الحنفي.
152 - الجماري *
أبو نعيم محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف الواسطي، راوي مسند
مسدد (4) عن أحمد بن المظفر العطار.
حدث عنه علي بن نغوبا، وأبو طالب الكتاني المحتسب، وهبة الله
ابن الجلخت، وآخرون.
وثقه المحدث خميس (5).

(1) سترد ترجمته برقم (184).
(2) سترد ترجمته برقم (260).
(3) نسبة إلى بلاساغون: بلدة من ثغور الترك وراء نهر سيحون قريبة من كاشغر، وأبو
عبد الله هذا تفقه ببغداد على القاضي أبي عبد الله الدامغاني، وقرأ عليه فقه أبي حنيفة، ثم خرج
إلى الشام، وولي القضاء بدمشق، ولم تحمد سيرته في ولايته، وقال ابن عساكر: سمعت
الحسين بن قبيس يذمه، ويذكر أنه كان يقول: لو كان لي أمر لأخذت من الشافعية الجزية، وتوفي
بدمشق في جمادى الآخرة سنة ست وخمس مئة. " الأنساب ": 2 / 352، و " ميزان
الاعتدال ": 4 / 51، 52، والوافي بالوفيات: 5 / 87، 88، والجواهر المضية: 2 / 135،
ومرآة الزمان: ص: 44، ومعجم البلدان: بلاساغون. * سؤالات السلفي: 30 - 31، الاستدراك: 103 ب، التبصير: 1 / 346.
(4) ابن مسرهد الأسدي البصري الحافظ المتوفي سنة 228 ه‍، ومسنده لم يطبع،
وقد أدرج الحافظ ابن حجر زوائده في " المطالب العالية "، وهو مطبوع بتحقيق المحدث
الشيخ حبيب الرحمان الأعظمي سنة 1393 في الكويت بعناية وزارة الأوقاف والشؤون
الاسلامية.
(5) الحوزي في سؤالات السلفي له ص: 31.
245

توفي في حدود سنة خمس مئة، فإنه حدث في سنة تسع وتسعين وأربع
مئة.
153 - الشيروي *
الشيخ الصالح، العابد المعمر، مسند العصر، أبو بكر عبد الغفار
ابن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه بن علي الشيروي النيسابوري
التاجر.
ولد سنة أربع عشرة وأربع مئة في ذي الحجة.
وسمع وهو ابن ستة أعوام من القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد
الصيرفي، وهو خاتمة أصحابهما، وعبد القاهر بن طاهر الأصولي، ومحمد
ابن إبراهيم المزكي، والقدوة فضل الله بن أبي الخير الميهني (1)، وجماعة.
حدث عنه: أبو بكر السمعاني، وولده الحافظ أبو سعد حضورا، وأبو
الفتوح الطائي، وعبد الرحيم الحاجي، وعبد المنعم بن عبد الله الفراوي،
وخلق، وبالإجازة: ذاكر بن كامل الخفاف، وأبو المكارم اللبان.
قال السمعاني في " الأنساب " (2): كان شيخا صالحا عابدا معمرا،

* السياق: الورقة: 57 ب، التحبير: 1 / 464 - 468، الأنساب 30 / 307،
7 / 466، 467، معجم البلدان: 2 / 165، المنتخب: الورقة / 106 ب - 107 ب،
التقييد: الورقة / 161 ب - 162 أ، تاريخ الاسلام: 4 / 197، دول الاسلام: 2 / 37، العبر:
4 / 20، عيون التواريخ: 13 / 333، مرآة الجنان: 3 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 213، شذرات
الذهب: 4 / 27.
(1) بكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء: نسبة إلى ميهنة، مدينة بين سرخس
وأبيورد.
(2) 7 / 466.
246

رحل إليه من البلاد، وقد ارتحل إلى أصبهان، وسمع من أبي بكر بن ريذة،
وأبي طاهر بن عبد الرحيم، حضرني أبي مجلسه (1)، وكان والده يروي عن
أبي طاهر المخلص.
قلت: وسمع من أبيه، ومن أبي حسان المزكي، وأحمد بن محمد
ابن الحارث النحوي، وأجاز لمن أدرك حياته، وهو من قرية كونابذ، وعربت
فقيل لها: جنابذ، وهي من قهستان ناحية كبيرة من أعمال نيسابور، وكان
يتجر إلى البلاد مضاربة، ثم كبر وانقطع لتسميع الحديث، وكان مكثرا،
ألحق الأحفاد بالأجداد، وبعد صيته، وسمع منه من دب ودرج، ولم تتغير
حواسه، بل ضعف بصره، وسمع أيضا من أبي عبد الله بن باكويه (2).
قال الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني: سمعت الرئيس الثقفي
يقول: لا جاء الله من خراسان بأحد إلا بأبي بكر الشيروي، فإنه أخيرهم،
وأنفعهم.
قال السمعاني: سمعت منه الكثير، ولي ثلاث سنين، وسمع منه.

(1) وقال في التحبير: 1 / 446: وسمعنا منه الكثير، وكنت أبن ثلاث سنين
ونصف، وأكثر التسميعات مثبتة بخط والدي رحمه الله، كان يكتب في السماع عنه اسم نفسه،
ثم يقول: وحضر ابنه أبو المظفر عبد الوهاب يعني أخي، وأحضر أخوه أبو سعد عبد
الكريم، وكان بيني وبين أخي عشرون شهرا...
(2) في " التحبير ": 1 / 464: شيخ معمر سديد، نبيل، صالح، ثقة، عفيف،
من بيت الصلاح والحديث والتجارة والعفاف والسداد، وكان من جملة ثقات التجار وأمناء
الرجال، زجى عمره فيه، وكان يخرج ويحمل معه بضائع الناس، ويحسن القيام بها
لأمانته، ويرزق عليها الأرباح إلى أن عجز عن الخروج إلى السفر، فلزم بيته، واشتغل
برواية الحديث، وخرج له الفوائد، وبورك له فيه حتى روى الحديث، وحدث نحو أربعين
سنة، وسمع منه كل من دب ودرج، ودخل نيسابور وخرج، وألحق الأحفاد والأجداد في
إسناد الأصم...
247

أخي في الخامسة، فمن ذلك جزء ابن عيينة، وخمسة أجزاء من " مسند
الشافعي " (1)، توفي في ذي الحجة سنة عشر وخمس مئة، وقد استكمل ستا
وتسعين سنة.
154 - القزويني *
الامام المحدث، الجوال الصدوق، أبو إبراهيم الجليل بن عبد
الجبار بن عبد الله التميمي القزويني.
سمع من أبي يعلى الخليلي وطائفة بقزوين، ومن أبي الحسن بن
الطفال بمصر، ومن الحسين بن جابر القاضي بتنيس، ومن أبي العلاء بن
سليمان بالمعرة، سمعنا من طريقه نسخة فليح.
روى عنه أبو علي البرداني، وأبو طاهر السلفي، وقال: ثقة من بيت
الحديث، رحل إلى الحجاز، والعراق، ومصر، وخراسان، والشام.
روى عن قوم ما حدثنا عنهم سواه، وهو، وأبوه، وجده عبد الله بن
عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، وجد أبيه، وجد جده، محدثون.
قلت: وذكره ابن النجار، وما أرخ موته، وبقي إلى سنة نيف وخمس مئة.
155 - الفامي * *
الامام المفتي، مدرس النظامية، أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن

(1) في " التحبير ": 1 / 467: خمسة أجزاء من ثمانية أجزاء: ولم يكن هذا القدر
مسموعا لشيخنا أبي بكر الشيروي، فاته جزءان من أول الكتاب، وجزء واحد من آخر
الكتاب بروايته عن المجيري، عن الأصم، عن الربيع، عنه. * لم نقف على ترجمة له من المصادر المتوفرة بين أيدينا.
(* *) المنتظم: 9 / 152، الكامل لابن الأثير: 10 / 439، ذيل ابن النجار:
1 / 390 - 399، ميزان الاعتدال: 2 / 683، 684، عيون التواريخ: 13 / 176 - 177،
طبقات السبكي: 5 / 229 - 230، طبقات الأسنوي: 2 / 273 - 274، البداية والنهاية:
12 / 168 - 169، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 42 أ، شذرات الذهب: 3 / 413.
248

عبد الوهاب بن محمد بن عبد الواحد الفارسي الفامي الشيرازي الشافعي.
قدم بغداد مدرسا من جهة نظام الملك سنة ثلاث وثمانين مشاركا فيها
للحسين بن محمد الطبري، فكان كل واحد منهما يدرس يوما، ثم عزلا بعد
سنة.
أملى عن المحدث أبي بكر أحمد بن الحسن بن الليث، وعبد الواحد
ابن يوسف القزاز، وعلي بن بندار الحنفي، وأبي زرعة أحمد بن يحيى
الخطيب، والحسن بن محمد بن عثمان بن كرامة الشيرازيين.
حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر.
قال ابن النجار: أخبرنا محمد بن أحمد النحوي، حدثنا ابن ناصر،
حدثنا الامام جمال الاسلام أبو محمد عبد الوهاب عرف بالفامي، أخبرنا عبد
الواحد بن يوسف، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بيان الحافظ، حدثنا أبو
علي محمد بن سعيد الرقي بها، فذكر حديثا.
قال أبو علي بن سكرة: عبد الوهاب بن محمد الفامي من أئمة الشافعية
وكبارهم، سمعت عليه كثيرا، وسمعته يقول: صنفت سبعين تأليفا، ولي
التفسير ضمنته مئة ألف بيت شاهدا، أملى وحفظ عليه تصحيف شنيع،
فأجلب عليه، وطولب، ورمي بالاعتزال حتى فر بنفسه.
وقال أحمد بن ثابت الطرقي (1): سمعت جماعة أن عبد الوهاب أملى

(1) بفتح الطاء وسكون الراء وفي آخرها قاف: نسبة إلى قرية كبيرة في بلاد أصبهان.
249

عليهم ببغداد: " صلاة في أثر صلاة كتاب في عليين " (1)، وصفحها " كنار
في غلس "، فكلموه، فقال: النار في الغلس تكون أضوأ.
قال الطرقي: وسأله صديق لي: هل سمعت " جامع أبي عيسى "؟
فقال: ما الجامع؟ ومن أبو عيسى؟ ثم سمعته بعد يعده في مسموعاته.
ولما أراد أن يملي بجامع القصر، قلت له: لو استعنت بحافظ؟
فقال: إنما يفعل ذا من قلت معرفته، وأنا، فحفظي يغنيني، فامتحنت
بالاستملاء عليه، فرأيته يسقط من الاسناد رجلا، ويزيد رجلا، ويجعل
الرجل اثنين، فرأيت فضيحة، فمن ذلك: الحسن بن سفيان، حدثنا يزيد
ابن زريع، فأمسك الجماعة، ونظر إلي وتكلموا، فقلت: قد سقط إما
محمد بن منهال، أو أمية بن بسطام (2)، فقال: اكتبوا كما في أصلي،
وجاء: أخبرنا سهل بن بحر، أنا سألته، فصحفها، فقال: أنا سالبة،
وقال: سعيد بن عمرو الأشعثي، فقال: والأشعثي، جعل واو " عمرو "
للعطف، فرددته، فأبى، فقلت: فمن الأشعثي؟ قال: فضول منك،
وجاء ورقاء بن قيس بن الربيع، فقلت: هو " عن " بدل " ابن " وقال في
حديث حميل بن بصرة: لقيت أبا هريرة وهو يجئ من الطور (3)، فقال:

(1) حديث حسن أخرجه أبو داود (558) في الصلاة: باب ما جاء في فضل المشي
إلى الصلاة، وأحمد 5 / 268 من طريقين، عن يحيى بن الحارث الذماري (وقد تحرف في
المسند إلى يحيى بن خالد الذهاري) عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: " من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن
خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو
بينهما كتاب في عليين " وهو في المسند 2 / 263، وسنن أبي داود (1288) مختصرا.
(2) أي بين الحسن بن سفيان، ويزيد بن زريع.
(3) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار: 1 / 242، 243، والطبراني في " الكبير "
(2157) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أتيت الطور فصليت
فيه فلقيت حميل بن بصرة الغفاري. فقال: من أين جئت، فأخبرته، فقال: لو أتيتك قبل
أن تأتيه ما جئته، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضرب المطي إلا إلى ثلاثة مساجد،
المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى ". وأخرجه مالك: 1 / 108 في
الجمعة: باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، ومن طريقه أحمد: 6 / 7،
والنسائي: 3 / 113، 114، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن
الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، فذكر الحديث
بطوله، قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت
من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى
مسجد إيلياء أو بيت المقدس... " وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1024)، وله
طريقان آخران عند أحمد 6 / 7 و 397 و 398، والطيالسي (1348) و (2506)
والطحاوي: 1 / 242.
250

" الطود " وفسر مرة " الخشف " (1) فقال: طائر، وقال في: * (فليعمل عملا
صالحا) * [الكهف: 110]: انتصب على الحال.
قيل: ولد سنة أربع عشرة وأربع مئة، وعاش ستا وثمانين سنة.
توفي بشيراز في السابع والعشرين من رمضان سنة خمس مئة، وقد
سقت من أخباره في " التاريخ الكبير " وفي " ميزان الاعتدال " (2).
وقيل: كان معتزليا.
وفيها: مات أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد الحداد سبط ابن
منده، وشيخ الشافعية أبو المظفر أحمد بن محمد الخوافي بطوس، والفقيه
أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه الزنجاني (3)، وجعفر

(1) الخشف: هو الظبي أول ما يولد، وقبل: هو خشف أول مشيه.
(2) 2 / 683، 684، وفيه بعد أن أورد أكثر الاخبار التي هنا: وأما تصحيفه في المتن
فكثير.
(3) تقدمت ترجمته برقم (145).
251

السراج (1)، والمبارك بن الصيرفي، وأبو غالب الباقلاني (2)، وشيخ النحو
المبارك بن فاخر بن الدباس (3)، وسلطان المغرب يوسف بن تاشفين.
156 - صاحب الغرب *
أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني
البربري الملثم، ويعرف أيضا بأمير المرابطين، وهو الذي بنى مراكش،
وصيرها دار ملكه.
وأول ظهور هؤلاء الملثمين (4) مع أبي بكر عمر اللمتوني، فاستولى
على البلاد من تلمسان إلى طرف الدنيا الغربي، واستناب ابن تاشفين،
فطلع بطلا شجاعا شهما عادلا مهيبا، فاختط مراكش في سنة (465)،

(1) تقدمت ترجمته برقم (141).
(2) تقدمت ترجمته برقم (144).
(3) سترد ترجمته برقم (192). * الكامل في التاريخ: 10 / 417 - 418، المعجب: 162، وفيات الأعيان:
7 / 112 - 130، دول الاسلام: 2 / 28 - 29، العبر: 1 / 356 - 357، تتمة المختصر:
2 / 29 - 30، عيون التواريخ: 13 / 181 - 194، الحلل الموشية: 12 - 60، بغية
الرواد: 1 / 86، صبح الأعشى: 1 / 363، النجوم الزاهرة: 191، 195، الروض
المعطار: 288 - 298، نفح الطيب: 4 / 354، شذرات الذهب: 3 / 412 - 413،
الاستقصا: 1 / 224، معجم الأنساب: 133، تراجم إسلامية: 225 - 234.
(4) لقبوا بذلك لانهم كانوا يتلثمون، ولا يكشفون وجوههم، وتلك سنة لهم يتوارثونها
خلفا عن سلف، وقيل في سبب ذلك: إن حمير كانت تتلثم لشدة الحر والبرد، يفعله
الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم، وأصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ،
وهم أصحاب خيل وإبل وشاء،، ويسكنون الصحارى الجنوبية بين بلاد البربر وبلاد
السودان، وينتقلون من ماء إلى ماء كالعرب، وبيوتهم من الشعر والوبر، وأول من جمعهم،
وحرضهم على القتال، وأطمعهم في تملك البلاد عبد الله بن ياسين الفقيه، وقتل في حرب
جرت مع برغواطة، وقام مقامه أبو بكر بن عمر الصنهاجي ابن عم يوسف بن تاشفين الذي
ولاه إمارة الملثمين، فكان من أمره ما كان.
252

اشترى أرضها بماله الذي خرج به من صحراء السودان، وله جبل الثلج،
وكثرت جيوشه، وخافته الملوك، وكان بربريا قحا، وثارت الفرنج
بالأندلس، فعبر ابن تاشفين ينجد الاسلام، فطحن العدو (1)، ثم أعجبته
الأندلس، فاستولى عليها، وأخذ ابن عباد وسجنه، وأساء العشرة.
وقيل: كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربا للعلماء، وكان أسمر
نحيفا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسا، حازما، يخطب لخليفة
العراق، وفيه بخل البربر، تملك بضعا وثلاثين سنة، وهو وجيشه ملازمون
للثام الضيق، وفيهم شجاعة وعتو وعسف، جاءته الخلع من المستظهر (2)،

(1) في وقعة الزلاقة (بطحاء من إقليم بطليوس من غرب الأندلس) المشهورة التي
انكسر فيها جيش الفرنجة الكفرة الزاحف من طليطلة كسرة شديدة سنة 479 ه‍ انظر التفصيل
في " الروض المعطار ": 287 - 292، و " نفح الطيب ": 4 / 354 - 371، والكامل
لابن الأثير: 10 / 151 - 155، ووفيات العيان: 7 / 115، وما بعدها، وقد بايع يوسف
ابن تاشفين بعد انتهاء الوقعة من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها، وكانوا ثلاثة عشر
ملكا، فسلموا عليه بأمير المسلمين، وكان يدعى بالأمير، وضرب السكة من يومئذ
وجددها، ونقش ديناره: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وتحت ذلك: " أمير المسلمين
يوسف بن تاشفين " وكتب في الدائرة: " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين " وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله، أمير المؤمنين
العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه.
(2) ووصف ابن الأثير في الكامل: 10 / 417 يوسف بن تاشفين بأنه كان حليما
كريما، دينا خيرا، يحب أهل العلم والدين، ويحكمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء
والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه
لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة
نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملا يعمل فيه لأمير
المسلمين، وتمنى الآخر زوجته النفزاوية وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده،
فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي
تمنى زوجته: يا جاهل، ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إليها، فتركته في
خيمة ثلاثة أيام، تحمل إليه كل يوم طعاما واحدا، ثم أحضرته، وقالت له: ما أكلت هذه
الأيام؟ قال: طعاما واحدا، فقالت: كل النساء شئ واحد، وأمرت له بمال وكسوة
وأطلقته.
وقال ابن خلكان: 7 / 124 - 125: وكان حازما سائسا للأمور، ضابطا لمصالح
مملكته مؤثرا لأهل العلم والدين، كثير المشورة لهم، وبلغني أن الامام أبا حامد الغزالي لما
سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة، وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه،
فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، فوصله خبر وفاته فرجع عن ذلك
العزم.
253

وولي بعده ولده على.
مات في أول سنة خمس مئة، وله بضع وثمانون سنة، وتملك مدائن
كبارا بالأندلس، وبالعدوة (1) ولو سار، لتملك مصر والشام.
157 - المطرز *
الشيخ العالم، الثقة الجليل، مسند أصبهان أبو سعد محمد بن
محمد بن أحمد بن سنده الأصبهاني المطرز، خازن الرئيس الثقفي.
سمع أبا علي غلام محسن، وعلي بن عبدكويه، والحسين بن
إبراهيم الجمال، ومحمد بن عبد الله العطار، وأبا نعيم الحافظ، وعدة.
حدث عنه أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، وأبو طاهر السلفي،
وآخرون، وأبو موسى المديني بالحضور.
قال السمعاني: ثقة صالح.
وقال السلفي: كاتب رئيس على غاية من الجلالة، قرأنا عليه عن
غلام محسن، وابن مصعب، وجماعة، وقرأت عليه القرآن عن أبي بكر بن

(1) وقد شمل سلطانه المغربين الأقصى والأوسط، وجزيرة الأندلس. * تاريخ الاسلام، العبر: 4 / 7، الوافي الوفيات: 1 / 121، النجوم الزاهرة:
5 / 200، شذرات الذهب: 4 / 7.
254

البقار تلميذ أبي علي بن حبش، وخرج له غانم بن محمد خمسة أجزاء
سمعناها.
قلت: ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة في ربيع الأول منها.
وقال أبو موسى: مات في الثاني والعشرين من شوال سنة ثلاث
وخمس مئة.
وفيها مات أحمد بن المظفر بن سوسن (1) والقدوة الكبير أبو بكر أحمد
ابن علي بن أحمد بن العلبي الحنبلي، وأبو الفيان عمر بن عبد الكريم
الرواسي الحافظ (2)، وأبو طاهر المحسد بن محمد الإسكاف راوي
" المعجم الكبير " عن ابن فاذشاه، والوزير الكبير أبو المعالي هبة الله بن محمد
ابن المطلب الكرماني (3) ببغداد، وآخرون.
قال ابن نقطة: روى " مسند الطيالسي " عن الجمال وأبي نعيم، وسمع
منه السلفي " مسند الحميدي " بسماعه من أبي نعيم.
158 - ابن نبهان *
الشيخ الكبير، العالم المعمر، مسند وقته، أبو علي محمد بن سعيد
ابن إبراهيم بن سعيد بن نبهان، البغدادي، الكرخي، الكاتب.

(1) تقدمت ترجمته برقم (149).
(2) سترد ترجمته برقم (202).
(3) سترد ترجمته برقم (225). * المنتظم: 9 / 195، الكامل في التاريخ: 10 / 532، المحمدون من الشعراء:
2 / 485، تاريخ الاسلام: 4 / 203، دول الاسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 25، ميزان
الاعتدال: 3 / 566، الوافي بالوفيات: 3 / 104، عيون التواريخ: 13 / 335، البداية
والنهاية: 12 / 181، لسان الميزان: 5 / 179، 180، النجوم الزاهرة: 5 / 214،
شذرات الذهب: 4 / 31.
255

ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وسمع بعد العشرين من أبي علي بن شاذان، وبشرى الفاتني، وابن
دوما النعالي، وجده لامه أبي الحسين الصابئ (1)، وعمر دهرا طويلا،
وألحق الصغار بالكبار، ولم يكن سماعه كثيرا.
حدث عنه: حفيده محمد بن أحمد، ومحمد بن جعفر بن عقيل،
وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء العطار، ودهبل بن كاره (2)، وعيسى بن
محمد الكلواذاني، وعبد المنعم بن كليب، وخلق كثير.
قال السمعاني: هو شيخ عالم، فاضل مسن، من ذوي الهيئات (3)،
وكان آخر من روى عن ابن شاذان، ولي منه إجازة. قال ابن ناصر: فيه
تشيع، وكان سماعه صحيحا، بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل، فمن
قرأ عليه في تلك الحالة، فقد أخطأ وكذب عليه، فإنه لم يكن يفهم ما يقرأ
عليه من أول سنة إحدى عشرة (4)، قال ابن ناصر: وسمعته يذكر مولده، ثم
سمعته مرة يقول: سنة خمس عشرة، فكلمته في ذلك، فقال: أردت أن أدفع
عني العين، وإلا فمولدي سنة إحدى عشرة.

(1) قال ابن النجار فيما نقله عنه الصفدي في " الوافي ": 3 / 104: ولم يبق على
وجه الأرض من يروي عن هؤلاء الأربعة غيره، فألحق الصغار بالكبار، وقصد الطلاب من
الأقطار، وحدث كثيرا، وكان صحيح السماع.
(2) في " توضيح المشتبه ": 2 / الورقة: 8: هو أبو الحسن دهبل (بفتح أوله وسكون
الهاء وفتح الموحدة تليها لام) بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن كاره البغدادي
الحريمي، حدث عن أبي القاسم علي بن بيان، وآخرين، توفي في سنة تسع وستين
وخمس مئة.
(3) في الأصل: الهنات، والمثبت من " تاريخ الاسلام "، و " لسان الميزان ".
(4) وخمس مئة، قال المؤلف في " الميزان ": إنه اختلط قبل موته بعامين، فيعتبر
تاريخ السامع منه.
256

قال أبو سعد السمعاني: سمعت أبا العلاء بن عقيل يقول: كان شيخنا
ابن نبهان إذا طول عليه المحدثون، قال: قوموا، فإن عندنا مريضا، بقي على
هذا سنين، فكانوا يقولون: مريض ابن نبهان لا يبرأ.
وقال ابن ناصر: كان ابن نبهان قد بلغ ستا وتسعين سنة، سمعه جده
هلال بن المحسن في سنة ثلاث وعشرين، ولم يكن من أهل الحديث،
وكان أولا على معاملة الظلمة، وكان رافضيا، والصحيح أن مولده سنة
خمس عشرة، وكذا نقل الحميدي، وذكر أنه وجده بخط جده ابن
الصابئ، ومات في شوال سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
159 - ابن بيان *
الشيخ الصدوق المسند، رحلة الآفاق، أبو القاسم علي بن أحمد بن
محمد بن بيان بن الرزاز البغدادي، راوي جزء ابن عرفة.
سمع أبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز، وطلحة
بن الصقر، وأبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، وعبد الملك بن
بشران، والقاضي أبا العلاء الواسطي، وجماعة.
حدث عنه: أبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء
العطار، وأبو محمد بن الخشاب، وأحمد بن محمد بن قضاعة، وأبو
الفضل خطيب الموصل، ووفاء بن أسعد، ومحمد بن بدر الشيحي،
ومحمد بن جعفر بن عقيل، وأبو الفرج محمد بن أحمد بن نبهان، وعبيد الله

* الأنساب: 6 / 107، المنتظم: 9 / 186، الكامل لابن الأثير: 10 / 523 -
524، تاريخ الاسلام: 4 / 197، دول الاسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 21، تذكرة
الحفاظ: 4 / 1261، المستفاد: 181، البداية والنهاية: 12 / 180، شذرات الذهب:
4 / 27.
257

ابن شاتيل، وأحمد بن المبارك بن درك، وأحمد بن أبي الوفاء الصائغ، وأبو
السعادات القزاز، وأبو منصور بن عبد السلام، وخلق كثير، آخرهم أبو
الفرج بن كليب.
قال السمعاني: كان يأخذ على نسخة ابن عرفة دينارا من كل واحد
على ما سمعت، أجاز لي، وحدثني عنه جماعة كثيرة، سمعت أبا بكر
محمد بن عبدا لباقي يقول: كان أبو القاسم بن بيان يقول: أنتم ما تطلبون
الحديث والعلم، أنتم تطلبون العلو، وإلا ففي دربي جماعة سمعوه مني،
فاسمعوه منهم، ومن أراد العلو، فليزن دينار، سمعت محمد بن عبد الله
العطار بمرو يقول: وزنت الذهب لابن بيان حتى سمعت منه جزء ابن عرفة،
وكذا ذكر لي بسمرقند محمد بن أبي العباس أنه أعطاه دينارا وسمعه.
مولد ابن بيان في سنة ثلاث عشرة وأربع مئة، وتوفي في سادس شعبان
سنة عشر وخمس مئة.
قال شجاع الذهلي: هو صحيح السماع.
وقد قال إسماعيل بن السمرقندي وغيره: سمعناه يقول: ولدت سنة
اثنتي عشرة، وبخط ابن عطاف أنة سأله، فقال: كان عندي أنني ولدت سنة
اثنتي عشرة، حتى وجد بخط والدي أنه سنة ثلاث عشرة.
وقال السلفي: سألته، فقال: ولدت بين العيدين سنة ثلاث عشرة.
قال: ومات وأنا بدمشق، ولا يعرف في الاسلام محدث وازاه في قدم السماع.
كذا قال السلفي، وذلك منتقض بالبغوي (1)، وبالوركي، وغيرهما.

(1) هو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي المتوفى سنة
317 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (247).
258

160 - التككي *
الشيخ الصالح، الثقة المعمر، أبو علي الحسن بن محمد بن عبد
العزيز البغدادي التككي، من بقايا أصحاب أبي علي بن شاذان.
حدث عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو بكر السمعاني، وأبو طاهر
السلفي، وسلمان بن مسعود الشحام، وأبو بكر بن النقور، وآخرون.
قال ابن النجار: شيخ صالح، صحيح السماع، ولد سنة أربع
عشرة.
قلت: توفي في رمضان سنة إحدى وخمس مئة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل (1)، أخبرنا الامام موفق الدين
أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة سنة سبع عشرة وست مئة،
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن النرسي، أخبرنا أبو علي التككي الحسن بن
محمد، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا عثمان بن السماك، حدثنا موسى
ابن سهل، حدثنا إسماعيل ابن علية، حدثنا حميد، عن أنس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليدخل العبد الجنة بالاكلة أو الشربة يحمده
عليها " (2).

* تاريخ الاسلام: 4 / 164، العبر: 4 / 1، شذرات الذهب: 4 / 3.
والتككي: نسبة إلى بيع التكك، الأنساب: 3 / 68.
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته " الورقة: 36، فقال: هو إسماعيل بن عبد
الرحمان بن عمرو بن موسى بن عميرة العدل المعمر عز الدين أبو الفداء المرداوي ثم
الصالحي الحنبلي الفراء والده، ويعرف بابن المنادي، شيخ صالح كثير التلاوة، حسن
التواضع والسكينة، روى الكثير عن ابن قدامة، وابن راجح، وابن البن، وابن أبي لقمة،
والقزويني، مولده في سنة عشر وست مئة، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع مئة بقاسيون.
(2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن سهل وهو الوشاء البغدادي، ضعفه الدارقطني،
وقال البرقاني: ضعيف جدا، لكن أخرجه مسلم (2734) في الذكر والدعاء: باب
استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، وأحمد 3 / 110، 117، والترمذي (1816)
في الأطعمة من طرق عن زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس بن مالك
مرفوعا بلفظ: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، أو يشرب الشربة فيحمده عليها "
259

161 - ابن الموصلي *
الشيخ المسند الثقة أبو عبد الله هبة الله بن أحمد بن محمد بن علي
الزهري، الموصلي، ثم البغدادي، المراتبي (1)، شيخ صالح خير،
صحيح السماع.
سمع أبا القاسم بن بشران، والحسين بن علي بن بطحاء.
وعنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وابن ناصر،
والسلفي، وشهدة، وخطيب الموصل.
ولد سنة إحدى وعشرين وأربع مئة في ربيع الأول منها، وتوفي في
شهر رمضان سنة اثنتين وخمس مئة.
162 - الروياني * *
القاضي العلامة، فخر الاسلام، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد

. * تاريخ الاسلام: 4 / 168.
(1) في تاريخ المؤلف: من أهل باب المراتب، وباب المراتب، أحد أبواب دار
الخلافة ببغداد، كان من أجل أبوابها وأشرفها.
(* *) السياق: الورقة / 52 ب، الأنساب: 6 / 189 - 190، المنتظم: 9 / 160،
معجم البلدان: 3 / 104، المنتخب: الورقة / 98 ب، الاستدراك (خ) 1: 201 / 1،
اللباب: 2 / 44، الكامل في التاريخ: 10 / 473، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 277،
وفيات الأعيان: 3 / 198 - 199، تاريخ الاسلام: 4 / 167، دول الاسلام 2 / 31،
العبر: 4 / 4 - 5، عيون التواريخ: 13 / 234، مرآة الجنان: 3 / 171 - 172، مرآة
الزمان: 8 / 18، طبقات السبكي: 7 / 193، طبقات الأسنوي: 1 / 565 - 566، البداية
والنهاية، النجوم الزاهرة: 5 / 197، مفتاح السعادة: 2 / 351، تاريخ الخميس:
2 / 361، كشف الظنون: 1 / 226، 355، شذرات الذهب: 4 / 4، هدية العارفين:
1 / 634، إيضاح المكنون: 2 / 130.
260

الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي.
مولده في آخر سنة خمس عشرة وأربع مئة، وتفقه ببخارى مدة.
سمع أبا منصور محمد بن عبد الرحمن الطبري، وأبا غانم أحمد بن
علي الكراعي المروزي، وعبد الصمد بن أبي نصر العاصمي البخاري، وأبا
نصر أحمد بن محمد البلخي، وشيخ الاسلام أبا عثمان الصابوني، وعبد الله
ابن جعفر الخبازي، وأبا حفص بن مسرور، وأبا بكر عبد الملك بن عبد
العزيز، وأبا عبد الله محمد بن بيان الفقيه، وعدة.
وارتحل في طلب الحديث والفقه جميعا، وبرع في الفقه، ومهر،
وناظر، وصنف التصانيف الباهرة.
حدث عنه: زاهر الشحامي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو
طاهر السلفي، وأبو رشيد إسماعيل بن غانم، وأبو الفتوح الطائي، وعدة،
وكان يقول: لو احترقت كتب الشافعي، لأمليتها من حفظي، وله كتاب
" البحر " في المذهب، طويل جدا، غزير الفوائد (1). وكتاب " مناصيص
الشافعي "، وكتاب " حلية المؤمن "، وكتاب " الكافي ".

(1) قال أبو عمرو بن الصلاح فيما نقله عنه النووي في " تهذيب الأسماء واللغات ":
2 / 277: هو في البحر كثير النقل، قليل التصرف والتزييف والترجيح.
وقال ابن كثير في " البداية ": 12 / 170: وهو حافل كامل شامل للغرائب وغيرها،
وفي المثل: حدث عن البحر ولا حرج.
وقال السبكي في الطبقات: 7 / 195: وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب إلا أنه
عبارة عن حاوي الماوردي مع فروع تلقاها الروياني عن أبيه عن جده، ومسائل أخر، فهو
أكثر من " الحاوي " فروعا، وإن كان الحاوي أحسن ترتيبا، وأوضح تهذيبا.
261

وكان ذا جاه عريض، وحشمة وافرة، وقبول تام، وباع طويل في
الفقه.
قال السلفي: بلغنا أنه أملى بآمل، وقتل بعد فراغه من مجلس الاملاء
بسبب التعصب في الدين في المحرم.
قال: وكان العماد محمد بن أبي سعد صدر الري في عصره يقول: أبو
المحاسن القاضي شافعي عصره.
قال معمر بن الفاخر: قتل بجامع آمل يوم جمعة حادي عشر المحرم،
قتلته الملاحدة - يعني الإسماعيلية - (1) قال: وكان نظام الملك كثير
التعظيم له.
قلت: قتل سنة إحدى وخمس مئة. ورويان: بلدة من أعمال
طبرستان، وأما الري، فمدينة كبيرة، والنسبة إليها رازي.
163 - ابن الفارسي *
الامام المحدث، المتقن العالم الصدوق، أبو عبد الله إسماعيل بن
عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد الفارسي، ثم النيسابوري، ولد
الشيخ أبي الحسين، وزوج ابنة الأستاذ القشيري.
أكثر عن أبيه، وأبي حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان
النصروي، وأحمد بن محمد بن الحارث النحوي، ومحمد بن عبد العزيز
النيلي، وأبي حفص بن مسرور، فمن بعدهم.

(1) في طبقات السبكي: 7 / 195: ومات شهيدا بعد فراغه من الاملاء. * المنتخب: الورقة / 44 أ، الورقة: 61، العبر: 4 / 7 - 8، عيون التواريخ:
13 / 260 - 261، تاريخ الاسلام: 4 / 170، شذرات الذهب: 4 / 7 - 8.
262

وارتحل سنة ثلاث وخمسين، وطوف أعواما في فارس، وخوزستان،
وكتب بخطه نحوا من ألف جزء، وسمع ببغداد أبا محمد الجوهري،
وطبقته.
حدث عنه: ولده الحافظ عبد الغافر، وبنته أم سلمة، وعمر بن أحمد
الصفار، وأبو بكر التفتازاني، وعبد الله بن الفراوي، وعبد الخالق بن
زاهر، وأبو شجاع البسطامي، وعدة.
قال السمعاني: كان فاضلا عالما، لم يفتر من السماع والتحصيل.
قلت: توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمس مئة، وله نيف وثمانون
سنة.
وفيها مات شيخ الشافعية أبو الحسن علي بن محمد إلكيا (1) الهراسي،
وعبد المنعم بن الغمر الكلابي، وأبو يعلى حمزة بن محمد الزينبي أخو
طراد، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد البلدي النسفي، ومقرئ مصر أبو
الحسين الخشاب.
164 - ابن باديس *
صاحب إفريقية، السلطان أبو يحيى تميم بن المعز بن باديس بن

(1) هو بكسر الكاف: وفتح الياء المثناة من تحتها، وبعدها ألف، معناه في اللغة
العجمية: الكبير القدر، والمقدم بين الناس، وسترد ترجمته برقم (207). * الكامل في التاريخ: 10 / 449 - 451، الحلة السيراء: 2 / 21 - 26، وفيات
الأعيان: 1 / 304 - 306، البيان المغرب: 1 / 288 - 295، تاريخ الاسلام: 4 / 164،
دول الاسلام: 2 / 30، العبر: 4 / 1، تتمة المختصر: 2 / 32، الوافي بالوفيات:
10 / 414 - 416، عيون التواريخ: 13 / 224 - 226، مرآة الزمان: 8 / 17 - 18، البداية
والنهاية: 12 / 170، أعمال الاعلام: 3 / 73، تاريخ ابن خلدون: 6 / 157 - 159،
النجوم الزاهرة: 5 / 197، 198، شذرات الذهب: 4 / 2 - 3.
263

المنصور الحميري، الصنهاجي (1)، من أولاد الملوك، كان بطلا شجاعا،
مهيبا سائسا، عالما شاعرا (2)، جوادا ممدحا (3).
ولد سنة (422)، وولي المهدية (4) لأبيه سنة خمس وأربعين، ثم بعد
أشهر مات المعز، وتملك هذا، فامتدت أيامه إلى أن مات في رجب سنة
إحدى وخمس مئة، وخلف من البنين فوق المئة، ومن البنات ستين بنتا على
ما قاله حفيده العزيز بن شداد، ثم تملك بعده ابنه يحيى بن تميم، فأحسن
السيرة، وافتتح حصونا كثيرة.
165 - صاحب الحلة *
الملك، سيف الدولة، صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب

(1) نسبة إلى صنهاجة: قبيلة مشهورة من حمير، وهي بالمغرب.
(2) ومن شعره ما أنشده الصفدي في " الوافي ": 10 / 415:
إن نظرت مقلتي لمقلتها * تعلم مما أريد نجواه
كأنها في الفؤاد ناظرة * تكشف أسراره وفحواه
(2) ومن قول أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني فيه:
أصح وأعلى ما رويناه في الندى * من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا * عن البحر عن كف الأمير تميم
(4) المهدية: مدينة بساحل إفريقية، بينها وبين القيروان ستون ميلا، بناها عبيد الله
الشيعي الخارج على بني الأغلب، والعبيديون الذين حكموا مصر منسوبون إليه، وهو سماها
المهدية نسبها إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها في سنة 300 ه‍، الروض المعطار: ص
561، 562. * المنتظم: 9 / 159، أخبار الدولة السلجوقية: 80 - 81، الكامل في التاريخ:
10 / 440 - 449، وفيات الأعيان: 2 / 490 - 491، تاريخ الاسلام: 4 / 164، دول
الاسلام: 2 / 29 - 30، العبر: 4 / 1، تتمة المختصر: 2 / 31 - 32، عيون التواريخ:
13 / 229 - 233، مرآة الزمان: 8 / 15 - 16، البداية والنهاية: 12 / 170، تاريخ ابن
خلدون: 5 / 38، النجوم الزاهرة: 5 / 196، شذرات الذهب: 4 / 2.
264

دبيس بن علي بن مزيد الأسدي الناشري (1) العراقي، اختط مدينة الحلة (2) في
سنة خمس وتسعين وأربع مئة، وسكنها الشيعة، كان ذا بأس وإقدام، نافر
السلطان محمد بن ملكشاه (3)، وحاربه، فالتقى الجمعان عند النعمانية (4)،
فقتل صدقة في المصاف سنة إحدى وخمس مئة (5)، وقد نفذ إليه المستظهر
بالله ينهاه عن الخروج، فما سمع، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون
ألف راجل، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم
ولوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجرح فرسه المهلوب، وكان عديم
المثل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته
ضربة سيف في وجهه، وقتل (6)، وهلك من العرب ثلاثة آلاف، وأسر ابنه
دبيس ووزيره وعدة، ومات أبوه سنة (479) (7).

(1) نسبة إلى ناشرة بن نصر بن سواءة بن الحارث بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان
ابن أسد بن خزيمة. " اللباب ": 3 / 289.
(2) بلدة بالعراق بين بغداد والكوفة على الفرات في بر الكوفة.
(3) ابن ألب أرسلان السلجوقي المتوفى سنة 511 ه‍: كان رجل الملوك السلجوقية
وفحلهم، وله الآثار الجميلة، والسيرة الحسنة، والمعدلة الشاملة، وسترد ترجمته برقم
(294).
(4) بلدة بين الحلة وواسط.
(5) في اللباب: سنة 500 ه‍.
(6) قال ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 449 بعد أن سرد أخباره: وكان جوادا حليما
صدوقا، كثير البر والاحسان، ما برح ملجأ لكل ملهوف، يلقى من يقصده بالبر والتفضل،
ويبسط قاصديه ويزورهم، وكان عادلا، والرعايا معه في أمن ودعة، وكان عفيفا لم يتزوج
على امرأته، ولا تسرى عليها، فما ظنك بغير هذا، ولم يصادر أحدا من نوابه، ولا أخذهم
بإساءة قديمة، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته، ويدلون عليه إدلال الولد على
الوالد، ولم يسمع برعية أحبت أميرها كحب رعيته له، وكان متواضعا، محتملا، يحفظ
الاشعار، ويبادر إلى النادرة رحمه الله، لقد كان من محاسن الدنيا.
(7) في الأصل: 489، والتصويب من تاريخ المصنف، و " وفيات الأعيان " 2 / 491.
265

166 - التميمي *
مفتي سبتة، القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسن (1) التميمي
المغربي السبتي المالكي.
أخذ عن أبي محمد المسيلي، ولازمه، وعن أبي عبد الله بن
العجوز.
وسمع " صحيح البخاري " بالمرية على ابن المرابط، وأخذ بقرطبة
عن عبد الملك بن سراج، ومحمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني.
وكان حسن العقل، مليح السمت، متجملا نبيلا، تفقه به أهل
بلده، وكان يسمى الفقيه العاقل، تفقه به أبو محمد بن شبونة، والقاضي
عياض، وأبو بكر بن صلاح.
رحل إليه الناس من النواحي، وبعد صيته، واشتهر ذكره، وتخرج به
أئمة، وكان دينا، سريع الدمعة، مؤثرا للطلبة، بنى جامع سبتة، وعزل
نفسه من القضاء بأخرة، ثم طلبوه، وولوه قضاء فاس، فلم تعجبه الغربة،
فرجع إلى وطنه، وتوفي في جمادى الآخرة سنة خمس وخمس مئة، قال
ذلك تلميذه أبو عبد الله محمد بن حمادة الفقيه، وبالغ في تعظيمه، بحيث
إنه قال: كان إمام المغرب في وقته، ولم يكن في قطر من الأقطار منذ يحيى
ابن يحيى الأندلسي من حمل الناس عنه أكثر منه، ولا أكثر نجابة من أصحابه.
قلت: عاش سبعا وسبعين سنة، ضبط القاضي مولده في سنة ثمان
وعشرين وأربع مئة، وأخرج عنه في " الشفاء ".

* ترتيب المدارك: 4 / 584، الصلة: 2 / 605، تاريخ الاسلام: 4 / 173 -
174، شجرة النور الزكية: 124، والغنية: 99 - 155.
(1) في " الصلة " و " الغنية " وتاريخ المصنف: حسين.
266

167 - ابن غطاش *
طاغية الإسماعيلية (1)، هو الرئيس أحمد بن عبد الملك بن غطاش
العجمي.
كان أبوه من كبار دعاة الباطنية، ومن أذكياء الأدباء، له بلاغة وسرعة
جواب، استغوى جماعة، ثم هلك، وخلفه في الرياسة ابنه هذا، فكان
جاهلا، لكنه شجاع مطاع، تجمع له أتباع، وتحيلوا، حتى ملكوا قلعة
أصبهان التي غرم عليها السلطان ملكشاه ألفي ألف دينار، وصاروا يقطعون
السبل، والتف عليهم كل فاجر، ودام البلاء بهم عشر سنين، حتى نازلهم
محمد بن ملكشاه أشهرا، فجاعوا، ونزل كثير منهم بالأمان، وعصى ابن
غطاش في برج أياما، وجرت أمور طويلة (2)، ثم أخذ وسلخ، وتأمر على
الباطنية بعده ابن صباح (3)، وكانوا بلاء على المسلمين، وقتلوا عددا من
الأعيان بشغل السكين.

* المنتظم: 9 / 150 - 151، الكامل لابن الأثير: 10 / 316 - 318، 430 -
434، دول الاسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 354 - 355، تتمة المختصر: 2 / 31، عيون
التواريخ: 13 / 155، مرآة الزمان: 8 / 12 - 13، البداية والنهاية: 12 / 167، النجوم
الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 410.
(1) قال ابن الأثير: وهم الذين كانوا يسمون قبل ذلك القرامطة.
(2) انظر " الكامل " لابن الأثير: 10 / 430، 434.
(3) هو الحسن بن صباح بن علي الإسماعيلي صاحب الدعوة النزارية، وجد أصحاب
قلعة الموت. قال الامام الذهبي في " الميزان " 1 / 500: كان من كبار الزنادقة، ومن دهاة
العالم، وله أخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي الكبير في " حوادث سنة أربع وتسعين
وأربع مئة " وأصله من مرو، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر، يغوي الخلق،
ويضل الجهلة إلى أن صار منه ما صار، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة، كثير
المكر والحيل، بعيد الغور، لا بارك الله فيه.
267

168 - متولي همذان *
الأمير أبو هاشم زيد بن الحسين بن علي العلوي الحسيني الهمذاني
سبط الصاحب إسماعيل بن عباد، كان هيوبا مطاعا، جبارا عسوفا، كثير
الأموال، يطرح ما يساوي مئة بثلاث مئة وأزيد، وقد صادره السلطان مرة،
فأدى جملة سبع مئة ألف دينار، وكانت الرعية معه في بلاء وضر.
مات في رجب سنة اثنتين وخمس مئة، وله ثلاث وتسعون سنة.
169 - الكشاني * *
الامام الخطيب أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن محمد بن أحيد
الكشاني (1).
ثقة مكثر مسند.
ولد في نحو سنة عشر وأربع مئة.
حدث عن محمد بن الحسن الباهلي، وعلي بن أحمد بن ربيع
السنكباثي (2)، وأبي سهل عبد الكريم الكلاباذي، وعدة.
وعنه: إبراهيم بن يعقوب الكشاني، وآصف بن محمد الخالدي،

* المنتظم: 9 / 160، الكامل: 10 / 473 - 474، تاريخ الاسلام: 4 / 166،
النجوم الزاهرة: 5 / 199.
(* *) الأنساب: 10 / 433 - 434، تاريخ الاسلام: 4 / 167.
(1) ضبط في الأصل كما في " الأنساب " بضم الكاف، وضبطها ياقوت بالفتح، وهذه
النسبة إلى كشانية، بلدة من بلاد الصغد بنواحي سمرقند على اثني عشر فرسخا منها.
(2) نسبة إلى سنكباث قرية من قرى الصغد من نواحي سمرقند، وعلي بن أحمد هذا
هو أحد الأئمة الزهاد المشهورين بسمرقند، المتوفى سنة 452 ه‍ كما في الأنساب:
7 / 173.
268

وعطاء [بن] (1) مالك بن أحمد النقاش، وأبو المعالي محمد بن نصر
المديني، وآخرون.
مات في رجب سنة اثنتين وخمس مئة.
170 - التبريزي *
إمام اللغة، أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد بن حسن بن بسطام
الشيباني، الخطيب، التبريزي، أحد الاعلام.
ارتحل، وأخذ الأدب عن أبي العلاء المعري، وعبيد الله بن علي
الرقي، وأبي محمد بن الدهان.
وسمع بصور من الفقيه سليم، وعبد الكريم بن محمد السياري، وأبي
بكر الخطيب، وأقام بدمشق مدة، ثم ببغداد، وكثرت تلامذته، وأقرأ علم
اللسان (2).

(1) الزيادة من " الأنساب ". * الأنساب: 3 / 21، تاريخ ابن عساكر: 18: 87 / 1 - 88 / 2، نزهة الألباء:
372 - 374، المنتظم: 9 / 161 - 163، معجم الأدباء: 20 / 25 - 28، الاستدراك:
1: 69 / 2، اللباب: 1 / 206 - 207، الكامل في التاريخ: 10 / 473، إنباه الرواة:
رقم: 816، وفيات الأعيان: 6 / 191 - 196، مختصر دول الاسلام لابن العبري:
2 / 22، المختصر في أخبار البشر: 2 / 224، تلخيص ابن مكتوم: 271 - 272،
المستفاد: 257، عيون التواريخ: 13 / 241 - 245، مرآة الجنان: 3 / 172، البداية
والنهاية: 12 / 171، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: 530 - 531، النجوم الزاهرة:
5 / 197، بغية الوعاة: 2 / 338، مفتاح السعادة: 1 / 117، كشف الظنون: 108،
992، شذرات الذهب: 4 / 5، الفلاكة والمفلوكين: 66، هدية العارفين: 2 / 519،
بروكلمان: 1 / 71، دائرة المعارف الاسلامية: 4 / 567 - 570.
(2) وولي تدريس الأدب بالنظامية، وخزانة الكتب بها.
269

أخذ عنه ابن ناصر، وأبو منصور بن الجواليقي، وسعد الخير
الأندلسي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، والسلفي.
وقد روى عنه شيخه الخطيب، وكان ثقة، صنف شرحا للحماسة،
ولديوان المتنبي، ولسقط الزند، وأشياء (1)، ودخل إلى مصر، وأخذ عن
طاهر بن بابشاذ (2)، وله شعر رائق.
ولم يكن بالصين، قال ابن نقطة: ثقة في علمه، مخلط في دينه،
ولعبة (3) بلسانه، وقيل: إنه تاب.
وتبريز: بكسر أوله، قاله ابن ناصر.
وقال أبو منصور بن خيرون: ما كان بمرضي الطريقة (4).

(1) منها وهو مطبوع متداول " الوافي في العروض والقوافي " وشرح المفضليات،
وشرح القصائد العشر، وشرح المقصورة لابن دريد.
(2) " بالشين والذال المعجمتين ومعناه: الفرح والسرور " ابن داود المصري أحد الأئمة في
العربية، وصاحب المصنفات المفيدة فيها كشرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب الأصول لابن
السراج، توفي سنة 469 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (225).
(3) أي: يلعب بلسانه، قال أهل العربية: ما جاء على " فعلة " وهو وصف، فهو
للفاعل نحو: هذرة، وطلقة، وهمزة، وصرعة: إذا كان مهذارا مطلاقا مصارعا عيابا، فإن
سكنت العين من " فعلة " وهو وصف، فهو للمفعول به، تقول: رجل لعنة، أي: يلعنه
الناس، فإن كان هو يلعن الناس قلت: لعنة، ورجل سبة: أي يسبه الناس، فإن كان هو
يسب الناس قلت: سببة، وكذلك: هزأة وهزأة، وسخرة وسخرة، وضحكة وضحكة، وخدعة
وخدعة.
(4) النص بتمامه كما جاء في " الذيل " للسمعاني، ونقله عنه ياقوت في " معجم
الأدباء " 20 / 27: قال السمعاني: سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن
خيرون المقرئ، يقول: أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضي الطريقة، كان
يدمن شرب الخمر، ويلبس الحرير، والعمامة المذهبة، وكان الناس يقرؤون عليه تصانيفه
وهو سكران، فذاكرت أبا الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون، فسكت،
وكأنه لم ينكر ذلك، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة، وما كان يرويه وينقله.
270

قلت: توفي لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمس مئة،
وله إحدى وثمانون سنة.
171 - أبو الهيجاء *
الأمير الشاعر، شبل الدولة، مقاتل بن عطية البكري الحجازي، سار
إلى بغداد، وإلى غزنة وخراسان، ومدح الكبار، واختص بنظام الملك (1)،
ثم سار إلى ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان، ومعه ورقة وقع له فيها
المستظهر بالله: يا أبا الهيجاء أبعدت النجعة (2)، أسرع الله بك الرجعة،
وفي ابن العلاء مقنع، وطريقه في الخير مهيج (3)، فلما دخل على ابن
العلاء، أراه الورقة، فقام وخضع لها، وأمر في الحال له بألف دينار، فلما
أنشده:
دع العيس تذرع عرض الفلا * إلى ابن العلاء وإلا فلا
أمر له بألف دينار أخرى، وفرس وخلعة، ثم نزل بهراة، وهوي بها
امرأة، ثم مرض وتسودن، ومات في حدود خمس وخمس مئة.

* وفيات الأعيان: 5 / 257 - 260، تاريخ الاسلام: 4 / 177، النجوم الزاهرة:
5 / 204.
(1) وقد زوجه نظام الملك ابنته، ولما قتل، رثاه بقوله:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمان من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف
انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 206، وابن خلكان: 2 / 130، وأخبار الدولة
السلجوقية: 71.
(2) النجعة: طلب الكلأ، ومساقط الغيث، ويستعار في غير ذلك، فيقال: فلان
نجعتي: أي أملي.
(3) أي: واضح واسع بين، وتمام ما جاء في الورقة كما في ابن خلكان: وما يسديه
إليك تستحلي ثمرة شكره، وتستعذب مياه بره.
271

172 - أبو غالب العدل *
الشيخ العدل الجليل المعمر، مسند همذان، أبو غالب أحمد بن
محمد بن أحمد بن محمد بن القارئ، الهمذاني الخفاف، وجد سماعه
في أصول المحدثين.
حدث عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة، ومنصور بن عبد الرحمن
الحنبلي، والحسين بن عمر النهاوندي.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وشهردار بن شيرويه، وأبو الكرم علي
ابن عبد الكريم، وأظن أن الحافظ أبا العلاء العطار سمع منه، فإنه أدركه،
وحدث في سنة ست وخمس مئة، وكان من أبناء التسعين.
لم يذكر له شيرويه وفاة، وكان من أهل الشهادات.
173 - البحيري * *
الشيخ الامام الأمين الجليل أبو سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد بن
أحمد البحيري النيسابوري المحدث.
ولد سنة تسع عشرة وأربع مئة، وكان يقول: قرأت " صحيح مسلم "
على أبي الحسين عبد الغافر الفارسي (1) أكثر من عشرين مرة.

* تاريخ الاسلام: 4 / 178، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281،
شذرات الذهب: 4 / 13 - 14.
(* *) المنتظم: 9 / 158، الكامل في التاريخ: 10 / 456، تاريخ الاسلام: 4 / 164.
(1) الفسوي ثم النيسابوري التاجر: وكان سماعه صحيح مسلم من الجلودي سنة
خمسة وستين وثلاث مئة، ترجمه المؤلف في الجزء الثامن عشر رقم (13)
ونقل عن حفيده أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل قوله: كان شيخا،
ثقة، صالحا، صائنا، محظوظا من الدين والدنيا، مجدودا في الرواية على قلة
سماعه، مشهورا، مقصودا من الآفاق، سمع منه الأئمة والصدور، وقرأ الحافظ الحسن
السمرقندي عليه صحيح مسلم نيفا وثلاثين مرة، وقرأه عليه أبو سعيد البحيري نيفا وعشرين
مرة، وممن قرأه عليه من مشاهير الأئمة زين الاسلام أبو القاسم القشيري والواحدي
وغيرهما، استكمل خمسا وتسعين سنة، وتوفي سنة 448 ه‍. وأبو الحسن هذا روى صحيح
مسلم عن الشيخ الصالح الزاهد عيسى بن محمد بن عبد الرحمان الجلودي، عن الفقيه
الزاهد المجتهد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، عن الإمام مسلم بن
الحجاج القشيري، وأورد الامام النووي في مقدمة شرح مسلم: 1 / 6، 10 إسناده منه إلى
الإمام مسلم، فقال: أخبرنا بجميع صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله الشيخ الأمين العدل
الرضى أبو إسحاق إبراهيم بن أبي حفص، عمر بن مضر الواسطي رحمه الله بجامع دمشق حماها
الله وصانها وسائر بلاد الاسلام وأهله، قال: أخبرنا الامام ذو الكنى أبو القاسم، أبو بكر، أبو
الفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي، قال: أخبرنا الامام فقيه الحرمين أبو جدي أبو عبد الله
محمد بن الفضل الفراوي، قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر الفارسي، قال: أخبرنا أبو أحمد
محمد بن عيسى الجلودي، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، أخبرنا
الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله، ثم ترجم لكل واحد منهم على سبيل الاختصار
فراجعه.
272

سمع من الحافظ أبي بكر أحمد بن منجويه، وأبي حسان المزكي،
وأبي العلاء صاعد بن محمد، وعبد الرحمن النصروي.
وعنه: إسماعيل بن جامع، وأبو شجاع البسطامي، وإسماعيل بن
محمد التيمي.
قال السمعاني: سمع بإفادته خلق، وتفقه على ناصر العمري، وكان
يقرأ دائما " صحيح مسلم " للغرباء والرحالة، وأضر بأخرة.
وقال ابن النجار: كان نظيفا عفيفا، اشتغل بالتجارة، وبورك له فيها،
وحصل مالا.
توفي في آخر سنة إحدى وخمس مئة بنيسابور.
أملى مجالس
273

174 - أبي النرسي *
الشيخ الامام الحافظ، المفيد المسند، محدث الكوفة، أبو الغنائم
محمد بن علي بن ميمون بن محمد النرسي، الكوفي، المقرئ، الملقب
بأبي لجودة قراءته.
ولد سنة أربع وعشرين وأربع مئة.
وسمع محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وأبا طاهر محمد بن
العطار، ومحمد بن إسحاق بن فدويه، ومحمد بن محمد بن خازم بن
نفط، وأبا عبد الله بن حبيب القادسي، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا بكر بن
بشران، وأبا القاسم التنوخي، والقاضي أبا الطيب الطبري، وأبا منصور بن
السواق، وكريمة المروزية المجاورة، وعبد العزيز بن بندار الشيرازي، وأبا
الحسن أحمد بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد بن قفرجل، وأبا
الفتح بن شيطا، وخلقا سواهم، وسمع بالشام لما زار بيت المقدس، وكان
ينوب عن خطيب الكوفة.
حدث عنه: الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي مع تقدمه، وابن ناصر،
والسلفي، ومعالي بن أبي بكر الكيال، ومسلم بن ثابت، ومحمد بن حيدرة
الحسيني، وعدة، وتلا عليه لعاصم (1) أبو الكرم الشهرزوري بحق قراءته

المنتظم: 9 / 189، تاريخ الاسلام: 4 / 198، دول الاسلام: 2 / 37،
العبر: 4 / 22، تذكرة الحفاظ: 4 / 1260 - 1262، المستفاد: 28 - 30، الوافي:
4 / 143 - 144، عيون التواريخ: 13 / 329، النجوم الزاهرة: 5 / 212، طبقات
الحفاظ: 458، شذرات الذهب: 4 / 29، هدية العارفين: 2 / 83.
(1) ابن بهدلة الكوفي الحناط مولى بني أسد، شيخ الأقراء بالكوفة، وأحد القراء
السبعة المتوفى سنة 128 ه‍ تقدمت ترجمته في الجزء الخامس رقم (119).
274

على العلوي، عن أبي عبد الله الجعفي، وسمع منه الحميدي، وجعفر
الحكاك، وابن الخاضبة، وأبو مسلم عمر بن علي الليثي، وعبد المحسن
الشيحي.
وخرج لنفسه معجما، ونسخ الكثير، وكان يقول: كنت أقرأ على
المشايخ وأنا صبي، فقال الناس، أنت أبي، لجودة قراءتي، وأول سماعي
في سنة اثنتين وأربعين، ولحقت البرمكي، فسمعت منه ثلاثة أجزاء ومات.
قال عبد الوهاب الأنماطي: كانت له معرفة ثاقبة، ووصفه بالحفظ
والاتقان.
وقال ابن ناصر: كان ثقة حافظا، متقنا، ما رأينا مثله (1)، كان
يتهجد، ويقوم الليل، قرأ عليه أبو طاهر بن سلفة حديثا، فأنكره، وقال:
ليس هذا من حديثي، فسأله عن ذلك، فقال: أعرف حديثي كله، لاني
نظرت فيه مرارا، فما يخفى علي منه شئ.
وكان يقدم كل سنة من الكوفة من سنة ثمان وتسعين في رجب، فيبقى
ببغداد إلى بعد الفطر، ويرجع، وكان ينسخ بالاجرة، يستعين على العيال،
وكذا كان أبو عامر العبدري يثني عليه، ويقول: ختم هذا الشأن بأبي
رحمه الله.
مرض أبي ببغداد، وحمل، فأدركه الاجل بالحلة، وحمل إلى الكوفة
ميتا، فدفن بها، مات يوم سادس عشر شعبان سنة عشر وخمس مئة.
قلت: عاش ستا وثمانين سنة.

(1) النص في " الوافي ": 4 / 144 عن ابن ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم بن
النرسي في ثقته، وحفظه، ما كان أحد يقدر أن يدخل في حديثه ما ليس منه.
275

ولأبي الفرج بن كليب منه إجازة.
وفيها مات مسند زمانه أبو القاسم بن بيان الرزاز، ومسند زمانه أبو بكر
عبد الغفار بن محمد الشيروي (1)، ومحدث واسط خميس الحوزي (2)،
وأبو الخير المبارك بن الحسين الغسال المقرئ (3)، وأبو طاهر محمد بن
الحسين الحنائي (4)، والحافظ أبو بكر محمد بن منصور السمعاني (5)،
ومحمود بن سعادة السلماسي، وأبو الفتح نصر بن أحمد الحنفي (6) بهراة.
175 - الأعمش *
الامام الحافظ، محدث همذان، أبو العلاء، حمد بن نصر بن أحمد
الهمذاني الأديب، المعروف بالأعمش، ذكره شيرويه، وأبو سعد
السمعاني.
مولده في سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
سمع من أبي مسلم بن غزو النهاوندي، وعبيد الله بن الحافظ بن
منده، وأبي محمد بن ماهله - واسمه هارون - وعلي بن حميد الحافظ،
وطبقتهم.

(1) تقدمت ترجمته برقم (153).
(2) سترد ترجمته برقم (205).
(3) سترد ترجمته برقم (211).
(4) سترد ترجمته برقم (255).
(5) سترد ترجمته برقم (214).
(6) سترد ترجمته برقم (232). * مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 223، تاريخ الاسلام: 4 / 207،
تذكرة الحفاظ: 4 / 1250، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 141 - 142، طبقات الحفاظ:
454، شذرات الذهب: 4 / 31.
276

قال السمعاني: أجار لي مروياته، وكان عارفا بالحديث، حافظا
ثقة، مكثرا، سمع بنفسه وأملى، مات في عاشر شوال سنة اثنتي عشرة
وخمس مئة عن نيف وثمانين سنة، وهو حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن
معروف.
قلت: حدث عنه السلفي، وأبو العلاء العطار المقرئ، وجماعة،
وكان بصيرا بمذهب أحمد، ناصرا للسنة، وافر الحرمة ببلده، بارع الأدب.
قرأت على أحمد بن عبد الكريم المحتسب (1)، أخبرني نصر بن جرو،
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، سمعت حمد بن نصر الحافظ بهمذان،
سمعت علي بن حميد الحافظ، سمعت طاهر بن عبد الله الحافظ، سمعت
حمد بن عمر الزجاج الحافظ يقول: لما أملى صالح بن أحمد التميمي
الحافظ بهمذان كانت له رحى، فباعها بسبع مئة دينار، ونثرها على محابر
أصحاب الحديث. رواه أبو سعد السمعاني، عن رجل، عن السلفي.
176 - ابن الآبنوسي
* الامام المحدث الصادق أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن

(1) ترجمة المؤلف في مشيخته الورقة 12، فقال: أحمد بن عبد الكريم بن غازي
أبن أحمد الفقيه، أبو العباس الواسطي المصري المعروف بابن الأغلاقي، سمع من عبد
القوي بن الحباب، ونصر بن جرو، وابن باقا، وعبد الغفار بن شجاع المحلي، وأبي
البركات هبة الله بن محمد المقدسي، ومكرم القرشي، مولده في سنة تسع أو سنة عشر وست
مئة، وكان ينوب في الحسبة بالقاهرة، ويؤم بمسجد بين القصرين، ثم وجدت بعد أنه ولد
سنة ست عشرة وست مئة، وأن جده عرف بالأغلاقي، لكونه كان يأمر غلمانه بالاحتراز بغلق
الأبواب، توفي في صفر سنة ست وتسعين وست مئة. * تاريخ الاسلام: 4 / 173، العبر: 4 / 9، المستفاد: 147 - 148، عيون
التواريخ: 13 / 270، شذرات الذهب: 4 / 10.
277

محمد بن الآبنوسي، البغدادي، والد الفقيه أبي الحسن أحمد بن الآبنوسي.
كان مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
وسمع من أبي محمد الجوهري، وأبي القاسم التنوخي، وأبي طالب
العشاري، وأبي الطيب الطبري، وأبي بكر بن بشران، وابن مكي السواق،
وسمع " تاريخ الخطيب " منه.
روى عنه محمد بن محمد السنجي، وعبد الله الحلواني، وأبو طاهر
السلفي، وكان أحد الوكلاء عند الدامغاني.
قال أبو بكر السمعاني: سمعته يقول: كنت لا أسمع مدة من التنوخي
لما أسمع من ميله إلى الاعتزال، ثم سمعت منه، وصرت عنده أعز من كل
أحد، وكان يسميني: يحيى بن معين.
مات ابن الآبنوسي في سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وخمس مئة.
قال ابن ناصر: كان أبو محمد ثقة مستورا، له معرفة بالحديث.
قال السلفي: هو من أهل المعرفة بالحديث وقوانينه التي لا يعرفها إلا
من طال اشتغاله به، وكان ثقة شافعيا، كتبنا عنه بانتقاء البرداني
وابنه:
177 - [أبو الحسن الآبنوسي] *
الإمام أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي الشافعي الوكيل.

* المنتظم: 10 / 126، تاريخ الاسلام: الورقة: 58، العبر: 4 / 114، وذكره
الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1294، الوافي بالوفيات: 7 / 114، طبقات
السبكي: 6 / 21، شذرات الذهب: 4 / 130.
278

مولده سنة (466).
سمع أبا القاسم بن البسري، وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي،
ومحمد بن محمد الزينبي، ورزق الله، وعدة، وتفقه على القاضي محمد
ابن المظفر الشامي، ونظر في الاعتزال، ثم أنقذه الله (1) وتسنن.
حدث عنه: ابنته شرف النساء، وابن عساكر، والسمعاني، وسليمان
الموصلي، وأبو اليمن الكندي، وعدة، وأجاز لأبي منصور بن عفيجة.
قال السمعاني: فقيه، مفت، زاهد، اختار الخمول وترك الشهرة،
وكان كثير الذكر، تاركا للتكليف (2).
قلت: جمع وصنف، ودعا إلى السنة.
قيل: كان لا يأتي الجمعة، وما علم عذره، ولا رؤي في مسجد.
مات في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة.
178 - الشقاني (3) *
الفقيه المحدث، مفيد نيسابور، أبو الفضل العباس بن أحمد بن
محمد الحسنوي النيسابوري، الشقاني، أحد من أفنى عمره في طلب
الحديث، وطال عمره وتفرد.

(1) بسبب صحبته لأبي الحسن بن الزاغوني، شيخ ابن الجوزي كما في
" المنتظم ". 1 / 126.
(2) في " الوافي ": 7 / 112: واعتزل عن الناس، فلا يدخل عليه أحد قبل صلاة
الظهر، واشتغل بالاذكار والأوراد، ويكون بعد الظهر متفرغا لمن يقرأ عليه الحديث أو
الفقه.
(3) ضبطت الشين بالأصل بالفتح، وهو المشهور، والصحيح كسرها كما تقدم في التعليق
(3) ص 244. * السياق: الورقة / 73 ب، الأنساب: 7 / 360، معجم البلدان: 3 / 354،
المنتخب: الورقة / 118 ب، اللباب: 2 / 202.
279

سمع عبد الرحمن بن حمدان النصروي، ومحمد بن إبراهيم
المزكي، وأحمد بن محمد بن الحارث التميمي، وأبا حسان محمد بن
أحمد بن جعفر، فمن بعدهم، وقل أن يوجد جزء إلا وقد سمعه، وما علمت
له رحلة.
روى عنه: محمد بن أبي بكر السنجي، وعمر أبو شجاع البسطامي،
وعبد الرحيم بن الاخوة، وآخرون.
مات في ذي الحجة سنة ست وخمسين وخمس مئة، وهو في عشر
التسعين فيما أرى، وكان والده أبو العباس من علماء وقته، وله ولدان: أبو
بكر محمد، وأحمد، يرويان الحديث.
179 - القشيري *
الشيخ العالم المأمون أبو محمد الفضل بن محمد بن عبيد بن محمد
ابن محمد بن مهدي القشيري النيسابوري المعدل الصوفي.
سمع العلامة عبد القاهر البغدادي، وعبد الرحمن بن حمدان
النصروي، وأبا حسان المزكي، وعبد الغافر الفارسي، وهو أخو عبيد
القشيري.
حدث ببغداد لما حج، فروى عنه أبو الفتح محمد بن عبد السلام
الكاتب وغيره.
توفي في رمضان سنة ست وخمس مئة، وله ست وثمانون سنة، وكان
خيرا فاضلا، حسن السمت من شهود نيسابور الكبار.

* تاريخ الاسلام: 4 / 179، العبر: 4 / 11، شذرات الذهب: 4 / 14.
280

180 - الأنباري *
كبير الوعاظ، الامام المقرئ، أبو منصور علي بن محمد بن علي
الأنباري، ثم البغدادي.
تلا بالروايات على أبي علي الشرمقاني، وأظنه آخر أصحابه.
وسمع من أبن غيلان، وأبي إسحاق البرمكي، وجماعة، وتفقه على
أبي يعلى حتى برع في مذهب أحمد، وكان دينا صالحا، عذب الألفاظ،
طيب التلاوة، من أعيان العلماء، أفتى، ودرس، ووعظ بجامع
القصر، وجامع المنصور، وجامع المهدي، وسمع الكثير، ونسخ
الاجزاء.
روى عنه أبو البركات بن السقطي، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طالب
ابن خضير، وآخرون.
مولده في سنة خمس وعشرين وأربع مئة.
ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مئة، وشيعه الخلق،
وازدحموا عليه، رحمه الله تعالى (1).
وما أستحضر أحدا قرأ عليه بالروايات.

* طبقات الحنابلة: 2 / 257 - 258، المنتظم: 9 / 176، تاريخ الاسلام:
4 / 182، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 110 - 111، المنهج الأحمد 2 / 229، شذرات
الذهب: 4 / 17 - 18.
(1) قال أبو الحسين صاحب الطبقات: 2 / 258: وصليت عليه إماما بجامع المنصور
في المقصورة، وشيعته إلى مقبرة إمامنا أحمد رحمة الله عليه. قال: وحدث عن الوالد بكثير
من سماعاته ومصنفاته.
281

181 - السقطي *
الشيخ المحدث، مفيد بغداد، أبو البركات هبة الله بن المبارك بن
موسى البغدادي السقطي صاحب المعجم الضخم (1).
كتب عمن دب ودرج وخرج وجمع وتنبه، لكنه ضعيف، قليل
الاتقان.
سمع القاضي أبا يعلى، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وعبد الصمد
ابن المأمون، وأبا جعفر بن المسلمة، ومحمد بن علي بن الدجاجي
وجابر بن ياسين، وأبا بكر الخطيب، وهنادا النسفي، فمن بعدهم.
ورحل إلى أصبهان والكوفة والبصرة والموصل والجبال، وبالغ وبحث
عن الشيوخ حتى كتب عمن هو دونه.
روى عنه ولده وجيه، وإسماعيل بن السمرقندي، والشيخ عبد
القادر، والمبارك بن كامل، والسلفي، وآخرون.
قال ابن النجار: أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا هبة الله
السقطي بواسط، أخبرنا أبو يعلى، فذكر حديثا.
وله نظم جيد.

* الأنساب: 7 / 92، المنتظم: 9 / 183، الكامل: 10 / 515، تاريخ الاسلام:
4 / 195، العبر: 4 / 19، المستفاد: 249 - 250، ميزان الاعتدال: 4 / 292، الوافي
بالوفيات (خ): 27 / 130 - 131، البداية والنهاية: 12 / 179، ذيل طبقات الحنابلة:
1 / 114، لسان الميزان: 6 / 189 - 190، كشف الظنون: 1735، شذرات الذهب: 4 /
26، إيضاح المكنون: 2 / 109.
(1) قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 114: هو في نحو ثمانية أجزاء
ضخمة، وجمع تاريخا لبغداد ذيل به على تاريخ الخطيب.
282

قال السلفي: سألت هبة الله بن السقطي عن مولده، فقال: سنة
خمس وأربعين وأربع مئة، سمع كثيرا، وكان من أهل الحفظ والمعرفة،
وشعره حسن، رأيته بأصبهان لما قدم مع رزق الله يقرأ عليه الحديث.
قال ابن فولاذ: ذاكرت شجاعا الذهلي برواية السقطي عن أبي محمد
الجوهري، فقال: ما سمعنا بهذا قط، وضعفه فيه جدا (1).
وقال السمعاني: سألت ابن ناصر عن السقطي: أكان ثقة؟ قال: لا
والله، ظهر كذبه (2)، وهو من سقط المتاع، مات سنة تسع وخمس مئة.
182 - الأبيوردي *
الأستاذ العلامة الأكمل أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد بن

(1) في المنتظم: 9 / 183: وكان فيه فضل ومعرفة وأنس بالحديث، فجمع
الشيوخ، وخرج التاريخ، وأرخ، ولكنه أفسد ذلك بأن ادعى سماعا ممن لم يره، منهم أبو
محمد الجوهري، فإنه لا يحتمل سنه السماع منه، وفي تاريخ ابن النجار كما في " اللسان "
6 / 190: ورأيت بخط السلفي جزءا سمعه من هذا الرجل مفتعلا وأسانيده مركبة، ولم أجد
فيه إسنادا صحيحا بل كله ظاهر الصنعة، وقال ابن رجب في ذيل الطبقات: 1 / 114: كتب
عن أصحاب الدارقطني، وابن شاهين، والمخلص، وابن حبابة، والحربي، وطبقتهم،
ومن دونهم، حتى كتب عن أقرانه ومن دونه، وزاد به الشره في هذا الامر حتى ادعى السماع
من شيوخ لم يسمع منهم، ولا يحتمل سنه السماع منهم كأبي محمد الجوهري وغيره.
(2) وفي المنتظم: 9 / 183: وسئل شيخنا ابن ناصر عنه، فقالوا: أثقة هو؟ فقال:
لا والله حدث بواسط عن شيوخ لم يرهم، فظهر كذبه عندهم. * الأنساب: 535، المنتظم: 9 / 176، معجم الأدباء: 17 / 234 - 266،
معجم البلدان: 1 / 86، اللباب: 3 / 230، الكامل في التاريخ: 10 / 500،
إنباه الرواة: 3 / 49 - 52، وفيات الأعيان: 4 / 444 - 449، تاريخ أبي الفداء:
2 / 227، تاريخ الاسلام: 4 / 182، العبر: 4 / 14، تذكرة الحفاظ: 4 / 1241، تتمة
المختصر: 2 / 37، الوافي بالوفيات: 2 / 91 - 93، عيون التواريخ: 13 / 288 - 294،
مرآة الزمان: 8 / 29 - 30، مرآة الجنان: 3 / 196، طبقات السبكي: 6 / 81 - 84،
البداية والنهاية: 12 / 176، طبقات ابن قاضي شهبة: 14 - 16، النجوم الزاهرة:
5 / 206 - 207، بغية الوعاة: 1 / 40 - 41، كشف الظنون: 397 - 945، شذرات
الذهب: 4 / 18 - 20، الفلاكة والمفلوكين: 66، روضات الجنات: 185، هدية
العارفين: 2 / 81 - 82، أعيان الشيعة: 43 / 261 - 262.
283

محمد بن أحمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور بن
معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان
ابن حرب بن أمية الأموي العنبسي المعاوي الأبيوردي (1) اللغوي، شاعر
وقته، وصاحب التصانيف، فالواسطة بينه وبين أبي سفيان خمسة عشر أبا.
سمع إسماعيل بن مسعدة، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، ومالك بن
أحمد البانياسي، وأخذ العربية عن عبد القاهر الجرجاني.
روى عنه ابن طاهر المقدسي، وأبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر
السلفي، وجماعة.
قال يحيى بن منده: سئل الأديب أبو المظفر عن أحاديث الصفات،
فقال: تقر وتمر.
وقال السمعاني: صنف كتاب " المختلف "، وكتاب " طبقات
العلم "، وكتاب " أنساب العرب "، وله في اللغة مصنفات ما سبق إليها.
قلت: ديوانه كبير (2)، وهو أقسام: العراقيات، والنجديات،
والوجديات، وعمل تاريخا لابيورد.

(1) بفتح أوله وكسر ثانيه وياء ساكنة، وفتح الواو، وسكون الراء، ودال مهملة نسبة إلى
أبيورد، ويقال لها: أبا ورد، وباورد، وهي من بلاد خراسان بين سرخس ونسا، وقد فتحها
المسلمون سنة 31 ه‍ بقيادة عبد الله بن عامر بن كريز، ويقال: الأحنف بن قيس.
(2) وقد نشره مجمع اللغة العربية بدمشق في مجلدين بتحقيق الدكتور عمر الأسعد
سنة 1974.
284

قال السمعاني: سمعت غير واحد يقولون: كان الأبيوردي يقول في
صلاته: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها.
قلت: هو ريان من العلوم، موصوف بالدين والورع، إلا أنه تياه،
معجب بنفسه، قد قتله حب السؤدد، وكان جميلا لباسا له هيئة ورواء، وكان
يفتخر، ويكتب اسمه: العبشمي المعاوي، يقال: إنه كتب رقعة إلى
الخليفة المستظهر بالله، وكتب: المملوك المعاوي (1)، فحك المستظهر
الميم، فصار: العاوي، ورد الرقعة إليه.
قال حماد الحراني: سمعت السلفي يقول: كان الأبيوردي - والله -
من أهل الدين والخير والصلاح والثقة، قال لي: والله ما نمت في بيت فيه
كتاب الله، ولا حديث رسول الله احتراما لهما أن يبدو مني شئ لا يجوز.
أنشدنا أبو الحسين بن الفقيه، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أنشدنا
الأبيوردي لنفسه:
وشادن زارني على عجل * كالبدر في صفحة الدجى لمعا
فلم أزل موهنا أحدثه * والبدر يصغي إلي مستمعا
وصلت خدي بخده شغفا * حتى التقى الروض والغدير معا (2)
قال عبد الغافر في " السياق ": فخر العرب أبو المظفر الأبيوردي
الكوفني (3)، الرئيس الأديب، الكاتب النسابة، من مفاخر العصر،

(1) نسبة إلى معاوية الأصغر المقدم ذكره في عمود نسبه، وهو معاوية بن محمد بن
عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان.
(2) لم ترد هذه الأبيات في ديوانه المطبوع.
(3) نسبة إلى كوفن: بليدة صغيرة على ستة فراسخ من أبيورد بخراسان بناها أمير
خراسان عبد الله بن طاهر بن الحسين في خلافة المأمون، وهي مسقط رأس أبي المظفر ومنشؤوه.
285

وأفاضل الدهر، له الفضائل الرائقة، والفصول الفائقة، والتصانيف
المعجزة، والتواليف المعجبة، والنظم الذي نسخ أشعار المحدثين، ونسج
فيه على منوال المعري، ومن فوقه من المفلقين (1)، رأيته شابا قام في درس
إمام الحرمين مرارا، وأنشأ فيه قصائد كبارا، يلفظها كما يشاء زبدا من بحر
خاطره كما نشاء، مسير له الانشاء، طويل النفس، كثير الحفظ، يلتفت في
أثناء كلامه إلى الفقر والوقائع، والاستنباطات الغريبة، ثم خرج إلى
العراق، وأقام مدة يجذب فضله بضبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله،
ومتانة طبعه، حتى ظهر أمره، وعلا قدره، وحصل له من السلطان مكانة
ونعمة، ثم كان يرشح من كلامه نوع تشبث بالخلافة، ودعوة إلى اتباع
فضله، وادعاء استحقاق الإمامة، تبيض وساوس الشيطان في رأسه وتفرخ،
وترفع الكبر بأنفه وتشمخ، فاضطره الحال إلى مفارقة بغداد، ورجع إلى
همذان، فأقام بها يدرس ويفيد، ويصنف مدة.
ومن شعره:
وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني * عليها ويغريني بها أن يعيبها (2)
أميل بإحدى مقلتي إذا بدت * إليها وبالأخرى أراعي رقيبها
وقد غفل الواشي فلم يدر أنني * أخذت لعيني من سليمى نصيبها (3)
وله:
أكوكب ما أرى يا سعد أم نار * تشبها سهلة الخدين معطار
بيضاء إن نطقت في الحي أو نظرت * تقاسم الشمس أسماع وأبصار

(1) أي: من المجيدين، من أفلق في الامر إذا كان حاذقا به.
(2) في " وفيات الأعيان ": أعيبها.
(3) ديوانه: 2 / 193، ووفيات الأعيان: 4 / 446، وعيون التواريخ:
13 / 146 / 1.
286

والركب يسرون والظلماء راكدة * كأنهم في ضمير الليل أسرار
فأسرعوا وطلا الأعناق مائلة * حيث الوسائد للنوام أكوار (1)
وله:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني * أعز وأحداث الزمان تهون
فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه * وبت أريه الصبر كيف يكون (2)
وله:
نزلنا بنعمان الأراك وللندى * سقيط به ابتلت علينا المطارف
فبت أعاني الوجد والركب نوم * وقد أخذت منا السرى والتنائف
وأذكر خودا إن دعاني على النوى * هواها أجابته الدموع الذوارف
لها في مغاني ذلك الشعب منزل * لئن أنكرته العين فالقلب عارف (3)
قال محمد بن طاهر الحافظ: أنشدنا أبو المظفر الأبيوردي لنفسه:
يا من يساجلني وليس بمدرك * شأوي وأين له جلالة منصبي
لا تتعبن فدون ما حاولته * خرط القتادة وامتطاء الكوكب
والمجد يعلم أينا خير (4) أبا * فاسأله تعلم (5) أي ذي حسب أبي

(1) لم ترد الأبيات في ديوانه.
(2) ديوانه: 2 / 55، ومعجم الأدباء: 17 / 246، ووفيات الأعيان: 4 / 446،
والوافي بالوفيات: 2 / 92، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 1، ومرآة الزمان: 8 / 49،
والمنتظم: 9 / 177، والنجوم الزاهرة: 5 / 207، وطبقات السبكي: 6 / 83، والبداية
والنهاية: 12 / 176.
(3) وفيات الأعيان: 4 / 447، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 2، وهي من نجدياته،
ولم ترد في الديوان.
(4) في الأصل خيرا وهو خطأ، والتصويب من الديوان، والطبقات.
(5) في الأصل " يعلم " والمثبت من الديوان والطبقات.
287

جدي معاوية الأغر سمت به * جرثومة من طينها خلق النبي
ورثته (1) شرفا رفعت مناره * فبنو أمية يفخرون به وبي (2)
أنشدني علي بن محمد الحافظ، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا
السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:
من رأى أشباح تبر * حشيت ريقة نحله (3)
فجمعناها بدورا * وقطعناها أهله
وتوفي الأبيوردي بأصبهان مسموما في ربيع الأول سنة سبع وخمس مئة
كهلا.
قال قاضي القضاة عبد الواحد بن أحمد الثقفي: أنشدنا الأبيوردي:
لم يبق مني الحب غير حشاشة * تشكو الصبابة فاذهبي بالباقي
أيبل من جلب السقام طبيبه * ويفيق من سحرته عين الراقي
إن كان طرفك ذاق ريقك فالذي * ألقى من المسقي فعل الساقي
نفسي فداؤك من ظلوم أعطيت * رق القلوب وطاعة الأحداق (4)

(1) في الديوان ومعجم الأدباء وطبقات السبكي: وورثته.
(2) ديوانه: 2 / 152، ومعجم الأدباء: 17 / 262، وطبقات السبكي: 6 / 83.
(3) لم ترد في ديوانه.
(4) معجم الأدباء: 17 / 241، ولم ترد في ديوانه.
ولأبي المظفر قصيدة رائعة يصف فيها ما حل بالمسلمين من قتل وأسر وتشريد وذل
وهوان على أيدي الصليبيين الذين احتلوا من بلاد الشام القدس وغيرها، ويستنهض همم
الامراء الذين رضوا بالهوان، وتوانوا عن نصرة رعاياهم، ومنابذة عدوهم، واسترداد ما سلب
من ديارهم يقول فيها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم * فلم يبق منا عرضة للمراحم
وشرح سلاح المرء دمع يفيضه * إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فإيها بني الاسلام إن وراءكم * وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة * وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها * على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم * ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم * تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمى * تواري حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبي * وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة * تظل لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها * ليسلم يقرع بعدها سن نادم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى * رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفا من الردى * ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى * ويغضي على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذ لم يذودوا حمية * عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الاجر إذ حمس الوغى * فهلا أتوه رغبة في الغنائم
لئن أذعنت تلك الخياشيم للبرى * فلا عطسوا إلا بأجدع راغم
أنظر الديوان: 2 / 156 - 157.
288

وقد ذكره ابن طاهر، فلم يتقن نسبه، وقال: كان أوحد أهل زمانه في
علوم عدة.
وقد عمل السلفي له سيرة وطول، وقال: كان في زمانه درة وشاحه،
وغرة أوضاحه، ومالك رق المعاني، فلله دره حين يتناثر من فيه دره.
في كل معنى يكاد الميت يفهمه * حسنا ويعبده القرطاس والقلم
هذا مع ما تجمع فيه من الخلال الرضية، والخصال المرضية،
كالتبحر في اللغة، والتقدم في النحو، والمعرفة برجال الحديث والأنساب،
ونزاهة النفس، والمواظبة على الشرع، والتواضع الزائد للزاهدين،
والصلف التام على أبناء الدنيا، وكان نادرة في أنساب العرب قاطبة، كأنه
289

يغرف من بحر، سمعته يقول: ما دخلت بلدا يروى فيه الحديث إلا بدأت
بسماع شئ منه قبل التصدي لشؤوني، وحفظت كتاب " البلغة " في
اللغة وأنا صبي، وما مقلت (1) لغويا قط، وأما النحو، فعبد القاهر (2)،
وأثنى عليه.
وحكى لي الشريف أبو البقاء خطيب جامع السلطان قال: كان أبو
المظفر يطالع الرقعة الطويلة مرة واحدة، ويعيدها حفظا، قال: وممن كان
يبالغ في مدحه أبو نصر بن أبي حفص، وأبو إسماعيل الأثعل الأصبهانيان
كاتبا العصر، وبلغني وأنا بسلماس أنه فوض إليه إشراف الممالك، وأحضر
عند السلطان محمد بن ملكشاه للشخصية (3) وهو على سرير الملك، فارتعد
منه ووقع، ورفع ميتا (4).
قال شيرويه: سمع الأبيوردي من إسماعيل بن مسعدة، وعبد القاهر
الجرجاني، وأبي الفتح الشيرازي بالري، وعاصم بن الحسن، إلى أن
قال: وكان من أفراد الوقت الذين ملكوا القلوب بفضلهم، وعمروا الصدور
بودهم متعصبا للسنة وأهلها، وله تصانيف كثيرة، ألف " تاريخ أبيورد ونسا "

(1) في " اللسان " عن اللحياني: ما مقلت عيني مثله مقلا، أي: ما أبصرت ولا
نظرت.
(2) هو الجرجاني صاحب " دلائل الاعجاز "، و " أسرار البلاغة "، و " شرح
الايضاح " لأبي علي الفارسي.
(3) في طبقات السبكي: 6 / 83: لتشخيصه، وفي " اللسان ": وشخص به: أتى
إليه أمر يقلقه، فيقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه: قد شخص به كأنه رفع من الأرض لقلقه
وانزعاجه، ومنه: شخوص المسافر: خروجه عن منزله.
(4) في " معجم الأدباء ": 17 / 238 نقلا عن العماد الأصبهاني في خريدة القصر:
أنه تولى في آخر عمره أشراف مملكة السلطان محمد بن ملكشاه، فسقوه السم وهو واقف
عند سرير السلطان، فخانته رجلاه، فسقط وحمل إلى منزله...
290

و " المختلف والمؤتلف " و " طبقات العلماء في كل فن " و " ما اختلف
وائتلف من أنساب العرب "، وله في النحو واللغة مصنفات ما سبق إليها،
حسن السيرة، خفيف الروح، متواضعا، طرازا لأهل البلد.
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: قدم بغداد سنة ثمانين، ولازم
خزانة الكتب النظامية، وكان من الذكاء على وصف عجيب، كان يسمع
القصيدة الطويلة في نوبة، فيرويها، ويتصفح الكتاب مرة، فيذكر فوائده
ويحكيها، كان يعاب بإعجابه بنفسه، وكان عفيفا متصونا، أكثر من مدائح
الوزير أبي منصور بن جهير، فصادف منه رفدا جليلا، ثم هجاه في هوى
مؤيد الملك بن النظام، فسعى ابن جهير إلى الخليفة بأنه قد هجاك، ومدح
صاحب مصر، فأبيح دمه، فهرب إلى همذان، واختلق هذا النسب حتى
ذهب عنه اسم صاحب مصر، ويقال: إن الخطير الوزير سمه، فمات فجأة.
قال ابن الخشاب: قرأت على عبد الرحيم بن الاخوة ثلاثة أجزاء من
أول كتاب " زاد الرفاق " للأبيوردي، وهذا الكتاب - نعم والله - بارد
الوضع، مشوب أدبه بفضول من علوم لا تعد في الفضل، دالة على أن
الأبيوردي كان ممخرقا محبا لان يرى بعين مفتن، متشبعا بما لم يعط.
ولأبي إسماعيل الطغرائي (1) يرثي الأبيوردي:
إن ساغ بعدك لي ماء على ظمأ * فلا تجرعت غير الصاب والصبر
أو إن نظرت من الدنيا إلى حسن * مذ غبت عني فلا متعت بالنظر

(1) الطغرائي: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وفتح الراء - هذه
النسبة إلى من يكتب الطغرى، وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم
الغليظ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية. ابن
خلكان: 2 / 190.
291

صحبتني والشباب الغض ثم مضى * كما مضيت فما في العيش من وطر
هبني بلغت من الأعمار أطولها * أو انتهيت إلى آمالي الكبر
فكيف لي بشباب لا ارتجاع له * أم أين أنت فما لي عنك من خبر
سبقتماني ولو خيرت بعدكما * لكنت أول لحاق على الأثر
183 - الأبيوردي *
الشيخ أبو القاسم الفضل بن محمد الأبيوردي العطار (1) الذي روى
سنن الدارقطني بفوت جزئين عن أبي منصور النوقاني عن المؤلف، وكمل
الجزئين على أبي عثمان الصابوني (2) عنه إجازة. سمع الكتاب منه أبو سعد
الصفار في سنة سبع عشرة وخمس مئة، وتوفي بعد عام بنيسابور.
184 - الفضل بن محمد * *
ابن عبيد بن محمد بن محمد بن مهدي، العدل المأمون الصالح (3)،

* معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة / 191 ب - 192 أ، التحبير: 2 / 23 - 25،
التقييد: الورقة / 189 ب، تاريخ الاسلام: 4 / 236. وسيكرر المؤلف ترجمته برقم
(296).
(1) قال في " التحبير " 2 / 23: شيخ صالح مشهور، مستور، من المعمرين، جميل
الامر، زجى عمره في الخير، وفي طاعة الله تعالى، وكان حانوته مجمع الظرفاء،
والمشايخ، وامتد عمره حتى أناف على المئة، وكان كثير العبادة، مشتغلا بما يعنيه، وقد
أجاز السمعاني بمعجم أبي القاسم البغوي، والسنن للدارقطني، وغير ذلك من الاجزاء
العالية المنثورة، وقد سمع منه والد أبي سعد السمعاني، وقرئ عليه الكثير.
(2) في التقييد: الورقة 189: كان سماع الفضل من أبي منصور النوقاني وأبي عثمان
الصابوني في ربيع الأول من سنة 440 ه‍.
(* *) تاريخ الاسلام: 4 / 179، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281،
شذرات الذهب: 4 / 14.
(3) في تاريخ الاسلام: شيخ ثقة مشهور من بيت العدالة والصلاح، كان مبالغا في
الاحتياط في الشهادات، ومن أعيان العدول، وكان صوفيا مليحا خيرا.
292

أبو محمد القشيري النيسابوري، أخو عبيد بن محمد.
ولد سنة عشرين وأربع مئة.
وسمع من الأستاذ أبي منصور عبد القاهر البغدادي، وعبد الرحمن بن
حمدان النصروي، وأبي حسان المزكي، وعبد الغافر بن محمد الفارسي.
وحدث ببغداد، حج، فروى عنه أبو الفتح بن عبد السلام الكاتب
وغيره.
مات في رمضان سنة ست وخمس مئة.
أخوه:
185 - [عبيد بن محمد] *
التاجر الأمين المعمر أبو العلاء عبيد بن محمد القشيري.
سمع عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأصولي، وأبا حسان المزكي،
وعبد الرحمن بن حمدان، وأبا حفص بن مسرور، وسافر إلى المغرب في
التجارة، وأقام هناك مدة، وحصل أموالا، ثم عاد إلى نيسابور (1)، وشاخ،
ولزم داره، وكان قليل المخالطة، وكان الأخ الأكبر.
ولد سنة سبع عشرة وأربع مئة، وصفه بعد الغافر بن إسماعيل في
" تاريخه " بالصدق والعدالة والعبادة، وصحة السماع، والانفاق على
الفقراء، تصدق في آخر عمره بشئ كثير، وثقل سمعه.
روى عنه أبو سعد السمعاني حضورا بقراءة أبيه.

* تاريخ الاسلام: 4 / 208، العبر: 4 / 28، شذرات الذهب: 4 / 35.
(1) وكانت غيبته عن نيسابور نيفا وعشرين سنة: " تاريخ المؤلف ": 4 / 208.
293

قال ابن النجار: مات في ثامن عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وخمس
مئة، وعاش خمسا وتسعين سنة.
186 - شيرويه *
ابن شهردار بن شيرويه بن فناخسره بن خسركان، المحدث العالم،
الحافظ المؤرخ، أبو شجاع الديلمي الهمذاني مؤلف كتاب " الفردوس " (1)
و " تاريخ همذان ".
ولد سنة خمس وأربعين وأربع مئة.
وطلب هذا الشأن، ورحل فيه.
سمع محمد بن عثمان القومساني، ويوسف بن محمد بن يوسف
المستملي، وسفيان بن الحسن بن منجويه، وعبد الحميد بن الحسن
الفقاعي، وأبا الفرج علي بن محمد الجريري البجلي، وأحمد بن عيسى
الدينوري، وعبد الباقي بن علي العطار، وأبا القاسم بن البسري، وأبا نصر.

* التقييد: الورقة: 111 / أ، طبقات ابن الصلاح: الورقة / 50 ب، مختصر طبقات
علماء الحديث: الورقة / 226، تاريخ الاسلام: 4 / 193، العبر: 4 / 18، تذكرة الحفاظ:
4 / 1259 - 1260، الوافي بالوفيات (خ): 14 / 53، عيون التواريخ: 13 / 325، مرآة
الجنان: 3 / 198، طبقات السبكي: 7 / 111 - 112، طبقات الأسنوي: 2 / 104 - 105،
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 315، النجوم الزاهرة: 5 / 211، طبقات الحفاظ:
457، كشف الظنون: 1254، شذرات الذهب: 4 / 23 - 24، بستان المحدثين: 61،
إيضاح المكنون: 1 / 599.
(1) وهو من جملة الأصول التي تشتمل على الأحاديث الضعيفة، فقد جاء في مقدمة
الجامع الكبير للحافظ السيوطي، وهو بصدد بيان رموز الكتب التي يعزو إليها: وللعقيلي في
الضعفاء (عق) ولابن عدي في " الكامل " (عد) وللخطيب (خط) فإن كان في تاريخية
أطلقت وإلا بينته، ولابن عساكر في تاريخه (كر) وكل ما عزي لهؤلاء الأربعة أو للحكيم
الترمذي في " نوادر الأصول " أو الحاكم في " تاريخه " أو للديلمي في مسند الفردوس، فهو
ضعيف، فليستغن بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه.
294

الزينبي، وأبا عمرو بن منده، وعددا كثيرا.
حدث عنه ولده شهردار، ومحمد بن الفضل العطار، وأبو العلاء
العطار المقرئ، وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل، وأبو طاهر
السلفي، وأبو موسى المديني، وعدة.
قال يحيى بن منده: شاب كيس حسن، ذكي القلب، صلب في
السنة، قليل الكلام.
قلت: هو متوسط الحفظ، وغيره أبرع منه وأتقن (1).
مات في تاسع عشر رجب سنة تسع وخمس مئة، وله أربع وستون سنة.
وفيها مات أبو عثمان بن ملة الواعظ، ومحمد بن نصر الأعمش،
وخطيب صور غيث بن علي الأرمنازي المحدث (2)، وأبو يعلى محمد بن
محمد بن الهبارية الشاعر، وأبو البركات هبة الله بن السقطي (3)، وقوام بن
زيد البكري الدمشقي المزي.
ومات ولده الحافظ شهردار سنة ثمان وخمسين وخمس مئة، وسيأتي.
ومات حفيده شيرويه بن شهردار سنة ست مئة عن ثنتين وثمانين سنة،
سمع من زاهر الشحامي " مسند أبي يعلى " (4).

