الكتاب: سير أعلام النبلاء
المؤلف: الذهبي
الجزء: ٦
الوفاة: ٧٤٨
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق: إشراف وتخريج : شعيب الأرنؤوط / تحقيق : حسين الأسد
الطبعة: التاسعة
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

سير أعلام النبلاء
1

جميع الحقوق محفوظة
لمؤسسة الرسالة
ولا يحق لاية جهة أن تطبع أو تعاطي حق الطبع لاحد.
سواء كان مؤسسة رسمية أو إفرادا.
الطبعة التاسعة
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة الرسالة بيروت - شارع سوريا - بناية صمدي وصالحة
هاتف: 319039 - 815112 - ص. ب: 7460 برقيا، بيوشران
2

سير أعلام النبلاء
تصنيف
الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى
748 ه‍ - 1374 م
الجزء السادس
شرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه حقق هذا الجزء
شعيب الأرنؤوط حسين الأسد
مؤسسة الرسالة
3

بسم الله الرحمن الرحيم
1 - عبد الرحمن بن القاسم * (ع)
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، بن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبي بكر
الصديق، الامام الثبت الفقيه، أبو محمد القرشي، التيمي، البكري،
المدني.
سمع أباه، وأسلم العمري، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وطائفة سواهم.
وما علمت له رواية عن أحد من الصحابة، وعداده في صغار التابعين.
حدث عنه شعبة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك، وسفيان بن
عيينة، وآخرون. وكان إماما، حجة، ورعا، فقيه النفس، كبير الشأن.
روى البخاري في كتاب الحج، عن علي، عن ابن عيينة: حدثنا عبد
الرحمن بن القاسم، وكان أفضل أهل زمانه (1).
قلت: وهو خال جعفر بن محمد الصادق. مولده في خلافة معاوية، وأنا
أتعجب، كيف لم يحمل عن جابر، وسهل بن سعد.
وقد طلبه الخليفة الفاسق، الوليد بن يزيد إلى الشام، في جماعة

طبقات خليفة: 268، التاريخ الصغير 1 / 321 - 322، الجرح والتعديل 5 / 278.
تهذيب الكمال 814، تذكرة الحفاظ 1 / 126، تاريخ الاسلام 5 / 102، تهذيب التهذيب
6 / 254، خلاصة تذهيب الكمال 233.
(1) أخرجه البخاري: 3 / 466 في الحج، باب: الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل
الإفاضة وتمامه: أنه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها
تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف،
وبسطت يدها ".
5

ليستفتيهم، فأدركه أجله بحوران في سنة ست وعشرين ومئة، وهو في عشر
السبعين.
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبركم محمد بن أبي
الفرج هبة الله بن عبد العزيز، أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز الدينوري،
أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن مهدي، حدثنا
الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، حدثنا
سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: " حاضت صفية
بنت حيي بعد ما أفاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحابستنا هي؟
فقلت: يا رسول الله، إنها قد أفاضت ثم حاضت بعد ذلك، قال: " فلتنفر
إذا " (1).
وبه إلى الزعفراني: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه،
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال: " فلا، إذا "
أخرج الأول النسائي، والثاني مسلم (2)، كلاهما من حديث ابن عيينة.
2 - سالم أبو النضر * (ع)
سالم أبو النضر: بن أبي أمية المدني، كاتب عمر بن عبيد الله التيمي،
ومولاه.
حدث عن أنس بن مالك، وعبيد بن حنين، وبسر بن سعيد، وسليمان بن

(1) إسناده صحيح، ولم نجده في المطبوع من سنن النسائي، فلعله في الكبرى، وأخرجه
مالك في الموطأ 1 / 412، والبخاري 3 / 467 في الحج: باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت،
من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة.
(2) 2 / 964 رقم الحديث الخاص (383) في الحج: باب وجوب طواف الوداع،
وسقوطه عن الحائض.
* تاريخ البخاري 4 / 111، طبقات خليفة: 268، الجرح والتعديل 4 / 179،
تهذيب الكمال 460، تهذيب التهذيب 3 / 431. خلاصة تذهيب الكمال: 131.
6

يسار، وعمير مولى ابن عباس، وعامر بن سعد، وكتب إليه بحديث عبد الله
ابن أبي أوفى، رضي الله عنه، وهو مخرج في " الصحيحين " وهو حديث: " لا
تتمنوا لقاء العدو " (1).
روى عنه: موسى بن عقبة، وعمرو بن الحارث، ومالك، والليث بن
سعد، والسفيانان، وفليح بن سليمان، وآخرون.
قال ابن المديني: له نحو من خمسين حديثا.
وقال أبو حاتم: صالح، ثقة.
قيل: توفي سالم أبو النضر سنة تسع وعشرين ومئة. وقال أبو عبيد القاسم
ابن سلام: توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئة.
3 - الخلال *
الوزير القائم بأعباء الدولة السفاحية، أبو سلمة حفص بن سليمان،
الهمداني، مولاهم الكوفي. رجل شهم، سائس، شجاع، متمول، ذو
مفاكهة وأدب، وخبرة بالأمور، وكان صيرفيا (2) أنفق أموالا كثيرة في إقامة
الدولة، وذهب إلى خراسان.
وكان أبو مسلم تابعا له في الدعوة، ثم توهم منه ميل إلى آل علي عندما قتل
مروان إبراهيم الامام. فلما قام السفاح، وزر له، وفي النفس شئ. ثم كتب

(1) أخرجه البخاري 6 / 110 في الجهاد: باب لا تتمنوا لقاء العدو، وفي التمني: باب
كراهية تمني لقاء العدو، ومسلم (1741) في الجهاد: باب كراهة تمني لقاء العدو.
الطبري حوادث سنة 132 ه‍، وفيات الأعيان 2 / 195 - 197، البداية والنهاية
10 / 55، شذرات الذهب 1 / 191.
(2) الصيرفي: المحتال، المتقلب في أموره، المتصرف في الأمور المجرب لها. قال
سويد بن أبي كاهل:
ولسانا صيرفيا صارما * كحسام السيف ما مس قطع
7

أبو مسلم إلى السفاح يحسن له قتله فأبى وقال: رجل قد بذل نفسه وماله لنا.
فدس عليه أبو مسلم من سافر إليه، وقتله غيلة ليلا بالأنبار، فإنه خرج من
السمر من عند الخليفة، فشد عليه جماعة فقتلوه، وذلك بعد قيام السفاح
بأربعة أشهر سنة اثنتين وثلاثين ومئة، في رجبها.
وتحدث العوام أن الخوارج قتلوه. وكان سامحه الله يقال له: وزير آل
محمد، وكان ينزل درب الخلالين (1) فعرف بذلك، وفيه قيل:
إن الوزير، وزير آل محمد * أودى فمن يشناك صار وزيرا
4 - عبيد الله بن أبي جعفر * (ع)
الامام الحافظ، فقيه مصر، أبو بكر المصري، الكناني، مولاهم، الليثي،
وقيل: ولاؤه لبني أمية، واسم أبيه يسار.
قال ابن ماكولا: يسار مولى عروة بن شييم، الليثي، رأى عبد الله بن
الحارث بن جزء الصحابي.
وحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، والشعبي، وعطاء، وعبد الرحمن
ابن هرمز الأعرج، وحمزة بن عبد الله بن عمر، ونافع مولى ابن عمر، وأبي
الأسود يتيم عروة، وأبي عبد الرحمن الحبلي، وعبد الله بن أبي قتادة،
ومحمد بن جعفر بن الزبير، وسالم بن أبي سالم الجيشاني، وبكير بن
الأشج، وطائفة.

(1) وفي ترجيح تلقيبه بالخلال رأيان آخران: أنه كانت له حوانيت يصنع فيها الخل، أو
أن اللقب نسبة إلى خلل السيوف وهي أغمادها.
تهذيب الكمال 879، تذكرة الحفاظ 1 / 136، تهذيب التهذيب 7 / 5، شذرات
الذهب 1 / 90 طبقات الحفاظ ص 56، الجرح والتعديل 5 / 310، طبقات خليفة ص 295.
8

وعنه: عمرو (1) بن مالك الشرعبي، وعمارة بن غزية، وسعيد بن أبي
أيوب، وحياة بن شريح، وعبد الرحمن بن شريح، وابن إسحاق، ويحيى بن
أيوب، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، وخالد بن حميد
المهري (2)، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس، كان يتفقه.
وقال أبو حاتم: ثقة، بابة (3) يزيد بن أبي حبيب، وقال النسائي: ثقة. وقال
ابن سعد: ثقة، فقيه زمانه، وقال أبو نصر الكلاباذي: كان فقيها في زمانه،
وقال ابن يونس: كان عالما، زاهدا، عابدا.
سعيد بن زكريا الأدم: كان سليمان بن أبي داود يقول: ما رأت عيناي
عالما، زاهدا، إلا عبيد الله بن أبي جعفر.
وروي إبراهيم بن نشيط الوعلاني (4)، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: كان
يقال: ما استعان عبد على دينه، بمثل الخشية من الله.
وقال عبد الرحمن بن شريح، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: غزونا
القسطنطينية فكسر بنا مركبنا، فألقانا الموج على خشبة في البحر، وكنا خمسة
أو ستة. فأنبت الله لنا بعددنا، ورقة لكل رجل منا، فكنا نمصها فتشبعنا
وتروينا، فإذا أمسينا، أنبت الله لنا مكانها.

(1) كذا في الأصل. وفي الخلاصة، والتقريب، وتهذيب الكمال: عمر بلا واو. وقد
أورده الحافظ فيمن اسمه عمرو، وقال: صوابه " عمر "، وقد تقدم. والشرعبي: نسبة إلى
شرعب بن قيس من حمير.
(2) بفتح الميم وسكون الهاء، نسبة إلى مهرة بن حيدان من قضاعة.
(3) أي أنه في وزنه ومنزلته. والبابة عند العرب: الوجه. يقال: هذا ليس من بابتك:
أي ليس مما يصلح لك.
(4) بفتح الواو وسكون العين، نسبة إلى وعلان، بطن من مراد.
9

قال رشدين بن سعد: حدثنا الحجاج بن شداد، سمع عبيد الله بن أبي
جعفر، وكان أحد الحكماء، قال: إذا كان المرء يحدث في مجلس، فأعجبه
الحديث، فليمسك. وإذا كان ساكتا، فأعجبه السكوت، فليتحدث.
قال ابن لهيعة: ولد ابن أبي جعفر سنة ستين، وهو من سبي طرابلس
المغرب.
وقال غيره: توفي مدخل المسودة، يعني، بني العباس في ذي الحجة،
سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وصلى عليه أبو عون عبد الملك بن يزيد، أمير
مصر. وقال خليفة: مات سنة أربع وثلاثين وقيل: سنة خمس أو ست، وقال
أبو سعيد بن يونس: توفي سنة ست وثلاثين ومئة.
وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي، واستنكر له حديثا ثابتا في
" الصحيحين، في " من مات وعليه صوم، صام عنه وليه " (1).
5 - مغيرة * (ع)
مغيرة بن مقسم، الامام العلامة، الثقة، أبو هشام الضبي، مولاهم،

(1) رواه البخاري 4 / 168 في الصوم: باب من مات وعليه صوم، ومسلم رقم (1147)
في الصوم: باب قضاء الصيام عن الميت، وأبو داود رقم (2400) في الصوم: باب فيمن
مات وعليه صوم.
طبقات خليفة: 165، تاريخ البخاري 4 / 322، التاريخ الصغير: 2 / 28، الجرح
والتعديل 8 / 228 - 229، تهذيب الكمال 1365، تذكرة الحفاظ 1 / 143، تهذيب التهذيب
10 / 269، شذرات الذهب 1 / 191 خلاصة تذهيب الكمال 385، مقدمة فتح الباري
(445)، وفيها متفق على توثيقه. لكن ضعف أحمد بن حنبل روايته عن إبراهيم النخعي
خاصة. قال: كان يدلسها وإنما سمعها من حماد. قال الحافظ: قلت: ما أخرج له
البخاري عن إبراهيم إلا ما توبع عليه. واحتج به الأئمة.
10

الكوفي، الأعمى، الفقيه، يلحق بصغار التابعين، لكني لم أعلم له شيئا عن
أحد من الصحابة.
حدث عن أبي وائل، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وعكرمة،
وأم موسى سرية علي رضي الله عنه، وأبي رزين الأسدي، ونعيم بن أبي
هند، ومعبد بن خالد، وعبد الرحمن بن أبي نعم، وأبي معشر زياد بن حبيب
والحارث العكلي، وسعد بن عبيدة، وسماك بن حرب، وعدة.
روى عنه سليمان التيمي أحد التابعين، وشعبة، والثوري، وزائدة،
وزهير، وأبو عوانة، وهشيم، وإبراهيم بن طهمان، وإسرائيل، والحسن بن
صالح، وسعير بن الخمس، ومفضل بن مهلهل، وأبو الأحوص، وجرير بن
عبد الحميد، وأبو بكر بن عياش، وخالد بن عبد الله الطحان، وعمر بن عبيد،
وعبثر بن القاسم، والمفضل بن محمد النحوي، ومنصور بن أبي الأسود،
ومحمد بن فضيل، وخلق.
روى حجاج بن محمد عن شعبة، قال: كان مغيرة أحفظ من الحكم، وفي
رواية: أحفظ من حماد.
وروى نعيم بن حماد، عن ابن فضيل قال: كان مغيرة يدلس، وكنا لا
نكتب إلا ما قال: حدثنا إبراهيم.
وقال أبو بكر بن عياش: كان مغيرة من أفقههم، ما رأيت أحدا أفقه منه،
فلزمته.
قال يحيى بن المغيرة: عن جرير بن عبد الحميد، قال: قال مغيرة: ما وقع
في مسامعي شئ فنسيته.
قلت: هذا والله الحفظ، لا حفظ من درس كتابا مرات عدة، حتى عرضه،
ثم تخبط عليه، ثم درسه وحفظه، ثم نسيه أو أكثره.
11

قال معتمر بن سليمان: كان أبي يحثني على حديث المغيرة، وكان عنده
كتاب.
وقال أحمد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة، مأمون.
وروى أبو حاتم، عن يحيى قال: كان مغيرة أحفظ من حماد بن أبي
سليمان.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي: مغيرة عن الشعبي، أحب إليك، أم ابن
شبرمة؟ فقال: جميعا ثقتان.
قال العجلي: مغيرة ثقة، فقيه، إلا أنه كان يرسل الحديث عن إبراهيم،
وإذا وقف، أخبرهم ممن سمعه. وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم، وكان
أعمى، وكان عثمانيا يحمل بعض الحمل على علي.
قال أبو داود: سمع مغيرة من أبي وائل، ومن أبي رزين، وسمع من
إبراهيم مئة وثمانين حديثا، إلى أن قال: ومغيرة لا يدلس.
قال أبو داود: قال جرير: جلست إلى أبي جعفر الرازي، فقال: إنما سمع
مغيرة من إبراهيم أربعة أحاديث، فلم أقل شيئا.
قال علي: وكتاب جرير عن مغيرة، عن إبراهيم، مئة حديث سماع.
قال أبو داود: أدخل مغيرة بينه وبين إبراهيم قريبا من عشرين رجلا، وقال
النسائي: ثقة.
وقال جرير عن مغيرة: إني لأحتسب اليوم في منعي الحديث، كما
يحتسبون في بذله.
وروى جرير عنه قال: إذا تكلم اللسان بما لا يعنيه، قال القفا:
وا حرباه (1)!.

(1) وا حرباه: نداء وندبة وتأسف على ما سلب منه.
12

قال ابن نمير، وأحمد: مات سنة ثلاث وثلاثين ومئة. وقال ابن معين:
سنة أربع وثلاثين.
قرأت ببعلبك على أبي الحسين علي بن محمد، وعبد الولي بن رافع
الخطيب. وسمعته بدمشق من عيسى بن بركة، وأحمد بن هبة الله، وجماعة
قالوا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا سعيد بن أحمد حضورا، أنبأنا محمد بن
محمد، أنبأنا محمد بن عمر بن زنبور، حدثنا يحيى بن صاعد، حدثنا زياد بن
أيوب، حدثنا هشيم، حدثنا مغيرة عن شباك، عن إبراهيم، عن هني بن
نويرة، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أعف الناس
قتلة أهل الايمان " (1)، تابعه شعبة، عن مغيرة. أخرجه أبو داود عن زياد.
6 - عاصم بن سليمان * (ع)
الامام الحافظ، محدث البصرة، أبو عبد الرحمن البصري، الأحول،
محتسب المدائن، قيل: ولاؤه لتميم، وقيل: لبني أمية.
روى عن عبد الله بن سرجس، وأنس بن مالك، وعن رفيع أبي العالية،
ومعاذة، وحفصة بنت سيرين، وعمرو بن سلمة الجرمي، وعبد الله بن شقيق
العقيلي، وأبي قلابة، والشعبي، والنضر بن أنس، وأبي نضرة، وأبي
الصديق الناجي، وبكر المزني، وسوادة بن عاصم، وأبي عثمان
النهدي، والحسن وابن سيرين، وأبي المتوكل الناجي، وأبي الوليد عبد الله بن

(1) أخرجه أبو داوود (2666) في الجهاد: باب في النهي عن المثلة، وابن ماجة
(2681) في الديات: باب أعف الناس قتلة، وأحمد 1 / 393، وهني بن نويرة الضبي لم
يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات.
طبقات خليفة: 218، تاريخ البخاري 3 / 485، التاريخ الصغير: 2 / 70، الجرح
والتعديل 6 / 343، تهذيب الكمال (633)، تذكرة الحفاظ 1 / 149، تهذيب التهذيب
5 / 42، شذرات الذهب 1 / 210، خلاصة تذهيب الكمال 182.
13

يوسف بن عبد الله، وخلق سواهم. وكان من الحفاظ المعدودين.
روى عنه قتادة، وداود بن أبي هند، وسليمان التيمي، وشعبة، وشريك،
ومعمر، وهشيم، وثابت بن يزيد الأحول، والحسن بن حي، وحماد بن زيد،
وحفص بن غياث، وابن علية، وجرير بن عبد الحميد، وزهير، والسفيانان،
وعباد بن عباد، وأبو معاوية، وعلي بن مسهر، وابن فضيل، ومروان بن معاوية،
ويزيد بن هارون، وعبد الله بن نمير، وخلق كثير.
قال ابن المديني: له نحو مئة وخمسين حديثا.
قال علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: عاصم الأحول لم يكن
بالحافظ.
وقال ابن معين: كان يحيى القطان يضعف عاصما الأحول.
وقال حجاج بن محمد، عن شعبة: عاصم أحب إلي من قتادة، في أبي
عثمان النهدي لأنه أحفظهما.
ابن المبارك، عن الثوري قال: أدركت حفاظ الناس أربعة: إسماعيل بن
أبي خالد، وعاصم الأحول، ويحيى بن سعيد، قال: وأرى هشاما الدستوائي
منهم.
وروى نوفل بن مطهر، عن ابن المبارك، عن سفيان قال: حفاظ البصرة
ثلاثة: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وداود بن أبي هند.
وقال حفص بن غياث: إذا قال عاصم: " زعم " فهو الذي ليس بشك.
وقال ابن مهدي: كان عاصم الأحول من حفاظ أصحابه.
وقال أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو زرعة، وطائفة: ثقة، ووثقه علي
ابن المديني وقال مرة: ثبت.
14

وقال يحيى القطان وابن مثنى وغيرهما: مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين
ومئة.
وقال البخاري: مات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين ومئة.
أخبرنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا علي بن مختار (ح) وأنبأنا علي بن
محمد، أنبأنا جعفر بن منير قالا: أنبأنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا القاسم بن
الفضل، أخبرنا هلال بن محمد، حدثنا الحسين بن عياش، حدثنا أحمد بن
المقدام، حدثنا حماد، عن عاصم بن سليمان، عن عبد الله بن سرجس،
قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في أصحابه، فدرت من خلفه فعرف
الذي أريد، فألقى الرداء عن ظهره، فرأيت موضع الخاتم على نغض
كتفه، مثل الجمع حوله خيلان كأنها الثآليل، فرجعت حتى استقبلته،
فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، فقال: ولك. فقال القوم: استغفر لك
رسول الله؟ فقال: نعم، ولكم. ثم تلا: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين
والمؤمنات) (1).
7 - أيوب السختياني * (ع)
الامام الحافظ، سيد العلماء، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان، العنزي،

(1) وأخرجه مسلم (2346) في الفضائل: باب إثبات خاتم النبوة وصفته، ومحله من
جسده صلى الله عليه وسلم، من حديث حماد عن عاصم بن سليمان به، وأخرجه أحمد 5 / 82 من حديث
معمر عن عاصم بن سليمان به.
ونغض الكتف: أعلاه، والجمع: قال الحميدي: لعله عنى جمع الكف، وهو أن
يجمع أصابعه ويعطفها إلى باطن الكف. والخيلان: جمع خال. وهو الشامة. والثآليل:
جمع ثؤلول: حبيبات تعلو الجسد.
طبقات ابن سعد 7 / 246، 251، حلية الأولياء 3 / 2 - 14، تهذيب الكمال:
(134)، تذكرة الحفاظ 1 / 130 - 132، تهذيب التهذيب 1 / 397، شذرات الذهب
1 / 181، خلاصة تهذيب الكمال 42.
15

مولاهم، البصري، الادمي ويقال: ولاؤه لطهية، وقيل: لجهينة. عداده في
صغار التابعين.
سمع من أبي يزيد عمرو بن سلمة الجرمي، وأبي عثمان النهدي، وسعيد
ابن جبير، وأبي العالية الرياحي، وعبد الله بن شقيق، وأبي قلابة الجرمي،
ومجاهد بن جبر، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومعاذة العدوية،
وقيس بن عباية الحنفي، وأبي رجاء عمران بن ملحان العطاردي، وعكرمة
مولى بن عباس، وأبي مجلز لا حق بن حميد، وحفصة بنت سيرين، ويوسف
ابن ماهك، وعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى ابن عمر، وأبي الشعثاء جابر بن
زيد، وحميد بن هلال، وأبي الوليد عبد الله بن الحارث، والأعرج، وعمرو
ابن شعيب، والقاسم بن عاصم، والقاسم بن محمد، وابن أبي مليكة،
وقتادة، وخلق سواهم.
حدث عنه: محمد بن سيرين، وعمرو بن دينار، والزهري، وقتادة - وهم
من شيوخه - ويحيى بن أبي كثير، وشعبة، وسفيان، ومالك، ومعمر، وعبد
الوارث، وحماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن زيد، ومعتمر بن
سليمان، ووهيب، وعبيد الله بن عمرو، وإسماعيل بن علية، وعبد السلام بن
حرب، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، ونوح بن قيس الحداني، وهشيم
ابن بشير، ويزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، وسفيان بن عيينة، وعبد الوهاب
الثقفي، وأمم سواهم.
مولده عام توفي ابن عباس، سنة ثمان وستين. وقد رأى أنس بن مالك،
وما وجدنا له عنه رواية، مع كونه معه في بلد، وكونه أدركه وهو ابن بضع
وعشرين سنة.
قرأت على إسحاق بن أبي بكر: أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد،
16

أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني
عباس النرسي، حدثنا وهيب، حدثنا الجعد أبو عثمان، سمعت الحسن
يقول: أيوب سيد شباب أهل البصرة.
وبه إلى أبي نعيم: حدثنا أبو علي الصواف، حدثنا بشر، حدثنا الحميدي
قال: لقي ابن عيينة ستة وثمانين من التابعين، وكان يقول: ما رأيت مثل
أيوب.
حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا يسر بن أنس البغدادي، حدثنا أبو يونس
المديني، حدثني إسحاق بن محمد، سمعت مالكا يقول: كنا ندخل على
أيوب السختياني، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكى حتى
نرحمه.
حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن
الصباح، حدثنا سعيد بن عامر، عن سلام، قال: كان أيوب السختياني، يقوم
الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح، رفع صوته، كأنه قام تلك
الساعة.
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا الفريابي، حدثنا أحمد بن
إبراهيم، حدثنا ابن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، سمعت أيوب، وقيل له:
مالك لا تنظر في هذا؟ يعني الرأي. فقال: قيل للحمار ألا تجتر؟ فقال: أكره
مضغ الباطل.
حدثنا سليمان، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عارم، حدثا حماد قال:
ما رأيت رجلا قط، أشد تبسما في وجوه الرجال من أيوب.
حدثنا سليمان، حدثنا محمد بن محمد الجذوعي، حدثنا هدبة، حدثنا
سلام بن مسكين، سمعت أيوب يقول: لا خبيث أخبث من قارئ فاجر.
سير 6 / 2
17

قال أبو أحمد (1) في " الكني ": أيوب روى عنه ابن سيرين، وقتادة،
وحميد الطويل، والأعمش وعمرو بن دينار، وابن عون، ويحيى بن أبي كثير،
وعبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس.
أخبرنا الفخر علي بن أحمد وغيره، قال: أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا عبد
الوهاب الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن هزارمرد، أخبرنا ابن حبابة، أخبرنا
البغوي، حدثنا عمي، حدثنا عارم، حدثنا حماد بن زيد قال: ولد أيوب قبل
طاعون الجارف بسنة.
قال البغوي: بلغني أن مولد أيوب، سنة ثمان وستين.
قلت: وكان الطاعون في سنة تسع وستين. يقال: مات بالبصرة فيه في
ثلاثة أيام أو نحوها مئتا ألف نفس.
وبه قال البغوي: حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا حماد، قال: رأيت
أيوب وضع يده على رأسه وقال: الحمد لله الذي عافاني من الشرك، ليس
بيني وبينه إلا أبو تميمة.
وبه: حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا حماد، حدثنا ميمون الغزال قال: جاء
أيوب، فسأل الحسن عن أشياء، فلما قام، قال لنا الحسن: هذا سيد الفتيان.
وعن سفيان الثوري قال: قال الحسن لأيوب: هذا سيد شباب أهل
البصرة.
وبه: أخبرنا الصلت بن مسعود، حدثنا سفيان، سمعت هشام بن عروة
يقول: ما رأيت بالبصرة مثل أيوب السختياني، ولا بالكوفة مثل مسعر.

(1) هو محدث خراسان، الامام الحافظ، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق
النيسابوري، الحاكم، شيخ صاحب " المستدرك " توفي سنة 378 ه‍. تذكرة الحفاظ 3 / 976 -
979.
18

وبه: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثنا الوليد، سمعت شعبة يقول
حدثني أيوب سيد الفقهاء.
وبه: حدثنا علي بن مسلم، حدثنا أبو داود، عن شعبة: ما رأيت قط مثل
أيوب، ويونس، وابن عون.
وعن الثوري قال: ما رأيت بالبصرة مثل أربعة، فبدأ بأيوب.
وقال أبو عوانة: رأيت الناس ما رأيت مثل هؤلاء: أيوب، ويونس، وابن
عون.
وبه حدثنا علي بن مسلم، حدثني حبان مولى بني أمية، سمعت سلام بن
أبي مطيع يقول: ما فقنا أهل الأمصار في عصر قط، إلا في زمن أيوب،
ويونس، وابن عون، لم يكن في الأرض مثلهم.
وبه: حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، حدثنا حماد بن زيد، كان أيوب لا
يقف على آية إلا إذا قال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) [الأحزاب
56] سكت سكتة.
وحدثنا أحمد، حدثنا حماد، عن أيوب قال: أدركت الناس هاهنا
وكلامهم: إن قضي وإن قدر. وكان يقول: ليتق الله رجل. فإن زهد، فلا
يجعلن زهده عذابا على الناس، فلان يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه.
وكان أيوب ممن يخفي زهده، دخلنا عليه، فإذا هو على فراش مخمس
أحمر، فرفعته، أو رفعه بعض أصحابنا، فإذا خصفة محشوة بليف.
وبه: حدثنا علي بن مسلم، حدثنا أبو داود، قال: قال شعبة: ما واعدت
أيوب موعدا قط، إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد. فإذا جئت،
وجدته قد سبقني.
وبه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي، حدثنا النضر بن شميل، أخبرني
19

الخليل بن أحمد، قال: لحن أيوب في حرف، فقال: أستغفر الله.
وبه: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، أخبرني رجل أنه رأى
أيوب بين قبري الحسن ومحمد، قائما يبكي، ينظر إلى هذا مرة، وإلى هذا
مرة.
وبه: حدثنا أحمد، حدثنا حماد، حدثنا أيوب قال: رأيت الحسن في النوم
مقيدا، ورأيت ابن سيرين مقيدا في سجن. قال: كأنه أعجبه ذلك.
قال مخلد بن الحسين: قال أيوب: ما صدق عبد قط، فأحب الشهرة.
روى مؤمل، عن شعبة قال: من أراد أيوب، فعليه بحماد بن زيد.
قلت: صدق، أثبت الناس في أيوب هو.
وقال حماد: لم يكن أحد أكرم على ابن سيرين من أيوب.
وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحدا أنصح للعامة من أيوب والحسن.
وروى سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: كان أيوب في مجلس،
فجاءته عبرة، فجعل يمتخط ويقول: ما أشد الزكام.
وقال ابن عون: مات ابن سيرين، فقلنا من ثم؟ قلنا: أيوب.
قال محمد بن سعد الكاتب: كان أيوب ثقة، ثبتا في الحديث، جامعا، كثير
العلم، حجة، عدلا.
وقال أبو حاتم وسئل عن أيوب، فقال: ثقة، لا يسأل عن مثله.
قلت: إليه المنتهى في الاتقان.
قال ابن المديني: له نحو من ثمان مئة حديث. وأما ابن علية، فقال: كنا
نقول: حديث أيوب ألفا حديث، فما أقل ما ذهب علي منها.
وسئل ابن المديني عن أصحاب نافع، فقال: أيوب وفضله، ومالك
20

وإتقانه، وعبيد الله وحفظه (1).
روى ضمرة عن ابن شوذب، قال: كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر
رمضان، ويصلي بهم في الركعة قدر ثلاثين آية، ويصلي لنفسه فيما بين
الترويحتين بقدر ثلاثين آية. وكان يقول هو بنفسه للناس: الصلاة، ويوتر بهم،
ويدعو بدعاء القرآن، ويؤمن من خلفه، وآخر ذلك، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
ويقول: اللم استعملنا بسنته، أوزعنا بهديه، واجعلنا للمتقين إماما، ثم
يسجد. وإذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات.
قال حماد بن زيد: أيوب عندي أفضل من جالسته، وأشده اتباعا للسنة.
قال سعيد بن عامر الضبعي، عن سلام بن أبي مطيع، قال: رأى أيوب
رجلا من أصحاب الأهواء فقال: إني لأعرف الذلة في وجهه، ثم تلا:
(سينالهم غضب من ربهم وذلة). [الأعراف: 152]. ثم قال: هذه لكل
مفتر: وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج، ويقول: إن الخوارج اختلفوا
في الاسم، واجتمعوا على السيف.
وقال له رجل من أصحاب الأهواء: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؟ فولى وهو
يقول: ولا نصف كلمة. مرتين.
وروى جرير الضبي عن أشعث، قال: كان أيوب جهبذ (2) العلماء.
قال سلام بن أبي مطيع: كان أفقههم في دينه أيوب. وعن هشام بن
حسان: أن أيوب السختياني حج أربعين حجة.

(1) في الأصل " وايقانه " والتصحيح من تهذيب الكمال.
(2) الجهبذ: النقاد الخيبر.
21

وقال وهيب: سمعت أيوب يقول: إذا ذكر الصالحون، كنت عنهم
بمعزل.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب صديقا ليزيد بن الوليد، فلما ولي الخلافة،
قال أيوب: اللهم أنسه ذكري. وكان يقول: ليتق الله رجل وإن زهد فلا
يجعلن زهده عذابا على الناس.
وقال حماد: غلبه البكاء مرة، فقال: الشيخ إذا كبر، مج (1).
قال معمر: كان في قميص أيوب بعض التذييل. فقيل له، فقال: الشهرة
اليوم في التشمير.
قال صالح بن أبي الأخضر: قلت لأيوب: أوصني، قال: أقل الكلام.
قال حماد بن زيد: لو رأيتم أيوب، ثم استقاكم شربة على نسكه، لما
سقيتموه، له شعر وافر، وشارب وافر، وقميص جيد هروي، يشم الأرض،
وقلنسوة متركة جيدة، وطيلسان كردي جيد، ورداء عدني. يعني: ليس عليه
شئ من سيما النساك، ولا التصنع.
قال شعبة: قال أيوب: ذكرت، ولا أحب أن أذكر.
قال حماد بن زيد: كان لأيوب برد أحمر يلبسه إذا أحرم، وكان يعده
كفنا. وكنت أمشي معه، فيأخذ في طرق إني لاعجب له كيف يهتدي لها فرارا من
الناس أن يقال: هذا أيوب.
وقال شعبة: ربما ذهبت مع أيوب لحاجة، فلا يدعني أمشي معه، ويخرج
من ها هنا، وها هنا لكي لا يفطن له.
وفي " شمائل الزهاد " لابن عقيل البلخي: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا

(1) مج: يقال: مج بريقه يمجه، إذا لفظه. وشيخ ماج: يمج ريقه، ولا يستطيع حبسه
من كثره.
22

أبو الربيع، سمعت أبا يعمر بالري يقول: كان أيوب في طريق مكة،
فأصاب الناس عطش حتى خافوا. فقال أيوب: أتكتمون علي؟ قالوا: نعم.
فدور رداء، ودعا، فنبع الماء، وسقوا الجمال، ورووا ثم أمر يده على
الموضع فصار كما كان، قال أبو الربيع: فلما رجعت إلى البصرة، حدثت
حماد بن زيد بالقصة، فقال: حدثني عبد الواحد بن زيد، أنه كان مع أيوب
في هذه السفرة التي كان هذا فيها.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أبي المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي،
أخبرنا أبو نعيم، حدثنا عثمان بن محمد العثماني، حدثنا خالد بن النضر،
حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا النضر بن كثير السعدي، حدثنا عبد
الواحد بن زيد قال: كنت مع أيوب السختياني على حراء، فعطشت عطشا
شديدا، حتى رأى ذلك في وجهي، وقلت له، قد خفت على نفسي. قال:
تستر علي؟ قلت نعم. فاستحلفني، فحلفت له ألا أخبر أحدا ما دام حيا.
فغمز برجله على حراء، فنبع الماء، فشربت حتى رويت، وحملت معي من
الماء.
قلت: لا يثبت هذا، وعثمان تالف (1).
وبه إلى أبي نعيم: حدثنا فاروق، حدثنا هشام بن علي، حدثنا عون
ابن الحكم الباهلي، حدثنا حماد بن زيد، قال: غدا علي ميمون أبو حمزة يوم
الجمعة، قبل الصلاة، فقال: إني رأيت البارحة أبا بكر، وعمر رضي الله
عنهما، في النوم، فقلت لهما: ما جاء بكما؟ قالا: جئنا نصلي على أيوب
السختياني. قال: ولم يكن علم بموته. فقيل له: قد مات أيوب البارحة.
قال أبو نعيم الحافظ: أسند أيوب عن أنس بن مالك، وعمرو بن سلمة،
وأبي العالية، وأبي رجاء وآخرين.

(1) إسناده مسلسل بالضعفاء، وعبد الواحد بن زيد متروك.
23

بلغنا أنهم قالوا لمالك: إنك تتكلم في حديث أهل العراق، وتروي مع
هذا عن أيوب، فقال: ما حدثتكم عن أحد، إلا وأيوب أوثق منه.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن محمد بن أبي زيد الكراني (1)، أخبرنا محمود بن
إسماعيل، أخبرنا ابن قادشاه، أخبرنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا العباس بن
الفضل الأسفاطي، حدثنا سليمان بن حرب، سمعت حماد بن زيد، سمعت
أيوب، وذكر المعتزلة، وقال: إنما مدار القوم على أن يقولوا: ليس في السماء
شئ.
قال علي بن المديني: لأيوب نحو من ثمان مئة حديث.
قلت: اتفقوا على أنه توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة بالبصرة، زمن
الطاعون، وله ثلاث وستون سنة. وآخر من روى حديثه عاليا، أبو الحسن بن
البخاري.
أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد الفقيه، وأبو المعالي أحمد بن عبد
السلام، وجماعة إجازة قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن
محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله
الشافعي، أخبرنا موسى بن سهل الوشاء، حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب،
عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن أصحاب هذه الصور
يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ". أخرجه مسلم (2).
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد قالا: أخبرنا موسى بن عبد
القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر
المخلص، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا حماد

(1) الكراني: بفتح الكاف والراء المشددة: نسبة إلى كران محلة بأصبهان.
(2) رقم (2108) في اللباس والزينة: باب تحريم صورة الحيوان.
24

ابن زيد، عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، قال: كنت جالسا
إلى ابن عمر فسئل عنها (1). فقال: تقيم، حتى يكون آخر عهدها بالبيت، قال
طاووس: فلا أدري: ابن عمر نسيه أم لم يسمع ما سمع أصحابه؟ " فقال:
نبئت أنه رخص لهن، يعني الحائض في حجها " (2).
وبه إلى المخلص: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي، حدثنا أبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار، حدثنا حماد عن
أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرأ هذه الآية: (يوم يقوم
الناس لرب العالمين) [المطففين: 6]. قال: " يقومون حتى يبلغ الرشح
أطراف آذانهم " (3).

