الكتاب: ذيل تذكرة الحفاظ
المؤلف: أبي المحاسن الحسيني الدمشقي
الجزء:
الوفاة: ٧٦٥
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

ذيل
تذكرة الحفاظ للذهبي
تأليف تلميذه الحافظ أبي المحاسن الحسيني الدمشقي
دار إحياء التراث العربي
تعريف الكتاب 1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه محمد وعترته وصحابته.
أما بعد فان هذه الذيول (1) من المخطوطات النادرة التي اغتبط أستاذنا الشيخ
محمد زاهد الكوثري بالوقوف عليها في الخزانة الظاهرية بدمشق، ولشد ما حثني
على نشرها لخدمة علم السنة والتاريخ. وما كان لي ان أخالف أمره.
وقد تكرم فضيلته بتوشيح الذيول بفوائد الانظار والنقول) بعد تصحيحها
واثبات بعض ما سقط من النسخة في ضمن قوسين وترجمة مصنفيها. ومن رجع
بصره - من علماء الرجال - إلى الأصل وما آل إليه بعد الطبع عرف ما لقي
الأستاذ في تحقيقه أمتع الله العلم بطول بقائه.
وبعد ان طبع من هذه الذيول 160 صفحة تفضل الأستاذ المحقق صاحب
السعادة أحمد باشا تيمور بارسال نسخة خزانته العامرة - وهي بنت النسخة
الظاهرية - فإذا تعليقات وتصحيحات ممتعة قد وشيت بها بعض صفحات الذيلين
الأولين بقلم فضيلة الأستاذ مسند مصر السيد أحمد رافع الطهطاوي فأدرجنا
ملاحظاته على ما لم يطبع بعد في مواطنها - ابتداء من الصفحة 235 - وعلى ما تم
طبعه في صفحة خاصة في خاتمة الذيول جزاهما المثوبة الحسنى.
وبعث إلينا أيضا سعادة الباشا - حرسه الله - بنسخة مخطوطة من طبقات الحفاظ
للسيوطي فقابلنا ذيلها بالذيل الثالث وشكرنا له ما يسديه إلى العلم من أياد ومنن.
حسام الدين القدسي

(1) طبعت (تذكرة الحفاظ) للحافظ الذهبي مرتين في حيدر آباد الدكن
أولاهما غفل من تأريخ الطبع والثانية عام 1333 - 1334، وكأن القوم - أدام الله
نشاطهم - لم يعتمدوا بالطبع على أصل وثيق فجاء الكتاب والأغلاط فيه كثيرة.
ونحن وان كنا نشاركهم في ذلك الامر غير أن أستاذنا الكوثري - وهو أعلم من
عرفنا من رجال هذا الشأن - لم يضن على الذيول بتصحيحها بقلمه.
مقدمة الناشر - أ -

* (ترجمة مؤلف الذيل الأول) *
هو السيد الشريف الحافظ الناقد ذو التصانيف شمس الدين أبو المحاسن محمد
ابن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر بن علي بن الحسين بن إسماعيل بن
الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر
ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الدمشقي الشافعي
قال الحافظ ابن حجر: وهكذا ساق الذهبي نسبه في العجم المختص ولكن سقط
من بين علي وحمزة الحسن وكذا يوجد بخط الحسيني نفسه ولا أشك انه سقط
من نسبه عدة آباء من أثنائه والله أعلم اه‍. ولعل ذلك منه باعتبار ثلاث أنفس لكل
مائة سنة قال البرهان البقاعي: سمعت ابن حجر ينقل قاعدة عن ابن خلدون
وهي انا إذا شككنا في نسب حسبنا كم بين من في أوله ومن في آخره من السنين
وجعلنا لكل مائة سنة ثلاث أنفس فإنها مطردة. ويحكى عن ابن حجر أنه
قال: ولقد اعتبرنا بها أنساب كثير ممن أنسابهم معروفة فصحت وأنساب كثير
ممن يتكلم في أنسابهم فانخرمت على ما جاء في نظم العقيان للسيوطي.
ولد الحسيني بدمشق في شعبان سنة 715 وسمع من جماعة من الأعيان منهم
محمد بن أبي بكر بن عبد الدائم ومحمد وزينب ولدا إسماعيل بن إبراهيم الخباز
وأبو محمد بن أبي التائب والمسند المعمر إبراهيم بن محمد الواني الخلاطي وأبو
الحجاج المزي والذهبي والبرزالي والصلاح العلائي وابن المظفر وأبو الحسن
السبكي والعز بن جماعة وابن أبيك وعدة من أصحاب ابن عبد الدائم وغيره
منهم أبو الفتح الميدومي وأحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال وخلائق
يجمعهم معجمه الذي خرجه لنفسه.
قال الذهبي في المعجم المختص عند ترجمة الحسيني: العالم الفقيه المحدث طلب
وكتب وهو في زيادة من التحصيل والتخريج والافادة اه‍. وقال العراقي لما سئل
مقدمة الناشر - ب -

عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ مغلطاي وابن كثير وابن رافع والحسيني: أعرفهم
بالشيوخ المعاصرين وبالتخريج الحسيني وهو أدونهم في الحفظ اه‍. وقال ابن ناصر
الدين: كان إماما حافظا مؤرخا له قدر كبير وكان حسن الخلق رضي النفس
من الثقات الاثبات اه‍. وقال أبو الفضل بن فهد: كان رضي النفس حسن الأخلاق
من الثقات الاثبات إماما مؤرخا حافظا له قدر كبير طلب بنفسه فقرأ وبرع وتميز
وحفظ وأفاد وكتب بخطه الكثير وخرج وانتفى وجمع اه‍. وقال ابن حجر:
خطه معروف حلو وكان سريع الكتابة قرأت بخطه في آخر العبر للذهبي انه
نسخه في خمسة أيام اه‍. وقال ابن كثير بعد أن ذكر مؤلفاته: ولي مشيخة دار
الحديث البهائية داخل باب توما وكان يشهد بالمواريث بدمشق اه‍.
وله مؤلفات حسنة ما بين مطول ومختصر منها (التذكرة بمعرفة رجال
العشرة (1) اختصر فيها تهذيب الكمال لشيخه المزي وحذف منه من ليس
في الستة وأضاف إليهم من في الموطأ ومسند أحمد ومسند الشافعي ومسند أبي
حنيفة وقال في أولها: ذكرت فيها رجال كتب الأئمة الأربعة المقتدى بهم لان
عمدتهم في استدلالهم لمذاهبهم في الغالب على ما رووه بأسانيدهم في مسانيدهم فان
الموطأ لمالك هو مذهبه الذي يدين الله به أتباعه ومقلدوه مع أنه لم يرو فيه الا
الصحيح وكذلك مسند الشافعي موضوع لأدلته على ما صح عنده من مروياته
وكذلك مسند أبي حنيفة وأما مسند أحمد فإنه أعم من ذلك كله وأشمل اه‍.
والتقط منها ابن حجر في (تعجيل المنفعة في زوائد رجال الأئمة الأربعة) من
لم يخرج له في تهذيب الكمال خاصة، وناقشه بان اعتماد المالكية على ما يرويه ابن
القاسم عن مالك وافق الموطأ أو لم يوافق، وقد جمع ابن حزم فيما خالف فيه المالكية
ما ضمنه مالك الموطأ وأشهر ذلك حديث الرفع عند الركوع والاعتدال، وبأن

(1) في مكتبة كوبر يلي بالآستانة.
مقدمة الناشر - ج -

(مسند أبي حنيفة) تخريج ابن خسرو انما يحتوي على بعض أحاديثه وقد جمع
قبله الحافظ أبو بكر بن المقري لأبي حنيفة مسندا استوعب فيه أحاديث لكن لم
يكثر طرقها وقبله الحافظ أبو محمد الحارثي مسندا واستوعب الطرق في كل
حديث مرتبا على مشايخ أبي حنيفة (1) وبأن (مسند الشافعي) انما هو رواية الأصم
لما سمعه من الام وفي أحاديثه كثرة في مبسوط المزني وكتاب حرملة اه‍. ومنها
(الامتثال بما في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في تهذيب الكمال) وكتاب
الذرية الطاهرة سماه (العرف الذكي في النسب الزكي) و (الاكتفاء في الضعفاء) (2)
و (التعليق على ميزان الاعتدال) لشيخه الذهبي بين فيه كثيرا من الأوهام
واستدرك عليه عدة أسماء و (ترتيب أطراف المزي على الألفاظ) و (معجم الشيوخ)
و (قيل العبر للذهبي).
ومنها (ذيل طبقات الحفاظ) هذا وقد جرى فيه على طريقة شيخه الذهبي
من ذكر مشاهير شيوخ المترجم وسرد مؤلفاته وايراد حديث بطريقه موصول
السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم - ان كان له من طريقه رواية - واثبات
وفيات كبار أهل العلم ومن له شأن في التاريخ من غيرهم ممن ماتوا سنة وفاة
المترجم مع ايماء يسير إلى أحوالهم، وقد ترجم عدة من الحفاظ الاحياء ممن تأخرت
وفاتهم عن وفاته فذكرنا وفياتهم تعليقا، وله غير ذلك من المصنفات النافعة وكان شرع في شرح النسائي.
وتوفي بدمشق في يوم الاحد سلخ شعبان المكرم أو مستهل رمضان المعظم
سنة خمس وستين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق تغمده الله تعالى
برحمته وغفرانه وأدخله فسيح جنانه.

(1) وقبله عدة من أصحابه. وجملة ما خرج له الحفاظ وأهل العلم بالحديث من
المسانيد تبلغ سبعة عشر سفرا.
(2) في دار الكتب المصرية الكبرى.
مقدمة الناشر 1

* (ترجمة مصنف الذيل الثاني) *
* (الحافظ أبي الفضل تقي الدين بن فهد المكي) *
(ابن فهد) بيت كبير بمكة من رواة الحديث، منهم والد المترجم (النجم
محمد) بن أبي الخير محمد بن عبد الله (و) ابناه التقي محمد - صاحب الترجمة -
وعطية (و) ابنا أولهما أبو بكر وعمر (و) بنو ثانيهما حسن وحسين (فأبو بكر)
له عبد الرحمن وأبو القاسم (ولأبي القاسم) عبد الرحمن (وعمر) له يحيى وعبد
العزيز (ثم لعبد العزيز) جار الله - ناسخ الأصول المترجم في آخر الذيول -
ويحيى (و) يحيى بن عبد الرحمن بن أبي الخير (و) ابنه عبد القادر، كلهم يعرف
بابن فهد.
أما صاحب الترجمة منهم فهو محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن
محمد بن عبد الله بن فهد تقي الدين أبو الفضل بن نجم الدين أبي النصر بن جمال الدين
أبي الخير ابن العلامة أقضى القضاة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله ذ
ثم المكي الشافعي العلوي المنتهي نسبه إلى محمد بن الحنفية نجل سيدنا علي بن أبي
طالب رضي الله عنه.
ولد عشية الثلاثاء خامس ربيع الثاني سنة سبع وثمانين وسبعمائة بأصفون من
صعيد مصر الأعلى بالقرب من أسنا - وكان والده سافر إليها لاستخلاص جهات
موقوفة على أمه خديجة ابنة العلامة نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف الأصفوني
الفقيه الشافعي فتزوج هناك بابنة عم جده لامه العلامة المذكور وهي فاطمة
بنت أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم القرشية المخزومية فولد له منها صاحب
الترجمة هناك - ثم انتقل به أبوه في سنة خمس وتسعين إلى بلده مكة فحفظ بها القرآن
والعمدة والقنية وألفية النحو والحديث وعرض على جماعة وسمع الا بناسي والجمال
ابن ظهيرة وحبب إليه هذا الشأن وأول طلبه سنة أربع وثمانمائة فسمع الكثير من
شيوخ بلده والقادمين إليها وكتب عمن دب ودرج فكان ممن سمع عليه ابن صديق
مقدمة الناشر 2

والزين المراغي وأبو اليمن الطبري وقريبه الزين والشمس الغراقي والشريف
عبد الرحمن الفاسي وأبو الطيب السحولي والجمال عبد الله الفرياني ورقية بنت
يحيى بن مزروع، ولقي باليمن المجد اللغوي صاحب القاموس والموفق علي بن أبي
بكر الأزرق وآخرين فسمع منهم وكان دخوله بها مرتين الأولى في سنة 805
والثانية في سنة 816 وأجاز له خلق كثير منهم العراقي والهيثمي وعائشة بنت عبد
الهادي. وانتفع في هذا الشأن بالجمال بن ظهيرة والصلاح خليل الأقفهسي وغيرهما
واشتغل بالفقه على ابن ظهيرة والشمس الغراقي وابن سلامة وأذنا له وكذا الشمس
ابن الجزري المقرئ في التدريس والافتاء وسمع من ابن حجر أيضا لما لقيه بمكة
وتميز في هذا الشأن وعرف العالي والنازل وشارك في فنون الأثر وكتب بخطه
الكثير وجمع المجاميع وانتقى وخرج لنفسه ولشيوخه فمن بعدهم وصار المعول في هذا
الشأن ببلاد الحجاز قاطبة عليه وعلى ولده النجم عمر بدون منازع، واجتمع له
من الكتب ما لم يكن في وقته عند غيره من أهل بلده وكثر انتفاع المقيمين والغرباء
بها فكان ذلك أعظم قربة لا سيما وقد حبسها لله بعد موته، قال السخاوي:
وأكثر من المسموع والشيوخ وجد في ذلك وجمع له ولده معجما وفهرستا
استفدت منهما كثيرا اه‍.
وله مؤلفات عديدة منها (نهاية التقريب وتكميل التهذيب بالتذهيب) جمع
فيه بين تهذيب الكمال ومختصريه للذهبي وابن حجر وغيرهما. قال السخاوي:
وهو كتاب حافل لو ضم إليه ما عند مغلطاي من الزوائد في مشايخ الراوي والآخذين
عنه لكنه لم يصل إلى مكة إذ ذاك اه‍. ومنها (النور الباهر الساطع من سيرة ذي البرهان
القاطع) في السيرة النبوية و (الجنة باذكار الكتاب والسنة) و (المطالب السنية
العوالي بما لقريش من المفاخر والمعالي) و (بهجة الدماثة بما ورد في فضل المساجد
الثلاثة) و (بشرى الورى مما ورد في حرا) و (اقتطاف النور مما ورد في نور)
و (الإبانة مما ورد في جعرانة) و (طرق الإصابة بما جاء في الصحابة) و (نخبة العلماء
مقدمة الناشر 3