(1) في تاريخ الاسلام: 4 / 193: وهو متوسط المعرفة، وليس بالمتقن.
(2) سترد ترجمته برقم (230).
(3) تقدمت ترجمته برقم (181).
(4) برواية أبي عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن سنان الحيري
الفقيه، ورواية ابن حمدان هذه مختصرة بخلاف رواية ابن المقرئ عنه التي عند أهل أصبهان
فإنها كبيرة جدا كما نبه عليه المؤلف في ترجمة أبي يعلى: 14 / 180. قلت: وقد اعتمد
الهيثمي في " مجمع الزوائد " رواية ابن حمدان المختصرة.
295

187 - الخولاني *
الشيخ الفاضل، المعمر الصادق، مسند الأندلس، أبو عبد الله أحمد
ابن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن غلبون الخولاني القرطبي.
مولده في سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
واعتنى به أبوه، واستجاز له الكبار، وسمعه في الحداثة.
سمع من أبيه الحافظ أبي عبد الله كثيرا، وسمع " الموطأ " من أبي
عمرو عثمان بن أحمد القيجطالي (1) صاحب أبي عيسى بن عبد الله الليثي،
وتفرد في الدنيا بعلوه، وسمع من أبي عبد الله بن الأحدب، وأبي محمد
الشنتجالي (2)، وعلي بن حمويه الشيرازي، وعدة.
وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث القاضي، وأبو عمرو المرشاني (3)
الذي تفرد بإجازة أبي بكر الآجري المجاور، وأبو عمر أحمد بن محمد
الطلمنكي، والحافظ أبو ذر الهروي المجاور، ومكي بن أبي طالب
القيسي، والحافظ أبو عمرو الداني.
قال ابن بشكوال: كان شيخا فاضلا، عفيفا منقبضا، من بيت (4)

* الصلة: 1 / 73 - 74، تاريخ الاسلام: 4 / 189، العبر: 4 / 16، عيون
التواريخ: 13 / 309 - 310، النجوم الزاهرة: 5 / 209، شذرات الذهب: 4 / 21 - 22.
(1) في " الصلة " 1 / 73: القيشطالي بالشين.
(2) نسبة إلى شنتجالة: في طرف كورة تدمير بالأندلس مما يلي الجوف، ويقال لها
أيضا جنجالة. الروض المعطار: 347.
(3) نسبة إلى مرشانة: مدينة بكورة إشبيلية، ومرشانة، أيضا من حصون المرية
" الروض المعطار ".
(4) تحرفت في " الصلة " 1 / 74 إلى بيئة.
296

علم ودين وفضل، ولم يكن عنده كبير علم، أكثر من روايته عن هؤلاء
الجلة، وكانت عنده أصول يلجأ إليها، ويعول عليها.
قلت: هو خال أبي الحسن شريح بن محمد.
حدث عنه أبو الوليد بن الدباغ، وعلي بن الحسين اللواتي،
وجماعة.
وأجاز لأبي عبد الله بن زرقون، وعمر دهرا.
توفي في شعبان سنة ثمان وخمس مئة، وله تسعون سنة.
188 - أبو طاهر اليوسفي *
الشيخ الأمين، العدل المسند، أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن
عبد القادر بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف البغدادي البزاز.
سمع أبا علي بن المذهب، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا بكر بن
بشران، وأبا محمد الجوهري، وعدة.
وحدث بسنن الدارقطني عن ابن بشران عنه.
حدث عنه ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو طاهر السلفي،
والصائن هبة الله بن عساكر، وأخوه الحافظ عبد الخالق اليوسفي، وابنا أخيه
عبد الحق وعبد الرحيم ابنا عبد الخالق، وآخرون.
قال السلفي: كان من أعيان رؤساء بغداد.

* المنتظم: 9 / 194، تاريخ الاسلام: 4 / 202، العبر: 4 / 24، عيون
التواريخ: 13 / 344، النجوم الزاهرة: 5 / 214، شذرات الذهب: 4 / 31.
297

قلت: ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، ومات في شوال سنة إحدى
عشرة وخمس مئة، وكان من أهل الدين والثقة والسنة (1)، مات هو وأبو علي
ابن نبهان المذكور في ليلة واحدة، ومن مروياته سنن الدارقطني.
189 - ابن صليعة *
الأمير القاضي، أبو محمد عبيد الله بن صليعة بن قاضي جبلة، كانت
جبلة (2) لصاحب طرابلس ابن عمار، فتعاني ابن صليعة - ويقال: ابن
صليحة - الفروسية، وخاف منه ابن عمار، فعصى بجبلة وتملكها، وحصنها
إلى الغاية، وخطب لبني العباس، ثم حاصره الفرنج، فأرجف (3) بمجئ
جيش بركياروق، فترحلوا عنه، ثم نازلوه، فشنع بمجئ المصريين (4)، ثم
قرر مع رعيته النصارى بأن يناصحوا الفرنج، ويواعدوهم إلى برج (5)،

(1) وقال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 194: وكان ثقة حدثنا عنه أشياخنا. * الكامل في التاريخ: 10 / 310 - 312، تتمة المختصر: 2 / 22.
(2) جبلة: بلدة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية، وكانت حصنا للروم
جلوا عنها عند فتح المسلمين حمص، وبنى معاوية بها حصنا خارقا من الحصن الرومي
القديم، ولم تزل بأيدي المسلمين إلى سنة 357 ه‍، ثم استردها الكفار الصليبيون، ولم
تزل بأيديهم إلى سنة 473 ه‍ ثم عادت إلى المسلمين، وبقيت في حوزتهم إلى سنة
552 ه‍، ثم تملكها الصليبيون وبقوا فيها إلى أن استردها الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي
سنة 584 ه‍.
(3) أي أشاع أخبارا كاذبة بأن المسلمين متوجهون لنصرته بقيادة بركياروق ليلقي الرعب
في قلوب الفرنج فينصرفوا عنه، وأصل الارجاف: التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة،
وصفت بها الاخبار الكاذبة لكونها في نفسها متزلزلة غير ثابتة، أو لتزلزل قلوب سامعيها
واضطرابها منها، وفي الكامل لابن الأثير: 10 / 310: فأظهر أن السلطان بركياروق قد توجه
إلى الشام، وشاع هذا، فرحل الفرنج.
(4) في الكامل: فأظهر أن المصريين قد توجهوا لحربهم، فرحلوا ثانيا ثم عادوا.
(5) تمام الكلام كما في " الكامل ": من أبراج البلد ليسلموه إليهم ويملكوا البلد،
فلما أتتهم الرسالة، جهزوا نحو ثلاث مئة رجل من أعيانهم وشجعانهم...
298

فانتدب من الفرنج من شجعانهم ثلاث مئة، فطالعهم النصارى في حبال،
وكلما طلع واحد، قتله ابن صليحة حتى أباد الثلاث مئة، ثم صفف
رؤوسهم على الشرفات، ثم حاصروه، ودكوا برجا، فأصبح قد بناه في
الليل. وكان يبرز في فوارسه، ويحمل على الفرنج، فطمعوا فيه مرة،
واستجرهم إلى السور، فخرج إليهم المقاتلة، وأحاطوا بهم، فترحلوا.
ثم إنه علم أن الفرنج لا يفترون، فقدم إلى دمشق، وبذل لصاحبها
طغتكين جبلة بذخائرها، فبعث ولده (1) فتسلمها.
وذهب ابن صليحة إلى بغداد، فخرج عليه عسكر فنهبوه، فرد إلى
دمشق، فأكرمه طغتكين وأنزله، ثم إنه أشترى حصن بلاطنس (2) من ابن
منقذ، فتحول إليه بأمواله، وترك بجبلة من الذخائر شيئا كثيرا.
ثم إنه أخذها ابن عمار من ولد طغتكين (3)، ولم أعرف وفاة ابن
صليحة.
190 - صاحب الهند *
السلطان مسعود، علاء الدولة، أبو سعيد بن صاحب الهند إبراهيم بن

(1) هو تاج الملك بوري.
(2) بضم الطاء والنون والسين مهملة: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية.
(3) وسبب ذلك كما في " الكامل " 10 / 312: أن تاج الملك لما ملك جبلة،
وتمكن منها، أساء السيرة هو وأصحابه مع أهلها، وفعلوا بها أفعالا أنكروها، فراسلوا
القاضي فخر الملك أبا علي عمار بن محمد بن عمار صاحب طرابلس، وشكوا إليه ما يفعل
بهم، وطلبوا منه أن يرسل إليهم بعض أصحابه ليسلموا إليه البلد، ففعل ذلك، وسير إليهم
عسكرا، فدخلوا جبلة، وقاتلوا تاج الملك ومن معه، فانهزموا، وأخذ تاج الملك أسيرا،
وحملوه إلى طرابلس، فأكرمه ابن عمار، وأحسن إليه، وسيره إلى أبيه بدمشق، واعتذر
إليه، وعرفه صورة الحال، وأنه خاف أن يملك الفرنج جبلة. * معجم الأنساب: 418، الكامل في التاريخ: 10 / 504، تاريخ الاسلام:
4 / 191 - 192، دول الاسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 17، تتمة المختصر: 2 / 37 - 38،
شذرات الذهب: 4 / 23.
299

مسعود ابن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين ملك غزنة والهند.
مات في شوال سنة ثمان وخمس مئة، فتملك بعده ابنه الملك أرسلان
ابن عمة السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، وتمكن، وقبض على إخوته،
فغضب لهم السلطان سنجر، والتقاه، فانهزم صاحب الهند، ثم طلب
الهدنة، وقوي طمع سنجر، ثم التقوا على باب غزنة، وكان عسكر غزنة
ثلاثين ألف فارس وستين فيلا (1)، فانكسروا أيضا، وتملك سنجر غزنة في
سنة عشر (2)، لكن عصت القلعة، وكان أرسلان ظلوما، فسلمت القلعة،
ونصب في غزنة بهرام (3)، وعاثت جيوش سنجر، ونهبوا، وعثروا العامة،
فصلب جماعة من عسكره، فهذبوا.
قال ابن الأثير: حصل لسنجر خمسة تيجان، قيمة أحدها أزيد من
ألفي ألف دينار، ورجع سنجر بعد أربعين يوما، فذهب أرسلان وجمع
العساكر، وقصد غزنة، وجرت أمور يطول شرحها، ثم إن أرسلان أسر
وخنق، وكان بديع الجمال، عاش سبعا وعشرين سنة.
191 - ابن مرزوق *
الامام المحدث الرحال، أبو الخير عبد الله بن مرزوق الهروي، مولى
شيخ الاسلام أبي إسماعيل الأنصاري.

(1) في كامل ابن الأثير: 10 / 505: ومعه مئة وعشرون فيلا.
(2) أي وخمس مئة.
(3) انظر التفصيل في " الكامل ": 10 / 506، 507. * مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة 223، تاريخ الاسلام: 4 / 181، تذكرة
الحفاظ: 4 / 1246، طبقات الحفاظ: 453، شذرات الذهب: 4 / 16.
300

قيل: ولد سنة إحدى وأربعين وأربع مئة.
قال ابن النجار: قرأ العلم، ورزق الفهم، وسمع الكثير، وسافر
وكتب وحصل، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة، وحسن السيرة، وكان
خطه رديئا، ثقل سمعه بأخرة.
سمع أبا عمر المليحي، ومحمد بن عبد العزيز الفارسي، وأبا معمر
أحمد بن عبد الواحد البانكي، وعبد الرحمن بن منده، وأخاه أبا عمرو، وأبا
القاسم بن البسري، وطبقتهم.
سمع منه القاضي يعقوب بن إبراهيم إمام الحنابلة، وهبة الله بن
السقطي، وسكن أصبهان.
قال السلفي: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: أبو الخير
الهروي حافظ للحديث متقن (1).
وقال أبو موسى المديني في " معجمه ": حدثنا الحافظ الزاهد عبد الله
ابن مرزوق الهروي، وكان ثقيل الاذن، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع
وخمس مئة.
أخبرنا ابن أبي الخير في كتابه عن ابن كليب، أخبرنا أبو خازم محمد
ابن الفراء، وطلحة بن أحمد العاقولي، وعلي بن الزاغوني إذنا، قالوا:
أخبرنا أبو الخير عبد الله بن مرزوق من لفظه سنة (472)، أخبرنا علي بن
محمد بن جعفر الطريثيثي بها، أخبرنا أبو الحسين الخفاف، فذكر حديثا.

(1) وقال اليونارتي فيما نقله المؤلف في " التذكرة ": صحب أبو الخير الحفاظ،
وثافنهم، ذو إتقان وطلب وحب للحديث، وهو مقبل على شأنه.
301

192 - ابن فاخر *
الشيخ العلامة، إمام النحو، أبو الكرم المبارك بن فاخر بن محمد بن
يعقوب البغدادي النحوي اللغوي، صاحب التصانيف.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
وسمع من القاضي أبي الطيب الطبري، وأبي محمد الجوهري، وأبي
الحسين محمد بن النرسي، والقاضي أبي يعلى، وجماعة، وصحب أبا
القاسم عبد الواحد بن برهان، وقرأ عليه عدة كتب، وعدة دواوين، حتى
برع في لسان العرب.
أخذ عنه أبو محمد سبط الخياط، وأبو طاهر السلفي، وأبو المعمر
الأنصاري، وأبو طالب محمد بن علي الكتاني، وجماعة.
قال أبو عامر العبدري: قال لي ابن فاخر: أخذت علم العربية عن ابن
برهان، وأبي القاسم الرقي، وعيسى بن عمر بن الأصفر، وأبي الحسين بن
شاهويه.
إلى أن قال: ولقيت من أصحاب أبي سعيد السيرافي هلالا الصابئ،
ومن أصحاب أبي علي الفارسي أبا القاسم التنوخي، والجوهري.
قال ابن النجار: قرأت بخط أبي الكرم بن فاخر (ثبت) أنه سمع من

* نزهة الألباء: 382 - 383، المنتظم: 9 / 154، معجم الأدباء: 17 / 54 -
56، الكامل في التاريخ: 10 / 439، إنباه الرواة: 3 / 256 - 257، تاريخ الاسلام:
4 / 173، العبر: 3 / 356، تلخيص ابن مكتوم: 241، عيون التواريخ: 13 / 195،
مرآة الجنان: 3 / 162، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة 249، النجوم الزاهرة:
5 / 195، بغية الوعاة: 2 / 272 - 273، كشف الضنون: 48، 1741، شذرات
الذهب: 3 / 412.
302

التنوخي أشياء كثيرة من الكتب، وتحته بخط ابن ناصر: لم يسمع قط من
التنوخي شيئا، لقد اختلق وافترى، وكتب ابن فاخر أنه سمع جزء الغطريف
من أبي الطيب، فكتب ابن ناصر: قد زور على القاضي، وسمع في جزء
الغطريف، ولم يسمع منه شيئا، وذكر ابن فاخر عدة كتب قرأها على ابن
برهان، وكتب ابن ناصر تحته: كذب والله فيما سطره (1).
قال السمعاني: سألت أبا منصور بن خيرون عن ابن فاخر، فقال:
كانوا يقولون: إنه كذاب.
مات هذا في ذي القعدة سنة خمس وخمس مئة (2)، وكان سبط الخياط
أكبر تلامذته.
193 - الحداد *
الشيخ الامام، المقرئ المجود، المحدث المعمر، مسند العصر،
أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن علي بن مهرة الأصبهاني
الحداد، شيخ أصبهان في القراءات والحديث جميعا.
ولد في شعبان سنة تسع عشرة وأربع مئة.

(1) وجاء في " المنتظم ": 9 / 154: وكان مقرئا في النحو، عارفا في اللغة غير أن
مشايخنا جرحوه، وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر سيئ الرأي فيه يرميه بالكذب والتزوير،
وكان يدعي سماع ما لم يسمعه.
(2) تحرفت في معجم الأدباء إلى سنة خمسين وخمس مئة، ومعظم مصادر ترجمته
أرخت وفاته سنة 500 ه‍. * التحبير: 1 / 177 - 192، المنتظم: 9 / 228، التقييد: الورقة 73 أ -
73 ب، مختصر طبقات علماء الحديث الورقة: 227، تاريخ الاسلام: 4 / 218، دول
الاسلام: 2 / 42، العبر: 4 / 34، معرفة القراء الكبار: 1 / 382 - 383، عيون
التواريخ: 13 / 402، غاية النهاية: 1 / 206، شذرات الذهب: 4 / 47، الرسالة
المستطرفة: 26.
303

وسمع في سنة أربع وعشرين، وبعدها سمع أبا بكر محمد بن علي بن
مصعب التاجر، وأبا نعيم الحافظ، فلعله سمع منه وقر بعير، وأبا الحسين
ابن فاذشاه، ومحمد بن عبد الرزاق بن أبي الشيخ، وهارون بن محمد
الكاتب، وأبا القاسم عبد الله بن محمد العطار، وأبا سعد عبد الرحمن بن
أحمد الصفار، وعلي بن أحمد بن مهران الصحاف، وأحمد بن محمد بن
بزده الملنجي، وأبا بكر بن ريذه (1)، والفضل بن محمد القاشاني، وأبا
أحمد محمد بن علي بن سيويه المكفوف، وأبا ذر محمد بن إبراهيم
الصالحاني، وعدة.
وخرج لنفسه معجما سمعناه، أو لعله بتخريج ولده الحافظ المجود
عبيد الله بن الحداد.
وتلا بالروايات على عبد الله بن محمد العطار، وأبي الفضل عبد
الرحمن بن أحمد الرازي الزاهد، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأحمد بن
بزده، وتصدر وأفاد.
تلا عليه بالروايات أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني وجماعة.
وحدث عنه: السلفي، ومعمر بن الفاخر، وأبو العلاء العطار، وأبو
موسى المديني، وأبو مسعود عبد الرحيم الحاجي، وأبو الفتح عبد الله بن
أحمد الخرقي، وأبو الفضل الطوسي خطيب الموصل، ومحمد بن عبد
الواحد الصائغ، ويحيى بن محمود الثقفي، والفضل بن القاسم
الصيدلاني، ومحمد بن حسن بن الفضل الادمي، ومحمد بن أحمد

(1) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذه التانئ الضبي من ثقات أصبهان ومشاهير
المحدثين بها، وهو راوي المعجم الكبير والصغير لأبي القاسم الطبراني عنه، توفي سنة
440 ه‍ تقدمت ترجمته في السابع عشر رقم (397).
304

المصلح الأديب، وعبد الرحيم بن محمد الخطيب، وأبو جعفر محمد بن
إسماعيل الطرسوسي، وخليل بن بدر الراري، ومسعود بن أبي منصور
الحناط، ومحمد بن أبي زيد الكراني، وأبو المكارم أحمد بن محمد
اللبان، وخلق خاتمتهم بالحضور أبو جعفر الصيدلاني، وبالإجازة عفيفة
الفارقانية، وحدث عنه بالإجازة أيضا أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد
السمعاني، وأجاز لأبي طاهر الخشوعي، وما ظهرت له الإجازة في حياته.
قال السمعاني: كان عالما ثقة صدوقا من العلم والقرآن والدين،
عمر دهرا، وحدث بالكثير، كان أبوه إذا مضى إلى حانوته لعمل الحديد
يأخذ بيد الحسن، ويدفعه في مسجد أبي نعيم (1).
قلت: وكذلك كان يسمع منه، وقبله أخوه حمد الذي روى " الحلية "
ببغداد.
قال ابن نقطة: سمع أبو علي من أبي نعيم " موطأ القعنبي " (2)،
و " مسند الإمام أحمد "، و " مسند الطيالسي "، و " مسند الحارث "

(1) " التحبير ": 1 / 177، وتمام كلامه: الحافظ ليسمع ما يقرأ عليه، فأكثر حتى
صار بحيث لا يفوته عنه شئ إلا ما شاء الله، وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق فيما نقله عنه ابن
عبد الهادي في مختصر طبقات علماء الحديث الورقة: 227: وبأصبهان لي صديق وهو أبو نعيم
ابن الحداد - أحد العلماء في فنون كثيرة، بلغ مبلغ الإمامة بلا مدافعة، وله عندي أياد كثيرة،
وجمع ما لم يجمعه أحد من أقرانه من الكتب الكثيرة والسماعات، صدوق في جمعه وكتبه، أمين
في قراءته.
(2) يعني موطأ الامام مالك برواية القعنبي، وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة
القعنبي، المتوفي سنة 221 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء العاشر، رقم (68) ومما
تفرد به من بين رواة الموطأ حديث " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا
عبد، فقولوا: عبده ورسوله " رواه عن مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس وقد طبعت قطعة من موطئه مؤخرا بتحقيق عبد الحفيظ
منصور.
305

الموجود سماعه، و " السنن " للكجي، و " المستخرج على
البخاري "، و " المستخرج على مسلم " لأبي نعيم، وكتاب " الحلية "
و " المعجم الأوسط " للطبراني، ومسندات الثوري، وعوالي الأوزاعي،
ومسند الشاميين، والسنن من كتب عبد الرزاق، وجامع عبد الرزاق،
ومغازيه، وغريب الحديث لأبي عبيد، ومقتل الحسين، وكتاب الشواهد،
وكتاب القضاء الأربعة لأبي عبيد، وكتاب فوائد سمويه، وفوائد أبي علي بن
الصواف، والطبقات لابن المديني، وتاريخ الطالبيين للجعابي (1).
وقال السمعاني: هو أجل شيخ أجاز لي، رحل الناس إليه، ورأى
من العز ما لم يره أحد في عصره، وكان خيرا صالحا ثقة وقد سمع من أبي
نعيم من تواليفه: التوبة والاعتذار، شرف الصبر، ذم الرياء، كسب
الحلال، حفظ اللسان، تثبيت الإمامة، رياضة الأبدان، التهجد، الايجاز
وجوامع الكلم، فضل علي، الخطب النبوية، لبس السواد، تعظيم
الأولياء، السعاة، التعبير، رفع اليدين، المزاح، الهدية، حرمة
المساجد، الجار، السحور، الفرائض، في الاثنين وسبعين فرقة، مدح
الكرام، مسألة ثم أورثنا الكتاب، سماع الكليم، العقلاء، حديث الطير،
لبس الصوف، الثقلاء، المحبين مع المحبوبين، أربعي (2) الصوفية،
قربان المتقين، الأربعين في الاحكام، حديث النزول، في أن الفلك غير
مدبر، المعراج، الاستسقاء، الخسف، الصيام والقيام، قراءات النبي صلى الله عليه وسلم،
معرفة الصحابة، علوم الحديث، تاريخ أصبهان، الاخوة، العلم،
.

(1) هو الحافظ المجود البارع أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي قاضي
الموصل، صاحب التصانيف الكثيرة في الأبواب والشيوخ، وتواريخ الأمصار المتوفي سنة
355 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (69).
(2) في " الحبير ": " الأربعين في التصوف "
306

المتواضعين، القراءة وراء الامام، التشهد، حسن الظن، المؤاخاة،
وعيد الزناة، الشهداء، القدر، الخلفاء الراشدين، وأشياء عدة سوى ذلك
من الاجزاء والتواليف (1).
توفي مسند الدنيا أبو علي الحداد في السادس والعشرين من ذي الحجة
سنة خمس عشرة وخمس مئة، وقد قارب المئة، ودفن عند القاضي أبي
أحمد العسال بأصبهان.
194 - البلدي *
الشيخ الامام، المحدث المعمر، أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد
ابن أبي النضر البلدي، النسفي، ونسبته بالبلدي إلى بلد نسف (2)، أي:
ليس هو من أهل قرى الناحية.
سمع أباه أبا نصر البلدي، وجعفر بن محمد المستغفري الحافظ،
وأحمد بن علي المايمرغي (3)، ومحمد بن يعقوب السلامي، وأبا مسعود

(1) انظر التحبير: 1 / 179، 182. * الأنساب: 2 / 288 - 289، اللباب: 1 / 173 - 174، تاريخ الاسلام:
4 / 173.
(2) قال السمعاني في " الأنساب ": 2 / 288، 289: سألت حفيده أبا ناصر أحمد
ابن عبد الجبار بن أبي بكر بن أبي نصر البلدي عن هذه النسبة، فقال: كانت العلماء في
زمان جدي الاعلى أبي نصر أكثرهم بنسف من القرى والناحية، وكان جدي من أهل البلد،
فعرف بالبلدي، فبقي علينا هذا الاسم.
(3) بفتح الميم، وسكون الألف، والياء المثناة من تحتها، وفتح الميم الثانية،
وسكون الراء، وكسر الغين المعجمة، هذه النسبة إلى ما يمرغ، وهي قرية كبيرة على
طريق بخارى من نواحي نخشب.
307

البجلي، والحسين بن إبراهيم القنطري، وعدة.
قال السمعاني: حدثنا عنه نحو من عشرين نفسا، وكان إماما فاضلا،
روى لنا عنه أحمد بن عبد الجبار البلدي، وحسن بن عبد الله المقرئ،
ومسعود بن عمر الدلال، وميمون بن محمد الدربي.
وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب " القند ": مولده سنة ثلاث
وعشرين وأربع مئة، ومات في ثالث صفر سنة خمس وخمس مئة.
195 - الساجي *
الحافظ الامام المجود، مفيد الجماعة، أبو نصر المؤتمن بن أحمد
ابن علي بن حسين بن عبيد الله الربعي الدير عاقولي البغدادي الساجي.
قال لابن ناصر: ولدت في صفر سنة خمس وأربعين وأربع مئة.
سمعت علي بن أحمد الفقيه، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر
السلفي، سمعت المؤتمن الساجي يقول: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني
أحفظ من أبي بكر الخطيب.
وسمعت المؤتمن يقول: كان الخطيب يقول: من صنف، فقد جعل
عقله على طبق يعرضه على الناس.

* المنتظم: 9 / 179 - 180، خريدة القصر: 1 / 287، الكامل في التاريخ:
10 / 500، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 223، تاريخ الاسلام: 4 / 188،
دول الاسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 15، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246 - 1248، المستفاد:
234 - 235، عيون التواريخ: 13 / 304، مرآة الجنان: 3 / 197، طبقات الشافعية
للسبكي: 7 / 308، 309، البداية والنهاية: 12 / 178، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ):
حوادث / 507، طبقات الحفاظ: 453، شذرات الذهب: 4 / 20.
308

سمع عبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبا الحسين بن النقور، وأبا
القاسم بن البسري، وعبد الله بن الحسن الخلال، وإسماعيل بن مسعدة،
وأبا نصر الزينبي، وأبا عثمان بن ورقاء - لقيه بالقدس - وأبا عمرو عبد
الوهاب بن منده، وأبا منصور بن شكرويه، وأبا بكر بن خلف الشيرازي،
وأبا علي التستري، وشيخ الاسلام الأنصاري، والقاضي أبا عامر الأزدي،
وأمما سواهم، وأقدم شيخ له أبو بكر الخطيب، سمع منه بصور، وكتب ما
لا يوصف كثرة، ثم أقبل على شأنه، وعبد الله حتى أتاه اليقين، وقد سمع
بحلب من الحسن بن مكي الشيزري.
حدث عنه: ابن ناصر، وسعد الخير الأندلسي، وأبو المعمر
الأنصاري، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو سعد البغدادي، وأبو طاهر
السلفي، ومحمد بن علي بن فولاذ، وأبو بكر السمعاني، وعدة، وقل ما
روى بالنسبة.
قال أبو القاسم بن عساكر: سمعت أبا الوقت بقول: كان الامام
عبد الله بن محمد الأنصاري إذا رأى المؤتمن يقول: لا يمكن أحد أن يكذب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام هذا حيا.
وحدثني أخي أبو الحسين هبة الله قال: سألت السلفي عن
المؤتمن الساجي، فقال: حافظ متقن، لم أر أحسن قراءة للحديث منه،
تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وكتب " الشامل " عن ابن الصباغ (1) بخطه،

(1) هو الامام العلامة شيخ الشافعية عبد السيد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد
بن جعفر البغدادي المعروف بابن الصباغ المتوفى سنة 474، وهو أول من درس بالنظامية بعد أبي
إسحاق الشيرازي تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (238).
309

ثم خرج إلى الشام، فأقام بالقدس زمانا، وذكر لي أنه سمع من لفظ الخطيب
حديثا واحدا بصور، غير أنه لم يكن عنده نسخة، وكتب ببغداد " كامل ابن
عدي " عن ابن مسعدة الإسماعيلي، وكتب بالبصرة " سنن أبي داود ".
انتفعت بصحبته.
وقال أبو النضر الفامي (1): أقام المؤتمن بهراة عشر سنين، وقرأ
الكثير، ونسخ الترمذي ست كرات، وكان فيه صلف نفس، وقناعة،
وعفة، واشتغال بما يعنيه.
قال أبو بكر السمعاني: ما رأيت بالعراق من يفهم الحديث غير
المؤتمن، وبأصبهان إسماعيل بن محمد.
قال السلفي: كان المؤتمن لا تمل قراءته، قرأ لنا على ابن الطيوري
كتاب " الفاصل " (2) للرامهرمزي في مجلس.
وللسلفي:
متى رمت أن تلقين حافظا * يكون لدى الكل بالمؤتمن
عليك ببغداد شرقيها * لتلقى أبا نصر المؤتمن
وقال يحيى بن منده: قرأ المؤتمن على أبي كتاب " معرفة
الصحابة "، وكتاب " التوحيد "، و " الأمالي "، وحديث ابن عيينة

(1) تحرف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1247 إلى " أبي نصر الفاهي ".
(2) واسمه الكامل " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للقاضي الحسن بن عبد
الرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360 ه‍، وقد طبع بتحقيق الدكتور محمد عجاج
الخطيب وعدد صفحاته 465 صفحة، لله تلك الهمم التي لم تكن تعرف الكلل ولا
الملل في زمن الطلب، ومن منا في هذا العصر يستطيع أن يقرأ هذا الكتاب قراءة بحث
وإتقان على الشيخ في مجلس واحد؟!
310

لجدي، فلما أخذ في قراءة " غرائب شعبة "، فلما بلغ إلى حديث عمر في
لبس الحرير مات أبي بعد عشاء الآخرة، فهذا ما رأينا. وذكر حكاية ابن
طاهر (1) أن المؤتمن إنما تمم كتاب الصحابة على أبي عمرو بعد موته
وردها، وقال لابن طاهر: يجب أن تصلح هذا، فإنه كذب. قال: وكان
المؤتمن متورعا زاهدا، صابرا على الفقر.
قال ابن ناصر: توفي المؤتمن في صفر سنة سبع وخمس مئة ببغداد،
وصليت عليه، وكان عالما ثقة، فهما مأمونا.
196 - فخر الملك *
ابن عمار، صاحب طرابلس، كان من دهاة الرجال وأفراد الزمان
شجاعة وإقداما ورأيا وحزما، ابتلي بلده بحصار الفرنج خمسة أعوام، وهو
يقاومهم، وينكي في العدو، ويستظهر عليهم، ويراسل ملوك الأطراف،
ويتحفهم بالهدايا، وهم حائرون في أنفسهم، ولم ينجده أحد، وقد راسل
صاحب الروم مرات، وكان حس التدبير في الحصار، جيد المكيدة
والمخادعة، برا وبحرا، شتاء وصيفا، حتى تفانت رجاله، وكلت أبطاله،
فركب في البحر، وطلع حتى قدم دمشق، وأخذت طرابلس منه سنة اثنتين

(1) النص في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1248: ثم قدم ابن طاهر، وقرأنا عليه جزءا
من مجموعاته فيه: سمعت أصحابنا بأصبهان يقولون: إنما تمم الساجي كتاب " معرفة
الصحابة " على أبي عمرو بعد موته، وذلك أنه كان يقرأ عليه وهو في النزع ومات وهو يقرأ،
وكان يصاح به: تريد أن تغسل الشيخ. فلما سمعت هذه الحكاية، قلت: ما جرى ذلك
يجب أن يصلح هذا، فإنه كذب، وأما قراءة معرفة الصحابة، فكان قبل موت الوالد
بشهرين. * معجم الأنساب: 339، الكامل في التاريخ: 10 / 311، 344، 412،
452 - 454، 477، 539، 563، 568، تاريخ الاسلام: 4 / 126 / 1، دول
الاسلام: 2 / 30، تتمة المختصر: 2 / 29، البداية والنهاية: 12 / 169.
311

وخمس مئة، فأقطعه طغتكين قرية الزبداني (1)، وكان لشدة ما نزل به يصادر
الرعية ويعسفهم، وجرت له تنقلات وأحوال، إلى أن أدبرت أيامه، ووافاه
حمامه، والله يسمح له.
197 - ابن أصبغ *
شيخ المالكية، وعالمهم بقرطبة أبو القاسم أصبغ بن محمد بن أصبغ
الأزدي القرطبي.
حدث عن حاتم بن محمد، وتفقه بأبي جعفر بن رزق، وحمل عن
أبي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر،
وكان عجبا في المذهب لا يجارى في الشروط، أم بجامع قرطبة، سمع
الناس منه، وتفقهوا به (2).
مات في صفر سنة خمس وخمس مئة عن ستين عاما.
198 - سرفرتج * *
الرئيس أبو سعد محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم المديني التأني
الكاتب، صاحب أبي نعيم الحافظ.
حدث ببغداد، وخدم بالكتابة في الشام.

(1) تقع غربي دمشق، تبعد عنها ثلاثين ميلا تقريبا، يقصدها أهل دمشق في الصيف
لاعتدال هوائها، وكثرة فاكهتها، وغزارة مائها النمير الصافي. * الصلة: 1 / 109 - 110.
(2) وفي الصلة: 1 / 109: ولزم داره في آخر عمره لسعاية لحقته، فحرم الناس
منفعة علمه.
(* *) تاريخ الاسلام: 4 / 173.
312

حدث عنه أبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي، وأبو موسى
المديني.
مات في آخر يوم من سنة خمس وخمس مئة.
199 - المعير *
الامام المقرئ أبو غالب أحمد بن عبيد الله بن أبي الفتح محمد بن
أحمد البغدادي المعير ابن خال شيخ القراء ابن سوار.
تلا بحرف أبي عمرو على عبد الله بن مكي السواق عن الشنبوذي.
وسمع من ابن غيلان، ومحمد بن الحسين الحراني، وأبي محمد
الخلال، وأحمد بن علي التوزي، وجماعة.
حدث عنه: ابن ناصر، والسلفي، وأبو المعمر الأنصاري، وعبد
الحق اليوسفي، وآخرون، وبالإجازة نصر الله القزاز، وكان من الثقات
الصلحاء.
عاش ثمانين سنة، توفي في جمادى الأولى سنة ثمان وخمس مئة،
وتلا عليه المبارك بن كامل.
200 - ابن البيهقي * *
الفقيه الامام، شيخ القضاة، أبو علي إسماعيل بن الإمام أبي بكر

* طبقات القراء: 1 / 79.
(* *) المختار من ذيل تاريخ بغداد للسمعاني: الورقة: 139، التحبير: 1 / 83 - 85،
المنتظم: 9 / 175 - 176، التقييد: الورقة: 17 - 18 / أ، الكامل لابن الأثير: 10 / 499،
طبقات النوري: الورقة: - 51 أ - 51 ب، تذكرة الحفاظ: 3 / 1133 - 1135، تتمة
المختصر: 2 / 37، طبقات السبكي: 7 / 44، طبقات الأسنوي: 1 / 200 - 201، البداية:
12 / 176، والنجوم الزاهرة: 5 / 205.
313

أحمد بن الحسين البيهقي الخسروجردي الشافعي، نزيل خوارزم، ثم نزيل
بلخ، فحمل عنه أهل تلك الديار.
مولده سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
وحدث عن أبيه (1)، وأبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسي،
وأبي عثمان الصابوني، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وطبقتهم، وكان عارفا
بالمذهب، مدرسا، جليل القدر (2).
روى عنه عباس بن أرسلان، وحفيده محمود في " تاريخ خوارزم "
والأديب محمد بن إبراهيم الخياط، وشيخ الصوفية محمد بن أرسلان،
والحسن بن سليمان الخجندي، وآخرون.
وبالإجازة أبو سعد السمعاني (3)، واتفق أنه رجع إلى بيهق بعد غيبة
ثلاثين سنة، فأقام بها أياما يسيرة، وأدركه الاجل في جمادى الآخرة سنة سبع
وخمس مئة.
وقد حدث عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي، وطائفة من
أهل بغداد، وقارب الثمانين رحمه الله.

(1) الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي صاحب التصانيف الحديثية التي لم يسبق
إليها مثل السنن الكبير، وشعب الايمان، ودلائل النبوة، ومعرفة السنن والآثار وغيرها. تقدمت
ترجمته في الثامن عشر (86).
(2) قال السمعاني في التحبير: 1 / 83: كان فاضلا عالما، حسن السيرة، واعظا مليح
الوعظ، كثير المحفوظ.
(3) في التحبير: 1 / 85 أجاز لي جميع مسموعاتي بلفظه بسؤال والدي إياه، وكتب بخطه
في صفر سنة سبع وخمس مئة.
314

201 - رضوان *
صاحب حلب، الملك رضوان بن السلطان تتش بن السلطان ألب
أرسلان السلجوقي.
تملك حلب بعد أبيه، وامتدت أيامه، وقد خطب له بدمشق عندما قتل
أبوه أياما، ثم استقل بحلب، وأخذت منه الفرنج أنطاكية.
وكان ذميم السيرة، قرب الباطنية، وعمل لهم دار دعوة بحلب،
وكثروا، وقتل أخويه أبا طالب وبهراما، ثم هلك في سنة سبع وخمس مئة،
فتملك بعده أخوه الأخرس ألب أرسلان، وله ست عشرة سنة، فقتل أخوين
له أيضا، وقتل رأس الباطنية أبا طاهر الصائغ، وجماعة من أعيانهم، وهرب
آخرون، فقتل الامراء الأخرس بعد سنة، وملكوا أخاه سلطان شاه.
وكان رضوان يميل إلى المصريين، فجاء رسول الأفضل أمير الجيوش
يدعوه إلى طاعتهم والخطبة له، والبيعة للمستعلي، ووعدوه بالنجدة
والمال، فخطب في بلاده للمستعلي، ولوزيره أمير الجيوش جمعا، ثم
دامت الخطبة عامين بحلب، ثم أعيدت الدعوة العباسية في أثناء سنة اثنتين
وتسعين، إذ لم ينفعه المصريون بأمر، وقصدت النصارى أنطاكية، ونازلوا
بيت المقدس سنة اثنتين، وقتل به سبعون ألف مسلم، ونقل ابن منقذ ظهور
الفرنج في هذا الوقت من بحر قسطنطينية، وجرت لهم مع طاغية الروم

* الكامل لابن الأثير: 10 / 246، 247، 258، 269، 270، 393، 405 -
406، 409، 410، 426، 428، 429، 463، 465، 482، 486، 499، دول
الاسلام: 2 / 35، العبر: 4 / 13، تتمة المختصر: 2 / 36 - 37، عيون التواريخ:
13 / لوحة: 302، النجوم الزاهرة: 5 / 205، شذرات الذهب: 4 / 16.
315

حروب، وعجز عنهم، ثم قالوا: ما نفتحه من بلاد الروم، فهو لك، ومهما
نفتحه من بلاد الشام، فهو لنا.
وقيل: كانوا في أربع مئة ألف، ثم أخذوا بعض بلاد الملك قلج
رسلان بالسيف، فجمع حينئذ عساكره، والتقاهم في سنة تسعين، وأشرف
على النصر، ثم كسرته الفرنج، وقتل من جنده خلق، وهرب واستغاث
بملوك النواحي على ما دهم الاسلام، فوصلت كتبه إلى حلب مسخمة مشققة
فيها بعض شعر النساء، وانزعج الخلق، ثم توجهت الفرنج إلى الشام،
فقيل: اعتبروا عدتهم بأنطاكية، فكانوا أزيد من ثلاث مئة ألف نفس، فعاثوا
وأخربوا البلاد، وتفرقوا، وكبسهم المسلمون، وجرت فتن وحروب لا يعبر
عنها، وأخذت أنطاكية بالسيف سنة إحدى وتسعين، وقتل صاحبها، وقتل
أيضا من كبار الفرنج عدد كثير، وكان الامر إلى كندفري، ثم إلى أخيه
بغدوين وبيمنت، وابن أخيه طنكل وصنجيل هؤلاء ملوكهم، ثم جاء
المسلمون نجدة لأنطاكية وقد أخذت، فحاربوا العدو أياما، وانتصروا،
وهلك خلق من العدو، وجاعوا، وجرى غير مصاف.
316

الطبقة السابعة والعشرون
202 - الرواسي *
الشيخ الامام، الحافظ المكثر الجوال، أبو الفتيان عمر بن عبد
الكريم بن سعدويه بن مهمت الدهستاني (1)، الرواسي.
طوف في هذا الشأن خراسان والحرمين والعراق ومصر والشام
والسواحل، وكان بصيرا بهذا الشأن محققا.
سمع ببلده المحدث أبا مسعود البجلي الرازي وصحبه، وبنيسابور أبا
حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وأبا عثمان الصابوني، وبحران
مبادر بن علي، وببغداد القاضي أبا يعلى بن الفراء، وأبا جعفر بن
المسلمة، وأمثالهم.

* السياق / الورقة: 58 - 59 أ، الأنساب: 6 / 173، تاريخ ابن عساكر،
المنتظم: 9 / 164، التدوين / الورقة: 311 - 312 أ، العبر: 4 / 6، عيون التواريخ:
13 / لوحة: 254، مرآة الزمان: 8 / 20، البداية: 12 / 171 - 172، النجوم الزاهرة:
5 / 200، شذرات الذهب: 4 / 7.
(1) الدهستاني: بكسر الدال المهملة، وسكون السين، وفتح التاء: نسبة إلى
دهستان، وهي بلدة مشهورة عند مازندان، وجرجان، " الأنساب ": 5 / 378.
317

حدث عنه أبو بكر الخطيب شيخه، وأبو حامد الغزالي، وأبو حفص
عمر بن محمد الجرجاني، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، والفقيه نصر بن
إبراهيم المقدسي شيخه، وهبة الله بن أحمد بن الأكفاني، والحافظ
إسماعيل بن محمد التيمي، ومحمد بن الحسن الجويني، وعدة،
والسلفي بالإجازة، وقدم طوس في آخر عمره، فصحح عليه الغزالي
" الصحيحين "، ثم سار إلي مرو باستدعاء محدثها أبي بكر السمعاني
ليحملوا عنه، فأدركته المنية بسرخس.
قال أبو جعفر بن أبي علي الحافظ: ما رأيت في تلك الديار أحفظ
منه، لا بل في الدنيا كلها، كان كتابا جوالا دار الدنيا لطلب الحديث، لقيته
بمكة، ورأيت الشيوخ يثنون عليه، ويحسنون القول فيه، ثم لقيته
بجرجان، وصار من إخواننا.
وقال إسماعيل التيمي: هو خريج أبي مسعود البجلي، سمعته يقول:
دخل أبو إسماعيل دهستان، فاشترى من أبي رأسا ودخل يأكله، فبعثني أبي
إليه، فقال لي: تعرف شيئا؟ قلت: لا، فقال لأبي: سلمه إلي، فسلمني
إليه، فحملني إلى نيسابور، وأفادني، وانتهى أمري إلى حيث انتهى (1).
قال ابن نقطة: سمعت غير واحد يقولون: إن أبا الفتيان سمع من ثلاثة
آلاف وست مئة شيخ.
قال خزيمة بن علي المروزي: سقطت أصابع عمر الرواسي في
الرحلة من البرد.
وقال الدقاق في رسالته: حدث عمر بطوس بصحيح مسلم من غير

(1) الخبر بأطول مما هنا في " الأنساب ": 6 / 173.
318

أصله، وهذا أقبح شئ عند المحدثين.
قلت: قد توسعوا اليوم في هذا جدا، وفي ذلك تفصيل (1).
قال: وحدثني أنه ولد سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وأنه سمع من هبة
الله بن عبد الوارث في سنة (456).
قال ابن طاهر وغيره: الرواسي نسبة إلى بيع الرؤوس.
وقال ابن ماكولا: كتب عني الرواسي، وكتبت عنه، ووجدته ذكيا.
قال السمعاني: سمعت أبا الفضل أحمد بن محمد السرخسي يقول:
لما قدم عمر بن أبي الحسن علينا، أملى، فحضره عدة، فقال: أنا أكتب
أسماء الجماعة على الأصل، وسألهم وأثبت، ففي المجلس الثاني أخذ
القلم، وكتبهم كلهم على ظهر قلب، وما سألهم، فقيل: كانوا سبعين
نفسا.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: عمر الرواسي شيخ مشهور، عارف
بالطرق، كتب الكثير، وجمع الأبواب وصنف، وكان سريع الكتابة، وكان
على سيرة السلف، معيلا مقلا، خرج من نيسابور إلى طوس، فأنزله أبو
حامد الغزالي عنده، وأكرمه، وقرأ عليه الصحيح، ثم شرحه.
وعن أبي الفتيان الرواسي قال: أريد أن أخرج إلى مرو وسرخس على
الطريق، وقد قيل: إنها مقبرة العلماء، فلا أدري كيف يكون حالي بها،
فمات بها في ربيع الآخر سنة ثلاث وخمس مئة، كما هو مؤرخ على لوح
قبره، رحمه الله تعالى، عاش خمسا وسبعين سنة.

(1) انظر في " مقدمة ابن الصلاح ": 223 - 224، و " توضيح الأفكار ": 2 / 390 -
391.
319

أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، أنبأنا محمد بن صاعد بن
سعيد الطوسي، أخبرنا أبي، أخبرنا عمر بن أبي الحسن الحافظ، أخبرنا
أحمد بن عبد الرحيم النيسابوري، أخبرنا أبو الحسين الخفاف، أخبرنا أبو
العباس السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان أخف الناس صلاة في تمام.
وأخبرناه عاليا محمد بن عبد السلام، وأحمد بن هبة الله، عن عبد
المعز بن محمد، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محلم بن إسماعيل،
أخبرنا الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق السراج، فذكره.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم (1) عن قتيبة بن سعيد، وهو دال على
استحباب تخفيف الصلاة، مع إتمام فرائضها وسننها، وقد حزروا أنه صلى الله عليه وسلم
كان يمكث في السجود قدر عشر تسبيحات (2).
203 - البرجي *
الشيخ الصالح، الأمين المعمر، مسند أصبهان، أبو القاسم غانم بن

(1) برقم (469) (189) في الصلاة: باب أمر الأئمة في تخفيف الصلاة في
تمام، وأخرجه الترمذي (237) في الصلاة: باب ما جاء في إذا أم أحدكم الناس
فليخفف، والنسائي: 2 / 94، 95 في الإمامة: باب ما على الامام من التخفيف، من
طريق قتيبة بن سعيد به، وأخرجه الدارمي: 2 / 228، 229 من طريق شعبة، عن قتادة، به.
وهو في " المسند " من حديث أنس 3 / 162، 173، 179، 231، 234، 276،
277، 279، 282، 340.
(2) في مسند أحمد: 3 / 162، 163، وسنن أبي داود (888)، والنسائي:
2 / 224، 225، من طريق سعيد بن جبير، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما رأيت
أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - فحزرنا في
ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات. وسنده قابل للتحسين. * الأنساب: 2 / 132 - 133، التحبير: 2 / 10، معجم شيوخ السمعاني /
الورقة: 189، معجم البلدان: 1 / 373، التقييد / الورقة: 188، دول الاسلام:
2 / 38، العبر: 4 / 24، شذرات الذهب: 4 / 31، قاموس الاعلام: 2 / 1277.
320

محمد بن عبيد الله بن عمر بن أيوب البرجي الأصبهاني، وهو غانم بن أبي
نصر، و " برج " من قرى أصبهان.
مولده في ذي القعدة سنة (417).
وأجاز له في سنة تسع عشرة من بغداد أبو علي بن شاذان، وأبو القاسم
ابن بشران، والحسين بن شجاع الموصلي من بلده، والحسين بن إبراهيم
الجمال.
وسمع من أبي نعيم الحافظ ما عنده من مسند الحارث بن أبي
أسامة (1)، وسمع من أبي الحسين بن فاذشاه، والفضل بن محمد
القاشاني، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وعمر بن محمد بن الهيثم،
وعدة، وسمع " الحلية " بفوت، وسمع " مسند الطيالسي " من أبي نعيم،
وجزء محمد بن عاصم.
حدث عنه السلفي، وتاج الاسلام أبو بكر السمعاني، ومحمد بن أبي
بكر السنجي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى المديني، والفضل بن القاسم
الصيدلاني، ومسعود بن أبي منصور الجمال، وخلق.
وبالإجازة: أبو سعد السمعاني (2)، وأبو المكارم اللبان، وكان

(1) لم يطبع مسند الحارث، وزوائده على الستة ومسند الإمام أحمد مدرجة في
" المطالب العالية " للحافظ ابن حجر، وهو مطبوع بتحقيق المحدث حبيب الرحمان
الأعظمي.
(2) قال في " التحبير ": 2 / 11: كتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته ورواياته،
وسمع والدي رحمه الله منه الكثير، ثم أورد الكتب التي سمعها أبوه منه.
321

صالحا مكثرا (1). مات في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
وقيل: مات في صفر سنة اثنتي عشرة، والأول أصح.
وفيها مات خطيب قرطبة أبو القاسم خلف بن إبراهيم بن النخاس،
وأبو طاهر اليوسفي (2) راوي سنن الدارقطني، والمحدث عبد الرحمن بن
أحمد بن صابر الدمشقي (3)، وأبو جعفر محمد بن الحسن بن باكير الكاتب،
والمعمر أبو علي بن نبهان الكاتب، والسلطان محمد بن ملكشاه (4)،
والحافظ أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو بن منده.
204 - الغزالي *
الشيخ الامام البحر، حجة الاسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو

(1) في " التحبير ": 2 / 10: شيخ صالح، سديد، ثقة، صدوق، مكثر من
الحديث، عمر طويلا حتى حدث بالكثير، وانتشرت رواياته.
(2) تقدمت ترجمته برقم (188).
(3) سترد ترجمته برقم (246).
(4) سترد ترجمته برقم (293). * تبيين كذب المفتري: 291 - 306، المنتظم: 9 / 168 - 170، منتخب
السياق / الورقة: 20، اللباب: 2 / 379، الكامل لابن الأثير 10 / 491 طبقات ابن الصلاح:
21 / 2 - 23 / 2، وفيات الأعيان: 4 / 216 - 219، المختصر في أخبار البشر: 2 / 237،
تاريخ الاسلام: 4 / 173 / 2 - 176 / 2، دول الاسلام: 2 / 34، العبر: 4 / 10، تتمة
المختصر: 2 / 35، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 37 - 38، الوافي بالوفيات:
1 / 274 - 277، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 262 - 267، مرآة الجنان: 3 / 177 -
192، مرآة الزمان: 8 / 25 - 26، طبقات الشافعية للسبكي: 6 / 191 - 289، طبقات
الإنسوي: 2 / 242 - 245، البداية: 12 / 173 - 174، وفيات ابن قنفذ: 266 - 267،
النجوم الزاهرة: 5 / 203، الانس الجليل: 1 / 265، مفتاح السعادة: 2 / 332 - 336،
341 - 343، 347 - 350، 560 - 562، أسماء الرجال لابن هداية الله: 64، طبقات
ابن هداية الله: (خ) 69 - 71، كشف الظنون: 12، 23، 24، 36، شذرات
الذهب: 4 / 10 - 13، إتحاف السادة المتقين: 1 / 6 - 53، روضات الجنان: 180
185، إيضاح المكنون: 2 / 11 - 171، هدية العارفين: 2 / 79 - 81، بروكلمان:
1408 - 1416، معجم المؤلفين: (11 / 266 - 269، المجد دون في الاسلام: 181 -
184.
322

حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي،
صاحب التصانيف، والذكاء المفرط.
تفقه ببلده أولا، ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة،
فلازم إمام الحرمين، فبرع في الفقه في مدة قريبة، ومهر في الكلام
والجدل، حتى صار عين المناظرين، وأعاد للطلبة، وشرع في التصنيف،
فما أعجب ذلك شيخه أبا المعالي، ولكنه مظهر للتبجح به، ثم سار أبو حامد
إلى المخيم السلطاني، فأقبل عليه نظام الملك الوزير، وسر بوجوده، وناظر
الكبار بحضرته، فانبهر له، وشاع أمره، فولاه النظام تدريس نظامية بغداد،
فقدمها بعد الثمانين وأربع مئة، وسنه نحو الثلاثين، وأخذ في تأليف
الأصول والفقه والكلام والحكمة، وأدخله سيلان ذهنه في مضايق
الكلام، ومزال الاقدام، ولله سر في خلقه (1).
وعظم جاه الرجل، وازدادت حشمته بحيث إنه في دست أمير، وفي
رتبة رئيس كبير، فأداه نظره في العلوم وممارسته لأفانين الزهديات إلى رفض
الرئاسة، والإنابة إلى دار الخلود، والتأله، والاخلاص، وإصلاح
النفس، فحج من وقته، وزار بيت المقدس، وصحب الفقيه نصر بن
إبراهيم (2) بدمشق، وأقام مدة، وألف كتاب " الاحياء "، وكتاب

(1) يراجع كتاب " الحقيقة عند الغزالي " تأليف الدكتور سليمان دنيا، فقيه دراسة جادة
للغزالي حري بكل طالب علم أن يقف عليها.
(2) المقدسي، قال السبكي: 6 / 197: وكان الغزالي يكثر الجلوس في زاويته
بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية نسبة إليه، وكانت تعرف قبله بالشيخ نصر المقدسي.
323

" الأربعين "، وكتاب " القسطاس "، وكتاب " محك النظر ". وراض نفسه
وجاهدها، وطرد شيطان الرعونة، ولبس زي الأتقياء، ثم بعد سنوات سار
إلى وطنه، لازما لسننه، حافظا لوقته، مكبا على العلم.
ولما وزر فخر الملك، حضر أبا حامد، والتمس منه أن لا يبقي أنفاسه
عقيمة، وألح على الشيخ، إلى أن لان إلى القدوم إلى نيسابور، فدرس
بنظاميتها.
فذكر هذا وأضعافه عبد الغافر في " السياق "، إلى أن قال: ولقد زرته
مرارا، وما كنت أحدس في نفسي مع ما عهدته عليه من الزعارة (1) والنظر إلى
الناس بعين الاستخفاف كبرا وخيلاء، واعتزازا بما رزق من البسطة،
والنطق، والذهن، وطلب العلو، أنه صار على الضد، وتصفى عن تلك
الكدورات، وكنت أظنه متلفعا بجلباب التكلف، متنمسا بما صار إليه،
فتحققت بعد السبر والتنقير أن الامر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق
بعد الجنون، وحكى لنا في ليال كيفية أحواله من ابتداء ما أظهر له طريق
التأله، وغلبة الحال عليه بعد تبحره في العلوم، واستطالته على الكل
بكلامه، والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم، وتمكنه
من البحث والنظر، حتى تبرم بالاشتغال بالعلوم العرية عن المعاملة، وتفكر
في العاقبة، وما يبقى في الآخرة، فابتدأ بصحبة الشيخ أبي علي
الفارمذي (2)، فأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يأمره به من

(1) الزعارة بتشديد الراء مثل حمارة الصيف، وبتخفيف الراء عن اللحياني، أي:
؟ رأسه وسوء خلق لا يتصرف منه فعل.
(2) نسبة إلى فارمذ: قرية من قرى طوس، قال السمعاني في " الأنساب ":
9 / 218، 219: والمشهور بالنسبة إليها أبو علي الفضل بن محمد بن علي الفارمذي لسان
خراسان وشيخها، وصاحب الطريقة الحسنة من تربية المريدين والأصحاب، وكان مجلس
وعظه على ما سمعت كروضة فيها أنواع الأزهار والثمار....... توفي سنة 477 ه‍ تقدمت
ترجمته في الجزء الثامن عشر (294).
324

العبادات والنوافل والاذكار والاجتهاد طلبا للنجاة، إلى أن جاز تلك العقاب،
وتكلف تلك المشاق، وما حصل على ما كان يرومه.
ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض في الفنون الدقيقة، والتقى
بأربابها حتى تفتحت له أبوابها، وبقي مدة في الوقائع وتكافؤ الأدلة، وفتح
عليه باب من الخوف بحيث شغله عن كل شئ، وحمله على الاعراض عما
سواه، حتى سهل ذلك عليه، إلى أن ارتاض، وظهرت له الحقائق، وصار
ما كنا نظن به ناموسا وتخلقا، طبعا وتحققا، وأن ذلك أثر السعادة
المقدرة له.
ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته، والرجوع إلى ما دعي
إليه، فقال معتذرا: ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة، ومنفعة
الطالبين، وقد خف (1) علي أن أبوح بالحق، وأنطق به، وأدعو إليه، وكان
صادقا في ذلك، فلما خف أمر الوزير، وعلم أن وقوفه على ما كان فيه ظهور
وحشة وخيال طلب جاه، ترك ذلك قبل أن يترك، وعاد إلى بيته، واتخذ في
جواره مدرسة للطلبة، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف
الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة ذوي القلوب، والقعود للتدريس،
حتى توفي بعد مقاساة لأنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي
فيه إلى الملوك، وحفظ الله له عن نوش أيدي النكبات.
إلى أن قال: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث، ومجالسة

(1) في " طبقات السبكي ": 6 / 210: حق.
325

أهله، ومطالعة " الصحيحين " (1)، ولو عاش، لسبق الكل في ذلك الفن
بيسير من الأيام. قال: ولم يتفق له أن يروي، ولم يعقب إلا البنات، وكان
له من الأسباب إرثا وكسبا ما يقوم بكفايته، وقد عرضت عليه أموال، فما
قبلها.
قال: ومما كان يعترض به عليه وقوع خلل من جهة النحو في أثناء
كلامه، وروجع فيه، فأنصف، واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج
إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي
يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها.
ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب
" كيمياء السعادة والعلوم " وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق
مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به - والحق أحق ما
يقال - ترك ذلك التصنيف، والاعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا
يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئا من ذلك،
تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل،
على أن المنصف اللبيب إذا رجع إلى نفسه، علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه
إشارات الشرع، وإن لم يبح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة
مرموزة، ومصرحا بها متفرقة، وليس لفظ منه إلا وكما تشعر سائر وجوهه بما

(1) ذكر الحافظ ابن عساكر كما سينقله المؤلف عنه 334: أنه سمع صحيح البخاري
من أبي سهل محمد بن عبيد الله الحفصي. وتقدم في ترجمة الرواسي ص 318 أنه قدم
طوس في آخر عمره، فصحح عليه الامام الغزالي " الصحيحين " وفي الترجمة أيضا ص
319 أنه لما قدم طوس، أنزله أبو حامد الغزالي عنده، وأكرمه، وقرأ عليه الصحيح ثم
شرحه.
326

يوافق عقائد أهل الملة (1)، فلا يجب حمله إذا إلا على ما يوافق، ولا ينبغي
التعلق به في الرد عليه إذا أمكن، وكان الأولى به أن يترك الافصاح بذلك،
وقد سمعت أنه سمع سنن أبي داود من القاضي أبي الفتح الحاكمي
الطوسي (2)، وسمع من محمد بن أحمد الخواري والد عبد الجبار كتاب
" المولد " لابن أبي عاصم بسماعه من أبي بكر بن الحارث عن أبي الشيخ
عنه.
قلت: ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء، فله أمثاله في
غضون تواليفه، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع
الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم، فما استطاع.
ومن معجم أبي علي الصدفي، تأليف القاضي عياض له، قال:
والشيخ أبو حامد ذو الانباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة
التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعية في ذلك، وألف فيه تواليفه
المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره،
ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل
ذلك. مولده سنة خمسين وأربع مئة.
قلت: ما زال العلماء يختلفون، ويتكلم العالم في العالم باجتهاده،
وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الاجماع، فهو مأزور، وإلى الله
ترجع الأمور.

(1) النص في " الطبقات " 6 / 213: وليس لفظ منه إلا وكما يشعر أحد وجوهه بكلام
موهم، فإنه يشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة.
(2) في الطبقات زيادة: وما عثرت على سماعه.
327

ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب " رياض الافهام " في
مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه " سر العالمين وكشف ما في
الدارين " فقال في حديث: " من كنت مولاه، فعلي مولاه " (1) أن عمر قال
لعلي: بخ بخ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قال أبو حامد: وهذا
تسليم ورضى، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى حبا للرياسة، وعقد البنود،
وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم،
واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون، وسرد كثيرا من هذا الكلام
الفسل الذي تزعمه الامامية، وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه
رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم.
هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد، ففي هذا التأليف بلايا لا
تتطبب، وقال في أوله: إنه قرأه عليه محمد بن تومرت المغربي سرا بالنظامية،
قال: وتوسمت فيه الملك.
قلت: قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب " التهافت "، وكشف
عوارهم، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم
يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه
إدمان النظر في كتاب " رسائل إخوان الصفا " وهو داء عضال، وجرب مرد،
وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف.
فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا

(1) حديث صحيح رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة، وسعد بن
أبي وقاص، وعلي، وأبو أيوب، وابن عباس. انظر " المسند " 1 / 84 و 118 و 152 و 330،
و 4 / 281 و 368 و 372 و 5 / 347 و 350 و 358 و 361 و 370، والترمذي (3713) وابن
ماجة (116) و (121) وابن حبان (2204) و (2205) والحاكم 3 / 109 و 110 و 132 -
134.
328

وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز، فليلزم العبودية، وليد من الاستغاثة
بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الاسلام وأن يتوفى على إيمان
الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له
وينجو إن شاء الله.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: فصل لبيان أشياء مهمة أنكرت على أبي
حامد:
ففي تواليفه أشياء لم يرتضها أهل مذهبه من الشذوذ، منها قوله في
المنطق: هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به، فلا ثقة له بمعلوم
أصلا (1). قال: فهذا مردود، إذ كل صحيح الذهن منطقي بالطبع، وكم
من إمام ما رفع بالمنطق رأسا.
فأما كتاب " المضنون به على غير أهله " فمعاذ الله أن يكون له،
شاهدت على نسخة به بخط القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله
الشهرزوري أنه موضوع على الغزالي، وأنه مخترع من كتاب " مقاصد
الفلاسفة "، وقد نقضه الرجل بكتاب " التهافت " (2).

(1) قال ذلك في " المستصفى ": 1 / 10، وهذا المنطق الصوري اليوناني الذي
امتدحه الغزالي بقوله: " من لا يحيط به فلا ثقة له بعلومه أصلا " لا يحتاج إليه الذكي، ولا
ينتفع به البليد، وكثير من قضاياه لا تصح، وقد كان سببا في إفساد عقلية كثير من العلماء
وانحرافهم عن منهج النبوة، وطريقة السلف المشهود لهم بالخيرية على لسان من لا ينطق عن
الهوى. والتعليق هنا لا يتسع لبيان ما في هذا العلم من خطأ وفساد، ومن أراد معرفة ذلك
بالتفصيل، فليرجع إلى كتاب " الرد على المنطقيين " لشيخ الاسلام، فإنه قد أتى على بنيان
هذا العلم من القواعد، وهتكه هتكا بالحجج الدامغة، والبراهين الواضحة.
(2) انظر لزاما ما كتبه عن نسبة كتاب " المضنون به على غير أهله " للغزالي الدكتور
سليمان دنيا في كتابه " الحقيقة عند الغزالي ".
329

وقال أحمد بن صالح الجيلي في " تاريخه ": أبو حامد لقب
بالغزالي، برع في الفقه، وكان له ذكاء وفطنة وتصرف، وقدرة على إنشاء
الكلام، وتأليف المعاني، ودخل في علوم الأوائل.
إلى أن قال: وغلب عليه استعمال عباراتهم في كتبه، واستدعي
لتدريس النظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين، وبقي إلى أن غلبت عليه
الخلوة، وترك التدريس، ولبس الثياب الخشنة، وتقلل في مطعومه.
إلى أن قال: وجاور بالقدس، وشرع في " الاحياء " هناك - أعني
بدمشق - وحج وزار، ورجع إلى بغداد، وسمع منه كتابه " الاحياء "،
وغيره، فقد حدث بها إذا، ثم سرد تصانيفه.
وقد رأيت كتاب " الكشف والأنباء عن كتاب الاحياء " للمازري،
أوله: الحمد لله الذي أنار الحق وأداله، وأبار الباطل وأزاله، ثم أورد
المازري أشياء مما نقده على أبي حامد، يقول: ولقد أعجب من قوم مالكية
يرون مالكا الامام يهرب من التحديد، ويجانب أن يرسم رسما، وإن كان فيه
أثر ما، أو قياس ما، تورعا وتحفظا من الفتوى فيما يحمل الناس عليه، ثم
يستحسنون من رجل فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير من الآثار عن
النبي صلى الله عليه وسلم لفق فيه الثابت بغير الثابت، وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته
كله، وأورد من نزغات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه
النافع بالضار، كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها،
وإن أخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز إلى قدح الملحدين، ولا
تنصرف معانيها إلى الحق إلا بتعسف على اللفظ مما لا يتكلف العلماء مثله
إلا في كلام صاحب الشرع الذي اضطرت المعجزات الدالة على صدقه
المانعة من جهله وكذبه إلى طلب التأويل، كقوله: " إن القلب بين إصبعين
330

من أصابع الرحمن " (1)، و " أن السماوات على إصبع " (2) وكقوله:
" لأحرقت سبحات وجهه " (3)، وكقوله: " يضحك الله " (4)، إلى غير

(1) أخرجه مسلم (2654) في القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء،
وأحمد: 2 / 168 عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن قلوب
بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء " ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك ". وفي الباب عند
الترمذي (2140) في القدر، وابن ماجة (3834) في الدعاء، وأحمد 3 / 112، 257 عن
أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " اللهم ثبت قلبي على دينك " فقال رجل: يا
رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك وصدقناك بما جئت به؟ فقال: " إن القلوب بين إصبعين
من أصابع الرحمان عز وجل يقلبها ".
وهو عند ابن ماجة (199) في المقدمة، وأحمد: 4 / 182 عن النواس بن سمعان.
(2) أخرجه البخاري (4811) في التفسير، و (7414) و (7415) و (7451) و
7513) ومسلم (2786) في صفات المنافقين، والترمذي (3239) في التفسير،
وأحمد 1 / 457 عن عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إن الله
تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر
على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا
الملك، أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قاله الحبر تصديقا له. ثم قرأ * (وما
قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه،
سبحانه وتعالى عما يشركون) *. وفي الباب عن عبد الله بن عباس عند الترمذي (3240).
(3) أخرجه مسلم (179) في الايمان، وابن ماجة (195) و (196) في المقدمة،
وأحمد: 4 / 400 - 401 عن أبي موسى الأشعري قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس
كلمات، فقال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه،
يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه
لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ". ومعنى قوله: يخفض القسط:
قيل: أراد به الميزان، وقيل أراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه مرة
فيقتره، ويرفعه مرة فيبسطه، ومعنى سبحات وجهه: أي نوره وجلاله وبهاؤه.
(4) أخرجه البخاري (2826) في الجهاد، ومسلم (1890) في الامارة، ومالك في
" الموطأ ": 2 / 460، والنسائي: 6 / 38 و 39، وابن ماجة (191) من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما
يدخل الجنة " فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " يقاتل هذا في سبيل الله عز وجل،
فيستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ".
331

ذلك من الأحاديث الوارد ظاهرها بما أحاله العقل.
إلى أن قال: فإذا كانت العصمة غير مقطوع بها في حق الولي، فلا
وجه لإضافة ما لا يجوز إطلاقه إليه، إلا أن يثبت، وتدعو ضرورة إلى نقله،
فيتأول.
إلى أن قال: ألا ترى لو أن مصنفا أخذ يحكي عن بعض الحشوية
مذهبه في قدم الصوت والحرف، وقدم الورق، لما حسن به أن يقول:
قال بعض المحققين: إن القارئ إذا قرأ كتاب الله، عاد القارئ في نفسه
قديما بعد أن كان محدثا، أو قال بعض الحذاق: إن الله محل للحوادث،
إذا أخذ في حكاية مذهب الكرامية.
وقال قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن حمدين القرطبي: إن بعض
من يعظ ممن كان ينتحل رسم الفقه، ثم تبرأ منه شغفا بالشرعة الغزالية،
والنحلة الصوفية، أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد
إمام بدعتهم، فأين هو من شنع مناكيره، ومضاليل أساطيره المباينة
للدين؟! وزعم أن هذا من علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفة الواقع
بهم على سر الربوبية الذي لا يسفر عن قناعه، ولا يفوز باطلاعه إلا من تمطى
إليه ثبج ضلالته التي رفع لهم أعلامها، وشرع أحكامها. قال أبو حامد:
وأدنى النصيب من هذا العلم التصديق به، وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر
منه شيئا، فأعرض قوله على قوله، ولا يشتغل بقراءة قرآن، ولا بكتب
حديث، لان ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جبته، والتدثر
بكسائه، فيسمع نداء الحق، فهو يقول: ذروا ما كان السلف عليه، وبادروا
ما آمركم به، ثم إن هذا القاضي أقذع، وسب، وكفر، وأسرف، نعوذ بالله
من الهوى.
332

وقال أبو حامد: وصدور الأحرار قبور الاسرار، ومن أفشى سر
الربوبية، كفر، ورأى قتل مثل الحلاج خيرا من إحياء عشرة لاطلاقه
ألفاظا، ونقل عن بعضهم قال: للربوبية سر لو ظهر، لبطلت النبوة، وللنبوة
سر لو كشف، لبطل العلم، وللعلم سر لو كشف، لبطلت الاحكام.
قلت: سر العلم قد كشف لصوفة أشقياء، فحلوا النظام، وبطل
لديهم الحلال والحرام.
قال ابن حمدين: ثم قال الغزالي: والقائل بهذا، إن لم يرد إبطال
النبوة في حق الضعفاء، فما قال ليس بحق، فإن الصحيح لا يتناقض، وإن
الكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه.
وقال الغزالي في العارف: فتتجلى له أنوار الحق، وتنكشف له
العلوم المرموزة المحجوبة عن الخلق، فيعرف معنى النبوة، وجميع ما
وردت به ألفاظ الشريعة التي نحن منها على ظاهر لا على حقيقة.
وقال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية، قلت: صديقا، وإذا رأيته
في النهاية، قلت: زنديقا، ثم فسره الغزالي، فقال: إذ اسم الزنديق لا
يلصق إلا بمعطل الفرائض لا بمعطل النوافل. وقال: وذهبت الصوفية إلى
العلوم الالهامية دون التعليمية، فيجلس فارغ القلب، مجموع الهم يقول:
الله الله الله (1)، على الدوام، فليفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب
حديث. قال: فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة في بيت مظلم، وتدثر

(1) الذكر بالاسم المفرد لم يرد في السنة، لان الذكر ثناء على الله، والثناء لا يكون
إلا بجملة تامة، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع في هذا وأمثاله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
قوله: " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ".
انظر " الموطأ ": 1 / 422 - 423، والترمذي (3579).
333

بكسائه، فحينئذ يسمع نداء الحق: * (يا أيها المدثر) * و * (يا أيها
المزمل) *.
قلت: سيد الخلق إنما سمع * (يا أيها المدثر) * من جبريل عن الله،
وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدا، بل سمع شيطانا، أو سمع شيئا لا
حقيقة من طيش دماغه، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والاجماع.
قال أبو بكر الطرطوشي: شحن أبو حامد " الاحياء " بالكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتابا على بسيط الأرض أكثر كذبا منه، ثم شبكه
بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة
مكتسبة، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق.
قال ابن عساكر (1): حج أبو حامد وأقام بالشام نحوا من عشر سنين،
وصنف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مقامه بدمشق في المنارة الغربية من
الجامع، سمع " صحيح البخاري " من أبي سهل الحفصي، وقدم دمشق
في سنة تسع وثمانين.
وقال ابن خلكان: بعثه النظام على مدرسته ببغداد في سنة أربع
وثمانين، وتركها في سنة ثمان وثمانين، وتزهد، وحج، وأقام بدمشق مدة
بالزاوية الغربية، ثم انتقل إلى بيت المقدس وتعبد، ثم قصد مصر، وأقام
مدة بالإسكندرية، فقيل: عزم على المضي إلى يوسف بن تاشفين سلطان
مراكش، فبلغه نعيه، ثم عاد إلى طوس، وصنف " البسيط " و " الوسيط " و " الوجيز "
و " الخلاصة " و " الاحياء "، وألف " المستصفى " في أصول الفقه،
و " المنخول " و " اللباب " و " المنتحل في الجدل " و " تهافت الفلاسفة "

(1) أورده السبكي في " طبقاته ": 6 / 197 وقال: كذا نقل شيخنا الذهبي، ولم أجد
ذلك في كلام ابن عساكر لا في " تاريخ الشام " ولا في " التبيين ".
334

و " محك النظر " و " معيار العلم " و " شرح الأسماء الحسنى " و " مشكاة
الأنوار " و " المنقذ من الظلال " و " حقيقة القولين " وأشياء.
قال ابن النجار: أبو حامد إمام الفقهاء على الاطلاق، ورباني الأمة
بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه، برع في المذهب والأصول والخلاف
والجدل والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدى للرد
عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الادراك، ذا فطنة ثاقبة، وغوص على
المعاني، حتى قيل: إنه ألف " المنخول "، فرآه أبو المعالي، فقال:
دفنتني وأنا حي، فهلا صبرت الآن، كتابك غطى على كتابي (1).
ثم روى ابن النجار بسنده أن والد أبي حامد كان يغزل الصوف ويبيعه
في دكانه بطوس، فأوصى بولديه محمد وأحمد إلى صديق له صوفي
صالح، فعلمهما الخط، وفني ما خلف لهما أبوهما، وتعذر عليهما
القوت، فقال: أرى لكما أن تلجأ إلى المدرسة كأنكما طالبان للفقه عسى
يحصل لكما قوت، ففعلا ذلك.
قال أبو العباس أحمد الخطيبي: كنت في حلقة الغزالي، فقال: مات
أبي، وخلف لي ولأخي مقدارا يسيرا ففني بحيث تعذر علينا القوت، فصرنا
إلى مدرسة نطلب الفقه، ليس المراد سوى تحصيل القوت، فكان تعلمنا
لذلك، لا لله، فأبى أن يكون إلا لله.
قال أسعد الميهني: سمعت أبا حامد يقول: هاجرت إلى أبي نصر
الإسماعيلي بجرجان، فأقمت إلى أن أخذت عنه التعليقة (2).

في " المنتظم ": 9 / 169: هلا صبرت حتى أموت، وأراد أن كتابك قد غطى
على كتابي.
(2) انظر خبر هذه التعليقة في " طبقات الشافعية ": 6 / 195 فإنه طريف.
335

قال عبد الله بن علي الأشيري (1): سمعت عبد المؤمن بن علي
القيسي، سمعت أبا عبد الله بن تومرت (2) يقول: أبو حامد الغزالي قرع
الباب وفتح لنا.
قال ابن النجار: بلغني أن إمام الحرمين قال: الغزالي بحر مغرق،
وإلكيا أسد مطرق (3)، والخوافي (4) نار تحرق.
قال أبو محمد العثماني وغيره: سمعنا محمد بن يحيى العبدري
المؤدب يقول: رأيت بالإسكندرية سنة خمس مئة كأن الشمس طلعت من
مغربها، فعبره لي عبار ببدعة تحدث فيهم، فبعد أيام وصل الخبر بإحراق
كتب الغزالي من المرية.

(1) ضبطه ابن الأثير في " اللباب " بفتح الهمزة، وكسر الشين، وسكون الياء،
وقال: هذه النسبة إلى أشير، حصن بالمغرب ينسب إليه عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو
محمد الصنهاجي المغربي المعروف بابن الأشيري، سمع بالأندلس أبا جعفر بن غزلون،
وأبا بكر محمد بن عبد الله بن العربي الإشبيلي وغيرهما، وقدم الشام بأهله، وكان أديبا فاضلا
توفي بالشام في سنة إحدى وستين وخمس مئة، ودفن في بعلبك وسترد ترجمته عند المصنف في
الجزء العشرين رقم (294).
(2) عبد المؤمن: هو ملك المغرب، المتوفي سنة 558 ه‍، سترد ترجمته في الجزء
العشرين برقم (254). وابن تومرت: هو محمد بن عبد الله بن تومرت الملقب بالمهدي
المصمودي صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن المتوفى سنة 524، وسترد ترجمته في هذا الجزء
برقم (318).
(3) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بإلكيا الهراسي الفقيه
الشافعي ستأتي ترجمته برقم (207).
(4) نسبة إلى خواف، ناحية من نواحي نيسابور كثيرة القرى، والخوافي هذا: هو أبو
المظفر أحمد بن محمد بن المظفر الخوافي الفقيه الشافعي، كان أنظر أهل زمانه، تفقه على إمام
الحرمين الجويني، وصار أوجه تلامذته، وكان مشهورا بين العلماء بحسن المناظرة، وإفحام
الخصوم.
والنص في طبقات السبكي: 6 / 202 كان الجويني يقول في تلامذته: إذا ناظروا:
التحقيق للخوافي، والحدسيات للغزالي، والبيان للكيا.
336

وفي التوكل من " الاحياء " (1) ما نصه: وكل ما قسم الله بين عباده من
رزق وأجل، وإيمان وكفر، فكله عدل محض، ليس في الامكان أصلا
أحسن ولا أتم منه، ولو كان وادخره تعالى مع القدرة ولم يفعله، لكان بخلا
وظلما.
قال أبو بكر بن العربي في " شرح الأسماء الحسنى ": قال شيخنا أبو
حامد قولا عظيما انتقده عليه العلماء، فقال: وليس في قدرة الله أبدع من
هذا العالم في الاتقان والحكمة، ولو كان في القدرة أبدع أو أحكم منه ولم
يفعله، لكان ذلك منه قضاء للجود، وذلك محال. ثم قال: والجواب أنه
باعد في اعتقاد عموم القدرة ونفي النهاية عن تقدير المقدورات المتعلقة
بها، ولكن في تفاصيل هذا العالم المخلوق، لا في سواه، وهذا رأي
فلسفي قصدت به الفلاسفة قلب الحقائق، ونسبت الاتقان إلى الحياة مثلا،
والوجود إلى السمع والبصر، حتى لا يبقى في القلوب سبيل إلى الصواب،
وأجمعت الأمة على خلاف هذا الاعتقاد، وقالت عن بكرة أبيها: إن
المقدورات لا نهاية لها لكل مقدر الوجود، لا لكل حاصل الوجود، إذ القدرة
صالحة، ثم قال: وهذه وهلة لا لعا لها (2)، ومزلة لا تماسك فيها، ونحن
وإن كنا نقطة من بحره، فإنا لا نرد عليه إلا بقوله.
قلت: كذا فليكن الرد بأدب وسكينة.
ومما أخذ عليه قال: إن للقدر سرا نهينا عن إفشائه، فأي سر للقدر؟

(1) 4 / 258: في آخر باب بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل.
(2) قال أبو عبيدة: من دعائهم: لا لعا لفلان، أي: لا أقامه الله، والعرب تدعو على
العاثر من الدواب إذا كان جوادا بالتعس، فتقول: تعسا له، وإن كان بليدا، كان دعاؤهم له
إذا عثر: لعا لك.
337

فإن كان مدركا بالنظر، وصل إليه ولا بد، وإن كان مدركا بالخبر، فما ثبت
فيه شئ، وإن كان يدرك بالحال والعرفان، فهذه دعوى محضة، فلعله عنى
بإفشائه أن نعمق في القدر، ونبحث فيه.
أخبرنا محمد بن عبد الكريم (1)، أخبرنا أبو الحسن السخاوي،
أخبرنا حطلبا بن قمرية الصوفي، أخبرنا سعد بن أحمد الأسفراييني
بقراءتي، أخبرنا أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الطوسي قال: اعلم أن
الدين شطران: أحدهما ترك المناهي، والآخر فعل الطاعات، وترك
المناهي هو الأشد، والطاعات يقدر عليها كل أحد، وترك الشهوات لا يقدر
عليها إلا الصديقون، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر السوء،
والمجاهد من جاهد هواه " (2).

(1) ترجمه المؤلف في مشيخته الورقة: 140، فقال: هو محمد بن عبد الكريم بن
علي بن أحمد المقرئ المعمر، نظام الدين أبو عبد الله التبريزي، ثم الدمشقي الشافعي،
ولد في حدود سنة عشر وست مئة في دولة العادل، وكان يسافر مع ابنه للتجارة، فذكر لي أنه
قرأ لأبي عمر ختمة على أبي القاسم الصفراوي، وأراني إجازته من السخاوي بالسبع في سنة
خمس وثلاثين وست مئة، وقرأ بأربع روايات على المنتخب الهمذاني، وسمع بحلب من
أبي القاسم بن رواحة وجماعة، وكان له حلقة مصدرة، ومسجد بناحية المارستان، وكان
خيرا متواضعا. عرضت عليه ختمة لعلو سنده، وطال بعد ذلك عمره، واستولى عليه الهرم
والمرض، وبقي بالمارستان النوري قريب السنة وافتقر. مات في ربيع الآخر سنة أربع وسبع
مئة.
(2) صحيح، وأخرجه الإمام أحمد: 6 / 21 من طريق الليث بن سعد عن أبي هانئ
الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي - وقد تحرف فيه إلى الجبني - عن فضالة بن عبيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا أخبركم بالمؤمن، من أمنه الناس على أموالهم
وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة
الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ": وصححه ابن حبان (25)، والحاكم:
1 / 10، 11، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أنس عند ابن حبان (26)، والحاكم:
1 / 11.
338

وقال أبو عامر العبدري: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد القادر
الطوسي يحلف بالله أنه أبصر في نومه كأنه ينظر في كتب الغزالي رحمه الله،
فإذا هي كلها تصاوير.
قلت: الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ.
وقال محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر: فأما ما
ذكرت من أبي حامد، فقد رأيته، وكلمته، فرأيته جليلا من أهل العلم،
واجتمع فيه العقل والفهم، ومارس العلوم طول عمره، وكان على ذلك
معظم زمانه، ثم بدا له عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم
تصوف، وهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب
القلوب، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلاج،
وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين، فلما
عمل " الاحياء "، عمد يتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير
أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، وشحن كتابه
بالموضوعات.
قلت: أما " الاحياء " ففيه من الأحاديث الباطلة جملة (1)، وفيه خير

(1) وقد جمع الامام السبكي في طبقاته: 6 / 287 - 388 الأحاديث الواقعة في كتاب
الاحياء التي لم يجد لها إسنادا، وعدتها 943 حديثا تقريبا.
وقد خرج أحاديث الاحياء كلها الحافظ أبو الفضل بعد الرحيم العراقي المتوفى سنة
806 ه‍ في كتاب سماه " المغني عن حمل الاسفار في الاسفار في تخريج ما في الاحياء من
الاخبار " وهو مطبوع مع الاحياء، وقد عزا كل حديث إلى مصدره، وأبان عن درجة كل
واحد منها، وكثير منها حكم عليه بالضعف أو الوضع، أو أنه لا أصل له من كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فليحذر الكتاب والخطباء والمدرسون والوعاظ من تناول ما في الاحياء من الأحاديث،
والاستشهاد بها ما لم يتبينوا صحتها من تخريجات الحافظ العراقي، فقد قال محدث الديار
الشامية الشيخ بدر الدين الحسني: لا يجوز إسناد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على
صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، فمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم
صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث " من قال علي ما لم أقل
فليتبوأ مقعده من النار ". انظر مجلة الهداية الاسلامية: 8 / 264.
339

كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي
الصوفية، نسأل الله علما نافعا، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به
القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، ولم يأت نهي عنه، قال عليه
السلام: " من رغب عن سنتي، فليس مني " (1)، فعليك يا أخي بتدبر
كتاب الله، وبإدمان النظر في " الصحيحين "، وسنن النسائي، ورياض
النواوي وأذكاره، تفلح وتنجح، وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل
الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات،
فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فوا غوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى
صراطك المستقيم.
نعم، وللامام محمد بن علي المازري الصقلي كلام على " الاحياء "
يدل على إمامته، يقول: وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في
الكتاب المترجم ب‍ " إحياء علوم الدين "، وذكرتم أن آراء الناس فيه قد
اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصبت لاشهاره، وطائفة حذرت منه ونفرت،
وطائفة لكتبه أحرقت، وكاتبني أهل المشرق أيضا يسألوني، ولم يتقدم لي

(1) قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري (5063) في النكاح، ومسلم (1401)،
والنسائي: 6 / 60، وأحمد: 3 / 241، 259، 285، من طريقين عن أنس بن مالك
قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا
كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟!،
قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر:
أنا أعتزل النساء فلا أتزوج النساء أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أنتم الذين قلتم كذا
وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج
النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
340

قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت فيه
الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس: اعلموا أن هذا رأيت تلامذته، فكل
منهم حكى لي نوعا من حاله ما قام مقام العيان، فأنا أقتصر على ذكر حاله،
وحال كتابه، وذكر جمل من مذاهب الموحدين والمتصوفة، وأصحاب
الإشارات، والفلاسفة، فإن كتابه متردد بين هذه الطرائق.
ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه، وقال: هو بالفقه أعرف
منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين، فإنه صنف فيه، وليس
بالمتبحر فيها، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة
قبل استبحاره في فن الأصول، فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلا
للهجوم على الحقائق، لان الفلاسفة تمر مع خواطرها، لا يزعها شرع،
وعرفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى
وخمسون رسالة، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل، وفي
الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجل يعرف بابن سينا ملا الدنيا
تصانيف، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم
الفلسفة، وتلطف جهده، حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملا من
دواوينه، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة.
وأما مذاهب الصوفية، فلا أدري على من عول فيها، لكني رأيت فيما
علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي
حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف، وأخبرت أن أبا
حيان ألف ديوانا عظيما في هذا الفن، وفي " الاحياء " من الواهيات كثير.
قال: وعادة المتورعين أن لا يقولوا: قال مالك، وقال الشافعي، فيما لم
يثبت عندهم.
341

ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له، كقص الأظفار
أن يبدأ بالسبابة، لان لها الفضل على باقي الأصابع، لأنها المسبحة، ثم
قص ما يليها من الوسطى، لأنها ناحية اليمين، ويختم بإبهام اليمنى، وروى
في ذلك أثرا.
قلت: هو أثر موضوع.
ثم قال: وقال: من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن البارية قديم، مات
مسلما إجماعا. قال: فمن تساهل في حكاية الاجماع في مثل هذا الذي
الأقرب أن يكون الاجماع في خلافه، فحقيق أن لا يوثق بما روى، ورأيت له
في الجزء الأول يقول: إن في علومه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب، فليت
شعري أحق هو أو باطل؟! فإن كان باطلا، فصدق، وإن كان حقا، وهو
مراده بلا شك، فلم لا يودع في الكتب، ألغموضه ودقته؟! فإن كان هو
فهمه، فما المانع أن يفهمه غيره؟!
قال أبو الفرج ابن الجوزي: صنف أبو حامد " الاحياء "، وملاه
بالأحاديث الباطلة، ولم يعلم بطلانها، وتكلم على الكشف، وخرج عن
قانون الفقه، وقال: إن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن
إبراهيم، أنوار هي حجب الله عز وجل، ولم يرد هذه المعروفات، وهذا من
جنس كلام الباطنية، وقد رد ابن الجوزي على أبي حامد في كتاب
" الاحياء "، وبين خطأه في مجلدات، سماه كتاب " الاحياء ".
ولأبي الحسن ابن سكر رد على الغزالي في مجلد سماه: " إحياء ميت
الاحياء في الرد على كتاب الاحياء ".
قلت: ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضا، ويرد هذا على هذا،
342

ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل.
نعم، وللامام كتاب " كيمياء السعادة "، وكتاب " المعتقد "،
وكتاب " إلجام العوام "، وكتاب " الرد على الباطنية "، وكتاب " معتقد
الأوائل "، وكتاب " جواهر القرآن "، وكتاب " الغاية القصوى "، وكتاب
" فضائح الإباحية " و " مسألة عوز الدور "، وغير ذلك.
قال عبد الغافر الفارسي: توفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة
سنة خمس وخمس مئة، وله خمس وخمسون سنة، ودفن بمقبرة الطابران
قصبة بلاد طوس، وقولهم: الغزالي، والعطاري، والخبازي، نسبة إلى
الصنائع بلسان العجم، بجمع ياء النسبة والصيغة.
وللغزالي أخ واعظ مشهور، وهو أبو الفتوح أحمد، له قبول عظيم في
الوعظ، يزن (1) برقة الدين وبالإباحة، بقي إلى حدود العشرين وخمس
مئة، وقد ناب عن أخيه في تدريس النظامية ببغداد لما حج مديدة.
قرأت بخط النواوي رحمه الله: قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح:
وقد سئل: لم سمي الغزالي بذلك، فقال: حدثني من أثق به، عن أبي
الحرم الماكسي الأديب، حدثنا أبو الثناء محمود الفرضي، قال: حدثنا تاج
الاسلام ابن خميس، قال لي الغزالي: الناس يقولون لي الغزالي، ولست
الغزالي، وإنما أنا الغزالي منسوب إلى قرية يقال لها: غزالة، أو كما قال.

(1) أي: يتهم ويرمى، يقال: زنه بكذا، وأزنه: إذا اتهمه وظنه فيه، وفي خبر
الأنصار وتسويدهم جد بن قيس: إنا لنزنه بالبخل، أي: نتهمه به، وفي شعر حسان بن
ثابت في عائشة رضي الله عنها:
خصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل.
343

وفي أواخر " المنخول " (1) للغزالي كلام فج في إمام لا أرى نقله
هنا.
ومن عقيدة أبي حامد رحمه الله تعالى أولها: الحمد لله الذي تعرف
إلى عباده بكتابه المنزل على لسان نبيه المرسل، بأنه في ذاته واحد لا شريك
له، فرد لا مثل له، صمد لا ضد له، لم يزل ولا يزال منعوتا بنعوت
الجلال، ولا تحيط به الجهات، ولا تكنفه السماوات، وأنه مستو على
العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، منزها عن المماسة
والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، وهو فوق كل شئ إلى التخوم،
وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، لا يماثل قربه قرب الأجسام، كان قبل خلق
المكان والزمان، وهو الآن على ما كان عليه، وأنه بائن بصفاته من خلقه، ما
في ذاته سواه، ولا في سواه ذاته، مقدس عن التغير والانتقال، لا تحله
الحوادث، وأنه مرئي الذات بالابصار في دار القرار، إتماما للنعم بالنظر إلى
وجهه الكريم.
إلى أن قال: ويدرك حركة الذر في الهواء، لا يخرج عن مشيئته لفتة
ناظر، ولا فلتة خاطر، وأن القرآن مقروء بالألسنة، محفوظ في القلوب،
مكتوب في المصاحف، وأنه مع ذلك قائم بذات الله، لا يقبل الانفصال

(1) ص: 495 - 504، والمراد بالامام: أبو حنيفة رحمه الله، وحق للذهبي أن ينعت
كلامه فيه بأنه فج، فإنه ليس عليه أثارة من علم، وقد صدر عنه حين كان متلبسا بعلوم
الجدل، وحظوظ طلبة العلم، فإنه صنف المنخول في أول حياته العلمية، ومعظم ما في
هذا الفصل من فقر مأخوذة من كتاب شيخه إمام الحرمين " مغيث الخلق في ترجيح القول
الأحق " الذي ألفه في ترجيح مذهب الشافعي على غيره من المذاهب، وفيه من التعصب
الفظيع، والحط الشنيع على الامام أبي حنيفة رحمه الله ما تصم عنه الاسماع، وتنبو عنه
الأذواق، وهو مما لا يلتفت إليه عند المحققين من العلماء ذوي النصفة، وقد صنف الامام
الكوثري في الرد عليه كتاب " إحقاق الحق " فليرجع إليه من شاء.
344

بالانتقال إلى القلوب والصحف، وأن موسى سمع كلام الله بغير صوت ولا
حرف (1)، كما ترى ذاته من غير شكل ولا لون، وأنه يفرق الموت بين
الأرواح والأجسام، ثم يعيدها إليها عند الحشر، فيبعث من في القبور.
ميزان الأعمال معيار يعبر عنه بالميزان، وإن كان لا يساوي ميزان
الأعمال ميزان الجسم الثقيل، كميزان الشمس، وكالمسطرة التي هي ميزان
السطور، وكالعروض ميزان الشعر.
قلت: بل ميزان الأعمال له كفتان، كما جاء في " الصحيح " (2) وهذا
المعتقد غالبه صحيح، وفيه ما لم أفهمه، وبعضه فيه نزاع بين أهل

(1) في كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة رحمه الله: والقرآن في المصاحف
مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا بالقرآن
مخلوق، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن عن موسى عليه السلام وغيره، وعن
فرعون وإبليس، فإن ذلك كلام الله إخبارا عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين
مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى، فلما كلم
موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته لم يزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين،
يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا.
وقال العلامة الآلوسي في تفسيره " روح المعاني " 1 / 17: الذي انتهى إليه كلام أئمة
الدين كالماتريدي والأشعري وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله
تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة مبلغا لا ينبغي معه تأويل،
ولا يناسب في مقابلته قال وقيل، فقد قال تعالى: * (وناديناه من جانب الطور الأيمن) *،
* (وإذ نادى ربك موسى) *، * (نودي من شاطئ الواد الأيمن) *، * (إذ ناداه ربه بالواد
المقدس طوى) * واللائق بمقتضى اللغة والأحاديث أن يفسر النداء بالصوت، بل قدر ورد
إثبات الصوت لله تعالى شأنه في أحاديث لا تحصى وأخبار لا تستقصى.
(2) لفظ الميزان ورد في القرآن والأحاديث الصحيحة، وأما الكفتان، فلم تردا في
الصحيح كما ذكر المصنف، وإنما هي في المسند 2 / 213، والترمذي (2641)، وابن
ماجة (4300) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وإسناده صحيح، وصححه ابن
حبان (2534)، والحاكم: / 529، ووافقه الذهبي. وانظر " النهاية " لابن كثير:
2 / 24، وشرح العقيدة الطحاوية: ص 409 - 413 لابن أبي العز بتحقيقنا.
345

المذاهب، ويكفي المسلم في الايمان أن يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه،
ورسله، والقدر خيره وشره، والبعث بعد الموت، وأن الله ليس كمثله شئ
أصلا، وأن ما ورد من صفاته المقدسة حق، يمر كما جاء، وأن القرآن كلام
الله وتنزيله، وأنه غير مخلوق، إلى أمثال ذلك مما أجمعت عليه الأمة، ولا
عبرة بمن شذ منهم، فإن اختلفت الأمة في شئ من مشكل أصول دينهم،
لزمنا فيه الصمت، وفوضناه إلى الله، وقلنا: الله ورسوله أعلم، ووسعنا فيه
السكوت. فرحم الله الامام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله، ولكن
لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ، ولا تقليد في الأصول.
205 - خميس بن علي *
ابن أحمد بن علي بن الحسن، الامام الحافظ، محدث واسط، أبو
الكرم الحوزي الواسطي.
سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن،
وعلي بن محمد الواسطي النديم، ويحيى بن هبة الله البزاز، وأبا الفتح عبد
الوهاب بن حسن القاضي، وهبة الله بن الجلخت، وخلقا كثيرا، وأملى
مجالس، وجرح وعدل.
حدث عنه: أبو الجوائز سعد بن عبد الكريم، وأبو طاهر السلفي،

* الأنساب: 4 / 269، معجم السفر للسلفي: 1 / 43، خريدة القصر: 4 / 469 -
473، معجم البلدان: 2 / 319، معجم الأدباء: 11 / 81 - 83، الاستدراك: 137 ب -
138 أ، إنباه الرواة: 1 / 358 - 359، تاريخ الاسلام: خ 4 / 196 / 1، العبر: 4 / 20،
المشتبه: 128، تذكرة الحفاظ: 4 / 1262 - 1263، الوافي بالوفيات: 8 ل / 36، عيون
التواريخ: 13 / لوحة 330، تبصير المنتبه: 1 / 373، بغية الوعاة: 1 / 561، طبقات
الحفاظ: 458، المنهج الأحمد للعليمي م 2 ج 1 / 322، شذرات الذهب: 4 / 27.
346

وأحمد بن سالم المقرئ، ويحيى بن هبة الله البزاز، وعبد الوهاب بن حسن
الفرضي، وأبو بكر عبد الله بن منصور الباقلاني المقرئ، وآخرون.
وكان السلفي يثني عليه، وقال: كان عالما ثقة يملي من حفظه كل من
أسأله عنه، وكان لا يؤبه له.
وفي " معجم السفر " للسلفي: حدثنا خميس الحافظ، أخبرنا عبد
الباقي بن محمد، وعبد العزيز بن علي الأنماطي، قالا: أخبرنا المخلص،
فذكر حديثا.
ثم قال السلفي: كان خميس من أهل الأدب البارع (1).
قال ابن نقطة: والحوز: قرية بشرقي واسط وكان له معرفة بالحديث
والأدب، ومولده في شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، وفي شعبان مات
سنة عشر وخمس مئة.
أخبرنا الدشتي، أخبرنا ابن رواحة، حدثنا السلفي، حدثنا خميس
بجزء من فوائده (2).

(1) ومن شعره ما أنشده له:
وحرمة ما حملت من ثقل حبكم * وأشرف محلوف به حرمة الحب
لأنتم وإن ضن الزمان بقربكم * ألذ إلى قلبي من البارد العذب
فلا تحسبوا أن المحب إذا نأى * وغاب عن العينين غاب عن القلب
(2) وهو يتضمن ما أجاب به خميس الحوزي عن سؤالات أبي طاهر السلفي في سنة
500 ه‍ عن جماعة من أهل واسط ومن الغرباء القادمين إليها مما عاصر خميسا الحوزي أو
كان من شيوخه، أو من شيوخ شيوخه. وهو من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق
سنة 1976 بتحقيق مطاع الطرابيشي.
347

206 - أبو الخطاب *
الشيخ الامام، العلامة الورع، شيخ الحنابلة، أبو الخطاب محفوظ
ابن أحمد بن حسن بن حسن العراقي، الكلواذاني، ثم البغدادي،
الازجي، تلميذ القاضي أبي يعلى بن الفراء.
مولده في سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
وسمع أبا محمد الجوهري، وأبا علي محمد بن الحسين الجازري،
وأبا طالب العشاري، وجماعة، وروى كتاب " الجليس والأنيس " عن
الجازري عن مؤلفه المعافى (1).
روى عنه: ابن ناصر، والسلفي، وأبو المعمر الأنصاري، والمبارك
ابن خضير، وأبو الكرم بن الغسال، وتخرج به الأصحاب، وصنف
التصانيف.
قال أبو الكرم بن الشهرزوري: كان إلكيا إذا رأى أبا الخطاب
الكلوذاني مقبلا قال: قد جاء الجبل.