(1) أي: عن الحائض في الحج إذا لم تطف طواف الوداع.
(2) رجاله ثقات. وقال ابن المنذر فيما نقله عنه الحافظ في " الفتح " 3 / 467: قال عامة
الفقهاء بالامصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع، وروينا عن عمر بن
الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا طواف الوداع،
وكأنهم أوجبوه عليها، كما يجب عليها طواف الإفاضة، إذ لو حاضت قبله، لم يسقط عنها،
ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع، عن ابن عمر، قال: طافت امرأة بالبيت يوم
النحر، ثم حاضت. فأمر عمر بحبسها بمكة، بعد أن ينفر الناس، حتى تطهر وتطوف
بالبيت.
قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر، وزيد بن ثابت عن ذلك. وحجة الجمهور ما روى
البخاري 3 / 466، ومسلم (1328) من حديث ابن عباس، قال: أمر الناس أن يكون آخر
عهدهم بالبيت. إلا أنه رخص للمرأة الحائض ".
وفي " الموطأ " 1 / 412، والبخاري 3 / 467 - 468 ومسلم 2 / 964 من حديث عائشة أن
صفية بنت حيى بن أخطب زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حاضت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
أحابستنا هي؟ فقيل له: إنها قد أفاضت. فقال: " فلا إذا ".
(3) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 8 / 534 - 535 في تفسير سورة المطففين،
ومسلم (2862) في الجنة: باب في صفة يوم القيامة، من حديث نافع، عن ابن عمر.
25

أنبأنا طائفة عن أبي جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد حضورا، أخبرنا
أبو نعيم، حدثنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور،
حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حماد، عن يحيى بن عتيق، عن محمد بن
سيرين، عن أيوب السختياني، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام،
قال: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أبيع ما ليس عندي " (1).
أخرجه النسائي عن الحسن بن إسحاق المروزي، عن خالد بن خداش
المهلبي، وهو صدوق، مكثر عن حماد بن زيد، ينفرد عنه بغرائب (2).
8 - جهم بن صفوان *
أبو محرز الراسبي، مولاهم، السمرقندي، الكاتب المتكلم، أس
الضلالة، ورأس الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدال، كتب للأمير حارث بن
سريج التميمي. وكان ينكر الصفات. وينزه الباري عنها بزعمه، ويقول

(1) وأخرجه الشافعي 2 / 156، والترمذي (1223) من حديث حماد بن زيد، عن
أيوب، عن يوسف بن ماهك به وإسناده صحيح.
وأخرجه الترمذي (1232)، وأبو داود (3503)، والنسائي 7 / 289، عن أبي بشر، عن
يوسف بن ماهك به وإسناده صحيح أيضا.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أحمد (6628 و 6671) وأبي داود (3504)
والنسائي 7 / 288، والطيالسي (2257) وابن ماجة (2188) وسنده حسن.
(2) جاء في هامش الأصل عند انتهاء الترجمة ما نصه:
حاشية: قال أبو عمر بن عبد البر، في كتابه " التمهيد ":
كان أيوب السختياني يبيع الجلود بالبصرة. فقيل له: السختياني.
قتل سنة 128 ه‍ مع الحارث بن شريح ضد بني أمية. انظر الطبري 7 / 220،
221، 236، 237، وتاريخ الجهمية والمعتزلة ص 10 وما بعدها للقاسمي، وميزان
الاعتدال 1 / 426 والملل والنحل 1 / 199 - 200، والفصل 4 / 204 والكامل لابن الأثير
5 / 342 - 344 وخطط المقريزي 2 / 249 و 351.
26

بخلق القرآن. ويقول: إن الله في الأمكنة كلها.
قال ابن حزم: كان يخالف مقاتلا في التجسيم
وكان يقول: الايمان عقد بالقلب، وإن تلفظ بالكفر.
قيل: إن سلم بن أحوز قتل الجهم، لانكاره أن الله كلم موسى.
9 - يحيى بن أبي كثير * (ع)
الامام الحافظ، أحد الاعلام، أبو نصر الطائي، مولاهم اليمامي، واسم
أبيه صاح، وقيل يسار، وقيل: نشيط.
روى عن أبي أمامة الباهلي، وذلك في صحيح مسلم، ولكنه مرسل، وعن
أنس بن مالك وذلك في كتاب النسائي. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
وعبد الله بن أبي قتادة، وأبي قلابة الجرمي، وبعجة بن عبد الله الجهني،
وعمران بن حطان، وهلال بن أبي ميمونة، وعدة.
وروى عن جابر مرسلا، ودينار، والسائب بن يزيد، وضمضم بن جوس،
وعقبة بن عبد الله الغافر، وعبيد الله بن - مقسم، وعكرمة، وحية بن حابس،
ونافع، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وأبي سلام الحبشي - وينزل إلى أن روى
عن زيد بن سلام، حفيد هذا، وعن الأوزاعي، وهو تلميذه.
وكان طلابة للعلم، حجة.
روى عنه ابنه عبد الله، ومعمر، والأوزاعي، وهشام بن أبي عبد الله،
وحرب بن شداد، وعكرمة بن عمار، وشيبان النحوي، وهمام بن يحيى، وأبان

طبقات ابن سعد: 5 / 555 طبقات خليفة 215، التاريخ الكبير 8 / 301، التاريخ
الصغير 2 / 28، تهذيب الكمال (1518)، تاريخ الاسلام للمؤلف 5 / 179، الميزان
4 / 402 - 403، تهذيب التهذيب 11 / 268.
27

ابن يزيد، وأيوب بن عتبة، ومحمد بن جابر، وأيوب بن النجاد، وجرير بن
حازم، وسليمان بن أرقم، وأبو عامر الخزاز، وعمران القطان، وعلي بن
المبارك، وأبو إسماعيل القناد (1)، وخلق.
وقال حرب بن شداد: عن يحيى، قال: كل شئ عندي عن أبي سلام
الأسود، إنما هو كتاب. وروى وهيب بن خالد، عن أيوب، قال: ما بقي على
وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثر.
وقال شعبة: يحيى بن أبي كثير أحسن حديثا من الزهري.
وقال أحمد بن حنبل: إذا خالفه الزهري، فالقول قول يحيى.
وقال أبو حاتم الرازي: هو إمام لا يروي إلا عن ثقة، وقد نالته محنة،
وضرب لكلامه في ولاة الجور.
نقل جماعة أنه توفي سنة تسع وعشرين ومئة، وبعضهم نقل أنه بقي إلى
سنة اثنتين وثلاثين ومئة، والأول أصح.
قال أحمد: هو من أثبت الناس، إنما يعد مع الزهري، ويحيى بن سعيد،
وقال ابن حبان: كان من العباد، إذا حضر جنازة، لم يتعش تلك الليلة،
ولا يكلمه أحد.
وقال العقيلي: كان يذكر بالتدليس.
وقال أبو حاتم: قد رأى أنسا يصلي في الحرم.
وقال حسين المعلم: قال لي يحيى: كل شئ عن أبي سلام إنما هو
كتاب.
المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: قال

(1) القناد: هو إبراهيم بن عبد الملك البصري من رجال التهذيب.
28

سليمان، عليه السلام: يا بني إياك والمراء، فإنه ليس فيه منفعة، وهو يورث
العداوة بين الاخوان.
عبد الله بن يحيى بن أبي كثير: سمعت أبي يقول: لا يستطاع العلم براحة
الجسد.
أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: إذا
رأيت المبتدع في طريق، فخذ في غيره.
ابن وهب: أخبرني من سمع الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، أن سليمان
ابن داود قال لابنه: إن الأحلام تصدق قليلا، وتكذب كثيرا، فعليك بكتاب
الله، فالزمه، وإياه فتأول (1).
عبد الرزاق، عن معمر قال: حدث يحيى بن أبي كثير بأحاديث، فقال:
اكتب لي حديث كذا، وحديث كذا. فقلت: يا أبا نصر، أما تكره كتب العلم؟
قال: اكتبه لي، فإنك إن لم تكتب فقد ضيعت أو عجزت.
أخبرنا أحمد بن سلامة، وعلي بن أحمد كتابة عن المبارك بن المبارك،
أخبرنا أبو علي محمد بن محمد الخطيب، أخبرنا عبيد الله بن عمر، أخبرنا أبو بحر
ابن محمد بن الحسن، حدثنا محمد بن سليمان الباغندي، حدثنا أبو عاصم،
حدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة، حدثني حجاج بن
عمر الأنصاري أنه سمع رسول الله يقول: " من كسر أو عرج، فقد حل، وعليه

(1) أي: اعمل به. كما في حديث عائشة المخرج في " الصحيحين " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي: يتأول
القرآن ".
قال الثوري، رحمه الله: معنى يتأول القرآن: أي يعمل ما أمر به في القرآن، في قوله
تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره).
29

الحج من قابل " رواه أحمد في " مسنده "، عن يحيى بن سعيد، عن حجاج
ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، عن أصحاب يحيى نحوه.
ورواه الترمذي عن الكوسج، عن روح، والأنصاري عن حجاج
وحسنه (1).
لكنه معلول بما رواه معمر ومعاوية بن سلام عن يحيى عن عكرمة، فقال:
عن عبد الله بن رافع عن الحجاج. قال البخاري: وهذا أصح.
قال حسين المعلم: قلنا ليحيى بن أبي كثير: هذه المرسلات، عمن؟
قال: أترى رجلا أخذ مدادا وصحيفة، فكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب؟
قال: فقلت: إذا جاء مثل هذا فأخبرنا، قال: إذا قلت: بلغني، فإنه من
كتاب.
وقال يحيى القطان: مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح.
وقال الفلاس: ما حدثنا يحيى القطان لقتادة، ولا ليحيى بن أبي كثير بشئ
مرسل، إلا حديثا واحدا.
حدثنا عن الأوزاعي، عن يحيى، أن ابن عباس كان لا يرى طلاق المكره
شيئا (2)، قال يزيد بن هارون عن همام قال: ما رأيت أصلب وجها من يحيى

(1) هو في " المسند " 3 / 450، وأخرجه أبو داود (1862) في المناسك: باب الاحصار.
والترمذي (940) في الحج: باب ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر أو يعرج، والنسائي
5 / 198 في الحج: باب فيمن أحصر بعدو، وابن ماجة (3077) في المناسك: باب
المحصر. وقال الترمذي: حديث حسن. وسكت عنه أبو داود والمنذري، وصححه ابن
خزيمة والحاكم، ووافقه على تصحيحه الذهبي المؤلف. مع أنه هنا أعله بالارسال.
(2) وممن قال بعدم طلاق المكره: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله
بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وبه قال شريح، وعطاء، وطاووس، وجابر بن زيد، والحسن،
والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وسالم، وإليه ذهب مالك، والشافعي،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
30

ابن أبي كثير. كنا نحدثه بالغداة، فنروح بالعشي فيحدثناه.
ويروى أن يحيى بن أبي كثير، أقام بالمدينة عشر سنين في طلب العلم.
قال الفلاس: مات سنة تسع وعشرين ومئة.
10 - يزيد بن أبي حبيب * (ع)
الإمام الحجة، مفتي الديار المصرية، أبو رجاء الأزدي، مولاهم المصري
وقيل: كان أبوه سويد مولى امرأة مولاة لبني حسل، وأمه مولاة لتجيب.
ولد بعد سنة خمسين في دولة معاوية، وهو من صغار التابعين.
حدث عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، الصحابي، وأبي الخير
مرثد بن عبد الله اليزني، وأبي الطفيل الليثي - إن صح - وسعيد بن أبي هند،
وعكرمة، وعطاء، وعلي بن رباح، وعراك بن مالك، وعمرو بن شعيب،
ونافع، وأبي وهب الجيشاني، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وأسلم أبي
عمران التجيبي، والحارث بن يعقوب، وسويد بن قيس، وعبد الرحمن بن
شماسة، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، ولهيعة بن عقبة والد عبد الله،
ومحمد بن عمرو بن حلحلة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والهيثم بن شفي،
وخلق، وينزل إلى أن روى عن الزهري بالإجازة.
وكان من جلة العلماء العاملين، ارتفع بالتقوى مع كونه مولى أسود.
حدث عنه سليمان التيمي، وزيد بن أبي أنيسة، ومحمد بن إسحاق، وعبد
الحميد بن جعفر، وعمرو بن الحارث، وعبد الله بن عياش القتباني، وحياة بن

طبقات خليفة: 294، تاريخ البخاري 4 / 324، التاريخ الصغير 2 / 10 - 11،
الجرح والتعديل 9 / 267، ثقات ابن حبان 3 / 295، تهذيب الكمال (1534)، تاريخ
الاسلام 5 / 184، تذكرة الحفاظ 1 / 128 - 129، تهذيب التهذيب 11 / 318، حسن
المحاضرة 1 / 299، شذرات الذهب 1 / 175. خلاصة تذهيب الكمال 182.
31

شريح، وسعيد بن أبي أيوب، ومعاوية بن سعيد التجيبي، ويحيى بن أيوب،
والليث، وابن لهيعة، ورشدين بن سعد، وإبراهيم بن يزيد الثاتي (1) وآخرون.
وهو مجمع على الاحتجاج به، وذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات
له.
قال أبو سعيد بن يونس: كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان حليما،
عاقلا، وكان أول من أظهر العلم بمصر، والكلام في الحلال والحرام،
ومسائل. وقيل: إنهم كانوا قبل ذلك يتحدثون بالفتن والملاحم، والترغيب
في الخير.
وقال الليث بن سعد: يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا.
وقال ضمرة بن ربيعة، عن إبراهيم بن عبد الله الكناني: اجتمع ناس فيهم
يزيد بن أبي حبيب وهم يريدون أن يعودوا مريضا، فتدافعوا الاستئذان على
المريض، فقال يزيد: قد علمت أن الضأن والمعزى إذا اجتمعت، تقدمت
المعزى، فتقدم، فاستأذن.
قال محمد بن سعد: يزيد بن حبيب، مولى لبني عامر بن لؤي، من
قريش، وكان ثقة كثير الحديث مات سنة ثمان وعشرين ومئة.
وقال غيره: بلغ زيادة على خمس وسبعين سنة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أكمل بن أبي الأزهر العلوي، أخبرنا سعيد
ابن أحمد، وأخبرنا علي بن محمد، وأحمد بن عبد الحميد، وأحمد بن
مكتوم، وسنقر الزيني، وأحمد بن محمد المفيد وآخرون قالوا: أنبأنا عبد الله
ابن عمر، أنبأنا سعيد بن أحمد حضورا، أنبأنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا
أبو بكر بن عمر الوراق، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد،
حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير عن عقبة: أن رسول الله

(1) نسبة إلى قبيلة من حمير، وهو ثات بن زيد بن رعين.
32

صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى
المنبر، فقال: " إني فرطكم على الحوض، وأنا شهيد عليكم، وإني والله
لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح
الأرض، وإني والله، ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم
أن تنافسوا فيها ".
هذا حديث صحيح عال أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من
وجوه، عن يزيد (1).
11 - إسحاق بن عبد الله * (ع)
ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبي طلحة زيد بن سهل، الأنصاري،
الخزرجي النجاري، المدني، الفقيه، أحد الثقات.
سمع من عمه، أنس بن مالك، وأبي مرة مولى عقيل، والطفيل بن أبي،
وسعيد بن يسار وجماعة.
وعنه: عكرمة بن عمار، وهمام بن يحيى، ومالك، وابن عيينة، وجماعة.
وكان مالك يثني عليه، ولا يقدم عليه أحدا، وأبوه عبد الله قد حنكه النبي
صلى الله عليه وسلم حمله إليه أخوه أنس، وأمهما أم سليم.

(1) أخرجه البخاري 6 / 451 في علامات النبوة في الاسلام و 7 / 290 في المغازي:
باب أحد جبل يحبنا ونحبه، ومسلم (2296) في الفضائل: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأبو داود (3223) و (3224) في الجنائز: باب الميت يصلى على قبره بعد حين، والنسائي
4 / 61 و 62 في الجنائز: باب الصلاة على الشهداء.
طبقات خليفة: 265، تاريخ البخاري 1 / 393، الجرح والتعديل 2 / 226، ثقات
ابن حبان 3 / 7، الكامل في التاريخ 5 / 395، تهذيب الكمال (86)، الوافي بالوفيات
8 / 416، تهذيب التهذيب 1 / 239 - 240، شذرات الذهب 1 / 189. خلاصة تذهيب
الكمال 29.
33

مات إسحاق سنة اثنتين وثلاثين. وقيل: سنة أربع وثلاثين ومئة.
روى له الجماعة.
وأخرج مسلم لوالده عبد الله يروي عن ابنه، وعن أخيه أنس.
حدث عنه أبو طوالة، وسليمان مولى الحسن بن علي.
توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك، عن نحو من ثمانين سنة.
12 - هشام بن عروة * (ع)
ابن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، بن قصي، بن كلاب،
الامام الثقة، شيخ الاسلام، أبو المنذر القرشي، الأسدي، الزبيري،
المدني.
ولد سنة إحدى وستين، وسمع من أبيه، وعمه ابن الزبير، وزوجته أسماء
بنت عمه المنذر، وأخيه عبد الله بن عروة، وعبد الله بن عثمان، وطائفة من
كبراء التابعين، منهم أخوه عثمان، وابن عمه عباد، وابن ابن عمه عباد بن
حمزة بن عبد الله، وأبو سلمة، وابن المنكدر، وعمر بن عبد الله بن عمر،
وعمرو بن خزيمة، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد
الرحمن بن سعد، وعبد الرحمن بن كعب، وعوف بن الطفيل، ومحمد والد
السفاح، وابن شهاب، وأبو الزبير، ووهب بن كيسان، وأبو وجزة، وكريب،
ومحمد بن إبراهيم التيمي، وبكر بن وائل وهو أصغر منه، وعبد الله بن أبي
بكر بن حزم، وأبو الزناد، وابن القاسم، ويزيد بن رومان، وغيرهم.

(1) نسب قريش (248) طبقات خليفة: 267، تاريخ البخاري 4 / 193 التاريخ الصغير
2 / 83، ثقات ابن حبان 3 / 280، تاريخ بغداد 14 / 47، الكامل في التاريخ 4 / 360، وفيات
الأعيان 6 / 580، تهيب الكمال (1445)، تاريخ الاسلام 6 / 145، تذكرة الحفاظ
1 / 144 - 145، ميزان الاعتدال 4 / 301، العبر 1 / 206، مرآة الجنان 1 / 302، تهذيب
التهذيب 11 / 48. خلاصة تذهيب الكمال 410.
34

ولقد كان يمكنه السماع من جابر، وسهل بن سعد، وأنس، وسعيد بن
المسيب، فما تهيأ له عنهم رواية، وقد رأى ابن عمر، وحفظ عنه أنه دعا له،
ومسح برأسه.
حدث عنه: شعبة، ومالك، والثوري، وخلق كثير.
ولحق البخاري بقايا أصحابه كعبيد الله بن موسى.
قال وهيب: قدم علينا هشام بن عروة، فكان مثل الحسن، وابن سيرين.
وقال ابن سعد: كان ثقة، ثبتا، كثير الحديث، حجة.
وقال أبو حاتم الرازي: ثقة، إمام في الحديث. وقال علي بن المديني: له
نحو من أربع مئة حديث. وقال يحيى بن معين وجماعة: ثقة. وقال يعقوب بن
شيبة: هشام ثبت، لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في
الرواية، وأرسل عن أبيه أشياء، مما كان قد سمعه من غير أبيه عن أبيه.
وقال عبد الرحمن بن خراش: بلغني أن مالكا نقم على هشام بن عروة
حديثه لأهل العراق، وكان لا يرضاه، ثم قال: قدم الكوفة ثلاث مرات، قدمة
كان يقول فيها: حدثني أبي قال: سمعت عائشة. والثانية، فكان يقول:
أخبرني أبي عن عائشة. وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة، يعني يرسل
عن أبيه.
قلت: الرجل حجة مطلقا، ولا عبرة بما قاله الحافظ أبو الحسن بن
القطان (1) من أنه هو وسهيل بن أبي صالح، اختلطا وتغيرا، فإن الحافظ قد
يتغير حفظه إذا كبر، وتنقص حدة ذهنه، فليس هو في شيخوخته، كهو في

(1) هو الحافظ العلامة، الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي،
الفاسي، الشهير بابن القطان، توفي سنة 628 ه‍. ترجمه المؤلف في تذكرة الحفاظ ص:
(1407) ووصفه بالحفظ، وقوة الفهم، إلا أنه استدرك فقال: لكنه تعنت في أحوال رجال
فما أنصفهم.
35

شبيبته. وما ثم أحد بمعصوم من السهو والنسيان، وما هذا التغير بضار أصلا،
وإنما الذي يضر الاختلاط، وهشام فلم يختلط قط، هذا أمر مقطوع به، وحديثه
محتج به في " الموطأ " والصحاح، " والسنن " فقول ابن القطان: " إنه اختلط "
قول مردود، مرذول. فأرني إماما من الكبار سلم من الخطأ والوهم.
فهذا شعبة، وهو في الذروة، له أوهام، وكذلك معمر، والأوزاعي،
ومالك، رحمة الله عليهم.
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه عن خليل بن أبي الرجاء، وأنبأنا محمد بن
سليمان، وعبد المحسن بن محمد، وإسماعيل بن صالح، وجماعة قالوا: أنبأنا
يوسف بن خليل، أنبأنا خليل بن بدر، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم
الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن يوسف، حدثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة،
حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد
الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لا يقبض العلم بأن
ينتزعه انتزاعا، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ
الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا " (1).
هذا حديث ثابت، متصل الاسناد، هو في دواوين الاسلام الخمسة - ما
عدا سنن أبي داود - وهو من ثلاثة عشر طريقا عن هشام، ومن طريق أبي
الأسود يتيم عروة عن عروة نحوه. وقد حدث به عن هشام عدد كثير سماهم أبو
القاسم العبدي.
منهم: ابن عجلان، وأبو حمزة السكري، وابن شهاب وهو أكبر منه، وأبو

(1) أخرجه البخاري 1 / 174 و 175 في العلم: باب كيف يقبض العلم و 13 / 239 - 241
في الاعتصام: باب ما يذكر في ذم الرأي وتكلف القياس، ومسلم (2673) في العلم:
باب رفع العلم وقبضه، والترمذي: (2654) في العلم: باب ما جاء في ذهاب العلم،
وابن ماجة (52) في المقدمة: باب اجتناب الرأي والقياس.
36

معاوية، ومحمد بن أبي عدي، ومحمد بن سواء، ومحمد بن إسحاق،
ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك وما أحسبه لحقه، ومحمد بن جعفر بن أبي
كثير، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، ومحمد بن الحسن الواسطي،
ومحمد بن بشر، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ومحمد بن فضيل، وابن
كناسة، ومحمد بن عيسى بن سميع، ومحمد بن ربيعة الكلابي، ومحمد بن
عبيد، ومحمد بن الحجاج بن سويد البرجمي، ومحمد بن فليح بن سليمان،
ومحمد بن منصور بن أبي الأسود، ومحمد بن ميسر أبو سعد الصاغاني،
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وأحمد بن أبي ظبية، وأحمد بن بشير،
وأيوب السختياني، وهو أقدم منه، وأيوب بن خوط، وأيوب بن مسكين
وأيوب بن واقد، وإبراهيم بن طهمان، وإبراهيم بن أبي يحيى، وإبراهيم بن
عثمان العبسي، وإبراهيم بن سعد، وإبراهيم بن سليمان أبو إسماعيل
المؤدب، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وإبراهيم بن حميد الرؤاسي
وإبراهيم بن المغيرة، وإبراهيم بن أبي حية، وإبراهيم بن عيينة، وإسماعيل
ابن أبان الغنوي، وإسماعيل السدي إن صح، وإسماعيل بن عياش،
وإسماعيل بن زكريا، وإسماعيل بن زيد بن قيس، وإسماعيل بن عبد الكريم
ابن معقل، وإسماعيل بن هلال، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وإسحاق
ابن يوسف الأزرق، وأسباط بن محمد، وأنس بن عياض، وأنس بن عبد
الحميد أخو جرير، وأبان بن يزيد، وأبيض بن أبان الثقفي، وأبيض بن
عجلان، وإسرائيل، وأبيض بن الأغر، وأسامة بن حفص، وأشعث بن سعيد
السمان، وإياس بن دغفل، وآدم بن عيينة، وأشعث بن عبد الله أبو الربيع
القاضي.
وبحر بن كثير، وبكر بن سليمان الصواف، وبكر بن عبد الملك الأعتق،
37

وبكير بن الأشج قديم، وبزيع بن حسان وبشر بن المفضل.
وتليد بن سليمان، وثابت بن كثير، وثابت بن زهير، وثابت بن قيس،
وثابت بن حماد.
وجعفر بن عون، وجعفر بن زياد الأحمر، وجعفر بن برقان وجنادة بن سلم
أبو سلم، وجرير بن عبد الحميد، وجارية بن هرم، وجامع بن مدرك
اللخمي، وجعفر بن سليمان، وجابر بن نوح.
والحسن بن أبي جعفر، والخشني الحسن بن يحيى، والحسن بن دينار،
والحسن بن عمارة، والحسين بن علوان، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد،
وحماد بن أسامة، وحماد بن عبد الملك قاضي إفريقية، وحماد بن مصبح،
وحماد بن شعيب، وحماد بن مسعدة، والحارث بن عبيدة، والحارث بن
عمران الجعفري، وحفص بن قيس الصنعاني، وحفص بن راشد، وحفص
ابن غياث، وحفص بن عمرو الجعفري، وحفص بن سلم أبو مقاتل، وحفص
ابن مخارق، وحفص بن ميسرة وحفص بن سويد البرجمي، وحجاج بن
أرطاة، وحجوة بن مدرك الغساني، وحكيم بن نافع، وحكيم بن بشير
النهدي وحبان بن علي، وحسان بن إبراهيم، وحمزة بن حبيب وحبيب بن
الشهيد وحصين بن مخارق، وحديج بن معاوية، وحسام بن مصك.
وخالد بن يزيد، وخالد بن إسماعيل المخزومي، وخالد بن أبي عمران
وخالد بن الحارث، وخالد بن يزيد القشيري، وخالد العبد، وخالد بن رباح،
وخالد بن إلياس، والخليل بن مرة، وخارجة بن مصعب، والخصيب بن
ناصح، وخاقان بن الحجاج، والخليل بن موسى.
وداود بن الزبرقان، وداود العطار، وداود بن الأسود، وداود الطائي، ودلهم
العجلي، ودلهم بن صالح النميري، ودجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعي.
38

وذواد بن علبة.
وروح بن القاسم، وروح بن مسافر، ورحيل بن معاوية، ورقبة بن
مصقلة، والربيع بن صبيح، ورافع بن الليث، ورواد بن الفضل، ورواد بن
داود.
وأبو عمرو بن العلاء زبان، وزيد بن يحيى، وزيد بن بكر بن حبيش،
وزائدة بن قدامة، وزياد بن خيثمة، وزياد بن سعد، وأبو معشر زياد بن كليب،
وزكريا بن منظور، وزمعة بن صالح، والزبير بن حبيب، وزفر بن الهذيل،
وزكريا بن مسافر، وزهير بن محمد، وزهير بن معاوية.
والسفيانان، وسليمان الأعمش، وسليمان بن حيان أبو خالد الأحمر،
وسليمان بن بلال، وسليمان بن قرم، وسليمان بن عمرو أبو داود النخعي،
وسليمان بن مسلم، وسليمان بن عياش، وسعيد بن دريك، وسعيد بن عبد
الرحمن الجمحي، وسعيد بن أبي عروبة، وسعيد بن عبد الرحمن الزهري،
وسعيد بن الحسن، وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام، وسعيد بن أبي سعيد
الزبيدي، وسعيد بن خالد القرشي، وسعير بن الخمس، وسويد بن عبد
العزيز وسعيد الأزرق، وسلام بن سعيد القطان، وسلام بن أبي مطيع، وسلام
ابن سليم أبو الأحوص، وسلم بن رزين، وسيف بن محمد، وسلام بن
مسكين، وسعيد بن الحسن، وسابق البربري، وسليمان بن أبي داود،
وسليمان بن يزيد الكعبي.
وشعبة، وشريك، وشعيب بن إسحاق، وشعيب بن أبي حمزة، وشعيب
ابن حرب، وشجاع بن الوليد، وشبيب بن شيبة، وشبيب بن عبد الرحمن،
وشبيل بن عزيز، وشرقي بن قطامي.
وصفوان بن سليم وهو أكبر منه، والصلت بن الحجاج، والصباح بن
39

محارب، والصباح بن عمير المزني، وصدقة بن عبد الله، وصالح بن حسان،
وصالح بن قدامة، والصباح بن يحيى.
والضحاك بن عثمان.
وعبد الله بن إدريس، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن عون، وعبد الله
ابن عاصم، وعبد الله بن نمير، وعبد الله بن الحارث الجمحي، وعبد الله بن
الزبير والد مصعب، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، وعبد الله بن
محمد بن طلحة، وعبد الله الخريبي، وعبد الله بن بشر، وعبد الله بن جعفر
والد ابن المديني، وعبد الله بن فروخ، وعبد الله بن المغيرة، وعبد الله بن
قطاف أبو بكر النهشلي، وعبد الله بن عبد الله أبو أويس، وعبد الله بن فرقد،
وعبد الله بن الأجلح الكندي، وعبد الله بن نافع أبو يعقوب، وعبد الله بن محمد
ابن زاذان، وعبد الله بن يزيد الكوفي، وعبد الله بن رجاء، وعبد الله بن عياش
القتباني، وعبيد الله بن عمر العمري، وعبيد الله بن موسى العبسي، وعبيد الله
ابن هشام بن عروة، وعبيد الله بن سعيد بن العاص، وعبد الله بن العلاء بن
خالد الحنفي، وعبيد الله بن الوازع، وعبد الله بن محمد بن حاطب، وعبد الله
ابن عمير، وعبد الله بن حكيم المدني، وعبد الله بن معاوية بن عاصم
الزبيري، وعبد الله أبو ظبية، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد
الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الرحمن بن عثمان أبو بحر البكراوي، وعبد
الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وعبد
الرحمن المسعودي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن زيد
ابن أسلم، وعبد الرحمن بن مغراء، وعبد الملك بن جريج، وعبد الملك بن
عبد الوارث، وعبد الملك بن محمد، وعبد الملك بن حسين أبو مالك
النخعي، وعبد الملك بن قدامة الجمحي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد
40

العزيز الدراوردي، وعبد العزيز بن مسلم القسملي، وعبد العزيز بن
المختار، وعبد العزيز بن الحصين، وعبد العزيز بن عمران، وعبد الوهاب
الثقفي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وعبد المجيد الثقفي والد عبد
الوهاب، وعبد الوهاب بن مجاهد، وعبد القاهر بن السري، وعبد الوارث بن
سعيد، وعبد الوارث بن صخر، وعبد القدوس بن بكر بن خنيس، وعبد الحكيم
ابن منصور، وعبد الغفار بن القاسم أبو مريم، وعبدة بن سليمان، وعبيدة بن
أبي رائطة، وعبيدة بن الأسود، وعبيد بن القاسم البصري، وعمار بن عمير،
وعصمة بن المنذر، وعباد بن عباد المهلبي، وعباد بن العوام، وعباد بن
صهيب الكليبي، وعباد بن راشد، وعباد بن كثير، وعباد بن منصور، وعمر بن
علي المقدمي، وعمر بن حبيب القاضي، وعمر بن عبيد، وعمر بن صهيان (1)
الأسلمي، وعمر بن أبي زائدة، وعمر بن محمد بن زيد العمري، وعمر بن
مجاشع، وعمر بن هارون البلخي، وعمر بن المغيرة، وعمر بن رباح، وعمر بن
نبهان، وعثمان بن فرقد العطار، وعثمان بن الحكم الجذامي، وعثمان بن
عثمان، وعثمان بن مكيل، وعثمان بن مخارق، وعثمان بن خالد، وعلي بن
المبارك، وعلي بن مسهر، وعلي بن هاشم بن البريد، وعلي بن ثابت، وعلي
ابن علي الرفاعي، وعلي بن غراب، وعلي بن مصعب، والعلاء بن راشد،
والعلاء بن المنهال، وعيسى بن ميمون، وعيسى بن يونس، وعيسى بن ماهان
أبو جعفر الرازي، وعمران القطان، وعمران بن أبي الفضل، وعتاب بن
محمد بن شوذب، وعثام بن علي، وعصمة بن محمد الزرقي، وعصمة بن
عياض، وعصمة بن المنذر، وعاصم غير منسوب، وعقبة بن خالد السكوني،
وعمرو بن الحارث، وعمرو بن فايد، وعمرو بن هاشم الجنبي، وعمرو بن

(1) كذا الأصل بالياء. وفي " ميزان الاعتدال " و " التقريب " و " الجرح والتعديل "،
و " الخلاصة ". صهبان بالباء الموحدة.
41

خليفة الأعشى أبو يوسف، وعطاء بن السائب، وعطاء بن عروة، وعمرو بن
عثمان الجعفي، وعطاف بن خالد، وعنبسة بن سعيد، وعنبسة بن عبد الواحد،
وعابد بن حبيب، وعباية بن عمر، وعكرمة بن إبراهيم، وعقيل بن خالد،
وعمارة بن غزية، وعدي بن الفضل، وعرعرة بن البرند، وعبيس بن ميمون،
وعلي بن حي، وعبد الوهاب الحجبي، وعمار بن رزيق، وعاصم بن
سليمان، وعبد الاعلى بن سليمان الزراد، وعمر بن عبد الغافر، وعمران بن
عبد العزيز العوفي، وعمار بن سيف، وعثمان بن زائدة.
وغالب بن فائد.
والفضل بن موسى، والفضل بن خالد أبو معاذ النحوي، وفليح بن
سليمان، وفليح بن مسلم الحجبي، وفرج بن فضالة، وفزارة بن جرير.
والقاسم بن غصن، والقاسم بن معن، والقاسم بن بهرام، والقاسم بن
إسماعيل أبو العتاهية، والقاسم بن يحيى، وقطبة بن عبد العزيز، وقطبة بن
العلاء، وقران بن تمام، وقيس بن الربيع.
وكثير بن جعفر بن أبي كثير، وكثير بن هشام، وكنانة بن جبلة، وأم كلثوم
بنت عثمان مصعب.
ولوذان بن سليمان، والليث، ومالك، ومالك بن سعير، ومسلمة بن سعيد
ابن عبد الملك، ومسلمة بن قعنب، ومسلمة بن علي، ومبارك بن فضالة،
ومبارك بن مجاهد الخراساني، ومفضل بن صالح أبو جميلة، ومفضل بن
فضالة، ومغيرة بن مطرف، ومغيرة بن عبد الرحمن، وموسى بن يعقوب
الزمعي، وموسى بن عقبة، ومعمر، ومحاضر بن المورع، ومعافى بن عمران
ولم يلحقه، ومهدي بن ميمون المعولي، والمسيب بن شريك، ومسلم
الزنجي، ومصعب بن المقدام، ومصعب بن ثابت، ومصعب بن سلام،
42

ومسعر، ومهلب بن أبي عيسى، ومروان بن معاوية، ومطر الوراق وهو أقدم
منه، ومنصور بن أبي الأسود، ومشمعل بن ملحان، ووالد إبراهيم بن المنذر
الحزامي، ومجاشع بن عمرو، والمحبر بن قحذم، ومرجى بن رجاء، ومروان بن
جناح، ومؤمل بن هارون، ومعاوية الضال (1)، ومعلى بن هلال، ومقاتل بن
حيان، ومندل بن علي، وميمون بن توبة.
ونوح بن أبي مريم الجامع، ونوح بن دراج، ونوح بن ذكوان، ونوح بن
قيس، والنضر بن شميل، والنضر بن محمد العامري المروزيان، ونصر بن
طريف، ونصر بن قابوس، ونصر بن باب، وأبو حنيفة النعمان، ونعيم بن
المورع، وأبو معشر نجيح، ونجيح العطار، ونافع المقرئ، ونافع بن يزيد.
ووكيع، ووهيب، وأبو عوانة وضاح، ووهب بن وهب أبو البختري.
وهشام بن عبد الله المخزومي، وهشام بن حسان، وهشام بن زياد، وهشام
ابن يحيى الغساني، وهشام بن أبي خبزة، وهمام بن يحيى، وهدبة بن
المنهال، والهيثم بن عدي.
ويحيى بن سعيد الأنصاري ومات قبله، ويحيى بن أبي كثير كذلك،
ويحيى بن سعيد بن العاص، ويحيى بن سعيد الأموي، ويحيى بن محمد أبو
زكير، ويحيى بن أبي زائدة، ويحيى بن دينار أبو هاشم الرماني، ويحيى بن
زكريا الغساني، ويحيى بن سليم الطائي، ويحيى بن عبد الله بن سالم،
ويحيى بن عيسى الرملي، ويحيى بن يونس، ويحيى بن هاشم السمسار
التالف (2)، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، ويحيى بن عمير مولى بني هاشم

(1) هو معاوية بن عبد الكريم الثقفي أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من عقلاء أهل
البصرة. لقب بالضال، لأنه ضل طريق مكة.
(2) كذبه ابن معين، وقال النسائي وغيره: متروك. وقال ابن عدي: كان ببغداد يضع
الحديث ويسرقه.
43

ويحيى بن أبي زكريا، ويحيى بن يعلى، ويحيى بن الحارث المرهبي،
ويحيى بن كثير (1)، ويعقوب بن عبد الرحمن، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد،
قلت: ما لحقه أبدا بل ذا يعقوب بن إبراهيم مدني، ويعقوب أبو يوسف
القاضي، ويعقوب بن محمد الدراوردي، ويعقوب بن أبي المتئد، وأبو
يوسف يعقوب بن محمد بن خليفة الأعشى، ويقال اسمه عمرو كما مر،
ويعقوب أصح، ويعقوب بن الولد المدني، ويزيد بن سنان الرهاوي، ويزيد
ابن عبد العزيز بن سياه، ويزيد بن عبد الله بن الهاد ومات قبله، ويزيد بن
زريع، ويزيد بن عياض، وياسين بن معاذ الزيات، ويعلى بن عبيد، ويونس
ابن راشد، ويونس بن يزيد، ويونس بن عبيد ومات قبله، ويونس بن بكير
الكوفي.
وأبو بكر النهشلي، وأبو بكر بن أبي سبرة، وأبو بكر بن عياش، وأبو سهل
الخراساني، وأبو إسماعيل المؤدب إبراهيم، وأبو مروان الغساني وغيرهم.
وتابع هشاما عليه: الزهري، وأبو الأسود يتيم عروة، ويحيى بن أبي كثير.
ورواه عمر بن الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عن أبيه
عمرو، وقيل، عن هشام بن عروة عن أخويه: يحيى، وعثمان عن أبيهما، ولم
يصح.
روى عبد الله بن مصعب عن هشام بن عروة، قال: وضع محمد بن علي
والد المنصور وصيته عندي.
وروى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن قال: قال المنصور لهشام بن
عروة: يا أبا المنذر، تذكر يوم دخلت عليك أنا وإخوتي مع أبي، وأنت تشرب
سويقا بقصبة يراع؟ فلما خرجنا، قال أبونا: أعرفوا لهذا الشيخ حقه، فإنه لا

(1) وجد بهامش الأصل ما نصه: ما ذكر يحيى القطان وهو من رواته عنه.
44

يزال في قومكم بقية ما بقي. قال: لا أذكر ذلك يا أمير المؤمنين قال: فليم في
ذلك، فقال: لم يعودني الله في الصدق إلا خيرا.
يونس بن بكير: عن هشام قال: رأيت ابن عمر، له جمة تضرب أطراف
منكبيه.
علي بن مسهر عن هشام قال: رأيت ابن الزبير إذا صلى العصر صفنا
خلفه، فصلى بنا ركعتين، ورأيت يصعد المنبر وفى يده عصا، فيسلم ثم
يجلس، ويؤذن المؤذنون، فإذا فرغوا قام، فتوكأ على العصا فخطب.
عمر بن علي المقدمي، عن هشام بن عروة، أنه دخل على المنصور
فقال: يا أمير المؤمنين، اقض عني ديني. قال: وكم دينك؟ قال: مئة ألف.
قال، وأنت في فقهك وفضلك تأخذ مئة ألف، ليس عندك قضاؤها؟! قال: يا
أمير المؤمنين، شب فتيان من فتياننا، فأحببت أن أبوئهم، واتخذت لهم
منازل، وأولمت عنهم خشيت أن ينتشر علي من أمرهم ما أكره، ففعلت ثقة بالله،
وبأمير المؤمنين (1)، قال: فردد عليه مئة ألف! استعظاما لها. ثم قال: قد
أمرنا لك بعشرة آلاف. فقال: يا أمير المؤمنين، فأعطني ما أعطيت وأنت
طيب النفس، فإني سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال، " من أعطى
عطية، وهو بها طيب النفس، بورك للمعطي والآخذ ".
قال، فإني طيب النفس بها. هذا حديث مرسل (2).

