الكتاب: لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ
المؤلف: تقي الدين محمد بن فهد المكي
الجزء:
الوفاة: ٨٧١
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

لحظ الألحاظ
بذيل طبقات الحفاظ
* (تأليف) *
الحافط تقي الدين أبي الفضل محمد بن محمد
ابن محمد بن فهد الهاشمي المكي
رحمه الله تعالى
حقوق الطبع محفوظة
69

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
قال الشيخ جار الله ابن فهد: أخبرنا الشيخان الحافظان الامام
القدوة شيخ السنة شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن
السخاوي نزيل الحرمين الشريفين والعلامة الرحلة شيخ المحدثين
عز الدين أبو فارس عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي المكي
الشافعيان رحمهما الله تعالى شفاها عن الامام الحافظ الرحلة تقي الدين أبي
الفضل محمد بن النجم محمد بن محمد بن فهد الهاشمي العلوي
المكي الشافعي أذنا ان لم يكن سماعا ولو لبعضه فقال:
أما بعد حمد الله سبحانه وتعالى الواحد القهار وشكره آناء الليل
والنهار والاقرار له جل جلاله بالوحدانية في كل الأطوار ولصفيه
سيدنا محمد بالنبوة والرسالة إلى كافة الخلق بجميع الأقطار وصلى الله
وسلم عليه صلاة وسلاما أرجح بهما الفوز بالجنة والنجاة من النار
ورضي الله عن آله وعترته وأزواجه وأصحابه السادة الأطهار ومن
70

تبعهم باحسان من الأئمة الأبرار فهذه تراجم جماعة عدة مقدما من مات
منهم قبل الآخر بمدة مذيلا بهم على ما ذيل به الحافظ أبو المحاسن محمد
ابن علي بن الحسن بن حمزة العلوي الحسيني الدمشقي الشافعي على طبقات
الحفاظ للعلامة الامام حافظ الأنام أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي
الهمام رحمة الله تعالى ورضوانه عليهما بالغداة والعشي وسميته (لحظ
الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ) والله سبحانه وتعالى جل وعلا أسأله
التوفيق للصواب والعفو والغفران والتجاوز في الحساب.
وقد استدركت على الذهبي اثني عشر ترجمة وعلى السيد الحسيني
ثمانية غير مبهمة فالأول منهم في الطبقة الخامسة عشرة، والستة بعده
في الطبقة العشرين، والخمسة بعدهم في الحادية واءعشرين، والثالث عشر
في الثانية والعشرين، والخمسة بعده في الثالثة والعشرين، والاثنان
بعدهم وهما الأخيران في الرابعة والعشرين فرأيت أن ابدأ بهم ثم أسرد
ما أذيل به بعدهم والله سبحانه وتعالى اسأل المعونة والاتمام وان يختم
لي بخير في عافية بلا محنة بمنه وكرمه ويدخلني الجنة دار السلام
ويعيذني من النار ويغفر لي الآثام والصلاة والسلام على سيدنا محمد
المصطفى المبعوث إلى جميع الأنام وعلى آله وذريته وأزواجه وأصحابه
السادة الكرام ومن تبعهم باحسان في سائر الليالي والأيام وحسبنا الله
وكفى ربنا الملك العلام.
71

* (ابن السمرقندي) *
ذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتاب (العبر بأخبار من
غبر) فيمن توفي في سنة ست وثلاثين وخمسماية فقال: وإسماعيل بن أحمد
ابن عمر بن أبي الأشعث أبو القاسم ابن السمرقندي الحافظ ولد بدمشق
سنة أربع وخمسين وسمع بها من الخطيب وعبد الدايم بن الهلالي وابن
طلاب والكبار، وببغداد من الصريفيني فمن بعده وقال أبو العلاء
الهمداني: ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق توفي في ذي القعدة
انتهى قلت وممن سمع منه أبو محمد عبد الله بن سبعون (1) بن أحمد
ابن محلى السلمي القيرواني وأبو نصر فتوح بن عبد الله الحميدي وأحمد ابن
محمد بن النقور البزار والقاضي أبو الفضل جعفر بن يحيى بن
إبراهيم بن الحكاك المكي، روى عنه أبو حفص عمر بن محمد بن
طبرزد وأبو حامد عبد الله بن مسلم بن زيد بن جوالق (2) النحاس.
وفي سنة ست وثلاثين وخمسماية مات الفقيه الواعظ شرف الاسلام
عبد الوهاب بن أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الشيرازي
ثم الدمشقي الحنبلي في صفر، والمحدث أبو عبد الله محمد بن علي بن

(1) وفي بعض الأسانيد سمعون، قال ابن طولون عند ذكر الحديث المسلسل
بالأولية في فهرسته الأوسط من مروياته: وهو خطأ وانما هو بالباء.
(2) بضم الجيم قاله ابن العماد في الشذرات.
72

عمر المازري مؤلف (المعلم في شرح مسلم) في شهر ربيع الأول عن
ثلاث وثمانين سنة، ومازر بفتح الزاي وكسرها (1) بليدة بجزيرة
صقلية، وامام جامع نيسابور أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد
الخواري (2) الشافعي في شعبان وله إحدى وتسعون سنة، وأبو
محمد يحيى بن علي بن الطراح المدبر في شهر رمضان، وشيخ الصوفية
ابن برجان أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي
الإفريقي ثم الإشبيلي شارح أسماء الله تعالى الحسنى غريقا بمراكش
وقبر بإزاء قبر ابن العريف، وامام جامع دمشق أبو محمد هبة الله بن
طاوس البغدادي رحمهم الله تعالى.
أخبرنا العلامة الحافظ فقيه الحجاز قاضي القضاة أبو حامد محمد بن عبد الله
المخزومي سماعا وسيدي والدي المرحوم نجم الدين أبو النصر محمد
ابن محمد بن عبد الله بن فهد بن حسن الهاشمي سقى الله ثراه وجعل
الجنة مأواه شفاها قالا أخبرنا الحافظ بهاء الدين أبو محمد عبد الله بن
محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني قال والدي في كتابه ح وقرأت
على القاضي الأصيل الفقيه جلال الدين أبو أحمد جار الله بن صالح بن

(1) وعلى فتح الزاي جرى ابن حجر في التبصير، وعلى كسرها السيوطي
في اللب، وفي طبقات ابن فرحون: بالفتح وقد يكسر ومثله في وفيات الأعيان.
(2) بالخاء المضمومة قال الذهبي في المشتبه: كان راوية البيهقي وامام الجامع
المنيعي بنيسابور بصيرا بالفقه مفتيا.
73

احمد الشيباني بقرية ارض خالد من بطن مرو قال ووالدي أيضا وابن
ظهيرة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سالم بن إبراهيم الحضرمي قال
والدي كتابة قالا أخبرنا الحافظ أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان
التوزري قال أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى ابن خطيب المزة
ح وكتب لنا بعلو درجة المعمر أبو الربيع سليمان بن خالد الإسكندري
منها ان علي بن أحمد المقدسي أخبره في الاذن العام قالا أخبرنا أبو
حفص عمر بن محمد بن معمر الدارقزي (1) قال المقدسي اجازة ان
لم يكن سماعا قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر
السمرقندي قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله
الصريفيني وأحمد بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز قالا أخبرنا أبو القاسم
عبد الله بن محمد بن إسحاق بن حبان قال الصريفيني تلقينا (2) زاد فقال
وأبو حفص عمر بن إبراهيم الكناني المقري كذلك قالا حدثنا أبو
القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا طالوت بن
عباد قال حدثنا فضالة بن جبير قال سمعت أبا امامة الباهلي رضي الله
عنه يقول سمعت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اكفلوا
لي بست اكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا أوتمن فلا

(1) نسبة إلى دار قز بفتح القاف وتشديد الزاي محلة ببغداد على ما في معجم
البلدان.
(2) يعني مشافهة من لفظه لا سردا وعرضا عليه.
74

يخن وإذا وعد فلا يخلف غضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم)
ويقع لنا هذا الحديث بهذا العلو متصلا بالسماع فيما سمعته على الحافظ
أبي حامد القرشي قال أخبرنا عمر بن الحسن ومحمد بن أحمد بقراءتي على كل
منها ح وأنبأنا به أعلى من هذا سليمان قالوا أخبرنا علي قال شيخنا عموما
قال أخبرنا أبو المعالي بن أبي القاسم والخضر بن كامل وعمر بن محمد وداود
ابن احمد قال عمر أخبرنا أبو الفضل الأرموي زاد عمر فقال وأبو بكر بن
دحروج وأبو غالب بن قريش وأبو بكر بن الحاسب وأبو بكر بن شقير
ح وقال الخضر وأبو المعالي أخبرنا أبو الدر ياقوت قالوا أخبرنا أبو محمد
عبد الله بن محمد الصريفيني قال حدثنا أبو طاهر المخلص (1) املاءا ح
وقال الأرموي أخبرنا أبو الحسن ياسين قال أخبرنا أبو حفص الكناني
قال والمخلص أخبرنا أبو القسم البغوي فذكره غريب من هذا الوجه
قال أبو حاتم: طالوت بن عباد صدوق وقال الذهبي في كتابه الميزان
شيخ معمر لا بأس به، قال ابن الجوزي ضعفه علماء أهل النقل وتعقبه
الذهبي بقوله والى الساعة أفتش فما وقعت بأحد ضعفه وقال أعني الذهبي
فضالة ابن جبير قال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة وقال أعني الذهبي
روى عنه طالوت ابن عباد ومحمد بن عرعرة و عبد الرزاق بن غياث

(1) بضم الميم وفتح الخاء وكسر اللام المشددة وفي آخرها الصاد وهذا الاسم
لمن يخلص الذهب من الغش واشتهر به أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن البغدادي
المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة ذكره ابن السمعاني في الأنساب.
75

قال أبو حاتم لا يحل الاحتجاج به بحال يروي أحاديث لا أصل لها والله
تعالى اعلم.
* (القطب ابن القسطلاني) * (1)
محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد
ابن الميمون التوزري الأصل المكي الدار القاهري المنزل والوفاة
الامام العلامة الحافظ أبو بكر عمدة السالكين وقدوة الناسكين

(1) نسبة إلى قسطلينة من إقليم إفريقية ذكره ابن فرحون المالكي في الديباج
المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب عند ترجمة أبي العباس أحمد بن علي بن محمد
القيسي المالكي المعروف بابن القسطلاني. وقال أبو العباس احمد العجمي في ذيل لب
اللباب في تحرير الأنساب: ورأيت بخط القسطلاني (يعني الشهاب شارح البخاري)
في ترجمته من مختصر الضوء اللامع (الذي سماه النور الساطع) عن خط السخاوي:
فريانة إحدى مداين إفريقية فيما بين قفصة وبيشة بالقرب من بلاد قسطلينة التي
ينسب إليها القسطلاني انتهى ما رأيته بخطه ثم رأيت في نسخة قديمة من شرح أبي
شامة للشقراطيسية ضبط القسطلاني بالقلم بفتحة على القاف وشدة على اللام وكتب
بالهامش قال لي بعض من عرف هذه البلاد نفطة وقسطيلية وتوزر وقفصة بلاد
بإفريقية بالناحية التي تسمى بلاد الجريد وشقراطيس بلدة هنالك اه‍ ذيل اللب
بعد أن نقل عبارة القاموس: القسطلانية قوس قزح وحمرة الشفق وثوب منسوب
إلى عامل أو إلى قسطلة بلد بالأندلس وقسطيلية بلد بها اه‍. وعبارة القطب الحلبي
في تاريخ مصر: القسطلاني كأنه منسوب إلى قسطيلة بضم القاف من بلاد
إفريقية بالمغرب اه‍. وعبارة ابن فرحون التي أسلفناها. ولفظ السخاوي
76

بقية العلماء العاملين أحد من جمع العلم والعمل والورع والهيبة
نظر في فنون من العلم فبرع فيها وعني بهذا الشأن فحصل جملة بالسماع
والاجازة ولد بمكة المشرفة في سنة أربع عشرة وستمائة وسمع بها من
والده وعلي بن البناء والشهاب السهروردي ولبس منه خرقة التصوف
وغيرهم من شيوخها والقادمين إليها، ورحل في سنة تسع وأربعين
وستمائة فسمع ببغداد ومصر والشام والجزيرة جمعا جما من أصحاب ابن
عساكر والسلفي وغيرهم، تفقه وأفتى وطلب إلى القاهرة من مكة
وتولى بها مشيخة دار الحديث الكاملية، ذكره الحافظ أبو الفتح بن
سيد الناس في أحفظ من لقيه في أجوبته عن مسائل ابن أيبك فقال
فيما كتب به إلي. الشيخ المعمر أبو عبد الله محمد بن حسين بن علي
القرشي الفرسيسي (1) المصري منها في سنة سبع وثماني ماية وشافهتني
به المسندة الأصيلة أم محمد رقية ابنة يحيى بن مزروع المدنية بها في
شوال سنة اثنتي عشرة وثماني مائة قال الفرسيسي ان لم يكن سماعا: انه

متوافقان فيما نسب إليه ولكن لم نجد لفظ قسطلينة فيما بأيدينا من كتب البلدان بل
الموجود فيها قسطيلية بالفتح حاضرة بالأندلس وكورة من مدنها توزر
ونفطة وتوزر هي أمها كما في المسالك لأبي عبيد البكري أو مدينة هناك في بلاد
الجريد على ما ذكره ابن حوقل. وفي أنساب الضوء اللامع ذكر القسطلاني
وترك ما بعده بياضا من غير ضبط. والزبيدي في شرح القاموس يعول على ضبط
شيخ مشايخه العجمي في الذيل نقلا عن شرح الشقراطيسية وينقل بعض كلامه.
(1) بفتح الفاء ومهملات على ما في أنساب الضوء اللامع.
77

كان ممن نظر في العلوم فبرع في علائها بحرا وطلع في سمائها بدرا
وشارك في فروع الفقه وأصوله وخاض في معقول العلم ومنقوله وعني
بطلب الحديث أحسن عناية فحصل بالسماع والاجازة على كثير من
الرواية وكلف بالأدب فدرت عليه ديمته وجادت له بما شاء شيمته ثم
أخذ في طرق التصوف والتسلك والتعرف بأرج سلفه الصالح والتمسك
ففاضت عليه عوارفها فاجتنى غروسها يانعة واجتلى شموسها طالعة وجمع
في ذلك مجموعات وأوضح في مجلسه موضوعات إلى أن قال ولي دار
الحديث الكاملية فقام بها أحسن قيام ولم يزل معظما عند الخاص والعام
متصديا لابلاغ السنن واسباغ المنن قائما بقضاء الحاج على أحسن منهاج
من ارفاد مسترفد وانجاد مستنجد والتفريج عن مكروب والتعريج
على أكرم مطلوب تلقاه بما شئت من أريحية وسجية سخية باد فضلها
وطريقة مثلي لم ير مثلها إلى أن تم حمامه وانقطع من الحياة زمامه
فقضى وغص بجنازته الفضا ولم يشهد الناس مثل يومه مشهدا ولا وردوا
كثرة مثل نعيه موردا وذلك في ليلة الثامن والعشرين من المحرم سنة
ست وثمانين وستماية ودفن رحمة الله تعالى عليه بسفح المقطم، حضرت
جنازته والصلاة عليه انتهى (1)

(1) كان رحمه الله جامعا بين الرواية والدراية شديدا على الحشوية المتسترين
بستار السنة باهر الحجة عند المناظرة لجمعه بين المنقول والمعقول، وكان يقول:
العجب ممن ينتمي إلى أهل السنة ويتعرض للاقتداء بالسلف الصالح منهم ويعتمد
78

وفي هذه السنة توفي بمصر قاضي القضاة برهان الدين أبو محمد الخضر
ابن الحسن بن علي السنجاري الزرزاري الشافعي في صفر، وبدمشق
أحد ظرفاء العالم الأديب شرف الدين سليمان بن نتيمان بن أبي الجيش
الأربلي الشاعر المشهور في عاشر صفر عن تسعين سنة (1) ومسند
الوقت عز الدين أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن نصر

على ما ورد في الكتاب والسنة كيف يخالف قوله قولهم وينتهي إلى ما لم يرد عن
السادة المقتدى بهم من الخوض في كيفية الكلام فيزيد فيه (بحرف وصوت) ولم
يرد ذلك في كتاب ولا سنة (اي سالمة من علة) ويستدل على اثبات المقطوع به
بالمظنون من الأحاديث المتضادة المتون أو في كيفية الاستواء ويزيد (مستو على
عرشه بذاته) ولم يرد ذلك في كتاب ولا سنة.. وما أتى أحد من الفرق المخالفة
للحق الا من القصور في فهم لغة العرب والجهل بالفرق بين الألفاظ التي يتطرق
إليها الاحتمال من العموم والخصوص والمجاز والاضمار والاشتراك والاطلاق
والتقييد والاجمال والتأويل مما هو مشهور في الكتاب والسنة وشهدت به لغة العرب
فترقت افهام طائفة من حذاق النظار ونظار الحذاق إلى الجمع بين ما ورد من
الألفاظ المقتضية للتغاير عند العرض على الكتاب والسنة ولغة العرب والعقل. ونسبوا
من حاد عنه إلى الضلال عن سواء السبيل. وتبلدت أذهان طائفة أخرى فشابوا
ورابوا وفيما راموه خابوا فحملوا الألفاظ على حقايقها فشبهوا وجسموا واعتقدوا
انهم بذلك قد غنموا وسلموا وما بدين الله القويم أسلموا، ثم ذكر السلف
الصالح الذين توقفوا عن الخوض فيها فأطراهم، وكان أيضا شديدا على غلاة
المتصوفة كابن سبعين وغيره.
(1) وفي فوات الوفيات: وله سبعون سنة أو أزيد.
79

ابن الصيقل الحراني في رابع عشر شهر رجب وقد جاوز التسعين،
وشهاب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي بن
الحبوبي (1) البعلي الدمشقي الشاهد في شهر رجب، وبمصر الخطيب
الحاذق الأديب عماد الدين أبو عبد الله محمد بن عباس بن أحمد الريفي
الدنيصري في ثامن صفر ومولده ببلبيس سنة ست وستماية، وبدر الدين
أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الجياني
الدمشقي في ثامن المحرم ولم يتكهل، وجمال الدين أبو صادق محمد بن
يحيى بن علي القرشي العطار المصري في شهر ربيع الثاني وله بضع
وستون سنة.
شافهتني المسندة أم محمد رقية ابنة علي بن مزروع المدنية بها
وكتب إلي المعمر أبو عبد الله محمد بن حسن بن علي القرشي الفرسيسي
المصري منها قالا أنبأنا الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن
أحمد بن عبد الله اليعمري قال أخبرنا الامام الحافظ قطب الدين أبو
محمد احمد القسطلاني قال أخبرنا المشايخ الحافظ أبو الفتوح نصر بن
أبي الفرج محمد بن علي الحصري (2) وابنه أبو عبد الرحمن محمد وأبو

(1) بضم الحاء وبالموحدتين وهو والد المسند إبراهيم بن علي بن حمزة بن
الحبوبي البعلي الدمشقي الفراش نزيل مصر المتوفى سنة 708 عن ثمانين سنة يروى
عن ابن اللتي وغيره بالسماع وعن محمد بن عبد الواحد وغيره بالإجازة وحدث
بمصر والشام، ويتكرر ذكر سبطه في الأسانيد.
(3) بضم الحاء المهملة وسكون الصاد. مشتبه الذهبي.
80

المحاسن فضل الله وأبو صالح نصر ابنا ابن عبد القادر الجيلي وأبو
السعادات عبد الله بن عمر بن أحمد بن كرم البندنيجي (1) بقراءتي
عليهم ببغداد سوى الأول والرابع فإجازة قالوا أخبرنا أبو القاسم عبيد الله
ابن عبد الله بن شاقيل سماعا الا عبد الرحمن فقال حضورا في الثالثة قال
أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن الباقلاني قال أخبرنا أبو عبد الله
أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد
ابن أحمد بن مالك البزار قال أخبرنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم بن
حماد العكبري قال أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن محمد
ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما
التراب) رواه أبو داود في سننه عن أحمد بن إبراهيم عن محمد بن
كثير به فوقع لنا بدلا له ولله الحمد.
* (أبو اليمن ابن عساكر) *
عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن هبة الله
ابن عبد الله بن الحسين بن عساكر الامام العلامة الحافظ الزاهد امين

(1) بضم الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وسكون
الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الجيم نسبة إلى بندنيج بلدة قريبة من
بغداد على ما ذكره ابن السمعاني في الأنساب.
81

الدين الدمشقي ثم المكي مولده في سنة أربع عشرة وستماية وكان قوي
المشاركة في العلوم لطيف الشمايل بديع النظم خيرا صالحا صاحب
صدق وتوجه، اعتنى من صغره بالعلم خصوصا الحديث وأخذ عن
جده والحسين الزبيدي والموفق بن قدامة وغيره وأجاز له جمع منهم
عبد الرحيم بن السمعاني والمؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وله التآليف
الحسنة منها الخلق الداثر والمقيم السائر وفضائل أم المؤمنين خديجة رضي
الله عنها وجزء فيه أحاديث عيد الفطر وجزء في فضل شهر رمضان
وجزء في فضل حراء، انقطع بمكة المشرفة نحوا من أربعين سنة ومات
بالمدينة الشريفة على الحال بها أفضل الصلاة والسلام في جمادى الأولى
سنة ست وثمانين وستمائة رحمه الله تعالى.
أخبرنا سيدي والدي المرحوم أبو النظر محمد بن أبي الخير محمد بن
فهد الهاشمي رحم الله تعالى مثواه وبلغه من ثواب أعماله الصالحة مأواه
وجمع مشافهة وكتابة عن الامام أبي العباس أحمد بن علي بن يوسف
الحنفي ان الحافظ أبا اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب انباه قال قال
قرأت على الشيخ أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم
السلمي وآخرين بالقاهرة المعزية وأبي العباس أحمد بن عبد الله المقدسي
عرف بصاحب البدوي ببيت المقدس، وقرأت بعلو درجة على الخطيب
أبى بكر بن الحسين الأرموي قلت له أخبرك الخطيب أبو الفتح محمد
ابن محمد بن إبراهيم البكري قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد
ابن عبد الوهاب الحسيني وأبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى
82

الموصلي قالوا أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر الدار قزي قال
الموصلي وأنا حاضر قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن
عبد الواحد الشيباني قال أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن
غيلان البزار قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم
الشافعي قال أخبرنا أحمد بن عبيد الله هو ابن إدريس قال حدثنا يزيد
قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد
مسجدي والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) حديث صحيح اتفق
الشيخان على اخراجه في صحيحيهما ووقع لنا عاليا ولله الحمد.
* (ابن قريش) *
إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي المصري تاج الدين
أبو الطاهر الامام العالم الجليل كان ذا معرفة وفهم روى عن ابن المقير
(1) وجعفر الهمداني وطبقتهما، وصفه الحافظ ابن سيد الناس في
أجوبته لابن أيبك لما سأله عن أحفظ من لقي فقال: وممن روينا عنه

(1) هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن منصور ابن المقير
بضم الميم وفتح القاف وكسر آخر الحروف مشددة وآخره راء البغدادي الحنبلي
كما ذكره مسند الشام ومقرئها البرهان ابن كسباي العمادي في أسانيده في كتاب
الصمت وعن خطه نقله حامد العمادي في ثبته على ما رأيت ذلك بخطه.
83

من أهل هذا الشأن ممن سمع وكتب وجد في الطلب، ثم قال كان
ممن حصل الرواية والدراية والاسناد واجتهد في ذلك اي اجتهاد كتب
الكثير بخطه ولا بأس بمقابلته وضبطه وله معرفة بهذا الشأن وتقدم
فيه على بعض الاقران إلى أن قال: كان هذا الشيخ ممن قنع بالكفاف
وأنف عن تناول الصدقات والأوقاف له بغلة ملكه غنى عن التقلب
في طلب الرزق والعنا لم يزل حلف بيته يفيد السنة والأثر إلى أن مضى
لسبيله مشكور السعي محمود الأثر انتهى وذلك فجأة في السابع والعشرين
من شهر رجب سنة 694 ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
ومات في هذه السنة غير من تقدم في ترجمة المحب الطبري الفقيه
المحقق الجمال أبو العباس أحمد بن عبد الله الدمشقي في شهر رمضان وله
قريب من ستين سنة وكان فقيها ذكيا مناظرا بصيرا بالطب، وأبو
القاسم عبد الصمد ابن الخطيب عماد الدين عبد الكريم ابن القاضي
جمال الدين ابن الحرستاني (1) في شهر ربيع الآخر عن خمس وسبعين
سنة، وشيخ الأطباء خطيب النيرب مجلد الدين أبو محمد عبد الوهاب
ابن أحمد بن سحنون الحنفي في ذي القعدة، وبمصر أبو الحسن علي بن
عثمان بن يحيى الصنهاجي اللمتوني (2) السواع امين السجن في ذي

(1) بمهملات بفتحتين واسكان الثالثة وبالمثناة الفوقية نسبة إلى حرستا بغوطة
الشام معروفة.
(2) نسبة إلى لمتونة قبيلة من البربر.
84

القعدة وقد جاوز التسعين، وأبو الخطاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر
ابن خليفة بن الحامض (1) البغدادي التاجر في يوم الأضحى، وبمكة
قاضيها جمال الدين محمد ابن الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله بن محمد
ابن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري الشافعي، وبنابلس قاضيها
جمال الدين محمد بن سالم بن يوسف بن ضباعة القرشي المقدسي الشافعي
في شهر ربيع الآخر وله أربع وسبعون سنة، وبحماة الصاحب جمال الدين
أبو غانم محمد ابن الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العقيلي الكاتب
الحلبي في أول أيام التشريق عن ستين سنة (2)، وباليمن ملكها المظفر
يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول في شهر رجب وملك بضعا
وأربعين سنة، وبالقاهرة أبو بكر بن الياس بن محمد بن سعيد الرسعني
الحنبلي رحمه الله تعالى.
* (الفاروثي) *
أحمد بن إبراهيم بن عمر بن الفرج الواسطي الشافعي المقري
الصوفي الامام العلامة شيخ العراق عز الدين أبو العباس ولد بفاروث
(3) في سادس عشري ذي القعدة سنة أربع عشرة وسبعماية وكان إماما

(1) ويلقب به آخر ان ذكرهما الحافظ ابن حجر في (نزهة الألباب في الألقاب)
الذي سنهيئه للطبع إن شاء الله.
(2) وهو ابن العديم المعروف، قال الصفدي توفى سنة 695.
(3) فاروث من قرى واسط.
85

عالما متقنا متضلعا من العلوم والآداب حسن التربية للمريدين قرأ
القرآن على أصحاب ابن الباقلاني وروى عن عمر بن كرم وأبي حفص
عمر بن محمد البكري السهروردي ولبس منه الخرقة ومن أبيه
وطبقتهما وعن عدة من أصحاب أبي الفتح بن البطي وأبي الوقت
وأمثالهما كالامام أبي طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي
وأبي القاسم علي بن أبي الفرج بن الجوزي وأبي الحسن علي بن أبي
الفرج بن جعفر بن معالي بن كبة (1) البصري وأبي محمد الأنجب بن
أبي السعادات الحمامي وأبي طالب عبد اللطيف بن محمد بن علي بن
القبيطي وأبي الخير كاتب يحيى بن سليمان بن أبي البركات الصواف
وزهرة ابنة محمد بن أحمد بن حاضر، جاور بمكة مدة ثم انتقل منها في
سنة إحدى وتسعين إلى دمشق فروى بها الكثير وأقرأ القراءات وولي
بها الخطابة بالجامع الأموي مدة ثم صرف عنها فسافر مع الحاج ودخل
العراق وأجاز له جمع منهم الشريف أبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن
عبد السميع الهاشمي وأبو الفضل محمد بن محمد بن الحسن بن السباك (2)
وأبو محمد الحسين بن علي بن رئيس الرؤساء وأبو منصور سعيد بن محمد
ابن تاشين، ذكره الحافظ أبو الفتح محمد بن سيد الناس في من لقيه
من الحفاظ فيما أجاب به ابن أيبك قال: ثم دخلت دمشق في حدود سنة
تسعين وستماية فألفيت بها الشيخ الامام شيخ المشايخ ومن له في كل

(1) بضم الكاف وفتح الموحدة المشددة (2) المتوفى سنة ست وثلاثين وستمائة.
86

فضل اليد الطولى والقدم الراسخ إلى أن قال كان ممن قرأ القرآن
بالحروف وازدحم الناس على القراءة عليه والفوز بما لديه وطلب الحديث
قديما ولم يزل لذلك مديما وللسنة النبوية خديما حتى لقد سمعت بقراءته
بدمشق على ابن مؤمن وابن الواسطي قطعة كبيرة من المعجم الكبير
لأبي القاسم الطبراني وربما قرأت عليه وعلى ابن الواسطي شيئا مما
اشتركا فيه من الروايات العراقيات عن عمر بن كرم والسهروردي
وأمثالهما ثم قال ولم يرزق في سماعه القديم حصولا على الغرض ولا
ولا وصولا إلى العالي بطريق العرض ومع ذلك فكانت عنده فوائد
غريبة ومرويات من العوالي كثيرة إلى أن قال: وكان في التذكير
مقدما وبالمواعظ الحسنة معلما تنسلي إليه معاني الأدب في مواعظه
وغيرها من كل حدب سجية عراقية تمازج النسيم وتعطر أسحارها من
أشجارها على كل شميم يرتجلها كيف يشاء ولا يؤجل الأشياء ناولته
يوما استدعاء اجازة ليكتب عليه فكتب مرتجلا:
أجزت لهم رواية كل شئ * سماعا كان لي أو مستجازا
وما نوولته أيضا إذا ما * توخوا في روايته اجتزازا
وما قد قلته نظما ونثرا * فقد اضحى الجميع لهم مجازا
وكان رحمه الله تعالى كبير الايثار لا يبقى معه درهم ولا دينار،
بلغني ان تاجرا يعرف بابن السويقي كان يبعث إليه كل عام ألف دينار
فيفرقها في أيسر زمان وينفقها قبل ان تستقر في الفقراء والاخوان إلى أن
قال: ولم يزل على منهاج ليس له من هاج حتى مضى لسبيله وقضى ولم
87

يترك مثله في جيله وذلك في مستهل ذي الحجة سنة أربع وتسعين
وستماية بواسط القصب من أرض العراق رحمه الله تعالى.
أخبرنا الشيخ المسند بدر الدين أبو عبد الله محمد بن حسن بن
علي القرشي وشافهتني المسندة أم الخير رقية ابنة يحيى بن عبد السلام
بطابة (1) ان الحافظ أبا القاسم محمد بن محمد بن محمد أباح لهما قال
أخبرنا الإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي بقراءتي عليه
قال أخبرنا الإمام أبو حفص عمر بن محمد السهروردي وجماعة سماعا
وأبو الفضل محمد بن محمد بن الحسن السباك وغيره اجازة ح وشافهنا
عاليا بدرجة المعمر مسند الآفاق إبراهيم بن محمد أبو إسحاق عن أحمد
ابن أبي طالب (2) سماعا قال أخبرنا ناصر بن مسعود بن قطلو وعدة

(1) طيبة وطابة من أسماء مدينة النبي صلى الله عليه وسلم - معجم البلدان
(2) هو المسند المشهور أبو العباس الحجار الدير مقرني نسبة إلى دير مقرن
قرية على ظهر عين الفيجة بوادي بردى من اعمال دمشق لا إلى دير مقري مسجد
بضواحي صالحيتها كما توهمه أبو المفاخر عبد القادر بن محمد النعيمي وضبطه بالدير
مقري ثم الصالحي الحنفي الشهير بابن الشحنة ذكره الحافظ الشمس ابن طولون
في سند البخاري من الفهرست الأوسط له، وكذا بخط القسطلاني أول اسناده
على ما ذكره أبو العباس العجمي في ذيل لب اللباب، ولهم في طبقة الحجار
المذكور راو آخر يوافقه اسما وكنية وأبا وبينهما مشاركة في الاخذ عن بعض
الشيوخ وهو أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن محمد البغدادي الحمامي نزيل
مكة يروي عن الأنجب وسمع منه القاضي شمس الدين بن مسلم ومات بمكة في
88

أذنا قالوا أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي قال أخبرنا أبو
عبد الله مالك بن أحمد بن علي البانياسي قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن
محمد بن موسى بن الصلت المحبر قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد
الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن
العباس الهاشمي قال حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا أبو خالد عن
يزيد بن سنان عن أبي المنذر عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد
رضي الله عنه قال أحبوا المساكين فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في دعائه (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني
في زمرة المساكين) أخرجه ابن ماجة في الزهد من سننه عن أبي سعيد
الأشج وأبي بكر كلاهما عن أبي خالد كما سقناه فوقع لنا موافقة له
وبدلا عاليا ولله تعالى الحمد والمنة.
* (عز الدين الحسيني) *
نقيب الاشراف أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الحلبي ثم
المصري عز الدين أبو القاسم الامام الحافظ النسابة المفيد ولد في آخر
ليلة العشرين من شوال سنة ست وثلاثين وستماية وكان ذا فضل وأدب
مؤرخا حافظا عني بهذا الشأن وبالغ فلقي عدة من أصحاب البوصيري

جمادى الآخرة سنة تسع وسبعمائة وقد قارب التسعين فلا يلتبسن عليك هذا بذاك يا رعاك الله.
89

وأكثر عنهم وروى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب، ذكره الذهبي في
العبر فقال: الحافظ المؤرخ وقال ابن سيد الناس في أجوبته لمسائل ابن
أيبك: السيد الإمام الحافظ النسابة ثم قال ممن جمع بين التالد والطارف
وتفرد من فنون هذا الشأن بمعارف وردت بحره وحاضرته في عنفوان
الشبيبة غير مرة، سمع من فخر القضاة ابن الحباب إلى أن قال وحدث
أيضا عن أبيه وكان ذا قدر نبيه سمع منه ابن الظاهري وغيره يعرف
بتاج الشريعة ثم نال في صناعة الحديث من ذوي الطول حسن الحظ
صادق القول ذيل على وفيات شيخه المنذري (1) فأجاد وسبق إلى أمد
الاحسان سبق الجواد ولم يزل للمذاكرة بالعلم متصديا وللثقة والأمانة
متحريا ولي نقابة السادة الاشراف والنظر على ما لهم من الأوقاف
وكان محمود الأثر مشكور الورد والصدر وكان بأنسابهم عالما وبضبط
أحوالهم قائما أخبرني والدي رحمه الله تعالى انه كان جالسا معهم حين
ورد عليه المرسوم بهذه التولية فأنشده ارتجالا على سبيل التهنئة:
أنصف الدهر غاية الانصاف * فهنيئا للسادة الاشراف
بامام حوى فنون المعالي * من بني هاشم بن عبد مناف
وذكر لي أبياتا لم يبق على ذهني منها الا ما أثبته انتهى، مات في
ليلة الثلاثاء السادس من المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة وكان الجميع

(1) وذيله هذا على (التكملة لوفيات النقلة) لشيخه الحافظ المنذري معروف
ومن اجله شهر بالمؤرخ وأقروا له بالاجادة.
90

في الصلاة عليه متوافرين ودفن بقرافة سارية رحمه الله تعالى.
وفي هذه السنة توفي بالقاهرة في صفر شيخ الفقهاء الحنابلة العلامة
الكبير نجم الدين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان
الحراني الحنبلي عن اثنتين وتسعين سنة، والمقري أبو الفضائل أحمد بن
عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي خادم المصحف بمشهد علي بن
الحسين في ذي الحجة، والشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الهادي
الصعيدي في أوائل السنة وله ثلاث وثلاثون سنة، وتاج الدين الحسن
ابن أحمد بن بندار الهمذاني الصوفي مع الشريف عز الدين في الليلة
التي توفي فيها وصلي عليه من الغد، وقاضي الحنابلة الامام شرف الدين
الحسن بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر ابن قدامة المقدسي في شوال عن
سبع وخمسين سنة، والزاهدة أم محمد زينب ابنة علي بن أحمد بن فضل
الواسطي في المحرم وقد ناطحت التسعين، والتقي شبيب بن حمدان بن
شبيب بن حمدان الحراني الكحال الطبيب الشاعر، وسنحون العلامة أبو
القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدكالي (1) في رابع
شوال وقد ناطح الثمانين، وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن بن علي
ابن احمد ابن القاضي الفاضل في شهر رجب مقارنا للسبعين، ومحيي الدين
عبد الرحيم بن عبد المنعم بن الدميري المصري في المحرم عن تسعين

(1) بفتح المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بالمغرب واليها ينسب عدة
رجال في الكتاب.
91

سنة وهو آخر أصحاب الحافظ علي بن المفضل وأبي طالب بن حديد
بالسماع، والامام رضي الدين عبد الله بن محمد بن رزين في شهر رجب،
والكمال أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرصافي
ثم الدمشقي فجأة في ذي القعدة عن ثمانين سنة، والقاضي الجلال عبد المنعم
ابن أبي بكر بن أحمد الأنصاري الشافعي في شهر ربيع الآخر،
والفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التميمي الحنفي
الامام بمسجد البياطرة في شهر ربيع الأول عن ثلاث وثمانين سنة،
والامام تاج الدين محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله بن أبي
سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي وله خمس وثمانون سنة في شهر
ربيع الأول، والشيخ شرف الدين محمد بن عبد الملك بن عمر
اليونيني، والصاحب العلامة محيي الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب
ابن إبراهيم بن أسد بن النحاس الحلبي عن إحدى وثمانين سنة وشهرين
في آخر السنة، وشيخ القراء والصوفية الموفق أبو عبد الله محمد بن
أبي العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النصيبي الشافعي في ذي الحجة
مقاربا للتسعين، والشيخ شرف الدين محمود بن أحمد بن محمد المقري،
والعلامة زين الدين أبو البركات المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا
التنوخي الدمشقي الحنبلي في شعبان وله أربع وستون سنة، والمحدث
الوجيه موسى بن محمد المقري في جمادى الثانية، وأبو الفتوح نصر
الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السكاكيني في سلخ شوال
عن تسع وسبعين سنة، والعلامة رضي الدين أبو بكر بن عمر بن علي
92

ابن سالم القسطنطيني الشافعي في رابع عشر ذي الحجة وله ثمان وثمانون
سنة، وأبو الغنائم بن محاسن بن أحمد بن مكارم الحراني عن إحدى وثمانين
سنة في ذي الحجة.
أخبرنا الشيخ المعمر بدر الدين محمد بن حسن بن علي القرشي
ويعرف بالفرسيسي وغيره كتابة عن الامام الحافظ أبي الفتح محمد بن
محمد اليعمري المصري قال أخبرنا الإمامان الحافظان أبو القاسم أحمد بن
محمد بن عبد الرحمن الحسيني وأبو العباس أحمد بن محمد الظاهري وغيرهما
بقراءتي على كل منهم قالوا أخبرنا فخر القضاة أبو الفضل أحمد بن محمد
ابن عبد العزيز ابن الحباب ح وشافهنا عاليا بدرجة إبراهيم بن محمد أبو إسحاق
الصوفي عن أحمد بن أبي طالب الحجار أن جعفر بن علي المقري
أنبأه قالوا أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال
جعفر أذنا ان لم يكن سماعا قال أخبرنا أبو مطيع محمد بن عبد الواحد
ابن عبد العزيز المصري بأصبهان قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن علي ابن
سهيل الغزنوي قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الهمداني قال
حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا أبو خالد
الأحمر عن سعيد بن طارق عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال
أتى الله عز وجل بعبد من عباد الله جل وعلا آتاه الله عز وجل مالا
فقال له ماذا عملت في الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثا قال يا رب
آتيتني مالا فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الخوار فكنت
أيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله عز وجل انا أحق به منك
93

تجاوزوا عن عبدي فقال عقبة بن عمرو رضي الله عنه هكذا سمعناه
من في رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجاه في الصحيح ولله الحمد.
* (الغرافي) * (1)
علي بن أحمد بن عبد المحسن بن أبي العباس الحسيني الإسكندري
السيد الشريف الامام العلامة تاج الدين أبو الحسن كان فقيها إماما عالما
ثقة مولده بعد العشرين وستمائة روى عن جماعة منهم أبو الحسن القطيعي
وابن عمار وابن مهروز، تفرد ورحل إليه، قال الحافظ أبو الفتح بن
سيد الناس في أجوبته لمسائل ابن أيبك عن أحفظ من لقي في وصفه:
ثم دخلت الإسكندرية وكتبت بها في رحلتي الأولى وما بعدها عن
زهاء مائة شيخ لم يكن منهم من يشار بالعلم إليه ويعول في المعرفة عليه
الا السيد الشريف الامام العالم المحدث المفيد تاج الدين إلى أن قال فإنه
كان ذا معرفة واتقان وتقدم بين الاقران له أسانيد علية ونظر في الفقه
وأهلية، كان أبوه تاجرا فرحل به صغيرا وأسمعه كثيرا وحصل له علما
غزيرا ينقله من بلد إلى بلد ويسمعه خيار ما وجد عن أعيان ذوي السن
والسند ولعمري كان أبوه من أهل الاتقان في الانتقا والمعرفة
بتلك التي ترقيه أعلى مرتقى أسمعه ببغداد وحلب ودمشق ومصر
والقاهرة والإسكندرية وغير ذلك من البلاد ولم يفته عوالي الاسناد

(1) بفتح الغين المعجمة والراء المشددة والفاء كما سبق
94

وأفاده من كل ذلك خيار ما الفاه هنالك ثم روى هو بعد ذلك وكتب
ولم يخل من بعض الطلب وانما انتفع باسناده الأول ولم يكن له على غيره
معول، كان شيخا بدار الحديث البهية على طريقة من الثقة والعدالة
المرضية كتب عنه شيخنا أبو الفتح محمد بن علي القشيري وجماعة من
الأكابر انتهى. وكانت وفاته بالإسكندرية في السابع من ذي الحجة
الحرام سنة أربع وسبعمائة وله ست وسبعون سنة.
وفيها مات بدمشق المعمر ركن الدين أحمد بن عبد المنعم بن أبي
الغنائم الطاووسي كبير الصوفية في جمادى الأولى وله ماية وسنتان
وأشهر تسعة، وبالمدينة الشريفة على الحال بها أفضل الصلاة والسلام
سلطانها عز الدين بن جماز بن شيخة العلوي الحسيني وقد أضر وشاخ،
وبمصر عالمها العلم العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري المصري الشافعي
المفسر وله نيف وثمانون سنة، وشيخ المغار (1) الضياء عيسى بن أبي
محمد عبد الرزاق المغاري في شهر ربيع الثاني وله ثمانون سنة، وبقاسيون
الحاج محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن فضل الواسطي وله ثمانون سنة،
وبدمشق كبير الذهبيين التقي أبو عبد الله وأبو الفضل محمد بن يوسف
ابن يعقوب الأربلي ثم الدمشقي سقط من السلم فمات في غرة رمضان،
ومحمد بن الباجربقي ضربت عنقه بكفريات شهد عليه جماعة بها عند

(1) قال ياقوت في معجم البلدان مغار بالفتح قرية من قرى فلسطين اه‍. وهو من
مشايخ الذهبي وطبقته.
95

المالكي فحكم بقتله وان تاب (1) وبقرية أم عبيدة المعمر شيخ البطايحية
تاج الدين بن الرفاعي وله شهرة كبيرة وسن عالية.

(1) نسبته إلى باجربق بضم الجيم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وقاف
كورة بين البقعاء ونصيبين على ما ذكر في معجم البلدان وفي هذا التاريخ صدر
في حقه حكم القاضي المالكي الا انه تغيب وهرب إلى الشرق وعاد بعد وفاة القاضي
متنكرا ومكث بالقاهرة مدة يتمخرق ثم انسحب أيضا إلى دمشق ونزل القابون فأقام
به إلى أن مات في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة كما ذكره ابن كثير
وابن حجر وغيرهما، وظن المصنف انه نفذ فيه الحكم وقت صدوره قال ابن
كثير إليه تنسب الفرقة الضالة الباجربقية اه‍. وأنت ترى أشخاصا لا يتجاوزون
عدد الأصابع طول قرنين بعد انقضاء الدولة الفاطمية يحالون إلى قضاة
المالكية بتهم الزندقة والسعي في الفوضى فيحاكمونهم في محاكم شرعية علنية فيصدرون
فيهم حكمهم بعد أن ثبتت فيهم التهمة ببينة عادلة لا تقع على برئ فينفذ فيهم حكم
الله كأحمد بن البققي. وأحمد ابن صدقة، واحمد الروسي، وإسماعيل بن سعيد
الكردي وعثمان الدكالي، والباجربقي، وناصر ابن الهيتي وغيرهم، وسبب احالتهم
إلى المالكية ان الزنديق عندهم ينفذ فيه الحكم وان تاب بخلاف بقية المذاهب، وبقي
ابن مخلد وابن المواز من المالكية يخالفان مالكا في ذلك. ولما استفحل أمر القرامطة
كان الخلفاء ببغداد أخذوا بقول مالك في ذلك جريا مع مصلحة المسلمين على ما
ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم، ومعلوم ما كان عليه المسلمون في
عهد الفاطمية من التخاذل وافتكاك عرى الاخاء بينهم وانصرافهم زرافات ووحدانا
نحو ميولهم البهيمية وأهوائهم السخيفة فاقدين الاحساسات الشريفة نحو دينهم
وإخوانهم وبلادهم والمفاداة بالنفس والنفيس للمحافظة على كيانهم بخلاف ما كان
عليه أسلافهم المخلصون، وذلك بمسعى المارقين المندسين بينهم سعيا متواصلا
96

* (ابن رشد) *
بضم الراء محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن أويس الفهري السبتي
الامام العلامة الحافظ أبو عبد الله عالم الغرب سمع ببلده ثم ارتحل

المتظاهرين بمظاهر شتى مدة عصور للقضاء على هذا الدين الاسلامي الحنيف
فاشتد ساعدهم بالدولة الفاطمية حتى أصبحت جمعياتهم السرية ودعاياتهم الفوضوية
جهرية علنية في عهدهم فعمت الفوضى وانحلت العرى وأصبحت بلاد الاسلام
طعمة شهية لا يغص بها حلوق الشرهين فاستولت الأعداء عليها من مغاربها
ومشارقها واحتلوا ما احتلوا من أمهات بلاد الاسلام ومسلمو ذلك العهد لا يغارون
على ما حل بهم حيث فقدوا شرائف الخصال من الاباء والشهامة والاخلاص
للأسباب المذكورة ولولا أن قيض الله للدفاع عن بلاد المسلمين في مثل هذه
الظروف الحرجة بطل الاسلام صلاح الدين الأيوبي وآله والدولة المستجدة
الفتية بعدهم ودافعوا عنها دفاع المستميت لكاد الاسلام ان يكون أثرا بعد عين
من توالي النكبات من ناحيتي الغرب والشرق في آن واحد، وبعد ان وفق الله
هؤلاء الابطال المخلصين لجمع شمل المسلمين غب هذا الشتات ورفع راية العلم والمجد
بعد تلك النكبات لم يكن من الحزم في شئ ان لا يسهروا على مصادر الشرور
ومكامن الاخطار ولا سيما ان المارقين ودعاة الفوضى عادوا إلى كمونهم وأصبحت
جمعياتهم سرية بعد انقضاء الدولة الفاطمية ومن أحاط خبرا بما هناك لا يرى
المساهلة مع دعاتهم بعد انقضاء دولتهم ولا ان يتركوا يعيثون في الأرض بالفساد
من غير وازع في مثل هذه الظروف لئلا يعيد التاريخ نفسه فينتكس هذا العلم
المرفوع ويطرأ الشتات على هذا الشمل المجموع الا إذا كان سيئ الرأي في المسلمين
97

فسمع في رحلته بالإسكندرية من الشرف محمد بن عبد الخالق بن
طرخان جامع الترمذي وبمصر من العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني

وفي دين المسلمين أو متقولا تعود ان يخطب في كل واد وان يهرف بما لا يعرف، وترى
بعض كتاب العصر يسترسلون في طرق هذه الأبواب ولا يتحاشون ان يبدوا هذه المحاكم
الشرعية العلنية بمظاهر همجية كالمحاكم السرية عند الغربيين كأنهم كانوا يحكمون
بالرؤيا لا بالبينة الشرعية فحاشا قضاة المالكية ان يصدر منهم هذا واليهم كان يتحاكم
الملوك والامراء في ذلك العهد فيصدرون حكمهم فيهم بلا محاباة فكأن هذا الكاتب
يشير بذلك إلى ما سطره ابن حجر في ترجمة إسماعيل بن سعيد انه بعد أن سجن
أتى رجل من الصالحين إلى القاضي وحكى له رؤيا رآها. ولكن لم يكن حكمه
بها بل بالبينة الصادقة الشرعية فانظر إلى ما بعد كلامه: وعقد مجلس وأقيمت عليه
البينة بأمور معضلة فامر به فقتل بحكم المالكي (وهو الأخنائي المعروف بدينه
وأمانته) فأنت ترى انه بعد أن قامت البينة حكم القاضي لا بالرؤيا كما أن شرعية
الاذان بدليل خاص شرعي لا برؤيا الأصحاب، وبعض كتاب العصر لهم شغف
بنقل حادثة جزئية نقلا مبتورا وجعلها عامة شاملة استدلالا بجزئي على كلي حسب
منطقهم كأن نقول هذا الكاتب متخبط فكل كاتب متخبط وهذا من الاستنتاجات
التي لا تقبل الا عند هذا الكاتب واما في مسألتنا هذه فليست حادثة جزئية كما
يريدها حتى يتسنى له ان يجعلها عامة شاملة حسب منطقه ولله الحمد والمنة. نعم
يجب على القضاة غاية الأناة في أحكامهم لا سيما في الدماء ومن ثمة ترى الذهبي يوصي
القضاة المالكية بعدم التسرع في الحكم بالدماء في كتابه (بيان زغل العلم) فان وجد
بالفرض بينهم من يخل بواجبه فأمره إلى الله وعلى ولي الأمر فصله عن القضاء إذا
ثبت ذلك لا ان يوصم جميع القضاة في أقضيتهم في الدماء والأموال والأبضاع فهذا
هو عين الدعوة إلى الفوضى.
98

غالب البخاري بقراءته وباقيه سماعا بقراءة غيره وغير ذلك عليه وعلى
غيره وبالشام من الفخر بن البخاري وعدة وبالحجاز مكة والمدينة
من جماعة، ذكره الذهبي في العبر فقال: عالم الغرب الحافظ العلامة
انتهى، توفي في المحرم سنة إحدى وعشرين وسبعماية وله أربع وستون
سنة.
وفي هذه السنة مات بدمشق المسند بهاء الدين إبراهيم بن محمد
ابن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي في جمادى الثانية عن اثنتين
وثمانين سنة، وبمصر الرئيس تاج الدين أحمد بن علي بن شجاع العباسي
في جمادى الأولى عن تسع وسبعين سنة، وبالفيوم الخطيب الرئيس
مجد الدين أحمد بن أبي بكر الهمداني المالكي صهر الوزير تاج الدين
ابن حنا، وبجوبر (1) الشيخ مجد الدين إسماعيل بن الحسين بن أبي
التائب الأنصاري الكاتب، وبتعز ملك اليمن المؤيد داود بن المظفر
يوسف بن عمر التركماني في ذي الحجة، وبمكة الشيخ نجم الدين عبد
الله بن محمد بن محمد الأصبهاني تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي في
جمادى الثانية وله ثمان وسبعون سنة، وبمرو المعمر عبد الله بن أبي
الطاهر بن محمد خاتمة من سمع من الحافظ الضياء، وبدمشق المسند
علاء الدين علي بن يحيى بن علي بن الشاطبي الشروطي الدمشقي في
رمضان وله خمس وثمانون سنة، وكبير الحجاب زين الدين كتبغا رأس

(1) جوبر بالفتح قرية بغوطة الشام كما في معجم البلدان.
99

النبوة، وبمصر المحدث تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني
المهلبي ثم المصري عن نيف وسبعين سنة، وبدمشق الشيخ شمس
الدين محمد بن عثمان بن المشرق بن رزين الدمشقي الكتاني
ثم الخشاب المعمار في ذي الحجة وله اثنتان وتسعون سنة، وشيخ الشيعة
وقاضيهم محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الكاكيني الهمداني ثم
الدمشقي في صفر عن ست وثمانين سنة وكان لديه فضائل ولم يكن
يسب ولا يغلو وله نظم، وبالصالحية مسند الوقت سعد الدين يحيى
ابن محمد بن سعد المقدسي في ذي الحجة عن تسعين سنة وأشهر
وتفرد بإجازة ابن الصلاح.
* (الرضي الطبري) *
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم
المكي الشافعي شيخ الاسلام رضي الدين أبو إسحاق وأبو أحمد مسند
الحجاز وامام الشافعية بالمسجد الحرام بمقام الخليل عليه الصلاة والسلام
ولد في جمادى الثانية أو في شهر رجب سنة ست وثلاثين وستمائة وكان
صاحب اخلاص وتأله وذا عناية بالحديث والفقه اختصر شرح السنة
للبغوي وخرج لنفسه تساعيات حدث بها وبغالب مسموعاته وتفرد
بأشياء سمع ابن الجميزي وشعيبا الزعفراني و عبد الرحمن بن أبي حرمي
والشرف المرسي وجماعة وأجاز له عدة بمكة والغرباء الواردين إليها
وغيرهم منهم السخاوي وابن المقير وشيخ الحرم بشير التبريزي، روى
100

عنه الحافظ صلاح الدين العلائي وفضله على كل شيوخه فقال لم أرو عن
أجل في عيني منه انتهى، مات بمكة المشرفة بعد صلاة الظهر من نهار
السبت الثامن من المحرم أو من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين
وسبعماية ودفن في صبيحة الغد يوم الاحد بالمعلاة بعد أن صلي عليه
بعد صلاة الغداة بالمسجد الحرام رحمه الله تعالى وإيانا.
وفي هذه السنة توفي الزاهد جلال الدين إبراهيم بن محمد بن
أحمد بن القلانسي الدمشقي في ذي القعدة وله ثمانون سنة، والمعمرة أم
محمد زينب ابنة أحمد بن عمر بن سكر القدسية في ذي الحجة ولها
أربع وتسعون سنة تفردت بأشياء من مسموعاتها كمسند عبد والدارمي
والثقفيات، والرئيس زين الدين عبد الرحمن بن صالح بن رواحة بن
علي بن الحسين بن مظفر بن جبير بن رواحة الأنصاري الحموي الشافعي
عن أربع وتسعين سنة وأشهر، وشمس الدين هبة الرحمن بن
محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي في ذي القعدة. عن بضع
وخمسين سنة، والمحدث محيي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مخلوف
ابن جماعة بن رحال الربعي المالكي في يوم التروية عن ثلاث وتسعين
سنة، والصدر الكبير نصير الدين عبد الله ابن الوجيه محمد بن علي
ابن سويد التكريتي ثم الدمشقي وله نحو السبعين سنة، والزاهد
المحدث عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح اليعمري في ذي القعدة،
والشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي
101

البجدي (1) في صفر وله بضع وثمانون سنة، والسيد الامام محيي الدين
محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي وله ثلاث وتسعون سنة،
والمسند أبو عبد الله محمد بن المحب علي بن أبي الفتح بن السنجاري
الدمشقي الموقت في رمضان عن إحدى وثمانين سنة، والعلامة أبو
عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث العبدري البلنسي بمكة في
جمادى الثانية وله إحدى وثمانون سنة، والمحدث مجد الدين محمد بن
محمد بن علي الصيرفي سبط ابن الحبوبي (2) في رمضان عن إحدى
وستين سنة.
قرأت على الشيخين جمال الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر
ابن علي وشهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي نصر شهر كل
منهما بالمرشدي مجتمعين بالمسجد الحرام والأختين الأصيلتين أم الحسن
فاطمة وأم محمد علماء ابنتي الامام أبي اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم
الطبري مجتمعتين بمنزلهما بالسويقة بمكة قالوا أخبرتنا الأختان الفاطمتان
أم الحسن وأم الحسين ابنتا الإمام أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
الطبري ح وشافهني سيدي والدي المرحوم أبو النصر محمد بن أبي الخير

(1) بفتح الموحدة والجيم المشددة نسبة إلى بجد قرية من الزبداني على ما
ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة، وفي تبصير المنتبه في تحرير المشتبه له ضبط
الموحدة بالكسر. وأبو العباس العجمي يشير إليهما في ذيل لب اللباب.
(2) بضم الحاء المهملة وبائين موحدتين بينهما واو على ما يستفاد من مشته
الذهبي كما سلف.
102

محمد بن محمد ابن فهد الهاشمي والحافظ أبو حامد محمد بن عبد الله بن
ظهيرة المخزومي وغير واحد عن المعمر الفقيه أبي عبد الله محمد بن
أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري قال ابن ظهيرة
سماعا عليه بقراءتي وقال الآخرون اجازة ان لم يكن سماعا والحافظ
أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني والحاكم أبي
العباس أحمد بن الرضى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري والفقيه
أبي عبد الله محمد بن سالم بن إبراهيم بن علي الحضرمي ثم المكي
والقاضي تقي الدين أبي اليمن محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن
الحرازي (1) والضياء أبي الغنايم محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي
المكارم الحموي ثم المكي والعلامة ولي الله عفيف الدين أبي محمد
عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن ملاح اليمني ثم المكي قالوا
أخبرنا الامام الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري
قال أخبرنا الشيخ صائن الدين أبو الحسن محمد بن الأنجب البغدادي
قراءة عليه وانا اسمع قال أخبرنا الشيخ أبو المعالي عبد المنعم بن
عبد الله بن محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي (2) اجازة قال أخبرنا

(1) بفتح المهملة وتخفيف الراء وآخره زاي مخلاف باليمن قرب زبيد سمي
باسم بطن من حمير وهو حراز على ما ذكر في معجم البلدان وكذا ضبطه ابن
حجر في الدرر عند ترجمة والد هذا أحمد بن قاسم المتوفى سنة 755.
(2) نسبة إلى فرواة بالفتح وبعد الألف واو مفتوحة بليدة من اعمال نسا
بينها وبين دهستان وخوارزم على ما في الأنساب ومعجم البلدان.
103

أبو بكر الشيروي (1) قال أخبرنا أبو سعيد الصيرفي قال حدثنا أبو
العباس الأصم قال حدثنا محمد بن هشام بن ملاس قال حدثنا مروان
ابن معوية الفزاري قال حدثنا حميد قال قال أنس رضي الله عنه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل
يا رسول الله كيف أنصره ظالما قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه).
وأخبرناه عاليا عن هذا بدرجتين عشاري الاسناد المسند العالم
أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر العقبي ثم المحلي بقراءتي عليه بها
والخطيب أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة المخزومي سماعا عليه
بمنزله بمكة المشرفة ان أبا علي حسن بن أحمد بن هلال الدقاق وأبا
حفص عمر بن حسن بن مزيد المزي وأبا عبد الله محمد بن أحمد بن
إبراهيم المقدسي فيما كتبوا لهما زاد الثاني فقال وجمعا غيرهم ح وأذن
لي بعلو درجة تساعي الاسناد أبو الربيع سليمان بن خالد الإسكندري
فيها قالوا أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي قال
شيخنا عموما ح وكتب لنا الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين
ابن عبد الرحمن العراقي والمسند محمد بن عمر بن علي الحنفي قالا وشيخنا

(1) بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين وضم
الراء وفي آخرها ياء أخرى نسبة إلى شيرويه أحد أجداد المنتسب إليه، والمراد
هنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن شيرويه سمع أبا سعيد محمد بن
موسى بن الفضل الصيرفي وغيره. من الأنساب لابن السمعاني نقلا عن ابن
مأكولا.
104

أبو الفضل بن ظهيرة أيضا أخبرنا أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد
القلانسي وأبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن إسماعيل الفارقي قال
ابن ظهيرة في كتابهما قالا أخبرتنا دارا قبال (1) مؤنسة خاتون ابنة
أبي بكر بن أيوب قالت وأبو الحسن المقدسي أنبأتنا أم هانئ عفيفة
ابنة أحمد بن عبد الله الفارقانية وأم حبيبة عائشة زاد المقدسي فقال
وأخوها أبو عبد الله محمد أنبأ الحافظ معمر بن عبد الواحد بن الفاخر
القرشي وأسعد بن محمود بن خلف العجلي وأبو القاسم عبد الواحد
ابن القاسم بن الفضل الصيدلاني وزادت مؤنسة فقالت وأسعد بن سعيد
ابن روح الفاخر وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالوا أخبرتنا أم الفضل
فاطمة ابنة عبد الله بن أحمد الجوزدانية قالت أخبرنا أبو بكر محمد
ابن عبد الله بن ريذة قال أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب
الحافظ قال حدثنا أبو مسلم الأنصاري عن حميد عن انس رضي الله
عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنصر أخاك ظالما أو
مظلوما فقلت يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما قال عليه
الصلاة والسلام ترده عن الظلم فان ذلك نصرة منك له).