الأتقياء بما جاء في قصص الأنبياء) و (وسيلة الناسك في المناسك) و (الزوائد على
حياة الحيوان للدميري) و (تقريب البعيد فيما ورد في يومي العيد) و (غاية القصد
والمراد من الأربعين العالية الاسناد) و (عمدة المنتحل وبلغة المرتحل) تحتوي
على أربعين حديثا من أربعين كتابا لأربعين إماما عن أربعين شيخا متصلين بأربعين
صحابيا منهم العشرة والعبادلة على الاختلاف فيهم ورتبهم على حروف الهجاء مع
اخراج حديث كل من أصحاب المذاهب الأربعة والكتب الستة مردفة بأحاديث
عالية وحكايات واشعار.
ومنها (لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ) وهو الذي نشر ضمن هذا
المجموع وقد أجاد فيه حيث استوفى الكلام في حق المترجمين إلى حد ان تكون
مراتبهم في العلم مائلة أمام عين المطالع، وتوسع في ذكر الوفيات ممن وافقوا
المترجمين في سنة الوفاة مع العناية بذكر أحوالهم على الاختصار اغناء عن تطلبها
في غير كتابه بل قد لا توجد في غيره، وضبط في كتابه بعض الأسماء والأنساب
مما رآه موضع ارتياب. وتفنن في ذكر أسانيد الأحاديث المروية بطريق المترجمين
موافقة وبدلا (1) وعلوا مما يهم المشتغلين بالأسانيد وأهل العلم بالحديث، وجملة
القول ان ذيل ابن فهد جليل الفوائد غزير الأبحاث غير قاصر نفعه على طائفة دون
طائفة. وله غير ذلك.
قال السخاوي: ولم ينفك عن المطالعة والكتابة والقيام بما يهمه من أمر
عياله واهتمامه بكثرة الطواف والصوم والاستمرار على الشرب من ماء زمزم
بحيث يحمله معه إذا خرج من مكة غالبا وبره بأولاده وأقاربه وذوي رحمه مع

(1) اسناد الحديث إلى شيخ أحد أصحاب الصحاح والسنن من غير طريقه
يسمى موافقة والى شيخ شيخه كذلك يسمى بدلا فالاشتراك في الأول في
الشيخ وفي الثاني في شيخ الشيخ وكل منهما اما بسند عال أو بسند نازل.
مقدمة الناشر 4

سلامة صدره وسرعة بادرته ورجوعه وكثرة تواضعه وبذل همته مع من يقصده
وامتهانه لنفسه وغير ذلك وتصدى للاسماع فأخذ عنه الناس من سائر الآفاق
الكثير وكنت لقيته فحملت عنه بالمجاورة الأولى الكثير وطالع في مجاورتي الثانية
كثيرا من تصانيفي حتى في مرض موته، ومات وانا هناك في صبيحة يوم
السبت سابع ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وصلي عليه بعد صلاة العصر
عند باب الكعبة ثم دفن بالمعلاة عند مصلب ابن الزبير رضي الله عنهما وكنت ممن
شهد الصلاة عليه ودفنه والتردد إلى قبره. وقال المقريزي في عقوده عن صاحب
الترجمة: انه قرأ علي (الامتاع) - من أكبر ما ألف في السير للمقريزي -
وحصل منه نسخة بخط ولده الفاضل عمر وهما محدثا الحجاز وأرجو ان يبلغ ابنه
عمر في هذا العلم مبلغا عظيما لذكائه واعتنائه بالجمع والسماع والقراءة بارك الله له
فيما آتاه انتهى ما نقله السخاوي عنه، وهو ممن ترجمه الشمس بن طولون بين
مشايخ مشايخه الأربعين في كتابه أربعين الأربعين رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مقدمة الناشر 5

* (ترجمة جامع الذيل الأخير) *
هو الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن
محمد السيوطي المعروف بابن الأسيوطي.
ولد بالقاهرة ليلة الاحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة وكانت أمه
أمة تركية وأصل أبيه من العجم ومات أبوه وهو ابن ست سنين فكفله وصيه
الشهاب بن الطباخ ورباه عند الأمير برسباي الجركسي أستاذ دار الصحبة واتصل
بالأمير اينال الأشقر رأس نوبة النوب وكان لبيته اتصال بالأمراء من عهد الأمير
شيخو، وكان في جملة أوصيائه الامام كمال الدين بن الهمام وله أياد بيضاء عليه.
أخذ العلم عن العلم البلقيني والشرف المناوي والشمس بن الفالاتي والجلال
المحلي والزين العقبي والبرهان البقاعي والشمس السخاوي الشافعيين، وعن محقق
الديار المصرية سيف الدين البكتمري والعلامة محيي الدين الكافيجي البرغمي
والحافظ قاسم بن قطلوبغا السودوني والامام تقي الدين الشمني الحنفيين وغيرهم
من المالكية والحنابلة، وعدة شيوخه اجازة وقراءة وسماعا نحو مائة وخمسين شيخا
وقد جمعهم في معجمه، ولم يكثر من سماع الرواية لاشتغاله بما هو أهم وهو الدراية
كما يحكي هو عن نفسه، وممن أجاز له من حلب ابن مقبل آخر من أجاز له
الصلاح بن أبي عمر.
وانصرف إلى الجمع والتأليف وهو صغير فبلغت عدة مؤلفاته نحو ستمائة ما بين
رسائل في ورقة أو ورقتين وكتب في عدة مجلدات، والغالب في مصنفاته تلخيص
كتب الآخرين فقيمتها العلمية توزن بقدر ما لصاحب الأصل من التحقيق،
والتضارب الواقع بين أقواله في كتبه انما يأتي من اختلاف آراء أصحاب الكتب
للتي يقوم هو باختصارها حيث لا يتسع له الوقت لتمحيصها وترجيح الراجح
منها، قال تلميذه الشمس الداوودي المالكي مؤلف طبقات المفسرين الكبرى:
مقدمة الناشر 6

عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا وكان مع
ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة اه‍. ومن يكون بهذا
الاسراع طول عمره لا يتسنى له تحقيق ما يدونه بل كثيرا ما تفوته مواضع
الفائدة من الأصول التي يلخصها، وقد يتابع أوهما الأصل التي لا يخلو منها
تصنيف فتسوء سمعته بتآليفه، قال السخاوي: ان له مؤلفات كثيرة مع كثرة ما
يقع له من التحريف والتصحيف فيها وما ينشأ عن عدم فهم المراد لكونه لم
يزاحم الفضلاء في دروسهم ولا جلس بينهم في مسائهم وتعريسهم بل استبد
بالأخذ من بطون الدفاتر والكتب، وأخذ من كتب المحمودية (1) وغيرها
كثيرا من التصانيف القديمة التي لا عهد لكثير من العصريين بها في فنون فغير فيها
شيئا يسيرا وقدم وأخر ونسبها لنفسه وهول في مقدماتها اه‍. ولي مشيخة الحديث
بالشيخونية بسعي وصيه المار ذكره ومشيخة التصوف بتربة برقوق نائب الشام
واستقر في مشيخة البيبرسية بعد الجلال البكري إلى أن صرفه عنها السلطان الملك
العادل طومانباي الأول يوم الاثنين ثاني عشر رجب سنة ست وتسعمائة حين تحزب
عليه جمع من مشايخ المدرسة بسبب يبسه معهم ومعاندته لهم بحيث أخرج وظائف
كثيرة عنهم وقرر فيها غيرهم وحصل له اهانات من ترسيم وإساءات وامر بنفي
وكانت حكايات كما يقول صاحب (البدر الطالع) فيما علقه على الضوء اللامع بخطه
ثم انقطع بسكنه في الروضة وتزهد وكان يأتي إليه أعيان الامراء للزيارة فلا يقوم
لهم وعرضت عليه مشيخة البيبرسية سنة 909 فامتنع من قبولها واستمر على
انقطاعه، وكان الامراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال
النفيسة فيردها، وأهدى إليه السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري خصيا
وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصي فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية

(1) بشارع قصبة رضوان بمصر. راجع خطط المقريزي وذيلها لابن نافع.
مقدمة الناشر 7

وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا بهدية قط فان الله تعالى اغنانا عن مثل ذلك
وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه على ما ذكره النجم الغزي في الكواكب
السائرة وابن العماد في شذرات الذهب. ومن شعره:
فوض أحاديث الصفا * ت ولا تشبه أو تعطل
ان رمت الا الخوض في * تحقيق معضلة فأول
ان المفوض سالم * مما تكلفه المؤول
ألف في تحريم المنطق وادعى الاجتهاد فصنف في ذلك عدة رسائل فقام
العلماء ضده حتى انقبع في عقر داره، ويحكي الشعراني في ذيل طبقاته عن السيوطي
انه كان يقول: قد أشاع الناس عني اني ادعيت الاجتهاد المطلق كأحد الأئمة الأربعة
وذلك باطل عني انما مرادي بذلك المجتهد المنتسب.. ولما بلغت مرتبة الترجيح
لم اخرج في الافتاء عن ترجيح النووي.. ولما بلغت إلى مرتبة الاجتهاد المطلق
لم اخرج في الافتاء عن مذهب الشافعي اه‍. وغريب جدا ما يرويه الداوودي
والشعراني عنه انه كان يحفظ مأتي الف حديث ان لم يكن مراده انه يحفظها في خزانته
لان شيخ حفاظ الأمة أبا عبد الله البخاري لما سئل عن أحاديث جامعه هل تحفظها؟
أجاب بقوله: أرجو أن لا يخفى علي منها شئ. ولم يدع مثل هذه الدعوى.
وله مقامة تهجم فيها على السخاوي سماها (الكاوي في الرد على السخاوي) كما
تحامل عليه أيضا عند ترجمته في (نظم العقيان) مع أنه في عداد شيوخه وما ذنب
السخاوي إليه الا قلة صبره أزاء الدعاوى العريضة وذكر في (النور السافر)
ما كتبه السيوطي إلى السخاوي معرضا به ومتهجما عليه وهو قوله:
قل للسخاوي ان تعروك مشكلة * علي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الديمي غيث الزمان فخذ * (غرفا من اليم أو رشفا من الديم)
والديمي الفخر عثمان المحدث ممن كان بينه وبين السخاوي منافسة أيضا، ويرى
مقدمة الناشر 8

بعضهم ان كلا من الثلاثة كان فردا في فنه مع المشاركة في غيره فالسخاوي تفرد
بمعرفة علل الحديث والديمي بأسماء الرجال والسيوطي بحفظ المتون اه‍. وانتصر
للسخاوي على السيوطي الشاعر الأديب ابن العليف أحمد بن الحسين المكي في
كتابين سماهما (الشهاب الهاوي على منشئ الكاوي) و (المنتقد اللوذعي على
المجتهد المدعي).
واستقصى الداوودي ذكر أسماء مؤلفاته فزادت على خمسمائة مؤلف منها
(الدر المنثور في التفسير بالمأثور) في ست مجلدات لخص فيها كتب التفاسير بالرواية
للمتقدمين بتجريدها عن الأسانيد ولم يتكلم عليها فبقي جامعا للغث والثمين وفيه من
الأقوال المردودة ما لا يوصف، ومنها (الاتقان في علوم القرآن) وجله من
البرهان للبدر الزركشي وهذا كتاب جليل جدا الا ان السيوطي أغفل مواطن
الفائدة منه وتابعه في أوهامه الظاهرة كقوله في أسباب النزول: ان عثمان بن
مظعون شرب الخمر في عهد عمر الخ مع أنه ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية
والاسلام ومات قبل التحريم في أول الهجرة بالمدينة وهو أول من دفن فيها من
المسلمين وكل ذلك في غاية الشهرة، بل الذي شرب هو قدامة بن مظعون إلى غير
ذلك. سوى ماله من الأوهام فيه وغير ما حشده فيه من الاخبار من غير تمحيص
مما يتمسك به خصوم الكتاب الكريم. ومنها (الجامع الكبير) الذي أراد ان يستقصي فيه
السنن على حروف الهجاء من غير تقيد بالصحيح، وقد رتبه على أبواب الفقه
الشيخ علي المتقي الحنفي الهندي في عدة مؤلفات أكبرها (كنز العمال) الا انه يتنافى
ما يقوله السيوطي في أول الكتاب مع ما يسرده نفسه فيما ألفه في الموضوعات كما وقع
له مثل ذلك في (الجامع الصغير)، وله أيضا (تاريخ الخلفاء) و (طبقات النحاة)
و (حسن المحاضرة).
و (طبقات الحفاظ) لخص فيها طبقات الذهبي وذيل عليها بما في هذا الذيل
لكنه لم يتعب فيه بل اختصر تراجمه من الدرر الكامنة وأنباء الغمر الا فيما قل
مقدمة الناشر 9

جدا ولم يذكر الوفيات أثر التراجم ولا أسند أحاديث بطرق المترجمين.
وشهرة مؤلفاته تغني عن الإفاضة فيها.
وكانت وفاته في سحر ليلة الجمعة 19 جمادى الأولى سنة 911 ه‍. ودفن في
حوش قوصون خارج باب القرافة بمصر كما في ذيل الشعراني والكواكب السائرة
والشذرات، وحوش قوصون هذا تحت القلعة لا عند جامعه الكبير على ما حققه
الأستاذ العلامة احمد تيمور باشا حفظه الله في كتابه (قبر الامام السيوطي)
أغدق الله على ضريحه سحائب رحمته وأدخله فسيح جنته.
مقدمة الناشر 10

ذيل
تذكرة الحفاظ للذهبي
تأليف
الحافظ شمس الدين أبي المحاسن محمد بن علي
ابن الحسن الحسيني الدمشقي
المتوفى سنة 765 ه‍.
حقوق الطبع محفوظة
11

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
يقول جار الله بن فهد: أخبرنا بكتاب ذيل طبقات الحفاظ
للسيد العلامة الحافظ الحجة أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني
الدمشقي الشافعي رحمه الله تعالى جماعة من المشايخ أهل الاسناد والعلم
الراسخ منهم حفيده السيد القدوة الامام شيخ الاسلام ومفتي دار
العدل بالشام عين الفقهاء المعتبرين محمد أبو البقاء بهاء الدين وكمال الدين
ابن حمزة بن أحمد بن علي ابن مؤلفه الحافظ شمس الدين محمد بن علي
الحسيني الدمشقي الشافعي تغمده الله برحمته شفاها عن العلامة الحافظ
الرحلة شيخ السنة تقي الدين أبي الفضل محمد بن النجم محمد بن محمد
ابن فهد العلوي المكي الشافعي قال أخبرني به الشيخ الامام العالم
السيد الشريف أبو هاشم علاء الدين علي بن أبي المحاسن محمد بن علي
ابن حمزة بن الحسن الحسيني والعلامة الحافظ قاضي القضاة ولي الدين
أبو زرعة احمد ابن الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي
المصري الشافعي وأصيل الدين عبد الرحمن بن حيدر بن علي بن أبي
بكر الدهقلي مشافهة قالوا أخبرنا به مؤلفه أذنا فقال:
12

الحمد لله تعالى على نعمائه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم أنبيائه
ورضي عن آله وصحبه خير أوليائه. وبعد فهذه تراجم جماعة من الحفاظ وأهل
الحديث الايقاظ جعلتها ذيلا على الطبقات الكبرى تأليف شيخنا الامام
الحافظ الكبير والعلم الشهير شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن
عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي الشافعي رحمة الله عليه فأقول مستعينا
بالله تعالى:
* (الطبقة الثانية والعشرون وعدتهم سبعة أنفس) *
* (قطب الدين الحلبي) *
عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي (1) الحافظ المتقن المقري
المجيد أبو علي الحلبي ثم المصري مفيد الديار المصرية ولد في رجب سنة
أربع وستين وستماية وقرأ بالسبع على الشيخ إسماعيل المليجي (2)
صاحب أبي الجود سمع من ابن العماد وإبراهيم المنقذي والعز الحراني
وغازي الحلاوي وابن البخاري وهذه الطبقة فمن بعدهم حتى كتب عن