(1) في هذا التعبير مباينة لهدي النبي صلى الله عليه وآله، ولا نحسب أن ذلك يخفى على هشام بن
عروة، وربما يكون ذلك من الرواة عنه، والذي ينبغي أن يقال في هذا وأمثاله: ثقة بالله ثم
بأمير المؤمنين، فقد أخرج أحمد في " المسند " 5 / 384 و 394 و 398، وأبو داود (4980)
بسند صحيح، عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان،
ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان " وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد 1 / 214 و 224
و 283، والبخاري في " الأدب المفرد " (783)، وعن الطفيل بن سخبرة عند أحمد 5 / 72.
(2) وعمر بن علي موصوف بالتدليس الشديد. كان يقول: سمعت وحدثنا، ثم
يسكت. فيقول، هشام بن عروة. وقال أبو حاتم: محله الصدق. ولولا تدليسه، لحكمنا له
إذا جاء بزيادة، غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة.
45

وروي أن هشاما أهوى إلى يد أبي جعفر ليقبلها، فمنعه وقال: يا ابن
عروة، إنا نكرمك عنها، ونكرمها عن غيرك.
قلت: كان يرى له، لشرفه، وعلمه، ولكونه من أولاد صفية أخت
العباس.
وقال يعقوب بن شيبة: هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد مصيره إلى العراق،
فإنه انبسط في الرواية وأرسل عن أبيه مما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه.
قلت: في حديث العراقيين عن هشام أوهام تحتمل، كما وقع في حديثهم
عن معمر أوهام.
وضبط جماعة وفاة هشام ببغداد في سنة ست وأربعين ومئة، وصلى عليه
أبو جعفر المنصور. وشذ الفلاس فقال: سنة سبع وأربعين، وقيل سنة
خمس. وقيل عاش سبعا وثمانين سنة، وقيل غير ذلك.
وقع لي الكثير من عواليه حتى في الجامع الصحيح من رواية عبيد الله بن
موسى عنه، وأعلى من ذلك ما حدثنا وأخبرنا عن عمر بن طبرزد سماعا، أنبأنا
هبة الله بن الحصين، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر
الشافعي، حدثنا محمد بن غالب تمتام، حدثنا يحيى بن هاشم، حدثنا
هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء
والعسل " لكن يحيى السمسار ليس بثقة (1). و [أما] المتن، ففي الصحاح.

(1) بل هو كذاب كما تقدم. لكن الحديث صحيح كما قال المصنف، رحمه الله، فقد
أخرجه البخاري 10 / 68 في الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل و 117 في الطب من
حديث علي بن المديني، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،
رضي الله عنها، قالت، " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل ".
وأخرجه أيضا 9 / 483 في الأطعمة عن أبي أسامة، عن هشام و 333 في الطلاق، عن
علي بن مسهر، عن هشام و 12 / 302 في الحيل عن عبيد الله بن إسماعيل، عن أبي أسامة،
عن هشام. وأخرجه مسلم (1474) (21) في الطلاق من حديث أبي كريب، وهارون بن
عبد الله، عن أبي أسامة، عن هشام، به.
46

وحديث هشام لعله أزيد من ألف حديث. والله أعلم.
13 - إسحاق بن سويد * (خ، م، د، س)
ابن هبيرة التميمي، البصري، أحد الثقات.
حدث عن ابن عمر، ومعاذة العدوية، وأبي قتادة تميم بن نذير العدوي،
وعبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي، وطائفة.
حدث عنه الحمادان (1) وإسماعيل بن علية، وعلي بن عاصم، وآخرون.
وثقه أحمد، وابن معين، وكان كبير السن، مات في سنة إحدى وثلاثين
ومئة.
14 - عطاء بن أبي ميمونة * * (خ، م، د، س، ق)
بصري، حجة، حدث عن عمران بن حصين، فلعله مرسل. وعن جابر بن
سمرة، وأنس، وجماعة.
وعنه: خالد الحذاء، وروح بن القاسم، وشعبة، وحماد بن سلمة.
وثقه ابن معين وقال، هو وولده قدريان (2).
قيل، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة.

طبقات خليفة: 216، تاريخ البخاري 1 / 389، الجرح والتعديل 2 / 222،
ثقات ابن حبان 3 / 7، تهذيب الكمال (85)، الوافي بالوفيات 8 / 414، تهذيب التهذيب
1 / 236. خلاصة تذهيب الكمال 28.
(1) هما، حماد بن سلمة، وحماد بن زيد.
(* *) تهذيب الكمال (942)، تاريخ البخاري: 3 / 469، الجرح والتعديل 6 / 337،
ثقات ابن حبان 3 / 191، تهذيب التهذيب 7 / 215 - 216، ميزان الاعتدال 3 / 76.
(2) ولا يغض ذلك من شأنهما، فإنه ليس بين أئمة أهل الحديث خلاف في أن الصدوق
المتقن، إذا كان فيه بدعة، أن الاحتجاج بخبره جائز، لأنه لا يبتدع بدعة إلا وهو متأول
فيها، مستند في القول بها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بتأول انتهى إليه
باجتهاده، وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ. إلا أنه مقيد بما إذا كان لا ينكر أمرا معلوما من
الدين بالضرورة.
47

15 - أبو مسلم الخراساني *
اسمه عبد الرحمن بن مسلم، ويقال: عبد الرحمن بن عثمان بن يسار
الخراساني، الأمير، صاحب الدعوة، وهازم جيوش الدولة الأموية، والقائم
بإنشاء الدولة العباسية.
كان من أكبر الملوك في الاسلام. [كان ذا شأن عجيب ونبأ غريب] (1) من
رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان، ثم يملك
خراسان بعد تسعة أعوام، ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب دولة، ويقيم
دولة أخرى!
ذكره القاضي شمس الدين بن خلكان فقال: كان قصيرا، أسمر، جميلا،
حلوا، نقي البشرة، أحور العين، عريض الجبهة، حسن اللحية، طويل
الشعر، طويل الظهر، خافض الصوت، فصيحا بالعربية وبالفارسية، حلو
المنطق، وكان راوية للشعر، عارفا بالأمور، لم ير ضاحكا، ولا مازحا إلا في
وقته، وكان لا يكاد يقطب في شئ من أحواله.
تأتيه الفتوحات العظام، فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الفادحة
الشديدة، فلا يرى مكتئبا. وكان إذا غضب لم يستفزه الغضب.. إلى أن
قال: وكان لا يأتي النساء في العام إلا مرة، يشير إلى شرف نفسه، وتشاغلها
بأعباء الملك.
قيل: مولده في سنة مئة، وأول ظهوره كان بمرو، في شهر رمضان، يوم

الطبري 6 / 405 و 7 / 129، 198، 227، و 229، 244، 253 و 270 و 277
و 292، 479 البدء والتاريخ 6 / 78 و 95، تاريخ بغداد 10 / 207، الكامل لابن الأثير،
5 / 366 و 468 - 480، وفيات الأعيان 3 / 145، تاريخ الاسلام 5 / 198 و 213، و 322،
324، ميزان الاعتدال 2 / 589 - 590، لسان الميزان 3 / 436، شذرات الذهب 1 / 176
و 179.
(1) الزيادة من ميزان الاعتدال للمؤلف رحمه الله.
48

الجمعة من سنة تسع وعشرون ومئة، ومتولي خراسان إذ ذاك الأمير نصر بن
سيار الليثي، نائب مروان بن محمد، الحمار، خاتمة خلفاء بني مروان، إلى أن
قال: فكان ظهوره يومئذ في خمسين رجلا. وآل أمره إلى أن هرب منه نصر بن
سيار قاصدا العراق. فنزل به الموت بناحية ساوة، وصفا إقليم خراسان لأبي
مسلم، صاحب الدعوة، في ثمانية وعشرين شهرا.
قال: وكان أبوه من أهل رستاق فريذين (1)، من قرية تسمى، سنجرد، وكانت
هي وغيرها ملكا له. وكان يجلب في بعض الأوقات، مواشي إلى الكوفة. ثم
إنه قاطع على رستاق فريذين. يعني ضمنه فغرم. فنفذ إليه عامل البلد من
يحضره، فهرب بجاريته وهي حبلى، فولدت له هذا. فطلع ذكيا، واختلف
إلى الكتاب، وحصل، ثم اتصل بعيسى بن معقل، جد الأمير أبي دلف
العجلي، وبأخيه إدريس بن معقل، فحبسهما أمير العراق على خراج انكسر،
فكان أبو مسلم يختلف إليهما إلى السجن، ويتعهدهما. وذلك بالكوفة، في
اعتقال الأمير خالد بن عبد الله القسري، فقدم الكوفة جماعة من نقباء الإمام محمد
بن علي بن عبد الله بن عباس، والد المنصور والسفاح، فدخلوا على
الأخوين يسلمون عليهما، فرأوا عندهما أبا مسلم، فأعجبهم عقله وأدبه
وكلامه، ومال هو إليهم. ثم إنه عرف أمرهم ودعوتهم. يعني إلى بني
العباس، ثم هرب الاخوان: عيسى وإدريس من السجن، فلزم هو النقباء،
وسار صحبتهم إلى مكة، فأحضروا إلى إبراهيم بن الإمام وقد مات الإمام محمد
عشرين ألف دينار، ومئتي ألف درهم وأهدوا له أبا مسلم، فأعجب
به. وقال إبراهيم لهم: هذا عضلة من العضل.
فأقام أبو مسلم يخدم الامام إبراهيم، ورجع النقباء إلى خراسان.

(1) على هامش الأصل كتب: " فريذن " بدون ياء، وكتب إلى جانبها علامة صح. وما
جاء في الأصل موافق لما جاء في ابن خلكان.
سير 6 / 4
49

فقال: إني قد جربت هذا الأصبهاني، وعرفت ظاهره وباطنه، فوجدته
حجر الأرض. ثم قلده الامر، وندبه إلى المضي إلى خراسان. فكان من أمره
ما كان.
قال المأمون: أجل ملوك الأرض ثلاثة، الذين قاموا بنقل الدول، وهم:
الإسكندر، وأزدشير، وأبو مسلم.
قال أبو القاسم بن عساكر: ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس في
" تاريخه ": قدم أبو مسلم هو وحفص بن سلمة الخلال على إبراهيم بن محمد
الامام، فأمرهما بالمصير إلى خراسان. وكان إبراهيم بالحميمة (1) من أرض
البلقاء، إذ ذاك سمع أبو مسلم من عكرمة.
هكذا قال الحافظ أبو القاسم. وهذا غلط. لم يدركه.
قال: وسمع ثابتا البناني، وأبا الزبير المكي، ومحمد بن علي الامام.
وابنه، وإسماعيل السدي وعبد الرحمن بن حرملة.
روى عنه إبراهيم بن ميمون الصائغ، وابن شبرمة الفقيه، وعبد الله بن
منيب، وعبد الله بن المبارك وغيرهم.
قلت: ولا أدرك ابن المبارك الرواية عنه، بل رآه.
قال أبو أحمد علي بن محمد بن حبيب المروزي: حدثنا أبو يوسف محمد
ابن عبدك، حدثنا مصعب بن بشر، سمعت أبي يقول: قام رجل إلى أبي مسلم
وهو يخطب، فقال: ما هذا السواد عليك؟ فقال: حدثني أبو الزبير، عن جابر
ابن عبد الله، " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء " وهذه

(1) الحميمة: تصغير الحمة، بلد من أرض الشراة من أعمال عمان، في أطراف
الشام. كان منزل بني العباس.
50

ثياب الهيبة، وثياب الدولة. يا غلام اضرب عنقه! (1)
وقال جماعة: حدثنا أبو حاتم أحمد بن حسن بن هارون الرازي، أنبأنا
محمد بن محمد بن أبي خراسان، حدثني أحمد بن محمد المروزي، حدثنا
عبد الله بن مصعب، حدثنا أبو حامد الداوودي، قال: دخل رجل وعلى رأس
أبي مسلم عمامة سوداء. فقال: ما هذا؟ قال: اسكت، حدثني أبو الزبير عن
جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم " دخل مكة يوم الفتح، وعلى رأسه عمامة سوداء " يا غلام،
اضرب عنقه!.
ورويت القصة بإسناد ثالث مظلم.
قلت: كان أبو مسلم سفاكا للدماء، يزيد على الحجاج في ذلك. وهو أول
من سن للدولة لبس السواد.
قال محمد بن جرير في " تاريخه ": ذكر علي بن محمد - يعني المدائني - أن
حمزة بن طلحة السلمي حدثه عن أبيه قال: كان بكير بن ماهان كاتبا لبعض
عمال السند، فقدم، فاجتمعوا بالكوفة في دار، فغمز بهم، فأخذوا فحبس
بكير، وخلي عن الآخرين. وكان في الحبس أبو عاصم، وعيسى العجلي،
ومعه أبو مسلم الخراساني فحدثه، فدعاهم بكير، فأجابوه إلى رأيه. فقال
لعيسى العجلي: ما هذا الغلام؟ قال: مملوك. قال: تبيعه؟ قال: هو لك.
قال: أحب أن تأخذ ثمنه. فأعطاه أربع مئة درهم.
ثم أخرجوا من السجن. وبعث به إلى إبراهيم بن محمد، فدفعه إبراهيم
إلى موسى السراج، فسمع منه، وحفظ، ثم اختلف إلى خراسان.

(1) أخرج مسلم (1358) قوله: " دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وزاد " بغير إحرام " من
طريق معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير، عن جابر، وهو في سنن أبي داود (4076)، والترمذي
(1735)، والنسائي (2872) و (5346)، وابن ماجة (3585) و (2822).
51

وقال غيره: توجه سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، ولا هز، وقحطبة بن
شبيب، من بلاد خراسان للحج في سنة أربع وعشرين ومئة. فدخلوا الكوفة،
فأتوا عاصم بن يونس العجلي، وهو في الحبس فبدأهم بالدعاء إلى ولد
العباس، ومعه عيسى بن معقل العجلي وأخوه، حبسهما عيسى بن عمر أمير
العراق فيمن حبس من عمال خالد القسري. هكذا في هذه الرواية. قال:
ومعهما أبو مسلم يخدمهما، فرأوا فيه العلامات. فقالوا: من أين هذا الفتى؟
قال، غلام معنا من السراجين. وقد كان أبو مسلم إذا سمع عيسى وإدريس
يتكلمان في هذا الرأي بكى. فلما رأوا ذلك، دعوه إلى ما هم عليه يعني من
نصرة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب.
قال أبو الحسن بن رزقويه: أنبأنا مظفر بن يحيى، حدثنا أحمد بن محمد
المرثدي، حدثنا أبو إسحاق الطلحي، حدثني أبو مسلم محمد بن المطلب
ابن فهم، من ولد أبي مسلم صاحب الدعوة، قال: كان اسم أبي مسلم:
إبراهيم بن عثمان بن يسار، من ولد بزرجمهر. وكان يكنى أبا إسحاق، ولد
بإصبهان، ونشأ بالكوفة، وكان أبوه أوصى إلى عيسى السراج، فحمله إلى
الكوفة وهو ابن سبع سنين. فقال له إبراهيم بن محمد بن علي لما عزم على
توجيهه إلى خراسان: غير اسمك. فأنه لا يتم لنا الامر إلا بتغيير اسمك، على
ما وجدته في الكتب. فقال: قد سميت نفسي: عبد الرحمن بن مسلم. ثم
تكنى أبا مسلم. ومضى لشأنه، وله ذؤابة فمضى على حمار. فقال له: خذ
نفقة. قال: ثم مات عيسى السراج، ومضى أبو مسلم لشأنه، وله تسع عشرة
سنة. وزوجه إبراهيم الامام بابنة أبي النجم عمران الطائي، وكانت
بخراسان، فبنى بها.
ابن دريد: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال: حدثني رجل من
52

خراسان، عن أبيه قال: كنت أطلب العلم، فلا آتي موضعا إلا وجدت أبا
مسلم قد سبقني إليه، فألفته، فدعاني إلى منزله ودعا بما حضر، ثم لا عبته
بالشطرنج وهو يلهو بهذين البيتين:
ذروني، ذروني ما قررت فإنني * متى ما أهج حربا تضيق بكم أرضي
وأبعث في سود الحديد إليكم * كتائب سود طالما انتظرت نهضي
قال رؤبة بن العجاج: كان أبو مسلم عالما بالشعر.
وقال أبو أحمد الجلودي: حدثنا محمد بن زكويه قال: روي لنا أن أبا
مسلم صاحب الدولة قال: ارتديت الصبر، وآثرت الكتمان، وحالفت الأحزان
والأشجان، وسامحت المقادير والاحكام حتى أدركت بغيتي، ثم أنشد:
قد نلت بالحزم والكتمان ما عجزت * عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
ما زلت أضربهم بالسيف فانتبهوا * من رقدة لم ينمها قبلهم أحد
طفقت أسعى عليهم في ديارهم * والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
ومن رعى غنما في أرض مسبعة * ونام عنها تولى رعيها الأسد (1)
ورويت هذه عن الحسن بن عقيل التبعي عن أبيه.
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء، سمعت علي بن عثام يقول: قال
إبراهيم الصائغ، لما رأيت العرب وصنيعها خفت ألا يكون لله فيهم حاجة،
فلما سلط الله عليهم أبا مسلم، رجوت أن تكون لله فيهم حاجة.
قلت: كان أبو مسلم بلاء عظيما على عرب خراسان، فإنه أبادهم بحد
السيف.
قال أحمد بن سيار في " تاريخ مرو ": حدثنا الحسن بن رشيد العنبري،
سمعت يزيد النحوي، يقول: أتاني إبراهيم [بن إسماعيل] الصائغ، فقال

(1) الأبيات في تاريخ بغداد 10 / 208، والكامل 5 / 480.
53

لي: ما ترى ما يعمل هذا الطاغية، إن الناس معه في سعة، غيرنا أهل العلم.
قلت، لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت، إن أمرت ونهيت يقيل
أو يقتل، ولكني أخاف أن يبسط علينا العذاب، وأنا شيخ كبير، لا صبر لي
على السياط. فقال الصائغ: لكني لا أنتهي عنه، فذهب فدخل عليه، فأمره
ونهاه، فقتله.
وذكر بعضهم أن أبا مسلم كان يجتمع - قبل أن يدعو - بإبراهيم الصائغ،
ويعده بإقامة الحق، فلما ظهر وبسط يده، دخل عليه فوعظه.
قال محمد بن سلام الجمحي: دخل أبو مسلم على أبي العباس السفاح،
فسلم عليه، وعنده أخوه أبو جعفر، فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر.
فقال، يا أمير المؤمنين هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك.
وكانت بخراسان فتن عظيمة، وحروب متواترة، فسار الكرماني في جيش،
في سنة تسع وعشرين ومئة، فالتقاه سلم بن أحوز المازني، متولي مرو الروذ،
فانهزم أولا الكرماني. ثم كر عليهم بالليل فاقتتلوا، ثم إنهم تهادنوا، ثم سار
نصر بن سيار، فحاصر الكرماني ستة أشهر، وجرت أمور يطول شرحها (1)
أوجبت ظهور أبي مسلم، لخلو الوقت له، فقتل الكرماني، ولحق جموعه
شيبان بن مسلمة السدوسي الخارجي المتغلب على سرخس، وطوس،
فحاربهم نصر بن سيار نحوا من سنة ونصف. ثم اصطلح نصر وجديع بن
الكرماني، على أن يحاربوا أبا مسلم. فإذا فرغوا من حربه، وظهروا عليه،
نظروا في أمرهم. فدس أبو مسلم إلى ابن الكرماني يخدعه ويقول: إني
معك. فوافقه ابن الكرماني، وانضم إليه، فحاربا نصرا، وعظم الخطب.
ثم إن نصر بن سيار كتب إلى أبي مسلم، أنا أبايعك، وأنا أحق بك من ابن
الكرماني، فقوي أمر أبي مسلم، وكثرت جيوشه. ثم عجز عنه نصر، وتقهقر

(1) انظر الحوليات التاريخية: الطبري، وابن الأثير، وابن كثير.
54

إلى نيسابور، واستولى أبو مسلم على أسبابه وأهله، ثم جهز أبو مسلم جيشا
إلى سرخس، فقاتلهم شيبان فقتل، وقتلت أبطاله. ثم التقى جيش
أبي مسلم وجيش نصر - وسعادة أبي مسلم في إقبال - فانهزم أصحاب نصر
وتأخر هو إلى قومس، ثم ظفر أبو مسلم بسلم بن أحوز الأمير، فقتله واستولى
على مدائن خراسان في أواخر سنة ثلاثين، وظفر بعبد الله بن معاوية بن عبد
الله بن جعفر الهاشمي فقتله.
ثم جهز أبو مسلم قحطبة بن شبيب، فالتقى هو ونباتة بن حنظلة الكلابي
على جرجان. فقتل الكلابي، وتمزق جيشه. وتقهقر نصر بن سيار إلى وراء.
وكتب إلى متولي العراق، يزيد بن عمر بن هبيرة، والي الخليفة مروان
يستصرخ به، ولات حين مناص. وكثرت البثوق (1) على مروان، من خوارج
المغرب، ومن القائمين باليمن، وبمكة، وبالجزيرة، وولت دولته. فجهز ابن
هبيرة جيشا عظيما، فنزل بعضهم همدان، وبعضهم بماه، فالتقاهم قحطبة
ابن شبيب بنواحي أصبهان، في رجب سنة إحدى وثلاثين. فانكسر جيش ابن
هبيرة. ثم نازل قحطبة نهاوند يحاصرها وتقهقر نصر بن سيار إلى الري.
ذكر ابن جرير أن جيش ابن هبيرة كانوا مئة ألف، عليهم عامر بن ضبارة.
وكان قحطبة في عشرين ألفا. فنصب قحطبة رمحا، عليه مصحف، ونادوا: يا
أهل الشام، ندعوكم إلى ما في هذا المصحف فشتموهم، فحمل قحطبه، فلم
يطل القتال حتى انهزم جند مروان، ومات نصر بن سيار بالري، وقيل بساوة
وأمر أولاده أن يلحقوا بالشام، وكان ينشد لما أبطأ عنه المدد:

(1) البثق: موضع انبثاق الماء من نهر ونحوه. والجمع بثوق. ومراده هنا أن الناس
خرجوا عليه من كل جانب.
55

أرى خلل الرماد وميض نار * خليق أن يكون له ضرام (1)
فإن النار بالزندين تورى * وإن الفعل يقدمه الكلام
وإن لم يطفها عقلاء قوم * يكون وقودها جثت وهام
أقول من التعجب: ليت شعري * أيقظان أمية، أم نيام؟!
وكتب ابن هبيرة إلى مروان الخليفة يخبره بقتل ابن ضبارة. فوجه لنجدته
حوثرة بن سهيل الباهلي في عشرة آلاف من القيسية، فتجمعت عساكر مروان
بنهاوند، وعليهم مالك بن أدهم، فحاصرهم قحطبة أربعة أشهر، وضايقهم
حتى أكلوا دوابهم من الجوع، ثم خرجوا بالأمان في شوال، وقتل قحطبة
وجوه أمراء نصر بن سيار وأولاده، وأقبل يريد العراق، فبرز له ابن هبيرة ونزل
بقرب حلوان، فكان في ثلاثة وخمسين ألف فارس، وتقارب الجمعان.
ففي هذه السنة، سنة إحدى وثلاثين تحول أبو مسلم من مرو، فنزل
بنيسابور، ودان له الإقليم جميعه ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين. فبلغ ابن
هبيرة، أن قحطبة توجه نحو الموصل، فقال لأصحابه: ما بالهم تنكبونا؟ قيل:
يريدون الكوفة. فرحل ابن هبيرة راجعا نحو الكوفة. وكذلك فعل قحطبة، ثم
جاز قحطبة الفرات في سبع مئة فارس. وتتام إلى ابن هبيرة نحو ذلك،
واقتتلوا فطعن قحطبة بن شبيب ثم وقع في الماء فهلك، ولم يدر به قومه،
ولكن انهزم أيضا أصحاب ابن هبيرة، وغرق بعضهم، وراحت أثقالهم.
قال بيهس بن حبيب: أجمع الناس بعد أن عدينا، فنادى مناد: من [أراد] (2)
الشام فهلم! فذهب معه عنق من الناس، ونادى آخر: من أراد الجزيرة.
ونادى آخر: من أراد الكوفة.. وتفرق الجيش إلى هذه النواحي، فقلت:
من أراد واسط فهلم، فأصبحنا بقناطر المسيب مع الأمير ابن هبيرة. فدخلناها

(1) تاريخ خليفة 396 - 397، الطبري 7 / 369، والأبيات في الأغاني 7 / 56.
(2) الزيادة من تاريخ خليفة، وتاريخ الاسلام.
56

يوم عاشوراء، وأصبح المسودة قد فقدوا أميرهم قحطبة، ثم أخرجوه من الماء
ودفنوه، وأمروا مكانه ولده الحسن بن قحطبة، فسار بهم إلى الكوفة،
فدخلوها يوم عاشوراء أيضا، فهرب متوليها زياد بن صالح إلى واسط.
وترتب في إمرة الكوفة للمسودة، أبو سلمة الخلال. ثم سار ابن قحطبة،
وحازم بن خزيمة، فنازلوا واسط، وعملوا على أنفسهم خندقا، فعبأ ابن هبيرة
جيوشه، والتقاهم، فانكسر جمعه، ونجوا إلى واسط.
وقتل في المصاف يزيد أخو الحسن بن قحطبة، وحكيم بن المسيب
الجدلي. وفي المحرم قتل أبو مسلم جماعة، منهم ابن الكرماني، وجلس
على تخت الملك، وبايعوه، وخطب، ودعا للسفاح.
وفي ثالث يوم من ربيع الأول، بويع السفاح بالخلافة، بالكوفة، في دار
مولاه الوليد بن سعد. وسار الخليفة مروان في مئة ألف فارس، حتى نزل
الزابين (1) دون الموصل، يقصد العراق. فجهز السفاح له عمه عبد الله بن
علي، فكانت الوقعة على كشاف، في جمادى الآخرة، فانكسر مروان
وتقهقر، وعدى الفرات، وقطع وراءه الجسر، وقصد الشام ليتقوى، ويلتقي
ثانيا.
فجد في طلبه عبد الله بن علي حتى طرده عن دمشق، ونازلها، وأخذها بعد
أيام، وبذل السيف، وقتل بها في ثلاث ساعات نحوا من خمسين ألفا،
غالبهم من جند بني أمية.
وانقضت أيامهم، وهرب مروان إلى مصر في عسكر قليل، فجدوا في
طلبه، إلى أن بيتوه بقرية بوصير، فقاتل حتى قتل، وطيف برأسه في البلدان،
وهرب ابناه إلى بلاد النوبة.