* الأنساب: 10 / 461، المنتظم: 9 / 190 - 193، اللباب: 3 / 107، الكامل
لابن الأثير: 10 / 524، تاريخ الاسلام: 4 / 197 / 2، دول الاسلام: 2 / 37، العبر:
4 / 21، وذكره الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1261، المستفاد من ذيل تاريخ
بغداد: 226 - 228، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 326، مرآة الزمان: 8 / 41 - 42،
البداية: 12 / 180، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 116 - 127، النجوم الزاهرة: 5 / 212،
شذرات الذهب: 4 / 27 - 28.
(1) وقال السلفي فيما نقله عنه ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 117: أبو
الخطاب من أئمة أصحاب أحمد، يفتي على مذهبه ويناظر، وكان عدلا رضيا ثقة عنده
كتاب " الجليس والأنيس " للقاضي أبي الفرج الجريري عن الجازري عنه، وكان ينفرد به،
ولم يتفق لي سماعه، وندمت بعد خروجي من بغداد على فواته. قلت: وكتاب المعافي
صدر منه الجزء الأول في بيروت.
348

وقال أبو بكر بن النقور: كان إلكيا الهراسي إذا رأى أبا الخطاب قال:
قد جاء الفقه.
قال السلفي: هو ثقة رضى، من أئمة أصحاب أحمد.
وقال غيره: كان مفتيا صالحا، عابدا ورعا، حسن العشرة، له نظم
رائق، وله كتاب " الهداية "، وكتاب " رؤوس المسائل "، وكتاب " أصول
الفقه "، وقصيدة في المعتقد يقول فيها:
قالوا أتزعم أن على العرش استوى * قلت الصواب كذاك خبر سيدي
قالوا فما معنى استواه أبن لنا * فأجبتهم هذا سؤال المعتدي
توفي أبو الخطاب في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشر،
وخمس مئة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عبد الرزاق القاضي، أخبرنا
عمر بن هدية الفقيه، أخبرنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن
الكلوذاني، أخبرنا أبو يعلى محمد بن الحسين القاضي، أخبرنا أبو القاسم
موسى بن عيسى، حدثنا محمد بن محمد الباغندي، حدثنا عيسى بن
زغبة، حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: صلى معاذ بأصحابه
العشاء، فطول عليهم، فانصرف رجل منا، فصلى وحده، فأخبر معاذ
عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأخبره بما قال معاذ، فقال: " أتريد أن تكون فتانا يا معاذ إذا أممت الناس،
اقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الاعلى، واقرأ سورة والليل إذا
يغشى " (1).

(1) أخرجه مسلم (465) في كتاب الصلاة: باب القراءة في العشاء، والنسائي:.
2 / 173 كتاب الافتتاح: باب القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها. وفي ابن ماجة
(986) كتاب إقامة الصلاة: باب من أم قوما فليخفف.
349

قلت: كان أبو الخطاب من محاسن العلماء، خيرا صادقا، حسن
الخلق، حلو النادرة، من أذكياء الرجال، روى الكثير، وطلب الحديث
وكتبه، ولابن كليب منه إجازة (1).
قال ابن النجار: درس الفقه على أبي يعلى، وقرأ الفرائض على
الوني، وصار إمام وقته، وشيخ عصره، وصنف في المذهب والأصول
والخلاف والشعر الجيد (2).
207 - إلكيا *
العلامة، شيخ الشافعية، ومدرس النظامية، أبو الحسن علي بن
محمد بن علي الطبري الهراسي.

(1) وقال ابن رجب في " الذيل ": 1 / 120: كان أبو الخطاب فقيها عظيما، كثير التحقق
وله من التحقيق والتدقيق الحسن في مسائل الفقه وأصوله شئ كثير جدا، وله مسائل ينفرد بها عن
الأصحاب، ثم شرع يذكر ما انفرد به فراجعه.
(2) ومما أنشده له ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 119 قوله:
بأبي من إذا شكوت إليه * حبه قال ذا محال ولهو
وإذا ما حلفت بالله اني * صادق قال لي يمينك لغو
لا ومن خصه بحسن بديع * وجمال جسمي به اليوم نضو
لا تبدلت في هواه ولا خنت * ولا حل لي عليه السلو * تبيين كذب المفتري: 288، المنتظم: 9 / 167، الكامل لابن الأثير:
10 / 484، وفيات الأعيان: 3 / 286 - 290، تاريخ الاسلام: 4 / 171 / 1، دول
الاسلام: 2 / 33، العبر: 4 / 8، تتمة المختصر: 2 / 34، المستفاد من ذيل تاريخ
بغداد: 197، الوافي بالوفيات م: 12 / 177 - 178، عيون التواريخ: 13 / لوحة 256 -
257، مرآة الزمان: 8 / 23، طبقات السبكي: 7 / 231 - 234، طبقات الأسنوي:
2 / 520 - 522، البداية: 12 / 172 - 173، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة:
1 / 319 - 321، النجوم الزاهرة: 5 / 201 - 202، طبقات ابن هداية الله: 191، كشف
الظنون: 423، 1056، شذرات الذهب: 4 / 8 - 10، هدية العارفين: 1 / 694.
350

رحل، فتفقه بإمام الحرمين، وبرع في المذهب وأصوله، وقدم
بغداد، فولي النظامية سنة 493 وإلى أن مات.
تخرج به الأئمة، وكان أحد الفصحاء، ومن ذوي الثروة والحشمة،
له تصانيف حسنة (1).
حدث عن زيد بن صالح الآملي وجماعة.
روى عنه سعد الخير، وعبد الله بن محمد بن غالب، وأبو طاهر
السلفي.
قال السلفي: سمعت الفقهاء يقولون: كان الجويني يقول في
تلامذته إذا ناظروا: التحقيق للخوافي (2)، والجريان للغزالي، والبيان
للكيا.
مات إلكيا في المحرم سنة أربع وخمس مئة، وله ثلاث وخمسون سنة
وشهران، وكانوا يلقبونه شمس الاسلام (3).
قال ابن الأثير: اتهم إلكيا مدرس النظامية بأنه باطني، فقبض عليه
السلطان محمد، فشهدوا ببراءة الساحة، فأطلق (4).

(1) منها " شفاء المسترشدين في مباحث المجتهدين " وهو من أجود كتب الخلافيات،
و " أحكام القرآن " وهو مطبوع في أربعة أجزاء بدار الكتب العلمية بيروت.
(2) انظر ص: 336 التعليق (5).
(3) وذكره الحافظ عبد الغافر الفارسي في " السياق " فقال: كان من رؤوس معيدي
إمام الحرمين في الدرس، وكان ثاني أبي حامد الغزالي، بل آصل وأصلح وأطيب في
الصوت والنظر... وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظرته ومجالسه، ومن كلامه: إذا
جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهاب الرياح.
(4) وممن شهد ببراءته أبو الوفاء بن عقيل شيخ ابن الجوزي كما في " المنتظم ":
9 / 167، وقال السبكي في " طبقاته ": 7 / 233: ومن غريب ما اتفق له أنه أشيع أن إلكيا
باطني يرى رأي الإسماعيلية، فنمت له فتنة هائلة وهو برئ من ذلك، ولكن وقع الاشتباه
على الناقل فإن صاحب الألموت ابن الصباح الباطني الإسماعيلي كان يلقب بإلكيا أيضا، ثم
ظهر الامر، وفرجت كربة شيخ الاسلام رحمه الله، وعلم أنه أتي من توافق اللقبين. قلت:
وقد تقدم أن " إلكيا " في اللغة العجمية الكبير القدر المقدم بين الناس.
351

قلت: وصنف كتابا في الرد على مفردات الإمام أحمد (1) فلم ينصف
فيه.
208 - الزينبي *
الشريف الكبير المعمر، شيخ بني هاشم، أبو يعلى حمزة بن محمد
ابن علي العباسي الزينبي، أخو المسند أبي نصر الزينبي، والنقيب طراد
الزينبي، ونور الهدى.
ولد سنة سبع وأربع مئة.
وحدث عن القاضي أبي العلاء محمد بن علي الواسطي، وأبي محمد
الخلال، وقرأ " الفصيح " على النحوي علي بن عيسى الربعي، وأنا
أتعجب من هذا! كيف لم يسمع من أبي الحسين بن بشران، وأبي علي بن
شاذان (2).

(1) أي: مما انفرد به الإمام أحمد من المسائل الاجتهادية عن الأئمة الثلاثة، وقد
نظم هذه المفردات العلامة محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المقدسي الحنبلي
المتوفي سنة 820 ه‍ واسمه " النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد " وهو مطبوع مع
شرحه. * تاريخ الاسلام: 4 / لوحة 170 / 2، العبر: 4 / 8، عيون التواريخ: 13 / لوحة
261، النجوم الزاهرة: 5 / 202، شذرات الذهب: 4 / 8.
(2) في تاريخ الاسلام 4 / 171: قال السلفي: كان أبو يعلى جليل القدر، ولد سنة
سبع وأربع مئة، وروى لنا عن أبي العلاء الواسطي، وأبي محمد الخلال، وذكر لي أنه قرأ
الفصيح على علي بن عيسى الربعي، قلت " القائل الذهبي ": وكذا ورخ ابن السمعاني
مولده، ولو أن حمزة سمع في صغره مثل أخيه طراد، لسمع من أبي الحسين بن بشران،
وهلال الحفار، ولصار مسند الدنيا في عصره، وأنا أتعجب كيف لم يسمعوه.
352

حدث عنه أبو طاهر السلفي، وقال: قال لي: عول ابن أبي الريان
الوزير على حملي إلى أبي الحسن بن الحمامي، فلم يتفق ذلك.
قلت: أرخ السمعاني مولده، قال: وتوفي سنة أربع وخمس مئة.
209 - أخوه نور الهدى *
الامام القاضي، رئيس الحنفية، صدر العراقين، نور الهدى أبو
طالب الحسين بن محمد بن علي بن حسن الزينبي الحنفي.
مولده سنة عشرين وأربع مئة.
وسمع أبا طالب بن غيلان، وأبا القاسم الأزهري، والحسن بن
المقتدر، وأبا القاسم التنوخي.
وحج، فسمع " الصحيح " من كريمة المروزية، وتفرد به عنها،
وقصده الناس.
حدث عنه: عبد الغافر الكاشغري (1)، ومات قبله بدهر، وابن أخيه
علي بن طراد، وهبة الله الصائن، وعبد المنعم بن كليب، وسمع منه
" الصحيح " للبخاري، وقد كان قرأ القرآن على أبي الحسن بن القزويني

* الأنساب: 6 / 346، المنتظم: 9 / 201، الكامل لابن الأثير: 10 / 545 -
546، تاريخ الاسلام: 4 / لوحة 206 / 1، العبر: 4 / 27، تذكرة الحفاظ: 4 / 1249،
عنون التواريخ: 13 / اللوحة: 350 - 351، البداية: 12 / 183 وفيه الحسين بن محمد بن
عبد الوهاب، الجواهر المضية: 2 / 133 - 134، العقد الثمين: 4 / 206 - 207، النجوم
الزاهرة: 5 / 217، الطبقات السنية: رقم 785، شذرات الذهب: 4 / 34.
(1) بفتح الكاف، وسكون الشين، وفتح الغين: نسبة إلى كاشغر بلدة من بلاد
المشرق، وهي من ثغور المسلمين، وعبد الغافر هذا ذكره السمعاني في " الأنساب ":
10 / 325، وقال: كان حافظا ثقة، مكثرا صدوقا. توفي سنة 474 ه‍.
353

الزاهد، ودرس مدة طويلة بمدرسة شرف الملك، وترسل إلى ملوك
الأطراف، وولي نقابة العباسيين والطالبيين، ثم استعفى بعد أشهر، فوليها
أخوه طراد، وتفقه على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وللغزي
الشاعر فيه قصيدة (1) مدحه بها، وكان مكرما للغرباء، عارفا بالمذهب، وافر
العظمة.
توفي في صفر سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، فالاخوة الأربعة اتفق لهم
أن ماتوا في عشر المئة، وهذا نادر.
قال ابن النجار: أفتى ودرس بالمدرسة التي أنشأها شرف الملك (2) أبو
سعد، وولي نقابة العباسيين والطالبيين معا في أول سنة اثنتين وخمسين وأربع
مئة، فبقي مدة على ذلك، ثم استعفى، وكان شريف النفس، قوي
الدين، وافر العلم، شيخ أصحاب الرأي في وقته وزاهدهم، وفقيه بني
العباس وراهبهم، له الوجاهة الكبيرة عند الخلفاء.
قال السلفي: سألت شجاعا الحافظ عن أبي طالب الزينبي، فقال: إمام
عالم مدرس، من أصحاب أبي حنيفة، سمع بمكة من كريمة " الصحيح ".

(1) مطلعها:
جفون يصح السقم فيها فتسقم * ولحظ يناجيه الضمير فيفهم
أورد أبياتا منها التقي الفاسي في " العقد الثمين ": 4 / 207، وحين فرغ من ترجمته
قال: كتبت هذه الترجمة من مختصر الذهبي لتاريخ دمشق لابن عساكر.
(2) بباب الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي من بغداد بين الرصافة ونهر
المعلى، ويعرف بطاق أسماء منسوب إلى أسماء بنت المنصور، وكان طاقا عظيما، وكان
في دارها التي صارت لعلي بن جهشيار صاحب الموفق الناصر لدين الله أقطعه إياها الموفق،
وعند هذا الطاق كان مجلس الشعراء أيام الرشيد، والموضع المعروف بين القصرين: هما
قصران لأسماء، هذا أحدهما، والآخر قصر عبد الله بن المهدي، " معجم البلدان ":
1 / 308، و 4 / 5.
354

وقال ابن ناصر: كان سماع أبي طالب صحيحا، وكان يتهم
بالاعتزال، ولم أسمع منه شيئا من ذلك.
وقال السلفي: أبو طالب الزينبي أجل هاشمي رأيته في حضري
وسفري، وأكثرهم علما، وأوفرهم علما، ويعد في فحول النظار.
قلت: قد وجد له سماع من أبي الحسن بن قشيش (1) سنة ثمان
وعشرين وأربع مئة.
قال أحمد بن سلامة الكرخي الشافعي الفقيه: مرضت مرضة شديدة،
فعادني نور الهدى، فجعل يدعو لي، فتبركت بزيارته وعوفيت.
210 - شجاع بن فارس *
ابن حسين بن فارس بن حسين بن غريب بن بشير، الامام المحدث،
الثقة الحافظ المفيد، أبو غالب الذهلي السهروردي، ثم البغدادي الحريمي
الناسخ.
سمع أباه، وأبا طالب بن غيلان، وعبد العزيز بن علي الازجي، وأبا
محمد بن المقتدر، وأبا محمد الجوهري، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر
الخطيب، وخلقا كثيرا، إلى أن ينزل إلى أصحاب عبد الملك بن بشران،

(1) ضبطه ابن ناصر في " توضيح المشتبه " 2 / الورقة 222: بفتح أوله ثم شينين
معجمتين الأولى مكسورة بينهما مثناة تحت ساكنة، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن علي
ابن قشيش الحربي المالكي المتوفي سنة 437 ه‍. * الأنساب: 7 / 198، المنتظم: 9 / 176، الكامل لابن الأثير: 10 / 500،
تاريخ الاسلام: 4 / لوحة: 180 / 2 - 181 / 1، دول الاسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 13،
تذكرة الحفاظ: 3 / 1240 - 1241، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 129 - 130، الوافي
بالوفيات: م 14 / 29 - 30، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 302 - 303، مرآة الجنان:
3 / 194، البداية: 12 / 176، شذرات الذهب: 4 / 16.
355

وابن ريذه، وكتب عن أقرانه.
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي،
وابن ناصر، والسلفي، وعمر بن ظفر، وسلمان بن جروان، وآخرون.
قال السمعاني: نسخ بخطه من التفسير والحديث والفقه ما لم ينسخه
أحد من الوراقين، قال لي عبد الوهاب الأنماطي: دخلت عليه يوما، فقال
لي: توبني، قلت: من أي شئ؟ قال: كتبت شعر ابن الحجاج (1) بخطي
سبع مرات. قال عبد الوهاب: وقل بلد يوجد من بلاد الاسلام إلا وفيه شئ
بخط شجاع الذهلي.
وكان مفيد وقته ببغداد، ثقة، سديد السيرة، أفنى عمره في الطلب،
وعمل مسودة لتاريخ بغداد ذيلا على تاريخ الخطيب، فغسله في مرض
موته، ولد شجاع في سنة ثلاثين (2)، ومات في ثالث جمادى الأولى سنة
سبع وخمس مئة، وقد سأله السلفي عن أحوال الرجال، وأجاب وأفاد.
قرأت ذلك على ابن الخلال، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي
عنه.
ومات معه أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني المقرئ (3)،
وابن طاهر المقدسي، والمؤتمن الساجي (4)، والامام أبو بكر محمد بن

(1) هو حسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي البغدادي
المتوفى سنة 391 ه‍، تقدمت ترجمته في السابع عشر رقم (29) وصفه فيها بأنه: شاعر
العصر، وسفيه الأدباء، وأمير الفحش، كان أمة وحده في نظم القبائح. وفي يتيمة الثعالبي: 2 /
211، 270، ومعجم الأدباء: 9 / 206، 232 طائفة كبيرة من شعره.
(2) أي: وأربع مئة.
(3) سترد ترجمته برقم (221).
(4) تقدمت ترجمته برقم (195).
356

أحمد الشاشي (1)، وأبو المظفر الأبيوردي الشاعر، وأبو بكر محمد بن عيسى
ابن اللبانة شاعر الأندلس، وهادي بن إسماعيل العلوي.
أخبرنا أبو علي الحسن بن علي، أخبرنا علي بن الحسين النجار
(ح)، وأخبرنا محمد بن بلغزا (2)، أخبرنا البهاء عبد الرحمن الفقيه قالا:
أخبرنا أبو السعادات نصر الله القزاز، أخبرنا شجاع بن فارس الحافظ،
ومحمد بن الحسين الإسكاف، قالا: أخبرنا محمد بن علي الخياط، زاد
شجاع، فقال: وأبو سعد بن السبط، وأبو طالب العشاري، قالوا: أخبرنا
أحمد بن محمد بن دوست، أخبرنا الحسين بن صفوان، حدثنا أبو بكر بن
أبي الدنيا، حدثنا الحسن بن عبد العزيز، عن ضمرة، عن ابن شوذب
قال: اجتمع مالك بن دينار ومحمد بن واسع، فتذاكروا العيش، فقال
مالك: ما شئ أفضل من أن يكون للرجل غلة يعيش منها، فقال محمد:
طوبى لمن وجد غداء ولم يجد عشاء، ووجد عشاء ولم يجد غداء، وهو عن
الله راض، والله عنه راض.
211 - الغسال *
الامام المقرئ النحوي، أبو الخير المبارك بن الحسين بن أحمد

(1) سترد ترجمته برقم (234).
(2) ترجمه المؤلف في " مشيخته " / الورقة: 130، فقال: محمد بن بلغزا بن محمد
ابن بلغزا ابن دارة الشيخ قمر الدين أبو عبد الله البعلبكي ولد سنة ثلاث عشرة وست مئة في
جمادى الآخرة، وسمع من البهاء المقدسي، وكان شيخا مباركا عاميا، سمع منه الحافظ
علم الدين رابع " المحامليات "، وكتب إلي شيخنا أبو الحسين أنه توفي في محرم سنة ست
وتسعين وست مئة. * المنتظم: 9 / 190، تاريخ الاسلام: 4 / لوحة 197 / 1 - 197 / 2، العبر:
4 / 21، ميزان الاعتدال: 3 / 430، معرفة القراء: 1 / 377، عيون التواريخ:
13 / لوحة: 333 - 334، مرآة الجنان: 3 / 200، طبقات القراء: 2 / 40، لسان
الميزان: 5 / 8، شذرات الذهب: 4 / 27.
357

الغسال البغدادي الشافعي، أحد الأئمة الاثبات.
ولد سنة بضع وعشرين وأربع مئة.
وسمع من أبي محمد الخلال، وأبي جعفر بن المسلمة، والقاضي
أبي يعلى، وتلا بالروايات على أبي بكر الخياط، وأبي القاسم بن الغوري،
وأبي علي غلام الهراس، وعدة.
وتصدر للاقراء، واشتهر، تلا عليه أبو محمد سبط الخياط،
وغيره (1).
وحدث عنه أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، وسعد الله بن
محمد، وعبد المنعم بن كليب، وآخرون، لينه شيئا ابن ناصر (2).
توفي في غرة جمادى الأولى سنة عشر وخمس مئة، وكان عالما
مجودا، بصيرا باللغة.
212 - النسيب *
الشيخ الامام، المحدث الشريف النسيب، خطيب دمشق وشيخها،

(1) في " معرفة القراء ": 1 / 377 للمؤلف: وعني بالقراءات عناية كلية، وتقدم
فيها، وطال عمره، وعلا سنده، وقصده الطلبة لحذقه وبصره بالفن.
(2) في " الميزان ": 3 / 430: تكلم فيه ابن ناصر، ومشاه غير واحد، ووثقه ابن
الجوزي في " المنتظم ": 9 / 190، وقال ابن السمعاني فيما نقله الحافظ في " اللسان ":
5 / 8: كان أديبا، ماهرا، صالحا، ثقة، حسن الصوت، قرأ على أبي علي الحسن بن
القاسم الواسطي غلام الهراس وغيره، وتصدر للاقراء جديرا بذلك. * تاريخ الاسلام: 4 / 190 / 2، دول الاسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 17، تاريخ
ابن عساكر: مرآة الزمان: 8 / 32 - 33، النجوم الزاهرة: 5 / 208، شذرات الذهب:
4 / 23.
358

نسيب الدولة أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن بن العباس
ابن الحسن ابن السيد الرئيس أبي الجن حسين بن علي بن محمد بن علي بن
إسماعيل بن سيد الهاشميين جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين
العابدين بن الشهيد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته أبي عبد الله الحسين بن الإمام
علي بن أبي طالب العلوي الحسيني الدمشقي.
كان صدرا معظما، وسيدا محتشما، وثقة محدثا، ونبيلا ممدحا،
من أهل السنة والجماعة، والأثر والرواية، كل أحد يثني عليه، انتخب عليه
الحافظ أبو بكر الخطيب عشرين جزءا سمعناها، تعرف بفوائد النسيب،
وتجد تفريغه على أكثر تواليف الخطيب (1).
مولده في سنة أربع وعشرين وأربع مئة، وقرأ القرآن على الأستاذ أبي
علي الأهوازي، وغيره.
وسمع في سنة ثمان وثلاثين (2)، وبعدها من أبي الحسين محمد بن
عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، ومحمد بن يحيى بن سلوان المازني،
ورشا بن نظيف، وسليم بن أيوب الفقيه، والقاضي محمد بن سلامة
القضاعي، وكريمة المروزية، وأبي القاسم الحنائي، ووالده مستخص
الدولة، والخطيب، وعدة.
حدث عنه: هبة الله بن الأكفاني، والخضر بن شبل الحارثي، وعبد
الباقي بن محمد التميمي، وأبو المعالي بن صابر، وأبو القاسم بن عساكر،

(1) في " مرآة الزمان ": 8 / 33 نقلا عن ابن السمعاني في " الذيل ": كان حسن
السيرة، ممدوحا بكل لسان، سمع من الخطيب الكثير، وخطه وسماعاته على أكثر
مصنفاته.
(2) في تاريخ الاسلام: وأول سماعه في سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة.
359

وأخوه الصائن هبة الله، وعدة.
قال ابن عساكر: كان ثقة مكثرا، له أصول بخطوط الوراقين، وكان
متسننا، وسبب تسننه مؤدبه أبو عمران الصقلي، وإكثاره من سماع
الحديث.
إلى أن قال: سمع منه شيخه عبد العزيز الكتاني، وأكثرت عنه، وقد
حكى لي أنني لما ولدت سأل أبي: ما سميته وكنيته؟ فقال: أبو القاسم
علي، فقال: أخذت اسمي وكنيتي، قال لي أبو القاسم السميساطي، أو
قال: قال لي أبو القاسم بن أبي العلاء: إنه ما رأى أحدا اسمه علي، وكني
أبا القاسم، إلا كان طويل العمر، وذكر أنه صلى مرة على جنازة، فكبر
عليها أربعا. قال: فجاء كتاب صاحب مصر إلى أبيه يعاتبه في ذلك، فقال
له أبوه: لا تصل بعدها على جنازة.
قلت: كان أصحاب مصر رافضة.
ثم قال: وكانت له جنازة عظيمة، وأوصى أن يصلي عليه جمال
الاسلام أبو الحسن الفقيه، وأن يسنم قبره، وأن لا يتولاه أحد من الشيعة،
وحضرت دفنه، توفي في الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وخمس
مئة، ودفن بالمقبرة الفخرية عند المصلى.
وفيها توفي المعمر الصالح أبو الحسن علي بن أحمد بن فتحان
الشهرزوري البغدادي (1) الذي روى مجلسا عن ابن بشران، وله خمس
وثمانون سنة، والمسند أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني الأندلسي (2)
عن تسعين سنة، وأبو الوحش سبيع بن المسلم الدمشقي المقرئ، وأبو
.

(1) تقدمت ترجمته برقم (159).
(2) تقدمت ترجمته برقم (187)
360

الخير هبة الله بن الحسن الأبرقوهي، ومسند همذان أبو بكر عبد الله بن
الحسين التويي (1).
213 - محمد بن طاهر *
ابن علي بن أحمد الامام الحافظ، الجوال الرحال، ذو التصانيف أبو
الفضل بن أبي الحسين بن القيسراني، المقدسي الأثري، الظاهري
الصوفي.
ولد ببيت المقدس في شوال سنة ثمان وأربع مئة.
وسمع بالقدس ومصر، والحرمين والشام، والجزيرة والعراق،
وأصبهان والجبال، وفارس وخراسان، وكتب ما لا يوصف كثرة بخطه
السريع، القوي الرفيع، وصنف وجمع، وبرع في هذا الشأن، وعني به أتم
عناية، وغيره أكثر إتقانا وتحريا منه.
سمع من أبي علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي وطبقته بمكة،
ومن سعد الزنجاني، وهياج بن عبيد، وسمع بالمدينة الحسين بن علي

(1) ضبطه السمعاني: 2 / 110 بضم التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وفتح الواو،
والياء المشددة المنقوطة باثنتين من تحتها بعدها، وقال: هذه النسبة إلى قرية من قرى
همذان يقال لها: توي. * المنتظم: 9 / 177 - 179، وفيات الأعيان: 4 / 287 - 288، تاريخ الاسلام:
4 / 182 / 1 - 184 / 2، دول الاسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 14، ميزان الاعتدال:
3 / 587، تذكرة الحفاظ: 4 / 1242، 1245، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 31 -
33، الوافي بالوفيات: 3 / 166 - 168، مرآة الزمان: 8 / 30، مرآة الجنان: 3 / 195 -
196، البداية: 12 / 176 - 177، طبقات الأولياء: 316 - 318، لسان الميزان:
5 / 207 - 210، الانس الجليل: 265 - 266، كشف الظنون: 88، 116، 180،
شذرات الذهب: 4 / 18، هدية العارفين: 2 / 82 - 83.
361

الطبري، وجماعة، وسمع بمصر من أبي الحسن الخلعي، وأبي إسحاق
الحبال، وعدة، وسمع ببغداد من أبي محمد الصريفيني، وابن النقور، وعلي
ابن البسري، وخلق، وبدمشق من أبي القاسم بن أبي العلاء، وعدة،
وبأصبهان من محمد بن عبد العزيز، وعبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده،
وطبقته، وبجرجان من إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، وببيت المقدس
من الفقيه نصر، وبنيسابور من الفضل بن المحب، وطبقته، وبهراة من
محمد بن أبي مسعود الفارسي، وعبد الرحمن بن عفيف كلار، وطائفة،
وبمرو محمد بن الحسن المهربندقشايي، وبالإسكندرية من الحسين بن عبد
الرحمن الصفراوي، وبتنيس علي بن الحسين بن الحداد، روى له عن جده
عن الوشاء عن عيسى رغبة، وبحلب من الحسن بن مكي، وبالجزيرة من
عبد الوهاب بن محمد اليمني صاحب أبي عمر بن مهدي، وبآمد من قاسم
ابن أحمد الأصبهاني الخياط، روى له عن ابن جشنس عن ابن صاعد،
وبإستراباذ علي بن عبد الملك الحفصي، وبالبصرة عبد الملك بن شغبة،
وبالدينور ابن عباد، وبالري إسماعيل بن علي، وبسرخس محمد بن
المظفر، وبشيراز علي بن محمد الشروطي، وبقزوين محمد بن إبراهيم
العجلي، وبالكوفة أبا القاسم حسين بن محمد، وبالموصل هبة الله بن
أحمد المقرئ، وبمرو الروذ، وساوة، والرحبة، والأنبار، والأهواز،
ونوقان، وهمذان، وواسط، وأسداباذ، وإسفرايين، وآمل، وبسطام،
وخسروجرد، وطوس.
حدث عنه: شيرويه بن شهردار، وأبو جعفر بن أبي علي الهمذاني،
وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر،
والسلفي، وأبو زرعة طاهر بن محمد، وولده، ومحمد بن إسماعيل
الطرسوسي، وطائفة سواهم.
362

قال أبو القاسم بن عساكر: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول:
أحفظ من رأيت محمد بن طاهر.
وقال أبو زكريا يحيى بن منده: كان ابن طاهر أحد الحفاظ، حسن
الاعتقاد، جميل الطريقة، صدوقا، عالما بالصحيح والسقيم، كثير
التصانيف، لازما للأثر.
وقال السلفي: سمعت محمد بن طاهر يقول: كتبت " الصحيحين "
و " سنن أبي داود " سبع مرات بالاجرة، وكتبت " سنن ابن ماجة " عشر مرات
بالري.
قال أبو سعد السمعاني: سألت الفقيه أبا الحسن الكرجي عن ابن
طاهر، فقال: ما كان على وجه الأرض له نظير، وكان داودي المذهب (1)،
قال لي: اخترت مذهب داود، قلت: ولم؟ قال: كذا اتفق، فسألته: من
أفضل من رأيت؟ فقال: سعد بن علي الزنجاني، وعبد الله بن محمد
الأنصاري.
قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي: سمعت ابن طاهر يقول: بلت
الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي
حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث،
وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت
أعيش على [ما] (2) يأتي.
وقيل: كان يمشي دائما في اليوم والليلة عشرين فرسخا، وكان قادرا

(1) في الأصل: داود بن المذهب، وهو تحريف.
(2) سقطت من الأصل، واستدركت من تذكرة المؤلف.
363

على ذلك، وقد ذكره الدقاق في رسالته، فحط عليه، فقال: كان صوفيا
ملامتيا، سكن الري، ثم همذان، له كتاب " صفوة التصوف "، وله أدنى
معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم وغيرهما.
قلت: يا ذا الرجل، أقصر، فابن طاهر أحفظ منك بكثير.
ثم قال: وذكر لي عنه الإباحة.
قلت: ما تعني بالإباحة؟ إن أردت بها الإباحة المطلقة، فحاشا ابن
طاهر، هو - والله - مسلم أثري، معظم لحرمات الدين، وإن أخطأ أو شذ،
وإن عنيت إباحة خاصة، كإباحة السماع، وإباحة النظر إلى المرد، فهذه
معصية، وقول للظاهرية بإباحتها مرجوح (1).
قال ابن ناصر: محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف في جواز النظر إلى
المرد، وكان يذهب مذهب الإباحة (2).
قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن ابن
طاهر، فتوقف، ثم أساء الثناء عليه، وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول:

(1) وقال المؤلف في " الميزان ": 3 / 587: محمد بن طاهر المقدسي الحافظ ليس
بالقوي، فإن له أوهاما كثيرة في تواليفه... ثم نقل كلام ابن عساكر الآتي، وقال: وله انحراف
عن السنة إلى تصوف غير مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة.
(2) وأنشد له:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت * به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داريا فإن بها الرهبان * ما بين قسيس وشماس
واشرب معتقة من كف كافرة * تسقيك خمرين من لحظ ومن كأس
ثم استمع رنة الأوتار من رشأ * مهفهف طرفه أمضى من الماس
غنى بشعر امرئ في الناس مشتهر * مدون عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بذكراكم يروحني * لكنت محترقا من حر أنفاسي
364

جمع ابن طاهر أطراف " الصحيحين " وأبي داود، وأبي عيسى، والنسائي،
وابن ماجة، فأخطأ في مواضع خطأ فاحشا.
وقال ابن ناصر: كان لحنة ويصحف، قرأ مرة: وإن جبينه ليتفصد (1)
عرقا - بالقاف - فقلت: بالفاء، فكابرني (2).
وقال السلفي: كان فاضلا يعرف، لكنه لحنة، قال لي المؤتمن
الساجي: كان يقرأ، ويلحن عند شيخ الاسلام بهراة، فكان الشيخ يحرك
رأسه، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال شيرويه بن شهردار في " تاريخ همذان ": ابن طاهر سكن
همذان، وبنى بها دارا، دخل الشام، والحجاز، ومصر، والعراق
وخراسان، وكتب عن عامة مشايخ الوقت، وروى عنهم، وكان ثقة
صدوقا، حافظا، عالما بالصحيح والسقيم، حسن المعرفة بالرجال
والمتون، كثير التصانيف، جيد الخط، لازما للأثر، بعيدا من الفضول
والتعصب، خفيف الروح، قوي السير في السفر، كثير الحج والعمرة،
مات ببغداد منصرفا من الحج.
قال ابن النجار: قرأت بخط شجاع الذهلي: أخبرني أحمد بن
محمد بن أحمد البزاز، حدثنا محمد بن طاهر بن علي المقدسي، أخبرنا

(1) أي: يسيل من التفصد وهو السيلان، وهو قطعة من حديث أخرجه البخاري
(2)، ومسلم (2333) من حديث عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا
يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا
يتمثل لي رجلا فيكلمني، فأعي ما يقول. قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في
اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. " اللفظ للبخاري ".
(2) كابر فلان في الحق: إذا عاند فيه.
365

عثمان بن محمد المحمي بنيسابور، فذكر حديثا.
أنبأونا عن شهاب الحاتمي، أخبرنا أبو سعد السمعاني، سمعت من
أثق به يقول: قال عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي: ينبغي لصاحب
الحديث أن يكون سريع القراءة، سريع النسخ، سريع المشي، وقد جمع
الله هذه الخصال في هذا الشاب، وأشار إلى ابن طاهر، وكان بين يديه.
وبه قال السمعاني: وسمعت أبا جعفر الساوي يقول: كنت بالمدينة مع
ابن طاهر، فقال: لا أعرف أحدا أعلم بنسب هذا السيد صلى الله عليه وسلم منى، وآثاره وأحواله.
وسمعت بعضهم يقول: كان ابن طاهر يمشي في ليلة واحدة قريبا من
سبعة عشر فرسخا.
أنبأونا عن عبد القادر الرهاوي، سمعت عبد الرحيم بن أبي الوفاء
العدل، سمعت ابن طاهر الحافظ يقول: رحلت من طوس إلى أصبهان
لأجل حديث أبي زرعة الرازي الذي أخرجه مسلم (1) عنه ذاكرني به بعض
الرحالة بالليل، فلما أصبحت، سرت إلى أصبهان، ولم أحلل عني حتى
دخلت على الشيخ أبي عمرو، فقرأته عليه، عن أبيه، عن القطان، عن أبي
زرعة، ودفع إلي ثلاثة أرغفة وكمثراتين، فلما كان لي قوت تلك الليلة غيره،
ثم لزمته إلى أن حصلت ما أريد، ثم خرجت إلى بغداد، فلما عدت، كان
قد توفي.

(1) في " صحيحه " (2739) في الرقاق: باب أكثر أهل الجنة الفقراء....
فقال: حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة، حدثنا ابن بكير، حدثني يعقوب بن
عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: كان
من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة
نقمتك، وجميع سخطك ".
366

قال ابن طاهر: كنت يوما أقرأ على أبي إسحاق الحبال جزءا، فجاءني
رجل من أهل بلدي، وأسر إلي كلاما قال فيه: إن أخاك قد وصل من الشام،
وذلك بعد دخول الترك بيت المقدس، وقتل الناس بها، فأخذت في
القراءة، فاختلطت علي السطور، ولم يمكني أقرأ، فقال أبو إسحاق:
ما لك؟ قلت: خير، قال: لابد أن تخبرني، فأخبرته، فقال: وكم لك لم
تر أخاك؟ قلت: سنين، قال: ولم لا تذهب إليه؟ قلت: حتى أتم
الجزء، قال: ما أعظم حرصكم يا أهل الحديث، قد تم المجلس وصلى
الله على محمد، وانصرف.
وأقمت بتنيس مدة على أبي محمد بن الحداد ونظرائه، فضاق بي،
فلم يبق معي غير درهم، وكنت أحتاج إلى حبر وكاغد، فترددت في صرفه
في الحبر أو الكاغد أو الخبز، ومضى على هذا ثلاثة أيام لم أطعم
فيها، فلما كان بكرة اليوم الرابع، قلت في نفسي: لو كان لي اليوم كاغد،
لم يمكني أن أكتب من الجوع، فجعلت الدرهم في فمي، وخرجت
لاشتري خبزا، فبلعته، ووقع علي الضحك، فلقيني صديق وأنا أضحك،
فقال: ما أضحكك؟ قلت: خير، فألح علي، وأبيت أن أخبره، فحلف
بالطلاق لتصدقني، فأخبرته، فأدخلني منزله، وتكلف أطعمة، فلما خرجنا
لصلاة الظهر، اجتمع به بعض وكلاء عامل تنيس ابن قادوس، فسأله عني،
فقال: هو هذا، قال: إن صاحبي منذ شهر أمر بي أن أوصل إليه كل يوم
عشرة دراهم قيمتها ربع دينار، وسهوت عنه، فأخذ من ثلاث مئة، وجاء
بها.
قال: وكنت ببغداد في سنة سبع وستين وأربع مئة، وتوفي القائم بأمر
الله، وبويع للمقتدي بأمر الله، فلما كان عشية اليوم، دخلنا على أبي
367

إسحاق الشيرازي، وسألناه عن البيعة، كيف كانت؟ فحكى لنا ما جرى،
ونظر إلي، وأنا يومئذ مختط، فقال: هو أشبه الناس بهذا، وكان مولد
المقتدي في عام مولدي، وأنا أصغر منه بأربعة أشهر، وأول ما سمعت من
الفقيه نصر في سنة ستين وأربع مئة، ورحلت إلى بغداد سنة سبع، ثم
رجعت، وأحرمت من بيت المقدس إلى مكة.
قلت: قد كتب ابن طاهر عن ابن هزارمرد الصريفيني، وبيبى
الهرثمية، وهذه الطبقة، ثم كتب عن أصحاب هلال الحفار، ثم نزل إلى
أصحاب أبي نعيم، إلى أن كتب عن أصحاب الجوهري، بحيث إنه كتب
عن تلميذه أبي طاهر السلفي، وسمع ولده أبا زرعة المقدسي من أبي منصور
المقومي، وعبدوس بن عبد الله، والدوني، وخلق، وطال عمر أبي زرعة،
وروى الكثير وبعد صيته.
أنبئت عن أبي جعفر الطرسوسي عن ابن طاهر قال: لو أن محدثا من
سائر الفرق أراد أن يروي حديثا واحدا بإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافقه الكل
في عقده، لم يسلم له ذلك، وأدى إلى انقطاع الزوائد رأسا، فكان
اعتمادهم في العدالة على صحة السماع والثقة من الذي يروى عنه، وأن
يكون عاقلا مميزا.
قلت: العمدة في ذلك صدق المسلم الراوي، فإن كان ذا بدعة أخذ
عنه، والاعراض عنه أولى، ولا ينبغي الاخذ عن معروف بكبيرة، والله
أعلم.
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه، عن محمد بن إسماعيل
الطرسوسي، عن محمد بن طاهر، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن بمكة،
368

أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس، أخبرنا محمد بن الربيع الجيزي،
أخبرنا عبد الله بن أبي رومان بالإسكندرية، حدثنا ابن وهب، أخبرني عيسى
ابن يوسن (ح) قال ابن طاهر: وأخبرنا الفضل بن عبد الله المفسر، أخبرنا أبو
الحسين الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا إسحاق الحنظلي،
أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن
أبي الجوزاء، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته بالتكبير
والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم
يصوبه، وكان إذا رفع رأسه من الركوع، استوى قائما، وكان إذا رفع رأسه
من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان ينهى عن عقب
الشيطان، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان يكره أن
يفترش ذراعيه افتراش الكلب، وكان يختم الصلاة بالتسليم، وكان يقرأ في
كل ركعتين التحية (1).
وقرأناه على أحمد بن هبة الله، عن القاسم بن أبي سعد، أخبرنا وجيه
ابن طاهر، أخبرنا أبو القاسم القشيري، أخبرنا الخفاف، فذكره.

(1) رجاله ثقات إلا أن أبا الجوزاء - واسمه أوس بن عبد الله الربعي - ذكره ابن عدي
في " الكامل "، وحكى عن البخاري أنه قال: في إسناده نظر، ويختلفون فيه، على أن
للحديث شواهد تقويه. ثم شرح ابن عدي مراد البخاري، فقال: يريد أنه لم يسمع من مثل
ابن مسعود وعائشة، وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده.
وذكر ابن عبد البر في " التمهيد " أيضا أنه لم يسمع منها، وهذا الحديث أخرجه مسلم
في " صحيحه " (498) في الصلاة: باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به.... من
طريق إسحاق الحنظلي بهذا الاسناد. قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب ": 1 / 384:
وقال جعفر الفريابي في كتاب " الصلاة ": حدثنا مزاحم بن سعيد، حدثنا ابن المبارك،
حدثنا إبراهيم بن طهمان، حدثنا بديل العقيلي، عن أبي الجوزاء قال: أرسلت رسولا إلى
عائشة يسألها فذكر الحديث... فهذا ظاهره أنه لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز كونه
توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء والله أعلم.
369

أخبرنا إسحاق بن طارق، وصالح الفرضي، قالا: أخبرنا يوسف بن
خليل، أخبرنا محمد بن إسماعيل الحنبلي (ح)، وأنبأنا أحمد بن أبي
الخير، عن محمد هذا، أخبرنا محمد بن طاهر الحافظ سنة ست وخمس مئة،
أخبرنا قاسم بن أحمد بآمد، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن
جشنس، حدثنا الحسن بن علي العدوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا
نافع أبو هرمز، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم
بركعتي الفجر، فإن فيهما الرغائب " (1).
قال أبو زرعة: أنشدنا والدي لنفسه:
يا من يدل بقده * وبخده والمقلتين
ويصول بالصدغ المعقرب * شبه لام فوق عين
ارحم فديتك مدنفا * وسط الفلاة صريع بين
قتلته أسهمك التي * من تحت قوس الحاجبين
الله ما بين الفرا * ق وبين من أهوى وبيني

(1) نافع أبو هرمز - وسماه العقيلي نافع بن عبد الواحد - قال المؤلف في " الميزان ":
4 / 243: ضعفه أحمد، وجماعة، وكذبه ابن معين مرة، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب
الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة. وأورده الحافظ في " المطالب العالية " 1 / 149، ونسبه
للحارث بن أبي أسامة، وقال محققه: فيه عبد الحكم، وهو عندي (القسملي) منكر
الحديث، والحديث في: 1 / 66 من " مسند الحارث " المخطوط. وفي الباب عن ابن عمر
عند أحمد: 2 / 82، وفي سنده مجهول، ورواه الطبراني في " الكبير " من طريق آخر،
وفيه محمد بن البيلماني وهو ضعيف، ورواه الطبراني أيضا وأبو يعلى، ورجال أبي يعلى
ثقات، " مجمع الزوائد ": 2 / 217 - 218. وأورده الحافظ المنذري في " الترغيب
والترهيب ": 1 / 398، من طريق أبي يعلى، ولمسلم (725) من حديث عائشة مرفوعا
" ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها "، وللبخاري: 3 / 37، ومسلم (724) (94) عنها
قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين أمام
الصبح.
370

وله:
أضحى العذول يلومني في حبهم * فأجبته والنار حشو فؤادي
يا عاذلي لو بت محترق الحشا * لعرفت كيف تفتت الأكباد
صد الحبيب وغاب عن عيني الكرى * فكأنما كانا على ميعاد
وله:
ساروا بها كالبدر في هودج * يميس محفوفا بأترابه
فاستعبرت تبكي فعاتبتها * خوفا من الواشي وأصحابه
فقلت لا تبكي على هالك * بعدك لن يبقى على ما به
للموت أبواب وكل الورى * لا بد أن يدخل من بابه
وأحسن الموت بأهل الهوى * من مات من فرقة أحبابه
ابن النجار: أنبأنا ذاكر، عن شجاع الذهلي قال: مات ابن طاهر عند
قدومه من الحج في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول، سنة سبع
وخمس مئة، قال: وقرأت في كتاب عبد الله بن أبي بكر بن الخاضبة أنه
توفي في ضحى يوم الخميس، العشرين من الشهر، وله حجات كثيرة على
قدميه، وكان له معرفة بعلم التصوف وأنواعه، متفننا فيه (1)، ظريفا
مطبوعا، له تصانيف حسنة مفيدة في علم الحديث، رحمه الله.
214 - تاج الاسلام *
العلامة الحافظ الأوحد، أبو بكر محمد بن الإمام الكبير أبي المظفر

(1) قال سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان " 8 / 30: وصنف كتابا سماه " صفوة
التصوف " يضحك منه من يراه، ويعجب من استشهاده على مذاهب الصوفية التي لا
تناسب. * الأنساب: 7 / 140 - 141، المنتظم: 9 / 188، اللباب: 2 / 139، الكامل
لابن الأثير: 10 / 524، طبقات ابن الصلاح: 25 / ب، إنباه الرواة: 3 / 216 - 217،
وفيات الأعيان: 3 / 210 - 211، تاريخ الاسلام: 4 / 199 / 1، دول الاسلام: 2 / 38،
العبر: 4 / 22 - 23، تذكرة الحفاظ: 4 / 1266 - 1269، تلخيص ابن مكتوم: 233،
الوافي بالوفيات: 5 / 75، مرآة الجنان: 3 / 200، طبقات السبكي: 7 / 5 - 11، طبقات
الأسنوي: 2 / 31 - 32، البداية: 12 / 180، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة:
1 / 329 - 331، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 257 - 261، طبقات ابن هداية الله:
72، شذرات الذهب: 4 / 29 - 30.
371

منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي السمعاني، الخراساني المروزي،
والد سيد الحفاظ أبي سعد.
مولده في سنة سبع وستين وأربع مئة.
وسمع من أبي الخير محمد بن أبي عمران الصفار " صحيح البخاري "
حضورا، وسمع من أبيه وأبي القاسم الزاهري، وعبد الله بن أحمد
الطاهري، وأبي الفتح عبيد الله الهاشمي، وارتحل، فسمع بنيسابور من
علي بن أحمد بن الأخرم، ونصر الله بن أحمد الخشنامي، وعبد الواحد بن
أبي القاسم القشيري، وطائفة، ودخل بغداد سنة سبع وتسعين، فسمع من
ثابت بن بندار، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وعدة، وبالكوفة من أبي
البقاء الحبال، وبمكة، والمدينة، ووعظ ببغداد مدة بالنظامية، وقرأ " تاريخ
الخطيب " على أبي محمد بن الآبنوسي، وسمع بهمذان من أبي غالب
العدل، وبأصبهان من أبي بكر حفيد ابن مردويه، وأبي الفتح الحداد.
قال ولده: ثم ارتحل سنة تسع وخمس مئة بي وبأخي، فأسمعنا من
الشيروي، وغيره، وأملى مئة وأربعين مجلسا بجامع مرو، كل من رآها،
اعترف له أنه لم يسبق إلى مثلها (1)، وكان يروي في الوعظ الأحاديث

(1) في " الأنساب ": 7 / 140: وأما والدي الإمام أبو بكر محمد بن منصور بن
محمد بن عبد الجبار السمعاني رحمه الله ابن أبيه، وكان والده يفتخر به، ويقول على
رؤوس الاشهاد في مجلس الاملاء: محمد ابني أعلم مني، وأفضل مني. تفقه عليه، وبرع
في الفقه، وقرأ الأدب على جماعة، وفاق أقرانه، وقرض الشعر المليح، وغسله في آخر
أيامه، وشرع في عدة مصنفات ما تتم شيئا منها، لأنه لم يمتع بعمره، واستأثر الله تعالى
بروحه، وقد جاوز الأربعين بقليل، سافر إلى العراق والحجاز، ورحل إلى أصبهان لسماع
الحديث، وأدرك الشيوخ والأسانيد العالية، وحصل النسخ والكتب، وأملى مئة وأربعين
مجلسا في الحديث من طالعها عرف أن أحدا لم يسبقه إلى مثلها.
وفي " طبقات السبكي ": 7 / 8: وكان والده الإمام أبو المظفر إذا جرى شئ يتعلق
بالأدب أو اللغة، أو سئل عن شئ من ذلك يقول: سلوا أبني محمدا، فإنه أعرف باللغة مني.
372

بأسانيده، وقد طلب مرة للذين يقرؤون في مجلسه، فجاءه لهم ألف دينار من
أهل المجلس.
توفي في صفر سنة عشر وخمس مئة عن ثلاث وأربعين سنة. حدث
عنه السلفي (1)، وأبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السنجي، وآخرون.
215 - ابن اللبانة *
شاعر الأندلس، أبو بكر محمد بن عيسى بن محمد اللخمي الداني،

(1) وفي أبي بكر يقول السلفي:
هو المزني إبان الفتاوى * وفي علم الحديث الترمذي
وجاحظ عصره في النثر صادقا * وفي وقت التشاعر بحتري
وفي النحو الخليل بلا خلاف * وفي حفظ اللغات الأصمعي
قال السبكي في " الطبقات ": 7 / 9: تعليقا على قول السلفي: وفي وقت التشاعر
بحتري: وددت لو قال: وفي الشعر الأديب البحتري. وسلم من لفظ التشاعر، ومن تنكير
البحتري. * قلائد العقيان: 245 - 252، الذخيرة: ق 3 م 2 / 666 - 702، الخريدة
(قسم المغرب والأندلس): 2 / 107 - 147، بغية الملتمس: رقم: 213، المطرب:
178، المعجب: 208 - 224، التكملة لابن الأبار: 410، تكملة الصلة: 145،
المغرب: 2 / 409 - 416، وفيات الأعيان: 5 / 39، تاريخ الاسلام / 4: ورقة 187 / 1،
العبر: 4 / 15، فوات الوفيات: 4 / 27 - 31، الوافي بالوفيات: 4 / 297 - 300، عيون
التواريخ: 13 / لوحة: 294 - 302، مرآة الجنان: 3 / 197، كشف الظنون: 993،
شذرات الذهب: 4 / 20، إيضاح المكنون: 1 / 98، هدية العارفين: 2 / 83.
373

صاحب الديوان، والتصانيف الأدبية، مدح الملك ابن عباد (1)، وابن
صمادح، وكان محتشما، كبير القدر.
توفي بميورقة (2) سنة سبع وخمس مئة (3).
216 - محمود بن الفضل *
ابن محمود بن عبد الواحد، الامام الحافظ، مفيد الطلبة ببغداد، أبو
نصر الأصبهاني الصباغ.
سمع عبد الرحمن بن منده، وأخاه عبد الوهاب ابني أبي عبد الله بن
منده، وأبا الفضل البزاني، وأبا بكر بن ماجة، وعائشة بنت الحسين
الوركانية، وببغداد رزق الله التميمي، وطرادا الزينبي، وخلقا كثيرا، حتى
إنه كتب عن أصحاب الصريفيني، وعلي بن البسري.
روى عنه: ابن ناصر، وأبو الفتح محمد بن علي بن عبد السلام،
والمبارك بن كامل، والسلفي، وآخرون.

(1) وكان منقطعا إلى بني عباد، وفيهم أجود مدائحه ومراثيه، ولهم أبدع ما نظم من
شعره في مختلف الفنون، وقد ألف كتابين في أخبار بني عباد، أحدهما " السلوك في وعظ
الملوك "، وقد ضمنه عدة مقطعات وقصائد في البكاء على أيامهم، وما انتشر من نظامهم،
والآخر " الاعتماد في أخبار بني عباد " فصل في تاريخهم منذ كانوا حتى مضوا. وانظر
المختار من شعره في الذخيرة وغيرها.
(2) ميورقة، بالفتح ثم الضم، وسكون الواو والراء: جزيرة في شرقي الأندلس،
بالقرب منها جزيرة يقال لها: منورقة، وهما أكبر جزيرتين في مجموعة جزائر البليار في البحر
المتوسط، وكانتا في عصر ملوك الطوائف تحت حكم مجاهد العامري، وميورقة فتحها
المسلمون سنة تسعين ومئتين.
(3) وكذا أرخ وفاته ابن الأبار في " التكملة ": 410. * المنتظم: 9 / 202 - 203، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي:
الورقة: 224، تاريخ الاسلام: 4 / لوحة: 208 / 2 - 209 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1252 -
1253.
374

قال شيرويه الديلمي: قدم علينا همذان سنة اثنتين وخمس مئة، وكان
حافظا ثقة، يحسن هذا الشأن، حسن السيرة، عارفا بالأسماء والنسب،
مفيدا لطلبة العلم.
وقال [السلفي: كان] (1) رفيقنا محمود بن الفضل يطلب الحديث،
ويكتب العالي والنازل، فعاتبته في كتبه النازل، فقال: والله إذا رأيت سماع
هؤلاء لا أقدر أن أتركه، قال: فرأيته بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي بهذا، وأخرج من كمه جزءا.
قلت: مات ببغداد في جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وخمس مئة،
من أبناء الستين.
217 - ظريف بن محمد *
ابن عبد العزيز بن أحمد بن شاذان، العالم الرحال، أبو الحسن
الحيري، النيسابوري.
سمع أباه، وأبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وأبا عامر
الحسن بن محمد، وأبا مسعود أحمد بن محمد البجلي، وأبا سعد
الطبيب.
حدث عنه: أبو شجاع البسطامي، وأبو المعمر الازجي، وأبو طاهر
السلفي، وشهدة الكاتبة، وعبد المنعم بن الفراوي، وأبو الحسن بن
الخل، وآخرون.

(1) ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدرك من " تذكرة المؤلف ":
4 / 1252، 1253، ومختصر طبقات علماء الحديث. * التحبير: 1 / 359 - 360، المنتخب / الورقة: 78 / 1، تاريخ الاسلام:
4 / لوحة: 229 / 2 - 230 / 1.
375

قدم بغداد للحج، وحدث.
قال السمعاني (1): كان ثقة، مأمونا، حسن السيرة، جميل
الطريقة، من أولاد المحدثين.
وقال عبد الغافر: ثقة أمين، عنده سماع " الإكليل " للحاكم،
و " المستدرك ".
توفي في ذي القعدة سنة سبع عشر وخمس مئة بنيسابور، وله ثمان
وثمانون سنة.
218 - ابن سكرة *
الامام العلامة الحافظ القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن فيرة بن
حيون بن سكرة الصدفي الأندلسي السرقسطي.
روى عن أبي الوليد الباجي، ومحمد بن سعدون القروي، وحج
في سنة إحدى وثمانين، ودخل على أبي إسحاق الحبال (2)، وهو

(1) في التحبير: 1 / 359، وفيه أنه كتب للسمعاني الإجازة بجميع مسموعاته سنة
تسع وخمس مئة. * الصلة: 1 / 144 - 146، بغية الملتمس: 269، الغنية ص 192 - 201، تاريخ
الاسلام: 4 / 214 / 1، العبر: 4 / 32 - 33، تذكرة الحفاظ: 4 / 1253 - 1255، عيون
التواريخ: 13 / لوحة: 389 - 390، الديباج المذهب: 1 / 330 - 332، غاية النهاية: 1 /
250 - 251، طبقات الحفاظ: 455، أزهار الرياض: 3 / 51، نفح الطيب: 2 / 90 -
93، شذرات الذهب: 4 / 43، تهذيب ابن عساكر: 4 / 362، شجرة النور الزكية: 1 /
128 - 129.
(2) في تاريخ الاسلام: وحج سنة إحدى وثمانين، ودخل بمصر على أبي إسحاق
الحبال، وقد منعه العبيدي الرافضي من التحديث، قال: فأول ما فاتحته الكلام أجابني على
غير سؤالي حذرا أن أكون مدسوسا عليه حتى بسطته وأعلمته أنني من أهل الأندلس أريد
الحج، فأجاز لي لفظا، وامتنع من غير ذلك.
376

ممنوع من التحديث كما مر.
وسمع بالبصرة من عبد الملك بن شغبة، وجعفر بن محمد العباداني،
وبالأنبار من خطيبها أبي الحسن، وببغداد من علي بن قريش، وعاصم
الأديب، ومالك البانياسي، وبواسط من محمد بن عبد السلام بن أحمولة،
وحمل " التعليقة " عن أبي بكر الشاشي (1)، وأخذ بدمشق عن الفقيه
نصر (2)، ورجع بعلم جم، وبرع في الحديث متنا وإسنادا مع حسن الخط
والضبط، وحسن التأليف، والفقه والأدب مع الدين والخير والتواضع.
قال ابن بشكوال: هو أجل من كتب إلي بالإجازة (3).
وخرج له القاضي عياض مشيخة، وأكثر عنه.
وأكره على القضاء، فوليه بمرسية، ثم اختفى حتى أعفي.
وتلا بالروايات على ابن خيرون، ورزق الله، كتب عنه شيخه الفقيه
نصر ثلاثة أحاديث، وروى عنه ابن صابر، والقاضي محمد بن يحيى
الزكوي، والقاضي عياض، فروى عنه " صحيح مسلم "، أخبرنا به أحمد
ابن دلهاث العذري.

(1) سيذكر بعد قليل أنه أقام ببغداد خمس سنين حتى علق عنه تعليقته الكبرى في
مسائل الخلاف.
(2) هو نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي الشافعي المتوفى سنة 490 ه‍ تقدمت ترجمته
برقم (72).
(3) " الصلة ": 1 / 145: وذكر تاريخ الإجازة في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وخمس
مئة، وروى عنه بها لأبي عبد الله محمد بن علي الصوري قوله:
قل لمن أنكر الحديث وأضحى * عائبا أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا أبن لي * أم بجهل، فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا ألد * ين من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه * راجع كل عالم وفقيه
377

استشهد أبو علي في ملحمة قتندة (1) في ربيع الأول سنة أربع عشرة
وخمس مئة، وهو من أبناء الستين، وكانت معيشته من بضاعة له مع ثقات
إخوانه، وخلف كتبا نفيسة، وأصولا متقنة تدل على حفظه وبراعته.
وتلا أيضا على الحسن بن محمد بن مبشر صاحب أبي عمرو الداني،
ومولده في نحو سنة أربع وخمسين وأربع مئة، وكان ذا دين وورع وصون،
وإكباب على العلم، ويد طولى في الفقه، لازم أبا بكر الشاشي خمس سنين
حتى علق عنه تعليقته الكبرى في مسائل الخلاف، ثم استوطن مرسية،
وتصدر لنشر الكتاب والسنة، وتنافس الأئمة في الاكثار عنه، وبعد صيته،
ولما عزل نفسه من القضاء، وردت كتب السلطان علي بن يوسف بن تاشفين
برجوعه إلى القضاء، وهو يأبى، وبقي ذلك أشهرا حتى كتب الطلاب
والرحالون كتابا يشكون فيه إلى أمير المؤمنين بن تاشفين حالهم ونفاد
نفقاتهم، وانقطاع أموالهم، فسعى له قاضي الجماعة عند أمير المؤمنين،
وبين له وجه عذره، فسكت عنه.
قال القاضي عياض: لقد حدثني الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر
أن أبا علي الحافظ قال له: خذ الصحيح، فاذكر أي متن شئت منه، أذكر
لك سنده، أو أي سند، أذكر لك متنه.
219 - النهاوندي *
القاضي العلامة، أبو عبد الله الحسين بن نصر بن المرهف
النهاوندي، ثم الأيدبني - وأيدبن: من قرى ديار بكر - الشافعي، قاضي

(1) قال ياقوت: قتندة: بلد بالأندلس ثغر سرقسطة كانت بها وقعة بين المسلمين
والإفرنج، قال المؤلف في تاريخه: وكانت هذه الوقعة على المسلمين. * تاريخ الاسلام: 4 / 192 / 1، طبقات السبكي: 7 / 80.
378

نهاوند مدة طويلة.
سمع من أبي طاهر محمد بن هبة الله الموصلي بآمد، ثم قدم بغداد،
وبرع في الفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وأحكم الأصول، وسمع من أبي
محمد الجوهري، والقاضي أبي يعلى، وأبي بكر الخطيب.
حدث عنه: الحسين بن خسرو، وأبو طاهر السلفي، وأحمد بن عبد
الغني الباجسرائي، وغيرهم.
قال السلفي: قال لي: إنه ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وكان
من كبار [أصحاب] أبي إسحاق، وولي قضاء نهاوند مدة مديدة، ولم يكن
يقيم بها.
وقال المبارك بن كامل الخفاف: مات بنهاوند في محرم سنة تسع
وخمس مئة.
220 - ابن مرزوق *
الحافظ المفيد الرحال، أبو الخير عبد الله بن مرزوق الأصم الهروي،
مولى شيخ الاسلام.
سمع أبا عمر المليحي، وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وأبا القاسم
ابن البسري، وعبد الرحمن بن منده، وطبقتهم. وجمع، فأوعى.
أخذ عنه هبة الله السقطي، وأبو موسى المديني، وجماعة.
قال إسماعيل التيمي: هو حافظ متقن.

* تاريخ الاسلام: 4 / لوحة: 181 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246، شذرات
الذهب: 4 / 16.
379

قلت: مات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مئة عن ست وستين
سنة.
221 - ابن بدران *
الشيخ الامام، المقرئ المسند، أبو بكر أحمد بن علي بن بدران بن
علي الحلواني البغدادي المقرئ، عرف بخالوه، شيخ صالح، دين،
عارف بالقراءات، عالي الرواية.
تلا بالسبع على أبي علي الحسن بن غالب، وعلي بن فارس الخياط.
تلا عليه جماعة، منهم أبو الكرم الشهرزوري، وقد سمع من أبي
الطيب الطبري، والقاضي أبي الحسن الماوردي، ومحمد بن علي بن شبانة
الدينوري، وأبي محمد الجوهري، وانتقى عليه الحافظ أبو عبد الله
الحميدي.
وحدث عنه إسماعيل بن السمرقندي، وابن ناصر، والسلفي، وأبو
طالب بن خضير، وخطيب الموصل أبو الفضل، وعبد المنعم بن كليب،
وآخرون.
قال ابن ناصر: شيخ صالح ضعيف، لا يحتج بحديثه، لم تكن له
معرفة بالحديث (1).

* المنتظم: 9 / 175، تاريخ الاسلام: 4 / الورقة: 180 / 2، العبر: 4 / 12،
ميزان الاعتدال: 1 / 122، معرفة القراء: (406) وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 /
1441، طبقات السبكي 6 / 28 طبقات القراء: 1 / 84، لسان الميزان: 1 / 227، طبقات
الشافعية لابن هداية 71، شذرات الذهب 4 / 16.
(1) قال الحافظ في " اللسان ": 1 / 227: والسبب الذي ضعفه ابن ناصر به لا ذنب
له فيه، فإن بعض الطلبة نقل له على كتاب الترغيب لابن شاهين، فحدث به، ثم ظهر أنه
باطل، فرجع عنه، حكى ذلك ابن النجار في " تاريخه "، ونقل كلام ابن ناصر فيه، قال:
كان شيخنا ليس له معرفة بطريق الحديث، روى كتاب الترغيب لابن شاهين عن العشاري من
نسخة طرية مستجدة، وهو شيخ صالح فيه ضعف لا يحتج بحديثه.
380

ولد في حدود سنة عشرين وأربع مئة.
وقال السلفي: كان ثقة زاهدا.
قال ابن ناصر: مات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مئة،
وأوصى أن يدفن إلى جانب إبراهيم الحربي.
قلت: وممن تلا عليه أبو محمد سبط الخياط، وعبد الوهاب بن
محمد الصابوني.
قال أبو محمد: تلوت عليه بكتاب " الجامع " لأبي الحسن
الخياط (1)، وتلا به على المصنف.
222 - ابن ملة *
الشيخ العالم، المحدث الواعظ، أبو عثمان إسماعيل بن محمد بن
أحمد بن محمد بن جعفر بن أبي سعيد بن ملة الأصبهاني المحتسب صاحب
تلك المجالس المشهورة.
سمع أبا بكر بن ريذه صاحب الطبراني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم،

(1) كتاب الجامع في القراءات العشر، وقراءة الأعمش، وأبو الحسن هذا هو علي بن
محمد بن علي بن فارس الخياط البغدادي، قال المؤلف: أظنه بقي إلى عام خمسين وأربع
مئة. انظر " النشر ": 1 / 84، و " غاية النهاية ": 1 / 573. * الكامل لابن الأثير: 10 / 515، تاريخ الاسلام: 4 / 192 / 1، العبر: 4 / 18،
ميزان الاعتدال: 1 / 248، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 90، عيون التواريخ:
13 / 324 - 325، البداية: 12 / 179، لسان الميزان: 1 / 434، شذرات الذهب:
4 / 22.
381

وأبا منصور عبد الرزاق بن أحمد الخطيب، وأبا القاسم عبد العزيز بن
أحمد، وعلي بن شجاع المصقلي (1)، وأبا العباس أحمد بن محمد بن
النعمان الصائغ، وأملى ببغداد.
حدث عنه: ابن ناصر، وظاعن بن محمد الزبيري الخياط، وأبو
طاهر السلفي، وقوم، آخرهم عبد المنعم بن كليب.
قال ابن ناصر: وضع حديثا (2)، وأملاه، وكان يخلط.
قلت: ثم روايته عن ابن ريذه حضور، فإن مولده فيما ذكر سنة ست
وثلاثين في رجبها، ومات ابن ريذه سنة أربعين.
وقال أبو نصر اليونارتي في " معجمه ": كان ابن ملة من الأئمة
المرضيين، يرجع في كل فن من العلم إلى حظ وافر (3).
وقال السلفي: هو من المكثرين، يروي عن عبد العزيز بن فادويه،
وأبي القاسم عبد الرحمن بن الذكواني، وكان أبوه يروي عن أبي محمد بن
البيع صاحب المحاملي.
مات أبو عثمان في ثاني ربيع الأول سنة تسع وخمس مئة بأصبهان.

(1) المصقلي بفتح الميم وسكون الصاد وفتح القاف، هذه النسبة إلى الجد وهو
مصقلة بن هبيرة " الأنساب ".
(2) قال الحافظ في " اللسان ": 1 / 434: ولو ذكر ابن ناصر الحديث لأفاد.
(3) قال الحافظ في " اللسان ": وقد وثقه أبو منصور اليزدي، وقال ابن النجار: قد
وصفه شيرويه الحافظ بالصدق، ولا أعلم لاحد فيه طعنا إلا ما حكي عن ابن ناصر والله أعلم
بحقيقة الحال.
382

223 - أحمديل *
صاحب مراغة، أحد الابطال، كان إقطاعه يغل في السنة أربع مئة
ألف دينار، وعسكره خمسة آلاف فارس، كان في مجلس السلطان محمد
ابن ملكشاه، فأتاه مسكين، فتضرع إليه في قصة يقدمها، فيضربه بسكين،
فبرك أحمديل فوقه، فوثب باطني آخر فوق أحمديل، فجرحه، فأضرتهما
السيوف، فوثب ثالث، وضرب أحمديل أثخنه، وذلك في أول سنة عشر
وخمس مئة، وكان أحمديل إلى جانب أمير دمشق طغتكين قد قدما بغداد إلى
خدمة محمد.
224 - أبو العز * *
محمد بن المختار بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن المؤيد بالله
الهاشمي العباسي البغدادي، والد المعمر أبي تمام أحمد بن محمد،
ويعرف بابن الخص.
كان ثقة صالحا دينا، جليلا محترما، من أهل الحرم الطاهري.
سمع الكثير من عبد العزيز بن علي الازجي، وأبي الحسن القزويني،
وأبي إسحاق البرمكي، وأبي علي بن المذهب.
روى عنه أبو علي الرحبي، وأحمد بن السدنك، وأبو طاهر السلفي،
ونصر الله القزاز، وعبد المنعم بن كليب وآخرون.

* تاريخ القلانسي: 176، المنتظم: 9 / 185، الكامل في التاريخ لابن الأثير:
10 / 516، تاريخ الاسلام: 4 / 130 / 2، دول الاسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 15، وفيه
وفاته 508 ه‍، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 325 - 326، مرآة الزمان: 8 / 32، النجوم
الزاهرة: 5 / 208، شذرات الذهب: 4 / 21.
(* *) المنتظم: 9 / 182، تاريخ الاسلام: 4 / 191 / 1.
383

توفي في يوم عاشوراء من سنة ثمان وخمس مئة، وعاش ثمانين
عاما.
225 - ابن المطلب *
الوزير الكبير، أبو المعالي هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب
الكرماني، الفقيه الشافعي.
كان من كبار الأعيان، رأسا في حساب الديوان، ساد وعظم، ووزر
للمستظهر بالله سنتين ونصفا، ثم عزل.
روى عن عبد الصمد بن المأمون وطبقته، وكان ذا معروف وبر، يلقب
بمجير الدين، له خبرة وفضيلة وذكاء، صرف في سنة اثنتين وخمس مئة،
ولزم بيته إلى أن توفي سنة تسع وخمس مئة.
226 - الباقرحي * *
الشيخ الجليل المسند، أبو علي الحسن بن محمد بن إسحاق بن
إبراهيم بن مخلد الباقرحي، ثم البغدادي، رجل مستور، من بيت
الرواية (1)، سمع الكثير.
مولده سنة سبع وثلاثين وأربع مئة.
سمع أبا الحسين بن القزويني، وأبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن

* تاريخ الاسلام: 4 / 195 / 1.
(* *) المنتظم: 9 / 238، تاريخ الاسلام: 4 / 222 / 2، العبر: 4 / 36، مرآة
الزمان: 8 / 64، شذرات الذهب: 4 / 48.
(1) قال سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان ": 8 / 64: هو محدث، ابن محدث،
ابن محدث، ابن محدث،... وكان ثقة صدوقا.
384

شيطا، وأبا طاهر محمد بن علي بن العلاف، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا
القاسم التنوخي.
حدث عنه: السلفي، وجماعة، وآخر من روى عنه ذاكر بن كامل،
وممن روى عنه أبو نصر عبد الرحيم اليوسفي.
مات في رجب سنة ست عشرة وخمس مئة.
وفيها توفي صاحب ماردين، وأبو ملوكها نجم الدين أيل غازي بن أرتق
التركماني، ومحيي السنة أبو محمد البغوي (1)، والحافظ أبو محمد عبد الله
ابن أحمد بن السمرقندي أخو إسماعيل، وشيخ القراء أبو القاسم عبد الرحمن
ابن أبي بكر بن الفحام الصقلي (2) مصنف " التجريد "، وصاحب
" المقامات " أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري (3)، وأبو عدنان
محمد بن أحمد بن المطهر بن أبي نزار الربعي الأصبهاني (4)، والحافظ
محمد بن عبد الواحد الدقاق (5)، وأبو نصر محمد بن هبة الله بن مميل
الشيرازي معيد النظامية.
227 - الشقاق *
العلامة أبو عبد الله الحسين بن أحمد البغدادي بن الشقاق الفرضي،

(1) سترد ترجمته برقم (258).
(2) سترد ترجمته برقم (229).
(3) سترد ترجمته برقم (268).
(4) سترد ترجمته برقم (265).
(5) سترد ترجمته برقم (277). * المنتظم: 9 / 194 وفيه الحسن، الكامل في التاريخ: 10 / 532 وفيه الحسن،
تاريخ الاسلام: 4 / 201 / 2، المختصر المحتاج إليه من تاريخ الدبيثي للذهبي: 2 / 31،
الوافي بالوفيات: 12 / 325 - 326، طبقات الشافعية للسبكي: 7 / 73.
385

لشق قرون القسي (1).
أخذ الفرائض والحساب عن الخبري (2)، وعبد الملك الهمداني،
وبقي بلا نظير، وصنف التصانيف.
قال السلفي: كان آية من آيات الزمان في الفرائض والحساب، يقرئ
ذلك.
وحدث عن أبي الحسين بن المهتدي بالله، وسمع منه ابن ناصر،
والسلفي، وخطيب الموصل.
مات في آخر سنة إحدى عشرة وخمس مئة، وله نيف وسبعون سنة،
رحمه الله.
228 - أبو طالب اليوسفي *
الشيخ الأمين، الثقة العالم المسند، أبو طالب عبد القادر بن محمد
ابن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي ابن أبي بكر.
ولد سنة نيف وثلاثين وأربع مئة.

(1) يعني سمي الشقاق، لأنه كان يشق القرون لعمل القسي، وقد تصحف " الشقاق "
في " طبقات السبكي ": 7 / 73 إلى " الشقاف " بالفاء.
(2) نسبة إلى خبر: قرية بنواحي شيراز من فارس، وقد تحرف في " المنتظم ":
9 / 194 إلى " الطبري " وهو أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري الفقيه الشافعي الفرضي،
حدث عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري، والمتوفى 496 ه‍ تقدمت ترجمته في الجزء
الثامن عشر رقم (287). * المنتظم: 9 / 239، تاريخ الاسلام: 4 / 224 / 1، العبر: 4 / 38، عيون
التواريخ: 13 / لوحة: 415، شذرات الذهب: 4 / 49.
386

وسمع المصنفات الكبار من أبي علي بن المذهب، وأبي إسحاق
البرمكي، وأبي بكر بن بشران، وأبي محمد الجوهري، وعدة، وتفرد في
وقته.
حدث عنه السلفي، وأبو العلاء العطار، وهبة الله الصائن، وأبو بكر
ابن النقور، والشيخ عبد القادر، وعبد الحق اليوسفي، وأبو منصور محمد بن
أحمد الدقاق، ويحيى بن بوش، وعدد كثير.
قال السمعاني: شيخ صالح ثقة دين، متحر في الرواية، كثير
السماع، انتشرت عنه الرواية في البلدان، وحمل عنه الكثير.
وقال السلفي: تربى أبو طالب على طريقة والده في الاحتياط التام في
الدين في التدين من غير تكلف، وكان كامل الفضل، حسن الجملة، ثقة
متحريا، إلى غاية ما عليها مزيد، قل من رأيت مثله، وكان أبوه أبو بكر أزهد
خلق الله.
قال محمد بن عطاف: توفي أبو طالب في آخر يوم الجمعة ثامن عشر
ذي الحجة، سنة ست عشرة وخمس مئة.
229 - ابن الفحام *
الامام شيخ القراء، أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف

* معجم السفر للسلفي: 1 / 157 - 158، إنباه الرواة: 2 / 164 - 165، تاريخ
الاسلام: 4 / 224 / 1، دول الاسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 37 - 38، تلخيص ابن
مكتوم: 105، عيون التواريخ: 13 / 415، مرآة الجنان: 3 / 213، النشر في القراءات
العشر: 1 / 75، 76، طبقات القراء: 1 / 374 - 375، طبقات ابن قاضي شهبة: 2 / 74 -
75، النجوم الزاهرة: 5 / 225، حسن المحاضرة: 1 / 495، كشف الظنون: 354
وغيرها، شذرات الذهب: 4 / 49، هدية العارفين: 1 / 518.
387

القرشي الصقلي المقرئ النحوي ابن الفحام، نزيل الإسكندرية، ومؤلف
" التجريد في القراءات " (1).
تلا بالسبع على أبي العباس بن نفيس، وأبي الحسين نصر بن عبد
العزيز الفارسي، وعبد الباقي بن فارس، وإبراهيم بن إسماعيل المالكي
بمصر، وطال عمره، وتفرد، وتزاحم عليه القراء.
تلا عليه أبو العباس بن الحطية، وابن سعدون القرطبي، وعبد
الرحمن بن خلف الله، وعدة.
وتلوت كتاب الله من طريقه بعلو وبغير علو.
أخذ النحو عن ابن بابشاذ، وعمل شرحا لمقدمته.
قال سليمان بن عبد العزيز الأندلسي: ما رأيت أحدا أعلم بالقراءات
من ابن الفحام، لا بالمشرق ولا بالمغرب، وروى عنه السلفي، وأبو محمد
العثماني، وغيرهما، وثقه السلفي وابن المفضل.
ولد سنة اثنتين أو خمس وعشرين وأربع مئة، وهو يشك، وتوفي في ذي
القعدة سنة ست عشرة وخمس مئة بالثغر (2)، وله نيف وتسعون سنة، وآخر
أصحابه في الدنيا بالإجازة أبو طاهر الخشوعي.
وقد ذكره السلفي، فقال: هو من خيار القراء، رحل سنة ثمان

(1) قال ابن الجزري في " الطبقات ": 1 / 374: وهو من أشكل كتب القراءات حلا
ومعرفة، ولكني أوضحته في كتابي " التقييد في الخلف بين الشاطبية والتجريد " من وقف
عليه أحاط بالكتاب علما بينا.
(2) أي: في الإسكندرية: والثغر: الموضع الذي يكون حدا فاصلا بين بلاد الكفار
وهو موضع المخافة من أطراف البلاد.
388

وثلاثين، فأدرك ابن هشيم، وابن نفيس، علقت عنه فوائد، وكان حافظا
للقراءات، صدوقا، متقنا، عالما، كبير السن، وقيل: كان يحفظ
القراءات كالفاتحة (1).
230 - غيث بن علي *
ابن عبد السلام، المحدث المفيد، أبو الفرج الأرمنازي، ثم
الصوري، خطيب صور ومحدثها.
سمع أبا بكر الخطيب، وعلي بن عبيد الله الهاشمي، وبدمشق أبا
نصر بن طلاب، وطائفة، وبتنيس من رمضان بن علي، وبمصر، والثغر،
وكتب الكثير، وسود تاريخا لصور، وكان ثقة، حسن الخط.
روى عنه شيخه الخطيب، وأبو القاسم بن عساكر، وذلك من نمط
السابق واللاحق، فبين الحافظين في الموت مئة سنة وثمان سنين.
مات غيث بدمشق في صفر سنة تسع وخمس مئة عن ست وستين
سنة.
231 - عيسى بن شعيب * *
ابن إبراهيم، المحدث العالم الزاهد، شيخ المعمرين، أبو عبد الله
السجزي الصوفي، نزيل هراة، ووالد الشيخ أبي الوقت.

(1) كرر المؤلف هنا ما كتبه في نهاية ترجمة الباقرحي برقم (226) فذكر من توفي في سنة
(516) وزاد عليهم الباقرحي وعبد القادر اليوسفي، وكتائب بن علي الفارقي. * الأنساب: 1 / 189، تاريخ ابن عساكر، تاريخ الاسلام:
4 / 193 / 1، العبر: 4 / 18، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 325، شذرات الذهب:
4 / 24.
(* *) التحبير: 1 / 611 - 613، معجم شيوخ السمعاني / الورقة: 187 / ب، تاريخ
الاسلام: 4 / 207 / 2، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 352.
389

مولده بسجستان في سنة عشر وأربع مئة، فسمع من علي بن بشرى
الليثي الحافظ جملة، وسمع بهراة من عبد الوهاب بن محمد الخطابي،
وبغزنة من الخليل بن أبي يعلى، وطائفة، وحمل ابنه عبد الأول على ظهره
من هراة إلى بوشنج مرحلة، فسمعا الصحيح (1) من جمال الاسلام
الداوودي.
قال أبو سعد السمعاني: هو صحيح صالح، حريص على السماع،
أجاز لي مروياته، ثم ذكر مولده، قال: وتوفي بمالين من هراة في ثاني عشر
شوال سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، وله مئة وسنتان (2).
وفيها مات أمير المؤمنين المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي
بالله عبد الله بن محمد بن القائم العباسي (3)، وله اثنتان وأربعون سنة،
وكانت دولته خمسا وعشرين سنة، ومفتي بخارى شمس الأئمة الجابري،
ونور الهدى الحسين بن محمد الزينبي (4)، والعلامة أبو القاسم سلمان بن
ناصر الأنصاري النيسابوري (5) الأصولي صاحب إمام الحرمين، والمعمر أبو
العلاء عبيد بن محمد القشيري (6)، وشيخ الكلام أبو عبد الله محمد بن عتيق
ابن أبي كدية القيرواني الأشعري (7) ببغداد عن سن عالية، والحافظ محمود
ابن نصر الأصبهاني الصباغ ببغداد.

(1) و " مسند الدارمي "، و " المنتخب " لعبد بن حميد كما في " التحبير ":
1 / 612.
(2) " التحبير " 1 / 613.
(3) سترد ترجمته برقم (236).
(4) تقدمت ترجمته برقم (209).
(5) سترد ترجمته برقم (237).
(6) تقدمت ترجمته برقم (185).
(7) سترد ترجمته برقم (241).
390

232 - أبو الفتح الهروي *
الامام القدوة الزاهد، العابد المعمر، أبو الفتح نصر بن أحمد بن
إبراهيم الحنفي الهروي.
سمع من جده لامه أبي المظفر منصور بن إسماعيل الهروي، الراوي
عن أبي الفضل بن خميرويه، وسمع من أبي يعقوب القراب الحافظ، وأبي
الحسن الدباس وجماعة، وخرج له شيخ الاسلام أبو إسماعيل الأنصاري
فوائد في ثلاث مجلدات، وكان أسند من بقي ببلده وأزهدهم.
حدث عنه جماعة بهراة ومرو وبوشنج من مشايخ السمعاني.
توفي سنة عشر وخمس مئة، لا بل توفي في سابع شعبان سنة إحدى
عشرة وخمس مئة.
قال السمعاني (1): هو نصر بن أحمد بن إبراهيم بن أسد بن أحمد،
من ولد حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
قال: وهو من أهل العلم والسداد والصلاح، أفنى عمره في كتابة
العلم، وتفرد بالرواية الكثيرة، سمع أباه، وجده، وجده لامه، وأبا عثمان
سعيد بن العباس القرشي، وإسحاق بن أبي إسحاق القراب، وعبد الوهاب
ابن محمد بن عيسى، ومحمد بن الفضيل، ومولده سنة تسع عشرة وأربع مئة.
قلت: عاش اثنتين وتسعين سنة.

* التحبير: 2 / 341 - 342، تاريخ الاسلام: 4 / 199 / 2، معجم شيوخ
الذهبي: الورقة: 273 أ - 274 أ، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1262،
الجواهر المضية: 2 / 192، هدية العارفين: 2 / 491.
(1) في التحبير: 2 / 341.
391

233 - أبو يعلى بن الهبارية *
الشريف، كبير الشعراء، محمد بن صالح بن حمزة العباسي، من
ذرية ولي العهد عيسى بن موسى، ولقبه نظام الدين البغدادي، رأس في
الهجو والخلاعة، وشعره فائق (1)، خدم نظام الملك، وسعد به، وقد نظم
كتاب " كليلة ودمنة " (2) جوده وحرره.
قيل: مات بكرمان سنة أربع وخمس مئة.

* وفيات الأعيان: 4 / 453 - 457، تاريخ الاسلام: 4 / 171 / 2، الوافي
بالوفيات: 1 / 130، عيون التواريخ: 13 / 315، مرآة الزمان: 8 / 58، لسان الميزان:
5 / 367، النجوم الزاهرة: 5 / 210، شذرات الذهب: 4 / 24 - 26 وفيه وفاته سنة 509.
(1) ومن شعره ما ذكره الكتبي في " عيون التواريخ ":
كم ليلة بت مطويا على حرق * أشكو إلى النجم حتى كاد يشكوني
والصبح قد مطل الشرق العيون به * كأنه حاجة في نفس مسكين
وقوله:
بي مثل ما بك يا حمام البان * أنا بالقدود وأنت بالأغصان
أعد الترنم كيف شئت فإننا * فيما نحن من الهوى سيان
لي ما رويت من النسيب وإنما * لك فيه حق الشدو والألحان
(2) في " وفيات الأعيان ": 4 / 456: ومن غرائب نظمه كتاب " الصادح والباغم "
نظمه على أسلوب كليلة ودمنة، وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت أهداه إلى الأمير أبي
الحسن صدقة بن منصور صاحب الحلة، وفتحه بهذه الأبيات:
هذا كتاب حسن * تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مده * عشر سنين عده
منذ سمعت باسمكا * وضعته برسمكا
بيوته ألفان * جميعها مغاني
لو ظل كل شاعر * وناظم وناثر
كعمر نوح التالد * في نظم بيت واحد
من مثله لما قدر * ما كل من قال شعر
392

234 - الشاشي *
الامام العلامة، شيخ الشافعية، فقيه العصر، فخر الاسلام، أبو بكر
محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي (1) التركي، مصنف
المستظهري في المذهب، غير ذلك.
مولده بميا فارقين في سنة تسع وعشرين وأربع مئة، وتفقه بها على
قاضيها أبي منصور الطوسي، والإمام محمد بن بيان الكازروني، ثم قدم
بغداد، ولازم أبا إسحاق، وصار معيده، وقرأ كتاب " الشامل " على
مؤلفه (2).
وروى عن الكازروني شيخه، وعن ثابت بن أبي القاسم الخياط،
وأبي بكر الخطيب، وهياج بن عبيد المجاور، وعدة.

* تبين كذب المفتري: 306 - 307، المنتظم: 9 / 179، الكامل لابن الأثير:
10 / 500، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 2، وفيات الأعيان: 4 / 219 - 221،
المختصر في أخبار البشر: 2 / 22، تاريخ الاسلام: 4 / 181 / 2، دول الاسلام:
2 / 36، العبر: 4 / 13، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1241، المستفاد من ذيل
تاريخ بغداد: 3 - 4، تتمة المختصر: 2 / 37، الوافي بالوفيات: 2 / 73 - 74، عيون
التواريخ: 13 / 285 - 286، مرآة الجنان: 3 / 194 - 195، طبقات السبكي: 6 / 70 -
78، طبقات الأسنوي: 2 / 86 - 87، البداية: 12 / 177 - 178، طبقات الشافعية لابن
قاضي شهبة: 1 / 323، النجوم الزاهرة: 5 / 206، أسماء الرجال لابن هداية الله:
64 / 2، طبقات ابن هداية الله: 72، كشف الظنون: 401، 690، 1025، شذرات
الذهب: 4 / 16 - 17، هدية العارفين: 2 / 81.
(1) نسبة إلى الشاش، وهي مدينة إسلامية جليلة من عمل سمرقند وراء نهر سيحون
متاخمة لبلاد الترك، ولها عمل وقرى، وهي في أرض سهلة مستوية لا جبل فيها، ولا أرض
مرتفعة، وبساتينها ومتنزهاتها كثيرة، وهي اليوم ضمن نفوذ الاتحاد السوفييتي.
(2) هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر المعروف بابن
الصباغ المتوفي سنة 477 ه‍، مترجم في الثامن عشر رقم (238) وكتابه الشامل يقول فيه ابن
خلكان: 3 / 217: هو من أجود كتب أصحابنا، وأصحها نقلا، وأثبتها أدلة.
393

وانتهت إليه رياسة المذهب، وتخرج به الأصحاب ببغداد، وصنف.
وكتابه " الحلية " (1) فيه اختلاف العلماء، وهو الكتاب الملقب
بالمستظهري، لأنه صنفه للخليفة المستظهر بالله (2)، وولي تدريس النظامية
بعد الغزالي (3)، وصرف، ثم وليها بعد إلكيا الهراسي سنة أربع وخمس
مئة، ودرس أيضا بمدرسة تاج الملك وزير السلطان ملكشاه.
حدث عنه: أبو المعمر الازجي، وعلي بن أحمد اليزدي، وأبو بكر
ابن النقور، وأبو طاهر السلفي، وفخر النساء شهدة.
مات في شوال سنة سبع وخمس مئة، ودفن إلى جنب شيخه أبي
إسحاق الشيرازي، وقيل: دفن معه.
وقع لي من حديثه.
قال أبو القاسم يوسف الزنجاني: كان أبو بكر الشاشي يتفقه معنا،
وكان يسمى الجنيد لدينه وورعه وزهده، رحمه الله تعالى.

(1) نشرت منه مؤسسة الرسالة، ودار الأرقم قسم العبادات سنة 1980 وذل في ثلاثة
أجزاء لطيفة، بتحقيق د. ياسين درادكة، بعنوان " حلية العلماء في معرفة مذاهب
الفقهاء ".
(2) هو أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن الأمير محمد العباسي
المتوفى سنة 512 ه‍. وسترد ترجمته عند المؤلف برقم (237).
(3) قال ابن خلكان: 4 / 220: وحكى لي بعض المشايخ من علماء المذهب أنه يوم
ذكر الدرس، وضع منديله على عينيه، وبكى كثيرا وهو جالس على السدة التي جرت عادة
المدرسين بالجلوس عليها، وكان ينشد:
خلت الديار فسدت غير مسود * ومن البلاء تفردي بالسؤدد
وجعل يردد هذا البيت ويبكي، وهذا إنصاف منه، واعتراف لمن تقدمه بالفضل
والرجحان عليه، قلت: الذين تولوا تدريس النظامية قبل أبي بكر الشاشي الشيخ أبو إسحاق
الشيرازي، وأبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل، وأبو سعد المتولي صاحب تتمة الإبانة،
وأبو حامد الغزالي.
394

235 - ابن منده *
الشيخ الامام، الحافظ المحدث، أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو عبد
الوهاب بن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن الحافظ محمد بن
يحيى بن منده العبادي الأصبهاني.
ولد في شوال سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
وبكر به والده، فسمعه الكثير من أبي بكر بن ريذه، وأبي طاهر بن عبد
الرحيم، وأحمد بن محمد الفضاض. وطلب هذا الشأن، فسمع من أحمد
ابن محمود الثقفي، ومحمد بن علي الجصاص، وإبراهيم بن منصور سبط
بحرويه، وأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وأبي بكر البيهقي
الحافظ، وخلق كثير، وأكثر عن أبيه، وعمه أبي القاسم، وأجاز له من
بغداد أبو طالب بن غيلان، وطائفة، وأملى، وصنف، وجمع.
روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وعلي بن أبي
تراب، وأبو طاهر السلفي، وعبد الحق اليوسفي، وأبو محمد بن الخشاب
النحوي، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، وأبو موسى المديني، وخلق.
قال السمعاني: شيخ جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، ثقة

* التحبير: 2 / 378 - 382، المنتظم: 9 / 204، منتخب السياق: الورقة:
43 أ، التقييد: الورقة: 223 أ - 223 ب، الكامل لابن الأثير: 10 / 546، وفيات
الأعيان: 6 / 168 - 171، العبر: 4 / 25 - 26، تذكرة الحفاظ: 4 / 1250 - 1252،
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 256 - 257، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 343 - 344،
مرآة الجنان: 3 / 202 - 203، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 127 - 137، غاية النهاية:
2 / 374، النجوم الزاهرة: 5 / 214، طبقات الحفاظ: 454، كشف الظنون: 282،
1464، شذرات الذهب: 4 / 32، هدية العارفين: 2 / 520.
395

حافظ، مكثر صدوق، كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد من التكلف،
أوحد بيته في عصره، أجاز لي (1). وسألت إسماعيل الحافظ عنه، فأثنى
عليه، ووصفه بالحفظ والمعرفة والدراية، وسمعت محمد بن أبي نصر
اللفتواني الحافظ يقول: بيت بني منده بدئ بيحيى، وختم بيحيى (2).
مات في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وخمس مئة (3).
236 - المستظهر بالله *
الامام، أمير المؤمنين، أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبي
القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر
الهاشمي العباسي البغدادي.
مولده في شوال سنة سبعين وأربع مئة، واستخلف عند وفاة أبيه في
تاسع عشر المحرم، وله ست عشرة سنة وثلاثة أشهر، وذلك في سنة سبع
وثمانين.

(1) التحبير: 2 / 379.
(2) قال السمعاني فيما نقله ابن رجب في " الذيل ": 1 / 128: يريد في معرفة
الحديث والفضل والعلم، وتحرف " اللفتواني " في " تذكرة الحفاظ ": 1251 و " طبقات
الحفاظ ": 425 إلى " الفتواني ".
(3) كذا نقله ابن النجار عن أبي موسى الحافظ، وذكر ابن السمعاني عن بعض
الأصبهانيين أنه توفي في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وخمس مئة بأصبهان، وتابعه على ذلك
ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 544. * المنتظم: 9 / 200، الكامل لابن الأثير: 10 / 534 - 536، النبراس: 145،
تاريخ الاسلام: 4 / 205 / 1 - 205 / 2، دول الاسلام: 2 / 39، العبر: 4 / 26، تتمة
المختصر: 2 / 40 - 41، مرآة الزمان: 8 / 45، البداية: 12 / 182، النجوم الزاهرة:
5 / 215 - 216، تاريخ الخلفاء: 426 - 431، تاريخ خميس: 2 / 360، شذرات
الذهب: 4 / 33، معجم الأسرات: 4 و 9.
396

قال ابن النجار: كان موصوفا بالسخاء والجود، ومحبة العلماء
وأهل الدين، والتفقد للمساكين، مع الفضل والنبل والبلاغة، وعلو
الهمة، وحسن السيرة، وكان رضي الافعال، سديد الأقوال.
وحكى أبو طالب بن عبد السميع عن أبيه أن المستظهر بالله طلب من
يصلي به، ويلقن أولاده، وأن يكون ضريرا، فوقع اختياره على القاضي أبي
الحسن المبارك بن محمد بن الدواس مقرئ واسط قبل القلانسي، فكان
مكرما له، حتى إنه من كثرة إعجابه به كان أول رمضان قد شرع في
التراويح، فقرأ في الركعتين الأوليين آية آية، فلما سلم، قال له المستظهر:
زدنا من التلاوة، فتلا آيتين آيتين، فقال له: زدنا، فلم يزل حتى كان يقوم
كل ليلة بجزء، وإنه ليلة عطش، فناوله الخليفة الكوز، فقال خادم: ادع
لأمير المؤمنين، فإنه شرفك بمناولته إياك، فقال: جزى العمى عني خيرا،
ثم نهض إلى الصلاة، ولم يزد على ذلك.
وقال السلفي: قال لي أبو الخطاب ابن الجراح: صليت بالمستظهر
في رمضان، فقرأت: * (إن ابنك سرق) * (1) [يوسف: 81]، رواية
رويناها عن الكسائي، فلما سلمت، قال: هذه قراءة حسنة، فيه تنزيه أولاد
الأنبياء عن الكذب.
قلت: كيف بقولهم: * (فأكله الذئب) *، * (وجاؤوا على قميصه
بدم كذب) *؟!
قال ابن الجوزي: حدثني محمد بن شاتيل المقرئ، حدثني أبو

(1) بتشديد الراء مبنيا للمفعول أي: نسب للسرقة، وهي قراءة ابن عباس وأبي
رزين، والكسائي، قال الفراء في " معاني القرآن " 2 / 53: ويقرأ " سرق " ولا أشتهيها لأنها
شاذة.
397

سعد بن أبي عمامة قال: كنت ليلة جالسا في بيتي، وقد نام الناس، فدق
الباب، فإذا بفراش وخادم معه شمعة، فقال: بسم الله، فأدخلت على
المستظهر، وعليه أثر غم، فأخذت في الحكايات والمواعظ وتصغير الدنيا،
وهو لا يتغير، وأخذت في حكايات الكرام وغير ذلك، فقلت: هذا لا ينام،
ولا يدعني أنام، فقلت: يا أمير المؤمنين، لي مسألة، قال: قل، قلت:
ولا تكتمني؟ قال: لا، قلت: بالله حل عليك نقدة للبائع، أو انكسر
زورقك، أو وقعوا على قافلة لك، وضاق وقتك؟ عندي طبق خلاف أنا أقرضه
لك، وتبقى بارزيا في الدروب وما يخلي الله من رزق، فهذا هم عظيم، وقد
مرستني الليلة. فضحك حتى استلقى، وقال: قم، فعل الله بك وصنع،
فقمت، وتبعني الخادم بدنانير وتخت ثياب.
قيل: إن ابن مقلد العواد غنى المستظهر، فسر، فأعطاه مئتي دينار،
وقطعة كافور زنة ثلاثة أرطال مقمعة بذهب.
قال أبو طالب بن عبد السميع: كان من ألفاظ المستظهر:
خير ذخائر المرء لدنياه ذكر جميل، ولآخرته ثواب جزيل.
شح المرء بفلسه من دناءة نفسه.
الصبر على الشدائد ينتج الفوائد.
أدب السائل أنفع من الوسائل.
بضاعة العاقل لا تخسر، وربحها يظهر في المحشر.
وله نظم حسن.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: توفي المستظهر بالله سحر ليلة
398

الخميس سادس (1) عشرين ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وخمس مئة،
ومرض ثلاثة عشر يوما من تراقي (2) ظهر به، وبلغ إحدى وأربعين سنة وستة
أيام، وكان لين الجانب، كريم الخلائق، مشكور المساعي، إذا سئل
مكرمة، أجاب إليها، وإذا ذكر بمثوبة تشوف نحوها.
وقيل: إنه أنشد قبل موته بقليل، وبكى:
يا كوكبا ما كان أقصر عمره * وكذاك عمر كواكب الأسحار (3)
وفي أول خلافته (4)، جهز السلطان بركياروق بن ملكشاه جيشا مع
قسيم الدولة جد نور الدين وبوزبان، فالتقاهم تاج الدولة تتش بظاهر حلب،
فأسر قسيم الدولة، وذبحه تتش، وأخذ حلب بعد حصار، وذبح بوزبان،

(1) وكذا أرخ وفاته ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 435، وجاء في هامش الأصل ما
نصه: " ثالث " خ.
(2) في " مرآة الزمان ": وهو دمل يطلع في الحلق، وفي " الشذرات ": 4 / 33:
توفي بالخوانيق.
(3) البيت لأبي الحسن علي بن محمد التهامي المقتول 416 ه‍ من قصيدة غاية في
الجودة يرثي بها ولده، ومطلعها:
حكم المنية في البرية جار * ما هذه الدنيا بدار قرار
إني وترت بصارم ذي رونق * أعددته لطلابة الأوتار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره * وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر * بدرا ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه * فمحاه قبل مظنة الإبدار
واستل من أترابه ولداته * كالمقلة استلت من الأشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه * في طيه سر من الاسرار
أشكو بعادك لي وأنت بموضع * لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة * من بعد تلك الخمسة الأشبار
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري
(4) انظر " الكامل ": 10 / 232، 234، 239، 243، 262، 263، 264،
265، 268.
399

وسجن كربوقا، وسار، فتملك الجزيرة، ثم خلاط (1)، ثم أذربيجان
كلها، واستفحل أمره، وكبس عسكره بركياروق، فانهزم، وراحت
خزائنه، وذهب إلى أصبهان، ففتحوا له خديعة، فأمسكوه، فمات أخوه
صاحب أصبهان محمود، وله سبع سنين بالجدري، فملكوا بركياروق،
ووزر له المؤيد بن نظام الملك، وجمع وحشد، ومات صاحب مصر
المستنصر، وأمير الجيوش بدر، ووالي مكة محمد بن أبي هاشم الذي نهب
الوفد، ثم التقى بركياروق وعمه تتش، فقتل في المعركة تتش، وتملك
بعده دمشق ابنه دقاق شمس الملوك، وقتل صاحب سمرقند أحمد خان،
وكان قد حسنوا له الإباحة، وتزندق، فقبض عليه الامراء، وشهدوا عليه،
فأفتى العلماء بقتله، وملكوا ابن عمه.
وقتل سنة تسعين صاحب مرو أرغون أخو السلطان ملكشاه، وكان
ظلوما جبارا، قتله مملوك له، وكان حاكما على نيسابور، وبلخ أيضا، تمرد
وخرب أسوار بلاده.
وعصى نائب العبيدية بصور، فجاء عسكر، وحاصروها وافتتحوها،
وقتلوا بها خلقا، منهم نائبها.
وجهز السلطان بركياروق جيشا مع أخيه سنجر، فبلغهم قتل أرغون،
فلحقهم السلطان، فتملك جميع خراسان، وخطب له بسمرقند، ودانت له
الأمم، فاستناب أخاه سنجر بخراسان، وكان حدثا، وأمر بركياروق على
خوارزم محمد بن نوشتكين مولى السلجوقية، وكان فاضلا أديبا عادلا، ثم
قام بعده ولده خوارزم شاه أتسز والد خوارزم شاه علاء الدين.