(1) الحنفي، وهو الذي حث الحافظ عبد القادر القرشي على تصنيف (طبقات
الحنفية) وأعانه فيه، وقد ترجمه القرشي في طبقاته، وحفيده المسند قطب الدين
عبد الكريم ابن تقي الدين محمد شيخ البدر العيني في معاجيم الطبراني. يوافقه اسما
ولقبا وقد توفي هذا سنة تسع وثمانمائة.
(2) بفتح الميم وبالجيم نسبة لمليج من المنوفية ذكره السخاوي. وأبو الطاهر
إسماعيل المليجي هذا هو آخر أصحاب أبي الجود غياث بن فارس المتوفى سنة خمس وستمائة.
13

تلامذته (1) وصنف وخرج وأفاد، وعمل تاريخا لمصر بيض بعضه (2)
وشرح السيرة للحافظ عبد الغني في مجلدين (3) وعمل أربعين تساعيات
وأربعين متباينات وأربعين بلدانيات وشرح أكثر صحيح البخاري في
عدة مجلدات (4) وحج مرات، قال شيخنا الذهبي: جمع وخرج وألف
تآليف متقنة مع التواضع والدين والسكينة وملازمة العلم والمطالعة

(1) لعل شيوخه يبلغون الألف على ما قاله ابن حجر وغيره.
(2) قاله ابن حجر: جمع لمصر تاريخا حافلا، لو كمل لبلغ عشرين مجلدا بيض
منه المحمدين في أربعة مجلدات اه‍ وزاد ابنه التقى المتوفى في سنة اثنتين وسبعين
وسبعمائة مجلدا في المحمدين أيضا.
(3) سماه (المورد الهني) ويقول عنه السخاوي انه نافع جدا.
(4) وهو كبير أيضا بيض منه إلى نصفه فبلغ ما بيض عشر مجلدات، ومنه
ومن شرح الحافظ مغلطاي يستمد من بعدهما من شراح الصحيح لا سيما ابن
الملقن فإنه يعتمد عليهما بل ينسخ منها نسخا، وللمترجم القدح المعلى في الكلام
على بعض أحاديث المحلى لابن حزم وكانت أحاديثه تتطلب ان يتكلم فيها مثله اتقانا
وبراعة لان ابن حزم تحدى جماهير فقهاء الأمة بسلاطته المعروفة في كتابه هنا على
أوهام منه في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل مع ما عنده من الشذوذ عن
الجماهير في التفريع والتأصيل، وله أيضا الاهتمام بتلخيص الالمام لابن دقيق العيد
مع اصلاح ما وقع فيه من الأوهام من عزو الحديث إلى غير من خرجه ونحوه،
وان كان ابن تيمية يقول عن الالمام انه ما صنف مثله في أحاديث الاحكام ولا
كتاب جده، ومما يذكر للمترجم من جميل أخلاقه سماحة بإعارة الكتب
للطالبين.
14

ومعرفة الرجال ونقد الحديث، سمعت منه بمصر ومكة، وتوفي في
رجب سنة خمس وثلاثين وسبعماية (1).
قلت وفيها مات شيخنا برهان الدين إبراهيم بن محمد اللواتي (2) رئيس
المؤذنين وأطيبهم صوتا عن أكثر من سبعين سنة حدث عن الرضي بن
البرهان وابن عبد الدايم وجماعة، ومات بعده بشهر ابنه المحدث المفيد
أمين الدين محمد عن إحدى وخمسين سنة حدث عن الشرف بن عساكر
وابن مؤمن وخلق، ومات في صفر مسند الشام بدر الدين عبد الله بن
الحسين بن أبي التائب الأنصاري الشاهد (3) عن نحو تسعين سنة حدث
عن العراقي والبلخي (4) وطائفة، قلت ومات مجود الشام بهاء الدين
محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين عبد الرحيم بهذه السنة، ومات بمصر
الواعظ شمس الدين حسن بن أسد بن مبارك بن الأثير سمع الحافظ
المنذري والنجيب عاش أربعا وثمانين سنة، ومات في ذي القعدة المعمرة

(1) ودفن بمصر خارج باب النصر جوار زاوية خاله المسند المقرئ الشيخ
نصر المنبجي الحنفي.
(2) نسبة إلى لواتة قبيلة من البربر على ما في معجم البلدان.
(3) قال الذهبي في المشتبه: شيخ معمر في وقتنا شاهد يروى الكثير. وقال
ابن حجر تفرد بأشياء ويقال انه الحق بخطه في بعض الاجزاء فلم يوافقه أحد على
ذلك ولا سمعوا عليه منه شيئا اه‍.
(4) هما رشيد الدين أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسن العراقي وأبو بكر
عبد الله بن محمد بن أبي بكر أحمد بن خلف البلخي كلاهما من أصحاب السلفي
وحدثا عنه بدمشق.
15

زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمية
عن سبع وثمانين سنة روت عن اليلداني (1) وإبراهيم بن خليل وأجاز.
له السبط (2) وتفردت، ومات ملك العرب حسام الدين مهنا بن الملك
عيسى بن مهنا الطائي بقرية سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة
ولبسوا السواد لموته.
* (ابن سيد الناس) *
الامام العلامة الحافظ المفيد الأديب البارع المتقن فتح الدين أبو
الفتح محمد بن الإمام الحجة أبي عمرو محمد بن حافظ المغرب أبي بكر محمد
ابن أحمد بن عبد الله ابن سيد الناس الأندلسي اليعمري المصري الشافعي
ولد سنة إحدى وسبعين وستماية وأجاز له النجيب عبد اللطيف وجماعة
وسمع من العز الحراني وغازي الحلاوي وابن الأنماطي وخلق، وقدم

(1) هو تقي الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن
القرشي الدمشقي البلداني المتوفى سنة 655 وفي الشذرات اليلداني نسبة إلى يلدا من
قرى دمشق قال السخاوي بفتح المثناة التحتانية وفتح اللام ورأيت بخط البدر العيني
في رجال معاني الآثار ضبط اللام بالسكون عند ذكر سبط بن أبي الفهم عبد الرحمن
ابن أبي عبد الولي اليلداني المتوفى سنة 725 راوي معاني الآثار عن الضياء المقدسي
وهو الأظهر.
(2) سبط السلفي الجمال أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي الإسكندراني المتوفى
في سنة إحدى وخمسين وستمائة.
16

دمشق ليالي وفاة ابن البخاري (1) فلم يدركه وسمع ابن المجاور ومحمد
ابن مؤمن والتقي الواسطي وخلق، قال الذهبي: هو أحد أئمة هذا الشأن
كتب بخطه المليح كثيرا وخرج وصنف وعلل وفرع وأصل وقال الشعر
البديع وكان حلو النادرة كيس المحاضرة جالسته وسمعت بقراءته وأجاز لي
مروياته، مات فجأة في حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعماية
ودفن بالقرافة وكان أثريا في المعتقد يحب الله تعالى ورسوله (2)

(1) هو فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن قدامة المقدسي
المولود سنة ست وتسعين وخمسمائة والمتوفى سنة تسعين وستمائة عرف بابن البخاري
لان أباه أقام ببخارى مدة يشتغل بالخلاف على الرضى النيسابوري كما ذكره ابن رجب
في ترجمة والده، وقال الامام المؤرخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه
في ترجمة الفخر ابن البخاري: وانفرد بالرواية حتى لم يبق في زمانه أعلى اسنادا منه،
وخرج له الجمال بن الظاهري الحنفي بالديار المصرية مشيخة وبعث بها إليه إلى دمشق
وتسامع به الناس وكان عدة الجماعة الذين سمعوها أول وقت نحوا من الف ومأتي نفر
وكانوا يحملون الشيخ فخر الدين بين أربعة أنفس في آذار اه‍. من الفهرست
الأوسط لمؤلفه الحافظ شمس الدين محمد ابن طولون.
(2) ومن مؤلفاته (عيون الأثر في المغازي والسير) (والفوح الشذى في شرح
الترمذي) الا انه لم يكمل، قال ابن حجر: ولو اقتصر على فن الحديث من الكلام
على الأسانيد لكمل لكن قصده ان يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد اه‍.
قال الشمس ابن طولون: قد وقفت في كتب شيخنا السيد كمال الدين بن
حمزه الحسيني على كتاب الفوح الشذي لابن سيد الناس والتكملة عليه للزين
العراقي في أحد عشر مجلدا في قطع النصف البلدي وبعض الاجزاء بخط الشمس
السخاوي ويظهر من الجزء الأخير أن العراقي مات قبل ان يكمل التكملة اه‍
17

قلت ومات عام وفاته بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان
ابن عمر الأذرعي الشافعي المعروف بالزرعي (1) عن تسع وثمانين سنة
حدث عن ابن عبد الدايم وجماعة وولى قضاء مصر سنة ثم قضاء دمشق
بعد ابن صصري، ومات بحماة الفقيه القدوة نجم الدين عبد الرحمن بن
الحسن اللخمي القبابي (2) الحنبلي الزاهد عن ست وستين سنة، ومات
بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي بن قاسم الفاقوسي
(3) مدرس قبة الشافعي مات في عشر التسعين، ومات الصاحب شمس
الدين عدنان السلماني بمصر في عشر الثمانين، يقال أدى في المصادرة ألفي
ألف درهم.
* (البرزالي) * (4)
الشيخ الامام الحافظ العمدة محدث الشام ومؤرخه ومفيده علم

ملخصا ومن خطه على شرح علل الترمذي لابن رجب نقلته. ولابن سيد الناس
افتتان بالأسجاع في تراجم الرجال يكاد القارئ يتيه فيها عن الاهتداء إلى معرفة
مقاديرهم على وجه الصواب.
(1) ولد بأذرعات وولى قضاء زرع بالضم وكلاهما من اعمال الشام والنسبة إلى
الأولى أذرعي والى الثانية زرعي فشهر بالنسبة إلى الثانية.
(2) بالكسر نسبة لقباب حماة قاله السخاوي.
(3) نسبة لفاقوس من الشرقية على ما ذكره السخاوي.
(4) نسبة إلى برزالة بالكسر بطن من البربر كما جاء في شرح القاموس للزبيدي.
18

الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الإشبيلي الأصل
الدمشقي الشافعي ولد في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستماية وسمع
في سنة ثلاث وسبعين وستماية وهلم جرا حتى مات في رابع ذي الحجة سنة
تسع وثلاثين وسبعماية محرما بخليص (1) وسمع أباه وأحمد بن أبي الخير
والشيخ شمس الدين (2) وابن البخاري وابن علان والقاسم الأربلي
والعز الحراني (3) وابن الدرجي (4) وأكثر عنهم وعن خلق من أصحاب
ابن طبرزد والكندي (5) وحنبل وابن الحرستاني، ثم عن خلق من

(1) خليص بصيغة التصغير حصن بين مكة والمدينة - معجم البلدان
(2) ابن أبي عمر المقدسي.
(3) عبد العزيز بن عبد المنعم بن الصيقل المتوفى سنة 686.
(4) بفتح الدال والراء كما ضبطه الشرف الدمياطي في مشيخته وهو إبراهيم بن
إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى الدمشقي المترجم هو وأبوه في طبقات القرشي، أخذ
عنه وعن أبيه الحافظ الدمياطي ولم يدرك البرزالي أباه وخرج لابنه مشيخة.
(5) هو المسند المعمر المحدث المقرئ راوية كتب الأدب العلامة تاج الدين
أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى سنة ثلاث عشرة وستمائة وهو ابن
ثلاث وتسعين جمع بين الرواية والدراية وملأ الدنيا بأسانيد رواياته العالية، قال
الحافظ أبو شامة: كان سكنه بدمشق بجيرون بدرب العجمي فكم ازدحم في ذلك
الدرب من شيوخ العلم وطلبة أولاد الملوك وخدمته ومتى ما أريد اعتبار ذلك
فلينظر في الكتب التي عليها طبقات السماع عليه ليعلم جلالة من كان يتردد إليه
وكان واسع الرواية وافر الدراية اه‍. وأطراه وأطال في ترجمته في ذيل الروضتين
وكذا الشمس ابن الجزري المقري في طبقات القراء.
19

أصحاب ابن ملاعب وابن البن وابن أبي لقمة (1) وغيرهم، ثم عن خلق
من أصحاب ابن الصباح وابن الزبيدي وابن اللتي وابن باقا، ثم عن خلائق
من أصحاب أصحاب السلفي وابن عساكر، ثم عن العدد الكبير من أصحاب
أصحاب البوصيري وابن كليب والخشوعي وأقرانه وفضلاء زمانه بالحرمين
ومصر ودمشق والقدس وحلب وحماة وإسكندرية وعدة مداين، وأجاز
له ابن عبد الدايم والنجيب عبد اللطيف وابن أبي اليسر وابن عزون
وابن علاق (2) وخلق كثير بمعجمه بالسماع وبالإجازة نحو ثلاثة
آلاف شيخ، وكتب الكثير من الكتب المطولة والاجزاء العالية
المفيدة، وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه وسمع منه طوائف وحدث
عنه خلق في حياته وبعد وفاته، وحج مرات حتى مات، ووقف كتبه
وأجزاءه أحسن الله جزاءه.
أخبرنا الحافظ أبو محمد البرزالي وأبو الحجاج المزي بقراءتي على كل
واحد منهما في شوال سنة ثمان وثلاثين وسبعماية قالا أخبرنا المسلم بن
علان وأبو الحسن بن البخاري قال أخبرنا حنبل الرصافي قال أخبرنا أبو

(1) هو المسند المعمر أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي
الصفار المعروف بابن أبي لقمة المتوفى سنة 623 عن ست وتسعين سنة على ما في
شذرات الذهب لابن العماد.
(2) هو عبد الله بن عبد الواحد المتوفى سنة 672.
20

القسم بن الحصين قال أخبرنا أبو علي ابن المذهب (1) قال أخبرنا أبو بكر
القطيعي قال حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال
قال حدثنا الشافعي قال حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان
(2) مولي ابن أبي احمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة اشتراء
التمر بالتمر في رؤس النخل، والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة.
رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ورواه مسلم عن أبي الطاهر
ابن السرح عن ابن وهب كلاهما عن مالك.
وقد مات عام وفاة شيخنا هذا عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن بن
الخطيب عبد الحق ابن شمائل (3) البغدادي الحنبلي مدرس البشيرية عن
إحدى وثمانين سنة طلب الحديث وعمل معجما وشرح المحرر في ستة أسفار،
وحدث عن عبد الله بن أبي الحسن والشرف بن عساكر، وله نظم جيد،
ومات بمصر قاضي حلب فخر الدين عثمان بن الخطيب حسين بن علي بن
عثمان الشافعي عن سبع وسبعين سنة، ومات بدمشق قاضي قضاة

(1) بضم الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الهاء عرف به بعض أجداده على
ما قاله ابن السمعاني في الأنساب.
(2) قيل اسمه وهب وقيل قزمان ثقة - تقريب.
(3) كان يدعى جده بابن شمائل. والمدرسة البشيرية غربي بغداد ذكره
ابن رجب.
21