(1) الزابان: الزاب الاعلى، والزاب الأسفل، وهما نهران بين بغداد والموصل، ونزول
مروان بن محمد كان على الزاب الصغير كما في الروض المعطار ص: (281)
57

قال محمد بن جرير في " تاريخه ": كان بدو أمر بنى العباس، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما قيل، أعلم العباس أن الخلافة تؤول إلى ولده، فلم يزل ولده
يتوقعون ذلك.
قلت: لم يصح هذا الخبر، ولكن آل العباس، كان الناس يحبونهم،
ويحبون آل علي، ويودون أن الامر يؤول إليهم، حبا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبغضا في آل مروان بن الحكم فبقوا يعملون على ذلك زمانا حتى تهيأت لهم
الأسباب، وأقبلت دولتهم وظهرت من خراسان.
وعن رشدين بن كريب: أن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية، خرج إلى
الشام، فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، والد السفاح، فقال: يا
ابن عم! إن عندي علما أريد أن ألقيه إليك، فلا تطلعن عليه أحدا: إن هذا
الامر الذي يرتجيه الناس، هو فيكم، قال: قد علمته، فلا يسمعنه منك أحد.
قلت، فرحنا بمصير الامر إليهم، ولكن والله ساءنا ما جرى لما جرى من
سيول الدماء، والسبي، والنهب، فإنا لله، وإنا إليه راجعون، فالدولة الظالمة
مع الامن وحقن الدماء، ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم، وأنى لها
العدل؟ بل أتت دولة أعجمية، خراسانية، جبارة، ما أشبه الليلة بالبارحة.
روى أبو الحسن المدائني عن جماعة: أن الإمام محمد بن علي بن عبد
الله، قال: لنا ثلاثة أوقات: موت يزيد بن معاوية، ورأس المئة، وفتق
بإفريقيا. فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم يقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد
خيولهم المغرب.
فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية، ونقضت البربر، بعث محمد الامام
رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضا من آل محمد، ولا يسمي أحدا.
ثم إنه وجه أبا مسلم، وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه، ثم وقع في يد مروان بن
58

محمد كتاب لإبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم، جواب كتاب، يأمر أبا مسلم
بقتل كان من تكلم بالعربية بخراسان.
فقبض مروان على إبراهيم، وقد كان مروان وصف له صفة السفاح التي
كان يجدها في الكتب، فلما جئ بإبراهيم، قال: ليست هذه الصفة، ورد
أعوانه في طلب المنعوت له، وإذا بالسفاح وإخوته وأعمامه قد هربوا إلى
العراق، واختفوا بها عند شيعتهم.
فيقال: إن إبراهيم كان نعى إليهم نفسه، وأمرهم بالهرب. فهربوا من
الحميمة. فلما قدموا الكوفة أنزلهم أبو سلمة الخلال وكتم أمرهم.
فبلغ الخبر أبا الجهم، فاجتمع بكبار الشيعة، فدخلوا على آل العباس،
فقالوا: أيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية، قالوا: هذا. فسلموا عليه
بالخلافة، ثم خرج أبو الجهم، وموسى بن كعب، والأعيان، فهيؤوا أمرهم،
وخرج السفاح على برذون، فصلى بالناس الجمعة وذلك مستوفى في ترجمة
السفاح، وفي " تاريخي الكبير " (1) وفي ترجمة عم السفاح عبد الله.
وفي سنة ثلاث وثلاثين ومئة سار أبو جعفر المنصور إلى خراسان إلى أبي
مسلم، ليأخذ رأيه في قتل أبي سلمة، حفص بن سليمان الخلال، وزيرهم.
وذلك أنه لما نزل به السفاح وأقاربه، حدثته نفسه بأن يبايع علويا، ويدع
هؤلاء وشرع يعمي أمرهم، على قواد شيعتهم، فبادر كبارهم، وبايعوا لسفاح
وأخرجوه، فخطب الناس فما وسعه - أعني أبا سلمة - إلا المبايعة، فاتهموه.
فعن أبي جعفر قال: انتدبني أخي السفاح للذهاب إلى أبي مسلم، فسرت
على وجل، فقدمت الري ثم شرفت عنها فرسخين، فلما صار بيني وبين مرو
فرسخين، تلقاني أبو مسلم في الجنود. فلما دنا مني ترجل ماشيا، فقبل

(1) تاريخ الاسلام للمؤلف 5 / 202.
59

يدي، ثم نزلت، فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شئ. ثم سألني فأخبرته،
فقال: فعلها أبو سلمة؟ أنا أكفيكموه. فدعا مرار بن أنس الضبي، فقال:
انطلق إلى الكوفة، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته. قال: فقتله بعد العشاء. وكان
يقال له: وزير آل محمد.
ولما رأى أبو جعفر عظمة أبي مسلم، وسفكه للدماء، رجع من عنده وقال
للسفاح: لست بخليفة إن أبقيت أبا مسلم. قال: وكيف؟ قال: ما يصنع إلا ما
يريد. قال: فاسكت واكتمها.
وأما ابن هبيرة، فدام ابن قحطبة يحاصره بواسط أحد عشر شهرا، فلما
تيقنوا هلاك مروان، سلموها بالأمان، ثم قتلوا ابن هبيرة، وغدروا به، وبعدة
من أمرائه.
وفي عام ثلاثة وثلاثين خرج على أبي مسلم شريك المهري ببخارى،
ونقم على أبي مسلم كثرة قتله، وقال: ما على هذا اتبعنا آل محمد، فاتبعه
ثلاثون ألفا. فسار عسكر أبي مسلم، فالتقوا، فقتل شريك.
وفي سنة خمس وثلاثين، خرج زياد بن صالح الخزاعي، من كبار قواد أبي
مسلم عليه، وعسكر بما وراء النهر. وكان قد جاءه عهد بولاية خراسان من
السفاح، وأن يغتال أبا مسلم، إن قدر عليه.
فظفر أبو مسلم برسول السفاح، فقتله، ثم تفلل عن زياد جموعه، ولحقوا
بأبي مسلم، فلجأ زياد إلى دهقان فقتله غيلة وجاء برأسه إلى أبي مسلم.
وفي سنة ست، بعث أبو مسلم إلى السفاح يستأذنه في القدوم، فأذن له،
واستناب على خراسان خالد بن إبراهيم، فقدم في هيئة عظيمة، فاستأذن في
الحج، فقال: لولا أن أخي حج لوليتك الموسم.
وكان أبو جعفر يقول للسفاح: يا أمير المؤمنين، أطعني واقتل أبا مسلم
60

فوالله إن في رأسه لغدرة، فقال: يا أخي قد عرفت بلاءه، وما كان منه، وأبو
جعفر يراجعه.
ثم حج أبو جعفر، وأبو مسلم. فلما قفلا تلقاهما موت السفاح بالجدري،
فولي الخلافة أبو جعفر.
وخرج عليه عمه عبد الله بن علي بالشام، ودعا إلى نفسه، وأقام شهودا بأنه
ولي عهد السفاح، وأنه على ذلك سار لحرب مروان وهزمه، واستأصله.
فخلا المنصور بأبي مسلم وقال: إنما هو أنا وأنت، فسر إلى عبد الله
عمي، فسار بجيوشه من الأنبار، وسار لحربه عبد الله، وقد خشي أن يخامر عليه
الخراسانية، فقتل منهم بضعة عشر ألفا صبرا. ثم نزل نصيبين، وأقبل أبو
مسلم، فكاتب عبد الله: إني لم أومر بقتالك، وإن أمير المؤمنين ولاني الشام
وأنا أريدها. وذلك من مكر أبي مسلم ليفسد نيات الشاميين.
فقال جند الشاميين لعبد الله: كيف نقيم معك، وهذا يأتي بلادنا فيقتل
ويسبي؟ ولكن نمنعه عن بلادنا.
فقال لهم: إنه ما يريد الشام، ولئن أقمتم، ليقصدنكم، قال: فكان بين
الطائفتين القتال مدة خمسة أشهر، وكان أهل الشام أكثر فرسانا، وأكمل عدة،
فكان على ميمنة عبد الله الأمير بكار بن مسلم العقيلي، وعلى الميسرة الأمير
حبيب بن سويد الأسدي.
وكان على ميمنة أبي مسلم الحسن بن قحطبة، وعلى ميسرته حازم بن
خزيمة، وطال الحرب، ويستظهر الشاميون غير مرة. وكاد جيش أبي مسلم أن
ينهزم، وأبو مسلم يثبتهم ويرتجز:
من كان ينوي أهله فلا رجع * فر من الموت وفي الموت وقع
ثم إنه أردف ميمنته، وحملوا على ميسرة عبد الله فمزقوها، فقال عبد الله
61

لابن سراقة الأزدي: ما ترى؟ قال: أرى أن تصبر وتقاتل فإن الفرار قبيح
بمثلك. وقد عبته على مروان، قال: إني أذهب إلى العراق قال: فأنا معكم
فانهزموا، وتركوا الذخائر والخزائن والمعسكر، فاحتوى أبو مسلم على الكل،
وكتب بالنصر إلى المنصور.
واختفى عبد الله، وأرسل المنصور مولاه ليحصي ما حواه أبو مسلم،
فغضب من ذلك أبو مسلم، وهم بقتل ذلك المولى. وقال: إنما للخليفة من
هذا الخمس.
ومضى عبد الله وأخوه عبد الصمد بن علي إلى الكوفة، فدخلا على عيسى
ابن موسى ولي العهد، فاستأمن لعبد الصمد، فأمنه المنصور. وأما عبد الله،
فقصد أخاه سليمان بن علي بالبصرة، وأقام عنده مختفيا.
ولما علم المنصور أن أبا مسلم قد تغير كتب إليه يلاطفه: وإني قد وليتك
مصر والشام، فأنزل بالشام واستنب عنك بمصر، فلما جاءه الكتاب، أظهر
الغضب وقال: يوليني هذا وخراسان كلها لي؟! وشرع في المضي إلى
خراسان.
ويقال: إنه شتم المنصور، وأجمع على الخلاف، وسار. وخرج المنصور
إلى المدائن، وكاتب أبا مسلم ليقدم عليه، فكتب إليه أبو مسلم، وهو قاصد
طريق حلوان: إنه لم يبق لك عدو إلا أمكنك الله منه. وقد كنا نروي عن ملوك
آل ساسان: إن أخوف ما يكون الوزراء، إذا سكنت الدهماء. فنحن نافرون
من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، فإن أرضاك ذلك، فأنا
كأحسن عبيدك، وإن أبيت، نقضت ما أبرمت من عهدك، ضنا بنفسي
والسلام.
فرد عليه الجواب يطمئنه ويمنيه مع جرير بن يزيد ين جرير البجلي، وكان
داهية وقته، فخدعه ورده.
62

وأما علي بن محمد المدائني، فنقل عن جماعة قالوا: كتب أبو مسلم: أما
بعد، فإن اتخذت رجلا إماما، ودليلا على ما افترضه الله، وكان في محلة
العلم نازلا، فاستجهلني بالقرآن، فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل قد نعاه (1)
الله إلى خلقه، وكان كالذي دلي بغرور، وأمرني أن أجرد السيف، وأرفع
الرحمة، ففعلت توطئة لسلطانكم، ثم استنقذني الله بالتوبة. فإن يعف عني
فقدما عرف به، ونسب إليه، وإن يعاقبني فبما قدمت يداي.
ثم سار نحو خراسان مراغما.
فأمر المنصور من حضره من بني هاشم يكتبون إلى أبي مسلم، يعظمون
شأنه، وأن يتم على الطاعة، ويحسنون له القدوم على المنصور.
ثم قال المنصور للرسول أبي حميد المروروذي: كلم أبا مسلم بألين ما
تقدر عليه، ومنه، وعرفه أني مضمر له كل خير، فإن أيست منه، فقل له:
قال: والله لو خضت البحر، لخضته وراءك، ولو اقتحمت النار، لاقتحمتها
حتى أقتلك.
فقدم على أبي مسلم بحلوان، قال: فاستشار أبو مسلم خواصه، فقالوا:
احذره.
فلما طلب الرسول الجواب قال: ارجع إلى صاحبك، فلست آتيه، وقد
عزمت على خلافه. فقال: لا تفعل.
فلما آيسه من المجئ. كلمه بما أمره به المنصور، فوجم لها طويلا، ثم
قال: قم. وكسره ذلك القول وأرعبه.
وكان المنصور قد كتب إلى أبي داود خليفة أبي مسلم على خراسان،
فاستماله وقال: إمرة خراسان لك. فكتب أبو داود إلى أبي مسلم يلومه،

(1) في الطبري 7 / 484، والبداية 10 / 64: تعافاه.
63

ويقول: إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله، وأهل بيت النبوة، فلا تخالفن
إمامك.
فوافاه كتابه وهو على تلك الحال، فزاده هما ورعبا. ثم إنه أرسل من يثق به
من أمرائه إلى المنصور، فلما قدم، تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب، وقال له
المنصور: اصرفه عن وجهه، ولك إمرة بلاده، فرجع وقال: لم أر مكروها،
ورأيتهم معظمين لحقك، فارجع، واعتذر.
فأجمع رأيه على الرجوع، فقال رسوله أبو إسحاق:
ما للرجال مع القضاء محالة * ذهب القضاء بحيلة الأقوام
خار الله لك، احفظ عنى واحدة: إذا دخلت على المنصور فاقتله، ثم بايع
من شئت فإن الناس لا يخالفونك.
ثم إن المنصور سير أمراء لتلقي أبي مسلم، ولا يظهرون أنه بعثهم
ليطمئنه، ويذكرون حسن نية المنصور له، فلما سمع ذلك، انخدع المغرور
وفرح.
فلما وصل إلى المدائن، أمر المنصور أكابر دولته فتلقوه، فلما دخل عليه،
سلم عليه قائما، فقال: انصرف يا أبا مسلم فاسترح، وادخل الحمام ثم اغد.
فانصرف، وكان من نية المنصور أن يقتله تلك الليلة، فمنعه وزيره أبو أيوب
المورياني (1).
قال أبو أيوب: فدخلت بعد خروجه، فقال لي المنصور: أقدر على هذا،
في مثل هذه الحال، قائما على رجليه، ولا أدري ما يحدث في ليلتي، ثم
كلمني في الفتك به. فلما غدوت عليه، قال لي: يا ابن اللخناء لا مرحبا بك.
أنت منعتني منه أمس؟ والله ما نمت البارحة، ادع لي عثمان بن نهيك،

(1) بضم الميم وسكون الواو وكسر الراء: نسبة إلى موريان، قرية من قرى خوزستان.
64

فدعوته، فقال: يا عثمان كيف بلاء أمير المؤمنين عندك، قال: إنما أنا عبدك،
ولو أمرتني أن أتكئ على سيفي حتى يخرج من ظهري، لفعلت. قال: كيف
أنت إن أمرتك بقتل أبي مسلم. قال: فوجم لها ساعة لا يتكلم. فقلت: مالك
ساكتا؟ فقال قولة ضعيفة: أقتله.
فقال: انطلق، فجئ بأربعة من وجوه الحرس، شجعان، فأحضر أربعة،
منهم شبيب بن واج، فكلمهم فقالوا: نقتله، فقال: كونوا خلف الرواق، فإذا
صفقت، فاخرجوا، فاقتلوه.
ثم طلب أبا مسلم فأتاه.
قال أبو أيوب: وخرجت لأنظر ما يقول الناس، فتلقاني أبو مسلم داخلا،
فتبسم، وسلمت عليه فدخل، فرجعت فإذا هو مقتول. ثم دخل أبو الجهم،
فقال: يا أمير المؤمنين: ألا أرد الناس؟ قال: بلى.
فأمر بمتاع يحول إلى رواق آخر، وفرش. وقال أبو الجهم للناس:
انصرفوا، فإن الأمير أبا مسلم يريد أن يقيل عند أمير المؤمنين، ورأوا الفرش
والمتاع ينقل، فظنوه صادقا، فانصرفوا.
وأمر المنصور للأمراء بجوائزهم.
قال أبو أيوب: فقال لي المنصور: دخل علي أبو مسلم فعاتبته، ثم شتمته،
وضربه عثمان بن نهيك فلم يصنع شيئا، وخرج شبيب بن واج، فضربوه،
فسقط، فقال وهم يضربونه: العفو، قلت: يا ابن اللخناء، العفو؟ والسيوف
تعتورك؟ وقلت: اذبحوه. فذبحوه.
وقيل: ألقى جسده في دجلة.
ويقال: لما دخل وهم خلوة، قال له المنصور: أخبرني عن سيفين أصبتهما
في متاع عبد الله بن علي، فقال: هذا أحدهما، قال: أرنيه. فانتضاه، فناوله،
سير 6 / 5
65

فهزه أبو جعفر، ثم وضعه تحت مفرشه وأقبل عليه يعاتبه.
وقال: أخبرني عن كتابك إلى أبي العباس أخي، تنهاه عن الموات، أردت
أن تعلمنا الدين؟ قال: ظننت أخذه لا يحل، قال: فأخبرني عن تقدمك علي
في طريق الحج. قال: كرهت اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس. قال:
فجارية عبد الله، أردت أن تتخذها؟ قال: لا. ولكن خفت عليها أن تضيع
فحملتها في قبة ووكلت بها. قال: فمراغمتك وخروجك إلى خراسان؟ قال:
خفت أن يكون قد دخلك مني شئ، فقلت أذهب إليها، وإليك أبعث
بعذري. والآن فقد ذهب ما في نفسك علي. قال: تالله ما رأيت كاليوم قط.
وضرب بيده، فخرجوا عليه.
وقيل: إنه قال له: ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك؟ والكاتب إلي تخطب
أمينة بنت علي عمتي؟ وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس؟
وأيضا فما دعاك إلى قتل سليمان بن كثير، مع أثره في دعوتنا، وهو أحد
نقبائنا؟
قال: عصاني، وأراد الخلاف علي، فقتلته. قال: وأنت قد خالفت علي،
قتلني الله إن لم أقتلك. وضربه بعمود، ثم وثبوا عليه، وذلك لخمس بقين من
شعبان.
ويقال: إن المنصور لما سبه، انكب على يده يقبلها ويعتذر.
وقيل: أول ما ضربه ابن نهيك لم يصنع أكثر من قطع حمائل سيفه،
فصاح: يا أمير المؤمنين استبقني لعدوك، قال: لا أبقاني الله إذا، وأي عدو
أعدى لي منك.
ثم هم المنصور بقتل الأمير أبي إسحاق صاحب حرس أبي مسلم، وبقتل
نصر بن مالك الخزاعي، فكلمه فيهما أبو الجهم، وقال: يا أمير المؤمنين،
66

إنما جنده جندك، أمرتهم بطاعته، فأطاعوه.
ثم إنه أعطاهما مالا جزيلا. وفرق عساكر أبي مسلم. وكتب بعهد للأمير
أبي داود خالد بن إبراهيم على خراسان.
وقد كان بعض الزنادقة، والطغام من التناسخية، اعتقدوا أن الباري
سبحانه وتعالى، حل في أبي مسلم الخراساني المقتول، عندما رأوا من
تجبره، واستيلائه على الممالك، وسفكه للدماء. فأخبار هذا الطاغية يطول
شرحها.
قال خليفة بن خياط (1): قدم أبو مسلم على أبي جعفر بالمدائن، فسمعت
يحيى بن المسيب يقول: قتله وهو في سرادقاته - يعني الدهليز - ثم بعث إلى
عيسى بن موسى ولي العهد، فأعلمه، وأعطاه الرأس والمال فخرج به، فألقاه
إليهم، ونثر الذهب، فتشاغلوا بأخذه.
وقال خليفة في مكان آخر: فلما حل أبو مسلم بحلوان، ترددت الرسل بينه
وبين أبي جعفر، فمن ذلك كتب إليه أبو جعفر: أما بعد، فإنه يرين على
القلوب ويطبع عليها المعاصي، فقع أيها الطائر، وأفق أيها السكران، وأنتبه
أيها الحالم، فإنك مغرور بأضغاث أحلام كاذبة، وفي برزخ دنيا قد غرت
قبلك سوالف القرون، فهل تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا؟ وإن الله
لا يعجزه من هرب، ولا يفوته من طلب، فلا تغتر بمن معك من شيعتي وأهل
دعوتي. فكأنهم قد صاولوك إن أنت خلعت الطاعة، وفارقت الجماعة، فبدا
لك ما لم تكن تحتسب. فمهلا مهلا، احذر البغي أبا مسلم، فإن من بغى
واعتدى تخلى الله عنه، ونصر عليه من يصرعه لليدين وللفم.
فأجابه أبو مسلم بكتاب فيه غلظ يقول فيه: يا عبد الله بن محمد: إني كنت

(1) في تاريخه ص: 416.
67

فيكم متأولا فأخطأت.
فأجابه: أيها المجرم! تنقم على أخي وإنه لامام هدى، أوضح لك السبيل،
فلو به اقتديت ما كنت عن الحق حائدا، ولكنه لم يسنح لك أمران إلا كنت
لأرشدهما تاركا، ولأغواهما موافقا، تقتل قتل الفراعنة، وتبطش بطش
الجبارين، ثم إن من خيرتي أيها الفاسق! أني قد وليت خراسان موسى بن
كعب. فأمرته بالمقام بنيسابور، فهو من دونك بمن معه من قوادي وشيعتي،
وأنا موجه للقائك أقرانك، فاجمع كيدك وأمرك غير موفق ولا مسدد، وحسب
أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل.
فشاور البائس أبا إسحاق المروزي، فقال له: ما الرأي، هذا موسى بن
كعب لنا دون خراسان، وهذه سيوف أبى جعفر من خلفنا وقد أنكرت من كنت
أثق به من أمرائي؟
فقال: أيها الأمير هذا رجل يضطغن عليك أمورا متقدمة، فلو كنت إذ ذاك
هذا رأيك، وواليت رجلا من آل علي، كان أقرب. ولو أنك قبلت توليته إياك
خراسان والشام والصائفة (1)، مدت بك الأيام، وكنت في فسحة من أمرك،
فوجهت إلى المدينة، فاختلست علويا، فنصبته إماما، فاستملت أهل
خراسان وأهل العراق، ورميت أبا جعفر بنظيره، لكنت على طريق تدبير.
أتطمع أن تحارب أبا جعفر وأنت بحلوان، وعساكره بالمدائن، وهو خليفة
مجمع عليه؟ ليس ما ظننت. لكن بقي لك أن تكتب إلى قوادك، وتفعل كذا
وكذا.
فقال: هذا رأي، إن وافقنا عليه قوادنا. قال: فما دعاك إلى خلع أبي جعفر
وأنت على غير ثقة من قوادك؟ أنا أستودعك الله من قتيل! أرى أن توجه بي

(1) الصائفة: الغزوة في الصيف وبها سميت غزوة الروم لانهم كانوا يغزون صيفا اتقاء
البرد والثلج.
68

إليه حتى أسأله لك الأمان، فإما صفح، وإما قتل على عز، قبل أن ترى المذلة
والصغار من عسكرك، إما قتلوك، وإما أسلموك.
قال: فسفرت بينه وبين المنصور السفراء، وطلبوا له أمانا، فأتى المدائن.
فأمر أبو جعفر، فتلقوه وأذن له، فدخل على فرسه، ورحب به، وعانقه،
وقال: انصرف إلى منزلك، وضع ثيابك، وادخل الحمام، وجعل ينتظر به
الفرص، فأقام أياما يأتي أبا جعفر، فيرى كل يوم من الاكرام ما لم يره قبل.
ثم أقبل على التجني عليه، فأتى أبو مسلم الأمير عيسى بن موسى، فقال:
اركب معي إلى أمير المؤمنين، فإني قد أردت عتابه، قال: تقدم وأنا أجئ
قال: إني أخافه، قال: أنت في ذمتي، قال: فأقبل، فلما صار في الرواق
الداخل، قيل له: أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست، وأبطأ عليه عيسى، وقد
هيأ له أبو جعفر عثمان بن نهيك في عدة، وقال: إذا عاينته وعلا صوتي،
فدونكموه.
قال نفطويه: حدثنا أبو العباس المنصوري قال: لما قتل أبو جعفر أبا مسلم
قال: رحمك الله أبا مسلم، بايعتنا وبايعناك، وعاهدتنا وعاهدناك، ووفيت لنا
ووفينا لك. وإنا بايعنا على ألا يخرج علينا أحد إلا قتلناه، فخرجت علينا
فقتلناك.
وقيل: قال لأولئك: إذا سمعتم تصفيقي فاضربوه، فضربه شبيب بن واج،
ثم ضربه القواد، فدخل عيسى وكان قد كلم المنصور فيه. فلما رآه قتيلا،
استرجع.
وقيل: لما قتله ودخل جعفر بن حنظلة، فقال: ما تقول في أمر أبي مسلم؟
قال: إن كنت أخذت من شعره فاقتله، فقال: وفقك الله. ها هو في البساط
قتيلا، فقال: يا أمير المؤمنين: عد هذا اليوم أول خلافتك، وأنشد المنصور:
69

فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر (1)
وقرأت في كتاب: أن المنصور لم يزل يخدع أبا مسلم ويتحيل عليه حتى
وقع في براثنه بعهود وأيمان.
وكان أبو مسلم ينظر في الملاحم. ويجد أنه مميت دولة، ومحيي دولة، ثم
يقتل ببلد الروم. وكان المنصور يومئذ برومية المدائن، وهي معدودة من
مدائن كسرى بينها وبين بغداد سبعة فراسخ، قيل: بناها الإسكندر لما أقام
بالمدائن. فلم يخطر ببال أبي مسلم أن بها مصرعه، وذهب وهمه إلى الروم.
وقيل: إن المنصور كان يقول: فعلت وفعلت، فقال أبو مسلم: ما يقال لي هذا
بعد بيعتي واجتهادي، قال: يا ابن الخبيثة! إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا، ولو
كان مكانك أمة سوداء، لعملت عملك، وتفعل كذا، وتخطب عمتي، وتدعي
أنك عباسي، لقد ارتقيت مرتقى صعبا.
فأخذ يفرك يده ويقبلها، ويخضع، وأبو جعفر يتنمر.
وعن مسرور الخادم قال: لما رد أبو مسلم، أمره أبو جعفر أن يركب في
خواص أصحابه، فركب في أربعة آلاف غلام، جرد، مرد، عليهم أقبية
الديباج والسيوف بمناطق الذهب، فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه، وكان

(1) البيت في " المؤتلف والمختلف " ص 128 لمعقر بن حمار البارقي وقبله:
تهيبك الاسفار من خشية الردى * وكم قد رأينا من رد لا يسافر
" ونقل في اللسان، عن ابن بري أنه لعبد ربه السلمي ويقال: لسليم بن ثمامة الحنفي،
وكان هذا الشاعر سير امرأته من اليمامة إلى الكوفة. وأول الشعر:
تذكرت من أم الحويرث بعد ما * مضت حجج عشر، وذو الشوق ذاكر
وقوله:
فألقت عصاها واستقر بها النوى.
يضرب هذا مثلا لكل من وافقه، شئ فأقام عليه. "
70

قد بقي من عمومته: صالح، وسليمان، وداود، فلما أن أصحر، سايره صالح
بجنبه، فنظر إلى كتائب الغلمان ورأى شيئا لم يعهد مثله، فأنشأ صالح
يقول:
سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت * وما حل في أكناف عاد وجرهم
ومن كان أقوى منك عزا ومفخرا * وأقيد للجيش اللهام العرمرم
فبكى أبو مسلم ولم يحر جوابا.
قال أبو حسان الزيادي، ويعقوب الفسوي، وغيرهما: قتل في شعبان سنة
سبع وثلاثين ومئة.
قلت: وعمره سبعة وثلاثون عاما.
ولما قتل، خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم، وكان سنباذ
مجوسيا، فغلب على نيسابور والري، وظفر بخزائن أبي مسلم، واستفحل
أمره، فجهز المنصور لحربه جمهور بن مرار العجلي في عشرة آلاف فارس،
وكان المصاف بين الري وهمذان، فانهزم سنباذ، وقتل من عسكره نحو من
ستين ألفا، وعامتهم كانوا من أهل الجبال، فسبيت ذراريهم، ثم قتل سنباذ
بأرض طبرستان.
أنبأتنا فاطمة بنت علي، أنبأنا فرقد بن عبد الله الكناني سنة ثمان وست مئة
أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد
ابن سليم المعلم، أنبأنا أبو علي الحسين بن عبد الله بن محمد بن المرزبان بن
منجويه، أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ. حدثني أبو نصر
غلام ابن الأنباري، سمعت ابن الأنباري، سمعت محمد بن يحيى النحوي،
سمعت مسرورا الخادم يقول: لما استرد المنصور أبا مسلم من حلوان، أمره
أن ينصرف في خواص غلمانه، فانصرف في أربعة آلاف غلام، جرد، مرد،
71

عليهم أقبية الديباج والسيوف، ومناطق الذهب، فأمر المنصور عمومته أن
يستقبلوه. وكان قد بقي من عمومته يومئذ: صالح، وسليمان وداود، فلما أن
أصحروا، سايره صالح بجنبه، فنظر إلى كتائب الغلمان فرأى شيئا لم يعهد
مثله فأنشأ يقول:
سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت * وما حل في أكناف عاد وجرهم
ومن كان أقوى منك عزا ومفخرا * وأقيد للجيش اللهام العرمرم
فبكى أبو مسلم ولم يحر جوابا، ولم ينطق حتى دخل على المنصور.
فأجلسه بين يديه، وجعل يعاتبه ويقول: تذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا
وكتبت إلي بكذا وكذا ثم أنشأ يقول:
زعمت أن الدين لا يقتضى * فاقتض بالدين أبا مجرم
واشرب بكأس كنت تسقي بها * أمر في الحلق من العلقم (1)
ثم أمر أهل خراسان فقطعوه إربا إربا.
وبه إلى منجويه: حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن عبد الوهاب الأنماطي،
حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا حسين بن فهم، حدثنا محمد
ابن سلام، حدثنا محمد بن عمارة، سمعت أبا مسلم صاحب الدولة يقرأ:
(فلا تسرف في القتل) [الاسراء: 33] بالتاء (2).
قال ابن منجويه: حكى لي الثقة عن أبي أحمد، أنبأنا الامام أن عبد الله بن

(1) البيتان في الطبري 7 / 491، والكامل 5 / 476، ووفيات الأعيان 3 / 154، وروايتهما
عند ابن خلكان
زعمت أن الدين لا يقتضى * فاستوف بالكيل أبا مجرم
اشرب بكأس كنت تسقي بها * أمر في الحلق من العلقم
(2) هي قراءة: ابن عامر، وحمزة، والكسائي. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو،
وعاصم: (فلا يسرف في القتل) زاد المسير.
72

مندة كتب عنه هذا، وحسين بن فهم هو ابن بنت أبي مسلم.
وبه: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطبري إملاء من أصله، حدثنا
أبو الحسين محمد بن موسى الحافظ، حدثنا أحمد بن يحيى بن زكير، حدثنا
عبد الرحمن بن خالد بن نجيح، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن منيب
الخراساني، حدثنا أبي عن أبي مسلم صاحب الدولة، عن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد
هوان قريش إهانة الله عز وجل " (1).
وبه أخبرناه أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثني
محمد بن جعفر الرقي بحران، حدثني جعفر بن موسى بدمشق، حدثني عبد
الرحمن بن خالد بهذا. لم يقل ابن منيب عن أبيه وهو أشبه.
آخر سيرة أبي مسلم والله سبحانه أعلم.
16 - يزيد بن الطثرية *
الشاعر، المحسن، أبو المكشوح، يزيد بن سلمة بن سمرة. وله شعر

(1) في سنده أبو مسلم. قال المؤلف في " الميزان " ليس بأهل لان يحمل عنه شئ.
وباقي رجاله ثقات.
لكن الحديث صحيح. فقد أخرجه أحمد 1 / 171، 183 والترمذي (3902) والحاكم
4 / 74 من حديث الزهري عن محمد بن أبي سفيان، عن يوسف بن الحكم، عن محمد بن
سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد هوان قريش أهانه الله ". وسنده صحيح.
وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك. وأخرجه عبد الرزاق (19905) وعنه أحمد
1 / 176، عن معمر، عن الزهري، عن عمر بن سعد، أن سعد بن مالك قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من يهن قريشا يهنه الله ". وفي الباب عن عثمان عند الحاكم 4 / 74،
وأحمد 1 / 64 بسند قال الهيثمي فيه: رجاله ثقات.
نسبة إلى أمه من الطثر. وهم حي من اليمن، عدادهم في جرهم وأبوه الصمة،
وقيل: سلمة الخير. أخباره في " طبقات فحول الشعراء " 777 - 782، وفي " الشعر
والشعراء " 427 - 428، وفي " الأغاني " 7 / 104 - 117، وفي " معجم الأدباء 20 / 47 - 49 "
وفي " أسماء المغتالين " 247.
73

فائق، كثير في الحماسة. وقيل: إن أبا الفرج، صاحب الأغاني جمع شعره
ودونه. قتل باليمامة في سنة ست وعشرين ومئة. والطثر: ضرب من اللبن.
17 - مروان بن محمد *
ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، بن أمية، أبو عبد
الملك، الخليفة الأموي، يعرف بمروان الحمار. وبمروان الجعدي نسبة إلى
مؤدبه جعد بن درهم.
ويقال: أصبر في الحرب من حمار.
وكان مروان بطلا شجاعا داهية، رزينا، جبارا، يصل السير بالسرى، ولا
يجف له لبد، دوخ الخوارج بالجزيرة.
ويقال: بل العرب تسمي كل مئة عام حمارا، فلما قارب ملك آل أمية مئة
سنة، لقبوا مروان بالحمار. وذلك مأخوذ من موت حمار العزير عليه السلام،
وهو مئة عام، ثم بعثهما الله تعالى.
مولد مروان بالجزيرة، في سنة اثنتين وسبعين، إذ أبوه متوليها، وأمه أم
ولد.
وقد افتتح في سنة خمس ومئة قونية. وولي إمرة الجزيرة وأذربيجان لهشام
في سنة أربع عشرة ومئة. وقد غزا مرة حتى جاوز نهر الروم، فأغار وسبى في
الصقالبة (1).
وكان أبيض ضخم الهامة، شديد الشهلة، كث اللحية أبيضها، ربعة،

(1) تاريخ خليفة 403 - 409، الطبري حوادث سنة 105 و 114 و 126 و 127
و 132، الكامل في التاريخ: في السنوات المتقدمة عند الطبري، كتاب المجروحين
والضعفاء 3 / 14، تاريخ الاسلام: 5 / 222، 298، البداية 10 / 22، 42، 46.
(1) الصقالبة: جيل من الناس كانت مساكنهم إلى الشمال من بلاد البلغار، وانتشروا الآن
في كثير من بلاد شرق أوروبا، وهم المسمون الآن " بالسلاف ".
74

مهيبا، شديد الوطأة، أديبا، بليغا، له رسائل تؤثر.
ومع كمال أدواته لم يرزق سعادة، بل اضطربت الأمور، وولت دولتهم.
بويع بالإمامة في نصف صفر، سنة سبع وعشرين ومئة، ولما سمع بمقتل
الوليد في العام الماضي، دعا إلى بيعة من رضيه المسلمون، فبايعوه. فلما
بلغه موت يزيد الناقص، أنفق الأموال، وأقبل في ثلاثين ألف فارس، فلما
وصل إلى حلب، بايعوه، ثم قدم حمص، فدعاهم إلى بيعة وليي العهد:
الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وكانا في حبس الخليفة إبراهيم، فأقبل
معه جيش حمص، ثم التقى الجمعان بمرج عذراء (1)، وانتصر مروان، فبرز
إبراهيم وعسكر بميدان الحصا (2) فتفلل جمعه، فتوثب أعوانه فقتلوا وليي
العهد، ويوسف بن عمر في السجن وثار شباب دمشق بعبد العزيز بن
الحجاج بن عبد الملك فقتلوه، لكونه أمر بقتل الثلاثة، ثم أخرجوا من الحبس
أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية السفياني ووضعوه على المنبر في
قيوده، ليبايعوه، وبين يديه رأس عبد العزيز، فخطب وحض على الجماعة،
وأذعن بالبيعة لمروان، فسمع إبراهيم الخليفة فهرب، وآمن مروان الناس.
فأول من سلم عليه بالخلافة أبو محمد السفياني، وأمر بنبش يزيد
الناقص، وصلبه، وأما إبراهيم، فخلع نفسه، وكتب بالبيعة إلى مروان
الحمار، فآمنه، فسكن بالرقة خاملا.
قال المدائني: كان مروان عظيم المروءة، محبا للهو، غير أنه شغل
بالحرب، وكان يحب الحركة والسفر.

(1) مرج عذراء: يقع في شمال شرقي دمشق. يبعد عنها عشرين ميلا تقريبا. وبها قبر
الصحابي حجر بن عدي الكندي، وأصحابه الذين قتلهم معاوية. وفيها الآن مصنع
للسكر.
(2) وهو المكان الذي يسمى اليوم " الميدان الفوقاني " جنوب دمشق.
75

قال الوزير أبو عبيد الله: قال لي المنصور: ما كان أشياخك الشاميون
يقولون؟ قلت: أدركتهم يقولون: إن الخليفة إذا استخلف، غفر له ما مضى
من ذنوبه، فقال: إي والله، وما تأخر (1). أتدري ما الخليفة؟ به تقام الصلاة،
والحج والجهاد [ويجاهد العدو قال: فعدد من مناقب الخليفة ما لم أسمع
أحدا ذكر مثله، وقال: والله] (2) لو عرفت من حق الخلافة في دهر بني أمية ما
أعرف اليوم، لأتيت الرجل منهم فبايعته، فقال ابنه: أفكان الوليد منهم؟
فقال: قبح الله الوليد. ومن أقعده خليفة! قال: أفكان مروان منهم؟ فقال: لله
دره ما كان أحزمه وأسوسه، وأعفه عن الفئ. قال: فلم قتلتموه؟ قال: للامر
الذي سبق في علم الله تعالى.
قال خليفة (3): سار مروان لحرب المسودة (4) في مئة وخمسين ألفا، حتى نزل
بقرب الموصل، فالتقى هو وعبد الله بن علي عم المنصور، في جمادى
الآخرة، سنة اثنتين وثلاثين ومئة، فانكسر جمع مروان وفر، فاستولى عبد الله
على الجزيرة. ثم طلب الشام، ففر مروان إلى فلسطين، فلما سمع بأخذ
دمشق، سار إلى مصر وطلب الصعيد، ثم أدركوه وبيتوه ببوصير. فقاتل حتى
قتل.
وعاش اثنتين وستين سنة. قتل في ذي الحجة سنة اثنتين. وانتهت خلافة
بني أمية. وبويع السفاح قبل مقتل مروان الحمار بتسع أشهر.
ومن جبروت مروان، أن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري الأمير، كان قد

(1) غفران ما سلف من الذنوب لا يكون بالاستخلاف، وإنما يكون بالتوبة والإنابة،
والعمل الصالح، ومتابعة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما غفران ما تأخر منها فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم
بمقتضى النص.
(2) تاريخ الاسلام 5 / 299، والزيادة منه.
(3) تاريخ خليفة 403 - 404.
(4) هم العباسيون، وكان شعارهم السواد.
76

قاتله، ثم ظفر به، فأدخل عليه يوما، فاستدناه، ولف على إصبعه منديلا،
ورص عينه حتى سالت. ثم فعل كذلك بعينه الأخرى، وما نطق يزيد، بل
صبر، نسأل الله العافية.
وقيل: إن أم مروان الحمار كردية، يقال لها: لبابة جارية إبراهيم بن الأشتر.
أخذها محمد من عسكر إبراهيم، فولدت له مروان، ومنصورا وعبد الله.
ولما قتل مروان، هرب ابناه: عبد الله وعبيد الله إلى الحبشة، فقتلت
الحبشة عبيد الله، وهرب عبد الله، ثم بعد مدة، ظفر به المنصور، فاعتقله.
18 - السفاح *
الخليفة أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن حبر الأمة، عبد الله بن
عباس، بن عبد المطلب، بن هاشم بن عبد مناف، القرشي، الهاشمي،
العباسي. أول الخلفاء من بني العباس.
كان شابا، مليحا، مهيبا، أبيض، طويلا، وقورا.
هرب السفاح وأهله من جيش مروان الحمار، وأتوا الكوفة، لما استفحل
لهم الامر بخراسان، ثم بويع في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومئة. ثم
جهز عمه عبد الله [بن علي] في جيش، فالتقى هو ومروان الحمار على كشاف
فكانت وقعة عظيمة، ثم تفلل جمع مروان، وانطوت سعادته.
ولكن لم تطل أيام السفاح، ومات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومئة،
وعاش ثمانيا وعشرين سنة في قول.