(1) خلاط: بلدة عامرة مشهورة، وهي قصبة أرمينية الوسطى.
400

وفي سنة تسع كان أول ظهور الفرنج بالشام قدموا في بحر القسطنطينية
في جمع كثير، وانزعجت الملوك، وعظم الخطب، لا سيما ابن قتلمش
صاحب الروم، فالتقاهم، فطحنوه.
وأما ابن الأثير (1)، فقال: ابتداء دولتهم في سنة (478)، فأخذوا
طليطلة وغيرها، ثم صقلية، وأخذوا بعض أفريقية، وجمع ملكهم بغدوين
جمعا، وبعث يقول لرجار صاحب صقلية: أنا واصل إليك لنفتح أفريقية،
فبعث يقول: الأولى فتح القدس، فقصدوا الشام.
وقيل: إن صاحب مصر لما رأى قوة آل سلجوق واستيلاءهم على
الممالك، كاتب الفرنج، فمروا بسيس، ونازلوا أنطاكية، فخاف صاحبها
ياغي بسان (2)، فأخرج النصارى إلى الخندق وحبسهم به، فدام حصارها
تسعة أشهر، وفني الفرنج قتلا وموتا، ثم إنهم عاملوا الزراد المقدم، وبذلوا
له مالا، فكاشر لهم عن بدنه (3)، ففتحوا شباكا، وطلعوا منه خمس مئة في
الليل، ففتح ياغي بسان، وهرب، واستبيح البلد - فإنا لله - في سنة
إحدى وتسعين، وسقطت قوة ياغي بسان أسفا، وانهزم غلمانه، فذبحه
حطاب أرمني (4). ثم أخذوا المعرة، فقتلوا وسبوا، وتجمعت عساكر
الموصل وغيرها، فالتقوا، فانهزم المسلمون، واستشهد ألوف،

(1) 10 / 142.
(2) في " الكامل ": 10 / 274: باغي سيان.
(3) في كامل ابن الأثير: 10 / 274: فلما طال مقام الفرنج على أنطاكية، راسلوا
أحد المستحفظين للأبراج، وهو زراد يعرف بروزبه، وبذلوا له مالا وأقطاعا، وكان يتولى
حفظ برج يلي الوادي، وهو مبني على شباك في الوادي، فلما تقرر الامر بينهم وبين هذا
الملعون الزراد، جاؤوا إلى الشباك ففتحوه.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 272 - 275 لابن الأثير.
401

وصالحهم صاحب حمص، وأقبل ابن أمير الجيوش، فأخذ القدس من ابن
أرتق، وانتشرت الباطنية بأصبهان، وتمت حروب مزعجة بين ملوك العجم،
وأخذت الفرنج بيت المقدس، نصبوا عليه أربعين منجنيقا، وهدوا سوره،
وجدوا في الحصار شهرا ونصفا، ثم ملكوه من شماليه قي شعبان سنة اثنتين
وتسعين، وقتلوا به نحوا من سبعين ألفا (1).
قال يوسف بن الجوزي والعهدة عليه: سارت الفرنج، ومقدمهم
كندفري (2) في ألف ألف، منهم خمس مئة ألف مقاتل، وعملوا برجا من
خشب ألصقوه بالسور، حكموا به على البلد، وسار الأفضل أمير الجيوش،
من مصر في عشرين ألفا نجدة، فقدم عسقلان وقد استبيحت القدس، ثم
كبست الفرنج المصريين، فهزموهم، وانحاز الأفضل إلى عسقلان، وتمزق
جيشه، وحوصر، فبذل لهم أموالا، فترحلوا عنه (3).
وتملك محمد بن ملكشاه، فهزم أخاه بركياروق، ثم حارب عسكر
الموصل، وجرت عجائب، ثم فر بركياروق إلى خراسان، وعسف، وعمل
مصافا مع أخيه سنجر، فانهزم كل منهما، ثم سار بركياروق على جرجان
طالبا أصبهان (4).
والتقى ابن الدانشهد (5) جيش الفرنج فنقل ابن الأثير أنهم كانوا ثلاث

(1) انظر " الكامل ": 10 / 282 - 286.
(2) في الأصل: كندهري، وما أثبتناه من " الكامل " وسيرد كذلك في الأصل قريبا.
(3) انظر " الكامل ": 10 / 286.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 294 - 298.
(5) في " الكامل ": 10 / 300: ابن الدانشمند: وفيه: وإنما قيل له الدانشمند لان
أباه كان معلما للتركمان، وتقلبت به الأحوال حتى ملك، وهو صاحب ملطية وسيواس
وغيرهما.
402

مئة ألف، فلم يفلت أحد منهم سوى ثلاثة آلاف.
وكانت وقعة بين المصريين والفرنج (1) على عسقلان، فقتل مقدم
المصريين سعد الدولة، ولكن انتصر المسلمون.
قال ابن الأثير: فيقال: قتل من الفرنج ثلاث مئة الف.
قلت: هذه مجازفة عظيمة.
والتقى السلطان محمد بن ملكشاه وأخوه بركياروق مرات، وغلت
الأقطار بالباطنية، وطاغوتهم الحسن بن الصباح المروزي الكاتب، كان
داعية لبني عبيد، وتعانوا شغل السكين، وقتلوا غيلة عدة من العلماء
والامراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضا
بالشام، والتف عليهم كل شيطان ومارق، وكل ماكر ومتحيل.
قال الغزالي في " سر العالمين ": شاهدت قصة الحسن بن الصباح
لما تزهد تحت حصن الألموت، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده، ويتمنع
ويقول: أما ترون المنكر كيف فشا، وفسد الناس، فصبا إليه خلق، وذهب
أمير الحصن يتصيد، فوثب على الحصن فتملكه، وبعث إلى الأمير من
قتله، وكثرت قلاعهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافهم.
ولابن الباقلاني، والغزالي، وعبد الجبار المعتزلي كتب في فضائح
هؤلاء (2).
قال ابن الأثير: وفي سنة (494) أمر السلطان بركياروق بقتل

(1) انظر " الكامل ": 10 / 286 و 364 و 394.
(2) وانظر أيضا " المنتظم ": 5 / 110 - 119 لابن الجوزي.
403

الباطنية، وهم الإسماعيلية، وهم [الذين كانوا قديما يسمون] القرامطة (1).
قال: وتجرد بأصبهان للانتقام منهم الخجندي (2)، وجمع الجم
الغفير بالأسلحة، وأمر بحفر أخاديد أوقدت فيها النيران، وجعلوا يأتون
بهم، ويلقونهم في النار، إلى أن قتلوا منهم خلقا كثيرا.
قال: وكان ابن صباح شهما، عالما بالهندسة والنجوم والسحر، من
تلامذة ابن غطاش الطبيب الذي تملك قلعة أصبهان، وممن دخل بمصر على
المستنصر، فأعطاه مالا، وأمره بالدعوة لابنه نزار، وهو الذي بعث من قتل
نظام الملك، وقد قتل صاحب كرمان أربعة آلاف لكونهم سنة، وا \ سمه
تيرانشاه السلجوقي، حسن له رأي الباطنية أبو زرعة الكاتب، فانسلخ من
الدين، وقتل أحمد بن الحسين البلخي شيخ الحنفية، فقام عليه جنده
وحاربوه، فذل، وتبعه عسكر، فقتلوه، وقتلوا أبا زرعة، وصارت الامراء
يلازمون لبس الدروع تحت الثياب خوفا من فتك هؤلاء الملاحدة، وركب
السلطان بركياروق في تطلبهم، ودوخهم، حتى قتل جماعة برآء، سعى بهم
الأعداء، ودخل في ذلك أهل عانة، واتهم إلكيا الهراسي بأنه منهم،
وحاشاه، فأمر السلطان محمد بن ملكشاه بأن يؤخذ، حتى شهدوا له
بالخير، فأطلق (3).
وفيها كسر دقاق صاحب دمشق الفرنج، وحاصر صاحب القدس
كندفري عكا، فقتل بسهم، وتملك أخوه بغدوين، وأخذت الفرنج سروج

(1) الكامل 10 / 313، والزيادة منه.
(2) هو أبو القاسم مسعود بن محمد الخجندي الفقيه الشافعي. انظر " الكامل ":
10 / 315.
(3) انظر " الكامل ": 10 / 313 - 323 لابن الأثير، والمنتظم: 9 / 120، 123.
404

بالسيف، وأرسوف وحيفا بالأمان، وقيسارية عنوة (1).
وفي سنة (495) مات المستعلي صاحب مصر، وولي الآمر،
وكانت حروب بين الأخوين بركياروق ومحمد، بلاء وحاصر، ونازلت
الفرنج طرابلس، فسار للكشف عنها جند دمشق وحمص، فانكسروا، ثم
التقى العسكر، وبغدوين، فهزموه، وقل من نجا من أبطاله، وظفر ثلاثة من
الباطنية على جناح الدولة صاحب حمص، فقتلوه في الجامع، فنازلتها
الفرنج، فصولحوا على مال، وتسلمها شمس الملوك، وقتلت الباطنية
الأعز، وزير بركيا روق، ومات كربوقا صاحب الموصل بخوي، وقد
استولى على أكثر أذربيجان.
وخطب سنجر بخراسان لأخيه محمد، وحارب قدرخان صاحب ما
وراء النهر، فأسره سنجر وقتله، وملك ابن بغراجان سمرقند، ونازل
المسلمون بلنسية، واسترجعوها من الفرنج بعد أن تملكوها ثمانية أعوام، ثم
راحت من المسلمين في سنة (636) (2).
وفي سنة ست وتسعين سار شمس الملوك، فحاصر الرحبة،
وأخذها، وجاء عسكر مصر، فالتقوا الفرنج بيافا، وخذلت الفرنج،
وتصالح بركياروق وأخوه، وملوا من الحرب، وتحالفوا، وطال حصار
الفرنج لطرابلس، وأخذوا جبيل، وأخذوا عكا، ونازلوا حران، فجاء
العسكر، ووقع المصاف، ونزل النصر، وأبيدت الملاعين، وبلغت

(1) انظر " الكامل ": 10 / 324، 325، وسروج بلدة قريبة من حران من بلاد
الجزيرة، وأرسوف: مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا.
(2) انظر " الكامل لابن الأثير ": 10 / 328 - 344.
405

قتلاهم أثني عشر ألفا (1)، ومات شمس الملوك دقاق، وتملك ولده
بدمشق، وأتابكه طغتكين (2).
وفي سنة ثمان وتسعين مات بركياروق، وسلطنوا ابنه ملكشاه [وهو]
صبيي (3)، والتقى المسلمون والفرنج، فأصيب المسلمون، ثم قدم عسكر
مصر، وانضم إليهم عسكر دمشق، فكان المصاف مع بغدوين عند
عسقلان، وثبت الفريقان، وقتل من الفرنج فوق الألف، ومن المسلمين
مثلهم، ثم تحاجزوا، وفيها تمكن السلطان محمد وبسط العدل.
وفي سنة (496) كبس الأتابك طغتكين الفرنج بالأردن، فقتل
وأسر، وزينت دمشق، وأخذ من الفرنج حصنين (4).
واستولت الإسماعيلية على فامية، وقتلوا صاحبها ابن ملاعب، وكان
جبارا يقطع الطريق (5).
وفي سنة خمس مئة مات صاحب المغرب والأندلس يوسف بن
تاشفين، وتملك بعده ابنه علي، وكان يخطب لبني العباس، وجاءته خلع
السلطنة والألوية، وكان أنشأ مراكش (6).
وقتل واحد من الإسماعيلية فخر الملك بن نظام الملك، وزر
لبركياروق، ثم لسنجر (7).

(1) الكامل لابن الأثير: 10 / 373 - 375.
(2) الكامل لابن الأثير: 10 / 375 - 376.
(3) في الكامل لابن الأثير: 10 / 380: وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر.
(4) الكامل: 10 / 399 - 400.
(5) الكامل لابن الأثير: 10 / 408 - 410.
(6) في حدود سنة 470 ه‍، وانظر " الكامل ": 10 / 417، 418.
(7) الكامل في التاريخ: 10 / 418.
406

وقبض محمد على وزيره سعد الملك، وصلبه بأصبهان، واستوزر
أحمد بن نظام الملك.
وقتل مقدم الإسماعيلية بقلعة أصبهان أحمد بن غطاش، قال ابن
الأثير: قتل أتباعه خلقا لا يمكن إحصاؤهم... إلى أن قال: وخرب
السلطان محمد القلعة، وكان أبوه ملكشاه أنشأها على جبل، يقال: غرم عليها
ألفي ألف دينار وزيادة، فتحيل ابن غطاش حتى تملكها، وبقي بها اثنتي
عشرة سنة (1).
وعزل المستظهر وزيره أبا القاسم بن جهير، ووزر هبة الله بن
المطلب (2).
وغرق ملك قونية قلج رسلان بن سليمان بن قتلمش السلجوقي (3).
وفي سنة إحدى وخمس مئة مات صاحب الحلة سيف الدولة صدقة بن
منصور بن دبيس الأسدي ملك العرب الذي أنشأ الحلة على الرفض، قتل
في وقعة بينه وبين السلطان محمد بن ملكشاه (4).
وفيها سار طغتكين في جند دمشق، فهزم الفرنج، وأسر صاحب طبرية
جرماس، وحاصر بغدوين الكلب صور، وبنى بإزائها حصنا، ثم بذل له

(1) الكامل في التاريخ: 10 / 430 - 434.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 438.
(3) الكامل في التاريخ: 10 / 428 - 430، وفيه: فلما رأى قلج أرسلان انهزام
عسكره، علم أنه إن أسر فعل به فعل من لم يترك للصلح موضعا، لا سيما وقد نازع
السلطان في بلاده، واسم السلطنة، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه من أصحاب
جاولي بالنشاب، فانحدر به الفرس إلى ماء عميق فغرق.
(4) انظر التفصيل في " الكامل ": 10 / 440 - 449 لابن الأثير.
407

أهلها سبعة آلاف دينار، فترحل عنهم (1).
وفي سنة اثنتين سار طغتكين في ألفين، فالتقى الفرنج، فانهزم
جمعه، وثبت هو، ثم تراجعوا إليه، ونصروا، وأسروا قومصا، بذل في
نفسه جملة، فأبى طغتكين وذبحه، ثم هادن بغدوين أربعة أعوام (2).
وفيها تزوج المستظهر بأخت السلطان محمد على مئة ألف دينار (3).
وفيها أخذت الإسماعيلية شيزر بحيلة، فرجع صاحبها من موكبه،
فوجد بلده قد راح منه، فيعمد نساؤه من القلة فدلوا حبالا، واستقوه
وأجناده، فوقع القتل، واستحر القتل بالملاحدة، وكانوا مئة، قد خدم
أكثرهم حلاجين في شيزر، فما نجا منهم أحد، وقتل من الأجناد عدة (4).
وفي سنة ثلاث أخذت طرابلس في آخر السنة بعد حصار ست سنين
أخذوها بأبراج خشب صنعت وألصقت بسورها، وأخذوا بانياس، وجبيل
بالأمان، ثم طرسوس، وحصن الأكراد (5).
وفي سنة خمس تناحب (6) عساكر العراق والجزيرة، وأقبلوا لغزو
الفرنج، وعدوا الفرات، فقل ما نفعوا، ثم رجعوا والأعداء تجول في
الشام (7).

(1) انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 455.
(2) انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 467.
(3) الكامل: 10 / 471.
(4) الكامل: 10 / 472.
(5) الكامل: 10 / 475 - 477.
(6) يقال: تناحب القوم: إذا تواعدوا للقتال أي وقت.
(7) الكامل: 10 / 485 - 488.
408

وتمت بالأندلس غزوة كبرى - نصر الله -، وانحطمت الفرنج، وقتل
ابن ملكهم (1).
وفي سنة ست مات بسيل ملك الأرمن، فسار صاحب أنطاكية تنكري
ليتملك سيس، فمرض، ومات (2).
ومات قراجا صاحب حمص، فتملك ابنه خيرخان (3).
وفي أول سنة سبع أقبل عسكر الجزيرة نجدة لطغتكين، فالتقوا
الفرنج بالأردن، وصبر الفريقان، ثم استحر القتل بالفرنج، وأسر طاغيتهم
بغدوين، لكن أساء الذي أسره، فشلحه، وأطلقه جريحا، ثم تراجع
العدو، وجائتهم نجدة، فعملوا المصاف من الغد، وحمي القتال، وطاب
الموت، وتحصن الكلاب بجبل، فرابط الجيش بإزائهم يترامون بالنشاب
ويقتتلون، فدام ذلك كذلك ستة وعشرين صباحا حتى عدمت الأقوات،
وتحاجز الجمعان (4).
وفيها وثب باطني بجامع دمشق على صاحب الموصل مودود بن

(1) الكامل: 10 / 490 - 491 ونصه: وفي هذه السنة خرج أذفونش الفرنجي،
صاحب طليطلة بالأندلس إلى بلاد الاسلام بها، يطلب ملكها والاستيلاء عليها، وجمع
فحشد فأكثر، وكان قوي طمعه فيها بسبب موت أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فسمع
أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الخبر، فسار إليه في عساكره وجموعه فلقيه،
فاقتتلوا، واشتد القتال، وكان الظفر للمسلمين، وانهزم الفرنج، وقتلوا قتلا ذريعا، وأسر
منهم بشر كثير، وسبى منهم، وغنم من أموالهم ما يخرج من الاحصاء: فخافه الفرنج بعد
ذلك، وامتنعوا من قصد بلاده، وذل أذفونش حينئذ وعلم أن في البلاد حاميا لها، وذابا
عنها.
(2) الكامل: 10 / 493.
(3) الكامل: 10 / 493.
(4) الكامل: 10 / 495، 496.
409

ألتونتكين فقتله، وهو قد صلى الجمعة مع طغتكين، وأحرق الباطني (1).
قال ابن القلانسي في " تاريخه " (2): قام هو وطغتكين حولهما الترك
والاحداث بأنواع السلاح من الصوارم والصمصامات والخناجر المجردة،
كالأجمة المشتبكة، فوثب رجل لا يؤبه له، ودعا لمودود، وشحذ منه،
وقبض بند قبائه، وضربه تحت سرته ضربتين، والسيوف تنزل عليه، ودفن
بخانقاه الطواويس، ثم نقل، وكان بطبرية مصحف أرسله عثمان رضي الله
عنه إليها، فنقله طغتكين إلى جامع دمشق.
وفيها تملك حلب أرسلان بن رضوان السلجوقي بعد أبيه، وقتل
أخويه، ورأس الإسماعيلية أبا طاهر الصائغ، وعدة منهم (3).
وفي سنة ثمان وخمس مئة هلك بغدوين من جرحه (4).
وقتلت الباطنية صاحب مراغة أحمديل (5).
وتخنزرت الفرنج في سنة تسع، وعاثوا بالشام، وأخذوا رفنية (6)،
فساق طغتكين، واستنقذها، وكان قد عصى على السلطان، وحارب بعض
عسكره، فندم، وسار بنفسه إلى العراق بتحف سنية، فرأى من الاحترام

(1) الكامل: 10 / 496، 497.
(2) ص 298.
(3) الكامل: 10 / 499.
(4) الذي في " الكامل ": 10 / 543 أنه هلك سنة 511.
(5) الصواب سنة (510) كما تقدم في ترجمته (223)، وكما في " الكامل ":
10 / 516.
(6) ضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه، وكسر النون، وتشديد الياء المنقوطة من تحت
باثنتين، وقال: كورة ومدينة من أعمال حمص، يقال لها: رفنية تدمر، وقال قوم: رفنية
بلدة عند طرابلس من سواحل الشام، وانظر " الكامل ": 10 / 512.
410

فوق آماله، وكتبوا له تقليدا بإمرة الشام كله.
وفي سنة عشر قدم البرسقي صاحب الموصل إلى الشام غازيا، وسار
معه طغتكين، فكبسوا الفرنج، ونزل النصر، فقتل ألوف من الفرنج،
واستحكمت المودة بين البرسقي وبين صاحب دمشق.
وفي سنة إحدى عشرة كبست الفرنج حماة، وقتلوا مئة وعشرين
رجلا (1)، وبدعوا، وجاء سيل هدم سور سنجار، وغرق خلائق، وأخذ
باب المدينة، ثم ظهر تحت الرمل بعد سنين على مسيرة بريد، وسلم مولود
في سريره عام به، وتعلق في زيتونة.
فيها تسلطن السلطان محمود بعد أبيه محمد، وأنفقت خزائن أبيه في
العساكر، فقيل: كانت أحد عشر ألف ألف دينار (2).
وتوفي المستظهر بالله عن سبعة بنين، وصلى عليه ابنه المسترشد
بالله (3).

(1) الكامل في التاريخ: 10 / 532.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 525.
(3) وصفه ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 535 بلين الجانب، وكرم الأخلاق، وحب
اصطناع الناس، وفعل الخير، والمسارعة إلى أعمال البر والمثوبات، وأنه لا يرد مكرمة
تطلب منه، وأنه كثير الوثوق بمن يوليه لا يصغي إلى سعاية ساع، ولا يلتفت إلى قوله، وما
عهد عليه تلون وانحلال عزم بأقوال أصحاب الأغراض، وقال: كانت أيامه أيام سرور
للرعية، فكأنها من حسنها أعياد، وكان إذا بلغه ذلك فرح به وسره، وإذا تعرض سلطان، أو
نائب له لاذى أحد، بالغ في إنكار ذلك والزجر عنه، وذكر له من شعره قوله:
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا * لما مددت إلى رسم الوداع يدا
وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد * أرى طرائق في مهوى الهوى قددا
قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به * من بعد ما قد وفى دهري بما وعدا
إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي * من بعد هذا فلا عاينته أبدا
411

وبعده ماتت جدته لأبيه أرجوان (1) الأرمنية، وقد رأت ابنها خليفة،
وابن ابنها، وابن ابن ابنها، وما اتفق هذا لسواها.
237 - أبو القاسم الأنصاري *
إمام المتكلمين، سيف النظر، سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري
الصوفي الشافعي، تلميذ إمام الحرمين.
روى عن فضل الله الميهني، وعبد الغافر الفارسي، وكان يتوقد
ذكاء، له تصانيف وشهرة وزهد وتعبد، شرح كتاب " الارشاد " (2) وغير ذلك.
مات سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
238 - صاحب إفريقية * *
الملك أبو طاهر يحيى بن الملك تميم بن المعز بن باديس الحميري،

(1) في " المنتظم ": 9 / 200: أرجوان جارية الذخيرة أم المقتدي بأمر الله تدعى قرة
العين، كانت جارية أرمنية، وكان لها بر ومعروف، وحجت ثلاث حجج، أدركت خلافة
ابنها المقتدي، وخلافة ابنه المسترشد، ورأت للمسترشد ولدا. * السياق: الورقة: 72، تاريخ دمشق لابن عساكر: 7: 221 / 2 - 222 / 1،
12 / 179، ابن خلدون: 6 / 106، شذرات الذهب: 4 / 26. وفيه 512، الوافي بالوفيات:
م 13 / 107، مرآة الجنان: 3 / 203، طبقات السبكي: 7 / 96 - 99، طبقات الأسنوي:
1 / 64 - 65، طبقات المفسرين للسيوطي: 13، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 193 -
194، طبقات ابن هداية الله: 73، كشف الظنون: 1 / 68، 2 / 1212، شذرات الذهب:
4 / 34، تهذيب ابن عساكر: 6 / 213، 214.
(2) واسمه الكامل " الارشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد " تأليف شيخه أبي
المعالي الجويني إمام الحرمين، المتوفى سنة 478 ه‍، وقد تقدمت ترجمته برقم (240) في
الثامن عشر.
(* *) الكامل لابن الأثير: 10 / 512 - 513، وفيات الأعيان: 6 / 211 - 219،
البيان المغرب: 1 / 304، تاريخ الاسلام: 4 / 195 / 1 - 2، العبر: 4 / 19، تتمة
المختصر: 2 / 39، عيون التواريخ: 13 / 311 - 313، مرآة الجنان: 3 / 198، البداية:
12 / 179، ابن خلدون: 6 / 106، شذرات الذهب: 4 / 26.
412

قام في الملك بعد أبيه، وخلع على قواده وعدل، وافتتح حصونا ما قدر أبوه
عليها، وكان عالما، كثير المطالعة، جوادا ممدحا، مقربا للعلماء، وفيه
يقول أبو الصلت أمية الشاعر (1):
فارغب بنفسك إلا عن ندى ووغى * فالمجد أجمع بين البأس والجود
كذاب يحيى الذي أحيت مواهبه * ميت الرجاء بإنجاز المواعيد
معطي الصوارم والهيف النواعم والجرد * جرد الصلادم والبزل الجلاميد (2)
إذا بدا بسرير الملك محتبيا * رأيت يوسف في محراب داود (3)
مات يحيى يوم النحر فجأة، فكان موته وسط النهار سنة تسع وخمس
مئة، فكانت دولته ثماني سنين، وخلف لصلبه ثلاثين ابنا، فتملك منهم ابنه
علي، فقام ستة أعوام، ومات، فملكوا ولده الحسن بن علي صبيا مراهقا،

(1) هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي الداني المتوفى سنة 529 ه‍ سترد ترجمته
برقم (375) من هذا الجزء.
(2) الجرد: جمع أجرد، يقال: فرس أجرد: إذا كان قصير الشعر، وقد جرد وانجرد
وكذلك غيره من الحيوان، وذلك من علامات العتق والكرم، والصلادم: الشديد، والبزل:
جمع البازل وهو البعير الذي فطر نابه، أي انشق، وذلك حين يبلغ التاسعة أو الثامنة،
والجلاميد: الإبل القوية، وفي الوفيات: الجلاعيد.
(3) الأبيات في " الوفيات ": 6 / 214، وزاد الأبيات التالية:
من أسرة تخذوا الماذي لبسهم * واستوطنوا صهوات الضمر القود
محسدون على أن لا نظير لهم * وهل رأيت عظيما غير محسود
وإن تكن جمعتكم أسرة كرمت * فليس في كل عود نفحة العود
أقول للراكب المزجي مطيته * يطوي بها الأرض من بيد إلى بيد
لا تترك الماء عدا في مشارعه * وتطلب الري من صم الجلاميد
هذي موارد يحيى غير ناضبة * وذا الطريق إليها غير مسدود
حكم سيوفك فيما أنت طالبه * فللسيوف قضاء غير مردود
413

فامتدت أيامه، إلى أن أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف سنة إحدى
وأربعين، فهرب الحسن من المهدية (1) هو وأكثر أهلها، ثم أنضم إلى
السلطان بعد المؤمن.
وقد وقف ليحيى ثلاثة غرباء، وزعموا أنهم يعملون الكيمياء،
فأحضرهم ليتفرج وأخلاهم، وعنده قائد عسكره إبراهيم، والشريف أبو
الحسن، فسل أحدهم سكينا، وضرب الملك، فما صنع شيئا، ورفسه
الملك دحرجه، ودخل مجلسا وأغلقه، وقتل الآخر الشريف، وشد إبراهيم
بسيفه عليهم، ودخل المماليك، وقتلوا الثلاثة، وكانوا باطنية، أظن الآمر
العبيدي ندبهم لذلك.
239 - الدرزيجاني *
الامام، شيخ الاسلام، أبو الفضل جعفر بن الحسن، الفقيه
الحنبلي المقرئ، صاحب القاضي أبي يعلى.
سمع منه، ومن أبي علي بن البناء، ولقن خلقا كثيرا، وكان قوالا
بالحق، أمارا بالعرف، كبير الشأن، عظيم الهيبة.
أثنى عليه ابن النجار، وبالغ في تعظيمه، وذكر أنه كان يختم كل يوم
في ركعة واحدة، وأنه تفقه بأبي يعلى.

(1) المهدية: مدينة بساحل إفريقية بناها عبيد الله المهدي الخارج على بني الأغلب،
قال صاحب " الروض المعطار " ص: 562: وكان ابتداء بنيانها في سنة ثلاث مئة، وبينها
وبين القيروان ستون ميلا، وقد أحاط بها البحر من جهاتها الثلاث، وإنما يدخل إليها من الجانب
الغربي. * تاريخ الاسلام: 4 / 178 / 1، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 110، شذرات
الذهب: 4 / 15 - 16.
414

وقال أحمد الجيلي: جعفر ذو المقامات المشهورة، والمهيب بنور
الايمان واليقين لدى الملوك والمتصرفين.
مات في الصلاة ساجدا في ربيع الآخر، فدفن بداره بدرزيجان (1)،
رحمه الله، من سنة ست وخمس مئة.
240 - شمس الأئمة *
الامام العلامة، شيخ الحنفية، مفتي بخارى، شمس الأئمة أبو
الفضل بكر بن محمد بن علي بن الفضل الأنصاري الخزرجي، السلمي
الجابري، البخاري الزرنجري، وزرنجر: من قرى بخارى.
كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، قال لي الحافظ أبو العلاء
الفرضي: كان الامام على الاطلاق، والموفود إليه من الآفاق، رافق في أول
أمره برهان الأئمة الماضي عبد العزيز بن مازه، وتفقها معا على شمس الأئمة
محمد بن أبي سهل السرخسي.
مولده سنة سبع وعشرين وأربع مئة، وتفقه أيضا على شمس الأئمة عبد

(1) درزيجان، بفتح الدال، وسكون الراء، وكسر الزاي: قرية على ثلاثة فراسخ من
بغداد، قال السمعاني: وهي من مشاهير القرى، اجتزت بها منصرفي من البصرة. * الأنساب: 6 / 270 - 271، التحبير: 1 / 136 - 139، المنتظم: 9 / 200 -
201، معجم البلدان: 3 / 138، الكامل في التاريخ: 10 / 545، تاريخ الاسلام:
4 / 205 / 2 - 206 / 1، دول الاسلام: 2 / 39، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 350، مرآة
الزمان: 8 / 46، البداية: 12 / 183، الجواهر المضية 1 / 465 - 467، لسان الميزان:
2 / 58 - 59، النجوم الزاهرة: 5 / 216 - 217، كتائب أعلام الأخيار رقم: 284،
الطبقات السنية: رقم: 573، كشف الظنون: 1 / 164، شذرات الذهب: 4 / 33 -
35، الفوائد البهية: 56.
415

العزيز بن أحمد الحلوائي (1).
وسمع أباه، وعمر بن منصور بن خنب، والحافظ أبا مسعود أحمد بن
محمد البجلي، وميمون بن علي الميموني، وأبا سهل أحمد بن علي
الأبيوردي، فسمع منه الصحيح بسماعه من ابن حاجب الكشاني، وسمع
أيضا من إبراهيم بن علي الطبري، والحافظ يوسف بن منصور، ومحمد بن
سليمان الكاخستواني (2).
وتفرد، وعلا سنده (3)، وعظم قدره، حتى كان يقال له: أبو حنيفة
الأصغر، وكان يدري التاريخ والأنساب، سألوه مرة عن مسألة غريبة،
فقال: كررت عليها أربع مئة مرة (4).
حدث عنه: عمر بن محمد بن طاهر الفرغاني، وأبو جعفر أحمد بن

(1) بفتح الحاء وسكون اللام: نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها، وعبد العزيز هذا
تقدمت ترجمته برقم (94) في الثامن عشر.
(2) كذا الأصل: الكاخستواني بالسين المهملة، وفي " الأنساب " و " اللباب "،
و " معجم البلدان " الكاخشتواني بالشين المعجمة.
(3) في " التحبير ": 1 / 137: اشتغل بسماع الحديث في صغره، وسمع الحديث
الكثير، وتفرد بالرواية في وقته عن جماعة لم يحدث عنهم سواه، وأملى الكثير، وكتبوا
عنه...، كتب إلي الإجازة في سنة ثمان وخمس مئة حصلها لي أبو عبد الله محمد بن عبد
الواحد الدقاق الحافظ، روى لي عنه جماعة كبيرة بخراسان وما وراء النهر، وكانت عنده
كتب عالية ما وقعت إلينا إلا من روايته، قال صاحب " الجواهر المضية ": 1 / 172: فمن
جملتها " الجامع الصحيح " للبخاري بروايته عن أبي سهل الأبيوردي سنة 446 ه‍، وكتاب
" اللؤلؤيات " لأبي مطيع النسفي بروايته عن أبي القاسم الميموني، عن أبي بكر أحمد بن
محمد البخاري الإسماعيلي المصنف.
(4) في " المنتظم ": 9 / 200، و " مرآة الزمان ": 8 / 46: وسئل يوما عن مسألة،
فقال: كررت هذه المسألة ليلة في برج من حصن بخارى أربع مئة مرة، وفيهما أيضا: ومتى
طلب المتفقه منه الدرس ألقى عليه من أي موضع أراد من غير مطالعة، ولا مراجعة لكتاب،
وكان الفقهاء إذا أشكل عليهم شئ رجعوا إليه، وحكموا بقوله ونقله.
416

محمد الخلمي (1) البلخي، ومحمد بن يعقوب نزيل سرخس، وعبد الحليم
ابن محمد البخاري وعدة، وتفقه عليه ولده عمر، وشيخ الاسلام برهان
الدين علي بن أبي بكر الفرغاني وطائفة.
مات في تاسع عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وخمس مئة.
وتوفي ولده العلامة عماد الدين عمر في سنة أربع وثمانين وخمس مئة.
241 - القيرواني *
العلامة الأصولي، شيخ القراء، أبو عبد الله محمد بن عتيق بن محمد
ابن هبة الله بن مالك التميمي القيرواني، المعروف بابن أبي كدية.
درس الكلام بالقيروان على الحسين بن حاتم صاحب ابن الباقلاني.
وسمع من ابن عبد البر، ومن القاضي محمد بن سلامة القضاعي،
وتلا بالروايات على أبي العباس بن نفيس، وسمع ببغداد من عبدا لباقي بن
محمد العطار.
وحدث بصور، فسمع منه الفقيه نصر المقدسي، وروى عنه أبو عامر
العبدري، وعبد الحق اليوسفي، والسلفي، وآخرون، وتصدر لاقراء
الأصول، وكان متعصبا لمذهب الأشعري.
تلا عليه بالروايات أبو الكرم الشهرزوري.

(1) بضم الخاء وسكون اللام: نسبة إلى خلم: بلدة على عشرة فراسخ من بلخ. * طبقات القراء: 2 / 195 - 196، تاريخ الاسلام: 4 / 208 / 1 - 2، معرفة
القراء: 1 / 379، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 348 - 350، مرآة الزمان: 8 / 46 -
47، النجوم الزاهرة: 5 / 217.
417

قال ابن عقيل: هو شيخ هش، حسن العارضة، جاري العبارة،
حفظة متدين صلف، تذاكرنا، فرأيته مملوءا علما وحفظا (1).
قلت: توفي في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وخمس مئة عن نحو من
تسعين سنة.
وقال السلفي: كان مشارا إليه في الكلام، قال لي: أنا أدرس الكلام
من سنة ثلاث وأربعين، جرت بينه وبين الحنابلة فتن، وأوذي غاية الايذاء،
سألته عن مسألة الاستواء، فقال: أحد الوجهين للأشعري أنه يحمل على ما
ورد ولا يفسر.
وقال أحمد بن شافع: قال ابن ناصر وجماعة: كان أصحاب القيرواني
يشهدون عليه أنه لا يصلي ولا يغتسل من جنابة في أكثر أحواله، ويرمى
بالفسق مع المرد، واشتهر بذلك، وادعى قراءة القرآن على ابن نفيس.
قلت: هذا كلام بهوى.

(1) ونقل صاحب عيون التواريخ عن سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان " أنه كان
يحفظ كتاب سيبويه.
وقال الحافظ ابن عساكر في " تاريخه ": سمع يوما قائلا ينشد قول أبي العلاء
المعري:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة * وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الأيام حتى كأننا * زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك
فقال ابن أبي كدية يجيبه:
كذبت وبيت الله حلفة صادق * سيسبكها بعد النوى من له الملك
وترجع أجسام صحاحا سليمة * تعارف في الفردوس ما عندنا شك
وانظر " عيون التواريخ ": 13 / 349، و " مرآة الزمان ": 8 / 46، 47.
418

242 - خوروست *
الشيخ المسند، المقرئ الصالح، بقية المشيخة، أبو بكر محمد بن
عبد الله بن محمد بن حسين بن الحارث الأصبهاني المجلد، يعرف
بخوروست، ويكنى أيضا أبا الفتح.
ولد في حدود سنة خمس وعشرين وأربع مئة.
سمع أبا الحسين بن فاذشاه، وأبا القاسم عبد الله بن محمد العطار
المقرئ، وأبا بكر بن ريذه، وأحمد بن حسن بن فورك الأديب، وهارون بن
محمد الناني، وعبد الملك بن الحسين بن عبد ربه، وأبا طاهر بن عبد
الرحيم، وعدة، وعنده " المستخرج على صحيح مسلم " لأبي الشيخ يرويه
عن أبي سعيد القرقوبي (1) عنه، وعنده " مغازي ابن إسحاق " سمعه من ابن
عبد الرحيم (2).

* معجم شيوخ السمعاني الورقة: 216 / ب - 217 / أ، التحبير: 2 / 140 -
142، تارخ الاسلام: 4 / 212 / 1، العبر: 4 / 30، عيون التواريخ: 13 / لوحة:
366، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) في الأصل القونوي وهو تحريف، والتصويب من " تاريخ الاسلام " والقرقوبي بضم
القافين: نسبة إلى قرقوب: بلدة قريبة من الطيب بين واسط وكور الأهواز، وأبو سعيد هذا هو -
كما في " الأنساب ": 10 / 108 - الحسن بن علي بن سهلان القرقوبي نزيل أصبهان من أهل
الخير والصلاح، سمع عبد الله بن محمد بن الصائغ، وعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان
(بالياء وتصحف في المطبوع إلى حبان بالباء) وغيرهما، سمع منه أبو محمد عبد العزيز بن محمد
النخشبي، وذكره في " معجم شيوخه " فقال: أبو سعيد القرقوبي نزيل أصبهان، شيخ صالح،
محب للسنة، سمع من أبي الشيخ كتابه المخرج على الصحيح، ومات بأصبهان وأنا بها بعد،
قبل أن أخرج منها يوم الجمعة وقت الصلاة، السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين وأربع
مئة.
(2) في " التحبير ": 2 / 142: وكتاب المغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار عن أبي
طاهر بن عبد الرحيم، عن أبي الشيخ، عن محمد بن الحسين الطبركي، عن محمد بن
عيسى الدامغاني، عنه. وذكر له أيضا من رواياته كتاب " المعجم الصغير " للطبراني،
و " المواعظ " لأبي عبيد القاسم بن سلام، و " التاريخ " لأبي بكر بن أبي شيبة، و " كتب
النبي صلى الله عليه وسلم " للطبراني، و " التوكل " لابن خزيمة.
419

حدث عنه الحافظ أبو موسى، والحافظ أبو العلاء العطار، وأبو جعفر
محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني.
قال أبو سعد السمعاني (1): كان شيخا صالحا يلقن الصبيان، ثم سرد
شيوخه. مات في جمادى الأول سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وعاش أخوه
أبو المظفر أحمد بعده سنوات، وشيخه ابن فورك ممن سمع من الطبراني.
ومات فيها شيخ الحنابلة أبو الوفاء علي بن عقيل (2)، وقاضي القضاة
علي بن قاضي القضاة محمد بن علي الدامغاني، وأبو الفضل محمد بن
الحسن السلمي ابن الموازيني (3)، وأبو بكر محمد بن طرخان التركي (4)،
والعلامة أبو سعد المبارك بن علي المخرمي الحنبلي (5)، وأبو عبد الله محمد
ابن عبدا لباقي الدوري (6).
وفيها كشفت الفرنج عن مغارة الخليل عليه السلام، وفتحوا عليه،
وشوهد هو وابنه إسحاق وحفيده يعقوب لم يبلوا، ووجد عندهم قناديل
الذهب والفضة، نقله حمزة بن أسد (7) في " تاريخه ".

(1) في التحبير: 2 / 141.
(2) سترد ترجمته برقم (259).
(3) سترد ترجمته برقم (257).
(4) سترد ترجمته برقم (245).
(5) سترد ترجمته برقم (249).
(6) سترد ترجمته برقم (248).
(7) حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي المعروف بابن القلانسي المتوفى سنة
555 ه‍. سترد ترجمته في الجزء العشرين رقم (262) والنص في تاريخه ص 321.
420

243 - ابن مفوز *
الحافظ البارع المجود، أبو بكر محمد بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن
مفوز المعافري الشاطبي.
ولد في عام موت أبي عمر بن عبد البر سنة ثلاث وستين وأربع مئة،
وأجاز له الشيخ أبو عمر بن الحذاء، والقاضي أبو الوليد الباجي.
وسمع من عمه طاهر بن مفوز، وأبي علي الجياني، فأكثر، وأبي
مروان بن سراج، ومحمد بن الفرج الطلاعي، وخلف شيخه أبا علي في
حلقته.
وله رد على ابن حزم (1)، وكان حافظا للحديث، وعلله، عالما
بالرجال، متقنا أديبا شاعرا (2)، فصيحا نبيلا، أسمع الناس بقرطبة، وفجئه
الموت قبل أوان الرواية (3)، وعاش نيفا وأربعين سنة.
توفي سنة خمس وخمس مئة.

* الصلة: 2 / 567، 568، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 225،
تاريخ الاسلام: 4 /؟ 17 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1255، طبقات الحفاظ، ص: 456.
(1) وصفه ابن عبد الهادي في " مختصر طبقات علماء الحديث " الورقة 225: بأنه رد
حسن، وقال: كتبته، وهو يدل على تبحره وإمامته.
(2) وفي ابن حزم يقول كما في " نفح الطيب ": 2 / 84 و 375:
يا من تعاني أمورا لن تعانيها * خل التعاني وأعط القوس باريها
تروي الأحاديث عن كل مسامحة * وإنما لمعانيها معانيها
(3) في الصلة: 2 / 568: وأسمع الناس بالمسجد الجامع بقرطبة، وأخذوا عنه،
ولم يزل مفيدا لهم إلى أن توفي في ربيع الآخر سنة خمس وخمس مئة، ودفن بالربض.
421

244 - ابن حمدين *
العلامة قاضي الجماعة، أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عبد
العزيز بن حمدين الأندلسي المالكي، صاحب فنون ومعارف وتصانيف.
ولي القضاء ليوسف بن تاشفين الملك، فسار أحسن سيرة، وحمل
عن أبيه.
روى عنه القاضي عياض وعظمه، وقال: توفي سنة ثمان وخمس
مئة، ولي قضاء قرطبة، وله إجازة من أبي عمر بن عبد البر، وأبي العباس بن
دلهاث، وتفقه بأبيه، وبمحمد بن عتاب، وحاتم بن محمد، وكان ذكيا،
بارعا في العلم، متفننا أصوليا، لغويا شاعرا (1)، حميد الاحكام.
مات في المحرم لثلاث بقين منه عن تسع وستين سنة.
وكان يحط على الامام أبي حامد في طريقة التصوف، وألف في الرد
عليه.

* الصلة لابن بشكوال: 2 / 570، تاريخ الاسلام: 4 / 191 / 1، نفح الطيب:
3 / 537، 539، الغنية: 116، 117.
(1) في " نفح الطيب ": 4 / 76: وقال أبو عمران بن سعيد: أخبرني والدي أنه زار
ابن حمدين بقرطبة في مدة يحيى بن غانية، قال: فوجدته في هالة من العلماء والأدباء،
فقام وتلقاني، ثم قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجفاء؟ فاعتذرت بأني أخشى التثقيل، وأعلم
أن سيدي مشغول بما هو مكب عليه، فأطرق قليلا، ثم قال:
لو كنت تهوانا طلبت لقاءنا * ليس المحب عن الحبيب بصابر
فدع المعاذر إنما هو جنة * لمخادع فيها ولست بعاذر
فقلت: تصديق سيدي عندي أحب إلي وإن ترتبت علي فيه الملامة من منازعته منتصرا
لحقي، فاستحسن جوابي، وقال لي: كرره فإنه والله ماح لكل ذنب...
422

245 - محمد بن طرخان *
ابن بلتكين بن مبارز بن بجكم، الإمام الفاضل، المحدث المتقن
النحوي، أبو بكر التركي البغدادي.
سمع أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا محمد الصريفيني،
وأبا الحسين بن الغريق، وابن النقور، ومن بعدهم، وصحب الحميدي ولازمه.
وكتب بخطه الكثير، وسمع كتاب " الاكمال " من الأمير أبي نصر،
وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، وأخذ الكلام عن أبي عبد الله القيرواني،
وكان يورق للناس، وخطه جيد معرب، وكان ذا حظ من تأله وعبادة وأوراد،
وزهد وصدق، يذكر بإجابة الدعوة.
حدث عنه القاضي أبو بكر بن العربي، وعبد الجليل كوتاه (1)، وأبو طاهر
السلفي، وآخرون.
وثقه ابن ناصر (2).
توفي في ثامن عشر صفر سنة ثلاث عشرة وخمس مئة عن سبع وستين
سنة، وكان يفهم ويحفظ، رحمه الله.
246 - ابن صابر * *
الامام المحدث، مفيد دمشق، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن

* المنتظم: 9 / 215، تاريخ الاسلام: 4 / 211 / 2، العبر: 4 / 30، الوافي
بالوفيات: 3 / 169 - 170، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 366، طبقات الشافعية
للسبكي: 6 / 106، 107، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) في الأصل: كوباه بالباء الموحدة وهو تصحيف، وكوتاه لفظ فارسي معناه: القصير،
وسترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (223).
(2) في " المنتظم ": 9 / 215: وروى عنه أشياخنا، ووثقوه.
(* *) تاريخ دمشق لابن عساكر، تاريخ الاسلام: 4 / 201 / 1.
423

علي بن صابر السلمي الدمشقي، المعروف بابن سيده.
سمع أبا القاسم بن أبي العلاء المصيصي، وأبا عبد الله بن أبي
الحديد، والفقيه نصرا، وطبقتهم.
وعنه السلفي، وابن عساكر، وابنه أبو المعالي عبد الله بن صابر.
قال ابن عساكر: سمعنا بقراءته الكثير، وكان ثقة متحرزا، عاش
خمسين سنة، توفي في رمضان سنة إحدى عشر وخمس مئة.
وقال السلفي: بخيل بالإفادة، وكان جسدا ملئ حسدا.
247 - ابن القشيري *
الشيخ الامام، المفسر العلامة، أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام شيخ
الصوفية أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، النحوي
المتكلم، وهو الولد الرابع من أولاد الشيخ.
اعتنى به أبوه، وأسمعه، وأقرأه حتى برع في العربية والنظم والنثر
والتأويل، وكتب الكثير بأسرع خط، وكان أحد الأذكياء، لازم إمام

* السياق: الورقة: 45 ب، وذكره صاحب الأنساب في كتابه: 10 / 156، تبيين
كذب المفتري: 308، المنتظم: 9 / 220 - 221، تاريخ ابن الأثير: 10 / 587، طبقات
ابن الصلاح: الورقة: 59 / 1، وفيات الأعيان: 3 / 207 - 208 مع ترجمة أبيه، تاريخ
الاسلام: 4 / 214 / 2، 215 / 1، العبر: 4 / 33، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد:
158 - 159، تتمة المختصر: 2 / 45، فوات الوفيات: 2 / 310 - 312، عيون
التواريخ: 13 / الورقة: 387 - 389، مرآة الجنان: 3 / 210، طبقات السبكي:
7 / 159 - 166، طبقات الأسنوي: 2 / 302 - 303، البداية: 12 / 187 وفيه ابن عبد
الكبير، طبقات ابن قاضي شهبة: 30 / 1، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 291 - 293،
طبقات ابن هداية الله: 73، شذرات الذهب: 4 / 45، إيضاح المكنون: 2 / 606، هدية
العارفين: 1 / 559.
424

الحرمين، وحصل طريقة المذهب والخلاف، وساد، وعظم قدره، واشتهر
ذكره.
وحج، فوعظ ببغداد، وبالغ في التعصب للأشاعرة (1)، والغض من
الحنابلة، فقامت الفتنة على ساق، واشتد الخطب، وشمر لذلك أبو سعد
أحمد بن محمد الصوفي عن ساق الجد، وبلغ الامر إلى السيف، واختبطت
بغداد، وظهر مبادر البلاء، ثم حج ثانيا، وجلس، والفتنة تغلي مراجلها،
وكتب ولاة الامر إلى نظام الملك ليطلب أبا نصر بن القشيري إلى الحضرة
إطفاء للنائرة، فلما وفد عليه، أكرمه وعظمه، وأشار عليه بالرجوع إلى
نيسابور، فرجع، ولزم الطريق المستقيم، ثم ندب إلى الوعظ والتدريس،
فأجاب، ثم فتر أمره، وضعف بدنه، وأصابه فالج، فاعتقل لسانه إلا عن
الذكر نحوا من شهر، ومات.
سمع أبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وعبد الغافر
الفارسي، وأبا الحسين بن النقور، وسعد بن علي الزنجاني، وأبا القاسم
المهرواني، وعدة.
حدث عنه: سبطه أبو سعد عبد الله بن عمر بن الصفار، وأبو الفتوح
الطائي، وخطيب الموصل أبو الفضل الطوسي، وعبد الصمد بن علي
النيسابوري، وعدة، وبالإجازة: أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد
السمعاني.

(1) وهو القائل كما في " طبقات السبكي ": 7 / 163:
شيئان من يعذلني فيهما * فهو على التحقيق مني بري
حب أبي بكر إمام التقى * ثم اعتقادي مذهب الأشعري
425

ذكره عبد الغافر في " سياقه " (1)، فقال: هو زين الاسلام أبو نصر
عبد الرحيم، إمام الأئمة، وحبر الأمة، وبحر العلوم، وصدر القروم،
أشبههم بأبيه خلقا، حتى كأنه شق منه شقا، كمل في النظم (2) والنثر، وحاز
فيهما قصب السبق، ثم لزم إمام الحرمين، فأحكم المذهب والأصول
والخلاف، ولازمه يقتدي به، ثم خرج حاجا، ورأى أهل بغداد فضله
وكماله، ووجد من القبول ما لم يعهد لاحد، وحضر مجلسه الخواص،
وأطبقوا على أنهم ما رأوا مثله في تبحره. إلى أن قال: وبلغ الامر في
التعصب له مبلغا كاد أن يؤدي إلى الفتنة (3).
وقال أبو عمرو بن الصلاح (4): قال شيخنا أبو بكر القاسم بن الصفار:
ولد أبي أبو سعد سنة ثمان وخمس مئة، وسمع من جده وهو ابن أربع سنين
أو أزيد، والعجب أنه كتب بخطه الطبقة، وحيي إلى سنة ست مئة.
مات أبو نصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة
وخمس مئة في عشر الثمانين.

(1) الورقة: 45 / ب.
(2) ومن نظمه قوله:
ليالي وصال قد مضين كأنها * لآلي عقود في نحور الكواعب
وأيام هجر أعقبتها كأنها * بياض مشيب في سواد الذوائب
(3) وقد تعرض لشئ من أخبار هذه الفتنة ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 3، 4،
و 221، وفي " تبيين كذب المفتري " ص: 310 - 317 محضر بخط بعض أصحاب الإمام
أبي نصر هذا، وفيه خطوط كبار أئمة المذهب الشافعي ببغداد في ذلك العهد بتصحيح
مقاله، وموافقته في اعتقاده، على الوجه المذكور فيه، فانظره.
(4) في طبقاته: الورقة: 59 / 1.
426

248 - الدوري *
الشيخ العالم، الثقة الصالح المسند، أبو عبد الله محمد بن عبد
الباقي بن محمد بن يسر الدوري، ثم البغدادي السمسار.
ولد سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
سمع أبا بكر بن بشران، وأبا طالب العشاري، وأبا محمد
الجوهري، وطائفة.
حدث عنه: أبو عامر العبدري، وابن ناصر، والسلفي، والصائن
هبة الله، وذاكر بن كامل، وعدة، وبالإجازة عبد المنعم بن كليب.
قال أبو سعد السمعاني: كان شيخا صالحا ثقة خيرا.
وقال ابن نقطة: هو محمد بن عبدا لباقي بن محمد بن أبي اليسر.
قلت: توفي في صفر سنة ثلاث عشرة وخمس مئة.
وفيها توفي ابن عقيل الحنبلي (1)، وقاضي القضاة علي بن محمد بن
علي بن الدامغاني، ومحمد بن الحسن بن الموازيني (2)، ومحمد بن
طرخان (3)، ومحمد بن عبد الله خوروست (4)، وأبو سعد المبارك بن علي
المخرمي الحنبلي.

* تاريخ الاسلام: 4 / 212 / 1، العبر: 4 / 31، عيون التواريخ: 13 / 366 -
367، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) سترد ترجمته برقم (259).
(2) سترد ترجمته برقم (257).
(3) تقدمت ترجمته برقم (245).
(4) تقدمت ترجمته برقم (242).
427

249 - المخرمي *
العلامة، شيخ الحنابلة، أبو سعد المبارك بن علي المخرمي (1)
البغدادي.
تفقه بالقاضي أبي يعلى، ثم بأبي جعفر بن أبي موسى، ويعقوب بن
سطورا البرزبيني، ولازمهما حتى ساد، وبنى مدرسة بباب الأزج، درس
بعده بها تلميذه الشيخ عبد القادر وكبرها (2). وكان نزها عفيفا، ناب في
القضاء، وحصل كتبا عظيمة، وفتحت عليه الدنيا، وبنى دارا وحماما
وبستانا.
وحدث عن أبي جعفر بن المسلمة، وأبي الغنائم بن المأمون، وتفقه
به خلق.
روى عنه المبارك بن كامل.
مات في المحرم سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وقد شاخ.
250 - الأشقر * *
الشيخ الجليل الثقة، أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد بن

* طبقات الحنابلة: 2 / 258 - 259، المنتظم: 9 / 215، تاريخ الاسلام:
4 / 212 / 2، العبر: 4 / 31، مرآة الزمان: 8 / 54، البداية: 12 / 185، ذيل طبقات
الحنابلة: 1 / 166 - 171، شذرات الذهب: 4 / 40 - 41.
(1) المخرمي، بكسر الراء: نسبة إلى المخرم: محلة بشرقي بغداد نزلها بعض ولد يزيد
ابن المخرم فسميت به.
(2) في " ذيل الطبقات ": 2 / 167: والمدرسة المذكورة التي بناها: هي المنسوبة
الآن إلى تلميذه الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي، لأنه وسعها وسكن بها، فعرفت به.
(* *) التحبير: 2 / 275 - 277، مشيخة ابن عساكر: 236 / 2، التقييد: 199 / 2 -
200 / 1، تاريخ الاسلام: 4 / 216 / 1، العبر: 4 / 34، عيون التواريخ: 13 / 390،
النجوم الزاهرة: 5 / 221، شذرات الذهب: 4 / 46.
428

محمد بن عبد الله الأصبهاني الصيرفي الأشقر، راوي كتاب " المعجم
الكبير " (1) للطبراني عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه.
وسمع أيضا من أبي بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الأعرج.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد في كتاب " الترغيب "، وأبو طاهر
السلفي، وأبو العلاء الهمداني، وأبو موسى المديني، وأبو بكر محمد بن
أحمد المهاد، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، ومحمد بن أبي زيد
الكراني الخباز، وبالحضور أبو جعفر الصيدلاني، وهو محمود بن أبي
العلاء.

(1) وفي آخر المجلد الأول من معجم الطبراني الكبير الموجود في دار الكتب الظاهرية
بدمشق سماع للمعجم، وهذا نصه: بلغ من أول الكتاب سماعا على الشيخ الصالح أبي
رشيد حبيب بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب الصوفي حاطه الله بحق سماعه عن الشيخ أبي
منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الأشقر الصيرفي وقد نقل من أصل سماعه، وعورض
به عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه، عن مصنفه الامام الكبير سيف
السنة أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني الحافظ رحمهم اله
بقراءة صاحبه الامام الحافظ الورع المتقن تقي الدين، ضياء السنة، جمال الاسلام،
زين المحدثين، نادرة الزمان أبي محمد عبد الغني بن عبد الله بن أحمد بن علي بن سرور
المقدسي الحنبلي، أكثر الله في أهل العلم أمثاله، وجزاه خيرا: الفتى العفيف أبو المطهر
محمد بن أبي المطهر بن أحمد الخباز، وأخوه من قبل الام أبو القاسم جامع بن أحمد بن
محمد المديني، ومحمد بن علي بن محمد بن علي اللنجالي حضر، وأبو الخير عبيد الله
ابن محمد بن أبي الخير القاضي، وأبو الكرم محمد بن أبي رشيد بن أبي القاسم بن محمد
الأنصاري السكري، ومحمد بن محمد بن محمد بن غانم بن أبي زيد المقرئ محرر
السماع، ومثبت أسامي القوم، وصح لهم ذلك ببلد أهل السنة أصبهان بمجالس آخرها في
صفر سنة خمس وسبعين وخمس مئة، جعلهم الله تعالى من الصالحين بحق النبي محمد وآله
وصحبه عليه الصلاة والسلام.
وللمترجم مسموعات كثيرة غير المعجم ذكرها السمعاني في " التحبير ": 2 / 276.
فانظرها.
429

مولده في ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربع مئة.
ومات - على ما أرخه أبو موسى - في ذي القعدة سنة أربع عشرة وخمس
مئة.
قال السلفي: كان رجلا صالحا، له اتصال ببني منده، وبإفادتهم
سمع الحديث.
وفيها مات أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن البخاري، وهو المبخر،
أخو هبة الله، ومقرئ الثغر أبو علي الحسن بن خلف بن بليمة القروي، ورئيس
البلغاء مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الطغرائي الأصبهاني (1)،
والحافظ أبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو نصر عبد الرحيم بن أبي القاسم
القشيري (2)، ومقرئ المرية أبو الحسن بن شفيع، والمسند أبو الحسن
علي بن الحسن بن الموازيني (3)، وأبو نصر المعمر بن محمد بن الحسين
البيع، وقاضي سمرقند العلامة أبو بكر محمود بن مسعود الشعيبي.
251 - أبو علي بن المهدي *
الشيخ الامام، الخطيب الثقة الشريف، أبو علي محمد بن الشيخ أبي
الفضل محمد بن عبد العزيز بن العباس بن المهدي بالله الهاشمي البغدادي
الحريمي.

(1) سترد ترجمته برقم (262).
(2) تقدمت ترجمته برقم (247).
(3) سترد ترجمته برقم (256). * المنتظم: 9 / 230 - 231، تاريخ الاسلام: 4 / 221 / 2، العبر: 4 / 35،
الوافي بالوفيات: 1 / 166، مرآة الزمان: 8 / 61، النجوم الزاهرة: 5 / 222، شذرات
الذهب: 4 / 48.
430

سمع أباه، وأبا طالب بن غيلان، وعبيد الله بن شاهين، وأبا الحسن
أحمد بن محمد العتيقي، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا القاسم التنوخي،
وعدة.
وكان ثقة مكثر معمرا.
روى عنه السلفي، وأبو العلاء العطار، وابن ناصر، ودهبل بن كاره،
وأخوه لاحق، وأحمد بن موهب بن السدنك، وأخوه يحيى، وذاكر بن
كامل، والمبارك بن المعطوش، وآخرون، وهو آخر من حدث عن أبي
منصور محمد بن محمد بن السواق، وتفرد بإجازة محمد بن عبد الواحد بن
رزمة.
مولده سنة اثنتين وثلاثين.
قال عبد الوهاب الأنماطي: ثقة صالح.
وقال ابن النجار: ثقة نبيل من ظراف البغداديين، قال الأنماطي:
دخلت عليه، فقال: اليوم كان عندي رسولان من رسل ملك الموت،
فتبسمت، وقلت: كيف؟ قال: جاء جماعة حتى أشهدتهم على شهادة
عندي، وجاء المحدثون ليسمعوا مني حتى يرووا (1) عني، ثم قال: دخلت
على أبي الحسين بن المهتدي بالله، واتفق له مثل هذا، فقال لي مثل ذلك.
قال الأنماطي: توفي ليلة السبت سادس عشر شوال سنة خمس عشرة
وخمس مئة.
وهو آخر من مات من شهود القائم بأمر الله.

(1) في الأصل يروون بإثبات النون، وقد كتب فوقها " كذا " والجادة ما أثبت.
431

وفيها توفي مسند الوقت أبو علي الحداد بأصبهان (1)، وأمير الجيوش
الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي (2)، والوزير أبو طالب علي بن حرب
السميرمي، وأبو القاسم علي بن جعفر بن القطاع اللغوي، وهزارسب بن
عوض الهروي المحدث.
252 - السميرمي *
الوزير الكبير، أبو طالب علي بن أحمد بن علي السميرمي (3)،
وزير السلطان محمود السلجوقي، صدر معظم، كبير الشأن، شديد
الوطأة، ذو عسف وظلم، وسوء سيرة، وقف مدرسة بأصبهان، وعمل
بها خزانة كتب نفيسة، وكان يقول: قد استحييت من كثرة الظلم
والتعدي، ولما عزم على السفر، أخذ الطالع (4)، وركب في موكب
عظيم، وبين يديه عدة بالسيوف والحراب والدبابيس، قال ابن النجار:
فمر بمضيق، وتقدمه الكل، وبقي منفردا، فوثب عليه باطني من دكة،
فضربه بسكين، فوقعت في البغلة، وهرب، فتبعه كل الأعوان، فوثب

(1) تقدمت ترجمته برقم (193).
(2) تقدمت ترجمته برقم (294). * المنتظم: 9 / 239، الكامل في التاريخ: 10 / 601 - 602، تاريخ الاسلام:
4 / 225 / 1، العبر: 4 / 38، عيون التواريخ: 13 / 404 - 405، مرآة الزمان: 8 / 66،
البداية: 12 / 191، شذرات الذهب: 4 / 50.
(3) السميرمي: بضم السين المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء المثناة من تحتها
وبعدها راء ثم ميم - نسبة إلى سميرم بلدة بين أصبهان وشيراز، وهي آخر حدود أصبهان.
وقد تحرف في " مرآة الزمان " 8 / 66 إلى " السميرقي ".
(4) وكان المنجمون الخراصون يأخذون له الطالع ليخرج فقالوا: هذا وقت جيد،
وإن تأخرت يفت طالع السعد، فأسرج وركب، وأراد أن يأكل طعاما، فمنعوه لأجل الطالع،
فقتل ولم ينفعه قولهم. " الكامل في التاريخ ": 10 / 601.
432

عليه آخر، فيضربه (1) في خاصرته، وجذبه رماه [عن البغلة إلى الأرض] وجرحه
في أماكن، فرد الأعوان، فوثب اثنان فحملاهما والقاتل عليهم، فانهزم
الجمع، وبقي الوزير، فكر قاتله، وجره، والوزير يستعطفه ويتضرع
له، فما أقلع حتى ذبحه، وهو يكبر ويصيح: أنا مسلم موحد فقتل هو
والثلاثة، وحمل الوزير إلى دار أخيه النصير، ثم دفن وذلك في سلخ
صفر سنة ست عشرة وخمس مئة (2).
وقيل: إن الذي قتله عبد كان للمؤيد الطغرائي (3) وزير السلطان
مسعود، فإن السميرمي قتل أستاذه ظلما، ونبزه بأنه فاسد الاعتقاد (4)، وكل
قاتل مقتول.
253 - ابن القطاع *
العلامة شيخ اللغة، أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي

(1) في تاريخ الاسلام: فضربه.
(2) قال ابن كثير في " البداية ": 12 / 191: ورجع نساؤه بعد أن ذهبن بين يديه
على مراكب الذهب حاسرات عن وجوههن قد أبدلهن الله الذل بعد العز، والخوف بعد
الامن، والحزن بعد السرور، والفرح جزاء وفاقا، وما أشبه حالهن بقول أبي العتاهية في
الخيرزان وجواريها حين مات المهدي.
رحن في الوشي * عليهن المسوح
كل بطاح من ألنا * س له يوم يطوح
لتموتن ولو عمر * ت ما عمر نوح
فعلى نفسك نح إن * كنت لا بد تنوح
(3) هو العميد فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد
الملقب مؤيد الدين الأصبهاني المقتول سنة 514 ه‍، وسترد ترجمته برقم (262).
(4) انظر " وفيات الأعيان ": 2 / 190، و " مرآة الزمان ": 8 / 66. * معجم الأدباء: 12 / 279 - 283، إنباه الرواة: 2 / 236، وفيات الأعيان:
3 / 322 - 324، المختصر في أخبار البشر: 2 / 247، تاريخ الاسلام: 4 / 220 / 1،
العبر: 4 / 35، تتمة المختصر: 2 / 50، الوافي بالوفيات: م 12 / 18، مرآة الجنان:
13 / 212، 213، البداية: 12 / 188، لسان الميزان: 4 / 209، حسن المحاضرة:
1 / 532 - 533، بغية الوعاة: 2 / 153 - 154، شذرات الذهب: 4 / 45، 46.
433

الصقلي (1) ابن القطاع، نزيل مصر، ومصنف كتاب " الافعال "، وما
أغزر فوائده (2)، وله كتاب " أبنية الأسماء "، وله مؤلف في العروض، و
كتاب في أخبار الشعراء (3).
أخذ بصقلية عن ابن البر (4) اللغوي وغيره، وأحكم النحو، وتحول
من صقلية، ثم استولت النصارى عليها بعد الستين وأربع مئة، فاحتفل
المصريون لقدومه وصدوره، وسمعوا منه صحاح الجوهري، ولم يكن
بالمتقن للرواية (5)، وله نظم جيد (6) وفضائل.

(1) بفتح الصاد والقاف هكذا ضبطها شيخ المترجم النحوي الكبير ابن البر فيما نقله
عنه ابن دحية في " المطرب ": ص 59، وقال: هكذا عربتها العرب، واسمها باللسان
الرومي: سيكه بكسر السين وفتح الكاف، وسكون الهاء، وكيليه بكسر الكاف واللام
وتشديد الياء وسكون الهاء، وتفسير هاتين: التين والزيتون...، وكان فتح صقلية في سنة
212 ه‍.
(2) هذب فيه أفعال ابن القوطية وأفعال بن طريف وغيرهما، قال ابن خلكان:
3 / 323: أحسن فيه كل الاحسان، وهو أجود من " الافعال " لابن القوطية، وإن كان ذلك
سبقه إليه، وقال عن كتاب " أبنية الأسماء " جمع فيه فأوعب وفيه دلالة على كثرة اطلاعه.
(3) واسمه " الدرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة " وهو خاص بتراجم شعراء
جزيرة صقلية، وقد بقيت منه نقول متفرقة في المصادر.
(4) هو أبو بكر محمد بن علي بن الحسن التميمي من أكبر علماء اللغة والنحو
بصقلية. أنظر " بغية الوعاة " 1 / 178، وإنباه الرواة.
(5) قال الصلاح الصفدي: وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية،
وذلك أنه لما قدم مصر سألوه عن الصحاح، فذكر أنه لم يصل إليهم، ثم إنه لما رأى
اشتغالهم به ركب له إسنادا، وأخذه الناس عنه، مقلدين له. وله عليه حواش نفيسة اعتمد
عليها أبو محمد بن بري المصري فيما تكلم عليه من حواشي الصحاح. قلت: وقد نثر معظمها ابن
منظور في " لسان العرب ".
(6) من ذلك قوله في غلام اسمه حمزة:
يا من رمى النار في فؤادي * وأنبط العين بالبكاء
اسمك تصحيفه بقلبي * وفي ثناياك برء دائي
أردد سلامي فإن نفسي * لم يبق منها سوى الذماء
وارفق بصب أتى ذليلا * قد مزج اليأس بالرجاء
أنهكه في الهوى التجني * فصار في رقة الهواء * الكامل في التاريخ: 10 / 604 و 592 و 531 وانظر الفهرس، تاريخ الاسلام:
4 / 222 / 1، دول الاسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 36، تتمة المختصر: 2 / 50، عيون
التواريخ: 13 / 416، مرآة الزمان: 8 / 56 و 63، النجوم الزاهرة: 5 / 223، شذرات
الذهب: 4 / 48.
434

توفي سنة خمس عشرة وخمس مئة عن اثنتين وثمانين سنة.
254 - إيلغازي *
الملك نجم الدين ابن الأمير أرتق بن أكسب التركماني، صاحب
ماردين، كان هو وأخوه الأمير سقمان من أمراء تاج الدولة تتش صاحب
الشام، فأقطعهما القدس، وجرت لهما سير، ثم استولى إيلغازي على
ماردين.
وكان ذا شجاعة، ورأي، وهيبة وصيت، حارب الفرنج غير مرة،
وأخذ حلب بعد أولاد رضوان بن تتش، واستولى على ميافارقين وغيرها
قبل موته بسنة، ثم سار منجدا لأهل تفليس (1) هو وزوج بنته ملك العرب
دبيس الأسدي، وانضم إليهما طغان صاحب أرزن، وطغريل أخو
السلطان محمود السلجوقي، وساروا على غير تعبئة، فانحدر عليهم داود
طاغية الكرج (2)، فكبسهم، فهزمهم، ونازل اللعين تفليس وأخذها

(1) تفليس: بلد في أول حدود أرمينية، وهي قصبة ناحية جرزان قرب باب الأبواب،
افتتحها المسلمون في أيام عثمان رضي الله عنه، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 515 ه‍.
(2) قال ياقوت: الكرج: جيل من الناس نصارى كانوا يسكنون في جبال القبق فقويت
شوكتهم حتى ملكوا مدينة تفليس، ولهم ولاية تنسب إليهم وملك ولغة برأسها وشوكة وقوة
وكثرة عدد.
435

بالسيف، وبدع، ثم جعلهم رعية له، وعدل ومكنهم من شعار
الاسلام، وأمر أن لا يذبح فيها خنزير، وبقي يجئ ويسمع الخطبة،
ويعطي الخطيب والمؤذنين الذهب، وعمر ربطا للصوفة، وكان جوادا
محترما للمسلمين.
وأما إيلغازي، فتوفي في رمضان بميافارقين سنة ست عشرة، فهذا
أول من تملك ماردين، واستمرت في يد ذريته إلى الساعة، فأخذ
ميافارقين ابنه شمس الدولة سليمان، واستولى ابنه حسام الدين تمرتاش
على ماردين، واستولى على حلب ابن أخيه الأمير سليمان بن عبد الجبار
ابن أرتق إلى أن أخذها منه ابن عمه بلك بن بهرام.
وقال سبط ابن الجوزي: توفي إيلغازي سنة خمس عشرة (1)،
وكان تحته بنت صاحب دمشق طغتكين، وتزوج ابنه سليمان ببنت
صاحب الروم، فمات سنة ثماني عشرة، فتسلم تمرتاش ميافارقين.
255 - الحنائي *
الشيخ الجليل الثقة، أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن
إبراهيم الحنائي الدمشقي، من أهل بيت حديث وعدالة، وسنة وصدق.
سمع أباه أبا القاسم الحنائي، وأبا الحسين محمد بن العفيف عبد
الرحمن بن أبي نصر، وأخاه أبا علي أحمد، ومحمد بن يحيى بن

(1) ذكره سبط ابن الجوزي في " المرآة ": 8 / 63 فيمن توفي سنة 516 ه‍، وهذا هو
المعتمد عنده، ثم ذكر بصيغة التمريض أنه مات سنة 515 ه‍. * الأنساب: 4 / 245، تاريخ الاسلام: 4 / 198 / 1، العبر: 4 / 21 - 22،
وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1262، شذرات الذهب: 4 / 29.
436

سلوان، ومحمد بن عبد الواحد الدارمي، وابن سختام، وأبا علي
الأهوازي، ورشأ بن نظيف، ومحمد بن عبد السلام بن سعدان،
والحسن بن علي بن شواش، وعدة، وتفرد بأجزاء كثيرة.
حدث عنه: السلفي، والصائن بن عساكر، وأخوه الحافظ،
والخضر بن شبل الحارثي، وأبو طاهر بن الحصني، والخضر بن
طاووس، والفضل بن البانياسي، وأبو المعالي بن صابر، وآخرون.
واعتنى به والده، وأول سماعه كان في سنة تسع وثلاثين وأربع
مئة، وله ست سنين.
مات في ثالث جمادى الآخرة سنة عشر وخمس مئة، وله سبع
وسبعون سنة.
256 - ابن الموازيني *
الشيخ العالم المسند، المقرئ الثقة، شيخ دمشق، أبو الحسن
علي بن الحسن بن الحسين بن علي السلمي الدمشقي ابن الموازيني.
مولده في رجب سنة ثلاثين وأربع مئة.
وسمع أبا علي أحمد، وأبا الحسين محمد: ابني عبد الرحمن بن
أبي نصر، ورشأ بن نظيف، وأبا عبد الله بن سلوان، ومحمد بن عبد
السلام بن سعدان، وأبا القاسم بن الفرات، وأبا علي الأهوازي،
وعبد الله بن علي بن أبي عقيل، وعدة، وتفرد وعلا إسناده.

* تاريخ الاسلام: 4 / 215 / 2، دول الاسلام: 4 / 42، العبر: 4 / 33، النجوم
الزاهرة: 5 / 221، شذرات الذهب: 4 / 46.
437

حدث عنه: السلفي، ومحمد بن حمزة، وأبو القاسم بن
عساكر، وحفيده أحمد بن حمزة بن الموازيني، وعبد الرزاق بن نصر
النجار، وعبد الرحمن بن علي بن الخرقي، والفضل بن الحسين
البانياسي، وخلق.
قال السلفي: كان حسن الأخلاق، مرضي الطريقة، شيوخه هم
شيوخ أبي طاهر الحنائي، سمعا معا الكثير.
وقال ابن عساكر: شيخ مستور ثقة، حافظ للقرآن، سمعت منه
أجزاء يسيرة، مات سنة أربع عشرة وخمس مئة.
أخوه:
257 - [محمد بن الحسن] *
الشيخ الامام الفرضي الفقيه العابد، أبو الفضل محمد بن الحسن
ابن الموازيني.
سمع ابن سلوان، وأبا القاسم بن الفرات، وأبا الحسين محمد بن
مكي، وعدة.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والفضل بن البانياسي،
وجماعة.
ولد سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة، ومات في رجب سنة ثلاث عشرة
وخمس مئة.

* تاريخ الاسلام: 4 / 211 / 2، العبر: 4 / 30، عيون التواريخ: 13 / 366،
شذرات الذهب: 4 / 41.
438

258 - البغوي *
الشيخ الامام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الاسلام، محيي
السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي
الشافعي المفسر، صاحب التصانيف، ك‍ " شرح السنة " (1)، و " معالم

* التحبير: 1 / 213 - 214، الاستدراك. 57 / 2 - 58 / 1، وفيات الأعيان:
2 / 136 - 137، المختصر في أخبار البشر: 2 / 240، تاريخ الاسلام: 4 / 222 / 2 -
223 / 1، دول الاسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 37، تذكرة الحفاظ: 4 / 1257 - 1259،
الوافي بالوفيات: 13 / 26، عيون التواريخ: 13 / 327 - 328، مرآة الجنان: 3 / 213،
طبقات السبكي: 7 / 75 - 80، طبقات الأسنوي: 1 / 205 - 206، البداية: 12 / 193،
النجوم الزاهرة: 5 / 223، 224، مفتاح السعادة: 1 / 435، 2 / 18، طبقات المفسرين
للسيوطي: 12 - 13، طبقات الحفاظ: 400 وفيه الحسين بن محمد بن مسعود، طبقات
المفسرين للداوودي: 1 / 157 - 159، طبقات ابن هداية الله: 74، أسماء الرجال لابن
هداية الله: 65 / 1، كشف الظنون: 195، 517، 1697، شذرات الذهب: 4 / 48 -
49، روضات الجنات: 246 - 248، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 4 / 348 ذكره استطرادا
في ترجمة الحسين بن علي البغوي، مقدمة شرح السنة: 1 / 19 - 31، " البغوي ومنهجه
في التفسير " للسيدة الفاضلة عفاف عبد الغفور حميد، تولى نشره دار الفرقان 1982، دائرة
المعارف الاسلامية: 4 / 27.
(1) قال شعيب - كان الله له -: وهو كتاب عظيم في بابه لا يستغني عنه طالب علم،
فإنه من أجل كتب السنة التي انتهت إلينا من تراث السلف ترتيبا وتنقيحا، وتوثقا وإحكاما،
وإحاطة بجوانب ما ألف فيه، وأنشئ من أجله، وهو يبين عن سعة اطلاع مؤلفه رحمه الله
على الحديث الشريف ونقلته، ودرايته بالروايات وعللها، ومعرفة مذاهب الصحابة
والتابعين، وأئمة الأمصار والمجتهدين، ولا أعلم كتابا من كتب السنة يغني غناءه، وكان
من توفيق الله علي أن قمت بتحقيقه، ومقابلة أصوله، والتقديم له، وتخريج أحاديثه،
والإبانة عن درجة كل حديث مما لم يرد في " الصحيحين " أو في أحدهما، وشرح ما أغفله
المصنف من الغريب، وتنقيد المسائل التي يظن أنه أخطأ فيها، وتقوية بعض الآراء التي
يعرض لها بأدلة لم ترد عنده، وغير ذلك من الفوائد بحيث ضاعفت حجم الكتاب، وقد تم
طبع خمسة أجزاء منه في دمشق سنة 1391 ه‍، ثم طبعت بعد ذلك بقية الأجزاء، وهي
تسعة بدمشق سنة 1399 ه‍، والنية متجهة إن شاء الله تعالى إلى إعادة نشره بمزيد من التحقيق
والتخريج، وجمال الاخراج.
439

التنزيل " (1) و " المصابيح " (2)، وكتاب " التهذيب " (3) في المذهب
و " الجمع بين الصحيحين "، و " الأربعين حديثا "، وأشياء.
تفقه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المروروذي،
صاحب " التعليقة " قبل الستين وأربع مئة.
وسمع منه، ومن أبي عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وأبي
الحسن محمد بن محمد الشيرزي، وجمال الاسلام أبي الحسن عبد
الرحمن بن محمد الداوودي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وأبي
الحسن علي بن يوسف الجويني، وأبي الفضل زياد بن محمد الحنفي،
وأحمد بن أبي نصر الكوفاني، وحسان المنيعي، وأبي بكر محمد بن
أبي الهيثم الترابي وعدة، وعامة سماعاته في حدود الستين وأربع مئة،

(1) في التفسير، وهو تفسير متوسط جامع لأقاويل السلف في تفسير الآي، محلى
بالأحاديث النبوية التي جاءت على وفاق آية، أو بيان حكم، وقد تجنب فيه إيراد كل ما ليس
له صلة بالتفسير، وقد سئل شيخ الاسلام رحمه الله كما في " الفتاوي ": 2 / 193، فقال:
وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي. وقد
طبع أكثر من مرة، وجميع طبعاته لا تخلو من تحريف وتصحيف وسوء إخراج، وهو جدير
بأن يعنى به، ويطبع طبعة علمية محررة موثقة تيسر الانتفاع به، والإفادة منه.
(2) جمع فيه طائفة من الأحاديث مما أورده الأئمة في كتبهم محذوفة الأسانيد، وقسمها إلى
صحاح وحسان، وعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أصحاب
السنن. طبع عدة طبعات، وقد اعتمده الخطيب التبريزي، وزاد عليه، وهذبه في كتابه " مشكاة
المصابيح ".
(3) وهو تأليف محرر مهذب، مجرد من الأدلة غالبا، لخصه من تعليقة شيخه القاضي
حسين، وزاد فيه، ونقص، وهو مشهور متداول عند الشافعية يفيدون منه، وينقلون عنه،
ويعتمدونه في كثير من المسائل، والامام النووي رحمه يكثر النقل عنه في " روضة الطالبين "
الذي حققته مع زميلي الفاضل الشيخ عبد القادر الأرنؤوط، وقد صدر في اثني عشر مجلدا،
وكتاب التهذيب يقع في أربع مجلدات ضخام يوجد منه المجلد الرابع في ظاهرية دمشق
تحت رقم (292) فقه شافعي يرجع تاريخ نسخه إلى سنة 599 ه‍.
440

وما علمت أنه حج.
حدث عنه أبو منصور محمد بن أسعد العطاري عرف بحفدة، وأبو
الفتوح محمد بن محمد الطائي، وجماعة، وآخر من روى عنه بالإجازة
أبو المكارم فضل الله بن محمد النوقاني، الذي عاش إلى سنة ست
مئة، وأجاز لشيخنا الفخر بن علي البخاري (1).
وكان البغوي يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدا إماما،
عالما علامة، زاهدا قانعا باليسير، كان يأكل الخبز وحده، فعذل في
ذلك فصار يأتدم بزيت، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها، بورك له في
تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، لحسن قصده، وصدق نيته، وتنافس
العلماء في تحصيلها، وكان لا يلفي الدرس إلا على طهارة، وكان
مقتصدا في لباسه، له ثوب خام، وعمامة صغيرة على منهاج السلف
حالا وعقدا، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه (2)،
رحمه الله.

(1) هو علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد الامام العابد مسند العصر فخر الدين
أبو الحسن المقدسي الصالحاني الحنبلي، ترجم له المؤلف في " مشيخته ": الورقة:
94، وأرخ وفاته سنة 690 ه‍.
(2) البغوي رحمه الله نشأ شافعي المذهب بحكم البيئة التي عاش فيها والعلماء الذين
التقى بهم، وأخذ عنهم، وكانت له يد مشكورة في المذهب الشافعي، فقد ألف فيه كتابه
" التهذيب " نحى فيه منحى أهل الترجيح والاختيار والتصحيح إلا أنه رحمه الله لم يكن
يتعصب لامامه، ولا يندد بغيره، بل كان ينظر في جميع المذاهب وآراء الأئمة، ويطلع على
حججهم ودلائلهم، ويأخذ غالبا في كل باب ما يراه أبلغ في الحجة، وأوفق للنصح على أنه
حين استوت له المعرفة، وبلغ مرحلة النضج، كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة
اللذين هما أصل الدين، وملاكه، وإليهما المرجع في المسائل الشرعية، ويؤلف في نشر
علومهما، وبث معارفهما، وإحياء مآثرهما التآليف النافعة الماتعة حتى استحق بحق لقب
" محيي السنة " من أهل عصره وممن جاء بعده.
441

توفي بمرو الروذ (1) مدينة من مدائن خراسان في شوال سنة ست
عشرة وخمس مئة، ودفن بجنب شيخه القاضي حسين، وعاش بضعا
وسبعين سنة رحمه الله.
ومات أخوه العلامة المفتي أبو علي الحسن بن مسعود بن الفراء
سنة تسع وعشرين، وله إحدى وسبعون سنة، روى عن أبي بكر بن
خلف الأديب وجماعة.
أخبرنا عمر بن إبراهيم الأديب، وعبد الخالق بن علوان القاضي،
وأحمد بن محمد بن سعد، وإسماعيل بن عميرة، وأحمد بن عبد
الحميد القدامي، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري، وخديجة بنت عبد
الرحمن (2)، قالوا: أخبرنا محمد بن الحسين بن بهرام الصوفي سنة
اثنتين وعشرين وست مئة، أخبرنا محمد بن أسعد الفقيه سنة سبع وستين
وخمس مئة، أخبرنا محيي السنة حسين بن مسعود، أخبرنا محمد بن
محمد الشيرزي، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن عبد
الصمد، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك، عن يحيى بن سعيد،

(1) وتعرف بمرو الصغرى تمييزا لها عن مرو الشاهجان التي تقع على بعد (160)
ميلا عنها، وهي تقع على نهر مرغاب داخلة الآن في حدود تركستان شمال بلاد الأفغان.
ولمرو شهرة عظيمة في التاريخ الاسلامي بما أنجبت من علماء عظام من القرن الأول للهجرة
وحتى نهاية القرن السادس الهجري.
(2) في مشيخة المؤلف الورقة: 46 أربع شيخات اسمهن خديجة واسم والدهن عبد
الرحمن، الأولى: خديجة بنت عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك أم فاطمة المقدسية،
توفيت في حدود سنة 707 ه‍، والثانية: خديجة بنت عبد الرحمن بن عمر المقدسية توفيت
سنة 720 ه‍، والثالثة: خديجة بنت أبي بكر عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم المقدسية أم
محمد توفيت سنة 702 ه‍، والرابعة: خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد بن عبد
الجبار أم محمد، توفيت سنة 701 ه‍.
442

عن عمرة، عن عائشة، أنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي
الصبح، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (1).
259 - ابن عقيل *
الامام العلامة البحر، شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل بن
محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري، الحنبلي المتكلم،
صاحب التصانيف، كان يسكن الظفرية (2)، ومسجده بها مشهور.

(1) هو في " شرح السنة ": 2 / 195 رقم الحديث (353)، وهو في " الموطأ ":
1 / 5 في وقوت الصلاة، ومن طريق مالك أخرجه البخاري برقم (867) في الاذان: باب
انتظار الناس قيام الامام العالم، ومسلم (645)، (232) في المساجد: باب استحباب
التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وأبو داود (423)، والترمذي (153)،
والنسائي: 1 / 271 في المواقيت: باب التغليس في الحضر، وأخرجه البخاري (372)
و (578) ومسلم (645) (230) و (231) من طرق عن الزهري عن عروة، عن عائشة،
وأخرجه البخاري (872) من طريق يحيى بن موسى عن سعيد بن منصور، عن فليح، عن
عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة... وقوله: " متلفعات بمروطهن " أي:
متجلللات بأكسيتهن، والتلفع بالثوب: الاشتمال به، والمروط: الردية الواسعة، واحدها:
مرط، والغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح... * طبقات الحنابلة: 2 / 259، مناقب الإمام أحمد: 526 - 527، المنتظم:
9 / 212، الكامل في التاريخ: 10 / 561، تاريخ الاسلام: 4 / 209 / 2 - 210 / 2، دول
الاسلام: 2 / 41، العبر: 4 / 29، معرفة القراء الكبار: 1 / 380، ميزان الاعتدال:
3 / 146، الوافي بالوفيات: م 12 / 121، عيون التواريخ: 13 / 353 - 355، مرآة
الزمان: 8 / 51 - 54، مرآة الجنان 3 / 204، البداية: 12 / 184، ذيل طبقات الحنابلة:
1 / 142 - 165، غاية النهاية في طبقات القراء: 1 / 556 - 557، لسان الميزان:
4 / 243 - 244، النجوم الزاهرة: 5 / 219، المنهج الأحمد: 2 / 252 - 270، كشف
الظنون: 71، 1447، شذرات الذهب: 4 / 35 - 40، جلاء العينين: 99، إيضاح
المكنون: 1 / 85، 130، هدية العارفين: 1 / 695.
(2) في معجم ياقوت: 4 / 60: الظفرية: محلة بشرقي بغداد كبيرة، وإلى جانبها
محلة أخرى كبيرة يقال لها: قراح ظفر، وهي في قبلي باب أبرز، والظفرية في غربيه،
أظنهما منسوبتين إلى ظفر أحد خدم دار الخلافة.
443

ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
وسمع أبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا، وأبا محمد
الجوهري، والحسن بن غالب المقرئ، والقاضي أبا يعلى بن الفراء،
وتفقه عليه، وتلا بالعشر على أبي الفتح بن شيطا، وأخذ العربية عن أبي
القاسم بن برهان، وأخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال أبي علي بن
الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبو الحسين البصري، فانحرف
عن السنة (1).

(1) قال المؤلف في " معرفة القراء ": 1 / 380: وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن
الوليد، وأبي القاسم بن التبان، ومن ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال وانحرافات.
وقال في " الميزان ": 3 / 146: أحد الاعلام، وفرد زمانه علما ونقلا وذكاء
وتفننا... إلا أنه خالف السلف، ووافق المعتزلة في عدة بدع نسأل الله السلامة، فإن كثرة
التبحر في علم الكلام ربما أضر بصاحبه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقد بين شيخ الاسلام في " درء تعارض العقل والنقل ": 8 / 60 - 61 نوع الخطأ الذي
وقع فيه، فقال: ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر
في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الحبرية وينكر على من يسميها صفات
ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه " ذم التشبيه وإثبات التنزيه "
وغيره من كتبه، واتبعه على ذلك أبو الفرج ابن الجوزي في " كف التشبيه بكف التنزيه " وفي
كتابه " منهاج الوصول ". وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من
الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه " الواضح " وغيره. وتارة يحرم
التأويل ويذمه وينهى عنه كما فعله في كتابه " الانتصار لأصحاب الحديث " فيوجد في كلامه
من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو
مذموم ومدحور... ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام
والتصوف ما هو معروف كما قال في " الفنون " ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلا مطولا استوعب
سبع صفحات من الكتاب فراجعه.
وجاء فيه أيضا: 1 / 270: وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد وأهل السنة من كثير
من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة كابن عقيل، وصدقة
ابن الحسين، وابن الجوزي، وأمثالهم.
وفيه أيضا: 7 / 263: وفي هذا الباب، باب المضافات إلى الله إضافة خلق وملك،
كإضافة البيت، والناقة، وهذا قول نفاة الصفات من الجهمية، والمعتزلة، ومن وافقهم،
حتى ابن عقيل، وابن الجوزي وأمثالهما إذا مالوا إلى قول المعتزلة سلكوا هذا المسلك،
وقالوا: هذه آيات الإضافات لا آيات الصفات، كما ذكر ذلك ابن عقيل في كتابه المسمى
" نفي التشبيه وإثبات التنزيه " وذكره ابن الجوزي في " منهاج الوصول " وغيره، وهذا قول
بن حزم وأمثاله ممن وافقوا الجهمية على نفي الصفات وإن كانوا من المنتسبين إلى الحديث
والسنة.
وقال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 144: إن أصحابنا كانوا ينقمون
على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر
علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة وتأول لبعض الصفات،
ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله.
وقال الحافظ ابن كثير في " البداية ": 12 / 184: وكان يجتمع بجميع العلماء من كل
مذهب، فربما لامه أصحابه، فلا يلوي عليهم، فلهذا برز على أقرانه، وساد أهل زمانه،
في فنون كثيرة، مع صيانة وديانة، وحسن صورة، وكثرة اشتغال.
وقال الحافظ ابن حجر في " اللسان ": 4 / 243: وهذا الرجل من كبار الأئمة، نعم كان
معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك، وصحت توبته، ثم صنف في الرد عليهم،
وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم، وأطراه ابن الجوزي، وعول على كلامه في أكثر
تصانيفه.
444

وكان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف، وكنز فضائل، لم يكن له
في زمانه نظير على بدعته، وعلق كتاب " الفنون "، وهو أزيد من أربع
مئة مجلد، حشد فيه كل ما كان يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما
يسنح له من الدقائق والغوامض، وما يسمعه من العجائب والحوادث (1).

(1) قال الحافظ ابن رجب: وأكبر تصانيفه الفنون، وهو كتاب كبير جدا، فيه فوائد
كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصلين، والنحو، واللغة، والشعر،
والتاريخ، والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره، ونتائج فكره قيدها
فيه. وقال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو من مئة وخمسين
مجلدا، وقال سبطه في مرآة الزمان: 8 / 151: واختصر منه جدي عشر مجلدات فرقها في
تصانيفه، وقد طالعت منه في بغداد في وقف المأمونية نحوا من سبعين، وفيه حكايات
ومناظرات، وغرائب وعجائب وأشعار. وقال عبد الرزاق الرسعني في تفسيره: قال لي أبو
البقاء اللغوي: سمعت الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول: وقفت على السفر الرابع بعد
الثلاث مئة من كتاب الفنون، وقال الامام الذهبي في " تاريخ الاسلام ": حدثني من رأى منه
المجلد الفلاني بعد الأربع مئة. وقد طبع منه جزء في دار المشرق لبنان سنة 1969، وقع لمحققه
تحريفات فاضحة.
445

حدث عنه: أبو حفص المغازلي، وأبو المعمر الأنصاري،
ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر السمعاني، وأبو طاهر السلفي،
وأبو الفضل خطيب الموصل، وابن ناصر، وآخرون.
أنبأونا عن حماد الحراني، سمع السلفي يقول: ما رأت عيني مثل
أبي الوفاء بن عقيل الفقيه، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه،
وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، تكلم يوما مع شيخنا إلكيا أبي
الحسن، فقال له إلكيا: هذا ليس مذهبك، فقال: أكون مثل أبي علي
الجبائي، وفلان وفلان لا أعلم شيئا؟! أنا لي اجتهاد متى ما طالبني خصم
بالحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي وأقوم له بحجتي، فقال
إلكيا: كذاك الظن بك.
وقال ابن عقيل: عصمني الله في شبابي بأنواع من العصمة،
وقصر محبتي على العلم، وما خالطت لعابا قط، ولا عاشرت إلا أمثالي
من طلبة العلم، وأنا في عشر الثمانين أجد من الحرص على العلم أشد
مما كنت أجده وأنا ابن عشرين، وبلغت لاثنتي عشرة سنة، وأنا اليوم لا
أرى نقصا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر بالعين لرؤية الأهلة
الخفية إلا أن القوة ضعيفة.
قال ابن الجوزي: كان ابن عقيل دينا، حافظا للحدود، توفي له
ابنان، فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه، وكان كريما ينفق ما يجد، وما
خلف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار، توفي بكرة الجمعة ثاني
446

عشر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وكان الجمع يفوت
الاحصاء، قال ابن ناصر شيخنا: حزرتهم بثلاث مئة ألف.
قال المبارك بن كامل: صلي على شيخنا بجامع القصر، فأمهم
ابن شافع، وكان الجمع ما لا يحصى، وحمل إلى جامع المنصور،
فصلي عليه، وجرت فتنة، وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيع كفن، ودفن
قريبا من الإمام أحمد.
وقال ابن الجوزي أيضا فيه: هو فريد فنه، وإمام عصره، كان
حسن الصورة، ظاهر المحاسن، قال: قرأت على القاضي أبي يعلى
من سنة سبع وأربعين وإلى أن توفي، وحظيت من قربه بما لم يحظ به
أحد من أصحابه مع حداثة سني، وكان أبو الحسن الشيرازي إمام الدنيا
وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها، يعلمني المناظرة، وانتفعت
بمصنفاته، ثم سمى جماعة من شيوخه (1).
ثم قال: وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من
العلماء، وكان ذلك يحرمني علما نافعا.
قلت: كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة، ويأبى حتى وقع في
حبائلهم، وتجسر على تأويل النصوص، نسأل الله السلامة.
قال: وأقبل علي الشيخ أبو منصور بن يوسف، وقدمني على
الفتاوي، وأجلسني في حلقة البرامكة بجامع المنصور لما مات شيخنا في
سنة ثمان وخمسين وأربع مئة، وقام بكل مؤنتي وتجملي.