(1) هكذا أيضا في خط ابن طولون وغيره من المحدثين وهي مسندة مشهورة
في عصرها، رواياتها في جملة اثبات للشيوخ.
105

* (الدقوقي) * (1)
محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود البغدادي
محدثها وحافظها وشيخ المستنصرية بها الامام تقي الدين أبو الثناء ولد في
بكرة يوم الاثنين السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث
وستين وستماية، سمع الكثير بإفادة والده ثم بنفسه غيرهم، روى عن
عبد الصمد وابن أبي الدم وابن الساعي وغيرهم وكان مقدما على
أقرانه فردا في زمانه له المؤلفات الحسنة والتخاريج المفيدة واليد
الطولى في الوعظ والأدب والنظم الرائق والنثر الفائق وكان يجتمع
عليه إذا قرأ الحديث خلق لا يحصون يبلغون الوفا وكان له جلالة عجيبة
وإفادة للغاية مات رحمه الله تعالى في يوم الاثنين العشرين من المحرم
سنة ثلاث وثلاثين وسبعماية ببغداد وكانت جنازته مشهودة حضرها
الجم الغفير وحملت على الرؤس إلى برية الإمام أحمد بن حنبل رضي الله
عنه فدفن بها ولم يخلف شيئا رحمه الله وإيانا.
وفي هذه السنة توفي الرئيس تاج الدين أحمد بن إدريس بن محمد بن

(1) بضم أوله وقافين على ما ذكره السخاوي في أنساب الضوء اللامع، لكن
في مشتبه الذهبي ضبط الدال بالفتح بالقلم، وفي معجم البلدان دقوقا بفتح أوله
وضم ثانيه وبعد الواو قاف أخرى وألف ممدودة ومقصورة مدينة بين إربل
وبغداد.
106

مزيز (1) الحموي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين، ومفتي
المسلمين الشهاب أحمد بن يحيى بن جميل الشافعي بدمشق في جمادي
الثانية وله ثلاث وستون سنة، والمعمرة أم محمد أسماء ابنة محمد بن سالم
ابن صصري بدمشق في ذي الحجة عن خمس وتسعين سنة، والامام
الولي القدوة الشيخ علي بن أبي الحسين الواسطي الشافعي محرما وله
ثمانون سنة، والمحدث شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنائم بن المهندس
الصالحي الحنفي (2) في شوال عن ثمان وستين سنة.
* (البدر ابن جماعة) *
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر الكناني
الحموي ثم المصري الشافعي بدر الدين أبو عبد الله شيخ الاسلام وقاضي
القضاة بمصر والشام ولد في عشية الجمعة الرابع من شهر ربيع الثاني
سنة تسع وثلاثين وستماية بحماة، اشتغل وحصل وشارك في فنون من
العلم فتبحر فيها وتميز في التفسير والفقه وعني بالرواية فجمع وصنف
واشتهر وبعد صيته، ولي قضاء الإقليمين فحمدت سيرته، روى عن

(1) بالتصغير وبالزائين المعجمتين محدث حماة تقي الدين إدريس بن محمد بن
مزيز عن ابن رواحة وطبقته، وأولاده التاج احمد و عبد الرحيم وست الدار
سمعت منهم قاله الذهبي في المشتبه.
(2) وهو من أركان الرواية في عصره وابن مهندس المدرسة الظاهرية
بدمشق. سمع من ابن أبي عمر وابن شيبان فمن بعدهما.
107

شيخ الشيوخ حضورا والرشيد العطار وابن عزون وابن أبي اليسر
والرضى بو البرهان وابن البخاري وابن مضر والنجيب الحراني وخلق
سماعا وأجاز له جماعة منهم ابن سلمة وابن البرادعي (1) ومكي بن
غيلان، وكان ذا دين وتعبد ونزاهة أضر بآخره فانقطع للعبادة حتى مات
في ليلة الاثنين العشرين أو الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة
ثلاث وثلاثين وسبعماية بمصر ودفن بالقرافة عن أربع وتسعين سنة
وشهر رحمه الله تعالى.
شافهني سيدي والدي أبو النصر محمد بن محمد بن محمد ابن فهد
الهاشمي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وقرأت على الحافظ
أبي حماد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي وسمعت على ابن عمه الخطيب
أبي الفضل محمد بن أحمد قالوا أخبرنا الحافظ أبو عمر عبد العزيز بن محمد
ابن إبراهيم الشافعي ح وأنبأنا عاليا بدرجة أبو إسحاق إبراهيم بن
محمد الدمشقي قالا أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن
سعد الله الحموي قال الدمشقي كتابة قال أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن
عبد القوي ابن عزون الأنصاري قال أخبرتنا فاطمة ابنة عبد الله
الجوزدانية حضورا ح قال الحافظ أبو عمرو أخبرنا أبو عبد الله محمد
ابن علي بن ساعد الحلبي ح وأخبرنا عاليا بدرجة عدة مشافهة

(1) هو صفي الدين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي العدل
المعروف بابن البرادعي المتوفى سنة 647. شذرات
108

وكتابة عن زينب ابنة الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسي ح وأباح لنا
ابن الرسام عن إسحاق بن يحيى الآمدي قالوا أخبرنا الحافظ أبو الحجاج
يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قالا سوى ابن ساعد اجازة قال
الآمدي ان لم يكن سماعا قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد
الكراني (1) وأبو جعفر محمد بن إسماعيل بن محمد الطرسوسي قالا
أخبرنا أبو منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الصيرفي زاد الطرسوسي
فقال وأبو نهشل عبد الصمد بن أحمد بن الفضل العنبري قال والجوزدانية
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة الضبي ح وقال الصيرفي أخبرنا
أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسن بن فادشاه قالا أخبرنا سليمان بن أحمد
ابن أيوب الحافظ أبو القاسم اللخمي قال حدثنا محمد بن محمد التمار قال
حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن همام قال حدثني
الهرماس بن زياد رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا رديف أبي وهو عليه الصلاة والسلام على ناقته العضباء يوم الأضحى
وأناس حوله فقلت لأبي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
يقول عليه الصلاة والسلام (ارموا الجمار بمثل حصى الخذف) (2).

(1) بالفتح والتشديد نسبة إلى كران محلة بأصبهان - مشتبه الذهبي.
(2) المراد الحصى الصغار. والخذف في الأصل رمي الحصاة ونحوها بطرفي
الابهام والسبابة.
109

* (الجمال المطري) * (1)
محمد بن أحمد بن محمد بن خلف بن عيسى بن عباس بن بدر بن
يوسف بن علي بن عثمان الأنصاري السعدي العبادي المدني العلامة
أقضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله مولده في سنة إحدى أو ثلاث
وسبعين وستمائة وكان إماما له مشاركة وتبحر في فنون من العلم منها
الحديث والفقه والتاريخ ولي نيابة القضاء والإمامة والخطابة بالمدينة
النبوية على الحال بها أفضل الصلاة والسلام وألف لها تاريخا سماه
(التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة) وكان ذا خلق حسن
جامعا للفضائل والمحاسن صدرا من الصدور وكان رئيس المؤذنين بالحرم
الشريف النبوي، روى عن أبي اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب
ابن عساكر والحافظ شرف الدين الدمياطي والتاج علي بن أحمد الغرافي
والأمين محمد بن القطب القسطلاني والامام عفيف الدين عبد السلام
ابن محمد بن مزروع والشيخ أبى محمد عبد الله بن عمران السكري
وأبي المعالي أحمد بن إسحاق بن المؤيد الأبرقوهي وتقي الدين الحسين بن
علي بن ظافر بن أبي المنصور المالكي والعز الفارقي، وحدث بالحرمين
الشريفين، مات رحمه الله تعالى بالمدينة الشريفة على الحال بها أفضل
الصلاة والسلام في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بالبقيع.

(1) نسبة للمطرية المصرية. من أنساب الضوء اللامع
110

وفيها مات الامام برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن
هلال الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي في سادس عشر رجب وله بضع
وخمسون سنة، وأبو اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف بن سنان
الزرزاري القطبي في سادس ذي القعدة، وأبو العباس أحمد بن محمد بن
أزدمر بن عبد الله ابن صاحب الصهيون العزيزي الجريري في صفر عن
بضع وسبعين سنة، والشيخ الزاهد خالد المجاور لدار الطعم كان صاحب
كلمة نافذة وحال وكشف، والمعمرة الخيرة أم محمد صفية ابنة أحمد بن
أحمد بن عبد الله المقدسية عن سن عالية، ومحيي الدين عبد القادر بن
محمد بن الفخر البعلبكي وله اثنتان وخمسون سنة في شهر رجب، والمعمر
بهاء الدين علي بن عيسى بن المظفر بن الياس بن السروجي الدمشقي في
ذي القعدة وله ثمان وثمانون سنة، والمعمر بهاء الدين عيسى بن عبد
الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن مكتوم القيسي بدمشق في
ليلة الثلاثاء الحادي عشر من ذي القعدة عن ثلاث وثمانين سنة،
والعلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن القماح
الشافعي في شهر ربيع الثاني وله بضع وثمانون سنة، والشيخ الزاهد أبو
عبد الله محمد بن أحمد بن تمام بن حسان الشبلي بصالحية دمشق في
ثالث عشر أشهر ربيع الأول وله إحدى وتسعون سنة، والبدر محمد
ابن أحمد بن خالد بن محمد بن أبي بكر الفارقي في العاشر من ذي القعدة،
ومحمد بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف أخو الحافظ جمال الدين المزي
في شهر رمضان عن بضع وسبعين سنة، والامام المحدث بدر الدين
111

محمد بن علي بن محمد بن غانم الشافعي بدمشق، والمعمر أبو عبد الله
محمد بن علي بن محمود بن الدقوقي وله خمس وسبعون سنة، ومحمد
بن عالي بن النجم الدمياطي وله إحدى وتسعون سنة، والملك الناصر
أبو الفتح محمد بن قلاوون الصالحي بالقاهرة عن بضع وخمسين سنة،
والامام شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد القرشي الكاتب والشيخ
وجيه الدين محمد البادسي ببغداد.
شافهني المشايخ الثلاثة سيدي والدي أبو النصر محمد ابن فهد
الهاشمي والحاكمان أبو بكر بن الحسين الأرموي وأبو حامد محمد بن
عبد الرحمن العبادي ان العفيف عبد الله بن محمد بن أحمد الأنصاري
أخبرهم قال ابن الحسين سماعا وقال الآخران كتابة قال ابن أخيه ابن
لم يكن سماعا قال أخبرنا أبي محمد بن أحمد السعدي قال أخبرنا الحافظ
أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر قال قرأت على
الامام أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي بالمعزية
في آخرين وأبي العباس أحمد بن عبد الله المقدسي ح وقرأت بعلو درجتين
على عبد الله بن الحسين قلت له أخبرك الخطيب محمد بن محمد بن إبراهيم
قال أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن مناقب وأبو الفضل عبد الرحيم
ابن يوسف الموصلي قالوا أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر المكتب
قال الموصلي وأنا حاضر قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد قال
أخبرنا أبو طالب بن محمد البزاز قال أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم
الشافعي قال حدثنا أحمد بن بن عبد الله هو ابن إدريس قال حدثنا يزيد
112

قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد
مسجدي والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) اتفقا على تصحيحه فأخرجاه
في كتابيهما.
* (عليان) * (1)
علي بن أيوب بن منصور بن وزير بن راشد بن معين بن عبد العالي
ابن محمد ابن الشيخ إبراهيم الخواص المقدسي علاء الدين أبو الحسن
ولد في سنة بضع وستين وستمائة برع في علم الفقه والعربية واللغة وكان
أحد فقهاء الشافعية ومدرس الصالحية بالقدس الشريف، عني بهذا
الشأن فسمع الكتب الكبار المطولة وتفقه بالشيخ تاج الدين وأخذ
عن عدة مشايخ منهم ابن اليونيني أبو الحسن علي وابن سباع الفزاري
عبد الرحمن بن إبراهيم وابن البخاري الفخر علي بن أحمد، روى عنه
ابن فضل الله العلامة أحمد بن يحيى ومحمد بن عمر المكي ويحيى بن
الرحبي والحسيني محمد بن علي بن الحسن وغيرهم، وكان ثقة عمدة (2)

(1) على صيغة التصغير كما ضبطه ابن حجر في الدرر.
(2) قال ابن حجر: كان يجب كلام ابن تيمية ونسخ منه الكثير وله أشعار
على طريقته في الاعتقاد وامتحن وأوذي بسبب ذلك وحصل له في أواخر عمره
اختلاط أفكار يلهج بذكر الجن وانهم وعدوا ان يجروا له نهرا من النيل إلى
منزله بالقدس ونهرا من الزيب من نابلس إلى منزله أيضا وشرع في اعداد أماكن
113

اختلط قبل موته بمدة، مات في منتصف رمضان سنة ثمان وأربعين
وسبعمائة بالقدس.
وفيها مات غير من تقدم في ترجمة الذهبي تقي الدين إبراهيم بن قاسم
ابن عبد الحميد بن أحمد بن العجمي في ثالث شعبان، وإبراهيم بن
محمد بن إبراهيم بن محمد بن خولان الصالحي في ذي الحجة، وإبراهيم
ابن محمد بن محمد البكري، وأحمد بن إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم
ابن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، وأحمد بن سليمان بن عابد
الماكسيني في شهر ربيع الثاني، وأحمد بن عبد المؤمن بن خلف
الدمياطي في العشرين من شوال، وأحمد بن عمر بن إبراهيم القيمري
(1) الحيري في ذي القعدة، والشيخ نجم الدين أبو الفتح أحمد بن
العلامة أحمد بن العلامة شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم
الدمشقي بها في تاسع شهر رجب وكان مولده في سنة سبعين وستمائة
وكان مغفلا، وبدر الدين أبو علي حسن بن إبراهيم بن أسد بن أبي
الفرج بن ذراع اليمني في شهر رجب، وبدر الدين الحسن بن محمد
ابن عبد الرحمن بن أبي البركات بن أبي الفوارس بن السديد الأربلي،
وعمدة الدين عبد العزيز ابن الصاحب عز الدين حمزة بن القلانسي في

لذلك فأخذوا على يده وباعوا كتبه في حياته وتغالى الناس في أثمانها رغبة في
صحتها وانتزعت منه المدرسة الصلاحية إلى العلائي اه‍.
(1) بفتح القاف وضم الميم نسبة إلى قيمر ببلاد الأكراد.
114

شهر رمضان ودفن بقاسيون، ونجم الدين عبد العزيز بن عبد القادر
ابن أبي الكرم الربعي البغدادي بالقاهرة في يوم الجمعة عاشر رمضان،
والفقيه الشيخ العارف أبو الحسن علي بن عبد الله الطواشي اليمني
الشافعي شيخ سيدي عبد الله اليافعي كان صاحب أحوال وكرامات،
والأمير سيف الدين قلاوون الناصري بحمص، والفقيه الإمام الزاهد
الشيخ جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي البصال باليمن
لبس منه سيدي الشيخ عبد الله اليافعي خرقة التصوف وأخذ عنه.
* (الوادي آشي) * (1)
محمد بن جابر بن محمد بن القاسم بن حسان القيسي الامام
المقري الحافظ أبو عبد الله ولد في سنة ثلاث وستمائة وأخذ عن أبيه
والدلاصي (2) وأبي العباس البطرني وسمع من القاضي أبي العباس
ابن الغماز وأبي محمد بن هارون وعدة، روى عنه جمع من مشايخنا
وغيرهم، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في طبقات القراء: دخل أقصى

(1) نسبة إلى وادي آش بمد الهمزة والشين المعجمة بالأندلس من كورة
البيرة وبينها وبين غرناطة أربعون فرسخا على ما ذكره الزبيدي في شرح القاموس،
وهكذا بالشين المعجمة في خط البرهان البقاعي وابن فهد وابن فرحون وغيرهم،
وقد يقع في خطهم أيضا الوادياشي بالياء والمعجمة.
(2) نسبة إلى دلاص بفتح أوله وآخره صاد مهملة بلد في كورة البهنسا بمصر.
معجم البلدان
115

المغرب وعبر إلى الأندلس وأقرأ القراءات بتلك البلاد فاشتهر اسمه
وكان من مشاهير القراء والمحدثين قرأت عليه التيسير وأفادني أشياء
نفيسة وكان تاجرا نبيلا مقصودا حج وجاور غير مرة وعمل أربعين
بلدانية وذكره شيخنا الحافظ زين الدين العراقي في ذيله على العبر فيمن
مات في سنة تسع وأربعين وسبعمائة فقال: وممن توفي ببلاد المغرب
الحافظ أبو عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي الوادي آشي سمع من ابن
الغماز وابن هارون وغيرهما وحدث بمصر والشام والحجاز وبلاد المغرب
وكان قد انفرد بالديار المصرية بعلو الموطأ من رواية يحيى بن يحيى ثم
سافر إلى بلاد المغرب فمات بها كما قيل في شهر ربيع الأول انتهى (1).
ثم في هذه السنة كان الطاعون العام في عدة بلدان وقع في أثناء
صفر وامتد إلى أواخر المحرم من العام القابل فمات فيه أمم لا يحصيهم
الا الله عز وجل، يقال انه مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد قريب
من أحد عشر الف نفس وفي دمشق في اليوم أربعمائة نفس فممن مات
من المشهورين غير من تقدم في ترجمة أحمد بن أيبك الدمياطي بدمشق
إبراهيم بن إدريس بن يحيى بن يونس الأردني في شهر رجب، وإبراهيم

(1) وترجمه ابن فرحون في طبقات المالكية وقال: كان محدثا مقرئا مجودا
له معرفة تامة بالنحو واللغة والحديث ورجاله وكان فقهه قليلا وانما ذكرت هذا
الشيخ ومن كان مثله في قلة البضاعة في الفقه للإفادة بذكر من روى عنهم فأنه
أحد شيوخنا وشيخ كبير من أهل زماننا اه‍.
116

ابن أيوب بن أحمد بن علي بن عثمان ومولده في صفر سنة ست وستين
وستمائة، وإبراهيم بن حسين بن علي بن محمد بن العماد الكاتب ومولده
في سنة تسع وثمانين وستمائة، وبالقاهرة أو مصر العلامة برهان الدين
إبراهيم بن عبد الله الحكري، والأديب برهان الدين إبراهيم بن علي
ابن إبراهيم المعمار، والامام برهان الدين إبراهيم بن علي بن هبة الله
ابن علي الدمنهوري سبط الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وبدمشق كاتب
الحكم بها برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الجزري، وبمصر
أو القاهرة العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين بن عبد الله
الرشيدي، وبطريق الحجاز القاضي الامام جمال الدين إبراهيم العبد لاوي
(1) وهو متوجه إلى الحج، وبدمشق أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز
ابن رضوان بن الياس الحنفي في جمادى الأولى ولد في صفر سنة ثلاث
وتسعين وستمائة، وشهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن
ابن عبد المنعم العطار في شهر رجب، وبالإسكندرية تقي الدين احمد
ابن عبد الرزاق بن عبد العزيز بن موسى اللخمي الإسكندري،
وبالقاهرة أو مصر الامام تاج الدين أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن

(1) قال أبو العباس العجمي: وفي وفيات ابن خلكان ان البطيخ العبدلاوي
منسوب إلى عبد الله بن طاهر الخزاعي وذكر الوزير أبو القاسم ابن المغربي في
كتاب الخواص وهذا النوع من البطيخ لم أره في شئ من البلاد الا في الديار
المصرية ولعله نسب إليه لأنه كان يستطيبه أو انه أول من زرع هناك اه‍. والظاهر
أن النسبة هنا اما لبيعه أو زرعه.
117

مكتوم القيسي الحنفي، والامام الرباني علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن
السبكي ثم النووي والإمام أحمد بن مالك، والامام شهاب الدين
أحمد بن محمد بن جبارة الكندي، والامام نجم الدين أحمد بن محمد بن
عبد العليم الأصفوني (1)، وبالإسكندرية مسندها شهاب الدين احمد
ابن محمد ابن فتوح التجيبي الإسكندري، وبمصر أو القاهرة الشيخ الامام
فقيه القاهرة والإسكندرية شهاب الدين أحمد بن محمد بن قيس
الأنصاري، وبالإسكندرية أو دمياط وهو الظاهر أبو العباس احمد
ابن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن عبد الله الصقلي، وبالإسكندرية
أحد الشعراء المفلقين الأديب العلامة شهاب الدين أبو العباس احمد
ابن مسعود بن ممدود الضرير، وبالقاهرة أو مصر المحدث شهاب الدين
أحمد بن يحيى بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عساكر، وبدمشق
نائب الخطابة بها الامام شهاب الدين أحمد بن يوسف بن داود بن الحسن
ابن الحسين بن كابوره مولده في سنة ست وتسعين وسبعمائة، والمقري
الصيت أحمد بن الرقام، والأديب أحمد سميكة، وبمصر أو القاهرة
الامام شهاب الدين احمد الشاذلي البندقداري، والامام الرباني احمد
ابن الميلق الإسكندري الغافقي، وبدمشق إسماعيل بن إبراهيم بن
أبي بكر بن إبراهيم الجزري في جمادي الثانية، وبالقاهرة أو بمصر
امام خانقاه سرياقوس الشيخ عماد الدين إسماعيل بن المقري العجمي،

(1) أصفون بفتح الهمزة وبالفاء بلدة في صعيد مصر. شذرات الذهب
118

وبدمشق التاجر الكبير شمس الدين أفريدون العجمي واقف
الأفريدونية، وبالقاهرة أو مصر الامام كمال الدين جعفر بن تغلب
ابن جعفر بن علي الأدفوي الشافعي، والشيخ الامام نجم الدين حسين
ابن الزنكلوني، وأوحد الفضلاء المحدثين حمزة بن أحمد بن عمر الهكاري،
وبحلب الامام صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم المالكي، وبمصر أو
القاهرة القاضي علم الدين صالح بن عبد القوي الأسناني، وتقي الدين
صالح بن أبي بكر بن إبراهيم بن أبي بكر السنجاري القرشي وقيل
بالإسكندرية، والمحدث المفيد شرف الدين صالح القيمري، وبدمشق
عبد الرحمن بن الحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف
المزي في يوم الاحد سابع عشري جمادى الأولى ومولده في يوم عيد الفطر
سنة سبع وثمانين وستمائة، وبمصر أو القاهرة الشيخ المسند زين الدين
عبد الرحمن بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الهادي المقدسي، وأحد
فضلاء الحنفية الامام عز الدين عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الفرات
(1) والفقيه سعد الدين عبد الرحيم بن علي بن عثمان بن التركماني،
وأخوه أحد الفضلاء الامام العالم عز الدين بن عبد العزيز، وبدمشق
خطيبها تاج الدين عبد الكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني،
بالقاهرة أو مصر الامام الرباني أبو محمد عبد الله بن سليمان المنوفي

(1) أبو المؤرخ الكبير محمد ابن الفرات وجد المسند العلامة عبد الرحيم ابن
الفرات الحنفيين.
119

المالكي، وبالإسكندرية جمال الدين عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن
الثوري، وأحد فضلاء الشافعية الامام بدر الدين عبد الله بن محمد بن
عبد العزيز الميموني، وبدمشق رئيس المؤذنين بالجامع الأموي فخر الدين
عثمان بن عمر بن عثمان الحرستاني في شهر ربيع الأول وله اثنتان وثمانون
سنة، وعلاء الدين علي بن إبراهيم بن فلاح الإسكندري،
وبالإسكندرية الشريف تقي الدين علي بن أحمد بن أحمد أبي الحسن
علي بن عبد الله الشاذلي ومولده في ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست
وسبعين وستمائة، وبمصر أو القاهرة أحد الفضلاء الشيخ نور الدين علي
ابن الحسن بن علي التفهني، والامام نور الدين علي بن شبيب الحنفي،
وبالإسكندرية جلال الدين علي بن عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل
ابن مظفر بن الفرات الجريري بضم الجيم، وبالقاهرة أو مصر أحد
فضلاء الشافعية الإمام علي بن محمد بن محمد الأخنائي الشافعي، وبحلب
زاهدها الشيخ علي بن نبهان، وبمصر أو القاهرة الشيخ الامام علاء الدين
علي بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحنفي، وبدمشق الشيخ الواعظ
ركن الدين عمر بن الشيخ ناصر الدين محمد بن الشيخ إبراهيم بن معضاد
الجعبري، وبالقاهرة أو مصر شيخ خانقاه سعيد السعداء الشيخ
سراج الدين عمر بن الصفدي، وبالإسكندرية ست التجار فاطمة ابنة محمد
ابن أبي القاسم بن عبد الله الصقلي، وبحلب مدرس الناصرية فرج
الأردبيلي الشافعي شارح منهاجي النواوي والبيضاوي، وبمصر أو
القاهرة الشيخ زين الدين محمد بن أحمد بن ظهير القليوبي، والعلامة
120

الرباني شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان الأسعردي
ولد في سنة تسع وسبعين وستمائة، وشيخ الشافعية محمد بن أحمد بن
عثمان بن عدلان، وبدمشق عماد الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن محمد
ابن محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن عمر الشيرازي الدمشقي في شعبان
وله تسع وستون سنة، والصدر النبيل شمس الدين محمد بن أحمد بن
محمد بن أبي العز الحراني ثم الدمشقي عرف بابن العناب ومولده في سنة
أربع وسبعين وستمائة، وبالقاهرة أو مصر أحد الاعلام الشيخ عماد الدين
محمد بن إسحاق البلبيسي، والامام الرباني شمس الدين محمد بن صديق بن
عتيق الحسباني (1) الشافعي، والامام شمس الدين محمد بن عبد الرحيم
ابن إبراهيم الأسيوطي والد العلامة إبراهيم، والعلامة أبو عبد الله
محمد بن عبد الله بن محمد بن الصائغ الأموي، وعز الدين محمد بن
عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين، وبدمشق محتسب الصالحية
شمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي، وبالإسكندرية تاج الدين
محمد بن عثمان بن عمر بن كامل البلبيسي الكارمي في ليلة الثامن
والعشرين من صفر، وبمصر أو القاهرة الامام المحدث عماد الدين محمد
ابن علي بن جرير الدمياطي، والقاضي شمس الدين محمد بن عيسى بن
دقيق العيد، والعلامة بدر الدين محمد بن قاسم بن عبد الله بن علي
المرادي المصري المالكي ويعرف بابن أم قاسم شارح الألفية، والقاضي

(1) بضم المهملة نسبة لحسبان من دمشق. أنساب الضوء
121

زين الدين محمد بن محمد بن الحارث بن مسكين الزهري، والامام بهاء
الدين محمد بن محمد بن حمويه الضرير، وبالإسكندرية قاضيها شمس الدين
أبو عبد الله محمد بن محمد بن عطاء الله المالكي الإسكندري، وعز الدين
أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن حسن بن
عثمان بن علي بن منصور التميمي، وبحلب الامام بدر الدين محمد بن
محمد بن الصائغ الشافعي، وبالقاهرة أو مصر الامام الفقيه المحدث محمد
ابن محمد بن أبي بكر بن العطار العسقلاني، وشاهد الخزانة القاضي
جلال الدين محمد بن محمد علاء الدين الجوجري (1) وعمه ناظر الخزانة
تقى الدين محمد علاء الدين، وشيخ الحنابلة بدر الدين محمد بن عبد الله
ابن أبي الفرج بن أبي الحسن بن أبي إسرائيل بن وليد بن الحباب
الحنبلي، وابن قاضي ببا (2) الامام تقي الدين محمد بن الببائي، والأديب
شمس الدين محمد بن الفوية، وبالإسكندرية زاهدها أبو البركات
محمد بن أبي عبد الله بن موسى المالكي الفاسي الإسكندري وبدمشق
شمس الدين محمد بن الصلاح الشهرزوري مدرس القيمرية، والمقري
الصيت شمس الدين محمد الطحان، والمقري الصيت الرئيس شمس الدين

(1) نسبة إلى جوجر بجيمين مفتوحتين وراء بليدة بمصر من جهة دمياط في
كورة السمنودية. معجم البلدان.
(2) بموحدتين أوليهما مكسورة والثانية خفيفة على ما ذكره الحافظ ابن
حجر في الدرر، وقال ياقوت في معجم البلدان: بالفتح مدينة بمصر من جهة
الصعيد على غربي النبل من كورة البهنسا.
122

محمد البكتمري، ومن الفقراء الشيخ محمد الفيومي، والشيح محمد
القصار، ومن الوعاظ الشيخ محمد الزركشي الشافعي، وبمصر أو
القاهرة العلامة شمس الدين محمود بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن
أبي بكر بن علي الأصفهاني وبها ولد في سنة أربع وسبعين وستمائة في
شعبان، والامام سعد الدين مسعود بن الميموني أحد فقهاء الشافعية،
وبدمشق أخت ابن الخباز نفيسة ابنة إبراهيم بن سالم بن ركاب
الأنصارية في جمادى الثانية، والواعظ الشيخ يوسف بن مساور،
وبالقاهرة أو مصر الامام المقري جمال الدين يوسف بن عمر بن موسى
النحوي العباسي، وأبو بكر بن قاسم بن أبي بكر الرحبي ومولده في
شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين وستمائة، وأبو بكر بن يوسف بن
أحمد بن عبد الدايم الحلبي، والشيخ الامام السبكي المقري شارح
مختصر ابن الحاجب، والعلامة الفوسابادي، وأحد فضلاء الشافعية الامام
جمال الدين الخطيب الا بناسي، وشيخ خانقاه أقبغا جمال الدين الملطي،
وبحلب الفقيه العلامة زين الدين بن الوردي، وبمصر أو القاهرة أحد فقهاء
المصريين سديد الدين الأقفاصي (1) وخليفة الحكم القاضي شرف الدين
ابن بنت أبي سعيد (2)، وشيخ الخانقاه البيبرسية الامام شرف الدين
الواسطي، وشيخ الشيوخ بدر الدين (2) شيخ الخانقاه الناصرية
بسرياقوس، وعالم الأطباء بالقاهرة الشيخ شمس الدين بن الأكفاني،

(1) وقد يقال الأقفهسي: (2) هنا وفي صفحة 118 بياض في الأصل.
123

وامام الجامع الأزهر الشيخ عز الدين الحراني، وبدمشق القاضي الامام
عز الدين بن الأقصرائي الحنفي، وبالقاهرة أو مصر امام جامع المارداني
قوام الدين الكاكي، وبالجامع الأزهر الشيخ قوام الدين الكرماني،
وخليفة الحكم بالجامع الصالحي القاضي نجم الدين القزويني الحنفي.
أخبرنا الامام العلامة برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن موسى بن
أيوب الا بناسي قراءة عليه وأنا اسمع بالمسجد الحرام قدم علينا في ذي
القعدة من سنة إحدى وثماني مائة قال أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد
ابن جابر القيسي قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن هارون الطائي قال أخبرنا
أبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الحق
الخزرجي قالا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفرج مولى ابن الطلاع قال أخبرنا
أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث الصفار قال أخبرنا أبو عيسى
يحيى بن عبد الله الليثي قال أخبرنا عم أبي أبو مروان عبيد الله بن يحيى
قال أخبرنا أبي يحيى بن يحيى قال أخبرنا الامام مالك بن أنس الأصبحي
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فان فيهم
الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم فليطول ما شاء).
وقرأته عاليا بدرجتين على الامام أبي الخير محمد بن محمد بن محمد
ابن علي بن يوسف بن الجزري الشافعي بالمسجد الحرام قدم علينا في
سنة ثلاث وعشرين قلت له أخبرك الرئيس أبو عبد الله محمد بن موسى
124

ابن سليمان الأنصاري ح وأنبأنا عاليا عن هذا بدرجة المعمر أبو الربيع
سليمان بن خالد الإسكندري منها قالا أخبرنا أبو الحسن علي بن البخاري
أحمد بن عبد الواحد المقدسي قال شيخنا في اذنه العام قال أخبرنا أبو
اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي وأبو حفص عمر بن محمد بن
معمر الدارقزي قالا أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن
محمد الأنصاري قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي
قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماشي البزار وأنا
حاضر قال حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي قال
حدثنا القعنبي يعني عبد الله بن مسلمة قال حدثنا ابن أبي ذئب عن أبي
الوليد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (إذا أممتم الناس فخففوا فان فيهم الكبير والصغير والضعيف)
صحيح رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وأبو داود عن القعنبي
والنسائي عن قتيبة ثلاثتهم عن مالك به فوقع لنا بدلا لهم في روايتنا
الأولى ووقع لنا عاليا من روايتنا الثانية ولله الحمد والمنة.
* (ابن التركماني) * (1)
علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي قاضي القضاة
الامام العلامة الحافظ علاء الدين سمع من خلائق منهم الأبرقوهي
والدمياطي وابن القسم وابن الصواف وشهاب المحسني، ولي قضاء

(1) وفيه يقول القرشي: الإمام ابن الإمام أخو الامام ووالد الامامين.
125

الحنفية بالديار المصرية ودرس بعدة تداريس لجماعة الحنفية، روى عنه
شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي (1) سمع عليه صحيح البخاري،
وله تآليف حسنة مفيدة منها (تخريج أحاديث الهداية) و (الدر النقي في
الرد على البيهقي) وكتاب في علوم الحديث اختصر فيه كتاب ابن
الصلاح اختصارا حسنا مستوفى، ذكره شيخنا زين الدين العراقي في
ذيله على ذيل العبر للذهبي فيمن توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة فقال:
وشيخنا الامام العلامة الحافظ قاضي القضاة علاء الدين علي بن مصطفى
ابن عثمان التركماني وذكر له ترجمة رحمه الله تعالى.
* (أبو الفتح ابن المحب) *
أحمد بن عبد الله بن أحمد الامام الحافظ شهاب الدين أبو الفتح
ذكره الحافظ أبو المحاسن الحسيني في ذيله على ذيل العبر للذهبي فيمن
توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة فقال: والحافظ شهاب الدين أبو

(1) بل به تخرج في الحديث كما سيأتي في ترجمة العراقي وكتابه (الجوهر
النقي في الرد على البيهقي) في مجلدين يكشف الستار عن وجوه تعسفاته وأوهامه،
لا يستغني عنه من يعني بعلل أحاديث الاحكام وله (بهجة الأريب بما في القرآن
من الغريب)، والمنتخب في علوم الحديث والمؤتلف والمختلف وكتاب الضعفاء
والمتروكين ومختصر المحصل في الكلام للرازي وله أيضا المعدن في أصول الفقه
والكفاية مختصر الهداية وغير ذلك، وهو من مشايخ الحافظ عبد القادر القرشي.
126

الفتح أحمد ابن شيخنا المحب عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي حدث
عن عيسى المطعم وغيره (1).
* (ابن الواني) * (2)
عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي الامام الحافظ
المفيد شرف الدين مدرس العلمية ذكره الإمام أبو المحاسن الحسيني
فيمن مات سنة تسع وأربعين وسبعمائة فيما ذيل به على ذيل العبر للذهبي
وذكره في ذيله على طبقات الحفاظ في ترجمة أحمد بن أيبك الدمياطي
فيمن توفي معه في العام فقال: والحافظ شرف الدين عبد الله ابن الحافظ
امين الدين محمد بن إبراهيم الواني الحنفي شابا حدثنا عن عيسى
المطعم وغيره.

(1) قال ابن حجر: ولد سنة 719 وسمع ابن الزراد وست الفقهاء
وغيرهما وأحضره أبوه قبل ذلك على ابن الشيرازي وابن سعد وحصل له ثبتا
فيه شئ كثير وقفت عليه وطلب بنفسه وقرأ وخرج لنفسه ولغيره وكانت فيه
لكنة ومات في الطاعون العام سنة 749 ه‍.
(2) قال ابن حجر: أحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وعيسى
المطعم ويحيى بن سعد والقاسم ابن عساكر وسمع عليهما وعلى زينب بنت سكر
وطلب بنفسه فأكثر وكان فصيح القراءة سريعها حاد الذهن وعمل أربعين
بلدانية اه‍.
127

* (ابن البابا) *
أحمد بن أبي الفرج بن البابا شهاب الدين الشافعي (1) الامام
العلامة الحافظ شهاب الدين سمع على جماعة منهم الحافظ أبو محمد
الدمياطي وقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد وأبو المعالي محمد
ابن إسحاق الأبرقوهي، كان جامعا لعلوم شتى منها الحديث والفقه
والأصول والكلام والنحو الطب والموسيقى كتب بخطه المليح وقرأ
وأفاد ودرس بقبة بيبرس درس الحديث لجماعة المحدثين، وتصدر بأماكن
منها الجامع الأزهر وحدث، قرأ عليه شيخنا الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم
ابن الحسين العراقي الالمام لابن دقيق العيد الا يسيرا من آخره وذكره
في ذيله على ذيل العبر للذهبي فيمن مات في سنة تسع وأربعين وسبعمائة
فقال: والشيخ الامام العلامة الحافظ شهاب الدين أحمد بن أبي الفرج
ابن البابا الشافعي أحد العلماء الاعلام في العشر الأخير من شوال
وذكر له ترجمة.
* (الزيلعي) *
عبد الله بن يوسف بن محمد بن أيوب بن موسى الحنفي الفقيه الامام
الحافظ جمال الدين ولد في وتفقه وبرع وأدام النظر والاشتغال

(1) وبطريقه يروي البدر العيني الالمام سماعا على الزين العراقي.
128

وطلب الحديث واعتنى به فانتقى وخرج وألف وجمع وسمع على جماعة
من أصحاب النجيب الحراني ومن بعدهم كالشهاب أحمد بن محمد بن
فتوح التجيبي مسند الإسكندرية والشهاب أحمد بن محمد بن قيس
الأنصاري فقيه القاهرة والإسكندرية والشمس محمد بن أحمد بن عثمان
ابن عدلان شيخ الشافعية وشهاب الدين أحمد بن محمد بن فتوح التجيبي
وجلال الدين أبو الفتوح علي بن عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن
مظفر بن الفرات الجريري بضم الجيم وتقي الدين بن عبد الرزاق بن
عبد العزيز بن موسى اللخمي الإسكندري وتاج الدين محمد بن عثمان
ابن عمر بن كامل البلبيسي الكارمي الإسكندري وجمال الدين عبد الله
ابن أحمد بن هبة الله بن البوري الإسكندري، وله المؤلفات (1)

(1) قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: ذكر لي شيخنا الزين
العراقي انه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية لتخريج الكتب التي كانا قد
اعتنيا بتخريجها فالعراقي لتخريج أحاديث الاحياء والأحاديث التي يشير إليها الترمذي
في الأبواب، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية وتخريج أحاديث الكشاف، وكل
منهما يعين الآخر، ومن كتاب الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية استمد
البدر الزركشي في كثير مما كتبه من تخريج الرافعي وغيره اه‍. بل ابن
حجر نفسه في تخاريجه كذلك، والزيلعي أعلى طبقة من العراقي وعمله هذا معه
يدل على ما كان عليه من الأخلاق الجميلة والتواضع، وتخاريجه شهود صدق على
تبحره وسعة اطلاعه في علوم الحديث من معانيه وأسماء رجاله ومتونه وطرقه
وقد رزقها الله الانتفاع بها والتداول بأيدي أهل العلم بالحديث على مدى القرون،
وقد لخص ابن حجر (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية) في مجلد سماه
الدراية وكلاهما مطبوع في الهند، وعمل مثل ذلك في تخريج الكشاف،
129

الحسنة منها تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري وتخريج أحاديث
الهداية في مذهبه، وكانت وفاته رحمه الله تعالى في اليوم الحادي عشر
من المحرم الحرام سنة اثنتين وستين وسبعمائة.
وفيها مات بمصر موفق الدين أحمد بن أحمد بن عبد المحسن بن
الرفعة بن أبي المجد العلوي قال ابن رافع ورد كتاب أبي من مصر في
جمادى الأولى بموته، قال شيخنا الحافظ ولي الدين أبو زرعة: ولا أعرف
هذا المذكور والذي أعرفه علي بن أحمد بن أحمد بن أحمد وقد ذكر
والدي وفاته في سنة انتهى، وأحمد بن سنقر بن عبد الله الجندي
في أوائلها، وبمكة المسند شهاب الدين أحمد بن عبد الله الشريفي المكي أحد
الفراشين بالمسجد الحرام في ليلة الثالث من شوال، وبدمشق الزاهد
المعمر أبو العباس احمد الزرعي الحنبلي في المحرم وكان أمارا بالمعروف
ناهيا عن المنكر قوي النفس في ذلك أبطل مظالم وفيه اقدام على
الملوك والسلاطين وكان يتكلم في الفراسة تفقه على التقي ابن تيمية
وصحبه زمانا، وبالقاهرة الشيخة أم أحمد أسماء ابنة الامام المحدث
شرف الدين يعقوب بن أحمد بن يعقوب بن عبد الله بن عبد الرحمن بن
الصابوني، وبمكة أميرها الشريف ثقبة بن رميثة بن أبي نمي الحسني،
وبالقاهرة الحجيج المعمار الصالحي مهندس السلطان بالقاهرة، ونقيب

والزيلعي هذا ممن تفقه على الفخر الزيلعي الكبير شارح الكنز، وكان بعيدا عن
التعصب المذهبي يحشد الروايات وقد لا يتكلم فيما له فيه كبير مجال للكلام.
130

الاشراف بالديار المصرية الشريف شهاب الدين أبو عبد الله الحسين بن
محمد بن الحسين ويعرف بأبي الركب بضم الراء المهملة وفتح الكاف
الحسني الشافعي في سادس عشر شعبان عن أربع وستين سنة، وزينب
ابنة المحدث شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنائم بن المهندس في المحرم،
وبظاهر دمشق الشيخة الصالحة أم محمد عائشة ابنة نصر الله بن أبي محمد
ابن محمد السلامي في ليلة الأربعاء ثالث عشري شهر ربيع الثاني،
وبدمشق أحد وكلاء الحكم بها عبد الرحمن بن رزق الله بن عبد الرحمن
ابن رزق الله الرسعني الدمشقي في ليلة الأربعاء الثاني أو الثالث من
جمادى الأولى، وبالقاهرة صدر الدين عبد الكريم بن علي بن إسماعيل
القونوي ومولده بدمشق في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ومدرس
الحديث بخانقاه شيخو والخطيب بجامعة الشيخ جمال الدين عبد الله
الزولي الحنفي في حادي عشر المحرم على ما ذكره شيخنا الحافظ
ولي الدين أبو زرعة العراقي وعلى ما ذكره والده شيخنا الحافظ زين الدين
أبو الفضل في ذي الحجة من السنة بعدها سنة إحدى وستين، وبحلب
كاتب الحكم بها تاج الدين عبد الوهاب بن العز إبراهيم بن صالح بن
هاشم ابن العجمي الحلبي وله بضع وخمسون سنة، ونقيب العلويين بحلب
الشريف علاء الدين علي بن حمزة بن علي ابن الحسن بن زهرة الحسيني،
وبالقاهرة القاضي المحدث علاء الدين علي ابن المسند السيد أبي بكر بن
السيف الحراني بالمارستان المنصوري، والمسند الأصيل الشيخ
شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الوهاب بن أبي القاسم
131

خلف بن أبي الثناء محمود ابن بنت الأعز، والعلامي بتخفيف اللام
نسبة إلى قبيلة من لخم في يوم الخميس من عشري شهر ربيع الثاني،
وببلبيس أو سرياقوس من ضواحي القاهرة الشريف جمال الدين محمد
ابن الشرف أحمد بن يعقوب أو فضل بن طرخان الجعفري الزينبي في
شهر ربيع الأول وله بضع وخمسون سنة، وبحماة الأديب شمس الدين
محمد بن علي بن محمد بن أبي طرطور الغزي عن سبع وسبعين سنة،
وبدمشق الرئيس شمس الدين محمد بن عيسى بن عبد الوهاب ابن قاضي
شهبة، والصدر الكبير عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد
ابن عبد الواحد بن عبد الكريم شهر بابن الزملكاني الأنصاري الدمشقي،
والمعمر أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل بن محمد الاعزازي
الصالحي بها عن سن عالية كذا ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل وفاته
في ذي الحجة من السنة قبلها سنة إحدى وستين، والكاتب المجود
الأديب شمس الدين محمد بن الوزان، وبالمعرة القاضي شرف الدين
موسى بن سنان بن مسعود بن شبل الجعفري السلمي وله نيف
وستون سنة، وبالقدس الشيخ الصالح محيي الدين أبو زكريا يحيى بن
عمر بن الذكي بن عمر بن أبي القاسم الكركي الشافعي في العشر الأول
من ذي القعدة ومولده في سنة تسع وتسعين وستمائة، وبالقاهرة الشيخ
الصالح الفاضل ابن المجد المالكي في صفر بالمدرسة الصالحية.
132

* (مغلطاي) * (1)
ابن قليج بن عبد الله البكجري (2) الحنفي علاء الدين أبو عبد الله
الامام العلامة الحافظ المحدث المشهور مولده فيما ذكره الحافظ تقي الدين
ابن رافع في سنة تسعين وفيما ذكره الصلاح الصفدي بعد التسعين
وستمائة وسأله شيخنا الحافظ زين الدين العراقي عن مولده فقال له انه
في سنة تسع وثمانين وانه أجاز له الفخر بن البخاري قال شيخنا فذكرت
ذلك لشيخنا العلامة تقي الدين السبكي فاستبعده وقال إنه عرض علي
كفاية المتحفظ سنة خمس عشرة وهو أمرد بغير لحية انتهى وكان
أبوه في صباه يرسله ليرمي بالنشاب فيخالفه ويذهب إلى حلق أهل
العلم فيحضرها وانهمك على الاشتغال حتى صار له مشاركة جيدة في
فنون من العلم لا سيما الأنساب فلم يكن يتقن من متعلقات الحديث

(1) ذكره التميمي في طبقاته باسم محمد مغلطاي، والمسند برهان الدين
ابن كسباي العمادي سماه علاء الدين علي مغلطاي كما رأيت بخط الشيخ حامد
العمادي في مجموعة إجازاته فيما ينقله عن خطه عند ذكر أسانيد كتاب الصمت
لابن أبي الدنيا الحافظ، ويترجمه العلامة قاسم الحافظ في تاج التراجم باسم مغلطاي
فقط ويقول عنه: مغلطاي بن قليج بن عبد الله علاء الدين البكجري امام وقته
وحافظ عصره الخ.
(2) بفتح الموحدة وسكون الكاف وفتح الجيم ثم راء على ما في ذيل لب
اللباب نقلا عن الداودي.
133

خيرا منها وله بما عداها معرفة متوسطة وعني بهذا الشأن فقرأ بنفسه
وأكثر جدا وكان جل طلبه في العشر الثاني بعد السبعمائة فأكثر من
شيوخ هذا العصر وسمع جماعة منهم التاج أحمد بن دقيق العيد
والواني والحسن بن عمر الكردي والختني (1) وابن الطباخ وابن قريش
والدبوسي والحجار (2) و عبد الرحيم المنشاوي، قال شيخنا الحافظ أبو

(1) نسبة إلى ختن بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة الفوقية وفي آخرها نون
بلدة دون كاشغر وراء بوزكند على ما ذكر في معجم البلدان وطبقات القرشي،
قال ياقوت: وضبط بعضهم المثناة بالتشديد ه‍. والختني هنا هو مسند البلاد المصرية
بدر الدين يوسف بن عمر بن الحسين الختني الحنفي سمع من ابن رواج والمنذري
وغيرهما وانفرد بعلو الاسناد في أشياء قال القرشي: سمعت عليه الكثير وخرج
له صاحبنا أحمد بن أيبك الدمياطي مشيخة. توفي بالمدرسة السيوفية الحنفية بالقاهرة
سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة عن أربع وثمانين سنة. وتشتبه هذه النسبة خطا
بالجبني نسبة إلى الجبن المأكول وهو الامام المحدث علي بن محمد الجبني المتوفى سنة
سبع عشرة وسبعمائة عشرة وسبعمائة فلينتبه إلى ذلك
(2) يتكرر ذكره في الكتاب كثيرا تارة باسم أبي العباس أحمد بن أبي طالب
وأخرى بأبي العباس بن الشحنة وتارة بالحجار وهو مسند الدنيا ورحلة الآفاق أبو
العباس شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم نعمة بن الحسن بن علي بن
بيان الديرمقرني ثم الصالحي الحنفي الشهير بابن الشحنة الحجار ترجمه الحافظ الشمس
ابن طولون في (الغرف العلية في ذيل الجواهر المضية) ترجمة وافية. سمع الصحيح
من الحسين بن المبارك الزبيدي الحنفي وابن اللتي وأجاز له من بغداد القطيعي
وابن روزبه والكاشغري وآخرون، وفي شيوخه ومروياته كثرة، ولد في
134

الفضل العراقي: سألته عن أول سماعه فقال دخلت بعد السبعمائة إلى
الشام فقلت له فماذا سمعت إذا ذاك؟ قال سمعت شعرا فقلت له فأول
سماعك للحديث متى؟ فسكت فلقنته في سنة خمس عشرة فقال نعم
ثم ادعى أنه سمع عن علي بن أبي الحسين الصواف راوي النسائي
المتوفى سنة 12 فسألته كيف سمعت عليه فقال سمعت عليه أربعين
حديثا انتقاء نور الدين الهاشمي من النسائي فحصلت عندي فيه وقفة،
ثم بعد مدة أخرج جزءا منتقى من النسائي بخطه ليس عليه طبقة البتة
لا بخط غيره ولا بخطه وذكر انه قرأه بنفسه على ابن الصواف

حدود سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال ابن حجر: وعمر حتى ألحق الأحفاد
بالأجداد فحدث بالصحيح أكثر من سبعين مرة بدمشق وغيرها ورأى من العز
والاكرام مالا مزيد عليه وانتخب عليه الحفاظ ورحل إليه من البلاد وتزاحموا
عليه، قال الذهبي: كان دموي اللون صحيح الركب أشقر طويلا أبطأ عنه
الشيب يصغي جيدا وما رأيته نعس فيما اعلم وقد صام وهو ابن مائة سنة رمضان
واتبعه بست من شوال، كان حينئذ يغتسل بالماء البارد ولا يترك غشيان الزوجة
... ولا أرتاب في سماعه من ابن الزبيدي فإنه لم يكن له أخ باسمه قط
شرح محب الدين ابن المحب في قراءة الصحيح عليه قبل موته بيوم ثم قرأ عليه
الميعاد الثاني يوم وفاته إلى الظهر فمات قبيل الظهر في 25 من صفر سنة ثلاثين
وسبعمائة رحمه الله. وأطال في ترجمته ابن حجر في الدرر، وللحافظ ابن ناصر الدين
(الانتصار لسماع الحجار) رد به على بعض المشككين في سماعه من الزبيدي
والبحث طويل الذيل.
135

سنة اثنتي عشرة فقويت الوقفة انتهي، وكان أول سماعه الصحيح
للحديث في سنة سبع عشرة وسبعمائة غير أنه ادعى السماع من
جماعة قدماء ماتوا قبل هذا كالدمياطي وابن دقيق العيد وابن
الصواف ووزيرة ابنة المنجا، وتكلم فيه الجهابذة من الحفاظ لأجل
ذلك ببراهين واضحة قد تقدم بعضها فالله تعالى يغفر لنا وله (1)
وقد خرج لنفسه جزءا عنهم وعن غيرهم وذكر فيه انه سمع الشيخ
تقي الدين بن دقيق العيد يقول بدرس الكاملية سنة اثنتين وسبعمائة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة) قال
شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فذكرت ذلك لشيخنا العلامة
تقي الدين السبكي فاستبعد ذلك جدا وقال إن الشيخ تقي الدين بن
دقيق العيد ضعف من أواخر سنة إحدى وسبعمائة ولم يحضر درسا
في سنة اثنتين ولم يكن بالكاملية وانما خرج إلى بستان خارج باب
الخرقي (2) فأقام به إلى أن توفي في أوائل صفر سنة اثنتين وسبعمائة، ثم

(1) لا يزال المصنف يسترسل في هذا المهيع الخطير فلعله لم يطلع على كتبه
حتى يعلم مبلغ تبحره في العلم وتحريه في البحث. وبنى كلامه على قول خصومه
وليس للحاكم ان يحكم قبل ان يدلي الآخر بحجته ويبحث عما عنده، والدليل
على أنه لم يطلع على كتبه إهماله فيما الفه في الرجال زوائد مغلطاي على
التهذيب مع أنها مما يشد إليه الرحال، وترى السخاوي يعتذر عن ابن فهد بان
الكتاب ما كان وصل إلى الحجاز إذ ذاك.
(2) يعني بالقاهرة.
136

سألت عن ذلك تاج الدين عبد الرزاق شاهد الخزانة وكان مخصوصا
بخدمة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فذكر نحو ذلك وان الشيخ
أقام ضعيفا مدة شهرين أو أكثر إلى أن توفي بالبستان، وقد تكلم الحافظ
صلاح الدين العلائي عل هذا الجزء في جزء لطيف أنكر فيه سماعه
على جماعة ممن ادعى انه سمعه عليه، سمعه منه شيخنا الحافظ أبو الفضل
العراقي، قال أعني العراقي وذكر لي انه وجد سماعا له على الشيخ تقي
الدين بن دقيق العيد لحديث مسند فسألته من أي كتاب؟ فقال لي
من سنن أبي مسلم الكشي قلت له فالطبقة بخط من؟ قال بخط الشيخ
تقي الدين نفسه فسألته ان اقف على ذلك فتعلل بان النسخة في بيت
الكتب الأسفل بالظاهرية فتحينته إلى أن وجدته في بيت الكتب
المذكور فدخلت إليه فسألته ان أقف على سنن أبي مسلم الذي عليه
سماعه على الشيخ فتغير وقال لي ليس هو هنا فغلب على ظني ان ما ادعاه
من السماع عليه لا أصل له (1) فالله يغفر له ويسامحه، ثم رأيت في

(1) لكن يا هذا ظنك لا يغني من الحق شيئا فكأن العراقي كان مدفوعا إلى
جميع ما عمله معه وكان صغير السن إذ ذاك يطلب العلم عند مغلطاي، وصعب على
الأستاذ ان يرى تلميذه مدفوعا إلى مثل هذا العمل بصفاء باطنه وصغر سنه من
قبل منافسيه ولما أحس بذلك منه ماطله ولم يجبه جوابا شافيا لأنه لم يكن
مسترشدا. وما بين الصلاح والعلاء من الجفاء معروف، وليس في كل ما حكوا
حجة صريحة لما ادعوا ولا تقف الظنون عند حد إذا استرسل الرجل وراءها
ولا شك ان إجازات هؤلاء العامة تشمله حتما باعتبار سنه، وإجازتهم له اجازة
137

تركته نسخة من سنن أبي مسلم وقد سمع شيئا منه على الشيخ تقي
الدين بن دقيق العيد وليس له فيها سماع على ابن دقيق العيد البتة والله
تعالى اعلم انتهى، انتقى وخرج وأفاد وكتب الطباق وتخرج بالحافظ
أبي الفتح ابن سيد الناس (1) وله عدة تآليف مفيدة في الحديث

خاصة أو سماعه منهم شيئا فدون اثبات نفي ذلك خرط القتاد والاجازة للصغير أو
احضاره في مجلس التسميع مما يتساهل فيه الرواة للتبرك بذلك ومما يتنافسون
فيه رغبة في علو الاسناد لكن أهل العلم لا يعتدون بمثل هذا التحمل وليس
هذا مما يتناطح فيه المتناطحون. وهذا حافظ الشام ابن ناصر الدين الدمشقي
رماه الحافظ برهان الدين البقاعي بالكشط والتزوير ولم يعتدوا برميه وأما
العلاء فما رموه لا بالكشط ولا بالتزوير بل رموه بأنه قال إنه أجيز من فلان
وهو صغير وسمع من فلان وهو صغير وهم يقولون ان ذلك لم يثبت عندنا ولا
شك ان عدم الثبوت عندهم لا يدل على عدم الثبوت في نفس الامر حتى يلصق
به هذه الوصمة، وابن الملقن والبلقيني والعراقي والهيثمي ومعاصروهم من الحفاظ
من المتشبعين من موائد علوم صاحب الترجمة، وليس هذا الكلام مما يحط من
مقدار من تكون إمامته وعلو شأنه كما أشرنا إليه كما لم يحط من مقدار ابن
الجرزي كلام من تكلم فيه.
(1) قال ابن حجر بعد أن ذكر عدة شيوخ له: وأكثر جدا من القراءة
بنفسه والسماع وكتب الطباق وكان قد لازم الجلال القزويني فلما مات ابن سيد
الناس تكلم له مع السلطان فولاه تدريس الحديث بالظاهرية فقام الناس بسبب
ذلك وقعدوا وبالغوا في ذمه وألحوه ولم يبال بهم. وعدة تصانيفه نحو المائة
أو أزيد وله مآخذ على أهل اللغة وعلى كثير من المحدثين اه‍. وبينه وبين الحنابلة
بعض الضغائن.
138

واللغة وغير ذلك منها (شرح البخاري) في عشرين مجلدا وسيرة النبي
صلى الله عليه وسلم مختصرة وزوائد ابن حبان على الصحيحين مجلد وترتيبه
أعني صحيح ابن حبان وكتاب ذيل بن علي تهذيب الكمال للمزي
(1) وفيه فوائد غير أن فيه تعصبا كثيرا في أربعة عشر مجلدا ثم
اختصره في مجلدين مقتصرا فيه على المواضع التي زعم أن الحافظ
المزي غلط فيها وأكثر ما غلطه فيه لا يرد عليه وفي بعضه كان الغلط منه
هو فيها ثم اختصر المختصر في مجلد لطيف وذيل على المشتبه لابن نقطة
وكذا على كتاب الضعفاء لابن الجوزي وعلى كتاب ليس في اللغة
وعلى كتابي الصابوني وابن سليم في المؤتلف والمختلف ووضع شيئا
على الروض الأنف للسهيلي سماه (الزهر الباسم) وكتاب في الاحكام
مما اتفق عليه الأئمة الستة وكتاب في ترتيب الوهم والايهام لابن القطان
وقد تقدمه في ذلك صدر الدين بن المرحل وكتاب (2) وله شرح
على سنن أبي داود لم يكمل وكذا على طائفة من سنن ابن ماجة و (الواضح
المبين في ذكر من استشهد من المحبين) (3) فحصل له بسببه محنة

(1) وهو المسمى بالاكمال، وقد استمد ابن حجر منه كثيرا في عدة كتب
له في الرجال. (2) هكذا في الأصل.
(3) بدعوى الصلاح العلائي ان فيه ما يمس بالصديقة ولولا لطف الله به
لأوقعه خصومه فيما لا خير فيه، ولما رأى الأمير الكبير الورع الزاهد العالم جنكلي
ابن البابا العجلي سليل إبراهيم بن أدهم الزاهد المشهور انه في ذلك مظلوم صار
139

عزر واعتقل فيها ومنع أهل سوق الكتب من بيعه، وكان يحفظ
كفاية المتحفظ والفصيح لثعلب وله اتساع في نقل اللغة وفي الاطلاع
على طرق الحديث وكان دائم الاشتغال منجمعا عن الناس، وقد ولي
التدريس بأماكن منها الظاهرية وليها بعد شيخه ابن سيد الناس
وجامع القلعة والمدرسة الصرغتمشية والجامع الصالحي وقبة خانقاه

إلى جانبه وحال دون ما يريدون، وحاشاه ان يصدر عنه ما يمس بالصديقة
وحاشا هذا الأمير الورع العالم الذي شهر بدينه وزهده في تواريخ المعتبرين ان
يكون في جانبه لولا تحقق براءته مما وصموه به ولكن المنافسات بين القرناء لها
شؤون في جميع القرون لا سيما إذا كان بينهم تزاحم في المناصب أو تخالف في
المذاهب ولولا تولية المترجم مشيخة الحديث بالظاهرية بعيد وفاة شيخه ابن
سيد الناس لما بدت كوامن الحسد من أقرانه المخالفين له في المذهب الظانين
ان هذا العلم وقف عليهم، تارة يتكلمون في اسناده عن شيوخ له بأشياء لا حجة
فيها وطورا في كتبه كما ترى مع أنه في معرفة المؤتلف والمختلف والأنساب
واللغة وطرق الحديث لا تجد بين معاصريه من يوازنه بل الحق ان الناس بعده
عالة في الرجال على كتبه وعلى كتب المزي فقط، ومن اطلع على التهذيب
وعلى الاكمال ثم على ما كتبه الناس لا يرتاب في ذلك. ولا يضره ان يكون له
أوهام معدودة فمن ذا الذي لا يهم من المكثرين، واكمال ابن الملقن كنسخ
لاكماله عفوا بلا تعب كما أن شرحه للبخاري كذلك، وكان من جملة ما يثير
خواطر معاصريه انه كان يكشف الستار عن وجوه الجرح والتعديل ويثبت في
كتبه في الرجال من الكلام فيهم ما لم يعهدوه وما يقصر علمهم عنه وهذه
جريمة لا تغفر عندهم سامحهم الله.
140