الإقليمين (1) جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي في
نصف جمادى الأولى وله ثلاث وتسعون سنة ولد بالموصل وتفقه وأفتى
ودرس وناظر وتخرج به خلق، ناب في القضاء لأخيه امام الدين ولابن
صصري ثم ولي خطابة دمشق ثم قضاءها ثم قضاء الديار المصرية إحدى
عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق، حدث عن الفاروثي وغيره، ومات
القاضي الإمام الزاهد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة عز الدين
محمد بن عبد القادر الأنصاري ابن الصائغ عن ثلاث وستين سنة حدث
عن ابن شيبان والفخر وطائفة، خطب بالمسجد الأقصى ثم ترك، وكان
عرض عليه قضاء دمشق وجاءه التقليد فامتنع، ومات بمصر المعمر
موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد الشارعي من أبناء التسعين وهو آخر
من حدث عن جد أبيه (2) محمد بن عثمان بن مكي، ومات بدمشق
المفتي زين الدين عباد الحنبلي عن ثمان وستين سنة حدث بالصحيح عن
القاسم الأربلي وولي العقود والفسوخ، ومات شيخ بلاد الجزيرة القدوة
شمس الدين محمد بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي
ببلاد سنجار عن تسع وثمانين سنة حدث عن الفخر وغيره، ومات
العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري الدمشقي صاحب التاريخ
الكبير (3) في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة روى عن إبراهيم

(1) يعني القطرين مصر والشام.
(2) يعني سماعا.
(3) وسمى تاريخه الكبير بحوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من
22

ابن احمد والفخرين البخاري وكان به صمم رحمه الله تعالى.
* (أبو حيان الأندلسي) *
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي (1) الجياني
الأندلسي ثم المصري الشيخ الامام العلامة المحدث البارع ترجمان العرب
ولسان أهل الأدب أثير الدين الغرناطي المولد والمنشأ المصري الدار
والوفاة الظاهري المذهب (2) ولد سنة أربع وخمسين وستماية في أواخر
شوال بطخشارش وهي مدينة مسورة من اعمال غرناطة، ونشأ بغرناطة
وقرأ بها القراءات والنحو واللغة وسمع كثيرا ونظم وأقرأ بها العربية
من سنة أربع وسبعين وما بعدها وسمع أيضا بالمالقة والمرية والجزيرة
الخضراء وجبل الفتح وغيرها، ثم ارتحل عن الأندلس في أول سنة

أبنائه على ما يقوله الحافظ الشمس ابن طولون حيث ينقل عنه في المجلد الأول من
الفهرست الأوسط له، قال ابن حجر جمع تاريخا مشهورا وله شعر وسط وخرج
له البرزالي مشيخة. قال الذهبي كان حسن المذاكرة سليم الباطن صدوقا في نفسه
لكن في تاريخه عجائب وغرائب اه‍. والقطب اليونيني كثير النقل عن تاريخه في
ذيله على مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي.
(1) نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر قاله ابن العماد
في شذرات الذهب.
(2) قال ابن حجر: حضر مجلس الشمس الأصبهاني وكان ظاهريا وانتمى
إلى الشافعية واختصر المنهاج وكان أبو البقاء يقول إنه لم يزل ظاهريا قلت كان أبو
حيان يقول: محال ان يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهن: وكان سالما في
العقيدة من البدع الفلسفة والاعتزال والتجسيم اه‍.
23

سبع وسبعين وسمع بسبتة وبجاية وتونس والإسكندرية وقرأ بها القراءات
أيضا، وحج في هذه السنة فسمع بمكة ومنى ورجع على جدة فسمع
بها وبعيذاب (1) وقوص، ثم قدم مصر في سنة ثمانين وستماية فسمع بها
الكثير من مشيخة وقته وقرأ بها أيضا القراءات والعربية، وتصدر بها
لاقراء العربية بالجامع الحاكمي والجامع الأقمر، ودرس التفسير بالجامع
الطولوني والقبة المنصورية، ثم أضيف إليه مشيخة الحديث بها أيضا
فباشر هذه الوظائف كلها حتى مات، وأمضى أكثر عمره على الأقراء
والتصنيف وقرأ عليه الأئمة الكبار وتلمذوا له وأكثروا من كتب
تصانيفه في حياته والاخذ عنه، وممن سمع عليه الحديث بغرناطة الأستاذ
أبو جعفر أحمد بن الزبير وأبو جعفر بن بشير وابن الطباخ وأبو علي بن
أبي الأحمر وأبو الحسن بن الصائغ وغيرهم، وبمالقة أبو عبد الله محمد
ابن عباس القرطبي، وببجاية أبو عبد الله محمد بن صالح الكناني،
وبتونس أبو محمد عبد الله بن هارون وأبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن
عتاب، وبالإسكندرية عبد الوهاب بن حسن بن الفرات روى له
بالإجازة عن الصيدلاني وابن ياسين والارتاحي (2) وأبو بكر عبد الله

(1) عيذاب بالفتح فالسكون ثم ذال معجمة وآخره باء موحدة بليدة على ضفة
بحر القلزم هي مرسى المراكب التي تقدم من عدن إلى الصعيد.
(2) نسبة إلى (ارتاح البصر) من اعمال قيسارية بساحل الشام بها رد على يعقوب
عليه السلام بصره نقله الداودي عن المقريزي كما في ذيل الباب لأبي العباس احمد
ابن العجمي، واليها ينسب أبو عبد الله محمد بن أحمد المتوفى سنة 601، وحفيد
24

ابن أحمد بن إسماعيل بن فارس حدثه عن الكندي، وبمكة ومنى أبو
الحسن علي بن صالح الحسيني ويوسف بن إسحاق الطبري نبأه عن ابن
البنا، وشيوخه بالقاهرة ومصر كثيرون منهم عبد العزيز ابن الصيقل
الحراني ومحمد بن إسماعيل بن الأنماطي و عبد الرحمن ابن خطيب المزة
وغازي الحلاوي ومحمد بن إبراهيم بن ترجم (1) وشامية بنت البكري
والحافظ شرف الدين الدمياطي فأكثر عنه وعن خلق، ومن عيون
تصانيفه (البحر المحيط) في التفسير و (شرح التسهيل) وهما كبيران جدا
و (ارتشاف الضرب من لسان العرب) و (التجريد لأحكام سيبويه)
وكتاب التذكرة نحو ثلاث مجلدات، ومن الكتب الصغار ما ينيف
على أربعين تصنيفا وغالبها في القراءات والعربية، قال الذهبي: هو
الامام العلامة ذو الفنون حجة العرب عالم الديار المصرية وصاحب
التصانيف البديعة وله عمل جيد في هذا الشأن وكثرة طلب، وقال
العلائي كان علامة كثير النقل والاطلاع جدا إلى ما لا يوصف لكنه
ظاهري التصرف جامد في البحث وكان لسانه مسترسلا في الوقيعة في

أخيه أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم المتوفى سنة 658. وسبط أبي عبد الله احمد
ابن حامد المتوفى 659، وارتاح بفتح الهمزة وسكون الراء قلعة بحلب ينسب إليها
جماعة من القدماء على ما في المعجم والمراصد، والظاهر أن ضبطهما واحد، ولم
يعدهما الذهبي من المشتبه مع كثرة من نسب إليهما من الرواة.
(1) المتوفى سنة 692 وفي مشتبه الذهبي: ترجم بمثناة وجيم مشكولتين بالفتح
بالمعمر محمد بن ترجم راوي الترمذي بالقاهرة عن ابن البناء اه‍.
25

الناس جدا إلى آخر عمره لا يتورع عن ذكر أحد سواء كان من أئمة
الاسلام المتقدمين أو المتأخرين فالله تعالى يسامحه فإنه لم يقلع عن ذلك
إلى آخر وفاته قال وسمعت منه أشياء من ذلك بشعة وكانت وفاته (1)
في ثاني عشري صفر سنة خمس وأربعين وسبعماية ودفن بمقابر الصوفية.
قلت أجاز لي مروياته بخطه في آخر سنة أربع وأربعين وسبعماية
وهو ضرير البصر.
أنبأنا الحافظ أثير الدين أبو حيان النفزي وحدثني عنه الحافظ
صلاح الدين خليل العلائي قال أخبرنا الأديب الكاتب أبو محمد عبد
الله بن محمد بن هارون الطائي قراءة منى عليه بمدينة تونس ضحى يوم الجمعة
السادس عشر لجمادي الأولى سنة تسع وسبعين وستماية ونقل لنا انه
اختلط بآخره قال أخبرنا قاضي الجماعة الفقيه على مذهب أهل الحديث
أبو القاسم أحمد بن أبي الفضل المخلدي النفري وهو آخر من حدث عنه
بالسماع قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الحق الخزرجي وهو آخر
من حدث عنه قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع
قال حدثنا يونس ابن مغيث قال حدثنا أبو عيسى (2) قال حدثنا
أبو مروان (3) قال حدثنا يحيى ابن يحيى قال حدثنا مالك عن

(1) بمنزله بظاهر القاهرة. وفيما ذكره العلائي بعض تحامل سامحهما الله
(2) يحيي بن عبد الله بن يحيي القرطبي.
(3) عبيد الله بن يحيى القرطبي أخو جد أبي عيسى المتقدم.
26

نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) هذا حديث جيد
الاسناد رجاله كلهم علماء وهم بين قرطبي ومدني فمن شيخنا إلى يحيى بن يحيى
قرطبيون ومن مالك إلى ابن عمر مدنيون، وقد رواه مسلم عن يحيى
موافقة، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وعن قتيبة كلاهما عن
مالك رحمه الله.
وقد مات عام خمس وأربعين بدمشق الامام العلامة قاضي القضاة
جلال الدين أبو المفاخر أحمد بن قاضي القضاة حسام الدين أبي الفضائل
الحسن بن أحمد بن الحسين ابن أنوشروان الرازي الحنفي عن ثلاث
وتسعين سنة ولي قضاء دمشق وحدث عن ابن المجاور، ومات بأطرابلس
المجد السني محمد بن عيسى بن يحيى المصري ثم الدمشقي الصوفي عن
اثنتين وسبعين سنة حدث بالترمذي عن ابن ترجم، ومات بدمشق شيخ
الأدب نجم الدين علي بن داود اليحياوي الحنفي خطيب جامع تنكز،
وماتت ببعلبك المعمرة أمة العزيز بنت الحافظ شرف الدين أبي الحسن
اليونيني (1) عن سن عالية حدثت عن الشيخ شمس الدين وابن علان

(1) نسبة إلى يونين من قرى بعلبك. وفي المراصد والقاموس يونان بالضم
قرية بها فعلى الثاني النسبة شاذة والقياس يوناني. ويونان أيضا قرية بين بردعة
وبيلقان كما في ذيل لب اللباب.
27

ونصر الله بن حواري (1) وغيرهم، ومات بالصالحية المعمر زين الدين
عبد الرحمن بن حسين بن مناع التكريتي عن نحو تسعين سنة حدث
عن ابن عبد الدائم وغيره، ومات بها أيضا المعمر عثمان بن سالم بن خلف
البلدي (2) وقد جاوز الماية حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم،
ومات بدمشق الامام المفتي أبو عمرو أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد
المالكي عن بضع وسبعين سنة حدث عن ابن البخاري وغيره، ومات
بالقاهرة كبير الامراء وعالمهم سنجر الجاولي المنصوري حدث بمسند
الشافعي (3) عن دانيال قاضي الكرك، ومات بدمشق قاضي القضاة
شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب الشافعي عن بضع وثمانين
سنة صاحب النواوي وحدث عن ابن البخاري وغيره، ومات ببرزة
خطيبها الصدر سليمان بن أحمد بن علي البانياسي عن إحدى وثمانين سنة
حدث عن ابن البخاري، وماتت بالصالحية المعمرة حبيبة بنت إبراهيم
ابن عبد الله بن أبي عمر المقدسية عن إحدى وتسعين سنة حدثت عن ابن

(1) هو الشيخ شرف الدين نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التنوظي
الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 677 ه‍ ذكره الذهبي.
(2) نسبة إلى البلد اسم بلدة بقرب الموصل تسمى بلد الحطب كما في الأنساب.
(3) وله شرح كبير على مسند الشافعي جميع فيه بين شرحي الرافعي وابن
الأثير.
28

عبد الدايم وغيره وأجاز لها محمد بن عبد الهادي (1) والحسن البكري
وطائفة، وفي ربيع الأول منها قتل السلطان الملك أحمد بن الملك الناصر
محمد بن قلاوون بالكرك رحمه الله تعالى.
* (أبو محمد ابن المحب) *
الشيخ الامام العالم الزاهد المحدث المفيد الحافظ محب الدين أبو
محمد عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم
المقدسي الأصل الصالحي الحنبلي ولد في المحرم سنة اثنتين وثمانين وستماية
وأسمعه أبوه من ابن البخاري وابن العقاب (2) وبنت مكي وجماعة
من الموجودين حينئذ، ثم طلب هو بنفسه في سنة ثمان وتسعين فأكثر
عن عمر القواس والشرف بن عساكر والغسولي (3) فمن بعدهم وعني
بهذا الشأن وجمع وخرج وأفاد وسمع أولاده وكان فصيحا بليغا سريع
القراءة، إذا حضر مع مشيختنا المزي والبرزالي والذهبي وتلك الحلبة

(1) المتوفى سنة 658 كما في الشذرات وهو الكبير واما محمد بن عبد الهادي
الصغير فسيأتي وهو متأخر بكثير.
(2) ولفظ ابن رجب: أسمعه والده من الفخر ابن البخاري وابن الكمال
وزينب بنت مكي وجماعة.
(3) نسبة إلى غسولة بفتح الغين المعجمة قرية من قرى دمشق كما في معجم
البلدان وغيره وهو المسند المعمر يوسف بن أحمد الغسولي المتوفى سنة سبعمائة
وعاش ثمانيا وثمانين سنة روى عن الموفق وغيره وهو أيضا من مشايخ الذهبي
وطبقته، كان أميا لا يكتب ذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب.
29

لا يتقدمه أحد في القراءة وكان كثير التلاوة متين الديانة مات في ربيع
الأول سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ودفن بقرب الموفق (1) رحمه الله
تعالى وكانت جنازته مشهودة، حدث عنه الذهبي في معجمه.
أخبرنا أبو الحسن علي الكاكوني سماعا عليه في سنة خمس وعشرين
وسبعماية قال أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد المصري اجازة ح
وحدثنا الحافظ محب الدين المقدسي يومئذ قال أخبرنا أبو محمد عبد الله
ابن محمد بن القزاز بقراءتي قالا أخبرنا أبو الفضل الجمال السعدي قال
حدثنا الحافظ أبو طاهر السلفي قال حدثنا أبو مطيع محمد بن عبد
الواحد المصري (2) املاءا بأصبهان قال أخبرنا علي بن يحيى بن
عبد كوبه قال أخبرنا أحمد بن سهل العسكري بالبصرة قال حدثنا مسدد
و عبد الأعلى قالا حدثنا خالد قال حدثنا سهيل عن بيه عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما منكم من أحد
ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدني الله
منه برحمته) رواه مسلم في صحيحه من حديث محمد بن سيرين عن أبي
هريرة رضي الله عنه بمعناه وخالد هو الحذاء رحمه الله.
* (ابن الفخر) *
الامام العالم الحافظ فخر الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الإمام