(1) انظر " المنتظم ": 9 / 212، 213، و " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 142،
143.
447

وأما أهل بيتي، فإنهم أرباب أقلام وكتابة وأدب، وعانيت من
الفقر والنسخ بالاجرة مع عفة وتقى، ولم أزاحم فقيها في حلقة، ولا
تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة عن الفائدة، وأوذيت من
أصحابي، حتى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس.
وفي " تاريخ ابن الأثير " (1) قال: كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة
في حداثته على ابن الوليد، فأراد الحنابلة قتله، فاستجار بباب المراتب
عدة سنين، ثم أظهر التوبة (2).
وقال ابن عقيل في " الفنون ": الأصلح لاعتقاد العوام ظواهر الآي،
لانهم يأنسون بالاثبات، فمتى محونا ذلك من قلوبهم، زالت الحشمة.
قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لان
التشبيه يغمسهم في الاثبات، فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلى
النفي، فلا طمع ولا مخافة في النفي، ومن تدبر الشريعة، رآها غامسة
للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه، كقول
الأعرابي: أو يضحك ربنا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم (3)، فلم يكفهر لقوله،
تركه وما وقع له.

(1) 10 / 561.
(2) انظر نص التوبة في " ذيل الطبقات ": 1 / 144، 145.
(3) في " المسند ": 4 / 11، وسنن ابن ماجة: 181، من طريق يزيد بن هارون،
حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضحك ربنا من قنوط عبد وقرب غيره " قال: قلت: يا رسول الله،
أو يضحك الرب؟ قال: " نعم "، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا. وكيع بن عدس
لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، وقال ابن القطان: مجهول الحال،
وباقي رجاله ثقات. وانظر: " الأسماء والصفات ": ص: 467 وما بعدها للبيهقي.
448

قلت: قد صار الظاهر اليوم ظاهرين: أحدهما حق، والثاني
باطل، فالحق أن يقول: إنه سميع بصير، مريد متكلم، حي عليم،
كل شئ هالك إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلم موسى تكليما، واتخذ
إبراهيم خليلا، وأمثال ذلك، فنمره على ما جاء، ونفهم منه دلالة
الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويل يخالف ذلك.
والظاهر الآخر وهو الباطل، والضلال: أن تعتقد قياس الغائب
على الشاهد، وتمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته
كذاته، فلا عدل له، ولا ضد له، ولا نظير له، ولا مثل له، ولا شبيه
له، وليس كمثله شئ، لا في ذاته، ولا في صفاته، وهذا أمر يستوي
فيه الفقيه والعامي، والله أعلم.
قال السلفي: سمعت ابن عقيل يقول: كان جدي كاتب بهاء
الدولة بن بويه، وهو الذي كتب نسخة عزل الطائع، وتولية القادر، وهي
عندي بخط جدي.
وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: حكى ابن عقيل عن نفسه
قال: حججت، فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر، فإذا شيخ أعمى
ينشده، ويبذل لملتقطه مئة دينار، فرددته عليه، فقال: خذ الدنانير،
فامتنعت، وخرجت إلى الشام، وزرت القدس، وقصدت بغداد،
فأويت بحلب إلى مسجد وأنا بردان جائع، فقدموني، فصليت بهم،
فأطعموني، وكان أول رمضان، فقالوا: إمامنا توفي فصل بنا هذا
الشهر، ففعلت، فقالوا: لامامنا بنت، فزوجت بها، فأقمت معها
سنة، وأولدتها [ولدا ذكرا]، فمرضت في نفاسها، فتأملتها يوما فإذا في
عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر، فقلت لها: لهذا قصة، وحكيت لها،
449

فبكت، وقالت: أنت هو والله، لقد كان أبي يبكي، ويقول: اللهم
ارزق بنتي مثل الذي رد العقد علي، وقد استجاب الله منه، ثم ماتت،
فأخذت العقد والميراث، وعدت إلى بغداد (1).
وحكى عن نفسه قال: كان عندنا بالظفرية دار، كلما سكنها ناس
أصبحوا موتى، فجاء مرة رجل مقرئ، فاكتراها، وارتضى بها، فبات
بها وأصبح سالما، فعجب الجيران، وأقام مدة، ثم انتقل، فسئل،
فقال: لما بت بها، صليت العشاء، وقرأت شيئا، وإذا شاب قد صعد
من البئر، فسلم علي، فبهت، فقال: لا بأس عليك، علمني شيئا من
القرآن، فشرعت أعلمه، ثم قلت: هذه الدار، كيف حديثها؟ قال:
نحن جن مسلمون، نقرأ ونصلي، وهذه الدار ما يكتريها إلا الفساق،
فيجتمعون على الخمر، فنخنقهم، قلت: ففي الليل أخافك، فجئ
نهارا، قال: نعم، فكان يصعد من البئر في النهار، وألفته، فبينما هو
يقرأ، إذا بمعزم في الدرب يقول: المرقي من الدبيب، ومن العين،
ومن الجن، فقال: أيش هذا؟ قلت: معزم، قال: اطلبه، فقمت
وأدخلته، فإذا بالجني قد صار ثعبانا في السقف، فعزم الرجل، فما زال
الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل، فقام ليأخذه ويضعه في الزنبيل،
فمنعته فقال: أتمنعني من صيدي؟! فأعطيته دينارا وراح، فانتفض
الثعبان، وخرج الجني، وقد ضعف واصفر وذاب، فقلت: مالك؟
قال: قتلني هذا بهذه الأسامي، وما أظنني أفلح، فاجعل بالك الليلة،
متى سمعت في البئر صراخا، فانهزم. قال: فسمعت تلك الليلة

(1) مرآة الزمان: 8 / 52، 53، وقد رواها الذهبي رحمه الله بتصرف.
450

النعي، فانهزمت. قال ابن عقيل: وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار
بعدها (1).
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا أبو البقاء يعيش، أخبرنا عبد الله
ابن أحمد الخطيب، أخبرنا علي بن عقيل الفقيه، أخبرنا أبو محمد
الجوهري، أخبرنا القطيعي، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا هوذة، حدثنا
عوف، عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس، إذ أتاه
رجل، فقال: إنما معيشتي من التصاوير، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " من صور صورة، عذبه الله يوم القيامة حتى ينفخ فيها، وليس
بنافخ فيها أبدا " (2).
260 - ابن أبي عمامة *
المفتي الواعظ الكبير، أبو سعد المعمر بن علي بن المعمر بن أبي

(1) مرآة الزمان: 8 / 53، 54.
(2) بشر بن موسى هو الأسدي ثقة حافظ مترجم في الجزء الثالث عشر من " السير " رقم
(170) وهوذة: هو ابن خليفة الثقفي البكراوي صدوق، وعوف: هو ابن أبي جميلة الأعرابي
روى له الجماعة، وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري ثقة روي له الجماعة، وأخرجه
أحمد 1 / 360 من طريقين عن عوف بهذا الاسناد، وأخرجه مسلم (2110) من طريق نصر بن
علي الجهضمي عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سعيد ابن
أبي الحسن، عن ابن عباس، وأخرجه البخاري (2225) من طريق عبد الله بن عبد الوهاب،
حدثنا يزيد بن زريع، أخبرنا عوف به، وفيه عندهما: فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقال
له ابن عباس: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، وكل شئ ليس فيه روح.
وأخرجه هو (5963) في اللباس، ومسلم (2110) (100) في اللباس والزينة، والنسائي:
8 / 215، وأحمد: 1 / 241 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن النضر بن أنس بن مالك، عن
ابن عباس. * المنتظم: 9 / 173 - 174، تاريخ الاسلام: 4: 179 / 2 - 180، العبر:
4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، البداية: 12 / 175، ذيل طبقات الحنابلة:
1 / 107 - 110، النجوم الزاهرة: 5 / 205، شذرات الذهب: 4 / 14 - 15.
451

عمامة البغدادي الحنبلي.
ولد سنة تسع وعشرين وأربع مئة.
وسمع من ابن غيلان، وأبي محمد بن المقتدر، والحسن بن
محمد الخلال، وعبد العزيز بن علي الازجي، وأبي القاسم التنوخي،
وروى اليسير.
حدث عنه: ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري.
قال ابن النجار: درس الفقه على شيوخ زمانه، وأفتى وناظر،
وحفظ من الآداب والشعر والنوادر في الجد والهزل ما لم يحفظه غيره،
وانفرد بالوعظ (1)، وانتفعوا بمجالسه، فكان يبكي الناس ويضحكهم،
وله قبول عظيم عند الخاص والعام، وكان له من حدة الخاطر، وخفة
الروح ما شاع وذاع واتفق عليه الاجماع، وكان يؤم بالامام المقتدي بأمر
الله في التراويح وينادمه.
مات في ربيع الأول سنة ست وخمس مئة، وشيعه خلق كثير،
وساق ابن النجار نوادر وطيب مزاح له.

(1) ذكر له ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 173، 174، والحافظ ابن رجب في
" ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 107، 109، مجلس وعظ بجامع المهدي نصح به نظام
الملك الوزير نصيحة تلمح فيها العلم الأصيل، وعزة المؤمن، ونزاهة القصد، وكمال
الشفقة للمنصوح. أكثر الله في المسلمين من أمثاله في عصرنا هذا... الذي شاع فيه
المداهنون الذين يبتغون بنصحهم حطام الدنيا، والتزلف لأصحاب النفوذ، والمتطرفون
الذين ينزعون إلى الغلو والتنطع، وسوء الظن والتهور، وكلاهما بمنأى عن صراط الله
السوي، ونهجه الحكيم.
452

أخوه:
261 - [عثمان بن علي] *
الشيخ المعمر، أبو المعالي عثمان بن علي بن المعمر بن أبي
عمامة البغدادي البقال.
سمع من أبي طالب بن غيلان، وعمر بن عبد الملك الرزان، وقرأ
الأدب على عبد الواحد بن برهان، والحسن بن محمد الدهان، وروى
قليلا.
قال ابن النجار: كان عسرا، غير مرضي السيرة، يخل
بالصلوات، ويرتكب المحظورات، روى عنه ابن الاخوة والسلفي، قال
السلفي: قرأ اللغة على ابن برهان إلا أن في عقله خللا، وهو حسن
الطريقة.
وقال السمعاني: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: رأينا أبا
المعالي ابن أبي عمامة في جامع المنصور، ومعنا جزء، فأردنا أن نقرأه
عليه، فسألناه، فأبى، فألححنا عليه، فرفع صوته، وقال: أيها
الناس، اشهدوا أني كذاب، ثم قال: لا يحل لكم أن تسمعوا من
كذاب، قوموا. قال: وكان شاعرا هجاء، خبيث اللسان.
مات في ربيع الأول سنة سبع عشرة وخمس مئة، وله إحدى
وتسعون سنة.

* المنتظم: 9 / 248، تاريخ الاسلام: 4 / 231 / 1، ميزان الاعتدال: 2 / 49،
لسان الميزان: 4 / 148، 149.
453

262 - الطغرائي *
العميد، فخر الكتاب، مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي
ابن محمد بن عبد الصمد الأصبهاني المنشئ، الشاعر، ذو باع مديد
في الصناعتين، وله لامية العجم بديعة (1)، وما أملح قوله:
يا قلب مالك والهوى من بعدما * طاب السلو وأقصر العشاق
أو ما بدا لك في الإفاقة والألى * نازعتهم كأس (2) الغرام أفاقوا

* الأنساب: لوحة: 543، معجم الأدباء: 10 / 56 - 79، اللباب: 3 / 262 -
263، وفيات الأعيان: 2 / 185 - 190، تاريخ الاسلام: 4 / 213 / 2، العبر: 4 / 32،
تتمة المختصر: 2 / 49 - 50، الوافي بالوفيات: 14 / 431 - 439، عيون التواريخ:
لوحة: 357 - 366، مرآة الزمان: 8 / 56 - 58، مرآة الجنان: 3 / 210، البداية:
12 / 190، النجوم الزاهرة: 5 / 220، مفتاح السعادة: 1 / 197 - 198، كشف الظنون:
68، شذرات الذهب: 4 / 41 - 43، النزهة للموسوي: 2 / 73، روضات الجنات:
248، أعيان الشيعة: 27 / 76 - 88.
(1) ومطلعها:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل * وحلية الفضل زانتني لدى العطل
وهي طويلة تنيف على ستين بيتا، وقالوا فيها: إنها من غرر القصائد، ودرر الفوائد،
لما اشتملت عليه من لطيف الغزل، واحتوت عليه من الحكم والامثال، ومما يستجاد منها
قوله:
أعلل النفس بالآمال أرقبها * ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
وقوله:
يا واردا سؤر عيش كله كدر * أنفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لج البحر تركبه * وأنت يكفيك منه مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا * يحتاج فيه إلى الأنصار والخول
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها * فهل سمعت بظل غير منتقل
ويا خبيرا على الاسرار مطلعا * اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل
قد رشحوك لأمر لو فطنت له * فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وقد أقام عليها الصلاح الصفدي شرحا مطولا، وهو مطبوع في مجلدين ضخمين.
(2) في الأصل: كان وهو خطأ.
454

مرض النسيم وصح والداء الذي * تشكوه لا يرجى له إفراق
وهذا خفوق البرق والقلب (1) الذي * تطوى عليه أضالعي خفاق
قتل سنة أربع عشرة وخمس مئة.
263 - السعيدي *
الشيخ العلامة، البارع المعمر، شيخ العربية واللغة، أبو عبد الله
محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي المصري الأديب.
مولده في المحرم سنة عشرين وأربع مئة.
ولو سمع في صباه، لسمع من مسند مصر أبي عبد الله بن نظيف
الفراء.
وقد سمع في الكبر من القاضي أبي عبد الله القضاعي، وعبد
العزيز بن الحسن الضراب، وكريمة المروزية، فجاور، وسمع منها
" صحيح البخاري ".
حدث عنه: السلفي، والشريف أبو الفتوح الخطيب، وإسماعيل
ابن علي النحوي، ومنجب المرشدي، وأبو القاسم هبة الله البوصيري،
وآخرون.

(1) في تاريخ الاسلام: والبرق. * خريدة القصر: 2 / 156، معجم الأدباء: 18 / 39 - 40، إنباء الرواة:
3 / 78 - 79، أخبار المحمدين: الورقة: 59، تاريخ الاسلام: 4 / 243 / 1، العبر:
4 / 47، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، الوافي بالوفيات: 2 / 247، مرآة
الجنان: 3 / 225، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 28 - 29، حسن المحاضرة: 1 / 532،
بغية الوعاة: 1 / 59 - 61، كشف الظنون: 715، شذرات الذهب: 4 / 62.
455

أرخ السلفي مولده، وقال: كان شيخ مصر في عصره في
اللغة (1).
توفي في ربيع الآخر سنة عشرين وخمس مئة، وله مئة سنة وثلاثة
أشهر.
ذكره العماد الكاتب، فقال: عمل في مسافر العطار:
يا عنق الإبريق من فضة * ويا قوام الغصن الرطب
هبك تجافيت وأقصيتني * تقدر أن تخرج من قلبي
264 - ابن برهان *
العلامة الفقيه، أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان (2) بن
الحمامي، البغدادي الشافعي.
كان أحد الأذكياء، بارعا في المذهب وأصوله، من أصحاب ابن

(1) وقال ياقوت في معجم الأدباء: وله من الكتب كتاب " خطط مصر " أجاد فيه، وله
عدة تصانيف في النحو، وله " الناسخ والمنسوخ "، ووصفه الصلاح الصفدي في " الوافي
بالوفيات ": 2 / 247 بأنه عالي المحل في النحو والأدب وسائر فنون الأدب، منحط الشعر. * المنتظم: 9 / 250 - 251، الكامل في التاربخ: 10 / 625، وفيات الأعيان:
1 / 99، تاريخ الاسلام: 4: 232 / 2 - 233 / 1، المستفاد: 62، الوافي بالوفيات:
7 / 207 - 208، عيون التواريخ: 13 / 445 - 446، مرآة الجنان: 3 / 25، طبقات
السبكي: 6 / 30 - 31، طبقات الأسنوي: 1 / 207، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 307
البداية والنهاية: 12 / 194، 196، المزهر في علوم اللغة: 1 / 20، 61، 298، طبقات ابن
هداية الله: 201، كشف الظنون: 201، 2001، شذرات الذهب: 4 / 61، روضات
الجنات: 71، هدية العارفين: 1 / 82.
(2) بفتح الباء كما في الأصل، وكما ضبطه غير واحد، ومنهم المؤلف في:
" المشتبه ": 1 / 80.
456

عقيل (1)، ثم تحول شافعيا، ودرس بالنظامية.
تفقه بالشاشي والغزالي.
وسمع من النعالي، وابن البطر، وبقراءته سمع ابن كليب
الصحيح من أبي طالب الزينبي.
قال ابن النجار: كان خارق الذكاء، لا يكاد يسمع شيئا إلا
حفظه، حلالا للمشكلات، يضرب به المثل في تبحره، تصدر للإفادة
مدة (2)، وصار من أعلام الدين، مات كهلا سنة ثماني عشرة وخمس
مئة.
265 - أبو عدنان *
الشيخ الجليل، المعمر النبيل، أبو عدنان محمد بن أحمد بن
الشيخ أبي عمر المطهر بن أبي نزار محمد بن علي بن محمد بن أحمد
ابن بجير الربعي الأصبهاني.
ولد سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
سمع " المعجم الصغير " من أبي بكر بن ريذه، وسمع من جده
المطهر، وجعفر بن محمد بن جعفر، وسمع كتاب " الرهبان "

(1) الحنبلي وقد تقدمت ترجمته برقم (259).
(2) وكان الطلبة يقصدونه من البلدان إلى أن صار جميع نهاره، وقطعة من ليله مستوعبا
للاشتغال والقاء الدروس، وله مصنفات في أصول الفقه، منها " الأوسط "، و " الوجيز "،
وغير ذلك. انظر " طبقات السبكي ": 6 / 31. * معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة: 202 ب - 203 أ، التحبير: 2 / 81 - 84،
تاريخ الاسلام: 4 / 226 / 2.
457

للأسلي (1) من أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وكتاب
" شيوخ شعبة " للطيالسي منه عن أبي الشيخ، وكتاب " العيد " لأبي
الشيخ، وكتاب " الأطعمة " لابن أبي عاصم، وكتاب " السنة " (2)
ليعقوب الفسوي، وكتاب " المحنة " جمع صالح بن أحمد.
حدث عنه: أبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، ويحيى بن
محمود الثقفي وآخرون.
قال السمعاني: هو شيخ، سديد، صالح، هو أبو شيخينا عبد
المغيث (3) وعبد الجليل (4).
قال أبو موسى: توفي في شهر ربيع الأول سنة ست عشرة وخمس
مئة.
266 - العلوي *
الشيخ الكبير، شيخ الصوفية بأصبهان، السيد أبو محمد حمزة بن
العباس بن علي العلوي الحسيني، الأصبهاني الصوفي، مكثر عن أبي
طاهر بن عبد الرحيم، وكان مقدم الطائفة، ويعرف ببرطلة (5).

(1) انظر هامش " الأنساب ": 1 / 249، و " التحبير ": 2 / 82.
اسمه الكامل كما في " التحبير ": 2 / 83: " السنة ومجانبة أهل البدع ".
(3) ترجم له السمعاني في " التحبير ": 1 / 485، فقال: من بيت الحديث وأهله،
كان شيخا صالحا، ثقة صدوقا، من أهل الخير، وأرخ وفاته سنة 548 ه‍.
(4) في " التحبير ": 1 / 431: شيخ صالح مستور من بيت الحديث، وكانت ولادته
في حدود سنة سبعين وأربع مئة تقديرا. * معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة: 98 أ - 98 ب، التحبير: 1 / 253 - 255،
تاريخ الاسلام: 4 / 229 / 2، العبر: 4 / 40، شذرات الذهب: 4 / 55.
(5) وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 253: سيد حسن السيرة، ورع، جميل
الامر، مشهور في بلده عند الخواص والعوام، عفيف، وكان شيخ الصوفية، ومقدمهم،
عمر العمر الطويل حتى حدث، وسمع منه الناس، ورحلوا إليه.
458

روى عنه: السلفي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى المديني،
ومحمد بن عبد الخالق بن أبي شكر الجوهري، وعفيفة الفارفانية (1)
خاتمة أصحابه، وذكره السمعاني في شيوخه بالإجازة (2).
توفي في سادس عشر جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مئة.
267 - ابن سارة *
شاعر الأندلس، أبو محمد عبد الله بن محمد بن صارة، ويقال:
سارة، اللغوي الشنتريني (3)، نزيل إشبيلية.

(1) في الأصل: الفارقانية بالقاف وهو تصحيف، وقد ضبط السمعاني والمنذري الراء
بالسكون، وضبطها ياقوت بالكسر، وفارفان: قرية من قرى أصبهان، وعفيفة هذه هي
الشيخة الصالحة المسندة أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارفانية الأصبهانية، توفيت
سنة 606 ه‍ وسترد ترجمتها عند المؤلف في هذا الكتاب.
(2) في " التحبير ": 1 / 254، ونص كلامه: كتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته
ورواياته، ومن جملتها كتاب " العلل " لعلي ابن المديني، و " الفوائد " لأبي علي
ابن منجويه...، وكتاب " التوحيد والرد على من خالف السنة " تصنيف أبي الحسن علي بن
أحمد البوشنجي...، وكتاب " الهادي " لأبي عبد الله بن منده الحافظ... * قلائد العقبان: 260، الذخيرة: 2 ق / 2 م / 834 - 850، معجم السلفي:
الورقة: 212، الخريدة: 2 / 315، بغية الملتمس: رقم 896، بدائع البدائة: 376،
المطرب: 78، 138، تكملة الصلة: 462، المغرب: 1 / 419، وفيات الأعيان:
3 / 93 - 95، تاريخ الاسلام: 4 / 230 / 1، العبر: 4 / 40، المسالك: 11 / 383،
الإحاطة: 3 / 439 - 441، بغية الوعاة: 2 / 57، أخباره في نفح الطيب: 1 / 499،
2 / 30 و 652، 3 / 216 و 438 و 441 و 449 و 458 و 567 و 600 و، 4 / 301 و 325 و 345،
كشف الظنون: 795، شذرات الذهب: 4 / 55 - 56، هدية العارفين: 1 / 454.
(3) بفتح الشين المعجمة، وسكون النون، وفتح التاء، وكسر الراء: نسبة إلى
شنترين بلدة في غرب جزيرة الأندلس، انظر معجم البلدان: 3 / 367.
459

نسخ بخطه المليح للناس كثيرا (1)، ومدح الامراء، وكتب
لبعضهم، وله ديوان مشهور (2).
توفي سنة سبع عشرة وخمس مئة.
268 - الحريري *
العلامة البارع، ذو البلاغتين، أبو محمد القاسم بن علي بن

(1) وصفه ابن خلكان: 3 / 93 بأنه كان قليل الحظ إلا من الحرمان، لم يسعه
مكان، ولا اشتمل عليه سلطان، وذكر ابن بسام في " الذخيرة ": 2 / 2 / 835 أنه كان يتبلغ
بالوارقه وله منها جانب، وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخلو طريقها، وفيها
يقول:
؟؟؟؟؟؟؟؟ فهي أيكة حرفة * أوراقها وثمارها الحرمان
شبهت صاحبها بصاحب إبرة * تكسو العراة وجسمها عريان
(2) وقد أورد طائفة من شعره في " الذخيرة ": و " نفح الطيب "، و " قلائد
العقيان "، و " الخريدة "، وغيرها من المصادر التي ترجمت له، ومما أنشده له المقري في
" نفح الطيب ": 4 / 345. قوله:
بنو الدنيا بجهل عظموها * فجلت عندهم وهي الحقيرة
يهارش بعضهم بعضا عليها * مهارشة الكلاب على العقيره
وقوله:
أي عذر يكون لا أي عذر * لابن سبعين مولع بالصبابه
وهو ماء لم تبق منه الليالي * في إناء الحياة إلا صبابه
وقوله:
ولقد طلبت رضى البرية جاهدا * فإذا رضاهم غاية لا تدرك
وأرى القناعة للفتى كنزا له * والبر أفضل ما به يتمسك
وقوله:
يا من تعرض دونه شحط النوى * فاستشرفت لحديثه أسماعي
إني لمن يحظى بقربك حاسد * ونواظري يحسدن فيك رقاعي
لم تطوك الأيام عني إنما * نقلتك من عيني إلى أضلاعي * الأنساب: 4 / 95 و 121، نزهة الألباء 379 - 381، المنتظم: 9 / 241،
شرح الشريشي: 1 / 3، معجم البلدان: 2 / 235، معجم الأدباء: 16 / 261 - 293،
اللباب: 352 - 353 - 360، الكامل في التاريخ: 10 / 596، طبقات ابن الصلاح:
الورقة: 74، إنباه الرواة: 3 / 23 - 27، وفيات الأعيان: 4 / 63 - 68، مختصر دول
الاسلام لابن العبري: 2 / 30، المختصر في أخبار البشر: 2 / 235 - 236، تاريخ
الاسلام: 4: 225 / 1 - 226 / 2، دول الاسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 38، تذكرة
الحفاظ: 4 / 1257، تتمة المختصر: 2 / 47 - 49، تلخيص ابن مكتوم: 194، عيون
التواريخ: 13 / 406 - 414، مرآة الجنان: 3 / 213 - 221، مرآة الزمان: 8 / 67،
طبقات السبكي: 7 / 266 - 270، طبقات الأسنوي: 1 / 429 - 432، البداية والنهاية:
12 / 191، 192، وفيات ابن قنفذ: 269 - 270، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة:
479، النجوم الزاهرة: 5 / 235، بغية الوعاة: 2 / 257 - 259، مفتاح السعادة:
1 / 223، معاهد التنصيص: 3 / 270 - 277، كشف الظنون: 507 - 789، شذرات
الذهب: 4 / 50 - 53، خزانة الأدب: 3 / 117، نزهة الجليس: 2 / 2 - 5، الفلاكة
والمفلوكون: 118 - 119، روضات الجنات: 527 - 528، هدية العارفين: 1 / 827،
كنوز الأجداد: 282 - 290، دائرة المعارف الاسلامية: 7 / 365 - 367.
460

محمد بن عثمان البصري الحرامي (1) الحريري، صاحب المقامات.
ولد بقرية المشان من عمل البصرة.
وسمع من أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى، وأبي القاسم
الفضل القصباني، وتخرج به في الأدب.
قال ابن افتخار: قدم الحريري بغداد، وقرأ على علي بن فضال
المجاشعي، وتفقه على ابن الصباغ، وأبي إسحاق الشيرازي، وقرأ
الفرائض على الخبري، ثم قدم بغداد سنة خمس مئة، وحدث بها بجزء
من حديثه وبمقاماته، وقد أخذ عليه فيها ابن الخشاب (2) أوهاما يسيرة

(1) نسبة إلى محلة بالبصرة، وبنو حرام قبيلة من العرب سكنوا في هذه المحلة،
فنسبت إليهم.
(2) هو عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر البغدادي النحوي اللغوي
المتوفى سنة 567 ه‍، وسترد ترجمته برقم (337) في الجزء العشرين.
461

اعتذر عنها ابن بري (1).
قلت: وأملى بالبصرة مجالس، وعمل " درة الغواص في وهم
الخواص " (2)، و " الملحة " وشرحها (3)، وديوانا في الترسل، وغير
ذلك، وخضع لنثره ونظمه البلغاء.
روى عنه ابنه أبو القاسم عبد الله، والوزير علي بن طراد، وقوام
الدين علي بن صدقة، والحافظ ابن ناصر، وأبو العباس المندائي، وأبو
بكر بن النقور، ومحمد بن أسعد العراقي، والمبارك بن أحمد الازجي،
وعلي بن المظفر الظهيري، وأحمد بن الناعم، ومنوجهر بن تركانشاه،
وأبو الكرم الكرابيسي، وأبو علي بن المتوكل، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة أبو طاهر الخشوعي الذي أجاز
لشيوخنا، فعن الحريري قال: كان أبو زيد السروجي شيخنا شحاذا
بليغا، ومكديا (4) فصيحا، ورد البصرة علينا، فوقف في مسجد بني
حرام، فسلم، ثم سأل، وكان الوالي حاضرا، والمسجد غاص
بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته، وذكر أسر الروم ولده كما ذكرنا في
" المقامة الحرامية " فاجتمع عندي جماعة، فحكيت أمره، فحكى لي
كل واحد أنه شاهد منه في مسجد مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه معنى

(1) هو أبو محمد عبد الله بن بري المقدسي المصري، أحد أئمة اللغة والنحو،
المتوفى سنة 576 أو 582 ه‍. وسترد ترجمته عند المؤلف.
(2) ولها شروح كثيرة اجتمع منها عند البغدادي صاحب الخزانة: 3 / 117 خمسة
شروح.
(3) في الاعراب، قال البغدادي: وهو عند العلماء يعد ضعيفا في النحو.
(4) من الكدية، وهو سؤال الناس، يقال: أكدى: ألح في المسألة.
462

في فصل، وكان يغير شكله، فتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه
في تلونه، وإحسانه، وعليه بنيت هذه المقامات. نقل هذه القصة التاج
المسعودي عن ابن النقور عنه.
قلت: اشتهرت المقامات، وأعجبت وزير المسترشد شرف الدين
أنو شروان القاشاني (1)، فأشار عليه بإتمامها، وهو القائل في الخطبة:
فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم.
وأما تسميته الراوي لها بالحارث بن همام، فعنى به نفسه أخذا بما
ورد في الحديث: " كلكم حارث، وكلكم همام " (2) فالحارث:
الكاسب، والهمام: الكثير الاهتمام، فقصد الصفة فيهما، لا العلمية.
وبنوا حرام: بحاء مفتوحة وراء، والمشان بالفتح: بليدة فوق البصرة
معروفة بالوخم.
قال ابن خلكان (3): وجدت في عدة تواريخ أن الحريري صنف

(1) مترجم في " المنتظم ": 10 / 77، و " البداية والنهاية ": 12 / 191، وشذرات
الذهب: 4 / 101.
(2) لا يعرف بهذا اللفظ، ويقرب منه ما أخرجه أحمد: 4 / 345، وأبو داوود
(495) في الأدب: باب تغيير الأسماء، والنسائي: 6 / 218، 219 في الخيل: باب ما
يستحب من شية الخيل، والبخاري في " الأدب المفرد ": 2 / 277 من طريق عقيل بن
شبيب، عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " تسموا بأسماء
الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمان، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها
حرب ومرة " وعقيل بن شبيب لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وله شواهد من
حديث المغيرة بن شعبة عند مسلم (2135)، ومن حديث ابن عمر عند مسلم (2132) أيضا،
ومن حديث عبد الله بن عمر اليحصبي مرسلا عند ابن وهب في " الجامع ": ص: 7،
وسنده صحيح.
(3) في " وفيات الأعيان ": 4 / 64.
463

المقامات بإشارة أنو شروان، إلى أن رأيت بالقاهرة نسخة بخط
المصنف، وقد كتب أنه صنفها للوزير جلال الدين أبي علي بن صدقة
وزير المسترشد، فهذا أصح، لأنه بخط المصنف.
وفي " تاريخ النحاة " (1) للقفطي أن أبا زيد السروجي اسمه مطهر
ابن سلار، وكان بصريا لغويا، صحب الحريري، وتخرج به، وتوفي
بعد عام أربعين وخمس مئة، سمع أبو الفتح المندائي منه " الملحة "
بسماعه من الحريري.
وقيل: إن الحريري عمل المقامات أربعين وأتى بها إلى بغداد،
فقال بعض الأدباء: هذه لرجل مغربي مات بالبصرة، فادعاها الحريري،
فسأله الوزير عن صناعته، فقال: الأدب، فاقترح عليه إنشاء رسالة في
واقعة عينها، فانفرد وقعد زمانا لم يفتح عليه بما يكتبه، فقام خجلا.
وقال علي بن أفلح الشاعر:
شيخ لنا من ربيعة الفرس * ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما * رماه وسط الديوان بالخرس
وكان يذكر أنه من ربيعة [الفرس]، وكان يعبث بلحيته، فلما رد
إلى بلده، كملها خمسين ونفذها، واعتذر عن عيه بالهيبة (2).
وقيل: بل كره المقامة ببغداد، فتجاهل، وقبل صغيرا بحلقة.

(1) 3 / 276 في ترجمة المطهر بن سلار.
(2) " وفيات الأعيان ": 4 / 65، 66، والعثنون: طرف اللحية، والهوس محركة:
طرف من الجنون وخفة العقل. وقال البغدادي في " خزانة الأدب ": 3 / 117 عن مقامات
الحريري: اشتملت على شئ كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها، ورموز أسرار
كلامها، ومن عرفها حق معرفتها، استدل بها على فضله، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته.
464

وكان غنيا له ثمانية عشر ألف نخلة.
وقيل: كان عفشا زري اللباس (1) فيه بخل، فنهاه الأمير عن نتف
لحيته، وتوعده، فتكلم يوما بشئ أعجب الأمير، فقال: سلني ما
شئت، قال: أقطعني لحيتي، فضحك، وقال: قد فعلت.
توفي الحريري في سادس رجب سنة ست عشرة وخمس مئة
بالبصرة، وخلف ابنين: نجم الدين عبد الله، وقاضي البصرة ضياء
الاسلام عبيد الله، وعمره سبعون سنة.
269 - ابن السمرقندي *
الشيخ الامام، المحدث المتقن، أبو محمد عبد الله بن المقرئ
المحقق أحمد بن عمر بن أبي الأشعث بن السمرقندي، الدمشقي
المولد، البغدادي الدار، اللغوي، أخو المحدث إسماعيل.
سمع أبا بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، وأبا نصر بن
طلاب، وعبد الدائم الهلالي بدمشق، وأبا الحسين بن النقور،
والصريفيني، وعدة ببغداد، وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف ببوشنج،
وعلي بن موسى الموسوي بمرو، وكامل بن إبراهيم الخندقي بجرجان،

(1) ذكروا أنه جاء غريب يزوره، ويأخذ عنه شيئا، فلما رآه استقبح منظره،
واستزراه، ففهم ذلك الحريري منه، فأملى عليه قوله:
ما أنت أول سار غره قمر * ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل * مثل المعيدي فأسمع بي ولا ترني * المنتظم: 9 / 238 - 239، الكامل في التاريخ: 10 / 605، تاريخ الاسلام:
4 / 223 / 2، دول الاسلام: 2 /، العبر: 4 / 37، تذكرة الحفاظ: 4 / 1263،
المستفاد: 137 - 138، البداية والنهاية: 12 / 191، النجوم الزاهرة: 5 / 223، شذرات
الذهب: 4 / 49.
465

والفضل بن المحب، وعدة بنيسابور، وأبا منصور بن شكرويه وطبقته
بأصبهان.
وعني بالحديث، وكتب الكثير، وكان يفهم ويدري، مع الاتقان
والتحري والدين، وسعة الأدب، وكان يقرأ لنظام الملك على الشيوخ،
ويفيده.
خرج لنفسه المعجم.
مولده سنة (444).
حدث عنه السلفي، وقال: كان فاضلا عالما، ثقة، ذا لسن
وعربية، إذا قرأ أعرب وأغرب.
قلت: مات في ربيع الآخر سنة ست عشرة وخمس مئة، وكان
أبوه من كبار تلامذة أبي علي الأهوازي في القراءات، وسيأتي أخوه
إسماعيل بن السمرقندي.
قال ابن النجار: كان أبو محمد يكتب مليحا، ويضبط صحيحا،
كان موصوفا بالحفظ والثقة. روى عنه أخوه وبنته كمال (1)، وابن ناصر،
وهبة الله بن مكرم، وشيخنا ذاكر بن كامل، ويحيى بن بوش.
وقال عبد الغافر في " السياق ": أبو محمد السمرقندي شاب،

(1) هي المحدثة أم الحسن كمال بنت عبد الله بن أحمد السمرقندي، حدثت عن
النعالي وطراد الزينبي، وقرئ عليها الجزء الثاني من أمالي إسماعيل المحاملي، وسمع
عليها الجزء السادس والسابع والثامن من حديث المحاملي بسماعها من عمر بن علي
الطوسي، وتوفيت سنة 558 سترد ترجمتها في الجزء العشرين برقم (276).
466

فاضل، حافظ، حديد الخاطر، خفيف الروح.
إلى أن قال: كان حافظ وقته (1).
270 - أبو سعد بن الطيوري *
الشيخ الصدوق المسند، أبو سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد
ابن القاسم الصيرفي بن الطيوري البغدادي، المقرئ الدلال في
الكتب، أخو المحدث أبي الحسين.
كان صالحا، مقرئا، مكثرا.
سمع أبا طالب بن غيلان، وأبا محمد الخلال، وأبا الطيب
الطبري، والجوهري، والعشاري، وعدة.
وأجاز له أبو علي الأهوازي، والحافظ محمد بن علي الصوري،
والحسن بن محمد الخلال، وطائفة.
قال ابن النجار: قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن علي
الخياط، وأبي علي بن البناء.

(1) في منتظم ابن الجوزي: 9 / 239: أن المترجم قصد أبا عثمان بن الورقاء في
بيت المقدس، فطلب منه جزءا، فوعده به، ونسي أن يخرجه، فتقاضاه، فوعده مرارا،
فقال له: أيها الشيخ، لا تنظر إلي بعين الصبوة، فإن الله قد رزقني من هذا الشأن ما لم
يرزق أبا زرعة الرازي، فقال له الشيخ: الحمد لله، ثم رجع إليه يطلب الجزء، فقال
الشيخ: أيها الشاب إني طلبت البارحة الاجزاء، فلم أجد فيها جزءا لأبي زرعة الرازي،
فخجل وقام. * المنتظم: 9 / 247، تاريخ الاسلام: 4 / 228 / 1، العبر: 4 / 39، تذكرة
الحفاظ، 4 / 1265، الوافي بالوفيات: 7 / 14، عيون التواريخ: 13 / 430، غاية النهاية:
1 / 65، شذرات الذهب: 4 / 53 - 54.
467

قال: وأجاز له عبد العزيز بن علي الازجي وغيره.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والصائن بن عساكر، وابن بوش،
وذاكر بن كامل وعدة، وتفرد بإجازته يحيى بن بوش، وعفيفة الفارفانية.
توفي في رجب سنة سبع عشرة وخمس مئة، وكان مولده في سنة
أربع وثلاثين وأربع مئة.
قال ابن النجار: صدوق، صحيح السماع، دلال في الكتب.
أنبأنا أحمد بن سلامة، أنبأنا يحيى بن بوش، أخبرنا أحمد بن عبد
الجبار قراءة عليه، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي،
حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد، أخبرنا ابن أبي خالد، عن
حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" الذهب بالذهب، مثلا بمثل، يدا بيد... " وذكر الحديث (1).

(1) إسناده صحيح، الحارث بن محمد هو ابن أبي أسامة التميمي البغدادي الحافظ
صاحب المسند، ويزيد: هو ابن هارون الواسطي، وابن أبي خالد: هو إسماعيل بن أبي
خالد الأحمسي، وأخرجه النسائي: 7 / 277، والبيهقي: 5 / 278 من طريقين، عن
إسماعيل بن أبي خالد بهذا الاسناد.
وأخرجه أحمد: 5 / 320، ومسلم (1587)، وأبو داود (3350)، والترمذي
(1240)، وابن الجارود (650)، والدارمي: 2 / 258، 259، والدارقطني: 3 / 24،
والطحاوي: 4 / 66، والبيهقي: 5 / 278 و 284 من طريق أبي قلابة عبد الله بن زيد
الجرمي، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح
بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي
فيه سواء ". وقد تابع أبا قلابة عليه مسلم بن يسار المكي، عن أبي الأشعث به، عند أبي
داود (3349)، والنسائي: 7 / 274 - 277، وابن ماجة (2254)، والطحاوي: 4 / 66،
والبيهقي: 5 / 277.
468

271 - ابن المهتدي بالله *
الشيخ الجليل، الصالح العدل الصادق، أبو الغنائم محمد بن
محمد بن أحمد بن محمد بن المهتدي بالله الهاشمي العباسي، البغدادي
الحريمي (1)، الخطيب، من بقايا المسندين ببغداد.
سمع أبا القاسم بن لؤلؤ، وأبا الحسن القزويني، وأبا إسحاق
البرمكي، وأبا محمد الجوهري.
حدث عنه ابن ناصر، والسلفي، وذاكر بن كامل، وأبو طاهر
المبارك بن المعطوش، وآخرون، وأجاز للخشوعي (2).
مولده في سنة ست وثلاثين وأربع مئة، ومات في ربيع الأول سنة
(517).
272 - الفرضي * *
الشيخ أبو المعالي هبة الله بن محمد بن أحمد بن مسلم
البغدادي (3) الفرضي، أخو نصر الله.
سمع أبا طالب بن غيلان، وأبا محمد بن الخلال، والجوهري.

* المنتظم: 9 / 248، تاريخ الاسلام: 4 / 231 / 2 - 232 / 1، العبر: 4 / 41،
الوافي بالوفيات: 1 / 153 - 154، شذرات الذهب: 4 / 57.
(1) نسبة إلى الحريم الطاهري: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الغربي منها.
(2) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 248: وكان شيخا ذا هيئة جميلة، وصلاح
ظاهر، وسماعه صحيح، وكان شيخنا عبد الوهاب يثني عليه، ويصفه بالصدق، والصلاح،
وعاش مئة وثلاثين سنة وكسرا ممتعا بجميع جوارحه.
(* *) تاريخ الاسلام: 4 / 232 / 1.
(3) في تاريخ الاسلام: بغدادي ثقة.
469

روى عنه المبارك بن كامل، ويحيى بن بوش، وغيرهما.
ذكره ابن النجار.
مات في رمضان سنة سبع عشرة وخمس مئة، وله تسعون سنة
رحمه الله.
273 - النوحي *
الامام المحدث، الفقيه الخطيب الكبير، أبو إبراهيم إسحاق بن
محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن نوح بن النوحي النسفي الحنفي،
شيخ الحنفية، راوي كتاب " تنبيه الغافلين " عن محمد بن عبد الرحمن
نافلة محمد بن علي الترمذي صاحب المؤلف أبي الليث السمرقندي،
وروى أيضا عن عمر بن أحمد بن شاهين السمرقندي، وعلي بن الحسين
السعدي، وعلي بن حسن بن مكي النسفي، والعلامة عبد العزيز بن
أحمد الحلوائي، والحافظ أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي.
حدث عنه: عمر بن حسن الدرغي، وإبراهيم بن يعقوب
الواعظ، ومحمد بن محمد السعدي المؤدب، ومحمد بن يوسف
النجانيكثي (1)، وأسعد بن إبراهيم القطواني، ومحمد بن محمد بن

* الأنساب: الورقة: 570 أ، اللباب: 3 / 329، الجواهر المضية: 1 / 370 -
371، الطبقات السنية رقم: 458.
(1) النجانيكثي ضبطه السمعاني بضم النون وفتح الجيم وبعدها ألف ثم نون أخرى
مكسورة وياء ساكنة وكاف مفتوحة، وفي آخرها الثاء المثلثة، وقال: هذه النسبة إلى
نجانيكث، وهي بليدة بنواحي سمرقند فيما أظن عند إسروشنة، وذكر منها محمد بن يوسف
هذا وقال: كان فقيها صالحا ساكنا، سمع أبا الحسن علي بن عثمان الخراط وغيره، كتبت
عنه بسمرقند، وذكر أنه حدث عن المترجم.
470

فارس الهاشمي، ومحمود بن علي النسفي، وعلي بن عبد الخالق
اليشكري مشيخة أبي المظفر السمعاني، وعدة.
أملى مدة بسمرقند من أصوله، وكان من كبار الأئمة.
مات في جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وخمس مئة، وله خمس
وثمانون سنة.
274 - الزعفراني *
الشيخ الامام، الفقيه العلامة، المحدث الثبت الصالح، أبو
الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد البغدادي الزعفراني،
الجلاب الشافعي.
مولده في سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، وكان تاجرا جوالا.
سمع أبا بكر الخطيب، فأكثر، وأبا جعفر بن المسلمة، وعبد
الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وابن النقور،
وسمع بدمشق أبا نصر بن طلاب، وبالبصرة محمد بن علي السيرافي،
وأبا علي التستري، وبأصبهان أبا منصور بن شكرويه، وطائفة، وبمصر
من صالح بن إبراهيم بن رشدين، وكتب الكثير، وحرر، وقيد وجمع
وصنف، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، فبرع في المذهب (1).

* المنتظم: 9 / 249، الكامل في التاريخ: 10 / 625، طبقات الشافعية من تاريخ
الاسلام: 196 / 1، تاريخ الاسلام: 4 / 232 / 1، العبر: 4 / 41، تذكرة الحفاظ:
4 / 1265، كشف الظنون: 355، 1831، شذرات الذهب: 4 / 57، هدية العارفين:
2 / 84.
(1) وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 249: وسمع بالبصرة، وخوزستان،
وأصبهان، والشام، ومصر، وكان سماعه صحيحا، وكان ثقة له فهم جيد، وكتب تصانيف
الخطيب وسمعها منه.
471

حدث عنه: يوسف بن مكي، وأبو طاهر بن الحصني، وهبة الله
ابن الحسن الصائن، وأبو طاهر السلفي، وعبد الحق اليوسفي، وأخوه
عبد الرحيم، ويحيى بن بوش، وآخرون.
مات ببغداد في صفر سنة سبع عشرة وخمس مئة.
وفيها مات أبو سعد (1) بن الطيوري، وأبو عبد الله أحمد بن محمد
ابن علي بن الخياط التغلبي، شاعر الشام، وأبو محمد حمزة بن العباس
العلوي (2)، وظريف بن محمد النيسابوري (3)، وأبو نهشل عبد الصمد
ابن أحمد العنبري (4)، وأبو الغنائم بن المهتدي بالله، وأبو صادق مرشد
ابن يحيى المديني (5)، وأبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد
الشاطبي (6).
275 - الدشتج *
الشيخ المعمر، مسند الوقت، أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن
أحمد بن الهيثم الأصبهاني الذهبي، الصباغ الدشتي، ويقال:
الدشتج.

(1) تقدمت ترجمته برقم (270).
(2) تقدمت ترجمته برقم (266).
(3) تقدمت ترجمته برقم (217).
(4) سترد ترجمته برقم (281).
(5) سترد ترجمته برقم (278).
(6) سترد ترجمته برقم (229). * التحبير: 1 / 497 - 498، معجم شيوخ السمعاني: الورقة / 163 أ، تاريخ
الاسلام: 2 / 234 / 2، العبر: 4 / 43، عيون التواريخ: 13 / 447.
472

خاتمة من روى عن أبي نعيم الحافظ، وعبد الرحمن بن أحمد بن
عمر الصفار.
وقد سمع أيضا من أبي بكر بن ريذه، وأبي الوفاء مهدي بن
محمد، وعبيد الله بن المعتز، وغيرهم.
حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأحمد بن الفضل
الكراني، وعفيفة الفارفانية، وعبد الواحد بن أبي المطهر، وآخرون،
وبالحضور يحيى الثقفي، وأبو جعفر الصيدلاني، وسماعه من أبي نعيم
حضور (1).
مات في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثمان عشرة وخمس مئة، وله
نيف وتسعون سنة.
276 - المرتب *
الإمام أبو الحسن علي بن أبي القاسم أحمد بن محمد البغدادي
الدهان المرتب، كان مرتبا للصفوف بجامع المنصور، وكان يؤرخ
ويذاكر، لكنه أمي.
سمع أبا الغنائم بن المأمون، وابن المهتدي بالله، وصحب أبا
علي بن الشبل.

(1) وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 497 بعد أن وصفه بأنه شيخ صالح: كتب
إلي الإجازة بجميع مسموعاته، ومن جملتها كتاب " التوكل " لابن خزيمة، وأحاديث علي
ابن حجر، و " طبقات الصوفية " لأبي عبد الرحمان السلمي. * الأنساب: الورقة 520، اللباب: 3 / 193، تاريخ الاسلام: 4 / 235 / 1.
473

روى عنه السلفي، وخطيب الموصل، ومحمد بن دوما
الصلحي (1)، وطائفة.
توفي سنة ثمان عشرة وخمس مئة.
قال أبو علي: سمع المرتب لنفسه في جزء على الخطيب، وأرخه
سنة خمس وستين، فافتضح.
277 - الدقاق *
الحافظ الأوحد، المفيد الرحال، أبو عبد الله محمد بن عبد
الواحد بن محمد الأصبهاني الدقاق.
كان يقول: عرفت بين الطلبة بالدقاق بصديقي أبي علي الدقاق،
وولدت بمحلة جرواءان (2) سنة بضع وثلاثين وأربع مئة.
وسمعت في سنة سبع وأربعين من الخطيب عبد الله بن شبيب
الضبي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وسعيد العيار، وأبي الفضل عبد
الرحمن بن أحمد الرازي، وأصحاب ابن المقرئ، وشيخنا أبي القاسم
ابن منده.
وأول رحلتي كان في سنة ست وستين، وسمعت بنيسابور وطوس،
وسرخس ومرو، وهراة وبلخ، وجرجان، وبخاري، وسمرقند وكرمان،

(1) نسبة إلى فم الصلح: بلدة على دجلة بأعلى واسط بينهما خمسة فراسخ. * مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة 225، تاريخ الاسلام: 4 / 227 / 1، العبر:
4 / 38 - 39، تذكرة الحفاظ: 4 / 1255 - 1256، عيون التواريخ: 13 / 415، طبقات الحفاظ:
456، شذرات الذهب: 4 / 56.
(2) محلة كبيرة بأصبهان.
474

ولم نصل إلى العراق.
إلى أن قال: فأما الذين كتبت عنهم بأصبهان، فأكثر من ألف
شيخ، وكتبت في الرحلة عن أكثر من ألف أخرى، فقد سمعت بهراة
ونيسابور من ست مئة.
قلت: كان الدقاق محدثا مكثرا، أثريا متبعا، فقيرا متعففا
دينا (1).
حدث عنه السلفي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى المديني،
وخليل بن بدر الراراني، وعدة.
مات في شوال في سادسه سنة ست عشرة وخمس مئة.
278 - أبو صادق المديني *
المحدث الثقة العالم، أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم
المديني، ثم المصري.
سمع أبا الحسن علي بن حمصة، وعلي بن ربيعة، وأبا القاسم
علي بن محمد الفارسي، ومحمد بن الحسين الطفال، وداجن
السدوسي، والحكيمي، وعدة.

(1) زاد المؤلف في " الطبقات ": 4 / 1256: إلا أنه كان يبالغ في تعظيم عبد
الرحمان شيخه، ويؤذي الأشعرية. وعبد الرحمان شيخه هو أبو القاسم عبد الرحمان بن
محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني المتوفى سنة (470) ه‍.
تقدمت ترجمته في الثامن عشر برقم (168)، وأنظر ما قاله الدقاق في شيخه هذا في " تذكرة
الحفاظ ": 3 / 1165 للمؤلف. * تاريخ الاسلام: 4 / 232 / 1، دول الاسلام: 2 / 44، العبر: 4 / 41، عيون
التواريخ: 13 / 431، شذرات الذهب: 4 / 57.
475

وأجاز له علي بن منير الخلال، وأبو الحسن بن الصخر، وطائفة.
قال السلفي: كان ثقة، صحيح الأصول (1)، أكثرها بخط ابن
بقاء وبقراءته.
حدث عنه: السلفي، ومحمد بن علي الرحبي، وعشير بن علي
المزارع، وعلي بن هبة الله الكاملي، وعبد الله بن بري النحوي، وأبو
القاسم هبة الله بن علي البوصيري، وآخرون.
مات في ذي القعدة سنة سبع عشرة وخمس مئة.
279 - ابن الخياط *
شاعر عصره، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن
صدقة التغلبي الدمشقي الكاتب، من كبار الأدباء، ونظمه في الذروة،
وديوانه شائع، عاش سبعا وستين سنة، وتوفي سنة سبع عشرة وخمس
مئة.

(1) ومن أصوله الصحيحة بخط علي بن بقاء مسند أبي بكر الصديق تصنيف أبي بكر
أحمد بن علي بن سعيد الأموي المروزي المتوفى 292 ه‍، وهو من محفوظات المكتبة
الظاهرية بدمشق المحروسة ضمن مجموع (56) ق (62 - 106)، وقد قمت بتحقيقه وتخريج
أحاديثه ونشر في دمشق سنة 1390 ه‍. * تاريخ ابن القلاني: 234، تاريخ ابن عساكر: 2: 101 / 2 - 102 / 1،
وفيات الأعيان: 1 / 145 - 147، تاريخ الاسلام: 4: 228 / 1 - 229 / 1، العبر:
4 / 39 - 40، تتمة المختصر: 2 / 51 - 52، الوافي بالوفيات: 8 / 67 - 70، عيون
التواريخ: 13 / 417، البداية والنهاية: 12 / 193 - 194، النجوم الزاهرة: 5 / 226،
شذرات الذهب: 4 / 54 - 58، منتخبات التواريخ: 476، تهذيب ابن عساكر: 2 / 70 -
71، مجلة المجمع: 34 / 127 - 133، الشعراء الشاميون: 209 - 244، وديوانه مطبوع
بدمشق بتحقيق خليل مردم سنة 1958.
476

وله:
أو ما ترى قلق الغدير كأنه * يبدو لعينك منه حلي مناطق
مترقرق لعب الشعاع بمائه * فارتج [يخفق] مثل ثلب العاشق (1)
فابن الخياط الدمشقي، هو أحمد بن سني الدولة أبي الكتائب
الكاتب ابن علي، وهو من طرابلس، وكتب أبو عبد الله بحماة لأبي
الفوارس بن مانك، وخدمه مدة، ثم اشتهر بالشعر، ومدح الملوك
والامراء، واجتمع بحلب بالأمير أبي الفتيان بن حيوس، وروى عنه،
وعن السابق محمد بن الخضر بن أبي مهزول المعري، وحسان بن
الحباب، وأبي نصر بن الخيسي، وعبد الله بن أحمد بن الدويدة.
روى عنه أحمد بن محمد الطليطلي، ومحمد بن نصر القيسراني
الشاعر، وتخرج به.
وقال السلفي: كان ابن الخياط شاعر الشام.
وقال لي أبو الفوارس نجاء بن إسماعيل العمري بدمشق سنة عشر -
وكان شاعرا مفلقا -: ابن الخياط في عصره أشعر الشاميين بلا خلاف.
قال السلفي: وقد اخترت من شعره مجلدة لطيفة، وسمعتها منه.
وقال ابن الخياط: دخلت في الصبا على الأمير ابن حيوس بحلب
وهو مسن، فأنشدته لي:
لم يبق عندي ما يباع بدرهم * وكفاك عين (2) منظري عن مخبري

(1) زاد ابن عساكر: 2 / 172 / 1 بيتا ثالثا هو:
فإذا نظرت إليه راعك لمعه * وعللت طرفك من شارب صادق
(2) في الديوان: مني، وفي " الوفيات ": وكفاك علما منظري، وفي " الوافي ": وكفاك
شاهد.
477

إلا صبابة ماء وجه صنتها * من أن تباع وأين أين المشتري (1)
فقال له ابن حيوس: لو قلت:
وأنت نعم المشتري.
لكان أحسن، ثم قال: كرمت عندي، ونعيت إلي نفسي، فإن
الشام لا يخلو من شاعر مجيد، فأنت وارثي، فاقصد بني عمار
بطرابلس، فإنهم يحبون هذا الفن، ثم وصله بثياب، ودنانير، ومضى
إلى بني عمار، فوصلوه، ومدحهم.
قال العماد الكاتب: ابن حيوس أصنع من ابن الخياط، لكن لشعر
ابن الخياط طلاوة ليست له، ومن كان ينظر إلى ابن الخياط، يعتقده
جمالا أو حمالا، لبزته وشكله وعرضه.
فمن قوله في عضد الدولة أبق بن عبد الرزاق الأمير بدمشق قصيدته
المشهورة الفائقة، وهي أكثر من سبعين بيتا، أولها:
خذا من صبا نجد أمانا لقلبه * فقد كاد رياها يطير بلبه (2)

(1) البيتان في ديوانه: 278، ووفيات الأعيان: 1 / 145، والوافي: 8 / 68.
(2) ديوانه: 170 وبعده:
وإياكما ذاك النسيم فإنه * متى هب كان الوجد أيسر خطبه
خليلي لو أحببتما لعلمتما * محل الهوى من مغرم القلب صبه
تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن يعلق به الحب يصبه
غرام على يأس الهوى ورجائه * وشوق على بعد المزار وقربه
وللحسام الحاجري على وزنها قصيدة مطلعها:
لوى جيده كالظبي عن لسربه * وأقسم منها لا يرق لصبه
حبيب له عند العتاب تعزز ال‍ * برئ ولي ذل المقر بذنبه
أوردها ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ: 13 / لوحة 421.
478

ومدح القاضي فخر الملك أبا علي بن محمد بن عمار بطرابلس
بهذه:
هبوا طيفكم أعدى على الناس مسراه * فمن لمشوق إن تهوم جفناه (1)
وهي طويلة.
وله في الرئيس وجيه الملك أبي الذواد مفرج بن الحسن الصوفي:
لو كنت شاهد عبرتي يوم النقا * لمنعت قلبك بعدها أن يعشقا
وعذرت في أن لا أطيق تجلدا * وعجبت من أن لا أذوب تحرقا
إن الظباء غداة رامة لم تدع * إلا حشي قلقا وقلبا شيقا
سنحت وما منحت وكم من عارض * قد مر مجتازا عليك وما سقى (2)
وهي طويلة.
وله في أبق الأمير المذكور قصيدته المشهورة:
سلوا سيف ألحاظه الممتشق * أعند القلوب دم للحدق
أما من معين ولا عاذر * إذا عنف الشوق يوما رفق
تجلى لنا صارم المقلتين * ماضي الموشح والمنتطق
من الترك ما سهمه إذ رمى * بأفتك من طرفه إذ رمق
وليلة وافيته زائرا * سمير السهاد ضجيع القلق
وقد راضت الكأس أخلاقه * ووقر بالسكر منه النزق
وخف العناق فقبلته * شهي المقبل والمعتنق

(1) ديوانه: 71، وخريدة القصر: 154.
(2) ديوانه: 254، وخريدة القصر: 164.
479

وبت أخالج شكي به * أزور طرا أم خيال طرق
أفكر في الهجر كيف انقضى * وأعجب للوصل كيف اتفق
فللحب ما عز مني وهان * وللحسن ما جل منه ودق
لقد أبق الدمع من راحتي * لما أحس بنعمى أبق (1)
تطاوح يهرب من جوده * ومن أمه السيل خاف الغرق (2)
وله في أبي النجم هبة الله بن بديع الأصبهاني وزير الملك تتش،
منها:
وخيل تمطت بي وليل كأنه * ترادف وفد الهم أو زاخر اليم
شققت دجاه والنجوم كأنها * قلائد نظمي أو مساعي أبي النجم (3)
وقال أبو عبد الله أحمد الطليطلي: كان ابن الخياط أول ما دخل
طرابلس وهو شاب يغشاني في حلقتي، وينشدني ما أستكثره له، فأتهمه
لأنني كنت إذا سألته عن شئ من الأدب، لا يقوم به، فوبخته يوما على
قطعة عملها، وقلت: أنت لا تقوم بنحو ولا لغة، فمن أين لك هذا
الشعر؟ فقام إلى زاوية، ففكر، ثم قال: اسمع:
وفاضل قال إذ أنشدته نخبا * من بعض شعري وشعري كله نخب
لا شئ عندك مما يستعين به * من شأنه معجزات النظم والخطب
فلا عروض ولا نحو ولا لغة * قل لي فمن أين هذا الفضل والأدب
فقلت قول امرئ صحت قريحته * إن القريحة علم ليس يكتسب

(1) أبق: اسم عضد الدولة.
(2) ديوانه: 221، وخريدة القصر: 170.
(3) ديوانه: 147، وخريدة القصر: 194.
480

ذوقي عروضي ولفظي جله لغتي * والنحو طبعي فهل يعتاقني سبب (1)
فقلت: حسبك، والله لا استعظمت لك بعدها عظيما، ولزمني
بعد ذلك، فأفاد من الأدب ما استقل به.
وقال ابن القيسراني: وقع هبة الله بن بديع أبو النجم لابن الخياط
بألف دينار، وهو آخر شاعر في زماننا وقع له بألف دينار.
وله في سديد الملك أبي الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ (2)
بشيزر:
يقيني يقيني حادثات النوائب * وحزمي حزمي في ظهور النجائب
سينجدني جيش من العزم طالما * غلبت به الخطب الذي هو غالبي
ومن كان حرب الدهر عود نفسه * قراع الليالي لا قراع الكتائب
وما كل دان من مرام بظافر * ولا كل ناء عن رجاء بخائب
وإن الغنى مني لأدنى مسافة * وأقرب مما بين عيني وحاجبي

(1) لم ترد في الديوان، وأثبنها محقق الديوان من هنا.
(2) بنو منقذ أسرة مجيدة نشأ فيها رجال كبار، جلهم فارس شجاع، وشاعر أديب،
وكان حصن شيزر - وهو في شمال حماة - يتوارثونه من أيام صالح بن مرداس الذي
ملك حلب سنة (417) ه‍ وقتل سنة (419) ه‍ ثم خرج من أيديهم بعد ذلك إلى الصليبيين،
واسترده منهم سديد الملك أبو الحسن علي بن مقلد سنة (474) ه‍، وبقي في أيديهم حتى
خرب بالزلزال في سنة 552 ه‍، وقتل كل من فيه من بني منقذ تحت أنقاضه، ولم ينج منه
سوى أسامة بن منقذ وإخوته الذين كانوا خارجه، وقد ترك هذا الحدث الفاجع في نفس
أسامة أثرا بالغا حفزه على تأليف كتاب " المنازل والديار " الذي استغرق في صنعه ست عشرة
سنة وضمنه نماذج متخيرة من شعر الجاهليين فمن بعدهم حتى أيامه، مما قيل في المنازل
والديار والأوطان والمغاني والاطلال والآثار والمدن والاهل والأحباب وما إلى ذلك، وقد خلله
مقاطيع من نظمه لم يرد لأكثرها ذكر في ديوانه المطبوع. وقد يسر الله لي تحقيق هذا الكتاب
والتعليق عليه، وتم نشره في دمشق سنة 1965.
481

سأصحب آمالي إلى ابن مقلد * فتنجح ما ألوى الزمان بصاحب
في أبيات.
280 - ابن الخازن *
الأديب أبو الفضل أحمد بن محمد بن الفضل ابن الخازن
الدينوري، ثم البغدادي، الشاعر، صاحب الخط الفائق، والنظم
الرائق (1).
توفي سنة ثمان عشرة.
وخطه يقارب خط الكاتب أبي الفوارس ابن الخازن.
وله ولد نسخ المقامات كثيرا، وهو أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن
الخازن.
وكان أبو الفوارس يروي عن الجوهري.
قال فيه (2) السلفي: كان أحسن الناس خطا.

* المنتظم: 9 / 204، وفيات الأعيان: 1 / 149 - 151، تاريخ الاسلام:
4 / 233، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 79 - 80، عيون التواريخ: 13 / 432 -
445، الوافي بالوفيات: 8 / 78 - 80، البداية والنهاية: 183، النجوم الزاهرة:
5 / 229، كشف الظنون: 765، شذرات الذهب: 4 / 57 - 58.
(1) ومن نظمه ما أنشده ابن خلكان: 1 / 150، والصلاح الصفدي: 8 / 79.
وأهيف ينميه إلى العرب لفظه * وناظره الفتان يعزى إلى الهند
تجرعت كأس الصبر من رقبائه * لساعة وصل منه أحلى من الشهد
وهادنت أعماما له وخؤولة * سوى واحد منهم غيور على الخد
كنقطة مسك أودعت جلنارة * رأيت بها غرس البنفسج في الورد
(2) أي: في أبي الفوارس.
482

قلت: قيل: نسخ خمس مئة ختمة، وله نظم أيضا.
توفي سنة اثنتين وخمس مئة، واسمه حسين بن علي بن حسين
الديلمي، ثم البغدادي (1).
281 - أبو نهشل *
الشيخ الجليل المعمر، أبو نهشل عبد الصمد بن أبي الفوارس
أحمد بن الفضل العنبري، التميمي الأصبهاني.
ولد سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
أجاز له أبو الحسين بن فاذشاه، وقد سمع منه في سنة اثنتين
وثلاثين " جزء الزهد " لأسد بن موسى (2)، شاهدت الأصل بذلك، فهو
خاتمة من حدث عنه، وروى أيضا عن هارون بن محمد، وأبي بكر بن
شاذان الأعرج، وابن زيذه، سمع منه معجمي الطبراني الأكبر والأصغر،
وسمع " فضائل القرآن " لعبد الرزاق من هارون عن الطبراني، وسمع
" بر الوالدين " لأبي الشيخ، وأشياء تفرد بها.

(1) له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 191، وأنشد له قوله:
عنت الدنيا لطالبها * واستراح الزاهد الفطن
كل ملك نال زخرفها * حسبه مما حوى كفن
يقتني مالا ويتركه * في كلا الحالين مفتتن
أملي كوني على ثقة * من لقاء الله مرتهن * معجم شيوخ السمعاني: الورقة / 153 ب، التحبير: 1 / 455 - 457، تاريخ
الاسلام: 4 / 230 / 1 - 2.
(2) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك القرشي الأموي المرواني
المصري المعروف بأسد السنة المتوفى سنة 212 ه‍، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر
الصفحة 162.
483

حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأبو جعفر محمد بن
إسماعيل الطرسوسي، ومسعود بن أبي منصور الجمال، ومسعود بن
محمود العجلي، وعبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني.
قال أبو سعد السمعاني: أجاز لي، وكان مكثرا معمرا، وكان أبوه
من فضلاء الأدباء، وكان عبد الصمد من غلاة العبد الرحمانية (1)، ومن
مروياته بعلو " فضائل القرآن " لإسماعيل بن عمرو البجلي (2).
قلت: توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمس مئة.
أنبأنا يحيى بن أبي منصور الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الغني سنة
ثمان وست مئة (ح)، وأخبرنا أحمد بن محمد، وإسحاق بن يحيى قالا:
أخبرنا يوسف بن خليل قالا: أخبرنا مسعود الجمال - زاد ابن عبد الغني،
فقال -: وأخبرنا مسعود بن محمود بن خلف، وعبد الواحد بن أبي المطهر
قالوا: أخبرنا عبد الصمد بن أحمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين
سنة (432)، أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا يوسف بن يزيد، حدثنا
أسد بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن
بشير، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة
رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل أو
القمقم ".
وكذلك رواه شعبة، والأعمش عن أبي إسحاق.

(1) التحبير: 1 / 455.
(2) مولاهم الكوفي شيخ أصبهان ومسندها المتوفى سنة 227 ه‍. تقدمت ترجمته في
الجزء العاشر برقم 136.
484

أخرجه البخاري ومسلم بطرق (1).
282 - ابن الدنف *
الامام الفقيه، العابد المقرئ، بقية السلف، أبو بكر محمد بن
علي بن عبيد الله بن الدنف (2) البغدادي الحنبلي الإسكاف.
تفقه بأبي جعفر بن أبي موسى.
وسمع من عبد الصمد بن المأمون، وأبي جعفر بن المسلمة،
والصريفيني، وعدة.
أخذ عنه ابن ناصر، ولاحق بن كاره، وذاكر بن كامل، وابن
بوش، وكان من جلة مشايخ العلم.

(1) هو في البخاري (6561) و (6562) في الرقاق: باب صفة الجنة والنار، ومسلم
(213) في الايمان: باب أهون أهل النار عذابا، وأخرجه أحمد: 4 / 274، والترمذي:
2604، وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد: 1 / 290، 296، ومسلم (212) وبين
في روايته الرجل المبهم في الرواية السابقة أنه أبو طالب، وعن أبي سعيد الخدري عند
أحمد: 3 / 13 و 78، ومسلم (211)، وعن أبي هريرة عند أحمد: 2 / 432، والدارمي:
2 / 340، والمرجل: قدر من نحاس، ويقال أيضا لكل إناء يغلي فيه الماء من أي صنف
كان، والقمقم: ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره، ويكون ضيق الرأس، ووقع في رواية
البخاري " كما يغلي المرجل بالقمقم "، قال ابن التين: في هذا التركيب نظر وقال عياض:
الصواب: " كما يغلي المرجل والقمقم " بواو العطف لا بالباء، وجوز غيره أن تكون الباء
بمعنى " مع " ووقع في رواية الإسماعيلي " كما يغلي المرجل أو القمقم " كما جاء في روايتنا
هذه وهو أبين وأفصح. * المنتظم: 9 / 230، تاريخ الاسلام: 4 / 221 / 2، ذيل طبقات الحنابلة:
172 - 173، شذرات الذهب: 4 / 47 - 49.
(2) هو بفتح الدال المهملة، وكسر النون، وآخره فاء، كما قيده ابن نقطة، ونقله
عنه ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 173.
485

قرأ عليه جماعة، وانتفعوا به (1).
مات في شوال سنة خمس عشرة وخمس مئة، وله بضع وسبعون
سنة.
ذكره ابن النجار (2).
283 - ابن الحداد *
الامام الحافظ، المتقن الثقة، والعابد الخير، أبو نعيم عبيد الله بن
الشيخ أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد، مفيد
أصبهان في زمانه.
ولد سنة ثلاث وستين وأربع مئة.
وسمع أبا عمرو عبد الوهاب بن منده، وحمد بن ولكيز، وأبا طاهر
أحمد بن محمد النقاش، وسليمان بن إبراهيم، وعدة بأصبهان، وأبا
المظفر موسى بن عمران، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وخلقا
بأصبهان، وشيخ الاسلام، وأبا عبد الله العميري، ونجيب بن ميمون،
وأبا عامر الأزدي بهراة، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، والنعالي، وطراد بن
محمد ببغداد.

(1) في " المنتظم ": 9 / 230: وكان من الزهاد الأخيار، ومن أهل السنة، وانتفع به
خلق كثير، وحدث بشئ يسير.
(2) وقال: كان مشهورا بالصلاح والدين، وانتفع به جماعة قرؤوا عليه، وعادت عليهم
بركته. * المنتظم: 9 / 247، طبقات علماء الحديث، تاريخ الاسلام: 4: 230 / 2 -
231 / 2، العبر: 4 / 41، تذكرة الحفاظ: 4 / 1265 - 1266، عيون التواريخ
13 / 430، مرآة الجنان: 3 / 221، طبقات الحفاظ: 459، شذرات الذهب: 4 / 56.
486

قال محمد بن عبد الواحد: هو صديق لي، أحد العلماء في فنون
كثيرة، بلغ مبلغ الإمامة بلا مدافعة، وله عندي أياد كثيرة، سفرا
وحضرا، جمع ما لم يجمعه أحد من أقرانه من الكتب والسماعات
الغزيرة، صدوق في جمعه وكتبه، أمين في قراءته.
قلت: قل ما روى، وقد نسخ الكثير، وصنف، وكان يكرم
الغرباء ويفيدهم، ويهبهم الاجزاء، وفيه دين وتقوى وخشية، ومحاسنه
جمة، جمع أطراف " الصحيحين "، وانتشرت عنه، واستحسنها
الفضلاء، وانتقى عليه الشيوخ، فالثقفيات من تخريجه.
مات في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مئة.
وآخر من روى عنه بالإجازة عفيفة الفارفانية.
أنبأونا عن محمد بن مكي الحنبلي، قال: قيل: إن أبا نعيم بن
الحداد ناظر شهردار بن شيرويه - وكان قد تأخر عن أبي علي الحداد
لأجل سماع " صحيح مسلم " على أبي الحسن النيسابوري - فقال له:
سبحان الله، تركت العوالي عند أبي، واشتغلت بالنوازل؟! فقال: ليس
عند أبيك " صحيح مسلم "، وهو عال، قال: نعم، ولكن عنده
المخرج عليه لأبي نعيم الحافظ، وفيه عامة عواليه، فإذا سمعت تلك من
أبي، فكأنك سمعتها من عبد الغافر الفارسي، ولو شئت لقلت: كأنك
سمعت بعضها من الجلودي، وإن قلت: كأنك سمعتها من ابن سفيان
لم أكذب، وإن شئت قلت: كأنك سمعتها من مسلم.
ثم قال: وفيه أحاديث أعلى من هذا، إذا سمعتها من أبي،
487

ساويت البخاري ومسلما، ومن جملتها حديث المسور: " إنما فاطمة بضعة
مني " (1).
أخبرنا طائفة إجازة أن عفيفة أنبأتهم عن عبيد الله بن الحسن،
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، أخبرنا أبو عبد الرحمن
السلمي، أخبرنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أحمد بن مهدي،
حدثنا ثابت بن محمد، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقطع الصلاة الكشر، ولكن يقطعها القرقرة " (2).
هذا حديث منكر، وثابت واه (3).

(1) هو في البخاري (3714) و (3767) في فضائل الصحابة، و (5230) في
النكاح، ومسلم (2449) (95) في فضائل الصحابة، وأخرجه أحمد: 4 / 326، وأبو داود
(2069) و (2071)، والترمذي (3867)، وابن ماجة (1998) و (1999) عن المسور بن
مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وهو على المنبر - إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا
في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن
أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما
آذها " لفظ البخاري، وزاد مسلم " إني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا
تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا ".
(2) وأخرجه الخطيب في " تاريخه ": 11 / 345، والطبراني في " معجمه الصغير ":
2 / 84، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان ": 1 / 86، وابن عدي في " الكامل " ورقة: 46 / 2
من طريق عبد الرزاق (3774) عن سفيان الثوري به موقوفا.
وقال الخطيب: تفرد بروايته أحمد بن مهدي، عن ثابت الزاهد، عن الثوري موقوفا،
ورفعه لا يثبت.
وأخرجه الدارقطني: 1 / 174، والبيهقي: 2 / 251، من طريقين عن سفيان موقوفا،
وقال الأخير: وقد رفعه ثابت بن محمد الزاهد وهو وهم منه.
(3) وجاء في " مقدمة فتح الباري ": ص: 394: ثابت بن محمد العبدي وثقه
مطين، وصدقه أبو حاتم، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: هو عندي ممن
لا يتعمد الكذب، ولعله يخطئ، قال الحافظ: وقد روى عنه البخاري في " الصحيح "
حديثين في الهبة والتوحيد لم ينفرد بهما.
488

284 - الميداني *
العلامة، شيخ الأدب، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن
إبراهيم الميداني (1) النيسابوري، الكاتب اللغوي، تلميذ الواحدي المفسر،
له كتاب في " الأمثال " لم يعمل مثله (2)، وكتاب " السامي في الأسامي ".
توفي سنة ثماني عشرة وخمس مئة في رمضان (3).

* الأنساب: 548 أ، نزهة الألباء: 390، معجم الأدباء: 5 / 45 - 51،
اللباب: 3 / 281، إنباه الرواة: 1 / 121 - 124، وفيات الأعيان: 1 / 148، تاريخ
الاسلام: 4: 223 / 1 - 2، تذكرة الحفاظ: 4 / 1276، تلخيص ابن مكتوم: 19،
الوافي بالوفيات: 7 / 326 - 328، مرآة الجنان: 4 / 223، البداية والنهاية: 12 / 149،
طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 99، بغية الوعاة: 1 / 356 - 357، مفتاح السعادة:
1 / 124 - 125، كشف الظنون: 974، 1597، شذرات الذهب: 4 / 58، الفلاكة
والمفلوكون: 99، روضات الجنات: 80، هدية العارفين: 1 / 175، ايضاح المكنون:
1 / 94، 2 / 45.
(1) نسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمان وهي محلة في نيسابور.
(2) قال الصفدي: وفيه ستة آلاف مثل، يقال: إنه لما وقف عليه أبو القاسم
الزمخشري، حسده على جودة تصنيفه، وأخذ القلم، وزاد في لفظة " الميداني " نونا،
فصار " النميداني " ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئا، فلما وقف الميداني على ذلك،
عمد إلى تصنيف الزمخشري، فصير الميم نونا، فصار " الزنخشري " وهو بالفارسية بائع زوجته.
(3) ومن شعره قوله:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت عساه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني * ألا هل يرى صبح بغير نهار
وقوله:
يا كاذبا أصبح أعجوبة * أعجوبة أية أعجوبه
وناطقا ينطق في لفظة * واحدة سبعين أكذوبه
شبهك الناس بعرقوبهم * لما رأوا أخذك أسلوبه
فقلت كلا إنه كاذب * عرقوب لا يبلغ عرقوبه
" معجم الأدباء " 5 / 48 - 50، و " الوافي " 7 / 327.
489

ومات ابنه العلامة أبو سعد سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.
285 - الطرطوشي *
الامام العلامة، القدوة الزاهد، شيخ المالكية، أبو بكر محمد بن
الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الأندلسي الطرطوشي
الفقيه، عالم الإسكندرية، وطرطوشة: هي آخر حد المسلمين من
شمالي الأندلس، ثم استولى العدو عليها من دهر (1)، وكان أبو بكر
يعرف في وقته بابن أبي رندقه (2).
لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل
الخلاف، ثم حج، ودخل العراق.
وسمع بالبصرة " سنن أبي داود " من أبي علي التستري (3)، وسمع

* الأنساب: 8 / 235، الصلة: 2 / 575 - 576، الخريدة: 12 / 26 - 27،
65 - 67، بغية الملتمس: 135 - 139، معجم البلدان: 4 / 30، المغرب: 2 / 242،
وفيات الأعيان: 4 / 262 - 265، تاريخ الاسلام: 4: 243 / 2 - 244 / 1، دول
الاسلام: 2 / 44، العبر: 4 / 48، الوافي: 5 / 175، عيون التواريخ: 13 / 462 -
464، مرآة الجنان: 3 / 225 - 227، الديباج المذهب: 2 / 244 - 248، وفيات ابن
قنفذ: 271 - 272، الاعلام لابن قاضي شهبة: وفيات (520)، النجوم الزاهرة:
5 / 231 - 232، صفة جزيرة الأندلس: 125، حسن المحاضرة: 1 / 452، مفتاح
السعادة: 1 / 412، أزهار الرياض: 3 / 162، نفح الطيب: 2 / 85، كشف الظنون:
984، 1113، شذرات الذهب: 4 / 62، هدية العارفين: 2 / 85، شجرة النور الزكية:
124 - 125، الذيل لبروكلمان: 1 / 829، تراجم أندلسية: 289 - 298، دائرة المعارف
الاسلامية: 1 / 77 - 78.
(1) وتم ذلك في سنة (543) ه‍ كما في " معجم ياقوت ": 4 / 30.
(2) قال ابن خلكان: 4 / 265، رندقه بفتح الراء، وسكون النون، وفتح الدال
المهملة والقاف، وهي لفظة فرنجية، سألت بعض الفرنج عنها، فقال: معناها: رد تعال.
(3) في " بغية الملتمس ": 138، 139: حدثني عنه أبو الطاهر بن عوف، وأبو
الفضل عبد المجيد بن دليل بكتاب السنن لأبي داود، قراءة عليهما أن أبا علي بن أحمد بن
علي بن إبراهيم بن بحر التستري بالبصرة قال: حدثنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد
الواحد الهاشمي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، حدثنا أبو
داود.
490

ببغداد من قاضيها أبي عبد الله الدامغاني، ورزق الله التميمي، وأبي
عبد الله الحميدي، وعدة.
وتفقه أيضا عند أبي بكر الشاشي، ونزل بيت المقدس مدة،
وتحول إلى الثغر (1)، وتخرج به أئمة.
قال ابن بشكوال: كان إماما عالما، زاهدا ورعا، دينا متواضعا،
متقشفا متقللا من الدنيا، راضيا باليسير، أخبرنا عنه القاضي أبو بكر بن
العربي، ووصفه بالعلم، والفضل، والزهد، والاقبال على ما يعنيه،
قال لي: إذا عرض لك أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة، يحصل
لك أمر الدنيا والاخرى (2).

(1) يعني الإسكندرية، وكان سبب إقامته بها ما شاهده من إقفار المساجد والمدارس
من طلاب العلم والعلماء بسبب ملاحقة العبيدية لعلماء السنة، وتشريدهم، وقتلهم،
وإيذائهم، فأقام بها رحمه الله إلى أن وافته المنية ينشر العلم، ويفقه الناس بأمور دينهم،
ويوثق صلتهم بكتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية على
لسان خير البرية. وكان يقول: إن سألني الله تعالى عن المقام بالإسكندرية - لما كانت عليه في
أيام العبيدية من ترك إقامة الجمعة ومن غير ذلك من المناكر التي كانت في أيامهم - أقول له:
وجدت قوما ضلال فكنت سبب هدايتهم. وكان رحمه الله قد أوذي من الأفضل الوزير العبيدي،
فأخرج من الإسكندرية، والزم الإقامة بمصر، ومنع الناس من الاخذ عنه، وبقي على ذلك إلى أن
قتل الأفضل، وولي مكانه المأمون بن البطائحي، فأكرم الشيخ إكراما كثيرا.
(2) " الصلة ": 2 / 575، وزاد: قال القاضي أبو بكر: وكان كثيرا ما ينشدنا.
ان لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا * صالح الأعمال فيها سفنا
491

وقال إبراهيم بن مهدي بن قلينا: كان شيخنا أبو بكر زهده وعبادته
أكثر من علمه، وحكى بعض العلماء أن أبا بكر الطرطوشي أنجب عليه
نحو من مئتي فقيه مفتي، وكان يأتي إلى الفقهاء وهم نيام، فيضع في
أفواههم الدنانير، فيهبون، فيرونها في أفواههم.
قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: دخل الطرطوشي على
الأفضل ابن أمير الجيوش بمصر، فبسط تحته مئزره، وكان إلى جانب
الأفضل نصراني، فوعظ الأفضل حتى أبكاه (1)، ثم أنشده:
يا [ذا] الذي طاعته قربة * وحقه مفترض واجب
إن الذي شرفت من أجله * يزعم هذا أنه كاذب
وأشار إلى ذلك النصراني، فأقام الأفضل النصراني من موضعه.
وقد صنف أبو بكر كتاب " سراج الملوك " (2) للمأمون بن البطائحي

(1) فكان مما قال له كم في " نفح الطيب ": 2 / 87: إن الامر الذي أصبحت فيه من
الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك، فاتق الله
فيما خولك من هذه الأمة، فإن الله عز وجل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل، واعلم أن
الله عز وجل آتي سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها، فسخر له الإنس والجن والشياطين
والطير والوحش والبهائم، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ورفع عنه حساب
ذلك أجمع، فقال عز من قائل: * (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * فما عد ذلك
نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن يكون استدراجا من الله عز
وجل، فقال: * (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) * فافتح الباب، وسهل الحجاب،
وانصر المظلوم.
(2) وهو من أمتع الكتب، وأجودها في بابها، وكفى به دليلا على فضله، يقال: إنه
كتب على اللوحة الأولى منه هذان البيتان:
الناس يهدون على قدرهم * لكنني أهدي على قدري
يهدون ما يفنى وأهدي الذي * يبقى على الأيام والدهر
492

الذي وزر بمصر بعد الأفضل، وله مؤلف في طريقة الخلاف، وكان
المأمون قد نوه باسمه، وبالغ في إكرامه.
قيل: كان مولده في سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.
ودخل بغداد في حياة أبي نصر الزينبي، وأظنه سمع منه، وقال:
رأيت بها آية في سنة ثمان وسبعين بعد العصر، فسمعنا دويا عظيما،
وأقبل ظلام، فإذا ريح لم أر مثلها، سوداء ثخينة، يبين لك جسمها،
فاسود النهار، وذهبت آثاره، وذهب أثر الشمس، وبقينا كأننا في أشد
ظلمة، لا يبصر أحد يده، وماج الناس، ولم نشك أنها القيامة، أو
خسف، أو عذاب قد نزل، وبقي الامر كذلك قدر ما ينضج الخبز،
ورجع السواد حمرة كلهب النار، أو جمرا يتوقد، فلم نشك حينئذ أنها
نار أرسلها الله على العباد، وأيسنا من النجاة، ثم مكثت أقل من مكث
الظلام، وتجلت بحمد الله عن سلامة، ونهب الناس بعضهم بعضا في
الأسواق، وخطفوا العمائم والمتاع، ثم طلعت الشمس، وبقيت ساعة
إلى الغروب.
قلت: حدث عنه أبو طاهر السلفي، والفقيه سلار بن المقدم،
وجوهر بن لؤلؤ المقرئ، والفقيه صالح ابن بنت معافى المالكي،
وعبد الله بن عطاف الأزدي، ويوسف بن محمد القروي الفرضي، وعلي
ابن مهدي بن قلينا، وأبو طالب أحمد المسلم اللخمي، وظافر بن
عطية، وأبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وأبو محمد عبد الله بن عبد
الرحمن العثماني، وعبد المجيد بن دليل، وآخرون (1).

(1) منهم أبو بكر بن العربي كما تقدم في الصفحة 491، وقد اجتمع به في المسجد
الأقصى، ووصفه بأنه شيخه، وتذاكرا في كيفية التوفيق بين حديث " إن من ورائكم أياما
للعامل فيها أجر خمسين منكم... " وبين حديث " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد
أحدهم ولا نصيفه " وقد دون المقري في " نفح الطيب ": 2 / 37، 38، ما انتهيا إليه في
تلك المذاكرة على لسان أبي بكر بن العربي.
493

وبالإجازة أبو طاهر الخشوعي وغيره، وله مؤلف في تحريم
الغناء، وكتاب في الزهد، وتعليقة في الخلاف، ومؤلف في البدع
والحوادث، وبر الوالدين (1)، والرد على اليهود، والعمد في الأصول،
وأشياء.
أنبأنا ابن علان عن الخشوعي عن الطرطوشي أنه كتب هذه الرسالة
جوابا عن سائل سأله من الأندلس عن حقيقة أمر مؤلف " الاحياء "،
فكتب إلى عبد الله بن مظفر: سلام عليك، فإني رأيت أبا حامد،
وكلمته، فوجدته امرءا وافر الفهم والعقل، وممارسة للعلوم، وكان ذلك
معظم زمانه، ثم خالف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال،
ثم تصوف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب
القلوب، ووساوس الشيطان، ثم سابها، وجعل يطعن على الفقهاء
بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء
والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين.
قال الحافظ أبو محمد: إن محمد بن الوليد هذا ذكر في غير هذه

(1) ومن شعره في بر الوالدين ما أنشده ياقوت في " معجم البلدان ": 4 / 30.
لو كان يدري الابن أية غصة * يتجرع الأبوان عند فراقه
أم تهبح بوجده حيرانة * وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى * ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى لام سل من أحشائها * وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الأبي بعطفه * وجزاهما بالعذاب من أخلاقه
494

الرسالة كتاب " الاحياء ". قال: وهو - لعمرو الله - أشبه بإماتة علوم
الدين، ثم رجعنا إلى تمام الرسالة.
قال فلما عمل كتابه " الاحياء "، عمد فتكلم في علوم الأحوال،
ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على
أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر،
ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتابا على وجه
بسيط الأرض أكثر كذبا على الرسول منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة،
ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم يرون النبوة
اكتسابا، فليس النبي عندهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن
الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه حتى لا تغلبه شهوة، ثم ساق
الخلق بتلك الأخلاق، وأنكروا أن يكون الله يبعث إلى الخلق رسولا،
وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق، ولقد شرف الله الاسلام، وأوضح
حججه، وقطع العذر بالأدلة، وما [مثل] من نصر الاسلام بمذاهب الفلاسفة،
والآراء المنطقية، إلا كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق الكلام سوقا
يرعد فيه ويبرق، ويمني ويشوق، حتى إذا تشوفت له النفوس، قال:
هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في
الكتب، ويقول: هذا من سر الصدر الذي نهينا عن إفشائه. وهذا فعل
الباطنية وأهل الدغل والدخل في الدين يستقل الموجود ويعلق النفوس
بالمفقود، وهو تشويش لعقائد القلوب، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة،
فلئن كان الرجل يعتقد ما سطره، لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده،
فما أقرب تضليله.
وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب، فلعمري إذا انتشر بين من لا
495

معرفة له بسمومه القاتلة، خيف عليهم أن يعتقدوا إذا صحة ما فيه، فكان
تحريقه في معنى ما حرقته الصحابة من صحف المصاحف التي تخالف
المصحف العثماني، وذكر تمام الرسالة.
قال ابن المفضل: توفي بالإسكندرية في جمادى الأولى سنة
عشرين وخمس مئة رحمه الله.
وفيها مات أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف القرطبي، وأبو
الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ أخو الامام أبي حامد،
والأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي (1) الذي استولى على الموصل وعلى
حلب، وأبو بحر سفيان بن العاص الأسدي (2) بقرطبة، وصاعد بن سيار
الهروي الحافظ (3)، وأبو محمد بن عتاب القرطبي، وقاضي الجماعة أبو
الوليد بن رشد، ومحمد بن بركات السعيدي (4) راوي صحيح البخاري.
286 - القلانسي *
الامام الكبير، شيخ القراء، أبو العز محمد بن الحسين بن بندار
الواسطي القلانسي، صاحب التصانيف في القراءات.

(1) سترد ترجمته برقم (295).
(2) سترد ترجمته برقم (298).
(3) سترد ترجمته برقم (339).
(4) تقدمت ترجمته برقم (263). * سؤالات السلفي لخميس الحوزي: 51 - 52، المنتظم: 10 / 8، الخريدة:
4 / 1 / 352، طبقات الشافعية من تاريخ الاسلام: 198 / 2 - 199 / 2، تاريخ الاسلام:
4: 249 / 1 - 2، العبر: 4 / 50، ميزان الاعتدال: 3 / 525، طبقات القراء للذهبي:
1 / 384 - 386، الوافي بالوفيات: 3 / 4 - 5، عيون التواريخ: 13 / 475، طبقات
السبكي: 6 / 97 - 98، غاية النهاية: 2 / 128 - 129، لسان الميزان: 5 / 144 - 145،
كشف الظنون: 66، 391، شذرات الذهب: 4 / 64، هدية العارفين: 2 / 85.
496

ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، وتلا بالعشر على أبي علي
غلام الهراس، وأخذ عن أبي القاسم الهذلي صاحب الكامل، وارتحل
إلى بغداد سنة إحدى وستين، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد
الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وعدة، وقرأ ختمة
لأبي عمرو على الأواني (1) صاحب أبي حفص الكتاني.
قال السمعاني: قرأ عليه عالم من الناس، ورحل إليه من
الأقطار، وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يسئ الثناء عليه، ونسبه إلى
الرفض (2)، ثم وجدت لأبي العز أبياتا في فضيلة الصحابة.
وقال ابن ناصر: ألحق سماعه في جزء من هاءات الكناية لعبد
الواحد بن أبي هاشم من أبي علي بن البناء (3).

(1) نسبة إلى " أوانة " قرية على عشر فراسخ من بغداد عند صريفين على الدجلة،
وفي " معرفة القراء " للمصنف: 1 / 384: أنه قرأ عليه ختمة لعاصم، وليس لأبي عمرو،
وتابعه على ذلك ابن الجزري في " غاية النهاية ": 2 / 128.
(2) قال المصنف في " الميزان ": 3 / 525 تعليقا على قول السمعاني: أما الرفض،
فلا، فله أبيات في تعظيم الأربعة الراشدين إن لم يكن نظمها تقية.
وقال الحافظ في " اللسان ": 5 / 144: والأبيات المذكورة أوردها ابن السمعاني عن
سعد الله بن محمد المقرئ أنه أنشده، قال: أنشدني أبو العز القلانسي لنفسه:
إن من لم يقدم الصديقا * لم يكن لي حتى الممات صديقا
والذي لا يقول قولي في ألفا * روق أهوى لشخصه تفريقا
وبنار الجحيم باغض عثمان * ن ويهوي منها مكانا سحيقا
من يوالي عندي عليا وعادا * هم جميعا عددته زنديقا
قال ابن السمعاني: كنت أعتقد في أبي العز أنه يميل إلى الرفض حتى سمعت له هذه
الأبيات.
(3) قال المؤلف في " معرفة القراء ": 1 / 385 تعليقا على هذا الخبر: بعض الناس
يترخص في مثل هذا إذا تيقن سماعه للجزء من ذلك الرجل، ونقله عنه ابن الجزري، وزاد
عليه قوله: والامر في ذا سهل إذا كان أصل شيخه، ولكن أكثر ما رمي به أبو العز أنه كان
يأخذ ممن يقرأ عليه، وهذا قل من رأيته سلم منه.
497

قلت: كان يأخذ الذهب على إقراء العشرة.
قال ابن النجار: سمعت أحمد بن البندنيجي يقول: سألت أبا
جعفر أحمد بن أحمد بن القاص: هل قرأت على أبي العز؟ فقال: لما
قدم بغداد، أردت أن أقرأ عليه، فطلب مني ذهبا، فقلت: والله إني
قادر، ولكن لا أعطيك على القرآن أجرا، فلم أقرأ عليه (1).
قال خميس الحوزي: هو أحد الأئمة الأعيان في علوم القرآن،
برع في القراءات.
قلت: تلا عليه سبط الخياط، وأبو الفتح بن زريق الحداد، وأبو
بكر بن الباقلاني، وعلي بن عساكر البطائحي، وعدد كثير، واشتهر
ذكره.
مات في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.
287 - المتوكلي *
الشريف، أبو السعادات، أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن
أحمد العباسي.
روى عن ابن المسلمة، والخطيب.

(1) علق المؤلف في " الميزان " بعد إيراد هذا الخبر بقوله: أبو العز عندنا مع ذلك ثقة في
القراءات مرضي. * المنتظم: 10 / 7، مشيخة ابن الجوزي ص: 66 - 67، تاريخ الاسلام: 4:
247 / أ، العبر: 4 / 49، الوافي بالوفيات: 6 / 227، عيون التواريخ: 13 / 478، مرآة
الزمان: 8 / 77 - 78، النجوم الزاهرة: 5 / 232، شذرات الذهب: 4 / 64.
498

حدث عنه ابن عساكر، وابن الجوزي (1)، وجماعة.
مات شهيدا بعد أن صلى التراويح ليلة سبع وعشرين من سنة
إحدى وعشرين وخمس مئة، وقع من السطح، فمات (2)، رحمه الله.
288 - ابن أبي روح *
رأس الرفض بالشام، القاضي أبو الفضل أسعد بن أحمد بن أبي
روح الأطرابلسي، صاحب التصانيف.
أخذ عن ابن البراج، وسكن صيدا إلى أن أخذتها الفرنج، فقتل
بها، وكان ذا تعبد وتهجد وصمت، ناظر مغربيا في تحريم الفقاع،
فقطعه، فقال المغربي المالكي: كلني؟! قال: ما أنا على مذهبك،
أي: جواز أكل الكلب.
وقيل له: ما الدليل على حدث القرآن؟ قال: النسخ، فالقديم لا
يتبدل (3).
وقيل له: ما الدليل على أنا مخيرون في أفعالنا، غير مجبورين؟
قال: بعثة الرسل.

(1) قال في " المنتظم ": 10 / 7، و " المشيخة ": 66: وكان سماعه صحيحا،
وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطه.
(2) قال ابن الجوزي: ودفن بمقبرة باب الدير، وقد بلغ ثمانين سنة. * تاريخ الاسلام: 4: 245 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 210، الوافي بالوفيات:
9 / 40، عيون التواريخ: 13 / 464 وفيه وفاته سنة 520، لسان الميزان: 1 / 386 -
387، أعيان الشيعة: 11 / 187 - 188.
(3) علق الحافظ ابن حجر عليه في " اللسان ": 1 / 387، فقال: هذا هذيان والنسخ
إنما دخل على الحكم فقط.
499

وله كتاب " عيون الأدلة " في معرفة الله، وكتب في الخلاف (1)،
وكتاب " حقيقة الآدمي "، وأشياء ذكرها ابن أبي طي (2) في " تاريخ الإمامية ".
289 - الفراء *
الشيخ العالم، الثقة المحدث، أبو الحسن علي بن الحسين بن
عمر بن الفراء الموصلي، ثم المصري.
سمع من عبد العزيز بن الحسن بن الضراب كتاب " المجالسة "
للدينوري، وسمع من عبدا لباقي بن فارس، والحافظ عبد الرحيم بن
أحمد البخاري، وعبد الله بن المحاملي، وأبي إبراهيم أحمد بن القاسم
ابن ميمون، وأبي الحسين محمد بن مكي الأزدي، وكريمة المروزية،
لقيها بمكة، وابن الغراء بالقدس، وأضعافهم.
حدث عنه السلفي، وأبو القاسم البوصيري، وجماعة.

(1) هي ثلاثة، الأول: " التبصرة في خلاف الشافعي للامامية "، والثاني:
" المقتبس " في الخلاف بيننا وبين مالك بن أنس "، والثالث: " البيان في الخلاف بيننا وبين
النعمان ".
(2) هو يحيى بن حميدة بن ظافر بن علي بن عبد الله الغساني الحلبي المتوفى سنة
630 ه‍: كان بارعا في الفقه على مذهب الإمامية، وله مشاركة في الأصول والقراءات،
وتصانيف في الأدب والتاريخ.
قال ابن حجر في " اللسان ": 6 / 264: وقد وقفت على تصانيفه وهو كثير الأوهام،
والسقط، والتصحيف، وكان سبب ذلك ما ذكره ياقوت من أنه كان يقطع الطريق على
تصانيف الناس بأخذ الكتاب الذي أتعب جامعه خاطره فيه، فينسخه كما هو إلا أنه يقدم فيه
ويؤخر، ويزيد وينقص، ويخترع له اسما غريبا، ويكتبه كتابة فائقة لمن يشبه عليه، ورزق
من ذلك حظا. قلت: وكثير من المتطفلين على موائد العلم يفعلون فعله في زمننا هذا،
فيتشبعون بما لم يعطوا، ويحرزون بذلك ألقابا ضخمة فضفاضة لا يستحقون شيئا منها. * تاريخ الاسلام: 4: 237 / 2، العبر: 4 / 44، شذرات الذهب: 4 / 59.
500

وبالإجازة أبو عبد الله الأرتاحي، وسمع منه البخاري.
قال السلفي: هو من ثقات الرواة، وأكثر شيوخنا بمصر سماعا،
أصوله أصول أهل الصدق، وقد انتخبت من أجزائه مئة جزء، وقال
لي: إنه ولد في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة في أول يوم منها.
توفي في ربيع الآخر سنة تسع عشرة وخمس مئة.
وفيها مات لغوي زمانه أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن عيذون
التونسي (1)، ووزير مصر المأمون أبو عبد الله ابن البطائحي (2)، وأبو
البركات هبة الله بن محمد بن البخاري المعدل (3).
290 - ابن رشد *
الامام العلامة، شيخ المالكية، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو
الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي.
تفقه بأبي جعفر أحمد بن رزق.
وحدث عنه، وعن أبي مروان بن سراج، ومحمد بن خيرة،
ومحمد بن فرج الطلاعي، والحافظ أبي علي.