بيبرس والمدرسة المجدية بالشارع والمدرسة النجمية، قال الحافظ تقي
الدين ابن رافع طلب الحديث وقرأ قليلا وجمع السيرة النبوية وقال
الصلاح الصفدي: كان جامد الحركة كثير المطالعة والدأب والكتابة
وعنده كتب كثيرة جدا ولم يزل يدأب ويكتب إلى أن مات في
شعبان في سنة اثنتين وستين وسبعمائة انتهى وذلك في يوم الثلاثاء
الرابع والعشرين في المهدية خارج باب زويلة من القاهرة بحارة حلب
ودفن بالريدانية وتقدم في الصلاة عليه القاضي عز الدين ابن جماعة.
أخبرنا الإمامان العلامتان الحافظان عمدة الحفاظ أبو الفضل عبد
الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي وأبو الحسن علي بن أبي بكر
ابن سليمان الهيثمي المصريان في كتابيهما منها ان الحافظ أبا عبد الله
مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري الحنفي أخبرهما سماعا عليه بقراءة
الأول في يوم الخميس رابع عشر صفر سنة أربع وخمسين وسبعمائة في
منزله بجوار المدرسة الظاهرية من القاهرة قال أخبرنا الامام تاج الدين
أبو العباس احمد (1) بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري
سماعا عليه في يوم الاثنين الأول من شهر ربيع الأول سنة سبع
عشرة وسبعمأة بالمدرسة الكاملية من القاهرة المعزية ح أخبرنا بعلو
درجة الشيخ الصالح الامام امين الدين أبو اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم
الطبري سماعا عليه في يوم الثلاثاء العشرين من شهر (2)

(1) أخو التقي بن دقيق العيد. (2) هنا وفي الصفحة الآتية بياض في الأصل
141

وثماني مائة بمكة المشرفة في منزله من السويقة ان أبا زكرياء يحيى بن
يوسف بن (ومحمد بن أحمد المصري) قالا أخبرنا الإمام أبو
الحسن علي بن هبة الله بن سلامة اللخمي قال ابن المصري أذنا وقال
الآخر سماعا في يوم الاحد الثاني عشر من شوال سنة خمس
وأربعين وستمائة بالمشهد ظاهر مدينة قوص قال أخبرنا الفقيه أبو طالب
أحمد بن المسلم بن رجاء اللخمي بقراءتي عليه بالإسكندرية سنة ثلاث
وسبعين وخمسمائة قال أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم
الأزجي العدل قراءة عليه قال أخبرنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى
السعدي بمصر قال أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري
قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا كامل عن
طلحة أبي يحيى الجحدري قال حدثنا عباد بن عبد الصمد قال حدثنا
راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (بخ بخ بخمس ما أثقلهن في الميزان قلت وما هي يا رسول الله
قال سبحان الله والحمد لله ولا آله الا الله والله أكبر والولد الصالح يتوفى
يحتسبه والده) أخرجه النسائي في اليوم والليلة من سننه الكبرى عن
عمرو بن عثمان الحمصي وعيسى بن مساور البغدادي كلاهما عن الوليد بن
مسلم عن عبد الله بن العلاء بن جابر كلاهما عن أبي سلام عن أبي سلمى
وهو راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المدلف واسمه حريث رضي
الله عنه فوقع لنا عاليا فيما رويناه من طريق النسائي بدرجتين عن
طريقنا الثانية ولله تعالى الحمد والمنة.
142

* (ومن هنا أوائل الطبقة الخامسة والعشرين) *
* (العفيف المطري) * (1)
عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن خلف بن عيسى بن عساس بن
يوسف بن بدر بن علي بن عثمان الأنصاري السعدي العبادي الامام
العلامة الحافظ عفيف الدين أبو السيادة رئيس المؤذنين بالحرم الشريف
النبوي ولد في رابع عشر من شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة بالمدينة
النبوية، اشتغل وحصل وطلب الحديث فاعتنى به وبالتواريخ فحصل
منها جملة صالحة، سمع بعدة بلاد منها مكة على الفخر التوزري والرضي
الطبري وغيرهما وبالمدينة الشريفة على جماعة منهم أبوه وبدمشق على
أبى بكر بن الشيرازي والقاسم ابن عساكر والحجار وعدة وبيت المقدس
على جمع منهم زينب ابنة سكر وبمصر على علي بن يوسف الختني وأبي
الحسن الواني ويونس الدبوسي وغيرهم وببغداد على جمع وحدث وسمع
منه جماعة من الفضلاء منهم شيخنا أبو بكر بن الحسين وسمع منه
شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي وانتقى عليه جزءا من مروياته وذكره
في معجمه فقال: له فهم وذكاء ورحلة ولقاء وأفادني أشياء حسنة
مهمة وذكره أيضا في المعجم المختص فقال: العالم الفاضل المحدث ارتحل

(1) نسبة إلى مطرية مصر كما تقدم.
143

في سماع الحديث إلى الحرم ومصر والشام وبغداد وكتب وحصل
أفادني أشياء حسنة سمعت منه وانتقيت له جزءا، امتحن في سنة اثنتين
وأربعين وسبعمائة ونهبت داره واخذ منها ما يبلغ مائة ألف درهم فيما
قيل وحبس ثم أطلق ولطف الله تعالى به وقتل خصمه، وقال شيخنا
الحافظ أبو زرعة بن العراقي طلب الحديث وعني به وبالتواريخ وحصل
منها جملة صالحة وانه من أهل الصلاح والتقوى وكرم النفس والاحسان
إلى الخلق والايثار وتلقي أهل الصلاح الواردين إلى المدينة على أتم
الوجوه انتهى (1) توفي في شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وسبعمائة
رحمه الله تعالى (2)
وفيها مات بدمشق ظهير الدين إبراهيم بن علي بن محمد الجزري
في المحرم، والشريف الامام مجد الدين أبو العباس أحمد بن الحسن
ابن علي بن خليفة الحسيني التاجر في ليلة الأربعاء رابع عشري شهر
رمضان ومولده في سنة إحدى وتسعين وستمائة، وبحلب الأمير شهاب
الدين أحمد بن محمد بن عمر بن العديم الحلبي وله بضع وستون سنة،
والأمير شهاب الدين أحمد بن يعقوب بن عبد الكريم الحلبي وكان له
نظم حسن، وبدمشق المسند المعمر إسماعيل بن أبي بكر بن أحمد الحراني
ثم الدمشقي المشهور بابن سيف في يوم الخميس ثاني جمادى الثانية، وبحلب

(1) قال ابن رافع: جمع كتابا سماه (الاعلام فيمن دخل المدينة من
الاعلام).
(2) وكانت وفاته بالمدينة المنورة على ما ذكره ابن حجر.
144

الأديب عز الدين أبو محمد. الحسن بن علي بن الحسن العباسي شهر بابن
البناء وله نحو من تسعين سنة، وبدمشق الشيخة ست الفقهاء ابنة
أحمد بن محمد بن علي العباسي الأصبهاني في شعبان، وبالقاهرة طولوباي
الناصرية زوج السلطان حسن ثم الأمير يلبغا، وبدمنهور المحدث علم
الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن نصر الله بن أبي القاسم بن عبد الله بن
محمد بن طلايع بن القاسم الكناني الدمنهوري في أواخر المحرم، وشيخ
قاسيون الامام شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن
ابن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي في يوم الخميس الثاني من جمادى
الثانية، وبحماة قاضيها نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله
البارزي الحموي، وبالمدينة النبوية على الحال بها أفضل الصلاة والسلام
الإمام أبو محمد عبد السلام بن سعيد بن عبد الغالب القيرواني في المحرم
وببغداد الشيخ الأديب جمال الدين أبو أحمد عبد الصمد بن إبراهيم
ابن خليل البغدادي ويعرف بابن الحصري في رمضان، وبالقاهرة
القاضي صلاح الدين عبد الله بن عبد الله بن إبراهيم عرف بابن البرلسي
(1) المالكي في ليلة السبت خامس عشري صفر ومولده في سنة تسع
وتسعين وستمائة، وبدمشق الشريف أبو بكر عبد المنعم بن محمد بن
محمد الحسني في ثالث عشر جمادى الثانية ومولده في سنة أربع وثمانين

(1) نسبة إلى برلس بفتحتين واللام المشددة المضمومة بليدة على شاطئ نيل
مصر قرب البحر من جهة الإسكندرية. معجم البلدان.
145

وستمائة، وبداريا (1) أبو عمرو عثمان بن نصر الداراني في رجب، والشيخ
عز الدين أبو عمرو عثمان بن الأنباري في مستهل جمادى الأولى، وبالنيرب
من غوطة دمشق المسند أبو حفص عمر بن محمد بن أبي بكر بن أبي
النور الشحطبي في ليلة الجمعة خامس عشري شوال، وبالمدينة الشريفة
على الحال بها أفضل الصلاة والسلام الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد
ابن عبد العزيز شهر بحدة الجبرتي (2) ثم المدني كان مباشرا بالحرم
النبوي ثم جعل به ناظرا، وبظاهر دمشق المسند ناصر الدين أبو عبد
الله محمد بن أزبك الخازندار الحنفي في يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب،
وبالقاهرة القاضي تاج الدين محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن
السلمي المناوي في سادس ربيع الثاني، وبسفح قاسيون الأصيل
عز الدين أبو المفاخر محمد بن سالم بن أبي الدر عبد الرحمن الدمشقي في
ثاني عشري صفر، وبالإسكندرية ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد
الرحمن بن محمد بن أبي عمرو الإسكندري في النصف الثاني من المحرم
وبدمشق بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن مظفر الهمذاني

(1) قرية كبيرة مشهورة من قرى دمشق بالغوطة والنسبة إليها داراني على
غير قياس. معجم البلدان، وضرب الحوطة.
(2) بفتح الجيم وسكون الموحدة وفتح الراء على ما ذكره السخاوي في
أنساب الضوء، وفي تاريخ الجبرتي عند ترجمة والده بيت من الشعر في مرثيته
لا يستقيم الا باسكان الراء على ما هو الجاري على الألسنة فليحرر.
146

ثم الدمشقي في ليلة الخميس سابع شوال، وبالصالحية الشيخ أمين الدين
محمد بن عبد القادر بن بركات بن أبي الفضل البعلي الصالحي في يوم
الجمعة تاسع عشري شهر رجب، وبالقاهرة القاضي شمس الدين محمد بن
عبد المعطي بن سالم عرف بابن السبع الشافعي، وبطرابلس الشيخ
محب الدين محمد بن علي بن مسعود عرف بابن الملاح الطرابلسي الشافعي
وببيت الآبار (1) الخطيب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر
ابن عبد الله بن عمر الآباري في ليلة الاثنين مستهل شهر رمضان وله
سبعون سنة، وبالقاهرة المسند المكثر فتح الدين أبو الحرم محمد
ابن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي طالب بن عبد الجبار القلانسي
الحنبلي في ليلة الرابع من جمادى الأولى ومولده في العشر الأخير من
ذي الحجة سنة ثلاث وثمانين وستمائة، والشيخ الصالح محمد بن وفا
الشاذلي صاحب الاتباع والمعتقدين في العشر الأخير من ربيع الثاني
وبسفح قاسيون الامام نور الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر
ابن قوام البالسي (2) الصالحي في سلخ ربيع الاخر أو مستهل جمادي
الأولى ومولده في سنة سبع عشرة وسبعمائة.
أخبرنا سيدي والدي أبو النصر محمد بن محمد بن محمد العلوي
رحمة الله تعالى عليه مشافهة والامام العلامة شمس الدين محمد بن محمود

(1) بيت الآبار جمع بئر قرية يضاف إليه كورة من غوطة دمشق والنسبة
إليها آباري من غير رد إلى المفرد.
(2) بلدة بين حلب والرقة وينسب إليها كثيرون من أهل العلم.
147

ابن محمد بن عمر بن فخر الدين الخوارزمي الحنفي ان لم يكن سماعا
وغير واحد قالوا أخبرنا أبو السيادة عبد الله بن محمد بن أحمد الأنصاري
ح وأخبرنا عاليا بدرجة إبراهيم بن محمد بن أبي بكر المؤذن قالا
أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب الدمشقي بها قال المؤذن وانا حاضر
زاد الأنصاري فقال والمعمرة أم محمد زينب ابنة أحمد بن سكر ببيت
المقدس قالا أخبرنا عبد الله بن عمر الحريمي (1) قال أخبرنا عبد الأول
ابن عيسى قال أخبرنا محمد بن عبد العزيز قال أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد
الأنصاري قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا العلاء بن
موسى الباهلي قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لا يقيمن أحدكم الرجل
من مجلسه ثم يجلس فيه).
* (الشهاب المقدسي) *
أبو محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال بن تميم بن سرور المقدسي
الامام الحافظ شهاب الدين ولد في سنة أربع عشرة وسبعمائة وسمع
الكثير من أصحاب ابن عبد الدايم وابن علاق والنجيب والطبقة وعني
بهذا الشأن فجمع وضبط وبرع ورحل وأفاد ودرس بعد العلائي
بالتنكزية وحدث، وسمع منه جماعة من الفضلاء، ذكره الذهبي في
معجمه المختص فقال: الامام المحدث طالب مفيد سريع القراءة سمع

(1) نسبة إلى الحريم الطاهري وكان من لجأ إليه أمن فسمي بالحريم.
148

الكثير وقرأ كتبا بالقدس ومصر ودمشق، قرأ علي كتاب ابن
ماجة وقال شيخنا الحافظ أبو زرعة: أخذ عن والدي بالقاهرة وله عشرون
سنة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة انتهى، توفي في بيت المقدس في
سنة خمس وستين وسبعمائة. (1)
كتب إلي الامام المحدث برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد
ابن محمد ابن إبراهيم المقدسي قال أخبرنا أبي الحافظ أبو محمود ح وشافهنا
بعلو درجة القاضي أبو الخير محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد المكي بها قالا
أخبرنا المقري أبو العباس أحمد بن علي بن حسن الحنبلي قال شيخنا
كتابة قال أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الهادي بن يوسف سماعا
عليه في الرابعة قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي
قال أخبرنا أبو سعد الحسين بن الحسن العائذي وأبو مسلم عبد الرحمن بن
عمر السمعاني ومحمد بن عبد الملك وأبو الحسين المبارك بن عبد الجبار
ابن الطيوري قالوا أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان
قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان ابن أيوب العباداني قال حدثنا علي
بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان يعني ابن عيينة ووكيع قال حدثنا
وقال ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله عز وجل لا يقبض
العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ

(1) قال ابن حجر: شرع في شرح سنن أبي داود.
149

الناس رؤسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) حديث
صحيح متواتر عن هشام بن عروة رواه عنه جمع كثير يبلغون الستمائة
فيما حكاه بعضهم والله سبحانه وتعالى اعلم.
* (أبو المحاسن الحسيني) *
محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر بن علي بن
الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل
ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن
علي بن أبي طالب الدمشقي الشافعي شمس الدين أبو المحاسن مولده
في شعبان سنة خمس عشرة وسبعمائة وسمع من جماعة من الأعيان
منهم محمد بن أبي بكر بن عبد الدايم ومحمد وزينب ولدا إسماعيل
ابن إبراهيم الخباز والمزي والذهبي وعدة من أصحاب ابن عبد الدايم
وغيره منهم أبو الفتح الميدومي وأحمد بن علي الجزري وزينب ابنة
الكمال وخلق يجمعهم معجمه الذي خرجه لنفسه، وكان رضي النفس
حسن الأخلاق من الثقات الاثبات إماما مؤرخا حافظا له قدر كبير
طلب بنفسه فقرأ وبرع وتميز وحفظ وأفاد وكتب بخطه الكثير وخرج
وانتقى، وجمع له مؤلفات حسنة مطولة ومختصرة منها (العرف الذكي
في النسب الزكي) و (الاكتفاء في الضعفاء والالمام في دخول الحمام) وأسامي
رجال الكتب الستة ومسند الإمام أحمد وذيل على العبر للذهبي وكذا
150

على طبقات الحفاظ له واختصر الأطراف للمزي (1) وكان شاهد
المواريث بدمشق، ذكره الذهبي في معجمه المختص وأثنى عليه، مات
رحمه الله تعالى بدمشق في يوم الاحد سلخ شعبان أو مستهل شهر
رمضان المعظم قدره سنة خمس وستين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون.
* (ابن المجد) *
محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضيف بن أبي عبد
الله الأنصاري الشافعي البعلبكي قاضيها وابن قاضيها تقي الدين أبو الفضل
ولد في شهر رجب سنة إحدى وسبعمائة، دأب واجتهد في الطلب
وكان من العلماء الراسخين والأئمة الحفاظ المعتبرين وتفقه وبرع وتميز
وأفتى ودرس، وولي قضاء طرابلس وحمص وبعلبك، وعبر إلى بغداد
ومصر تاجرا، روي عن محمد بن شرف وعيسى المظعم والقاضي سليمان
وأبي بكر بن عبد الدايم وإسماعيل بن مكتوم ووزيرة وجمع، وخرج
له بعض الطلبة مشيخة، روى عنه الحافظ أبو المحاسن الحسيني وأبو محمد
ابن الشرايحي والعماد إسماعيل بن بردس وجماعة، توفي ببعلبك في
ثالث عشر أو سابع عشر المحرم سنة ثمان وستين وسبعمائة.
وفيها مات بدمشق الامام معين الدين سليمان بن علي بن أحمد بن

(1) وله أيضا: التذكرة في رجال العشرة، قال الحافظ ابن ناصر الدين
الدمشقي: خرج لنفسه معجما يشتمل على خلق كثير وكان إماما حافظا مؤرخا له
قدر كبير اه‍. وقد بسطنا ترجمته في صدر هذه الذيول.
151

القونوي الحنفي في ليلة الاثنين الثالث عشر من ذي القعدة، وبالقاهرة
الامام نجم الدين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرويسوني (1)
وهي من اعمال نابلس الحنبلي في شهر ربيع الأول، والشيخ سراج
الدين عبد اللطيف بن محمد بن عبد الباقي شهر بابن الشامية وله تسع
وستون سنة، وبمكة الامام العارف شيخ الوقت صاحب الأحوال
والكرامات عفيف الدين أبو السيادة وأبو محمد عبد الله بن أسعد بن
علي بن سليمان بن فلاح اليافعي اليمني المكي الشافعي (2) في ليلة الاحد
العشرين من جمادى الآخرة ومولده تقريبا في سنة ثمان وتسعين وستمائة
ببلاد اليمن، وبحماة قاضيها أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان
الدمشقي الحنفي عن نحو من أربعين سنة، وبدمشق المحدث الزاهد
نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي شهر بالبناء المصري في
ليلة الأربعاء ثالث شوال، وبالقاهرة الشيخ الصالح أبو الحسن علي
الدميري في العشرين من المحرم، والقاضي شرف الدين عيسى بن الزنكلوني
الشافعي في سابع عشري شهر رمضان وكان معمرا ولد في سنة ثلاث

(1) وهكذا أيضا في شذرات الذهب لابن العماد.
(2) مؤلف (مرهم العلل المعضلة في دفع الشبه والرد على المعتزلة) و (الشاش
المعلم لكتاب المرهم) يلخص فيه (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الامام أبي الحسن
الأشعري) لابن عساكر الذي نهيئه للنشر. ويزيد في رجاله، وقد ترجم فيه
ما يبلغ مائة امام من أئمة الأشعرية، وله أيضا التاريخ المشهور وغير ذلك سوى
ما ألف في التصوف.
152

وثمانين وستمائة، والعلامة امام أهل الأدب جمال الدين أبو بكر محمد
ابن محمد بن محمد بن الحسن بن صالح بن علي بن يحيى بن طاهر بن محمد
بن الخطيب أبي يحيى عبد الرحيم بن نباتة الفارقي الجزامي المصري
بالبيمارستان المنصوري في ليلة الثلاثاء سابع صفر، وبدمشق الشيخ
الأصيل أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن عبد الله
شهر بابن المهتار الدمشقي في ليلة الجمعة ثالث ذي القعدة، والشيخ
عز الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سعد الله بن أبي محمد بن محمد
السلام بن عمر الحافظ تقي الدين بظاهر دمشق في يوم الأربعاء الرابع
عشر من ذي الحجة، وبالقاهرة الأمير الكبير سيف الدين يلبغا الخاصكي
مقتولا في يوم الأربعاء الثاني عشر من ربيع الثاني، وبالقرافة من
مصر الشيخ يوسف بن عبد الله بن عمر بن علي بن خضر الكردي
شهر بالعجمي وبالكوراني (1) في يوم الاحد النصف من جمادي الأولى
وفخر الدين بن الزويغة وزير يلبغا السابق ذكره في الشعر الأخير من
جمادى الآخرة بعد عقوبة شديدة، وبحلب القاضي جمال الدين أبو بكر
ابن عمر بن عبد العزيز بن أبي جرادة الحلبي الحنفي في المحرم وله نيف
وستون سنة، وبوادي الأخضر على مرحلتين من تبوك الشيخ الصالح
أبو الحسن بن محمد بن إبراهيم الدمشقي البياني القطان في سابع المحرم

(1) بضم الكاف نسبة إلى كوران من بلاد الأكراد كما في (اليانع الجني في
أسانيد المحدث عبد الغني) وغيره واليها ينسب عدة من العلماء المشاهير، ووهم
السخاوي في أنساب الضوء وقيد الكاف بالفتح.
153

وببغداد الامام محيي الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن حماد
ابن ثابت بن العاقولي البغدادي الشافعي في رابع عشري شهر رمضان
وأم عبد الرحيم ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون زوج
الأمير منكلي بغا الفخري.
* (أبو ذر بن الخطيب) *
محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد
ابن عقيل السلمي البعلبكي الامام الحافظ تقي الدين ولد في سنة تسع
وسبعمائة وكان إماما متفننا ذا عربية ولغة كاتبا مع صلاح ودين سليم
القلب حسن المعاشرة حدث عن جماعة منهم والده وأبو بكر بن عنتر
وأبو العباس الحجار وأسماء ابنة صصري وسمع من المزي والذهبي وجمع
من المحدثين، ناب في الحكم ببلده وخطب بجامعها وكتب الكثير
بخطه المنسوب، مات ببعلبك في يوم الجمعة السابع من ذي القعدة الحرام
سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ودفن بمقبرة باب سطحا.
وفيها توفي بنابلس المسند المعمر برهان الدين إبراهيم بن عبد الله
ابن احمد الزيباوي النابلسي في رجب أو شعبان، وبالقاهرة برهان الدين
أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن
إبراهيم بن العراقي في رجب ومولده في العشر الأخير من شهر رمضان
سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وبصالحية دمشق الفاضل الأصيل شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عوض شهر بابن
المحب المقدسي الصالحي في ليلة الاثنين مستهل ومولده في سنة
154

أربع وتسعين وستمائة، وبثغر الإسكندرية شهاب الدين أحمد بن محمد
عرف بابن نبيه العمري الحنفي في رجب أو شعبان وقد قارب السبعين
وفي أيام منى العدل شهاب الدين أحمد بن يحيى بن إسحاق شهر بابن قاضي
زرع الشيباني الدمشقي، وبدمشق الأمير سيف الدين جرجي في ليلة
الاحد سلخ صفر، وبالقاهرة الامام بدر الدين حسن بن محمد بن صالح
القدسي النابلسي الحنفي في شهر جمادى الثانية، وبدمشق الشيخ رضي
الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن عرف بابن
الرحبي الدمشقي الحنفي في يوم الثلاثاء سادس المحرم، وبالقاهرة شيخ
الشافعية العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسين بن علي
ابن عمر بن علي بن إبراهيم الأموي الأسنوي الشافعي في ليلة الاحد
الثاني عشر من جمادى الأولى، وبدمشق الشيخ جمال الدين عبد الله بن
عمر بن عامر بن الخضر بن ربيع المشهور بابن قاضي الكرك العامري
الغزي الشافعي وله نيف وخمسون سنة، وبالصالحية المدرس الأصيل
فخر الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي المعروف
بابن المزكي القرمسي الدمشقي في ليلة الأربعاء الرابع عشر من ربيع
الأول، وبظاهر دمشق المسند أبو الحسن علي بن إسماعيل بن العباس
ابن قريش البعلبكي في ليلة عيد الفطر، وبالصالحية المسند الأصيل
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري ثم
الصالحي في العشر الأخير من جمادى الثانية، وبالمدينة النبوية القاضي
نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود الزرندي
155

الحنفي في السابع من ذي الحجة، وبالقاهرة نائب السلطنة بها الأمير
علاء الدين علي المارديني الناصري وله بضع وستون سنة، والشيخ
سراج الدين أبو حفص عمر بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز عرف بابن
الفرات وله ست وثمانون سنة، وبالصالحية الخطيب شرف الدين قاسم
ابن محمد بن غازي شهر بابن الحجازي التركماني الصالحي في يوم الاحد
الثالث والعشرين من صفر، وبحلب الشيخ الجليل نور الدين أبو عبد
الله محمد بن أحمد بن علي بن بشر الحراني ثم الحلبي في سابع عشر المحرم
ومولده في سنة ست وسبعمائة، وبدمشق المسند المعمر شمس الدين
محمد بن حمد بن عبد المنعم بن حمد بن البيع الحراني ثم الدمشقي في
العشر الأوسط ويقال في النصف من شهر ربيع الاخر وببيت لهيا (1)
من نواحي دمشق الخطيب شمس الدين محمد بن عبد الله بن مالك بن
مكنون العجلوني في ليلة الاحد الثامن عشر من جمادى الأولى،
وبدمشق الامام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم المشهور
بابن الكردي الدمشقي الشافعي في يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر
رمضان، والشيخة وسناء ابنة (عبد الرحمن المقدسي) في سابع عشر جمادى

(1) قال ياقوت في معجم البلدان: (بيت لهيا بكسر اللام وسكون الهاء وياء
وألف مقصورة كذا يتلفظ به. والصحيح (بيت الآلهة، وهي قرية مشهورة
بغوطة دمشق... والنسبة إليها بتلهي... اه‍ وفي (ضرب الحوطة على جمع الغوطة
للحافظ محمد ابن طولون) بيت الآلهة هي حارة من دمشق شرقيها... وعليها
بساتين وأراض كثيرة، وقع بها حديث كثير وآخر من حدث بها شيخنا المحيوي
النعيمي وخرج منها جماعة من أهل الحديث اه‍.
156

الأولى، وبظاهر دمشق نقيب المتعممين شرف الدين أبو بكر بن عبد
الدايم بن عبد الحميد بن أبي القاسم الدنيسري (1) المارديني ثم الدمشقي
في يوم الأربعاء الثامن من شهر رمضان وولد في سنة أربع وتسعين
وستمائة بدمشق المحروسة.
* (عبد القادر القرشي) *
عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفاء القرشي
الحنفي الامام العلامة الحافظ محيي الدين أبو محمد مولده في العشرين من
شعبان سنة ست وتسعين وستمائة وسمع من أبي الحسن ابن الصواف
والعماد بن السكري وأبي العباس الحجار وأم محمد وزيرة والشريف
عز الدين الحسيني والرشيد بن المعلم والحسن بن عمر الكردي والواني
والختني والعلم محمد بن النصير ابن امين الدولة والشريف علي بن عبد
العظيم المرسي والكمال عبد الرحيم المنشاوي وأبي الحسن بن قريش
والرضي الطبري وخلق، أجاز له الحافظ الدمياطي وتفقه وبرع وأفتى
ودرس، صنف وجمع، من ذلك (طبقات الفقهاء الحنفية) و (تخريج

(1) نسبة إلى دنيسر بضم ففتح وكسر السين المهملة بلدة قرب ماردين
وتسمى الآن (قوج حصار)
157

أحاديث الهداية) (1) وحدث وسمع منه الحفاظ والفضلاء ومات
بالقاهرة سنة خمس وسبعين وسبعمائة.

(1) (وله الحاوي في بيان آثار الطحاوي) يخرج فيه أحاديث معاني الآثار ويبين
من أسندها من الستة وغيرهم، ومنه يستمد البدر العيني في شرحه الكبير على
معاني الآثار كثيرا وله (الوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل) و (الدرر
المنيفة في الرد على ابن أبي شيبة فيما أورده على أبي حنيفة) في باب من مصنفه،
(والمصنف) أحوج ما يكون الفقيه إليه من الكتب الجامعة للمسانيد والمراسيل
وفتاوى الصحابة والتابعين، رتبه على الأبواب ليقف المطالع على مواطن الاتفاق
والاختلاف بسهولة وهو من أجمع الكتب لأدلة الفقهاء خاصة أهل العراق في
اثني عشر مجلدا وفي باب منه يذكر قدر خمس وعشرين ومائة مسألة يرتئي فيها
ان أبا حنيفة خالف فيها الأحاديث الصحيحة وسردها بكل أدب من غير محاباة
كما عود الامام أهل الكوفة على ذلك وعلى فرض تسليم ما ارتآه تكون تلك
المسائل مغمورة في بحر علوم النعمان التي لا تحصى مسائلها بالألوف ومعلوم ما
جرى بالمغرب ضد بقي بن مخلد لما أدخله (المصنف) وأخذ يقرئه بشئ من
التحامل وفيه هذا الباب، ومادة ابن القيم في اعلام الموقعين عند وصم الامام
بمخالفة السنن الصحيحة مهولا، مرعدا ومبرقا بفظاظة وغلظة هي هذا الباب
من (المصنف) غير التحامل القاسي الذي في كلامه فإنه من ابن القيم نفسه
شأن من يحارب بساعد غير ساعده وسلاح غير سلاحه ومن له إلمام يسير
بالحديث لا يصعب عليه بيان اندفاع تلك الايرادات التي غالبها من قسم
مختلف الحديث الا في عشر معشارها فضلا عن مثل المترجم حفظا وبراعة
وللعلامة قاسم الحافظ أيضا تصنيف في هذا الصدد بحيث يكون علقما في حلوق
المتسرعين ويرجعهم إلى صوابهم سماه (الأجوبة المنيفة عن اعتراضات ابن أبي شيبة على أبي حنيفة). وللمترجم أيضا (تهذيب الأسماء الواردة في
الهداية والخلاصة) مفيد جدا في بابه، وبيان أوهام صاحب الهداية (والعناية في
تخريج أحاديث الهداية) وشرح الخلاصة ومختصر في علوم الحديث (والاعتماد في
شرح الاعتقاد) وكتاب في المؤلفة قلوبهم وعمل الوفيات من سنة مولده إلى
سنة ستين وله غير ذلك.
158

وفيها في البحر المالح بجزيرة قريبة من السويس أو الطور قاضي
المدينة الشريفة بدر الدين إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن الخشاب وله
سبع وسبعون سنة، وبمصر الأمير ألجاي اليوسفي زوج أم الأشرف
صاحب مصر غريقا، وباليمن الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي
غيلة، وبظاهر دمشق زينب ابنة قاسم بن أحمد الدبابيسي ولها نحو من
تسعين سنة بتقديم التاء، وبعدن قاضيها الفقيه جمال الدين محمد بن
عيسى اليافعي، وبالقاهرة العلامة أرشد الدين أبو الثنا محمود بن قطلوشاه
السرائي الحنفي وله ست وثمانون سنة.
أخبرنا الحافظ أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي فيما
قرئ عليه وأنا أسمع قال أخبرنا الإمام أبو محمد عبد القادر بن محمد القرشي
قال أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن عبد العظيم بن سليمان الزينبي
ح أنبأنا عاليا بدرجة الإمام أبو اليمن محمد بن أحمد الطبري عن يحيى بن
يوسف قالا أخبرنا المسند عبد الوهاب بن ظافر بن علي قال ابن يوسف
أذنا قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد قال أخبرنا أبو غالب محمد
ابن الحسين بن أحمد الكرجي فيما قرأته عليه ببغداد غير مرة قال أخبرنا
159

أبو بكر محمد بن عمر بن بكر النجار المقري قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم
ابن محمد بن يحيي النيسابوري المزكي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن وكيع
ابن الشرقي قال حدثنا محمد بن أسلم قال حدثنا يزيد بن هارون قال
حدثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنهما
قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمقدار المد ويغتسل
بقدر الصاع) حديث رجاله محتج بهم في الصحيحين أخرجه ابن ماجة في
كتابه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون فوقع لنا بدلا
له عاليا ولله الحمد والمنة.
(السرمري)
(1) يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي
ثم العقيلي نزيل دمشق الحنبلي الامام العلامة الحافظ جمال الدين أبو
المظفر ولد بسرمرا في سابع عشري شهر رجب سنة ست وتسعين وستمائة
وأخذ عن الأئمة والمسندين من شيوخ العراق كالصفي عبد المؤمن
ابن عبد الحق وأبي الثناء محمود بن علي الدقوقي وغيرهما وسمع بدمشق
من جماعة وأجاز له أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحجار وعدة سواه
روى عنه جماعة منهم ابنه إبراهيم وكان عمدة ثقة ذا فنون إماما علامة

(1) نسبة إلى (سر من رأى) واما ضبط بعضهم بالقلم المسريري كما ينقله أبو
العباس العجمي في ذيل اللب فوهم.
160

له مصنفات عدة في أنواع كثيرة نثرا ونظما خرج وأفاد وأملي رواية
وعلما، ومن مؤلفاته (غيث السحابة في فضل الصحابة) و (عمدة
الدين في فضل الخلفاء الراشدين) و (عنقود اللآلي في الأمالي) و (نشر
القلب الميت بنشر فضل أهل البيت) و (تخريج الأحاديث الثمانيات)
و (عجائب الاتفاق وغرائب ما وقع في الآفاق) و (الأربعين الصحيحة
فيما دون اجر المنيحة) و (شفاء الآلام في طب أهل الاسلام) وغير
ذلك (1) مالك رحمه الله في يوم السبت الحادي والعشرين من جمادى
الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة.

(1) ونظم عدة أراجيز في جملة فنون، اخذ عنه ابن رافع وذكره في معجمه
وقال كان يذكر ان تصانيفه بلغت مائة، قال ابن ناصر الدين ومن مؤلفاته
نظما (كتاب الحمية الاسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية) اه‍ (يعارض فيها
القصيدة البائية المشهورة لابن السبكي) وقد وفاه الكيل بعض أفاضل الشافعية
من أهل العصر وكان صاحب الترجمة بعيدا عن علم الكلام وأصول الدين منصرفا
إلى مجالس الرواة يسير وراء ابن تيمية في شواذه حذوا النعل بالنعل كغالب
مقلدة الرواة من أهل زمنه وفيهم من يعذر ومن لا يعذر ولا ترى في تراجم
أمثاله انهم تخرجوا في أصول الدين بفلان ولا تفقهوا عند فلان وشأنهم في غير
الرواية شأن من يتلقى العلم من الصحف ولا تعويل على علم من لم يأخذ العلم
من أهله تدرسا وقد شهر بين العلماء انه لا يؤخذ العلم من صحفي يعنون من
يكتفي بمطالعة الصحف ولم يلازم في العلوم شيوخها الأخصائيين، ومنشأ
الفوضى في العلوم عدم تلقيها من أهلها ولا تتسع قرائح أمثالهم للبراهين الصحيحة
ويبقون في منازل العامة فهما.
161

وفيها مات بحلب الرئيس كمال الدين إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم
ابن عبد الله بن عبد المنعم شهر بابن امين الدولة الحلبي في ليلة الاحد ثامن
شهر جمادى الأولى ومولده فيه من سنة خمس وتسعين وستمائة، وبالقاهرة
الشيخ إبراهيم الزبيدي، والفقيه المسند شهاب الدين أحمد بن حسن
ابن أبي بكر الرهاوي الحنفي فجأة، وبدمشق قاضي القضاة شرف الدين
أبو العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفري الحنفي عن
خمس وثمانين سنة، وبحماة قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن
عبد اللطيف بن أيوب الحموي الشافعي وله بضع وسبعون سنة،
وبدمشق الإمام أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي
العفاني عن بضع وستين سنة، وبالقاهرة الامام الأديب شهاب الدين
أبو العباس أحمد بن يحيي بن أبي بكر بن عبد الواحد عرف بابن أبي
حجلة التلمساني (1) في مستهل ذي الحجة الحرام ومولده في سنة خمس

(1) قال ابن حجر قرأت بخط الشيخ شمس الدين القطان ان ابن أبي حجلة
كان يقول للشافعية انه شافعي وللحنفية انه حنفي وللمحدثين انه محدث اه‍.
قال ابن العماد كان حنفي المذهب حنبلي الاعتقاد اه‍. وهذا من الغريب لأنه قلما
يوجد بين الحنفية من يميل إلى معتقدهم بين المتقدمين منهم والمتأخرين وليس
لأحمد مذهب غير مذهب الجمهور في الاعتقاد قالا الإمام أبو إسحاق الشيرازي
في (الإشارة) واما قول الجهلة نحن شافعية الفروع حنبلية الأصول فما يعتد به
فان الإمام أحمد لم يصنف كتابا في الأصول ولم ينقل عنه من ذلك أكثر من
162

وعشرين وسبعمائة، وبتبريز القان أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن
آقبغا بن ايلكان ابن بنت أرغون بن أبغا بن هولاكو صاحب تبريز وبغداد
وله نيف وثلاثون سنة، وبالقاهرة الأمير عز الدين أيدمر الدوادار
الناصري عن نيف وستين سنة، والامام بدر الدين حسن بن علي بن
إسماعيل القونوي المصري الشافعي في سابع عشر شعبان، وبنواحي سلمية
كبير آل الفضل الأمير حيار بكسر الحاء المهملة وفتح الياء آخر الحروف
ابن مهنا بن عيسى بن مهنا بن ماتع بن حديثة بن غضية بن فضل بن ربيعة
وله بضع وستون سنة، وبالقاهرة الشيخة زينب ابنة عبد العزيز بن
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي، والمسندة سكينة ابنة
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، وبحلب الشيخ أبو طالب
عبد الرحمن بن عبد الكريم بن محمد بن العجمي في ثالث عشر صفر،
وبالقاهرة مسندها أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن هارون
عرف بابن القاري الثعلبي بالثاء المثلثة والعين المهملة في النصف من ذي
القعدة، وبدمشق السيد الفاضل جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد
ابن احمد الحسني النيسابوري الشافعي وهو من أبناء السبعين، وقاضي
القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي

صبره على الضرب والحبس حين دعاه المعتزلة إلى الموافقة في القول بخلق
القرآن فلم يوافق ودعي إلى المناظرة فلم يناظر اه‍، وكتاب الرد على الجهمية
وان كان ينسب إليه لكن في سنده عللا قادحة وفي متنه ما يجل مقدار أحمد عنه،
163

الفتح بن هاشم الكناني الحنبلي في أواخر السنة وله بضع وستون
سنة، وبالقاهرة الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن
عمر ويعرف بالأيوبي الأصبهاني، وبدمشق القاضي علاء الدين أبو
الحسن علي بن عثمان بن أحمد الزرعي الشافعي وله خمس وثمانون سنة،
وبالقاهرة الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن محمد
ابن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني ومولده بمصر في سنة عشرين
وسبعمائة، وسراج الدين عمر بن البابا، وبدمشق القاضي أمين الدين
محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن إبراهيم شهر
بابن عبد الحق الدمشقي الحنفي وله بضع وستون سنة، وبمكة
مسندها الشيخ الصالح جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله
ابن محمد بن عبد المعطي بن مكي بن طراد الأنصاري الخزرجي في
تاسع عشر شهر رجب ومولده بها في سادس صفر سنة اثنتين وسبعمائة،
وبدمشق شيخ القراء الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن علي عرف
بابن اللبان عن نيف وستين سنة، وبالقاهرة القاضي علم الدين محمد
ابن أحمد بن محمد أبي بكر الأخنائي، والشيخ محب الدين محمد بن
إسماعيل بن أبي بكر الزنكلوني، وبدمشق العلامة جمال الدين أبو
عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمار شهر بابن قاضي الزبداني
الحارثي الدمشقي ولد في سنة ثمان وثمانين وستمائة، وبالقاهرة العلامة
شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي عرف بابن الصايغ الحنفي
في ثاني عشر شعبان، والشيخ كمال الدين محمد بن الرحيم بن عبد
164

الباقي السبكي الشافعي، وبحلب الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الله
ابن عبد الحق الحلبي الصوفي في يوم الخميس خامس عشر شعبان ومولده
قبل السبعمائة، وبالقاهرة القاضي تقي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد
الله بن علي بن عبد القادر عرف بابن الأطرباني وولد في سنة اثنتين
وسبعمائة، وقاضي القضاة صدر الدين محمد بن عبد الله بن علي بن عثمان
ابن مصطفى المعروف بابن التركماني المارديني الحنفي في ليلة الجمعة ثالث ذي
الحجة ومولده في رابع عشر شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة،
والقاضي فتح الدين أبو الفتح محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد
الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن بجدة السعدي الجزامي المصري،
والقاضي شرف الدين محمد بن محمد بن أحمد أحد موقعي الانشاء، ومحمد
ابن محمد بن محمد بن عبد القوي الكناني الموقت في يوم الثلاثاء خامس
عشري شهر رمضان وولد في خامس عشري جمادى الثانية سنة ثلاث
وتسعين وستمائة، والمسند نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن يوسف
عرف بابن العلاف، ومقدم المماليك السلطانية الأمير سابق الدين
مثقال الأنوكي، ونائب السلطنة بالديار المصرية الأمير سيف الدين
منجك (1) في التاسع عشر من ذي الحجة وله بضع وستون سنة،

(1) جد أمراء البيت المنجكي بالشام أصحاب الخيرات والعمائر بها وأخو
بيبغا أروس صاحب الوقائع المعروفة في التاريخ على من يستفاد من الدرر والمنهل
والضوء وغيرها.
165

ورئيس التجار بمصر ناصر الدين بن مسلم الكارمي المالكي، وبظاهر
القاهرة الشيخ الإمام أبو القاسم اليمني الشافعي، وبالقاهرة شرف
الدين يحيى بن أبي جابر المغربي السابق ذكر أبيه آنفا، واحد موقعي
الانشاء تاج الدين بن الموصلي، والقاضي عز الدين ابن قاضي
القضاة تقي الدين احمد المقدسي الحنبلي، وفتح الدين بن النبيه القطوري (1)
والشيخ الفاضل سعد الدين العجمي الشافعي، وفخر الدين بن البرلسي
أحد موقعي الانشاء، التبريزي الشافعي.
* (الطبقة السادسة والعشرون) *
* (ابن بردس) * (2)
إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان
الحنبلي البعلبكي حافظها الامام علاء الدين أبو الفداء مولده بها في الثامن
عشر من جمادى الثانية سنة عشرين وسبعمائة حدث عن والده وأبي

(1) بالقاف وبالضمتين آخرها راء على ما ضبطه السخاوي.
(2) بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الدال كما يؤخذ من القاموس
وشرحه، وابنه المسند نور الدين أبو الحسن علي بن إسماعيل الحنفي يعرف أيضا
بابن بردس، وهو من الثلاثة الذين استدعاهم الملك الظاهر جقمق إلى مصر
لعلو إسنادهم، وقد ترجمه ابن طولون في أربعين الأربعين ترجمة وافية. وكذلك
أخوه التاج يعرف بابن بردس أيضا.
166

الفتح اليونيني ومحمد بن الخباز وسمع من جمع من المسندين وأجاز له
أحمد بن علي بن مسعود وأبو العباس الحجار والقاسم ابن عساكر ومحمد
ابن الزراد وعدة، روى عنه طائفة منهم ابنه العلامة تاج الدين والحافظ
أبو حامد بن ظهيرة والجلال محمد بن أحمد الخطيب وعلي بن محمد بن
خليل، وكان إماما عالما حافظا مكثرا صالحا كثير الديانة حسن الخلق
لطيف البشر غزير المروءة مع الصيانة مفيدا انتفع به جمع كثير، وله
المؤلفات الحسنة (2) منها نظم نهاية ابن الأثير، ونظم طبقات الحفاظ
للذهبي، مات في سنة ست وثمانين وسبعمائة ببعلبك.
وفيها مات بطرابلس برهان الدين إبراهيم بن عيسى الخليلي مفيد
البادرائية، وبالقاهرة قاضيها علم الدين سليمان بن خالد بن نعيم البساطي
المالكي، وبالقدس الأمير قشتمر الدوادار الأشرفي، وبالقاهرة القاضي تقي
الدين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف ناظر الجيش بمصر في ذي الحجة
وكاتب السر بها أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل الحنفي، وبمكة
قاضيها الامام كمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز العقيلي
النويري وهو متوجه من الطائف إلى مكة وبها ولد في شعبان سنة اثنتين
وعشرين وسبعمائة، وبالقاهرة الشمس محمد بن صديق بن محمد التبريزي
المعروف بصائم الدهر، وبدمشق القاضي نور الدين محمد بن عبد الله
ابن احمد الهكاري الشافعي، والمحدث امين الدين محمد بن علي بن الحسن

(2) يقول ابن حجر عن المترجم انه تشاغل بالحديث ونظم في علومه.
167

شهر بالأنفي (1) المالكي في شوال، وبالقاهرة قاضيها صدر الدين محمد
ابن علي بن منصور الدمشقي الحنفي في شهر ربيع الأول، والعلامة
الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود الحنفي (2) شيخ الشيخونية ومدرسها
في رمضان، وبدمشق الشمس محمد بن مكي العراقي المقيم بحويرة
الرافضي مقتولا على الرفض (3) وشيخ الشافعية ببغداد العلامة شمس
الدين ويدعى شمس الأئمة محمد بن يوسف بن علي الكرماني البغدادي
في المحرم.
قرئ على الحافظ أبي حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي
وأنا اسمع قيل له أخبرك الإمام أبو محمد إسماعيل بن محمد بن بردس
الحنبلي وأبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الكردي

(1) بفتحات قاله ابن العماد في الشذرات ونقل ابن حجر عن ابن عشائر انه
قال في حق الأنفي:
وشي صنعاء وروض أنف * من صناعات كتاب الأنفي
أيها الحبر وودي صادق * أنت في قلبي فقل لي أنا في
(2) المعروف بالبابرتي نسبة إلى بابرت بكسر الباء الثانية وهي بلدة من
بلاد الروم كما في معجم البلدان، وتسمى الآن (بايبورد) لا إلى بابرتى بالفتح
قرب بغداد وان توهم ذلك الشيخ عبد الحي اللكنوي وغيره.
(3) بل على انحلال العقيدة واعتقاد مذهب النصيرية واستحلال الخمر الصرف
وغير ذلك من القبائح على ما ذكره ابن العماد في الشذرات.
168

بقراءتك عليهما ببعلبك فأقر به قالا أخبرنا أبو الفتح موسى بن محمد
ابن احمد اليونيني قراءة عليه قال الكرماني وأنا في الرابعة قال أخبرنا
أبي ح وشافهنا عاليا بدرجة المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد إبراهيم بن
محمد الصوفي بالمسجد الحرام غير مرة عن أبي الحسن علي بن إسماعيل
ابن إبراهيم المخزومي قال أخبرنا أبو العشائر فراس بن علي العسقلاني
قالا أخبرنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي (1) قال أخبرنا هبة
الله بن أحمد بن محمد الأكفاني قال أخبرنا محمد بن مكي بن عثمان
الأزدي قال أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي البغدادي الكاتب
قال أخبرنا أبو القاسم البغوي قال حدثنا أبو نصر عبد الملك بن عبد
العزيز النسائي التمار قال حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الورقاء عن عبد
الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ح وأخبرنا بهذا العلو وأحسن متصلا بالسماع الحكام أبو عبد الله القرشي
قال أخبرنا عمر بن الحسن المزي قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد
المؤمن قال أخبرتنا شرف النساء ابنة أحمد بن علي عبد الله سماعا
عليها ببغداد قالت أخبرني أبو الحسين الآبنوسي حضورا قال أخبرنا
أبو الغنائم محمد بن محمد بن الحسن بن أبي عثمان الدقاق قال أخبرنا
أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى قال أخبرنا القاضي أبو عبد الله

(1) مات جده وهو في الصلاة فنسب إلى الخشوع. ذكره ابن حجر في
(نزهة الألباب في الألقاب) ومثله في وفيات الأعيان.
169

الحسين بن إسماعيل المحاملي املاء قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال
حدثنا السهمي قال حدثنا فائد أبو الورقاء عن عبد الله بن أبي أوفى
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له أحدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا
أحد كتب الله له ألفي الف حسنة) زاد السهمي فقال (ومن زاد زاده
الله تعالى) أبو الورقاء هو فائد قال الذهبي في الميزان تركه احمد والناس
وروى عباس عن يحيى ضعفه وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه
والله تعالى اعلم.
* (ابن عشائر) *
محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي
حامد عبد الله بن أبي المكارم عبد المنعم السلمي الحلبي الشافعي الامام
العلامة الحافظ المتقن رئيس حلب وخطيبها ومؤرخها وحافظها ناصر
الدين أبو المعالي سمع بها من جماعة منهم الصلاح عبد الله بن المهندس
وارتحل إلى دمشق فسمع بها من متأخري أصحاب الفخر علي بن
البخاري احمد وغيرهم في سنة سبع وستين، وله ذيل على تاريخ حلب
لابن العديم وله نظم رائق، ذكره شيخنا الحافظ أبو زرعة فيمن أخذ
عن والده من الحفاظ فقال: والحافظ ذو الفنون ناصر الدين أبو المعالي
محمد بن علي بن عشائر انتهى (1)، مات رحمه الله تعالى بمصر في ليلة

(1) قال ابن حجر: كان حسن الخط جدا جيد الضبط والشعر والتذكر
170

الأربعاء سادس عشري شهر ربيع الثاني سنة تسع وثمانين وسبعمائة
ودفن من الغد بتربة الصوفية.
وفي هذه السنة توفي بدمشق الشهاب أبو بكر أحمد بن أحمد بن
أبي بكر بن طرخان بن محمود الأسدي السويدي ثم الصالحي في سلخ
شعبان، وبالقاهرة الفقيه شهاب الدين أحمد بن أبي القاسم بن شعيب
الأخميمي المصري الشافعي، وبصالحية دمشق الشيخ خليل بن فرج
ابن سعيد الإسرائيلي المعروف بالقلعي، وبدمشق عائشة ابنة عبد
الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن جماعة في شهر ربيع الأول، وبحلب قاضيها
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الحفيد الشهير بابن رشد
السجلماسي المالكي، وبطيبة القاضي تاج الدين عبد الواحد بن عمر بن
عباد المدني المالكي المعروف بالخزاز أو في التي بعدها، والأديب
فخر الدين علي بن الحسين بن علي المعروف بالعز الموصلي صاحب البديعية
المشهورة، وبدمشق المسند أبو الحسين علي بن عمر بن عبد الرحيم بن
بدر الجزري الصالحي ويكنى أيضا بأبي الهول وبه اشتهر في يوم السبت

مشاركا في العلوم وله تعاليق وتخاريج ومجاميع مفيدة وكان بليغا معوها وكان سريع
الحفظ جدا حتى قيل إنه حفظ الانعام وهو شاب من مرة واحدة وكان متسع
الحال من الدنيا مع الرياسة التامة وكان يكتب في الاستدعاءات:
للسائلين أجزت ذلك لافظا * ومعظما لشرائع وشعائر
واسمي الشهير محمد بن علي ب‍ * ن محمد بن محمد بن عشائر
171

تاسع عشر ربيع الأول، وببعلبك الشريف علاء الدين بن محمد بن أبي
الحسن البعلي، وبالقاهرة الشمس محمد بن علي بن عمر بن خالد بن عبد
المحسن بن نشوان بن عبد الله المخزومي المعروف بابن الخشاب المصري
في ثاني شعبان وبها ولد في شهر رمضان سنة عشر وسبعمائة، والشيخ
امين الدين محمد البلقاوي (1) المعروف بالجلوني، وقاضي العسكر بها
شمس الدين محمد المشهور بالقرمي، وبمكة بركتها الشيخ موسى بن
عبد الصمد المراكشي المالكي نزيل الحرمين الشريفين في المحرم.
أنشدنا حافظ الحجاز شيخ الاسلام به الجمال محمد بن عبد الله
القرشي قال أنشد الإمام أبو المعالي محمد بن علي بن محمد السلمي لنفسه
وكتب بهما إلى القاضي شرف الدين الحنبلي رحمه الله تعالى:
أيا سيدا لولاه في أرض جلق * لما راقني فرع بدوحتها أصلا
ولولا اشترك بين نفسك والذي * تسامى له ما ارتحت للشرف الأعلى
وبه قال وأنشدني أيضا لنفسه وكتب بهما إلى القاضي نجم الدين
المعري رحمة الله عليهما وقد طلب منه الكمال لعبد الغني:
مولاي أطراف ما حويتم * بتهذيبه مفخر الرجال
لا زلت من فضلك المرجى * بي احتياج إلى الكمال
وبه قال وأنشدني أيضا لنفسه يخاطب الشيخ عليا البناء المحدث
رحمه الله تعالى:

(2) نسبة إلى البلقاء كورة من أعمال دمشق.
172

يا أيها الصالح بين الوري * لو قارن الأعمال إخلاص
حاضر ودع فكري وشيطانه * فالفكر يا بناء غواص
* (الياسوفي) * (1)
سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء المقدسي الدمشقي الشافعي
الامام العلامة الحافظ الناقد الفقيه جمال الحفاظ والمحدثين وأوحد
الاعلام الفقهاء السابقين ذو الفنون في العلوم صدر الدين أبو الربيع
وأبو الفضل قرأ القرآن العظيم بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون
وحفظ التنبيه وبرع في المذهب وقرأ في المعقول واشتغل في علم الحديث
فبرع فيه وكان يتوقد ذكاءا، حفظ مختصر ابن الحاجب الأصلي في
مدة يسيرة كل يوم دائما مائتي سطر، سمع بدمشق من محمد بن أبي
بكر بن السيوفي وابن أميلة (2) وست العرب ابنة محمد بن الفخر علي
ابن البخاري وعدة وبحلب والقاهرة وعني بهذا الشأن فبرز فيه على
الاقران، جمع وخرج وأفاد وتكلم على الرجال فأجاد وخرج لكل من

(1) نسبة إلى (ياسوف) بالسين المهملة وبعد الواء فاء قرية بنابلس توصف
بكثرة الرمان.
(2) هو مسند العصر أبو حفص عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة بن جمعة
ابن عيذاب المراغي ثم الحلبي ثم الدمشقي ثم المزي المشهور بابن أميلة ولد سنة
تسع وتسعين وستمائة وتوفي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.
173

ابن أميلة والصلاح بن أبي عمر مشيخة ولغيرهما، وكان رحمه الله تعالى
عالما بجميع الأنواع العالي والنازل وأسماء الرجال وطبقاتهم والجرح
والتعديل مع الزهد والقناعة بالكفاف والايثار لإخوانه، ناظرا في
العواقب حريصا على إسداء الجميل مثابرا على فعل الخير يلوذ به الكثير
من أهل الديانة ويلجأ إليه طلبة العلم، وكان رحمة الله عليه من محاسن
الدهر لم تر العيون في بابه مثله قضى عمره في عبادة الله سبحانه وتعالى
وطاعته، ولي التدريس بعدة أماكن ثم أعرض عن غالبها، وكان
تغمده الله برحمته سهل العارية للكتب كثير الضيافات واطعام الطعام
محسنا لجميع الناس خصوصا طلبة الحديث والعلم والغرباء لا سيما الحجاز بين
بالمال والكتب والجاه، قال شيخنا الحافظ برهان الدين سبط ابن
العجمي: ذاكرت الامام شهاب الدين الملكاوي (1) بكتاب المهمات
للأسنوي فأخبرني ان الشيخ صدر الدين الياسوفي يكتب من رأسه
خيرا من هذا أو مثله الشك من شيخنا، وقال شيخنا الحافظ أبو زرعة
في ترجمة والده: ومن الآخذين عنه الحافظ مفيد الشام صدر الدين
أبو الربيع سليمان بن يوسف الياسوفي انتهى، امتحن في آخر عمره
بسبب الاحسان إلى الغرباء (2) وذلك أن أبا هاشم أحمد بن البرهان

(1) بفتح ثم سكون قاله السخاوي.
(2) والذي يذكره الشهاب بن حجي في سبب اعتقاله ان الياسوفي كان في
أواخر أمره قد أحب مذهب الظاهر وسلك طريق الاجتهاد وصار يصر
174

محمد بن إسماعيل (الظاهري) (1) كان بدمشق وكان الشيخ صدر
الدين يحسن إليه ويعظمه فأفتى على السلطان برقوق وكان يتكلم في
سلطنته ويحرض الناس على اتباع أمر الخليفة فنم به إلى نائب القلعة
فأمر بالقبض عليه فأخذ وأقر أنه كان عنده من طلبة العلم وسئلوا من
تألفون فقالوا الشيخ صدر الدين يعرفنا وهو يحسن إلينا فطلب من
مجلس الحديث وصعد به إلى القلعة فاعتقل بها ولم يزل بها حتى مات
في ليلة السبت الثالث والعشرين من شعبان المكرم سنة تسع

بتخطئة جماعة من أكابر الفقهاء على طريقة ابن تيمية ولما دخل الشيخ شهاب الدين
ابن البرهان الشام.. داعيا إلى القيام التف عليه ونوه به وصار يتعصب له ويعينه
فاتفق لهم تلك الكائنة فأخذ فيمن اخذ اه‍. وفي الشذرات بعد أن نقل ما سبق
من ميله إلى الظاهر: انه اتفق وصول احمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه
ومال إليه فلما كانت كائنة بيدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على احمد الظاهري
ومن ينسب إليه فاتفق انه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فذكرا أنهما من طلبة
الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا حتى مات اه‍.
وكائنة بيدمر مع ابن الحمصي ذكرها ابن حجر في الدرر.
ومن شعر الياسوفي:
ليس الطريق سوى طريق محمد * فهي الصراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى * سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
(1) وهو داع من دعاة المذهب الظاهري لا بإقامة الحجة والبرهان فقط بل
بحد السيف والسنان، معروف في التاريخ باثارة الفتن والقلاقل في هذا السبيل،
175

وثمانين وسبعمائة (1) وصلي عليه بعد الزوال من الغد في دمشق ودفن بمقابر
الصوفية ولم يخلف بدمشق بعده في مجموعه مثله رحمه الله تعالى وإيانا.