(1) بسفح قاسيون بصالحية دمشق.
(2) وأبو مطيع المصري مسند أصبهاني له عدة مجالس.
30

العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الإمام فخر الدين أبي محمد
عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي ثم الدمشقي الحنبلي ولد سنة خمس
وثمانين وستماية وحضر في الثانية على ابن البخاري وسمع من تقي الدين
الواسطي وعمر بن القواس وجماعة، ثم طلب بنفسه فسمع أبا الفضل
ابن عساكر وخلقا، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: تفقه وطلب
هذا الشأن وارتحل فيه مرات وكتب العالي والنازل من سنة خمس
وسبعماية وهلم جرا وخرج وأفاد الخاصة والعامة، سمع مني وسمعت منه
وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعماية.
قلت وفيها مات الملك المؤيد صاحب حماة وصاحب التاريخ، وقاضي
الشام علم الدين الأخنائي (1) الشافعي، وكبير الامراء بكتمر الساقي.
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بقراءتي، عليه أخبرنا عبد الرحمن
ابن محمد الحافظ قال أخبرنا إبراهيم بن علي قال أخبرنا داود بن ملاعب
قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا محمد بن علي العباسي قال أخبرنا
عمر بن أحمد الواعظ قال حدثنا أحمد بن القسم بن نصر قال حدثنا أبو
همام قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذي يجر ثوبه
خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة).
تابعه أبو أسامة وغيره ورواه النسائي عن إسماعيل بن مسعود عن

(1) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة على ما في الضوء وغيره.
31

بشر بن الفضل عن عبد الله بن عمر بنحوه ورواه البخاري عن عروة.
* (ابن المظفر) *
الشيخ الامام العالم الحافظ المتقن الحجة المفيد شهاب الدين أبو
العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد المظفر بن بدر بن الحسن بن مفرح بن
بكار النابلسي الأصل المكي الدمشقي الشافعي سبط الحافظ زين الدين
خالد ولد في رمضان سنة خمس وسبعين وستماية وسمع زينب بنت مكي
والشيخ تقي الدين بن الواسطي وعمر بن القواس والشرف بن عساكر
وخلقا كثيرا وعني بهذا الشأن دهرا، حدث عنه الذهبي في معجمه،
سمع منه قديما سنة ثلاث وتسعين وقال: له فهم ومعرفة وحفظ على
شراسة أخلاقه (1). قلت ولي مشيخة العزية والنفيسية ومات في دمشق
في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وسبعماية وكان يحفظ ويذاكر.
أخبرنا أبو العباس بن المظفر الحافظ بقراءتي عليه في سنة أربع
وأربعين وسبعماية قال أخبرتنا زينب بنت مكي سماعا عليها في شوال

(1) وفي الدرر الكامنة قال الذهبي في حق ابن المظفر: الحافظ المحرر أكب
على الطلب زمانا وترافقنا مدة وكتب وخرج وفي خلقه زعارة وفي طباعه نفور،
ثم قال: وعليه مآخذ وله محاسن ومعرفة، وفي المعجم الكبير: له معرفة وحفظ على
شراسة خلق ثم صلح حاله، قال البرزالي محدث فاضل على ذهنه فضيلة وفوائد
كثيرة تتعلق بهذا الفن ثم ترك وانقطع وكان تفرد بأجزاء وأشياء، لم يتزوج
قط اه‍.
32

سنة أربع وثمانين وستمائة قال أخبرنا حنبل المكبر (1) قال أخبرنا أبو
القاسم الشيباني (2) قال أخبرنا الحسن بن علي التميمي (3) قال أخبرنا
أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي (4) قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال
حدثنا أبي قال حدثنا سفيان قال أخبرني عبد الله انه سمع ابن عباس
رضي الله عنهما يقول انا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة
في ضعفاء أهله، وبه قال حدثنا سفيان عن أبي الزبير سمعه من جابر
رضي الله عنه قال (كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في سقاء فإذا لم
يكن سقاء فتور (5) من حجارة). رواه مسلم عن أحمد بن يونس ويحيى

(1) هو الشيخ المسند راوي مسند الإمام أحمد أبو على حنبل بن عبد الله بن
الفرج البغدادي الرصافي المكبر المتوفى سنة أربع وستمائة وهو ابن تسعين سنة ترجمه
أبو شامة في ذيل الروضتين.
(2) هو أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن
الحصين الشيباني المتوفى سنة خمس وعشرين وخمسمائة وهو ابن أربع وتسعين سنة
على ما بينه الحافظ ابن طولون الحنفي في الفهرست الأوسط.
(3) هو أبو على الحسن علي بن محمد التميمي المعروف بابن المذهب، توفي
سنة أربع وأربعين وأربعمائة عن تسع وثمانين سنة ذكره الشمس ابن طولون.
(4) نسبة إلى قطيعة الرقيق ببغداد وهو الشيخ أبو بكر أحمد بن جعفر بن
حمدان بن مالك بن شبيب بن عبد الله القطيعي توفي سنة سبع وستين وثلثمائة عن
ست وتسعين سنة كما في الفهرست الأوسط.
(5) التور بالفتح إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه - نهاية ابن
الأثير.
33

بن يحيى وأبو داود عن النفيلي ثلاثتهم عن زهير عن ابن الزبير رضي
الله عنهما.
* (الطبقة الثالثة والعشرون وعدتهم خمسة) *
* (الذهبي) *
الشيخ الامام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء محدث
الشام ومؤرخه ومفيده شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان
ابن قايماز بن عبد الله التركماني الفارقي (1) الأصل الدمشقي الشافعي
المعروف بالذهبي مصنف الأصل ولد سنة ثلاث وسبعون وستماية بدمشق
وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جرا وسمع بدمشق من أبي
حفص عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر وخلق، وبمصر الأبرقوهي (2)
وبالقاهرة الدمياطي، وبالثغر الغرافي (3)، وببعلبك التاج عبد
الخالق، وبحلب سنقر الزيني، وبنابلس العماد بن بدران، وبمكة التوزري،

(1) نسبة إلى ميافارقين.
(2) بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء نسبة إلى أبرقوه
بأصبهان وهو أحمد بن إسحاق المتوفى سنة 701 على ما في شذرات الذهب.
(3) قال الذهبي في المشتبه: الغراف بفتح المعجمة وتشديد الراء بليدة ذات
بساتين آخر البطائح وتحت واسط واليها ينسب شيخنا تاج الدين علي بن أحمد العلوي
الغرافي محدث الإسكندرية.
34

وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد والكندي وحنبل وابن الحرستاني
وغيرهم من شيوخه في معجمه الكبير أزيد من ألف ومأتي نفس بالسماع
والاجازة، وخرج لجماعة من شيوخه وجرح وعدل وفرع وصحح وعلل
واستدرك وأفاد وانتقى واختصر كثيرا من تآليف المتقدمين والمتأخرين
وكتب علما كثيرا، وصنف الكتب المفيدة فمن أطولها (تاريخ
الاسلام) ومن أحسنها (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) وفي كثير
من تراجمه اختصار يحتاج إلى تحرير (1) ومصنفاته ومختصراته وتخريجاته

(1) قال السخاوي في الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ عند ذكر الميزان:
وعول عليه من جاء بعده مع أنه تبع في ايراد كل من تكلم فيه ولو كان ثقة ولكنه
التزم ان لا يذكر أحدا من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين، وقد ذيل عليه الزين
العراقي في مجلد والتقط شيخنا (يعني ابن حجر) منه من ليس في تهذيب الكمال
وضم إليه ما فاته في الرواة وتراجم مستقلة مع انتقاد وتحقيق في كتابه لسان الميزان
وقد حققته عليه ولى عليه بعض الزوائد اه‍. وللعلامة قاسم بن قطلوبغا الحافظ
(تقويم اللسان) في مجلدين (وفضول اللسان). وقد قارن حافظ الشام ابن
ناصر الدين بين الذهبي والبرزالي والمزي فحكم للمزي بالتفوق في معرفة رجال
طبقات الصدر الأول، وللبرزالي في العصريين ومن قبلهم من الطبقات القريبة
منهم، وللذهبي في الطبقات المتوسطة بينهما تأييدا لقول بعض مشايخه. على أن الأهواء
قلما تتغلب على المزي والبرزالي في تراجم الناس بخلاف الذهبي، وقد انتقده على
خطته في تراجم الناس انتقادا مرا الحافظ ابن المرابط محمد بن عثمان الغرناطي
والتاج ابن السبكي ونسباه إلى التعصب المفرط، ولا تخلو خطته في التراجم من
ذلك لا سيما في تراجم الحشوية ومخالفيهم لبعده عن المعقول والعلوم النظرية
واكتفائه بالرواية والسماع كما هو شأن غالب الرواة المنصرفين إلى السماع والرواية
35

تقارب المائة وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان، وكان أحد
الأذكياء المعدودين والحفاظ المبرزين ولي مشيخة الظاهرية قديما ومشيخة
النفيسية والفاضلية والتنكزية وأم الملك الصالح ولم يزل يكتب وينتفي
ويصنف حتى أضر في سنة إحدى وأربعين ومات في ليلة الاثنين ثالث
ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعماية بدمشق ودفن بمقبرة الباب
الصغير رحمه الله تعالى، وكان قد جمع القراءات السبع على الشيخ أبي
عبد الله بن جبريل المصري نزيل دمشق فقرأ عليه ختمة جامعة لمذاهب
القراء السبعة بما اشتمل عليه كتاب التيسير لأبي عمرو الداني وكتاب
حرز الأماني لأبي القاسم الشاطبي وحمل عنه الكتاب والسنة خلائق
والله تعالى يغفر له.
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي سماعا عليه ستة إحدى وأربعين
وسبعماية قال أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي سماعا عليه
بمصر سنة خمس وتسعين وستماية قال أخبرنا أبو القاسم المبارك ابن أبي
الحسن ابن أبي القاسم بن أبي الجود قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي
غالب الوراق قال أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأنماطي

من صغرهم قبل النظر في مبادي العلوم سامحه الله، وقال ابن الوردي في تاريخه:
واستعجل قبل الموت فترجم في تواريخه الاحياء المشهورين بدمشق وغيرها واعتمد
ذكر في سير الناس على احداث يجتمعون به وكان في أنفسهم شئ من الناس فآذى
بهذا السبب في مصنفاته أعراض خلق من المشهورين اه‍.
36

قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص (1) قال حدثنا عبد الله
ابن محمد البغوي قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي (2) قال حدثنا
حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله
عز وجل بمدرجته ملكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أردت أخا لي في
قرية كذا وكذا قال هل له عليك من نعمة تبر بها قال لا الا اني أحبه
في الله تعالى قال إني رسول الله إليك ان الله قد أحبك كما أحببته فيه)
رواه مسلم عن عبد الأعلى فوافقناه بعلو ولله الحمد.
وأنشدنا سيدنا الامام العالم العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر
عبد الوهاب ابن شيخنا العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبي الحسن علي
ابن عبد الكافي السبكي قال أنشدنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ لنفسه:
تولى شبابي كان لم يكن * وأقبل شيب علينا تولى
ومن عاين المنحني والنقي * فما بعد هذين الا المصلى
وفي سنة ثمان وأربعين مات بدمشق قاضي القضاة وشيخ الشيوخ
شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي معين الدين أبي بكر بن الحسام
الأفرم بن عبد الوهاب الهمداني عن بضع وثمانين سنة ودفن بميدان

(1) بضم الميم وكسر اللام المشددة أبو طاهر الذهبي، وبالمخففة جماعة على ما في
مشتبه الذهبي، ولم يذكر ابن حجر الأول في نزهة الألباب في الألقاب.
(2) نسبة إلى جده نصر وكانت الفرس يقولون نرس فلا يفصحون به فغلب
عليه كما في المشتبه.
37

الحصى، وقاضي القضاة العلامة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن
عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي في ذي الحجة بالمزة عن
سن عالية حدث عن الفخر وغيره، وفي رمضان قتل المولى السلطان
الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون بمصر، ونائب دمشق سيف الدين
يلبغا اليحياوي ببلد القابون، والأمير حسام الدين طرنطاي المهمندار
الناصري أحد أمراء الألوف بدمشق حدث عن عيسى المطعم (1) وغيره،
والمعمر عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي (2) بقاسيون
حدث عن ابن عبد الدائم وابن جوشتكين وابنة كندي وطائفة، والتقي
أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر بن سبع البعلي حدث عن الفخر،
والأمير نجم الدين داود بن أبي بكر بن محمد البعلي ثم الدمشقي عرف
بابن الغرس حدث عن التاج عبد الخالق وغيره، والمعمر الزاهد عز
الدين محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر خطيب جامع قاسيون
عن خمس وثمانين سنة حدث عن ابن عبد الدائم وطائفة، حدث عن
البرزالي والذهبي والسبكي، وفرج بن علي بن صالح الحسيني حدث عن
الفخر وغيره، والصاحب تقي الدين بن هلال ناظر الدواوين بالشام شابا.

(1) كان يطعم الأشجار فلقب به، وقد يقال له السمسار أيضا لأنه كان
يشتغل بالسمسرة في الدور كما في الدرر الكامنة.
(2) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الدال المهملة نسبة إلى مردى مقصورا
قرية قرب نابلس على ما في ذيل لب اللباب.
38

* (السبكي) * (1)
الشيخ الامام الحافظ العلامة قاضي القضاة تقي الدين بقية المجتهدين
أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى تمام
الخزرجي الأنصاري السبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة ثلاث
وثمانين وستمائة، سمع بمصر من الحافظ شرف الدين الدمياطي وجماعة
من أصحاب ابن باقا وغيرهم، وبالإسكندرية من يحيى بن الصواف
وغيره، قدم دمشق عام سبع وسبعماية وسمع ابن الموازيني وابن المشرف
وخلق، وعني بالحديث أتم عناية وكتب بخطه المليح الصحيح المتقن
شيئا كثيرا من سائر علوم الاسلام، وهو من طبق الممالك ذكره ولم
يخف على أحد عرف اخبار الناس أمره وسارت بتصانيفه وفتاويه
الركبان في أقطار البلدان وكان ممن جمع فنون العلم من الفقه والأدب
والنحو واللغة والشعر والفصاحة والزهد والورع والعبادة الكثيرة
والتلاوة والشجاعة والشدة في دينه ولي قضاء الشام سنة تسع وثلاثين
وسبعماية وخطب في الجامع الأموي في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة
أياما، وتخرج به طائفة من العلماء وحمل عنه أمم ثم ضعف وترك القضاء
لولده الامام العلامة تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب فحكم نيابة عن