تاريخ خليفة 409، 415، الطبري 7 / 421 وما بعدها، تاريخ بغداد 10 / 53، ابن
الأثير 5 / 408، فوات الوفيات 2 / 215 - 216، البداية 10 / 52 و 58، شذرات الذهب
1 / 183، 195.
77

وقال الهيثم بن عدي وابن الكلبي: عاش ثلاثا وثلاثين سنة، وقام بعده
المنصور أخوه.
وقيل: بل مولده سنة خمس ومئة، وقيل: خرج آل العباس هاربين إلى
الكوفة، فنزلوا على أبي سلمة الخلال، فآواهم في سرب (1) في داره. وكان أبو
مسلم قد استولى على خراسان، وعين لهم يوما يخرجون فيه، فخرجوا في
جمع كثيف من الخيالة، والحمارة والرجالة، فنزل الخلال إلى السرداب،
وصاح يا عبد الله، مد يدك، فتبارى إليه الاخوان. فقال: أيكما الذي معه
العلامة؟
قال المنصور: فعلمت أني أخرت، لاني لم يكن معي علامة، فتلا أخي
العلامة وهي: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم
أئمة.) الآية [القصص: 5] فبايعه أبو سلمة، وخرجوا جميعا إلى جامع
الكوفة، فبويع، وخطب الناس وهو يقول: فأملى الله لبني أمية حينا فلما آسفوه
انتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير.
وكان موعوكا، فجلس على المنبر، فنهض عمه داود من بين يديه، فقال: إنا
والله ما خرجنا لنحفر نهرا، ولا لنبني قصرا، ولا لنكثر مالا، وإنما خرجنا أنفة من
ابتزازهم حقنا، ولقد كانت أموركم تتصل بنا، لكم ذمة الله، وذمة رسوله، وذمة
العباس، أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونسير فيكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاعلموا أن هذا الامر فينا ليس بخارج عنا، حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم. (2)
فقام السيد الحميري وقال قصيدة. ثم نزل السفاح ودخل القصر، وأجلس
أخاه يأخذ بيعة العامة.
ومن كلامه: من شدد نفر، ومن لان تألف، ويقال: له هذان البيتان:

(1) السرب: حفير تحت الأرض لا منفذ له.
(2) اختصر المؤلف خطبة السفاح وعمه. انظرهما بتمامهما في الطبري 7 / 421،
428، ابن الأثير 5 / 411، 415.
78

يا آل مروان إن الله مهلككم * ومبدل أمنكم خوفا وتشريدا
لا عمر الله من أنسالكم أحدا * وبثكم في بلاد الله تبديدا
ثم تحول إلى الأنبار، وبها توفي.
وكان إذا علم بين اثنين تعاديا (1) لم يقبل شهادة ذا على ذا، ويقول: العداوة
تزيل العدالة.
ثم إن أبا مسلم جهز من قتل أبا سلمة الخلال الوزير بعد العتمة غيلة، بعد
أن قام من السمر عند السفاح، فقالت العامة: فتلته الخوارج، فقال سليمان بن
مهاجر البجلي:
إن المساءة قد تسر وربما * كان السرور بما كرهت جديرا
إن الوزير وزير آل محمد * أودى فمن يشناك كان وزيرا
قتل بعد البيعة بأربعة أشهر.
وقيل: وجه عبد الله بن علي عم السفاح مشيخة شاميين إلى السفاح
ليعجبه منهم، فحلفوا له: إنهم ما علموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة يرثونه سوى بني
أمية؟ حتى وليتم.
وعن السفاح قال: إذا عظمت القدرة، قلت الشهوة. قل تبرع إلا ومعه حق
مضاع الصبر حسن إلا عل ما أوتغ (2) الدين وأوهن السلطان.
قال الصولي: أحضر السفاح جوهرا من جوهر بني أمية، فقسمه بينه وبين
عبد الله بن حسن بن حسن، وكان يضرب بجود السفاح المثل، وكان إذا تعادى
اثنان من خاصته، لم يسمع من أحدهما في الآخر، ويقول: الضغائن تولد
العداوة.

(1) في الأصل " معاديا ".
(2) أوتغ: أفسد وأهلك.
79

وكان يحضر الغناء من وراء ستارة، كما كان يفعل أزدشير، ويجزل
العطاء.
ولما جئ برأس مروان الحمار، سجد لله وقال: أخذنا بثأر الحسين وآله،
وقتلنا مئتين من بني أمية بهم.
وقيل: إن السفاح أعطى عبد الله بن حسن بن حسن ألفي ألف درهم.
19 - عبد الكريم بن مالك * (ع)
الامام الحافظ، عالم الجزيرة، أبو سعيد الجزري، الحراني، مولى بني
أمية، وأصله من بلد إصطخر.
رأى أنس بن مالك، وعداده في صغار التابعين.
حدث عن سعيد بن المسيب، وطاووس، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن
جبر، وعكرمة، وعدة.
حدث عنه: ابن جريج، وشعبة، ومعمر، وفرات القزاز، وسفيان الثوري،
ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وآخرون سواهم.
روينا من طريق الشافعي، والقعنبي، وأبي مصعب، ويحيى بن بكير عن
مالك عن عبد الكريم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة حديث:

طبقات خليفة: 319، تاريخ البخاري 6 / 88، التاريخ الصغير: 2 / 6، الجرح
والتعديل 6 / 58 - 59 المجروحين والضعفاء 2 / 145، تهذيب الكمال (852)، تذكرة
الحفاظ 1 / 140، تهذيب التهذيب 6 / 373 - 375، شذرات الذهب 1 / 173. خلاصة
تذهيب الكمال 242.
80

" أتؤذيك هوامك " (1) في الفدية، ثم قال الشافعي: غلط مالك فيه، الحفاظ
حفظوه عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى.
قلت: قد رواه عن مالك - بإثبات مجاهد - إبراهيم بن طهمان، وابن وهب،
وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن الحسن الفقيه، وسماع هؤلاء منه
قديم. وأخرجه مسلم وغيره، من حديث ابن عيينة، عن عبد الكريم متصلا.
قال ابن سعد، وخليفة: عبد الكريم الجزري هو ابن عم خصيف لحا (2).
قال ابن سعد: عبد الكريم ثقة، كثير الحديث، وقال ابن معين: ثقة،
هكذا رواه النسائي عن معاوية بن صالح، عنه.
قال الكلاباذي: حديثه في تفسير: إقرأ، وفي النساء، والحج (3).
قال أبو عروبة الحراني: هو ثبت عند العارفين بالنقل، وهو خضرمي نزل
حران، وخضرمة، قرية باليمامة ينسبون إليها.
الحميدي عن سفيان قال: حدثنا عبد الكريم بن مالك، وكان حافظا،

(1) أخرجه البخاري 4 / 10 و 11 و 12 في الحج: باب قوله تعالى: (فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) وباب قوله تعالى: (أو صدقة)، وباب الاطعام في
الفدية نصف صاع. وباب النسك شاة. وفي المغازي: باب غزوة الحديبية، وفي التفسير:
باب فمن كان منكم مريضا، وفي المرضى: باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع، وفي
الطب: باب الحلق من الأذى، وفي الايمان والنذور، باب كفارات الايمان. ومسلم
(1201) في الحج: باب جواز حلق الرأس للمحرم، والموطأ 1 / 471 في الحج: باب
فدية من حلق قبل أن ينحر وأبو داود (1856) و (1857) و (1858) و (1859) و (1860)
و (1861) والترمذي رقم (953) والنسائي 5 / 194، 195 وأخرجه أيضا ابن ماجة رقم
(3079).
(2) يقال: هو ابن عمي لحا، إذا كان لازقا في النسب.
(3) أي في صحيح البخاري انظر الحديث رقم (4595) و (4958) و (3954).
سير 6 / 6
81

وكان من الثقات، لا يقول إلا سمعت، وحدثنا ورأيت.
وقال أحمد بن حنبل: عبد الكريم ثقة، هو أثبت من خصيف.
أحمد بن زهير، عن يحيى وسئل عن عبد الكريم الجزري فقال: ثقة،
وعبد الكريم الآخر ليس بشئ يعني ابن أبي المخارق، أبا أمية البصري.
قال الفسوي: قد روى مالك - وكان ينتقي الرجال - عن عبد الكريم
الجزري.
وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ثقة.
عباس الدوري عن ابن معين قال: حديث عبد الكريم عن عطاء ردئ، قال
ابن عدي: هو الحديث الذي رواه عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن
عطاء، عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ولا يتوضأ " (1).

(1) أخرجه البزار في مسنده. حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، حدثنا محمد بن
موسى بن أعين، حدثنا أبي، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة أن النبي
صلى الله عليه وسلم... " قال الزيلعي في " نصب الراية " 1 / 74 وعبد الكريم روى عنه مالك في الموطأ،
وأخرج له الشيخان وغيرهما. ووثقه ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة وغيرهم. وموسى بن
أعين مشهور، وثقة أبو زرعة، وأبو حاتم، وأخرج له مسلم، وأبوه مشهور روى له البخاري
وإسماعيل، روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الأسفراييني وأخرج له ابن خزيمة في
صحيحه، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ في الدراية ص 20: رجاله ثقات.
وقال عبد الحق الإشبيلي: لا أعلم له علة توجب تركه. ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من
قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء، حديث ردئ لأنه غير محفوظ، وانفراد
الثقة بالحديث لا يضره. وأخرج الحديث أبو داود (179) والترمذي (86) وابن ماجة
(502)، وأحمد 6 / 210، والطبري (9630) وغيرهم من طريق الأعمش، عن حبيب بن
أبي ثابت، عن عروة عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة
ولم يتوضأ. قال عروة: من هي إلا أنت؟ فضحكت.
ورجاله ثقات، وقد تابع حبيب بن أبي ثابت هشام بن عروة عند الدارقطني 1 / 50
فالحديث صحيح. وإلى هذا الحديث ذهب قوم فقالوا: لا ينتقض الوضوء بلمس المرأة.
يروى ذلك عن ابن عباس، وهو قول الحسن، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي. والمعني
بقوله تعالى: (أو لامستم النساء) الجماع دون غيره من معاني اللمس.
82

قلت: هذا غريب فرد، وليس هو بمحفوظ.
قال ابن عدي: عبد الكريم الجزري إذا روى عنه ثقة، فأحاديثه مستقيمة.
وقال سفيان بن عيينة: لزمت عبد الكريم سنة. قلت: وهذا يدل على سعة
علمه.
قال البخاري: قال لي علي عن ابن عيينة: لم أر مثله، ويقال: أصله من
إصطخر.
وقال ابن عيينة: هو ثقة رضي.
وقال علي بن المديني: ثبت، ثبت، ثقة.
وقال النفيلي وجماعة: توفي سنة سبع وعشرين ومئة.
قال ابن حبان: أتوقف فيه.
أما
19 - أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق * (ت، س، ق، م)
فضعيف الحديث، مؤدب يروي عن أنس، وعن مجاهد، وسعيد بن
جبير.
وعنه أيضا: مالك، والسفيانان، وحماد بن سلمة.
وكان يرى الارجاء مع تعبد وخشوع، يقال: اسم أبيه قيس.
قال النسائي والدارقطني: متروك.
وقال أحمد: ضربت على حديثه.
وقال ابن عبد البر: اغتر مالك ببكائه في المسجد، وروى عنه في
الفضائل.
قلت: اشترك هو والجزري في الرواية عن ابن جبير ومجاهد والحسن، وفي
موتهما، توفيا في عام واحد. وفي رواية مالك، والثوري، وابن جريج عنهما،
فربما اشتبها في بعض الأسانيد.

التاريخ الكبير 6 / 89، التاريخ الصغير 2 / 7، الجرح والتعديل 6 / 59، تهذيب الكمال:
850، تذهيب التهذيب 3 / 247، ميزان الاعتدال 2 / 646، تهذيب التهذيب 6 / 376،
خلاصة تذهيب الكمال: 242.
83

20 - كرز *
الزاهد القدوة، أبو عبد الله، كرز بن وبرة الحارثي، الكوفي، نزيل جرجان
وكبيرها، فإنه دخلها غازيا في سنة ثمان وتسعين، مع يزيد بن المهلب، فاتخذ
كرز بها مسجدا بقرب قبره.
حدث عن أنس بن مالك، والربيع بن خثيم، ونعيم بن أبي هند،
وطاووس، وطارق بن شهاب، ومجاهد وعطاء وغيرهم.
حدث عنه أبو طيبة عيسى بن سليمان الدارمي، وعبيد الله الوصافي،
وسفيان الثوري، ومختار التيمي، وابن شبرمة، ومحمد بن النضر الحارثي،
ومحمد بن الفضل بن عطية، ومحمد بن فضيل، وآخرون.
قال أبو نعيم الحافظ: كان يسكن جرجان، له الصيت البليغ في النسك
والتعبد.
أخبرنا إسحاق الصفار، أنبأنا يوسف الحافظ، أنبأنا أبو المكارم التيمي،
أنبأنا أبو علي المقري، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله
ابن أحمد، حدثنا شريح بن يونس، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه قال:
دخلت على كرز بيته، فإذا عند مصلاه حفيرة قد ملاها تبنا وبسط عليها كساء
من طول القيام، فكان يقرأ في اليوم والليلة القرآن ثلاث مرات (1).

حلية الأولياء 5 / 79 - 83.
(1) خير الهدي في هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يأذن بقراءة القرآن بأقل من ثلاث،
كما في " الصحيحين " من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وأخرج أبو داود في سننه
(1394) والترمذي (2950) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: " لم يفقه من قرأ القرآن
في أقل من ثلاث ". وإسناده صحيح. وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال عبد الله بن
مسعود فيما أخرجه سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح: اقرؤوا القرآن في سبع، ولا
تقرؤوه في أقل من ثلاث ".
84

وبه قال أبو نعيم: حدثنا ابن حيان، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد
الدورقي، حدثني سعيد أبو عثمان، سمعت ابن عيينة يقول: قال ابن شبرمة:
سأل كرز ربه أن يعطيه الاسم الأعظم، على ألا يسأل به شيئا من الدنيا فأعطي،
فسأل أن يقوى حتى يختم القرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات.
وبه حدثنا ابن مالك، حدثنا عبد الله، حدثنا شريح، حدثنا ابن فضيل،
عن أبيه، أو عن نفسه، قال: كان كرز إذا خرج أمر بالمعروف، فيضربونه حتى
يغشى عليه.
وروى ابن فضيل عن أبيه قال: لم يرفع كرز بصره إلى السماء أربعين سنة،
وكان له عود عند المحراب يعتمد عليه إذا نعس.
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني جرير بن زياد بن كرز الحارثي،
عن شجاع بن صبيح مولى كرز بن وبرة، قال: أخبرني أبو سليمان المكتب
قال: صحبت كرزا إلى مكة، فاحتبس يوما وقت الرحيل فانبثوا في طلبه،
فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة، وإذا سحابة تظله، فقال لي: اكتم
هذا واستحلفني.
قال أحمد: وحدثني جرير، عن النضر بن عبد الله، حدثتني روضة مولاة
كرز: قلت: من أين ينفق كرز؟ قالت: كان يقول لي: يا روضة إذ أردت
شيئا، فخذي من هذه الكوة. فكنت آخذ كلما أردت.
وأنشد ابن شبرمة:
لو شئت كنت ككرز في تعبده * أو كابن طارق حول البيت في الحرم
قد حال دون لذيذ العيش خوفهما * وسارعا في طلاب الفوز والكرم
عن فضيل بن غزوان: كان كرز يصلي حتى ترم قدماه، فيحفر الحفيرة - يعني
تحت رجليه. وقيل: كان كرز لا ينزل منزلا إلا ابتنى فيه مسجدا، فيصلي فيه.
85

وعن أبي حفص السائح، عن أبي بشر قال: كان كرز بن وبرة من أعبد
الناس، وكان قد امتنع من الطعام، حتى لم يوجد عليه من اللحم، إلا بقدر ما
يوجد على العصفور، وكان يطوي أياما كثيرة، وكان إذا دخل في الصلاة لا
يرفع طرفه يمينا، ولا شمالا. وكان من المحبين المخبتين لله، قد وله من
ذلك، فربما كلم فيجيب بعد مدة من شدة تعلق قلبه بالله، واشتياقه إليه.
ابن يمان عن سفيان، عن كرز قال: لا يكون العبد قارئا حتى يزهد في
الدرهم.
وعن عمرو بن حميد الدينوري، عن بعض أهل جرجان، عن أبيه، رأيت
في النوم: كأني أتيت على قبور أهل جرجان: فإذا هم جلوس على قبورهم،
عليهم ثياب بيض فقلت: يا أهل القبور مالكم؟ قالوا: إنا كسينا ثيابا جددا
لقدوم كرز بن وبرة علينا.
قلت: هكذا كان زهاد السلف وعبادهم، أصحاب خوف وخشوع، وتعبد
وقنوع، ولا يدخلون في الدنيا وشهواتها، ولا في عبارات أحدثها المتأخرون
من الفناء، والمحو، والاصطلام، والاتحاد، وأشباه ذلك، مما لا يسوغه كبار
العلماء.
فنسأل الله التوفيق والاخلاص، ولزوم الاتباع.
21 - عطاء السليمي *
البصري العابد، من صغار التابعين. أدرك أنس بن مالك، وسمع من
الحسن البصري، وجعفر بن زيد، وعبد الله بن غالب الزاهد.
واشتغل بنفسه عن الرواية.
روى عنه مرجى بن وداع، وإبراهيم بن أدهم، وخليد بن دعلج، وصالح

تاريخ البخاري 3 / 475، حلية الأولياء 6 / 215 - 226، تبصير المنتبه 2 / 746.
86

المري، وعبد الواحد بن زياد، وآخرون حكايات، وما أظنه روى شيئا مسندا.
وكان قد أرعبه فرط الخوف من الله.
روى جماعة عن بشر بن منصور قال: قلت لعطاء السليمي: أرأيت لو أن
نارا أشعلت، ثم قيل: من اقتحمها، نجا. ترى كان يدخلها أحد؟! قال: لو قيل
ذلك، لخشيت أن تخرج نفسي فرحا قبل أن أصل إليها.
قال نعيم بن مورع: أتينا عطاء السليمي فجعل يقول: ليت عطاء لم تلده
أمه، وكرر ذلك حتى اصفرت الشمس.
وكان يقول في دعائه: اللهم ارحم غربتي في الدنيا، وارحم مصرعي عند
الموت، وارحم قيامي بين يديك.
قال أحمد الدورقي: حدثنا علي بن بكار، قال: تركت عطاء السليمي،
فمكث أربعين سنة على فراشه لا يقوم من الخوف، ولا يخرج، وكان يوضأ
على فراشه.
وقال أبو سليمان الداراني: اشتد خوفه، فكان لا يسأل الجنة، بل يسأل
العفو.
ويقال: نسي عطاء القرآن من الخوف، ويقول: التمسوا لي أحاديث
الرخص ليخف ما بي.
وقيل: كان إذا بكى، بكى ثلاثة أيام بلياليها.
قال صالح المري: قلت له: يا شيخ قد خدعك إبليس، فلو شربت ما تقوى
به على صلاتك ووضوئك؟ فأعطاني ثلاثة دراهم، وقال: تعاهدني كل يوم
بشربة سويق. فشرب يومين وترك، وقال: يا صالح، إذا ذكرت جهنم، ما
يسعني طعام ولا شراب.
وقيل إنه بكى حتى عمش، وربما غشي عليه عند الموعظة.
87

وقيل: إنه شيع جنازة، فغشي عليه أربع مرات.
وعن خليد بن دعلج قال: كنا عند عطاء السليمي، فقيل له: إن ابن علي
قتل أربع مئة من أهل دمشق على دم واحد، فقال متنفسا: هاه، ثم خر ميتا.
وقيل: كان إذا جاء برق وريح، ورعد، قال: هذا من أجلي يصيبكم،
لو مت، استراح الناس. ولعطاء حكايات في الخوف وإزرائه على نفسه.
وقيل: إنه مات بعد الأربعين ومئة رحمة الله عليه.
22 - زيد بن أبي أنيسة * (ع)
الامام الحافظ الثبت، أبو أسامة الجزري الرهاوي، الغنوي، مولى آل
غني بن أعصر. كان عالم الجزيرة في زمانه، وهو من طبقة شعبة، ومالك،
لكنه قديم الموت، توفي كهلا في أيام بني أمية.
حدث عن الحكم بن عتيبة، وعطاء بن أبي رباح، وشهر بن حوشب،
وطلحة بن مصرف، وعمرو بن مرة، وعدي بن ثابت، وسعيد المقبري،
ونعيم المجمر، وأبي إسحاق السبيعي، وخلق كثير، حتى إنه يروي عن
أصحابه.
حدث عنه: أبو حنيفة، وعمرو بن الحارث، ومالك بن أنس، ومعقل بن
عبيد الله الجزري، وأبو عبد الرحيم خالد بن يزيد، وعبيد الله بن عمرو،
وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره.

طبقات ابن سعد 7 / 481، طبقات خليفة: 319، التاريخ الكبير للبخاري 3 / 388
التاريخ الصغير: 1 / 321، الجرح والتعديل: 3 / 556، تهذيب الكمال (449) تذكرة
الحفاظ 1 / 139، تهذيب التهذيب 3 / 397، 398. خلاصة تذهيب الكمال 127.
88

وقال النسائي: ليس به بأس.
قال ابن سعد: كان ثقة، فقيها، راوية للعلم، كثير الحديث.
قلت: كان يسكن مدينة الرها. وقع لي جزء من حديثه.
قيل: إنه لم يبلغ الأربعين.
قال الواقدي: مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: بل توفي سنة أربع
وعشرين ومئة، وفي تاريخ البخاري أنه عاش ستا وثلاثين سنة.
23 - ربيعة * (ع)
ابن أبي عبد الرحمن فروخ، الامام، مفتي المدينة، وعالم الوقت، أبو
عثمان.
ويقال: أبو عبد الرحمن القرشي التيمي، مولاهم المشهور بربيعة الرأي،
من موالي آل المنكدر.
روى عن أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب،
والحارث بن بلال بن الحارث، ويزيد مولى المنبعث، وحنظلة بن قيس
الزرقي، وعطاء بن يسار، والقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، وسالم بن
عبد الله، وعبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري، ومحمد بن يحيى بن
حبان، وعبد الرحمن الأعرج، وعدة.
وكان من أئمة الاجتهاد.
وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان التيمي، وسهيل بن أبي
صالح، وهم من أقرانه. وإسماعيل بن أمية، والأوزاعي، وشعبة، وعقيل بن

طبقات خليفة: 268، تاريخ البخاري 2 / 286، تاريخ بغداد 8 / 420، ثقات ابن
حبان 3 / 65، صفوة الصفوة 2 / 83، وفيات الأعيان 2 / 288، 290، تهذيب الكمال
(409)، تذكرة الحفاظ 1 / 157، ميزان الاعتدال 2 / 44، العبر 1 / 183، تهذيب التهذيب
2 / 258، خلاصة تذهيب الكمال 116، شذرات الذهب 1 / 194.
89

خالد، وعمرو بن الحارث، ومالك وعليه تفقه. وسفيان الثوري، وحماد بن
سلمة، وفليح بن سليمان، والليث بن سعد، ومسعر، وعمارة بن غزية، ونافع
القارئ، وإسماعيل بن جعفر، وأبو بكر بن عياش، وابن المبارك، وسفيان بن
عيينة، وأنس بن عياض الليثي، وخلق سواهم.
محمد بن كثير المصيصي، عن ابن عيينة قال: بكى ربيعة يوما، فقيل: ما
يبكيك؟ قال: رياء حاضر، وشهوة خفية. والناس عند علمائهم كصبيان في
حجور أمهاتهم، إن أمروهم ائتمروا، وإن نهوهم، انتهوا؟!
وروى ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن جميل قال: قال ربيعة: رأيت الرأي
أهون علي من تبعة الحديث.
قال الأويسي: قال مالك: كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليست
تشبه حالك. قال: وكيف؟ قال: أنا أقول برأي من شاء أخذه، ومن شاء
تركه، وأنت تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحفظ.
قال أبو ضمرة: وقف ربيعة على قوم يتذاكرون القدر، فقال ما معناه: إن
كنتم صادقين، فلما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم، إن كان الخير والشر
بأيديكم.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي في تاريخه: حدثني أبي قال: قال ربيعة:
وسئل كيف استوى؟ فقال: الكيف غير معقول، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا
التصديق.
وصح عن ربيعة، قال: العلم وسيلة إلى كل فضيلة.
قال مالك: قدم ربيعة على أمير المؤمنين، فأمر له بجارية، فأبى، فأعطاه
خمسة آلاف ليشتري بها جارية، فأبى أن يقبلها.
وعن ابن وهب: أنفق ربيعة على إخوانه أربعين ألف دينار، ثم جعل يسأل
90

إخوانه في إخوانه.
النسائي: حدثنا أحمد بن يحيى بن وزير، حدثنا الشافعي، حدثنا سفيان:
كنا إذا رأينا طالبا للحديث يغشى ثلاثة، ضحكنا منه، ربيعة، ومحمد بن أبي
بكر بن حزم، وجعفر بن محمد، لانهم كانوا لا يتقنون الحديث.
روى مطرف عن ابن أخي ابن هرمز: رأيت ربيعة، جلد وحلق رأسه
ولحيته. قال إبراهيم بن المنذر: كان سببه سعاية أبي الزناد به.
قال مطرف: سمعت مالكا يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة.
قلت: وكان من أوعية العلم، وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وجماعة.
وقال أحمد: أبو الزناد أعلم منه.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، ثبت، أحد مفتي المدينة.
قال أبو داود: ربيعة وعمر مولى غفرة ابنا خالة.
وقال مصعب الزبيري: كان يقال له: ربيعة الرأي، وكان صاحب الفتوى
بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس. كان يحصى في مجلسه أربعون
معتما.
وعنه أخذ مالك بن أنس.
وروى الليث عن يحيى بن سعيد قال: ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة بن
أبي عبد الرحمن.
وروى الليث عن عبيد الله بن عمر قال: هو صاحب معضلاتنا، وعالمنا،
وأفضلنا.
ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: مكث ربيعة دهرا
طويلا عابدا، يصلي الليل والنهار، صاحب عبادة، ثم نزع ذلك إلى أن جالس
القوم، قال: فجالس القاسم، فنطق بلب وعقل. قال: وكان القاسم إذا سئل
91

عن شئ، قال: سلوا هذا لربيعة، فإن كان في كتاب الله، أخبرهم به القاسم،
أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا قال: سلوا ربيعة أو سالما.
الحارث بن مسكين، عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم،
قال: كان يحيى بن سعيد، يجالس ربيعة، فإذا غاب ربيعة، حدثهم يحيى
أحسن الحديث. وكان كثير الحديث، فإذا حضر ربيعة، كف يحيى إجلالا
لربيعة، وليس ربيعة أسن منه، وهو فيما هو فيه، وكان كل واحد منهما مبجلا
لصاحبه.
وروى معاذ بن معاذ عن سوار بن عبد الله العنبري، قال: ما رأيت أحدا
أعلم من ربيعة الرأي. قلت: ولا الحسن وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن
سيرين.
ابن وهب عن عبد العزيز بن أبي سلمة، قال: لما جئت العراق جاءني
أهل العراق، فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي، فقلت: يا أهل العراق، تقولون
بيعة الرأي، والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه.
ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد، قال: صار ربيعة إلى فقه وفضل، وما
كان بالمدينة رجل أسخى بما في يديه لصديق، أو لابن صديق، أو لباغ يبتغيه
منه. كان يستصحبه القوم، فيأبى صحبة أحد، إلا أحدا لا يتزود معه، ولم
يكن في يده ما يحمل ذلك.
ابن وهب عن مالك، قال: لما قدم ربيعة على أمير المؤمنين أبي العباس،
أمر له بجائزة (1) فأبى أن يقبلها. فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية
حين أبى أن يقبلها، فأبى أن يقبلها.

(1) كذا في الأصل، وفي تهذيب الكمال. وقد تقدمت القصة في الصفحة تسعين
بلفظ " بجارية " وهو الصواب، وسياق القصة يدل عليه.
92

وحدثني مالك عن ربيعة قال: قال لي حين أراد العراق: إن سمعت أني
حدثتهم، أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا. قال: فكان كما قال. لما قدمها لزم بيته،
فلم يخرج إليهم، ولم يحدثهم بشئ حتى رجع.
قال أحمد بن عمران: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: دخلت المسجد،
فإذا ربيعة جالس، وقد أحدق به غلمان أهل الرأي، فسألته: أسمعت من أنس
شيئا؟ قال: حديثين.
قال أبو بكر الخطيب: كان ربيعة فقيها، عالما، حافظا للفقه والحديث.
قدم على السفاح الأنبار وكان أقدمه ليوليه القضاء. فيقال: إنه توفي بالأنبار،
ويقال: بل توفي بالمدينة.
وقال ابن سعد: توفي سنة ست وثلاثين ومئة بالمدينة فيما أخبرني به
الواقدي.
وقال يحيى بن معين وغيره: مات بالأنبار، وكان ثقة كثير الحديث، وكانوا
يتقونه لموضع الرأي. وكذا أرخه جماعة.
قال مطرف بن عبد الله، سمعت مالكا يقول: ذهبت حلاوة الفقه، منذ مات
ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
ذكر حكاية باطلة قد رويت: فأنبأنا المسلم بن محمد، أنبأنا الكندي، أنبأنا
القزاز، أنبأنا الخطيب، أنبأنا أبو القاسم الأزهري، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن
شاذان، أنبأنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي بمصر، حدثنا يحيى بن أبي
طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، حدثني مشيخة أهل المدينة:
أن فروخ والد ربيعة، خرج في البعوث إلى خراسان، أيام بني أمية غازيا،
وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار،
فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة، وهو راكب فرس، في يده رمح، فنزل
عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة، فقال: يا عدو الله، أتهجم
على منزلي؟ فقال: لا. وقال فروخ: يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي،
93

فتواثبا وتلبث كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران. فبلغ مالك بن
أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا
عند السلطان، وجعل فروخ يقول كذلك، ويقول: وأنت مع امرأتي. وكثر
الضجيج، فلما أبصروا بمالك، سكت الناس كلهم. فقال مالك: أيها
الشيخ: لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري. وأنا فروخ
مولى بني فلان. فسمعت امرأته كلامه، فخرجت، فقالت: هذا زوجي.
وهذا ابني الذي خلفته، وأنا حامل به، فاعتنقا جميعا، وبكيا: فدخل فروخ
المنزل وقال: هذا ابني؟ قالت: نعم. قال: فأخرجي المال الذي
عندك. وهذه معي أربعة آلاف دينار. قالت: المال قد دفنته، وأنا أخرجه بعد
أيام.
فخرج ربيعة إلى المسجد، وجلس في حلقته، وأتاه مالك بن أنس،
والحسن بن زيد، وابن أبي علي اللهبي، والمساحقي، وأشراف أهل
المدينة، وأحدق الناس به.
فقالت امرأته: اخرج صل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى، فنظر إلى
حلقة وافرة، فأتاه فوقف عليه، ففرجوا له قليلا، ونكس ربيعة رأسه، يوهمه أنه
لم يره، وعليه طويلة، فشك فيه أبو عبد الرحمن، فقال: من هذا الرجل؟ قالوا
له هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن. فقال: لقد رفع الله ابني. فرجع إلى
منزله، فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة، ما رأيت أحدا من أهل العلم
والفقه عليها. فقالت أمه: فأيما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار، أو هذا الذي هو
فيه من الجاه؟ قال: لا والله إلا هذا. قالت: فإني قد أنفقت المال كله عليه،
قال: فوالله ما ضيعته.
قلت: لو صح ذلك، لكان يكفيه ألف دينار في السبع والعشرين سنة، بل
94

نصفها، فهذه مجازفة بعيدة. ثم لما كان ربيعة ابن سبع وعشرين سنة، كان
شابا لا حلقة له، بل الدست لمثل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير،
ومشايخ ربيعة. وكان مالك لم يولد بعد أو هو رضيع. والطويلة: إنما أخرجها
للناس المنصور بعد موت ربيعة. والحسن بن زيد وإنما كبر واشتهر بعد ربيعة
بدهر. وإسنادها منقطع. ولعله قد جرى بعض ذلك.
قرأت على أبي المعالي: أنبأنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أبو هريرة محمد بن
الليث اللبان، وزيد بن هبة الله البيع ببغداد، قالا: أنبأنا أبو القاسم أحمد بن
المبارك بن عبدا لباقي بن قفرجل، أنبأنا عاصم بن الحسن، أنبأنا عبد الواحد
ابن محمد، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي إملاء، حدثنا أحمد بن
إسماعيل، حدثنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس
الزرقي، أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: " نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض. فقلت: أبا لذهب والورق؟ قال: أما الذهب والورق،
فلا بأس به ".
هذا حديث صحيح عال، أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود
عن قتيبة، كلاهما عن مالك بن أنس (1).
قال ابن القاسم، عن مالك: قدم الزهري فأخذ بيد ربيعة، ودخلا المنزل،
فما خرجا إلى العصر، وخرج ابن شهاب يقول: ما ظننت أن بالمدينة مثل
ربيعة. وخرج ربيعة وهو يقول نحو ذلك.
قال أحمد بن صالح: حدثنا عنبسة، عن يونس، شهدت أبا حنيفة في

(1) الموطأ 2 / 711 في أول كتاب " كراء الأرض "، ومسلم (1547) (115) في البيوع باب
كراء الأرض بالذهب والورق، وأخرجه أبو داود (3393) في البيوع: باب في المزارعة.
95

مجلس ربيعة، مجهوده أن يفهم ما يقول ربيعة.
مطرف بن عبد الله، عن ابن أخي يزيد بن هرمز، أن رجلا سأل ابن هرمز
عن بول الحمار. فقال: نجس. قال: فإن ربيعة لا يرى به بأسا، قال: لا
عليك ألا تذكر هنات ربيعة، فلربما تكلمنا في المسألة نخالفه فيها، ثم نرجع
إلى قوله بعد سنة.
قال مالك: اعتممت وما في وجهي شعرة، ولقد رأيت في مجلس ربيعة
بضعة وثلاثين معتما.
قال عبد العزيز بن الماجشون: والله ما رأيت أحوط لسنة من ربيعة.
وقال مالك: كان ربيعة أعجل شئ جوابا.
24 - أبو حازم * (ع)
سلمة بن دينار، الامام القدوة، الواعظ، شيخ المدينة النبوية أبو حازم
المديني، المخزومي، مولاهم الأعرج، الأفزر (1)، التمار، القاص، الزاهد.
وقيل ولاؤه لبني ليث. ولد في أيام ابن الزبير وابن عمر.
وروى عن سهل بن سعد، وأبي أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيب، وعبد
الله بن أبي قتادة، والنعمان بن أبي عياش، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأم
الدرداء، وعمارة بن عمرو بن حزم، وعبيد الله بن مقسم، ومسلم بن قرط،

طبقات خليفة: 264، تاريخ البخاري 2 / 78، التاريخ الصغير: 2 / 47، الجرح
والتعديل 4 / 159، حلية الأولياء 3 / 229، تهذيب الكمال (524)، تذكرة الحفاظ 1 / 133،
تهذيب التهذيب 4 / 143، تهذيب ابن عساكر 6 / 216، 228. خلاصة تذهيب الكمال
147.
(1) الأفزر: هو الأحدب الذي في ظهره عجرة عظيمة.
96

ومحمد بن المنكدر، وأبي مرة مولى عقيل، وبعجة بن عبد الله الجهني،
وعدة.
وروى عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وذلك منقطع.
روى عنه ابن شهاب، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وعمارة بن غزية، وزيد
ابن أبي أنيسة، وعبيد الله بن عمر، والحمادان، والسفيانان، ومالك،
وسليمان بن بلال، وأبو غسان محمد بن مطرف، وموسى بن يعقوب، وهشام
ابن سعد، وفضيل بن سليمان، والدراوردي، وعمر بن علي المقدمي، وعبد
العزيز بن أبي حازم وخلق سواهم.
وثقه ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم. وقال ابن خزيمة: ثقة، لم يكن في
زمانه مثله.
قال يحيى الوحاظي: قلت لابن أبي حازم: أسمع أبوك من أبي هريرة؟
قال: من حدثك أن أبي سمع من أحد من الصحابة غير سهل بن سعد، فقد
كذب.
قال ابن عيينة عن أبي حازم: إني لأعظ، وما أرى موضعا، وما أريد إلا
نفسي.
وروى ابن عيينة عنه قال: اشتدت مؤنة الدين والدنيا، قيل: وكيف؟ قال:
أما الدين، فلا تجد عليه أعوانا، وأما الدنيا، فلا تمد يدك إلى شئ منها إلا
وجدت فاجرا قد سبقك إليه.
وقال عنه أيضا: ليس للملوك صديق، ولا للحسود راحة، والنظر في
العواقب تلقيح العقول.
قال سفيان: فذاكرت الزهري هذه الكلمات، فقال: كان أبو حازم جاري،
وما ظننت أنه يحسن مثل هذا.
97

وروى عبيد الله بن عمر عن أبي حازم قال: لا تكون عالما حتى يكون فيك
ثلاث خصال: لا تبغ على من فوقك، ولا تحقر من دونك، ولا تأخذ على علمك
دنيا.
وروى يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: ما أحببت أن يكون معك
في الآخرة، فاتركه اليوم. وقال: انظر كل عمل كرهت الموت من أجله، فاتركه
ثم لا يضرك متى مت.
وقال: يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة. وقال: انظر الذي يصلحك
فاعمل به، وإن كان فسادا للناس، وانظر الذي يفسدك فدعه، وإن كان
صلاحا للناس.
وعنه قال: شيئان إذا عملت بهما، أصبت خير الدنيا والآخرة، لا أطول
عليك، قيل ما هما؟ قال: تحمل ما تكره إذا أحبه الله، وتترك ما تحب إذا كرهه
الله.
وعنه: نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا، أعظم من نعمته فيما أعطاني
منها، لاني رأيته أعطاها قوما فهلكوا.
وروى محمد بن إسماعيل الصنعاني، عن ابن عيينة، قال أبو حازم
لجلسائه، وحلف لهم: لقد رضيت منكم أن يبقي أحدكم على دينه كما يبقي
على نعله.
أبو الوليد الطيالسي عن ابن عيينة، سمعت أبا حازم يقول: لا تعادين
رجلا، ولا تناصبنه حتى تنظر إلى سريرته بينه وبين الله، فإن يكن له سريرة
حسنة، فإن الله لم يكن ليخذله بعداوتك. وإن كانت له سريرة رديئة، فقد
كفاك مساوئه. ولو أردت أن تعمل به أكثر من معاصي الله، لم تقدر.
وروى يحيى بن محمد المدني، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قلت
98

لأبي حازم: إني لأجد شيئا يحزنني، قال: وما هو يا ابن أخي؟ قلت: حبي
للدنيا. قال: اعلم أن هذا لشئ ما أعاتب نفسي على بعض شئ حببه الله
إلي لان الله قد حبب هذه الدنيا إلينا. لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا:
ألا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئا من شئ يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئا من
شئ أحبه الله. فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها.
ضمرة بن ربيعة، عن ثوابة بن رافع، قال: قال أبو حازم: وما إبليس؟ لقد
عصي فما ضر، ولقد أطيع فما نفع.
وعنه: ما الدنيا؟ ما مضى منها، فحلم، وما بقي منها، فأماني.
وروى يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: السيئ الخلق أشقى
الناس به نفسه التي بين جنبيه، هي منه في بلاء. ثم زوجته، ثم ولده، حتى إنه
ليدخل بيته، وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته فينفرون عنه، فرقا منه.
وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار،
حتى إن قطه ليفر منه.
روى أبو نباتة المدني، عن محمد بن مطرف، قال: دخلنا على أبي حازم
الأعرج، لما حضره الموت، فقلنا: كيف تجدك؟ قال: أجدني بخير، راجيا
لله، حسن الظن به. إنه والله ما يستوي من غدا أو راح يعمر عقد الآخرة لنفسه
فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها، فيقوم لها وتقوم له،
ومن غدا أو راح في عقد الدنيا يعمرها لغيره، ويرجع إلى الآخرة لاحظ له فيها
ولا نصيب.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما رأيت أحدا، الحكمة أقرب إلى فيه
من أبي حازم.
يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: تجد الرجل يعمل
99

بالمعاصي، فإذا قيل له: أتحب الموت؟ قال: لا. وكيف وعندي ما عندي؟
فيقال له: أفلا تترك ما تعمل؟ فيقول: ما أريد تركه، ولا أحب أن أموت حتى
أتركه.
ابن عيينة، عن أبي حازم قال: وجدت الدنيا شيئين: فشيئا هو لي، وشيئا
لغيري. فأما ما كان لغيري، فلو طلبته بحيلة السماوات والأرض لم أصل
إليه. فيمنع رزق غيري مني، كما يمنع رزقي من غيري.
يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: كل عمل تكره من أجله
الموت فاتركه، ثم لا يضرك متى مت.
محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم قال: لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله،
إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد. ولا يعور ما بينه وبين الله إلا عور فيما بينه
وبين العباد. لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها. إنك إذا
صانعته مالت الوجوه كلها إليك، وإذا استفسدت ما بينه، شنئتك الوجوه كلها.
وعن أبي حازم قال: اكتم حسناتك، كما تكتم سيئاتك.
سفيان بن وكيع، حدثنا ابن عيينة قال: دخل أبو حازم على أمير المدينة،
فقال له: تكلم. قال له: انظر الناس ببابك، إن أدنيت أهل الخير، ذهب أهل
الشر، وإن أدنيت أهل الشر، ذهب أهل الخير.
وقال أبو حازم: لأنا من [أن] (1) أمنع من الدعاء أخوف مني أن أمنع الإجابة.
وقال: إن الرجل ليعمل السيئة، ما عمل حسنة قط أنفع له منها، وكذا في
الحسنة.
وعن أبي حازم قال: خصلتان، من يكفل لي بهما؟ تركك ما تحب،
واحتمالك ما تكره.