قال أبو المحاسن في المنهل الصافي عند ترجمته: نشأ بالقاهرة وصحب سعيدا النحوي
فأماله إلى مذهب الظاهر على طريقة ابن حزم وغيره من المبتدعة وبرع في ذلك
وناظر من جادله على ما يعتقده ثم رحل وطاف البلاد البعيدة ودعا الناس إلى
العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم (كلمة حق طالما سمعناها مدى
القرون من الخوارج ومن جهم والجاحظ وابن القدوة وغيرهم من المبتدعة والله
يعلم ماذا كانوا يريدون بها) فاستجاب له بشر كثير من خراسان إلى الشام وآخر
الامر قبض عليه وعلى جماعة من أصحابه وحملوا في القيود إلى الديار المصرية
فأوقفه الملك الظاهر برقوق بين يديه ووبخه على فعلته وضرب أصحابه بالمقارع
ثم حبسه مدة طويلة إلى أن أطلقه في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وطال خموله
إلى أن توفي سنة 808. ثم ذكر عن المقريزي انه كان فقيرا عادم القوت ثم قال
قلت وما ربك بظلام للعبيد فان هؤلاء الظاهرية حالهم اطلاق ألسنتهم في الأئمة
الاعلام أصحاب المذاهب رضي الله عنهم ونحو ذلك فهذا جزاؤهم في الدنيا وأمرهم
في الآخرة إلى الله تعالى اه‍. وفتنة في التاريخ معروفة بفتنة ابن البرهان الظاهري
هذا وهو الذي آواه الياسوفي وأعانه سامحهم الله تعالى.
(1) قال ابن حجر: سمعت ابن البرهان (المذكور) يقول إن الياسوفي
لما قبض عليه حصل له فزع شديد أورثه الاسهال فاستمر به إلى أن مات في القلعة
مظلوما مبطونا شهيدا اه‍ رحمه الله
176

* (ابن سند) *
محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللخمي المصري ثم الدمشقي
المالكي الامام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله ولد بدمشق في يوم
الخميس الثامن من شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وسبعمائة وسمع
بها من محمد بن عمر السلاوي و عبد الرحيم بن أبي اليسر والبدر أحمد بن
محمد بن الجوخي والحافظ أبا عبد الله الذهبي وأحمد بن المظفر النابلسي
ومحمد بن إسماعيل بن الخباز وأخته زينب وعمتها نفيسة وفاطمة ابنة
العز وعدة، وارتحل إلى مصر فسمع بها من مظفر العطار وأبي الفتح
الميدومي وابن الوضاح وطائفة واشتغل فحصل وتميز وبرع، أجازه
الحافظ صلاح الدين العلائي بالافتاء وأخذ العربية عن التاج المراكشي
وأذن له في أقرائها، وكان رحمه الله تعالى إماما مفننا جهد في هذا الشأن
واجتهد (1) وحرر الرجال وأسماءهم وانتقى وانتقد، كتب بخطه الكثير
فأحسن وخرج لنفسه ولغيره فأجاد وأتقن ورتب أجزاءا على حروف
الهجاء من أسماء أصحابها، وله محاضرات فكهة لطيفة وأخلاق حسنة
شريفة، وحدث سمع منه شعبان بن علي المقري وعمر بن يوسف
النابلسي والشيخ مساعد وجماعة، ناب في القضاء وولي مشيخة الحديث

(1) يقول ابن حجر: وقد ذيل على العبر للذهبي بعد ذيل الحسيني رأيته
بخطه ذيل فيه إلى قرب الثمانين فقط وخرج لنفسه أربعين متباينة الاسناد وخرج
لغيره.
177

بمواضع وابتلي بآخره بنسيان واختلاط وذلك من قبل النساء فيما قيل
(1) نسأل الله تبارك وتعالى السلامة والعافية، وكانت وفاته بدمشق
في ليلة الاثنين السادس من صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة رحمه
الله تعالى.
وفيها مات بدمشق الخواجا برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إسماعيل
ابن حماد الحراني الأصل ثم الدمشقي في شهر ربيع الاخر، وبمكة قاضيها
العلامة شهاب الدين أحمد بن ظهيرة المخزومي الشافعي في شهر ربيع
الأول، وبطابة قاضيها أبو العباس أحمد بن عبد الله بن فرحون المالكي
وبزبيد الفقيه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن موسى بن علي، وبدمشق
الشيخ شرف الدين إسماعيل بن حاجي الأردني الحنفي نزيل دمشق
وزين الدين عبد الرحمن ابن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير
القرشي، وبغزة قاضيها علاء الدين أبو الحسن علي بن خلف بن كامل

(1) وفي الدرر الكامنة، وفي أواخر عمره تغير ذهنه ونسي غالب محفوظاته
حتى القرآن ويقال ان ذلك كان عقوبة له لكثرة وقيعته في الناس عفا الله عنه
اه‍. وفي الشذرات: كان شافعيا ثم صار مالكيا ومات وهو شافعي وهو القائل:
الحافظ الفرد ان أحببت رؤيته * فانظر إلي تجدني ذاك منفردا
كفى بهذا دليلا انني رجل * لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سندا
اه‍. وكأنه كان يتقلب مع مذاهب من ينوب عنه من القضاة، قال ابن العماد
وهو آخر من ذكرهم الذهبي في المعجم المختص وفاة.
178

ابن عطاء الله الغزي في شهر ربيع الثاني أو في جمادى الأولى ومولده في
سنة تسع وسبعمائة، والامام زين الدين عمر بن مسلم بن سعيد القرشي
خطيب دمشق معتقلا في ذي الحجة، وبالقاهرة شمس الدين محمد بن أحمد
المصري عرف بالرفاء (1) وبدمشق المسند فخر الدين محمد بن أحمد
ابن عمر بن محبوب الصالحي في ربيع الأول، وباليمن قاضيه العلامة
جمال الدين محمد بن عبد الله بن أبي بكر الريمي (2) الشافعي، وبالقاهرة
المسند صلاح الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر البلبيسي في النصف
الأول من المحرم أو في سابع شهر رمضان ومولده بمصر في سنة خمس
وسبعمائة، وبدمشق الامام شمس الدين محمد الصرخدي، والقاضي
شرف الدين يعقوب الأقصرائي (3) الحنفي في ذي الحجة، وبحلب
الشرف أبو بكر محمد بن يوسف الحراني ثم الحلبي في العشر الأول من
ذي الحجة وولد بها في شهور سنة خمس عشرة وسبعمائة.

(1) بالفاء المشددة وكان يقال له أيضا حمامة الحرم لكثرة مجاورته به كما في
شذرات الذهب وأنباء الغمر
(2) بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة نسبة إلى ريمة ناحية باليمن على ما ضبطه
ابن العماد في شذرات الذهب
. (3) وقد يقال السرائي نسبة إلى سراي بفتح المهملتين وبعد الألف تحتانية
مدينة ببلاد الدشت (وراء القوقاز) بشين معجمة ضبطها البقاعي في ترجمة العلامة
محب الدين محمد بن أحمد بن الأقصرائي كما في ذيل اللب.
179

أخبرنا الحافظ أبو حامد محمد بن عبد الله المكي بها عن الحافظ أبي
عبد الله محمد بن موسى ح وقرأت بعلو درجة على الحاكم أبي بكر بن
الحسين المدني بمكة المشرفة قالا أخبرنا الخطيب أبو الفتح محمد بن محمد
المصري بها قال أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف الموصلي وأبو
اسحق إبراهيم بن محمد بن مناقب الحسيني قالا أخبرنا أبو حفص عمر بن
محمد بن طبرزد قراءة عليه ونحن نسمع قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن
محمد الشيباني قال أخبرنا أبو طالب محمد بن إبراهيم البزار قال أخبرنا أبو
بكر الشافعي قال حدثنا محمد بن موسى القرشي قال حدثنا عبد الملك
ابن عمرو قال حدثنا عبد الله بن جعفر عن سعد بن إبراهيم قال سألت
القاسم عن رجل له ثلاث مساكن فأوصى بثلث كل مسكن فقال
لا يجمع له في سكن واحد أخبرتني عائشة رضي الله عنها ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (من عمل عملا ليس له أمرنا فهو رد) أخرجاه
في الصحيحين فرواه مسلم عن عبد بن حميد وإسحاق بن إبراهيم كلاهما
عن عبد الملك بن عمرو فوقع لنا بدلا له عاليا والله المنة.
* (ابن رجب) *
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد
ابن أبي البركات مسعود البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الامام الحافظ
الحجة والفقيه العمدة أحد العلماء الزهاد والأئمة العباد مفيد المحدثين
واعظ المسلمين شهاب الدين أبو العباس أو أبو الفرج سمع خلقا منهم
180

أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد القلانسي ومحمد بن إسماعيل الخباز وإبراهيم
ابن داود العطار وأبو الفتح محمد بن إبراهيم الميدومي (1) وجماعة،
حدث فروى عنه جماعة، له المؤلفات السديدة والمصنفات المفيدة (2)
منها شرح على صحيح البخاري لم يكمل وصل فيه إلى كتاب
الجنائز وعلى الجامع للحافظ أبي عيسى الترمذي وذيل على كتاب
طبقات الفقهاء الحنابلة للقاضي أبي الحسين (3) محمد بن الفراء، كان
رحمه الله تعالى إماما ورعا زاهدا مالت القلوب بالمحبة إليه وأجمعت
الفرق عليه كانت مجالس تذكيره الناس عامة نافعة وللقلوب صادعة (4)
مات رحمه الله تعالى في شهر رجب أو شهر رمضان سنة خمس وتسعين

(1) نسبة إلى ميدوم قرية بمصر من اعمال البهنساوية.
(2) قال ابن حجر: وله القواعد الفقهية أجاد فيه وخرج لنفسه مشيخة مفيدة
واللطائف في وظائف الأيام
(3) وهو ابن القاضي أبي يعلى الكبير وفي الأصل طامات ينسبها إلى الإمام أحمد
، وهو وأخوه أبو خازم وأبوهما أبو يعلى الكبير وابن أبي خازم أبو يعلى
الصغير هم ممن تسببوا في وصم المذهب الحنبلي بما هو برئ منه من التشبيه وأصر
أناس بعدهم على خطتهم تقليدا لهم واغترارا بطول باعهم في فروع المذهب مع أنهم
ليسوا ممن يعول عليهم في المعتقد سامحهم الله.
(4) قال ابن العماد: قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة
أربع وأربعين وسبعمائة.. قال الشهاب ابن حجي: أتقن في الحديث وصار أعرف
أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق، تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة اه‍. طالعت
181

وسبعمائة بدمشق (1) قال الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر
الدمشقي حدثني من حفر لحده انه جاءه قبل ان يموت بأيام فقال
احفر لي لحدا وأشار لي البقعة التي دفن فيها فحفرت له فلما فرغت نزل
في القبر. واضطجع فيه فأعجبه وقال هذا جيد ثم خرج فوالله ما شعرت
بعد أيام الا وقد أتي به ميتا محمولا في نعشه فوضعته في ذلك اللحد
وواريته فيه رحمه الله وإيانا (2)

شرح ابن رجب على علل الترمذي بخط الحافظ ناصر الدين بن زريق فوجدته
غزير العلم جليل الفوائد جم النقول الشاردة لا يستغني عنه من يعنى بالعلل
ومصطلح الحديث.
(1) ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ أبي الفرج عبد الواحد بن محمد
الشيرازي ثم المقدسي المتوفى سنة 486 كما في الشذرات وهذا الشيرازي هو الذي
نشر المذهب الحنبلي بين المقادسة والدمشقيين ولم يكن يعرف قبله لا في بلاد
القدس ولا في بلاد الشام.
(2) وحكى ابن حجر قصة الحفار بقوله (ويقال) ولعل ذلك منه جري على
طريقة أهل الحديث في رواية المجهول لان الحفار مجهول عينا ووصفا الا عند
الراوي عنه. وقال ابن حجر في (أنباء الغمر في أبناء العمر) ولد ببغداد سنة
ست وثلاثين وسبعمائة وكان صاحب عبادة وتهجد، ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن
تيمية ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره التيميون فلم يكن مع هؤلاء ولا مع
هؤلاء، تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق اه‍ عن خط ابن حجر، وعند ابن
رجب بعض نزعات إلى شواذ ابن القيم وشيخه في مؤلفاته وان أظهر الرجوع
عنها فلعل ذلك فيما ألفه قبل فتطالع كتبه على حيطة.
182

وقي سنة خمس وتسعين مات ببعلبك الصارم أبو إسحاق إبراهيم
ابن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن تمام البعلي الشرايحي شهر
بابن شمول في النصف من المحرم، وبدمشق الامام شهاب الدين احمد
ابن إبراهيم الكتبي الصالحي الحنفي، وقاضيها الامام شهاب الدين احمد
ابن صالح بن أحمد المعروف بالزهري في ثامن المحرم، والشهاب أبو
العباس أحمد بن عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهر بن محمد بن ثابت بن
عبد الغالب بن ماهان بن علي بن عيسى الماكسيني (1) الأنصاري في
يوم الثلاثاء التاسع من شهر ربيع الأول وبها ولد في شهر رمضان سنة
عشر وسبعمائة، والامام شهاب الدين أحمد بن عمر عرف بابن هلال
الإسكندري المصري في صفر، وببيت المقدس أم محمد أسماء ابنة
الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي في النصف الثاني من
شوال، وأختها أمة الرحيم زينب في تاسع شوال، وبدمشق الحاج
سليمان بن داود بن سليمان المزي ويعرف بالعاشق في صفر، وبالقاهرة
علاء الدين علي بن قاضي المدينة محمد بن عبد المعطي عرف بابن السبع
الكناني في رمضان، والشيخ الامام علاء الدين علي بن محمد الأقفهسي
المصري الشافعي في شوال، وببلد الخليل الشيخ عمر بن محمد بن يعقوب

(1) نسبة إلى ماكسين بكسر الكاف بلد بالخابور.
183

البغدادي عرف بالمجرد (1) في ذي الحجة، وبدمشق فاطمة ابنة تقي
الدين الجعبري الدمشقية، وبالقاهرة الخطيب نجم الدين محمد بن إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن جماعة في ذي القعدة، وبمكة امام مقام إبراهيم
الخليل محب الدين أبو البركات بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم
ابن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري في ذي القعدة وبها مولده في
سنة سبع وعشرين، وبدمشق القاضي امين الدين محمد بن محمد بن أحمد
بن علي الدمشقي الحنفي عرف بابن الآدمي فجأة، وبالقاهرة الشيخ
صلاح الدين محمد بن محمد بن سالم الحنبلي ويعرف بالأعمى مدرس
الظاهرية الحديثة بالقاهرة، والصلاح محمد بن محمد بن علي الزفتاوي
المصري في صفر عن اثنتين وتسعين سنة، وبالرملة القاضي شمس الدين
محمد بن يحيى بن سليمان المالكي في المحرم، وبدمشق الشيخ شرف
الدين محمود بن جمال الدين أبى بكر بن كمال الدين احمد شهر بابن
الشريشي (2) الشافعي مدرس الباذرائية في صفر، وببلد الخليل موسى
ابن أحمد بن منصور العبدري المغربي المالكي في جمادى الآخرة،
وبالقاهرة قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح

(1) وفي الدرر الكامنة بخط البقاعي عمر بن نجم بن يعقوب المجرد البغدادي
المعروف بالهدمي ولد سنة 712 ومات سنة 780.
(2) نسبة إلى شريش بفتح الشين المعجمة وكسر الراء والياء المثناة والشين
المعجمة مدينة من كورة شذونة بالأندلس كما في المعجم، واليها ينسب شارح
المقامات وجماعة من قرابته ممن ذكرهم المصنف.
184

ابن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الله الكناني العسقلاني الحنبلي
في شعبان، والأديب زين الدين أبو بكر بن عثمان بن عبد الله بن العجمي
وبتعز قاضي الأقضية ركن الدين أبو بكر بن يحيى بن عجيل.
* * *
* (الطبقة السابعة والعشرون) *
* (المنصفي) *
بضم أوله محمد بن خليل بن محمد بن طوغان بن عبد الله التركي
الدمشقي الحنبلي الحريري الشيخ الزاهد الصالح العابد الحافظ المفيد
العلامة شمس الدين أبو عبد الله ولد في سنة ست وأربعين وسبعمائة
واشتغل كثيرا حتى صار عالما بالفقه على مذهب الإمام أحمد وكان إماما
علامة فقيها حافظا متقنا نبيها، سمع على خلائق منهم بعض أصحاب
الفخر فمن بعدهم فسمع على محمود بن خليفة المنبجي في سنة ثلاث
وستين وعلى عثمان بن يوسف بن عزيز والحافظ أبي بكر بن المحب
أخذ عنه الكثير، وحرر في الشأن أيما تحرير أفاد وخرج وأملى على
بعض المشايخ، تخرج بالحافظين أبي بكر بن المحب و عبد الرحمن بن
رجب، وأجاز له عدة منهم ابن الخباز محمد بن إسماعيل حدث عنه
وبالقليل من مسموعاته وكانت كثيرة، أفتى مع الانجماع والتقشف
185

وحصل عليه محنة بسبب ما أفتى به ابن تيمية في مسألة الطلاق (1) قال

(1) من أن ارسال الطلقات الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة، وحشد ابن
تيمية حول تأييد هذه الفتوى ما هو نموذج لتمويهه مما لا ينخدع به الا ضعفاء النظر
وليس عنده لدى النقد ما يكون شبه دليل على مدعاه، وكاد وقوع الثلاث ان
يكون من مواطن الاجماع بين الصحابة حتى عند ابن عباس على ما ثبت بطرق
عنه، وأما ما يرويه مسلم عنه فيما انفرد به عن البخاري من أن الثلاث كانت واحدة
ففيه أولا ان لفظه محتمل وعند الاحتمال يسقط الاستدلال، وثانيا ان ظاهره
المفروض خلاف رواية جماعة من الاثبات عنه فيكون من الشاذ المردود على تقدير
تسليم ان فيه بعض دلالة، وثالثا انه خلاف مذهبه المتواتر عنه فيكون مردودا
أيضا عند كثيرين منهم أحمد كما بسط ابن رجب في شرح علل الترمذي. ورابعا
ان طاوسا مع كونه من الملازمين لابن عباس روى ذلك بواسطة من غير لفظ
يفيد السماع، وخامسا ان الواسطة أبو الصهباء وهو ان كان من موالي ابن عباس
فمجهول وان كان من غيرهم في طبقته فضعيف، وسادسا ان في بعض طرقه خاطب
أبو الصهباء ابن عباس بقوله هات من هناتك وجل مقدار ابن عباس ان لا يرد
على هذا السائل قوله وان يقره على قوله، وسابعا ان ظاهره اقرار منه
بأنه من هناته المردودة، وقد شهر بين سلف العلماء وخلفهم حكم رخص ابن
عباس، وثامنا ان في ذلك وصم جمهور الصحابة الذين وافقوا عمر بعدم
تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم باتباعهم للرأي دون النص
وهذا جهل عظيم إلى غير ذلك وعد ذلك مما يجوز له سياسة من غير دليل
فتح لباب تقويض دعائم الدين. أبعد هذا كله ترجح هذه الرواية على روايات
الكافة عن الكافة: ومسلم غير معصوم وابن تيمية الذي لا يتحاشى ان يدعى ان في
صحيحه موضوعا أيتورع عن ترجيح روايات الجماعة على روايته عند تضافر
186

شيخنا الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجي: كان فقيها محدثا حافظا قرأ

الأدلة مع الجماعة فكم انتهك حرمات الأبضاع بأمثال هذه الفتوى وتابعه الضعفاء
من مقلدة أهل مذهبه نابذين نص امامهم وراء ظهورهم فوقعوا في فتن ومحن
بل أوقعوا الناس فيها، وهذا الشيخ الحراني مع كونه ألف في أبطال الحيل تراه
واتباعه من أكبر المجترئين على تحليل المحرم من الأبضاع بقول قيل من أي
قائل كان، وقد قال ابن أبي عبلة التابعي المشهور: من تبع شواذ العلماء ضل،
بل يحكي الامام تقي الدين الحصني عنه وعن اتباعه انهم كانوا يتقاضون ممن
وقع في مأزق من أمر النكاح والطلاق نحو خمسة دراهم فيفتون له بأن النكاح صحيح
أو ان الطلاق غير واقع استنادا على أقوال خارجة عن المذاهب المتبوعة إلى غير ذلك
وزهد الحصني وورعه وتحريه فيما يحكيه مما يستغني عن التنويه، وفتوى ابن
تيمية هذه كمسحه على الخفين من غير توقيت بثلاثة أيام في السفر وكان يفعل
ذلك طول سفره من دمشق إلى مصر بمرأى من الناس على ما حكاه ابن العماد وابن
رجب مع أن الأدلة انما قامت على التوقيت، بل جعل الإمام أحمد المسألتين في
عداد الطريقة المسلوكة للمسلمين المتوارثة عن النبي صلى الله عليه وسلم قرنا
بعد قرن وعد مخالفتهما بدعة وخروجا عن الجماعة لا من المسائل التي فيها متسع
للنظر من أهله فضلا عن بقية الأئمة، وقد أخرج ابن بطة بسنده إلى احمد
ما كتبه إلى مسدد في المعتقد وفي السنة والجماعة إلى أن قال أحمد فيه: والمتعة
حرام إلى يوم القيمة ومن طلق ثلاثا في لفظ واحد فقد جهل وحرمت عليه
زوجته ولا تحل له ابدا حتى تنكح زوجا غيره والمسح على الخفين للمسافر ثلاثة
أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة اه‍. ورسالة احمد هذه إلى مسدد يرويها ابن الفراء
بنصها بسنده في طبقاته وفيها ما نقلناه بحروفه وسنده مما يعول عليه ابن تيمية،
أهكذا يكون التقي المتحري أم الماجن المتجري وشواذه في الفروع من هذا
187

الكثير وحرر وأتقن وألف وجمع، وقال صاحبنا الحافظ شهاب الدين
ابن حجر: اجتمعت به في دمشق وأعجبني سمته (1) انتهى، وكانت
وفاته عقيب فتنة التتار من عقوبة حصلت له منهم وحريق بالنار

القبيل، ولا تسل عن مفرداته في المعتقد مما هو آية في التضليل، ومن هنا اشتبه
في أمر دينه من اشتبه من حذاق النظار ولم يخف عليهم ما وراء الستار وهو يشف
عن ذلك لأولي الابصار وان انطلى امره على مقلدة الرواة من مستضعفي أشياعه
البعداء عن النظر في مغزاه وعلى بعض الصالحين من العلماء الوعاة استرسالا في
احسان الظن به بالنظر إلى مبادئ حاله من غير فحص عن عاقبة امره ومرماه
وطال الاخذ والرد في شأنه بما يستوجب الأناة، وموعد بعض التوسع في ذلك
كتابنا (تحذير الخلف عن مخازي أدعياء السلف) وهناك بعض بسط لما ينطوي
عليه هذا الرجل وأمثاله بوثائق علمية تاريخية تستجلي الحقيقة لروادها، ولست
الان بصدد البحث عن عدائه للمنطق مع تظاهره بالانتساب إلى الفلسفة والنظر
وهو يعلم أن المنطق يكشف عن أقواله المتناقضة فلا غرو إذا عاداه والمبطل لابد
وان يتناقض فيكون دليل بطلان قوله معه ولا في صدد الكشف عن مجادلته
أهل الكتاب ثم هدمه ما بناه بتهوين أمر التحريف اللفظي إلى أن وازن الكتب
السابقة بكتب السنة في الاحتواء على أغلاط طفيفة تبين منها نفسها مع أنه هو الذي
يدعي في مرة أخرى ان ما في الصحيحين يفيد العلم خلافا لجمهور أهل العلم إلى
غير ذلك من تناقضاته فيجب على النبيه ان لا يغتر ببراعته في التمويه. وأقل ما يقال
فيه انه ليس في موضع الإمامة والقدوة حتما.
(1) ينقل السخاوي عن ابن حجي انه كان يقول في المنصفي: لم يكن الحنابلة
ينصفونه
188

بقلعة دمشق فاستمر متألما إلى أن وافاه حمامه في شعبان من سنة ثلاث
وثمانمائة رحمه الله تعالى
وفيها مات بدمشق القاضي برهان الدين إبراهيم بن النقيب العماد
إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الحنبلي، والقاضي برهان الدين إبراهيم بن
علي السلاوي المالكي في جمادى الأولى، والقاضي بدر الدين أو برهان
الدين إبراهيم ابن القاضي شمس الدين محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي
في شعبان، والشيخ إبراهيم بن القماح الحيسوب، وأحمد بن إبراهيم
ابن مغيرة الكردي الصالحي الهكاري، والشهاب أحمد بن اقبرص بن
بلغا بن كنجك الخوارزمي الصالحي (1) ومفتي الشام شهني الدين باب
أحمد بن راشد بن طرخان الشافعي شهر بالملكاوي (2) في شهر رمضان
والسيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسين
في ربيع الثاني ومولده بها في سنة ست عشرة وسبعمائة، وبالإسكندرية
تاج الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الإسكندري
ويعرف بابن الخراط، وبالقدس المحدث شهاب الدين أحمد بن محمد بن
محمد المقدسي شهر بالمهندس، وبالقاهرة قاضي القضاة موفق الدين احمد
ابن نصر الله بن أحمد الكناني الحنبلي في رمضان، وبدمشق الشيخ

(1) من مشايخ أبي الفتح المراغي وممن خرج له ابن فهد في (الفتح الرباني
في مشيخة أبي الفتح العثماني).
(2) بفتح ثم سكون كما سبق من السخاوي.
189

شهاب الدين أحمد بن يوسف البانياسي الدمشقي المقري، وبالقاهرة
قاضي القضاة شهاب الدين احمد التحريري، وبدمشق المقري شهاب
الدين أحمد بن الأشرف إسماعيل بن الأفضل العباس في يوم
السبت الثامن عشر من ربيع الأول، وبدمشق الشيخ إسماعيل المغربي
المالكي نائب الحكم بها، وأم أبي بكر تتر ابنة القاضي عز الدين محمد
ابن أحمد بن المنجا التنوخية، وبدر الدين حسن بن البهاء محمد بن
محمد بن أبي الفتح البعلي والقاضي شرف الدين حسين بن علي بن سرور
عرف بابن خطيب الحديثة والمعمرة أم القاسم خديجة ابنة إبراهيم بن
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن سلطان التغلبية، وأم يوسف خديجة
ابنة الامام بدر الدين محمد بن أبي بكر ابن محمد بن قوام البالسية الصالحية،
وخديجة ابنة أبي بكر بن علي بن أبي بكر ابن عبد الملك الكردي
الصالحية، والمعمر نجم الدين داود بن أحمد بن علي بن حمزة البقاعي،
وبالقاهرة القاضي بهاء الدين أبو الفتح رسلان بن أبي بكر بن رسلان
البلقيني في جمادى الثانية، وبدمشق أم احمد رقية ابنة علي بن محمد بن
أبي بكر بن مكي الصفدي الصالحية، وزينب ابنة العماد أبي بكر بن
أحمد بن محمد بن جعوان الأنصاري في شعبان، وبمكة أم الحسين ست
الكل ابنة أحمد بن محمد الزين القسطلاني في المحرم، وبدمشق المفتي
شرف الدين شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الدمشقي، وبالقاهرة أم
محمود عائشة ابنة محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسي، وأم صلاح الدين
عائشة ابنة أبي بكر بن أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسي الصالحية،
190

وبدمشق العادل زين الدين عبد الرحمن بن التقي عبد الله بن محمد بن
الفخر عبد الرحيم البعلي، وبالقاهرة زين الدين عبد الرحمن بن
محمد بن البرهان إبراهيم الرشيدي المصري و عبد العزيز بن محمد
بن محمد بن الخضر الطيبي موقع الحكم في ثالث عشر المحرم ولد
بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وسبعمائة، وبدمشق عبد القادر
ابن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله شهر بابن قمر الدمشقي
الفراء سبط الحافظ أبي عبد الله الذهبي، وبالقاهرة القاضي
تقي الدين عبد اللطيف بن أحمد بن عمر الأسنوي في ربيع الثاني،
وبدمشق التقي عبد الله بن محمد بن أحمد بن الشيخ شمس الدين عبد
الله المقدسي الصالحي، وعلاء الدين علي بن أحمد بن محمد المرداوي
الصالحي في رمضان، والشيخ علي بن أيوب الماحوزي (1) النساج،
والشيخ علي بن محمد بن علي الكفرسوسي (2) وبالقاهرة الشيخ علاء
الدين علي بن محمد بن علي الحنبلي شهر بابن اللحام في يوم عيد الأضحى
وبعدن رئيس التجار بدر الدين علي بن يحيى بن جميع في ليلة عيد الفطر
وباللجون قرب صفد القاضي نور الدين علي بن الجلالي يوسف الدميري
المصري المالكي، وبدمشق عمر ابن الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد

(1) قال السخاوي: بمهملة مضمومة وآخره زاي معجمة.
(2) بمهملتين أولاهما مضمومة نسبة إلى كفر سوسية قرية بدمشق. معجم
البلدان.
191

ابن عبد الهادي المقدسي في شعبان، وأبو حفص عمر بن محمد بن أحمد
ابن عمر البالسي الصالحي المكفوف، والمقري زين الدين عمران بن
إدريس بن معمر الجلجولي (1) ومولده بجلجوليا في سنة أربع وثلاثين
وسبعمائة، ومسندة الدنيا أم احمد فاطمة ابنة العز محمد بن أحمد بن محمد
ابن عثمان بن المنجا التنوخية خاتمة أصحاب القاضي سليمان وطبقته
بالإجازة في أحد الربيعين أو الجمادين ولها تسعون سنة أو قريب منها،
والمعمرة أم محمد فاطمة ابنة المحتسب محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد
ابن عبد الهادي الصالحية في شعبان وقد عدت الثمانين، وبالقاهرة المفتي
زين الدين قطلو بغا الحنفي في جمادى الأولى، وبنهر الفرات غريقا
وهو في الأسر قاضي القضاة بمصر صدر الدين محمد بن إبراهيم بن إسحاق
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي ومولده بالقاهرة في شهر رمضان
سنة 742، وبدمشق المحدث شمس الدين محمد بن الظهير بن إبراهيم بن
محمد الجزري في شوال، والواعظ شمس الدين وقيل محب الدين محمد
ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي، ومحمد بن عبد الرحمن
ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي في جمادى الأولى
قتيلا ظلما، وبالرملة المحدث بدر الدين أبو البقاء محمد ابن الحافظ عماد
الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي في ربيع الاخر، وبدمشق

(1) بفتح فسكون فضم وبجيمين نسبة إلى جلجوليا بالقرب من رملة على ما
ذكره السخاوي في أنساب الضوء اللامع.
192

القاضي ناصر الدين محمد ابن القاضي تقي الدين عمر ابن القاضي نجم الدين
محمد شهر بابن أبي الطيب كاتب السر بدمشق، وبحلب أمين الدين محمد
ابن عماد الدين أبي بكر بن أحمد بن أبي الفتح السراج الدمشقي، والقاضي
محمد بن بهادر المسعودي الأوحدي الصالحي، والشمس محمد بن حسن بن
عبد الرحيم الصالحي الدقاق، وبغزة المحدث شمس الدين محمد بن عثمان
ابن عبد الله بن شكر (1) شهر بالنبجالي (2) البعلي الحنبلي في رمضان
وبدمشق الشمس محمد بن علي بن إبراهيم بن أحمد عرف بابن البزاعي
الصالحي، وبالقاهرة القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن المكين
إسماعيل المصري المالكي في شهر ربيع الأول، وقاضي القضاة بدر الدين
محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي الشافعي المصري في شهر
ربيع الثاني، وبالإسكندرية قاضيها شرف الدين محمد بن المعين محمد
ابن البهاء عبد الله بن أبي بكر بن محمد المخزومي شهر بابن الدماميني
الإسكندري المالكي، وبتونس عالمها أبو عبد الله محمد بن محمد بن
عرفة الورغمي (3) التونسي المالكي في جمادى الثانية أو في شهر رجب
ومولده بها في سنة ست عشرة وسبعمائة ولم يخلف بعده بها مثله، وبدمشق

(1) بضم المعجمة وسكون الكاف على ما ضبطه ابن العماد، وقد يتصحف على بعضهم
بالامام المسند ابن سكر الحنفي المتقدم ذكره.
(2) بفتح النون وسكون الموحدة بعدها معجمة كما في الشذرات.
(3) بفتح ثم سكون بعدها معجمة مفتوحة ثم ميم مكسورة ثقيلة نسبة لقبيلة
من هوارة. الضوء اللامع.
193

المعمر بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام
البالسي الصالحي في شعبان، وبالمدينة القاضي بدر الدين محمد بن محمد
ابن محمد بن مقلد المقدسي الحنبلي، وبالقاهرة القاضي عز الدين محمد
ابن القطب محمد بن محمد عرف بالشار مساحي (1) المصري، وبدمشق
المعمر محب الدين محمد بن محمد بن محمد الصالحي شهر بالوراق،
والقاضي تقي الدين محمد بن محمد الصالحي الحنفي ويعرف بابن الخباز
ويحب حنين الشمس محمد بن محمود بن محمد بن محمود البزار الصالحي
ويعرف بابن الزرندي (2) وبدمشق قاضي الحنفية تقى الدين محمد ابن
القاضي جمال الدين يوسف بن أحمد بن الحسين الحنفي المشهور بابن
الكبري في ذي الحجة، والشيخ شمس الدين محمد الزيلعي الكاتب،
وبحلب قاضيها شرف الدين موسى بن محمد بن محمد بن جمعة الأنصاري
الشافعي في شهر رمضان، وبالقاهرة قاضي القضاة جمال الدين يوسف
ابن موسى بن محمد الحلبي الحنفي ويعرف بالملطي (3) في شهر ربيع الثاني

(1) بالشين المعجمة والراء المكسورة وبإهمال السين واسكانها والحاء المهملة نسبة
لقرية من ريف مصر ذكره السخاوي.
(2) نسبة لبيت علم كبير من الحنفية بالمدينة ولعل أصلهم من زرند وفي الشذرات
بالزاي والراء والنون نسبة إلى زرند بلد بأصبهان اه‍. ومثله في معجم البلدان
وعدد السخاوي من ينسب إلى هذا البيت بالمدينة من المشاهير وضبطها بفتحتين
وسكون النون.
(3) قد أساء السخاوي وشيخه الوقيعة فيه بما هو براء منه لا سيما وهو قد ناهز
194

وبدمشق أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر
عرف بالفرائضي الصالحي، وأبو بكر بن إبراهيم بن معتوق الهكاري
الكردي الصالحي، وبالقاهرة شرف الدين أبو بكر ابن الحافظ عبد

الثمانين، وما ذنبه إليهما سوى ما ورثه من شيخية القوام الإتقاني ومغلطاي من
بعض التشدد على مخالفيه مع الاتقان في العلم. ورحم الله ابن الشحنة حيث قال في
أوائل شرحه على الهداية: لا تعويل على تراجم ابن حجر لمخالفيه ه‍. كلمة قالها عن
تجريب وتلميذه يحذو حذوه ولا أدري هل يسرهما ما كتبه البرهان البقاعي
في حق ابن حجر وما سطره السيوطي في شأن السخاوي، والذي أراه ان كل
ذلك من التحامل المردود. ولما هجم اللنكية البلاد عقد مجلس بالقضاة والعلماء
لمشاطرة الناس في أموالهم فقال الملطي هذا (ان كنتم تعملون بالشوكة فالامر
لكم وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا يحل ان يعمل فوقفت الحال) وذلك مما يعد من
مناقبه، ومن أنفع كتبه كما يقول العيني المعتصر من المختصر تأليف القاضي أبي الوليد
المالكي في اختصار مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي مع تعقبات وإيرادات على
الطحاوي فأحسن الملطي في معتصره دفع تلك الاعتراضات وتلخيص الكتاب،
والمختصر للقاضي أبي الوليد محمد بن رشد الكبير لا الباجي، يروي مشكل الحديث
للطحاوي المعروف بمشكل الآثار عن الحافظ أبي علي الحسين بن محمد الغسابي
عن أبي عمر أحمد بن يحيى بن الحارث عن أبيه عن هشام بن محمد الرعيني عن
الطحاوي، والمطبوع في الهند من المشكل في أربعة اجزاء غير تام، وتمامه على
ما اطلعت عليه في سبعة مجلدات ضخام رواية أبي القاسم هشام بن محمد بن أبي
خليفة الرعيني عن الطحاوي، يوجد منه في مكتبة شيخ الاسلام فيض الله
قرب الفاتح باسم مشكل الحديث بالاستانة نسخة تامة مقروءة مقابلة قابلها ابن السابق
من علماء القرن التاسع. وهو كتاب لم يؤلف مثله في هذا الباب لا قديما ولا حديثا.
195

العزيز ابن القاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
الكناني في جمادى الأولى، وبدمشق العماد أبو بكر بن عبد الله بن
العماد، وأبو بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي الصالحي،
والشيخ تقي الدين أبو بكر بن الجندي الساعاتي الحيسوب، وبحلب
الشيخ شرف الدين أبو بكر الداديخي الحلبي أحد فضلائها.
* (ابن زريق) *
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن القاضي تقي الدين سليمان
ابن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة بن مقدام بن
نصر بن فتح بن محمد بن حديثة بن محمد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم
ابن إسماعيل بن يحيى بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
القرشي العمري المقدسي الصالحي الحنبلي الامام الحافظ ناصر الدين
أبو عبد الله تفقه وطلب الحديث فمهر في فنونه وتخرج بالحافظ أبي
بكر بن المحب وسمع العالي والنازل وانتقى وخرج وأفاد، سمع من
الصلاح بن أبي عمر ومن بعده، قال صاحبنا الحافظ أبو الفضل بن حجر:
استفدت منه كثيرا وسمع معي على الشيوخ بالصالحية وغيرها ولم
أر في دمشق من يستحق اسم الحافظ غيره انتهى، رتب المعجم الأوسط
للطبراني على الأبواب وكذا صحيح ابن حبان، مات في ثالث عشر
شهر رمضان سنة ثلاث وثمانمائة رحمه الله تعالى.
196

* (ابن الملقن) *
عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله عرف بابن النحوي لان
أباه كان عالما بن أخذه عنه الأسنائي وغيره فلهذا كان يكتب بخطه
عمر بن أبي الحسن النحوي فاشتهر بذلك في بلاد اليمن الأنصاري
الوادي آشي الأندلسي الأصل ثم المصري نزيل القاهرة الشافعي الامام
العلامة الحافظ شيخ الاسلام وعلم الأئمة الاعلام عمدة المحدثين وقدوة
المصنفين سراج الدين أبو علي خرج والده من بلدة الأندلس إلى بلد
التكرور فعلم بها أهله القرآن العظيم فأنعموا عليه بدنيا طائلة وارتحل
إلى القاهرة فاستوطنها وتأهل بها فولد له بها ابنه هذا في يوم السبت
الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
ومات عنه وهو ابن سنة فأوصى به إلى الشيخ عيسى المغربي وكان خيرا
صالحا يلقن القرآن العظيم بجامع ابن طولون فتزوج بأمه وتربى في
حجره بحيث انه نسب إليه حتى صار يعرف بابن الملقن وصار علما عليه
إلى أن مات فحصل له من جهته خير كثير، أقرأه القرآن ثم عمدة الاحكام
وأراد أن يقرئه في مذهب الامام مالك فأشار عليه بعض بني جماعته بأن
يقرئه المنهاج ففعل وأسمعه على الحافظين أبي الفتح بن سيد الناس
والقطب الحلبي واستجيز له من عدة من مصر ودمشق منهم الحافظ
المزي، وطلب الحديث في صغره بنفسه فأقبل عليه وعني به لتوفر
الدواعي وتفرغه فان وصيه أنشأ له ربعا أنفق عليه قريبا من ستين ألف
197

درهم فكان يغل له جملة صالحة فسمع الكثير بمصر من جماعة من أصحاب
ابن عبد الدائم والنجيب منهم أبو عبد الله بن السراج الكاتب ومحمد
ابن غالي و عبد الرحمن بن عبد الهادي وأحمد بن كشتغدي والحسن بن
السديد وأحمد بن محمد بن عمر الحلبي وأحمد بن علي المشتولي (1) ومحمد
ابن احمد الفارقي وأبو القاسم الميدومي وإبراهيم بن علي الزرزاري (2)
وزين الدين أبو بكر بن قاسم الرحبي ولازمه فتخرج به وبالحافظ علاء الدين
مغلطاي، وارتحل في سنة سبعين إلى دمشق فسمع بها من متأخري
أصحاب الفخر بن البخاري، وكانت عنده عوال كثيرة بحيث ذكر
عنه انه قال: سمعت الف جزء حديثية، وله الخط المنسوب جود فيه
على ابن السراج، تفقه واشتغل في فنون فبرع ودرس وأفتى وصنف
وجمع، يقال انه قرأ في كبره كتابا في كل مذهب وانه أذن له بالافتاء
فيه، وفي رحلته إلى دمشق نوه بذكره التاج السبكي وقرظ له على
جزء من تخريج أحاديث الرافعي أطنب في مدحه وكذا على تخريج
أحاديث المنهاج واستكتب له عليه الحافظ عماد الدين بن كثير وارتفع
قدره واشتهر ذكره وبعد صيته فأشغل الناس قديما ودرس عدة سنين
وتصدى للافتاء دهرا وناب في القضاء عمرا فلما كان في سنة ثمانين تعرض
لطلب قضاء القضاة فامتحن بسبب ذلك لأنه في أيام بركة وبرقوق كان

(1) نسبة إلى مشتول بمصر بالشين المعجمة والمثناة الفوقية.
(2) ترجمه السيوطي في حسن المحاضرة.
198

مختصا بصحبة برقوق فعينه لقضاء الشافعية فخدع حتى كتب خطه بمال
فغضب عليه برقوق وسلمه لشاد الدواوين ثم سلمه الله تعالى ونجاه فخلص
فانقطع عن الناس وأقبل على شأنه فأخذ في التصنيف وأكب عليه فكان
فريد الدهر في كثرة التصانيف وحسنها بعبارة جليلة حسنة، وكان يكتب في
كل فن سواء أتقنه أو لم يتقنه وكتب الكثير من ذلك بحيث انه كان أكثر
أهل زمانه تأليفا، بلغت مصنفاته في الحديث والفقه وغير ذلك قريبا من
ثلاثمائة مؤلف منها (شرح البخاري) في عشرين مجلدا وهو في أوله
أقعد منه في آخره بل هو من نصفه الثاني قليل الجدوى (1) و (البدر
المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير) في ست مجلدات أجاد فيه
و (خلاصة البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح
الكبير) و (شرح عمدة الاحكام) و (شرح الأربعين النواوية)
و (المقنع) في علم الحديث وكذا (الكافي) له لم يكن فيه بالمتقن
ولا له ذوق أهل الفن و (غاية السول في خصائص الرسول) صلى الله
عليه وسلم و (أفراد مسلم وأبى داود) (2) و (مختصر تهذيب الكمال

(1) قال ابن حجر في المجمع المؤسس: اعتمد فيه على شرح شيخيه القطب
ومغلطاي وزاد فيه قليلا اه‍.
(2) وشرح (زوائد مسلم على البخاري) في أربعة اجزاء و (وزوائد أبي
داود على الصحيحين) في مجلدين و (زوائد الترمذي على الثلاثة) كتب منه
قطعة صالحة و (زوائد النسائي) عليها كتب منه جزءا و (زوائد ابن ماجة
على الخمسة) في ثلاث مجلدات كما جاء في الضوء اللامع وغيره.
199

مع التذييل عليه) من رجال ستة كتب وهي مسند أحمد وصحيح
ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم والسنن للدارقطني والبيهقي
و (طبقات المحدثين) و (طبقات القراء) و (طبقات الفقهاء الشافعية)
و (طبقات الصوفية) وشرحان للتنبيه كبير وصغير و (ما أهمله النوا؟ ي
في تصحيحه) و (شرح الحاوي) في مجلدين أجاد فيه وأفرد له تصحيحا
و (تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج) في ثماني مجلدات و (نهاية المحتاج فيما
يستدرك على المنهاج) و (عجالة المحتاج في شرح المنهاج) مجلد و (شرح
منهاج البيضاوي)، قد سار بجملة منها رواة الاخبار واشتهر ذكرها في
الأقطار، وكان رحمة الله تعالى عليه له فوائد جمة ويستحضر غرائب
وهو من أعذب الناس لفظا وأحسنهم خلقا وأجملهم صورة وأفكههم
محاضرة كثير المروءة والاحسان والتواضع والكلام الحسن لكل انسان
كثير المحبة للفقراء والتبرك بهم مع التعظيم الزائد لهم، عقد مجلسا
للاملاء فأملى المسلسل بالأولية ثم عدل إلى أحاديث خراش وأضرابه
من الكذابين فرحا بعلو الاسناد وهذا مما يعيبه أهل الاسناد، يرون
ان الهبوط أولى من العلو إذا كان من رواية الكذابين لأنه كالعدم،
وقد وصفه الأئمة بالحفظ، من ذلك أن الحافظ صلاح الدين العلائي
كتب له على كتابه (جامع التحصيل في رواية المراسيل) من تأليفه:
قرأ علي هذا الكتاب الشيخ الفقيه الامام العالم المحدث الحافظ المتقن
سراج الدين شرف الفقهاء والمحدثين فخر الفضلاء، وكتب شيخنا الحافظ
أبو الفضل العراقي طبقة في آخر فوائد تمام فيها: وسمع الشيخ الامام
200

الحافظ سراج الدين، ووقف صاحبنا الحافظ أبو الفضل بن حجر على
ترجمة صاحبنا الحافظ أبي الطيب الفاسي له وفيها: وليس في علم الحديث
كالماهر فانتقد ذلك وكتب ما يدل على مهارته فيه، وذكره قاضي صفد
العثماني في (طبقات الفقهاء) فقال: أحد مشايخ الاسلام صاحب المصنفات
التي ما فتح على غيره بمثلها في هذه الأوقات، وقال شيخنا الحافظ برهان
الدين سبط ابن العجمي: حفاظ مصر أربعة اشخاص وهم من مشايخي
البلقيني وهو أحفظهم لأحاديث الاحكام والعراقي وهو أعلمهم بالصنعة
والهيثمي وهو أحفظهم للأحاديث من حيث هي وابن الملقن وهو
أكثرهم فوائد في الكتابة على الحديث انتهى ومن العجيب ان كلا
منهم ولد قبل الآخر بسنة سوى الهيثمي فإن مولده بعدهم بمدة ومات
كل منهم قبل الآخر بسنة فأولهم ابن الملقن ثم البلقيني ثم العراقي ثم
الهيثمي، قال شيخنا الحافظ برهان الدين: وحكي لي ان الشيخ بهاء الدين
ابن عقيل حكى له عن قيم مسجد النارنج (1) بالقرافة ان الشيخ
عز الدين بن عبد السلام كان يخرج إلى المسجد المذكور يوم
الأربعاء ومعه (نهاية امام الحرمين) فيمكث بالمسجد يوم الأربعاء ويوم
الخميس ويوم الجمعة إلى قبيل الصلاة فينظر في هذا الوقت النهاية قال
الشيخ بهاء الدين وأنا استبعد ذلك فقال الشيخ سراج الدين البلقيني
ولا استبعد لان الشيخ عز الدين لا يشكل عليه منها شئ ولا يحتاج

(1) يصفه المقريزي في خططه ويقول سمي مسجد النارنج لان نارنجه لا ينقطع أبدا.
201

إلى أن يتأمل منها الا شيئا قليلا أو ما هذا معناه وأنا أنظر مجلدا في
يوم واحد، قال شيخنا برهان الدين فذكرت هذه الحكاية لشيخنا
سراج الدين بن الملقن فقال لي عقيب ذلك: انا نظرت مجلدين من
الاحكام للمحب الطبري في يوم واحد، وحدث ابن الملقن بالكثير
من مروياته، سمع منه الأئمة والفضلاء وكان كثير الكتب جدا
فاحترق غالبها قبل موته وكان ذهنه سليما عند ذلك (1) فحجبه ولده
الامام نور الدين علي إلى أن مات في ليلة الجمعة السادس عشر من شهر
ربيع الأول سنة أربع وثمانمائة بالقاهرة رحمة الله تعالى عليه.
وفيها مات بمصر المسند المكثر شهاب الدين أحمد بن حسن بن محمد
ابن محمد بن زكريا شهر بالسويداوي المقدسي ثم المصري في تاسع شهر
ربيع الآخر وله ثمانون سنة، وبدمشق قاضي الحنابلة تقي الدين أحمد بن
صلاح الدين محمد بن شرف الدين محمد بن زين الدين التنوخي الحنبلي،
وبالقاهرة القدوة شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد عرف بابن الناصح
المصري في رمضان، وبدمشق المسندة أم عبد الله وأم أحمد أسماء ابنة
أحمد بن محمد بن عثمان الحلبي الصالحي في المحرم، وخليل بن أحمد المعروف
بابن زبا (2) شاهد القيمة، وبالقدس القاضي تقي الدين صالح بن خليل

(1) قال ابن العماد: كان ابن الملقن جماعة للكتب ثم احترق غالبها قبل
موته وكان ذهنه مستقيما قبل ان تحترق كتبه ثم تغير حاله بعد ذلك، وهو ممن
كان تصنيفه أحسن من تقريره.
(2) هكذا في الأصل ورأيت بخط ابن حجر في (أنباء الغمر): خليل بن
202

ابن سالم الغزي، وبدمشق التقي عبد اللطيف ابن الحافظ قطب الدين
عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي المصري في شهر ربيع الثاني
والمقرئ عبد الله البشيتي (1) ومقرئ القاهرة فخر الدين عثمان الضرير،
وبدمشق علاء الدين علي بن عبيد بن داود المرداوي الحنبلي في جمادى
الثانية ونور الدين علي بن غازي بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك شهر
بالكوري (2) الصالحي في شوال، وناصر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد
الأرموي الصالحي، وبمصر نجم الدين محمد بن علي بن نجم الدين محمد بن
عقيل البالسي ثم المصري، وبالقاهرة المحدث شمس الدين أبو جعفر محمد
ابن محمد بن عمر السكري المدني في جمادى الثانية، وبدمشق الشيخ
جمال الدين يوسف بن حسين الكردي نزيل دمشق، وبمصر أبو البركات
الخطيب المالكي رحمة الله تعالى عليهم.
قرأت على الامام العلامة أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة

علي بن أحمد بن أبي زبا الشاهد المصري ه‍ وفي الفهرست الأوسط لابن طولون
ضبط الزاي المعجمة بالضم والموحدة بالفتح عند ذكر راو آخر والظاهر أنه
تصحف على المصنف وابن حجر لان السخاوي يقول عنه: خليل بن علي بن أحمد
ابن بوزبا بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الزاي بعدها موحدة مفتوحة ه‍ وترجمه
المقريزي وابن حجر والسخاوي.
(1) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وتحتية وفوقية نسبة إلى بشيت
قرية بفلسطين. ابن العماد.
(2) بضم الكاف ثم راء مهملة. الضوء اللامع.
203

وسمعت على شيخ الاسلام الحافظ أبي حامد محمد بن عبد الله المخزومي
المكيان قالا أخبرنا الإمام أبو علي عمر بن علي بن أحمد والعلامة بهاء الدين
أبو البقاء محمد بن عبد الله بن يحيى الأنصاريان ح وشافهنا بعلو درجة
الشيخ المعمر الداعي إلى الله تعالى إبراهيم بن محمد الدمشقي بالمسجد
الحرام غير مرة قالوا أخبرنا أبو المحاسن يوسف بن محمد بن نصر بن قاسم
العدني قال شيخنا في كتابه قال أخبرنا أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد
ابن علاق الأنصاري قال أخبرتنا أم عبد الكريم فاطمة ابنة سعد الخير
ابن محمد بن سهل الأنصاري قالت أخبرنا الحافظ أبو البركات عبد الوهاب
ابن المبارك بن أحمد الأنماطي قال أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن
علي الدامغاني قال أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد جعفر بن
حمدان الفقيه الحنفي قراءة عليه في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين
وأربعمائة قال أخبرنا أبو بكر هو محمد بن أحمد بن يعقوب قال حدثنا
أبو يزيد هارون بن عيسى بن المسكين البلدي بها قال حدثنا الحسين
ابن عرفة قال حدثنا عبدة بن سليمان الكلابي قال حدثنا صالح بن
صالح الهمداني عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبيش قال اتيت
صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه فقال لي ما جاء بك فقلت أطلب
العلم فقال إن الملائكة لتبسط أجنحتها لطالب العلم رضي بما يعمل
وسألته عن المسح على الخفين فقال كنا نمسح على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر وللمقيم يوم وليلة، وأخبرناه
عاليا بدرجتين أبو حامد الحافظ سماعا قال أخبرنا محمد بن عبد الغني قال
204

أخبرنا علي بن عيسى قال أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن إبراهيم
ح وأنبأناه بعلو درجة عن هذا وعن الذي قبله بثلاث العلامة أبو بكر
العثماني وغيره أذنا عن أحمد بن نعمة ان جعفر بن علي أنبأه قالا أخبرنا
أحمد بن محمد الحافظ قال جعفر أذنا ان لم يكن سماعا قال أخبرنا القاسم
ابن الفضل قال أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال حدثنا إسماعيل بن
محمد الصفار قال حدثنا سعدان بن نصر ح قال القاسم وأخبرنا الفضل
ابن عبيد الله قال أخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا محمد بن عاصم
قال سمعت سفيان بن عيينة يقول عن عاصم بن أبي النجود عن زر
ابن حبيش قال اتيت صفوان بن عسال المرادي فقال لي ما جاء بك
قلت جئت ابتغاء العلم قال فان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم
رضى بما يطلب قلت حاك في صدري أو في نفسي المسح على الخفين بعد
الغائط والبول وكنت أمرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا قال نعم
كان عليه الصلاة والسلام يأمرنا إذ كنا سفرا أو مسافرين ان لا ننزع
خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة ولكن من غائط أو بول أو
نوم للمسافر وللمقيم يوم وليلة (1) أخرجه الترمذي بتمامه عن محمد بن
يحيى بن أبي عمر وقال حسن صحيح والنسائي قصة المسح فقط عن قتيبة

(1) قد سبق لنا القول فيما يرتئيه ابن تيمية في ذلك عند ترجمة المنصفي.
205

وكذا ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن سفيان به فوقع
لنا بدلا لهم عاليا ولله الحمد.
* (البلقيني) * (1)
عمر بن رسلان بن نصير بن صالح - وهو أول من سكن بلقين من
أجداده - ابن أحمد بن أحمد بن محمد بن شهاب بن عبد الحق أو الخالق بن
محمد بن مسافر الكناني العسقلاني الشافعي امام الأئمة وعلم الأمة حاز
كل الفخر وهو أعجوبة الدهر خاتمة المجتهدين ومن دان لفظه كل عالم
من أئمة الدين شيخ الوقت وحجته وامامه ونادرته فقيه الزمان بالاتفاق
وشيخ الاسلام على الاطلاق اعلم أهل عصره بجميع العلوم وأدراهم
بالمنطوق والمفهوم مفتي الأنام وملك العلماء الاعلام عون الاسلام
والمسلمين وحجة الله تعالى على خلقه أجمعين أبو حفص سراج الدين
مولده في ليلة الجمعة الثاني عشر من شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة
بغربي أرض مصر ببلقينة فنشأ بها وحفظ القرآن العظيم وله من العمر
سبع سنين وحفظ في الفقه المحرر وفي الأصول مختصر ابن الحاجب وفي
القراءات الشاطبية وفي النحو الكافية لابن مالك، وقدم مصر في سنة
سبع وثلاثين مع والده وله اثنتا عشرة سنة فعرض بها محفوظاته على
علماء الوقت فبهرهم بذكائه وسرعة ادراكه وعاد إلى بلده فلما كان في

(1) بضم الموحدة وسكون اللام وكسر القاف كما ذكره السخاوي وغيره
206

سنة ثمان وثلاثين رجع مع أبيه إلى القاهرة وقد ناهز الاحتلام
فاستوطنها وسكن الكاملية مدة وكان في أول قدومه طلب من ناظرها
بيتا فاعتل عليه ولم يعطه شيئا فقرئت قصيدة في مدح الناظر وهو
حاضر فلما انتهت قراءتها أعاد عليه السؤال في البيت مما أنعم له به
فقال له قد حفظت هذه القصيدة من المنشد في مرة وأطلب بيتا فلا
أجاب إليه! فقال الناظر له: ان كنت حفظتها أعطيتك البيت فسردها
في الحال فبادر له ببيت في الدور الثاني فوق باب الميضأة وأقام به مدة
ثم انتقل إلى بيته المعروف به بقرب الصهريج الذي بها وولي بها عند
القاضي عز الدين بن جماعة نقابة الحديث وواظب على حضور الدرس
بالقاهرة وأكب على الاشتغال في فنون العلم والفقه والأصول والفرائض
والنحو حتى فاق رفقاءه ثم أقبل على الحديث وحفظ متونه ورجاله.
فحاز من ذلك علما جما حتى أربى على أقرانه وصار احفظ أهل زمانه
لمذهب الشافعي رضي الله عنه فاشتهر بذلك، وطبقة شيوخه متوفرون
ولم تر العيون أحفظ منه خصوصا لأحاديث الاحكام والفقه، وطلب
الحديث فسمع منه الكثير غالبه بغير اعتناء من ذلك على أحمد بن
محمد بن عمر الحلبي آخر أصحاب الكمال الضرير وأبي الحسن بن السديد
ومحمد بن عالي وأحمد بن كشتغدي والخطيب أبي الفتح الميدومي والعلامة
شمس الدين محمد بن القماح وأبي إسحاق بن القطبي والأستاذ أبي حيان
وإسماعيل بن إبراهيم التفليسي وابن شاهد الجيش وشمس الدين بن
عدلان ونجم الدين الأسواني وزين الدين الكناني وأبي الحرم القلانسي
207

وشمس الدين الأصبهاني و عبد الرحمن بن يوسف المزي وأبي نعيم أحمد بن
عبيد الأسعردي وغازي وعيسى ابن الملك المغيث عمر بن العادل
أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن أيوب وأحمد بن عبد المؤمن الدمياطي
و عبد العزيز بن عبد القادر بن أبي الدر الربعي وغيرهم، وأجاز له من
دمشق عدة منهم الحافظان المزي والذهبي ومحمد بن محمد بن الحسن
ابن سلمة وأبو العباس أحمد بن علي الجزري ومحمد بن إسماعيل بن
إبراهيم ومحمد بن بصخان (1) وكان كثير البحث في وقت السماع
بحيث انه لم يخل وصفه في غالب الطباق بأنه كان كثير الحديث في
السماع وصار هذا له ديدنه حتى أن مجالس تسميعه لا تخلو من ذلك،
وتفقه وبرع وتفنن في علوم، حضر دروس شيخ الاسلام تقي الدين
السبكي في الفقه وبحث معه فيه وأخذ عن شيوخ عصره كالشيخ شمس
الدين بن عدلان ونجم الدين بن الأسواني والامام العلامة بهاء الدين
ابن عقيل وانتفع به كثيرا وتزوج بابنته وناب عنه في القضاء واختص

(1) وهو المقرئ المشهور الذي جرى بينه وبين الذهبي ما هو معروف حيث
ترجمه الذهبي بما لا يتفق ومقداره في العلم فلما اطلع ابن بصخان على ذلك كتب
على هامش الكتاب وعلى خلال أسطر الذهبي ما رد به عليه وأصبح خط الذهبي
بصورة لا يقرأ معها، فلما رآه الذهبي انزعج من ذلك وضرب على الترجمة بجملتها وكتب
في آخر ترجمته في معجمه: محوته من ديوان القراء. فكأن الذهبي بيده المحو
والاثبات وعنده أم الكتاب. وبصخان بالموحدة والصاد المهملة والخاء المعجمة
كما في الدرر الكامنة لابن حجر.
208

به، وقرأ في الأصول والمعقولات على الشيخ شمس الدين الأصبهاني
وأذن له بالإفتاء هو وجماعة غيره وأخذ النحو والتصريف والأدب
عن الأستاذ أبي حيان، وحج في سنة أربعين وزار المسجد الأقصى ثم
حج في سنة تسع وأربعين وتصدر للاقراء فقرأ عليه خلائق وانتفعوا
به حتى أن أكثر الفضلاء بالديار المصرية الآن من الفقهاء الشافعية
تلامذته وتلامذة تلامذته، وكان أول ما ولي من المناصب افتاء دار
العدل رفيقا للامام بهاء الدين السبكي في شهر ربيع الثاني سنة خمس
وستين ولما أنشئت الحجازية والبديرية درس بهما وكذا البدرية
الخروبية جعله صاحبها متصدرا بها فاستمر في جميع ذلك وولي تدريس
الخشابية المشهورة بزاوية الإمام الشافعي رضي الله عنه بجامع عمرو بن
العاص رضي الله عنه من مصر نحوا من ثلاثين سنة مع المنازعة فيها
فاستمرت معه، وتولى قضاء دمشق عوضا عن التاج السبكي فقدمها
على البريد بكرة نهار الاحد ثامن عشري شهر رجب سنة تسع وستين
فصلى بالناس الظهر بجامع بني أمية وتوجه منها إلى العادلية ومعه الناس
فلما كان صبح يوم الاثنين لبس الخلعة ومضى إلى جامع بني أمية فقرئ
تقليده بالمقصورة ورجع إلى العادلية فقضى فيها بين الناس وفي أول يوم
من شعبان درس وفي ثالثه يوم الجمعة خطب بجامع بني أمية وصلى إماما
الجمعة وفي سادسه يوم الاثنين حضر دار الحديث الأشرفية فتكلم في
عدة فنون بعبارة فصيحة بليغة كلاما مفيدا محررا كثيرا بصوت عال
عجيب وأسلوب غريب بحيث انه أبهر من معه من فضلاء المصريين
209