(1) نسبة إلى سبك بالضم والسكون من قرى مصر ذكره السيوطي في
لب اللباب.
39

والده أشهرا ثم حكم استقلالا في جمادى الأولى سنة ست وخمسين
وسبعماية، ثم توجه شيخنا قاضي القضاة تقي الدين إلى وطنه ومات بالقاهرة
يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة منها ودفن هناك رحمه الله تعالى، ومن
تصانيفه كتاب (التحقيق في مسألة التعليق) وهو الرد الكبير على
شيخنا تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق وكتاب (رفع الشقاق
في مسألة الطلاق) وكتاب (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) وهو
الرد على ابن تيمية وقد يسمى شن الغارة و (السيف المسلول على من
سب الرسول) وأكمل على شرح المهذب للنووي في خمس مجلدات وكتاب
(الابهاج في شرح المنهاج) للنووي.
ومات بدمشق هذا العام شيخنا المعمر خاتمة أصحاب ابن عبد
السلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الحفار عن تسعين سنة، وبالقاهرة
قاضي القضاة المالكية الامام العلامة نور الدين علي السخاوي حكم
بالقاهرة ثلاثة أشهر، ومات ببعلبك المعمر شجاع الدين عبد الرحمن
خادم الشيخ الفقيه اليونيني عن نحو ماية سنة حدثنا عن ابن البخاري
وغيره، والعدل بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الغني بن البطايني عن
ثمان وسبعين سنة حدثنا عن ابن سنان وغيره ومقدم العساكر بدمشق (1).
أخبرنا قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي
السبكي قراءة عليه وانا اسمع سنة أربعين وسبعماية قال أخبرنا أبو الحسن

(1) لم نهتد إلى قراءة اسمه في الأصل.
40

علي بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف بقراءتي عليه بالإسكندرية قال
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عماد الحراني قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن
رفاعة السعدي قال أخبرنا القاضي أبو الحسن الخلعي (1) قال أخبرنا أبو
محمد عبد الرحمن بن عمر البزار قال حدثنا أبو طاهر أحمد بن عمر المديني
قال حدثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال حدثنا عبد الله
بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد وقرة بن عبد الرحمن ومالك بن
انس عن ابن شهاب عن انس رضي الله عنه (ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه اعرابي وعن يساره أبو بكر
فشرب ثم أعطى الاعرابي فضله وقال الأيمن فالأيمن) رواه البخاري عن
إسماعيل ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي
عن قتيبة والنسائي عن هشام بن عمار خمستهم عن مالك رحمه الله تعالى.
* (العز ابن جماعة) *
الشيخ الامام العالم العلامة الحافظ قاضي القضاة عز الدين أبو عمر
عبد العزيز ابن الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام قاضي القضاة بدر
الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن محمد بن إبراهيم بن

(1) نسبة إلى بيع الخلع لأنه كان يبيعها لملوك مصر وهو أبو الحسن علي بن
الحسين الموصلي المتوفى بمصر سنة 492 وخرج له أبو نصر الشيرازي الخلعيات
في عشرين جزءا على ما ذكره السيوطي في حسن المحاضرة، والخلعي بكسر الخاء
المعجمة وفتح اللام كما ضبطه ابن خلكان
41

جماعة الكناني الشافعي المصري ولد سنة أربع وتسعين وستماية فحضر
على عمر بن القواس والأبرقوهي وأبي الفضل بن عساكر والحافظ شرف
الدين الدمياطي وجماعة، ثم طلب بنفسه فسمع بدمشق والحرمين
والقاهرة وأسمع أولاده وعني بهذا الشأن أتم عناية حتى ولي قضاء
الديار المصرية سنة ثمان أو تسع وثلاثين وسبعماية واستقضي مرارا ودرس
وأفتى، وصنف التصانيف المفيدة منها المنسك الكبير على المذاهب
الأربعة وغيره، وتنقل في الولايات الرفيعة، حج وجاور بالحجاز غير
مرة آخرها في موسم سنة ست وستين وسبعماية ومات بمكة بعد المولد
في التي تليها يوم الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين
ودفن بالمعلاة بجانب الفضيل بن عياض رحمه الله.
أخبرنا الحافظ عز الدين أبو عمر بن جماعة بقراءتي عليه بالقاهرة
في سنة سبع وخمسين وسبعماية قال أخبرنا أبو حفص عمر بن القواس
قراءة عليه وانا حاضر قال أخبرنا قاضي القضاة أبو القاسم بن الحرستاني
قال أخبرنا أبو الحسن السلمي قال أخبرنا أبو نصر بن طلاب (1) قال
أخبرنا أبو الحسين بن جميع قال حدثنا محمد بن الحسن بالرملة قال
حدثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدثنا وكيع بن الجراح قال حدثنا
هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله

(1) هو مسند دمشق وخطيبها أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب القرشي
المتوفى سنة سبعين وأربعمائة.
42

عليه وسلم (نعم الادام الخلل) رواه مسلم والترمذي عن الدارمي عن
يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن هشام به.
* (العلائي) *
هو الشيخ الامام العلامة الحافظ العمدة الحجة الأوحد البارع
صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي
الشافعي سبط البرهان الذهبي (1) ولد سنة أربع وتسعين وستماية وحفظ
القرآن وتعلم الفقه والنحو والأصول وبرع في الحديث ومعرفة الرجال
والمتون والعلل وخرج وصنف وأفاد، قال الذهبي: حفظ كتبا وطلب
وقرأ وأفاد وانتقى ونظر في الرجال والعلل وتقدم في هذا الشأن مع صحة
الذهن وسرعة الفهم، سمع ابن مشرف وست الوزراء والقاضي (2) وأبا بكر
الدشتي (3) والرضى الطبري وطبقتهم وحدثنا في درسه عن جماعة.
قلت شيوخه بالسماع نحو السبعماية أقدمهم وفاة الخطيب شرف الدين

(1) إبراهيم بن عبد الكريم بن راشد المحدث أبو إسحاق القرشي الذهبي
القطاع اخذ عن ابن عبد الدائم والزين خالد ولد سنة 630 ومات سنة 718.
(2) وهو تقي الدين سليمان المقدسي.
(3) نسبة إلى دشت محلة بأصبهان على ما ذكره ابن العماد في الشذرات وهو أبو
بكر أحمد بن محمد بن أبي القسم الدشتي المتوفى سنة 713 عن ثمانين سنة وهو من
مشايخ الذهبي وطبقته اخذ عن أبي الحجاج يوسف ابن خليل وطبقته في رواياته
عجائب وغرائب كعمه.
43

الفزاري (1) وصحب الامام العلامة كمال الدين ابن الزملكاني دهرا
طويلا وحضر وأخذ عنه علما كثيرا وهو الذي ألبسه زي الفقهاء وكان
يلبس زي الجند حتى بلغ خمس عشرة سنة، وأخذ صناعة الأدب والترسل
عن الامام شهاب الدين محمود الحلبي وغيره، ولبس خرقة التصوف
من العلامة المحدث المعمر صدر الدين أبي المجامع بن حمويه الجويني
وأجاز له خلق أقدمهم أبو جعفر محمد بن علي بن الموازيني وأبي الحسن علي
ابن القيم (2) وفاطمة بنت سليمان الأنصاري ومحمد بن يوسف الأربلي
وسبط زيادة، ومما خرجه من الحديث لنفسه متكلما على أسانيده ومتونه
كتاب (الأربعين في اعمال المتقين) في ستة وأربعين جزءا وكتاب (الأربعين
المعنعنة بفنون فنونها عن المعين) في اثني عشر جزءا وكتاب (الوشي المعلم
في ذكر من روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم) ستة
عشر جزءا وكتاب (الأربعين الآلهية) ثلاثة اجزاء و (عوالي مالك
السباعيات) ستة اجزاء (3) و (المجالس المبتكرة) عشرة اجزاء
والمسلسلات ثلاثة اجزاء وغير ذلك من الاجزاء المفردة في معان متعددة،
ومن كتب العلمية (النفحات القدسية) أربعون مجلدا ومقدمة كتاب

(1) هو أحمد بن إبراهيم بن سباع شرف الدين خطيب دمشق ومحدثها ونحويها
المتوفى سنة خمس وسبعمائة عن خمس وسبعين سنة.
(2) هو علي بن عيسى بن سليمان المعروف بابن القيم ولي نظر الأحباس
في عهد الظاهر بيبرس، اخذ عن سبط السلفي وغيره توفي سنة 690.
(3) وهي (البغية والملتمس في عوالي الامام مالك بن انس).
44

نهاية الاحكام في دراية الاحكام خمسة عشر جزءا وكتاب (تحفة الرائض
بعلوم آيات الفرائض) وكتاب (برهان التيسير في عنوان التفسير) وكتاب
(المباحث المختارة في تفسير آية الدية والكفارة) وكتاب (جامع التحصيل
لأحكام المراسيل) وكتاب (تحقيق منصب الرتبة لمن ثبت له شريف
الصحبة) وكتاب (تيسير حصول السعادة في تقرير شمول الإرادة)
وكتاب (تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم) وكتاب (شفاء المسترشدين
في حكم اختلاف المجتهدين) وكتاب (تفصيل الاكمال في تعارض بعض
الأقوال والأفعال) وكتاب (تحقيق الكلام في نية الصيام) وكتاب (فصل
القضاء في احكام الأداء والقضاء) و (رفع الاشتباه عن احكام الاكراه)
و (رفع الالتباس عن مسائل البناء والغراس) وكتاب (اتمام الفرائد
المحصولة في الأدوات الموصولة) وكتاب (الفصول المفيدة في الواو
المزيدة) و (المعاني العارضة عن الخافضة)، وله غير ذلك من التآليف المفردة
في علوم متعددة (1) ولي مشيخة الحديث بالمدرسة الناصرية بدمشق
قديما ونزل بيت المقدس وولي التدريس بالصلاحية والتنكزية وغيرهما
ودام على الاشغال والاشتغال بالتصنيف والافادة وجاور بالحجاز غير

(1) كاثارة الفوائد المجموعة في الإشارة إلى الفرائد المسموعة بين فيها شيوخه
ومسموعاته منهم، وله جزء تصحيح حديث القلتين و (سلوان التعزي بالحافظ أبي
الحجاج المزي) و (المجموع المذهب في قواعد المذهب) وغير ذلك، وله مع مغلطاي
ما يكون بين المتعاصرين. وكان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة وكان أشعريا
متصلبا.
45

مرة ومات يوم الاثنين ثالث المحرم سنة إحدى وستين وسبعماية بالقدس
الشريف ووقف اجزاءه بالخانقاه السميساطية والله يغفر له.
أخبرنا الحافظ الامام صلاح الدين العلائي سماعا عليه بالمسجد الأقصى
قال أخبرنا شيخنا أبو الفضل سليمان بن حمزة بقراءتي قال أخبرتنا كريمة
بنت احمد سماعا قالت أنبأنا محمد بن أحمد العباسي قال أخبرنا محمد بن
محمد الزينبي قال أخبرنا محمد بن عمر بن زنبور قال حدثنا عبد الله البغوي
قال حدثنا أحمد بن حنبل وجدي وزهير بن حرب وسريج بن يونس
وابن المقري قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل
وهو يعظ أخاه في الحياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم (الحياء من الايمان)
هذا حديث حسن صحيح فرد عزيز لاجتماع هؤلاء الأئمة فيه رواه
مسلم عن زهير عن حرب ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع جد البغوي
ورواه (1) عن ابن المقري فوقع لنا موافقة عالية لهم مع
اختلاف الشيوخ.
أنشدنا الامام صلاح الدين قال أنشدنا المعمر شهاب الدين محمد
ابن محمد بن دمرداش لنفسه قوله:

(1) هنا بياض ولعل الأصل (ورواه ابن ماجة عن ابن المقري) وفي سنن ابن
ماجة: حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا ثنا سفيان عن
الزهري الحديث. ومحمد بن عبد الله بن يزيد هو ابن المقري.
46

أقول لمسواك الحبيب لك الهنا * بلثم فم ما ناله ثغر عاشق
فقال وفي أحشائه حرقة الجوى * مقالة صب للديار مفارق
تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى * أعلله بين العذيب وبارق
* (ابن خليل) *
الشيخ الامام العالم الحافظ القدوة البارع الرباني بهاء الدين أبو محمد
عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني ثم المكي المقري
المالكي (1) نزيل القاهرة ولد سنة أربع وتسعين وستماية بمكة وتفقه
وعني بالحديث ورحل فيه وأخذ عن بيبرس العديمي بحلب، وعن القاضي
تقي الدين وست الوزراء وطائفة بدمشق، وعن التوزري (2) والرضي
الطبري بمكة، وعن طائفة بمصر وقرأ في المنطق، قال الذهبي: كان
حسن القراءة جيد المعرفة قوي المذاكرة في الرجال كثير العلم متين
الديانة كبير الورع مؤثر الانقطاع والخمول كبير القدر انقطع بزاوية
بظاهر الإسكندرية على البحر مرابطا قلت ثم استوطن القاهرة
وساءت أخلاقه والله تعالى يغفر له (3).

(1) وسيأتي في ذيل السيوطي انه شافعي المذهب.
(2) نسبة إلى توزر بالفتح ثم السكون وفتح الزاي وراء مدينة في أقصى إفريقية
من نواحي الزاب الكبير من اعمال الجريد - معجم البلدان.
(3) قال جار الله كاتب الأصل: أقول وترجمه التقي الفاسي في العقد الثمين
في تاريخ البلد الأمين وقال عقب هذا الكلام وغيره مطولا انه توفي يوم الاحد
47

أخبرنا الحافظ الزاهد بهاء الدين بن خليل المكي قراءة عليه وانا
اسمع بالقاهرة قال أخبرنا بيبرس العديمي بقراءتي عليه بحلب قال أخبرنا
أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الكشغري قال أخبرنا أبو الحسن
تاج القراء وأبو الفتح بن البطي قالا أخبرنا أبو عبد الله البانياسي قال
أخبرنا أبو الحسن بن الصلت قال أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي
قال حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن
السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب مجراه الدر

ثاني جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة بمقر له بسطح الجامع الحاكمي
بالقاهرة ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من الشيخ تاج الدين بن عطاء الله
رحمهما الله تعالى اه‍. ولم يؤرخ المصنف وفاته لأنها تأخرت عن وفاته. وترجمه ابن
العماد فقال: هو من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه بالغ الذهبي في الثناء عليه في
بيان زغل العلم وغيره قال في معجمه الكبير: المحدث القدوة عجيب في الورع والدين
والانقباض عن الناس وحسن السمت، وفي المعجم المختص: هو الامام القدوة أتقن
الحديث وعني به ورحل فيه، قال الشهاب ابن النقيب بمكة رجلان صالحان أحدهما
يؤثر الخمول وهو ابن خليل والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي. وتصدى للاسماع
في أواخر زمانه ومع ذلك فلم يحدث بجميع مسموعاته لكثرتها، توفي بالقاهرة في
التاريخ وشهد جنازته ما لا يحصى كثرة، وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة
فيقول فيها أشياء رحمه الله تعالى اه‍. والذهبي كلما ذكره في بيان زغل العلم
يذكره بسيدي عبد الله بن خليل ويطريه.
48

والياقوت تربته أطيب من المسك وأشد بياضا من الثلج) رواه (1) عن
الأشج موافقة.
* * *
* (الطبقة الرابعة والعشرون وعدتهم عشرة) *
* (ابن عبد الهادي) *
الامام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شيخنا الزاهد
عماد الدين أبي العباس أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي
ابن محمد بن يوسف بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل الدمشقي الصالحي
الحنبلي ولد سنة خمس (2) وسبعماية، وسمعه أبوه القاضي تقي الدين سليمان
وأبا بكر بن عبد الدايم وعيسى المطعم وخلقا من هذه الطبقة، وبعد
هذا أكثر عن شيخنا أبي الحجاج المزي ولازمه نحو عشر سنين واعتنى
بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف وتصدر للإفادة والاشتغال في