(1) سترد ترجمته برقم (314).
(2) سترد ترجمته برقم (320).
(3) سترد ترجمته برقم (307). * الصلة: 2 / 576 - 577، بغية الملتمس: 50، المغرب في حلى المغرب:
162، تاريخ الاسلام: 4: 242 / 2 - 243 / 1، العبر: 4 / 47، وذكره المؤلف في
تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، عيون التواريخ: 13 / 469، مرآة الجنان: 3 / 225، المرقبة
العليا: 98 - 99، الديباج المذهب: 248 - 250، وفيات ابن قنفذ: 270، أزهار
الرياض: 3 / 59، كشف الظنون: 361، 1412، شذرات الذهب: 4 / 62، هدية
العارفين: 2 / 85، شجرة النور الزكية: 1 / 129، الغنية: 122 - 125.
501

وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.
قال ابن بشكوال: كان فقيها عالما، حافظا للفقه، مقدسا فيه على
جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى، بصيرا بأقوال أئمة المالكية، نافذا
في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العالم، والبراعة
والفهم، مع الدين والفضل، والوقار والحلم، والسمت الحسن،
والهدي الصالح، ومن تصانيفه كتاب " المقدمات " لأوائل كتب
المدونة، وكتاب " البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه
والتعليل " (1)، واختصار " المبسوطة "، واختصار " مشكلة الآثار "
للطحاوي، سمعنا عليه بعضها، وسار في القضاء بأحسن سيرة، وأقوم
طريقة، ثم استعفى منه، فأعفي، ونشر كتبه، وكان الناس يعولون عليه
ويلجؤون إليه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثير النفع لخاصته،
جميل العشرة لهم، بارا بهم (2).
عاش سبعين سنة، ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس
مئة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم، وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ،
فقال: كان أفقه أهل الأندلس، صنف شرح العتبية، فبلغ فيه الغاية.
قلت: وحفيده هو فيلسوف زمانه (3)، وللقاضي عياض سؤالات
لابن رشد، مؤلف نفيس.

(1) قال ابن فرحون في " الديباج ": 1 / 248: وهو كتاب عظيم نيف على عشرين
مجلدا.
(2) " الصلة ": 2 / 577.
(3) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي المتوفى سنة
(595) ه‍. وسترد ترجمته.
502

291 - حفيد البيهقي *
الشيخ المسند، أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن شيخ الاسلام
أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخسروجردي.
سمع الكتب من جده، وسمع من أبي يعلى بن الصابوني، وأبي
سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ، وعدة، وحج، فحدث ببغداد.
روى عنه: ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن
عساكر، وأبو الفتح المندائي، وجماعة.
ولد سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قال ابن عساكر: ما كان يعرف شيئا، وكان يتغالى بكتابة الإجازة،
ويقول: ما أجيز إلا بطسوج (1).
قال: وسمع لنفسه في جزء، وكان سماعه فيما عداه صحيحا (2).
قلت: سمع منه أبو الفتح المندائي كتاب جده في " الأسماء
والصفات ".
قال ابن ناصر: مات ببغداد بعد مرض ثلاثة عشر يوما في ثالث

* مشيخة ابن عساكر: الورقة: 193، تاريخ الاسلام: 4: 252 / 2، العبر:
4 / 54، ميزان الاعتدال: 3 / 15، المستفاد: 177، عيون التواريخ: 13 / 490، لسان
الميزان: 4 / 116، شذرات الذهب: 4 / 67.
(1) الطسوج: مقدار من الوزن، وهو ربع دانق، ووزنه حبتان من حب الحنطة، والكلمة
معربة.
(2) كذا الأصل هنا، وفي " الميزان " سمع لنفسه في أجزاء تسميعا طريا، وما عدا
ذلك فصحيح، وتابعه عليه الحافظ في " اللسان " وقال: وكذا نقله عنه السمعاني.
503

جمادى الأولى، سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
وفيها مات جعفر بن عبد الواحد الثقفي (1)، ومقتل وزير دمشق
كمال الدين طاهر بن سعد المردقاني في ألوف من الباطنية بدمشق، وأبو
الحجاج يوسف بن عبد العزيز الميورقي، وحمزة بن هبة الله العلوي (2)
بنيسابور عن ست وتسعين سنة.
292 - فاطمة *
بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل، المعمرة الصالحة،
مسندة الوقت، أم إبراهيم، وأم الغيث، وأم الخير، والجوزدانية
الأصبهانية.
آخر من روى في الدنيا عن ابن ريذه، وهي مكثرة عنه (3).
حدث عنها: أبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، ومعمر بن

(1) سترد ترجمته برقم (308).
(2) سترد ترجمته برقم (327). * التحبير: 2 / 428 - 429، التقييد: الورقة: 130 ب - 131 أ، تاريخ الاسلام:
4: 257 / 2، دول الاسلام: 2 / 46، العبر: 4 / 56، المشتبه: في جوزدان، مرآة الجنان:
3 / 232، شذرات الذهب: 4 / 69 - 70.
(3) وقد تفردت في وقتها برواية كتاب " المعجم الكبير " للطبراني، و " المعجم
الصغير " للطبراني عنه، وقد سمع الوادي آشي المعجم الصغير على الشيخ زين الدين أبي
بكر بن يوسف المزي بقراءة الحافظ الذهبي، حدث به عن الشيخين محمد بن إسماعيل بن
أحمد المقدسي، وأبي إسحاق إبراهيم بن خليل الادمي بسماعهما من أبي الفرج يحيى بن
محمود بن سعد الثقفي، أخبرنا أبو عدنان محمد بن أحمد بن المطهر، وأم إبراهيم فاطمة
بنت عبد الله الجوزدانية، قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله بن ريذه الضبي، عن مؤلفه
الطبراني. وانظر السماعات المثبتة في الجزء الأول من " المعجم الكبير " نسخة الظاهرية،
ونسخة أحمد الثالث.
504

الفاخر، وأبو جعفر الصيدلاني، وأبو الفخر أسعد بن روح، وعفيفة بنت
أحمد، وأبو سعيد أحمد بن محمد الارجاني، وداود بن نظام الملك،
وشعيب بن الحسن السمرقندي، وعبد الرحيم بن الاخوة، وعائشة
ومحمد ولدا معمر، وعدد كثير.
قال أبو موسى المديني: قدمت علينا من قرية جوزدان، ومولدها
نحو سنة خمس وعشرين وأربع مئة، وسمعت من أبي بكر في سنة خمس
وثلاثين.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرتنا كريمة القرشية، أنبأنا أبو مسعود
عبد الرحيم الحاجي أنها توفيت في غرة شعبان سنة أربع وعشرين وخمس
مئة.
وقال الحافظ ابن نقطة: توفيت في رابع عشر رجب.
قلت: سمعت المعجمين " الكبير " و " الصغير " للطبراني،
وكتاب " الفتن " لنعيم (1) من ابن ريذه.

(1) هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي نزيل مصر، مشهور
من الحفاظ، لقبه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين،
وعلق له أشياء أخر، وروى له مسلم في " المقدمة " موضعا واحدا، وأصحاب السنن إلا
النسائي، وكان أحمد يوثقه، وكذا في رواية عن ابن معين، وسئل عنه ابن معين، فقال:
ليس في الحديث بشئ، ولكنه صاحب سنة، وقال الآجري عن أبي داود: عند نعيم نحو
عشرين حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل، وقال النسائي: نعيم ضعيف، وقال في موضع
آخر: ليس بثقة، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن
حماد وتقدمه في العلم والمعرفة بالسنن، فقيل له في قبول حديثه، فقال: قد كثر تفرده عن
الأئمة فصار في حد من لا يحتج به، وقال ابن قاسم: كان صدوقا وهو كثير الخطأ، وله
أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها. وقال الدارقطني: إمام في السنة كثير الوهم.
505

293 - السلطان *
صاحب العراق، الملك غياث الدين أبو شجاع محمد بن السلطان
ملكشاه بن ألب أرسلان، التركي السلجوقي.
لما مات أبوه في سنة (485)، اقتسموا الأقاليم، فكان بركياروق
هو المشار إليه، ثم قدم أخوه محمد وسنجر، فجلس لهما المستظهر
بالله، وسلطن محمدا، وألبس سبع خلع، وتاجا، وطوقا،
وسوارين، وعقد له لواء السلطنة بيده، وقلده سيفين، ثم خلع على
سنجر قريبا منه، وقطع خطبة أخيهما بركياروق في سنة خمس وتسعين،
فتحرك بركيا روق، وحشد وجمع، وجرى بينه وبين محمد خمس
مصافات، ثم عظم شأن محمد، وتفرد بالسلطنة، ودانت له البلاد،
وكان أخوه يخطب له بخراسان، وقد كان محمد فحل آل سلجوق، وله بر
في الجملة، وحسن سيرة مشوبة، فمن عدله أنه أبطل ببغداد المكس
والضرائب (1)، ومنع من استخدام يهودي أو نصراني، وكسا في نهار

* المنتظم: 9 / 196، الكامل في التاريخ: 10 / 525 - 527، وفيات الأعيان:
5 / 71، تاريخ الاسلام: 4: 203 / 2، دول الاسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 23 - 24،
تتمة المختصر: 2 / 39 - 40، الوافي بالوفيات: 5 / 62، عيون التواريخ: 13 / 341،
مرآة الزمان: 8 / 43، البداية والنهاية: 12 / 180 - 181، النجوم الزاهرة: 5 / 214،
تاريخ الخلفاء: 428، 430، شذرات الذهب: 4 / 30، معجم الأنساب والأسرات
الحاكمة: 60 / 73، 337.
(1) ذكر ابن الأثير: 10 / 526 من عدله أنه اشترى مماليك من بعض التجار،
وأحالهم بالثمن على عامل خوزستان، فأعطاهم البعض، ومطل بالباقي، فحضروا مجلس
الحكم، وأخذوا معهم غلمان القاضي، فلما رآهم السلطان قال لحاجبه: انظر ما حال
هؤلاء، فسألهم عن حالهم، فقالوا: لنا خصم يحضر معنا مجلس الحكم، فقال: من
هو؟ قالوا: السلطان، وذكروا قصتهم فأعلمه ذلك، فاشتد عليه وأكره، وأمر بإحضار
العامل، وأمره بإيصال أموالهم، والجعل الثقيل، ونكل به حتى يمتنع غيره عن مثل فعله،
ثم إنه كان يقول بعد ذلك: لقد ندمت ندما عظيما حيث لم أحضر معهم مجلس الحكم،
فيقتدي بي غيري، ولا يمتنع أحد عن الحضور فيه وأداء الحق.
قال: وعلم الامراء سيرته، فلم يقدم أحد منهم على الظلم، وكفوا عنه.
506

أربع مئة فقير، وكان قد كف مماليكه عن الظلم، ودخل يوما إلى قبة أبي
حنيفة، وأغلق على نفسه يصلي ويدعو. وقيل: إنه خلف من الذهب
العين أحد عشر ألف ألف دينار.
ومات معه في العام صاحب قسطنطينية، وصاحب القدس
بغدوين، لعنهما الله.
وقد حارب الإسماعيلية، وأباد منهم، وأخذ منهم قلعة أصبهان،
وقتل ابن غطاش ملكهم (1)، ثم تعلل مدة، ومات في آخر سنة إحدى
عشرة وخمس مئة بأصبهان، ودفن بمدرسة كبيرة له، وخلف أموالا لا
تحصى، وقد تزوج المقتفي بابنته فاطمة (2)، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة،
وتسلطن بعده ابنه محمود.
294 - أمير الجيوش *
الملك الأفضل، أبو القاسم شاهنشاه ابن الملك أمير الجيوش بدر
الجمالي الأرمني.

(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 430 - 434.
(2) قال ابن خلكان: 5 / 73: وكان الوكيل في قبول النكاح الوزير شرف الدين أبو
القاسم علي بن طراد الزينبي، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، وحضر أخوها
مسعود العقد، ونقلت إلى دار الخلافة للزفاف سنة أربع وثلاثين، ويقال: إنها كانت تقرأ
وتكتب، ولها التدبير الصائب، وتوفيت في عصمته يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع
الآخر سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة. * الإشارة إلى من نال الوزارة: 57، تاريخ ابن القلانسي: 323 الكامل في التاريخ:
10 / 589 - 591، وفيات الأعيان: 2 / 448 - 451، تاريخ الاسلام: 4: 218 / 2 -
219 - 2، دول الاسلام: 2 / 42 - 43، العبر: 34 - 35، تتمة المختصر: 2 / 46،
عيون التواريخ: 13 / 396 - 398، مرآة الزمان: 8 / 64، البداية والنهاية: 12 / 188 -
189، اتعاظ الحنفا: 281، النجوم الزاهرة: 5 / 222، شذرات الذهب: 4 / 47،
معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 149.
507

كان أبوه نائبا بعكا، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر
العبيدي، فاستولى على الإقليم، وأباد عدة أمراء، ودانت له الممالك،
إلى أن مات، فقام بعده ابنه هذا، وعظم شأنه، وأهلك نزارا ولد
المستنصر صاحب دعوة الباطنية وأتابكه أفتكين متولي الثغر، وكان بطلا
شجاعا، وافر الهيبة، عظيم الرتبة، فلما هلك المستعلي، نصب في
الإمامة ابنه الآمر، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر طياشا فاسقا، فعمل
على قتل الأفضل، فرتب عدة وثبوا عليه، فأثخنوه، ونزل إليه الآمر،
توجع له، فلما قضى، أستأصل أمواله، وبقي الآمر في داره أربعين
صاحبا والكتبة تضبط تلك الأموال والذخائر، وحبس أولاده، وكانت أيامه
ثمانيا وعشرين سنة، وكان الامراء تكرهه لكونه سنيا، فكان يؤذيهم،
وكان فيه عدل، فظهر بعده الظلم والبدعة، وولي الوزارة بعده المأمون
البطائحي.
قتلوه في رمضان سنة خمس عشرة وخمس مئة، وله ثمان وخمسون
سنة.
قال ابن خلكان في " تاريخية ": قال صاحب الدول المنقطعة:
خلف الأفضل ست مئة ألف ألف دينار، ومئتين وخمسين إردبا من
الدراهم، وخمسين ألف ثوب ديباج، وعشرين ألف ثوب حرير،
508

وثلاثين راحلة كذا وكذا، ودواة مجوهرة باثني عشر ألف دينار، وعشرة
مجالس، في المجلس مضروب عشرة مسامير من الذهب، على المسمار
منديل مشدود فيه بدلة ثياب، وخمس مئة صندوق، فيها كسوة ومتاع،
سوى الدواب والمماليك والبقر والغنم، ولبن مواشيه يباع في السنة
بثلاثين ألف دينار (1).
قلت: هذه الأشياء ممكنة، سوى الدنانير والدراهم، فلا أجوز
ذلك، بل أستبعد عشره، ولا ريب أن جمعه لهذه الأموال موجب لضعف
جيش مصر، ففي أيامه استولت الفرنج على القدس وعكا، وصور
وطرابلس والسواحل، فلو أنفق ربع ماله، لجمع جيشا يملا الفضاء،
ولأباد الفرنج، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
قال أبو يعلى بن القلانسي (2): كان الأفضل حسن الاعتقاد، سنيا،
حميد السيرة، كريم الأخلاق، لم يأت الزمان بمثله.
قلت: وصلب البطائحي المتولي بعده سنة تسع عشرة.
ووزر بعد هلاك الآمر أمير الجيوش أبو علي أحمد بن الأفضل،
وكان شهما مطاعا، وبطلا شجاعا، سائسا سنيا، كأبيه وجده، فحجر
على الحافظ، ومنعه من أعباء الأمور، فشد عليه مملوك للحافظ
إفرنجي، فطعنه قتله، ووزر يأنس الحافظي (3)، وكان أبو علي أحمد قد
بالغ في الاحتجار على الحافظ، وحول ذخائر القصر إلى داره، وادعى
أنها أموال أبيه.

(1) " وفيات الأعيان ": 2 / 451.
(2) ص 325.
(3) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 672 - 673.
509

وقيل: إنه ترك من الخطبة اسم الحافظ، وخطب لنفسه، وقطع
الاذان بحي على خير العمل، فنفرت منه الرعية، وغالبهم شيعة، فقتل
وهو يلعب بالكرة سنة ست وعشرين وخمس مئة (1)، وجددوا البيعة حينئذ
للحافظ، فمات الوزير يأنس بعد ثلاث سنين، فوزر ولي العهد حسن
ابن الحافظ (2).
295 - البرسقي *
الملك، قسيم الدولة، أبو سعيد آقسنقر مملوك برسق غلام
السلطان طغرلبك.
ولي الموصل والرحبة، وقد ولي شحنكية (3) بغداد، وكان بلك (4)

(1) وكان مقتله على يد أبيه، وضع له من دس له السم، فمات سنة 529، قال ابن
الأثير في " الكامل ": 11 / 23، 24: وكان حسن سيئ السيرة ظالما جريئا على سفك
الدماء، وأخذ الأموال، فهجاه الشعراء، فمن ذلك ما قاله المعتمد بن الأنصاري صاحب
الترسل المشهور:
لم تأت يا حسن بين الورى حسنا * ولم تر الحق في دنيا ولا دين
قتل النفوس بلا جرم ولا سبب * والجور في أخذ أموال المساكين
لقد جمعت بلا علم ولا أدب * تيه الملوك وأخلاق المجانين
(2) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 673. * المنتظم: 9 / 254، الكامل في التاريخ: 10 / 633 - 635، وفيات الأعيان:
1 / 242 - 243، معجم الألقاب: 4 / 3: 588، تاريخ الاسلام: 4 / 240 / 2، العبر:
4 / 46، تتمة المختصر: 2 / 53، عيون التواريخ: 13 / 449، البداية والنهاية:
12 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 230، شذرات الذهب: 4 / 61، معجم الأنساب
والأسرات الحاكمة: 6، 46، 337.
(3) من الشحنة: وهم أعوان الأمير الذين يتولون ضبط أمور البلد، وحفظ الرعية.
(4) هو بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب، وقد تم قتله سنة 518 ه‍، انظر
" الكامل في التاريخ ": 10 / 619.
510

قد قتل بمنبج، فتملك ابن عمه تمرتاش بن إيلغازي حلب (1)، وكان
بلك قد أسر بغدوين صاحب القدس، فاشترى نفسه، وهادنه، فغدر
بغدوين، وحاصر حلب، هو ودبيس الأسدي (2)، ومعهما إبراهيم بن
صاحب حلب رضوان بن تتش السلجوقي، فهلك أهلها جوعا وموتا،
فخرج في الليل قاضيها أبو غانم، والشريف زهرة، وآخر إلى تمرتاش
بماردين، وفاتوا الفرنج، فأخذ يماطلهم تمرتاش، فانملسوا منه إلى
الموصل، فوجدوا البرسقي مريضا، فقلنا: عاهد الله إن عافاك أن
تنصرنا، فقال: إي والله، فعوفي بعد ثلاث، فنادى الغزاة، ولما
أشرف على حلب، تقهقرت الفرنج، فخرج إليه مقاتلتها، وحملوا على
العدو هزموهم، ورتب أمور البلد، وأمدهم بالغلات، فبادروا، وبذروا
في آذار، ونقعوا القمح والشعير، فرتب بها ابنه ورجع (3)، وكان قد أباد
في الإسماعيلية، فشد عليه عشرة بالجامع، فقتل بيده منهم ثلاثة، وقتل
رحمه الله في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مئة، كانوا بزي الصوفية،
نجا منهم واحد (4).

(1) انظر " زبدة الحلب ": 2 / 220، " ونهر الذهب ": 3 / 86، و " تاريخ
حلب ": 1 / 450 للطباخ.
(2) صاحب الحلة، وكان قد وصل إلى الصليبيين - حين ملكوا مدينة صور، تشوفت
أنفسهم إلى الاستيلاء على بلاد الشام - فانضم إليهم وأطمعهم في حلب، وقال لهم: إن أهلها
شيعة، وهم يميلون إلى لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي، وبذل لهم على مساعدته
بذولا كثيرة، وقال: إنني أكون ها هنا نائبا عنكم، ومطيعا لكم، فساروا معه... " الكامل في
التاريخ ": 10 / 623.
(3) " الكامل في التاريخ ": 10 / 623، 624، " نهر الذهب ": 3 / 86، 87،
" تاريخ حلب ": 1 / 455، 461 للطباخ، " زبدة الحلب ": 2 / 230.
(4) " الكامل في التاريخ ": 10 / 633، 634.
511

وكان - رحمه الله - دينا عادلا، حسن الأخلاق، وصى قاضيه
بالعدل، بحيث إنه أمر زوجته أن تدعي عليه بصداقها، فنزل إلى
قاضيه، وجلس بين يديه، فتأدب كل أحد (1).

(1) ووصفه ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 634، فقال: كان خيرا يحب أهل العلم
والصالحين، ويرى العدل ويفعله، وكان من خير الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها،
ويصلي من الليل متهجدا، حكى لي والدي رحمه الله عن بعض من كان يخدمه، قال:
كنت فراشا معه، فكان يصلي كل ليلة كثيرا، وكان يتوضأ هو بنفسه، ولا يستعين بأحد...
512

الطبقة الثامنة والعشرون
296 - الأبيوردي *
الشيخ الصالح، المعمر العفيف، مسند خراسان، أبو القاسم
الفضل بن محمد بن أحمد بن أبي منصور الأبيوردي العطار.
ولد قبل العشرين وأربع مئة.
وسمع من العارف فضل الله بن أبي الخير الميهني، ومحمد بن
عبد العزيز النيلي، وأبي حفص بن مسرور، وأبي عثمان الصابوني،
وسمع معجم أبي القاسم البغوي من أبي نصر الأسفراييني، رحل إليه
إلى إسفرايين، وسمع سنن الدارقطني من النوقاني، وتفرد به مدة.
حدث عنه عمر الفرغولي، وإبراهيم بن سهل المسجدي، ويوسف
ابن شعيب، وآخرون، وروى عنه سنن الدارقطني أبو سعد عبد الله بن
عمر الصفار، وانفرد بعلوه.
قال عبد الغافر الفارسي: شيخ مستور، كثير العبادة، مشتغل

* تقدمت ترجمته برقم (183).
513

بنفسه، سمع الكثير من جدي، وابن مسرور، وجماعة، وقد نيف على
المئة. مات في سادس صفر سنة ثمان عشرة وخمس مئة بنيسابور.
وفيها توفي العلامة أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد
الميداني (1)، وأبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن إبراهيم النوحي (2)
خطيب سمرقند، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي الشافعي، وأبو
طاهر الدشتج (3).
297 - ابن عتاب *
الشيخ العلامة، المحدث الصدوق، مسند الأندلس، أبو محمد
عبد الرحمن ابن المحدث محمد بن عتاب بن محسن القرطبي.
سمع من أبيه فأكثر، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وطائفة.
وتلا بالسبع على عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرئ،
وأجاز له مكي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن عابد، وعبد الله بن
سعيد الشنتجالي، وأبو عمرو السفاقسي، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو
عمر بن الحذاء، وأبو حفص بن الزهراوي.
قال خلف بن بشكوال: هو آخر الشيوخ الجلة الأكابر بالأندلس في

(1) تقدمت ترجمته برقم (284).
(2) تقدمت ترجمته برقم (273).
(3) تقدمت ترجمته برقم (275). * الصلة: 2 / 348 - 350، تاريخ الاسلام: 4: 242 / 1 - 2، العبر: 4 / 47،
تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، عيون التواريخ: 13 / 468 - 469، الديباج المذهب:
1 / 479، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 285، شذرات الذهب: 4 / 61، إيضاح
المكنون: 2 / 50، هدية العارفين: 1 / 518.
514

علو الاسناد، وسعة الرواية، سمع معظم ما عند أبيه، وكان عارفا
بالطرق، واقفا على كثير من التفسير والغريب والمعاني، مع حظ وافر
من اللغة والعربية، وتفقه عند أبيه، وشوور في الاحكام بقية عمره،
وكان صدرا فيمن يستفتي لسنه وتقدمه، وكان من أهل الفضل والحلم،
والوقار والتواضع، وجمع كتابا حفيلا في الزهد والرقائق، سماه " شفاء
الصدور "، وكانت الرحلة إليه في وقته، وكان صابرا للطلبة، مواظبا
على الاسماع، يجلس لهم النهار كله، وبين العشاءين، سمع منه
الآباء والأبناء، وسمعت عليه معظم ما عنده، وقال: مولدي سنة
(433)، ومات في جمادى الأولى سنة عشرين وخمس مئة (1).
قلت: وروى عنه الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد،
وعبد الحق بن بونه، وأخوه محمد، وأحمد بن عبد الملك بن عميرة،
وأحمد بن يوسف بن رشد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبادة، ومحمد
ابن يوسف بن سعادة، ومحمد بن عراق، وعبد الله بن خلف الفهري،
وخلق.
298 - أبو بحر بن العاص *
الامام المتقن النحوي، أبو بحر سفيان بن العاص بن أحمد بن
العاص بن سفيان بن عيسى الأسدي المربيطري (2)، نزيل قرطبة.

(1) " الصلة ": 2 / 349. * الصلة: 1 / 230 - 231، معجم البلدان: 5 / 99، تاريخ الاسلام: 4:
241 / 2، العبر: 4 / 46، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، وفيات ابن
قنفذ: 271، شذرات الذهب: 4 / 61.
(2) في معجم ياقوت: 5 / 99: مربيطر: مدينة بالأندلس بينها وبين بلنسية أربعة
فراسخ.
515

روى عن أبي عمر بن عبد البر، فقال ابن الدباغ: سمع منه
" الموطأ "، وكتابه في الفرائض، و " بهجة المجالس ".
قلت: وروى الكثير عن أبي العباس بن دلهاث، واختص بهشام
ابن أحمد الكناني، وروى أيضا عن أبي الوليد الباجي، وأبي الفتح
الليث بن الحسن التركي، ومحمد بن سعدون، وأبي داود بن نجاح.
قال ابن بشكوال: كان من جلة العلماء، وكبار الأدباء، وضابطا
لكتبه، صدوقا، سمع الناس منه كثيرا (1).
قلت: روى عنه ابن بشكوال، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو بكر بن
الجد الفقيه، وعبد الحق بن بونه العبدري، وآخرون.
توفي في جمادى الآخرة سنة عشرين وخمس مئة، وقد كمل
الثمانين، رحمه الله.
299 - ابن أبي تليد *
الشيخ الصدوق، أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن خلف بن
موسى بن أبي تليد الشاطبي.
مكثر عن أبي عمر بن عبد البر، وسماعه بخطوط الثقات.
أثنى عليه ابن الدباغ، وقال: سمع كتاب " الاستذكار "، وروى

(1) الصلة: 1 / 230، وفيه: واختلفت إليه، وقرأت عليه، وسمعت كثيرا من
روايته، وأجاز لي بخطه سائرها غير مرة. * الصلة: 2 / 610 - 611، بغية الملتمس: 457، معجم القضاعي: 194 -
196، تاريخ الاسلام: 4: 232 / 1 - 2، الغنية: 256 - 258، وله في نفح الطيب:
3 / 319 خبر طريف مع ابن خفاجة.
516

عنه أبو عبد الله بن زرقون، وطائفة (1).
توفي سنة سبع عشرة وخمس مئة، وكان جدهم أبو تليد ممن
رحل، وسمع من النسائي.
300 - الحلواني *
العلامة أبو سعد يحيى بن علي الحلواني الشافعي، مصنف كتاب
" التلويح " في المذهب (2).
كان من كبار تلامذة الشيخ أبي إسحاق، لزمه مدة، وكان من
فحول المناظرين.
حدث عن أبي جعفر بن المسلمة وغيره.
قال أبو سعد السمعاني: قدم مرو إلى خاقان (3) صاحب ما وراء
النهر رسولا، فسمعت منه جزءا، وكان سئ الخلق، متكبرا عسرا،
مات بسمرقند في رمضان سنة عشرين وخمس مئة.

(1) قال ابن بشكوال: 2 / 610: وكان فقيها مفتيا في بلده، أديبا، شاعرا، دينا،
فاضلا، وأنشد له قول:
حالي مع الدهر في تقلبه * كطائر ضم رجله شرك
همته في فكاك مهجته * يروم تخليصها فتشتبك * الأنساب: 4 / 192، تاريخ الاسلام: 4: 244 / 1 - 245 / 1، طبقات
السبكي: 7 / 333 - 334، طبقات الأسنوي: 1 / 432، كشف الظنون: 482، هدية
العارفين: 2 / 520.
(2) وولي كما في " الطبقات ": 7 / 333 - حسبة بغداد، ثم عزل عنها، وولي
تدريس النظامية.
(3) هو محمد بن سليمان، وكان قد أرسله إليه أمير المؤمنين المسترشد بالله.
517

301 - ابن منظور *
قاضي إشبيلية، أبو القاسم أحمد بن القاضي أبي بكر محمد بن
أحمد بن محمد بن منظور القيسي المالكي الإشبيلي.
فقيه إمام، محدث محتشم، من بيت علم وجلالة.
روى عن أبيه، وعن ابن عمهم أبي عبد الله محمد بن أحمد بن
عيسى بن منظور.
أخذ عنه ابن بشكوال، وغلط في نسبه، وجعله ابنا لأبي عبد الله
ابن منظور الراوي " الصحيح " عن أبي ذر (1)، وتلاه في الوهم أبو جعفر
ابن عميرة.
توفي سنة عشرين وخمس مئة، وله أربع وثمانون سنة، وكان من رواة
" الصحيح "، فحمله عنه سماعا أبو بكر بن الجد الحافظ.

* الصلة: 1 / 78، تاريخ الاسلام: 4: 240 / 1.
(1) هو أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الهروي نسبة إلى هراة من بلاد
خراسان، وهي من أشهر المدن الخراسانية التي تقع في القسم الشمالي من أفغانستان،
افتتحها الأحنف بن قيس في خلافة عثمان، وأهلها أشراف من العجم، وبها قوم من
العرب، ومنهم أبو ذر هذا، وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (370)، وقد
سمع المستملي، والحموي، والكشميهني، وعول عليهم في البخاري، سمعه على
الحموي بهراة سنة 373 ه‍، وسمعه على المستملي ببلخ سنة 374 ه‍، وفرغ من سماعه
عليه سنة 375 ه‍، وسمعه على الكشميهني بكشميهن سنة 489 ه‍.
حدث عن أبي ذر من لا يحيط به الحصر، ومن أشهر الطرق المشرقية عنه في صحيح
البخاري رواية ابنه أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر عنه، وسمعه عليه من الأندلسيين العدد
الكثير، ومن أشهر الطرق المعروفة إليه بالمغرب التي اعتمدها الرواة رواية القاضي أبي الوليد
الباجي عنه، وأبي العباس العذري، وأبي عبد الله بن شريح المقرئ، وأبي عبد الله بن
منظور القيسي.
انظر " برنامج الوادي آشي ": ص: 189، و " برنامج التجيبي ": ص: 75،
وفهرست ابن خير: ص: 94، وإفادة النصيح: 39 - 45.
518

302 - طغتكين *
صاحب دمشق، الملك أبو منصور طغتكين الأتابك، من أمراء
السلطان تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، فزوجه بأم ولده دقاق، فقتل
السلطان، وتملك بعده ابنه دقاق، وصار طغتكين مقدم عسكره، ثم
تملك بعد دقاق. وكان شهما شجاعا، مهيبا مجاهدا في الفرنج، مؤثرا
للعدل، يلقب ظهير الدين.
قال أبو يعلى بن القلانسي (1): مرض ونحل، ومات في صفر سنة
اثنتين وعشرين وخمس مئة، فأبكى العيون، وأنكأ القلوب، وفت في
الأعضاد، وفتت الأكباد، وزاد في الأسف، فرحمه الله، وبرد
مضجعه، ثم ماتت زوجته الخاتون أم بوري بعده بأيام، فدفنت بقبتها
خارج باب الفراديس (2).
قلت: لولا أن الله أقام طغتكين للاسلام بإزاء الفرنج، وإلا كانوا
غلبوا على دمشق، فقد هزمهم غير مرة، وأنجده عسكر الموصل، مع
مودود، ومع البرسقي، وسار إلى بغداد هو إلى خدمة السلطان محمد بن
ملكشاه، فبالغ في احترامه وإجلاله.
قال ابن الأثير: تملك بعده ابنه الكبير تاج الملوك بوري بعهد منه.

* الكامل في التاريخ: 10 / 37 و 248 و 375 و 376 و 389 و 394 و 399
و 400 و 452 و 467 - 469 و 487 - 490 و 495 - 497 و 503 و 516 و 543 و 568
و 587 و 594 و 652، تاريخ الاسلام: 4: 251 / 1، دول الاسلام: 45، العبر:
4 / 51، تتمة المختصر: 2 / 55، عيون التواريخ: 13 / 481 - 482، البداية والنهاية:
12 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 234، شذرات الذهب: 4 / 65 - 66، تهذيب تاريخ
دمشق: 7 / 58، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 340.
(1) ص 347 - 348.
(2) أحد أبواب دمشق، ويقع شمال الجامع الأموي، ويقال له: الآن باب العمارة.
519

وقال ابن الجوزي: كان طغتكين شهما عادلا، حزن عليه أهل
دمشق، فلم تبق محلة ولا سوق إلا والمأتم قائم فيه عليه لعدله، وحسن
سيرته، حكم على الشام خمسا وثلاثين سنة، وسار ابنه بسيرته مديدة،
ثم تغير وظلم.
قلت: قد كان طغتكين سيفا مسلولا على الفرنج، ولكن له خرمة
كان قد استفحل البلاء بداعي الإسماعيلية بهرام بالشام، وكان يطوف
المدائن والقلاع متخفيا، ويغوي الأغتام والشطار، وينقاد له الجهال،
إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قرره صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين،
فأخذ يكرمه، ويبالغ، اتقاء لشره، فتبعه الغوغاء، والسفهاء،
والفلاحون، وكثروا، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني، وبث إليه سره، ثم
التمس من الملك طغتكين قلعة يحتمي بها، فأعطاه بانياس في سنة
عشرين وخمس مئة (1)، فعظم الخطب، وتوجع أهل الخير، وتستروا
من سبهم، وكانوا قد قتلوا عدة من الكبار، فما قصر تاج الملوك فقتل
الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المذكور في رمضان سنة ثلاث وعشرين
بالقلعة، ونصب رأسه، وركب جنده، فوضعوا السيف بدمشق في
الملاحدة الإسماعيلية، فسبكوا منهم في الحال نحوا من ستة آلاف نفس
في الطرقات، وكانوا قد تظاهروا، وتفاقم أمرهم، وراح في هذه الكائنة
الصالح بالطالح.
وأما بهرام، فتمرد وعتا، وقتل شابا من أهل وادي التيم اسمه
برق، فقام عشيرته، وتحالفوا على أخذ الثأر، فحاربهم بهرام، فكبسوه

(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 632، 633، 639.
520

وذبحوه إلى اللعنة، وسلمت الملاحدة بانياس للفرنج، وذلوا.
وقيل: إن المزدقاني كاتب الفرنج ليسلم إليهم دمشق، ويعطوه
صور، وأن يهجموا البلد يوم جمعة، ووكل الملاحدة تغلق أبواب
الجامع على الناس، فقتله لهذا تاج الملوك رحمه الله، وقد التقى الفرنج
وهزمهم، وكانت وقعة مشهودة (1).
وفي سنة عشرين أقبلت جموع الفرنج لاخذ دمشق، ونزلوا
بشقحب (2)، فجمع طغتكين التركمانيين (3) وشطار دمشق، والتقاهم في
آخر العام، وحمي القتال، ثم فر طغتكين وفرسانه عجزا، فعطفت
الرجالة على خيام العدو، وقتلوا في الفرنج، وحازوا الأموال والغنائم،
فوقعت الهزيمة على الفرنج، ونزل النصر.
303 - ابن الفاعوس *
الفقيه الزاهد، العابد القدوة، أبو الحسن علي بن المبارك بن علي

(1) " الكامل في التاريخ ": 10 / 657 - 658، وفيه " المزدقاني ".
(2) شقحب: قرية في جنوب غربي دمشق تبعد عنها 25 ميلا تقريبا، وفي سنة 702
كانت وقعة شقحب المشهورة بين التتار وأهل الشام، وصدق الله وعده، وأعز جنده، وهزم
التتار وحده، ونصر المؤمنين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، وكان
قد حضر هذه الوقعة شيخ الاسلام تقي الدين رحمه الله يوصي المؤمنين بالثبات، ويحرضهم
على القتال، ويبشرهم بالغنيمة والفوز بإحدى الحسنيين، وشارك في قتال التتار بنفسه،
وجاهدهم جهاد الابطال، وكانت له مواقف مشهودة تنبئ عن شجاعته، ورباطة جأشه،
وعظيم احتماله.
(3) في الأصل: التراكمين، وهو تحريف. * مشيخة ابن عساكر: 354، المنتظم: 10 / 7، الكامل في التاريخ:
10 / 648، تاريخ الاسلام: 4: 248 / 2، العبر: 4 / 50، عيون التواريخ: 13 / 479،
ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 173 - 176، النجوم الزاهرة: 5 / 233، شذرات الذهب:
4 / 64.
521

ابن الفاعوس البغدادي الإسكاف، تلميذ الشريف أبي جعفر بن أبي
موسى الحنبلي.
روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي منصور العطار.
روى عنه أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وكان
يقرأ للناس الحديث بلا إسناد يوم الجمعة، وله قبول زائد لصلاحه
وإخلاصه.
قال ابن الجوزي: توفي في تاسع عشر شوال سنة إحدى وعشرين
وخمس مئة، وغلقت الأسواق، وضج العوام بذكر السنة ولعن أهل
البدع، ودفن بقرب الإمام أحمد.
وقيل: كان يتمنع من الرواية إزراء على نفسه، رحمه الله.
مات عن نيف وسبعين سنة.
قال السمعاني: سمعت أبا القاسم بدمشق يقول: أهل بغداد
يعتقدون فيه، وكان أبو القاسم بن السمرقندي يقول: إن ابن الخاضبة
كان يقول لابن الفاعوس: الحجري، لأنه كان يقول: الحجر الأسود
يمين الله حقيقة.
قال كاتبه: هذا أذى لا يسوغ في حق رجل صالح، وإلا
فهذا نزاع في إطلاق عبارة ما تحتها محذور أصلا، وهو كقولنا:
بيت الله حقيقة، وناقة الله حقيقة، وروح الله ابن مريم حقيقة، وذلك من
قبيل إضافة التشريف، ونحو ذلك، وما يقول من له عقل قط: إن ذلك
إضافة صفة، وفي سياق الخبر ما يوضح أنه إضافة ملك، لا إضافة
صفة، وهو قوله: " فمن صافحه، فكأنما صافح الله " يعني أنه بمنزلة
522

يمين البارئ تعالى في الأرض (1).
روى ابن جريج قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول:
سمعت ابن عباس يقول: هذا الركن الأسود يمين الله في الأرض يصافح
به عباده مصافحة الرجل أخاه (2).
ولكن الأولى في هذا ترك الخوض في حقيقة أو مجاز، فلا حاجة
بنا إلى تقييد ما أطلقه السلف، بل نؤمن ونسكت، وقولنا في ذلك:
حقيقة أو مجازا، ضرب من العي واللكن، فنزجر من بحث في ذلك،
والله الموفق.
304 - المسجدي *
الشيخ الصالح المسند، أبو القاسم سهل بن إبراهيم النيسابوري
المسجدي، ويعرف أيضا بالسبعي.

(1) كلام الذهبي رحمه الله هذا حق فيما إذا ثبت الحديث بذلك، أما إذا كان لا يصح
كما هو هنا فلا يتكلف لتأويله وتوجيهه، فقد أخرجه الخطيب في " تاريخه ": 6 / 328،
وابن عدي في " الكامل ": 17 / 2 من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي، حدثنا أبو معشر
المدائني، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا: " الحجر الأسود يمين الله في الأرض
يصافح به عباده "، وإسحاق بن بشر الكاهلي قال الخطيب: يروي عن مالك وغيره من
الرفعاء أحاديث منكرة، كذبه أبو بكر بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، وأبو زرعة، وقال
ابن عدي والدارقطني: هو في عداد من يضع الحديث، وله طريق أخرى لا يفرح بها عند
ابن عساكر: 15 / 90 / 2 في سندها أبو علي الأهوازي، وهو متهم، فالخبر باطل كما قال
ابن الجوزي، وابن العربي.
(2) لم أتبين من رواه عن ابن جريح حتى أنظر فيه، وقد أخرجه ابن قتيبة هكذا موقوفا
على ابن عباس في " غريب الحديث ": 2 / 337، وفي سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي،
وهو متروك. * السياق: الورقة: 28 ب، الأنساب: 7 / 32، التحبير: 1 / 314 - 317،
المنتخب: الورقة: 71 أ، اللباب: 2 / 100 - 101، تاريخ الاسلام: 4: 250 / 2.
523

روى عن أبي محمد الجويني الفقيه، وأبي حفص بن مسرور،
وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وأبي عثمان الصابوني، وأبي سعد
الطبيب، ووجيه بن أبي الطيب.
روى عنه أبو سعد السمعاني، وحفيده محمد بن أحمد
المسجدي، وعبد المنعم بن الفراوي، وعبد الرحمن بن أبي القاسم
الشعري، وأبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وابن ياسر الجياني،
وغيرهم.
وقيل له: المسجدي، لأنه كان خادم مسجد المطرز (1)، وكان
دينا خيرا، عالي الاسناد، وكان والده قد عرف بتلاوة سبع كل يوم،
وكان ولده أحمد بن سهل يروي عن يعقوب بن أحمد الصيرفي.
مات سهل سنة بضع وعشرين وخمس مئة، وقد ذكرته في " تاريخ
الاسلام " تقريبا في اثنتين وعشرين.
305 - السلطان *
صاحب العراق، مغيث الدين محمود بن السلطان محمد بن
ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي.

(1) وهو المسجد الكبير بنيسابور. * المنتظم: 10 / 24، تاريخ دولة آل سلجوق: 114 - 119، الكامل في
التاريخ: 10 / 669 - 670، وفيات الأعيان: 5 / 182 - 183، تاريخ الاسلام: 4:
268 / 2، دول الاسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 66، تتمة المختصر: 2 / 58 - 59، مرآة
الزمان: 8 / 85، البداية والنهاية: 12 / 203، تاريخ ابن خلدون: 5 / 45، السلوك:
1 / 34، الاعلام لابن قاضي شهبة: خ سنة 525، النجوم الزاهرة: 5 / 246 -
247، شذرات الذهب: 4 / 76 - 77، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 334.
524

تملك بعد أبيه وهو حدث أمرد في أول سنة اثنتي عشرة، وخطب
له على منابر بغداد، وكان ذكيا فطنا، له معرفة بالنحو، وميل إلى
العلم، ونظر في التاريخ، مدحه الحيص بيص (1)، وضعفت دولة بني
سلجوق [في أواخر أيامه]، وكان عمه السلطان سنجر أعلى رتبة منه.
مات بهمذان في شوال سنة خمس وعشرين وخمس مئة (2)،
ويكنى أبا القاسم، وسلطنوا بعده أخاه طغرل، فمات بعد عامين، ثم
تسلطن أخوهما مسعود، وطول.
306 - الدينوري *
الشيخ المعمر الصدوق، أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد
الدينوري، ثم البغدادي.
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا طالب بن غيلان، والحافظ أبا
محمد الخلال، وأبا محمد الجوهري، وغيرهم.

(1) هو الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن الصيفي التميمي
البغدادي المتوفي سنة 574 ه‍، وقصيدته الدالية - وهي من غرر القصائد - التي مدح بها
المترجم هي في ديوانه: 1 / 156، ومطلعها:
ألق الحدائج ترع الضمر القود * طال السرى وتشكت وخدك البيد
يا ساري الليل لا جدب ولا فرق * فالنبت أغيد والسلطان محمود
قيل تألفت الأضداد خيفته * فالمورد الضنك فيه الشاء والسيد
(2) قال ابن الأثير: 10 / 670: وكان عمره لما توفي نحو سبع وعشرين سنة، وكانت
ولايته للسلطنة اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما، وكان حليما، كريما، عاقلا،
يمسع ما يكره ولا يعاقب عليه مع القدرة، قليل الطمع في أموال الرعايا، عفيفا عنها، كافا
لأصحابه عن التطرق إلى شئ منها. * مشيخة ابن عساكر: 292، مشيخة ابن الجوزي: 63، ومعظم الترجمة لم
ترد فيه لخرم في الأصل المعتمد، المنتظم: 10 / 7، تاريخ الاسلام: 4:
248 / 2، العبر: 4 / 50، عيون التواريخ: 13 / 478، شذرات الذهب: 4 / 64.
525

حدث عنه: أبو المعمر الأنصاري، والحافظ ابن عساكر، وأخوه
الصائن هبة الله، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفرج بن الجوزي،
وآخرون.
قال أبو سعد السمعاني: كان صاحب الخبر، توفي في جمادى
الآخرة سنة إحدى وعشرين وخمس مئة، وكان يقول: قد مر بي أبي من
الدينور وأنا صبي، واحترقت كتبي زمن المستظهر، وقد سمع أبو الحسن
القزويني من جدي أحمد.
307 - ابن البخاري *
الشيخ العدل، الكبير المسند، أبو البركات هبة الله بن محمد بن
علي بن أحمد البغدادي ابن البخاري، وهو المبخر (1).
ولد سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
سمع أبا طالب بن غيلان، وأبا القاسم التنوخي، وأبا علي بن
المذهب، وأبا محمد الجوهري، وأبا الحسن الباقلاني، وأبا طالب
العشاري.
وعنه: عبد الجبار بن هبة الله البندار، والصائن بن عساكر،
ويحيى بن بوش، وجماعة.

* المنتظم: 9 / 254، تاريخ الاسلام: 4: 238 / 2، العبر: 4 / 45، شذرات
الذهب: 4 / 60.
(1) لقب بذلك، لأنه كان يبخر بالعود وغيره في الخانات، انظر " المشتبه ":
1 / 53.
526

وكان صحيح السماع، توفي في رجب سنة تسع عشرة وخمس
مئة ببغداد.
308 - جعفر بن عبد الواحد *
ابن محمد بن محمود بن أحمد المولى، الرئيس المعمر، أبو
الفضل الأصبهاني الثقفي.
سمع أبا بكر بن ريذه، وعبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وأبا
طاهر بن عبد الرحيم، ومحمد بن عبد الرحمن الأرزناني (1)، وعبد
الرزاق بن أحمد الخطيب، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن
الفضل الباطرقاني، وعدة.
حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأحمد بن أبي
منصور بن الزبرقان، وناصر بن محمد الويرج، وعبد الواحد بن أبي
المطهر الصيدلاني، وعبد الجليل بن أبي نصر بن رجاء، ومحمد بن
أحمد المهاد، وخلق.
قال السمعاني: كان صالحا سديدا (2)، ومن مروياته: شروط
الذمة، وكتاب السنة، والضحايا، والعقيقة، والنوادر، والعتق،
والرمي، والسبق، والسرقة، وفوائد العراقيين، الكل لأبي الشيخ،

* التحبير: 1 / 159 - 166، معجم شيوخ السمعاني: الورقة: 65 أ، تاريخ
الاسلام: 4: 252 / 1، العبر: 4 / 54، عيون التواريخ: 13 / 490، النجوم الزاهرة:
5 / 235، شذرات الذهب: 4 / 66.
(1) نسبة إلى أرزنان من قرى أصبهان.
(2) وتمام كلامه في " التحبير ": 1 / 159: معروفا من بيت الحديث وأهله، عمر
المعمر الطويل حتى حدث بالكثير، وسمع منه.
527

سمعها من ابن عبد الرحيم عنه، والأدب لابن أبي عاصم، والآحاد
والمثاني له، وكتاب الجامع لأحمد بن الفرات (1)، والصلاة لأبي
نعيم (2).
مولده في سنة أربع وثلاثين وأربع مئة، وتوفي في تاسع جمادى
الأولى سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة، ولم يبق بعده من أصحاب ابن
ريذه سوى فاطمة.
309 - الطرقي *
الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني، وطرق:
من قرى أصبهان (3).
سكن برد، وكان متفننا، له تصانيف، إلا أنه جهل، وقال بقدم
الروح (4).

ابن خالد الضبي أبو مسعود الرازي الحافظ نزيل أصبهان المتوفى 258 ه‍، من
رجال التهذيب: 1 / 422 طبع مؤسسة الرسالة.
(2) التحبير: 1 / 160، 166. * الأنساب: 8 / 235 - 236، اللباب: 2 / 280، تاريخ الاسلام: 4:
247 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 86 - 87، الوافي بالوفيات: 6 / 282، لسان الميزان:
1 / 143، ذيل بروكلمان: 1 / 623.
(3) قال السمعاني: وهي قرية كبيرة مثل البليدة من أصبهان على عشرين فرسخا منها.
(4) نسب السمعاني في " الأنساب " هذا القول إليه بصيغة التمريض، فقال: وحكي
عنه أنه كان يقول: الروح قديمة، فالله أعلم بصحة نسبة ذلك إليه.
وقال المؤلف في " ميزان الاعتدال ": 1 / 86، 87: وشبهته قوله تعالى * (قل الروح
من أمر ربي) * قالوا: وأمره قديم، وهو شئ غير خلقه، وتلوا * (ألا له الخلق والامر) *
* (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * وهذه من أردإ البدع وأضلها، فقد علم الناس ان
الحيوانات كلها مخلوقة أجسادها وأرواحها.
528

سمع عبد الوهاب بن منده وطبقته، وجال في الطلب، ولحق أبا
القاسم بن البسري.
توفي في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.
310 - خوارزمشاه *
الملك العالم، أبو الفتح محمد بن نوشتكين، دين فاضل، خير
تقي، سخي، كثير التلاوة والغزو، عارف بالتفسير، كان يقول:
سمعت نظام الملك يقول: صلاة الصبح بغلس تذهب ظلمة القبر.
توفي سنة اثنتين وعشرين في شوال، وكانت دولته بخوارزم ثلاثين
سنة، كان من أعدل الملوك، وتسلطن بعده ابنه أتسز (1).
311 - القطائفي * *
الشيخ المعمر أبو بكر أحمد بن عمر بن علي بن حمد النهاوندي
القطائفي، نزيل بغداد.
ولد بالدينور في سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وجاء هو وأبوه إلى
بغداد منجفلين وقت ظهور الغز السلجوقية.
سمع من علي بن المحسن التنوخي، وأبي محمد الجوهري،
والقاضي أبي يعلى، والخطيب، وجماعة.

* الكامل في التاريخ: 10 / 267، تاريخ الاسلام: 4: 251 / 2.
(1) انظر أخباره في " الكامل في التاريخ ": 10 / 268 و 677، 11 / 67 و 81 و 87
و 88 و 95 و 209.
(* *) تاريخ الاسلام: 4: 239 / 1.
529

روى عنه أبو المعمر الأنصاري، وعلي بن أبي سعيد الخباز،
ومحمد بن عبد الملك الهمذاني، وعبد الله بن عبد الصمد السلمي.
قال ابن ناصر: هو رجل صالح حلواني، من أهل السنة،
وسماعه صحيح.
وقال ابن كامل: مات في السادس والعشرين من رمضان سنة
عشرين وخمس مئة.
312 - ابن رضوان *
الجليل الرئيس، أبو نصر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن رضوان
ابن محمد بن رضوان البغدادي المراتبي.
سمع أبا محمد الجوهري، وأبا يعلى بن الفراء، وأجاز له عبد
العزيز بن علي الازجي.
روى عنه محمد بن طاهر في " معجمه "، وأبو المعمر الأنصاري،
وأبو القاسم بن عساكر، وأبو القاسم بن السبط، وطائفة.
قال ابن النجار: كان صالحا صدوقا، كثير الصلاة والصدقة. مات
في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وخمس مئة، وله إحدى وثمانون سنة.
313 - العطار * *
الشيخ المعمر، أبو غالب أحمد بن عبدا لباقي بن أحمد بن بشر
الكرخي، البغدادي العطار.

* مشيخة ابن عساكر: 7 / 2، تاريخ الاسلام: 4: 254 / 1.
(* *) تاريخ الاسلام: 4: 239 / 1، الوافي بالوفيات: 7 / 12، لسان الميزان:
1 / 210.
530

سمع أبا طالب بن غيلان والجوهري.
وعنه أبو المعمر الأنصاري، وأبو العلاء بن عقيل.
أعرض عنه المحدثون، لان السمعاني قال: سألت أبا المعمر
الأنصاري عن أبي غالب بن بشر، فقال: كان يشرب إلى أن مات -
يعني الخمر.
مولده في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وأربع مئة، ومات في
جمادى الأولى سنة عشرين وخمس مئة.
314 - ابن عيذون *
لغوي العصر، أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن سلامة بن عيذون
الهذلي التونسي المعمر.
مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
رأى ابن البر (1)، فتركه لتهتكه (2)، ولقي ابن رشيق الشاعر.

* معجم السفر: 2 / 286 - 287، معجم الأدباء: 14 / 8 - 10، إنباه الرواة:
2 / 292 - 293، تاريخ الاسلام: 4: 237 / 2، العبر: 4 / 44، تلخيص ابن مكتوم:
145، عيون التواريخ: 13 / 452، طبقات ابن قاضي شهبة: 2 / 158، بغية الوعاة:
2 / 173، شذرات الذهب: 4 / 59.
(1) بكسر الباء كما في الأصل، وبه ضبطه المؤلف في " المشتبه ": 1 / 55، فقال:
وبالكسر أبو بكر محمد بن علي بن البر اللغوي شيخ ابن القطاع. وقد ضبط خطأ بفتح الباء
في " معجم الأدباء ": 14 / 9.
(2) في " معجم الأدباء ": 14 / 9: رأيته بمدينة مازر من جزيرة صقلية، وكنت عزمت على
أن أقرأ عليه لما اشتهر من فضله وتبحره في اللغة، فاتصل بابن منكود صاحب البلد أنه يشرب
وكان يكرمه، فشق عليه، وصار يكرهه، وأنفذ إليه، وقال: المدينة أكبر، والشراب بها
أكثر، فأحوجته الضرورة إلى الخروج منها، ولم أقرأ عليه شيئا.
531

أخذ عنه السلفي بالثغر، ووصفه بإتقان اللغة، وأن له قصيدة أحد
عشر ألف بيت في الرد على المرتد البغدادي (1)، ولو قيل: لم يكن في
زمانه ألغى منه، لما استعبد، وقال لي: لم أر أحفظ للغة والعربية من
ابن القطاع، فأكثرت عنه.
مات ابن عيذون سنة تسع عشرة وخمس مئة.
315 - البطليوسي *
العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد النحوي اللغوي،
صاحب التصانيف.
أقرأ الآداب، وشرح " الموطأ "، وله كتاب " [الاقتضاب في
شرح] (2) أدب الكتاب "، وكتاب " الأسباب الموجبة لاختلاف

(1) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق المشهور بابن الراوندي المتوفى سنة 298 ه‍.
تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (31). * قلائد العقيان: 193 - 202، الصلة: 1 / 292 - 293، بغية الملتمس:
324، معجم البلدان: 1 / 447، الاستدراك: (خ): 244 / 2، إنباه الرواة: 2 / 141 -
143، المغرب في حلي المغرب: 1 / 385، وفيات الأعيان: 3 / 96 - 98، تاريخ
الاسلام: 4: 247 / 2 - 248 / 1، تلخيص ابن مكتوم: 99 - 100، مسالك الابصار:
4 / 3 / 404 - 405، عيون التواريخ: 13 / 473 - 475، مرآة الجنان: 3 / 328، البداية
والنهاية: 12 / 198، الديباج المذهب: 1 / 441، غاية النهاية: 1 / 449، طبقات ابن
قاضي شهبة: 1 / 47 - 48، بغية الوعاة: 2 / 55 - 56، أزهار الرياض: 3 / 101 -
149، نفح الطيب: 1 / 185 و 643 - 649، كشف الظنون: 48، 602، شذرات الذهب:
4 / 64 - 65، روضات الجنات: 450 - 451، هدية العارفين: 1 / 454، شجرة النور
الزكية: 1 / 130، مجلة المجمع: 12 / 56.
وبطليوس: مدينة كبيرة بالأندلس من أعمال ماردة على نهر آنة غربي قرطبة، وكانت
عاصمة بني الأفطس التجيبيين في عهد ملوك الطوائف.
(2) هذه الزيادة لا بد منها فإن البطليوسي لم يؤلف " أدب الكتاب " وإنما شرح كتاب
ابن قتيبة المسمى بأدب الكاتب، - وهو من الأصول الأربعة في الأدب -، وسماه
" الاقتضاب "، وقسمه ثلاثة أجزاء، الجزء الأول في شرح الخطبة وما يتعلق بها من ذكر
أصناف الكتاب وآلاتهم، والجزء الثاني في التنبيه على ما غلط فيه واضع الكتاب أو الناقلون
عنه، وما منع منه وهو جائز، والجزء الثالث في شرح أبياته وقد طبع في ثلاثة أجزاء سنة 1981
بتحقيق مصطفى السقا، وحامد عبد المجيد. وله من التواليف غير ما ذكره المصنف شرح سقط
الزند وهو مطبوع ضمن شروح سقط الزند، قال ابن خلكان: وهو أجود من شرح أبي العلاء
صاحب الديوان الذي سماه " ضوء السقط " وليس هذا الشرح خاصا بسقط الزند، بل ضم
البطليوسي إليه طائفة أخرى شعر أبي العلاء، بعضها من لزوم ما لا يلزم، وبعضها الآخر
من سائر دواوينه، وانفرد من بين شارحيه بترتيب السقط على حروف المعجم. ومن تواليفه
" الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل " وهو مطبوع بتحقيق سعيد عبد الكريم سعودي
سنة 1980، و " الحلل في شرح أبيات الجمل " ولم يطبع بعد، ومنه نسخة خطية في مكتبة
الأوقاف العامة ببغداد، وأخرى في خزانة السيد محمد المشكاة في المكتبة المركزية بجامعة
طهران.
532

الأئمة " (1)، وأشياء، ونظم فائق (2).
مات (3) في رجب سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.
316 - البارع *
الامام النحوي، شيخ القراء، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن

(1) سماه ابن خلكان، وابن بشكوال، والقفطي، وابن العماد: " التنبيه على
الأسباب الموجبة لاختلاف الأمة " وسماه السيوطي في " بغية الوعاة ": 2 / 56: " سبب
اختلاف الفقهاء "، وسماه صاحب " أزهار الرياض ": 3 / 107: " التنبيه على السبب
الموجب لاختلاف العلماء في اعتقاداتهم وآرائهم وسائر أغراضهم وأنحائهم " وقد طبع في
مصر سنة (1319) باسم " الانصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين
المسلمين في آرائهم ".
(2) ومما قاله في العلم:
أخو العلم حي خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى * يظن من الاحياء وهو عديم
(3) في بلنسية التي ألقى عصا تسياره فيها وأتخذها موطنا له، وألف معظم كتبه الجيدة
فيها. * مشيخة ابن عساكر: 54 / 1 - 2، المنتظم: 10 / 16 - 19، مشيخة ابن
الجوزي: 73 - 75، خريدة القصر: 1 / 85، معجم الأدباء: 10 / 147 - 154، الكامل
في التاريخ: 10 / 667، إنباه الرواة: 1 / 328 - 359، وفيات الأعيان: 2 / 181 - 184،
تاريخ الاسلام: 4: 256 / 1 - 3، العبر: 4 / 56، معرفة القراء: 386 - 387، تلخيص
ابن مكتوم: 63، الوافي بالوفيات: (خ): 11 / 106 - 107، مرآة الزمان: 8 / 83،
البداية والنهاية: 12 / 201، طبقات القراء: 1 / 251، النجوم الزاهرة: 5 / 236، بغية
الوعاة: 1 / 539، كشف الظنون: 778، 1111، شذرات الذهب: 4 / 69، روضات
الجنات: 248 - 249، أعيان الشيعة: 27 / 201 - 207.
533

عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوزير القاسم بن عبيد الله
ابن سليمان الحارثي البغدادي ابن الدباس الشاعر، الملقب بالبارع، من
بيت حشمة ووزارة (1). نسبه هكذا أبو محمد بن الخشاب.
ولد سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
وتلا بالروايات على أبي بكر محمد بن علي الخياط، وأبي علي
ابن البناء، ويوسف الغوري، وأبي بكر أحمد بن الحسن اللحياني،
وأبي الخطاب الصوفي، والحسين بن الحسن الإسكاف، ومحمد بن
محمد بن علي البصير.
وسمع من الحسن بن غالب، وأبي جعفر بن المسلمة، والقاضي
أبي يعلى، وأبي الحسين بن النرسي، وعبد الواحد بن برهان الأسدي،
وعدة.
وبرع في اللغات والنحو، ومدح المقتدي، والمستظهر، وعدة
وزراء وكبراء، ودخل خراسان واليمن والشام، ولعب وعاشر (2)، ثم تاب

(1) فإن جده القاسم بن عبيد الله كان وزير المعتضد والمكتفي بعده، وعبيد الله بن
القاسم كان وزير المعتضد قبل ابنه القاسم.
(2) كان بينه وبين ابن الهبارية الأديب الشاعر مداعبات لطيفة، فإنهما كانا رفيقين ومتحدين
في الصحبة.
534

وأناب، ولزم مسجده بباب المراتب (1)، وتكاثر عليه المقرئون
والمحدثون والنحاة، وصنف له سبط الخياط (2) كتاب " الشمس المنيرة
في التسعة الشهيرة " (3).
قرأ عليه خلق، منهم: أبو جعفر عبد الله بن أحمد الواسطي
الضرير، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو العلاء الهمذاني، ونصر الله
ابن الكيال، ويعقوب بن يوسف الحربي، والحسين بن علي بن مهجل
الباقدرائي (4)، وعوض المراتبي، وأبو بكر محمد بن خالد بن بختيار،
وأبو المظفر أحمد بن أحمد بن حمدي وآخرون.
حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو بكر بن الباقلاني
الواسطي، وأبو الفرج ابن الجوزي، وأبو الفتح المندائي، وإبراهيم بن
حمدية، وله ديوان شعر (5)، وقد أضر في آخر عمره.

(1) وهو أحد أبواب دار الخلافة ببغداد، كان من أجل أبوابها وأشرفها، وكان حاجبه
عظيم القدر، نافذ الامر... وكانت الدور فيه غالية الأثمان، عزيزة الوجود أيام السلاطين
ببغداد، لأنه كان حرما لمن يأوي إليه، " معجم ياقوت ": 1 / 312.
(2) هو الامام الكبير الثقة المقرئ أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله
المعروف بسبط الخياط البغدادي، وتوفي بها سنة 541 ه‍. معرفة القراء الكبار (443).
(3) أخطأ صاحب " معجم المؤلفين ": 4 / 54، فنسبه للبارع المترجم في " معجم
البلدان ": 1 / 327.
(4) نسبة إلى باقدرا من قرى بغداد من نواحي طريق خراسان، قال ياقوت في
" معجم البلدان ": 1 / 327، توفي سنة 582 ه‍، ووصفه بالصلاح.
(5) قال المصنف رحمه الله في " معرفة القراء ": 1 / 387: وشعره في الذروة،
وأنشد له قوله - وهو مما قاله بمكة سنة 472 ه‍:
ذكر الأحباب والوطنا * والصبا والاهل والسكنا
فبكى شجوا وحق له * مدنف بالشوق حلف ضنا
من لمشتاق تميله * ذات سجع ميلت فننا
لك يا ورقاء أسوة من * لم تذيقي طرفه الوسنا
أين قلبي ما صنعت به * ما أرى صدري له سكنا
كان يوم النفر وهو معي * فأبى أن يصحب البدنا
ولها تتمة انظرها في " الوفيات ": 3 / 184.
وأنشد له ياقوت في " معجم الأدباء ": 10 / 153:
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت * ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الاثم والعار بالذي * دعته إليه من حلاوة عاجل * مشيخة ابن عساكر: 237 / 2، مشيخة ابن الجوزي: 53، المنتظم:
10 / 24، الكامل في التاريخ: 10 / 671، تاريخ الاسلام: 4: 269 / 2، دول
الاسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 66، المستفاد: 251، مرآة الجنان: 3 / 245، البداية
والنهاية: 12 / 203، النجوم الزاهرة: 5 / 247، شذرات الذهب: 4 / 77.
535

قال ابن عساكر: ما كان به بأس.
وقال أبو الفضل بن شافع: فيه تساهل وضعف.
قال ابن الخشاب: أخبرنا شيخنا البارع بكتاب " إصلاح المنطق "
لابن السكيت بقراءتي من أصله، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة بقراءة
أخي الامام أبي الكرم بن فاخر النحوي عليه سنة ثمان وخمسين، أخبرنا
أبو القاسم بن سويد، أخبرنا ابن الأنباري، أخبرنا أبي، أخبرنا ابن
رستم، أخبرنا المؤلف.
مات البارع في سابع عشر جمادي الآخرة سنة أربع وعشرين
وخمس مئة.
317 - ابن الحصين *
الشيخ الجليل، المسند الصدوق، مسند الآفاق، أبو القاسم
هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين
الشيباني، الهمذاني الأصل، البغدادي الكاتب (1).

(1) وهو خال الوزير العادل عون الدين بن هبيرة.
536

مولده في رابع ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
وسمع في سنة سبع وثلاثين من أبي طالب بن غيلان، وأبي علي
ابن المذهب، وأبي محمد بن المقتدر، وأبي القاسم التنوخي، والقاضي
أبي الطيب الطبري، وطائفة.
وتفرد برواية مسند أحمد (1)، وفوائد أبي بكر الشافعي المشهورة
بالغيلانيات (2)، وباليشكريات (3)، وسماعه لكثير من المسند كان في سنة
ست وثلاثين، كذلك بينه ابن المذهب في الثبت لابن الحصين، فقال:
سمع مني الكتاب في سنتي ست وسبع وثلاثين.
قلت: فعلى هذا يكون سماعه في سنة ست، وهو في الخامسة،
وأملى عدة مجالس، وتكاثر عليه الطلبة.
حدث عنه ابن ناصر، والسلفي، وأبو العلاء العطار، وأبو موسى
المديني، وأبو الفتح بن المني الفقيه، وقاضي بغداد أبو الحسن علي بن
أحمد بن الدامغاني، وقاضي دمشق أبو سعد بن أبي عصرون، وأبو
منصور عبد الله وإبراهيم ابنا محمد بن حمديه، وأبو محمد بن شدقيني،

(1) عن المحدث أبي علي الحسن بن علي التميمي المعروف بابن المذهب، عن
المحدث مسند بغداد أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، عن عبد الله بن الإمام أحمد عن
أبيه.
(2) وهي فوائد حديثية رواها أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان المتوفي سنة
440 ه‍ عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي المتوفي سنة 354 ه‍ إملاء عن
شيوخه، وهي أحد عشر جزءا. وعندنا منه نسخة غاية في النفاسة بخط متقن واضح، وتقع في
164 ورقة، وبآخر كل جزء منها سماعات من القرن السادس الهجري.
(3) وهي أربع أجزاء من إملاء أبي العباس أحمد بن منصور اليشكري المتوفى سنة
370 ه‍. انظر " الرسالة المستطرفة ": 70، وشذرات الذهب: 3 / 71.
537

وعبد الرحمن بن سعود القصري والعلامة مجير الدين محمود
الواسطي، وعبد الخالق بن هبة الله، والقاضي عبيد الله بن محمد
الساوي، وعبد الرحمن بن ملاح الشط، وعبد الله بن أبي بكر بن
الطويلة، وعلي بن عمر الحربي الواعظ، وعبد الله بن أبي المجد
الحربي، وهبة الله بن الحسن السبط، وعلي بن محمد الأنباري،
وعبد الله بن نصر بن مزروع، وعبد الرحمن بن أحمد العمري، والحسن
ابن أشنانة، وعبد الله بن محمد بن عليان، ولاحق بن قندرة (1)، وفاطمة
بنت سعد الخير، وعمر بن جريرة القطان، والمبارك بن مختر السبتي،
وعبد الله بن عبد الرحمن البقلي، وحنبل بن عبد الله المكبر، وأبو الفتح
المندائي، والحسين بن أبي نصر بن القارص وأبو أحمد عبد الوهاب
ابن سكينة، وعمر بن طبرزد، وآخرون.
قال السمعاني: شيخ ثقة دين، صحيح السماع، واسع الرواية،
تفرد وازدحموا عليه، وحدثني عنه معمر بن الفاخر، وأبو القاسم بن
عساكر، وعدة، وكانوا يصفونه بالسداد والأمانة والخيرية.
وقال ابن الجوزي: بكر به أبوه وبأخيه عبد الواحد، فأسمعهما،
سمعت منه " المسند "، وكان ثقة (2)، توفي في رابع عشر شوال سنة خمس
وعشرين وخمس مئة.

(1) ضبطه ابن حجر في " تبصير المنتبه ": 3 / 1140 بفتح الدال والراء، وقال:
حدث بالمسند عن ابن الحصين، ومات سنة 600 ه‍.
(2) " المنتظم ": 10 / 24، و " المشيخة ": 53، ووصفه بصحة السماع، وذكر أنه
سمع منه أيضا " الغيلانيات " جميعها، وأجزاء المزكي، وأملى بجامع القصر مجالس كثيرة
خرجها له شيخنا أبو الفضل بن ناصر، واستملاها عليه، وكنت أحضر الاملاء وأكبت.
وقال ابن كثير في " البداية ": 12 / 203: وكان ثقة ثبتا صحيح السماع.
538

وقال الحسين بن خسرو: دفن يوم الجمعة بباب حرب في ثالث
يوم من وفاته (1).
318 - ابن تومرت *
الشيخ الامام، الفقيه الأصولي الزاهد، أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن تومرت البربري المصمودي (2) الهرغي، الخارج بالمغرب،
المدعي أنه علوي حسني، وأنه الامام المعصوم (3) المهدي، وأنه محمد

(1) في " المنتظم ": 10 / 24: وتوفي بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء رابع عشر
شوال، وترك إلى يوم الجمعة، وأشرف على غسله شيخنا أبو الفضل بن ناصر، وصلى عليه
بوصية منه في جامع القصر، ثم حمل إلى جامع المنصور، فصلى عليه شيخنا عبد الوهاب
ابن المبارك الأنماطي، ودفن يومئذ بباب حرب عند بشر الحافي. * أخبار المهدي بن تومرت للبيذق: 555 ه‍، الكامل في التاريخ: 10 / 569 -
582، المعجب: 245 - 264، وفيات الأعيان: 5 / 45 - 55، تاريخ الاسلام: 4:
258 / 2 - 263 / 2، دول الاسلام: 2 / 46، العبر: 4 / 57 - 62، تذكرة الحفاظ:
4 / 1274، تتمة المختصر: 2 / 26 - 27، الوافي بالوفيات: 3 / 323 - 328، عيون
التواريخ: 13 / 372 - 384، مرآة الزمان: 8 / 91، 92، طبقات السبكي: 6 / 109 -
117، البداية والنهاية: 12 / 186، 187، الحلل الموشية: 78 - 88، رقم الحلل لابن
الخطيب: 56 - 58، تاريخ ابن خلدون: 6 / 464 - 472، وفيات ابن قنفذ: 273،
النجوم الزاهرة: 5 / 254، تاريخ الدولتين للزركشي: 1 - 5، كشف الظنون: 1518،
شذرات الذهب: 4 / 70 - 72، الاستقصا: 2 / 78 - 98، هدية العارفين: 2 / 90،
دائرة المعارف الاسلامية: 1 / 106 - 109.
(2) المصمودي بفتح الميم، وسكون الصاد، وضم الميم الثانية، نسبة إلى مصمودة
قبيلة من البربر، والهرغي بفتح الهاء وسكون الراء نسبة إلى هرغة، وهي قبيلة كبيرة من
المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب.
(3) كثير من الأدعياء - ومنهم المترجم - الذي يلتمسون الدنيا بعمل الآخرة، ويظهرون
للناس خلاف ما يضمرون ينتحلون العصمة لأنفسهم، وينشؤون اتباعهم - وهم في الغالب من
الاحداث والأغمار وطلاب المنافع - على الاعتقاد بذلك يلتمسون ضروبا من الحيل، وأفانين
من الزهد والتنسك والغيرة على الاسلام وحرماته، وجملة من النصوص الثابتة عن المعصوم
يزعمون أنها خاصة بهم ليغرسوا في نفوس أتباعهم أن تصرفاتهم إنما تتم بإلهام من الله وبتأييد
منه، فلا مجال لانكارها، أو الاسترابة منها، أو توجيه النقد لها، فإذا تم لهم ما أرادوا،
وأنسوا من أتباعهم الانقياد التام، والخضوع المطلق، سخروهم لمطامعهم الدنيئة،
وأغراضهم الخسيسة، واستباحوا الأموال والاعراض، وارتكبوا من المخالفات المعلومة
البطلان في شرع الله، ومع ذلك نجد هؤلاء الأغمار الذين خدرت عقولهم يسوغون كل
تصرف ناشئ عن متبوعيهم بحجة أنهم معصومون لا يصدر عنهم إلا ما هو حق وخير، وما
يظهر لغير أتباعهم من المخالفة إنما هو بسبب جهلهم بهم، وعدم معرفتهم بالمنزلة التي
تبوؤوها.
وهذا - وهو مما يحز في القلب شائع وذائع في كثير من الفرق التي تنتسب إلى
الاسلام. ولو علم هؤلاء، واتقوا الله فيما علموا، لاستيقنوا أن الله سبحانه لم يعط العصمة
لاحد من خلقه إلا لرسله الذين اصطفاهم لتبليغ وحيه وبيانه، فهم وحدهم المحاطون برعايته
في التبليغ والبيان، فإذا وقع خطأ في البيان نزل الوحي بالتسديد كما هو واضح في أكثر من
آية في القرآن، وما سواهم من الخلق مهما كانت منزلتهم، فهم بشر يخطئون ويصيبون، فما
أصابوا يؤخذ منهم، وما أخطؤوا فيه، فيعذرون فيه إذا كانوا أهلا للاجتهاد ولا يقلدون فيما
أخطؤوا فيه.
539

ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن
جابر بن يحيى بن رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن بن الإمام
علي بن أبي طالب.
رحل من السوس الأقصى شابا إلى المشرق، فحج وتفقه،
وحصل أطرافا من العلم، وكان أمارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، قوي
النفس، زعرا شجاعا، مهيبا قوالا بالحق، عمالا على الملك، غاويا
في الرياسة والظهور، ذا هيبة ووقار، وجلالة ومعاملة وتأله، انتفع به
خلق، واهتدوا في الجملة، وملكوا المدائن، وقهروا الملوك.
أخذ عن إلكيا الهراسي، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر
الطرطوشي، وجاور سنة.
وكان لهجا بعلم الكلام، خائضا في مزال الاقدام، ألف عقيدة لقبها
540

بالمرشدة، فيها توحيد وخير بانحراف (1)، فحمل عليها أتباعه، وسماهم
الموحدين، ونبز من خالف المرشدة بالتجسيم، وأباح دمه، نعوذ بالله من
الغي والهوى.
وكان خشن العيش فقيرا، قانعا باليسير، مقتصرا على زي (2)
الفقير، لا لذة له في مأكل ولا منكح، ولا مال، ولا في شئ غير رياسة
الامر، حتى لقي الله تعالى.
لكنه دخل - والله - في الدماء (3) لنيل الرياسة المردية.
وكان ذا عصا وركوة ودفاس، غرامه في إزالة المنكر، والصدع
بالحق، وكان يتبسم إلى من لقيه.
وله فصاحة في العربية والبربرية، وكان يؤذى ويضرب ويصبر،

(1) قال ابن خلدون: وكان ابن تومرت قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل
السنة، وأخذ عنهم، واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية، والذب عنها بالحجج
العقلية الدامغة في صدر أهل البدعة، وذهب في رأيهم إلى تأويل المتشابه من الآي
والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل، والاخذ برأيهم فيه
الاقتداء بالسلف في ترك التأويل، وإقرار المتشابهات كما جاءت، فبصر المهدي أهل المغرب
في ذلك، وحملهم على القول بالتأويل، والاخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن
بإمامتهم، ووجوب تقليدهم، وألف العقائد على رأيهم مثل " المرشدة " في التوحيد، وذكر
شيخ الاسلام في " درء تعارض العقل والنقل ": 3 / 438: أن ابن تومرت لم يذكر في
مرشدته شيئا من إثبات الصفات، ولا إثبات الرؤية، ولا قال: إن كلام الله غير مخلوق ونحو
ذلك من المسائل التي جرت عادة مثبتة الصفات بذكرها، وقال: إنه رأى له كتابا في التوحيد
صرح فيه بنفي الصفات، ثم أورد له بحثا من كتابه " الدليل والعلم " وعلق عليه، فانظره
فيه.
(2) في الأصل: زيق وهو خطأ.
(3) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ".
أخرجه البخاري في صحيحه: (6862) في أول الديات من حديث ابن عمر، وقال ابن
عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله.
541

أوذي بمكة، فراح إلى مصر، وبالغ في الانكار، فطردوه، وآذوه،
وكان إذا خاف من البطش به خلط وتباله.
ثم سكن الثغر مدة، ثم ركب البحر إلى المغرب، وقد رأى أنه
شرب ماء البحر مرتين، وأخذ ينكر في المركب على الناس، وألزمهم
بالصلاة، فآذوه، فقدم المهدية (1) وعليها ابن باديس، فنزل بمسجد
معلق، فمتى رأى منكرا أو خمرا، كسر وبدد، فالتف عليه جماعة
واشتغلوا عليه، فطلبه ابن باديس، فلما رأى حاله، وسمع كلامه، سأله
الدعاء، فقال: أصلحك الله لرعيتك.
وسار إلى بجاية، فبقي ينكر كعادته، فنفي، فذهب إلى قرية
ملالة، فوقع بها بعبد المؤمن (2) الذي تسلطن، وكان أمرد عاقلا،
فقال: يا شباب، ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن، قال: الله أكبر، أنت
طلبتي، فأين مقصدك؟ قال: طلب العلم، قال: قد وجدت العلم
والشرف، اصحبني، ونظر في حليته، فوافقت ما عنده مما قيل: إنه
أطلع على كتاب الجفر (3)، فالله أعلم، فقال: ممن أنت؟ قال من

(1) مدينة محدثة بساحل إفريقية بينها وبين القيروان ستون ميلا، والبحر محيط بها من
جهاتها الثلاثة، بناها عبيد الله الشيعي الخارج على بني الأغلب، وهو سماها المهدية نسبها
إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها في سنة ثلاث مئة " الروض المعطار ": ص 561.
(2) عبد المؤمن بن علي القيسي المتوفى 558 ه‍، وسترد ترجمته في الجزء العشرين برقم
(254).
(3) الجفر بفتح الجيم وسكون الفاء من أولاد المعز: ما بلغ أربعة أشهر، والمراد هنا
جلد المعز الذي كتب فيه، وهذا الكتاب يزعم الامامية أن جعفر الصادق رحمه الله كتب
لهم فيه كل ما يحتاجون إليه، وكل ما سيقع ويكون إلى يوم القيامة، وكان مكتوبا عنده في
جلد ماعز، فكتبه عنه هارون بن سعيد العجلي رأس الزيدية، وسماه الجفر باسم الجلد
الذي كتب فيه، وهذا زعم باطل، فإن جعفرا الصادق كجده أمير المؤمنين لا يعلم الغيب،
وقد ثبت عن جده أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصه بشئ من دون أصحابه كما
في صحيح البخاري (111) و (1870) و (3172) و (3179) و (6755) و (6903) و (6915)
و (7300) من طريق أبي جحيفة السوائي، قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم
شئ مما ليس في القرآن، أو ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة
ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في هذه الصحيفة، قال:
قلت: فما هذه الصحيفة؟ قال: " العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر ". قال
الحافظ ابن حجر: وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لان جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند
أهل البيت - لا سيما عليا - أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها.
ونقل العيني في " عمدته ": 1 / 161 عن ابن بطال قوله: فيه ما يقطع بدعة الشيعة والمدعين
على علي رضي الله عنه أنه الوصي، وأنه المخصوص بعلم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يعرفه غيره حيث قال: ما عنده إلا ما عند الناس من كتاب الله، ثم أحال على الفهم الذي
الناس فيه على درجاتهم ولم يخص نفسه بشئ غير ما هو ممكن في غيره.
على أن الكتاب لا تصح نسبته إلى جعفر الصادق رحمه الله، والذين نسبوه إليه من أجهل
الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وعمدتهم في
المنقولات التواريخ المنقطعة الاسناد، وكثير منها من وضع من عرف بالكذب والاختلاق، كأبي
مخنف لوط، وهشام بن محمد بن السائب، وأمثالهما، وغير خاف على طلبة العلم أن ما لا يعلم
إلا من طريق النقل لا يمكن الحكم بثبوته إلا بالرواية الصحيحة السند، فإذا لم توجد، فلا يسوغ
لنا شرعا وعقلا أن نقول بثبوته، وانظر " أبجد العلوم " 2 / 214 - 216، و " لقطة العجلان "
كلاهما لصديق حسن خان، ومجلة المنار 4 / 60 للسيد رشيد رضا.
542

كومية (1)، فربط الشاب، وشوقه إلى أمر عشقها، وأفضى إليه بسره،
وكان في صحبته الفقيه عبد الله الونشريسي، وكان جميلا نحويا، فاتفقا
على أن يخفي علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللكن مدة، ثم يجعل
إظهار نفسه معجزة، ففعل ذلك (2)، ثم عمد إلى ستة من أجلاد أتباعه،
وسار بهم إلى مراكش، وهي لابن تاشفين، فأخذوا في الانكار، فخوفوا
الملك منهم، وكانوا بمسجد خراب، فأحضرهم الملك، فكلموه فيما
وقع فيه من سب الملك، فقال: ما نقل من الوقيعة فيه، فقد قلته، هل

(1) بضم الكاف وسكون الواو: قبيلة صغيرة كانت تنزل بساحل البحر من أعمال
تلمسان.
(2) انظر " وفيات الأعيان ": 5 / 48.
543

من ورائه أقول، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي، هل بلغك
أن الخمر تباع جهارا، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ أموال
اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاة طمع ابن تومرت في
الملك، فنصح مالك بن وهيب الفيلسوف سلطانه، وقال: إني خائف
عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقت
عليهم خزائنك، فوافقه، فقال الوزير: يقبح بالملك أن يبكي من وعظه،
ثم يسئ إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك، وأنت سلطان: من رجل
فقير، فأخذته نخوة، وصرفه، وسأله الدعاء (1).
وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق
المصمودي، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا
الموضع، فعليكم بتينمل (2) فهي يوم عنا، وهو أحصن الأماكن،
فأقيموا به برهة كي ينسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكر
لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة
علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا
إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه ما في نفسه،
فإن أسرع إليه، أضافه إلى خواصه، وإن سكت، أعرض عنه، وكان
كهولهم ينهون شبانهم ويحذرونهم (3) وطالت المدة، ثم كثر أتباعه من

(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 48 - 50.
(2) كذا الأصل بلام واحدة، وكذا هي عند ابن خلكان، وضبطها بكسر المثناة من فوقها،
وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها نون، ثم ميم مفتوحة ولام مشددة، وتكتب في المصادر
المغربية تينملل بلامين، وسترد بعد قليل بلامين، وقد كتب فوقها في الأصل " صح ".
(3) في " الوفيات ": 5 / 51: وكان يستميل الاحداث وذوي الغرة، وكان ذوو العقل
والحلم من أهاليهم يحذرونهم من اتباعه، ويخوفونهم من سطوة الملك...
544

جبال درن (1)، وهو جبل الثلج، وطريقه وعر ضيق.
قال اليسع في " تاريخه ": لا أعلم مكانا أحصن من تينملل لأنها
بين جبلين، ولا يصل إليهما إلا الفارس، وربما نزل عن فرسه في أماكن
صعبة، وفي مواضع يعبر على خشبة، فإذا أزيلت الخشبة، انقطع
الدرب، وهي مسافة يوم، فشرع أتباعه يغيرون ويقتلون، وكثروا وقووا،
ثم غدر بأهل تينملل الذين آووه، وأمر خواصه، فوضعوا فيهم السيف،
فقال له الفقيه الإفريقي أحد العشرة من خواصه: ما هذا؟! قوم أكرمونا
وأنزلونا نقتلهم!! فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، فأقتلوه،
فقتل.
قال اليسع: وكل ما أذكره من حال المصامدة، فقد شاهدته، أو
أخذته متواترا، وكان في وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمرابط أو تلمساني أن
يحرقوه.
فلما كان عام تسعة عشر وخمس مئة، خرج يوما، فقال: تعلمون
أن البشير - يريد الونشريسي - رجل أمي، ولا يثبت على دابة، فقد جعله
الله مبشرا لكم، مطلعا على أسراركم، وهو آية لكم، قد حفظ القرآن،
وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ الختمة في أربعة أيام، وركب حصانا
وساقه، فبهتوا، وعدوها آية لغباوتهم، فقام خطيبا، وتلا: * (ليميز الله
الخبيث من الطيب) * [الأنفال: 37]، وتلا: * (منهم المؤمنون وأكثرهم
الفاسقون) * [آل عمران: 110]، فهذا البشر مطلع على الأنفس، ملهم،

(1) انظر " الروض المعطار ": ص: 234، 235.
545

ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: " إن في هذه الأمة محدثين (1)، وإن عمر منهم " (2)
وقد صحبنا أقوام أطلعه الله على سرهم، ولا بد من النظر في أمرهم،
وتيمم العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: من كان مطيعا
للامام، فليأت، فأقبلوا يهرعون، فكانوا يعرضون على البشير، فيخرج
قوما على يمينه، ويعدهم من أهل الجنة، وقوما على يساره، فيقول:
هؤلاء شاكون في الامر، وكان يؤتى بالرجال منهم، فيقول: هذا تائب
ردوه على اليمين تاب البارحة، فيعترف بما قال، واتفقت له فيهم
عجائب، حتى كان يطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى
القتل، فلا يفر منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدة، قتلهم قراباتهم حتى
يقتل الأخ أخاه.
قال: فالذي صح عندي أنهم قتل منهم سبعون ألفا على هذه
الصفة، ويسمونه التمييز، فلما كمل التمييز، وجه جموعه مع البشير
نحو أغمات، فالتقاهم المرابطون، فهزمهم المرابطون، وثبت خلق من
المصامدة، فقتلوا، وجرح عمر الهنتاتي عدة جراحات، فحمل على

(1) في الأصل: محدثون، والوجه ما أثبت.
(2) أخرجه البخاري: 7 / 42، (3689) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب
مناقب عمر من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد كان فيما قبلكم من الأمم
ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر " وأخرجه مسلم (2398) والترمذي
(3694) من حديث عائشة. وقال ابن وهب: تفسير " محدثون ": ملهمون، وقال ابن
الأثير: أراد بقوله " محدثون " أقواما يصيبون إذا ظنوا وحدسوا، فكأنهم قد حدثوا بما قالوا.
قلت: واستشهاد ابن تومرت بالحديث في غير محله، وهو دال على سوء طويته،
وجراءته على الله ورسوله، فإن البشير الونشيرسي قد باع نفسه من الشيطان، وصار يستلهم
منه الحيل الماكرة، والأساليب الخبيثة لاضلال الناس وإفسادهم إرضاء لسيده ابن تومرت
الذي اتخذه مطية لاطماعه، وتحصيل مرامه، فهو من أبعد الناس عن منزلة التحديث الجليلة
التي اختص بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
546

أعناقهم مثخنا، فقال لهم البشير: إنه لا يموت حتى تفتح البلاد، ثم بعد
مدة، فتح عينيه، وسلم، فلما أتوا، عزاهم ابن تومرت، وقال: يوم
بيوم، وكذلك حرب الرسل.
وقال عبد الواحد المراكشي (1): سمع ابن تومرت ببغداد من
المبارك بن الطيوري، وأخذ الأصول عن الشاشي، ونفاه من الإسكندرية
أميرها، فبلغني أنه استمر ينكر في المركب، فألقوه، فأقام نصف يوم
يعوم، فأنزلوا من أطلعه، واحترموه، فنزل ببجاية، فدرس ووعظ،
وأقبلوا عليه، فخاف صاحبها، وأخرجه، وكان بارعا في خط الرمل.
وقيل: وقع بالجفر، وصادف عبد المؤمن، ثم لقيهما عبد الواحد
الشرقي، فساروا إلى أقصى المغرب.
وقيل: لقي عبد المؤمن يؤدب بأرض متيجة، ورأى عبد المؤمن
أنه يأكل مع الملك علي بن تاشفين، وأنه زاد على أكله، ثم اختطف منه
الصحفة، فقال له العابر: لا ينبغي أن تكون هذه الرؤيا لك، بل لمن
يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده.
وكان ابن تومرت طويل الصمت، دائم الانقباض، له هيبة في
النفوس، قيل له مرة: فلان مسجون، فأتى الحبس، فابتدر السجانون
يتمسحون به، فنادى: فلان، فأجابه، فقال: اخرج، فخرج
والسجانون باهتون، فذهب به، وكان لا يتعذر عليه أمر، وانفصل عن
تلمسان وقد استحوذ على قلوب كبرائها، فأتى فاس، وأخذ في الامر
بالمعروف.

(1) في " المعجب ": ص: 246 - 255.
547

قال: وكان جل ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي الأشعري، وكان
أهل الغرب ينافرون هذه العلوم، فجمع متولي فاس الفقهاء، وناظروه،
فظهر، ووجد جوا خاليا، وقوما لا يدرون الكلام، فأشاروا على الأمير
بإخراجه، فسار إلى مراكش، فبعثوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له
الفقهاء، فناظره ابن وهيب الفيلسوف، فاستشعر ذكاءه وقوة نفسه، فأشار
على ابن تاشفين بقتله، وقال: إن وقع إلى المصامدة، قوي شره،
فخاف الله فيه، فقال: فاحبسه، قال: كيف أحبس مسلما لم يتعين لنا
عليه حق؟ بل يسافر، فذهب ونزل بتينملل، ومنه ظهر، وبه دفن،
فبث في المصامدة العلم، ودعاهم إلى الامر بالمعروف، واستمالهم،
وأخذ يشوق إلى المهدي، ويروي أحاديث فيه، فلما توثق منهم قال:
أنا هو، وأنا محمد بن عبد الله، وساق نسبا له إلى علي، فبايعوه،
وألف لهم كتاب " أعز ما يطلب "، ووافق المعتزلة في شئ،
والأشعرية في شئ، وكان فيه تشيع (1)، ورتب أصحابه، فمنهم
العشرة، فهم أول من لباه، ثم الخمسين، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عنى
النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " لا يزال أهل الغرب ظاهرين " (2) وأنتم تفتحون
الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤم بعيسى، وحدثهم بجزئيات

(1) قال ابن خلدون: وكان من رأيه القول بعصمة الإمام علي على رأي الامامية من
الشيعة.
(2) وتمامه: " على الحق حتى تقوم الساعة "، أخرجه مسلم في " صحيحه "
(1925) في الامارة من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. والمراد بأهل الغرب في
هذا الحديث أهل الشام لانهم بالنسبة للمدينة المنورة في الجهة الشمالية الغربية. وانظر
" فتح الباري ": 13 / 295 الطبعة السلفية، وابن تومرت ينتقي النصوص المتشابهة،
ويستدل بها، ويفسرها كما يروق له ليكتسب بها ثقة من حوله.
548

اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم
لقسوتهم وغلظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشا، وقال:
اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة
البدع، والاقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا
فالسنة قد أباحت لكم قتالهم، فسار بهم عبد المؤمن يقصد مراكش،
فالتقاه الزبير بن أمير المسلمين، فكلموهم بالدعوة، فردوا أقبح رد، ثم
انهزمت المصامدة، وقتل منهم ملحمة، فلما بلغ الخبر ابن تومرت،
قال: أنجى عبد المؤمن؟ قيل: نعم، قال: لم يفقد أحد، وهون
عليهم، وقال: قتلاكم شهداء.
قال الأمير عزيز في " أخبار القيروان ": سمى ابن تومرت أصحابه
بالموحدين، ومن خالفه بالمجسمين، واشتهر سنة خمس عشرة، وبايعته
هرغة على أنه المهدي، فقصده الملثمون، فكسروا الملثمين، وحازوا
الغنائم، ووثقت نفوسهم، وأتتهم أمداد القبائل، ووحدت هنتاتة، وهي
من أقوى القبائل.
ثم قال عزيز: لهم تودد وأدب وبشاشة، ويلبسون الثياب القصيرة
الرخيصة، ولا يخلون يوما من طراد ومثاقفة ونضال، وكان في القبائل
مفسدون، فطلب ابن تومرت مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لا يصلح
دينكم إلا بالنهي عن المنكر، فابحثوا عن كل مفسد، فانهوه، فإن
لم ينته، فاكتبوا إلي أسماءهم، ففعلوا، ثم هدد ثانيا، فأخذ ما
تكرر من الأسماء، فأفردها، ثم جمع القبائل، وحضهم على أن لا
يغيب منهم أحد، ودفع تلك الأسماء إلى البشير، فتأملها، ثم عرضهم
رجلا رجلا، فمن وجد اسمه، رده إلى الشمال، ومن لم يجده، بعثه
549

على اليمين، ثم أمر بتكتيف أهل الشمال، وقال لقراباتهم: هؤلاء
أشقياء من أهل النار، فلتقتل كل قبيلة أشقياءها، فقتلوهم، فكانت
واقعة عجيبة، وقال: بهذا الفعل صح دينكم، وقوي أمركم.
وأهل العشرة هم: عبد المؤمن، والهزرجي، وعمر بن يحيى
الهنتاتي، وعبد الله البشير، وعبد الواحد الزواوي طير الجنة، وعبد الله
ابن أبي بكر، وعمر بن أرناق، وواسنار أبو محمد، وإبراهيم بن جامع،
وآخر (1).
وفي أول سنة أربع وعشرين، جهز عشرين ألف مقاتل عليهم
البشير، وعبد المؤمن بعد أمور يطول شرحها، فالتقى الجمعان،
واستحر القتل بالموحدين، وقتل البشير، ودام الحرب إلى الليل،
فصلى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف، ثم تحيز بمن بقي إلى بستان
يعرف بالحيرة، فراح منهم تحت السيف ثلاثة عشر ألفا، وكان ابن
تومرت مريضا، فأوصى باتباع عبد المؤمن، وعقد له، ولقبه أمير
المؤمنين، وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضدوه بأنفسكم وأموالكم،
ثم مات في آخر سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
قال: اليسع بن حزم: سمى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما
كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله تعالى عما لا يجب وصفه بما
يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.
إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن
من لم يعرف ذلك، لم يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر

(1) انظر " الاستقصا ": 2 / 92.
550

إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه
حسبة.
قال ابن خلكان: قبره بالجبل معظم، مات كهلا، وكان أسمر
ربعة، عظيم الهامة، حديد النظر مهيبا، وآثاره تغني عن أخباره، قدم
في الثرى، وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء
المحيا، أغفل المرابطون ربطه وحله، حتى دب دبيب الفلق في
الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفا بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل
عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابه يوما، وقد مالت نفوسهم
إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا
له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاؤه عند الله، وكان يتمثل كثيرا:
تجرد من الدنيا فإنك إنما * خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد (1)
ولم يفتتح شيئا من المدائن، وإنما قرر القواعد، ومهد، وبغته
الموت، وافتتح بعده البلاد عبد المؤمن.
وقد بلغني - فيما يقال -: أن ابن تومرت أخفى رجالا في قبور
دوارس، وجاء في جماعة ليريهم آية، يعني فصاح: أيها الموتى
أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف
من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا (2).
وبكل حال، فالرجال من فحول العالم، رام أمرا، فتم له، وربط

(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 54.
(2) ذكر بنحو مما هنا صاحب " الاستقصا ": 2 / 96 نقلا عن صاحب القرطاس. وعد
هذا الصنيع من جراءته، وإقدامه، وتهالكه على تحصيل مرامه.
551

البربر بادعاء العصمة، وأقدم على الدماء إقدام الخوارج، ووجد ما
قدم.
قال الحافظ منصور بن العمادية في " تاريخ الثغر " (1): أملى علي
نسبه فلان، وفي ذلك نظر من حيث إن محمد بن الحسن لم يعقب.
ولابن تومرت:
دعني ففي النفس أشياء مخبأة * لالبسن بها درعا وجلبابا
والله لو ظفرت نفسي ببغيتها * ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبى
حتى أطهر ثوب الدين عن دنس * وأوجب الحق للسادات إيجابا
319 - ابن صدقة *
الوزير الكبير، جلال الدين أبو علي الحسن بن علي بن صدقة
النصيبي.
تنقل في الأعمال، ثم تزوج ببنت الوزير ابن المطلب، وولي

(1) وهي الإسكندرية بلده، وقد ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1467،
فقال: الامام الحافظ المفيد الرحال، وجيه الدين أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور بن
فتوح الهمداني الإسكندراني الشافعي محتسب الثغر، وذكر له من تصانيفه " المعجم "، و
" الأربعين البلدانية "، وتاريخ بلده في مجلدين، ووصفه بالديانة والثقة والمروءة، وبالعناية
بالحديث وفنونه ورجاله وبالفقه، وقال: توفي في الحادي من شوال سنة سبع وسبعين وست
مئة. * المنتظم: 10 / 9، خريدة القصر: 1 / 94 قسم شعراء العراق، الكامل في
التاريخ: 10 / 652، الفخري: 304، تاريخ الاسلام: 4: 250 / 1، العبر: 4 / 51،
الوافي بالوفيات: 12 / 147 - 148، عيون التواريخ: 13 / 483 - 485، البداية والنهاية:
12 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 233، شذرات الذهب: 4 / 66، معجم الأنساب
والأسرات الحاكمة: 9، دائرة المعارف الاسلامية: 211.
552

الحلة، ثم وزر بعد أبي شجاع، وكان شهما كافيا مهيبا سائسا، فوزر
ثلاثة أعوام، وأمسك سنة ست عشرة، ونهبت داره، وسجن، ثم
احتاجوا إليه بعد عام، ووزر إلى أن توفي في رجب سنة اثنتين وعشرين
وخمس مئة، وله يد بيضاء في النظم (1) والنثر، عاش ثلاثا وستين سنة.
320 - البطائحي *
هو وزير الديار المصرية، والدولة العبيدية، الملك أبو عبد الله
المأمون بن البطائحي، وكان من قصته أن أباه صاحب خبر بالعراق
للمصريين من أجلاد الرافضة، فمات، ونشأ المأمون فقيرا صعلوكا،
فكان حمالا في السوق بمصر، فدخل مرة إلى دار الأفضل أمير الجيوش
مع الحمالين، فرآه الأفضل شابا مليحا، خفيف الحركات، فقال: من
هذا؟ قال بعضهم: هذا ابن فلان، فاستخدمه فراشا مع الجماعة،
فتقدم وتميز، وترقى به الحال إلى الملك، وهو الذي أعان الآمر بالله
على الفتك بأمير الجيوش، وولي منصبه، وكان شهما مقداما، جوادا
بالأموال، سفاكا للدماء، عضلة من العضل، ثم إنه عامل أخا الخليفة
الآمر على قتل الآمر، ودخل معهما أمراء، فعرف بذلك الآمر، فقبض
على المأمون، وصلبه، واستأصله في سنة تسع عشرة وخمس مئة.