والشاميين مما سمعوا منه ومن وجودة ايراده وإصداره مع تودد وتأدب
حسن فلم ينازعه واحد منهم في منطوق ولا مفهوم وأقروا له بالتقدم
في العلوم، ودمشق إذ ذاك غاصة بالأئمة الفضلاء، واستمر على قضائها
إلى أن طلب إلى الديار المصرية فتوجه إليها في عامه يوم الاثنين التاسع
من ذي القعدة ومعه جمع ممن شنع على التاج السبكي ليحاققوه عند
السلطان ثم كر راجعا إلى دمشق فقدمها في أول يوم من صفر سنة
سبعين، وقدم التاج السبكي وقد تولى خطابة الجامع وعدة تداريس
فأنف البلقيني من ذلك وتوجه في عاشر الشهر على البريد إلى القاهرة
فصرف عن قضاء دمشق في سابع عشر ربيع الثاني بالتاج السبكي
وتولى بجامع ابن طولون تدريس المالكية والتفسير وكذا المدرسة
الظاهرية البرقوقية لما فتحت وغير ذلك فلما كان في شعبان سنة ثلاث
وسبعين تولى قضاء العساكر بحكم وفاة البهاء السبكي ثم تركه لولده
بدر الدين محمد في شعبان سنة تسع وسبعين وذلك أن الأمير طشتمر
الدوادار عينه لولاية القضاء بالديار المصرية بعد قتل الملك الأشرف
شعبان ولم يبق الا ان يلبس فبذل بدر الدين بن أبي البقاء مالا وتولى فانف
البلقيني من الجلوس تحته لحداثة سنه واقبل على الافتاء والتدريس
وعمل الميعاد فعظم عند الخاصة والعامة بذلك قدره وبعد صيته وانتشر
في الآفاق ذكره بحيث ان السلطان لم يكن يعقد مجلسا الا به ويقتدي
برأيه وإشارته ودارت عليه الفتوى بحيث انها كانت تأتيه من أقطار
الأرض البعيدة وكان موفقا فيها يجلس للكتابة عليها من بعد صلاة
210

العصر إلى الغروب من رأس القلم (1) غالبا إلى أن صار يضرب به المثل
في العلم ولا تركن النفس الا إلى فتواه وكان لا يأنف من تأخير الفتوى
عنده إذا أشكل عليه منها شئ إلى أن يحقق أمرها من مراجعة الكتب
لئلا يلام في الفتوى بأن قيل يغير رأيه عما يفتى به (2) وما ذاك الا لسعة
علمه، رحل إليه الطلبة من الآفاق الشاسعة للقراءة عليه فانتفعوا به
وتخرج به خلائق لا يحصون وخضع له الأئمة من المفسرين والمحدثين
والفقهاء والأصوليين والنحويين وتلمذوا له لما بدا لهم من كثرة محفوظه
لا سيما لنصوص الشافعي رضي الله عنه والمعرفة التامة بهذه العلوم مع

(1) يعني من حفظه بلا احتياج إلى مراجعة كتاب.
(2) لان الفقيه عليه التروي وبذل الجهد في فتاويه ليصيب الحق في المسائل
وان كان لا يلام برجوعه عن فتواه إذا تغير رأيه لأدلة جديدة لاحت له بل الرجوع
هو الواجب عليه حينئذ، وقد قال الامام الحافظ القدوة أبو عبد الرحمن عبد الله
ابن داود الهمداني الخرنبي المتوفى سنة 213: (انما يرجع الفقيه إذا اتسع علمه)
حين قيل له: رجع أبو حنيفة عن مسائل كثيرة. على ما رواه الذهبي في ترجمته
من طبقاته. وجهل عظيم تسافه بعض الرواة عليه في مسألة رجع عنها كما يحكيه
ابن قتيبة في أوائل كتابه (تأويل مختلف الحديث). وهذا مالك قد رجع عن
نحو سبعين من نصوص الموطأ، ولابن حزم تأليف خاص في ذلك، واختلاف
الروايات عن الشافعي بين رواة القديم والجديد أشهر من نار على علم، بل عن
أحمد عدة روايات في مسألة واحدة من غالب مسائل أبواب الفقه كما يظهر من كتاب
(الرعاية) للنجم الحراني في المذهب الحنبلي.
211

الذهن السليم والذكاء الذي على كبر السن لا يريم ولولا أن نوع الانسان
مجبول على النسيان لكان معدوما فيه فلم يكن في الحفظ وقلة النسيان
من يماثله بل ولا من يدانيه بحيث انه لم يمت حتى كان قصارى الماهر في
العلم ان ينسب نفسه إليه ويتبجح بالقراءة عليه وكان عظيم القراء وعين
أهل الاسلام وعالمهم وإمامهم ومعلمهم ويعولون عليه في كل المهمات
الدينية ولا يستغنون عنه في الأمور الدنيوية يفزع إليه في حل المشكلات
فيحلها ويقصد لكشف المعضلات فيكشفها ولا يمهلها، كان الشيخ بهاء
الدين بن عقيل يقول أحق الناس بالفتيا في زمانه وقد كتب له الأستاذ
أبو حيان وله من العمر دون العشرين: قرأ علي الشيخ الفقيه العالم المفنن
سراج الدين عمر البلقيني جمع الكافية في النحو قراءة بحث وتفهم وتنبيه
على ما أغفله الناظم فكان يبادر إلى حل ما قرأه علي من مشكل وغيره
فصار بذلك إماما ينتفع به في هذا الفن العربي مع ما منحه الله تعالى من
علمه بالشريعة المحمدية بحيث نال في الفقه وأصوله الرتبة العليا وتأهل
للتدريس والقضاء والفتيا على مذهب ابن إدريس رضي الله عنه، وقال
شيخنا الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي: كان فيه من قوة
الحافظة وشدة الذكاء ما لم يشاهد في مثله، أخبرني في رحلتي الأولى إلى
القاهرة بمدرسته انه لما قدم شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي نزل في
قصر بشتك فدعاه شخص إلى الجيزة وحضرت معه في جماعة من علماء
212

القاهرة منهم بدر الدين الزركشي، وابن العنبري والطنبذي (1) فلما
صلينا العشاء قال لي شرف الدين بن قاضي الجبل يا سراج الدين أينا
أحفظ أنا أم أنت فقلت له سبحان الله أنتم كذا وكذا - أتواضع له -
فقال استحضر أنا وأنت فقلت له ان انا استحضرت شيئا يعني حديثا
تذكر له طرقه وكذا بالعكس لكن أذكر أنت على حدة وأنا كذلك
فقال ابن قاضي الجبل أذكر أنت فأخذت أذكر أحاديث معللة من أول
أبواب الفقه ولازلت أذكر إلى أن طلع الفجر وقد وصلت إلى كتاب
النكاح فقام ابن قاضي الجبل وقبل بين عيني وقال يا سراج الدين ما رأيت
بعد الشيخ - يعني شيخ الاسلام تقي الدين بن تيمية - أحفظ منك (2)
وقال شيخنا الحافظ برهان الدين الحلبي أيضا: ذكر لي يوما انه كان يحفظ
صفحة من المحرر في الفقه للرافعي وهو كتابه من وقت ابتداء فلان
الأعمى لشخص سماه بصلاة العصر إلى فراغه منها قال وكانت صلاة
خفيفة لم يكن يطول فيها، وقال أيضا لما كنا نسمع عليه بالقاهرة سنن
الدارقطني أو سنن ابن ماجة - الشك مني - سألني شخص بحضوره
عن حديث مر في القراءة أهذا صحيح أم لا فقلت للقارئ أذكر
السند فذكره فإذا فيه عطية العوفي فقلت له اتفقوا على تضعيف هذا

(1) بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة نسبة إلى طنبذا
قرية بمصر. شذرات الذهب.
(2) وكان ابن قاضي الجبل ممن يتذرع بكل وسيلة إلى اطراء شيخه.
213

فقال الشيخ ليس كذلك فذكرت أنا قول الذهبي فيه فقال الشيخ قد
حسن له الترمذي حديثا فقلت له أين فقال بعد (1) في حديث يا علي
لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ثم قام من المجلس
فجاء بمختصر المنذري لسنن أبي داود فكشف منه شيئا ثم قال انا احفظ
هذا الكتاب ثم قال هو دبوس شافي، وحكى ولده قاضي القضاة
جلال الدين ان والده كان يلقي الحاوي دروسا في أيام يسيرة من أعجبها
أنه ألقاه في ثمانية أيام، وذكر بعض فضلاء الشام عنه انه قال إذا كان
اخذ يدرس بالقاهرة أبقى ثلاث ليال وأربع ليال ما أنام أطالع على
المكان الذي يدرس فيه انتهى وكان رحمه الله تعالى واسع العلم بحرا
لا يجاري ولا تكدره الدلاء وحافظا لا يكاد يفوته من علوم البشر الا
ما لا خير فيه، دينا خيرا وقورا حليما مهابا سريع البادرة قريب الرجوع
كثير التلطف سريع البكاء في الميعاد مع الخشوع لا يفتر عن الاشتغال
والاشغال وكان يسرد مناسبة أبواب الفقه في قريب الكراس ويطرز
ذلك بشواهد وفوائد بحيث ان سامعه يقضي انه مستحضر فروع
المذهب جميعا، اجتهد في آخر عمره واختار مسائل فانفرد بعلوم شتى
ودارت عليه الفتوى وكانت العلماء في جميع الأقطار يعترفون له بالعلم
والحفظ مع كثرة الاستحضار وانه طبقة وحده يفوق جميع العلماء
الكائنين في زمانه بل إن بعضهم يفضله على بعض من تقدمه من الشافعية

(1) هكذا بياض في الأصل.
214

وقد وصفه بالتفرد قديما محمد بن عبد الرحمن العثماني قاضي صفد في طبقاته
فقال: هو شيخ الوقت وامامه وحجته انتهت إليه مشيخة الفقه في
وقته وعلمه كالبحر الزاخر ولسانه أحجم الأوائل والأواخر. وقد
مات العثماني قبله بمدة أعوام، ومع سعة علمه لم يرزق ملكة في التأليف (1)
قال شيخنا الحافظ برهان الدين الحلبي: اجتمعت به في رحلتي الأولى
إلى القاهرة في سنة ثمانين فرأيته إماما لا يجارى أكثر الناس استحضارا
لكل ما يلقي من العلوم وقد حضرت عنده عدة دروس مع جماعة من
أرباب المذاهب الأربعة فيتكلم على الحديث الواحد من بعد طلوع
الشمس وربما أذن الظهر في الغالب وهو لم يفرغ من الكلام عليه ويفيد

(1) قال ابن حجر في المجمع المؤسس: والذي وجدناه له ترتيب كتاب الام
وليس فيه كبير أمر ولا تعب عليه لأنه لم يرد الفروع التي يذكرها الشافعي
استطرادا في غير مظانها إلى مظانها بل اقتصر على ترتيب الأبواب وكتب الام
المفرقة فردها إلى الترتيب المعهود وتكلم على بعض الأحاديث من المعرفة للبيهقي،
وهذا كله لا يتعب فيه آحاد الطلبة لو عمله فضلا عنه و (محاسن الاصلاح وتضمين
علوم الحديث لابن الصلاح) اختصر كتاب ابن صلاح وزاد فيه أشياء من اصلاح
ابن الصلاح لمغلطاي فنبه على بعض أوهام مغلطاي وقلده في بعضها وزاد فيه بعض
مباحث أصولية وليس هو على قدر رتبته في العلم لكثرة الأوهام التي كتبها من كتاب
مغلطاي ان كان كتبها منه فان لم يكن كتبها منه وتوارد معه فقد لصق به الوهم
على الحالين ورتبته تجل عن ذلك اه‍. وقال قبل ذلك: وكان مع سعة علمه لم يرزق
حسن ملكة في التصنيف.
215

فوائد جليلة لأرباب كل مذهب خصوصا المالكية وكان بعض فضلائهم
يقرأ عليه في مختصر مسلم للقرطبي وممن كان يحضر عنده الامام نور الدين
ابن الجلال وكان أفقه أهل القاهرة يومئذ في مذهب مالك وكان
يستفيد منه وكذا جمع سواه من أرباب المذاهب الأربعة واستفدت
منه فوائد جمة في التفسير والحديث والفقه والأصول وعلقت من
فوائده أشياء وهو أجل من أخذت عنه العلم وسمعت عليه الحديث
وكان بي حفيا انتهى حدث بالكثير من مروياته، والذي وجد من
مؤلفاته: قطعة على البخاري بلغ فيها إلى أثناء كتاب الايمان (1) أطال
النفس فيه جدا جاء في مجلد فلو قدر اكماله لبلغ مائتي مجلد لكنه لا يسلم
من تكرير وشرحان على الترمذي أحدهما صناعة والآخر فقه و (ترتيب
كتاب الام) وليس فيه كبير أمر لم يتعب عليه و (محاسن الاصلاح
وتضمين علوم الحديث لابن الصلاح) وليس هو على قدر رتبته في
العلم و (الفوائد المحضة على الرافعي والروضة) كتب منه كثيرا ولم يوجد
منه متواليا غير مجلدين وتصحيح على الربع الأخير من المنهاج في
خمس مجلدات توسع فيه جدا وأطال النفس وكان من حقه ان يكون
شرحا فلما فرغ منه شرع في الربع الثالث وكتب عليه مجلدا واحدا

(1) ومن ظن أن له شرحا تاما على البخاري فقد وهم، قال السخاوي ولم يكمل
من مصنفاته الا القليل لأنه كان يشرع في الشئ فلسعة علمه يطول عليه الامر حتى أنه
كتب من شرح البخاري على النحو عشرين حديثا مجلدين اه‍.
216

واختصر اللباب للمحاملي بلغ فيه إلى النفقات وزاد عليه استدراك
ضوابط وتصحيح مسائل فجاء الربع الثاني منه قدر الأول مرتين ولو
كمل الثالث لكان قدر الأولين، وله تصانيف عدة لطاف نحو من عشرين
منها (فتح الله تعالى بما لديه في بيان المدعي والمدعى عليه) و (الفتح
الموهب في الحكم بالصحة والموجب) و (اظهار المستند في تعدد الجمعة
في البلد) و (طي العبير لنشر الضمير) و (الجواب الوجيه في تزويج
الوصي السفيه) و (التدريب) وله حواش على الروضة جمعها شيخنا الحافظ
ولي الدين العراقي في مجلدين و (الأجوبة المرضية على المسائل المكية)
سأله عنها شيخنا الحافظ أبو حامد بن ظهيرة، وكان رحمه الله تعالى يتعانى
نظم الشعر ولم يكن بذلك الناهض لقلة وزنه وركاكته وكان ينشده
في مواعيده وكان من اللائق به الاعراض عنه صيانة لمجلسه منه وان
ينسب إليه، وله همة عالية في مساعدة أتباعه وأصحابه وسعد بسعادته
جماعة من أقاربه، وأنجب أولاده البدر ثم الجلال ثم العلم وانتشرت ذريته
ومات رحمة الله عليه قبل صلاة العصر بنحو ثلثي ساعة من نهار الجمعة
العاشر من ذي القعدة الحرام سنة خمس وثمانمائة بالقاهرة ولم يخلف
بعده مثله.
وفيها مات بمكة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عثمان الخليلي
المقدسي المقري في صفر، وبدمشق التقي أحمد بن محمد بن عيسى بن
217

حسن الياسوفي الدمشقي المعروف بالثوم (1) وبالقاهرة القاضي تاج الدين
أبو البقاء بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري المالكي في جمادى
الآخرة، وببلد الخليل قاضيه سعد الدين سعد بن إسماعيل بن يوسف
النووي الشافعي الدمشقي في جمادى الأولى، وبدمشق الشيخ سلمان
ابن عبد الحميد بن محمد بن مبارك البغدادي الدمشقي الحنبلي، وبمكة
السيد الشريف وجيه الدين عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله
محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي المالكي في ذي القعدة،
وبدمشق التقي عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر الحرستاني
الصالحي المؤذن، وبمكة الشيخ تاج الدين عبد الوهاب ابن الشيخ
عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي في يوم الاحد رابع شهر رجب ومولده
في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وبدمشق المسندة أم عمر كلثوم ابنة
الحافظ تقي الدين محمد بن رافع بن أبي محمد السلامي المصري الدمشقي،
وقاضي الحنابلة بها شمس الدين محمد بن محمد بن محمود الصالحي الحنبلي،
وبمكة الشيخ غياث الدين محمد بن إسحاق بن أحمد الأبرقوهي الشيرازي
في يوم الاثنين تاسع عشري جمادى الأولى ومولده في خمس وعشرين
وسبعمائة، وبدمشق قاضيها علم الدين محمد ابن القاضي شمس الدين محمد
عرف بابن القصبي الدمشقي المالكي في المحرم، وبالإسكندرية الشيخ
شمس الدين محمد بن يوسف الإسكندري المالكي، وبالقاهرة الأديب

(1) بضم المثلثة كما في شذرات الذهب.
218

نور الدين محمود بن محمد بن إبراهيم الدمشقي عرف بابن هلال الدولة،
وبمصر رحلتها ومسندتها أم عيسى مريم ابنة الامام شهاب الدين احمد ابن
قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي الحنفي في جمادى الأولى
ولها خمس وثمانون سنة تقريبا، وبالقاهرة الشيخ نور الدين أبو بكر
الحنفي عرف بالتاجر.
أخبرنا فقيه الحجاز وحافظه الحاكم أبو أحمد بن أبي عمر القرشي قال
أخبرنا عمر بن رسلان الشافعي شيخ الاسلام بقراءتي عليه بالقاهرة قال
أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن علي بن سنان قراءة عليه وأنا اسمع ح
وقرأت عليا بدرجة على الامام أبي اليمن محمد بن أحمد الطبري قلت له
أنبأك عدة منهم أبو الطاهر إسماعيل بن إبراهيم بن أبي بكر التفليسي
قالوا وابن سنان أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي
سماعا عليه قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري
قال أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القرشي المديني قال أخبرنا أبو
الحسن محمد بن الحسين بن الطفال (1) قال أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد
الله بن زكريا قال حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي
الحافظ قال أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان هو ابن عيينة قال
حدثنا الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي

(1) بفتح الطاء المهملة وتشديد الفاء نسبة إلى بيع الطفال نيسابوري الأصل
سكن مصر شيخ ثقة مكثر صدوق مقري ذكره ابن السمعاني في الأنساب.
219

صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب
المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الأول فالأول فإذا
فرغ الامام طويت الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة
كالمهدي بدنة والذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي كبشا) ثم
ذكر الدجاجة والبيضة كذا في هذه الرواية (فإذا فرغ الامام)،
الصواب ما ورد في غيرها وهو (فإذا جلس الامام) وفي بعضها (فإذا
خرج الامام) يعني من بيته إلى المسجد أو الجامع، والحديث صحيح
أخرجه مسلم عن عمرو الناقد ويحيى بن يحيى وابن ماجة عن سهل بن أبي
سهل وهشام بن عمار أربعتهم عن سفيان بن عيينة بن فوقع لنا بدلا
لهما عاليا ولله الحمد والمنة.
* (العراقي) *
عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم
الكردي الرازياني ثم المصري الشافعي الامام الأوحد العلامة الحجة
الحبر الناقد عمدة الأنام حافظ الاسلام فريد دهره ووحيد عصره من
فاق بالحفظ والاتقان في زمانه وشهد له بالتفرد في فنه أئمة عصره وأوانه
زين الدين أبو الفضل قدم أبوه من بلده رازيان من عمل إربل إلى
القاهرة صغيرا فنشأ بها وخدم عدة من الفقراء منهم الشيخ تقي الدين
القنائي وكان مختصا بخدمته فشاهد منه كرامات جمة ومكاشفات عدة
منها انه لما تأهل وحملت زوجته ربما كانت تشتهي الشئ فتستحي من
220

ذكره له فكان الشيخ تقي الدين يأمره به فيأتي به إليه فيتناول منه
القليل ثم يرسل به إليها فلما جاءها المخاض واشتد بها الطلق جاءه يسأله
الدعاء وإقامة خاطره معها فقال لا بأس عليها تلد عبد الرحيم أو ولدت
عبد الرحيم فكر إليها راجعا فوجدتها قد تخلصت ووضعته وكان ذلك
في اليوم الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وعشرين
وسبعمائة بين مصر والقاهرة بمنشأة المهراني على شاطئ النيل المبارك
وكان يحضر إلى الشيخ تقي الدين فيلاطفه ويبره ويكرمه فتوفي والده
وهو في الثالثة من عمره وكان كثير الكون بعد ذلك عند الشيخ
وكان يتوقع أن يكون حضر عليه شيئا تبعا لبعض أهل الحديث
فإنهم كانوا يترددون إليه للسماع عليه لأنه كان سمع على أصحاب
السلفي لكنه لم يقف على شئ من ذلك وقصارى ما حضره قديما على
قاضي القضاة تقي الدين الأخنائي (1) المالكي والأمير سنجر الجاولي
وغيرهما في صغره قبل طلبه بنفسه سماعات نازلة وحفظ القرآن العظيم
وله من العمر ثماني سنين وأقدم ما وجد له من السماع في سنة سبع
وثلاثين وحفظ التنبيه واشتغل في العلوم وكان أول اشتغاله في القراءات
والعربية فأول من اخذ عنه ذلك جماعة منهم الشيخ ناصر الدين محمد
ابن سمعون والشيخ برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي والشهاب
أحمد بن يوسف السمين والسراج عمر بن محمد الدمنهوري وكان متشوقا

(1) بكسر نسبة لاخنا مقصورة بلدة بقرب إسكندرية من الغربية.
221

للاخذ عن الأستاذ أبي حيان والاجتماع به فبلغه عنه سوء خلق وحط على
الفقراء فغير عزمه عن ذلك غيرة للفقراء لصحبته إياهم وخدمته لهم
فحصل له بذلك العناية التامة وانهمك في علم القراءات حتى نهاه عن
ذلك قاضي القضاة عز الدين بن جماعة فقال له: انه علم كثير التعب
قليل الجدوى وأنت متوقد الذهن فينبغي صرف الهمة إلى غيره
وأشار عليه بالاشتغال في علم الحديث فأقبل حينئذ عليه وطلب بنفسه
وذلك في سنة اثنتين وأربعين، وكان أول من قرأ عليه الشهاب أحمد بن
البابا ثم أخذ علم الحديث عن علاء الشيخ الدين بن التركماني الحنفي وبه تخرج
وانتفع فسمع عليه وعلى ابن شاهد الجيش صحيح البخاري وعلى ابن
عبد الهادي صحيح مسلم وعلى أبي الفتح الميدومي جملة وهو أعلى من
أخذ عنه مع أنه كان يمكنه ان يسمع من عدة من أصحاب النجيب
ممن هو أكثر سماعا من الميدومي وأخذ عن جماعة من مشايخ مصر
والقاهرة كمحمد بن علي القطرواني ومحمد بن إسماعيل ابن الملوك وابن
الأكرم محمد بن عبد الله بن أبي البركات النعماني وابني الرفعة وعلي بن
أحمد بن عبد المحسن ومحمد بن أبي القاسم الفارقي ومظفر العطار وأحمد بن
محمد الرصدي والقاضي فخر الدين بن مسكين وأبي الحرم القلانسي وأبى
الحسن العرضي (1) ومحمد بن أحمد بن أبي الربيع الدلاصي (2) وأبو القاسم

(1) نسبة إلى عرض بضم العين المهملة وسكون الراء قرية من قرى بالس.
الضوء اللامع
(2) نسبة إلى دلاص بالفتح بلدة بمصر. معجم البلدان
222

أخو الحافظ أبي الفتح اليعمري وجمع من أصحاب الفخر بن البخاري
ونحوهم، ورحل فسمع بعدة بلاد من ذلك بدمشق عن عدة من لقي بها
أحمد بن عبد الرحمن المرداوي ومحمد بن إسماعيل الحموي وابن الخباز محمد
ابن إسماعيل قرأ عليه صحيح مسلم في ستة مجالس متوالية قرأ في آخر
مجلس منها أكثر من ثلث الكتاب وذلك بحضور الحافظ زين الدين بن
رجب وهو معارض بنسخته ومحمد بن موسى الشقراوي (1) وابن قيم
الضيائية عبد الله بن محمد بن إبراهيم المقدسي وأبي بكر بن عبد العزيز
ابن أحمد بن رمضان ومحمد بن محمد بن عبد الغني الحراني ويحيى بن عبد الله
ابن مروان الفارقي وحديثه عزيز وشيخ الاسلام تقي الدين السبكي
وأخذ عنه علم الحديث فذكره في درسه معظما له على شأنه ونوه بذكره
ووصفه بالمعرفة والاتقان والفهم فقال له الحافظ عماد الدين بن كثير انا
استبعد منه تخريج حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الوضوء
بالشمس (2) ومن تعظيمه له انه لما قدم القاهرة في سنة ست وخمسين

(1) نسبة إلى شقراء من ضياع زرع ذكره ابن رجب على ما في ذيل اللب.
(2) روى البيهقي في سننه من حديث خالد بن إسماعيل عن هشام عن أبيه عن
عائشة (سخنت ماء في الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء لا تفعلي
فإنه يورث البرص) قال ابن عدي خالد يضع الحديث على الثقات، قال الذهبي
تابع خالدا أبو البختري وهب بن وهب وهو غير مؤتمن، وعن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه موقوفا (لا تغتسلوا بالماء المشمس فإنه يورث البرص) أخرجه الشافعي
في الام من طريق إبراهيم بن يحيى عن صدقة بن عبد الله وإبراهيم ضعفه الجم
223

أراد أهل الحديث السماع عليه فامتنع من ذلك وقال لا اسمع الا
بحضوره وكان غائبا في الإسكندرية فمات قبل أن يصل ولم يحدثهم وفي
هذه الرحلة كتب عنه الحافظ عماد الدين بن كثير، وبحلب على الامام
جمال الدين إبراهيم بن الشهاب محمود وسليمان بن إبراهيم بن المطوع
و عبد الله بن محمد بن المهندس وعدة وبحماة جماعة منهم قاضيها عبد الرحيم
ابن إبراهيم بن البارزي (1) و عبد الله بن داود بن سليمان السلمي
وبحمص من عمر بن أحمد بن عمر النقبي (؟) وغيره وبطرابلس من جمع
منهم عثمان الاعزازي (2) والعلامة صدر الدين محمد بن أبي بكر بن
عباس الخابوري وبصفد من عمر بن حمزة بن يونس وست الفقهاء ابنة

الغفير ووثقه الشافعي وصدقة ضعيف قال السيوطي وأخرجه الدارقطني من
طريق أخرى عن عمر حسنها المنذري وغيره وفي تخريج الشرح الكبير لابن
حجر: ولحديث عمر الموقوف هذا طريق أخرى رواه الدارقطني من حديث
إسماعيل بن عياش وساقه ثم قال وإسماعيل صدوق فيما يروي عن الشاميين ومع
ذلك لم ينفرد به بل تابعه عليه أبو المغيرة عن صفوان أخرجه ابن حبان في الثقات
في ترجمة حسان اه‍. وورد من حديث ابن عباس أخرجه قاضي المارستان في
مشيخته بسند منقطع واه، وحديث الماء المشمس مما ينفيه ابن تيمية نفيا باتا
ويمشي وراءه ابن كثير وفي (التعقب الحثيث لما ينفيه ابن تيمية من الحديث) ترى
مفصل ما أجملناه هنا.
(1) قال السخاوي: يقال انها نسبة لباب أبرز ببغداد وخفف لكثرة دوره اه‍.
(2) بالمعجمتين من اعمال حلب معروف.
224

أحمد بن محمد العباسي وغيرهما وببعلبك من خلق منهم أحمد بن
عبد الكريم بن أبي بكر وعبد القادر بن علي بن السبع وأحمد بن علي
ابن الحسن بن عمرون وبنابلس من إبراهيم بن عبد الله بن أحمد الزيباوي
ومحمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة وغيرهما وببيت
المقدس من جماعة منهم طاهر بن أحمد وقاسم بن سليمان الأذرعي وإبراهيم
الزيباوي أيضا والحافظ صلاح الدين العلائي فانتفع به ولازمه وأخذ
عنه علم الحديث فنوه بذكره وعظم شأنه ووصفه بالفهم والمعرفة
والاتقان والحفظ وبالخليل من القيمري خليل بن عيسى المقري وغيره
وبغزة من جماعة منهم محمد وسليمان ابنا سالم بن عبد الناصر وبالإسكندرية
من محمد بن محمد بن أبي الليث وابن البوري (1) محمد بن أحمد بن عبد الله
وعدة وبمكة المشرفة من الامام خليل المالكي والفقيه أحمد بن قاسم بن
عبد الرحمن الحرازي والشهاب الحنفي أحمد بن علي بن يوسف وغيرهم
وبالمدينة الشريفة من العفيف المطري عبد الله بن محمد بن أحمد وجماعة
وهم بالرحلة إلى تونس لسماع الموطأ رواية يحيى بن يحيى على روايته بعلو
خطيب الزيتونة بها فلم يتفق له ذلك، وقد خرج لنفسه أربعين بلدانية لم
تكمل بلغ بها ستة وثلاثين بلدا قرأ عليه العشرة الأول منها شيخنا
الحافظ أبو حامد بن ظهيرة في سنة أربع وسبعمائة (2) ومن وقت ان ارتحل
إلى الشام في سنة أربع وخمسين مكث مدة لا تخلو له سنة في الغالب

(1) نسبة إلى بورة بالضم قرية من عمل دمياط. (2) هكذا في الأصل فليحرر.
225

من الرحلة في الحج أو طلب الحديث ففي سنة خمس وخمسين جاور مكة
في الرجبية وحج واجتمع بالعلائي أيضا ولازمه وفي سنة ست وخمسين
ارتحل إلى الإسكندرية وفي سنة ثمان وخمسين ارتحل إلى دمشق ثم
رحل إليها ثالثا في سنة تسع وخمسين وفي هذه النوبة جال في طلب
الحديث غالب البلاد التي بها الرواية حتى وصل إلى حلب وهم بالارتحال
منها إلى بغداد فعاقه عن ذلك خوف الطريق مع قلة الرواة هنالك وفي
سنة خمس وستين رحل بأولاده إلى الشام فأسمعهم بها وفي مدة اقامته
في وطنه لم يكن له هو سوى السماع والتصنيف والافادة فتوغل في
ذلك حتى أن غالب أوقاته أو جميعها لا يصرفها في غير الاشتغال في
العلوم وكان رحمه الله تعالى إماما مفننا حافظا ناقدا متقنا قرأ بالروايات
السبع وبرع بالحديث متنا وإسنادا وشارك في الفضائل وصار المشار
إليه في الديار المصرية بالحفظ والاتقان والمعرفة تفقه بعدة منهم الشيخ
عماد الدين محمد بن إسحاق البلبيسي والامام جمال الدين عبد الرحيم بن
الحسين الأسنوي وعنه أخذ علم الأصول وعن الشيخ شمس الدين
محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان وكان الأسنوي يستحسن كلامه
في ذلك ويصغي إلى مباحثه فيه ويقول إن ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ
وكان يثني على فهمه ويمدحه بذلك وذكره في ترجمة الحافظ أبي الفتح
ابن سيد الناس فقال: وشرح قطعة من الترمذي يعني ابن سيد الناس
في نحو مجلدين وقد شرع في اكماله حافظ الوقت زين الدين العراقي اكمالا
مناسبا لأصله انتهى وحضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن عدلان
226

شيخ الشافعية في زمانه وتميز في ذلك ووضع شيئا على الحاوي وكان قد
حفظ أكثره في اثني عشر يوما ثم مله فتركه وقيل إنه حفظ جميعه
في خمسة عشر يوما وحبب إليه هذا الفن فانهمك فيه وصرف أوقاته
إليه حتى غلب عليه وصار مشهورا به فتقدم فيه وانتهت إليه رياسته
في البلاد الاسلامية مع المعرفة والاتقان والحفظ بلا ريب ولا مرية
بحيث انه لم يكن له فيه نظير في عصره شهد له بالتفرد فيه عدة من
حفاظ عصره منهم السبكي والعلائي والعز بن جماعة وابن كثير والأسنائي
فكانوا يبالغون في الثناء عليه بالمعرفة وقد سبق كلام بعضهم وكان لديه
فنون من العلم منها القراءات والفقه وأصوله والنحو واللغة والغريب
وكان له ذكاء مفرط وسرعة حافظة حفظ من الالمام أربعمائة سطر في
يوم واحد، قال القاضي عز الدين بن جماعة كل من يدعي الحديث في
الديار المصرية سواه فهو مدع، وكان يراجعه فيما يهمه ويشكل عليه
ومصنفه في تخريج أحاديث الرافعي مشحون في حواشيه بخطه يسأل
من الشيخ عبد الرحيم عنه، وقال الحافظ تقي الدين بن رافع وهو
بمكة في سنة ثلاث وستين وقد مر به الشيخ عبد الرحيم: ما في
القاهرة محدث الا هذا والقاضي عز الدين بن جماعة فلما بلغه وفاة
القاضي عز الدين وهو بدمشق قال ما بقي الآن بالقاهرة محدث الا
الشيخ زين الدين العراقي وكان الشيخ جمال الدين الأسنائي يحث
الناس على الاشتغال عليه وعلى كتابة مؤلفاته وينقل عنه في
مصنفاته فمن ذلك أنه قال في كتابه (الهداية إلى أوهام الكفاية)
227

في كتاب الصداق عقيب كلام له: وسألت عنه صاحبنا الشيخ زين
الدين العراقي حافظ العصر، وقال ولده شيخنا الحافظ أبو زرعة انه
حكي له ان الامام جمال الدين بن هشام سأله عن شئ من علم الحديث
فقال له كأنه كذا ثم انه لقيه بعد ذلك فقال الذي سألتموني عنه هو
كما ذكرت لكم فقال له من حين قلت لي كأنه كذا تحققته، وحضر
بدرسه في ألفية الحديث من أولها إلى آخرها الامام شهاب الدين احمد
ابن النقيب بعد كتابته لها في شرحها له انه قال إن الحافظ أبا محمود
المقدسي سمع منه شيئا في سنة خمس وأربعين وولع بتخريج أحاديث
الاحياء وله من العمر قريب من العشرين سنة، وكان رحمه الله تعالى
صالحا خيرا دينا ورعا عفيفا صينا متواضعا حسن النادرة والفكاهة
منجمعا ذا أخلاق حسنة منور الشيبة جميل الصورة كثير الوقار قليل
الكلام الا في محل الضرورة فإنه يكثر الانتصار تاركا لما لا يعنيه
طارحا للتكلف شديد الاحتراز في الطهارة بحيث انه يناله بسببها
مشقة شديدة لا يصده عن ذلك مرض ولا غيره وكان لا يلبس الا
ما يتيقن طهارته بأن يطهره بيده أو يطهره له صاحبه شيخنا الحافظ أبو
الحسن الهيثمي لا يعتمد في ذلك أصلا على غيره وله في ذلك أحوال
عجيبة لا يخل في حضر ولا سفر ولا في صحة ولا مرض ولم يكن يخرجه
الاحتياط في ذلك إلى الوسوسة وكان رحمه الله تعالى شديد التواضع لا
يرى له على أحد فضلا كثير الحياء ليس بينه وبين أحد شحناء حليما واسع
الصدر طويل الروح لا يغضب الا لأمر عظيم ويزول في الحال ليس
228

عنده حقد ولا غش ولا حسد لأحد ولا يواجه أحد بما يكره ولو آذاه وعاداه
مع صدعه بالحق وقوة نفسه فيه لا يأخذه في الله لومة لائم، إذا قام في
أمر لا يرده عنه أحد ولا يقوم شئ دونه، لا يهاب سلطانا ولا أميرا في
قول الحق وان كان مرا، يتشدد في موضع الشدة ويلين في موضع اللين
وكان رحمه الله تعالى كثير التلاوة إذا ركب وافر الحرمة والمهابة نقي
العرض ماشيا على طريقة السلف الصالح من المواظبة على قيام الليل
وصيام الأيام البيض من كل شهر والست من شوال والجلوس في محله
بعد صلاة الصبح مع الصمت إلى أن ترتفع الشمس فيصلي الضحى
وعلى الاسماع والأقراء والتدريس والتصنيف، وكان رحمه الله تعالى
له وظائف من تدريس وتصدير وخطابة ومواعيد وغير ذلك بالقاهرة
وحج مرات وجاور بالحرمين الشريفين وولي القضاء والخطابة مع الإمامة
في المدينة الشريفة على الحال بها أفضل الصلاة والسلام وكان رحمه الله تعالى
ذو فضائل جمة من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والآداب ذو وضاءة
ظاهرة وشكالة حسنة كأن في وجهه مصباحا من رآه علم أنه رجل
صالح، له المؤلفات المفيدة المشهورة في علم الحديث والتخاريج الحسنة
من ذلك (اخبار الاحياء بأخبار الاحياء) في أربع مجلدات فرغ من
تسويده في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة قرأ عليه شيئا منه الحافظ
عماد الدين بن كثير وقد بيض منه نحوا من خمسة وأربعين كراسا
وصل فيها إلى أواخر الحج قرأ علي ذلك ابنه شيخنا الحافظ أبو زرعة
احمد وينتهي ذلك إلى قوله الحديث الثامن والعشرون وقال صلى الله
229

عليه وسلم (لم يصبر على شدتها ولأوائها أحد الا كتب له شفيعا يوم
القيامة) وبعد ذلك خمس ورقات من التبييض لم يقرأها ثم اختصره في
مجلد ضخم سماه (المغني عن حمل الاسفار في الاسفار في تخريج ما في
الاحياء من الاخبار) فاشتهر وكتب منه نسخ عديدة وسارت به
الركبان إلى الأندلس وغيرها من البلدان فبسبب ذلك تباطأ الشيخ
عن اكمال تبييض الأصل وشرع قبل ذلك في مصنف متوسط بين
المطول والمختصر فذكر فيه أشهر أحاديث الباب سماه (الكشف
المبين عن تخريج احياء علوم الدين) كتب منه شيئا يسيرا وحدث
ببعضه قرأه عليه شيخنا نور الدين الهيثمي و (تقريب الأسانيد
وترتيب المسانيد) في الاحكام ثم اختصره في نحو نصف حجمه وشرح
قطعة صالحة من الأصل في قريب من مجلد ثم أكمله ولده شيخنا الحافظ
أبو زرعة بعده والألفية المسماة بالتبصرة والتذكرة) في علم الحديث
وشرع في شرح مطول عليها كتب منه نحوا من ستة كراريس ثم
تركه وعمل عليها شرحا متوسطا شاع في أيدي الناس وذاع و (التقييد
والاصلاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح) و (النجم الوهاج
في نظم المنهاج) يعني في الأصول للبيضاوي الف بيت وثلاثمائة وسبع
وستين بيتا وله نكت عليه بين فيها حكمة مخالفته لعبارة المنهاج والتنبيه
على دقائق ذلك بلغ فيه إلى أثناء الباب الخامس في الناسخ والمنسوخ
وقد شرح هذا النظم كاملا ابنه شيخنا الحافظ ولي الدين ومنظومة في
غريب القرآن العزيز الف بيت و (الدرر السنية في نظم السير الزكية)
230

ألف بيت ونظم الاقتراح لابن دقيق العيد في أربعمائة وسبعة وعشرين
بيتا وشرح منه مواضع متفرقة ابنه شيخنا الحافظ أبو زرعة وذيل
على الميزان ثم لم يبيضه وذيل على ذيل العبر للذهبي من سنة إحدى
وأربعين إلى سنة ثلاث وستين وذيل عليه ابنه شيخنا الحافظ ولي الدين
و (الأحاديث المخرجة في الصحيحين التي تكلم فيها بضعف وانقطاع)
لم يبيضه لكونه ذهب من المسودة كراسان و (احياء القلب الميت
بدخول البيت) و (المورد الهني في المولد السني) و (محجة القرب إلى
محبة العرب) وكتاب في المرسل سماه (الانصاف) وهو من آخر ما
صنف قرأه عليه الحافظ شهاب الدين بن حجر و (قرة العين بوفاء الدين)
وهو آخر مؤلفاته حدث به مرارا و (الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين
في مكان واحد) و (ترجمة الأسنائي) و (تفضيل زمزم على كل ماء
قليل زمزم) ومسألة الشرب قائما والجواب عن سؤال يتضمن تاريخ
تحريم الربا (وفضل حراء) و (طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه)
و (الكلام على حديث التوسعة يوم عاشوراء (1) و (الكلام على صوم
ست من شوال) و (مسألة قص الشارب) و (أجوبة ابن العربي) و (الكلام
على حديث الموت كفارة لكل مسلم) و (الكلام على الأحاديث التي
تكلم فيها بالوضع وهي في مسند الإمام أحمد) و (الكلام على مسألة
السجود لترك القنوت) و (مشيخة القاضي ناصر الدين بن التونسي)

(1) رد به على ابن تيمية حيث ينفي ورود حديث في ذلك بتاتا.
231

و (ذيل مشيخة القاضي أبي الحرم القلانسي) تخريج ابن رافع و (أربعون
تساعية للميدومي) و (أربعون عشارية) لنفسه أملاها بالمدينة بين القبر
والمنبر وهي أول أماليه و (مشيخة لابن القاري عبد الرحمن) و (تخريج
أحاديث منهاج البيضاوي) و (أربعون بلدانية (انتخبها من صحيح ابن
حبان و (معجم مشتمل على تراجم جماعة من أهل القرن الثامن) غالبهم
شيوخ شيوخه وفيهم من شيوخه و (أربعون تساعية) و (عشرون
ثمانية) كلاهما من رواية البياني (1) و (الكلام على الحديث الوارد في
أقل الحيض وأكثره) و (ترتيب من له ذكر تخريج أو تعديل في بيان
الوهم والايهام) لابن القطان على حروف المعجم، وما لم يكمل (تكملة
شرح جامع الترمذي) لابن سيد الناس وهي من باب ما جاء ان الأرض
كلها مسجد الا المقبرة والحمام إلى قوله في أثناء كتاب البر والصلة
باب ما جاء في الستر على المسلمين ثلاثة عشر مجلدا خرج من ذلك إلى
أثناء الصيام قريبا من ست مجلدات قرأ عليه ابنه شيخنا الحافظ أبو
زرعة من ذلك بحثا وتدبرا بحضرة جماعة نحوا من خمس مجلدات
انتهاؤها في أثناء باب ما جاء في الصوم بالشهادة و (أطراف صحيح ابن
حبان) بلغ فيه إلى أول النوع الستين من القسم الثالث وكذا رجاله

(1) هو أبو محمد عبد الرحيم بن غنائم بن إسماعيل التدمري البياني.
232

سوى ما في التهذيب بلغ فيه نظير أطرافه و (رجال سنن الدارقطني) سوى
ترجمة ما في التهذيب بلغ فيه (1)
الكل مسودة و (أربعون بلدانية) لم تكمل بقي عليه منها أربعة
بلدان قرأها عليه الحافظ أبو حامد بن ظهيرة، وشرع في الاملاء من
سنة خمس وتسعين إلى أن مات فأملى أولا أشياء مفرقة ثم على الأربعين
للنواوي ثم على امالي الرافعي ثم شرع يملي من تخريج المستدرك
فكتب منه إلى أثناء كتاب الصلاة قريبا من مجلد ثلاثمائة مجلس
ومجلس واحد وذلك من أول السادس عشر بعد الماية إلى آخر السادس
عشر بعد الأربعماية لكن الثامن بعد الأربعمائة أملاه فيما يتعلق بغلاء السعر
وتغيير السكة وغير ذلك مما كان حدث وذلك في شهر ربيع الآخر
سنة خمس وثمانمائة والثالث عشر بعده أملاه فيما يتعلق بطول العمر
وختمه بقصيدة تزيد على عشرين بيتا منها قوله:
بلغت في ذا اليوم سن الهرم * تهدم العمر كسيل العرم
والرابع عشر والخامس عشر أملاهما من الأحاديث العشاريات
الستين التي خرجها له الحافظ أبو الفضل بن حجر من مسموعاته صلة
للأربعين التي خرجها هو لنفسه والسادس عشر فيما يتعلق بالاستسقاء
ختمه بقصيدة أولها:

(1) كذا في الأصل.
233

أقول لمن يشكو توقف نيلنا * سل الله يمدده بفضل وتأييد
(وآخرها)
وأنت فغفار الذنوب وستار العيوب * وكشاف الكروب إذا نودي
وفي أثناء ذلك استسقى به أهل الديار المصرية فصلى بهم وخطبهم بخطبة
بليغة ضمنها أحاديث المجلس المذكور وغيرها فرأوا البركة بعد
ذلك من تراجع الأشياء بعد اشتدادها ولم تطل حياته بعد ذلك، وقد
انتهت إليه رياسة الحديث ودرس بعدة أماكن وأفتى وحدث كثيرا
بالحرمين ومصر والشام وأفاد وتكلم على العلل والاسناد ومعاني المتون
وفقهها فأجاد وقصد من مشارق الأرض ومغاربها فرحل إليه للاخذ
عنه والسماع الجم الغفير الكبير منهم والصغير فلازموه وانتفعوا به
وكتب عنه جميع الأئمة من العلماء الاعلام والحفاظ ذوي الفضل
والانتقاد مع الدين والورع والصيانة والعفاف والتواضع والعبادة
والمروءة، ومحاسنه جمة، وتوفي تغمده الله برحمته في ليلة أو يوم الأربعاء
ثامن شعبان المكرم سنة ست وثمانمائة بالقاهرة المعزية.
وفيها مات بمكة مسند الدنيا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن صديق
ابن إبراهيم بن يوسف الدمشقي الصوفي المؤذن شهر بالرسام في
ليلة (1) سادس عشر شوال وله ست وثمانون سنة، وبصالحية

(1) كذا في الأصل بياض.
234

دمشق أبو العباس احمد ابن داود بن إبراهيم بن داود القطان في شهر
رجب، وبمصر المسند شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام
شهر بابن سكر (1) البكري الحنفي، وفي زبيد شيخ الصوفية بها
الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي، وبصالحية دمشق عبد الله بن
عثمان عرف بابن وبطابة الشيخ عبد الله بن المغربي المالكي
وشهر بالدكالي (2) المدرس بالمسجد النبوي، وبالقاهرة قاضي القضاة
الحنابلة نور الدين علي بن خليل عرف بالحكري المصري، وبمصر شمس
الدين أبو بدر الدين محمد بن حسين بن علي شهر بالفرسيسي المصري
الصوفي في شهر رجب وله سبع وثمانون سنة (3)، وأبو حيان محمد بن
فريد الدين حيان بن الأستاذ أبي حيان محمد بن يوسف، وبطيبة
السيد أبو الخير محمد بن الشريف عبد الرحمن بن أبي الخير الفاسي،
وبالقاهرة قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن شهر بابن
الصالحي المصري الشافعي في المحرم، وبمصر سعد الدين محمد بن محمد بن
محمد بن حسن المصري الصوفي، وبالقاهرة المحدث شرف الدين أبو
الفضل محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز عرف بالقدسي في شوال،

(1) بضم السين المهملة وفتح الكاف المشددة على ما في شذرات الذهب.
(2) نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب بفتح الدال المهملة والكاف المشددة وباللام
ذكره ابن العماد في الشذرات.
(3) سبق في ص 77 انه كتب إلى المؤلف سنة 7، يقول الأستاذ المسند السيد أحمد
رافع الطهطاوي: فلعل الكتابة منه للمؤلف كانت في سنة ست أو قبلها والله أعلم.
235

وبطرابلس شمس الدين محمد ابن الشيخ يوسف بن إبراهيم بن عبد الحميد
القدسي، وبالقاهرة أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطي الخزرجي المكي
نزيل مصر، وبعدن قاضيها رضى الدين أبو بكر بن محمد عرف
بالحبيشي العدني الشافعي معزولا عن القضاء.
كتب لنا حافظ الوقت زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن
الحسين بن عبد الرحمن المصري منها وسمعت على الامام أبي حامد
محمد بن عبد الله المخزومي بمكة قالا أنبأنا الحافظ العلامة أبو سعيد
خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي قال الأول مشافهة ان
لم يكن سماعا قال أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي بقراءتي قال أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن
ابن يوسف المزي قال أخبرنا محمد بن عبد الخالق بن محمد بن
طرخان قال أخبرنا الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي ح
وأذن لنا عاليا بثلاث درجات المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن محمد
ابن صديق عن المعمر أبي العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة ان
أبا الفضل جعفر بن علي أنبأه قالا أخبرنا الحافظ أبو طاهر احمد
ابن محمد بن أحمد السلفي قال جعفر أذنا قال أخبرنا الحافظ أبو
الغنائم محمد بن علي النرسي قال أخبرنا الحافظ أبو نصر علي بن هبة الله
بن ماكولاح وشافهنا عاليا عن هذا بدرجتين وعن الذي قبله بخمس
درجات الفقيه العلامة أبو بكر الحسين بن عمر المدني بالمسجد الحرام
236

عن أحمد بن إدريس بن محمد بن مزيز أن صفية ابنة عبد الوهاب بن علي
القرشي أذنت له عن أبي الفرج مسعود بن الحسين بن القاسم بن الفضل
الثقفي قال أنبأنا وقال ابن مأكولا حدثني الحافظ أبو بكر أحمد بن علي
ابن ثابت بن أحمد بن مهدي قال حدثني الحافظ أبو حازم العبدوي (1) قال
حدثنا أبو عمرو بن مطر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني (2) قال
حدثنا أبو الفضل بن زياد صاحب أحمد بن حنبل يعني قال حدثنا أحمد بن
حنبل قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا
علي بن المديني قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثنا أبي قال
حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة رضي
الله عنها قالت [كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذن
من رؤسهن حتى يكون كالوفرة]. وأذن لنا عاليا عن هذه الرواية
بأربع درجات وعن الأولى بتسع درجات الحافظ العلامة أبو الفضل
عبد الرحيم من مصر في كتابه وأبو بكر العثماني سماعا عليه بالمسجد
الحرام قالا أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد بن عبد

(1) بضم الدال وشدة الواو للمحدثين وبفتحها وخفة للنحاة على ما جاء في
المغني للشيخ محمد طاهر الفتني.
(2) بكسر الهاء والسين المهملة وسكون النون وفتح الجيم وفي آخرها النون
نسبة إلى قرية من قرى الري والمشهور بالانتساب إليها أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف
ابن خالد الهسنجاني الرازي المتوفى سنة إحدى وثلثمائة على ما ذكره ابن السمعاني
في الأنساب.
237

الهادي المقدسي قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي
قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن صدقة الحراني قال أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي (1) قال أخبرنا
أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي قال أخبرنا أبو أحمد
محمد بن عيسى بن محمد الجلودي (2) قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد
ابن سفيان النيسابوري ح وشافهنا بعلو درجة عن هذه وعن الطريق
الأولى بعشر درجات إبراهيم بن محمد عن أبي النون يونس بن عبد القوي
[عن ابن المقير عن محمد بن ناصر السلامي] ان أبا القاسم عبد الرحمن بن
[أبي عبد الله محمد بن منده] أنبأه عن الحافظ [أبي بكر محمد بن عبد الله
الجوزقي] ان أبا الحسن مكي بن عبدان النيسابوري أنبأه قالا حدثنا
أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري قال وحدثني عبد الله بن
معاذ العنبري قال حدثنا أبي قال حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن قال دخلت على عائشة وانا أخوها من الرضاعة
فسألتها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة فدعت باناء
قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر فأفرغت على رأسها ثلاثا قالت
رضي الله عنها (وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤسهن

(1) بضم الفاء وتخفيف الراء، وقد تكرر ذكر هذه النسبة في الذيول.
(2) بفتح الجيم نسبة إلى سقيفة الجلود عند باب أبي الربيع بالقيروان ذكره
المقريزي في المقفي على ما في ذيل اللب، وقيل نسبة إلى الجلود بصيغة الجمع لبيعها.
238

حتى يكون كالوفرة) حديث صحيح اتفق الشيخان عليه من حديث
شعبة بن الحجاج فرواه مسلم كما سقناه والبخاري عن عبد الله بن محمد عن
عبد الله بن عبد الصمد وأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الأعلى عن
خالد كلاهما عن شعبة فوقع لنا بدلا لهما في شيخي شيخيهما وموافقة
لمسلم في روايته الأولى وقد وقع لنا فيها مسلسلا بالأئمة الحافظ وفيه
لطيفة من رواية الاقران بعضهم عن بعض والله سبحانه وتعالى اعلم.
* (أبو الحسن الهيثمي) * (1)
علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح المصري
الشافعي الامام الأوحد الزاهد الحافظ نور الدين أبو الحسن ولد في شهر
رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة فلما كان قبيل الخمسين صحب الحافظ
أبا الفضل العراقي ولازمه أشد ملازمة إلى أن بلغ حمامه فخدمه وانتفع
به وصاهره على ابنته فرزق منها أولادا وحصل له بركته فسمع معه
غالب مسموعاته وكتب الكثير من مصنفاته وربما سمع الشيخ أحيانا
بقراءته، وأشار عليه بجمع ما في مسند الإمام أحمد من الأحاديث الزائدة
على الكتب الستة فأعانه بكتبه وأرشده إلى التصرف في ذلك فلما فرغ
من تسويده حرر له الشيخ وهو كبير الفائدة وسماه (غاية المقصد في
زوائد أحمد) ثم حبب إليه هذا التخريج فخرج (البحر الزخار في

(1) بفتح ومثلثة قاله السخاوي في أنساب الضوء اللامع.
239

زوائد البزار) و (المقصد الأعلى في زوائد أبي يعلى) الموصلي (ومجمع
البحرين في زوائد المعجمين) و (البدر المنير في زوائد المعجم الكبير)
ثم جمع الكل محذوف الاسناد مع الكلام عليها بالصحة والضعف في
مؤلف واحد وسماه (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) وله أيضا (موارد
الظمآن لزوائد ابن حبان) و (بغية الباحث عن زوائد الحارث) ورتب
ثقات ابن حبان ترتيبا جيدا على ما فيها من الخلل وثقات العجلي
والأحاديث المسندة في حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم فمات وهي
مسودة فبيض نحو ربعها الحافظ أبو الفضل بن حجر، وكان رحمة الله
تعالى عليه إماما عالما حافظا ورعا زاهدا متقشفا متواضعا خيرا هينا
لينا سالكا سليم الفطرة شديد الانكار للمنكر كثير الاحتمال محبا
للغرباء وأهل الدين والعلم والحديث كثير التودد إلى الناس مع العبادة
والاقتصاد والتعفف وكان رحمه الله تعالى من محاسن القاهرة ومن أهل
الخير، غالب أوقاته في اشتغال وكتابة كثير التلاوة بالليل والتهجد
وكان تغمده الله تعالى برحمته استحضاره كثيرا للمتون يجيب عنها بسرعة
فيعجب ذلك شيخنا الحافظ زين الدين العراقي وربما رجح في حفظ
المتون عليه، سمع بالقاهرة الخطيب أبا الفتح الميدومي ومحمد بن
إسماعيل بن الملوك وأحمد بن الرصدي و عبد الرحمن بن عبد الهادي
ومحمد بن عبد الله النعماني وجماعة، وارتحل إلى دمشق مصاحبا للحافظ
أبي الفضل العراقي فسمع بها أحمد بن عبد الرحمن المرداوي ومحمد بن
إسماعيل الخباز وعدة وسمع ببيت المقدس والإسكندرية، توفي رحمة
240

الله تعالى عليه في ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر رمضان المعظم
قدره سنة سبع وثمانمائة بالقاهرة ولم يخلف بعده مثله.
وفي هذه السنة مات بدمشق محيي الدين أبو اليسر أحمد بن التقي
عبد الله ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد الأنصاري الصالحي عرف بابن
الصائغ، والمحدث بدر الدين أبو حمزة أنس بن علاء الدين علي بن محمد
ابن أحمد بن سعيد الأنصاري الدمشقي في رجب، وبالقاهرة الرئيس
كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز المشهور بحده المصري،
ومسندها جمال الدين أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك عرف
بالحلاوي (1) الهندي في صفر عن تسع وسبعين سنة، والخطيب
جمال الدين عبد الله بن محمد بن برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن لاجين
شهر بالرشيدي المصري في رجب، وقاضي العسكر عبد الله الأردبيلي،
وقاضي حلب عبد الله النحريري المالكي، والمفتي شرف الدين عبد المنعم
البغدادي الحنبلي، والقاضي نور الدين علي ابن الشيخ سراج الدين عمر
ابن أبي الحسن علي بن أحمد الأنصاري، وعلي بن محمد بن وفا الشاذلي
الصوفي، وعيسى بن حجاج الشاعر، والضياء محمد بن الجمال محمد بن سالم
ابن علي بن إبراهيم الحضرمي المكي في شعبان، وناصر الدين محمد بن
صلاح الدين صالح بن السفاح الحلبي، وبصفد شمس الدين محمد بن

(1) بمهملة ولام خفيفة كما في الشذرات.
241

عبد الرحمن المشهور بالصيني (1) المدني الشافعي، وبالقاهرة العدل
المؤرخ ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن عرف بابن
الفرات (2) المصري الحنفي في ليلة عيد الفطر، وبمكة المشرفة المسند
أبو الطيب محمد بن عمر بن علي بن عمر السحولي (3) المكي في يوم التروية،
وبالقاهرة سراج الدين أبو الطيب محمد بن عز الدين أبي اليمن محمد بن
عبد اللطيف بن الكويك الربعي، وبدمشق القاضي شمس الدين محمد
ابن (4) شهر بابن عباس الغزي الشافعي.
أذن لنا الامام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن
سليمان الهيثمي المصري في كتابه منها والعلامة أبو الطاهر محمد بن
يعقوب اللغوي الشيرازي مشافهة وسمعت على العلامة الحاكم أبي حامد
محمد بن عبد الرحمن الأنصاري المدني ويعرف بالمطري قالوا أخبرنا أبو

(1) وفي الأصل غير منقوط فليحرر
(2) له تاريخ كبير يقال انه مائة مجلد بيض منها من الأواخر عشرين مجلدا،
وفي ضمن ما بيضه تاريخ المائة الثامنة والسابعة والسادسة، في الخزانة التيمورية العامرة
بمصر ثمانية عشر جزءا منه، وهو كثير النقل من زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة
للأمير بيبرس المنصوري لا البندقداري كما ظن ابن خلدون وهذا أيضا تاريخ
حافل في عشرين مجلدا كاد أن لا يوجد منه أجزاء متتابعة فيما نعلم من دور الكتب.
(3) ضبطه ابن العماد بضم المهملتين، وفي معجم البلدان: سحول بضم أوله
وآخره لام قبيلة من اليمن وقرية بها.
(4) بياض في الأصل.
242

عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز الأنصاري قال أبو حامد
أذنا زاد والأول فقالا والخطيب أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم
الميدومي البكري قال أبو حامد كتابة قال أخبرنا أبو الفرج عبد اللطيف
ابن عبد المنعم بن علي الحراني ح وقال ابن الخباز أخبرنا أبو العباس احمد
ابن عبد الدائم بن نعمة المقدسي حضورا قالا أخبرنا أبو الفرج عبد المنعم
ابن عبد الوهاب الحراني ببغداد قال أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن
محمد بن بيان قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد قال أخبرنا
إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا إسماعيل
ابن عباس عن محمد بن زياد الألهاني (1) عن أبي راشد الحبراني (2) قال
اتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له حدثنا بما سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى إلي صحيفة وقال هذا ما كتب لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا فيها ان أبا بكر الصديق
رضوان الله عليه قال يا رسول الله علمني ماذا أقول إذا أصبحت وإذا
أمسيت فقال عليه الصلاة والسلام) يا أبا بكر قل اللهم فاطر السماوات

(1) الألهاني بنون هو محمد بن زياد. على ما ذكره ابن خطيب الدهشة في
مشكل الأنساب، وهو بفتح الهمزة وسكون اللام وبنون إلى الالهان أخي همدان
كما في المغني للشيخ محمد طاهر الفتني.
(2) الحبراني بالحاء المهملة والباء المعجمة بواحدة، جماعة من أهل الشام منهم
أبو راشد الحبراني ذكره الحافظ عبد الغني الأزدي في مشتبه النسبة، والمهملة
مضمومة والموحدة ساكنة كما في التقريب، ونسبة إلى حبران بن عمرو كما في
المغني للشيخ محمد طاهر الفتني الهندي.
243

والأرض عالم الغيب والشهادة لا آله الا أنت رب كل شئ ومليكه
أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وان اقترف على
نفسي سوءا أو اجره إلى مسلم) أخرجه الترمذي في جامعه عن الحسن
ابن عرفة العبدي فوافقناه بعلو ولله الحمد والمنة.
* (طبقة أخرى صغرى) *
* (ابن الحسباني) * (1)
أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال الدمشقي الشافعي الامام
العلامة الحافظ شهاب الدين أبو العباس مولده في أواخر سنة تسع
وأربعين وسبعمائة بدمشق اشتغل وحصل وتفقه بجماعة منهم والده
وأجيز بالفتوى وبرع في علم العربية اخذه عن أبي العباس العناني وطلب
الحديث بنفسه فقرأ وسمع وكتب الكثير عن شيوخ بلده وغيرهم
وتقدم على أقرانه في عدة في فنون العلم وهو شاب مع الذكاء المفرط
والذهن الثاقب يستحضر كثيرا، سمع بدمشق من عدة من أصحاب
الفخر بن البخاري وغيرهم منهم ابن الهبل (2) وابن أميلة والصلاح بن