(1) هنا بياض في النسخة ولعل الأصل (رواه ابن ماجة عن الأشج) لأنه
أخرجه في سننه عن واصل بن عبد الأعلى و عبد الله بن سعيد وعلي بن المنذر قالوا
ثنا محمد بن فضيل الحديث، وعبد الله بن سعيد هو أبو سعيد الأشج.
(2) أوست، وكان عمره حين توفي دون أربعين سنة اما ثمانيا وثلاثين سنة أو
تسعا وثلاثين سنة، قال الصفدي: لو عاش لكان آية اه‍. أقول ولكان انضج
وأهدأ في العلم، وكان أحسن علومه معرفة أحاديث الاحكام وعللها، وسيأتي ذكر
مؤلفاته في ذيل السيوطي
49

القراءات والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة وولي مشيخة الحديث
بالضيائية والغياثية ودرس بالمدرسة المنصورية وغيرها، وسمع منه
طائفة وروى شيخنا الذهبي عن المزي عن السروجي عنه، ومات يوم
الأربعاء عاشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وسبعمائة ودفن بقاسيون
وتأسف الناس عليه، وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ وهو يبكي:
ما اجتمعت به قط الا واستفدت منه رحمه الله تعالى.
ومات في عامه القاضي الامام بالديار المصرية برهان الدين إبراهيم بن
علي بن أحمد بن علي بن يوسف الحنفي (1) ابن سبط عبد الحق بدمشق
حدث عن الفخر وغيره، والمعمر أبو العباس أحمد بن عمر بن عفان الموشي (2)
أخو حيدر عن ثلاث وتسعين سنة حدث عن ابن عبد الدايم وغيره،
والحافظ شمس الدين بن محمد بن علي بن أيبك السروجي بحلب شابا،
وبالقدس القاضي شرف الدين محمد بن العلامة شهاب الدين محمود وكيل
بيت المال بدمشق، وبحلب المفتي الامام شمس الدين السفاقسي المالكي،
وبدمشق المعمر زين الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن كاميار (3) القزويني

(1) المعروف بابن عبد الحق نسبة إلى جد أبيه لامه عبد الحق بن خلف
الواسطي الحنبلي كما في الدرر الكامنة.
(2) بضم الميم وسكون الواو بعدها معجمة قاله الحافظ ابن حجر.
(3) بكسر الميم وتخفيف التحتانية وآخره مهملة آخر من اخذ عن ابن خطيب
القرافة، ووهم الحسيني في تاريخ وفاته، والصحيح انه توفي ثالث عشر صفر سنة
ثلاث وأربعين وسبعمائة على ما يقوله ابن حجر.
50

عن ثلاث وتسعين سنة حدث بالإجازة عن عثمان بن خطيب القرافة (1)
والحسن البكري وخلق، والمسند شهاب الدين أبو القاسم عبد الله بن علي
بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن المسلم بن
الحسن بن هلال الأزدي عن بضع وسبعين سنة حدث عن ابن علان
ويحيى بن حنبل حضورا (2) وسمع من طائفة، والمعمر بدر الدين حسن
ابن محمد بن إسماعيل بن منصور المعروف بابن الطحان عن بضع وثمانين
سنة حدث عن أبي بكر بن السني والكمال بن عبد وجماعة، والشيخ
شرف الدين محمد بن عبد الله بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي
المنجنيقي بالكرك حدث عن ابن البخاري.
* (أبو الفتح السبكي) *
الشيخ الامام العلامة الحافظ الفقيه الأديب تقي الدين محمد بن عبد
اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي أحد من جمع بين الفقه والحديث
والأدب ولد في ربيع الآخر سنة خمس وسبعماية وحضر أبا الحسن بن
القاسم وعلي بن هارون التغلبي وجماعة وسمع من الحسن بن عمر الكردي
وأحمد بن محمد العباسي وعلي بن عمر الواني ويونس (3) وخلق من هذه

(1) هو الشيخ المسند أبو عمر وعثمان بن علي بن عبد الواحد الغرس ابن
خطيب القرافة المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة كما ذكره الذهبي وغيره.
(2) يعني أحضر وهو صبي في مجلس تحديثهما تبركا.
(3) يعني ابن إبراهيم بن عبد القوي الكناني المتوفى سنة تسع وعشرين وسبعمائة
51

الطبقة فمن بعدهم، وأجاز له عام مولده الحافظ برهان الدين الرشاطي (1)
وعدة، وكتب بخطه المليح الصحيح جملة (2) وانتقى على بعض شيوخه
ودرس بالقاهرة ودمشق وناب بالشام عن شيخنا قاضي القضاة تقي الدين
حتى مات في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وسبعماية ودفن بقاسيون
رحمه الله تعالى، وذكره شيخنا أبو عبد الله الذهبي في المعجم المختص
وأثنى على علمه وديانته وذكره أيضا في تجريد الحفاظ ولم يقبض لي
السماع منه رحمه الله تعالى.
* (ابن رافع) *
الشيخ الامام العالم الحافظ المتقن المفيد الرحال تقي الدين أبو
المعالي محمد ابن الشيخ العالم المحدث الفاضل جمال الدين أبي محمد رافع بن
أبي محمد هجرس (3) بن محمد بن شافع الصميدي (4) الأصل المصري ثم

وهو المعروف بالدبوسي ويقال الدبابيسي وكان من مسندي عصره، ويتكرر ذكر
الدبوسي في هذه الطبقة.
(1) بل الشرف الدمياطي.
(2) علق تاريخا للمتجددات في زمانه ذكره ابن العماد في الشذرات.
(3) بكسر هاء وسكون جيم وكسر راء وبسين مهملة ذكره صاحب مجمع
بحار الأنوار في المغني.
(4) بضم المهملة وفتح الميم وتخفيفها واسكان التحتية نسبة إلى قرية من قرى
دمشق ذكره في ذيل لب اللباب، وهو مصري المولد والمنشأ نزيل دمشق واصله
من صميد بحوران.
52

الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وسبعماية وسمع من حسن سبط
زيادة وابن القيم (1) وجماعة حضورا، وارتحل به أبوه سنة أربع عشرة
فأسمعه من القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي وأبي بكر بن عبد الدائم
وطائفة، وأجاز له الحافظ شرف الدين الدمياطي، قال الذهبي: سمعه
أبوه جميع تهذيب الكمال من الحافظ أبي الحجاج المزي ثم توفي والده
فحبب إليه هذا الشأن فحج وقدم علينا سنة ثلاث وعشرين وقد صار ذا
معرفة فسمع الكثير ثم رجع إلى وطنه فأقام يقرأ ثم قدم من العام
القابل فازداد استفادة ثم قدم سنة تسع وعشرين وذهب إلى حماة وحلب،
روى لنا عن أبي حيان قصيدة وأشياء، قلت ثم رجع إلى وطنه فأقام
دهرا ثم قدم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة إلى دمشق فاستوطنها وسمع
جملة من أصحاب ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر ومن بعدهم، وولي
مشيخة النورية والزاوية الفاضلية والعزية وحج عام اثنين وخمسين وحدث
بطريق الحجاز الشريف وخرج لنفسه معجما استوعب فيه شيوخه
وعمل تاريخ بغداد. (2)

(1) يعني علي بن عيسى المار ذكره لا ابن قيم الجوزية.
(2) معجمه في أربع مجلدات وتاريخه ذيل على ذيل ابن النجار على تاريخ بغداد
للخطيب البغدادي. قال جار الله ابن فهد أقول وكان إماما علامة حافظا من كبار
الفقهاء مع الورع والزهد والصيانة لكنه ابتلى أخيرا بالوسوسة وبالغ فيها إلى أن مات
بعد وفاة المؤلف على تلك الحالة في يوم الثلاثاء الثامن عشر من جمادى الأولى سنة
أربع وسبعين وسبعمائة رحمه الله اه‍. قال ابن حجر: وله الوفيات ذيل البرزالي
كبير الفائدة وذيله على ابن النجار في أربع مجلدات.
53

أخبرنا الحافظ تقي الدين محمد بن رافع السلامي (1) بقراءتي عليه
في جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وسبعماية بدمشق قال أخبرنا
إبراهيم بن علي بن محمد بن غالب الأنصاري وأبو علي الحسن بن علي
الكردي قالا أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي قال أخبرنا أبو
طاهر السلفي قال أخبرنا الخليل بن عبد الجبار التميمي قال أخبرنا علي
ابن الحسن القاضي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن علي النقاش قال أخبرنا
أبو صالح القاسم بن الليث قال حدثنا المعافى بن سليمان قال حدثنا فليح
ابن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعيد بن يسار عن أبي هريرة
رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان الله تعالى
يقول يوم القيامة ابن المتحابون بجلالي أظلهم في ظلي يوم لا ظل الا
ظلي).
* (الحسامي) *
الشيخ الامام العالم الحافظ المخرج المفيد شهاب الدين أبو الحسن
أحمد بن أبيك بن عبد الله الحسامي المعروف بالدمياطي محدث مصر
ولد بها سنة سبعماية وسمع ابن رشيق وست الوزراء وخلقا بمصر، وقدم
دمشق عام أربعين فسمع الجزري (2) والمزي ومشيخة العصر فأكثر

(1) ضبطه ابن العماد في الشذرات بتشديد اللام.
(2) يعني الشمس المؤرخ السابق ذكره لا المقرئ فإنه متأخر.
54

فظهرت معرفته وحسن مشاركته، وخرج لشيخنا قاضي القضاة تقي
الدين السبكي معجما في عشرين جزءا ولم يستوعب شيوخه وذيل في
الوفيات على الشريف عز الدين الحسيني (1) وخرج لجماعة وانتقى عليه
شيخنا الذهبي جزءا حدث به بدمشق ثم رجع إلى بلده ومات في طاعون
سنة تسع وأربعين وسبعماية رحمه الله تعالى.
أخبرنا الحافظان أبو الحسين الدمياطي وأبو الحجاج المزي قال
الأول أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن وهب القشيري وقال الثاني
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن يونس الأربلي قالا أخبرنا أبو الحسن علي بن
الجميزي (2) قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفي ح وقرئ على أبي
العباس الجزري قيل له أخبرك محمد بن عبد الهادي حضورا عن السلفي
فأقر به قال أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي قال حدثنا أبو
سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال
حدثنا إبراهيم بن منقذ الخولاني قال حدثنا أيوب بن سويد قال حدثنا
عبد الرحمن بن يزيد بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (ما من قلب الا بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء أقامه
وان شاء أزاغه) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يا مقلب

(1) وقال البدر الزركشي: شرع في تخريج أحاديث الرافعي ولم يتم وخرج
للدبوسي معجما وجمع أيضا للختني مشيخة.
(2) بضم الجيم وتشديد الميم المفتوحة وبالزاي قال الذهبي هو الإمام أبو الحسن
هبة الله ابن بنت الجميزي سمع من السلفي وشهده وابن عساكر.
55

القلوب ثبت قلوبنا على دينك والميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويخفض
آخرين إلى يوم القيمة (1) حديث حسن أخرجه النسائي من حديث ابن
المبارك وغيره تفرد به ابن جابر.
وكان الطاعون العام الدائر في البلدان عام تسع وأربعين فمات فيه
شيخنا تاج الدين عبد الرحيم بن أبي اليسر وشيخنا المعمر بهاء الدين علي
ابن العز عمر بن أحمد المقدسي الشروطي عن تسع وثمانين سنة لأنه ولد
في سنة ستين وستماية حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم مرات، والقاضي
زين الدين عمر بن نجيح الحنبلي حدث عن التقي بن الواسطي وغيره،
وأخوه أبو بكر حدث عن الفخر وغيره، والحافظ شرف الدين عبد
الله بن الحافظ امين الدين محمد بن إبراهيم الواني الحنفي (2) شابا حدثنا
عن عيسى بن المطعم وغيره، وشيخنا شهاب الدين محمد بن أحمد بن هارون
الشافعي شيخ خانقاه القصاعين حدث بالترمذي عن ابن البخاري،
وشيخنا عماد الدين محمد بن الشيرازي محتسب دمشق وناظر الجامع

(1) كثير ما يتمسك الحشوية بظاهر مثل هذه الأحاديث لعبدهم عن العلم
وضعفهم في اللغة، ومن يود الوقوف على معانيها على الوجه الحلق فليراجع كتاب
(دفع شبهة التشبيه للحافظ ابن الجوزي) الذي عني بطبعه ناشر هذا الكتاب.
(2) هو وأبوه وعمه وجده من المسندين من بيت علم ورواية، وستأتي ترجمة
الحافظ عبد الله الواني هذا في ذيل ابن فهد وترجمة والده الحافظ أمين الدين محمد
في ذيل السيوطي، وكان والده هذا ممن ملاء الدنيا رواية وله مجلد في ذكر
أسانيد مسموعاته ومروياته رأيته بخطه في الخزانة الظاهرية بدمشق.
56

الأموي حدث عن الفخر وغيره، وشيخ الشيوخ علاء الدين علي بن
محمود القونوي الحنفي، وصاحب ديوان الانشاء بالإقليمين شهاب الدين
أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري حدث بالإجازة عن الأبرقوهي
وصنف (مسالك الابصار في ممالك الأمصار) في عدة أسفار، ومن
رفقائنا المحدثين الحافظ نجم الدين سعيد الدهلي، وشهاب الدين أحمد بن
علي بن سعيد الشرايحي، وشمس الدين محمد بن جرير النقيب الحربي
التيمي، وشهاب الدين أبو الفتح احمد ابن شيخنا المحب عبد الله بن أحمد
المقدسي، وعمه الشيخ إبراهيم المحب، وناصر الدين محمد بن طولوبغا السيفي،
ومحمد بن عبيد، وأحمد بن عيسى الكركي، وشيخنا الامام بهاء الدين
محمد بن محمد بن أبي الفتح الحنبلي، وأمه سكينة بنت الحافظ شرف
الدين اليونيني، وبمصر صالح القيمري وخلق لا يحصيهم الا الله تعالى.
* (ابن كثير) *
الشيخ الامام العالم الحافظ المفيد البارع عماد الدين أبو الفداء
إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ذرع البصروي الأصل
الدمشقي الشافعي ولد بمجدل القرية من اعمال مدينة بصرى في سنة
إحدى وسبعماية إذ كان أبوه خطيبا بها ثم انتقل إلى دمشق في سنة
ست وسبعماية وتفقه بالشيخ برهان الدين الفزاري (1) وغيره وسمع

(1) وهو ابن الفركاح البرهان إبراهيم بن عبد الرحمن الفزاري المتوفى سنة 729.
57

ابن السويدي (1) والقاسم ابن عساكر وخلقا، وصاهر شيخنا الحافظ
المزي فأكثر عنه وأفتى ودرس وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو
وأمعن النظر في الرجال والعلل وولي مشيخة أم الصالح والتنكزية بعد
الذهبي، ذكره الذهبي في مسودة طبقات الحفاظ وقال في المعجم المختص:
هو فقيه متقن ومحدث (2) محقق ومفسر نقاد وله تصانيف مفيدة،
قلت فمن تصانيفه كتاب (التكميل في معرفة الثقات والضعفاء
والمجاهيل) جمع بين كتاب التهذيب والميزان وهو خمس مجلدات
وكتاب (البداية والنهاية) (3) في أربعة وخمسين جزءا وكتاب (الهدي
والسنن في أحاديث المسانيد والسنن) (4) جمع فيه بين مسند الإمام أحمد
والبزار وأبي يعلي وابن أبي شيبة إلى الكتب الستة وله غير ذلك (5).