(1) من ذلك قوله للمسترشد بالله، كما في " الوافي ": 12 / 148:
تقسم أمري فيك كيف نسيتني * وأنت بأن ترعى الحقوق حقيق
وما ذاك إلا أن شيمتك العلى * وليس لها يوما إلي طريق
لان صروف الدهر حطت محلتي * فمهبطها دون اللقاء عميق * الإشارة إلى من نال الوزارة: ص: 62، وفيات الأعيان: 5 / 599، تاريخ
الاسلام: 2: 238 / 2، العبر: 4 / 44 - 45، عيون التواريخ: 13 / 452، الدرة المضية
في أخبار الدولة الفاطمية: 448، النجوم الزاهرة: 5 / 229، شذرات الذهب: 4 / 60.
553

321 - الغزي *
شاعر خراسان، أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الكلبي،
صاحب الديوان.
سمع بدمشق من الفقيه نصر، وأقام بنظامية بغداد مدة، ومدح
الأعيان، ثم تحول إلى خراسان، ومدح وزير كرمان، ولو لم يكن له إلا
قصيدته:
بجمع جفنيك بين البرء والسقم
لا تسفكي من دموعي بالفراق دمي
إشارة منك تكفينا وأحسن ما * رد السلام غداة البين بالعنم (1)
تعليق قلبي بذات القرط يؤلمه * فليشكر القرط تعلقا بلا ألم (2)

* نزهة الألبا: 378، المنتظم: 10 / 15، الخريدة: 1 / 4 - 75 قسم الشام،
الكامل في التاريخ: 10 / 666 - 667، وفيات الأعيان: 1 / 57 - 62، تاريخ الاسلام:
4: 254 / 1 - 252 / 2، العبر: 4 / 55، الوافي بالوفيات: 6 / 51 - 54، تتمة
المختصر: 2 / 57 - 58، مرآة الجنان: 3 / 230 - 232، مرآة الزمان: 8 / 81 - 82،
البداية والنهاية: 12 / 201، النجوم الزاهرة: 5 / 236، كشف الظنون: 763، 804،
شذرات الذهب: 4 / 67 - 68، إيضاح المكنون: 1 / 520، تهذيب تاريخ ابن عساكر:
2 / 232 - 234، مجلة المجمع: 21 / 178 - 182.
(1) العنم: ضرب من الشجر له نور أحمر تشبه به الأصابع المخضوبة، قال النابغة:
بمخضب رخص كأن بنانه * عنم على أغصانه لم يعقد
وفي الوافي بالوفيات: 6 / 54 بيت بعد هذا هو:
قد يركب الأمل الماشي فيحمله * ويسمع الأسطر القاري بلا نغم
(2) بعد هذا البيت في " الوافي بالوفيات ": ثلاثة أبيات هي:
تضرمت جمرة في ماء وجنتها * والجمر في الماء خاب غير مضطرم
وما نسيت ولا أنسى تبسمها * وملبس الجو غفل غير ذي علم
حتى إذا طاح عنها المرط عن دهش * وانحل بالضم عقد السلك في الظلم
وقوله: تبسمت... الأصل في هذا المعنى بيت أبي الطمحان القيني، وهو قوله:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم * دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
554

تبسمت فأضاء الليل فالتقطت * حبات منتثر في ضوء منتظم
مات بنواحي بلخ سنة أربع وعشرين وخمس مئة عن ثلاث وثمانين
سنة (1).
322 - ابن الإخشيذ *
الشيخ الأمين، المسند الكبير، أبو سعد إسماعيل بن الفضل بن
أحمد بن محمد بن علي بن الإخشيذ الأصبهاني التاجر، ويعرف
بالسراج.
سمع أبا القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وأبا طاهر بن
عبد الرحيم الكاتب، وعلي بن القاسم المقرئ، وأبا العباس بن
النعمان الصائغ، وأبا الفضل الرازي المقرئ، وأحمد بن الفضل
الباطرقاني، وعدة من أصحاب ابن المقرئ، وغيره، ويكنى أيضا أبا
الفتح، وبها كناه السمعاني، وكناه بأبي سعد أبو طاهر السلفي، ووثقه.
وحدث عنه هو، وأبو موسى المديني، ويحيى بن محمود الثقفي،
وناصر الويرج، وخلف بن أحمد الفراء، وأسعد بن أحمد الثقفي، وأبو

(1) ومما ينشد له قوله:
إنما هذه الحياة متاع * والغبي الغبي من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمل غيب * فخذ الساعة التي أنت فيها
وقوله:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة * باب الدواعي والبواعث مغلق
خلت الديار فلا كريم يرتجى * منه النوال ولا مليح يعشق
ومن الرزية أنه لا يشترى * ويخان فيه مع الكساد ويسرق * التحبير: 1 / 101 - 104، تاريخ الاسلام: 4: 255 / 2، العبر: 4 / 55 -
56، غاية النهاية: 1 / 167، شذرات الذهب: 4 / 68 - 69.
555

جعفر الصيدلاني، وجمع كثير.
قال أبو موسى: سمعته يقول: ولدت ليلة نصف شعبان سنة ست
وثلاثين وأربع مئة، وكان اسم أبي: محمدا، ويكنى أبا الفضل،
فغلب عليه الفضل.
قال السمعاني: كان سديد السيرة، قرأ بروايات، ونسخ أجزاء
كثيرة، وكان واسع الرواية، موثوقا به، كتب إلي بالإجازة، فمن
مسموعه " طبقات الصحابة " لأبي عروبة (1) مجلد سمعه من ابن عبد
الرحيم عن ابن المقرئ عنه، وكتاب " الاشراف " لابن المنذر سمعه من
ابن عبد الرحيم عن ابن المقرئ عنه، وكتاب " السنن " للحسن بن علي
الحلواني (2).
قلت: توفي في شعبان، وقيل: في رمضان سنة أربع وعشرين
وخمس مئة.
323 - الكراعي *
الشيخ الجليل المعمر، مسند مرو، أبو منصور محمد بن علي بن

(1) هو الحافظ الامام الثقة محدث حران الحسين بن محمد بن أبي معشر الحراني
صاحب التاريخ. المتوفى سنة 318 ه‍، تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (285) وقد غمزه ابن
عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية بغلوه في التشيع، وشدة الميل على بني أمية، ورده المصنف رحمه
الله في السير والتذكرة بقوله: كل من أحب الشيخين فليس بغال، بلى من تكلم فيهما فهو غال مفتر، فإن
كفرهما - والعياذ بالله - جاز عليه التكفير واللعنة، وأبو عروبة، فمن أين جاءه التشيع المفرط؟! نعم قد
يكون ينال من ظلمة بني أمية كالوليد وغيره.
(2) التحبير: 1 / 101 - 104. * الأنساب: 6 / 325 - 326، التحبير: 2 / 196 - 197، معجم البلدان:
3 / 159، تاريخ الاسلام: 4: 263 / 2.
556

محمود الزولهي التاجر، المروزي، المشهور بالكراعي، ويقال: إن
اسمه أحمد، من قرية زولاه بنواحي مرو، شيخ صالح، صين دين،
رحل إليه الناس، وصارت زولاه مقصدا لطلبة الحديث، وكان آخر من
حدث عن جده لامه أبي غانم الكراعي صاحب عبد الله بن الحسين
النضري، فسمع منه نحوا من عشرين جزءا.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت منه بقراءة أبي طاهر السنجي اثني
عشر جزءا، ثم أحضره شيخنا الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن
المروزي في الخانقاه، وقرئت عليه الاجزاء المسموعة له، فسمعتها.
إلى أن قال: ولد في العشرين من شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
قال: ومات في أواخر سنة أربع وعشرين وخمس مئة، أو في
أوائل سنة خمس بقريته (1).
قلت: وممن روى عنه بالشام أبو عبد الرحمن محمد بن محمد بن
عبد الرحمن المروزي الباقي إلى سنة ثمانين وخمس مئة، وداود بن
محمد الخالدي.
ومات في سنة أربع أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك
الوراق (2)، وشاعر وقته أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن محمد الغزي
ببلخ عن ثلاث وثمانين سنة، وإسماعيل بن الإخشيذ السراج، وأبو
عبد الله البارع (3)، وعبد الله بن محمد بن إسماعيل الغزال بمكة.

التحبير: 2 / 197.
(2) سترد ترجمته برقم (335).
(3) تقدمت ترجمته برقم (316).
557

وقيل: مات فيها سهل المسجدي، وفيها ماتت فاطمة
الجوزدانية، وقراتكين بن الأسعد التركي، والحافظ أبو عامر محمد بن
سعدون العبدري (1)، وابن تومرت كبير الموحدين، والآمر بأحكام الله
منصور، وهبة الله بن الأكفاني، وهبة الله بن القاسم المهراني.
324 - ابن كادش *
الشيخ الكبير، أبو العز أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله
ابن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن إبراهيم بن عيسى بن صاحب
النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن فرقد السلمي العكبري، المعروف بابن كادش، أخو
المحدث أبي ياسر محمد.
ولد في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وطلب الحديث وقرأ
على المشايخ، ونسخ بخطه الردئ المقعد جملة، وجمع وخرج.
سمع أبا الطيب الطبري، وأقضى القضاة أبا الحسن الماوردي،
وأبا محمد الجوهري، وأبا علي محمد بن الحسين الجازري، وأبا طالب
العشاري، وأبا الحسين بن النرسي، وعدة.
سمع منه ابن ناصر، والسلفي، وأبو العلاء الهمذاني، وأبو
القاسم بن عساكر، ومعمر بن الفاخر، وأبو موسى المديني، وهبة الله

(1) سترد ترجمته برقم (332). * مشيخة ابن عساكر: 8 / 2، المنتظم: 10 / 28، الكامل في التاريخ:
10 / 683، تاريخ الاسلام: 4: 270 / 1 - 2، العبر: 4 / 68، ميزان الاعتدال:
1 / 118، البداية والنهاية: 12 / 204، لسان الميزان: 1 / 218، النجوم الزاهرة:
5 / 250، شذرات الذهب: 4 / 78.
558

ابن السبط، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي، وآخرون.
قال ابن النجار: كان ضعيفا في الرواية، مخلطا كذابا، لا يحتج
به، وللأئمة فيه مقال.
قال السمعاني: كان ابن ناصر يسئ القول فيه (1).
وقال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطا.
وقال ابن ناصر: لم يسمع كل كتاب " الجليس " من أبي علي
الجازري، قال السمعاني: فذكرت هذا لأبي القاسم الدمشقي، فأنكره
غاية الانكار، وقال: كان صحيح السماع، ورأيت سماعه لهذا الكتاب
في الأصل مثبتا، وأثنى على أبي العز.
ثم قال السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: سمعت إبراهيم بن
سليمان يقول: سمعت أبا العز بن كادش يقول: وضعت حديثا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقر عندي بذلك.
قال عمر بن علي القرشي: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن
الحافظ يقول: قال لي ابن كادش: وضع فلان حديثا في حق علي،
ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثا، بالله أليس فعلت جيدا؟
قلت: هذا يدل على جهله، يفتخر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن النجار: رأيت له كتابا سماه " الانتصار لرتم القحاب " فيه
أشعار، فيقول: أنشدتني المغنية فلانة، وأنشدتني ستوت المغنية

(1) وكذا نقل ابن الجوزي في " المنتظم ": 10 / 28 عن ابن ناصر.
559

بأوانا (1)، وقد قرأه عليه ابن الخشاب.
قال مرة: ولدت سنة اثنتين وثلاثين، وسئل مرة، فقال: سنة
إحدى وثلاثين.
وقال يوسف الدمشقي: سألته، فقال: سنة خمس وثلاثين.
وقال الصائن بن عساكر: سألته فقال: في المحرم سنة سبع
وثلاثين.
مات في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وخمس مئة.
وفيها مات الملك الأكمل أحمد بن أمير الجيوش بمصر، وتاج
الملوك بوري بن الأتابك طغتكين صاحب دمشق (2)، والمحدث الحسين
ابن محمد بن خسرو ببغداد (3)، وفقيه المغرب أبو محمد عبد الله بن أبي
جعفر المرسي المالكي (4)، وعبد الكريم بن حمزة السلمي (5)، وشيخ
الحنابلة أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى (6)، وأبو علي منصور
ابن الخير المالقي.

(1) أوانا: بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة من نواحي دجيل بغداد، قال ياقوت: وكثيرا
ما يذكرها الشعراء الخلعاء في أشعارهم.
(2) سترد ترجمته برقم (328).
(3) سترد ترجمته برقم (342).
(4) سترد ترجمته برقم (351).
(5) سترد ترجمته برقم (349).
(6) سترد ترجمته برقم (353).
560

325 - المسترشد بالله *
أمير المؤمنين أبو منصور الفضل (1) بن المستظهر بالله أحمد بن
المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي
الهاشمي العباسي البغدادي.
مولده في شعبان سنة ست وثمانين وأربع مئة في أيام جده
المقتدي، وخطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضربت السكة باسمه.
وسمع في سنة أربع وتسعين من أبي الحسن بن العلاف، وسمع
من أبي القاسم بن بيان، ومن مؤدبه أبي البركات بن السيبي.
روى عنه وزيره علي بن طراد، وحمزة بن علي الرازي،
وإسماعيل بن الملقب.
وله خط بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دين ورأي، وشهامة
وشجاعة، وكان خليقا للامامة، قليل النظير.

* تاريخ دولة آل سلجوق: 178، المنتظم: 10 / 45 - 50 و 53، 54، خريدة
القصر: 1 / 29، الكامل في التاريخ: 11 / 27 - 28، النبراس: 145، مفرج الكروب:
1 / 50 - 60، الفخري: 302 - 303، تاريخ الاسلام: 4: 283 / 1 - 2، دول
الاسلام: 2 / 50، العبر: 4 / 75 - 77، تتمة المختصر: 2 / 62، فوات الوفيات:
3 / 179 - 182، مرآة الزمان: 8 / 95 - 96، طبقات السبكي: 7 / 257، البداية
والنهاية: 12 / 207، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) حوادث السنة 529، النجوم الزاهرة:
5 / 256، تاريخ الخلفاء: 431 - 435، تاريخ الخميس: 2 / 361، شذرات الذهب:
4 / 86 - 88، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 4.
(1) وهو الذي صنف له أبو بكر الشاشي كتاب " العمدة " فيما ذكره ابن الصلاح في
" طبقاته " والمؤلف في الصفحة 567 وباسمه اشتهر الكتاب، فإنه كان يلقب عمدة الدنيا والدين، وعدة
الاسلام والمسلمين.
561

قال ابن النجار: ذكر قثم بن طلحة الزينبي - ومن خطه نقلت - أن
المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف، ويتعبد، وختم
القرآن، وتفقه، لم يكن في الخلفاء من كتب أحسن منه، وكان يستدرك
على كتابه، ويصلح أغاليط في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: أنا
وراق الانشاء ومالك الامر يتولى ذلك بنفسه الشريفة.
قال ابن النجار: كان ذا شهامة وهيبة، وشجاعة وإقدام، ولم تزل أيامه
مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن
خرج، فكسر، وأسر، ثم استشهد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديث.
قال: وله نظم، ونثر مليح، ونبل رأي.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا الكندي، أخبرنا إسماعيل بن
السمرقندي، أخبرنا علي بن طراد، أخبرنا المسترشد بالله، أخبرنا ابن
بيان الرزاز، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا الصفار، حدثنا الحسن بن
عرفة، فذكر حديثا.
قال ابن النجار: أنشدنا هبة الله بن الحسن بن السبط حفظا
للمسترشد بالله:
قالوا تقيم وقد أحاط * بك العدو ولا تفر
فأجبتهم المرء ما لم * يتعظ بالوعظ غر
لا نلت خيرا ما حييت * ولا عداني الدهر شر
إن كنت أعلم أن غير * الله ينفع أو يضر (1)

(1) الأبيات قالها لما كسر وأشير عليه بالهزيمة وهي في " فوات الوفيات ": 3 / 180،
" طبقات السبكي ": 7 / 259، " تاريخ الخلفاء ": 433، " خريدة القصر ": 1 / 31.
562

وله:
أنا الأشقر الموعود بي في الملاحم * ومن يملك الدنيا بغير مزاحم
ستبلغ أرض الروم خيلي وتنتضى * بأقصى بلاد الصين بيض صوارمي (1)
وقيل: إنه قال لما أسر مستشهدا:
ولا عجبا للأسد إن ظفرت بها * كلاب الأعادي من فصيح وأعجم
فحربة وحشي سقت حمزة الردى * وموت علي من حسام ابن ملجم (2)
قال سعد الله بن نجا بن الوادي: حكى لي صديقي منصور بن
إبراهيم قال: لما عاد الحيص بيص (3) إلى بغداد، وكان قد هجا الخليفة
المسترشد طالبا لذمامه، فقال فيه:
ثنيت ركابي عن دبيس بن مزيد * مناسمها مما تغذ دوامي
فرارا من اللؤم المظاهر بالخنا * وسوء ارتحال بعد سوء مقام (4)
ليخصب ربعي بعد طول محيله * بأبيض وضاح الجبين إمام
فإن يشتمل طول العميم برأفة * بلفظ أمان أو بعقد ذمام

(1) " فوات الوفيات ": 3 / 181، " طبقات السبكي ": 7 / 259، " تاريخ الخلفاء ":
433، " خريدة القصر ": 1 / 31.
(2) " فوات الوفيات ": 3 / 180، طبقات السبكي: 7 / 259، وتاريخ الخلفاء:
434.
(3) هو الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي
البغدادي المتوفى سنة 574 ه‍، وإنما قيل له: حيص بيص، لأنه رأى الناس يوما في حركة
مزعجة، وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين
الكلمتين الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي: في ضيق
وشدة، وهما اسمان جعلا واحدا، وبنيا على الفتح مثل جاري بيت بيت.
(4) تحرف في الديوان: اللؤم إلى اللوم، والخنا إلى الحيا.
563

فإن القوافي بالثناء فصيحة * تناضل عن أنسابكم وتحامي (1)
قال: فخرج لفظ الخليفة: سرعة العفو عن كبير الجرم استحقار
بالمعفو عنه.
وبخط قاضي المارستان قال: حكي أن الوزير علي بن طراد أشار
على المسترشد أن ينزل في منزل اختاره، وقال: هو أصون، قال: كف
يا علي، والله لأضربن بسيفي حتى يكل ساعدي، ولألقين الشمس
بوجهي حتى يشحب لوني:
وإذا لم يكن من الموت بد * فمن العجز أن تكون جبانا (2)
ابن النجار: أخبرنا زين الامناء عن محمد بن محمد الإسكافي إمام
الوزير قال: لما كنا مع المسترشد بباب همذان، كان معنا [إنسان يعرف
ب‍] فارس الاسلام، وكان يقرب من خدمة الخليفة، فدخل على الوزير
ابن طراد، فقال: رأيت الساعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله، ما
تقول في هذا الجيش؟ قال: مكسور مقهور، فأريد أن تطالع الخليفة
بهذا، فقال: يا فارس الاسلام، أنا أشرت على الخليفة أن لا يخرج من
بغداد، فقال: يا علي، أنت عاجز رد إلى بيتك، فلا أبلغه هذا، لكن
قل لابن طلحة صاحب المخزن، فذهب إلى ابن طلحة، فأخبره،
فقال: لا أنهي إليه ما يتطير به، فاكتب هذا إليه [واعرضها، وأخل موضع
مقهور]، فكتبتها، وجئت إلى السرادق، فوجدت نجا في الدهليز، وقد

(1) الأبيات في ديوانه: 3 / 36 عدا البيت الثالث.
(2) البيت للمتنبي: ديوانه: 4 / 241، من قصيدة مطلعها:
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا * وعناهم من أمره ما عنانا
564

صلى الخليفة الفجر، وبين يديه مصحف، ومقابله ابن سكينة إمامه،
فدخل نجا الخادم، فسلم الرقعة إليه، وأنا أنظره، فقرأها غير مرة،
وقال: من كتب هذه؟ فقال: فارس الاسلام، قال: أحضره، فجاء،
فقبض على يدي، فأرعدت، وقبلت الأرض، فقال: وعليكم السلام،
ثم قرأ الرقعة مرات، ثم قال: من كتب هذه؟ قلت: أنا، قال:
ويلك، لم أخليت موضع الكلمة الأخرى؟ قلت: هو ما رأيت يا أمير
المؤمنين، قال: ويلك، هذا المنام أريته أنا في هذه الساعة، فقلت:
يا مولانا، لا يكون أصدق من رؤياك، ترجع من حيث جئت، قال:
ويلك، ويكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا والله ما بقي لنا رجعة، ويقضي الله
ما يشاء، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، وقع المصاف، وتم ما تم،
وكسر وأسر، وقتل رحمه الله (1).
قال ابن ناصر: خرج المسترشد بالله سنة تسع وعشرين وخمس مئة
إلى همذان للاصلاح بين السلاطين، واختلاف الجند، وكان معه جمع
كثير من الأتراك، فغدر به أكثرهم، ولحقوا بمسعود بن محمد بن
ملكشاه، ثم التقى الجمعان، فانهزم جمع المسترشد بالله في رمضان،
وقبض عليه، وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعة هناك، فحبسوا بها،
وبقي الخليفة مع السلطان مسعود إلى نصف ذي القعدة، وحمل معهم
إلى مراغة، ثم إن الباطنية ألفوا عليه جماعة من الملاحدة، وكان قد
أنزل ناحية من المعسكر، فدخلوا عليه، ففتكوا به، وبجماعة كانوا على
باب خركاهه (2)، وقتلوا، ونقل، فدفن بمراغة، وكان مصرعه يوم

(1) " طبقات السبكي ": 7 / 261 وما بين حاصرتين منه.
(2) الخركاه بالفارسية: الخيمة الكبيرة.
565

الخميس سادس ذي القعدة (1).
وجاء الخبر يوم التاسع من مقتله إلى بغداد، فكثر النوح والبكاء
بها، وعمل العزاء.
وقال صدقة بن الحسين الحداد: كان قد صلى الظهر، وهو يقرأ
في المصحف، وهو صائم، فدخل عليه من شرج الخيمة جماعة
بالسكاكين، فقتلوه، ووقعت الصيحة، فقتل عليه جماعة من أصحابه،
منهم أبو عبد الله بن سكينة، وابن الخزري، وخرجوا منهزمين، فأخذوا
وقتلوا، ثم أحرقوا، فبقيت يد أحدهم خارجة [من النار مضمومة] لم
تحترق، ففتحت، وإذا فيها شعرات من لحيته صلوات الله عليه، فأخذها
السلطان مسعود، وجعلها في تعويذ ذهب، وجلس للعزاء، وجاء الخادم
ومعه المصحف، وعليه الدم إلى السلطان، وخرج أهل مراغة في المسوح
وعلى وجوههم الرماد، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر (2).
قال قثم بن طلحة: كان أشقر أعطر أشهل، خفيف العارضين،
وخلف من الذكور منصورا الراشد بالله، وأحمد، وعبد الله، وإسحاق
توفي قبله، وبنتان، ووزر له محمد بن الحسين، وأبو علي بن صدقة،
وعلي بن طراد، وأبو شروان.
وقضاته: علي بن الدامغاني، وعلي بن الحسين الزينبي.

(1) طبقات السبكي: 7 / 256، 260.
(2) المنتظم: 10 / 54، و " فوات الوفيات ": 3 / 180، وجاء في " طبقات
السبكي ": 7 / 260: ثمان عشرة سنة، وفي الأصل: ثمان عشرة، وقد كتب فوق ثمان: كذا، وأثبت في
الهامش بإزائها " سبع " وفي " البداية ": 12 / 208 سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما.
566

قلت: بويع عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمس
مئة، فكانت دولته سبع عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاش ستا وأربعين سنة،
فقيل: إن الذين فتكوا به جهزهم مسعود، وكانوا سبعة عشر نفسا،
فأمسكوا، وقتلهم السلطان، وأظهر الحزن والجزع.
وقيل: بعث السلطان سنجر بن ملكشاه إلى ابن أخيه مسعود يوبخه
على انتهاك حرمة المسترشد، ويأمره برده إلى مقر عزه، وأن يمشي بين
يديه بالغاشية، ويخضع، ففعل ذلك ظاهرا، وعمل على قتله، وقيل:
بل الذي جهز الباطنية عليه السلطان سنجر من خراسان، وفيه بعد.
وقيل: إن الشاشي عمل " العمدة " في الفقه للمسترشد.
وفي سنة سبع عشرة كان المصاف بين المسترشد وبين دبيس
الأسدي، وجذب يومئذ المسترشد سيفه، فانهزم دبيس وتمزق جمعه (1)
ثم كانت بينهما وقعة سنة (519)، فذل دبيس، وجاء وقبل الأرض،
فلم يعط أمانا، ففر إلى السلطان سنجر، واستجار به، فحبسه خدمة
للمسترشد، وصلى المسترشد بالناس يوم الأضحى وخطبهم، ونزل،
فنحر بدنة بيده (2).
وفي سنة إحدى وعشرين (3) وصل السلطان محمود، وحاصر
بغداد، واستظهر الخليفة.
وفي سنة سبع وعشرين (4) سار المسترشد في اثني عشر ألف

(1) الكامل في التاريخ: 10 / 607، 608، والمنتظم: 9 / 242، 243.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 626، 628، والمنتظم: 9 / 252، 253.
(3) في المنتظم: 9 / 255، والكامل: 10 / 635: سنة عشرين.
(4) المنتظم: 10 / 30، والكامل: 11 / 5، 6.
567

فارس، فحاصر الموصل ثمانين يوما، فبذل له زنكي متوليها أموالا
ليرحل، فأبى، ثم إنه ترحل، وعظمت هيبته في النفوس، وخضع
زنكي، وبعث الحمل إلى المسترشد، وقدم رسول السلطان سنجر،
فأكرم، ونفذ المسترشد لسنجر خلعة السلطنة ثمنت بمئة ألف دينار
وعشرين ألف دينار، وعرض المسترشد جيوشه في هيئة لم يعهد مثلها من
دهر طويل، فكانوا خمسة عشر ألفا.
وفارق مسعود بغداد على غضب، وانضم إليه دبيس، وعزموا على
أخذ بغداد، فطلب المسترشد زنكي بن آقسنقر، وهو محاصر دمشق،
وطلب نائب البصرة بكبه، فبيت مسعود طلائع المسترشد، فانهزموا،
ولكن خامر أربعة أمراء إلى المسترشد، فأنعم عليهم بثمانين ألف دينار،
وسار في سبعة آلاف، وكانت الملحمة في رمضان سنة تسع كما ذكرنا،
فانهزم جيش الخليفة، وأسلموه، فأسره مسعود في نوع احترام، وحاز
خزانته، وكانت أربعة آلاف ألف دينار، ومجموع القتلى خمسة أنفس،
وزور السلطان على لسان الخليفة كتبا إلى بغداد بما شاء، وقامت قيامة
البغاددة على خليفتهم، وكان محبوبا إلى الرعية جدا، وبذلوا السيف في
أجناد السلطان، فقتل من العامة مئة وخمسون نفسا، وأشرفت الرعية
على البلاء (1)، ولما قتل المسترشد، بويع بالخلافة، ولده الراشد بالله ببغداد.
326 - الراشد بالله *
أمير المؤمنين، أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن
أحمد العباسي.

(1) انظر الكامل: 11 / 24 - 28، والمنتظم: 10 / 41 - 47. * المنتظم: 10 / 76 - 77، تاريخ دولة آل سلجوق: 178 - 181، الخريدة:
1 / 32، الكامل في التاريخ: 11 / 62 - 63، النبراس: 156، الفخري: 308، تاريخ
الاسلام: 4: 150 / 2 - 151 / 1، دول الاسلام: 52، 53، العبر: 4 / 89 - 90، تتمة
المختصر: 2 / 63 - 64، 66 - 67، فوات الوفيات: 4 / 168 - 169، مرآة الزمان:
8 / 101 - 102، البداية والنهاية: 12 / 213 - 214، الاعلام: خ حوادث سنة 532،
النجوم الزاهرة: 263، تاريخ الخلفاء: 436 - 437، تاريخ الخميس: 2 / 362،
شذرات الذهب: 4 / 100 - 101، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 4.
568

ولد سنة اثنتين وخمس مئة في رمضان، فقيل: ولد بلا مخرج،
ففتق له مخرج بآلة من ذهب، وأمه أم ولد.
خطب له بولاية العهد سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، واستخلف في
ذي القعدة سنة تسع وعشرين.
وكان أبيض مليحا، تام الشكل، شديد الأيد، يقال: إنه كان
بدار الخلافة أيل عظيم اعترضه في البستان، فأحجم الخدم، فهجم
على الأيل، وأمسك بقرنيه ورماه، وطلب منشارا، فقطع قرنيه (1).
وكان حسن السيرة، مؤثرا للعدل، فصيحا عذب العبارة، أديبا
شاعرا، جوادا، لم تطل أيامه حتى خرج إلى الموصل، ثم إلى
أذربيجان، وعاد إلى أصبهان، فأقام على بابها مع السلطان داود،
محاصرا لها، فقتلته الملاحدة هناك، وكان بعد خروجه من بغداد مجئ
السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، فاجتمع بالأعيان، وخلعوا
الراشد، وبايعوا عمه المقتفي.
قال أبو طالب بن عبد السميع: من كلام الراشد: إنا نكره الفتن
إشفاقا على الرعية، ونؤثر العدل والامن في البرية، ويأبى المقدور إلا

(1) في " فوات الوفيات ": 4 / 169: ومسك بقرنيه، فقلعهما بيده، فوقع ميتا.
569

تصعب الأمور، واختلاط الجمهور، فنسأل الله العون على لم شعث
الناس بإطفاء نائرة البأس.
قال أبو الحسن البيهقي في " وشاح دمية القصر ": الراشد بالله
أعطاه الله مع الخلافة صورة يوسفية، وسيرة عمرية.
أنشدني رسوله له:
زمان قد استنت فصال صروفه * وذلل آساد الكرام لذي القرعى (1)
أكولته تشكو صروف زمانه * وليس لها مأوى وليس لها مرعى
فيا قلب لا تأسف عليه فربما * ترى القوم في أكناف أفنائه صرعى
وله قصيدة طويلة منها:
أقسم بالله وهل خليفه * يحنث إن أقسم في اليمين
لا تزرن في الحروب صادقا * لأكشف العار الذي يعلوني
مشمرا عن ساق عزمي طالبا * ثأر الامام الوالد الأمين
عمري عمري والذي قدر لي * ما ينمحي المكتوب عن جبيني
قال ابن ناصر: بقي الامر للراشد سنة، ثم دخل مسعود، وفي
صحبته أصحاب المسترشد الوزير علي بن طراد، وصاحب المخزن ابن
طلحة، وكاتب الانشاء ابن الأنباري، وخرج الراشد مع غلمان داره طالبا

(1) استنت: أخذت في سنن واحد من المرح والنشاط، والفصال: جمع فصيل وهو
ولد الناقة إذا فصل عن امه، والقرعى من الفصال: التي أصابها القرع، وهو داء يخرج في
أعناقها وقوائمها. والكلام خرج مخرج الاستعارة، وأصله من المثل: " استنت الفصال حتى
القرعى " يضرب للرجل يتمدح بالشئ وهو من غير أهله أو لمن تعد طوره، وادعى ما ليس
له، انظر " فصل المقال في شرح كتاب الأمثال " للبكري ص 402، 403. والأبيات الثلاثة
في " مرآة الزمان ": 8 / 102.
570

الموصل صحبة زنكي، فأحضر القضاة والشهود والعلماء عند الوزير أبي
القاسم علي، وكتبوا محضرا فيه شهادة العدول بما جرى من الراشد من
الظلم، وأخذ الأموال، وسفك الدماء، وشرب الخمر، واستفتي الفقهاء
فيمن فعل ذلك، هل تصح إمامته؟ وهل إذا ثبت فسقه بذلك يجوز لسلطان الوقت
أن يخلعه ويستبدل به؟، فأفتوا بجواز خلعه، والاستبدال به، فوقع الاختيار مع
الغد بحضور مسعود وأمرائه في دار الخلافة على عمه أبي عبد الله محمد بن
المستظهر بالله ولقبوه بالمقتفي، وله أربعون سنة، وقد وخطه شيب، وهو أسمر،
وأمه أم ولد صفراء تدعى ست السادة (1).
قال: ثم بلغنا أن الراشد خرج من الموصل إلى بلاد أذربيجان إلى
مراغة، وكان معه جماعة، فصادروا أهلها، وعاثوا، ثم ذهبوا إلى
همذان، فقتلوا بها، وحلقوا لحى جماعة من الفقهاء، وعتوا، ومضوا
إلى نواحي أصبهان، فانتهبوا القرى، وحاصروا البلد في جمع من أجناد
داود بن محمود بن محمد، فمرض الراشد مرضا أشفى منه، بلغنا أن
جماعة من العجم فراشين كانوا في خدمته، اتصلوا به هناك، دخلوا
خركاهه في السابع والعشرين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين، فقتلوه

(1) الكامل لابن الأثير: 11 / 40، 42. وما وصف به الراشد في هذا المحضر يغلب
على الظن أنه كذب ملفق، وباطل منمق، أكره على توثيقه القضاة والشهود خوفا ممن بيده
الحل والعقد والسلطان، وقد تقدم في أول ترجمة الراشد أنه كان حسن السيرة، مؤثرا
للعدل، وهكذا يحمل البغي وحب التسلط صاحبه على الكذب والافتراء واتهام من كان قبله
بما هم منه براء، والتماس الوسيلة غير المشروعة للحصول على غايته. فليتق الله
المؤرخون، وليمحصوا الآراء، وليطرحوا الاخبار التي يتبين لهم بطلانها وافتراؤها بالدراسة
الجادة المبنية على أسس صحيحة وسديدة ليخرجوا بذلك من المسؤولية أمام الله الذي لا
تخفى عليه خافية.
571

بالسكاكين، وقتلوا بعده كلهم.
وقيل: كان قد سقي سما، ثم دفن بالمدينة العتيقة في حجرة من
بناء نظام الملك، وجاء الخبر إلى عمه المقتفي، فعقدوا له العزاء يوما
واحدا (1).
وقال عبد الجليل كوتاه: دفن بجنب الجامع بمدينة أصبهان. قال
ابن النجار: زرت قبره بجي (2)، وهو خشب منقوش، وعليه ستر أسود،
فيه كتابة من إبريسم، وله فراشون وخدم، وعقبه باق إلى آخر سنة ست
مئة.
قلت: لما استخلف الراشد، بعث إليه السلطان مسعود يتعنته،
ويطلب منه ذهبا كثيرا، ثم قدم الأتابك (3) زنكي وغيره، فحسنوا له
القتال لمسعود، وكان شجاعا، فخافوه، ثم تغير عليه زنكي فقدم الملك
داود بن محمود إلى الراشد، وقصدوا السلطان مسعودا، فسار مسعود من
جهة أخرى، فنازل بغداد يحاصرها، ونهب عسكره واسطا والنعمانية،
وتملك بغداد.

(1) يقول ابن الجوزي في " المنتظم ": 10 / 76: في سبب موت الراشد ثلاثة
أقوال، أحدها: أنه سقي السم ثلاث مرات، والثاني أنه قتله قوم من الفراشين الذين كانوا
في خدمته، والثالث: أنه قتله الباطنية، وقتلوا بعده.
(2) قال ياقوت: جي، بالفتح ثم التشديد: اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة، وهي
الآن كالخراب منفردة، وتسمى الآن عند العجم شهرستان، وعند المحدثين المدينة، وقد
نسب إليها المديني عالم من أصبهان، وفي جي مشهد الراشد بن المسترشد.
(3) الأتابك: هو الذي يتولى تربية أولاد الملوك والسلاطين، ويقوم برعايتهم، فإن
" أتا " بالتركية هو الأب و " بك " هو الأمير، فأتا بك مركب من هذين المعنيين. ابن
خلكان: 1 / 365.
572

وقيل: إنه أخرج خط الراشد يقول: إني متى عسكرت أو
خرجت، انعزلت، وبالغ علي بن طراد الوزير في ذم الراشد، وخوف
القضاة من غائلته ومن جوره، فحكم القاضي ابن الكرخي بخلعه،
وعاش ثلاثين سنة، رحمه الله وسامحه.
327 - حمزة بن هبة الله *
ابن محدث نيسابور محمد بن الحسين بن داود العلوي الحسيني
النيسابوري، شيخ حسن السيرة، تفرد بأشياء (1).
سمع ابن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وعبد الرحمن بن محمد
الأنماطي صاحب الإسماعيلي، ومحمد بن الفضل النسوي، وسمع
ببغداد، وكان زيديا.
قال السمعاني: حدثنا عنه جماعة، عاش ستا وتسعين سنة، توفي
في المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
328 - تاج الملوك * *
صاحب دمشق، تاج الملوك، بوري بن صاحب دمشق الأتابك

* السياق: الورقة: 13 ب - 14 أ، التحبير: 1 / 255 - 256، المنتظم:
10 / 13، الكامل في التاريخ: 10 / 660، المنتخب: الورقة: 60 أ - 60 ب، تاريخ
الاسلام: 4: 252 / 1 - 2.
(1) قال السمعاني في " التحبير ": 1 / 255: كان حسن السيرة، جميل الامر،
رضي الأخلاق، جامعا بين شرف النسب، والتقوى، وحدث بالكثير، وحمل عنه، ورحلوا
إليه، وتفرد في وقته بالرواية عن جماعة.
وقال في " السياق ": وكان عنده سماع " الصحيحين "، وغريب الخطابي، وآداب
الدغولي، وكثير من التصانيف ومن التفاريق ما لا يدخل في الحصر.
(* *) الكامل في التاريخ: 10 / 311 و 312 و 544 و 652 و 656 و 657 و 668 و
670 و 679 - 680، تاريخ الاسلام: 4: 270 / 2، العبر: 4 / 69، تتمة المختصر:
2 / 60، الوافي بالوفيات: 10 / 322، مرآة الزمان: 8 / 87، البداية والنهاية:
12 / 204، النجوم الزاهرة: 5 / 249، شذرات الذهب: 4 / 78، منتخبات التواريخ:
447، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 299، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 46، 340.
573

طغتكين، مولى السلطان تتش السلجوقي.
تملك بعد أبيه في صفر سنة اثنتين وعشرين، وكان ذا حلم
وكرم، له أثر كبير في قتل وزيره والإسماعيلية (1).
مولده في سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
ولابن الخياط فيه مدائح في ديوانه، وقد وزر له أيضا أبو الذواد ابن
الصوفي، ثم كريم الملك ابن عم المزدقاني.
ولما علم ابن صباح صاحب الألموت بما جرى على أشياعه
الإسماعيلية بدمشق، تنمر، وندب طائفة لقتل تاج الملوك، فعين اثنين
بشربوشين في زي الجند، ثم قدما، فاجتمعا بناس منهم أجناد،
وتحيلا على أن صارا من السلحدانة، وضمنوهما، ثم وثبا عليه فقتلاه.
قال أبو يعلى ابن القلانسي (2): وثبوا عليه في خامس جمادى الآخرة سنة
خمس وعشرين، فضربه الواحد بالسيف قصد رأسه، فجرحه في رقبته
جرحا سليما، وضربه الآخر بسكين في خاصرته، فمرت بين الجلد
اللحم.
قلت: كان تعلل من ذلك، ولكنه توفي في رجب سنة ست
وعشرين وخمس مئة، وحلفوا بعده لولده شمس الملوك إسماعيل.

(1) انظر التفصيل في " الكامل " في التاريخ: 10 / 656، 657.
(2) ص 365.
574

قال ابن الأثير: وصى بالامر لإسماعيل، ووصى ببعلبك لابنه
محمد.
وقيل: كان عجبا في الجهاد، لا يفتر من غزو الفرنج، ولو كان له
عسكر كثير، لاستأصل الفرنج (1).
329 - شمس الملوك *
صاحب دمشق، شمس الملوك، إسماعيل بن بوري بن الأتابك
طغتكين التركي.
تملك بعد أبيه في رجب سنة ست وعشرين، وكان بطلا شجاعا،
شهما مقداما كآبائه، لكنه جبار عسوف.
استنقذ بانياس من الفرنج في يومين، وكانت الإسماعيلية باعوها
لهم من سبع سنين، وسعر بلادهم، وأوطأهم ذلا، ثم سار، فحاصر
أخاه ببعلبك، ونازل حماة، وهي للأتابك زنكي، وأخذها لما سمع بأن
المسترشد يحاصر الموصل، وصادر الأغنياء والدواوين، وظلم وعتا، ثم
بدا له، فكاتب الأتابك زنكي ليسلم إليه دمشق، فخافته أمه زمرد
والامراء، فهيأت أمه من قتله، لأنه تهددها لما نصحته بالقتل، وكانت
الفرنج تخافه لما هزمهم، وبيتهم، وشن الغارة على بلادهم، وعثرهم،

(1) وقال ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 680: وكان بوري كثير الجهاد، شجاعا
مقداما، سد مسد أبيه، وفاق عليه، وكان ممدحا أكثر الشعراء مدائحه لا سيما ابن الخياط. * الكامل في التاريخ: 11 / 20 - 21، تاريخ دمشق لابن القلانسي 387 - 390، تاريخ
الاسلام: 4: 280 / 2 - 281 / 1، العبر: 4 / 77 - 78، تتمة المختصر: 2 / 62، مرآة الزمان:
8 / 93، البداية والنهاية: 12 / 204، النجوم الزاهرة: 5 / 255 - 256، شذرات الذهب: 4 / 90،
منتخبات التواريخ: 447، تهذيب تاريخ دمشق: 3 / 18.
575

وكان قد تسودن وتخيل من أمرائه، وأخذ يحول أمواله إلى قلعة
صرخد (1).
قال ابن القلانسي: بالغ في الظلم، وصادر وعذب، ولما علم
بأن زنكي على قصد دمشق، بعث يستحثه ليعطيه إياها لهذيان تخيله،
ويقول: إن لم تجئ، سلمتها إلى الفرنج، كتب هذا بيده، فأشفق
الناس (2)، فحمل صفوة الملك دينها على حسم الداء، فأهلكته، وكثر
الدعاء لها.
قتل في ربيع الأول سنة تسع وعشرين وخمس مئة، وله ثلاث
وعشرون سنة، وتملك بعده أخوه محمود، ثم تزوجت أمه بصاحب
حلب زنكي (3).
330 - ابن الأكفاني *
الشيخ الامام، المفنن المحدث الأمين، مفيد الشام، أبو محمد
هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس الأنصاري

(1) صرخد: بلد تابع لمنطقة حوران من أعمال دمشق.
(2) في تاريخ الاسلام: فظهر أمره للناس، فأشفقوا من الهلاك خاصتهم وعامتهم،
وأنهوا الامر إلى زمرد الملقبة بصفوة الملك، فحملها دينها وعقلها على النظر بما يحسم
الداء، فلم تجد بدا من هلاكه.
(3) والد نور الدين، وأخذها إلى حلب، وقام بتدبيرها ابنها محمود الأمير معين الدين
أنر إلى أن قتله جماعة من مماليكه في سنة 533 ه‍، وقام بالامر بعده أخوه محمد بن بوري
صاحب بعلبك. * تاريخ ابن عساكر: تاريخ الاسلام: 4: 264 / 1 - 2، العبر: 4 / 63، وذكره
المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1275، مرآة الزمان: 8 / 81، الاعلام لابن قاضي شهبة
حوادث سنة: 524، النجوم الزاهرة: 5 / 235، كشف الظنون: 2019، شذرات الذهب:
4 / 73.
576

الدمشقي المعدل، المعروف بابن الأكفاني.
ولد سنة (444).
وسمع وهو ابن تسع سنين، وبعد ذلك من والده، وأبي القاسم
الحنائي، وأبي الحسين محمد بن مكي، وعبد الدائم بن الحسن
الهلالي، وأبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، ولازمه مدة، وأبي
نصر بن طالاب، وأبي الحسن ابن أبي الحديد، وطاهر بن أحمد
القايني، وعبد الجبار بن برزة الواعظ، وأبي القاسم بن أبي العلاء،
وخلق كثير، وكان أبوه قد سمع من عبد الرحمن بن الطبيز.
حدث عنه غيث الأرمنازي، وأبو بكر ابن العربي، وأبو طاهر
السلفي، وابن عساكر، وأخوه الصائن، وعبد الرزاق النجار،
وإسماعيل بن علي الجنزوي (1)، وأبو طاهر الخشوعي، وآخرون.
قال ابن عساكر: سمعت منه الكثير، وكان ثقة ثبتا متيقظا، معنيا
بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسرا في التحديث، وتفقه على القاضي
المروزي مدة، وكان ينظر في الوقوف، ويزكي الشهود.
وقال السلفي: هو حافظ مكثر ثقة، كان تاريخ الشام، كتب
الكثير.

(1) الجنزوي: بفتح الجيم، وسكون النون، وفتح الزاي، وكسر الواو، بعده الياء:
نسبة إلى جنزة اسم أعظم مدينة بأران، وهي بين شروان وأذربيجان وتسميها العامة: كنجة. منها
أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الجنزوي المعدل الدمشقي قدم بغداد في صباه، وسمع
بها من أبي البركات هبة الله بن محمد بن علي البخاري، وأبي نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر
الطوسي وغيرهما، توفي سنة 588 ه‍. انظر " الأنساب ": 3 / 323، والاكمال: 3 / 50،
و " المشتبه ": 1 / 183، و " توضيحه ": 1 / الورقة: 243، وتبصير المنتبه: 2 / 554 - 555،
و " معجم البلدان ": 2 / 171 - 172.
577

وقال ابن عساكر: مات الأمين في سادس المحرم سنة أربع
وعشرين وخمس مئة، رحمه الله.
331 - ابن يربوع *
الأستاذ الحافظ، المجود الحجة، أبو محمد عبد الله بن أحمد
ابن سعيد بن سليمان بن يربوع الشنتريني، ثم الإشبيلي، نزيل قرطبة.
سمع من محمد بن أحمد بن منظور " صحيح البخاري "، ومن
أبي محمد بن خزرج، وحاتم بن محمد، وأبي مروان بن سراج، وأبي
علي الغساني، وعدة.
وأجاز له أبو العباس بن دلهاث (1).
روى عنه أبو القاسم بن بشكوال، وقال: كان حافظا للحديث
وعلله، عارفا برجاله، وبالجرح والتعديل، ضابطا ثقة، كتب الكثير،
وصحب أبا علي الغساني، واختص به، وكان أبو علي يفضله، ويصفه
بالمعرفة والذكاء.
إلى أن قال: صنف كتاب " الإقليد في بيان الأسانيد "، وكتاب

* الصلة: 1 / 293 - 294، معجم ابن الأبار: 215 - 216، تاريخ الاسلام:
4: 250 / 2، العبر: 4 / 51، تذكرة الحفاظ: 4 / 1271 - 1272، طبقات الحفاظ:
461، شذرات الذهب: 4 / 66، إيضاح المكنون: 1 / 113، 2 / 402، هدية العارفين:
1 / 454.
(1) الدلهاث في الأصل: الأسد، وأبو العباس هذا: هو أحمد بن عمر بن أنس بن
دلهاث، العذري الأندلسي الدلائي المتوفى سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، وقد تقدمت ترجمته في
الجزء الثامن عشر برقم (296).
578

" تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطأ "، وكتاب " البيان عما
في كتاب أبي نصر الكلاباذي (1) من النقصان "، وكتاب " المنهاج في
رجال مسلم "، سمعت منه مجالس، وتوفي في صفر سنة اثنتين وعشرين
وخمس مئة عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها مات وزير العراق جلال الدين أبو علي الحسن بن علي بن
صدقة وزير المسترشد (2)، وصاحب دمشق الأتابك طغتكين ظهير الدين
والد تاج الملوك بوري (3)، والمسند أبو منصور محمد بن علي الكراعي.
بمرو (4)، وإبراهيم بن سهل النيسابوري المسجدي.
332 - العبدري *
الشيخ الامام، الحافظ الناقد الأوحد، أبو عامر محمد بن سعدون
ابن مرجى بن سعدون القرشي العبدري، الميورقي المغربي الظاهري،
نزيل بغداد.
مولده بقرطبة، وكان من بحور العلم، لولا تجسيم فيه (5)، نسأل
الله السلامة.

(1) هو أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي البخاري المترجم في السابع عشر برقم
(58)، وكتابه ترجم فيه لرجال البخاري.
(2) تقدمت ترجمته برقم (319).
(3) تقدمت ترجمته برقم (302).
(4) تقدمت ترجمته برقم (323). * مشيخة ابن عساكر: 1 / 188، تاريخ ابن عساكر، الصلة: 2 / 564، المنتظم:
10 / 19، معجم البلدان: 5 / 246، تاريخ الاسلام: 4: 258 / 1 - 2، العبر: 4 / 57،
تذكرة الحفاظ: 4 / 1272 - 1275، الوافي بالوفيات: 3 / 93 - 94، البداية والنهاية:
12 / 201 - 202، طبقات الحفاظ: 461، نفح الطيب: 2 / 138 - 139، شذرات الذهب:
4 / 70.
(5) وصفه بذلك الحافظ ابن عساكر، وسيذكره المصنف قريبا.
579

سمع من مالك البانياسي، ورزق الله التميمي، ويحيى السيبي،
وطراد الزينبي، ونصر بن البطر، والحميدي، وابن خيرون، وطبقتهم.
حدث عنه أبو المعمر، وابن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو
الفتح المندائي، وجماعة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في " معجمه ": أبو عامر العبدري
هو أنبل من لقيته.
وقال ابن ناصر: كان فهما عالما، متعففا مع فقره، ويذهب إلى
أن المناولة كالسماع (1).
وقال السلفي: هو من أعيان علماء الاسلام بمدينة السلام، متصرف
في فنون من العلم أدبا ونحوا، ومعرفة بالانساب، وكان داوودي
المذهب، قرشي النسب، كتب عني، وكتبت عنه.
وقال ابن نقطة: حدثنا أحمد بن أبي بكر البندنيجي أن الحافظ بن
ناصر لما دفنوا العبدري، قال:

(1) المناولة المقرونة بالإجازة كالسماع عند جماعة حكاه الحاكم عن الزهري،
وربيعة، ويحيى الأنصاري، ومجاهد، وأبي الزبير، وابن عيينة في جماعة من المكيين،
وعن علقمة، وإبراهيم، وقتادة، وأبي العالية، وابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وغيرهم،
وروى الخطيب بإسناده إلى عبد الله العمري أنه قال: دفع إلي ابن شهاب صحيفة، وقال
لي: انسخ ما فيها، وحدث به عني، قلت: أو يجوز ذلك؟ قال: نعم، ألم تر إلى الرجل
يشهد على الوصية ولا يفتحها، فيجوز ذلك، ويؤخذ به. وقال أبو عمرو بن الصلاح:
والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة، وهو قول الثوري والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي
حنيفة والشافعي، والبويطي، والمزني صاحبيه، وأحمد وإسحاق، ويحيى بن يحيى. انظر
" الكفاية ": ص: 330 - 333، ومقدمة ابن الصلاح: ص: 191، 194، و " جامع
الأصول ": 1 / 84 - 86، وشرح البخاري للعيني: 2 / 26، و " توضيح الأفكار ":
2 / 334.
580

خلا لك الجو فبيضي واصفري (1).
مات أبو عامر حافظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن شاء، فليقل ما
شاء.
وقال الحافظ ابن عساكر: كان العبدري أحفظ شيخ لقيته، وكان
فقيها داووديا، ذكر أنه دخل دمشق في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء،
وسمعته وقد ذكر مالك، فقال: جلف جاف، ضرب هشام بن عمار
بالدرة، وقرأت عليه " الأموال " لأبي عبيد، فقال - وقد مر قول لأبي
عبيد -: ما كان إلا حمارا مغفلا (2)، لا يعرف الفقه. وقيل لي عنه: إنه
قال في إبراهيم النخعي: أعور سوء، فاجتمعنا يوما عند ابن السمرقندي
في قراءة كتاب " الكامل "، فجاء فيه: وقال السعدي كذا، فقال:
يكذب ابن عدي، إنما ذا قول إبراهيم الجوزجاني، فقلت له: فهو
السعدي، فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب، تقول في إبراهيم كذا
وكذا، وتقول في مالك جاف، وتقول في أبي عبيد؟! فغضب وأخذته
الرعدة، وقال: كان ابن الخاضبة والبرداني وغيرهما يخافوني، فآل الامر
إلى أن تقول في هذا؟! فقال له ابن السمرقندي: هذا بذاك، فقلت: إنما
نحترمك ما احترمت الأئمة، فقال: والله لقد علمت من علم الحديث ما لم

(1) الرجز في " فصل المقال شرح الأمثال " ص: 364 لكليب بن ربيعة، وهو كليب
وائل، كان له حمى لا يقرب، فباضت فيه قبرة فأجارها، وقال يخاطبها:
يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
وإنما يصفر الطائر ويتغنى في الخصب.
ويقال: إنها لطرفة، انظر " مجمع الأمثال ": 239، اللسان: قبر، والخزانة:
1 / 417.
(2) في الأصل: حمار مغفل.
581

يعلمه غيري ممن تقدم، وإني لاعلم من صحيح البخاري ومسلم ما لم
يعلماه، فقلت مستهزئا: فعلمك إلهام إذا، وهاجرته، وكان سيئ
الاعتقاد، يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها، بلغني (1) عنه أنه قال في
سوق باب الأزج * (يوم يكشف عن ساق) * [القلم: 42] فضرب على
ساقه، وقال: ساق كساقي هذه (2).
وبلغني عنه أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله تعالى: * (ليس
كمثله شئ) * [الشورى: 11]، أي: في الإلهية، فأما في الصورة، فهو
مثلي ومثلك (3). قد قال الله تعالى: * (يا نساء النبي لستن كأحد من
النساء إن اتقيتن) * [الأحزاب: 32]، أي: في الحرمة.
وسألته يوما عن أحاديث الصفات، فقال: اختلف الناس فيها،
فمنهم من تأولها، ومنهم من أمسك، ومنهم من اعتقد ظاهرها، ومذهبي
أحد (4) هذه المذاهب الثلاثة، وكان يفتي على مذهب داود، فبلغني أنه
سئل عن وجوب الغسل على من جامع ولم ينزل، فقال: لا غسل
عليه (5)، الآن فعلت ذا بأم أبي بكر.

(1) علق العلامة المعلمي اليماني في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1274 على قوله
" بلغني "، فقال: " بلغني " أخت " زعموا " فإذا رأيت العالم يمتطيها للغض من مخالفيه،
فاعلم أنها مطية مهزولة ألجأته إليها الضرورة، وقد حدث ابن عساكر عن شيخ العبدري،
وشهد له أنه أحفظ شيخ لقيه كما مر.
(2) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلال
المجسمة، وما اعتقد أن بلغ بالعبدري هذا.
(3) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": تعالى الله عن ذلك وتقدس، وهذا لا يتفوه به
مؤمن، فإن الله تعالى لا مثل له أبدا.
(4) في حاشية الأصل ما نصه: في نسخة: آخر.
(5) كان هذا الحكم في ابتداء الاسلام، ثم نسخ، والدليل على ذلك ما أخرجه أبو
داود (215)، والدارمي: 1 / 194 من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال:
حدثني أبي بن كعب، أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الاسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد، وإسناده صحيح، وصححه ابن
خزيمة (225)، وابن حبان (228) و (229)، والدارقطني: 1 / 126، والبيهقي:
1 / 165، وانظر التفصيل في " شرح السنة " للبغوي بتحقيقنا: 2 / 3 - 7. * تاريخ الاسلام: 4: 267 / 2 - 268 / 1، دول الاسلام: 2 / 47، العبر:
4 / 65، النجوم الزاهرة: 5 / 247، حسن المحاضرة: 1 / 375، شذرات الذهب:
4 / 75.
582

إلى أن قال: وكان بشع الصورة زري اللباس.
وقال السمعاني: هو حافظ مبرز في صنعة الحديث، سمع
الكثير، ونسخ بخطه وإلى آخر عمره، وكان ينسخ وقت السماع.
وقال ابن ناصر: فيه تساهل في السماع، يتحدث ولا يصغي،
ويقول: يكفيني حضور المجلس، ومذهبه في القرآن مذهب سوء،
مات في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
قلت: ما ثبت عنه ما قيل من التشبيه، وإن صح، فبعدا له
وسحقا.
333 - الرازي *
الشيخ العالم، المعمر الثقة، مسند الإسكندرية ومصر، أبو
عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرازي، ثم المصري
الشروطي المعدل، المعروف بابن الحطاب الذي يقول فيه أبو طاهر
السلفي فيما نقلته من خطه: لم يك في وقته في الدنيا من يدانيه في علو
الاسناد.
583

قلت: مولده في سنة أربع وثلاثين وأربع مئة، واعتنى به والده
المحدث أبو العباس، فسمعه الكثير في سنة أربعين، وبعدها سمع أبا
الحسن بن حمصة راوي مجلس البطاقة، وعلي بن ربيعة، وعلي بن
محمد الفارسي، ومحمد بن الحسين الطفال، وأحمد بن محمد بن
الفتح الحكيمي، وأبا الفضل السعدي، وتاج الأئمة أحمد بن علي بن
هاشم، ومحمد بن الحسين بن سعدون، ومحمد بن الحسين بن
الترجمان، وعدد شيوخه سبعة وأربعون، خرج له عنهم أبو طاهر
السلفي، وخرج له أيضا السداسيات، وروى عنه هو ويحيى بن سعدون
القرطبي، وأبو محمد العثماني، وعبد الواحد بن عسكر، ومحمد بن
عبد الرحمن الحضرمي، وأبو طالب أحمد بن المسلم، وإسماعيل بن
عوف الفقيه، وإسماعيل بن ياسين، وعبد الرحمن بن موقا، وآخرون.
مات في سادس جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وخمس مئة،
وله إحدى وتسعون سنة.
وفيها مات أبو السعود أحمد بن علي بن المجلي - بجيم ساكنة -،
والخطيب أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي بالموصل،
ومدرس النظامية أبو علي الحسن بن سلمان بن الفتى (1)، والشيخ القدوة
حماد بن مسلم الدباس (2)، وطبيب الأندلس أبو العلاء زهر بن عبد
الملك بن زهر الإشبيلي (3)، وأبو غالب محمد بن الحسن الماوردي (4)،

(1) سترد ترجمته برقم (358).
(2) سترد ترجمته برقم (344).
(3) سترد ترجمته برقم (345).
(4) سترد ترجمته برقم (338).
584

والسلطان محمود بن محمد بن ملكشاه (1)، وأبو القاسم هبة الله بن
الحصين، ويحيى بن المشرف المصري التمار.
334 - ابن أبي ذر *
الشيخ الجليل الصدوق، مسند وقته، أبو بكر محمد بن علي بن
الشيخ أبي ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني الأصبهاني، والصالحان:
محلة مشهورة.
ولد سنة ثمان وثلاثين، وكان آخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد
الرحيم.
حدث عنه أبو موسى المديني، وخلف بن أحمد، وتميم بن أبي
الفتوح المقرئ، وسعيد بن روح الصالحاني، عبيد الله بن أبي نصر
اللفتواني، ومحمد بن أبي عاصم بن زينة، ومحمد بن أبي نصر الحداد
الضرير، وزاهر بن أحمد الثقفي، والمخلص محمد بن الفاخر، وأبو
مسلم بن الاخوة، وإدريس بن محمد العطار، ومحمود بن أحمد
المضري، وعين الشمس بنت أحمد الثقفية، وعدة.
مات في ثاني جمادى الآخرة سنة ثلاثين وخمس مئة عن اثنتين
وتسعين سنة.

(1) تقدمت ترجمته برقم (305). * الأنساب: 8 / 13، التحبير: 2 / 186 - 187، معجم شيوخ السمعاني:
الورقة: 229 / 1، وذكره ابن الأثير في اللباب: 2 / 230، تاريخ الاسلام: 4: 289 / 1،
دول الاسلام: 2 / 52، العبر: 4 / 83، شذرات الذهب: 4 / 96.
585

335 - ابن ملوك *
الشيخ الصالح الثقة، أبو المواهب أحمد بن محمد بن عبد الملك
ابن ملوك البغدادي الوراق، شيخ خير، صحيح السماع.
سمع القاضي أبا الطيب الطبري، وأبا محمد الجوهري.
حدث عنه أبو القاسم بن عساكر (1)، وعبد الخالق بن هبة الله
البندار، وعمر بن طبرزد، وجماعة، عنده جزء الغطريفي (2).
توفي في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وخمس مئة، وله خمس
وثمانون سنة.
وقال ابن النجار: توفي سنة أربع.
336 - ابن عطية * *
الامام الحافظ، الناقد المجود، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن
غالب بن تمام بن عطية المحاربي الأندلسي، الغرناطي المالكي.

* تاريخ الاسلام: 4: 265 / 1، العبر: 4 / 64، شذرات الذهب: 4 / 73.
(1) في مشيخته لوحة: 17 / 1 رقم (100).
(2) هو الحافظ المتقن الإمام أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي العبدي
سنة 377 ه‍ تقدمت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (253)، انظر " تاريخ جرجان ": 430، و
" الأنساب ": 9 / 159، 160، و " تذكرة الحفاظ ": 3 / 971 - 972، و " العبر ": 3 / 5، 6.
(* *) فهرسة ابن عطية: 41 - 56، الصلة: 2 / 457 - 458، بغية الملتمس:
427، تاريخ الاسلام: 4: 235 / 1 - 2، العبر: 4 / 43، تذكرة الحفاظ: 4 / 1269 -
1270، عيون التواريخ: 13 / 447، الديباج المذهب: 2 / 58 - 59 عند ذكر ولده
و 136، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 23 - 24، شذرات الذهب: 4 / 59، شجرة
النور الزكية: 1 / 129، الغنية: 253 - 255.
586

روى عن أبيه، والحسن بن عبيد الله الحضرمي، ومحمد بن
حارث، ومحمد بن أبي غالب القروي، ورأى ابن عبد البر، وحج سنة
تسع وستين، فسمع عيسى بن أبي ذر، والحسين بن علي الطبري،
وأبا الفضل الجوهري، ومحمد بن معاذ التميمي المهدوي.
روى عنه ولده صاحب التفسير الكبير.
قال ابن بشكوال (1): كان حافظا للحديث وطرقه وعلله، عارفا
بالرجال، ذاكرا لمتونه ومعانيه، قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمعه
يذكر أنه كرر على (2) " صحيح البخاري " سبع مئة مرة.
قال: وكان أديبا شاعرا لغويا، دينا فاضلا، أكثر الناس عنه،
وكف بصره في آخر عمره، وكتب إلينا بإجازة ما رواه.
مولده في سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، وتوفي في جمادى
الآخرة سنة ثمان عشرة وخمس مئة، وله سبع وسبعون سنة، رحمه الله.
337 - ابنه [عبد الحق بن أبي بكر] *
الامام العلامة، شيخ المفسرين، أبو محمد عبد الحق بن الحافظ
أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي.

(1) في " الصلة ": 2 / 458.
(2) لفظ " على " لم يرد في " الصلة ". * الصلة: 2 / 386 - 387، بغية الملتمس: 376، معجم ابن الأبار: 269 -
273، صلة الصلة لابن الزبير: 2، المرقبة العليا: 109، الديباج المذهب: 2 / 57 -
59، وفيات ابن قنفذ: 279 و 63، بغية الوعاة: 2 / 73 - 74، طبقات المفسرين
للسيوطي: 16 - 17، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 260 - 261، نفح الطيب:
1 / 679، كشف الظنون: 439 و 1613، هدية العارفين: 502، شجرة النور الزكية:
1 / 129.
587

حدث عن أبيه، وعن الحافظ أبي علي الغساني، ومحمد بن
الفرج مولى ابن الطلاع، وأبي الحسين يحيى بن أبي زيد المقرئ ابن
البياز، وعدة.
وكان إماما في الفقه، وفي التفسير (1)، وفي العربية، قوي
المشاركة، ذكيا فطنا مدركا، من أوعية العلم.
مولده سنة ثمانين وأربع مئة، اعتنى به والده، ولحق به الكبار،
وطلب العلم وهو مراهق، وكان يتوقد ذكاء، ولي قضاء المرية في سنة
تسع وعشرين وخمس مئة.
حدث عنه أولاده، وأبو القاسم بن حبيش الحافظ، وأبو محمد بن
عبيد الله، وأبو جعفر بن مضاء، وعبد المنعم بن الفرس، وأبو جعفر
ابن حكم، وآخرون.
توفي بحصن لورقة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة
إحدى وأربعين وخمس مئة.
وقال الحافظ خلف بن بشكوال: توفي سنة اثنتين وأربعين،
وقال: كان واسع المعرفة، قوي الأدب، متفننا في العلوم، أخذ الناس
عنه، رحمه الله تعالى.

(1) من مؤلفاته فيه " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " أحسن فيه وأبدع، وطار
لحسن نيته كل مطار. وهو أصدق شاهد لمؤلفه بإمامته في اللغة العربية، وغيرها من فنون
العلم المختلفة، يقول فيه شيخ الاسلام في فتاويه: 2 / 194: وهو خير من تفسير
الزمخشري، وأصح نقلا وبحثا، وأبعد من البدع وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه
بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، وقد نشرت منه وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية المغربية
تسعة أجزاء بتحقيق لجنة من المجلس العلمي بفاس، ونشر أجزاء منه المجلس الاعلى للشؤون
الاسلامية في مصر.
588

338 - أبو غالب الماوردي *
الشيخ الامام، المحدث الصدوق، أبو غالب محمد بن الحسن
ابن علي بن الحسن التميمي البصري الماوردي.
ولد سنة خمسين وأربع مئة.
وسمع أبا الحسين بن النقور، وعبد العزيز الأنماطي، وعبد الله بن
الخلال، وعدة ببغداد، وأبا عمرو بن منده، ومحمود بن جعفر، وعدة
بأصبهان، ومحمد بن المنثور (1) الجهني، وأبا الفرج محمد بن أحمد بن
علان بالكوفة، وأبا علي التستري، وعبد الملك بن شغبة بالبصرة.
وكان شيخا صالحا عالما، ينسخ للناس بالاجرة.
حدث عنه أبو القاسم بن عساكر (2)، وأبو الفرج بن الجوزي،
ويحيى بن بوش، وعبد الوهاب بن سكينة.
قال ابن الجوزي: نسخ بخطه الكثير، وكان صالحا، مات في
رمضان سنة خمس وعشرين وخمس مئة.
قال: ورئي في المنام، فقال: غفر الله لي ببركات الحديث،
وأعطاني جميع ما أملته.
قال ابن النجار: كان ثقة صالحا عفيفا، حدث بالكثير.

* المنتظم: 10 / 23، اللباب: 3 / 156 - 157، تاريخ الاسلام: 4:
268 / 1، العبر: 4 / 65 - 66، شذرات الذهب: 4 / 75.
(1) بنون ساكنة ثم مثلثة: أبو الحسن محمد بن القاسم بن المنثور الجهني الكوفي
المتوفى سنة 476 ه‍. " تبصير المنتبه ": 4 / 1322.
(2) مشيخة ابن عساكر: لوحة: 182 / 1.
589

339 - صاعد بن سيار *
ابن محمد بن عبد الله، المحدث الحافظ، أبو العلاء (1)
الإسحاقي الهروي الدهان.
حج وحدث ببغداد عن عبد الرحمن بن أبي عاصم، وأبي عامر
الأزدي، وشيخ الاسلام أبي إسماعيل، وعلي بن فضال النحوي،
وعدة.
قرأ عليه ابن ناصر جامع أبي عيسى، فسمعه منه أبو الفرج عبد
المنعم بن كليب وغيره.
قال أبو سعد السمعاني (2): كان حافظا متقنا، واسع الرواية،
كتب الكثير، وجمع الأبواب، وعرف الرجال، حدثنا عنه ابن ناصر،
وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل، وأبو المعمر الأنصاري.
قلت: وروى عنه الحافظ أبو موسى المديني، مات بقرية غورج (3)
بقرب هراة في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مئة كهلا، رحمه الله.

* الأنساب: 1 / 223، المنتظم: 9 / 262، التقييد: الورقة: 113 / 1 - 2،
اللباب: 1 / 52، تاريخ الاسلام: 4: 141 / 2، العبر: 4 / 46 - 47، تذكرة الحفاظ:
4 / 1270 - 1271، عيون التواريخ: 13 / 468، مرآة الجنان: 3 / 225، البداية:
12 / 197، الجواهر المضية: 2 / 261 - 262، طبقات الحفاظ: 461، الطبقات
السنية: رقم: 983، شذرات الذهب: 4 / 61.
(1) تحرف في البداية إلى أبي الاعلى.
(2) في " الأنساب ": 1 / 223.
(3) تحرف في البداية إلى " عتورج " وانظر " معجم ياقوت " 4 / 216.
590

340 - ابن صاعد *
قاضي نيسابور، وصدرها وكبيرها، أبو سعيد محمد بن القاضي
أحمد بن محمد بن صاعد الصاعدي.
سمع أباه وعمه يحيى، وعمر بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني،
وعبد الغافر بن محمد.
وحدث ببغداد، فروى عنه ابن ناصر، وغيره، وابن
السمعاني (1).
مات في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وخمس مئة عن بضع
وثمانين سنة.
341 - طاهر بن سهل * *
ابن بشر بن أحمد بن سعيد، الشيخ الكبير، المسند أبو محمد
الأسفراييني، ثم الدمشقي الصائغ.
سمعه أبوه المحدث أبو الفرج من أبي القاسم الحنائي، وعبد الدائم
الهلالي، وأبي الحسين محمد بن مكي الأزدي، والحافظ أبي بكر

* التحبير: 2 / 74 - 75، المنتظم: 10 / 33، تاريخ الاسلام: 4: 275 / 2 -
276 / 1، العبر: 4 / 72، مرآة الجنان: 3 / 252، النجوم الزاهرة: 5 / 251، الجواهر
المضية: 2 / 22، غاية النهاية: 2 / 84، شذرات الذهب: 4 / 82.
(1) في " التحبير ": 2 / 74: كانت الرئاسة قد انتهت إليه والتقدم والقضاء بنيسابور،
وكانت له دنيا عريضة، وكان يليق به القضاء لفضله وبيته، وكان مكرما للغرباء، متواضعا،
سمع الحديث الكثير، وعمر العمر الطويل حتى حدث بالكثير، وانتشرت رواياته.
(* *) العبر: 4 / 85، ميزان الاعتدال: 2 / 335، لسان الميزان: 3 / 206،
207، شذرات الذهب: 4 / 97، تهذيب ابن عساكر: 7 / 48.
591

الخطيب، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبد العزيز بن أحمد
الكتاني، وطائفة.
حدث عنه أبو القاسم الحافظ، والخشوعي، وعبد الرحمن بن
علي الخرقي، وأبو القاسم بن الحرستاني، وآخرون.
توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، وله نيف
وثمانون سنة، فإنه ولد عام خمسين، غمزه ابن عساكر، وقال: كان
شيخا عسرا، مع جهله بالحديث، وعدم ثقته، حك اسم أخيه من كتاب
" الشهاب " للقضاعي، وأثبت بدله اسم نفسه.
342 - ابن خسرو *
المحدث العالم، مفيد أهل بغداد، أبو عبد الله الحسين بن
محمد بن خسرو البلخي، ثم البغدادي الحنفي، جامع " مسند أبي
حنيفة ".
سمع من مالك البانياسي، وأبي الحسن الأنباري، وعبد الواحد
ابن فهد، والنعالي، فمن بعدهم، فأكثر وجمع، وأفاد وتعب.
حدث عنه ابن الجوزي وغيره.
قال السمعاني: سألت عنه ابن ناصر، فقال: فيه لين، يذهب

* مشيخة ابن الجوزي: 176 - 178، تاريخ الاسلام: 4: 271 / 1، ميزان
الاعتدال: 1 / 547 - 548، الجواهر المضية: 2 / 127 - 128، لسان الميزان:
2 / 312 - 313، تاج التراجم: 25، الطبقات السنية: رقم: 781، كشف الظنون:
2 / 1681.
592

إلى الاعتزال، وكان حاطب ليل، وسألت عنه ابن عساكر، فقال: ما
كان يعرف شيئا.
قلت: توفي في شوال سنة ست وعشرين وخمس مئة.
343 - ابن الطبر *
الشيخ الامام، المقرئ المعمر، مسند القراء والمحدثين، أبو
القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر البغدادي الحريري.
ولد يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.
وسمع من أبي الحسن محمد بن عبد الواحد بن زوح الحرة، وأبي
إسحاق البرمكي، وأبي طالب العشاري، وطائفة، وتلا بالروايات على
أبي بكر محمد بن علي بن موسى الخياط تلميذ أبي أحمد الفرضي.
حدث عنه: ابن عساكر (1)، وأبو موسى المديني، وأبو الفرج ابن
الجوزي، ويحيى بن ياقوت، وعبد الخالق بن هبة الله البندار،
وعبد الله بن الطويلة، وعلي بن محمد بن علي الأنباري، وفاطمة بنت
سعد الخير، وعبد الرحمن بن أحمد العمري، وبقاء بن حنذ، وأبو
الفتح المندائي، وعمر بن طبرزد، وأبو اليمن الكندي، وتلا عليه
الكندي بست روايات، وكان خاتمة من روى عنه في الدنيا.

* مشيخة ابن الجوزي: ص: 62 - 63، المنتظم: 10 / 71، المستدرك لابن
نقطة: 63، الكامل في التاريخ: 11 / 54، دول الاسلام: 2 / 53، العبر: 4 / 86،
معرفة القراء: 1 / 392 - 393، تبصير المنتبه: 3 / 863، شذرات الذهب: 4 / 97 -
98.
(1) في مشيخته: لوحة: 235 / 1.
593

قال ابن الجوزي: كان صحيح السماع، قوي البدن، ثبتا، كثير
الذكر، دائم التلاوة، وهو آخر من روى عن ابن زوج الحرة، قرأت
عليه، وكنت أجئ (1) إليه في الحر، فنصعد سطح المسجد، فيسبقني
في الدرج.
مات في ثاني جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.
قال أبو موسى: ذهب بصره، ثم عاد بصيرا.
344 - حماد بن مسلم *
ابن ددوه الشيخ القدم، علم السالكين، أبو عبد الله الدباس
الرحبي، رحبة مالك بن طوق.
نشأ ببغداد، وكان يجلس في غرفة كاركه (2) الدبس، وكان من
أولياء الله أولي الكرامات، انتفع بصحبته خلق، وكان يتكلم على
الأحوال، كتبوا من كلامه نحوا من مئة جزء، وكان قليل العلم أميا.
فعنه قال: مات أبواي في نهار ولي ثلاث سنين.
قال أحمد بن صالح الجيلي: سمع من أبي الفضل بن خيرون،

(1) في الأصل: وكتب أخي إليه في الجزء، وهو تصحيف قبيح وقع للناسخ، والنص
في " المنتظم ": وكنت أجئ إليه في الحر، فيقول: نصعد إلى سطح المسجد فيسبقني في
الدرجة، وكذلك ورد على الصواب عند المصنف في " معرفة القراء " رقم (430). * المنتظم: 10 / 22 - 23، الكامل في التاريخ: 10 / 671، تاريخ الاسلام:
4: 266 / 1 - 2، دول الاسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 64، تتمة المختصر: 2 / 59،
مرآة الزمان: 8 / 85، البداية: 12 / 202، النجوم الزاهرة: 5 / 246، شذرات الذهب:
4 / 73 - 74، منتخبات التواريخ: 473.
(2) الكلمة فارسية، ومعناها المعمل أو المصنع، أو الدكان أو القصر.
594

وكان يتكلم على آفات الأعمال، والاخلاص، والورع، قد جاهد نفسه
بأنواع المجاهدات، وزاول أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال،
وكان مكاشفا.
فعنه قال: إذا أحب الله عبدا، أكثر همه فيما فرط، وإذا أبغض
عبدا، أكثر همه فيما قسمه له.
وقال: العلم محجة، فإذا طلبته لغير الله، صار حجة.
وقيل: كان يقبل النذر، ثم تركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه
يستخرج من البخيل " (1)، ثم صار يأكل بالمنام (2).
قال المبارك بن كامل: مات العارف الورع الناطق بالحكمة حماد
في سنة خمس وعشرين وخمس مئة، لم أر مثله، كان بزي الأغنياء،
وتارة بزي الفقراء.
وقال ابن الجوزي (3): كان يتصوف، ويدعي المعرفة والمكاشفة،
وعلوم الباطن، وكان عاريا عن علم الشرع، ونفق على الجهال، كان
ابن عقيل ينفر الناس عنه، وبلغه عنه أنه كان يعطي المحموم لوزة وزبيبة
ليبرأ، فبعث إليه: إن عدت لهذا، ضربت عنقك، توفي في رمضان.

(1) أخرجه من حديث عبد الله بن عمر البخاري (6693) ومسلم (1639) كلاهما في
النذر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقال: " إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من
البخيل "، وأخرجه من حديث أبي هريرة مسلم " 1640) بلفظ " لا تنذروا، فإن النذر لا
يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل ".
(2) في " المنتظم ": 1 / 23، فصار يأكل بالمنامات، وكان يجئ الرجل، فيقول:
قد رأيت في المنام: أعط حمادا كذا، فاجتمع له أصحاب ينفق عليهم ما يفتح له.
(3) المنتظم: 10 / 22.
595

قلت: نقم ابن الأثير (1) وسبط ابن الجوزي (2) هذا، وعظما
حمادا، رحمه الله، وكان الشيخ عبد القادر من تلامذته.
345 - ابن زهر *
العلامة الأوحد، أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان
ابن زهر الأيادي الإشبيلي، الطبيب الشاعر.
أخذ الطب عن أبيه، فساد فيه، وصنف، حتى إن أهل الأندلس
ليفتخرون به، وحمل عن أبي علي الجياني، وعبد الله بن أيوب.
وله النظم الفائق، وفيه كرم وسؤدد، لكنه فيه بذاء، ونفق على
السلطان، حتى صارت إليه رياسة بلده.
روى عنه ابنه أبو مروان، وأبو عامر بن ينق، وأبو بكر بن أبي مروان.
ألف كتاب " الأدوية المفردة "، وكتاب " الخواص "، وكتاب
" حل شكوك الرازي " (3)، وأشياء، وكان أبوه ملك الأطباء، وكان جده
فقيها مفتيا.
توفي أبو العلاء بقرطبة سنة خمس وعشرين وخمس مئة منكوبا.

(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 671.
(2) انظر " مرآة الزمان ": 8 / 85. * الذخيرة ق 2 م 1 / 218 - 231، بدائع البدائة: 2 / 42، المطرب: 203،
التكملة لابن الأبار: 334، طبقات الأطباء: 1 / 517 - 519، تاريخ الاسلام: 4:
266 / 2، العبر: 4 / 64 - 65 مرآة الجنان 3 / 244، وفيات ابن قنفذ: 275 نفح
الطيب: 3 / 432، كشف الظنون: 1265، شذرات الذهب: 4 / 74 - 75، إيضاح المكنون: 1 /
154، دائرة المعارف الاسلامية: 1 / 183.
(3) في تاريخ الاسلام: " حل شكوك الرازي على كتب جالينوس ".
596

346 - ظافر بن القاسم *
ابن منصور، شاعر زمانه، أبو منصور الجذامي الإسكندراني
الحداد، له ديوان مشهور (1).
روى عنه أبو طاهر السلفي، وغيره، وهو القائل:
يذم المحبوب الرقيب وليت لي * من الوصل ما يخشى عليه رقيب
قال محمد بن الحسين الآمدي: دخلت على متولي الإسكندرية،
وقد ورم خنصره من خاتم، فقلت: المصلحة قطع الخاتم، وطلبت له
ظافرا الحداد، فقطع الحلقة وارتجل:
قصر عن أوصافك العالم * وأكثر الناثر والناظم
من يكن البحر له راحة * يضيق عن خنصره خاتم
فوهبه الحلقة، وكانت ذهبا.
توفي سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
347 - ابن حمويه * *
الامام العارف أبو عبد الله محمد بن حمويه بن محمد بن حمويه

* خريدة القصر: 2 / 1 - 17، معجم الأدباء: 12 / 27 - 33، وفيات الأعيان:
2 / 540 - 543، تاريخ الاسلام: 4: 282 / 1 - 2، العبر: 4 / 78، النجوم الزاهرة:
5 / 376 - 377، شذرات الذهب: 4 / 91 - 93.
(1) وأنشد له ابن خلكان وياقوت قصيدة من غرر القصائد مطلعها:
لو كان بالصبر الجميل ملاذه * ما سح وابل دمعه ورذاذه
(* *) الأنساب: 4 / 230، المنتظم: 10 / 63 - 64، اللباب: 1 / 392، تاريخ
الاسلام: 4: 288 / 2، العبر: 4 / 83، الوافي بالوفيات: 3 / 28، البداية:
12 / 211، شذرات الذهب: 4 / 95.
597

الجويني الصوفي، جد آل حمويه الذين رأسوا بمصر.
كان ذا تأله وتعبد ومجاهدة وصدق (1).
حج مرتين، وحدث عن عائشة بنت البسطامي، وموسى بن عمران
الصوفي، وطائفة.
روى عنه أبو محمد بن الخشاب، وابن عساكر، وأبو أحمد بن
سكينة، وآخرون.
قال السمعاني: صاحب كرامات وآيات، اشتهر بتربية المريدين،
وله إجازة من الأستاذ أبي القاسم القشيري، وعاش اثنتين وثمانين سنة.
قلت: له في التصوف تأليف، وقبره يزار بقرية بحيراباذ (2).
توفي إلى رضوان الله في مستهل ربيع الأول سنة ثلاثين وخمس
مئة، رحمه الله.
348 - ابن عيذون * (3)
ذو الوزارتين أبو محمد عبد المجيد بن عيذون، وهو منسوب إلى

(1) في " الوافي بالوفيات ": 3 / 28: وكان سنجر والملوك يزورونه، ولا يغشى
أبوابهم، ولا يقبل صلاتهم، ولا يأكل من الأوقاف، له قطعة أرض يزرعها خادم له، وبنى
خانقاه ببحيراباذ إلى جانب داره، وأوقف عليها أوقافا.
(2) في معجم ياقوت: من قرى جوين من نواحي نيسابور. * القلائد: 145، الذخيرة: ق 2 م 2 / 668 - 727، الصلة: 2 / 388 - 389،
الخريدة: 2 / 103، بغية الملتمس: رقم: 1570، المطرب: 127، 180،
المعجب: 76، 87، 164 - 170، 112 - 134، 244، التكملة لابن الأبار: 407
ووفاته سنة 520 ه‍، المغرب: 1 / 374، تاريخ الاسلام: 4: 274 / 2، فوات
الوفيات: 2 / 388 - 393.
(3) كذا الأصل بالياء التحتية والذال المعجمة، وكتب فوق الياء كلمة: صح وكذلك هو في
كل موضع ورد في الترجمة مع أنه ورد في تاريخ المؤلف، وفي جميع المصادر التي ترجمت له:
" عبدون، بالباء الموحدة والدال المهملة، ولم يرد له ذكر في كتب المشتبه تحت: " عيذون ".
وانظر الجزء الثامن عشر ص 598 ت 2.
598

جده لامه عبد المجيد بن عبد الله بن عيذون الفهري الأندلسي، اليابري
النحوي، الشاعر المفلق.
أخذ عن أبي الحجاج الأعلم، وعاصم بن أيوب، وأبي مروان بن
سراج، وله نظم فائق، ومؤلف في الانتصار لأبي عبيد على ابن قتيبة،
وكان من بحور الآداب، كتب الانشاء للمتوكل بن الأفطس صاحب
بطليوس وأشبونة، وله فيهم مرثية باهرة (1) أولها:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر * فما البكاء على الأشباح والصور
ثم تضعضع، واحتاج، وعمر، فقال أبو بكر بن زهر: دخل علينا
رجل رث الهيئة، كأنه بدوي، فقال: يا بني، استأذن لي على الوزير أبي
مروان، فقلت: هو نائم، فقال: ما هذا الكتاب؟ قلت: وما سؤالك
عنه؟! هذا من كتاب الأغاني، فقال: تقابله؟ فقلت: ما هنا أصل،
قال: إني حفظته في الصغر، فتبسمت، فقال: فأمسك علي،
فأمسكت، فوالله ما أخطأ شيئا، وقرأ نحوا من كراسين، فقمت مسرعا
إلى أبي، فخرج حافيا وعانقه، وقبل يده واعتذر، وسبني وهو يخفض
عليه، ثم حادثه، ووهبه مركوبا، ثم قلت: يا أبت، من هذا؟ قال:
ويحك! هذا أديب الأندلس ابن عيذون، أيسر محفوظاته كتاب
" الأغاني ".

(1) في " وفيات الوفيات ": 2 / 388: ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى بها ملوك بني
الأفطس، وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان، ثم أوردها بتمامها، وهي مشروحة
بقلم عبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي المتوفى بعد سنة 608 ه‍، واسم شرحه
" كمامة الزهر وصدفة الدر " نشره دوزي بليدن عام 1860 م.
599

توفي ابن عيذون بيابرة سنة سبع وعشرين وخمس مئة.
349 - عبد الكريم بن حمزة *
ابن الخضر بن العباس، الشيخ الثقة المسند، أبو محمد السلمي
الدمشقي، الحداد، وكيل المقرئين.
سمع أبا القاسم الحنائي، وأبا بكر الخطيب، ومحمد بن مكي
الأزدي، وعبد الدائم بن الحسن الهلالي، وأحمد بن عبد الواحد بن
أبي الحديد، وعبيد الله بن عبد الله الداراني، وعبد العزيز بن أحمد
الكتاني، وجماعة.
وأجاز له من بغداد أبو جعفر بن المسلمة، ومن واسط أبو الحسن
ابن مخلد.
حدث عنه: أبو القاسم بن الحرستاني، والسلفي، وابن
عساكر (1)، وإسماعيل الجنزوي (2)، وعبد الرحمن بن الخرقي، وأبو
طاهر الخشوعي، وآخرون، وآخر من حدث عنه ابن الحرستاني
المذكور.
قال الحافظ ابن عساكر: كان شيخا ثقة، مستورا سهلا، قرأت
عليه الكثير، وتوفي في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمس مئة.

* تاريخ ابن عساكر، تاريخ الاسلام: 4: 272 / 1، العبر: 4 / 69، مرآة الزمان:
8 / 87 - 88، النجوم الزاهرة: 5 / 249، شذرات الذهب: 4 / 78.
(1) مشيخة ابن عساكر: 122 / 2 - 123 / 1.
(2) بفتح الجيم وسكون النون، وفي آخرها الزاي المكسورة: نسبة إلى جنزة: بلدة
من بلاد أذربيجان مشهورة من ثغرها.
600

350 - أبو الحسين بن الفراء *
الامام العلامة، الفقيه القاضي، أبو الحسين محمد ابن القاضي
الكبير أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي
البغدادي.
ولد سنة إحدى وخمسين.
وسمع أباه، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وعبد
الصمد بن المأمون، وأبا المظفر هناد النسفي، وأبا الحسين بن المهتدي
بالله، وأبا الحسين بن النقور، وعدة.
وأجاز له أبو محمد الجوهري، وتفقه بعد موت أبيه، وبرع
وناظر، ودرس وصنف، وكان يبالغ في السنة، ويلهج بالصفة، وجمع
طبقات الفقهاء الحنابلة.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر (1)، وأبو موسى المديني،
وتمام بن الشنا، وذاكر الله الحربي، ومظفر بن البري، وعلي بن عمر
الواعظ وعبد الله بن محمد بن عليان، ومحمد بن غنيمة بن القاق،
وعدة.

المنتظم: 10 / 29، الكامل في التاريخ: 10 / 683، تاريخ الاسلام: 4:
272 / 2 - 273 / 1، العبر: 4 / 69 - 70، الوافي بالوفيات: 1 / 159 - 160، مرآة
الجنان: 3 / 252، مرآة الزمان: 8 / 88، البداية: 12 / 204، ذيل طبقات الحنابلة:
1 / 176 - 177، مناقب الإمام أحمد: 529، المنهج الأحمد: 2 / 275، كشف
الظنون: 432، 458، شذرات الذهب: 4 / 79، إيضاح المكنون: 1 / 547
و 2 / 280.
(1) مشيخة ابن عساكر: 208 / 2 - 209 / 1.
601

وقال السلفي: كان أبو الحسين متعصبا في مذهبه، وكان كثيرا ما
يتكلم في الأشاعرة ويسمعهم، لا تأخذه في الله لومة لائم، وله تصانيف
في مذهبه، وكان دينا ثقة ثبتا، سمعنا منه.
وقال ابن الجوزي (1): كان له بيت في داره بباب داره بباب
المراتب، يبيت وحده، فعلم من كان يخدمه بأن له مالا، فذبحوه ليلا،
وأخذوا المال ليلة عاشوراء، سنة ست وعشرين وخمس مئة، ثم وقعوا
بهم فقتلوا.
وقال ابن النجار: تميز وصنف في الأصلين والخلاف والمذهب،
وكان دينا ثقة، حميد السيرة، رحمه الله.
351 - ابن أبي جعفر *
الامام العلامة، فقيه المغرب، شيخ المالكية، أبو محمد عبد الله
ابن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن أحمد الخشني المرسي.
سمع من أبي عمر بن عبد البر، وابن دلهاث العذري، وأبي الوليد
الباجي، وابن مسرور، ومحمد بن سعدون القروي، وحاتم بن محمد،
سمع منه " الملخص "، أخبرنا القابسي، وحج، فسمع بمكة من
الحسين بن علي الطبري، وأخذ الفقه بقرطبة عن أبي جعفر أحمد بن
رزق المالكي، وانتهت إليه الإمامة في معرفة المذهب، وكان رأسا في

(1) المنتظم: 10 / 29. و " باب داره " لم ترد فيه. * الصلة: 1 / 294، بغية الملتمس: 337، تاريخ الاسلام: 4: 271 / 1 - 2،
العبر: 4 / 69، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 248، شذرات الذهب: 4 / 78، شجرة
النور الزكية: 1 / 131، الغنية: 213 - 214.
602

التفسير، له معرفة بالحديث، له حرمة وجلالة، وفيه تعبد، وله بر
ومعروف.
أخذ عنه أبو عبد الله بن عيسى التميمي قاضي سبتة، وجماعة، أصابه
شئ من الفالج، ولم يتغير حفظه.
مات في ثالث رمضان سنة ست وعشرين وخمس مئة عن ثمانين
سنة.
وروى عنه أبو محمد بن منصور، وأبو محمد بن شبونه، وعمر،
وارتحل إليه الناس من كل قطر، رحمه الله.
352 - أبو غالب ابن البناء *
الشيخ الصالح الثقة، مسند بغداد، أبو غالب أحمد بن الإمام أبي
علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الحنبلي.
سمع أبا محمد الجوهري، وتفرد عنه بأجزاء عالية، وأبا الحسين
ابن حسنون النرسي، والقاضي أبا يعلى بن الفراء، وأبا الغنائم بن
المأمون، وأبا الحسين بن الغريق، ووالده أبا علي، وعدة، وله مشيخة
بانتقاء الحافظ ابن عساكر.
ولد في سنة خمس وأربعين وخمس مئة، وله إجازة من الفقيه أبي
إسحاق البرمكي، والقاضي أبي الطيب الطبري.

* المنتظم: 10 / 31، مشيخة ابن الجوزي: 69 - 71. تاريخ الاسلام: 4: 273 / 1 -
2، دول الاسلام: 2 / 48، العبر: 4 / 71، وذكره المؤلف في تذكره الحفاظ: 4 / 1288،
شذرات الذهب: 4 / 79 - 80.
603

حدث عنه: السلفي، وابن عساكر (1)، وأبو موسى المديني،
وهبة الله بن مسعود الباذبيني (2)، وأبو الفرج محمد بن هبة الله الوكيل،
وإسماعيل بن علي القطان، وعمر بن طبرزد، وخلق، وكان من بقايا
الثقات.
مات في صفر، وقيل: مات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين
وخمس مئة.
وفيها مات أسعد بن أبي نصر الميهني الشافعي (3) صاحب
التعليقة، والحافظ أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي
الأصبهاني (4)، وأبو الحسن علي بن الزاغوني الفقيه، وأبو بكر محمد بن
الحسين المزرفي (5)، وأبو خازم محمد بن أبي يعلى محمد بن الحسين
ابن الفراء الفقيه.
353 - أبو خازم بن الفراء *
الشيخ الامام، الفقيه القدوة، الزاهد العابد، أبو خازم محمد بن

(1) في " مشيخة ابن عساكر ": لوحة: 4 / 1.
(2) بفتح الذال المعجمة، وكسر الباء المعجمة بواحدة، وسكون الياء المعجمة من
تحتها باثنتين، وكسر النون نسبة إلى باذبين قرية تحت واسط.
وهبة الله: هو أبو القاسم هبة الله بن مسعود بن الحسن بن الزقطر الباذبيني المتوفى سنة
592 ه‍. الاستدراك 1 / الورقة 47.
(3) سترد ترجمته برقم (374).
(4) سترد ترجمته برقم (365).
(5) سترد ترجمته برقم (372). * المنتظم: 10 / 34، مناقب الإمام أحمد: 529، تاريخ الاسلام: 4:
276 / 1، العبر: 4 / 73، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1288، الوافي
بالوفيات: 1 / 160، البداية: 12 / 206، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 184، النجوم
الزاهرة: 5 / 251، المنهج الأحمد س: 2 / 279 - 280، شذرات الذهب: 4 / 82، إيضاح
المكنون: 2 / 448، هدية العارفين: 2 / 86.
604

القاضي الكبير أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي
الحنبلي.
ولد سنة سبع وخمسين، فمات أبوه وهو يرضع، وسمع من أبي
جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وجابر بن ياسين،
وطائفة، وتفقه على القاضي يعقوب البرزبيني تلميذ أبيه، حتى برع في
العلم، وصنف " التبصرة " في الخلاف، وكتاب " رؤوس المسائل "،
وشرح مختصر الخرقي.
حدث عنه أولاده أبو يعلى محمد، وأبو الفرج علي، وأبو محمد
عبد الرحيم، وابن ناصر، ويحيى بن بوش وآخرون.
وقد مر أخوه الإمام أبو الحسين بن أبي يعلى (1).
توفي أبو خازم في صفر سنة سبع وعشرين وخمس مئة، وعاش
سبعين سنة، وكنوه بكنية عمه أبي خازم محمد الراوي عن الدارقطني.
354 - أبو الحسن بن الزاغوني *
الامام العلامة، شيخ الحنابلة، ذو الفنون، أبو الحسن علي بن عبيد الله

(1) انظر الصفحة 601 رقم الترجمة (350). * المنتظم: 10 / 32، مشيخة ابن الجوزي: ص: 79 - 81، مناقب الإمام أحمد
: 529، اللباب: 2 / 53، الكامل لابن الأثير: 11 / 9، تاريخ الاسلام: 4:
275 / 1، دول الاسلام: 2 / 48، العبر: 4 / 72، الوافي بالوفيات: م: 12 / 112،
مرآة الجنان: 3 / 852، شذرات الذهب: 4 / 80 - 81، إيضاح المكنون: 2 / 145،
هدية العارفين: 1 / 696.
605

ابن نصر بن عبيد الله بن سهل بن الزاغوني البغدادي، صاحب التصانيف.
ولد سنة خمس وخمسين وأربع مئة.
وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون،
وأبي محمد بن هزارمرد، وابن النقور، وابن البسري، وعدد كثير،
وعني بالحديث، وقرأ الكثير، وأسمع أخاه المعمر أبا بكر بن الزاغوني.
حدث عنه السلفي، وابن ناصر، وابن عساكر (1)، وأبو موسى
المديني، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو القاسم بن شدقيني،
ومسعود بن غيث الدقاق، وأبو الفرج بن الجوزي، وبركات بن أبي
غالب، وعمر بن طبرزد، وآخرون.
وكان من بحور العلم، كثير التصانيف، يرجع إلى دين وتقوى،
وزهد وعبادة.
قال ابن الجوزي (2): صحبته زمانا، وسمعت منه، وعلقت عنه
الفقه والوعظ، ومات في سابع عشر المحرم سنة سبع وعشرين وخمس
مئة، وكان الجمع يفوت الاحصاء.
قال ابن الزاغوني في قصيدة له:
إني سأذكر عقد ديني صادقا * نهج ابن حنبل الامام الأوحد
منها:
عال على العرش الرفيع بذاته * سبحانه عن قول غاو ملحد.