(1) زيادة على الأصل يقتضيها السياق.
100

وقيل: إن بعض الامراء أرسل إلى أبي حازم، فأتاه وعنده الزهري
والإفريقي، وغيرهما، فقال: تكلم يا أبا حازم. فقال أبو حازم: إن خير
الامراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الامراء.
وعن أبي حازم قال: إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه،
فاحذره، وإذا أحببت أخا في الله، فأقل مخالطته في دنياه.
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: أبو حازم أصله فارسي، وأمه رومية، وهو
مولى بني ليث، وكان أشقر، أفزر، أحول.
وقال ابن سعد: كان يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة،
ومات في خلافة أبي جعفر، بعد سنة أربعين ومئة. قال: وكان ثقة كثير
الحديث.
وقال الفلاس والترمذي: مات سنة ثلاث وثلاثين.
وقال خليفة: سنة خمس وثلاثين. وقال الهيثم: مات سنة أربعين ومئة.
وقال يحيى بن معين: مات سنة أربع وأربعين ومئة.
قلت: آخر من حدث عنه أنس بن عياض الليثي، وحديثه في الكتب
الستة.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا عبد الصمد بن محمد الحاكم، أنبأنا
علي بن المسلم الفقيه، أنبأنا الحسين بن محمد الخطيب، أنبأنا محمد بن
أحمد الصيداوي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي عباد الصفار بالرملة،
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نابه في صلاته شئ، فليقل سبحان الله، إنما
التصفيق للنساء والتسبيح للرجال ".
101

هذا حديث صحيح، أخرجه ابن ماجة (1) عن الثقة، عن سفيان بن عيينة،
وهو في صحيح البخاري. من طريق الثوري، عن أبي حازم الأعرج.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد قالا: أنبأنا موسى بن عبد
القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا محمد بن عبد
الرحمن الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا خلف بن هشام، حدثنا
العطاف بن خالد، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " غدوة في سبيل الله أو روحة في سبيل الله، خير من الدنيا وما
فيها، وموضع سوط في الجنة، خير من الدنيا وما فيها " (2).
أخرجه الترمذي، من حديث العطاف، وصححه، وهو في البخاري

(1) رقم (1035) في إقامة الصلاة: باب التسبيح للرجال في الصلاة، والتصفيق للنساء
من حديث هشام بن عمار، وسهل بن أبي سهل قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي
حازم، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " التسبيح للرجال، والتصفيق
للنساء ". وأخرجه مطولا مالك في الموطأ 1 / 163 و 164 في قصر الصلاة في السفر: باب
الالتفات والتصفيق عند الحاجة: عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. وأخرجه البخاري
2 / 139، 141 في الجماعة: باب من دخل ليؤم الناس. من طريق عبد الله بن يوسف،
ومسلم (421) في الصلاة: باب تقديم الجماعة من يصلي بهم، من طريق يحيى بن
يحيى، وأبو داود (940) في الصلاة: باب التصفيق في الصلاة، من طريق القعنبي،
ثلاثتهم عن مالك، عن أبي حازم عن سهل بن سعد. وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لي
رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شئ في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما
التصفيق للنساء ".
(2) أخرجه الترمذي (1648) في فضائل الجهاد: باب ما جاء في فضل الغدو والرواح
في سبيل الله. وأخرجه البخاري في الجهاد: باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وباب
فضل رباط يوم في سبيل الله، وفي بدء الخلق: باب ما جاء في صفة الجنة. وفي الرقاق:
باب مثل الدنيا والآخرة. ومسلم رقم (1881) في الامارة: باب فضل الغدوة والروحة في
سبيل الله.
102

ومسلم من رواية عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه.
25 - عبد العزيز بن صهيب * (ع)
البناني، البصري، الأعمى، الحافظ.
حدث عن أنس بن مالك، وأبي نضرة العبدي، وشهر بن حوشب.
روى عنه: شعبة، والثوري، وحماد بن زيد، وهشيم، وعبد الوارث،
والمبارك بن سحيم، وسفيان بن عيينة وآخرون.
وثقه أحمد بن حنبل وغيره، وما هو بالمكثر.
مات سنة ثلاثين ومئة. وقع لنا من عواليه.
26 - عبد الله بن طاووس * * (ع)
الامام المحدث، الثقة، أبو محمد اليماني.
سمع من أبيه وأكثر عنه، ومن عكرمة، وعمرو بن شعيب، وعكرمة بن
خالد المخزومي، وجماعة، ولم يأخذ عن أحد من الصحابة، ويسوغ أن يعد
في صغار التابعين لتقدم وفاته.
حدث عنه: ابن جريج، ومعمر، والثوري، وروح بن القاسم، ووهيب بن
خالد، وسفيان بن عيينة، وآخرون. وثقوه.
وقال معمر: كان من أعلم الناس بالعربية، وأحسنهم خلقا، ما رأينا ابن
فقيه مثله.

طبقات خليفة: 216، تاريخ خليفة: 395، الجرح والتعديل 5 / 384 - 385،
ثقات ابن حبان 3 / 165، تهذيب الكمال (842)، تاريخ البخاري 6 / 14، تهذيب
التهذيب 6 / 341 - 342، خلاصة تذهيب الكمال 240.
(* *) تاريخ البخاري 5 / 123، التاريخ الصغير: 2 / 29، الجرح والتعديل 5 / 88، 89،
تهذيب الكمال 697 - 698، تهذيب التهذيب 5 / 267 - 268. خلاصة تذهيب الكمال
202.
103

ذكر القاضي شمس الدين في ترجمة طاووس (1): أن المنصور طلب ابن
طاووس، ومالك بن أنس، قال: فصدعه ابن طاووس بكلام.
فهذا لا يتجه، لان ابن طاووس مات في سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وذلك
قبل دولة المنصور بل في هذه السنة قتل آخر الخلفاء الأموية، مروان الحمار،
وقام فيها السفاح، والله أعلم.
27 - عمرو بن عبيد *
الزاهد، العابد، القدري، كبير المعتزلة، وأولهم، أبو عثمان البصري.
له عن أبي العالية وأبي قلابة، والحسن البصري.
وعنه: الحمادان، وعبد الوارث، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان،
وعبد الوهاب الثقفي، وعلي بن عاصم، وقريش بن أنس، ثم تركه القطان.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال حفص بن غياث: ما لقيت أزهد منه، وانتحل ما انتحل.
وقال ابن المبارك: دعا إلى القدر فتركوه.
وقال معاذ بن معاذ: سمعت عمرا يقول: إن كانت (تبت يدا أبي لهب)
في اللوح المحفوظ، فما لله على ابن آدم حجة. وسمعته ذكر حديث الصادق
المصدوق، فقال: لو سمعت الأعمش يقوله لكذبته إلى أن [قال]: ولو

(1) وفيات الأعيان 2 / 511.
ثقات ابن حبان 3 / 147، كتاب المجروحين 2 / 69، مروج الذهب 3 / 313،
طبقات المعتزلة (35)، المرتضى 1 / 164، 171، 173، 178، تاريخ بغداد 12 / 162 -
178، شرح المقامات للشريشي 1 / 332، وفيات الأعيان 3 / 460 - 462، تهذيب الكمال
(1045)، تاريخ الاسلام 6 / 107، 110، ميزان الاعتدال 3 / 273 - 280، العبر 1 / 193،
البداية والنهاية 10 / 73، 80، غاية النهاية 1 / 602، تهذيب التهذيب 8 / 30، شذرات
الذهب 1 / 210. خلاصة تذهيب الكمال 109.
104

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله لرددته.
وقال عاصم الأحول: نمت فرأيت عمرو بن عبيد يحك آية، فلمته. فقال:
أعيدها. قلت: أعدها، فقال: لا أستطيع.
وقال حماد بن زيد: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد، روى عن الحسن، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ". قال: كذب.
قال ابن علية: أول من تكلم في الاعتزال واصل الغزال، فدخل معه عمرو
ابن عبيد، فأعجب به وزوجه أخته.
وذكر محمد بن عبد الله الأنصاري، أنه رأى عمرو بن عبيد في النوم قد
مسخ قردا.
وقد كان المنصور يعظم ابن عبيد ويقول:
كلكم يمشي رويد * كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
قلت: اغتر بزهده وإخلاصه، وأغفل بدعته.
قال الخطيب: مات بطريق مكة سنة ثلاث. وقيل: سنة أربع وأربعين
ومئة.
قال أحمد بن أبي خيثمة في " تاريخه ": سمعت ابن معين يقول: كان عمرو
ابن عبيد من الدهرية (1)
وقال سلام بن أبي مطيع: أنا للحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد.

(1) علق المؤلف رحمه الله في " الميزان " على هذه الكلمة فقال: لعن الله الدهرية
فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا.
105

قد استوفيت ترجمته في " تاريخ الاسلام ".
وقد رثاه المنصور. وله كتاب العدل، والتوحيد، وكتاب الرد على
القدرية يريد السنة. ومن كتاب تلامذته: عثمان بن خالد الطويل شيخ
العلاف، وأبو حفص، عمر بن أبي عثمان الشمزي.
28 - داود بن الحصين * (ع)
الفقيه أبو سليمان الأموي مولاهم المدني.
حدث عن أبيه وعكرمة، والأعرج، وأبي سفيان مولى ابن أبي أحمد.
حدث عنه: ابن إسحاق، ومالك، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير،
وإبراهيم بن أبي حبيبة، وعدة.
وثقه يحيى بن معين مطلقا. وقال النسائي وغيره: ليس به بأس، وقال ابن
عيينة: كنا نتقي حديثه. وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة فمنكر، وقال
أبو زرعة، لين. وقال أبو حاتم: لولا أن مالكا روى عنه، لترك حديثه.
وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير، وقال ابن حبان: كان يرى
الخروج.
وتكلم الترمذي في حفظه (1).
قلت: نزل عكرمة في بيت داود، وتوفي عنده.

طبقات خليفة (259 تاريخ خليفة (411)، تاريخ البخاري 3 / 231. الجرح والتعديل 3 / 408 -
409، تهذيب الكمال: 384)، ميزان الاعتدال 2 / 5 - 6، العبر 1 / 182، تهذيب التهذيب 3 / 181،
182، شذرات الذهب 1 / 192. خلاصة تذهيب الكمال 109.
(1) وتمحيص القول فيه: أنه ثقة إلا في روايته عن عكرمة.
106

29 - عبد الملك بن أبي سليمان * (خت م 4)
الامام الحافظ أبو محمد، وقيل أبو عبد الله، وأبو سليمان العرزمي (1) الكوفي
نزل جبانة عرزم فنسب إليها. وعرزم إنسان أسود. واسم أبي سليمان ميسرة.
حدث عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأنس بن سيرين، وأبي
الزبير، وعبد الله بن كيسان، وعبد الملك بن أعين، ومسلم بن يناق، وزبيد
اليامي، وسلمة بن كهيل، وعبد الله بن عطاء، وأبي حمزة اليماني.
لم يزد صاحب تهذيب الكمال على هؤلاء.
وعنه: الثوري، وزائدة، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، وعلي بن
مسهر، وهشيم، ويحيى القطان، وخالد بن عبد الله، وحفص بن غياث،
وإسحاق بن يوسف، وابن نمير، وابن فضيل، ويزيد بن هارون، ويعلى بن
عبيد، وخلق آخرهم موتا عبد الرزاق. وليس هو بالمكثر، وكان يوصف
بالحفظ.
ابن المديني، عن عبد الرحمن قال: كان شعبة يعجب من حفظ عبد
الملك.
وروى نوفل بن المطهر، عن ابن المبارك، عن سفيان، قال: حفاظ
الناس: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن
سعيد الأنصاري، وحفاظ البصريين ثلاثة: سليمان التيمي، وعاصم الأحول،
وداود بن أبي هند، وكان عاصم أحفظهم.

طبقات خليفة (167)، تاريخ خليفة (423)، تاريخ البخاري 5 / 417، التاريخ
الصغير 2 / 83 - 85، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 290، تهذيب الكمال 858، تذكرة
الحفاظ 1 / 155، ميزان الاعتدال 2 / 656، تذهيب التهذيب 2 / 249، العبر 1 / 204،
تهذيب التهذيب 6 / 396 - 398، خلاصة تذهيب الكمال 244، شذرات الذهب 1 / 216.
(1) العرزمي: بفتح العين، وسكون الراء وفتح الزاي، وفي آخرها ميم نسبة إلى عرزم بطن
من فزارة.
107

وقال سفيان الثوري: حدثني الميزان، عبد الملك بن أبي سليمان - وأشار
سفيان بيده كأنه يزن - وقال ابن المبارك: عبد الملك بن أبي سليمان ميزان.
وقال أبو داود: قلت لأحمد: عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: ثقة.
قلت: يخطئ؟ قال: نعم، وكان من أحفظ أهل الكوفة، إلا أنه رفع أحاديث
عن عطاء.
وسئل يحيى بن معين، عن حديث عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الشفعة (1)، فقال: لم يحدث به إلا عبد الملك، وقد أنكره عليه الناس، ولكن
عبد الملك ثقة، صدوق، لا يرد على مثله، قلت: تكلم فيه شعبة لهذا
الحديث.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: هذا حديث منكر (2). قال محمد

(1) وهو ما أخرجه أبو داود (3518)، والترمذي (1369)، وابن ماجة (2494) من
طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجار
أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا " وهذا سند قوي. قال
الترمذي: حسن غريب، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان
وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث. ولا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل
هذا الحديث.
(2) وقد رد ذلك ابن الجوزي في " التنقيح " فيما نقله الزيلعي في " نصب الراية " 4 / 174
بأنه حديث صحيح، وأنه لا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، وهي: " الشفعة في كل
ما لا يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " فإن في حديث عبد الملك إذا كان طريقهما
واحدا - وحديث جابر المشهور، لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرق.
فنقول: إذا اشترك الجاران في المنافع: كالبئر، أو السطح، أو الطريق، فالجار أحق بسقب
جاره، لحديث عبد الملك. وإذا لم يشتركا في شئ من المنافع، فلا شفعة، لحديث جابر
المشهور.
وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح فيه فإنه ثقة، وشعبة لم يكن من
الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، إنما كان حافظا. وغير شعبة إنما
طعن فيه تبعا لشعبة.
108

ابن عثمان بن أبي صفوان، عن أمية بن خالد، قلت لشعبة: مالك لا تحدث
عن عبد الملك بن أبي سليمان، فقال: تركت حديثه. قلت: تحدث عن محمد
ابن عبيد الله العرزمي، وتدع عبد الملك، وقد كان حسن الحديث؟ قال: من
حسنها فررت.
قال الخطيب: أساء شعبة في اختياره لمحمد، وتركه عبد الملك، لان
محمد بن عبيد الله لم يختلف أئمة الأثر في ذهاب حديثه، وسقوط روايته،
وثناؤهم على عبد الملك مستفيض.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه: أنه ثقة. وقال العجلي: ثقة ثبت. وقال
ابن عمار: ثقة حجة. وقال أبو نعيم: حدثنا سفيان عن عبد الملك. ثم قال
الفسوي: ثقة، متقن، فقيه.
قال أبو نعيم: مات سنة خمس وأربعين ومئة.
أخبرنا أحمد بن عبد الكريم، أنبأنا نصر بن جرو، أنبأنا أبو طاهر السلفي،
أنبأنا أبو البقاء الحبال، أنبأنا زيد بن جعفر، حدثنا محمد بن علي بن دحيم،
حدثنا أحمد بن حازم، أنبأنا يعلى بن عبيد، عن عبد الملك بن أبي سليمان،
عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا
بيوتكم قبورا وصلوا فيها " (1)

(1) وأخرجه أحمد 4 / 114 و 5 / 192 من حديث زيد بن خالد الجهني، وإسناده
صحيح. وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري 1 / 441، ومسلم (777)، والترمذي
(451)، والنسائي 3 / 197 بلفظ " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا ".
109

30 - عطاء بن السائب * (4)
الامام الحافظ، محدث الكوفة، أبو السائب، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو
يزيد، وأبو محمد الكوفي.
عن أبيه السائب بن زيد، وقيل: ابن يزيد، وقيل: ابن مالك الثقفي،
مولاهم، وعن أنس بن مالك - ولم يثبت أنه سمع منه، وقد جاء بإدخال يزيد
الرقاشي بينهما - وعن عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي
وائل، ومرة الطيب، وعمرو بن ميمون الأودي، ومجاهد وأبي (1) البختري
الطائي، وذر بن عبد الله، وأبي عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير، وعبد
الله بن بريدة، وعكرمة، والحسن، وأبي ظبيان، وسالم البراد وخلق كثير.
وكان من كبار العلماء، لكنه ساء حفظه قليلا في أواخر عمره.
حدث [عنه] إسماعيل بن أبي خالد، وهو من طبقته، والثوري، وابن
جريج، وأبو جعفر الرازي، وروح بن القاسم، والحمادان، وموسى بن
أعين، وأبو عوانة، وجعفر بن سليمان، وأبو الأحوص، وشعبة، وشريك،
وعبيدة بن حميد، وابن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، وزائدة، وزهير بن
معاوية، وابن عيينة، وهشيم، وأبو إسحاق الفزاري، وعلي بن عاصم، وابن
علية، وخلق كثير.
قال ابن عينة: حدثني بعض أصحابنا، أن أبا إسحاق كان يسأل عن عطاء
ابن السائب، فيقول: إنه من البقايا.

طبقات ابن سعد 6 / 338، تاريخ خليفة (415) طبقات خليفة (164)، تاريخ
البخاري 6 / 465، التاريخ الصغير 2 / 39، 45، الجرح والتعديل 6 / 332 - 334، ثقات
ابن حبان 3 / 190، تهذيب الكمال (939 - 940)، ميزان الاعتدال 3 / 70 - 73، تهذيب
التهذيب 7 / 203، خلاصة تهذيب الكمال 266، شذرات الذهب 1 / 194.
(1) في الأصل " ابن " هو تحريف، واسم أبي البختري: سعيد بن فيروز.
110

وروى إبراهيم بن مهدي، عن حماد بن زيد قال: آتينا أيوب، فقال:
اذهبوا، فقد قدم عطاء بن السائب من الكوفة. وهو ثقة، اذهبوا إليه، فسلوه
عن حديث أبيه في التسبيح. (1)
علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد قال: ما سمعت أحدا يقول في
عطاء بن السائب شيئا قط في حديثه القديم، وما حدث سفيان وشعبة عنه
صحيح، إلا حديثين. كان شعبة يقول: سمعتهما بأخرة عن زاذان.
أحمد بن سنان عن عبد الرحمن قال: ليث بن أبي سليم، وعطاء بن
السائب، ويزيد بن أبي زياد، ليث أحسنهم حالا عندي.
وروى عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، وذكر الثلاثة، فقال: يزيد أحسنهم
استقامة في الحديث ثم عطاء. قال أحمد بن حنبل: عطاء ثقة ثقة، رجل
صالح، وقال: من سمع منه قديما كان صحيحا، ومن سمع منه حديثا لم يكن
بشئ، سمع منه قديما شعبة، وسفيان. وسمع منه حديثا: جرير وخالد بن عبد
الله، وإسماعيل وعلي بن عاصم، وكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن
يرفعها.

(1) أخرجه أبو داود (1502) من حديث الأعمش، عن عطاء بن السائب عن أبيه، عن
عبد الله بن عمرو، قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه " وإسناده صحيح. فإن
رواية الأعمش عن عطاء قديمة، وهو من أقرانه وقد تابعه حماد بن زيد عند ابن حبان
(2343) وهو ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط. وأخرجه مطولا أحمد 2 / 160، 161 و 204
و 205، وأبو داود (5065) والنسائي 3 / 74 و 75 بلفظ " خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما
عبد مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبح في دبر كل صلاة عشرة،
ويحمد عشرة، ويكبر عشرة، فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان.
ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويسبح ثلاثا وثلاثين، فذلك
مئة في اللسان وألف في الميزان. فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده. قالوا: يا رسول
الله كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتي أحدكم - يعني الشيطان - في منامه
فينومه قبل أن يقوله، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولها ". وإسناده صحيح. فإن
رواية عطاء عن شعبة عند أحمد وأبي داود، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط.
111

قال: وقال وهيب لما قدم عطاء البصرة قال: كتبت عن عبيدة ثلاثين
حديثا، ولم يسمع من عبيدة شيئا، وهذا اختلاط شديد.
أبو داود عن أحمد قال: كان عطاء بن السائب من خيار عباد الله، كان يختم
القرآن كل ليلة. وقال شعبة: حدثنا عطاء وكان نسيا (1). وقال يحيى: لم يسمع
عطاء بن السائب من يعلى بن مرة، قال: واختلط عطاء فما سمع منه قديما
فهو صحيح، وقد سمع منه أبو عوانة، في الصحة وفي الاختلاط جميعا، ولا
يحتج بحديثه.
ابن عدي، أنبأنا ابن أبي عصمة، حدثنا أحمد بن أبي يحيى سمعت يحيى
ابن معين يقول: ليث بن أبي سليم ضعيف مثل عطاء بن السائب. وجميع من
روى عن عطاء ففي الاختلاط، إلا شعبة وسفيان (2).
قال ابن عدي: عطاء اختلط في آخر عمره، فمن سمع منه قديما مثل
الثوري وشعبة، فحديثه مستقيم. ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثه فيها
بعض النكرة. وقال العجلي: كان شيخا قديما ثقة، روى عن ابن أبي أوفى،
ومن سمع منه قديما فهو صحيح، منهم الثوري، فأما من سمع منه بأخرة، فهو
مضطرب الحديث، منهم هشيم وخالد بن عبد الله، وكان عطاء بأخرة يتلقن
إذا لقن، لأنه كان غير صالح الكتاب، وأبوه تابعي ثقة.
وقال أبو حاتم: كان محله الصدق قديما قبل أن يختلط، ثم تغير حفظه،

(1) ربما تكون مقالة شعبة هذه فيه حين سمع منه حديثين. بأخرة. وإلا فشعبة ممن
روى عن عطاء قبل الاختلاط وكان عطاء إذ ذاك حافظا.
(2) وممن سمع منه أيضا قبل الاختلاط: زهير، وزائدة، وحماد بن زيد، وأيوب، كما
في تهذيب التهذيب.
112

في حديثه تخاليط كثيرة، وما روى عنه ابن فضيل ففيه غلط واضطراب، رفع
أشياء كان يرويها عن التابعين، فرفعها إلى الصحابة.
وقال النسائي: ثقة في حديثه القديم إلا أنه تغير، ورواية حماد بن زيد،
وشعبة، وسفيان عنه جيدة.
الحميدي عن سفيان قال: كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما. ثم
قدم علينا قدمة، فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعته، فخلط فيه، فاتقيته
واعتزلته.
وقال أبو النعمان عن يحيى بن سعيد: عطاء بن السائب تغير حفظه بعد،
وحماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير.
وقال أبو قطن عن شعبة: ثلاثة في القلب منهم هاجس: عطاء بن السائب،
ويزيد بن أبي زياد، وآخر.
إسماعيل بن بهرام، عن أبي بكر بن عياش قال: كنت إذا رأيت عطاء بن
السائب، وضرار بن مرة، رأيت أثر البكاء على خدودهما.
قال ابن سعد وغيره: مات عطاء بن السائب سنة ست وثلاثين ومئة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي
سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى
الموصلي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مررت
ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه
ماشطة بنت فرعون، كانت تمشطها فوقع المشط من يدها. قالت: بسم الله
قالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربي ورب أبيك. قالت: أقول له إذا، قالت:
قولي له. قال لها: أو لك رب غيري؟ قالت: ربي وربك الذي في السماء.
قال: فأحمى لها بقرة من نحاس. فقالت: إن لي إليك حاجة. قال: وما
سير 6 / 8
113

حاجتك؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام ولدي. قال: ذلك لك علينا، لما
لك علينا من الحق. فألقى ولدها في البقرة واحدا واحدا. فكان آخرهم
صبي. فقال: يا أمه اصبري فإنك على الحق " (1).
قال ابن عباس: فأربعة تكلموا وهم صبيان: ابن ماشطة فرعون، وصبي
جريج، وعيسى بن مريم، والرابع لا أحفظه.
31 - موسى بن عقبة * (ع)
ابن أبي عياش، الامام الثقة الكبير، أبو محمد القرشي مولاهم، الأسدي
المطرقي، مولى آل الزبير، ويقال: بل مولى الصحابية أم خالد بنت خالد
الأموية، زوجة الزبير. وكان بصيرا بالمغازي النبوية، ألفها في مجلد، فكان
أول من صنف في ذلك، وهو أخو إبراهيم بن عقبة، ومحمد بن عقبة، وعم
إسماعيل بن إبراهيم.
أدرك ابن عمر، وجابرا، وحدث عن أم خالد، وعداده في صغار التابعين،
وحدث أيضا عن علقمة بن وقاص، وأبي سلمة، وكريب، وسالم بن عبد
الله، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ونافع بن جبير بن معطم، ونافع مولى ابن
عمر، وصالح مولى التوأمة، وعروة بن الزبير، وعكرمة، وابن المنكدر،

(1) إسناده ضعيف لاختلاط عطاء، وراويه عنه وهو: حماد بن سلمة سمع منه قبل
الاختلاط وبعده فلم يتميز حديثه. ومع هذا فقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في
تعليقه على " المسند " 1 / 309. وقال ابن كثير: لا بأس بإسناده. وقد أورده الهيثمي في
المجمع 1 / 65، ونسبه لأحمد والبزار، والطبراني في الكبير والأوسط. وقال: فيه عطاء بن
السائب، وهو ثقة، ولكنه اختلط.
طبقات خليفة (267)، تاريخ خليفة (411) تاريخ البخاري 7 / 292، التاريخ الصغير
2 / 70، والجرح والتعديل 8 / 154، ثقات ابن حبان 3 / 248 تهذيب الكمال (1392)، تذكرة
الحفاظ 1 / 148، العبر 4 / 192، الوافي بالوفيات 2 / 137، التهذيب 10 / 360، خلاصة تذهيب
الكمال 392، شذرات الذهب 1 / 209.
114

والزهري، وأبي الزبير، وسالم أبي الغيث، وعبد الله بن دينار، ومحمد بن
يحيى بن حبان، وحمزة بن عبد الله بن عمر، وأبي الزناد، ومحمد بن أبي بكر
الثقفي وخلق سواهم.
وعنه: بكير بن عبد الله بن الأشج مع تقدمه، وشعبة، ويحيى بن سعيد
الأنصاري، وابن جريج، ومالك، وإبراهيم بن طهمان، وابن أبي الزناد،
وحفص بن ميسرة، والسفيانان، وزهير، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز
الدراوردي، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، ووهيب، وأبو قرة موسى بن
طارق، وأبو إسحاق الفزاري، وفضيل بن سليمان، ومحمد بن فليح،
وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وإسماعيل بن عياش، وأبو ضمرة الليثي
وحاتم بن إسماعيل، وزهير بن محمد المروزي، وأبو بدر السكوني، وعبد
الله بن رجاء المكي، وأبو همام محمد بن الزبرقان، ويعقوب بن عبد الرحمن
القاري، وخلق كثير.
قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، كذا هنا، وقال في موضع آخر وهو
أشبه: كان ثقة ثبتا، كثير الحديث.
إبراهيم بن المنذر عن معن قال: كان مالك إذا قيل له: مغازي من نكتب؟
قال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة، وقال ابن المنذر أيضا: حدثني
مطرف، ومعن، ومحمد بن الضحاك، قالوا: كان مالك إذا سئل عن
المغازي، قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح
المغازي. وقال أيضا سمعت محمد بن طلحة، سمعت مالكا يقول: عليكم
بمغازي موسى،. فإنه رجل ثقة، طلبها على كبر السن، ليقيد من شهد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكثر كما كثر غيره.
قلت: هذا تعريض بابن إسحاق. ولا ريب أن ابن إسحاق كثر وطول
115

بأنساب مستوفاة اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة حذفها أرجح، وبآثار لم
تصحح، مع أنه فاته شئ كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى
تنقيح وتصحيح، ورواية ما فاته.
وأما مغازي موسى بن عقبة، فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناها،
وغالبها صحيح، ومرسل جيد، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة.
وقد أحسن في عمل ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في تأليفه المسمى
بكتاب " دلائل النبوة ".
وقد لخصت أنا الترجمة النبوية، والمغازي المدنية، في أول تاريخي
الكبير، وهو كامل في معناه إن شاء الله.
إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: كان بالمدينة
شيخ يقال له: شرحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي. قال:
فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة. وكان قد احتاج، فأسقطوا
مغازيه وعلمه، قال إبراهيم: فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل، ولم
يكن أحد أعلم بالمغازي منه، فقال لي: كان شرحبيل أبو سعد عالما
بالمغازي، فاتهموه أن يكون يدخل فيهم من لم يشهد بدرا، ومن قتل يوم
أحد، والهجرة ومن لم يكن منهم، وكان قد احتاج، فسقط عند الناس، فسمع
بذلك موسى بن عقبة، فقال: وإن الناس قد اجترؤوا على هذا؟! فدب على
كبر السن، وقيد من شهد بدرا، وأحدا، ومن هاجر إلى الحبشة والمدينة،
وكتب ذلك.
وقال إبراهيم: حدثنا محمد بن الضحاك، سمعت المسور بن عبد الملك
المخزومي يقول لمالك: يا أبا عبد الله، فلان كلمني يعرض عليك، وقد شهد
جده بدرا. فقال مالك: لا تدري ما يقولون، من كان في كتاب موسى بن عقبة
قد شهد بدرا، فقد شهدها، ومن لم يكن في كتاب موسى، فلم يشهد بدرا.
116

قال أحمد بن أبي خيثمة: كان يحيى بن معين يقول: كتاب موسى بن عقبة
عن الزهري من أصح هذه الكتب.
وقال أحمد، ويحيى، وأبو حاتم، والنسائي: موسى ثقة. وروى المفضل
ابن غسان، عن يحيى بن معين، قال: موسى بن عقبة ثقة، يقولون: روايته عن
نافع فيها شئ، وسمعت ابن معين يضعف موسى بعض الضعف.
قلت: قد روى عباس الدوري وجماعة، عن يحيى توثيقه. فليحمل هذا
التضعيف على معنى أنه ليس هو في القوة عن نافع كمالك، ولا عبيد الله.
وكذلك روى إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، عن يحيى بن معين قال: ليس
موسى بن عقبة في نافع مثل عبيد الله بن عمر ومالك.
قلت، احتج الشيخان بموسى بن عقبة، عن نافع ولله الحمد. قلنا: ثقة
وأوثق منه، فهذا من هذا الضرب.
قال الواقدي: كان لإبراهيم وموسى ومحمد بني عقبة حلقة في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا كلهم فقهاء، محدثين، وكان موسى يفتي.
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان لهم هيئة وعلم. وقال يحيى بن
معين: سمع ابن المبارك من موسى بن عقبة، ولم يسمع من أخويه، أقدمهم
محمد، ثم إبراهيم، ثم موسى، وموسى أكثرهم حديثا.
وقال يحيى بن سعيد القطان فيما نقله عنه أبو حفص الفلاس: مات موسى
ابن عقبة قبل أن يدخل المدينة بسنة سنة إحدى وأربعين ومئة، وفيها أرخه
خليفة والترمذي، وغيرهما، وشذ نوح بن حبيب فقال: مات سنة اثنتين.
وقع لنا حديث عاليا، في مواضع، من أعلاها في جزء ابن عرفة.
أخبرنا أحمد بن فرح الإشبيلي الحافظ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد،
وأحمد بن عبد الدائم قالا: أنبأنا عبد المنعم بن عبد الوهاب (ح) وأنبأنا أحمد
117

ابن سلامة، عن عبد المنعم، أنبأنا علي بن بيان، أنبأنا محمد بن محمد بن
محمد البزاز، أنبأنا إسماعيل بن محمد، أنبأنا الحسن بن عرفة، أنبأنا إسماعيل
ابن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال، " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " (1). هذا حديث لين
الاسناد من قبل إسماعيل، إذ روايته عن الحجازيين مضعفة، أخرجه الترمذي
عن ابن عرفة، فوافقناه بعلو.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أكمل بن أبي الأزهر العلوي، أنبأنا سعيد
ابن أحمد، أنبأنا أبو نصر الزينبي، أنبأنا محمد بن عمر الوراق، حدثنا عبد الله
ابن أبي داود، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن موسى
ابن عقبة، عن أم خالد بنت خالد قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب
القبر ". تابعه وهيب بن خالد وإسماعيل بن جعفر، أخرجه البخاري
والنسائي (2).
32 - عمرو بن أبي عمرو * (ع)
مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي الفقيه، أبو عثمان
المدني.