(1) وهو البدر محمد بن إبراهيم المتوفى سنة 711.
(2) قال ابن حجر: لم يكن على طريقة المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي
من النازل ونحو ذلك من فنون الحديث وانما هو من محدثي الفقهاء وقد اختصر
مع ذلك كتاب ابن الصلاح اه‍. وان كان الغالب عليه السعة في حفظ المتون لكن
لم يكن بحيث لا يميز العالي من النازل باعتبار معرفته بطبقات الرواة وأحوالهم بل
ذلك مما لا يخفى على من هو دونه بمراحل في معرفة الرجال كيف وقد لازم المزي
في ذلك مدة طويلة وعني بجمع التكميل. وفي تراجم من شهروا بالبراعة
تبدو كوامن ابن حجر سامحه الله.
(3) في التاريخ في اثنى عشر مجلدا وعليه يعول البدر العيني في تاريخه.
(4) وهو المعروف بجامع المسانيد رتبه على الأبواب وهو من أنفع كتبه.
(5) كتفسيره المشهور وهو من أفيد كتب التفسير بالرواية لأنه يتكلم في
58

أخبرنا الحافظ عماد الدين ابن كثير بقراءتي عليه قال أخبرنا أبو
العباس أحمد بن أبي طالب وقد أجاز لي أيضا احمد المذكور قال أخبرنا
أبو المنجا بن اللتي قال أخبرنا أبو الوقت الصوفي قال أخبرنا محمد
الفارسي قال أخبرنا أبو محمد بن أبي سريج قال أخبرنا أبو القاسم
البغوي قال أخبرنا أبو الجهم الباهلي قال حدثنا الليث بن سعد عن أبي
الزبير عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم (لا يدخل
أحد ممن بايع تحت الشجرة النار). رواه أبو داود والترمذي والنسائي
عن قتيبة عن الليث.
* (ابن سعد) *
الشيخ العالم المحدث المتقن المفيد المخرج شمس الدين أبو عبد

أسانيد الروايات جرحا وتعديلا غالبا ولا يرسلها ارسالا كما يفعل غالب المفسرين
من الرواة، مات رحمه الله بعد وفاة المصنف سنة أربع وسبعين وسبعمائة على ما
ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة، وقد وقع بينه وبين الشيخ إبراهيم بن
الحافظ ابن القيم منازعة في تدريس فقال له ابن كثير: أنت تكرهني لأني أشعري
فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك انك
أشعري وانك تسخط ابن تيمية. يشير بذلك إلى ما شهر عنه من افتتانه ببعض
شواذه. قال ابن حجر اخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وامتحن بسببه ا. بل قال
الامام تقي الدين الحصني في (دفع شبهة من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد) ان
ابن كثير والشمس ابن عبد الهادي والصلاح الكتبي لا يؤخذ بأقوالهم في ابن تيمية
لافتتانهم بمجالسته وهم شباب اه‍.
59

الله محمد بن يحيى بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الأصل
الدمشقي الصالحي الحنبلي ولد سنة ثلاث وسبعماية وسمع أباه والقاضي
تقي الدين وعيسى المطعم وأبا بكر بن عبد الدايم وست الوزراء وهذه الطبقة
وخلقا سواهم بإفادة والده وغيره، قال الذهبي: طلب لنفسه سنة إحدى
وعشرين وكتب ورحل وخرج للشيوخ وغيرهم، قلت سمع كثيرا
وجما غفيرا بدمشق وحلب والقدس وبعلبك وغيرها من البلاد وقرأ
الكتب الكبار والمطولة وكتب بخطه مالا يحصى كثرة وخرج لخلق
من شيوخه وأقرانه ومات في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وسبعماية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يحيى المقدسي وأبو محمد عبد الله
ابن محمد الواني بقراءته في ذي القعدة سنة أربعين وسبعمائة قالا أخبرنا
أبو محمد يحيى بن محمد بن سعد قال أخبرنا جعفر الهمداني ح وقرئ
على أبي العباس أحمد بن علي الجزري وأنا اسمع قلت أخبرك أبو عبد
الله محمد بن عبد الهادي سنة اثنتين وخمسين وستماية قالا أخبرنا أبو طاهر
السلفي قالا الأول سماعا والثاني اجازة قال أخبرنا أبو القاسم بن الفضل
الثقفي قال حدثنا أبو الفتح هلال بن جعفر قال حدثنا أبو عبد الله الحسن
ابن يحيى بن عباس القطان قال حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام
العجلي قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سليمان التيمي عن يسار
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال (ان
الله تعالى قد فضلني على الأنبياء - أو قال أمتي على الأمم - بأربع
أرسلني إلى الناس كافة وجعل الأرض كلها لي ولأمتي طهورا ومسجدا
60

فأينما أدركت الرجل من أمتي الصلاة فعنده مسجد وعنده طهور
ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر (1) في قلوب
الأعداء وأحلت لي الغنائم).
* (أبو بكر أبى المحب) *
هو المحدث الامام الأوحد الحافظ المتقن أبو بكر محمد ابن شيخنا
الحافظ الامام محب الدين أبي محمد عبد الله ابن شيخنا الامام المحدث
الثقة المعمر شهاب الدين أبو العباس احمد ابن الحافظ محب الدين
عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد المقدسي الصالحي الحنبلي ولد سنة اثنتي
عشرة وسبعمائة وحضر القاضي تقي الدين سليمان وعيسى المطعم وطائفة
من هذه الطبقة ثم طلب هو بنفسه وسمع الكثير بإفادة والده وغيره
على خلق من أصحاب ابن عبد الدايم وطوائف فمن بعدهم وعني بهذا
الشأن وله اليد الطولى في معرفة الرجال، ذكره الذهبي في مسودة
طبقات الحفاظ وقال في ترجمته في المعجم المختص حدث وانتقى لشيخه
المطعم وكتبت عنه، خرج المتباينات لنفسه والمزي والبرزالي ونسخ
تهذيب الكمال ومهر ورتب رجال المسند، (2) قلت عنده عقل وسكون
وانقباض من الناس مشتغل بنفسه (3).

(1) هكذا بيضا في الأصل.
(2) ورتب مسند أحمد على حروف المعجم في أسماء المقلين. قال ابن حجر كان
عالما متقنا منقطع القرين اه‍.
(3) توفي بعد وفاة المصنف بصالحية دمشق في ليلة الاحد خامس شوال سنة
61

حدثنا الحافظ أبو بكر محمد ابن المحب المقدسي من لفظه في شعبان
سنة خمس وأربعين وسبعماية قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن
محمد بن غالب الأنصاري سماعا عليه غير مرة قال أخبرنا الإمام أبو
الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي قال أخبرنا الحافظ أبو
طاهر السلفي قال أخبرنا الخليل بن عبد الجبار التميمي قال أخبرنا أبو
الحسين علي بن الحسين القاضي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن
الحسن النقاش قال أخبرنا أبو صالح القاسم بن الليث الرسعني (1) قال
أخبرنا أبو محمد المعافي بن سليمان الحراني قال حدثنا أبو يحيى فليح
ابن سليمان المدني قال حدثنا نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنه إذا
أراد ان يخرج إلى مكة اغتسل وادهن بدهن ليست له رائحة ثم خرج
يصلي ركعتين في مسجد ذي الحليفة فإذا خرج من المسجد ركب فإذا
استوت به راحلته أحرم ويقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين استوت به راحلته أحرم.

تسع وثمانين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون على ما ذكره ابن حجر في الدرر
الكامنة ومثله بخط جار الله بن فهد في حاشية الأصل.
(1) بفتح الراء وسكون السين المهملة وفتح العين المهلة وفي آخرها النون
نسبة إلى مدينة رأس العين ذكره القرشي وغيره.
62

* (السروجي) * (1)
الامام الحافظ المفيد البارع شمس الدين أبو عبد الله محمد بن
علي بن أيبك بن عبد الله السروجي المصري الحنفي ولد في سنة أربع
عشرة وسبعمائة وطلب الحديث بعد الثلاثين وسبعمائة فسمع من يحيى
المصري وحسين بن الأثير والشمس بن العفيف، قال الذهبي: قدم
علينا سنة ست وثلاثين وسمع من زينب وابن الرضي والمزي وبحماة
وحلب والثغر وخرج لنفسه تسعين حديثا متباينة الاسناد وسمعناها
منه ثم كملها مائة قال وله فهم ومعرفة أو بصر بالرجال سمع منه المزي
والبرزالي توفي غريقا وتأسف المحدثون على حفظه وذكائه في ثامن ربيع
الأول سنة أربع وأربعين وسبعماية. قلت سمعت الحفاظ من مشيختنا
قاطبة يثنون على حفظه ومعرفته وكثرة اطلاعه وتحرير قوله وكان فيه
شهامة وقوة نفس (2) وقد تقدم ذكر من مات في هذا العام من
المشهورين والحمد لله.

(1) بفتح السين المهملة والراء المضمومة والواو الساكنة والجيم نسبة إلى
سروج مدينة بنواحي حران من بلاد الجزيرة.
(2) شرع في جمع الثقات ولو كمل لكان في أكثر من عشرين مجلدة قال ابن
حجر: قرأت بخطه مجلدا فيه أسماء الأحمدين ورأيت بخطه مجلدا أيضا فيه من الكتب
والاجزاء ما لا يحصى.
63

* (القطب الدهقلي) *
الامام الحافظ المفيد المتقن قطب الدين أبو محمد حيدر ابن الشيخ
الامام زين الدين علي بن أبي بكر الدهقلي الشيرازي قدم علينا سنة
ثلاث وأربعين وسمع من مشايخنا بمصر ودمشق وإسنكدرية وكان
صائم الدهر ناسكا عابدا ورعا متمسكا بسيرة العلماء سألته عن
مولده فقال سنة أربع عشرة وسبعمائة ثم رجع إلى بلاده ثم قدم علينا
سنة إحدى وخمسين وقد صار ذا معرفة فسمع الكثير وكتب بخطه
المليح تهذيب الكمال وأطراف أصول السنن وشرح مسلم للنووي
والمطلب العالي لابن الرفعة، وكتب كثيرا من الكتب وهو في كثرة
الاشتغال يختم كل يوم ختمة، وقد عرض عليه الوظائف بدمشق فزهد
عنها، وله اليد الطولى في علم المعاني والبيان ودرس الكشاف في
السميساطية وسمعنا عليه وحضر مجلسه أكابر العلماء وفحول الأدباء (1).

(1) سمع الكثير وأسمع أولاده وكتب الطباق بخطه وأخذ عن أصحاب الفخر
وغيرهم ثم سكن الهند ومات غريقا سنة خمس وثمانين وسبعمائة على ما ذكره ابن
العماد في شذرات الذهب، قال ابن حجر: هو والد شيخنا عبد الرحمن اه‍.
و عبد الرحمن هذا ترجمه السخاوي في الضوء اللامع.
64

* (الدهلي) * (1)
الحافظ المفيد الرحال نجم الدين أبو الخير سعيد بن عبد الله الهندي
الجلالي مولاهم (2) البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي نشأ ببغداد وطلب
الحديث ثم قدم دمشق فسمع ابن الرضي وبنت الكمال والجزري والمزي
وخلائق وسمع بمصر وحلب وحماة والثغر والقدس فأكثر وجمع فأوعى
وكانت له معرفة جيدة بأحوال الرواة ومواليدهم ووفياتهم عارفا بمعاني
الحديث وفقهه، قال الذهبي له عمل جيد وهمة في التاريخ وتكثير
المشايخ والاجزاء وهو ذكي صحيح الذهن عارف بالرجال حافظ مات في
طاعون سنة تسع وأربعين عن بضع وثلاثين سنة وقد حدث المزي عن
السروجي عنه.
أنشدنا الحافظ نجم الدين أبو الخير الدهلي في سنة أربعين وسبعمائة
قال أنشدنا الامام جلال الدين عبد القاهر بن علي بن عبد القاهر بن
الفوطي ببغداد قال أنشدنا والدي رحمه الله تعالى لنفسه:
كرر علي حديث البان والسمر * ان الحديث على أهل الحمى سمرى
قد كان لي وطر يصبو إلى وطني * فاليوم لا وطني يصبى ولا وطر

(1) بكسر الدال نسبة إلى دهلي بالهند وهي الأقيس. والأشهر في النسبة إليها
دهلوي بالواو. قال ابن حجر في الدرر: الدهلي بكسر الدال المهملة وسكون
الهاء.
(2) وفي الشذرات مولى الصدر صلاح الدين عبد الرحمن بن عمر الحريري.
65

يا حادي العيس لا تعجل عسى نفس * تسري إلي من الأحباب في السحر
ففي العقيق غزال قوس حاجبه * يرمي السهام إلى قلبي بلا وتر
كالبدر قلبي وطرفي من منازله * والقلب والطرف يختصان بالقمر
بدر على غصن يهتز في كثب * يستل عن حور يفتر عن زهر
لولا اخضرار عذاريه لما علقت * روحي بحيث رياض الزهر والخضر
يا ريح رامة بل يا بدر يا غصنا * يا غرة البدر يا فضيب البسر
ألا ترق لروح أنت راحتها * إذا خطرت لما بانت على خطر
هواك غطى على قلبي وقد صدقوا * الحب يهمي عن الاشكال والحور
بئس الغرام على صدري عساكره * ظلما فلم يبق لي صبرا ولم يذر
قال العواذل لي صبرا فقلت لهم * هيهات أصبر عن سمعي وعن بصري
قد سار حبك في روحي وفي جسدي * وفي عظامي وفي شعري وفي بشري
يا ساكني شط بغداد ودجلتها * من العزية ذات النخل والشجر
لأهدين إليكم في دياركم * بردا من الشعر لا بردا من الشعر
عملت هذا الذيل في جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
بدمشق المحروسة.
66

* (وفى آخر الأصل) *
هذا آخر ما وجد من ذيل الامام الحافظ جمال الدين أبي المحاسن محمد بن
علي بن الحسن بن حمزة بن أبي المحاسن العلوي الحسيني الدمشقي الشافعي
رحمه الله تعالى وطيب ثراه وجعل الجنة مأواه على كتاب تذكرة الأئمة
البررة الحفاظ المهرة لعمدة الحفاظ أبي عبد الله محمد الذهبي رحمه الله
تعالى.
ونقلت هذه النسخة المباركة إن شاء الله تعالى من خط جد والدي
الحافظ العمدة شيخ السنة تقي الدين أبي الفضل محمد بن محمد بن فهد
الهاشمي العلوي المكي رحمه الله تعالى وذلك في ثلاثة مجالس آخرها في
يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الثاني عام أربع وأربعين وتسعماية بمنزل
سلفي بمكة المشرفة على يد كاتبه وراقم حروفه الفقير إلى لطف الله
وكرمه الملتجي إلى بيته وحرمه محمد المدعو جار الله بن عبد العزيز بن
معمر بن تقي الدين محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي لطف الله به
والمسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما.
67