(1) بضم الحاء وسكون السين المهملتين وفتح الباء الموحدة ثم الف ونون
نسبة إلى حسبان قاعدة البلقاء بالشام ذكره أبو الفداء في تقويم البلدان.
(2) الحسن بن أحمد بن هلال الصرخدي ثم الصالحي المتوفى سنة 779
244

أبي عمر وأخذ عن الحافظين ابن كثير وابن رافع وبمصر من البهاء محمد
ابن أبي اليسر وجويرية ابنة الهكاري ولم يزل يسمع حتى سمع ممن هو
دون شيوخه ومسموعاته جمة لا تحصر لكن غاب عنه أكثرها، وكان
رحمه الله تعالى أحد الأئمة العلماء الأمجاد والحفاظ الجلة النقاد فقيه دمشق
ومفتيها وحافظها، درس قديما بالأمينية وولي درس الحديث بالأشرفية
وناب في الحكم مدة بدمشق ثم اشتغل بقضائها، دأب في التأليف
واجتهد في التصنيف خصوصا في التفسير وتكلم على الرجال بالتحرير
كتب الكثير وحدث باليسير وجمع من الكتب والأصول في مصره
ما لم يكن عند أحد من أهل عصره لكنها في الفتنة (1) بادت وكأنها
ما كانت، ذكره قاضي صفد محمد بن عبد الرحمن العثماني فيمن كان
بدمشق في العشر الثامن من القرن الثامن من أعيان الفقهاء الشافعية
فقال في حقه: شيخ دمشق وابن شيخها العلامة شهاب الدين له حلقة
بالجامع الأموي وغيره انتهى ومما ألفه (جامع التفاسير) أجاد في تهذيبه
وجمع فيه فأوعى و (شافي العي في تخريج أحاديث الرافعي) و (الدر
المنظوم في سيرة النبي المعصوم) و (طبقات الشافعية) و (ترتيب طبقات
القراء للذهبي) و (تعليق على الحاوي) و (شرح ألفية ابن مالك)، قال
الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن ناصر الدين: لم

(1) فتنة تيمور الطاغية لما استولى على الشام.
245

يكمل فيما أعلم تأليفا ولا رأيت له تصنيفا انتهى قلت لعل موجب ذلك
تلافها في الفتنة، سمع منه جمع من الأئمة الفضلاء والحفاظ النبلاء
وكتب لي بالإجازة وكان بعد الوقعة اللنكية العظمى قد فتر عن
الاشتغال وفتن بحب ولده تاج الدين فوقع في الادبار وصرف عن
الاقبال وألقاه في مهاوي المهالك حتى ضاقت عليه المسالك (1) إلى أن
مات بالصالحية في يوم الأربعاء العاشر من شهر ربيع الثاني سنة خمس
عشرة وثمانماية تغمده الله برحمته.
وفيها مات بالبيت المقدس الامام شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد
شهر بابن الهائم المصري في جمادى الثانية، وبزبيد فقيهها القاضي شهاب
الدين أحمد بن أبي بكر بن علي الناشري في المحرم، وبدمشق الملك؟
ابنة إبراهيم بن خليل بن محمود وعرف والدها بالشرايحي في شهر ربيع
الثاني، وبالقاهرة الجلال جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم بن
أبي المعالي الشيباني في أواخر ذي الحجة، وبعده بسبعة أيام ابنه جمال
الدين محمد، وبطابة المسندة أم محمد رقية ابنة يحيى بن العفيف عبد
السلام بن محمد بن مزروع في صفر ولها تسع وثمانون سنة، وبدمشق
المسند طنبغا بن عبد الله التركي، والمسندة أم على عائشة ابنة علي

(1) وينقل ابن العماد عن المقريزي ان المترجم ولي قضاء القضاة بدمشق
غير مرة فلم تحمد سيرته وكان لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشر
ويلج في مضايق الفتن حبا في الرياسة اه‍. والله أعلم.
246

ابن محمد بن عبد الغني بن منصور الذهبي في شهر رمضان، وجمال الدين
عبد الله بن محمد بن عثمان المصري الشافعي مقتولا، وبمكة الشيخ نور
الدين علي بن محمد بن أبي بكر الشيبي، وسراج الدين عمر الهندي الحنفي
ويعرف بالفافا (1) وزين الدين أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد ابن الحافظ
محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري في السادس عشر من شهر رمضان
المكرم وله سبع وسبعون سنة، وبدمشق بهاء الدين محمد بن أحمد امام
المشهد الشافعي، وبمكة الأديب جمال الدين محمد بن حسين بن عيسى
شهر بابن العليف (2) الحلوي (3) وبحلب قاضيها محب الدين أبو الوليد
محمد بن محمد الشهير بابن الشحنة الحنفي في شهر ربيع الآخر، وبمكة
شمس الدين محمد بن مسعود النحريري، وبدمشق شرف الدين محمود
ابن عمر بن محمود الأنطاكي النحوي في شعبان، وبشيراز ذو التصانيف
السائرة عالمها الشريف الجرجاني واسمه علي بن محمد بن علي وقيل علي
ابن علي بن حسين وعمره سبعة وسبعون سنة.
* (ابن حجي) *
أحمد بن حجي - بكسر الحاء المهملة والجيم الثقيلة - ابن موسى بن
أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن شرف بن تركي السعدي

(1) بفائين لقب بذلك لكثرة نطقه بالفاء على ما في الشذرات.
(2) بمهملة ولام وفاء مصغر علف على ما ذكره السخاوي في أبناء الضوء.
(3) بفتح المهملة وسكون اللام نسبة إلى حلو مدينة باليمن قاله ابن العماد.
247

الحسباني (1) الدمشقي الشافعي، يقال انه من عطية أبي محمد السعدي
الصحابي المشهور من بني سعد بن بكر نزل الشام وكان له أولاد بالبلقاء
وقد انتسب إليه فقال فيما وجد بخطه في ترجمة والده من معجمه بعد أن
ذكر نسبه إلى تركي فقال من ولد عطية أبي محمد السعدي ظنا انتهى
وهو الحافظ العلامة الامام حافظ الشام ومؤرخ الاسلام شهاب الدين
أبو العباس ولد في أوائل المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعماية وسمع على
محمد بن موسى بن سليمان الشيرجي وحسن بن الهبل ومحمد بن المحب عبد الله
ابن محمد المقدسي وأحمد بن محمد بن عمر شهر بزغنش (2) وعمر بن حسن
ابن أميلة ويوسف بن محمد بن محمد بن علي الصيرفي ومحمد بن عبد القاهر
ابن عبد الرحمن الشهرزوري والصلاح محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبي
عمر وقريبه أحمد بن النجم إسماعيل وزينب ابنة قاسم ومحمد بن عبد الله
الصفوي وابن السيوفي وابن النقي؟ وعثمان بن يوسف بن غدير والحافظ
تقي الدين بن رافع وعدة لا يحصون بطلبه واعتنائه، وأجاز له في سنة
تسع وخمسين باستدعاء ابن سند الحافظ خلائق منهم ابن الجوخي وابن
القيم وعمر بن عثمان بن سالم وإبراهيم بن محمد التونسي والحافظ أبو سعيد
العلائي والجمال بن نباتة والزيباوي وإسماعيل بن سنجر ومحمد بن محبوب

(1) بالضم وقد سبق ضبطه عن أبي الفداء والسخاوي.
(2) زغنش بضم الزاي وسكون المعجمة وضم النون والمعجمة هكذا ضبطه
في المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد، الشذرات.
248

والقاضي تقي الدين بن المجد وعبد القادر بن سبع ومحمود بن أبي بكر بن
محمد وباستدعائه أيضا في سنة إحدى وستين من مكة الشهاب أحمد بن
علي بن يوسف الحنبلي وأم الهدى عائشة ابنة الخطيب تقي الدين عبد الله
حفيدة المحب الطبري وطائفة سواهما وأجاز له أيضا فيما كتب بخطه من
أصحاب ابن البخاري حفيده وست العرب ابنة محمد ومحمد بن أبي بكر
الاعزازي ومحمد بن إبراهيم البياني لكن قال يحرر هذا وإسماعيل بن
محمد الأرموي، لازم والده شيخ البلاد الشامية نحوا من عشرين سنة
وتفقه به وبغيره من ذوي العلوم المرضية كالقاضي أبي البقاء السبكي
وابن قاضي شهبة محمد بن عمر وغيرهما من الأئمة فحصل فنونا من العلوم
جمة ومهر في علم الحديث والفقه وأفتى ودرس مع الصيانة والديانة، ولي
الخطابة بجامع بني أمية في دمشق وناب في القضاء ثم تركه ولزم بيته
فجمع نفسه للإفادة والاشتغال وعرض عليه القضاء فامتنع واشتهر
ذكره وبعد صيته وكان لهجا بعلم التاريخ والمواقيت، وقدم القاهرة
رسولا من المؤيد شيخ في سنة ثمان وثمانمائة، وبخط صاحبنا الحافظ
أبي الحرم الأقفهسي انه سمعه يقول: رأيت في النوم فعرفت انه
ميت فقلت له كيف أنت قال إني طيب بعد أن تبسم فقلت أيما أفضل
الاشتغال بالفقه أو الحديث قال الحديث بكثير، وله تآليف حسنة (1)

(1) منها كتاب (جمع المفترق) في فوائد من علوم متعددة و (الدارس في
أخبار المدارس) يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه وتراجم من درس بالمدرسة
249

مفيدة منها تاريخ من عاصرهم وتعليق على الألغاز للأسنوي، وكان
رحمه الله تعالى أحد مشايخ الحديث والفقه عديم المثل لطيف الشكل
مع الخلق الحسن والاحسان علامة الزمان وأحد أئمة هذا الشأن معرفة
واتقانا للوقائع وتراجم الرجال والدولة وتقلب الأحوال مع فتاويه
المحررة المهذبة، وحدث سمع منه عدة من الأئمة والطلبة، كتب لي
خطه بالإجازة، ومات رحمه الله تعالى في سادس المحرم سنة ست عشرة
وثمانمائة بدمشق المحروسة.
وفي هذه السنة مات بها برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن خضر

إلى آخر وقت وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير كما يقول ابن العماد،
واستمد من كتابه من أتى بعده ممن كتب في تاريخ المدارس اما ناسجا على منواله
في البسط كما فعله النعيمي واما مختصرا كالجمال بن عبد الهادي والعلموي، وكتب
ذيلا على تاريخ ابن كثير ذكر فيه حوادث الشهر ثم من توفى فيه وهو مفيد
جدا قال السخاوي: يبتدئ من سنة 741 وينتهي سنة 815، قال ابن قاضي شهبة:
كتب من سنة 741 ست سنين ثم بدأ من سنة 769 فكتب إلى قبيل وفاته بيسير
وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته وأخذت التاريخ المذكور
وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ وتراجم
أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير وبسطت الكلام في ذلك وجاء إلى آخر
سنة 840 في سبع مجلدات كبار ثم اختصرته في نحو نصفه. من الشذرات والضوء
وغيرهما.
250

الحنفي والشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد المشهور بابن زقاعة (1)
وقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني (2) والقاضي
أبو العباس احمد المشهور بابن السبتية، وبتعز الشيخ حسام الدين حسن
ابن علي الأبيوردي (3) في جمادي الثانية، وأم عبد الله عائشة ابنة
محمد بن عبد الهادي الصالحية ولها ثلاث وتسعون سنة، وبمكة الشيخ
عبد القوي بن محمد بن عبد القوي البجائي (4) المغربي، وبالقاهرة
الامام فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن أحمد البرماوي، وبدمشق القاضي
صدر الدين علي بن امين الدين محمد بن محمد عرف بابن الآدمي (5) الدمشقي
في رمضان، وبالقاهرة القاضي نور الدين علي القرافي، وشمس الدين محمد
ابن أحمد بن خليل الغراقي (6) - بالغين المعجمة - وبتعز قاضيها جمال الدين

(1) بضم الزاي وفتح القاف المشددة وألف وعين مهملة وهاء ترجمه أبو
المحاسن في المنهل الصافي وابن العماد في الشذرات.
(2) نسبة إلى باعون قرية صغيرة قرب عجلون. أنساب الضوء اللامع
(3) نسبة إلى أبيورد بفتح الهمزة والواو وسكون التحتية وكسر الباء وسكون
الراء بلدة بخراسان. شذرات الذهب.
(4) نسبة لبجاية بكسر أولها من المغرب. قاله السخاوي.
(5) كأنه لصنعة الأدم على ما في أنساب الضوء اللامع.
(6) قال السخاوي: نسبة لغراقة بمعجمة مفتوحة ثم راء مهملة مشددة بعدها
قاف قرية من القرى البحرية من الشرقية بمصر اه‍ ووهم ابن العماد حيث قال
بفتح المهملة.
251

محمد بن عمر المشهور بالعوادي (1) الشافعي، وبدمشق القاضي شمس الدين
محمد بن محمد الأخنائي في شهر رجب، والقاضي شرف الدين موسى بن
أحمد بن موسى الرمثاوي، وبطيبة قاضيها العلامة زين الدين أبو بكر بن
الحسين المراغي العثماني في مستهل ذي الحجة وله بضع وثمانون سنة، وبعدن
خطيبها رضي الدين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح شهر بابن
المستأذن العدني.
أنشدنا الحافظ أبو العباس أحمد بن حجي الحسباني في كتابه قال
أنشدنا الامام العالم البارع الأديب الأوحد أبو عبد الله محمد بن محمد
ابن عبد الكريم بن الموصلي الطرابلسي من لفظه لنفسه:
إن كان اثبات الصفات جميعها * من غير كيف موجبا لومي
وأصير تيميا بذلك عندكم * فالمسلمون جميعهم تيمي (2)

(1) بفتح المهملة وتخفيف الواو على ما في شذرات الذهب.
(2) قال ذلك حينما رموه بمسائل ابن تيمية التي انفرد بها لا سيما في الصفات
وابن تيمية لا يتحاشى عن التصريح بقيام أفعال حادثة بالله تعالى واثبات الجهة له
والحد وغير ذلك في (موافقة المعقول لصحيح المنقول) وغيره من كتبه وليس بين
فرق الاسلام فضلا عن أهل السنة من يرى هذا الرأي السخيف سوى هذه
الفئة الشاذة (النوابت الحشوية) فيقال في معارضته:
ان كان تنزيه الإله تجهما * فالمؤمنون جميعهم جهمي
جل الإله عن الحوادث أن تحلل * به وعن جهة وعن كم
بخلاف زعم زعيمكم سفها فان * تابعتموه فكلكم تيمي
252

* (ابن ظهيرة) *
محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن
مرزوق بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن حزام بن علي بن
راجح بن سليمان بن عبد الرحمن بن حرب بن إدريس بن جعفر بن
هاشم بن قاسم بن الوليد بن جندب بن عبد الله بن الحارث بن
عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
كذا نقلت هذا النسب من خط بعض أقاربه وذكر أنه نقله من خط
أخيه عمر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي الامام العلامة
الحافظ قاضي مكة وخطيبها وناظر حرمها وأوقافها والحسبة بها وشيخها
في الفتوى والتدريس وعليه بها دارت الفتوى على مذهب ابن إدريس
حافظ الحجاز وفقيهه وشيخ الاسلام به جمال الدين أبو حامد
مولده في ليلة عيد الفطر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بمكة المشرفة
فنشأ بها على عفة وصيانة ونزاهة وكان إماما علامة حافظا متقنا مفننا
ذا دين وعبادة وصلاح واشتغال وإفادة مع رفعة القدر والرتبة والسيادة
اشتغل في صغره وطلب بنفسه فحصل فنونا من العلم وقرأ بالروايات
السبع على التقي البغدادي وغيره وتفقه على فقهاء بلده كعمه العلامة
قاضي القضاة شهاب الدين احمد وشيخ الاسلام قاضي القضاة بمكة العلامة
كمال الدين أبي الفضل النويري وأجازه بالافتاء والتدريس ولازمهما
وانتفع بهما وسمع بها الحديث على عدة منهم الامام ضياء الدين أبو
253

الفضل محمد المدعو بخليل بن عبد الرحمن المالكي وهو أقدم شيوخه
سماعا والجمال محمد بن أحمد بن عبد المعطي الأنصاري والعلامة
ولي الله تعالى عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعي وأحمد ابن
سالم بن ياقوت المكي المؤذن وغيرهم من القادمين إليها، وارتحل
إلى مصر فسمع بها من جماعة كابن القاري وابن الشيخة والبهاء
ابن خليل والقاضي عز الدين بن جماعة وتفقه بشيخ الاسلام سراج
الدين البلقيني وأجازه بأربعة علوم الحديث والفقه وأصوله والعربية
وبابن الملقن وأجازاه بالفتوى والتدريس ولازم شيخ الاسلام بهاء الدين
أبا البقاء السبكي وحضر دروسه وتفقه به وهو اجل شيوخه وصحبه
إلى دمشق فسمع بها من ابن أميلة وأحمد بن النجم إسماعيل بن أبي
عمر وقريبه الصلاح محمد بن أحمد بن إبراهيم وجمع وسمع بعدة من
بلاد الشام كبيت المقدس وبعلبك وحلب وغيرها، ورحل إلى
الإسكندرية فسمع بها من جماعة منهم التقي بن عزام وغير ذلك من
الأقطار، وشيوخه خلائق يجمع غالبهم معجمه الذي خرجه له صاحبنا
الحافظ أبو الحرم خليل بن محمد الأقفهسي حدث به وبغالب مسموعاته
فسمعته منه والكثير من مروياته، وقد جمعت أسانيد مسموعاته في
مجلد ضخم مرتب على حروف المعجم مع تراجم أصحاب الكتب
والاجزاء وقد برع في علوم عدة منها الحديث والفقه وتصدر بعد
السبعين بمكة المشرفة للإفادة بضعا وأربعين عاما فازدحم عليه الطلبة
منها ومن الغرباء القادمين إليها فأخذوا عنه وانتفعوا به وكثرت
254

تلامذته، حضرت دروسه في الفقه والحديث وغير ذلك ولازمته مدة
سنين من أول القرن إلى حين مات فانتفعت به وتخرجت، سمع منه
الأئمة والحفاظ وانتفع به جماعة وكان رحمه الله تعالى منجمعا عن الناس
ساكنا متواضعا صالحا دينا مع الوقار والسمت الحسن وسلامة الصدر
له أوراد وعبادة لا يقطعها في طول الزمن، كتب بخطه الكثير وله
تعاليق وفوائد، خرج لنفسه جزءا أوله المسلسل بالأولية وجزءا فيما
يتعلق بزمزم حدث بهما غير مرة وكتب شرحا على مواضع من الحاوي
الصغير وله الشعر الحسن سمعت عليه أساميه، ذكره شيخنا الحافظ
أبو زرعة العراقي في ترجمة والده فيمن اخذ عنه فقال: والحافظ شيخ
الحجاز الآن جمال الدين أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة انتهى
وكانت وفاته تغمده الله برحمته بمكة المشرفة ليلة الجمعة السادس عشر
من شهر رمضان المعظم قدره سنة سبع عشرة وثمانمائة بمكة المشرفة ولم
يخلف بها بعده مثله.
وفي هذه السنة مات بالقدس قاضيه بدر الدين حسن بن موسى
ابن مكي الشافعي، والفقيه وجيه الدين عبد الرحمن بن أحمد الحصري
الربعي، وبطابة قاضيها زين الدين عبد الرحمن بن علي بن يوسف
الزرندي الحنفي في شهر ربيع الأول، وبمكة قاضيها عفيف الدين
عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني المكي الشافعي،
وبالقاهرة مسندها جمال الدين عبد الرحيم بن علي بن محمد الكناني
العسقلاني وله سبع وسنة، وبدمشق شمس الدين محمد بن محمد بن
255

محمد عباس الخريفي (1)؟ التاجر في شهر رمضان، وبالطور فتح الدين
محمد بن محمد المخزومي المصري، وبزبيد قاضيها العلامة اللغوي
مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروز آبادي الشافعي مؤلف
القاموس في ليلة العشرين من شوال وله بضع وثمانون سنة، وبمكة
شيخ الحجبة فاتح بيت الله تعالى أبو بكر بن محمد بن أبي بكر
الشيبي الحجبي.
أخبرنا الفقيه الامام الحافظ جمال الدين أبو حامد محمد بن عبد الله
ابن ظهيرة المخزومي سماعا عليه بالمسجد الحرام عودا على بدء قال أخبرنا
الفقيه الامام المحدث تقي الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن
عزام الريغي (2) الشافعي الإسكندري بقراءتي عليه بها غير مرة ح
وشافهنا بعلو درجة أبو إسحاق إبراهيم بن محمد قال حدثنا الفقيه الامام
الحافظ بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
الكناني الشافعي قال شيخنا في كتابه زاد ابن عزام فقال والفقيهان
العلم محمد بن أبي بكر بن عيسى السعدي والشريف محمد بن محمد بن
يوسف عرف بابن القاصح الأنصاري الشافعيان قالا أخبرنا الفقيه الامام
الحافظ تقي الدنيا أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن دقيق العيد

(1) في الأصل من غير نقط فليحرر.
(2) بكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة بعدها غين معجمة بيت كبير بالإسكندرية
على ما ذكره السخاوي في أبناء الضوء اللامع.
256

القشيري قال شيخنا ابن ظهيرة وأخبرنا المسند شهاب الدين أبو العباس
أحمد بن عبد الكريم بن الحسين البعلبكي بقراءتي عليه بها قال أخبرنا
الحافظ الشريف أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ح وأخبرنا
بعلو درجة عن هذا المعمر أبو إسحاق المؤذن مشافهة عن عبد الله بن
يوسف بن إسحاق الدلاصي وغيره قالوا واليونيني وابن دقيق العيد
أخبرنا الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله
المنذري الشافعي قال الدلاصي وغيره أذنا وقال ابن دقيق العيد بقراءتي
عليه ح وقال ابن جماعة أخبرنا الفقيه الإمام أبو حفص عمر بن عبد الله
ابن صالح السبكي المالكي بقراءتي عليه قال أخبرنا الفقيه الامام الحافظ أبو
الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي المالكي ح وأنبأنا بعلو درجة
أخرى الفقيه الإمام أبو بكر الحسين بن عمر الأرموي وغيره عن أحمد
ابن طالب الصالحي ان جعفر بن علي بن أبي البركات الهمداني أنبأه قالا
أخبرنا الفقيه الامام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي
الأصبهاني الشافعي قال الهمداني أذنا ان لم يكن سماعا وقال ابن المفضل
من لفظه قال حدثنا الفقيه الإمام أبو طاهر الحسين بن علي بن محمد
ابن علي الطبري الشافعي من لفظه ببغداد قال أخبرنا امام الحرمين الفقيه
أبو المعالي عبد الملك الشافعي قال أخبرنا والدي الفقيه الإمام أبو محمد
عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي ح وعلا لنا بدرجتين عن هذه
فيما رواه أحمد بن أبي طالب الصالحي المذكور آنفا عن أبي عبد الله
257

الحسين بن المبارك الحنبلي (1) ان لم يكن سماعا قال أخبرنا أبو زرعة

(1) قال الحافظ الشمس محمد بن طولون الحنفي في الفهرست الأوسط عند ذكر
أسانيده في صحيح البخاري: (الحنبلي على الأصح كما يؤخذ من ترجمته في طبقات
الحنابلة لابن رجب لا الحنفي كما توهمه الشمس محمد بن عبد الرحمن السخاوي وهو
معذور فإنهما اخوان الحسين هذا والآخر الحسن ومتقاربا المولد والوفاة وسمعا
الصحيح على شيخ واحد وقدما دمشق للحج) اه‍. وغاية ما عمله ابن رجب ان ترجمه
في ذيله من غير نص خاص بمذهبه، والظاهر أن يعده حنبليا، ولكن قد يترجم
في كتابه بعض من له أدنى صلة بالحنابلة كأن يرافقهم في الطلب أو يدرس في
مدارسهم أو يأخذ منهم اما واهما أو متساهلا كما يقع مثل ذلك للتاج ابن
السبكي في طبقات الشافعية الكبرى وليس بجيد، وقد اغتر المصنف وابن طولون
بظاهر صنيع ابن رجب حتى وهم الثاني الحافظ السخاوي الشافعي (المتفرغ للحديث
وفنونه) لكن هذا التوهيم منقلب عليه من حيث إن أسرة الزبيديين هذه كلها من
مشاهير الحنفية وقد ترجم الحافظ عبد القادر القرشي (الذي سمع الصحيح على
الحجار وثلاثيات البخاري على الرشيد بن المعلم وكلاهما من أصحاب الحسين
ابن المبارك الزبيدي) في طبقاته أبا عبد الله سراج الدين الحسين وأخاه أبا علي
نور الدين الحسن وعمهما وجدهما ونص فيها على أنه وأخاه ممن سمع الصحيح على
أبي الوقت فليس بمظنة ان يهم في ذلك وهو أعرف بشيخ شيخه من سواه
وابن رجب انما يروي عن الأخوين بوسائط وهو انزل طبقة من القرشي ومن ثمة
لم يعبأ السخاوي بصنيع ابن رجب ولا بقول المصنف مع صحبته له وقال في التبر
المسبوك والضوء اللامع وغيرهما: رواية البدر العيني عن ابن الكشك عن الحجار
عن الزبيدي من لطائف الاسناد فان الأربعة حنفيون اه‍. وأصاب، وأوقع ابن
طولون فيما وقع صلته بنى فهد والحنابلة وتعويله على آرائهم، وكون الحسين بن
المبارك ممن يدرس في مدرسة ابن هبيرة الوزير الحنبلي ومرافقته بعض الحنابلة في
258

طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي قراءة عليه وانا اسمع قال أخبرنا أبو
الحسن مكي بن منصور بن علان الكرخي قال أخبرنا القاضي الفقيه
أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري (1) الشافعي قال حدثنا أبو العباس

الطلب وأخذهم عنه هي جميع ما وقع، والوزير المذكور من أبعد الناس عن
التعصب المذهبي فكم قرب الصالحين من علماء المذاهب وجعلهم يدرسون بمدرسته
لا سيما الحنفية فإنه كان كبير التودد إليهم، وفي إفصاحه يسعى في تقريب شقة الخلاف
بين الأئمة وجعل أقوال أحمد توافق قول أبي حنيفة حتى في مفرداته ولم تكن
وجاهته عنده من جهة انه حنبلي بل من ناحية صلاحه وعلمه ومن حيث إن لجده
أبي عبد الله محمد بن يحيى الزبيدي الحنفي الزاهد المشهور أيادي بيضاء نحو الوزير
المذكور فإنه تربى في صغره عنده وأخذ النحو وعلوم الأدب عنه وورث رحابة
الصدر ولين الجانب منه، وعرفانا بجميل جده كان هو وأخوه في أعلى مكانة عند
الوزير، وابن طولون نفسه ممن كان يدرس في العمرية الحنبلية على تصلبه في
المذهب الحنفي كما يشهد بذلك مؤلفاته، وقد أشرنا إلى بعض ما تقدم في (تذهيب
التاج اللجيني في ترجمة البدر العيني)، هذا وللحسين ابن المبارك الزبيدي عدة
مؤلفات في الفقه واللغة والقراءات منها البلغة في الفقه وكان عالما بفقه المذاهب على
اتساعه في الرواية والحديث. توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة 631 ودفن
بمقبرة جامع المنصور ببغداد و (التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح) ليس له
وان نسب إليه في النسخ المطبوعة وانما هو لزبيدي آخر وهو محدث البلاد اليمنية
الشيخ أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرحبي الزبيدي الحنفي المتوفي سنة 893
وهو من بيت علم بزبيد وله مؤلفات ممتعة وهو من مشايخ ابن الديبع، وشرجة
بالفتح موضع بنواحي مكة واصلهم من هناك.
(1) كان في الأصل (الحميدي) فصححه الأستاذ العلامة المسند السيد احمد
259

محمد بن يعقوب الأصم قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال
حدثنا الإمام الشافعي محمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه عن الامام
مالك عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال إن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا
الا بيع الخيار) صحيح متفق عليه أخرجه البخاري عن عبد الله بن
يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي (1) والنسائي عن
محمد بن سلمة جميعهم عن الامام مالك رحمه الله تعالى به فوقع لنا بدلا
لهم عاليا وقد تسلسل لنا بالفقهاء الأئمة بعضهم عن بعض والله الحمد والمنة.
وبه قال الحافظ أبو محمد المنذري وقد روينا عن ابن المبارك انه
ليس جودة الحديث قرب الاسناد جودة الحديث صحة الرجال.
وبه إلى الحافظ السلفي قال وهذا الاسناد جليل بسبب ما اجتمع
فيه من الفقهاء الأئمة بعضهم عن بعض قال وقلت للقاضي أبي بكر
المرندي (2) المعيد وقد وقع لي هذا الحديث بعلو من حديث الأصم

رافع الطهطاوي في النسخة التيمورية بما أثبتناه في أعلاه وهو الصواب كما في
المشتبه للذهبي.
(1) بفتح القاف والنون وسكون العين المهملة وآخره موحدة عبد الله بن
مسلمة ذكره ابن خطيب الدهشة في مشكل الأنساب.
(2) بفتح الميم والراء وسكون النون وفي آخرها الدال المهملة نسبة إلى مرند
بلد بآذربيجان على ما قاله ابن السمعاني.
260

كأني سمعته من أبي محمد الجويني شيخ شيخ شيوخنا وهذا الطريق
النازل أعز عندي من ذلك الطريق العالي إذ هو مسبك بالجوهر فبلغ إليه
هذا الكلام فأعجبه وأعاده للأصحاب والفقهاء فقال ولعمري لقد صدقت
إذ ليس فيه الا امام أو فقيه وقلما يوجد مثله في الروايات قال وان الامام
أبا الحسن الكيا قال عقب هذا الحديث: إذا بدت رايات النصوص
في ميادين الكفاح طاحت اعلام المقاييس في مدارج الرياح.
* (ابن الشرايحي) *
عبد الله بن إبراهيم بن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن
تمام الزبيدي السحولي السنجاري الأصل البعلبكي الدمشقي الشافعي
الامام الحافظ المفيد جمال الدين أبو محمد ولد ببعلبك في يوم الثلاثاء
التاسع من شهر رجب الفرد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ونشأ أميا
لا يقرأ ولا يكتب (1) وكان حافظا لا يداني في معرفة الاجزاء

(1) تراه نشأ عاميا لا يكتب ولا يقرأ كالمسند الشيخ يوسف الغسولي الذي
يقول عنه ابن العماد كان أميا لا يكتب مع أنه من مشايخ الذهبي وكالمسند إسماعيل
بن أبي عبد الله العسقلاني الراوي عن حنبل الرصافي وابن طبرزد وعنه يقال
أيضا انه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولأمثالهم كثرة بين الرواة على اختلاف
القرون بل غالبهم بمجرد تعلمهم حروف التهجي في الكتاتيب ينصرفون إلى الرواية
والى ملازمة مجالس السماع من صغرهم قبل تحصيل مبادئ العلوم الضرورية
فيبقون من أبعد خلق الله عن النظر والتبصر، ومن ثمة كان صاحب الترجمة
261

والعوالي وآية في حفظ الرواة المتأخرين يذاكر فيهم مذاكرة دالة على

رحمه الله كبير التساهل في تسميع المترددين إليه كل ما بلغه من اجزاء أناس من
المشبهة لا يتحملها أهل العلم منهم الا لتسجيل بدعتهم عليهم ليرد عليهم المتبصرون
من العلماء نحلتهم، وفي بعض تلك الأجزاء صريح نسبة القعود والجلوس والمكان
والحد والحركة وغيرها إلى ربهم وهذا مما تقشعر جلود الذين يخشون الله من
نسبته إليه تعالى عما يصفون، وان كان بين هؤلاء من شهر بالرواية لكن لم يزالوا
على عاميتهم لبعدهم عن أهل العلم وعدم ممارستهم النظر وتعودهم ان يعيشوا أمة
وحدهم مغترين بكثرة الملازمين لهم لتحمل ما عندهم من الروايات ولم يستأصل
الاسلام من عقولهم بعد شأفة نحلهم التي كانوا عليها قبل الاسلام من يهودية
بفلسطين ونصرانية بالشام ووثنية بالبادية وصابئية بحران وواسط عبدة الاجرام العلوية
وغيرها من قدماء المشبهة ظانين ان ما هم عليه هو الاعتقاد الصحيح في الله، وقول
الجمهور في حقهم مر الا ان الامام عز الدين بن عبد السلام يميل إلى أن من هو
في عداد العامة منهم بحيث يعلو التنزيه عن مداركه يعذر ويرجى من سعة فضل
الله ان يصفح عنه واما من كان في عداد أهل العلم والنظر منهم فليس يعذره أحد
من أئمة السنة، وصاحب الترجمة عزره وآذاه بالقول القاضي برهان الدين أبو
سالم إبراهيم بن محمد بن علي التادلي المالكي، الذي يقول عنه ابن خطيب الناصرية:
(كان حاكما ناصرا للشرع مهيبا) لما بلغه انه اقرأ كتاب الرد على الجهمية لعثمان بن
سعيد الدارمي والنقض، له بدمشق وعزر القارئ عليه أيضا بكلام وهو البرهان
إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الدمشقي ثم بالضرب والطواف به والحبس كما
في الضوء اللامع وغيره وهذا الكتاب كمسائل حرب مما يتسامع به الحشوية فيما بينهم
وفيه غرائب وعجائب لو قام بطبعه بعضهم لظهر لعامة العلماء ما هي السنة التي إليها
ينتمون، وينقل منه ابن تيمية أشياء في معقوله، والدارمي هذا وان كان قام
262

حافظة باهرة مع حظ من معرفة الرجال المتقدمين وغريب الحديث

على محمد بن كرام لكن لم يكن قيامه ضد تشبيهه وهما فيه سيان بل على مسألة
الايمان، وليس هو صاحب المسند المشهور، وكان اللائق به عدم الولوج في هذه
المضايق التي ليس هو من فرسانها حتى لا تزل قدمه وليس ينقذه من هذه الورطة
ما يكيله لمناظريه من هجر القول من غير حجة ناهضة سامحه الله، وترى أيضا في
جملة ما يسمعه صاحب الترجمة (كتاب اثبات الحد لله عز وجل وانه قاعد وجالس
على عرشه) لأبي محمد محمود بن أبي القاسم بن بدران الدشتي واصفا له بالامام
الحافظ أوحد زمانه سيد الحفاظ سيف السنة والمسلمين قامع المبتدعين ناصر الدين
إلى غير ذلك من الأوصاف الضخمة الخداعة، وفيه عن الزاغوني وأبى يعلى وابن
بطة وغيرهم من مجانين العقلاء نقول سخيفة يضحك منها عقلاء المجانين وفيه أيضا
الأبيات المعزوة إلى الدارقطني من غير خجل ولا وجل بسند تالف آخرها:
ولا تنكروا انه قاعد * ولا تجحدوا انه يقعده
والذهبي تصون عن ذكر هذا البيت في كتاب العلو مع ذكره بقية الأبيات
(رواية عن شيخ وهو ابن سبع سنين بسند فيه شيخ أقر بالوضع ثم تاب وشيخ
مغفل يلقن كما ذكرهما كذلك نفسه في الميزان) وابن القيم ترك التقية وسرد
الأبيات كلها في بدائع الفوائد من غير سند، وسند الذهبي والدشتي متقاربان والدشتي
أيضا ينقل في آخر كتابه - قاعدا تحت المثل السائر (رمتني بدائها وانسلت) - قول
الرستمي بكل وقاحة؟
الأشعرية ضلال زنادقة * اخوان من عبد العزى مع اللات
بربهم كفروا جهرا وقولهم * إذا تدبرته أسوى المقالات
ينفون ما أثبتوا عودا لبدئهم * عقائد القوم من أوهى المحالات
263

وكان اعتماده في ذلك على حفظه، وكان يستعين بمن يقرأ له وهو بهذه

وهذا الرستمي كأنه هو الذي يقول فيه الشاعر:
كفرا بعلمك يا بن رستم كله * وبما حفظت سوى الكتاب المنزل
لو كنت يونس في رواية نحوه * أو كنت قطرب في الغريب المشكل
وحويت فقه أبي حنيفة كله * ثم انتميت لرستم لم تنبل
وتوحيد ابن خزيمة الذي يقول عنه الرازي في تفسير قوله تعالى (ليس كمثله
شئ) ما يقول وفاروق الهروي وذم الكلام له إذا وجدت على أمثالها خطوط
بعض من جمع بين الرواية والدراية وسماعاتهم فإنما ذلك للتوثق من نسبة الكتاب
إلى مؤلفه حتى يتم الرد عليه كما فعل بكار بن قتيبة حين رد على المزني في المسائل
الفرعية، وكان ابن حجر ينهى ان يروى عنه بعض ما تقدم من الكتب كما حكى
ذلك السخاوي في (الاعلان بالتوبيخ) وهذا مما يدل على أن سماع مثله لمثل ما
تقدم للتسجيل لا للتعويل بخلاف أمثال صاحب الترجمة قال الحافظ السخاوي في
الاعلان بالتوبيخ: اما ما أسنده أبو الشيخ في كتاب السنة له من الكلام في حق
بعض الأئمة المتبوعين وكذا ابن عدي في كامله والخطيب في تاريخ بغداد وآخرون
ممن قبلهم كابن أبى شيبة في مصنفه والبخاري والنسائي مما كنت أنزههم عن ايراده
مع كونهم مجتهدين ومقاصدهم جميلة فينبغي تجنب اقتفائهم فيه ولذا عزر بعض
القضاة الاعلام من شيوخنا من نسب إليه التحديث ببعضه بل منعنا شيخنا حين
سمعنا عليه كتاب ذم الكلام للهروي من الرواية عنه لما فيه من ذلك اه‍ ومن
العجب ان ترى خط الحافظ الجمال بن عبد الهادي الحنبلي على مثل جزء الدشتي
المذكور وتسميعه لأهله وخاصته. وانما أفضنا في هذا البحث ليكون القارئ
على بينة من أمر هؤلاء الحشوية المعادين لأهل السنة (الأشاعرة والماتريدية)
حتى لا يغتر بالدعايات القائمة التي لا تنطوي الا على جهل فاضح عند أصحاب
العقول السليمة والنظر الصحيح وقد استوفينا الكلام على ذلك في (تحذير
الخلف عن مخازي أدعياء السلف).
264

المثابة أعجوبة زمانه في المحاضرة اللطيفة والنوادر الطريفة، وسمع
باعتناء أبيه وشيخه إسماعيل بن بردس عليهما وعلى جمع كثير منهم
إسماعيل بن السيف أبي بكر بن إسماعيل الحراني وأبو الطاهر محمد بن
أحمد بن عبد الغني بن الفراء وأحمد بن محمد الجوخي ومحمد بن موسى
الشيرجي ويعقوب بن يعقوب الحريري وعمر بن حسين بن أميلة ومحمد
ابن أحمد بن إبراهيم بن أبي عمر وزينب ابنة قاسم الدماميني ومحمود بن
خليفة المنبجي ويوسف بن عبد الله الحبال وأبو المحاسن يوسف بن
محمد بن محمد الصريفي وأحمد بن النجم إسماعيل بن أبي عمر ومحمد بن محمد
ابن عوض وحسن بن علي الكلابي وخليل بن (1) الحافظي ومحمد
ابن أحمد بن أبي راجح وأحمد بن عبد الكريم البعلي والقطب عبد اللطيف
(ابن عبد الكريم الحلبي) و عبد الرحمن بن محمد بن الأستاذ وعثمان
ابن يحيى بن حولان وخلائق لا يحصون من أصحاب الفخر ثم من أصحاب
ابن عساكر وابن القواس ثم من أصحاب القاضي سليمان ثم من أصحاب
أبي العباس الحجار ثم من أصحاب ابنة الكمال زينب، وأكثر من المسموع
جدا حتى سمع على أقرانه ومن هو دونه على ضعف بصره مع مشاركة
جيدة في فنون الحديث ومعرفة بالعالي والنازل، وكان تغمده الله

(1) هنا بياض في الأصل.
265

تعالى برحمته فقيها فرضيا أوحد الحفاظ المفيدين، قدم القاهرة بعد
اللنك في سنة ثلاث وثمانمائة فاستوطنها مدة وحدث بها بجملة من
مسموعاته وخرج للقمني (1) مشيخة ولجماعة من أقرانه ومن هو
دونهم، ثم عاد إلى دمشق فأقام بها زمانا منفردا إلى أن وافاه حمامه في
أواخر سنة تسع عشرة وثمانمائة، وقد اتفق على ذلك الحفاظ الثلاثة
ابن حجر والفاسي وابن ناصر الدين، ثم إن ابن حجر تعقب ذلك بأن قال
ثم تحرر لي انه مات في ثالث المحرم من سنة عشرين وثمانمائة انتهى وكان
آخر ما حدث في صحيح مسلم عاش بعد ختمه يوما وليلة ومات رحمة
الله تعالى عليه.
وفي سنة تسع عشرة مات بمكة المشرفة الشريف شهاب الدين
أبو العباس احمد ابن علي بن محمد الفاسي في حادي عشري شوال، وبدمشق
القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن نشوان الشافعي، وبأم القرى مكة
الشيخ الصالح أحمد بن يوسف بن عبد الرحمن المشهور بالأهدل وقد عد
السبعين، وبالقاهرة المحدث حميد الدين حماد بن عبد الرحيم بن علي بن
عثمان بن التركماني المصري الحنفي، وبمكة المشرفة المعمر الأصيل ظهير الدين
أبو بكر ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن ظهيرة في صفر، وبدمشق
المسند عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة

(1) نسبة إلى قمن بكسر أوله وفتح ثانيه وآخره نون قرية من قرى مصر
نحو الصعيد. معجم البلدان ومثله في الضوء اللامع.
266

المقدسي الحنبلي الصالحي وله تسع وسبعون سنة، وبالقاهرة الشيخ
زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن أبي أمامة محمد بن علي بن
عبد الواحد عرف بابن النقاش المصري، وبدمشق الواعظ زين الدين
عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي، وبالقاهرة القاضي امين الدين
عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي في شهر ربيع الأول
وغانم بن محمد بن محمد بن يحيى الخشبي (1) وله ثمان وسبعون سنة، وبأم
القرى العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر المعروف
بالوانوغي (2) التونسي، وبالقاهرة العالم همام الدين محمد بن أحمد
الخوارزمي الشافعي في شهر ربيع الأول، والقاضي شمس الدين محمد
ابن علي بن معبد المقدسي المدني المالكي في شهر ربيع الأول، والقاضي
ناصر الدين محمد بن عمر بن إبراهيم بن العديم الحلبي في شهر ربيع الثاني
وبمكة قاضيها كمال الدين أبو البركات محمد بن أبي السعود محمد بن
حسين بن ظهيرة المخزومي، وبالقاهرة فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد
ابن محمد بن عبد الدائم الباهي (3) وعالمها عز الدين محمد بن أبي بكر
ابن عبد العزيز بن جماعة في شهر ربيع الثاني، وبدمشق نور الدين محمد
المشهور بابن قوام البالسي الصالحي، والزاهد المحدث سعد الدين مساعد

(1) بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة كما في الشذرات وهو أيضا من الحنفية.
(2) بتشديد النون المضمومة وسكون الواو بعدها معجمة قاله ابن العماد.
(3) إلى باهى من كورة بوش بصعيد مصر. داودي ذيل اللب.
267

ابن شاري بن مسعود الهواري، وبمكة الفقيه مسعود بن هاشم بن علي
ابن غزوان الهاشمي في جمادى الأولى، وبالقاهرة القاضي تقي الدين أبو
بكر عرف بابن الجيتي (1) الحنفي.
* (الأقفهسي) *
خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن المصري
الشافعي الامام الأوحد الحافظ صلاح الدين وغرس الدين أبو الحرم
وأبو سعد وأبو الصفاء الأشقر ولد في عشر السبعين سنة بضع وستين
وسبعمائة، اشتغل في الفقه وجلس للتكسب يتحمل الشهادة في
حانوت الشهود وحبب إليه الحديث فطلب لنفسه وجد فيه في حدود
السبعين فسمع بمصر والقاهرة من الكتب والاجزاء الكثير على الجم
الغفير كتقي الدين بن حاتم وعزيز الدين المليحي والصلاح الزفتاوي (2)
خاتمة أصحاب الحجار ووزيرة بديار مصر، ثم حج في سنة خمس وتسعين
وجاور بمكة المشرفة في سنة ست فسمع بها من البرهان بن صديق
وشمس الدين بن سكر (3) وغيرهما وخرج جزء حديث بجماعة من

(1) بكسر الجيم وسكون التحتية ثم فوقية قرية من اعمال بالس ضبطها
المنذري والذهبي. داودي ذيل اللب.
(2) بكسر أوله نسبة لبليدة من بحري الفسطاط على ما ذكره السخاوي.
(3) سبق ضبطه عند ذكر الشهاب بن سكر وهو المسند الكبير شمس الدين.
268

شيوخها كالامام أبي اليمن الطبري وأخيه المحب قراءة على بعضهم فلما
حج في سنة ست وسبعين رحل منها إلى دمشق فأدرك بها جماعة من
جلة مشايخها منهم المفتي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن العز الصالحي
آخر أصحاب القاضي سليمان بالسماع وعلي بن محمد بن أبي المجد وأبو
هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي وعدة من أصحاب
الحجار قرأ عليهم جملة من الكتب والاجزاء، ورحل إلى بيت المقدس
في أوائل سنة ثمان وتسعين فزار المسجد الأقصى وسمع على من بالبلد
من الشيوخ وتوجه منه إلى القاهرة فلازم السماع على الشيوخ، وخرج
للقاضي مجد الدين الحنفي (1) مشيخة في ثمانية اجزاء ثم قصد مكة

أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام البكري الحنفي المعروف بابن
سكر قال ابن العماد الحنبلي: سمع ما لا يحصى ممن لا يحصى وجمع شيئا كثيرا
بحيث كان لا يذكر له جزء حديثي الا ويخرج سنده من ثبته عاليا أو نازلا
وذكر ان سبب كثرة مروياته وشيوخه انه كان إذا قدم الركب مكة طاف على
الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل من له رواية أو خط من علم فيأخذ عنه مهما
استطاع، وكتب بخطه ما لا يحصى من كتب الحديث والفقه والأصول والنحو
توفي سنة 801 عن ثلاث وثمانين سنة اه‍. وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر
ترجمه في المجمع المؤسس.
(1) وهو المسند النسابة أبو الفداء مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم البلبيسي الحنفي
القاضي تخرج بمغلطاي، حدث وسمع وألف تآليف منها (مختصر أنساب الرشاطي)
أجاد فيه، وأنساب ابن السمعاني وأنساب الرشاطي في كفتي الميزان فابن السمعاني
269

المشرفة في البحر المالح في آخر سنة تسع وتسعين فلم يدرك الحج وجاور
بها سنة ثمانمائة والتي بعدها إلى أن حج فرحل منها صحبة الحاج الشامي
إلى دمشق فدخلها في سنة اثنتين واستفاد فيها شيئا من المرويات
والشيوخ ما لم يكن استفاده في رحلته الأولى فلما كان في أوائل سنة
ثلاث توجه إلى مصر وأقام بها إلى أن سافر الحاج سنة أربع فصحبه
إلى مكة فحج وجاور بها نحو سبع سنين متوالية خرج بها لحافظها
العلامة أبي حامد بن ظهيرة معجما في مجلد أجاد فيه سمعته عليه بقراءته
وهو عندي بخطه غير أنه عدم منه بعض الجزء الأول وللشيخ قاسم
السملي قراءة عليه فسمعته وكتبت منه نسخة وفي مجاورته هذه زار
المدينة النبوية مرات والطائف مرة وأقبل على العبادة والخير والتخريج
والافادة مع حسن الخلق وخدمة الأصحاب بحيث ان من جالسه
لا يمله، ولما حج في سنة إحدى عشرة عول عليه بعض أصحابه من
التجار في أن يتوجه إلى صوب بلاد العجم في حاجة له فما وسعه مخالفته

عرف بالاتقان في أنساب المشارقة والرشاطي في أنساب المغاربة، ومختصره
كمختصر ابن الأثير لأنساب السمعاني المسمى بلباب الأنساب بل يرجح عليه
من جهة انه متأخر اطلع على كتب من تقدمه وانتقدها وقد تخرج بمثل مغلطاي
الطائر الصيت في معرفة الأنساب، وترجمه السخاوي في الضوء اللامع وقال ولد
سنة 728 ورافق الجمال الزيلعي المحدث في الطلب فأكثر من سماع الكتب اختصر
الأنساب للرشاطي مع زيادات من ابن الأثير وغيره وله عدة مؤلفات توفي سنة
اثنتين وثمانمائة.
270

وتوجه مع قافلة عقيل إلى المدينة الشريفة ثم إلى الحسا والقطيف وتوجه
من ثم إلى هرموز وسافر منها في البحر إلى كنباية ثم عاد إليها فصار
يتردد منها إلى بلاد العجم للتجارة فدخل شيراز وهراة وسمرقند
وكان رحمة الله تعالى عليه دينا خيرا ورعا زاهدا لا تأخذه في الله لومة
لائم إماما حافظا بارعا في فنون من العلم الحديث والفقه والأصول
والفرائض والحساب والعربية والعروض والأدب مع المروة والتواضع
ولم يزل منذ طلبه في ازدياد، له النثر الفائق والنظم الرائق أكثر منه
في غربته يتشوق إلى أصحابه ووطنه وأحبابه وكان قبل ذلك ينظم
قليلا وله تعاليق حسنة وفوائد جمة خرج لنفسه أربعين حديثا متباينة
الاسناد وأكملها خمسين ثم بلغ بها السبعين، صحبته كثيرا فانتفعت به
وسمعت عليه من لفظه السيرة لابن سيد الناس وشرح ألفية العراقي
في الحديث وكذا نكته على ابن الصلاح وغير ذلك وأنشدني جملة من
شعره، وخلف جملة أجزاء وعدة كتب صار غالبها للحافظ شهاب الدين
ابن حجر فانتفع بها وبثبته لأنه كان قبل سفره من مكة أوصى بأن
يسلم جميع ذلك إليه (1) وكانت وفاته رحمة الله عليه غريبا بمدينة يزد من

(1) واستفاد ابن حجر جدا من فوائده المجموعة التي لم يكن نظمها في سلك
كتاب مدون. وجعلها في ضمن ما ألفه وكذا كان سبط ابن العجمي الحافظ
سمع لابن حجر ابن ينتقي من كتبه الفوائد في سفرته الحلبية، وكتب البرهان بن
العجمي معروفة بكثرة الفوائد الحديثية فازدادت كتب ابن حجر رونقا
وفوائد عفوا بلا تعب.
271

بلاد العجم فجأة بمسلخ الحمام عندما خرج منه في أواخر سنة عشرين
وثمانمائة.
وفيها مات بمصر الشيخ شهاب الدين احمد الفراوي، والقاضي
تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله الحنفي، وبمكة المشرفة قاضيها
عز الدين محمد بن أحمد العقيلي النويري الشافعي في ليلة الحادي والعشرين
من شهر ربيع الأول، وبمصر الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن
جعفر البلالي (1) شيخ خانقاه سعيد السعداء، وبزبيد الرئيس جمال الدين
محمد المصري ابن أبي بكر بن علي بن يوسف الذروي (2)، وبأم القرى
الشيخ موسى بن علي بن علي المناوي المصري في شعبان.
* (المراكشي) *
محمد بن موسى بن علي بن عبد الصمد بن محمد بن عبد الله
المكي الشافعي سبط سيدي الشيخ عفيف الدين عبد الله بن أسعد
اليافعي الامام الأديب الفقيه الحافظ شمس الدين أبو عبد الله ولد في
ليلة الاحد الثالث من شهر رمضان المعظم قدره سنة سبع وثمانين
وسبعمائة بمكة المشرفة ونشأ بها فحفظ القرآن العزيز وكتبا عدة منها

(1) نسبة إلى بلالة من اعمال عجلون. الشذرات.
(2) بفتح الذال المعجمة والراء بعدها واو نسبة إلى ذروا قرية بصعيد مصر.
ذيل لب اللباب، قال السخاوي ولد بالذروة بصعيد مصر ثم انتقل إلى مكة فزبيد.
272

التنبيه والمنهاج في الفقه والعمدة في الحديث والألفية في النحو
وكتبا أخر في علوم شتى وعرضها واشتغل في الحديث والفقه والعربية
والعروض والأدب فظهرت نجابته واشتهرت نباهته وكان يتوقد
ذكاء تفقه بشيخ الاسلام جمال الدين بن ظهيرة والشيخ شمس الدين
الغراقي وغيرهما وأخذ علم العربية عن الشيخ شمس الدين المعيد والشيخ
خليل بن هارون وغيرهما، وأقبل على هذا الشأن بهمة عالية فأخذه
عن الحافظ أبي حامد وغيره وطلب بنفسه فسمع من جماعة بمكة
المشرفة الكثير من الكتب والاجزاء على مشايخها والقادمين إليها
منهم البرهان بن صديق والحافظ أبو حامد بن ظهيرة والامام أبو اليمن
الطبري ووجيه الدين وأصيل الدين عبد الرحمن بن حيدر الدهقلي
والقاضي رضي الدين أبو حامد المطري، ورحل إلى المدينة الشريفة على
الحال بها أفضل الصلاة والسلام فقرأ بها الكثير على قاضيها العلامة
أبي بكر بن الحسين العثماني وأم محمد رقية ابنة يحيى بن مزروع وغيرهما
ثم رحل إلى الشام في سنة خمس عشرة فأدرك بها جماعة من مشايخها
الجلة كابن طولوبغا عبد الرحمن وعائشة ابنة محمد بن عبد الهادي
وعبد القادر الأرموي وإبراهيم بن محمد القرشي وجمع، ثم رحل إلى
بعلبك فسمع بها من عدة منهم محمد بن إسماعيل بن بردس وبحمص
ونابلس وغزة وحماة وحلب وغيرها ثم كر راجعا إلى دمشق، ورحل
منها إلى بيت المقدس فسمع بها من إبراهيم بن أبي محمود ومحمد بن أبي
بكر بن كريم وغيرهما وبالخليل من أحمد بن موسى الجبراوي وغيره
273

وتوجه إلى مصر فسمع بها من جماعة منهم المسند أبو الطاهر محمد بن
أبي اليمن بن الكويك و عبد الله بن علي العسقلاني الحنبلي ومحمد بن
علي الزراتيتي (1) وبالإسكندرية من عبد الله بن محمد بن خير
ومحمد بن محمد بن التنسي ومحمد بن عمر الدماميني غيرهم، وأجاز له في
سنة ثمان وثمانين وما بعدها باستدعاء المحدث شمس الدين بن سكر
وكثيرون منهم القاضي ولي الدين بن خلدون والشيخ أبو عبد الله بن
عرفة وعبد الله النشاوري (2) وإبراهيم الا بناسي (3) وإبراهيم بن
فرحون وناصر الدين بن الميلق وأبو الفتح بن حاتم وعزيز الدين المليحي
والعراقي والهيثمي وصدر الدين المناوي، وكان إماما حافظا يقظا
ماهرا حسن الأخلاق قليل الكلام ذا مروءة وسماحة وقناعة باذلا
كسبه وفوائده وكتبه، له الخط الحسن المتقن قل ان يوجد فيه
سقطة أو لحنة كتب به الكثير لنفسه ولغيره، وله تعاليق جمة وفوائد
نفيسة صار غالبها إلى صاحبنا الامام جمال الدين محمد بن أبي بكر الخياط

(1) نسبه إلى (زراتيت) قرية بمصر على ما ذكره السخاوي. وهو امام
البرقوقية الشيخ المقرئ شمس الدين الحنفي، وبقراءته سمع البدر العيني الشاطبية
على الشيخ أبي الفتح العسقلاني آخر أصحاب التقي الصائغ.
(2) نسبة إلى (نشاور) وكانت تدعى في القديم نيسابور على ما ذكره أبو الفداء
في تقويم البلدان.
(3) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون في آخرها سين قرية صغيرة
بالوجه البحري بمصر. شذرات الذهب.
274

وله اليد الطولى فيما يؤلفه ويخرجه مع العبارة الحسنة وصوغ الكلام
بعضه إلى بعض دخل اليمن مرارا فحصل له الحظ الوافر عند ملكها
الناصر احمد ومدحه بقصائد فائقة فأجازه بجوائز سنية وكان في كل عام
يتردد إليه حتى أنه عزم على الإقامة به، رحلت أنا وهو في سنة ست
عشرة إليه لنسمع على القاضي مجد الدين الفيروزآبادي مشيخة خرجها
له فلم يتيسر له قراءتها واجتهدت انا حتى قرأت عليه ما فيها من الأحاديث
جميعها والآثار والشعر من غير كلام مخرجها من المسودة وألبسني
خرقة التصوف وحرصت على تحصيل نسخة من المشيخة فلم يتيسر لي
ذلك غير اني كتبت أحاديث من أولها ولم أظفر بالمشيخة بعد موته
لأنه قال احتمل جملة كتبه إلى زبيد فلما عزم على الحج تركها عند
زوجته فمات بمكة بعد قضاء نسكه واستولت الزوجة على الكتب
وكان استعار مني عدة كتب فلولا حسن نيتي ما جمعها الله تعالى علي
وذهبت سائر كتبه شذر مذر وذهب جميع ما جمعه وألفه وأتعب نفسه
عليه لم ينتفع به فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وخرج لجماعة
من مشايخه من ذلك العلامة زين الدين أبو بكر بن الحسين الأموي
مشيخة سمعتها عليه بقراءته وكتبت منها نسخة وأربعين حديثا منها
عشرون موافقات وعشرون ابدال لجماعة من المشايخ سمعتها على
بعضهم وتراجم لجماعة من شيوخنا أجاد فيها عندي من ذلك نسخ
275

ومشيخة للشيخ جمال الدين محمد بن إبراهيم المرشدي (1) كتب له بها
نسخة وقرأها عليه وهي عند بعض ورثته الآن وضاع تعبه لديه فإنه
غير ما مرة بعد وفاته شرع يتنقصه بقلة المعرفة وما ذاك الا من سوء
الطبع فالله تعالى يجازي كلا بفعله، وقد خرج لنفسه أربعين متباينة
موافقات لكنه تساهل فيها بالإجازة وقد ذهبت فيما عدم، وله النثر
الفائق والنظم الرائق يغوص فيه على المعاني الدقيقة، واتفق له انه لما
توجه من اليمن إلى الحج في سنة ثلاث وعشرين ضاق عليه الوقت
فخرج من أبعد مرسى من السفينة (2) هو وجماعة واكترى جملا مع
شخص فلما تراءت لهم جبال عرفة أخذ الجمال جمله وذهب فتوجه هو
وصاحب له يقال له ابن ميمون نحو عرفة لادراك الوقوف فكان رحمه
الله يقسم انه حصل بأرض عرفة في ليلة النحر مدركا للوقفة وعجز عن
المشي فتركه ابن ميمون وجاءنا إلى منى في يوم النحر فأخبرني بخبره
فتجردت في أطمار وأخذت معي أخاه لأمه عبد الهادي ومعنا دليل

(1) وهو الامام العلامة رأس المحدثين جمال الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد
المرشدي الحنفي مسند الحجاز ولد سنة 770 وتوفي سنة 833 وقد خرج له أيضا
الصلاح الأقفهسي (الأربعين من طريق أربعين من الفقهاء الحنفية) وترجمه ابن
حجر والسخاوي وغيرهما فأطروه، والمرشدي بيت علم كبير من الحنفية بالحجاز
(2) ولفظ السخاوي... فبرز من بعض المراسي القريبة من جدة في عاقبة
الريح في يوم حار وركب وسط النهار فرسا عربيا وركضه كثيرا ليدرك الحج
وكان بدنه ضعيفا فازداد ضعفا الخ.
276

وتوجهنا في طلبه فوجدناه في ناحية السقيا (1) قريبا من المزدلفة وهو
يزحف على استه وقد تلف من الجوع والعطش وان معنا شئ من
الزاد والماء فأعطيناه إياه فاستعمل منه قليلا وردت إليه روحه فحملناه
على دابة وأتينا به منى فأقام بها أيام التشريق فلما انقضت نزل إلى مكة
وأقام بها متوجها فلما كان صبح يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي
الحجة قضى نحبه رحمه الله تعالى فصلى عليه من يومه عند باب الكعبة
خطيب المسجد الحرام كمال الدين أبو الفضل النويري بعد فراغه من
الصلاة ودفن بالمعلاة على والده وكان له مشهد عظيم رحمة الله تعالى عليه
وتألم لموته جمع من الأخيار وتأسفوا لفقده فنسأل الله تعالى خير هذه
المصيبة.
وقد رثاه صاحبنا الأديب الامام قطب الدين أبو الخير محمد بن
عبد القوي البجائي المكي بقصيدة سمعناها منه أنشدت بحضرته
بالمعلاة في اليوم الثالث من وفاته في ملا من المسلمين ثم قرأتها عليه
بعد ذلك وهي هذه:
من للمحابر والأقلام والكتب * بعد ابن موسى ومن للعلم والأدب
من للرواية أو من للدراية أو * من للقراءة من للجد في الطلب
من لليراعة أو من للبراعة أو * من للوراعة من للهدي والقرب
من للعقائد أو من للقواعد أو * من للفوائد من للجمع والنسب