(1) أخرجه الترمذي (131) في الطهارة، باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا
يقرآن القرآن. وابن ماجة (595). وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين
كما قال المؤلف رحمه الله، لكن له طريقان آخران عند الدارقطني ص 43. أحدهما عن
المغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. والثاني: عن
محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل، عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة، فيتقوى
بهما.
(2) أخرجه البخاري 3 / 92 في الجنائز: باب التعوذ من عذاب القبر، و 11 / 149 في
الدعوات: باب التعوذ من عذاب القبر، والنسائي 3 / 58 في السهو: باب نوع آخر من التعوذ
في الصلاة.
تاريخ خليفة (248) وقد عده فيمن قتل يوم الحرة. طبقات خليفة (266). تاريخ
البخاري 6 / 359، تهذيب الكمال (1049)، ميزان الاعتدال (3 / 281) تهذيب التهذيب
8 / 82 84، خلاصة تذهيب الكمال (292).
118

حدث عن أنس بن مالك، وأبي سعيد المقبري، وسعيد بن جبير، وعكرمة،
والأعرج.
وعنه: مالك، ومحمد بن جعفر، وأخوه إسماعيل بن جعفر، وعبد العزيز
الدراوردي، وعبد الرحمن بن أبي الزناد وآخرون.
قال أبو حاتم، لا بأس به. وقال ابن معين: ليس بحجة. وقال أحمد: ما به
بأس، اسم أبيه ميسرة. وقال أبو داود، ليس بذاك (1).
33 - محمد بن واسع * (م، د، ت، س)
ابن جابر بن الأخنس، الامام الرباني، القدوة، أبو بكر، ويقال: أبو عبد
الله الأزدي، البصري. أحد الاعلام.
حدث عن أنس بن مالك، وعبيد بن عمير، ومطرف بن الشخير، وعبد الله
ابن الصامت، وأبي صالح السمان، ومحمد بن سيرين وغيرهم.

(1) وقد وصفه المؤلف في ميزانه بقوله: " صدوق، حديثه صالح حسن، ينحط عن
الدرجة العليا من الصحيح. ورد على ابن القطان قوله: الرجل مستضعف، فقال: ما هو
بمستضعف ولا بضعيف، نعم ولا هو في الثقة كالزهري وذويه " وفي " التقريب " ثقة، ربما
وهم. وفي مقدمة " الفتح " 431 " وثقه أحمد وأبو حاتم والعجلي، وضعفه ابن معين،
والنسائي، وعثمان الدارمي، لروايته عن عكرمة حديث البهيمة. وقال العجلي: أنكروا عليه
حديث البهيمة. يعني حديثه عن عكرمة، عن ابن عباس: " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا
البهيمة ". قال الحافظ: لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئا، بل أخرج له من
روايته عن أنس أربعة أحاديث، ومن روايته عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس حديثا
واحدا، ومن روايته عن سعيد المقبري حديثا واحدا. واحتج به الباقون.
طبقات خليفة 215، تاريخ البخاري 1 / 255، التاريخ الصغير 1 / 318، 319، الجرح
والتعديل 8 / 113، حلية الأولياء 2 / 345 - 357 وتهذيب الكمال (1283)، ميزان الاعتدال 4 / 258
تاريخ الاسلام للمؤلف 5 / 159 - 161، الوافي بالوفيات 5 / 272، تهذيب التهذيب 9 / 499 - 500،
خلاصة تذهيب الكمال، 362، شذرات الذهب 1 / 161.
119

وهو قليل الرواية.
حدث عنه: هشام بن حسان، وأزهر بن سنان، وإسماعيل بن مسلم
العبدي، وسفيان الثوري، ومعمر، وحماد بن سلمة، وسلام بن أبي مطيع،
وصالح المري، وحماد بن زيد، وجعفر بن سليمان الضبعي، ونوح بن قيس،
وسلام القارئ، ومحمد بن الفضل بن عطية.
قال علي بن المديني: له خمسة عشر حديثا، وقال أحمد العجلي: ثقة،
عابد، صالح. وقال الدارقطني: ثقة بلي برواة ضعفاء.
قال ابن شوذب: لم يكن لمحمد بن واسع عبادة ظاهرة، وكانت الفتيا إلى
غيره، وإذا قيل: من أفضل أهل البصرة؟ قيل: محمد بن واسع.
قال الأصمعي: قال سليمان التيمي: ما أحد أحب أن ألقى الله بمثل
صحيفته مثل محمد بن واسع.
وروى معتمر عن أبيه: ما رأيت أحدا قط أخشع من محمد بن واسع. وقال
جعفر بن سليمان: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة، غدوت فنظرت إلى وجه
محمد بن واسع. كان كأنه ثكلى. قال حماد بن زيد: قال رجل لمحمد بن
واسع، أوصني. قال: أوصيك أن تكون ملكا في الدنيا والآخرة. قال: كيف؟
قال: أزهد في الدنيا.
وعنه قال: طوبى لمن وجد عشاء ولم يجد غداء، ووجد غداء ولم يجد
عشاء، والله عنه راض.
قال ابن شوذب: قسم أمير البصرة على قرائها، فبعث إلى مالك بن دينار
فأخذ، فقال له ابن واسع، قبلت جوائزهم؟ قال: سل جلسائي. قالوا: يا أبا
بكر اشترى بها رقيقا فأعتقهم. قال: أنشدك الله، أقلبك الساعة على ما كان
عليه؟ قال: اللهم لا، إنما مالك حمار، إنما يعبد الله مثل محمد بن واسع.
قال ابن عيينة، قال ابن واسع: لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد.
120

قال الأصمعي: لما صاف قتيبة بن مسلم للترك، وهاله أمرهم، سأل عن
محمد بن واسع. فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه، يبصبص
بأصبعه نحو السماء. قال: تلك الإصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير
وشاب طرير.
قال حزم القطعي: قال ابن واسع وهو في الموت: يا إخوتاه، تدرون أين
يذهب بي؟ والله إلى النار، أو يعفو الله عني.
قال ابن شوذب: لم يكن له كثير عبادة، كان يلبس قميصا بصريا وساجا (1).
قال مطر الوراق: لا نزال بخير ما بقي لنا أشياخنا: مالك بن دينار، وثابت
البناني، ومحمد بن واسع.
قال جعفر بن سليمان: قال محمد بن واسع: إني لأغبط رجلا معه دينه،
وما معه من الدنيا شئ، وهو راض.
وعن ابن واسع قال: إذا أقبل العبد بقلبه على الله، أقبل الله بقلوب العباد
عليه. وقال: يكفي من الدعاء مع الورع يسير العمل.
روى هشام بن حسان، عن محمد بن واسع، وقيل له: كيف أصبحت؟
قال: قريبا أجلي، بعيدا أملي، سيئا عملي.
وقيل: اشتكى رجل من ولد محمد بن واسع إليه، فقال لولده: تستطيل
على الناس، وأمك اشتريتها بأربع مئة درهم، وأبوك فلا كثر الله في المسلمين
مثله؟!
وقيل: إنه قال لرجل: هل أبكاك قط سابق علم الله فيك؟
وعن أبي الطيب موسى بن يسار قال: صحبت محمد بن واسع إلى مكة،
فكان يصلي الليل أجمعه، يصلي في المحمل جالسا ويومئ.
وقيل: إن حوشبا قال لمالك بن دينار: رأيت، كأن مناديا ينادي الرحيل،
الرحيل، فما ارتحل إلا محمد بن واسع. فبكى مالك، وخر مغشيا عليه.

(1) الساج: جمعه سيجان، وهي الطيالسة المدورة الواسعة.
121

قال مضر: كان الحسن يسمي محمد بن واسع زين القراء.
وعن ابن واسع: إن الرجل ليبكي عشرين سنة، وامرأته معه لا تعلم.
أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني محمد بن عيسى، حدثني مخلد بن
الحسين، عن هشام، قال: دعا مالك بن المنذر الوالي محمد بن واسع،
فقال: اجلس على القضاء، فأبي. فعاوده وقال: لتجلسن، أو لأجلدنك
ثلاث مئة، قال: إن تفعل، فإنك مسلط، وإن ذليل الدنيا خير من ذليل الآخرة.
قال: ودعاه بعض الامراء، فأراده على بعض الامر، فأبى. فقال: إنك
أحمق. قال محمد: ما زلت يقال لي هذا منذ أنا صغير.
وروي أن قاصا كان يقرب محمد بن واسع، فقال: مالي أرى القلوب لا
تخشع، والعيون لا تدمع، والجلود لا تقشعر؟ فقال محمد: يا فلان ما أرى
القوم أتوا إلا من قبلك، إن الذكر إذا خرج من القلب وقع على القلب.
وقيل: كان محمد بن واسع يسرد الصوم، ويخفيه. قال سعيد بن عامر:
دخل محمد بن واسع على الأمير بلال بن أبي بردة، فدعاه إلى طعامه، فاعتل
عليه، فغضب، وقال: إني أراك تكره طعامنا، قال: لا تقل ذاك أيها الأمير،
فوالله لخياركم أحب إلينا من أبنائنا.
أنبأنا أحمد بن أبي الخير، عن أبي المكارم، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا
أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا مسلم
ابن إبراهيم، حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن واسع، عن مطرف
ابن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: " تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين،
فقال رجل برأيه ما شاء " (1).

(1) هو في " حلية الأولياء 2 / 355، وأخرجه مسلم (1226) (171) في الحج: باب
جواز التمتع.
122

أخرجه مسلم من طريق إسماعيل هذا
قال جعفر بن سليمان، وخليفة بن خياط: توفي محمد بن واسع سنة ثلاث
وعشرين ومئة. وقال بعض ولد محمد بن واسع: مات سنة سبع وعشرين
ومئة.
34 - المختار بن فلفل * (م، د، ت، س)
كوفي، ثقة، بكاء، عابد. عن أنس بن مالك، وإبراهيم التيمي. وعنه:
الثوري، وجرير الضبي، وابن إدريس، وحفص بن غياث، ومحمد بن فضيل
وجماعة. وثقه أحمد وغيره. عاش إلى حدود سنة أربعين ومئة.
35 - إبراهيم بن ميسرة * * (ع)
الطائفي، الفقيه، نزيل مكة حدث عن أنس بن مالك، وعمرو بن
الشريد، وطاووس، وغيرهم. وعنه: شعبة، وابن جريج، وسفيان الثوري،
وسفيان بن عيينة.
قال ابن المديني: له نحو من ستين حديثا. قال الحميدي: قال سفيان:
أخبرني إبراهيم بن ميسرة، من لم تر والله عيناك مثله. وقيل: إنه وفد على عمر
ابن عبد العزيز.
قال أبو مسلم المستملي: حدثنا ابن عيينة قال: كان عمرو بن دينار يحدث
بالمعاني. وكان إبراهيم بن ميسرة يحدث كما سمع، كان فقيها.

تاريخ البخاري 7 / 385، الجرح والتعديل 8 / 310، ثقات ابن حبان 3 / 256،
تهذيب الكمال (1312)، تهذيب التهذيب 10 / 68 - 69، خلاصة تذهيب الكمال 371.
(* *) طبقات خليفة (282)، تاريخ البخاري 1 / 328، التاريخ الصغير 2 / 7 - 29، ثقات
ابن حبان: 3 / 4، الجرح والتعديل 2 / 133 - 134، تهذيب الكمال (67) العقد الثمين
3 / 266، تهذيب التهذيب 1 / 172، خلاصة تذهيب الكمال 22، شذرات الذهب
1 / 189.
123

وقال علي بن المديني، قلت لسفيان: أين كان حفظ إبراهيم بن ميسرة عن
طاووس، من حفظ ابن طاووس؟ قال: لو شئت لقلت لك: إني أقدم عليه
إبراهيم في الحفظ.
وقال أحمد بن حنبل، ويحيى: ثقة. قال ابن المديني: توفي قريبا من سنة
اثنتين وثلاثين ومئة.
36 - بيان بن بشر * (ع)
الامام، الثقة، المؤدب، أبو بشر الأحمسي الكوفي.
عن أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، والشعبي،
وجماعة.
روى عنه زائدة، وسفيان بن عيينة، وابن فضيل، وعبيدة بن حميد، وعلي
ابن عاصم، وآخرون. له نحو من سبعين حديثا. وهو حجة بلا تردد.
37 - يعقوب بن عتبة * * (د، س، ق)
ابن المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي، المدني، أحد العلماء
بالسيرة.
روى عن عروة، وعكرمة، ويزيد بن هرمز، ورأى السائب بن يزيد.
وعنه: ابن إسحاق، وابن الماجشون، وإبراهيم بن سعد، والوليد بن
مسافر، وآخرون.
وكان ذا علم وورع، ينظر في أمر الصدقات. وثقة ابن معين وغيره. توفي
سنة ثمان وعشرين ومئة.

تاريخ البخاري 2 / 133، الجرح والتعديل 2 / 424 - 425، ثقات ابن حبان
3 / 22، تهذيب الكمال (167)، تهذيب التهذيب 1 / 506، خلاصة تذهيب الكمال 53.
(* *) طبقات خليفة (264)، تاريخ البخاري 8 / 389، الجرح والتعديل 9 / 211 -
212، الكامل 5 / 352، تهذيب الكمال (1556)، تهذيب التهذيب 11 / 392، خلاصة
تذهيب الكمال 437.
124

38 - عبد الله بن أبي نجيح * (ع)
الامام الثقة المفسر، أبو يسار، الثقفي، المكي، واسم أبيه يسار، مولى
الأخنس بن شريق الصحابي.
حدث عن مجاهد، وطاووس، وعطاء، ونحوهم، ولم أجد له شيئا عن
أحد من الصحابة.
حدث عنه: شعبة، والثوري، وعبد الوارث، وسفيان بن عيينة، وابن
علية، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره. إلا أنه دخل في القدر. قال ابن عيينة: هو
مفتي أهل مكة بعد عمرو بن دينار.
وكان جميلا فصيحا، حسن الوجه، لم يتزوج قط (1).
وقال يحيى بن القطان: كان معتزليا.
وقال يعقوب السدوسي: هو ثقة قدري.
قال البخاري: حدثنا الفضل بن مقاتل، حدثنا عمر بن إبراهيم بن كيسان،
قال: مكث ابن أبي نجيح ثلاثين سنة لا يتكلم بكلمة يؤذي بها جليسه.

تاريخ خليفة (339) و (398) طبقات خليفة (282)، التاريخ الكبير 5 / 233،
التاريخ الصغير 2 / 28 - 29 - 31، الجرح والتعديل: 5 / 203، ثقات ابن حبان 3 / 141،
الكامل في التاريخ 5 / 445، تهذيب الكمال (749)، تاريخ الاسلام 5 / 229 ميزان
الاعتدال 2 / 515، العبر 1 / 173، العقد الثمين 5 / 300، تهذيب التهذيب 6 / 54 - 55،
طبقات المفسرين للداوودي 1 / 252، خلاصة تذهيب الكمال 217.
وقد ضبطه محقق العبر " نجيح " بضم النون وفتح الجيم وهو تحريف.
(1) إن كان عزوفه عن الزواج لعدم قدرته على النفقة، أو لأنه لا يصلح للزواج فهو
معذور، وأما إن كان تزهدا، فهو مناف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم المخرج في " الصحيحين " من رواية
أنس بن مالك وفيه: " أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي
وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
125

وقال يحيى القطان أيضا: أخبرني ابن المؤمل، عن ابن صفوان، قال:
قال لي ابن أبي نجيح: أدعوك إلى رأي الحسن - يعني القدر.
عن بعضهم قال: لم يسمع ابن أبي نجيح كل التفسير من مجاهد. قلت:
هو من أخص الناس بمجاهد.
وقال البخاري: كان يتهم بالاعتزال والقدر. وقال ابن المديني: كان يرى
الاعتزال، وقال أحمد: أفسدوه بأخرة، وكان جالس عمرو بن عبيد. وقال
علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي نجى من رؤوس الدعاة (1).
قال علي: أما التفسير، فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة، واحتج به أرباب
الصحاح. ولعله رجع عن البدعة، وقد رأى القدر جماعة من الثقات
وأخطؤوا، نسأل الله العفو.
توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة. ظهر له من المرفوع نحو مئة حديث.

(1) جاء في " تاريخ الثقات " لابن حبان، في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي ما نصه:
" ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن، إذا كان فيه بدعة ولم يكن
يدعو إليها، أن الاحتجاج بأخباره جائز. فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره ".
وفي قوله: فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره نظر.
فقد احتج البخاري بعمران بن حطان، وهو من دعاة الشراة، وبعبد الحميد بن عبد
الرحمن الحماني وكان داعية إلى الارجاء. فالحق في هذه المسألة قبول رواية كل من كان
من أهل القبلة يصلي بصلاتنا، ويؤمن بما جاء به رسولنا مطلقا إذا كان صادقا، ضابطا لما
يرويه، غير مستحل للكذب. فإن من كان كذلك لا يمكن أن يبتدع بدعة إلا وهو متأول
فيها، مستند في القول بها إلى كتاب الله أو إلى سنة رسوله بتأول رآه باجتهاده. وكل مجتهد
مأجور وإن أخطأ. لكن هذا مقيد بما إذا لم ينكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين
بالضرورة.
126

39 - مطرف بن طريف * (ع)
الامام، المحدث، القدوة، أبو بكر، ويقال: أبو عبد الرحمن الكوفي
الحارثي، ويقال: الخارفي. وأحدهما تصحيف.
حدث عن الشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والمنهال بن عمرو،
والحكم، وحبيب بن أبي ثابت، وسوادة بن أبي الجعد، وخالد بن أبي نوف،
وزيد العمي، وسلمة بن كهيل، وعطاء بن نافع، وأبي السفر سعيد بن
يحمد، وعطية العوفي، وأبي إسحاق، وخلق. عداده في صغار التابعين، ولم
أظفر له بشئ عن صاحب.
حدث عنه: سفيان الثوري، وأبو جعفر الرازي، وأبو حمزة السكري،
وعبد العزيز بن مسلم، وزهير بن معاوية، وأبو عوانة، وهشيم، وأبو بكر بن
عياش، وعبثر بن القاسم، وخالد بن عبد الله، وجرير بن عبد الحميد،
وإسماعيل بن زكريا، وعبيدة بن حميد، وابن فضيل، وموسى بن أعين،
وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وابن إدريس، وأسباط بن محمد، وسعد بن
الصلت، وعلي بن عاصم، وزفر بن الهذيل، والقاضي أبو يوسف، وخلق
سواهم.
وثقه أحمد، وأبو حاتم، وأبو داود، وجماعة.
قال أبو داود: قلت لأحمد: أصحاب الشعبي من أحبهم إليك؟ قال: ليس
عندي فيهم مثل إسماعيل بن أبي خالد. قلت: ثم من؟ قال: مطرف.
وقال الشافعي: ما كان ابن عيينة بأحد أشد إعجابا منه بمطرف.

طبقات ابن سعد 6 / 241، تاريخ خليفة 418، طبقات خليفة 164، التاريخ الكبير 7 / 397،
الجرح والتعديل 8 / 313، التاريخ الصغير 2 / 57، 69، مشاهير علماء الأمصار 167، تهذيب الكمال
1336، تاريخ الاسلام 6 / 132، تهذب التهذيب 10 / 172 - 174، خلاصة تذهيب الكمال 378،
شذرات الذهب 1 / 212.
127

وقال ابن المديني: حدثنا سفيان، حدثنا مطرف وكان ثقة.
وروى محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، عن سفيان بن عيينة، قال.
مطرف بن طريف: ما يسرني أني كذبت كذبة وأني لي الدنيا وما فيها.
وقال حسين الجعفي، عن ذواد بن علبة قال: ما أعرف عربيا ولا عجميا
أفضل من مطرف بن طريف.
قال أبو حفص الفلاس، وأبو عيسى الترمذي: مات مطرف سنة ثلاث
وأربعين ومئة. وقال البخاري: قال عبد الله بن أبي الأسود، عن أبي عبد الله
البجلي: مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومئة. وقال ابن حبان: سنة اثنتين
وأربعين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومئة.
40 - إسماعيل بن محمد * (خ، م، ت، س، ق)
ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص الزهري الامام الثبت أبو محمد
المدني، عداده في صغار التابعين.
حدث عن أبيه، وعميه: عامر، ومصعب، وأنس بن مالك، وطائفة.
روى عنه: صالح بن كيسان، ومالك، وسفيان بن عيينة وجماعة.
قال يحيى بن معين: ثقة حجة. وقال ابن عيينة: كان من أرفع هؤلاء.
وقال يعقوب بن شيبة، كان من فقهاء المدينة.
قلت: فتك الحجاج بوالده محمد، لقيامه مع ابن الأشعث (1)، وأسر هذا

الجرح والتعديل 2 / 194، طبقات خليفة (261)، تاريخ البخاري 1 / 371، تهذيب الكمال
(110) تاريخ الاسلام 5 / 227، تذهيب التهذيب 1 / 67، تهذيب التهذيب 1 / 329 - 330،
خلاصة تذهيب الكمال (36).
(1) انظر خروج ابن الأشعث وخلعه للطاعة في " تاريخ الاسلام " 3 / 128 وما بعدها.
والكامل في التاريخ 4 / 467 وما بعدها.
128

فبعث به الحجاج إلى عبد الملك بن مروان فعفا عنه لكونه لم يكن أنبت (1)
توفي في سنة أربع وثلاثين ومئة.
41 - يزيد بن أبي زياد * (4، م قرنه، خت)
الامام المحدث أبو عبد الله، الهاشمي، مولاهم الكوفي، مولى عبد الله
ابن الحارث بن نوفل، معدود في صغار التابعين.
قلت: رأى أنسا، وروى عن مولاه عبد الله، وأبي جحيفة السوائي إن
صح، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعمرو بن
سلمة الهمداني، لا الجرمي، وعبد الله بن معقل بن مقرن، ومجاهد
وعكرمة، وعطاء، وأبي صالح ذكوان، وسالم بن أبي الجعد، وأبي فاختة سعيد بن
علاقة، ومقسم، وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن أبي نعم، وطائفة. وينزل
إلى عبد الله بن محمد بن عقيل.
وكان من أوعية العلم، وليس هو بالمتقن، فلذا لم يحتج به الشيخان.
حدث عنه شعبة، والثوري، وأبو حمزة السكري، ومنصور بن أبي
الأسود، وزائدة، وقيس، وعبد العزيز بن مسلم، وحبان بن علي، وشريك،
وهشيم، وابن عيينة، وعلي بن مسهر، وابن فضيل، وأبو عوانة، وجرير بن

(1) يريد: لم ينبت شعر عانته، وظهورها من علامات البلوغ. وفي حديث عطية
القرظي المخرج في " سنن أبي داود " (4404) وغيره بسند حسن قال: " عرضنا على النبي
صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت،
فخلي سبيلي ".
الطبقات 6 / 237، تاريخ خليفة (415)، تاريخ البخاري 8 / 334، التاريخ الصغير
2 / 39، 41، الجرح والتعديل 9 / 265، كتاب المجروحين والضعفاء، 3 / 99، تهذيب الكمال
(1536)، تاريخ الاسلام 5 / 313 - 314، ميزان الاعتدال 4 / 423، العبر 1 / 178، تهذيب
التهذيب 11 / 329 - 331، خلاصة تذهيب الكمال 431، شذرات الذهب 1 / 206.
سير 6 / 9
129

عبد الحميد، وخالد بن عبد الله، وأبو بكر بن عياش، وزياد البكائي، وعلي بن
عاصم، وابن إدريس، وابن نمير، وخلق كثير.
وروى عنه من أقرانه، إسماعيل بن أبي خالد.
قال شعبة: كان رفاعا - يعني الآثار التي هي من أقوال الصحابة يرفعها - وقال
ابن فضيل: كان من أئمة الشيعة الكبار. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن
بالحافظ. وروى عباس عن يحيى: لا يحتج بحديثه.
روى عثمان الدارمي عن يحيى: ليس بالقوي. وروى أبو يعلى عن
يحيى: ضعيف الحديث. وقال العجلي: جائز الحديث. كان بأخرة يلقن،
وأخوه برد ثقة.
وروى عثمان بن أبي شيبة، عن جرير قال: كان أحسن حفظا من عطاء بن
السائب، وقال ابن معين: ما أقر بهما. وذكره ابن المبارك فقال: ارم به.
وقال ابن مهدي: ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي
زياد، ليث أحسنهم حالا.
وقال أبو زرعة لين. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال أبو داود: لا أعلم
أحدا ترك حديثه، وقال الجوزجاني: سمعتهم يضعفون حديثه. وقال ابن
عدي: هو من شيعة أهل الكوفة، ومع ضعفه يكتب حديثه.
وقد علق البخاري له لفظة فقال: قال جرير، عن يزيد: القسية: ثياب
مضلعة. وقد روى له مسلم فقرنه بآخر معه. وقد حدث عنه شعبة مع براعته
في نقد الرجال.
وروى علي بن عاصم وليس بحجة عن شعبة، قال: ما أبالي إذا كتبت
عن يزيد بن أبي زياد أن لا أكتبه عن أحد. وقد خرج له الترمذي، وحسن له ما
رواه من طريق هشيم:
130

أنبأنا يزيد بن أبي زياد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم، قال: " الحية، والعقرب، والفويسقة،
ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي " (1)
وأخرجه أبو داود أيضا وهذا خبر منكر.
ابن فضيل: حدثنا يزيد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبي برزة
قال: تغنى معاوية وعمرو بن العاص فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أركسهما في
الفتنة ركسا ودعهما في النار دعا " (2) وهذا أيضا منكر.
وأنكر منه حديث الرايات فقال أبو جعفر العقيلي: حدثناه محمد بن
إسماعيل، حدثنا عمرو بن عون، أنبأنا خالد بن عبد الله، عن يزيد بن أبي
زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ
جاءه فتية من قريش فتغير لونه. فقلنا يا رسول الله إنا لا نزال نرى في وجهك
الشئ تكرهه؟ فقال: " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل
بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا، حتى يجئ قوم من ها هنا - وأومأ بيده نحو
المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحق ولا يعطونه مرتين أو ثلاثا،

(1) أخرجه أبو داود (1848) والترمذي (838) وحسنه، وقد تعقب الترمذي الحافظ
في " التلخيص " 2 / 274 بقوله: وفي إسناده يزيد بن أبي زياد: وهو ضعيف وإن حسنه الترمذي وفيه لفظة
منكرة وهي قوله: " ويرمي الغراب ولا يقتله ".
(2) يزيد بن أبي زياد ضعيف. وشيخه سليمان بن عمرو بن الأحوص مجهول الحال
وقد ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: لا يصح. ويزيد بن أبي زياد
كان يتلقن، ورواه أحمد في " المسند " 4 / 421 من طريق يزيد عن سليمان بن عمرو بن
الأحوص، وفيه فلان وفلان بدل معاوية وعمرو بن العاص، وأورده الهيثمي في " المجمع "
8 / 121 وزاد نسبته للبزار، وأعله بيزيد بن أبي زياد.
131

فيقاتلون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلون، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل
بيتي يملؤها عدلا، كما ملئت ظلما وجورا، فمن أدرك ذلك منكم، فليأته ولو
حبوا على الثلج " (1). قال أحمد بن حنبل: حديثه في الرايات ليس بشئ.
قلت: وقد رواه عنه أيضا محمد بن فضيل، قال الحافظ أبو قدامة
السرخسي: حدثنا أبو أسامة قال: حديث يزيد عن إبراهيم في الرايات لو
حلف عندي خمسين يمينا قسامة ما صدقته. قلت: معذور والله أبو أسامة،
وأنا قائل كذلك، فإن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه عمدا أو خطأ.
محمد بن آدم المصيصي، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي، عن
يزيد بن أبي زياد عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا قال: " من شرب
الخمر، لم تقبل له صلاة سبعا، فإن مات فيهن مات كافرا، وإن هي أذهبت
عقله عن شئ من القرآن، لم تقبل له صلاة أربعين يوما وإن مات فيهن مات
كافرا " (2). وهذا أيضا شبه موضوع، ولو علم شعبة أن يزيد حدث بهذه
البواطيل، لما روى عنه كلمة.
روى جرير عن يزيد بن أبي زياد، قال: قتل الحسين وأنا ابن أربع عشرة

(1) الضعفاء: 436، وأخرجه ابن ماجة رقم (4082) في الفتن، باب: خروج المهدي
من طريق: علي بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، وضعفه البوصيري في " الزوائد " الورقة
256 بيزيد بن أبي زياد. وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وأبي يعلى الموصلي، وأخرجه
الحاكم 4 / 464 من طريق يزيد بن محمد الثقفي، عن حبان بن سدير، عن عمرو بن قيس
الملائي، عن الحكم، عن إبراهيم به، ويزيد بن محمد، وحبان بن سدير لم نظفر لهما
بترجمة، وحكم المصنف عليه في " تلخيص المستدرك " بالوضع.
(2) وأخرجه النسائي 8 / 316 في الأشربة، باب: ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر،
من طريق ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد به.
132

سنة، أو خمس عشرة سنة. وقال مطين: (1) مات سنة سبع وثلاثين ومئة.
قلت: فعلى هذا عاش نحوا من إحدى وتسعين سنة.
42 - يزيد بن أبي سمية * (د)
المحدث أبو صخر الأيلي.
يروي عن ابن عمر، وأبي بكر بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز.
وعنه: حسين بن رستم، وعبد الجبار بن عمر، وسعدان بن سالم
الأيليون، وهشام بن سعد، وآخرون.
وله وفادة على عمر بن عبد العزيز. وكان من العلماء الصادقين البكائين.
وثقه أبو زرعة. وقال الواقدي: كان من العباد يصلي الليل كله ويبكي،
وكان معه في الدار يهودية فتبكي رحمة له. فقال مرة في دعائه: اللهم هذه
يهودية بكت رحمة لي، ودينها مخالف لديني، فأنت أولى برحمتي.
43 - عمر بن أبي سلمة * * (4)
ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، الفقيه، مكثر عن والده،

(1) هو بضم الميم وفتح الطاء، وتشديد الياء المفتوحة، كمعظم. لقب للحافظ الكبير
أبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي، ومطين كمحدث، اسم
فاعل، لقب عبد الله بن محمد، شيخ لابن منده، كما في " التبصير " 1296، وقد وهم
صاحب القاموس فجعل الأول على زنة الثاني.
تاريخ البخاري 8 / 338، الجرح والتعديل 9 / 269، ثقات ابن حبان 3 / 295،
تهذيب الكمال (1538)، تهذيب التهذيب 11 / 334، خلاصة تذهيب الكمال (432).
(* *) تاريخ خليفة (410) طبقات خليفة (20)، تاريخ البخاري 6 / 139، التاريخ
الصغير 1 / 162، الجرح والتعديل 6 / 117، ثقات ابن حبان 3 / 174، الكامل في التاريخ
4 / 525، تهذيب الكمال (1016)، ميزان الاعتدال 3 / 202 - 203، تهذيب التهذيب
7 / 456 - 457، خلاصة تذهيب الكمال 282.
133

روى عنه مسعر وأبو عوانة وهشيم وآخرون. قال أبو حاتم: هو عندي صالح،
وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه.
قلت: استشهد به البخاري. وروي أحمد بن زهير عن ابن معين: ليس به
بأس; وقال ابن معين أيضا: هو ضعيف. وقال أبو حاتم أيضا: لا يحتج به.
قلت: قد كان قام مع ابن أخت له أموي، في مبدأ دولة بني العباس، فلم
يتم له أمر، وظفر عبد الله بن علي عم السفاح، فقتل عمر في سنة ثلاث
وثلاثين ومئة.
وقد علق له البخاري في " صحيحه " (1) قصة جريج والراعي، فقال: وقال
عمر بن أبي سلمة عن أبيه.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد قالا: أنبأنا موسى بن عبد
القادر، أنبأنا سعيد بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا أبو طاهر المخلص،
حدثنا البغوي، حدثنا العباس بن الوليد النرسي، حدثنا أبو عوانة عن عمر بن
أبي سلمة عن أبيه، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب ولا
تشبهوا باليهود والنصارى " صححه الترمذي (2) من حديث أبي عوانة.
44 - محمد بن سوقة * (ع)
الامام العابد، الحجة، أبو بكر الغنوي الكوفي.

(1) البخاري (1206) في العمل في الصلاة، باب: إذا دعت الام ولدها في الصلاة.
وأخرج البخاري القصة أيضا في (2482)، (3436)، (3466).
(2) رقم (1752) في اللباس، باب: ما جاء في الخضاب، وأخرجه أحمد 2 / 261،
499، من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وسنده حسن.
طبقات ابن سعد 6 / 237، البيان والتبيين 3 / 153 - 154، التاريخ الكبير 1 / 102،
التاريخ الصغير 1 / 198، 199، الجرح والتعديل 7 / 281، مشاهير علماء الأمصار
(168)، حلية الأولياء 5 / 3 - 14، صفوة الصفوة 3 / 65، تهذيب الكمال (1206)، تاريخ
الاسلام 6 / 120، الوافي بالوفيات 3 / 145، تهذيب التهذيب 9 / 209 - 210، خلاصة
تذهيب الكمال (341).
134

حدث عن أنس بن مالك، وعن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وأبي
صالح السمان، ومنذر الثوري، وجماعة.
روى عنه: سفيان الثوري، وأبو معاوية، وعبد الرحمن بن محمد
المحاربي، وابن عيينة، وعلي بن عاصم، ويعلى بن عبيد، وآخرون.
يقال: إنه أنفق في أبواب الخير مئة ألف درهم. قال سفيان بن عيينة: كان
محمد بن سوقة لا يحسن أن يعصي الله تعالى. وقال النسائي: ثقة مرضي.
قلت: توفي سنة نيف وأربعين ومئة.
45 - أيوب بن موسى * (ع)
الامام المفتي، أبو موسى الأموي المكي. وجده هو الأمير عمرو بن سعيد
ابن العاص الأشدق، وهو ابن عم الفقيه إسماعيل بن أمية، وليس أيوب بأخ
للفقيه سليمان بن موسى الذي تقدم.
حدث أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح، ومكحول، ونافع، وعطاء
ابن مينا، وسعيد المقبري.
حدث عنه: الأوزاعي، وروح بن القاسم، وشعبة، والثوري، والليث،
وعبد الوارث، ومالك، وابن عيينة، وابن علية، وخلق.
قال ابن عيينة: كان فقيها مفتيا، وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة، وقال أبو
حاتم: صالح الحديث، وقال ابن المديني: له نحو من أربعين حديثا. قيل
توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئة.

طبقات خليفة (282)، التاريخ الكبير 1 / 422، الجرح والتعديل 2 / 257 - 258،
تهذيب الكمال (137) ميزان الاعتدال 1 / 294، العقد الثمين: 3 / 350، تهذيب التهذيب
1 / 412 - 413، خلاصة تذهيب الكمال (44)، شذرات الذهب 1 / 191.
135

46 - محمد بن عمرو * (4، خ)
ابن علقمة، بن وقاص، الامام، المحدث، الصدوق، أبو الحسن الليثي
المدني، صاحب أبي سلمة بن عبد الرحمن وراويته.
حدث عنه وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وإبراهيم بن عبد الله بن
حنين، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وأبيه عمرو بن علقمة.
حدث عنه: مالك، والثوري، وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة،
وعباد بن عباد، وأبو أسامة، ويزيد بن هارون، ومحمد بن بشر، ومحمد بن أبي
عدي، وسعيد بن عامر، وعدد كثير.
وحديثه في عداد الحسن. قال النسائي وغيره: ليس به بأس، وقال أبو
حاتم: صالح الحديث. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين سئل عن
سهيل والعلاء بن عبد الرحمن، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعاصم بن
عبيد الله، فقال: ليس حديثهم بحجة. قيل له: فمحمد بن عمرو؟ قال: هو
فوقهم. قلت: روى له البخاري مقرونا بآخر، وروى له مسلم متابعة. وروى
عباس عن يحيى قال: ابن عجلان أوثق من محمد بن عمرو. فقال: وهو
أحب إلي من ابن إسحاق.
وسئل يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو، فقال للسائل: تريد العفو أو
نشدد؟ قال: بل شدد. قال: ليس ممن ترد.