(1) مشيخة ابن عساكر: 144 / 1 - 2.
(2) المنتظم: 10 / 32.
606

قد ذكرنا أن لفظة " بذاته " لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس،
وتركها أولى، والله أعلم.
قلت: وقال السمعاني: سمعت حامد بن أبي الفتح، سمعت أبا
بكر بن الزاغوني يقول: حكى بعضهم ممن يوثق به أنه رأى في المنام
ثلاثة، يقول واحد منهم: أخسف، وآخر يقول: أغرق، وآخر يقول:
أطبق - يعني البلد - فأجاب أحدهم: لا، لان بالقرب منها ثلاثة: علي
ابن الزاغوني، وأحمد بن الطلاية، ومحمد بن فلان.
أملى علي القاضي عبد الرحيم بن الزريراني (1) أنه قرأ بخط أبي
الحسن بن الزاغوني: قرأ أبو محمد الضرير علي القرآن لأبي عمرو،
ورأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره
بهذه القراءة، وهو يسمع، ولما بلغت في الحج إلى قوله: * (إن الله
يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * [الحج: 14] الآية، أشار
بيده، أي: اسمع، ثم قال: هذه الآية من قرأها، غفر له، ثم أشار
أن اقرأ، فلما بلغت أول يس، قال لي: هذه السورة من قرأها، أمن
من الفقر، وذكر بقية المنام.
ورأيت لأبي الحسن بخطه مقالة في الحرف والصوت عليه فيها
مآخذ (2)، والله يغفر له، فيا ليته سكت.

(1) في معجم البلدان: زريران، بفتح الزاي، وكسر الراء، وياء ساكنة، وراء
أخرى، وآخره نون: قرية بينها وبين بغداد سبعة فراسخ على جادة الحاج إذا أرادوا الكوفة
من بغداد:
(2) وانظر كتاب " دفع شبه التشبيه " لابن الجوزي.
607

355 - أبو علي الفارقي *
الشيخ الامام الفقيه، شيخ الشافعية، أبو علي الحسن بن إبراهيم
ابن برهون الفارقي.
ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وتفقه بها على أبي
عبد الله محمد بن بيان الكازروني، ثم ارتحل إلى بغداد، ولزم الشيخ أبا
إسحاق حتى برع وفاق وحفظ " المهذب "، ثم تفقه على أبي نصر بن
الصباغ، وحفظ عليه " الشامل " كله.
وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وأبي الغنائم بن المأمون،
وجماعة.
حدث عنه الصائن بن عساكر، وأبو سعد بن عصرون، وطائفة.
قال السمعاني: كان إماما زاهدا ورعا، قائما بالحق، سمعت عمر
ابن الحسن الهمذاني يقول: كان أبو علي الفارقي يقول لنا: كررت
البارحة الربع الفلاني من " المهذب "، كررت البارحة الربع الفلاني من
" الشامل ".
ولي قضاء واسط، فحمد، ودام بها إلى أن توفي ممتعا بحواسه،
عاش خمسا وتسعين سنة.

* المنتظم: 10 / 37، الكامل لابن الأثير: 11 / 17، طبقات ابن الصلاح:
الورقة: 10، وفيات الأعيان: 2 / 77، تاريخ الاسلام: 4: 278 / 1، العبر: 4 / 74،
الوافي الوفيات: 11 / 370 - 371، مرآة الجنان: 3 / 253، طبقات السبكي: 7 / 57 -
60، طبقات الأسنوي: 2 / 256 - 257، البداية: 12 / 206، طبقات ابن هداية الله:
75، كشف الظنون: 1913، شذرات الذهب: 4 / 85، روضات الجنات: 221، هدية
العارفين: 1 / 279.
608

وقال ابن النجار: ولي قضاء واسط في سنة خمس وثمانين وأربع
مئة، وعزل في سنة ثلاث عشرة، ولازم الاشغال (1) بواسط، وكان إماما
ورعا مهيبا، لا تأخذه في الله لومة لائم.
روى عنه أهل واسط، وكان معدودا في الأذكياء.
مات في المحرم سنة ثمان وعشرين، وعليه تفقه فقيه الشام أبو
سعد بن أبي عصرون (2).
وفيها توفي القدوة الزاهد أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي،
وأحمد بن علي بن حسن بن سلمويه الصوفي بنيسابور، والطبيب
الفيلسوف أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني (3)، وأبو الحسين
سليمان بن محمد بن الطراوة نحوي زمانه، وأبو الحسن علي بن أحمد بن
خلف بن الباذش المقرئ، وأبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي.
356 - ابن قبليل *
شيخ المالكية، أبو جعفر أحمد بن عمر بن خلف بن قبليل (4)
الهمداني الغرناطي الفقيه.

(1) في تاريخ المؤلف: ولازم الإفادة بواسط.
(2) وفي سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي: 47 - 48: وسألته عن أبي علي
ابن برهون قاضي واسط، فقال: متقدم في الفقه من أصحاب الشيخين أبي إسحاق
الشيرازي، وأبي نصر الصباغ، قضى بواسط بعد أبي تغلب، فظهر من عقله وعدله وحسن
سيرته ما زاد على الظن، وسمع الخطيب، وابن النقور، والصريفيني، وابن حمدويه، وابن
الغريق، وأصوله حسنة، وسماعاته صحيحة.
(3) سترد ترجمته برقم (375). * بغية الملتمس: 184، تكملة الصلة: 1 / 135، تاريخ الاسلام، 4:
270 / 2، الديباج المذهب: 1 / 220.
(4) في بغية الملتمس: قبلال.
609

تحمل عن محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني الحافظ،
وأصبغ بن محمد.
حدث عنه: أبو عبد الله بن عبد الرحيم، وأبو خالد بن رفاعة،
وأبو جعفر بن الباذش، وأبو القاسم بن بشكوال.
قال أبو عبد الله الأبار: دارت عليه الفتيا، وكان من جلة الفقهاء
المشاورين.
توفي في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمس مئة.
357 - ابن الرطبي *
العلامة المفتي، أبو العباس أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد
الكرخي الشافعي ابن الرطبي (1)، أحد أذكياء العصر.
روى عن أبي القاسم بن البسري وجماعة، وتفقه بالشيخ أبي
إسحاق، وبابن الصباغ، ولازم أبا بكر الشاشي، ومضى إلى أصبهان،
وجالس محمد بن ثابت الخجندي، وبرع وساد، وولي قضاء الحريم
والحسبة، وأدب أولاد الخليفة، وكان من رجال العالم عقلا وسمتا
ووقارا.

* تبيين كذب المفتري: 321 - 332، المنتظم: 10 / 31، الكامل في التاريخ:
11 / 9، تاريخ الاسلام: 4: 273 / 2، العبر 4 / 71، المشتبه: 1 / 319، وذكره
المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1288، الوافي بالوفيات: 6 / 396 - 397، مرآة الزمان:
8 / 89، مرآة الجنان: 3 / 252، طبقات السبكي: 6 / 18 - 19، طبقات الأسنوي:
1 / 585 - 586، البداية: 12 / 205، تبصير المنتبه: 2 / 629.
(1) ضبطه - كما في الأصل - غير واحد من الأئمة، بضم الراء، وفتح الطاء، وأخطأ
محققا طبقات السبكي فضبطاه بفتح الراء.
610

روى عنه ابن عساكر، ويحيى بن ثابت البقال، ويحيى بن بوش،
وكان بصيرا بالكلام، وبه تأدب الراشد بالله، وكان رأسا في المذهب.
توفي سنة سبع وعشرين وخمس مئة في أول رجب ببغداد.
358 - ابن الفتى *
العلامة، مدرس النظامية، أبو علي الحسن بن سلمان بن عبد الله
أبي طالب بن محمد النهرواني، ثم الأصبهاني.
سمع من الرئيس أبي عبد الله الثقفي.
روى عنه أبو المعمر الأنصاري وغيره، وكان واعظا باهرا متضلعا
من الفقه والكلام، وافر الجلالة.
قال أبو المعمر: لم تر عيناي مثله.
وقال ابن عساكر في " طبقات الأشعرية ": كان ممن يملا العين
جمالا، والاذن بيانا، ويربي على أقرانه في النظر، لأنه كان أفصحهم
لسانا، تفقه بأبي بكر محمد بن ثابت الخجندي مدرس نظامية أصبهان.
قيل: إنه سئل: ما علامة قبول صوم رمضان؟ قال: أن يموت في
شوال قبل التلبس بردئ الأعمال، فمات في سادس شوال سنة خمس
وعشرين وخمس مئة، وأظهر عليه أهل بغداد من الجزع ما لم يعهد
مثله (1).

* تبيين كذب المفتري: 318 - 320، المنتظم: 10 / 22، الكامل في التاريخ:
10 / 670 - 671، تاريخ الاسلام: 4: 265 / 2.
(1) " تبيين كذب المفتري ": ص 319 - 320. وفيه: ودفن بتربة الشيخ أبي إسحاق
611

قلت: وروى عنه ابن عساكر (1).
وقال ابن الجوزي: وعظ بجامع القصر، وكان يقول: أنا في
الوعظ مبتدئ، أنشأ خطبا كان يوردها، وينظم فيها مذهب الأشعري
فنفقت، ومال على المحدثين والحنابلة، فاستلب عاجلا (2).
قلت: توفي كهلا، وكان أبوه (3) أبو عبد الله رأسا في اللغة
والنحو، له كتاب " القانون " عشر مجلدات في اللغة، وفسر القرآن،
وألف في علل القراءات، أخذ عن ابن برهان، وحدث عن ابن غيلان،
وتخرج به أدباء أصبهان، وروى عنه السلفي، مات سنة ثلاث وتسعين
وأربع مئة، تأدب به أولاد نظام الملك. وقد شاخ.
359 - دبيس *
صاحب الحلة (4)، الملك نور الدولة أبو الأعز دبيس بن الملك

(1) في " المشيخة ": 44 / 1 - 2.
(2) المنتظم: 10 / 22.
(3) له ترجمة في: الوافي بالوفيات: 13 م / 106 - 107، ومعجم الأدباء:
11 / 251 - 253، وإنباه الرواة: 2 / 26 - 28، ومرآة الجنان: 3 / 156، وطبقات
المفسرين للسيوطي: 13، وكشف الظنون: 163، وروضات الجنات: 322، وبغية
الوعاة: 1 / 595، وطبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 355، وتلخيص ابن مكتوم: 75،
وشذرات الذهب: 3 / 399، وطبقات المفسرين للداوودي: 1 / 192 - 193. * المنتظم: 10 / 52 - 53، تاريخ آل سلجوق: 178، الشريشي 2 / 218، الكامل
في التاريخ 11 / 30، وفيات الأعيان: 2 / 263، تاريخ الاسلام: 4: 281 / 2 - 282 / 1،
العبر: 4 / 78، تتمة المختصر: 2 / 51 و 58، 63، مرآة الزمان: 8 / 94، البداية:
12 / 202 و 209، تاريخ ابن خلدون: 4 / 285، النجوم الزاهرة: 5 / 256، شذرات
الذهب: 4 / 90 - 91.
(4) قال ياقوت: هي حلة بني مزيد: مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تمسى
الجامعين. وقال صاحب الروض المعطار: 197 هي مدينة كبيرة منيفة على شط الفرات يتصل
بها من جانبها الشرقي، وتمتد بطوله.
612

سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي.
كان أديبا جوادا ممدحا، من نجباء العرب، ترامت به الاسفار إلى
الأطراف، وجال في خراسان، واستولى على كثير من بلاد العراق،
وخيف من سطوته، وحارب المسترشد بالله، ثم فر من الحلة إلى
صاحب ماردين نجم الدين، وصاهره، وصار إلى الشام، وأمرها في
شدة من الفرنج، ثم رد إلى العراق، وجرت له هناة، ففر إلى سنجر
صاحب خراسان، فأقبل عليه، ثم أمسكه من أجل الخليفة مدة، ثم
أطلقه، فلحق بالسلطان مسعود، فقتله غدرا بمراغة في ذي الحجة سنة
تسع وعشرين، وأراح الله الأمة منه، فقد نهب وأرجف، وفعل
العظائم، ولما هرب في خواصه، قصد مري بن ربيعة أمير عرب
الشام، فهلكوا في البرية من العطش، ومات عدة من مماليكه، فحصل
في حلة مكتوم بن حسان، فبادر إلى متولي دمشق تاج الملوك، فأخبره
به، فبعث خليلا، فأحضروه إلى دمشق، فاعتقله مكرما، ثم أطلقه
للأتابك زنكي ليطلق من أسره ولده سونج بن تاج الملوك، وكان دبيس
شيعيا كآبائه، وله نظم جيد.
وأما أخوه:
360 - تاج الملوك *
سيف الدولة بدران، فشاعر محسن، تحول بعد موت أبيه إلى
مصر، فأقبلوا عليه مدة، ثم نفي إلى حلب. مات بعد دبيس بسنة،
وسيرة دبيس وأقاربه تحتمل أن تعمل في مجيليد.

* خريدة القصر، وفيات الأعيان: 2 / 264 ذكره في ترجمة أخيه، تاريخ الاسلام: 4:
285 / 2 - 286 / 2، النجوم الزاهرة: 5 / 260.
613

361 - ابن الحاج *
شيخ الأندلس ومفتيها، وقاضي الجماعة، أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن خلف بن إبراهيم بن لب التجيبي القرطبي المالكي ابن الحاج.
تفقه بأبي جعفر بن رزق، وتأدب بأبي مروان بن سراج، وسمع
الكثير من أبي علي الغساني، ومحمد بن الفرج، وخازم بن محمد،
وعدة.
قال ابن بشكوال: كان من جلة العلماء، معدودا في المحدثين
والأدباء، بصيرا بالفتوى، كانت الفتوى تدور عليه لمعرفته ودينه وثقته،
وكان معتنيا بالآثار، جامعا لها، ضابطا لأسماء رجالها ورواتها، مقيدا
لمعانيها وغريبها، ذاكرا للأنساب واللغة والنحو.
إلى أن قال: قيد العلم عمره كله، ما أعلم أحدا في وقته عني
بالعلم كعنايته، سمعت منه، وكان لينا حليما متواضعا، لم يحفظ له
جور في قضية، وكان كثير الخشوع والذكر، قتل ظلما يوم الجمعة،
وهو ساجد، في صفر سنة تسع وعشرين وخمس مئة، وله إحدى
وسبعون سنة (1).
قلت: روى عنه أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن عميرة، وأحمد
ابن يوسف بن رشد، وابن بشكوال، وولده أبو القاسم محمد بن

* الصلة: 2 / 580 - 581، تاريخ الاسلام: 4: 284 / 1، العبر: 4 / 79، أزهار
الرياض: 3 / 61، شذرات الذهب: 4 / 93 - 94، الغنية: 117 - 122.
(1) الصلة: 2 / 580.
614

الحاج، وعبد الله بن مغيث قاضي الجماعة، وعبد الله بن خلف
الفهري، وأبو بكر بن طلحة المحاربي، وأبو الحسن بن النعمة، وهو
من أجداد شيخنا أبي الوليد إمام المالكية بدمشق.
362 - الفراوي *
الشيخ الامام، الفقيه المفتي، مسند خراسان، فقيه الحرم، أبو
عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس الصاعدي
الفراوي (1)، النيسابوري الشافعي.
ولد في سنة إحدى وأربعين وأربع مئة تقديرا، لان شيخ الاسلام
أبا عثمان الصابوني أجاز له فيها.
وسمع " صحيح مسلم " من أبي الحسين عبد الغافر بن محمد

* تبيين كذب المفتري: 322، المنتظم: 10 / 65، معجم البلدان: 4 / 245،
الكامل في التاريخ: 11 / 46، طبقات ابن الصلاح: 20 / 1، وفيات الأعيان: 4 / 290 -
291، تاريخ الاسلام: 4: 289 / 1 - 290 / 1، دول الاسلام: 2 / 52، العبر:
4 / 83، الوافي بالوفيات: 4 / 423، مرآة الزمان: 8 / 97 - 98، طبقات السبكي:
6 / 166 - 170، طبقات الأسنوي: 2 / 276، البداية والنهاية: 12 / 211، وفيات ابن
قنفذ: 276، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 352، شذرات الذهب: 96،
إيضاح المكنون: 2 / 429، هدية العارفين: 2 / 87، مجمع الآداب: 4 / 3 / 484 -
485.
(1) بظم الفاء كما في الأصل، والأنساب، واللباب، ولب اللباب، ووفيات
الأعيان، وضبطها ياقوت بالفتح، وكذا المؤلف في " المشتبه ": 500، قال ابن ناصر
الدين في " توضيح المشتبه ": 2 / 193: جزم بالضم ابن السمعاني وغيره، وبالفتح
آخرون، وهو الأكثر فيما ذكره الصدر الحسن بن محمد البكري، وفي " تبصير المنتبه ":
3 / 1100: اختلف في ضم الفاء وفتحها، قال ابن نقطة: الفتح أكثر وأشهر.
وهذه النسبة إلى فراوة: بلدة في طرف خراسان مما يلي خوارزم بناها عبد الله بن طاهر
في خلافة المأمون، وهو يومئذ أمير خراسان.
615

الفارسي، وسمع جزء ابن نجيد من عمر بن مسرور الزاهد، وسمع من
أبي عثمان الصابوني أيضا، ومن أبي سعد الكنجروذي، والحافظ أبي
بكر البيهقي، ومحمد بن علي الخبازي، وأبي يعلى إسحاق الصابوني،
وأحمد بن منصور المغربي، وعبد الله بن محمد الطوسي، وأحمد بن
الحسن الأزهري، وأبي القاسم القشيري، وأبي سعيد محمد بن علي
الخشاب، ومحمد بن عبد الله بن عمر العدوي الهروي، وعبد الرحمن
ابن علي التاجر، ونصر بن علي الطوسي الحاكم، وعلي بن يوسف
الجويني، وإسماعيل بن مسعدة بن الإسماعيلي، وإسماعيل بن زاهر،
وأبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، وإمام الحرمين أبي المعالي،
وأبي الوليد الحسن بن محمد البلخي، والقاضي محمد بن عبد الرحمن
النسوي، والأمير مظفر بن محمد الميكالي، وعلي بن محمد بن جعفر
اللحساني.
وسمع " صحيح البخاري " من سعيد بن أبي سعيد العيار، وأبي
سهل الحفصي.
وسمع أيضا من أبي عثمان البحيري، والشيخ أبي إسحاق
الشيرازي، وطائفة، وببغداد من أبي نصر الزينبي، وتفرد بصحيح
مسلم، وبالأسماء والصفات، ودلائل النبوة، والدعوات الكبير،
وبالبعث للبيهقي. قاله السمعاني، وقال: هو إمام مفت، مناظر واعظ،
حسن لأخلاق والمعاشرة، ومكرم للغرباء، ما رأيت في شيوخي مثله،
وكان جوادا كثير التبسم.
قلت: روى عنه أبو سعد السمعاني، ويوسف بن آدم، وأبو العلاء
616

العطار، وأبو القاسم بن عساكر (1)، وأبو الحسن المرادي، وابن ياسر
الجياني، وأبو الخير القزويني، وابن صدقة الحراني، وأبو سعد بن
الصفار، وعبد السلام بن عبد الرحمن الأكاف، وعبد الرحيم بن عبد
الرحمن الشعري، ومنصور بن عبد المنعم الفراوي، وأبو الفتوح محمد
ابن المطهر الفاطمي، وأبو المفاخر سعيد بن المأموني، والمؤيد بن محمد
الطوسي، وعدة.
وبالإجازة القاضي أبو القاسم بن الحرستاني، وغيره.
ذكره عبد الغافر في " سياقه "، فقال: فقيه الحرم، البارع في
الفقه والأصول، الحافظ للقواعد، نشأ بين الصوفية، ووصل إليه بركة
أنفاسهم، درس الأصول والتفسير على زين الاسلام القشيري، ثم
اختلف إلى مجلس أبي المعالي، ولازم درسه ما عاش، وتفقه، وعلق
عنه الأصول، وصار من جملة المذكورين من أصحابه، وحج، وعقد
المجلس ببغداد وسائر البلاد، وأظهر العلم بالحرمين، وكان منه بهما أثر
وذكر، وما تعدى حد العلماء وسيرة الصالحين من التواضع والتبذل في
الملبس والعيش، وتستر بكتابة الشروط لاتصاله بالزمرة الشحامية
مصاهرة، ودرس بالمدرسة الناصحية، وأم بمسجد المطرز، وعقد به
مجلس الاملاء في الأسبوع يوم الأحد، وله مجالس الوعظ المشحونة
بالفوائد والمبالغة في النصح، حدث ب‍ " الصحيحين " و " غريب
الحديث " للخطابي، والله يزيد في مدته ويفسح في مهلته، إمتاعا
للمسلمين بفائدته.

(1) مشيخة ابن عساكر: 205 / 2.
617

قال السمعاني: سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري بمرو يقول:
الفراوي ألف راوي.
وحكى والده الفضل بن أحمد بن الأمير أبي الحسن السمحوري
أنه رأى في سنة ثلاث وخمسين النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لابني محمد: قد
جعلتك نائبي في عقد المجلس.
قال ابن عساكر: إلى الفراوي كانت رحلتي الثانية، وكان يقصد
من النواحي لما اجتمع فيه من علو الاسناد، ووفور العلم، وصحة
الاعتقاد، وحسن الخلق، والاقبال بكليته على الطالب (1).
قال السمعاني: وسمعت الفراوي يقول: كنا نسمع مسند أبي
عوانة على القشيري، وكان يحضر رئيس يجلس بجنب الشيخ، فغاب
يوما، وكان الشيخ يجلس وعليه قميص أسود خشن، وعمامة صغيرة،
وكنت أظن أن السماع على ذلك المحتشم، فشرع أبي في القراءة،
فقلت: على من تقرأ والشخ ما حضر؟ فقال: وكأنك تظن أن شيخك
ذلك الشخص؟ قلت: نعم، فضاق صدره واسترجع، وقال: يا بني
شيخك هذا القاعد، ثم أعاد لي من أول الكتاب.
ثم قال السمعاني: سمعت عبد الرزاق بن أبي نصر الطبسي يقول:
قرأت صحيح مسلم على الفراوي سبع عشرة نوبة، وقال: أوصيك أن
تحضر غسلي، وأن تصلي علي في الدار، وأن تدخل لسانك في في،

(1) " تبيين كذب المفتري ": ص: 324 - 325، وتمام كلامه: فأقمت في صحبته
سنة كاملة، وغنمت من مسموعاته فوائد حسنة طائلة، وكان مكرما لموردي عليه، عرافا بحق
قصدي إليه.
618

فإنك قرأت به كثيرا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
قال السمعاني: فصلي عليه بكرة، وما وصلوا به إلى المقبرة إلى
بعد الظهر من الزحام، وأذكر أنا كنا في رمضان سنة ثلاثين وخمس مئة،
فحملنا محفته على رقابنا إلى قبر مسلم لاتمام الصحيح، فلما فرغ
القارئ من الكتاب، بكى الشيخ، ودعا وأبكى الحاضرين، وقال:
لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا، فتوفي رحمه الله في الحادي
والعشرين من شوال، ودفن عند إمام الأئمة ابن خزيمة. قال: وقد
أملى أكثر من ألف مجلس.
قلت: وخرجوا له أحاديث سداسية سمعناها، ومئة حديث عوالي
عند أصحاب ابن عبد الدائم، وله أربعون المساواة وغير ذلك.
363 - ابن آسه *
الامام العالم، أبو محمد علي بن عبد القاهر بن آسه، واسمه
الخضر بن علي المراتبي الفرضي، تلميذ أبي حكيم الخبري.
سمع من عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي
بالله، وابن النقور، وألف في الفرائض، وكان خيرا صالحا.
روى عنه هبة الله بن الحسن السبط، وطائفة.
عاش خمسا وثمانين سنة.
توفي في ربيع الأول سنة ثلاثين وخمس مئة، رحمه الله.

(1) طبقات السبكي: 6 / 169، وعلق على الخبر بقوله: أملى الفراوي أكثر من ألف
مجلس، وانفرد بعلو الاسناد مع البصر بالعلم والديانة المتينة. * تاريخ الاسلام: 4: 288 / 1.
619

364 - الخلال *
الشيخ الامام الصدوق، مسند أصبهان، شيخ العربية، بقية
السلف، أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين بن محمد بن
علي الأصبهاني الخلال، الأثري الأديب.
ولد في صفر سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
وسمع أحمد بن محمود الثقفي، وإبراهيم بن منصور سبط
بحرويه، وعبد الرزاق بن شمة، وأبا الفضل عبد الرحمن بن أحمد
الرازي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن الفضل الباطرقاني،
وعبد الرحمن بن مندة، وأخويه عبد الوهاب وعبيد الله، وخلقا كثيرا.
وسمع ببغداد في الكهولة من أبي القاسم بن بيان، وطائفة.
حدث عنه: السلفي، والسمعاني، وابن عساكر (1)، والمديني،
ومعمر، وبنوه، وأبو المجد زاهر بن أحمد، وأبو نجيح فضل الله بن
عثمان، والمؤيد بن الاخوة، ومحمود بن أحمد المضري، وتقية بنت
أموسان، وخلق سواهم.
قال السمعاني: رأيته بعد أن كبر وأضر، وكان حسن المعاشرة
والمحاورة، بساما كثير المحفوظ، قرأ عليه ابن ناصر ببغداد " صحيح
البخاري "، وكان عزيز النفس قانعا، لا يقبل من أحد شيئا مع فقره،

* ذكره السمعاني في التحبير: 1 / 131 في ترجمة ابن عمه، تاريخ دمشق: م
1 / 75، وما بعدها، دول الاسلام: 2 / 53، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ:
4 / 1277، بغية الوعاة: 1 / 536.
(1) مشيخة ابن عساكر: 52 / 1.
620

خرج له محمد بن أبي نصر اللفتواني معجما في أكثر من عشرة أجزاء،
توفي في حادي عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة،
وكان يلقب بالأثري.
قال ابن النجار: لم يحدثنا عنه من بلده إلا داود بن سليمان بن
نظام الملك، وكان من الأدباء الفضلاء، سمع الكثير.
365 - اليونارتي *
الشيخ الامام، المفيد الحافظ، أبو نصر الحسن بن محمد بن
إبراهيم بن أحمد بن علي اليونارتي (1) الأصبهاني، ويونارت: قرية على
باب أصبهان.
ولد سنة ست وستين وأربع مئة.
وسمع أبا بكر بن ماجة، وأبا منصور بن شكرويه، وعدة، ولم
يلحق أبا عمرو بن منده، وارتحل فأكثر عن أبي بكر بن خلف وطبقته
بنيسابور، ولقي أبا عامر الأزدي بهراة، ولقي ببلخ أبا القاسم أحمد بن
محمد الخليلي، وببغداد أحمد بن عبد القادر اليوسفي، وابن العلاف.
روت عنه فاطمة بنت سعد الخير جزءا مشهورا به.

* الأنساب: الورقة / 603 أ، المنتظم: 10 / 32، معجم البلدان: 5 / 453،
اللباب: 3 / 421، تاريخ الاسلام: 4: 274 / 1، العبر: 4 / 71 - 72، تذكرة الحفاظ:
4 / 1286 - 1288، الوافي بالوفيات: 12 / 215، البداية والنهاية: 12 / 205، طبقات
الحفاظ: 465، شذرات الذهب: 4 / 80.
(1) تحرف في " المنتظم ": 10 / 32 إلى " التورتاني "، وفي " البداية ": 12 / 205
إلى " البورباري ".
621

وقال السمعاني: قال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: ما كان له
كبير معرفة، غير أنه كان نظيف الاجزاء.
وقال يحيى بن منده: كان حافظا لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأطراف
من الأدب والنحو، حسن الخلق، شجاعا، سمعنا منه " طبقات السمرقنديين "
للإدريسي.
قلت: توفي في شوال سنة سبع وعشرين وخمس مئة عن نيف
وستين سنة، رحمه الله.
366 - الصيرفي *
الشيخ الصالح، العالم الثقة، بقية المشايخ، أبو الفرج سعيد بن أبي
الرجاء محمد بن أبي منصور بكر بن أبي الفتح بن بكر بن حجاج
الأصبهاني الصيرفي، السمسار في العقار.
ولد في حدود عام أربعين وأربع مئة.
وسمع من أحمد بن محمد بن النعمان الصائغ مسند العدني (1) في
سنة ست وأربعين، وسمع مسند أحمد بن منيع من عبد الواحد بن أحمد
المعلم، وسمع من ابن النعمان، ومن سبط بحرويه مسند أبي يعلى (2)
ملفقا، وسمع من منصور بن الحسين التأني، وأحمد بن الفضل

* دول الاسلام: 2 / 53، العبر: 4 / 87، شذرات الذهب: 4 / 99.
(1) هو الحافظ المسند أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني المكي
المتوفي سنة 243 ه‍ من رجال " التهذيب " تقدمت ترجمته في الجزء الثاني عشر برقم 622.
(2) مسند أبي يعلى الذي عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه كبير جدا
بخلاف رواية أبي عمر بن حمدان عنه، فإنه مختصر كما في " السير " 14 / 180 وعندنا نسخة من
رواية ابن حمدان يسر الله نشرها.
622

الباطرقاني، وأبي المظفر بن شبيب، وأبي نصر إبراهيم بن محمد
الكسائي، وأحمد بن محمد بن هاموشة، وأبي مسلم محمد بن علي بن
مهربزد، وسعيد العيار، وبني منده، وخلق.
حدث عنه السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى، والسمعاني،
وأبو الخير عبد الرحيم بن موسى، ومحمد بن أبي القاسم بن فضل،
ومحمود بن أحمد الثقفي، ومحفوظ بن أحمد الثقفي، وأبو المجد زاهر
ابن أحمد، وأبو مسلم بن الاخوة، وعائشة بنت معمر، وعين الشمس
بنت سليم، وزليخا بنت أبي حفص الغضائري، وآخرون، وكان عبد
الرحيم بن الاخوة يقول: حدثنا سعيد بن أبي الرجاء الدوري، لأنه كان
يسمسر في الدور.
وقال إسماعيل بن محمد التيمي لا بأس به، كثير السماع.
وقال السمعاني: شيخ صالح مكثر، صحيح السماع، سمعه
خاله، وطال عمره، وكان حريصا على الرواية، سمعت منه الكثير،
وقال لي: رويت ببغداد جزءا واحدا، مات في تاسع عشر صفر سنة اثنتين
وثلاثين وخمس مئة.
قلت: خاله هو المحدث محمد بن أحمد الخلال.
367 - ابن القشيري *
عبد المنعم، الشيخ الامام، المسند المعمر، أبو المظفر بن

* الأنساب: 10 / 156، المنتظم: 10 / 75، التقييد: الورقة: 162 أ، العبر:
4 / 88، طبقات السبكي: 7 / 192 - 193، طبقات الأسنوي: 2 / 318 - 319، البداية
والنهاية: 12 / 213، شذرات الذهب: 4 / 99.
623

الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري.
ولد سنة خمس وأربعين وأربع مئة.
وسمع مسند أبي يعلى من أبي سعد محمد بن عبد الرحمن
الكنجروذي، وسمع مسند أبي عوانة والده، وسمع من أبي عثمان
سعيد بن محمد البحيري، والحافظ أبي بكر البيهقي، والحسن بن
محمد الدربندي، وأحمد بن منصور بن خلف المغربي، وبمكة من أبي
علي الشافعي، وأبي القاسم الزنجاني، وببغداد من أبي الحسين بن
النقور، وعبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبي القاسم يوسف المهرواني،
وحدث ببغداد، وغيرها.
حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح بن عبد السلام،
وأبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وعبد الرحيم بن أبي القاسم
الشعري، وأخته زينب الشعرية وآخرون.
قال السمعاني: شيخ ظريف، مستور الحال، سليم الجانب،
غير مداخل للأمور، رباه أخوه أبو نصر، وحج معه، وخرج ثانيا، فأقام
ببغداد، ومضى إلى كرمان، سمعت منه مسند أبي عوانة، وأحاديث
السراج مجلدة، والرسالة لأبيه، وكان حسن الاصغاء لما يقرأ عليه، كان
ابن عساكر يفضله في ذلك على الفراوي.
وقال عبد الغافر: خرج له أخوه أبو نصر فوائد.
وقال ابن النجار: لزم البيت، واشتغل بالعبادة، وكتابة
المصاحف، وكان لطيف المعاشرة، ظريفا كريما، خرج له أخوه فوائد.
624

عشرة أجزاء، مات بين العيدين سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، رحمه
الله.
368 - بنت زعبل *
الشيخة العالمة، المقرئة الصالحة المعمرة، مسندة نيسابور، أم
الخير فاطمة بنت علي بن مظفر بن الحسن بن زعبل بن عجلان
البغدادي، ثم النيسابورية.
ولدت في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.
وسمعت من أبي الحسين عبد الغافر الفارسي، فكانت آخر من
حدث عنه.
قال أبو سعد السمعاني: امرأة صالحة عالمة، تعلم الجواري
القرآن، سمعت من عبد الغافر جميع " صحيح مسلم "، و " غريب الحديث "
للخطابي، وغير ذلك.
قلت: حدث عنها أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم بن عساكر،
والمؤيد بن محمد، وزينب الشعرية، وجماعة.
توفيت في أوائل المحرم سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.
وقيل: توفيت في سنة ثلاث وثلاثين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، عن المؤيد بن محمد
الطوسي، وزينب بنت أبي القاسم أن فاطمة بنت الحسن العجلانية

* التحبير: 2 / 430 - 431، الأنساب: 6 / 279، اللباب: 2 / 68، العبر:
4 / 89، المشتبه: 1 / 312، مرآة الجنان: 3 / 260، شذرات الذهب: 4 / 100.
625

أخبرتهم في سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة قالت: أخبرنا عبد الغافر بن
محمد الفارسي في المحرم سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، أخبرنا أبو
عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد،
وسليمان بن أيوب صاحب البصري، وأبو كامل قالوا: حدثنا أبو عوانة،
عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقبل
الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول " رواه النسائي (1) عن قتيبة،
فوافقناه.
369 - ابن المؤذن *
الامام الفقيه الأوحد، أبو سعد إسماعيل بن الحافظ المؤذن أبي
صالح أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الواعظ، المشهور
بالكرماني، لسكناه بها.
قال أبو سعد السمعاني: كان ذا رأي وعقل وعلم، برع في

(1) 1 / 87، 88 في الطهارة: باب فرض الوضوء، وأخرجه مسلم (224) في
الطهارة: باب وجوب الطهارة للصلاة من طريق سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، وأبي
كامل الجحدري، ثلاثتهم عن أبي عوانة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن
ابن عمر. والطهور بضم الطاء: فعل التطهير، والغلول بضم الغين: أصله الخيانة في
خفية، والمراد مطلق الخيانة والحرام. * التحبير: 1 / 80 - 82، المختار من ذيل تاريخ بغداد للسمعاني: الورقة /
140، مشيخة ابن عساكر: 26 / 2، تبيين كذب المفتري: 325 - 326، المنتظم:
10 / 74، مشيخة ابن الجوزي: 109 - 110، المنتخب: الورقة / 44 ب - 45 أ،
طبقات ابن الصلاح: الورقة: 43 / أ، طبقات النووي: الورقة / 69، العبر: 4 / 87،
تذكرة الحفاظ: 4 / 1277، طبقات السبكي: 7 / 44، طبقات الأسنوي: 2 / 409،
شذرات الذهب: 4 / 99.
626

الفقه، وكان له عز ووجاهة عند الملوك.
تفقه على أبي المعالي الجويني، وأبي المظفر السمعاني، وأسمعه
أبوه من طائفة.
ولد سنة إحدى وخمسين أو اثنتين وخمسين وأربع مئة.
سمع أباه، وأبا حامد أحمد بن الحسن الأزهري، وأحمد بن
منصور المغربي، والحاكم أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، وبكر بن
محمد بن حيد، وشجاع بن طاهر، وشبيب بن أحمد البستيغي (1)،
وصاعد بن منصور الأزدي، والأستاذ أبا القاسم القشيري، وأبا سهل
الحفصي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وعدة.
وله إجازة من أبي سعد الكنجروذي.
حدث عنه ابن طاهر في " معجمه "، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو
موسى المديني، والقاضي أبو سعد بن أبي عصرون، وعبد الخالق بن
الصابوني، وهبة الله بن الحسن السبط، وعلي بن فاذشاه، وعبد الواحد
ابن أبي المطهر الصيدلاني، وأبو الفرج بن الجوزي، وآخرون، وعمل

(1) البستيغي: بفتح الباء، وسكون السين، وكسر التاء، وسكون الياء، وبعدها
الغين المعجمة: هذه النسبة إلى بستيغ، وهي قرية بسواد نيسابور، وشبيب هذا ولد سنة
ثلاث وتسعين وثلاث مئة، وقد ذكر أبو القاسم زاهر الشحامي - فيما قاله صاحب
" التوضيح ": 2 / الورقة 59 - أنه سمع منه، وأنه لم يكن يعرف بالحديث، وكان كراميا
مغاليا في معتقده، توفي سنة نيف وستين وأربع مئة، وفي " الاستدراك " لابن نقطة يروي
عن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفراييني، وأبي الحسن محمد بن الحسين بن داود
العلوي، قال عبد الغافر بن إسماعيل: توفي سنة نيف وستين وأربع مئة، وسماعه صحيح،
وهو شيخ صالح، مشتغل بكسبه.
627

الرسلية من ملك كرمان (1)، وقرأ " الارشاد " (1) على إمام الحرمين،
وكان وافر الجلالة، كامل الحشمة، مات ليلة الفطر سنة اثنتين وثلاثين
وخمس مئة بكرمان، وقع لنا ثمانية أجزاء من حديثه.
370 - عيسى بن محمد *
[ابن عبد الله] (3) بن عيسى بن مؤمل بن أبي البحر الشيخ العالم
المعمر أبو الإصبع الزهري الشنتريني.
سمع من كريمة، والحبال، وأبي معشر الطبري، وأبي الوليد
الباجي، وابن دلهاث، وعدة.
أخذ الناس عنه، وسكن العدوة.
قال ابن بشكوال (4): كتب لي القاضي أبو الفضل أنه توفي نحو سنة

(1) في " تبيين كذب المفتري ": ص: 326: وسكن كرمان إلى أن مات، وكان
وجيها عند سلطانها، معظما في أهلها، محترما بين العلماء في سائر البلاد.
وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 81: ثم سافر إلى كرمان، فوقع مورده موقعا حسنا
من الملك، وحظي بالقبول عند الصاحب مكرم بن العلاء، وظهر له العز، والجاه،
والثروة، والتجميل، وبقي عندهم مكرما مبجلا إلى حين وفاته، وقال ابن الجوزي في
" المنتظم ": 10 / 74: وكانت له قدم عند الملوك والسلاطين.
(2) قال ابن عساكر في " التبيين ": لقيته ببغداد سنة إحدى وعشرين وخمس مئة،
وسمعت منه، وسأله بعض البغداديين: هل قرأت كتاب الارشاد على الامام أبي المعالي؟
فقال: نعم، فاستأذنه في قراءته عليه، فأذن له، فشرع في قراءته على عادة أصحاب
الحديث، فلما قرأ منه نحو صفحة، قال له: إن هذا العلم لا يقرأ كما يقرأ الحديث
للرواية، وإنما يقرأ شيئا فشيئا للدراية، فإن أردت أن تقرأه كما قرأناه، وإلا فاتركه. * الصلة: 2 / 440 - 441 وفيه عيسى بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن مؤمل، الغنية:
249 - 252.
(3) زيادة من الصلة وتاريخ الاسلام.
(4) الصلة: 2 / 441.
628

ثلاثين وخمس مئة، وأنه أخذ عنه.
قلت: وروى عنه أبو بكر بن خير (1)، وقد روى ابن دحية عن ابن
خير عنه، عن كريمة من الصحيح.
371 - البآر *
الشيخ العالم، المحدث الرحال المكثر، أبو نصر إبراهيم بن
الفضل الأصبهاني البآر، ويلقب بدعلج، كان أبوه يحفر الآبار.
ولد سنة بضع وأربعين وأربع مئة.
وسمع من أبي الحسين بن النقور وطبقته ببغداد، ومن الفضل بن
عبد الله بن المحب وطبقته بنيسابور، ومن أبي القاسم عبد الرحمن بن
منده، وطائفة بأصبهان، ومن أبي إسماعيل الأنصاري وجماعة بهراة.
قال السمعاني: رحل، وسمع، ونسخ، وجمع، وما أظن أن
أحدا بعد ابن طاهر رحل وطوف مثله، أو جمع جمعه، إلا أن الادبار لحقه
في آخر الامر، وكان يقف في أسواق أصبهان، ويروي من حفظه بالاسناد،
وسمعت أنه يضع في الحال. قال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: اشكر
الله كيف ما لحقت البآر، وأساء الثناء عليه (2).

(1) هو أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الإشبيلي صاحب الفهرسة المتوفى سنة
575 ه‍. وسترد ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (34). * الأنساب: 2 / 27، اللباب: 1 / 106، تاريخ الاسلام: 4: 285 / 1 - 2،
العبر: 4 / 81 - 82، ميزان الاعتدال: 1 / 52 - 53، الوافي بالوفيات: 6 / 90 - 91،
لسان الميزان: 1 / 89، شذرات الذهب: 4 / 94 - 95.
(2) وفي " الأنساب ": 2 / 27: كان كذابا غير موثوق به، وسمعت أنه يضع
الحديث، ويركب المتون على الأسانيد، لما دخلت أصبهان، وجدت الألسنة كلها متفقة
على جرحه وطرحه.
629

قلت: روى عنه السلفي، ويحيى الثقفي، وداود بن نظام الملك،
وغيرهم.
قال السلفي: يسمى بدعلج، له معرفة، سمعنا بقراءته كثيرا،
وغيره أرضى منه.
وقال معمر بن الفاخر: رأيت إبراهيم البآر واقفا في السوق، وقد
روى أحاديث منكرة بأسانيد صحاح، فكنت أتأمله تأملا مفرطا، ظنا مني
أن الشيطان على صورته.
وقال ابن طاهر: حدثت الآباري عن مشايخ مكيين ومصريين،
فبعد أيام بلغني أنه حدث عنهم، فبلغت القصة إلى شيخ الاسلام
الأنصاري (1)، فسأله عن لقي هؤلاء بحضرتي، فقال: سمعت مع
هذا، قلت: ما رأيتك قط إلا ها هنا، قال له الشيخ: أحججت؟
قال: نعم، قال: فما علامات عرفات؟ قال: دخلناها بالليل، قال:
يجوز، فما علامة منى؟ قال: كنا بها بالليل، فقال: ثلاثة أيام وثلاث
ليل لم يصبح لكم الصبح؟! لا بارك الله فيك، وأمر بإخراجه من
البلد، وقال: هذا دجال، ثم انكشف أمره حتى صار آية في
الكذب (2).

(1) هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي المتوفى سنة 481 ه‍
صاحب كتاب " منازل السائرين " وغير من المؤلفات. له ترجمة في الجزء 18 من هذا
الكتاب برقم (260).
(2) وفي " لسان الميزان ": 1 / 90 نقلا عن ابن النجار: وكان يكذب لنفسه ولغيره
في الإجازات حتى كان له جزء استدعى إجازات كل حين يلحق فيه أسماء أقوام من أهل
الثروة، ويكتب لهم عن أولئك المشايخ أحاديث تقرأ عليهم، ويحدثهم بها، فقال لي أبو
محمد السمرقندي: قد عزمت على أن آخذ منه الجزء ولا أرده إليه، ففعل ذلك، فوجدته
ألحق على الهوامش أسماء جماعة لم يكن لهم ذكر في صدر الاستدعاء، فحبسه
السمرقندي، ولم يرده إليه، ثم ترك الاشتغال بالحديث، واشتغل بالكدية، وكشف قناع
الوقاحة حتى كان يدخل في التهاني والتعازي، ويروي الحديث، ويقنع منهم بالنزر اليسير.
630

قال ابن الفاخر: توفي في شوال سنة ثلاثين وخمس مئة.
وفيها مات صاحب الحلة تاج الملوك بدران بن صدقة الأسدي
المزيدي الشاعر (1)، وصاحب جعبر (2) بدران بن مالك بن سالم
العقيلي، وزين القضاة سلطان بن القاضي يحيى بن علي بن عبد العزيز
القرشي بدمشق، وعبد الله بن عيسى السرقسطي الذي حفظ " صحيح
البخاري " و " سنن أبي داود "، وعلي بن أحمد بن الموحد الوكيل ابن
البقشلام، وأبو الحسن بن قبيس المالكي، وأبو سهل محمد بن إبراهيم
ابن سعدويه الأصبهاني، والقدوة محمد بن حمويه الجويني (3)، والواعظ
أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب العامري، والفراوي، وابن أبي ذر
الصالحاني (4).
372 - المزرفي *
الامام، شيخ القراء، أبو بكر محمد بن الحسين بن علي

(1) تقدمت ترجمته برقم (360).
(2) جعبر: قلعة على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين. " معجم البلدان ":
2 / 142.
(3) تقدمت ترجمته برقم (347).
(4) تقدمت ترجمته برقم (334). * المنتظم: 10 / 33 - 34، مشيخة ابن الجوزي: 59 - 61. معجم البلدان: 5 / 121،
تاريخ الاسلام: 4: 276 / 1، العبر: 4 / 72 - 73، معرفة القراء الكبار: 1 / 391 - 392،
طبقات القراء: 2 / 131، والنجوم الزاهرة: 5 / 251، شذرات الذهب: 4 / 81 - 82.
وضبطت الميم في الأصل بالكسر، وهي في المشتبه كذلك بخط المصنف، وقد نص السمعاني
وابن نقطة وغيرهما على فتحها، وهي نسبة المرزقة قرية كبيرة بالقرب من بغداد على طريق الموصل.
631

البغدادي، ومزرفة، دون عكبرا.
ولد سنة تسع وثلاثين وأربع مئة.
وسمع أبا حفص بن المسلمة وطبقته، وتلا على أصحاب
الحمامي.
روى عنه ابن عساكر، وابن أبي عصرون، وأبو موسى المديني،
وابن الجوزي (1)، وأبو الفتح المندائي.
وكان ثقة متقنا.
توفي سنة سبع وعشرين وخمس مئة.
373 - العجلي *
شيخ الشافعية، القدوة الكبير، أبو سعد عثمان بن علي بن
شراف (2) المروزي البنجديهي العجلي - بفتحتين (3) - نسبة إلى نجارة
العجلة.
ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، ولازم القاضي حسينا، وبرع
في الفقه.

(1) وفي المنتظم: 10 / 34: وسمعت منه الحديث، وكان ثقة ثبتا عالما حسن
العقيدة. * التحبير: 1 / 549، الأنساب: 8 / 399، معجم البلدان: 5 / 106، تاريخ
الاسلام: 4: 272 / 1، طبقات السبكي: 7 / 208 - 209، طبقات الأسنوي: 2 / 213.
(2) شراف في الأصل بتشديد الراء، وضبطه السبكي في " الطبقات " بالتخفيف.
(3) قال السمعاني في " الأنساب ": رأيتها مضبوطة بخط أبي بكر محمد بن ياسر
الجياني، فسألته عن هذا التقييد، فقال: جرى بيني وبينه كلام، فقال: هذه النسبة إلى
العجلة، وهي المنجنون الذي يدار على الثور والفرس، ولعل واحدا من أجداده كان يعمله.
632

وسمع من أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي، وسعيد بن أبي
سعيد العيار، والقاضي حسين، وجماعة.
أثنى عليه أبو سعد السمعاني ووصفه بالزهد والورع والإمامة، وأنه
كان لا يمكن أحدا من الغيبة عنده، وأنه مات ببنجديه (1) في شعبان سنة
ست وعشرين وخمس مئة.
374 - الميهني *
شيخ الشافعية، مجد الدين، أبو الفتح أسعد بن أبي نصر بن
الفضل القرشي العمري الميهني، صاحب التعليقة البديعة (2).
تفقه بمرو، وسار إلى غزنة وشاع فضله، وتخرج به الكبار،
ومدحه أبو إسحاق الغزي، ثم قدم بغداد، ودرس بالنظامية سنة سبع
وخمس مئة، ثم عزل بعد ست سنين، ثم وليها سنة سبع عشرة، ونشر
العلم.
تفقه على العلامة أبي المظفر السمعاني، والموفق الهروي، وكان
يتوقد ذكاء، وأخذ الأصول عن أبي عبد الله الفراوي، وسمع من
إسماعيل بن الحسن الفرائضي، ولم يرو.

(1) بنج بالفارسية: خمسة، ودية، قرية، فالمعنى خمس قرى وقد تقدم التعريف بها. * تبيين كذب المفتري: 320، المنتظم: 10 / 13، الكامل في التاريخ:
10 / 281، طبقات ابن الصلاح: الورقة / 41 ب، وفيات الأعيان: 1 / 207 - 208، تاريخ
الاسلام: 4: 273 / 2 - 274 / 1، دول الاسلام: 2 / 48، العبر: 4 / 71، تذكرة
الحفاظ: 4 / 1288، طبقات السبكي: 7 / 42 - 43، طبقات الأسنوي: 2 / 424 -
425، البداية والنهاية: 12 / 200 - 205، النجوم الزاهرة: 5 / 252، كشف الظنون:
1113، شذرات الذهب: 4 / 80، هدية العارفين: 1 / 204.
(2) قال ابن عساكر في " التبيين ": ص 320: ونسخ بتعليقته سائر التعاليق.
633

ونقل السمعاني أن فقيها سمع أسعد الميهني يلطم وجهه ويقول:
* (يا حسرتي (1) على ما فرطت في جنب (2) الله) * [الزمر: 56] وبكى،
وردد الآية، إلى أن مات بهمذان في سنة سبع وعشرين (3)، وكان قد نفذ
رسولا إلى سنجر بمرو، ورسولا إلى همذان، وخلف أموالا كثيرة،
وعبيدا. وعاش ستا وستين سنة، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في " تبيين
كذب المفتري " (4)، وميهنة: قريبة من طوس، صغيرة.
375 - ابن أبي الصلت *
العلامة الفيلسوف، الطبيب الشاعر المجود (5)، أبو الصلت أمية بن

(1) الألف في " يا حسرتا " هي ياء المتكلم، والمعنى: يا حسرتي على الإضافة،
قال الفراء في معاني القرآن: 2 / 421: والعرب تحول الياء إلى الألف في كل كلام معناه
الاستغاثة، يخرج على لفظ الدعاء.
(2) قال الراغب: أصل الجنب: الجارحة، ثم يستعار للناحية والجهة التي تليها
كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال، والمراد هنا الجهة مجازا،
والكلام على حذف مضاف، أي: في جنب طاعة الله أو في حقه تعالى، أي: ما يحق له
سبحانه ويلزم، وهو طاعته عز وجل... والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في
الطاعة نفسها، لان من ضيع جهة ضيع ما فيها بطريق الأولى الأبلغ. وانظر " زاد المسير ":
7 / 192 بتحقيقنا.
(3) أي: وخمس مئة، وعلى هذا جميع من ترجم له، وخالف ابن الجوزي وابن
الأثير، فأرخا وفاته سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
(4) ص: 320. * تاريخ الحكماء: 80، خريدة القصر: 1 / 223 - 343، معجم الأدباء:
7 / 52 - 70، الكامل في التاريخ: 11 / 18، تحفة القادم: 3، طبقات الأطباء: 501 -
514، المغرب: 1 / 256، وفيات الأعيان: 1 / 243 - 247، تاريخ الاسلام: 4:
277 / 1 - 2، العبر: 4 / 74، حسن المحاضرة: 1 / 539، نفح الطيب: 2 / 105،
شذرات الذهب: 4 / 83 - 85.
(5) انظر تآليفه في " وفيات الأعيان ": 1 / 247، و " معجم الأدباء ": 7 / 64، وقد
صنفها وهو في اعتقال الأفضل بمصر.
634

عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، صاحب الكتب.
ولد سنة ستين وأربع مئة.
وتنقل، وسكن الإسكندرية، ثم رد إلى الغرب، وأقبل عليه علي
ابن باديس، وكان رأسا في النجوم والوقت والموسيقى، عجبا في لعب
الشطرنج، رأسا في المنطق وهذيان الأوائل، سجنه صاحب مصر مدة (1)
لكونه غرق له سفينة موقرة صفرا، فقال له: أنا أرفعه، وعمد إلى حبال
دلاها من سفينة، ونزل البحرية، فربطوا السفينة، ثم استقيت
بدواليب، فارتفعت، ووصلت، لكن تقطعت الحبال، فوقعت،
فغضب الأمير عليه.
مات بالمهدية في آخر سنة ثمان وعشرين وخمس مئة (2).
376 - الاسلامي *
العلامة، شيخ الحنفية ببلخ، أبو الحسن علي بن أحمد بن

(1) انظر تفصيل الخبر في " طبقات الأطباء ": 2 / 52، قال المقري: سجنه ملك
مصر في خزانة الكتب، فخرج في فنون العلم إماما، وأمتن علومه الفلسفة، والطب،
والتلحين، وله في ذلك تواليف تشهد بفضله ومعرفته.
(2) ونظم أبياتا، وأوصى أن تكتب على قبره، وهي آخر شئ قاله وهي:
سكنتك يا دار الفناء مصدقا * بأني إلى دار البقاء أصير
وأعظم ما في الامر أني صائر * إلى عادل في الحكم ليس يجور
فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها * وزادي قليل والذنوب كثير
فإن أك مجزيا بذنبي فإنني * بشر عقاب المذنبين جدير
وإن يك عفو منه عني ورحمة * فثم نعيم دائم وسرور
وله ديوان شعر وقع للعماد الأصفهاني بدمشق، فانتخب منه الشئ الكثير، وأودعه في
" خريدة القصر ": 1 / 224 - 343. * التحبير: 1 / 561، تاريخ الاسلام: 4: 279 / 1، الجواهر المضية:
2 / 537، الطبقات السنية: رقم 1442.
635

علي السجزي، ثم البلخي الزاهد.
حدث عن سعيد العيار، ومنصور بن إسحاق الحافظ، وأبي علي
الوخشي.
سمع منه سنن أبي داود، وسمع من العيار " صحيح البخاري ".
أجاز لأبي سعد السمعاني (1)، وقال: مات سنة ثمان وعشرين
وخمس مئة.
بعونه تعالى وتوفيقه تم الجزء التاسع عشر من سير أعلام النبلاء
ويليه الجزء العشرون وأوله
ترجمة هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي

(1) ووصفه في " التحبير ": 1 / 561 بقوله: كان مقدم أصحاب أبي حنيفة ببلخ،
وعمر العمر الطويل حتى حدث بالكثير، وحمل عنه، وكان زاهدا عفيفا، حسن السيرة.
636

أسماء المترجم لهم على نسق حروف المعجم
رقم
الترجمة
الاسم
الصفحة
176 ابن الآبنوسي = عبد الله بن علي البغدادي 277
363 ابن آسه = علي بن عبد القاهر المراتبي 619
67 آقسنقر التركي = قسيم الدولة 129
295 آقسنقر = البرسقي 510
119 ابن الأبرص = عبد الخالق بن محمد 197
296 الأبيوردي = الفضل بن محمد 513
183 الأبيوردي = الفضل بن محمد العطار 292
182 الأبيوردي = محمد بن أحمد اللغوي 283
9 إبراهيم بن عثمان الجرجاني = الخلالي 16
371 إبراهيم بن الفضل الأصبهاني = البآر 629
82 إبراهيم بن مسعود = صاحب الهند 156
321 إبراهيم بن يحيى الكلبي = الغزي 554
64 أحمد = صاحب سمرقند 127
111 أحمد بن إبراهيم الرازي = ابن الحطاب 190
287 أحمد بن أحمد العباسي = المتوكلي 498
653

309 أحمد بن ثابت الأصبهاني = الطرقي 528
74 أحمد بن الحسن = الكرجي 144
60 أحمد بن الحسن البغدادي = ابن خيرون 105
352 أحمد بن الحسن الحنبلي = أبو غالب بن البناء 603
357 أحمد بن سلامة الشافعي = ابن الرطبي 610
313 أحمد بن عبدا لباقي = العطار 530
270 أحمد بن عبد الجبار البغدادي = أبو سعد بن الطيوري 467
58 أحمد بن عبد الرحمن = الذكواني 103
3 أحمد بن عبد الصمد = الغورجي 7
104 أحمد بن عبد الغفار الأصبهاني = ابن أشته 183
89 أحمد بن عبد القادر البغدادي = ابن يوسف 163
167 أحمد بن عبد الملك العجمي = ابن غطاش 267
114 أحمد بن عبد الله = السوذرجاني 193
312 أحمد بن عبد الله المراتبي = ابن رضوان 530
236 أحمد بن عبد الله = المستظهر بالله 396
177 أحمد بن عبد الله الآبنوسي 278
22 أحمد بن عبد الله = البكري القصاص 36
199 أحمد بن عبيد الله = المعير 313
324 أحمد بن عبيد الله العكبري = ابن كادش 558
256 أحمد بن عمر الغرناطي = ابن قبليل 609
311 أحمد بن عمر = القطائفي 529
221 أحمد بن الحلواني = ابن بدران 380
264 أحمد بن علي البغدادي = ابن برهان 456
87 أحمد بن علي = الطريثيثي 160
139 أحمد بن علي بن عبيد الله = ابن سوار 225
654

66 أحمد بن علي الدمشقي = ابن فرات 128
284 أحمد بن علي = الميداني 489
135 أحمد بن محمد الأصبهاني = ابن بشرويه 218
301 أحمد بن محمد المالكي = ابن منظور 518
136 أحمد بن محمد = البرداني 219
145 أحمد بن محمد = ابن زنجويه 236
172 أحمد بن محمد الهمداني = أبو غالب العدل 272
126 أحمد بن محمد = ابن مردويه 207
83 أحمد بن محمد = العبدي 156
4 أحمد بن محمد = الصاعدي 7
133 أحمد بن محمد الأصبهاني = أبو الفتح الحداد 216
187 أحمد بن محمد الخولاني 296
335 أحمد بن محمد الوراق = ابن ملوك 586
279 أحمد بن محمد الدمشقي = ابن الخياط 476
280 أحمد بن محمد البغدادي = ابن الخازن 482
41 أحمد بن محمد = الخليلي 73
149 أحمد بن المظفر = ابن سوسن 241
223 أحمديل = صاحب مراغة 383
84 ابن الأخرم = علي بن أحمد المديني 157
322 ابن الإخشيذ = إسماعيل بن الفضل التاجر 555
130 أرسلان أرغون بن ألب = صاحب خراسان 212
273 إسحاق بن محمد = النوحي 470
374 أسعد بن أبي نصر = الميهني 633
288 أسعد بن أحمد الأطرابلسي = ابن أبي روح 499
85 أسعد بن مسعود = العتيبي 158
655

100 أسعد بن موسى = مجد الملك 180
88 الأسفراييني = سهل بن بشر الصوفي 162
376 الاسلامي = علي بن أحمد السجزي 635
200 إسماعيل بن أحمد الخسروجردي = ابن البيهقي 313
369 إسماعيل بن أحمد الكرماني = ابن المؤذن 626
329 إسماعيل بن بوري = شمس الملوك 575
151 إسماعيل بن الحسن = السنجبستي 244
163 إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد = ابن الفارسي 262
173 إسماعيل بن عمرو = البحيري 272
322 إسماعيل بن الفضل الأصبهاني = ابن الإخشيذ 555
222 إسماعيل بن محمد الأصبهاني = ابن مله 381
81 إسماعيل بن محمد = القومساني 155
104 ابن أشته = أحمد بن عبد الغفار 183
250 الأشقر = محمود بن إسماعيل الصيرفي 428
197 ابن أصبغ = أصبغ بن محمد الأزدي 312
15 أبو الأصبغ = عيسى بن سهل الأسدي 25
175 الأعمش = حمد بن نصر الهمذاني 276
330 ابن الأكفاني = هبة الله بن أحمد الأنصاري 576
375 أمية بن عبد العزيز الداني = ابن أبي الصلت 634
45 أمير الجيوش = بدر بن عبد الله الأرمني 81
294 أمير الجيوش = شاهنشاه بن بدر الجمالي 507
180 الأنباري = علي بن محمد البغدادي 281
254 إيلغازي = نجم الدين بن أرتق التركماني 435
75 ابن أيوب = علي بن الحسين المراتبي 145
656

371 البآر = إبراهيم بن الفضل الأصبهاني 629
164 ابن باديس = تميم بن المعز الحميري 263
316 البارع = الحسين بن محمد الشاعر 533
226 الباقرحي = الحسن بن محمد البغدادي 384
144 الباقلاني = محمد بن الحسن الفامي 235
298 أبو بحر بن العاص = سفيان بن العاص 515
173 البحيري = إسماعيل بن عمرو النيسابوري 272
307 ابن البخاري = هبة الله بن محمد البغدادي 526
221 ابن بدران = أحمد بن علي الحلواني 380
360 بدران = تاج الملوك 613
45 بدر بن عبد الله الأرمني = أمير الجيوش 81
116 بركياروق بن ملكشاه بن ألب أرسلان 195
264 ابن برهان = أحمد بن علي البغدادي 456
30 البزدوي = محمد بن محمد النسفي 49
106 ابن البسري = الحسين بن علي البندار 185
135 ابن بشرويه = أحمد بن محمد الأصبهاني 218
320 البطائحي = الوزير المصري المأمون 553
29 ابن البطر = نصر بن أحمد البغدادي 46
315 البطليوس = عبد الله بن محمد النحوي 532
258 البغوي = الحسين بن مسعود الشافعي 439
240 بكر بن محمد = شمس الأئمة 415
22 البكري القصاص = أحمد بن عبد الله بن محمد 36
21 البكري = عبد الله بن عبد العزيز 35
194 البلدي = محمد بن أحمد النسفي 307
117 البندنيجي = محمد بن هبة الله الضرير 196
657

328 بوري بن طغتكين = تاج الملوك 573
159 ابن بيان = علي بن أحمد البغدادي 257
200 ابن البيهقي = إسماعيل بن أحمد الخسروجردي 313
214 تاج الاسلام = محمد بن منصور السمعاني 371
56 تاج الملك = مرزبان بن خسرو 100
360 تاج الملوك = بدران بن صدقة 613
328 تاج الملوك = بوري بن طغتكين 573
170 التبريزي = يحيى بن علي الخطيب 269
46 تتش = ابن ألب أرسلان السلجوقي 83
2 الترياقي = عبد العزيز بن محمد بن علي 6
6 التفليسي = محمد بن إسماعيل الصوفي 11
160 التككي = الحسن بن محمد البغدادي 259
299 ابن أبي تليد = موسى بن عبد الرحمن 516
166 التميمي = محمد بن عيسى المغربي 266
165 تميم بن المعز = ابن باديس 263
50 التنكتي = نصر بن الحسن التركي 90
318 ابن تومرت = محمد بن عبد الله البربري 539
124 ثابت بن بندار بن إبراهيم البقال 204
5 الثقفي = القاسم بن الفضل الأصبهاني 8
95 ابن الجراح = علي بن عبد الرحمن البغدادي 172
86 الجرجاني = عبد الله بن يوسف 159
108 ابن جزلة = يحيى بن عيسى البغدادي 188
351 ابن أبي جعفر = عبد الله بن أبي جعفر الخشني 602
141 جعفر بن أحمد = السراج 228
239 جعفر بن الحسن = الدرزيجاني 414
658

308 جعفر بن عبد الواحد = الثقفي 527
27 جعفر بن محمد = العباداني 41
69 جعفر بن يحيى = الحكاك 131
154 الجليل بن عبد الجبار = القزويني 248
152 الجماري = محمد بن إبراهيم الواسطي 245
142 جياش بن نجاح = جياش 231
97 ابن جهير = محمد بن محمد 175
77 الجياني = الحسين بن محمد الغساني 148
361 ابن الحاج = محمد بن أحمد التجيبي 614
127 الحبال = المعمر بن محمد الكوفي 209
193 الحداد = الحسن بن أحمد الأصبهاني 303
283 ابن الحداد = عبيد الله بن الحسن الأصبهاني 486
26 ابن أبي حرب = الفضل بن أحمد 40
122 الحرمي = محمد بن الحسين المزكي 202
268 الحريري = القاسم بن علي البصري 460
177 أبو الحسن الآبنوسي = أحمد بن عبد الله الوكيل 278
355 الحسن بن إبراهيم الشافعي الفارقي 608
193 الحسن بن أحمد = الحداد 303
125 الحسن بن أحمد = السمرقندي 205
44 الحسن بن أسد = الفارقي 80
354 أبو الحسن بن الزاغوني = علي بن عبيد الله البغدادي 605
358 الحسن بن سلمان النهرواني = ابن الفتى 611
73 الحسن بن عبد الملك = النسفي 143
53 الحسن بن علي = نظام الملك 94
319 الحسن بن علي النصيبي 522
659

365 الحسن بن محمد = اليونارتي 621
110 الحسن بن محمد = الشيرجاني 189
226 الحسن بن محمد = الباقرحي 384
160 الحسن بن محمد = التككي 259
106 الحسين بن علي = ابن البسري 185
227 الحسين بن أحمد البغدادي = الشقاق 385
57 الحسين بن أحمد = النعالي 101
350 أبو الحسين بن الفراء = محمد بن أبي يعلى 601
364 الحسين بن عبد الملك = الخلال 620
123 الحسين بن علي = الطبري 203
262 الحسين بن علي = الطغرائي 454
77 الحسين بن محمد = الجياني 148
342 الحسين بن محمد البغدادي = ابن خسرو 592
218 الحسين بن محمد = بن سكرة 376
128 الحسين بن محمد = الطبري 210
209 الحسين بن محمد = نور الهدى 353
316 الحسين بن محمد = البارع 533
78 الحسين بن محمد = الكتبي 152
258 الحسين بن مسعود = البغوي 439
219 الحسين بن نصر = النهاوندي 378
16 الحصري = علي بن عبد الغني الفهري 26
317 ابن الحصين = هبة الله بن محمد الشيباني 536
111 ابن الحطاب = أحمد بن إبراهيم الرازي 190
291 حفيد البيهقي = عبيد الله بن محمد الخسروجردي 503
69 الحكاك = جعفر بن يحيى المكي 131
660

300 الحلواني = يحيى بن علي الشافعي 517
344 حماد بن مسلم بن ددوه = الدباس الرحبي 594
13 حمد بن أحمد بن الحسن الأصبهاني 20
175 حمد بن نصر = الأعمش 276
244 ابن حمدين = محمد بن علي الأندلسي 422
266 حمزة بن العباس = العلوي 458
208 حمزة بن محمد = الزينبي 352
327 حمزة بن هبة الله الحسيني النيسابوري 573
347 ابن حمويه = محمد بن حمويه الجويني 597
47 الحموي = محمد بن المظفر بن بكران 85
63 الحميدي = محمد بن فتوح الأزدي 120
255 الحنائي = محمد بن الحسين الدمشقي 436
102 ابن حيد = منصور بن بكر 181
353 أبو خازم بن الفراء = محمد بن أبي يعلى 604
280 ابن الخازن = أحمد بن محمد 482
61 ابن الخاضبة = محمد بن أحمد الدقاق 109
101 ابن خذام = علي بن محمد 180
342 ابن خسرو = الحسين بن محمد 592
91 الخشنامي = نصر الله بن أحمد النيسابوري 167
148 ابن خشيش = محمد بن عبد الكريم 240
206 أبو الخطاب = محفوظ بن أحمد العراقي 348
364 الخلال = الحسين بن عبد الملك الأثري 620
9 الخلالي = إبراهيم بن عثمان الجرجاني 16
42 الخلعي = علي بن الحسن المصري 74
41 الخليلي = أحمد بن محمد البلخي 73
661

205 خميس بن علي الواسطي الحوزي 346
310 خوارزمشاه = محمد بن نوشتكين 529
8 خواهرزاذه = محمد بن حسين البخاري 14
242 خوروست = محمد بن عبد الله الأصبهاني 419
187 الخولاني = أحمد بن محمد القرطبي 296
279 ابن الخياط = أحمد بن محمد التغلبي 476
137 الخياط = محمد بن أحمد البغدادي 222
60 ابن خيرون = أحمد بن الحسن البغدادي 105
92 أبو داود = سليمان بن أبي القاسم القرطبي 168
1 الدباس = محمد بن علي البغوي 5
51 الدبوسي = علي بن أبي يعلى العلوي 91
359 دبيس بن صدقة الأسدي 612
239 الدرزيجاني = جعفر بن الحسن المقرئ 414
275 الدشتج = عبد الواحد بن محمد الذهبي 472
129 دقاق بن تتش السلجوقي 210
277 الدقاق = محمد بن عبد الواحد الأصبهاني 474
282 ابن الدنف = محمد بن علي الحنبلي 485
248 الدوري = محمد بن عبدا لباقي السمسار 427
147 الدوني = عبد الرحمن بن حمد الصوفي 239
306 الدينوري = علي بن عبد الواحد البغدادي 525
94 ابن أبي ذر = عيسى بن أبي ذر 171
334 ابن أبي ذر = محمد بن علي 585
58 الذكواني = أحمد بن عبد الرحمن 103
333 الرازي = محمد بن أحمد الشروطي 583
326 الراشد الله = منصور بن المسترشد العباسي 568
662

115 الربعي = علي بن الحسين البغدادي 194
290 ابن رشد = محمد بن أحمد القرطبي 501
312 ابن رضوان = أحمد بن عبد الله المراتبي 530
201 رضوان بن تتش السلجوقي 315
357 ابن الرطبي = أحمد بن سلامة الكرخي 610
99 الرميلي = مكي بن عبد السلام المقدسي 178
202 الرواسي = عمر بن عبد الكريم الدهستاني 317
288 ابن أبي روح = أسعد بن أحمد الأطرابلسي 449
162 الروياني = عبد الواحد بن إسماعيل الطبري 261
80 الزاز = عبد الرحمن بن أحمد السرخسي 154
368 بنت زعبل = فاطمة بنت علي البغدادية 625
274 الزعفراني = محمد بن مرزوق الجلاب 471
145 ابن زنجويه = أحمد بن محمد 236
345 ابن زهر الطيب = زهر بن عبد الملك 596
168 زيد بن الحسين = متولي همذان 268
208 الزينبي = حمزة بن محمد العباسي 352
195 الساجي = المؤتمن بن أحمد 308
267 ابن سارة = عبد الله بن محمد الشنتريني 459
141 السراج = جعفر بن أحمد البغدادي 228
70 ابن السراج = عبد الملك بن سراج 133
76 السرخسي = الفضل بن عبد الواحد الحنفي 147
198 سرفرتج = محمد بن علي المديني 312
270 أبو سعد بن الطيوري = أحمد بن عبد الجبار الصيرفي 467
188 سعد بن علي = العجلي 197
43 السعيداني = عبد الله بن الحسين القرشي 79
663

366 سعيد بن محمد = الصيرفي 622
263 السعيدي = محمد بن بركات المصري 455
298 سفيان بن العاص = أبو بحر بن العاص 515
181 السقطي = هبة الله بن المبارك 282
143 سقمان بن أرتق = صاحب ماردين 234
218 ابن سكرة = الحسين بن محمد الصدفي 376
39 السلار = مكي بن منصور الكرجي 71
293 السلطان = محمد بن ملكشاه 506
305 السلطان = صاحب العراق محمود بن محمد السلجوقي 524
237 سلمان بن ناصر النيسابوري = أبو القاسم الأنصاري 412
14 سليمان بن إبراهيم الأصبهاني 21
92 سليمان بن أبي القاسم الأندلسي = أبو داود 168
125 السمرقندي = الحسن بن أحمد الكوخميثني 205
269 ابن السمرقندي = عبد الله بن المقرئ 465
20 السمسار = عبد الرحمن بن محمد 34
10 ابن سمكويه = محمد بن أحمد 16
252 السميرمي = علي بن أحمد 432
151 السنجبستي = إسماعيل بن الحسن الخراساني 244
304 سهل بن إبراهيم السبعي = المسجدي 523
88 سهل بن بشر = الأسفراييني 162
131 ابن السوادي = المبارك بن محمد 212
139 ابن سوار = أحمد بن علي البغدادي 225
114 السوذرجاني = أحمد بن عبد الله الأصبهاني 193
149 ابن سوسن = أحمد بن المظفر التمار 241
55 السيبي = يحيى بن أحمد القصري 98
664

234 الشاشي = محمد بن أحمد التركي 393
294 شاهنشاه بن بدر = أمير الجيوش 507
210 شجاع بن فارس السهروردي 355
109 شرف الملك = محمد بن منصور الخوارزمي 188
140 الشعبي = عبد الرحيم بن قاسم المالقي 227
31 ابن شغبة = عبد الملك بن علي البصري 50
227 الشقاق = الحسين بن أحمد البغدادي 385
178 الشقاني = العباس بن أحمد النيسابوري 279
240 شمس الأئمة = بكر بن محمد الأنصاري 415
133 شمس الملك = نصر بن إبراهيم 192
329 شمس الملوك = إسماعيل بن بوري 575
65 الشيباني = عبد الواحد بن علوان البغدادي 128
79 الشيحي = عبد المحسن بن محمد البغدادي 152
96 شيذله = عزيزي بن عبد الملك الجيلي 174
110 الشيرجاني = الحسن بن محمد الكرماني 189
153 الشيروي = عبد الغفار بن محمد النيسابوري 246
186 شيرويه بن شهردار الديلمي 294
246 ابن صابر = عبد الرحمن بن أحمد الدمشقي 423
238 صاحب إفريقية = يحيى بن تميم الحميري 412
165 صاحب الحلة = صدقة بن منصور الأسدي 264
130 صاحب خراسان = أرسلان أرغون 212
64 صاحب سمقند = الخان أحمد 127
156 صاحب الغرب = يوسف بن تاشفين 252
143 صاحب ماردين = سقمان بن أرتق التركماني 234
82 صاحب الهند = إبراهيم بن مسعود 156
665

190 صاحب الهند = مسعود بن إبراهيم 299
278 أبو صادق المديني = مرشد بن يحيى 475
340 ابن صاعد = محمد بن أحمد الصاعدي 591
339 صاعد بن سيار = الحافظ الهروي 590
103 صاعد بن سيار الكناني 182
4 الصاعدي = أحمد بن محمد 7
165 صدقة بن منصور = صاحب الحلة 264
319 ابن صدقة = الحسن بن علي النصيبي 552
146 ابن أبي الصقر = محمد بن علي الواسطي 238
375 ابن أبي الصلت = أمية بن عبد العزيز 634
189 ابن صليعة = عبيد الله بن صليعة 289
366 الصيرفي = سعيد بن محمد السمسار 622
228 أبو طالب اليوسفي = عبد القادر بن محمد البغدادي 386
341 طاهر بن سهل بن بشر الأسفراييني 591
48 طاهر بن مفوز المعافري = ابن مفوز 88
188 أبو طاهر اليوسفي = عبد الرحمن بن أحمد البزاز 297
343 ابن الطبر = هبة الله بن أحمد الحريري 593
123 الطبري = الحسين بن علي الشافعي 203
128 الطبري = الحسين بن محمد الحاجي 210
24 طراد بن محمد بن علي الزينبي 37
285 الطرطوشي = محمد بن الوليد الفهري 490
309 الطرقي = أحمد بن ثابت الأصبهاني 528
87 الطريثيثي = أحمد بن علي البغدادي 160
302 طغتكين = صاحب دمشق 519
262 الطغرائي = الحسين بن علي الشاعر 454
666

121 الطلاعي = محمد بن الفرج القرطبي 199
132 ابن الطيوري = مبارك بن عبد الجبار الصيرفي 213
346 ظافر بن القاسم بن منصور الإسكندراني 597
49 ظاهر بن أحمد بن علي السليطي 89
217 ظريف بن محمد بن عبد العزيز الحيري 375
17 ظهير الدين = محمد بن الحسين الروذراوري 27
19 أبو عامر الأزدي = محمود بن القاسم المهلبي 32
27 العباداني = جعفر بن محمد القرشي 41
178 العباس بن أحمد = الشقاني 279
93 عبدا لباقي بن يوسف = المراغي 170
337 عبد الحق بن غالب المفسر الغرناطي 587
119 عبد الخالق بن محمد البغدادي = ابن الأبرص 197
188 عبد الرحمن بن أحمد البغدادي = أبو طاهر اليوسفي 297
80 عبد الرحمن بن أحمد = الزاز 154
229 عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي = ابن الفحام 387
147 عبد الرحمن بن حمد = الدوني 239
246 عبد الرحمن بن أحمد الدمشقي 423
107 عبد الرحمن بن مأمون = المتولي 187
20 عبد الرحمن بن محمد = السمسار 34
297 عبد الرحمن بن محمد القرطبي = ابن عتاب 514
33 عبد الرحمن بن نجم الدمشقي = ناصح الدين 54
247 عبد الرحمن بن عبد الكريم النيسابوري 424
140 عبد الرحيم بن قاسم = الشعبي 227
332 العبدري = محمد بن سعدون القرشي 579
281 عبد الصمد بن أحمد الأصبهاني 483
667

2 عبد العزيز بن محمد = الترياقي 6
153 عبد الغفار بن محمد = الشيروي 246
228 عبد القادر بن محمد البغدادي 386
349 عبد الكريم بن حمزة بن الخضر الدمشقي 600
331 عبد الله بن أحمد الشنتريني = ابن يربوع 578
269 عبد الله بن المقرئ الدمشقي = ابن السمرقندي 465
43 عبد الله بن الحسين = السعيداني 79
21 عبد الله بن عبد العزيز = البكري 35
176 عبد الله بن علي = ابن الآبنوسي 277
351 عبد الله بن أبي جعفر 602
315 عبد الله بن محمد = البطليوسي 532
68 عبد الله بن محمد الإشبيلي = ابن العرب 130
267 عبد الله بن محمد الشنتريني 459
220 عبد الله بن مرزوق الأصم 379
191 عبد الله بن مرزوق الهروي = ابن مرزوق 300
86 عبد الله بن يوسف = الجرجاني 159
79 عبد المحسن بن محمد = الشيحي 152
348 عبد المجيد بن عيذون = ابن عيذون 598
18 عبد الملك بن إبراهيم = الهمذاني 31
70 عبد الملك بن سراج = ابن السراج 133
31 عبد الملك بن علي = البصري 50
367 عبد المنعم بن عبد الكريم النيسابوري 623
162 عبد الواحد بن إسماعيل = الرواياني 260
59 عبد الواحد بن عبد الرحمن = الوركي 104
65 عبد الواحد بن علوان = الشيباني 128
668

275 عبد الواحد بن محمد = الدشتج 472
32 عبد الواحد بن محمد الأنصاري = أبو الفرج الحنبلي 51
155 عبد الوهاب بن محمد = الفامي 248
54 عبدوس بن عبد الله بن محمد 97
348 ابن عيذون = عبد المجيد بن عيذون 598
83 العبدي = أحمد بن محمد 156
185 عبيد بن محمد القشيري 293
283 عبيد الله بن الحسن الأصبهاني = ابن الحداد 486
189 عبيد الله بن صليعة بن قاضي جبلة = ابن صليعة 298
169 عبيد الله بن عمر = الكشاني 268
291 عبيد الله بن محمد = حفيد البيهقي 503
297 ابن عتاب = عبد الرحمن بن محمد القرطبي 514
373 عثمان بن علي = العجلي 632
261 عثمان بن علي البغدادي 453
118 العجلي = سعد بن علي 197
373 العجلي = عثمان بن علي المروزي 632
265 أبو عدنان = محمد بن أحمد الربعي 457
224 أبو العز = محمد بن المختار 383
68 ابن العربي = عبيد الله بن محمد الإشبيلي 130
96 عزيزي بن عبد الملك = شيذله 174
313 العطار = أحمد بن عبدا لباقي الكرخي 530
336 ابن عطية = غالب بن عبد الرحمن المحاربي 586
259 ابن عقيل = علي بن عقيل الظفري 443
120 العلاء بن حسن = ابن الموصلايا 198
7 ابن أبي العلاء = علي بن محمد 12
669

150 ابن العلاف = علي بن محمد البغدادي 242
266 العلوي = حمزة بن العباس الحسيني 458
212 علي بن إبراهيم = النيب 358
252 علي بن أحمد = السميرمي 432
376 علي بن أحمد السجزي = الاسلامي 635
84 علي بن أحمد المديني = ابن الأخرم 157
276 علي بن أحمد الدهان = المرتب 473
159 علي بن أحمد البغدادي = ابن بيان 257
37 علي بن أحمد = الهكاري 67
253 علي بن جعفر الصقلي = ابن القطاع 433
256 علي بن الحسن الدمشقي = ابن الموازيني 437
42 علي بن الحسن = الخلعي 74
155 علي بن الحسين = الربعي 194
75 علي بن الحسين البغدادي = ابن أيوب 145
289 علي بن الحسين المصري = الفراء 500
314 علي بن عبد الجبار اللغوي = ابن عيذون 531
95 علي بن عبد الرحمن البغدادي = ابن الجراح 172
16 علي بن عبد الغني = الحصري 26
363 علي بن عبد القاهر المراتبي = ابن آسة 619
306 علي بن عبد الواحد = الدينوري 525
354 علي بن عبيد الله البغدادي = أبو الحسن
ابن الزاغوني 605
259 علي بن عقيل البغدادي = ابن عقيل 443
303 علي بن المبارك الحنبلي = ابن الفاعوس 521
101 علي بن محمد = ابن خذام 180
670

180 علي بن محمد = الأنباري 281
7 علي بن محمد المصيصي = ابن أبي العلاء 12
150 علي بن محمد البغدادي = ابن العلاف 242
207 علي بن محمد الهراسي = إلكيا 350
51 علي بن المظفر = الدبوسي 91
196 ابن عمار = فخر الملك 311
260 ابن أبي عمامة = المعمر بن علي 451
202 عمر بن عبد الكريم = الرواسي 317
38 العميري = محمد بن علي الهروي 69
348 ابن عيذون = عبد المجيد بن عيذون الشاعر 598
314 ابن عيذون = علي بن عبد الجبار الهذلي 531
94 عيسى بن أبي ذر الأنصاري 171
15 عيسى بن سهل المالكي = أبو الأصبغ 25
231 عيسى بن شعيب السجزي 389
370 عيسى بن محمد = الشنتريني 628
352 أبو غالب بن البناء = أحمد بن الحسن البغدادي 603
172 أبو غالب العدل = أحمد بن محمد الهمذاني 272
336 غالب بن عبد الرحمن الغرناطي = ابن عطية 586
338 أبو غالب الماوردي = محمد بن الحسن التميمي 589
203 غانم بن محمد = البرجي 320
204 الغزالي = محمد بن محمد الطوسي 322
321 الغزي = إبراهيم بن يحيى الكلبي 544
211 الغسال = المبارك بن الحسين البغدادي 357
167 ابن غطاس = أحمد بن عبد الملك العجمي 267
3 الغورجي = أحمد بن عبد الصمد الهروي 7
671

230 غيث بن علي بن عبد السلام الأرمنازي 389
192 ابن فاخر = المبارك بن فاخر النحوي 302
163 ابن الفارسي = إسماعيل بن عبد الغفار النيسابوري 262
44 الفارقي = الحسن بن أسد 80
292 فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية 504
368 فاطمة بنت علي = بنت زعبل 625
303 ابن الفاعوس = علي بن المبارك الإسكاف 521
155 الفامي = عبد الوهاب بن محمد الفارسي 248
133 أبو الفتح الحداد = أحمد بن محمد الأصبهاني 216
232 أبو الفتح الهروي = نصر بن أحمد الحنفي 391
358 ابن الفتى = الحسن بن سليمان النهرواني 611
229 ابن الفحام = عبد الرحمن بن عتيق القرشي 387
196 فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس 311
289 الفراء = علي بن الحسين الموصلي 500
66 ابن الفرات = أحمد بن علي الدمشقي 128
362 الفراوي = محمد بن الفضل الصاعدي 615
272 الفرضي = هبة الله بن محمد البغدادي 469
32 أبو الفرج الحنبلي = عبد الواحد بن محمد الأنصاري 51
26 الفضل بن أحمد الجرجاني = ابن أبي حرب 40
325 الفضل بن أحمد = المسترشد بالله 561
76 الفضل بن عبد الواحد = السرخسي 147
183، 296 الفضل بن محمد العطار = الأبيوردي 292، 513
179 الفضل بن محمد = القشيري 280
184 الفضل بن محمد بن عبيد القشيري 292
72 الفقيه نصر = نصر بن إبراهيم النابلسي 136
672

237 أبو القاسم الأنصاري = سلمان بن ناصر 412
268 القاسم بن علي = الحريري 460
5 القاسم بن الفضل = الثقفي 8
356 ابن قبليل = أحمد بن عمر الغرناطي 609
154 القزويني = الجليل بن عبد الجبار التميمي 284
134 القزويني = محمد بن محمود الأنصاري 217
67 قسيم الدولة = آقسنقر التركي 129
247 ابن القشيري = عبد الرحيم بن الكريم النيسابوري 424
367 ابن القشيري = عبد المنعم بن عبد الكريم النيسابوري 623
179 القشيري = الفضل بن محمد الصوفي 280
311 القطائفي = أحمد بن عمر النهاوندي 529
253 ابن القطاع = علي بن جعفر السعدي 433
286 القلانسي = محمد بن الحسين الواسطي 496
81 القومساني = إسماعيل بن محمد الهمذاني 155
241 القيرواني = محمد بن عتيق التميمي 417
324 ابن كادش = أحمد بن عبيد الله العكبري 558
105 الكامخي = محمد بن أحمد الساوي 184
78 الكتبي = الحسين بن محمد الهروي 152
323 الكراعي = محمد بن علي المروزي 556
74 الكرجي = أحمد بن الحسن الباقلاني 144
169 الكشاني = عبيد الله بن عمر بن محمد 268
207 إلكيا = علي بن محمد 350
112 اللواتي = مروان بن عبد الملك المغربي 191
215 ابن اللبانة = محمد بن عيسى اللخمي 373
320 المأمون أبو عبد الله = البطائحي 553
673

211 المبارك بن الحسين = الغسال 357
132 المبارك بن عبد الجبار = ابن الطيوري 213
249 المبارك بن علي = المخرمي 428
192 المبارك بن فاخر البغدادي = ابن فاخر 302
131 المبارك بن محمد = ابن السوادي 212
287 المتوكلي = أحمد بن أحمد العباسي 498
107 المتولي = عبد الرحمن بن مأمون الأبيوردي 187
168 متولي همذان = زيد بن الحسين العلوي 268
100 مجد الملك = أسعد بن موسى 180
206 محفوظ بن أحمد العراقي = أبو الخطاب 348
152 محمد بن إبراهيم الواسطي = الجماري 245
25 محمد بن علي الزينبي 39
353 محمد بن أبي يعلى الحنبلي 604
350 محمد بن أبي يعلى البغدادي 601
333 محمد بن أحمد الشروطي = الرازي 583
265 محمد بن أحمد الأصبهاني = أبو عدنان 457
290 محمد بن أحمد القرطبي = ابن رشيد 501
234 محمد بن أحمد التركي = الشاشي 393
361 محمد بن أحمد المالكي 614
61 محمد بن أحمد البغدادي 109
10 محمد بن أحمد = ابن سمكويه 16
137 محمد بن أحمد البغدادي = الخياط 222
194 محمد بن أحمد التجيبي = البلدي 307
182 محمد بن أحمد اللغوي = الأبيوردي 283
105 محمد بن أحمد الساوي = الكامخي 184
674

340 محمد بن أحمد الصاعدي = ابن صاعد 591
6 محمد بن إسماعيل الصوفي = التفليسي 11
310 محمد بن أنوشتكين = خوارزمشاه 529
263 محمد بن بركات المصري = السعيدي 455
144 محمد بن الحسن الفامي = الباقلاني 235
338 محمد بن الحسن البصري = أبو غالب الماوردي 589
257 محمد بن الحسن الموازيني 438
17 محمد بن الحسين الروذراوري = ظهير الدين 27
286 محمد بن الحسين الواسطي = القلانسي 496
372 محمد بن الحسين البغدادي = المزرفي 631
255 محمد بن الحسين الدمشقي = الحنائي 436
122 محمد بن الحسين المزكي = الحرمي 202
8 محمد بن حسين البخاري = خواهرزاذه 14
347 محمد بن حمويه الجويني = ابن حمويه 597
243 محمد بن حيدرة المعافري = ابن مفوز 421
36 محمد بن خلف الأندلسي = ابن المرابط 66
332 محمد بن سعدون القرشي = العبدري 579
158 محمد بن سعيد = ابن نبهان 255
233 محمد بن صالح العباسي = أبو يعلى بن الهبارية 392
213 محمد بن طاهر بن علي الظاهري 361
245 محمد بن طرخان بن بلتكين التركي 423
248 محمد بن عبدا لباقي = الدوري 427
148 محمد بن عبد الكريم البغدادي = ابن خشيش 240
318 محمد بن عبد الله البربري = ابن تومرت 539
12 محمد بن عبد الله = الناصحي 19
675

242 محمد بن عبد الله = خوروست 419
98 محمد بن عبد الواحد المديني = أبو مطيع 176
277 محمد بن عبد الواحد = الدقاق 474
241 محمد بن عتيق التميمي = القيرواني 417
213 محمد بن طاهر بن علي 361
245 محمد بن طرخان البغدادي 423
1 محمد بن علي البغوي = الدباس 5
146 محمد بن علي الواسطي = ابن أبي الصقر 238
90 محمد بن علي الموصلي = ابن ودعان 164
282 محمد بن علي البغدادي = ابن الدنف 485
198 محمد بن علي المديني = سرفرتج 312
244 محمد بن علي الأندلسي = ابن حمدين 422
334 محمد بن علي الصالحاني = ابن أبي ذر 585
38 محمد بن علي الهروي = العميري 69
323 محمد بن علي المروزي = الكراعي 556
174 محمد بن علي الكوفي = أبي النرسي 274
166 محمد بن عيسى المغربي = التميمي 266
215 محمد بن عيسى اللخمي = ابن اللبانة 373
63 محمد بن فتوح الأزدي = الحميدي 120
121 محمد بن الفرج القرطبي = الطلاعي 199
362 محمد بن الفضل الصاعدي = الفراوي 615
157 محمد بن محمد الأصبهاني = المطرز 254
271 محمد بن محمد العباسي = ابن المهتدي بالله 469
30 محمد بن محمد النسفي = البزدوي 49
40 محمد بن محمد المقرئ = المديني 72
676

251 محمد بن محمد الهاشمي = أبو علي بن المهتدي 430
204 محمد بن محمد الطوسي = الغزالي 322
97 محمد بن محمد = ابن جهير 175
134 محمد بن محمود الأنصاري = القزويني 217
224 محمد بن المختار البغدادي = أبو العز 383
274 محمد بن مرزوق = الزعفراني 471
47 محمد بن المظفر الشامي = الحموي 85
293 محمد بن ملكشاه = السلطان 506
109 محمد بن منصور الخوارزمي = شرف الملك 188
214 محمد بن منصور السمعاني = تاج الاسلام 371
35 محمد بن عباد = المعتمد ابن عباد 58
117 محمد بن هبة الله الضرير = البندنيجي 196
285 محمد بن الوليد الفهري = الطرطوشي 490
250 محمود بن إسماعيل = الأشقر 428
126 محمود بن الفضل الصباغ 374
19 محمود بن القاسم المهلبي = أبو عامر الأزدي 32
305 محمود بن محمد السلجوقي = السلطان 524
249 المخرمي = المبارك بن علي البغدادي 428
40 المديني = محمد بن محمد المقرئ 72
36 ابن المرابط = محمد بن خلف الأندلسي 66
93 المراغي = عبدا لباقي بن يوسف الشافعي 170
276 المرتب = علي بن أحمد الدهان 473
126 ابن مردويه = أحمد بن محمد الأصبهاني 207
56 مرزبان بن خسرو = تاج الملك 100
220 ابن مرزوق = عبد الله بن مرزوق 379
677

191 ابن مرزوق = عبد الله الهروي 300
278 مرشد بن يحيى بن القاسم = أبو صادق المديني 475
112 مروان بن عبد الملك = اللواتي 191
372 المزرفي = محمد بن الحسين البغدادي 631
325 المسترشد بالله = الفضل بن أحمد القرشي 561
236 المستظهر بالله = أحمد بن المقتدي 396
304 المسجدي = سهل بن إبراهيم النيسابوري 523
190 مسعود بن إبراهيم = صاحب الهند 299
157 المطرز = محمد بن محمد الأصبهاني 254
225 ابن المطلب = هبة الله بن محمد الكرماني 384
98 أبو مطيع = محمد بن عبد الواحد الضبي 176
62 أبو المظفر السمعاني = منصور بن محمد التميمي 114
35 المعتمد بن عباد = محمد بن عباد بن أبي القاسم 58
260 المعمر بن علي البغدادي = ابن أبي عمامة 451
127 المعمر بن محمد الكوفي = الحبال 209
199 المعير = أحمد بن عبيد الله البغدادي 313
48 ابن مفوز = طاهر بن مفوز المعافري 88
243 ابن مفوز = محمد بن حيدرة المعافري 421
171 مقاتل بن عطية البكري = أبو الهيجاء 271
99 مكي بن عبد السلام = الرميلي 178
39 مكي بن منصور = السلار 71
34 ملكشاه بن ألب أرسلان 54
222 ابن ملة = إسماعيل بن محمد الأصبهاني 381
335 ابن ملوك = أحمد بن محمد الوراق 586
235 ابن منده = يحيى بن عبد الوهاب العبدي 395
678

102 منصور بن بكر = ابن حيد 181
62 منصور بن محمد التميمي = أبو المظفر السمعاني 114
326 منصور بن المسترشد = الراشد بالله 568
301 ابن منظور = أحمد بن محمد الإشبيلي 518
138 مهارش بن مجلي بن عكيث 224
271 ابن المهتدي بالله = محمد بن محمد الحريمي 469
256 ابن الموازيني = علي بن الحسن السلمي 437
195 المؤتمن بن أحمد = الساجي 308
369 ابن المؤذن = إسماعيل بن أحمد النيسابوري 626
299 موسى بن عبد الرحمن الشاطبي = ابن أبي تليد 516
120 ابن الموصلايا = العلاء بن حسن البغدادي 198
161 ابن الموصلي = هبة الله بن أحمد الزهري 260
284 الميداني = أحمد بن محمد النيسابوري 489
374 الميهني = أسعد بن أبي نصر العمري 633
33 ناصح الدين = عبد الرحمن بن نجم الدمشقي 54
12 الناصحي = محمد بن عبد الله 19
158 ابن نبهان = محمد بن سعيد الكرخي 255
254 نجم الدين بن أرتق = إيلغازي 435
23 نجيب بن ميمون الواسطي 36
174 أبي النرسي = محمد بن علي 274
73 النسفي = الحسن بن عبد الملك 143
212 النسيب = علي بن إبراهيم الحسيني 358
113 نصر بن إبراهيم = شمس الملك 192
72 نصر بن إبراهيم = الفقيه نصر 136
232 نصر بن أحمد الحنفي 391
679

29 نصر بن أحمد البغدادي = ابن البطر 46
91 نصر الله بن أحمد = الخشنامي 167
50 نصر بن الحسن التركي = التنكتي 90
53 نظام الملك = الحسن بن علي الطوسي 94
57 النعالي = الحسين بن أحمد البغدادي 101
219 النهاوندي = الحسين بن نصر الأيدبني 378
281 أبو نهشل = عبد الصمد بن أحمد العنبري 483
273 النوحي = إسحاق بن محمد النسفي 470
209 نور الهدى = الحسين بن محمد الزينبي 253
343 هبة الله بن أحمد الحريري = ابن الطبر 593
330 هبة الله بن أحمد الدمشقي = ابن الأكفاني 576
161 هبة الله بن أحمد الزهري = ابن الموصلي 260
28 هبة الله بن عبد الرزاق البغدادي 44
11 هبة الله بن عبد الوارث بن علي 17
181 هبة الله بن المبارك = السقطي 282
272 هبة الله بن محمد البغدادي = الفرضي 469
317 هبة الله بن محمد الشيباني = ابن الحصين 536
307 هبة الله بن محمد البغدادي = ابن البخاري 526
225 هبة الله بن محمد الكرماني = ابن المطلب 384
339 الهروي الدهان = صاعد بن سيار 590
71 هشام بن أحمد = الوقشي 134
37 الهكاري = علي بن أحمد الأموي 67
19 الهمذاني = عبد الملك بن إبراهيم الفرضي 31
171 أبو الهيجاء = مقاتل بن عطية البكري 271
90 ابن ودعان = محمد بن علي الموصلي 164
680

59 الوركي = عبد الواحد بن القاسم الزبيري 104
71 الوقشي = هشام بن أحمد الأندلسي 134
55 يحيى بن أحمد = السيبي 98
238 يحيى بن تميم = صاحب إفريقية 412
235 يحيى بن عبد الوهاب الأصبهاني = ابن منده 395
300 يحيى بن علي = الحلواني 517
170 يحيى بن علي بن محمد = التبريزي 269
108 يحيى بن عيسى البغدادي 188
331 ابن يربوع = عبد الله بن أحمد الشنتريني 578
52 يعقوب بن إبراهيم = البرزبيني 93
233 يعلى بن الهبارية = محمد بن صالح العباسي 392
89 ابن يوسف = أحمد بن عبد القادر البغدادي 163
156 يوسف بن تاشفين = صاحب الغرب 252
365 اليونارتي = الحسن بن محمد الأصبهاني 621
681