(1) بالضم المسيل الذي يفرغ في عرفة ومسجد إبراهيم.
277

من للتفاسير من للفقه ينشره * من للأصول وللتدريس والنخب
من للأسانيد يرويها مصححة * من للصناعة يعريها عن الكذب
من للفرائض أو من للحساب بها * من للتواريخ من للنحو والنسب
من للعلوم التي تعيى العقول بها * من للتناظر إذ يجثى على الركب
من للبحوث التي دقت مآخذها * من منه عنها جلاء الشك والريب
من للتصانيف يسديها محررة * من للفتاوي ومن للكشف في الكتب
من للبلاغة من للشعر ينظمه * من للغات التي تعزي إلى العرب
من للتأويل يدري حل مشكلها * من للأقاويل في الآداب والخطب
من للسكون وبل من للوقار وبل * من للحفاظ إذا ما طاش ذو شغب
من للطروس التي خطت أنامله * سلاسلا صاغها التجويد من ذهب
أين الهمام الذي في العلم همته * تعلقت بعرى الأفلاك والقطب
أين التيقظ والاتقان يطلبه * أين الذكاء الذي ينشي عن اللهب
أين الجبين الذي أثر السجود به * كأنه الشمس إذ تبدو من الحجب
أين الذي في التقى والخير منشأه * من خير أم أتى أيضا وخير أب
لليافعي ابن موسى من خلائفه * حبرا صلاح أقرا السر في العقب
سعت إليه شعوب في كهولته * بضع الثلاثين ما في ذاك من عجب
هوت بجهبذنا طرا وأكملنا * نهى وأسبقنا للفضل في القصب
إلى ضريح فسيح مونق خضل * مرونح نير مستأنس رحب
يا حافظ الوقت ضيعنا الحفاظ لما * نلنا بحفظك تحت الترب والنصب
أضحت مغانيك بعد العين مذكرة * أسنى معانيك يا لله من نصب
278

وأصبح الفضل مذعورا عليك أسى * من بعد ما احتل في أثوابه القشب
تكدرت بعدك الدنيا وساكنها * جوى عليك فما في العيش من أرب
غيبت عنا فكاد اللحد من أسف * يبكي لطوفان نوح نوح منتحب
بلعت يا ارض بحرا ماله طرف * فأقلعي يا سماء الفضل والحسب
يا قرة العين ما للعين من حلل * تبكي عليك طوال الدهر من وصب
ما أنت في الهلك فردا يستكان له * إليك فالكل في هلك وفي عطب
فالله يعظم فيك الاجر منه كما * عظمت رزءا بذي الأيام والحقب
مثوى للحدك لا تعدو أعاديه * بمرزم نوءه يقضي على السحب
فأنت قبر بأرض في السماء غدا * مثامنا لعداد السبعة الشهب
ثم الصلاة على المختار من مضر * ما غرد الورق في الأفنان والقضب
وهذه مكاتبة رقمها في مرضه الذي مات فيه وقرأها علي وسألني
في أن اذهب بها إلى شيخنا الامام أبي الخير بن الجزري الشافعي وآتيه
بجوانبها فأجبت سؤاله وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
يقول مسطرها العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن موسى بن علي بن عبد الصمد
ابن محمد بن عبد الله المراكشي المكي خادم مقام مولانا وسيدنا شيخ
الاسلام أوحد من دار عليه الفلك من الأيام في كل فصل ومقام شمس
الدين قاضي قضاة ممالك المسلمين محمد بن محمد بن محمد بن الحزري الشافعي
279

أدام الله تعالى على الوجود ظله وأعلى بل زاد في الخافقين رفعته ومحله
متهجما ما نصه:
يا شمس أفق بلاد الشرق كم شهدت * بشارة بعلاها سرت في البشر
يا سابق العلما في كل مشكلة * وكل علم أمنت السبق فانتظر
مددت أبحر علم لا تطاق فمذ * جزرت رفقا دعاك الناس بالجزري
نداء ذي علة قالت على نبأ * البحر عذب هنا أغنى عن المطر
ها قد قصدتك أبغي بالإجازة * تشريفا لديك بفتوى العلم والخبر
حققتم معنيي لفظ الإجازة * للطلاب لكن بلا رد لمنتظر
وقد أسفت على تلك الفضائل لما * كان تسليمها التوديع للسفر
طلعت عاما علينا والشموس كذا * تسير عاما فسر بالعز والظفر
آمين آمين وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله
رب العالمين
وكتب له مجيبا بعد أن سمعتها من لفظه ونقلتها من خطه:
يا عالما ماله في الناس من شبه * وناظما جوهرا قد زين بالدرر
ويا إماما له بالخط اي يد * فاقا الأولى سلفوا في غابر العصر
شرفتني بقريض لا نظير له * بسيط بحر أتى صفوا بلا كدر
نعم أجزتك ما أروي ومالي من * نظم ونثر وان يفتى مع الحذر
وعلمنا بك يغني عن تفقده * بشرطه فارو ما تبغي بلا خطر
واعذر ضعيفا بعيد الدار مرتحلا * قد قالها وهو مختار على سفر
280

وأنت أصبحت فردا في الحديث وفي * أنواع فضل وافضال بلا نظر
والله يبقيك في خير وكاتبه * محمد وهو المشهور بالجزري
ومولدي عام (اذن) (1) في دمشق وذا *
قد قلت عام (أضا حجي) (2) على الكبر
والحمد لله ربي والصلاة على * محمد المصطفى المبعوث من مضر
وفي سنة ثلاث وعشرين سنة وفاته مات بمكة المشرفة الشيخ
تغري برمش بن يوسف التركماني الحنفي (3) وبالقاهرة قاضيها كمال الدين
عبد الله بن مقداد الأقفهسي المالكي في جمادى الأولى، وجمال الدين
عبد الله السمهودي (4) وبالمدينة الشريفة على الحال بها أفضل الصلاة
والسلام قاضيها نور الدين علي بن أبي علي يوسف الزرندي الحنفي، وبعدن
قاضيها تقي الدين عمر بن محمد بن عيسى اليافعي في يوم عيد الفطر
وبمكة المشرفة الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير
الفاسي، وأبو الفضل محمد بن البهاء محمد بن عبد المؤمن بن خليفة الدكالي

(1) يعني سنة 751.
(2) أي سنة 823.
(3) هو المحدث شيخ البدر العيني في معاني الآثار، ترجمه ابن حجر في المجمع
المؤسس في عداد مشايخه.
(4) نسبة إلى سمهود بالفتح والسكون وضم الهاء وبالدال المهملة قرية كبيرة على
شاطئ بحر النيل بالصعيد. مراصد الاطلاع وذيل لب اللباب.
281

في جمادى الأولى، ومحمد المدعو بكمال بن الضياء (1) محمد بن محمد بن
سعيد الهندي الصاغاني الحنفي.
* (ابن البلقيني) *
عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن أحمد بن محمد
ابن شهاب بن عبد الخالق أو عبد الحق بن محمد بن مسافر الكناني
العسقلاني المصري الشافعي الامام العلامة الأوحد شيخ الاسلام
جلال الدين أبو الفضل سبط الشيخ بهاء الدين بن عقيل ولد في جمادى
الآخرة أو في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وارتحل به أبوه معه في
سنة تسع وستين إلى الشام لما ولي قضاءها فلو وجد من يعتني به حينئذ
لأدرك الاسناد العالي ولم يكن لأبيه في تسميعه عناية وانما سمع
اتفاقا شيئا من السنن الكبرى للبيهقي بنزول على الشيخ علي بن أيوب
وسمع مع أبيه غالب الكتب الستة بغير شرط السماع لما كان يقع في
غضون ذلك من كثرة اللغط في البحث المفرط المخل لصحة السماع
لكن قد استجاز له الحافظ أبو العباس بن حجي جماعة منهم ابن أميلة
والصلاح بن أبي عمرو الحافظ عماد الدين بن كثير والنجم أحمد بن إسماعيل
النقبي وأحمد بن عبد الكريم والطبقة، اخرج له عنهم الحافظ أبو الفضل

(1) ابن الضياء بيت علم عظيم من الحنفية بمكة، وتراجم رجال هذا البيت
مستوفاة في الضوء اللامع.
282

ابن حرج فهرسا بالكتب المشهورة فكان يحث منها، وقد خرجت
أربعين حديثا عن أربعين شيخا من روايته وجماعة من مشايخنا قرأتها
على بعضهم، اشتغل الكثير على أبيه وعلى غيره القليل وكان قوي
الحافظة لديه ذكاء وفطنة، حفظ مختصرات، وولي توقيع الدست ثم
قضاء العسكر ودرس بعدة أماكن فاشتهر اسمه وطار ذكره وانتهت
إليه رياسة الفتوى لا سيما بعد وفاة والده وولي القضاء بالديار المصرية
عدة مرار إلى أن مات وهو متول، وكان رحمة الله تعالى عليه عفيفا
نزها حسن البشر والود محبا في العلم ماهرا في الفقه كثير المطالعة في
كتب الحديث، قال الحافظ شهاب الدين بن حجر: كان يحب فنون
الحديث محبة مفرطة وتأسف على ما ضيع منها ويحب ان يشغل فيها
وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين في كتاب (التبيان لبديعة
البيان) شرح ألفيته في الحفاظ: كان عين أعيان الأمة خلف والده
في الاجتهاد والحفظ وعلوم الاسناد رايته يناظر أباه في دروسه ويناقشه
فيما يلقيه من نفسه مع لزوم حرمة الآباء وحفظ مراتب العلماء، وله
على صحيح البخاري تعليقات نفيسات ومنها بيان ما وقع فيه من
المبهمات وله نظم ونثر وعدة مصنفات. قلت منها في التفسير والفقه
ومجالس الوعظ وله حواش على نسخته من الروضة جردها بعض طلبته
في مجلد ضخم وجمع له فتاوى أيضا وتعليقه على البخاري سماه (الافهام
لما في البخاري من الابهام) أجازني بما له روايته وليس هو من شرط
كتابنا هذا وانما ذكرته تبعا لشيخنا الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين
283

فإنه ذكره في كتابه المسمى (بديعة البيان عن موت الأعيان) ومات
تغمده الله تعالى برحمته مسموما فيما قيل أو بعلة القولنج ثم الصرع في
العاشر من شوال سنة أربع وعشرين وثمانمائة بالقاهرة المعزية ودفن على
أبيه في مدرسته التي أنشأها.
وفي هذه السنة مات بطريق عدن الفقيه حسين بن أحمد بن ناصر
الهندي المكي الحنفي، والقاضي شرف الدين حسين بن علي بن جراح
وبدمشق قاضيها تاج الدين عبد الوهاب بن أحمد بن صالح الزهري
الشافعي في ثالث شهر ربيع الأول، وبالقاهرة شمس الدين محمد بن
جامع البوصيري، وبمكة المشرفة الشريف أبو حامد محمد بن عبد الرحمن
ابن أبي الخير الفاسي في النصف من شهر ربيع الثاني، وبالقاهرة الشيخ
يوسف الصفي المصري.
* (ابن العراقي) *
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن
إبراهيم الكردي الرازياني ثم المصري الشافعي الامام العلامة الفريد
الحافظ ولي الدين أبو زرعة مولده في الثالث من ذي الحجة الحرام سنة
اثنتين وستين وسبعمائة اعتنى به أبوه فبكر به وأحضره على أبي الحرم
القلانسي ومن في عصره وأسمعه الكثير ببلده، وأول ما طعن في
الثالثة رحل به إلى دمشق في سنة خمس وستين فأحضره الكثير على
284

الجم الغفير من أصحاب الفخر بن البخاري وابن عساكر وغيرهما، ثم لما
ترعرع حبب إليه السماع فطلب بالقاهرة ومصر بنفسه فأكثر عن
مشايخ عصره، قرأ بنفسه عليهم الكثير، ورحل ثانيا إلى دمشق بعد
موت الطبقة الأولى فسمع بها من أصحاب القاضي سليمان والمطعم وابن
الشيرازي وغيرهم فشيوخه بالقاهرة ومصر والده سمع عليه جملة من
مصنفاته ومروياته والمعمر أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد القلانسي وعلي
ابن إسماعيل بن فراس والقاضي ناصر الدين محمد بن محمد بن أبي القاسم
التونسي ومحمد بن إبراهيم بن أبي بكر البياني وأحمد بن يوسف الخلاطي
وجويرية ابنة أحمد بن موسى الهكاري والجمال محمد بن محمد بن محمد بن
نباتة وناظر الحيش محب الدين ومحمد بن محمد بن أبي بكر العسقلاني
و عبد الرحمن القاري وعبد القادر الحنفي والبهاء عبد الله بن خليل المكي
والقاضي عز الدين بن جماعة والبهاء محمد بن محمد بن المفسر والقاضي
بهاء الدين أبو البقاء السبكي والعلامة جمال الدين الأسنوي وخليل بن
طرنطاي والبهاء بن عقيل والموفق الحنبلي و عبد الله بن علي الباجي
وعبد الله البسيوني ومحمد بن محمد بن محمد بن الشامية والقاضي برهان الدين
ابن جماعة والعز إبراهيم بن محمد بن عبد الله السمربائي (1) وإبراهيم بن
محمد بن أبي بكر الأخنائي وشهاب الدين بن النقيب وأحمد بن محمد

(1) نسبة إلى سمرباي بكسرتين واسكان الراء بعدها موحدة قرية بالغربية.
ذكره السخاوي.
285

البهوتي وأحمد بن النظام محمد بن محمد بن محمد بن القوصي ومحمد
ابن احمد العسجدي ومحمد بن أحمد بن عمر السلمي ومحمد بن أحمد بن
مرزوق ومحمد بن حبيب الله بن خليل ومحمد بن علي الخشاب وجمع
وبدمشق يعقوب بن يعقوب الحريري ومحمد بن المحب عبد الله بن
محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي وأحمد بن أبي بكر بن أبي عمر المقدسي
ومحمود بن خليفة المنبجي وعمر بن حسن بن أميلة وأحمد بن النجم
إسماعيل بن أبي عمر ومحمد بن أحمد بن عبد المنعم الحراني وست العرب
ابنة محمد بن الفخر علي بن البخاري وحسن بن الهبل وعمر بن محمد
ابن أبي بكر الشحطبي ومحمد بن إسماعيل بن جهيل وعلي بن عمر بن
أحمد بن عبد الرحمن الصوري ومحمد بن أبي بكر السيوفي ومحمد بن
الحسين بن علي بن بشارة ومحمد بن محمد بن سلامة الماكسيني وعمر بن
محمد بن إبراهيم بن جملة والحافظ تقي الدين بن رافع ومحمد بن إبراهيم
بن علي بن المظفر الحسيني وعدة، وببيت المقدس إبراهيم بن عبد الله
الزيباوي ومحمد بن حامد ومحمد بن سالم بن عبد الناصر، وبمكة
المشرفة محمد بن أحمد بن عبد المعطي وأحمد بن سالم بن ياقوت وأم
الحسن فاطمة ابنة أحمد بن قاسم الحرازي والجمال إبراهيم بن محمد
الأسيوطي وأحمد بن محمد بن محمد القسطلاني وأم الحسن وأم الحسين
ابنتا أحمد بن الرضي إبراهيم الطبري والتقي الواسطي والكمال محمد بن
عمر بن حبيب، وبالمدينة الشريفة عبد الله بن فرحون وغيرهم بعدة
من البلاد، واشتغل بالفقه وتقدم فيه على جماعة منهم البلقيني وابن
286

الملقن والأبناسي وفي أصوله على الشيخ ضياء الدين وكذا في المعاني
والبيان وفهم العربية وظهرت نجابته واشتهرت نباهته وأجيز وهو
شاب بالافتاء والتدريس وصار يزداد فضلا مع ذكائه وتواضعه وحسن
شكله وشرف نفسه وسلامة باطنه فأقبل عليه الناس وساد بجميع ذلك
في حياة والده واشتهر بالفضل مع الدين المتين والانجماع وحسن الخلق
والخلق قل ان ترى العيون مثله، ثم ولي جهات والده قبل موته وهو
على طريقته، وجلس للاملاء في أوائل شوال سنة أربع وعشرين فسار
سيرة محمودة، باشر ذلك بعفة ونزاهة وحرمة وشهامة الا انه استولى
عليه بعض صهورته ممن ليس سيرته كسيرته فلزق به اللوم فوثب عليه
وتعصب حتى صرف عن القضاء في سادس ذي الحجة سنة خمس وعشرين
فاستمر على الاشتغال والتدريس والجمع في حلقته متوافر، دروسه من
محاسن الدروس يجري فيها من غير تلعثم ولا تحريف، أكثر أيامه
يشتغل ويشغل ويصنف فألف جملة منها (البيان والتوضيح لمن خرج
له في الصحيح وقد مس بضرب من التجريح) وهو أول ما صنف
و (المستفاد من مبهمات المتن والاسناد) و (تحفة التحصيل في ذكر
رواة المراسيل) و (ذيل الكاشف) أضاف إليه رجال مسند الإمام أحمد
و (ذيل على تذييل والده على ذيل العبر للذهبي) و (الأطراف
بأوهام الأطراف) للمزي (والدليل القويم على صحة جمع التقديم)
و (الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية) التي سألته عنها و (تحفة
الوارد بترجمة الوالد) و (فضل الخيل وما فيها من الخير والنيل)
287

و (شرح الصدر بذكر ليلة القدر) و (الأربعون الجهادية) محذوفة
الأسانيد و (كشف المدلسين) و (جمع طرق المهدي) و (التحرير
لما في منهاج الأصول من المنقول والمعقول) و (تحرير الفتاوي على
التنبيه والمنهاج والحاوي) و (شرح البهجة الوردية) وشرح نظم والده
المسمى (النجم الوهاج في نظم المنهاج) واختصر المهمات وأضاف
إليها حواشي البلقيني على الروضة وأفرد الحواشي المذكورة في مجلدين
واختصر شرح جمع الجوامع للزركشي والكشاف للزمخشري، هذا
ما كمل، وتمم شرح والده على (ترتيب المسانيد وتقريب الأسانيد)
وأحكاما على ترتيب السنن لأبي داود وكتب فيها مجلدا وشيئا وشرح
قطعا متفرقة من نظم الاقتراح لوالده وقطعا مفرقة من كتاب (الدقائق
في الرقائق) أبوابا على حروف المعجم ومواضع مفرقة على الرافعي
نحو ست مجلدات، وتفرد بغالب ما حضره وحدث بكثير من
مسموعاته، ورد إلى مكة المشرفة في موسم سنة اثنتين وعشرين
فسمعت عليه المجلس الأول من أماليه املاء واستمليت عليه وقرأت
أحاديث عشاريات انتقاها الامام رضوان من أماليه، وكان حصل له
طحال فتداوى بشرب الخل كل يوم فعوفي وحج، ولما عزل عاد إليه
وجع فظنه (1) الطحال فتداوى بالخل فإذا به وجع الكبد فحمي

(1) وفي الأصل (وجع بطنه) فأصلحه الأستاذ العلامة الطهطاوي حفظه
الله كما ترى في أعلاه.
288

كبده وعالجه الأطباء أزيد من شهرين ثم عرض له وعك وحمى عظيمة
إلى أن آل أمره إلى الاسهال فأفرطه إلى أن مات في يوم الخميس سابع
عشر شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه
فسيح جنته، وبالجملة فلم يخلف له بعده في مجموعه مثله.
وفي هذه السنة مات بالمدينة الشريفة على الحال بها أفضل الصلاة
والسلام الشيخ خليل بن هارون المالكي في شهر رمضان، وقاضيها
ناصر الدين عبد الرحمن بن محمد بن صالح المدني الشافعي في صفر
وبدمشق مسندها المعمر الرحلة زين الدين عبد الرحمن بن المحدث محمد
ابن طولوبغا السيفي الناصري التنكزي الدمشقي، وبمكة المشرفة
الفقيه نور الدين علي بن هاشم بن غزوان الهاشمي في شهر ربيع الثاني
وبدمشق مدرس الأمينية تاج الدين محمد بن أحمد بن إسماعيل الحسباني
وبمكة رئيس المؤذنين بها جمال الدين محمد بن حسين بن عبد المؤمن في
شهر ربيع الأول.
حدثنا الامام الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن
الحسين المصري وقرأته عليه استملاء في يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة
الحرام سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة في المسجد الحرام لما قدم علينا حاجا
قال أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل سماعا
عليه بقراءة والدي رحمة الله تعالى عليهما قال أخبرني أحمد بن محمد بن
عبد الرحمن بن العجمي بقراءتي عليه ح وشافهنا عاليا بدرجة المعمر أبو
289

اسحق إبراهيم بن محمد الدمشقي بالمسجد الحرام عن إسحاق بن يحيى
الآمدي قال أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله
الدمشقي ح وأنبأنا بعلو درجة أخرى سليمان بن خالد الإسكندري منها
عن علي بن أحمد بن عبد الواحد عموما قالا أخبرنا أبو المكارم أحمد بن
محمد الأصبهاني قال ابن عبد الواحد كتابة قال أخبرنا أبو علي الحداد
قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أخبرنا عبد الله أبو جعفر بن فارس قال
حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا هشام
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال تذاكرنا ليلة القدر في نفر من
قريش فأتيت أبا سعيد رضي الله عنه وكان لي صديقا فقال الا تخرج بنا
إلى النخل فخرجنا وعليه خميصة له فقلت أخبرني عن ليلة القدر هل
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟ فقال نعم
اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من
رمضان فخطبنا صبيحة عشرين فقال عليه الصلاة والسلام اني رأيت
ليلة القدر واني أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في
وتر فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع ورأيت
كأني اسجد في ماء وطين فرجعنا وما نرى في السماء قزعة وجاءت سحابة
فمطرنا حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل وأقيمت الصلاة
فرأيته صلوات الله وسلامه عليه يسجد في ماء وطين حتى رأيت الطين
في جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال أثر الطين في جبهة رسول
الله صلى الله عليه وسلم. حديث صحيح اتفقا على اخراجه فرواه
290

البخاري عن معاذ بن فضالة ومسلم بن إبراهيم ومسلم عن محمد بن المثنى
عن أبي عامر العقدي والنسائي عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن
الحارث أربعتهم عن هشام الدستوائي به فوقع لنا بدلا للبخاري عاليا
وللآخرين في شيخي شيخيهما عاليا ولله تعالى الحمد والمنة والفضل
والشكر.
* (الفاسي) *
محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن
عبد الرحمن بن سعيد بن عبد الملك بن سعيد بن أحمد بن عبد الله بن
عبد الرحمن عبد الله بن علي بن حمزة بن بن إبراهيم بن علي
ابن عبد الله بن إدريس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
كذا نقلته من خط أخيه عبد اللطيف الحسني المكي المالكي سبط
قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل النويري الامام الحافظ المؤرخ
قاضي المالكية بمكة المشرفة ومؤرخها تقي الدين أبو الطيب ولد في ليلة
الاحد العشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة
بمكة المشرفة، وسافر إلى المدينة الشريفة على الحال بها أفضل الصلاة
والسلام صحبة أمه فحفظ بها القرآن العظيم والأربعين للنواوي مع
باب الإشارات ورسالة ابن أبي زيد وعرضها وسمع بها الحديث على أم
الحسين فاطمة ابنة احمد قاسم الحرازي وهو أقدم سماع له وبعد ذلك
على القاضي برهان الدين بن فرحون وعبد القادر الحجار وزين الدين
291

أبي بكر بن الحسين العثماني وغيرهم، ثم عاد مع أمه إلى مكة فحفظ
بها العمدة ومختصر ابن الحاجب في الفقه وعرضهما، وكان يحضر مجالس
قريبه الشريف عبد الرحمن الفاسي في الفقه وقرأ في التنقيح للعراقي
بحثا على الشيخ شمس الدين القليوبي وحضر دروسه في العربية وغيرها
وحبب إليه سماع الحديث فطلب بنفسه واعتنى بهذا الشأن، ورحل إلى
الديار المصرية والشامية واليمنية مرارا وسمع جملة على عدة من
المشايخ من ذلك بمكة على شيوخها والقادمين إليها منهم عم أمه القاضي
نور الدين النويري وخاله القاضي محب الدين والحافظ أبو حامد بن ظهيرة
قرأ عليه جملة من مسموعاته والشيخ شهاب الدين بن الناصح المصري
القرافي والعلامة برهان الدين الا بناسي والشيخ شمس الدين بن سكر
والبرهان بن صديق وعدة وبمصر على البرهان إبراهيم بن أحمد الشامي
وابن الشيخة الزين عبد الرحمن بن أحمد وشيخ الاسلام البلقيني
والسراج بن الملقن والحافظان العراقي والهيثمي وأبي المعالي عبد الله
ابن عمر الحلاوي والسويداوي وأحمد بن حسن وأم عيسى مريم ابنة
أحمد بن محمد بن إبراهيم الأذرعي وغيرهم، وبدمشق من علي بن أبي
المجد وأبي هريرة بن الذهبي سمع عليه كثيرا وغيرهما، وببيت المقدس
على الشهاب أحمد بن الحافظ صلاح الدين العلائي وغيره، وبغزة على
أحمد بن محمد بن عثمان الخليلي وغيره، وباليمن على الشيخ أصيل الدين
عبد الرحمن بن حيدر الدهقلي، وأجاز له قديما أبو بكر بن المحب
وإبراهيم بن أبي بكر بن السلار ومحمد بن محمد بن عمر بن عوض وجماعة
292

وشيوخه بالسماع والاجازة يقاربون خمسمائة شيخ، وكان له اعتناء
بالفقه وغيره وقرأ على الحافظ زين الدين العراقي شرحه على ألفيته في
علم الحديث بحثا وفهما وأذن له في اقراء فن الحديث، ووصفه بالحفظ
جماعة منهم الحافظ أبو زرعة العراقي، وأجازه بالافتاء والتدريس على
مذهب الامام مالك بن أنس جماعة منهم قريبه الشريف عبد الرحمن بن
أبي الخير الحسني وخلف بن أبي بكر المخزومي وبهرام بن عبد الله
الدميري (1) والشيخ أبو عبد الله الوانوغي (2) بعد أن أخذ عن كل
منهم جانبا من الفقه، جمع وألف وخرج وصنف جملة مصنفات من
ذلك عدة في أخبار بلده مكة المشرفة أكبرها (شفاء الغرام بأخبار البلد
الحرام) مجلدان جمع فيه ما ذكره الأزرقي وزاد فيه أشياء سود غالبه
ثم اختصره في مجلد وسماه (تحفة الكرام بأخبار البلد الحرام) ثم
اختصره في مجلد لطيف وسماه (تحصيل المرام) ثم اختصره في مجلد
وسماه (هادي ذوي الافهام إلى تاريخ البلد الحرام) ثم اختصره في
كراريس سماه (الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة) ثم اختصره
في كراريس وسماه (ترويح الصدور بطيبات الزهور) ثم اختصره في
عدة أوراق، وله تاريخ كبير في أربع مجلدات سماه (العقد الثمين في

(1) نسبة إلى دميرة بفتح الدال المهملة وكسر الميم ومثناة تحتية ساكنة وراء
مهملة قرية كبيرة بمصر قرب دمياط.
(2) بتشديد النون المضمومة وسكون الواو بعدها معجمة كما سلف.
293

تاريخ البلد الأمين) يشتمل بعد الخطبة على الزهور المقتطفة ثم سيرة
نبوية مختصرة من السيرة لمغلطاي مع زيادات عليها جمة مفيدة ثم تراجم
على حروف المعجم لجماعة من الصحابة من قريش وحلفائها وكنانة
وخزاعة وثقيف وجماعة من ولاة مكة وقضاتها وخطبائها وأئمتها
ومؤذنيها وجمع من العلماء والرواة والقاطنين بها والواردين إليها ومن
وسع المسجد الحرام وعمره ومن عمر بها شيئا من الأماكن المباركة
كالمساجد والمواليد وغير ذلك، انتهى في تسويده إلى أثناء الياء آخر
الحروف ثم ألف غالبا من تراجمه على هذا النمط وانتهى فيه إلى حرف
القاف من الكنى غير أنه لم يذكر فيه الا قدرا يسيرا من الصحابة ثم
اختصره وكمل الكنى منه والنساء ثم اختصره ثم زاد في هذا المختصر
جماعة عدة من الصحابة بلغ فيما زاد من تراجم الصحابة رضي الله عنهم
إلى أثناء حرف العين المهملة ثم شرع في اختصار العقد الثمين على نمطه
وسماه (عجالة القرى للراغب في تاريخ أم القرى) لم يكمله وجمع ذيلا
على كتاب النبلاء للذهبي مجلدين وكذا ذيل على تقييد ابن نقطة أجاد
فيه ثم اختصره مختصرين كبير وصغير وكذلك على الإشارة للذهبي سماه
(بغية أهل البصارة في ذيل الإشارة) وكذا على الاعلام للذهبي سماه
(ارشاد ذوي الافهام إلى تكميل كتاب الاعلام بوفيات الاعلام)
وله تاريخ بسط فيه تراجم بغية أهل البصارة التي ليست مبسوطة فيه
و (المقنع من أخبار الملوك والخلفاء وولاة مكة الشرفاء) ثم اختصره
294

ثم اختصر المختصر وكتاب في الأخريات مسود غالبه (1) و (تذكرة
ذوي النباهات لجملة من الاذكار والدعوات) واختصر كتاب حياة
الحيوان للدميري سماه (مطلب اليقظان من حياة الحيوان) وله في
الفقه عدة تصانيف منها في المناسك ثلاثة أحدها (ارشاد الناسك إلى
معرفة المناسك على مذهب الامامين الشافعي ومالك) وخرج في سنة
ست وتسعين لشمس الدين الحبيشي (2) جزء حديث حدث به وكذا
للمحدث شمس الدين محمد بن علي بن سكر البكري في سنة تسع
وتسعين ولنفسه أربعين حديثا متباينة المتن والاسناد وفهرسا مشتملا
على جملة مروياته بالسماع والاجازة وصارت جميعها كالعدم لأنه وقفها
وشرط ان لا تعار لمكي وأسند وصيته في ذلك وغيره إلى أخيه لامه
الخطيب أبي اليمن النويري فكان من شأنه إذا قصده آفاقي لاستعارة
شئ منه يعتذر له بالمعاذير التي ليست بلائقة بالجهال فكيف بمن ينسب
نفسه إلى طلب العلم والورع والصلاح فإذا ثقل عليه أحد في ذلك وكان
ممن يخشاه أو يحترمه من ذوي الوجاهات من الغرباء أعاره بعض
التصنيف وتعلل عليه في باقيه بالزور من القول فالله تعالى يهديه إلى

(1) ومع هذا كله يعده أبو المحاسن بن تغري بردي الظاهري - في كتابيه المنهل
الصافي والنجوم الزاهرة غير متقن في التاريخ كثير الأوهام فيه الا فيما يتعلق
بالحجاز.
(2) بضم ثم موحدة وآخره معجمة مصغر نسبة لبني حبيش بالقرب من
تعز باليمن.
295

الصواب وبالله العظيم لقد كان رحمة الله عليه كثيرا ما يسألني في تحصيلها
وكتابتها وآخر ما كان ذلك في الشهر الذي مات فيه فالله تعالى يغفر
له ويسامحه، وكان رحمة الله تعالى عليه مكثرا سماعا وشيوخا وتصانيف
له اليد الطولى في الحديث والتواريخ والسير عني بهذا الشأن فجمع
وأفاد وكتب الكثير، أخذ الناس عنه وانتفعوا به الكبير منهم
والصغير فكان يملي من حفظه المجلدات في معرفة أسماء الرجال وتراجمهم
وطبقاتهم وأما التواريخ فإنه كان يسردها سرد الفاتحة لا يتلعثم في ذلك
حدث بجملة من مسموعاته ونبذ من مؤلفاته، قرأت عليه المتباينة
له كرتين و (تحصيل المرام من تاريخ البلد الحرام) وتراجم من (العقد
الثمين في تاريخ البلد الأمين) وكلاهما من تأليفه وحدثت معه بصحيح
مسلم وبالسنن للنسائي وابن ماجة، ولي قضاء المالكية بمكة المشرفة
المعظمة في أواخر سنة سبع وثمانمائة وهو أول من وليه بها استقلالا
واستمر فيه نحوا من عشرين سنة غير أنه في سنة سبع عشرة صرف
عنه بقريبه الشريف أبي حامد بن عبد الرحمن قريبا من بضعة عشر
يوما ثم أعيد إليه فاستمر إلى أن صرف عنه ثانيا في آخر سنة عشرين
ثم ضعف بصره جدا فصرف في أواخر سنة ثمان وعشرين فسافر في
أوائل سنة تسع وعشرين إلى القاهرة واستفتى فضلاء المالكية فأفتوه
بأن العمى لا يقدح إذا طرأ على القاضي المتأهل للقضاء حتى أن بعضهم
أفتى بأنه لا يضر تولية الأعمى ابتداء، واستنابه القاضي شمس الدين
296

البساطي (1) فحكم بالصالحية فأنهى محبوه أمره إلى السلطان وأثنوا
عليه فأعاده إلى منصبه فتوجه إلى بلده وأقام بهامدة فسعي عليه فصرف
واستمر معزولا إلى أن مات رحمة الله تعالى عليه في النصف الثاني من
ليلة الأربعاء الثالث من شوال سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة ولم يخلف
بالحجاز مثله.
وفي هذه السنة مات في ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم الشيخ
الصالح شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد الصوفي الضرير، وفي يوم
الاثنين سابع شهر صفر امام السلطان الأشرف الشيخ محمد بن سعيد
سويدان، وفي ليلة الاحد حادي عشر ربيع الآخر ناصر الدين محمد بن
عبد الوهاب بن محمد البارنباري (2) بدمياط، وفي يومها محمد بن
عبد الله بن حسين بن الخراز، وفي ليلة الاثنين سادس عشريه شمس الدين
محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشطنوفي (3) وفي يوم الخميس سادس عشر
شهر ربيع الآخر الأديب نور الدين علي بن عبد الله شهر بابن عامر
وفي ليلة الاحد سابع عشري جمادى الآخرة القاضي بدر الدين محمد بن

(1) بكسر أوله قرية من الغربية. وأصله الرومي (بسوط).
(2) نسبة إلى بارنبار بالباء الموحدة وألف وراء مفتوحة بليدة قرب دمياط، قال
ياقوت في معجم البلدان: هكذا يتلفظ به عوام مصر وتكتب في الدواوين ببور نبارة.
(3) بفتح الشين المعجمة وتشديد الطاء المهملة المفتوحة وفتح النون نسبة إلى
شطنوف بلد بكورة الغريبة بمصر.
297

محمد بن أحمد بن مزهر الدمشقي، وفي ليلة الثلاثاء شيخ وكيل بيت
المال نور الدين علي بن السفطي (1) وفي ذي الحجة أمير المدينة
الشريف عجلان بن نغير بن منصور بن جماز بن منصور بن جماز بن
شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا بن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم بن
عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب مقتولا، وكذا ابن عمه الشريف خشرم
أبو دوغان بن جعفر بن عبد الله بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة
الحسيني، وفى يوم الجمعة ثامن عشر شهر رجب الواعظ البليغ المعروف
بالشاب التائب أحمد بن عمر السفطي.
* (ابن الغرابيلي) *
محمد بن محمد بن محمد بن مسلم - بفتح المهملة واللام المشددة - بن
علي بن أبي الجود السالمي المصري المولد الكركي الأصل والمنشأ ثم
المقدسي الشافعي سبط القاضي عماد الدين الكركي الامام الحافظ
تاج الدين ولد في سنة ست وتسعين وسبعمائة بالقاهرة ونقله أبوه إلى
الكرك فنشأ بها ثم انتقل به إلى القدس الشريف فاشتغل وحفظ عدة

(1) نسبة لسفط الحنا بالشرقية، قال ابن حجر في (تبصير المنتبه في تحرير
المشتبه) سفط ستة عشر موضعا كلها بمصر في قبليها وبحريها، قال فيهم من له نباهة
في العلم أو الديانة.
298

مختصرات وتخرج بجماعة منهم النظام قاضي العسكر وعمر المليجي وابن
الديري ثم اشتغل بهذا الشأن وأقبل على طلب الحديث فسمع الكثير
وبرع جدا في معرفة العالي والنازل والأسماء، وله مصنفات حسنة منها
مؤلف جمع فيه بين المنقول والمعقول أبان فيه عن فضل كبير ونظر
واسع ذكر فيه ما ورد في الحمام من الاخبار والآثار مع أقوال العلماء
في دخوله وما يتعلق بالعورة واستعمال الماء فيه والاستياك والوضوء
والغسل وقدر المكث فيه وحكم الصلاة فيه وأفضل الحمامات وأحسنها
وما يتعلق بذلك من الطيب وحكم أجرة الحمام وغير ذلك وهو نهاية في
الجودة وله تعاليق وفوائد وخرج لشيخنا عبد الرحمن القنائي جزءا
من روايته، وكان رحمه الله تعالى لديه فصاحة لسان وقوة جنان وشرف
نفس وقناعة ومعرفة بالأمور ومروءة والتودد إلى أصحابه والقيام
معهم، رحل إلى القاهرة فصحب بها الحافظ أبا الفضل بن حجر وحرر
(تحرير المشتبه) له ولازمه إلى أن أدركه أجله بها فمات في يوم السبت
ثالث عشر جمادى الآخرة سنه خمس وثلاثين وثمانمائة تغمده الله تعالى
برحمته، ودفن بتربة الصوفية الصلاحية بالقاهرة بعد أن صلى عليه
حافظ العصر الحافظ أبو الفضل بن حجر وحضر جنازته جمع وكان له
مشهد حفل وعظم عليه الأسف ووقف على قبره بعد الفراغ من دفنه
عدة من الأئمة منهم قاضي القضاة الشافعي ابن حجر وقاضي الحنفية
سعد الدين بن الديري وقاضي الحنابلة محب الدين بن نصر الله البغدادي
والشيخ تقي الدين المقريزي ساعة زمانية يسألون الله تعالى له التثبيت.
299

وفي هذه السنة مات السلطان حسين بن جلال الدولة بن القان
أحمد بن أويس، وعيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي في ليلة الجمعة سادس
عشري جمادى الثانية، وأحمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر بن
السفاح الحلبي في ليلة الأربعاء رابع عشر شهر رمضان، والصاحب
علم الدين أبو عمر يحيى بن الأسلمي في ليلة الخميس ثاني عشريه
وسلطان قبرس حينوس بن ملك بن سرو بن أنكون بن حينوس
والمحدث شهاب الدين أحمد بن عثمان بن محمد الكلوتاتي (1) وشهاب الدين
احمد ابن هشام النحوي، وشيخ النحاة زين الدين البصروي
بدمشق، والقاضي زين الدين عبد الرحمن بن علي التفهني (2) في ليلة
الاحد من شوال.
* (ابن الخياط) *
محمد بن أبي بكر بن محمد بن صالح الهمداني الجبلي - بكسر الجيم

(1) نسبة إلى عمل الكلوتات وهي قلانس كانت تلبسها الجنود في عهد الدولة
الجركسية، وهو جمال الحفاظ أبو الفتح شهاب الدين أحمد بن عثمان الكلوتاتي
الحنفي المعمر، شهدوا له بأنه أكثر معاصريه سماعا ملا البلاد المصرية رواية. ولد
سنة 762.
(2) بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه ثم نون نسبة إلى قرية بالقرب من دمياط
وهو قاضي قضاة الحنفية بمصر. الضوء.
300

واسكان الباء الموحدة - التعزي (1) الشافعي الامام العلامة الحافظ
جمال الدين أبو عبد الله وكان أبوه يلقبه بالباقر، مولده بجبلة من بلاد
اليمن في سنة سبع وثمانين وسبعمائة فنشأ بها على عفة ونزاهة واشتغل
فحصل فنونا من العلم وتفقه على جماعة منهم والده وأجازه بالافتاء
والتدريس واعتنى بهذا الشأن فتيقظ ومهر فسمع ببلده على جماعة
منهم محدثها الامام نفيس الدين أبو الربيع سليمان بن إبراهيم العلوي
وقاضي الأقضية بها مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي، وورد إلى
مكة المشرفة مرتين فحج وزار النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ بمكة على
حافظ الحجاز العلامة أبي حامد بن ظهيرة شيئا من عواليه وعلى الامام
أبي الحسن بن سلامة المسلسل بالأولية بطرقه وما يتلوه من في
أول مشيخته تخريجي له وغير ذلك وسمع في طيبة مسند الدنيا العلامة
زين الدين أبي بكر بن الحسين المراغي وغيرهم وقرأ على العلامة
شمس الدين بن الجزري بعض مروياته لما ورد عليهم اليمن في سنة
ثمان وعشرين وأجاز له عدة من مصر والشام والإسكندرية والحرمين
وغيرهما باستدعاء صاحبنا الحافظ أبي عبد الله محمد بن موسى المراكشي
وغيره منهم أبو الطاهر محمد بن أبي اليمن بن الكويك وعائشة ابنة
محمد بن عبد الهادي ورقية ابنة يحيى بن مزروع وحصل له النفع التام

(1) نسبة إلى تعز بالفتح ثم الكسر والزاي مشددة قلعة عظيمة من قلاع اليمن.
معجم البلدان.
301

بصحبته أعني ابن موسى لا سيما بعد موته فان غالب كتبه وأجزائه
صارت إليه، وكان له وجاهة عند صاحب اليمن الملك الناصر أحمد بن
إسماعيل واتصال، ولما دخلت اليمن في سنة ست عشرة وثمانمائة قرأ
علي بجبلة في خلوته من جامعها الحديث الأول من البخاري سماعي
له من ابن صديق وحدثني هو به بروايته عن والده وبيني وبينه صحبة
وتودد ومكاتبات منها كتاب فيه تعزية بابني أبي زرعة محمد رحمه الله
تعالى ورضي عنه فمنه بعد صدر الكتاب: وننهي بعد تأدية واجب
السلام ورحمة الله وبركاته صدورها في رابع عشر ذي القعدة الحرام
والخاطر عند سيدي والشوق إليه متوافر والمودة له متأكدة والدعاء
مستمر ولسان الحال والمقال ينشد:
لست أنسى تلك الحقوق ولكن * لست أدري بأيهن أكافي
والله تعالى يمن بتعجيل رؤيته ويتولى مكافأة صنائعه ولا يخلي
من أنسه وبركاته ومن موجب تسطيرها تعريف الخاطر الكريم بما لحق
من الحزن والاحتراق بما بلغنا من وفاة سيدي الولد العزيز الحبيب ابن
الحبيب وما حملناه من الهم بذلك فانا لله وانا إليه راجعون فمما أكد ذلك
ما سمعناه عنه من النجابة والاقبال على الاشتغال ولزوم مجالس أهله
عوضه الله تعالى عن ذلك الرفيق الأعلى في مقعد الصدق وأحسن
الخلافة لسيدي ووفر له الاجر والذخر وخير هذه الصدمة لما يتبعها من
الاجر والمخدوم لا يحتاج إلى تنبيه على فضل الصبر وليفوض إلى من
302

بيده الخلق والامر والله سبحانه قد اختار له ما لديه وكان له خير جار
فاختاروا له ما اختار الله تعالى واسلوه بما تسلى به الإمام أبو الوفاء بن عقيل
عن ولده فقصته في كتاب الثبات عند الملمات من تصانيف ابن الجوزي
وسيدي هو الذي أفادني النظر فيه والانتفاع به والله در القائل:
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري
والشعر لأبي الحسن التهامي من مراثي ولده أبي الهيجاء ويقال
انه رئي بعد موته فقال غفر لي بهذا الشعر فالحمد لله رب العالمين وانا لله
وانا إليه راجعون اللهم ارفع درجته في عليين واخلفه في عقبه وعد عليه
وعلينا بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين والله تعالى يعلم أن الحزن مشترك
والعزاء واحد وأرجو ان الله سبحانه وتعالى قد أعظم لكم الاجر ووفر
الذخر وأقر أعينكم له بما هو خير له إن شاء الله تعالى. ثم وقفت له على
مكاتبات بليغة إلى صاحبنا الفقيه موفق الدين علي بن إبراهيم الآبي
منها جواب عن كتاب كتبه إليه يذكر له مرض زوجه وانها على
خطر فكتب: قد والله عز علي ما ذكرتم من مرض الاهل حتى قلتم
لم يبق تعني قول الشاعر:
لم يبق الا نفس هافت * ومقلة انسانها باهت
الحمد لله على هذا واليه تصير الدنيا وأهلها على كل حال ما للانسان
بد من الله ولا فضلة خير الا من الله تعالى وما يكره الانسان الموت
الا لمن الف من هذه الهوي والا فما يكره الانسان بالوصول إلى من
303

لا يجد الخير الا منه فالله تبارك وتعالى يجعل الموت راحة لنا من كل شر
ويوصلنا به إلى كل خير وما أحسن الدعوة الشريفة النبوية اليوسفية
حين بلغ أقصى مطالب الدنيا فارتاحت نفسه إلى المطلب الأسنى فقال
عليه الصلاة والسلام: اللهم توفني مسلما وألحقني بالصالحين وأظنه والله
سبحانه وتعالى أعلم يعني بالصالحين الرفيق الأعلى الذي سأله إياه سيد
المرسلين عند انقضاء نصيبه من الدنيا وحين أصيبت به الاحياء فقال
الرفيق الأعلى فنسألك اللهم ان تلحقنا بذلك الرفيق وتجعلنا من خير
فريق. ومنها كتاب يصف فيه حاله وقد زهد في صحبة الملك وأعوانه
لما قدموا عليه من قال فيه الطغرائي:
تقدمتني أناس كان سعيهم * وراء خطوي إذ أمشي على مهل
وقد نالوا منه قولا من الزور وحسدوه على كثير من (عمله المبرور)
ونصره الله تبارك وتعالى عليهم وجمل أحواله وصارت الرعية مراعية
أقواله وأفعاله فكان من جملة مكاتبته ان قال: والله ما يسوءني ذلك
لعلمي بما لي عند الله عز وجل وما والله أشك ان ذلك لما علمه الله تعالى
من تقصيري فأراد الله سبحانه وتعالى اثبات حسنات لم أعملها بما سبق
من احسانه كما فعل ذلك لأوليائه هذا حالي مع من الدنيا في يده والأسباب
والرياسة مع اني قنعت بلا شئ وما زاحمت على شئ من وظائفهم ولا أرزاقهم
وبالله يا أخي إذا دعوت الله تعالى فادع ان كان ما قالوه حقا ان يأخذ
سبحانه مني أخذه من أعدائه وان كان محض الزوران يعوضني ما اقتضاه
304

فضله واحسانه فهكذا كنت ادعو على فلان وسماه هو عبد الرحمن
الحداد كان يؤذيه ويسعى في أذيته عند الملك فرد الله تعالى كيده في
نحره وسلط عليه جور وسمل عيناه وأحوجه الله تبارك وتعالى إليه
وصار في بيته عوله عليه فسبحان المعز المذل اللهم أنت الحكم بين البرايا
والعدل في القضايا إلى أن قال ووالله ما مضى لأقل العبيد زمان أضيق
من هذا الزمان بالنسبة إلى نفقة المعتاد وما مضى والله ولله الحمد وقت
القلب فيه اشرح والنفس فيه أقنع من هذا الوقت فوالله ما للعبد سعادة
أسعد من حاجته إلى ربه ولا حال أفضل من الحال الذي اختاره صاحب
الشرع صلوات الله وسلامه عليه في قوله صلى الله عليه وسلم (أجوع يوما
وأشبع يوما) عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله:
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا * يحتاج فيه إلى الأنصار والخول
ولو لم يكن في ذلك الا حصول الحرية من الحاجة إلى زيد وعمرو
وانزال الحاجة بالمخلوق الذي ليس في يده مثقال ذرة من الامر ولله
در السيد الخليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه
حيث يقول في طلب الرجل الحاجة من أخيه فتنة فإنه ان أعطى حمد
من لا يعطيه وان منع ذم إلى من لم يمنعه إشارة إلى حقيقة التوحيد فنسأل
الله تعالى ان يلحقنا بمن عرفه فاستغنى به وعرف الخلق فعذرهم وأعظم
ما يتمحص منه الخاطر قول العدو فعل فلان وقال فلان وصدر منه مما
لم يعلم الله سبحانه وتعالى مثقال ذرة ووقوع الانسان بين غدر جاهل
305

وعاقل مضاغن وما والله يؤانسني الا انى كلما تأثر الخاطر من عظيم ما
أسمع استحضرت اطلاع الله عز وجل على البراءة من مثقال الذرة
من ذلك واستحضر قوله صلى الله عليه وسلم (الا تنظرون كيف يوقع
الله عز وجل شتم قريش ولعنهم يلعنون مذمما ويشتمون مذمما وأنا محمد
صلى الله عليه وسلم) إشارة إلى أن الذم يتعلق بالصفة لا بالمنسوب إليه
إذا عري عن تلك الصفة. ومنها جواب كتاب كتبه إليه يعتب على
بعض أصحابه ويشكوه إليه في أمر أمر الله تعالى فيه فلم ينهض بقضائه
فكمل من جملة ما كتب به ان قال: رأيت لبعض علماء الأولياء
وأولياء العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم (أطيب ما اكل الرجال من كسب
يده) ان كسب يده ان بيضت وجهه (1) ويرفع يديه إلى الله عز وجل
في حوائجه بشئ ثم قال فهذا الكسب هو حاصل أموالنا ونطلب الذي
لا يغيض ولا يزال يفيض إن شاء الله تعالى فاعتمدوه أكثر من عادتكم
تقبل الله تعالى منكم في الدنيا والآخرة انتهى، وهو أبقاه الله تعالى
من الفقهاء المعتبرين بالقطر اليماني والمنفردين بالحفظ به الآن بالاجماع
والمرجع إليه به في هذا الفن عند النزاع فالله تعالى يبقيه ويكفيه

(1) هكذا في الأصل، وهذا المعنى تأويل تصوفي بل المراد الكسب الفعلي
وللامام أبي بكر الخلال محرر المذهب الحنبلي جزء لطيف سماه (الحث على التجارة
والصناعة والعمل) يجمع فيه ما ورد في ذلك من الآثار ويرد به على من يرى
التوكل في ترك العمل ويسرد أقوال الإمام أحمد في هذا الصدد وسنطبعه إن شاء الله
تعالى.
306

الأسواء ويقيه، انتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى في ليلة الجمعة سابع
ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثمانمائة بتعز من بلاد اليمن ودفن
صبيحتها في بعد أن صلي عليه في تغمده الله تعالى برحمته
وأسكنه فسيح جنته.
وفي هذه السنة مات قاضي الحنفية بالديار المصرية السيد ركن الدين
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الحسيني ويعرف بعرجان في ليلة الاحد
سابع عشر المحرم، وصاحب مدينتي آمد وماردين الأمير قرايلوك عثمان
ابن في خامس صفر، وسلطان تونس وبلاد إفريقية المستنصر أبو
عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي فارس في يوم الخميس حادي
عشري صفر، والأمير التاج بن سبقا القازاني ثم الشوبكي في ليلة الجمعة
حادي عشري شهر ربيع الأول، ونائب الشام الأمير قصروه في ليلة
الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر بدمشق، وفي هذا الشهر بكلبرجه
سلطانها المظفر احمد شاه بن، وزمام الدار بمصر الطواشي خشقدم
في يوم الخميس عاشر جمادى الأولى بالقاهرة، وأمير المدينة الشريف
ماتع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني خرج إلى
ظاهر المدينة يتصيد فوثب عليه حيدر بن دوغان بن جعفر بن هبة بن جماز
ابن شيحة فقتله بدم أخيه أمير المدينة خشرم بن دوغان في عاشر جمادى
الآخرة، وفي أخريات هذا الشهر قتل الشريف كبيش بن جماز الحسيني
بقرب القاهرة، وابن الأمانة القاضي بدر الدين محمد بن أحمد بن
307

عبد العزيز القاهري بها في ليلة الثلاثاء سابع عشر شعبان، وحفيد
تيمور احمد جوكي بن شاه رخ، والشيخ أبو بكر بن محمد بن علي الحافي
ثم الهروي بالقاهرة في يوم الخميس ثالث شهر رمضان في الوباء الحادث
بها، وزوج السلطان الأشرف خوند جلبان الجركسية (1) في يوم
الجمعة ثاني شوال، وفيه صاحب مدينة تلمسان والغرب السلطان احمد
ابن موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى التلمساني.
* (سبط ابن العجمي) *
إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي ثم الحلبي وجده لامه هو عمر
ابن محمد بن الموفق أحمد بن هاشم بن أبي حامد عبد الله بن العجمي
الامام العلامة برهان الدين أبو الوفاء ولد بالجلوم (2) من حلب في الثامن
والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ومات والده
وهو طفل جدا وكفلته أمه وتحولت به إلى دمشق فأقام معها وحفظ

(1) نسبة إلى جركس جبل من الناس تتشعب منه أربع قبائل كبيرة وهي (تركس
- ويقال لها أيضا شركس -، واذكس، وكسا، وآص) وتتفرع من هذه
القبائل الأربع بطون وأفخاذ يذكرها البدر العيني في كتابيه (السيف المهند في
سيرة الملك المؤيد) و (عقد الجمان في تاريخ الزمان)، و (آص) من قبائلهم
هي قبيلة (علان) كما في ذيل اللب وتسمى (اللان) و (الان) أيضا والأخير في كتب الفرس.
(2) بفتح الجيم وتشديد اللام المضمومة بقرب فرن عميرة بفتح العين حارة
من حارات حلب. الضوء اللامع.
308

بعض القرآن العزيز بها ثم رجعت إلى حلب وهو في صحبتها فنشأ بها
وأدخلته مكتب الأيتام فحفظ به القرآن العظيم وصلى به بخانقاه جده لامه
الشمس أبو بكر أحمد بن العجمي والد والدته الموفق احمد السابق ذكره
وقرأ من أول القرآن الكريم إلى أثناء سورة براءة لأبي عمرو على
الماجدي بعد أن كان قرأ عدة ختمات تجويدا على غيره ثم قرأ لقالون
إلى أول سورة المزمل على الامام شهاب الدين أحمد بن أبي الرضى الحموي
الشافعي وقرأ ختمتين لأبي عمرو وثالثة بلغ فيها إلى أول يس
لعاصم على الشيخ عبد الأحد الحراني الحنبلي ثم قرأ بعض القرآن
الشريف لأبي عمرو وابن عامر ونافع وابن كثير على الامام أبي عبد الله
محمد بن ميمون البلوي (1) الأندلسي، واخذ علم الحديث بدمشق عن
الامام صدر الدين سليمان بن يوسف الياسوفي الشافعي وبمصر عن الحافظ
أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي وشيخ الاسلام أبي
حفص عمر بن رسلان البلقيني والامام سراج الدين أبي حفص عمر بن
علي بن الملقن وتفقه بحلب على جماعة منهم العلامة كمال الدين أبو حفص
عمر بن إبراهيم بن عبد الله بن العجمي الحلبي الشافعي والامام علاء الدين
علي بن عيسى البابي والامام نور الدين محمود بن علي العطار الحراني وابنه
تقي الدين محمد وأبو البركات الأنصاري والعلامة شهاب الدين بن الرضي
وحضر عند الامام شهاب الدين الأذرعي دروسا في الفقه منها في كتاب

(1) بفتح الموحدة واللام نسبة إلى بلى بن عمرو بن الحارث. شذرات الذهب.
309

المنهاج للنواوي وكذا الشيخ شهاب الدين احمد الحنبلي، وبالقاهرة
على شيخ الاسلام البلقيني والعلامة سراج الدين بن الملقن والامام
شمس الدين محمد الصفدي وغيرهم، واخذ علم النحو بحلب عن الامام
كمال الدين إبراهيم بن عمر الحلاوي وأبي عبد الله وأبي جعفر الأندلسيين
والامام زين الدين عمر بن أحمد بن عبد الله بن المهاجر، وبالقاهرة عن
الامام زين الدين أبي بكر التاجر الحنفي، واللغة عن القاضي مجد الدين
ابن يعقوب الشيرازي وطرفا من البديع عن الأستاذ أبي عبد الله الأندلسي
وطرفا من التصريف عن الامام جمال الدين يوسف الملطي الحنفي، وكان
طلبه للحديث بنفسه بعد أن كبر فأقدم سماع له في سنة تسع وستين
وسبعمائة وكتب الحديث في جمادى الثانية من سنة سبعين فسمع وقرأ
الكثير ببلدة حلب جاء على غالب مروياتها، وشيوخه بها قريب من
سبعين شيخا منهم الكمال عمر بن إبراهيم العجمي وخاله هاشم بن محمد
ابن الموفق بن العجمي والكمال محمد بن عمر بن حبيب وأخوه بدر الدين
الحسن والبدر أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بشر الحراني والظهير محمد بن
عبد الله بن العجمي وسليمان بن محمد بن حمد بن محاسن النيربي (1)
وأحمد بن عبد العزيز بن المرحل ومحمد بن علي بن نبهان الجبريني
وفخر الدين عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسن الحراني والقاضي كمال
الدين الحربي والقاضي كمال الدين بن العديم وفخر الدين بن المغربل وأبو

(1) النيرب غربي الصالحية بدمشق. ضرب الحوطة على جميع الغوطة لابن
طولون.
310

عبد الله بن جابر الضرير ورفيقه ابن مالك وناصر الدين بن عشائر
والشهاب الأديب وابن عبد الباقي وشهاب الدين بن النصيبي وموسى
ابن فياض وطلحة بن المعلم وابن قطلوا الحلبي والشيخ شهاب الدين الأذرعي
وإبراهيم بن امين الدولة، ثم رحل في سنة ثمانين وسبعمائة فسمع بحماة
وحمص وببعلبك ودمشق فأدرك بها خاتمة أصحاب الفخر بن البخاري
الصلاح محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبي عمر ولم يسمع من أحد من أصحابه
سواه وسمع بها على عدة نحو الأربعين شيخا منهم أبو الهول وابن
الخباز وابن المحب الصامت وابن عوض وابن السلار وابن محبوب وابن
أخي المزي ومحيي الدين الرحبي وابن عبد الغالب وابن عزار والشيخ
حسن الكناني الصالح وابن الناصح وابن الفخر البعلي وأخته زينب
وابن الصيرفي والفخر بن محبوب والحسباني المؤذن، ورحل منها إلى
القدس الشريف فسمع به وببلد الخليل ثم رحل إلى القاهرة فسمع بها
على بضع وثلاثين شيخا منهم عبد الله بن علي الباجي وابن ظافر وابن
حسب الله والطنتدائي والقاضي ناصر الدين الحنبلي ومحمد بن علي الخشاب
والبهوتي (1) وصلاح الدين البلبيسي وجويرية، ورحل منها إلى
الإسكندرية فسمع بها وقرأ على أربعة مشايخ (2) ابن الدماميني والقروي
وابن فتح الله وجماعة، ثم عاد إلى حلب فسمع في طريقه ببلبيس ودمياط

(1) بضم أوله نسبة لبهوت بالغربية. الضوء اللامع.
(2) هكذا في الأصل.
311

وغزة سمع بها من قاضيها علاء الدين بن خلف وغيره وببلد الخليل
سمع به من الشيخ عمر المجرد وببيت المقدس سمع به من جلال الدين
القادم وصلاح الدين الطوري وشمس الدين بن حامد وغيرهم ونابلس
ودمشق وحمص وحماة وأقام بحلب أعواما ثم رحل ثانيا فسمع بحماة
وحمص وبعلبك ودمشق ونابلس وبيت المقدس وغيره والقاهرة ومصر
ودمياط وبلبيس وأكثر جدا من العالي والنازل عن خلق، وثبته بخطه
الدقيق المليح في مجلد ضخم وهو كبير الفوائد، ومشايخه بالسماع قريب
المائتين، وأجازه من أصحاب الفخر بن البخاري ابن أميلة وابن الهبل
وجمع من غيرهم، وشيوخه بالسماع والاجازة يجمعهم معجمه الذي
خرجه له ابني نجم الدين أبو القاسم محمد المدعو بعمر نفعه الله تعالى ونفع
به سماه (مورد الطالب الظمي من مرويات الحافظ سبط ابن
العجمي) (1) بمكة المشرفة المبجلة لما قدم من رحلته أرسل به إليه
صحبة الحاج الحلبي في موسم سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، عني بهذا
الشأن واشتغل في علوم وجمع وصنف مع حسن السيرة والانجماع

(1) قال الشمس بن طولون في أربعين الأربعين: وقد اعتنى بترجمته المحدث
الرحال النجم محمد المدعو عمر بن فهد المكي وجمع له مشيخة سماها (مورد الطالب
الظمي لمرويات البرهان سبط ابن العجمي) فمن أراد معرفة مشايخه وتراجمهم
ومسموعاته فليراجعها لينظر العجب العجاب، وقد أهدى مخرجها ابن فهد المذكور
نسخة منها لشيخنا ناصر الدين بن زريق وقد صار إلي بعد موته بأربعة دنانير
أشرفية اه‍.
312

عن التردد إلى ذوي الوجاهات والتخلق بجميل الصفات والاقبال على
القراءة بنفسه ودوام الاسماع والاشتغال وهو امام حافظ علامة (1)
ورع دين وافر العقل حسن الأخلاق جميل المعاشرة متواضع محب
للحديث وأهله كثير النصح والمحبة لأصحابه كثير الانصاف والبشر
لمن يقصده للاخذ عنه خصوصا الغرباء ساكن منجمع عن الناس
طارح للتكلف سهل في التحديث صبور على الاسماع ربما اسمع اليوم
الكامل من غير ملل ولا ضجر كثير التلاوة بكتاب الله عز وجل
وعرض عليه قضاء الشافعية بحلب كرتين فامتنع وأصر على الامتناع
فسئل في أن يعين من يصلح فعين القاضي أبا جعفر بن العجمي فولي
فسار فيهم على السنن المستقيم فلم تطق الرعية ذلك فصرف وولي عليهم
زين الدين عبد الرحمن بن الكركي فسار فيهم سيرة غير حميدة فضجوا
منه وشكوا فسئل الشيخ في أن يعين لهم قاضيا فأشار إلى القاضي
علاء الدين بن خطيب الناصرية فسدد وقارب، ومن مؤلفات الشيخ
أدام الله تعالى علوه (تعليق على صحيح البخاري) في مجلدين بخطه وفي
أربع مجلدات بغير خطه سماه (التنقيح لفهم قارئ الصحيح) و (نور
النبراس على سيرة ابن سيد الناس) في مجلدين (وحواش على سنن ابن
ماجة) مجلد و (نقد النقصان في معيار الميزان) مجلد و (غاية السول

(1) وقال ابن حجر بأنه أحق الناس بالرحلة إليه لعلو سنده حسا ومعنى
ومعرفته بالعلو فنا فنا اه‍.
313

في رجال الستة الأصول) و (المقتفى على ألفاظ الشفا) للقاضي عياض
و (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) (1) مجلد لطيف
وحواش على صحيح مسلم وعلى السنن لأبي داود وعلى تجريد الصحابة
للذهبي وعلى المراسيل للعلائي وعلى الكاشف للذهبي وذيل على الميزان
له وحواش على تلخيص المستدرك له و (التبيين لأسماء المدلسين)
كراس و (تذكرة الطالب المعلم لمن يقال انه مخضرم) كراس
و (الاغتباط بمن رمي بالاختلاط) (2) ولخص مبهمات ابن بشكوال (3)
وله عدة إملاءات على البخاري كتبها عنه جمع من الطلبة، حدث
بجملة من مروياته وهو الآن شيخ البلاد الحلبية والمشار إليه فيها بلا
نزاع وبقية حفاظ الاسلام بالاجماع، اجتمعت به لما ورد إلى مكة

(1) وقد جعل أبو الحسن علي بن محمد بن عراق هذا الكتاب مع تصرف
فيه كمقدمة لكتابه (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاخبار الشنيعة الموضوعة)
يذكر فيه الأحاديث التي اتفقوا على وضعها والتي اختلفوا في وضعها في فصول
خاصة في جميع أبواب كتابه، وبنو عراق عدة من أهل العلم تراجموا في (الكواكب
السائرة في المائة العاشرة) (ودر الحبب في تاريخ حلب) وغيرهما وهم أولاد الولي
الكبير محمد بن عراق الجركسي المترجم في (الكواكب) (والشذرات) وغيرهما.
(2) وهذه الثلاثة سنطبعها إن شاء الله بعد اتمام تهيئتها قريبا.
(3) بموحدة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فكاف مضمومة فواو فألف
فلام على ما قيده ابن خلكان وهو أحد أجداد حافظ الأندلس خلف بن عبد الملك
المعروف بابن بشكوال وقد تضم الموحدة عند بعضهم.
314

المشرفة صحبة الحاج الحلبي مؤديا لحجة الاسلام في موسم سنة ثلاث
عشرة وثمانمائة كرات واستفدت منه شيئا وسمعت عليه بمنى المعظم
المائة المنتقاة من مشيخة الفخر بن البخاري الظاهرية والحديث بآخرها
من الذيل عليها وأجازني بماله من مروياته مشافهة وكتابة غير مرة فالله
تعالى يبقيه ويمتع الاسلام ويديم النفع به الأنام بجاه المصطفى سيدنا
محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم انه درج بالوفاة إلى كرم الله تعالى
ورحمته في سادس عشر شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة بحلب وصلي
عليه بين صلاتي الظهر والعصر في الجامع الكبير ودفن بمقبرة أهله بني
العجمي بالجبيل داخل سور حلب تغمده الله تعالى وإيانا برحمته وجميع
المسلمين آمين.
في هذه السنة توفي بالطاعون ناظر الخاص سعد الدين إبراهيم بن
عبد الكريم بن بركة الشهير بابن كاتب جكم بالقاهرة يوم الاثنين
سابع عشر شهر ربيع الأول، والأمير جانبك الصوفي في يوم الجمعة
خامس عشري شهر ربيع الآخر، والأمير تمراز المؤيدي في ثالث عشري
جمادى الآخرة، وشمس الدين محمد بن الخضر المصري في خامس عشري
شهر رجب، والأمير جانبك الحاجب المجرد على المماليك إلى مكة
المشرفة في حادي عشر شعبان، والشيخ علاء الدين محمد بن محمد بن محمد
البخاري الحنفي (1) في خامس شهر رمضان، وعلاء الدين علي بن موسى

(1) من أكابر تلامذة المحقق سعد الدين التفتازاني، كان علامة في المعقول
315

ابن إبراهيم الرومي في يوم الاحد العشرين منه، ونائب غزة الأمير
آق بردي، وناصر الدين محمد بن حسن الفاقوسي في ليلة الاثنين تاسع
عشر شوال، والأمير دولات خجا الظاهري في يوم السبت أول

موفقا في نشر العلم، ملا الدنيا بمن تخرج عنده من المبرزين في الهند والحجاز
والبلاد المصرية والشامية، آية في الورع ودقة النظر، وكان الشمسان القاياني
والونابي يقولان: انه لا يلحقه السعد ولا السيد إذا أفاض في بحث لم يتكلموا فيه
وهو الذي بحث في كتب ابن تيمية بحثا دقيقا فقام ضد التيميين بما هو معروف
في التاريخ وان لم يرق ذلك لجماعة من الرواة ممن لم يطلعوا على ما دسه ابن تيمية
في كتبه من البدع الفظيعة ومضوا على احسان الظن به قال السخاوي: لما سكن
العلاء البخاري دمشق كان يسأل عن مقالات ابن تيمية التي انفرد بها فيجيب بما
يظهر له من الخطأ فيها وينفر قلبه عنه إلى أن استحكم امره عنده وصرح بتبديعه
ثم بتكفيره ثم صار يصرح في مجلسه بأن من أطلق على ابن تيمية شيخ الاسلام
يكفر بهذا الاطلاق اه‍ ولم يكن تشدده عليه من جهة كلام ابن تيمية في الصوفية
لأنه كان يرد على ابن عربي أيضا سواء بسواء بل من ناحية ما في كتب ابن تيمية
من صريح القول بالقدم النوعي في العالم وحلول الحوادث به تعالى والجهة وغيرها
مما تأباه جماهير النظار من متكلمي أهل السنة وكان يرى أن من اعتقد ان ذلك
هو الاسلام مع أن الاسلام براء منه وانه هو شيخه يخرج من الدين، ولكن الظاهر أن
من كان يذكره بهذا اللقب لم يكن يريد ذلك المعنى كما سيأتي، وهذا اللقب
انما اصطلحوا على اطلاقه لمن إليه قضاء القضاة وان كان لقبا مبتدعا بعد الصدر
الأول كما يقول الشيخ علي بن ميمون الأندلسي في كتابه (غربة الاسلام من
المتفقهة والمتفقرة من أهل مصر والشام).
316

ذي القعدة، وفي ليلة الأربعاء خامسها القاضي صلاح الدين محمد بن حسن
ابن نصر الله، وفي ليلة الاثنين عاشرها أحمد بن علي بن قرطاي، وفيها
سلطان تبريز إسكندر بن قرا يوسف، وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي
الحجة وكيل بيت المال وناظر المارستان نور الدين علي بن مفلح، وفي
يوم السبت ثالث عشرها السلطان الأشرف برسباي، وفي يوم السبت
العشرين منها الأمير سودون بن عبد الرحمن وهو مسجون بدمياط.
* (ابن ناصر الدين) *
محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن
محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي الشافعي الامام العلامة الأوحد
الحجة الحافظ مؤرخ الديار الشامية وحافظها شمس الدين أبو عبد الله
ولد في العشر الأول من المحرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق
طلب الحديث بنفسه فسمع وقرأ على جماعة منهم إبراهيم بن محمد بن
أبي بكر بن عمر بن مسلم وأحمد بن أقبرص بن بلغاق الكنجكي وأبو
السير أحمد بن عبد الله بن محمد بن الصائغ وأحمد بن علي بن محمد بن علي
ابن عبد الحق الحنفي وأحمد بن علي بن يحيى بن تميم والحسن بن محمد بن
محمد بن أبي الفتح البعلبكي وأم محمد جميلة ابنة عمر بن محمد بن الحسن بن
العقاد الدمشقية وداود بن أحمد البقاعي ورسلان بن أحمد الذهبي وزينب
ابنة عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية وزينب ابنة عثمان
ابن لؤلؤ الحلبي وزينب ابنة أبي بكر بن أحمد بن عوان وسعيد بن عبد الله
317

النوبي عتيق البهاء السبكي وسوملك ابنة عثمان بن غانم وشمس
الملوك ابنة محمد بن إبراهيم بن شادي وعائشة ابنة محمد بن عبد الهادي
و عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل الذهبي و عبد الرحمن بن أحمد بن هبة الله
ابن مقداد القيسي و عبد الرحمن بن الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
و عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا التنكزي (1) و عبد الله بن خليل
الحرستاني و عبد الله بن يوسف بن أحمد فزارة وعثمان بن محمد بن عثمان
العبادي الأنصاري وعلي بن أحمد بن محمد بن عبد الله المرداوي وعلي
ابن عثمان بن لؤلؤ الحلبي الأتابكي وعلي بن غازي بن علي بن أبي بكر
الكوري الملقن وعلي بن محمد بن سعيد بن زيان وعلي بن محمد بن محمد بن
أبي المجد وعلي بن أبي بكر بن يوسف الداراني وشيخ الاسلام عمر بن

(1) نسبة إلى الأمير تنكز الكبير ولاء، والأمير تنكز هذا مملوك الملك المنصور
لاجين الجركسي كما ذكره الصلاح الصفدي في الوافي بالوفيات وغيره وتربى
عنده ثم ولي نيابة السلطنة بدمشق ودام عليها ما يقرب ثلاثين سنة وراح ضحية
مكر حسن بن دمرداش صاحب تبريز سنة 740 على ما بسطه أبو المحاسن في
المنهل الصافي وكان مثريا للغاية دينا عين كاتبا لحساب دخله في كل عام خاصة ليخرج
زكاة ماله إلى مستحقيها وله من الخيرات ما لا يوصف من جوامع ومدارس وغيرها
بالشام والقدس، وفي عهد نيابته ما كان يقدر أحد من الامراء وغيرهم ان يظلم
أحدا لعظم مهابته في النفوس، واشتبه هذا الأمير الجليل تنكز بجنكز الظالم
المشهور على بعض أبناء الزمن ممن يتشاغل بالتاريخ فوصفه بالظلم جهلا فلزم
التنويه بذلك.
318

رسلان البلقيني وعمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي وعمر بن محمد بن
أحمد بن عمر بن سليمان البالسي وفاطمة ابنة محمد بن عبد الهادي ومحمد
ابن أحمد بن عبد الحميد بن غشم والحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن
المحب الشهير بالصامت ومحمد بن محمد بن عثمان المعظمي ومحمد بن محمد بن
محمد بن عمر بن قوام ومحمد بن محمد بن منيع الوراق ومحمد بن محمود
ابن علي ومحمد بن يوسف بن عبد الحميد المقدسي وهند ابنة
محمد بن علي الأرموي والعماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز محمد
ابن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر وأبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي
وأبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر وهو أبقاه
الله تعالى مكثر سماعا كبير المداراة شديد الاحتمال حسن السيرة
لطيف المحاضرة والمحادثة لأهل مجالسه قليل الوقيعة في الناس كثير
الحياء قل ان يواجه أحدا بما يكره ولو آذاه امام حافظ مجيد (1) وفقيه
مؤرخ مفيد له الذهن السالم الصحيح والخط الجيد المليح على طريقة
أهل الحديث النبوي المحاكي لخط الحافظ الذهبي كتب به الكثير
وعلق وحشى وأثبت وطبق برز على أقرانه وتقدم وأفاد كل من إليه
يمم، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق في أوائل سنة سبع
وثلاثين وثمانمائة فأملى به وهو مستمر إلى الآن جمع وألف وخرج

وقد سئل الحافظ الشهاب بن حجر عنه وعن البرهان سبط ابن العجمي
فقال: البرهان قاصر النظر على كتبه وابن ناصر الدين يحوش اه‍.
319

وصنف فمن ذلك (المولد النبوي) في ثلاثة أسفار و (توضيح المشتبه)
(1) و (افتتاح القاري لصحيح البخاري) و (مورد الصادي في مولد
الهادي) و (منهاج السلامة في ميزان يوم القيامة) وكتاب (الاخبار
بوفاة المختار) و (برد الأكباد عن فقد الأولاد) و (الرد الوافر على من
زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الاسلام كافر) (2) و (النكت

(1) في ثلاثة مجلدات على ما في أربعين الأربعين لابن طولون.
(2) جمع فيه من أطراه ووصفه بشيخ الاسلام من شيوخ العلم ردا على العلامة
العلاء البخاري السابق ذكره، وفاته ان من هؤلاء جماعة انما أثنوا عليه قبل قيامه
بإذاعة بدعه وانكشاف الستر عن وجوه مسعاه كابن دقيق العيد والزملكاني والصلاح
العلائي وأبي حيان وغيرهم ثم انقلبوا عليه. وان منهم أناسا من الرواة من صغار
أصحابه وأصحاب أصحابه البعيدين عن النظر ممن لا حجة في كلامهم، ومنهم
طائفة يقرون له بالبراعة وسعة العلم من غير مشايعة له في شواذه الأصلية والفرعية
ومنهم ان انخدع بأوائل حاله ولم يطلع على خبايا مفرداته في كتبه فجرى على
المبالغة في احسان الظن به. ومع هذا كله كان جماهير أهل العلم من حذاق النظار
على معاداته، ويقول الذهبي فيما كتب إليه نصيحة له حين طفح كيل فتنه: (وأعداؤك
والله فيهم صلحاء وأخيار وعقلاء وفضلاء كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة
وبطلة وعور وبقر. فهل معظم أتباعك الا قعيد مربوط خفيف العقل أو عامي
كذاب بليد الذهن أو غريب واجم قوي المكر أو ناشف صالح عديم الفهم فان
لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل) على ما نقل عن خطه الحافظ صلاح الدين
العلائي وأشار إليه السخاوي في الاعلان. وبعد ان كتب ابن ناصر الدين هذا
الكتاب استاء منه أصحابه وانفض من حوله كثيرون منهم كالمحدثين شمس الدين
320

الأثرية على الأحاديث الجزرية) و (بديعة البيان عن موت الأعيان)
نظم وشرحها (التبيان لبديعة البيان) (1) و (اللفظ المكرم بفضل
عاشوراء المحرم) و (بواعث الفكرة في حوادث الهجرة) نظم و (عقود
الدرر في علوم الأثر) وشرحه ومختصر الأصل سماه (حل عقودا لدرر)
أو (علوم الأثر) و (اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق) و (الاعلام بما
وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام) و (رفع الملام عن من خفف
والد البخاري محمد بن سلام) و (ربع الفرع في شرح حديث أم زرع)

البلاطنسي والشهاب الخوارزمي وغيرهما وفي جملة من أنكر عليه ذلك الشهاب بن
المحرة وابن قاضي شهبة، واخذ المترجم يعمل في عمارة خان السبيل الذي كان يعمره
إذ ذاك الامام تقي الدين الحصني كأحد العمال ترضية له عما بدر منه في هذا الصدد
ولبسط ذلك كله مقام آخر. قال الحافظ جمال الدين بن عبد الهادي الحنبلي في
كتابه الرياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة: كان معظما للشيخ تقي الدين بن
تيمية محبا له مبالغا في محبته وبهذا السبب تركه جماعة من الشافعية ولم يعطوه حقه
وأعرضت نفوسهم عنه اه‍. وابن عبد الهادي هذا هو الذي كان يسمع جزء
الدشتي المتقدم ذكره بين أهله وخاصته كما أسلفنا، قال ابن طولون في أربعين
الأربعين عند ترجمة ابن ناصر الدين: وقد ظلمه البرهان البقاعي في (عنوان
الزمان في تراجم الشيوخ والأقران) اه‍. يعني حيث رماه بالكشط والتزوير.
(1) وهي طبقات الحفاظ نظما ونثرا وابن طولون يقول عنها: وهي أولى
من طبقات الحفاظ لأبي عبد الله الذهبي فان رموز هذه في الوفيات لها معنى
كرموز القراء في حرز الأماني بخلاف التي للذهبي فإنه لا معنى لها اه‍. وطبقات
الذهبي هذه غير الطبقات المطبوعة له.
321

و (السراج الوهاج في ازدواج المعراج) وخرج أربعين متباينة المتن
والاسناد وله أناشيد رائقة وأمال جمة فائقة منها مجلس يسمى (الاتحاف
لحديث فضل الانصاف) وآخر (تنوير الفكرة لحديث بهز بن حكيم
في حسن العشرة) وآخر (الترجيح لحديث صلاة التسبيح) وغير
ذلك مما لا يحصى كثرة (1) وقد أجاز لي غير مرة فالله تعالى يبقيه في
خير ونعمة شاملة وأفراح بلا كدر كاملة بمحمد وآله، ثم أتاه حمامه في
صبيحة يوم الجمعة سابع عشري شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وأربعين
وثمانمائة بدمشق شهيدا في بعض قراها عند خروجه مع جماعة لقسمها (2)
وصلي عليه (في جامع التوبة) ودفن بمقبرة باب الفراديس عند والده
برد الله تعالى مثواه وجعل الجنة مأواه وإيانا وجميع المسلمين. (3)

(1) ككتاب (إتحاف السالك برواة الموطأ عن مالك) وأوصلهم فيه إلى نحو
ثلاثة وثمانين راويا منهم ذو النون المصري و عبد الله بن المبارك و عبد الرحمن بن
مهدي بينا ترى ابن طولون انما يرويه عن طرق أربعة وعشرين راويا والسيوطي
قبله عن ستة عشر راويا فقط. و (الانتصار لسماع الحجار) وسيأتيك ملخصه لما فيه
من الفوائد لمن يعنى بأسانيد الصحاح. و (إطفاء حرقة الحوبة بإلباس خرقة التوبة)
وكان له شغف بالباس خرقة التصوف.
(2) ولفظ السخاوي في الضوء اللامع انه مات بدمشق مسموما فإنه خرج
مع جماعة لقسم قرية من قرى دمشق فسمهم أهلها وحصلت له الشهادة اه‍.
(3) ومن فوائد ابن ناصر الدين ما ينقله ابن طولون عنه في الفهرست الأوسط
في حق سماع الحجار عن الزبيدي حيث قال: وقد أجمع الحفاظ على صحة سماع
322

وفي هذه السنة مات السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن حسن

أحمد بن الشحنة الحجار المذكور لجميع الصحيح بلا فوت على الحسين بن الزبيدي
ولا عبرة بمن قدح في ذلك والذي بلغنا من القدح أمران أحدهما في سماعه
للصحيح وانه بفوت وقد بين صحة سماعه لجميعه حافظ الاسلام أبو الحجاج المزي
في جزء وقال العلامة غياث الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد
ابن علي العاقولي (قدم علينا دمشق قبل الفتنة) في كتابه الدراية في معرفة الرواية
في ترجمة الشيخ الثالث والخمسين من مشايخه حين ذكر بعض ترجمة الحجار
وذكر سماعه من الزبيدي لجميع الصحيح فقال ثابت لا شك فيه ولا امتراء وذلك
في سنة 630 بجامع الصالحية بسفح قاسيون ظاهر دمشق والعبرة في ذلك بقول
الحفاظ المبرزين المنزهين عن الأهواء والأغراض وقد سمع عليه البخاري بسنده
هذا جماعة منهم وحققوه فلا عبرة بقول بعض أهل هذه البلاد في خطبة مشيخته
تعريضا به وفي سماعه بحوث وانظار لان قوله ناشئ عن غرض بين لا خفاء به
عند محقق وهو طلبه لما زعم من انحصار الرواية في الشيخ رشيد الدين وطبقته
انهم انقرضوا لئلا يشاركه في علو روايته عنهم من سمعه على الحجار بعد وفاة
الشيخ رشيد الدين بعشرين سنة وهذا من المقاصد الواجب تجنبها على كل مسلم
والتحرز عن مثل ذلك في باب الرواية فإنه من الآفات التي يجب التنبه لها والتبري
عنها وأي بحث ونظر فيما حققه الحفاظ العارفون أخبروا به انتهى والرجل الذي
كنى عنه العاقولي بقوله بعض أهل هذه البلاد هو فيما قاله الشيخ الامام العلامة
المفسر اللغوي أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن محمد بن محمد بن مودود
الجعفري من قبل أبيه الأنصاري السلمي من قبل أمه البخاري قدم عينا دمشق
حاجا عن شيخه أبي طاهر محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الأوسي الظاهري
عن الامام المحدث أبي حفص عمر بن علي بن عمر القزويني نزيل مدينة السلام
323

ابن عجلان الحسني بزبيد ووصل خبره لمكة في تاسع عشر جمادى الأولى
فيها، وفى يوم الأربعاء ثالث عشري جمادى الأولى الزمام جوهر
الطواشي، وفي يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الثانية ضربت عنق
الأمير قرقماس الشعباني الظاهري بالإسكندرية، وفي سابع شهر

انه قال عن الحجار وفي سماعه بحوث وانظار ورأيت شيخنا الجعفري مائلا إلى
هذا القول وان اسناد أهل الشام بالصحيح عن الحجار وفيه هذا المقال فلم أبحث
معه في نقضه والرد على قائله بل ذكرت له ان اسناد أهل الشام بالصحيح ليس
عن الحجار فقط بل عن جماعة من أصحاب الحسين بن الزبيدي منهم أم محمد
وزيرة ابنة عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية واما الرشيد شيخ القزويني الذي
أشار إليه العاقولي هو الامام رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم عبد الله
ابن عمر بن أبي القاسم المقري الحنبلي شيخ رباط الأرجوانية ببغداد وهو يروى
الصحيح عن أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه القلانسي فهو والحجار في
طبقة واحدة فمن اخذ عن الحجار ساوى من اخذ عن الرشيد والامر الثاني انه
زعم بعض من لا خبرة له بترجمة أحمد بن الشحنة الحجار انه كان له أخ اسمه احمد
أكبر منه وهو الذي سمع على ابن الزبيدي صحيح البخاري وغيره وهذا باطل
فالذي حققه الحفاظ كالبرزالي وسائر المحدثين ان احمد الذي ظهر سماعه هو الذي
قرأوا عليه وسمعوا منه وأخذوا عنه لا شك في ذلك ولا ريب وأولاد أبي طالب
إخوة الحجار معروفون محصورون خلف ويقال خليفة وناصر وقيل منصور
ومحمد كذا عددهم الحافظ أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي انتهى ومن أراد تحقيق
هذا المقام بأزيد من ذلك فعليه بالانتصار لسماع الحجار لابن ناصر الدين المذكور اه‍.
324

رمضان قاضي عدن جمال الدين محمد بن سعيد كنن (1)، وفي عاشره
قاضي الأقضية ببلاد اليمن جمال الدين محمد بن علي الطيب الناشري (2)
بزبيد، وفي يوم الأربعاء خامس عشريه نائب الحكم بالقاهرة القاضي
علم الدين أحمد بن التاج محمد بن العلم محمد بن الكمال محمد بن العلم محمد بن
أبي بكر بن عيسى بدران الأخنائي المالكي، وفي شوال موفق الدين
علي بن محمد بن فخر بزبيد، وفي يوم الأربعاء حادي عشر القعدة قاضي
المالكية بدمشق محيي الدين يحيى بن حسن بن محمد الحيحاني (3)
المغربي، وفي يوم الجمعة ثالث عشرها قتلت عامة دمشق شيخ كرك
نوح محمد بلبان وولده، وفي يوم الثلاثاء سابع عشرها قاضي
المالكية بمكة ولي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد النويري
وفي ليلة الاثنين ثالث عشريها قتل بدمشق الأمير اينال الجكمي، وفي
يوم الجمعة ثامن الحجة قتل بالإسكندرية الأمير يخشي بك المؤيدي
وفي يوم الاحد سابع عشرها قتل بحلب الأمير تغري برمش واسمه
حسين، وفي شهر رجب صاحب اليمن الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل
ابن العباس الشهير بابن رسول، وفي شعبان الشرف موسى بن علي بن
يحيى بن جميع العدني رئيس التجار بها.

(1) غير منقوط في الأصل فليحرر.
(2) بنون ومعجمة بيت علم كبير بزبيد لهم تاريخ خاص.
(3) بمهملتين نسبة لحيحانة بليدة بالمغرب. الضوء اللامع.
325

* (ابن حجر) *
أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد بن
العسقلاني المصري الشافعي الامام العلامة الحافظ فريد الوقت مفخر
الزمان بقية الحفاظ علم الأئمة الاعلام عمدة المحققين خاتمة الحفاظ المبرزين
والقضاة المشهورين أبو الفضل شهاب الدين ولد في مصر ثالث عشري
شعبان المكرم سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، مات عنه والده وهو
طفل في شهر رجب سنة سبع وسبعين فأدخل الكتاب بعد اكمال خمس
سنين وكان لديه ذكاء وسرعة حافظة بحيث انه حفظ سورة مريم في
يوم واحد وكان يحفظ الصحيفة من الحاوي الصغير من مرتين الأولى
تصحيحا والثانية قراءة في نفسه ثم يعرضها حفظا في الثالثة، وحج في
أواخر سنة أربع وثمانين وجاور بمكة في السنة التي بعدها وهي سنة
خمس فسمع بها اتفاقا على العفيف النشاوري (1) صحيح البخاري وهو
أول شيخ سمع عليه الحديث وبحث في عمدة الاحكام للحافظ عبد

(1) هو الشيخ عفيف الدين عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري
الأصل ثم المكي المعروف بالنشاوري ولد سنة 705 وسمع من الرضي الطبري
وحدث بالكثير وتفرد.. وقد ذهب في أواخر عمره إلى القاهرة وحدث ثم رجع
إلى مكة وبقى قليلا ومات بها في ذي الحجة سنة 890. إنباء الغمر بأنباء العمر
لابن حجر الحافظ.
326

الغني المقدسي وعلى عالم الحجاز الحافظ أبي حامد محمد بن ظهيرة وصلى
التراويح بالمسجد الحرام بالقرآن العظيم في هذه السنة ثم في سنة ست
سمع صحيح البخاري بمصر على عبد الرحيم بن رزين وسمع بها بعد
التسعين فطلبه من جماعة من شيوخها والقادمين إليها من ذوي الاسناد
العالي كابن أبي المجد والبرهان الشامي و عبد الرحمن بن الشيخة والحلاوي
والسويداوي ومريم ابنة الأذرعي، ورحل إلى دمشق في سنة اثنتين
وثمانمائة فأدرك بها بعض أصحاب القسم بن عساكر والحجار ومن أجاز له
التقي سليمان بن حمزة وأشباهه ومن قرب منهم، وحج مرات وسمع
بعدة من البلاد كالحرمين والإسكندرية وبيت المقدس والخليل ونابلس
والرملة وغزة وبلاد اليمن وغيرها على جمع من الشيوخ، ومسموعاته
ومشايخه كثيرة جدا لا توصف ولا تدخل تحت الحصر وقد أفرد جملة
من مروياته في مؤلف وكذا غالب شيوخه، اشتغل ودأب فحصل فنونا
من العلم وأول ما كان نظره في الأدب والتاريخ ففاق في فنونهما وقال
الشعر الحسن الذي هو ارق من النسيم وطارح الأدباء (1) اخذ علم

(1) وحيث كانت نشأته على معاناة الشعر والاسترسال في المديح والهجاء على
طريقة أهل الأدب ورث من ذلك منذ عهد شبابه التنكيت وتطلب مواضع العلل
من تراجم الرجال والحط من مقاديرهم إذا أراد وان كانوا من أصحابه وشيوخه
وممن تقدمهم لا سيما البارعين منهم، ويقول تلميذه البرهان البقاعي: انه لا يعامل
أحدا بما يستحقه من الاكرام في نفس الامر بل بما يظهر له على شمائله من محبة
الرفعة اه‍ وقال قاضي القضاة أبو الفضل محب الدين محمد بن الشحة الحنفي (الذي
327

الحديث عن شيخنا الحافظ زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين

كان ابن حجر يجله ولم يكن بينهما أدنى حزازة) في مقدمة شرحه على الهداية
في حق ابن حجر: وكان كثير التبكيت في تاريخه على مشايخه وأحبابه وأصحابه
لا سيما الحنفية فإنه يظهر من زلاتهم ونقائصهم التي لا يعرى عنها غالب الناس ما يقدر
عليه ويغفل ذكر محاسنهم وفضائلهم الا ما ألجأته الضرورة إليه فهو سالك في حقهم
ما سلكه الذهبي في حقهم وحق الشافعية حتى قال السبكي انه لا ينبغي ان يؤخذ
من كلامه ترجمة شافعي ولا حنفي وكذا لا ينبغي ان يؤخذ من كلام ابن حجر
ترجمة حنفي متقدم ولا متأخر اه‍ ومن راجع تراجم الرجال في كتبه ثم فحص
عنهم في تواريخ غيره ممن لم يتغلب عليه تعصب وهوى يجد صواب ما يقوله ابن
الشحنة ماثلا امام عينه مهما تحزب السخاوي لشيخه، ولو تصون من مثل ذلك
لكان أحسن. ومما يجلب النظر لما فيه من العبر رؤيا يحكيها ابن حجر عن نفسه
ولها تأثيرها عليه في استرساله في هذا الوادي حيث يقول في (المجمع المؤسس):
رأيت ابن البرهان بعد موته فقلت له أنت ميت قال نعم قلت ما فعل الله بك فتغير
تغيرا شديدا حتى ظننت انه غاب ثم أفاق فقال نحن الآن بخير لكن النبي صلى الله
عليه وسلم عتبان فقلت لماذا قال لميلك إلى الحنفية فاستيقظت متعجبا وكنت
قلت لكثير من الحنفية اني لأود لو كنت على مذهبكم فقالوا لماذا فقلت لكون الفروع
مبنية على الأصول فاستغفرت الله من ذلك اه‍ وابن البرهان الظاهري هذا قد
سبق ذكر فتنه في ترجمة الياسوفي وعنه يقول أيضا ابن العماد الحنبلي في شذرات
الذهب: كانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه لا من عشيرة
ولا من وظيفة ولا من مال.. فاستقرأ جميع الممالك فلم يبلغ قصدا ثم رجع إلى
الشام فاستغوى كثيرا من أهلها ومن أهل خراسان اه‍ وغريب جدا من مثل ابن
حجر ان يعول على الرؤيا في المسائل العلمية لا سيما على رؤيا مثل ابن البرهان وقد
328

العراقي وانتفع به وهو أول من اذن له في إقرائه، وتفقه على جماعة

أذكرتنا هذه الرؤيا تنقل ابن ناصر أحد مشايخ ابن الجوزي من الأشعرية والشافعية
إلى المذهب الحنبلي عملا ومعتقدا (على مصطلحهم) برؤيا رآها فسبحان قاسم العقول
ومراد ابن حجر من قوله فيما سبق: اني لأود لو كنت على مذهبكم لكون الفروع
فيه مبنية على الأصول التنويه باطراد تلك الأصول الناضجة وعدم ارتباكها في
التفريع لكونها نتيجة فحص كامل واستقراء مديد تام لموارد النصوص من جماعة
عن جماعة بخلاف مذهبه فان المنصفين من علماء المذهب الشافعي كثيرا ما يتذمرون
من اضطراب في أصولهم وفروعهم قديما وحديثا كرد المرسل مطلقا ثم استثناء
مرسل ابن المسيب من ذلك ثم التراجع عن ذلك ورد مراسيل ابن المسيب في
زكاة الفطر بمدين من حنطة، وفي التولية في الطعام قبل استيفائه، وفي دية المعاهد
وفي قتل من ضرب أباه، ثم قبول مرسل الحسن (لا نكاح الا بولي) في كتاب
الام، ثم الاخذ بمراسيل طاوس وعروة وأبي امامة بن سهل وعطاء بن أبي رباح
وعطاء بن يسار وابن سيرين وغيرهم، هذا في أصل واحد خالف فيه الشافعي
رضي الله عنه من تقدمه من الفقهاء، وكالجمع بين الحقيقة والمجاز مع أن الحقيقة
حيث لا صارف عن الموضوع له والمجاز حيث يكون هناك صارف عنه ودعوى
وجود الصارف وعدم وجوده في اطلاق أحد تدافع، وكتسوية ما بين دليل
طريق ثبوته قطعي ودليل طريق ثبوته ظني إلى غير ذلك مما لأمثاله كثرة في
أصولهم فضلا عما لهم في المذهب القديم والجديد من الخلاف الكثير وهذا مما
حير أصحابه وأتعب أمثال البيهقي في سلوكهم طرائق التكلف في الإجابة عنها حتى
ترى بعضهم يسلك طريقة الاقذاع حيث تضيق حجته والله أعلم. وقد خدمت
مناظراتهم طول قرون في نضوج علم الخلاف فجزاهم الله عن العلم خيرا.
329

منهم شيخ الاسلام سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان البلقيني
وهو أول من اذن له بالافتاء والتدريس والشيخ سراج الدين أبو حفص
عمر بن علي بن الملقن والشيخ برهان الدين إبراهيم بن موسى الا بناسي
وأخذ الأصول عن نصرة الاسلام العز عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
ابن جماعة، وجد في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى، ولي مشيخة
الحديث وتدريس الفقه بأماكن من الديار المصرية وولي بها نيابة القضاء
مدة ثم أعرض عنه وفوض إليه الملك المؤيد القضاء بالمملكة الشامية
مرارا فأبي وأصر على الامتناع فلما كان في المحرم سنة سبع وعشرين
فوض إليه الملك الأشرف برسباي القضاء بالقاهرة وما معها فباشر ذلك
بعفة ونزاهة فلما كان في ذي القعدة من السنة صرف نفسه ولو استمر
على ذلك لكان خيرا له في دينه ودنياه ففي أول رجب من سنة ثمان
وعشرين أعيد للقضاء واستمر إلى صفر من سنة ثلاث وثلاثين فصرف
ثم أعيد في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين ثم صرف في خامس شوال
سنة أربعين ثم أعيد في سادس شوال سنة إحدى وأربعين ثم عزل عنه
في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين بحضرة السلطان لكلام جرى
بينه وبين قاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي فأعاده السلطان إلى
وظيفة القضاء وجدد له ولاية ثانية وأضاف إليه ما خرج عنه في الأيام
الأشرفية من نظر الأوقاف ثم صرف (1) وكان يتخلله في غضون

(1) قال السيوطي في حسن المحاضرة: ثم ولي القاياتي في المحرم سنة تسع
330

ذلك من الملك قلة رضى ويشاع صرفه فيهدي إليه ما يليق به من المال
فيرده في المنصب فلو تنزه عنه ولزم الاشتغال بالعلم ليلا ونهارا وحج
إلى بيت الله وزار قبر نبيه صلى الله عليه وسلم وجاور بالحرمين الشريفين
لازداد بذلك رفعة ووجاهة عند الله تعالى والمسلمين لكنه عجن قلبه
بمحبة ذلك وفتن فيه بولده فأوقعه في المهالك فالله تعالى يلهمه طريقة الخير
ويصرف عنه كل ضير ويديم تقاه ويحفظه من جميع الأسواء ويتولاه (1)

وأربعين ثم مات وأعيد ابن حجر في المحرم سنة خمسين ثم أعيد العلم البلقيني أول
المحرم سنة إحدى وخمسين ثم الولي السفطي ثم عزل فأعيد ابن حجر في ربيع
الآخر سنة اثنتين وخمسين ثم عزل آخر جمادى الآخرة من السنة ه‍. قال ابن طولون
عرض عليه قضاء الشام فلم يقبله وأصر على ذلك ثم بعد مدة ولي قضاء مصر
عوضا عن العلم البلقيني ثم عزل بالهروي ثم أعيد ثم عزل بالعلم البلقيني ثم أعيد
ثم عزل به أيضا ثم أعيد ثم عزل بالقاياتي ثم أعيد اه‍ قال السخاوي ومدة قضائه
في هذه الولايات كلها إحدى وعشرون سنة اه‍ ومن غريب ما جرى لصاحبه العلم
البلقيني انه لما عزل بابن حجر في عهد الملك الأشرف برسباي عرض عليه
قضاء الشام فامتنع وقال انا ما أوثر رؤية السلطان في كل شهر مرة على هذا فقال
له السلطان قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن فلم يعتذر بمثل هذا
فتعجب الحاضرون من مثل هذه المناسبة على ما ذكره ابن طولون في أربعين
الأربعين، ولقد أحسن ابن حجر حيث لم يعتذر بمثل هذا الكلام حين عرض
عليه قضاء الشام.
(1) كأن المصنف يريد ان يجعل جميع العلماء من المجاورين بالحرمين الشريفين
مثله غير ناظر إلى ما يترتب على ذلك من اختلال مصالح المسلمين بتوسيد الأمور
331

وكان أحسن الله تعالى إليه في حال طلبه مفيدا في زي مستفيد إلى أن
انفرد في الشبوبية بين علماء زمانه بمعرفة فنون الحديث لا سيما رجاله
وما يتعلق بهم فألف التآليف المفيدة المليحة الجليلة السائرة الشاهدة
له بكل فضيلة الدالة على غزارة فوائده والمعربة عن حسن مقاصده
جمع فيها فأوعى وفاق أقرانه جنسا ونوعا، التي تشنفت بسماعها الاسماع
وانعقد على كمالها لسان الاجماع فرزق فيها الحظ السامي عن اللمس
وسارت بها الركبان سير الشمس فأولاها بالتعظيم وأولها في التقديم
(فتح الباري في شرح البخاري) في بضعة عشر مجلدا ومقدمته في
مجلد ضخم أو مجلدين تشتمل على جميع مقاصد الشرح سوى الأسئلة
فإنها حذفت وسماها (هدي الساري لمقدمة فتح الباري) وكتاب (تعليق
التعليق) وصل فيه ما ذكره البخاري في صحيحه معلقا ولم يفته من
ذلك الا القليل وقد كمل في حياة كبار الشيوخ وشهدوا بأنه لم يسبق
إلى مثاله وهو له مفخرة وقدره كقدر المقدمة ثم اختصره وسماه
(التشويق إلى وصل المهم من التعليق) في مجلد لطيف ثم اختصره
واقتصر فيه على ذكر الأحاديث التي لم تقع في الأصل الا معلقة ثم
توصل في مكان منه آخر وسماه (التوفيق بتعليق التعليق) في مجلد

إلى غير أهلها، وابن حجر قد نفع المسلمين بقبوله القضاء مدة طويلة ولم يمنعه ذلك
من نشر العلم وكثرة التأليف، وتلامذته المبرزون وتصانيفه الممتعة شهود عدل على
ذلك، واما كونه يصرف المال في هذا السبيل فمما لا نعول عليه من غير دليل.
332

لطيف و (تهذيب التهذيب) وهو يشتمل على اختصار تهذيب الكمال
للمزي مع زيادات كثيرة عليه تقرب من ثلث المختصر دمجتها مع زيادات
الذهبي في تهذيبه وما زدته في التهذيب في كتاب (نهاية التقريب
وتكميل التهذيب بالتذهيب) (1) وخرج كله أعني التهذيب مع ذلك
في قدر ثلث الأصل في ست مجلدات ولخصه في مجلد سماه (تقريب
التهذيب) و (الإصابة في تمييز الصحابة) أربع مجلدات و (إتحاف
المهرة بأطراف العشرة (2) وهي الموطأ ومسند الشافعي وأحمد والدارمي
وابن خزيمة ومنتقى ابن الجارود وابن حبان والمستخرج لأبي عوانة
والمستدرك للحاكم وشرح معاني الآثار للطحاوي والسنن للدارقطني
ثمانية أسفار مسودة وانما زاد العدد واحدا لان صحيح ابن خزيمة لم
يوجد سوى قدر ربعه وأفرد منه أطراف مسند أحمد وسمي (المسند
المعتلي بأطراف المسند الحنبلي) في مجلدين و (المطالب العالية في
زوائد الثمانية) وهي مسند الطيالسي ومسدد والحميدي وإسحاق بن
راهويه وابن أبي عمر وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع وعبد بن

(1) هذا كتاب المصنف في الرجال قال السخاوي جمع فيه بين تهذيب الكمال
ومختصريه للذهبي وشيخنا (يعني ابن حجر) وغيرهما وهو كتاب حافل لو ضم إليه
ما عند مغلطاي من الزوائد في مشايخ الراوي والآخذين عنه لكنه لم يصل إلى
مكة إذ ذاك اه‍.
(2) توجد نسخة خطية منه في المكتبة المرادية بالآستانة.
333

حميد والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى الموصلي وانما زاد في العدد اثنين
لان مسند إسحاق بن راهويه لا يوجد منه الا النصف ومسند أبي
يعلي لم يخرج الا رواية ابن المقري واما رواية ابن حمدان فقد أفرد
زوائدها الحافظ نور الدين الهيثمي، (لسان الميزان) في مجلدين
و (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) مجلد ضخم و (نخبة الفكر في
مصطلح أهل الأثر) في نصف كراس وشرحها في مجلد لطيف سماه
(نزهة الفكر في توضيح نخبة الفكر) و (المجمع المؤسس بالمعجم
المفهرس) و (فهرست مروياته) وغير ذلك (1) وقد جمعها أبقاه الله

(1) قال السخاوي: سمعت ابن حجر يقول لست راضيا عن شئ من
تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الامر ثم لم يتهيأ لي من تحريرها سوى شرح
البخاري ومقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الميزان بل كان يقول فيه لو استقبلت
من أمري ما استدبرت لم أتقيد بالذهبي ولجعلته كتابا مبتكرا بل رأيته في
مواضع اثنى على شرح البخاري والتعليق والنخبة اه‍ وقد بسطنا الموازنة بين
شرحي الشهاب بن حجر والبدر العيني في (تذهيب التاج اللجيني في ترجمة البدر
العيني) وشرح البدر أضخم من شرح الشهاب بقدر ثلثه وأجمع وأوسع يفي
الأبحاث حقها من جميع مناحيها بحيث لا يحوج القارئ إلى غير كتابه فيما له مساس
بشرح الكتاب، والشهاب يسعى في حشد طرق الحديث وألفاظه المختلفة من
كتب الأطراف والمستخرجات، وليس الشهاب كل حين بثاقب بينا ترى البدر
مكتمل الأنوار من كل جانب، ولولا مقدمته لكان دونه بمراحل، على أن البدر
كان يطلع على شرح الشهاب جزءا فجزءا قبل اتمامه فينقده ويبدي أوهامه ولما
ظهر شرح البدر أصلح ابن حجر بعض مواضع من كتابه وحاول الرد على البدر
334

تعالى في كراس، وأملى من حفظه أربعين حديثا متباينة الأسانيد
بشرط السماع وكثيرا من عشاريات الأشياخ وجمع المجاميع واختصر
وانتقى وخرج لجماعة من شيوخه مشيخات وأجزاء وأربعينات وانتفع
به كثير من الشيوخ والأقران وتخرج به عدة من الطلبة الحديثة
الأسنان، حدث بجملة من مسموعاته ومؤلفاته، سمعت من لفظه
المسلسل بالأولية بطرق علية وقرأته عليه بطرق أكثر منها ومجلسا من
أماليه وقصيدة من نظمه أولها:
ما زلت في سفن الهوى تجري بي * لا نافعي عقلي ولا تجريبي
وشيئا من ترجمة البخاري من المقدمة وجزءا في الحج تخريجه

في كتابه (انتقاض الاعتراض) لكنه ما أجاد ولا بلغ المراد وكان بينهما منافسة مع أن
البدر كان في عداد شيوخ الشهاب وأكبر سنا منه باثنتي عشرة سنة وان تأخرت
وفاته عنه بثلاث سنوات، وحكى الشعراني في ذيل طبقاته عن السيوطي انه قال
كان ابن حجر يحفظ ما يزيد على عشرين الف حديث وكان يقول الشروط التي
اجتمعت في الآن بها اسمي حافظا وهي الشهرة بالطلب والاخذ من أفواه الرجال
والمعرفة بالجرح والتعديل والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم وتمييز الصحيح من
السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار
الكثير من المتون فهذه الشروط من جمعها فهو الحافظ اه‍ وكان السيوطي يدعي انه
يحفظ مأتي الف حديث، والحفظ المجرد عن الدراية ليس بكبير الجدوى وقد قال
بعض البارعين لما سمع ان فلانا يحفظ الكتاب الفلاني من كتب السنن: هب انه
زادت نسخة من الكتاب في البلد.
335

و (نخبة الفكر) و (تخريج أحاديث الأربعين للنووي) والكلام على حديث
القضاة، الجميع من تخريجه وقرأت عليه (الامتاع بالأربعين المتباينة
بشرط السماع) وهو متع الله تعالى بطول بقائه امام علامة حافظ محقق
متين الديانة حسن الأخلاق لطيف المحاضرة حسن التعبير عديم النظير
لم تر العيون مثله ولا رأى هو مثل نفسه جد في طلب العلوم وبلغ
- كان الله تعالى له - الغاية القصوى في الكتابة (1) والكشف والقراءة
فمن ذلك أنه قرأ البخاري في عشرة مجالس من بعد صلاة الظهر إلى العصر
ومسلم في خمسة مجالس في نحو يومين وشطر يوم والنسائي الكبير في
عشرة مجالس كل مجلس منها قريب من أربع ساعات، وأغرب ما وقع له
في الاسراع انه قرأ في رحلته الشامية المعجم الصغير للطبراني في مجلس
واحد فيما بين صلاة الظهر والعصر (2) وفي مدة اقامته بدمشق - وكانت

(1) كان سريع الكتابة الا انه كان ردئ الخط ومع رداءة خطه ما كان
يجري في كتاباته على نمط واحد ومن ثمة تصعب معرفة خطه والممارسة على قراءته
على ما أشار إلى ذلك أبو المحاسن في المنهل الصافي. وقد طالعنا عدة كتب بخطه
سوى خطوطه في الطباق والسماعات فوجدنا ما يشير إليه أبو المحاسن صوابا، وكان
كثيرا ما يتراجع عما بيضه أولا فيصبح مبيضه مسودا فتختلف نسخ مؤلفاته
زيادة ونقصا وتبديلا حتى في شرحه على البخاري بعد ما أورد عليه البدر العيني ما
أورده في شرحه إلى غير ذلك.
(2) والمعجم الصغير في مجلد يشتمل على نحو ألف وخمسمائة حديث بأسانيدها
لأنه خرج فيه عن الف شيخ عن كل شيخ حديثا أو حديثين كما قال ابن طولون
336

شهران وثلث شهر - قرأ فيها قريبا من مائة مجلد مع ما يعلقه ويقضيه من
أشغاله، وأملى أبقاه الله تعالى قريبا من نحو مائة مجلس أو أزيد ثم إن
عزمه فتر عن ذلك فلما كان في صفر سنة سبع وعشرين عاد إلى الاملاء
فأكمل في إملائه (تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب) الأصلي في مجلدين
وشرع في (تخريج أحاديث الاذكار للنووي) وهو مستمر إلى الآن فيه
فالله تبارك وتعالى يبقيه في خير وعافية ونعم عن الأكدار صافية، فلما
كان في أثناء ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة حصل له اسهال مع
رمي دم واستمر به ذلك إلى أن وافاه حمامه بعيد صلاة العشاء الآخرة
من ليلة السبت المسفرة عن اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة
الحرام من السنة وصلي عليه قبيل صلاة الظهر بمصلى المؤمنين بالرميلة

وهذا غاية في الاسراع وما يبلغ إلى هذا الحد من السرعة في القراءة يفوت الضبط
ويوقع في التخليط وان افتتن بذلك كثير من المحدثين وليس هذا مما يعد منقبة
المكثرين من السماع والتسميع ولعل الأوهام التي نراها في كتب ابن حجر تأني
من هذه الناحية حتى قال تلميذه البرهان البقاعي في عنوان الزمان (انه يغلط فيلج
في غلطه) وان لم يرتض ذلك السخاوي لما كان بينه وبين البقاعي من المنافسة والا
فالسخاوي نفسه كثيرا ما نراه يبدي في كتبه أخطاء شيخه ابن حجر ويذكر
وجه الصواب فيها بلطف بل سبط ابن حجر في كتابه (النجوم الزاهرة في قضاة
القاهرة) ينتقد كتاب جده (رفع الأصر عن قضاة مصر) ويظهر أوهامه فيه
ويبين وجوه الاخلال منه، ويأخذه السخاوي حيث لم يراع الأدب مع جده
في النقد.
337

خارج القاهرة وكان له مشهد عظيم حضر الصلاة عليه السلطان الملك
الظاهر جقمق وأتباعه (1) ونقل نعشه إلى القرافة الصغرى فدفن فيها
بتربة بني الخروبي (2) بين تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه والشيخ
مسلم السلمي رحمه الله تعالى وهي مقابلة الجامع الديلمي وكان ممن حمل
نعشه السلطان فمن دونه من الرؤساء والعلماء ولم يخلف بعده مثله في
الحفظ والاتقان رحمه الله تعالى رحمة واسعة وغفر له مغفرة جامعة (3)

(1) صلى عليه العلم البلقيني باذن الخليفة وكان الخليفة لابسا فرجيا أخضر
والسلطان فرجيا أبيض على ما ذكره ابن طولون.
(2) بالقرافة بالقرب من الليث بن سعد الامام.
(3) قال الجمال بن عبد الهادي في الرياض اليانعة عند ترجمة ابن حجر: كان
محبا للشيخ تقي الدين بن تيمية معظما له جاريا في أصول الدين على قاعدة المحدثين
ولهذه العلة كثير من الشافعية ينتقص حقه ولا يبلغ به في التعظيم منزلته كفعلهم
ذلك مع ابن ناصر الدين اه‍ وابن حجر وان كان ممن قرض (الرد الوافر) لابن
ناصر الدين تساهلا ومراعاة لجانبه كما يقع في غالب التقاريظ لكنه لم يكن
ممن يساير ابن تيمية في مفرداته حتما بل رأيه فيه ما قاله: ان الواجب على من تلبس
بالعلم وكان له عقل ان يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أو من ألسنة من
يوثق به من أهل النقل فيفرز من ذلك ما ينكر فليحذر منه على قصد النصح
ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء اه‍ بحروفه، بل
كتبه طافحة بالرد عليه في شواذه ومن راجع ترجمة ابن تيمية من (الدرر
الكامنة) لابن حجر وأحاط بما كتبه هناك في حقه يظهر له رأيه فيه بأجلى
مظاهره.
338

وفي أواخر مرضه بأيام يسيرة عاده قاضي القضاة سعد الدين بن
الديري الحنفي فسأله عن حاله فأنشده أربعة أبيات من قصيدة للامام أبي
القاسم الزمخشري وهي:
قرب الرحيل إلى ديار الآخرة * فاجعل آلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي * وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسكين الذي أيامه * ولت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم * فبحار جودك يا آلهي زاخره
وقد رثاه جماعة من الفضلاء والأدباء النبلاء منهم الأديب شهاب
الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن عرف بالحجازي الأنصاري
وضمن مرثيته هذه الأبيات فقال:
كل البرية للمنية صائره * وقفولها شيئا فشيئا سائره
والنفس ان رضيت بذا ربحت وان * لم ترض كانت عند ذلك خاسره
وأنا الذي راض بأحكام مضت * عن ربنا البر المهيمن صادره
لكن سئمت العيش من بعد الذي * قد خلف الأفكار منا حائره
هو شيخ الاسلام المعظم قدره * من كان أوحد عصره والنادرة
قاضي القضاة العسقلاني الذي * لم ترفع الدنيا خصيما ناظره
وشهاب دين الله ذي الفضل الذي * أربى على عدد النجوم مكاثره
لا تعجبوا لعلوه فأبوه من * قبل علي في الدنا والآخرة
هو كيمياء العلم كم من طالب * بالكسر جاء له فأضحى جابره
339

لا بدع ان عادت علوم الكيميا * من بعد ذا الحجر المكرم بائره
لهفي على من أورثتني حسرة * رأس الرؤس إذ هي حاسره
لهفي على المدح استحال إلى الرثا * وقصور أبياتي غدت متقاصره
لهفي عليه عالما بوفاته * درست دروس والمدارس داثره
لهفي على الاملاء عطل بعده * ومعاهد الاسماع إذ هي شاغره
لهفي عليه حافظ العصر الذي * قد كان معدودا لكل مناظره
لهفي على الفقه المهذب والمحرر * حاوي المقصود عند محاضره
لهفي على النحو الذي تسهيله * مغني اللبيب مساعد لمذاكره
لهفي على اللغة الغريبة كم أرانا * معربا بصحاحها المتظاهرة
لهفي على علم العروض تقطعت * أنسابه بفواصل متغايرة
لهفي عليه خزانة العلم التي * كانت بها كل الأفاضل ماهره
لهفي على شيخي الذي سعدت به * صحب وأوجه ناظريه ناضره
لهفي على التقصير مني حيث لم * أملا النواحي بالنواح مبادره
لهفي على عذري عن استيفاء ما * يحوي وعجزي ان أعد مآثره
لهفي على لهفي وهل ذا مسعدي * أو كان ينفعني شديد محاذره
لهفي على من كل عام للهنا * تأتي الوفود إلى حماه مبادره
والآن في ذا العام جاءوا للعزا * فيه وعادوا بالدموع الهامره
قد خلف الدنيا خرابا بعده * لكنما الأخرى لديه عامره
وبموته شعر الفؤاد وأعلم العين * انثنت في حالتيها شاعره
ولي المحاجر طابقت إذ للرثا * انا ناظم وهي المدامع ناثره
340

فكأنه في قبره سر غدا * في الصدر والأفهام عنه قاصره
وكأنه في اللحد منه ذخيرة * أعظم بها درر العلوم الفاخره
وكأنه في رمسه سيف ثوى * في الغمد مخبوءا ليوم مثاءره
وكأنه سبق القضاء له فان * قربت منيته أفاض محاجره
وغدا بأبيات الدنا متمثلا * وحبا بها بعض الصحاب وسارره
ونعى بها من قبل ذلك نفسه * أكرم بها يا صاح نفسا طاهره
ولصاحب الكشاف يعزى نظمها * واليد منها أبع متفاخره
وأنا الذي ضمنتها مرثيتي * جهرا وأولها بغير مفاكره
قرب الرحيل إلى ديار الآخرة * فاجعل آلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي * وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسيكين الذي أيامه * ولت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم * فبحار جودك يا آلهي زاخره
هذا لعمري آخر الأبيات إذ * هي أربع كملت تراها باهره
وأنا أعود إلى رثائي عودة * تحلو لسامعها بغير منافره
غرتني الأيام فيه فليتني * في مصر مت وما رأيت القاهرة
هجرتني الأحلام بعدك سيدي * واحر قلبي قد رمي بالهاجره
من شاء بعدك فليمت أنت الذي * كانت عليك النفس قدما حاذره
وسهرت مذ صدح النعي بزجره * فإذا هم من مقلتي بالساهرة
عزيت فيه فليت اني لم أكن * أوليت اني قد سكنت مقابره
فعزا جميع الناس فيه واحد * طوبى لنفس عند ذلك صابره
341

يا نوم عني لا تلم بمقلتي * فالنوم لا يأوي لعين ساهره
يا دمع واسقي تربة ولو أنها * بعلومه جرت البحار الزاخرة
يا صبري ارحل ليس قلبي فارغا * سكنته أحزان غدت متكاثره
يا نار شوقي بالفراق تأججي * يا أدمعي بالمزن كوني ساجره
يا قبر طب قد صرت بيت العلم أو * عينا به انسان قطب الدائرة
يا موت انك قد نزلت بذي الندى * ومذ استضفت حباك نفسا حاضره
يا رب فازحمه واسق ضريحه * بسحائب من فيض فضلك غامره
يا نفس صبرا فالتأسي لائق * بوفاة أعظم شافع في الآخرة
المصطفى زين النبيين الذي * حاز العلاء والمعجزات الباهرة
صلى عليه الله ما جال الردى * فينا وجرد للبرية باتره
وعلى عشيرته الكرام وآله * وعلى صحابته النجوم الزاهرة
وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين وخمسين توفي الشيخ برهان الدين
إبراهيم بن (فتح الدين) (1) صدقة بن إبراهيم بن إسماعيل المقري
القاهري وعرف والده بالصائغ البزار، والقاضي برهان الدين أبو الوفاء
إبراهيم ابن المحدث جمال الدين عبد الله ابن الحافظ شهاب الدين أبي العباس
أحمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن صالح بن هاشم الفرياني (2) والامام

(1) لم يظهر لنا صواب هذه الكلمة من الأصل فصححناها على ما بينه
العلامة الطهطاوي في النسخة التيمورية.
(2) بضم الفاء وتشديد الراء بعدها تحتانية خفيفة وبعد الألف نون نسبة إلى
(فريانة) قرب سفاقس من إفريقية. الضوء اللامع والشذرات.
342

الأوحد المفيد زين الدين أبو النعيم رضوان (1) بن محمد بن يوسف بن
سلامة بن البهاء بن سعيد العقبي - بضم العين المهملة وسكون القاف
بعدها موحدة، والامام زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن تاج الدين
محمد بن محمد بن يحيى السنديسي الشافعي، والقاضي كمال الدين أبو البركات
محمد بن علي بن أحمد بن علي بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن
الشهيد الناطق بن القاسم بن عبد الله العقيلي الهاشمي النويري، والأديب
شاعر مكة خير الدين أبو الخير محمد بن عبد القوي بن محمد بن عبد القوي
ابن أحمد بن محمد بن علي بن معمر بن سليمان بن عبد العزيز بن أيوب بن
علي البجائي ثم المكي المالكي الضرير في ذي الحجة وقد جاوز السبعين
ووزير المغرب أبو زكريا يحيى بن زيان الوطاسي المريني الفاسي وكان عادلا
وجماعة آخرون.

(1) يروي شرح معاني الآثار للطحاوي وجامع المسانيد لأبي حنيفة سماع
وسمعهما السخاوي عليه وأسمعهما لجماعة
343

* (جاء في خاتمة الأصل) *
هذا آخر ما وجد من كتاب (لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ)
تأليف الامام الحافظ الرحلة شيخ السنة ببلد الله الأمين أبي الفضل
محمد تقي الدين بن النجم محمد بن أبي الخير محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد
ابن فهد الهاشمي العلوي المكي الشافعي تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه
فسيح جنته بمحمد وآله والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا، وكتب
من خط مؤلفه على يد حفيده ابن ابن ولده الفقير إلى ربه وكرمه
الملتجئ إلى بيته وحرمه محمد المدعو جار الله ابن عبد العزيز بن عمر
ابن تقي الدين محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي خادم الحديث
الشريف بحرم الله المطهر المنيف لطف الله به والمسلمين أجمعين، وكانت
كتابته في مجالس عديدة بدئ بها بالمسجد الحرام وختمت تجاه بيت الله
الملك العلام من جهة ميزاب سحب الانعام قريبا من باب السلام
وقت احرام بباب الكعبة الشريفة في يوم الخميس خامس عشري ذي
القعدة المعظمة المنيفة عام أربع وأربعين وتسعمائة والحمد لله وحده وصلى
الله على من لا نبي بعده وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
نعم المولى ونعم الوكيل.
344