تاريخ خليفة (420)، طبقات خليفة (270)، التاريخ الكبير 1 / 191 - 192، البيان
والتبيين 3 / 142، الجرح والتعديل 8 / 30، مشاهير علماء الأمصار (133)، الكامل في
التاريخ 5 / 528، تهذيب الكمال: (1251)، ميزان الاعتدال 3 / 673 - 674، العبر
1 / 205، الوافي بالوفيات 4 / 289، تهذيب التهذيب 9 / 375 - 377، خلاصة تذهيب
الكمال 354، شذرات الذهب 1 / 217.
136

قال الجوزجاني: ليس بالقوي، وهو ممن يشتهى حديثه.
قال ابن عدي: روى عنه مالك في " الموطأ " وأرجو أنه لا بأس به، وروى
أحمد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة.
حفص بن غياث، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نسي الصلاة علي، خطئ طريق
الجنة " (1).
مات محمد بن عمرو سنة خمس وأربعين ومئة، أو سنة أربع. وقد حدث
بالعراق.
47 - عروة بن رويم * (د، س، ق)
اللخمي، الأردني الفقيه المحدث، أبو القاسم.
حدث عن أبي ثعلبة الخشني فقيل سمع منه، وعن أنس بن مالك وأبي إدريس
الخولاني، وأرسل عن أبي ذر وغيره.
وعنه: محمد بن مهاجر، وهشام بن سعد، وسعيد بن عبد العزيز، ويحيى

(1) إسناده حسن، وذكره السخاوي في " القول البديع " ص 146، ونسبه للبيهقي في
" شعب الايمان " و " السنن الكبرى " وابن الجراح في الخامس من أماليه، والرشيد العطار
وقال: إسناده حسن. وله شاهد مرسل بسند جيد عند إسماعيل القاضي رقم (41) وآخر من
حديث ابن عباس عند ابن ماجة رقم (809) وفي سنده جبارة بن مغلس وهو ضعيف.
وقوله: خطئ، يقال خطئ بمعنى أخطأ. وقيل: خطئ إذا تعمد، وأخطأ إذا لم يتعمد.
طبقات ابن سعد 7 / 165، تاريخ خليفة 415، طبقات خليفة (312)، التاريخ
الكبير 7 / 33، التاريخ الصغير 2 / 36، الجرح والتعديل 6 / 396، ثقات ابن حبان 3 / 189،
مشاهير علماء الأمصار 113، حلية الأولياء 6 / 120 - 124، الكامل في التاريخ 5 / 463،
تهذيب الكمال (932)، تهذيب التذهيب 7 / 179 - 180، خلاصة تذهيب الكمال
(265).
137

ابن حمزة، ومحمد بن شعيب بن سابور وجماعة.
وثقه ابن معين، وقال الدارقطني وغيره: لا بأس به، وقال أبو حاتم: عامة
حديثه مراسيل، ويقال: سمع من أبي ثعلبة.
قال سعيد بن عبد العزيز: توفي سنة أربعين ومئة. وقال محمد بن المثنى:
سنة خمس وثلاثين ومئة. وقيل غير ذلك.
48 - عمار الدهني * (م، 4)
الامام المحدث، أبو معاوية، عمار بن معاوية بن أسلم البجلي ثم
الدهني، الكوفي، وفي بني عبد القيس أيضا دهن بن عذرة.
حدث عن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وإبراهيم التيمي، وأبي
سلمة بن عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وأبي الطفيل الذي له رؤية.
وعنه: شعبة، وسفيان وإسرائيل، وشريك، وابن عيينة، وعبيدة بن
حميد، وولده معاوية بن عمار.
وثقه أحمد بن حنبل وجماعة. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئة. قاله مطين.
49 - عمارة بن أبي حفصة * * (خ، 4)
البصري: العتكي، مولاهم، ابن عم عبد العزيز بن أبي رواد.

التاريخ الكبير 7 / 28، الجرح والتعديل 6 / 390، ثقات ابن حبان 3 / 206،
تهذيب الكمال (1001)، ميزان الاعتدال 3 / 170، تهذيب التهذيب 7 / 406 - 407،
خلاصة تذهيب الكمال (279)، شذرات الذهب 1 / 191.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 21، تاريخ خليفة (405)، طبقات خليفة (216)،
تاريخ البخاري 6 / 502 - 503، الجرح والتعديل 6 / 363، مشاهير علماء الأمصار (155)، تهذيب
الكمال (1002)، تهذيب التهذيب 7 / 415، خلاصة تذهيب الكمال (280).
138

حدث عن أبي عثمان النهدي، وأبي مجلز لا حق، وعكرمة، والحسن،
وجماعة.
وعنه: شعبة، ويزيد بن زريع، وعبد الوارث، ويزيد بن هارون، وعلي بن
عاصم، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره. وما لحق ولده حرمي بن عمارة السماع منه.
قال خليفة بن خياط: توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
50 - عمارة بن عزية * (م، 4)
ابن الحارث، بن عمرو بن غزية، الأنصاري، الخزرجي، البخاري،
المازني، المدني، أحد الثقات.
عن أبي صالح السمان، والشعبي، والربيع بن سبرة، وعمرو بن شعيب،
ومحمد بن إبراهيم التيمي، وغيرهم.
وعنه: بكر بن مضر، وسليمان بن بلال، وابن لهيعة، وإسماعيل بن
جعفر، والدراوردي، وبشر بن المفضل وطائفة.
قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، واحتج به مسلم، واستشهد به
البخاري، وأما ابن حزم، فضعفه ولم يصب. مات سنة أربعين ومئة.

(1) تارخ خليفة (419)، طبقات خليفة (266)، التاريخ الكبير 6 / 503، الجرح
والتعديل 6 / 368، مشاهير علماء الأمصار (135)، تهذيب الكمال (1006)، ميزان
الاعتدال 3 / 178، تهذيب التهذيب 7 / 422 - 423، خلاصة تذهيب الكمال (280)،
شذرات الذهب 1 / 108.
139

51 - عمارة بن القعقاع * (ع)
ابن شبرمة، الضبي، الكوفي.
مكثر عن أبي زرعة البجلي، وروى عن أخنس بن خليفة.
روى عنه السفيانان، وشريك، وجرير، وابن فضيل وآخرون.
وثقه ابن معين، وكان أسن من عمه عبد الله بن شبرمة وأفضل.
52 - عطاء الخراساني * * (ع)
هو عطاء بن أبي مسلم المحدث، الواعظ، نزيل دمشق والقدس.
أرسل عن أبي الدرداء، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة وطائفة، وروى
عن ابن المسيب، وعروة، وعطاء بن أبي رباح، وابن بريدة، ونافع، وعمرو
ابن شعيب، وعدة.
روى عنه: معمر، وشعبة، وسفيان، ومالك، وحماد بن سلمة، وإسماعيل
ابن عياش، وعدد كثير. حتى إن شيخه عطاء حدث عنه.
وثقه ابن معين، وقال الدارقطني: هو في نفسه ثقة، لكن لم يلق ابن

التاريخ الكبير 6 / 501، التاريخ الصغير: 2 / 79، الجرح والتعديل 6 / 368،
تهذيب الكمال (1006)، تهذيب التهذيب 7 / 423 - 424، خلاصة تهذيب الكمال 280 -
281.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 379، تاريخ خليفة (410)، طبقات خليفة (313)،
التاريخ الكبير 6 / 474، التاريخ الصغير 2 / 37، كتاب المجروحين: 2 / 130، الجرح
والتعديل 6 / 334 - 335، تهذيب الكمال (941)، تاريخ الاسلام 5 / 279 - 280، ميزان
الاعتدال 3 / 73 - 75، العبر 1 / 182، تهذيب التهذيب 7 / 212 - 215، مقدمة فتح الباري
(424)، النجوم الزاهرة 1 / 331، طبقات الحفاظ (60)، خلاصة تذهيب الكمال (267)،
العقد الثمين: 1 / 379، شذرات الذهب 1 / 192 - 193.
140

عباس، يعني أنه يدلس.
وقال ابن معين: هو عطاء بن ميسرة، سمع من ابن عمر. وقال مالك: هو
عطاء بن عبد الله. وقال النسائي: هو أبو أيوب، عطاء بن عبد الله، بلخي
سكن الشام ليس به بأس. وقال مرة: هو عطاء بن ميسرة، وقال أحمد: ثقة.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة معروف بالفتوى والجهاد. وقال أبو حاتم: لا بأس
به. وقال حجاج بن محمد: حدثنا شعبة، حدثنا عطاء الخراساني، وكان
نسيا. قال عثمان بن عطاء عن أبيه: قدمت المدينة وقد فاتني عامة الصحابة.
وذكره البخاري في الضعفاء، والعقيلي، وابن حبان.
وقال الترمذي في " علله ": قال محمد - يعني البخاري: ما أعرف لمالك
رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني. قلت: ما شأنه؟
قال: عامة أحاديثه مقلوبة، ثم قال الترمذي: هو ثقة، روى عنه مثل مالك،
ومعمر، ولم أسمع أحدا من المتقدمين تكلم فيه.
قيل: إن الذي في تفسير سورة نوح من صحيح البخاري، هو عطاء
الخراساني. وليس بجيد. بل هو عطاء بن أبي رباح (1). فعلى هذا لا شئ

(1) بل هو عطاء الخراساني. فقد أخرج عبد الرزاق الحديث في تفسيره عن ابن جريج،
فقال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس.. وقال أبو مسعود الدمشقي ثبت هذا الحديث في
تفسير ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس.
وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، وإنما أخذه عن ابنه عثمان بن عطاء
فنظر فيه. وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في " العلل " عن علي بن المديني قال: سألت
يحيى القطان عن حديث ابن جريج، عن عطاء الخراساني، فقال: ضعيف، فقلت: إنه
يقول: أخبرنا؟ قال: لا شئ. إنما هو كتاب دفعه إليه.
قال الحافظ في " الفتح " 8 / 511: وكان ابن جريج يستجيز إطلاق " أخبرنا " في المناولة
والمكاتبة. وقال الإسماعيلي: أخبرت عن علي بن المديني، أنه ذكر في تفسير ابن جريج
كلاما معناه، أنه كان يقول: عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، فطال على الوراق أن
يكتب " الخراساني " في كل حديث فتركه، فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح.
قال الحافظ، وأشار بهذه القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني، ونبه
عليها أبو علي الجياني في " تقييد المهمل " قال ابن المديني: سمعت هشام بن يوسف
يقول: قال لي ابن جريج: سألت عطاء عن التفسير من البقرة، وآل عمران ثم قال: اعفني
من هذا. قال: قال هشام: فكان بعد إذا قال: قال عطاء عن ابن عباس، قال: عطاء
الخراسان. قال هشام: فكتبنا ثم مللنا. يعني كتبنا الخراساني.
قال ابن المديني: وإنما بينت هذا لان محمد بن ثور كان يجعلها في روايته عن ابن
جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، فيظن أنه عطاء بن أبي رباح. وانظر تمام الكلام في
مقدمة " الفتح " 373 - 374.
141

للخراساني في صحيح البخاري.
وقال ابن حبان: أصله من بلخ، وعداده في البصريين، وإنما قيل له:
الخراساني، لأنه دخل إلى خراسان، وأقام، ثم رجع إلى العراق، وكان من
خيار عباد الله. غير أنه كان ردئ الحفظ، كثير الوهم. فلما كثر ذلك في
روايته، بطل الاحتجاج به.
قلت: هذا القول فيه نظر.
عثمان بن عطاء عن أبيه: أوثق عملي في نفسي نشر العلم. وكان يجلس
أبي مع المساكين، فيعلمهم ويحدثهم. قال يزيد بن سمرة: سمعت عطاء
الخراساني يقول: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام.
قال إسماعيل بن عياش: قلت لعطاء الخراساني: من أين معاشك؟ قال:
من صلة الاخوان، وجوائز السلطان.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كنا نغازي عطاء الخراساني، وننزل
142

متقاربين فكان يحيي الليل، ثم يخرج رأسه من خيمته فيقول: يا عبد
الرحمن، يا هشام بن الغاز، يا فلان، قيام الليل، وصيام النهار أيسر من شرب
الصديد، ولبس الحديد، وأكل الزقوم، والنجاء النجاء!
قال سعيد بن عبد العزيز: توفي بأريحا ودفن ببيت المقدس. وقال ابنه
عثمان: مات أبي سنة خمس وثلاثين ومئة. وقيل مولده سنة خمسين.
53 - أيوب أبو العلاء * (د، ت، س)
القصاب، الواسطي. وهو أيوب بن مسكين، ويقال: ابن أبي مسكين
الفقيه، مفتي أهل واسط.
حدث عن قتادة، وسعيد المقبري، وعبد الله بن شبرمة. ومات في الكهولة
قبل انتشار حديثه.
روى عنه هشيم، وإسحاق الأزرق، ويزيد بن هارون، وآخرون.
قال أبو حاتم: لا بأس به. وأرخ يزيد وفاته في سنة أربعين ومئة. فلولا قدم
موته، لاخر إلى طبقة الحمادين.
54 - حبيب العجمي * * (بخ)
زاهد أهل البصرة وعابدهم، أبو محمد.
روى عن الحسن البصري، وشهر بن حوشب، والفرزدق شيئا يسير.

طبقات خليفة: (326)، التاريخ الكبير 1 / 423، التاريخ الصغير 2 / 50، الجرح
والتعديل 2 / 259، تهذيب الكمال 139، تهذيب التهذيب 1 / 411، خلاصة تذهيب
الكمال (43)، تاريخ الاسلام 5 / 231.
(* *) مشاهير علماء الأمصار (152)، حلية الأولياء 6 / 149 - 155، تهذيب الكمال
(230)، تاريخ الاسلام 5 / 233 - 234، اللباب 2 / 326، تهذيب التهذيب 2 / 189، خلاصة
تذهيب الكمال (71).
ولم يرمز له في الأصل بشئ، وما أثبتناه عن المراجع التي ترجمت له، وقد تحرفت في
تاريخ المؤلف المطبوع إلى " خ ".
143

وعنه حماد بن سلمة، وأبو عوانة، وجعفر بن سليمان، وداود الطائي،
ومعتمر بن سليمان، وآخرون.
وكان مجاب الدعوة. تؤثر عنه كرامات وأحوال، وكان له دنيا، فوقعت
موعظة الحسن في قلبه، فتصدق بأربعين ألفا، وقنع باليسير. وعبد الله حتى
أتاه اليقين.
قال ضمرة بن ربيعة: حدثنا السري بن يحيى قال: كان حبيب يرى بالبصرة
يوم التروية ويرى بعرفة من الغد (1). قلت: سقت من أخباره في " تاريخ
الاسلام " وذكره ابن عساكر في " تاريخه ".
55 - الحسن بن عبيد الله * (م، 4)
ابن عروة الفقيه، أبو عروة النخعي، الكوفي،
حدث عن أبي عمرو الشيباني، وشقيق أبي وائل، وزيد بن وهب،
وإبراهيم النخعي.
روى عنه: الثوري، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله

(1) الكرامة حق لا يدفع، يختص الله بها من عباده من يشاء، وخوارق العادة لا تستعصي
على الله تعالى. ولكن إثبات ذلك يحتاج إلى دليل يفيد اليقين، وهو هنا متعذر. على أن
في سند القصة عبد الرحمن بن واقد راويها عن ضمرة كما في " الحلية " 6 / 154، وقد قال فيه
ابن عدي: يحدث بالمناكير عن الثقات.
طبقات خليفة (165)، التاريخ الكبير 2 / 297، الجرح والتعديل 3 / 23، مشاهير
علماء الأمصار (163)، تهذيب الكمال (267)، تاريخ الاسلام 5 / 236، تهذيب التهذيب
2 / 292 - 293، خلاصة تذهيب الكمال (79).
144

ابن إدريس، وحفص بن غياث.
وثقه النسائي. له قريب من ثلاثين حديثا. توفي سنة تسع وثلاثين ومئة.
56 - خصيف * (4)
ابن عبد الرحمن، الامام، الفقيه، أبو عون، الخضرمي - بكسر الخاء
المعجمة - الأموي، مولاهم الجزري الحراني.
رأى أنس بن مالك، وسمع مجاهدا، وسعيد بن جبير، وعكرمة،
وطبقتهم.
روى عنه: السفيانان، وشريك، ومحمد بن فضيل، وعتاب بن بشير،
ومروان بن شجاع، ومحمد بن سلمة، ومعمر بن سليمان وآخرون.
وثقه يحيى بن معين. وقال النسائي: صالح. وقال أحمد بن حنبل: ليس
بحجة. وقال أبو حاتم: سيئ الحفظ، قال خصيف: قال لي مجاهد: يا أبا
عون، أنا أحبك في الله، وقال أبو زرعة: هو ثقة. وقال ابن حراش: لا بأس
به. قال أبو فروة: ولي خصيف بيت المال. وعن جرير قال: كان متمكنا من
الارجاء (1). وقال ابن أبي نجيح: كان من صالحي الناس.

طبقات ابن سعد 7 / 180، طبقات خليفة (319) التاريخ الكبير 3 / 228، التاريخ الصغير
2 / 46، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 287، تهذيب الكمال (373) تاريخ الاسلام 5 / 240 -
241، ميزان الاعتدال 1 / 653 - 654، تهذيب التهذيب 3 / 143 - 144، خلاصة تذهيب الكمال
(108) شذرات الذهب 1 / 206.
(1) إن كان المراد من وصفه بالارجاء - وهو الذي يغلب على الظن - أنه لا يقول بزيادة
الايمان ونقصانه، ولا يقول بدخول العمل بحقيقة الايمان ومسماه، كما هو مذهب غير
واحد من العلماء، فلا يعد قدحا في حقه، كما هو المنصوص عليه في كتب الجرح
والتعديل. لكن خصيفا ضعيف لسوء خفظه وتخليطه في آخر عمره، وهذا علة الضعف فيه.
145

قال: النفيلي: توفي سنة ست وثلاثين ومئة. وقال محمد بن المثنى: توفي
سنة اثنتين وثلاثين. وقال عتاب بن بشير والبخاري: سنة سبع. وقال أبو عبيد
وشباب: سنة ثمان وثلاثين
وقال أحمد أيضا: ليس بقوي، تكلم في الارجاء، وقال يحيى القطان: كنا نجتنب خصيفا.
وقال عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي: رأيت على خصيف ثيابا سودا،
وكان على بيت المال.
قلت: حديثه يرتقي إلى الحسن.
قرأت على عمر بن عبد المنعم، عن زيد بن الحسن، أنبأنا أبو بكر
الأنصاري، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا عمر بن محمد الزيات، حدثنا
جعفر الفريابي حدثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف،
عن أبي عبيدة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شككت في صلاتك في
ثلاث أو أربع، وأكبر ظنك على أربع، سجدت سجدتين، ثم سلمت،
وإن كان أكبر ظنك على ثلاث، فصل ركعة، ثم تشهد، ثم اسجد
سجدتي السهو، ثم سلم " (1).
لو صح هذا لكان فيه فرج عن ذوي الوسواس.

(1) إسناده ضعيف لضعف خصيف، ولانقطاعه، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. وهو
في سنن أبي داود (1028) في الصلاة، باب: من يتم على أكبر ظنه عن خصيف، عن أبي
عبيدة به وأعله أبو داود بأن عبد الواحد وسفيان وشريكا وإسرائيل أو قفوه على ابن مسعود،
ولم يرفعوه
146

57 - واهب بن عبد الله *
الشيخ أبو عبد الله الكعبي، المعافري، المصري.
حدث عن أبي هريرة، وعتبة بن عامر، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو،
وحسان بن كريب، وجماعة.
وعنه: عبد الرحمن بن شريح، والليث بن سعد، ورجاء بن أبي عطاء،
وضمام بن إسماعيل، وابن لهيعة.
وثقه ابن حبان. وخرج له البخاري في كتاب الأدب. عمر دهرا. وتوفي
ببرقة في سنة سبع وثلاثين ببرقة.
58 - زهرة بن معبد * * (خ، 4).
ابن عبد الله، بن هشام، بن زهرة، الإمام أبو عقيل القرشي، التيمي،
المدني، نزيل الإسكندرية.
حدث عن جده عبد الله الصحابي، وعن ابن عمر، وابن الزبير، وسعيد بن
المسيب وغيرهم.
روى عنه: حياة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب، والليث، وابن لهيعة،
ورشدين بن سعد.

التاريخ الكبير 8 / 190، الجرح والتعديل 9 / 46 - 47، ثقات ابن حبان 3 / 279،
مشاهير علماء الأمصار (121)، تهذيب الكمال (1463)، تاريخ الاسلام 5 / 311،
تهذيب التهذيب 11 / 108، خلاصة تذهيب الكمال 419.
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 515، طبقات خليفة (294) التاريخ الكبير 3 / 443، الجرح
والتعديل 3 / 615، تهذيب الكمال (435)، تاريخ الاسلام 5 / 251، تهذيب التهذيب
3 / 341 - 342. خلاصة تذهيب الكمال 122، شذرات الذهب 1 / 192.
147

وكان من عباد الله الصالحين. قال الدارمي: زعموا أنه كان من الابدال.
قال أبو حاتم وغيره: لا بأس به. وقال النسائي: ثقة. لجده صحبة.
ابن وهب: أنبأنا حياة، أخبرني زهرة بن معبد، أن عمر بن عبد العزيز قال
له: أين تسكن؟ قلت: بالفسطاط. قال: تسكن الخبيثة المنتنة، أف، وتذر
الطيبة، الإسكندرية، فإنك تجمع بها دنيا وآخرة، طيبة الموطأ، وددت أن
قبري يكون بها. وروى نحوه ضمام بن إسماعيل عن زهرة. توفي زهرة في سنة
خمس وثلاثين ومئة. وقيل توفي سنة سبع وثلاثين ومئة. وقد شاخ.
59 - عبد الحميد * (خ، م، د، س)
صاحب الزيادي، من علماء البصرة الجلة.
حدث عن أنس بن مالك، وأبي رجاء العطاردي، وعبد الله بن الحارث،
وغيرهم.
وعنه شعبة، وحماد بن زيد، ومهدي بن ميمون، وإسماعيل بن علية، وثقه
أحمد بن حنبل.
6 - عثمان البتي * * (4)
فقيه البصرة، أبو عمرو، بياع البتوت (1)، اسم أبيه مسلم، وقيل: أسلم،

الجرح والتعديل 6 / 12، ثقات ابن حبان 3 / 248، تهذيب الكمال (767)، تاريخ
الاسلام 5 / 270، تهذيب التهذيب 6 / 114، خلاصة تهذيب الكمال (222).
(* *) طبقات ابن سعد 7 / 21، التاريخ الكبير 6 / 215، الجرح والتعديل 6 / 145،
تهذيب الكمال (925)، تاريخ الاسلام 5 / 276، ميزان الاعتدال 3 / 59 - 60، تهذيب
التهذيب 7 / 153 - 154، خلاصة تهذيب الكمال (262).
(1) البتوت: الأكسية الغليظة.
148

وقيل: سليمان، وأصله من الكوفة حدث عن أنس بن مالك، والشعبي، وعبد
الحميد بن سلمة، والحسن.
وعنه: شعبة، وسفيان، وهشيم ويزيد بن زريع، وابن علية، وعيسى بن
يونس.
وثقه أحمد، والدارقطني، وابن سعد، وابن معين، فيما نقله عباس عنه.
وروى معاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: شيخ
يكتب حديثه.
وقال ابن سعد: له أحاديث، كان صاحب رأي وفقه.
61 - جعفر بن ربيعة * (ع)
ابن الأمير شرحبيل بن حسنة، الفقيه الامام، أبو شرحبيل، الكندي، حليف
بني زهرة بن كلاب، سكن مصر أو ولد بها; وقد أدرك والده ربيعة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورآه، ورأى جعفر عبد الله بن الحارث بن جزء.
وحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي الخير مرثد اليزني، وعراك بن
مالك، والأعرج وعدة.
حدث عنه: الليث بن سعد، وبكر بن مضر، وعبد الله بن لهيعة وآخرون.
وثقه ابن سعد، والنسائي. وقال ابن سعد: مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة
وقيل: توفي سنة ست وثلاثين وهو الأصح. وقيل: توفي سنة أربع وثلاثين
ومئة. قاله شباب.

طبقات خليفة (295)، التاريخ الكبير 2 / 190، التاريخ الصغير: 2 / 40،
الجرح والتعديل 2 / 478، مشاهير علماء الأمصار 187، تهذيب الكمال: (195)، تاريخ
الاسلام 5 / 223، تهذيب التهذيب 2 / 90 - 92، خلاصة تذهيب الكمال 62 - 63، شذرات
الذهب 1 / 192.
149

62 - أبو الأسود * (ع)
محمد بن عبد الرحمن، بن نوفل، بن الأسود، بن نوفل، بن خويلد، بن
أسد، بن عبد العزى، بن قصي. الإمام أبو الأسود القرشي، الأسدي، يتيم
عروة. وكان أبوه أوصى به إلى عروة، وكان جده أحد السابقين ومن مهاجرة
الحبشة، أعني نوفلا، وبأرض الحبشة توفي، فيقضي أن يكون ولده عبد
الرحمن من صغار الصحابة.
نزل أبو الأسود مصر، وحدث بها بكتاب المغازي لعروة بن الزبير عنه،
وروى عن علي بن الحسين، والنعمان بن أبي عياش، وعكرمة، وطائفة.
وعنه: حياة بن شريح، وشعبة بن الحجاج، ومالك بن أنس، وابن لهيعة
وأنس بن عياض الليثي، وآخرون.
وهو من العلماء الثقات. عداده في صغار التابعين. مات سنة بضع وثلاثين
ومئة.
63 - موسى بن أبي عائشة * * (ع)
الهمداني، الكوفي، العابد، أحد العلماء العابدين. حدث عن سعيد بن
جبير، وعبد الله بن شداد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعدة.
وعنه: شعبة، وسفيان، وزائدة، وأبو إسحاق الفزاري، وابن عيينة،

التاريخ الكبير 1 / 145، الجرح والتعديل 7 / 321، تهذيب الكمال (1232)،
تاريخ الاسلام 5 / 296، تهذيب التهذيب 9 / 307 - 308، خلاصة تذهيب الكمال 348 - 349
(* *) التاريخ الكبير 7 / 289، الجرح والتعديل 8 / 156، مشاهير علماء الأمصار
105، تهذيب الكمال (1390)، تاريخ الاسلام 5 / 307، تهذيب التهذيب 10 / 352 -
353، خلاصة تذهيب الكمال 391.
150

وعبيدة بن حميد، وآخرون.
وثقه ابن عيينة. وقال جرير بن عبد الحميد: كنت إذا رأيته، ذكرت الله.
وقال القطان: كان يحسن سفيان الثناء عليه، وروى ابن عيينة أن جارا لموسى
ابن أبي عائشة قال: ما رفعت رأسي قط إلا رأيته يصلي.
64 - برد بن سنان * (4)
الفقيه أبو العلاء الدمشقي، نزيل البصرة، من كبار العلماء.
حدث عن واثلة بن الأسقع، وعطاء بن أبي رباح، وعباد بن نسى، وعمرو
ابن شعيب، ومكحول.
حدث عنه السفيانان، والحمادان، ويزيد بن زريع، وابن علية، وعلي بن
عاصم، وآخرون.
وثقه النسائي وغيره. قال يزيد بن زريع: ما قدم علينا شامي خير من برد،
وقال يحيى بن معين: هرب برد من مروان الحمار إلى البصرة. قيل: توفي برد
في سنة خمس وثلاثين ومئة. رحمه الله.
65 - حجاج بن حجاج * * (خ، م، د، س، ق)
الباهلي، البصري، الأحول، الحافظ.

طبقات خليفة (315)، التاريخ الكبير 2 / 134، التاريخ الصغير: 2 / 37،
الجرح والتعديل 2 / 422، مشاهير علماء الأمصار 156، تهذيب الكمال (141)، تاريخ
الاسلام 5 / 231، تهذيب التهذيب 1 / 428 - 429، خلاصة تذهيب الكمال (46)،
شذرات الذهب 1 / 192.
(* *) التاريخ الكبير 2 / 372 - 373، الجرح والتعديل 3 / 158، تهذيب الكمال
(233)، تاريخ الاسلام 5 / 235، ميزان الاعتدال 1 / 461، تهذيب التهذيب 2 / 199 -
200، خلاصة تذهيب الكمال (72).
151

حدث عن أنس بن سيرين، والفرزدق، وقتادة ولازمه، وأبي الزبير
المكي، وكان موصوفا بالحفظ.
حدث عنه: محمد بن جحادة رفيقه، وإبراهيم بن طهمان تلميذه، ويزيد
ابن زريع وآخرون.
وثقه أبو حاتم الرازي وغيره. مات في الكهولة بالبصرة في سنة إحدى
وثلاثين ومئة. رحمه الله.
66 - أبو هاشم الرماني * (ع)
الواسطي، ثقة، حجة. قيل: اسمه يحيى بن دينار. وقيل: نافع.
حدث عن أبي العالية، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وأبي
عمر زاذان، وأبي وائل، وأبي الأحوص، وأبي مجلز، وإبراهيم النخعي
ومجاهد، وعكرمة، وأبي صالح، وعدة.
روى عنه: خلف بن خليفة، وهشيم، وروح بن القاسم، وشريك وشعبة،
وسفيان، وقيس بن الربيع، وآخرون.
واحتجوا به في الكتب الستة، وهو ممن يجمع حديثه.
توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
67 - الحسن بن الحر * * (د، س)
النخعي أو الجعفي، كوفي، إمام عابد، سكن دمشق.

التاريخ الكبير 8 / 271، الجرح والتعديل 9 / 140، اللباب 2 / 36، تهذيب الكمال
(1660)، تاريخ الاسلام 5 / 196، تهذيب التهذيب 12 / 261 - 262، خلاصة تذهيب
الكمال (462)
(* *) التاريخ الكبير 2 / 290، الجرح والتعديل 3 / 8، مشاهير علماء الأمصار 164،
تهذيب الكمال (254)، تاريخ الاسلام 5 / 235، تهذيب التهذيب 2 / 261 - 262، خلاصة
تذهيب الكمال (77).
152

وحدث عن أبي الطفيل، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وخاله عبدة بن أبي لبابة
حدث عنه، ابن أخيه حسين بن علي الجعفي، وزهير بن معاوية، وحميد
ابن عبد الرحمن الرؤاسي، وجماعة.
وثقه ابن معين. قال زهير: اقترض أبي من الحسن بن الحر ألفا، ثم وجه
بها إليه، فردها، وقال، اشتر بها لزهير سكرا. وقال حسين الجعفي: كان
الحسن بن الحر إذا مر به من يبيع ملحا، أو من رأس ماله نحو درهمين،
فيعطيه خمسة. يقول، اجعلها رأس مالك، وخمسة أخرى، فيقول، خذ بها
دقيقا وتمرا، وخمسة أخرى فيقول: خذ بها قطنا للمرأة.
قال محرز بن حريث، كتب الحسن بن الحر إلى عمر بن عبد العزيز: إني
كنت أقسم زكاتي، فلما وليت رأيت أن أستأمرك. فكتب إليه: ابعث بها إلينا،
وسم لنا إخوانك نغنهم عنك.
قال العجلي: كان كثير المال، سخيا، متعبدا، قال الأوزاعي: ما قدم
علينا من العراق مثل الحسن بن الحر، وعبدة بن أبي لبابة وكانا شريكين،
وقال الحاكم: ثقة مأمون. وينسب إلى جده، فيقال: الحسن ابن الحكم،
وقال ابن سعد: هو مولى لبني الصيداء. قوم من بني أسد. مات سنة ثلاث
وثلاثين ومئة.
68 - الجريري * (ع)
الامام المحدث، الثقة، أبو مسعود، سعيد بن إياس الجريري، البصري، من كبار العلماء.

التاريخ الكبير 3 / 456 - 457، التاريخ الصغير 2 / 78، الجرح والتعديل 4 / 1 - 2،
مشاهير علماء الأمصار 153، اللباب 1 / 276، تهذيب الكمال 479، تاريخ الاسلام
6 / 69، تذكرة الحفاظ 1 / 155، ميزان الاعتدال 2 / 127، تهذيب التهذيب 4 / 5 - 7،
خلاصة تذهيب الكمال 136.
153

روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وأبي عثمان النهدي، وعبد الله بن
شقيق، وأبي نضرة، وابن بريدة وخلق سواهم.
حدث عنه: ابن المبارك، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية، ويزيد
ابن هارون، وعيسى بن يونس، ويحيى القطان، ومحمد بن عبد الله
الأنصاري، وعدد كثير.
قال أحمد بن حنبل: هو محدث البصرة، وقال ابن معين وجماعة: ثقة،
وقال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته، وقال محمد بن أبي عدي: لا نكذب
الله! سمعنا من الجريري وهو مختلط، وقال أحمد بن حنبل: سألت ابن
علية: أكان الجريري اختلط؟ قال: لا. كبر الشيخ فرق.
قال الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أتيت الجريري فسمعته
يقول: حدثنا ابن بريدة عن عبد الله بن عمرو قال: " بين كل أذانين صلاة "
فلما خرجت، قال لي رجل: إنما هو عن عبد الله بن مغفل (1).
فرجعت إليه فقلت له، فقال: عن عبد الله بن مغفل.
وروى ابن علية عن كهمس قال: أنكرنا الجريري قبل الطاعون.
وقال يزيد بن هارون: سمعت من الجريري في سنة اثنتين وأربعين ومئة،

(1) أخرجه البخاري 2 / 88 و 89 في الاذان، باب: كم بين الأذان والإقامة، من حديث
خالد بن عبد الله الطحان، عن الجريري، عن ابن بريدة، عن عبد الله بن مغفل المزني " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بين كل أذانين صلاة، ثلاثا، لمن شاء " وخالد ممن سمع من الجريري
بعد اختلاطه. لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية، يزيد بن زريع، وعبد الاعلى، وابن
علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه. وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا. وقد قال
العجلي: إنه من أصحهم سماعا من الجريري، وإنه سمع منه قبل اختلاطه بثماني سنين،
وهو عند أبي داود (1283) عن ابن علية. ولم ينفرد به مع ذلك الجريري، بل تابعه عليه
كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة عند البخاري 2 / 91، ومسلم (838)، والترمذي
(135)، والنسائي 2 / 28.
154

وهي أول دخولي البصرة، ولم ننكر منه شيئا. وكان قد قيل لنا: إنه قد اختلط.
وقد سمع منه إسحاق الأزرق بعدنا.
وروى عباس، عن يحيى بن معين، قال: سمع يحيى بن سعيد من
الجريري، وكان لا يروي عنه.
وقال أحمد: كان أيوب السختياني يقدم الجريري على سليمان التيمي لأنه
كان يخاصم القدرية. وكان أيوب لا يعجبه أن يخاصمهم. وقال: ومن غرائب
الجريري حديث مسلم " إذا بويع لخليفتين فاقتل الا حدث منهما " (1).
وحديث " لا تقل عليك السلام، فإنها تحية الميت " (2)، وقد رويا له في

(1) أخرجه مسلم (1853) في الامارة، باب: إذا بويع لخليفتين، من حديث خالد بن
عبد الله، عن الجريري، عن أبي نضرة عن أبي سعيد. وفيه " الآخر " بدل " الا حدث ".
(2) أخرجه أحمد 3 / 482 من حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن سعيد الجريري، عن
أبي السليل، عن أبي تميمة الهجيمي (وقد تحرف إلى الهجيني) قال إسماعيل مرة: عن أبي
تميمة الهجيمي، عن رجل من قومه قال: لقيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،... وقد رواه الحاكم
في مستدركه 4 / 168 من طريق الجريري، عن أبي السليل، عن أبي تميمة الهجيمي، عن
جابر بن سليم الهجيمي، وصححه، ووافقه عليه الذهبي. وأخرجه أبو داود (4084) في
اللباس، باب: ما جاء في إسبال الازار من طريق: مسدد، عن يحيى، عن أبي غفار، عن
أبي تميمة الهجيمي، عن أبي جري جابر بن سليم. وإسناده صحيح. وأخرجه الترمذي
(2723) من طريق الحسن بن علي الخلال عن أبي أسامة، عن أبي غفار به، وقال:
حديث حسن صحيح. وقوله: " لا تقل عليك السلام فإنها تحية الميت " قال ابن القيم في
مختصر السنن 6 / 49: الدعاء بالسلام دعاء بخير والأحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء
على المدعو له; كقوله تعالى: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت)، وقوله: (وسلام عليه
يوم ولد، ويوم يموت) وقوله تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم). وأما الدعاء بالشر فيقدم
المدعو عليه على الدعاء غالبا، كقوله تعالى لإبليس: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين)
وكقوله تعالى: (وإن عليك اللعنة) وكقوله تعالى: (عليهم دائرة السوء)، وكقوله تعالى:
(عليهم غضب، ولهم عذاب شديد) وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إشارة إلى ما جرت منهم في تحية
الأموات، إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم، كقوله:
عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ما شاء أن يترحما
وكقول الشماخ:
عليك سلام من أديم وباركت * يد الله في ذاك الأديم الممزق
وليس مراده أن السنة في تحية الميت، أن يقال: " عليك السلام " كيف؟! وقد ثبت في
الصحيح عنه، عليه السلام، أنه دخل المقبرة فقال: " السلام عليكم أهل دار مؤمنين " فقدم
الدعاء على اسم المدعو له، كهو في تحية الاحياء، فالسنة لا تختلف في تحية الاحياء
والأموات.
155

الصحيحين، وتحايدا ما حدث به في حال تغير حفظه. فجرى له في الشيخوخة
نظير ما تم لسعيد بن أبي عروبة. توفي الجريري سنة أربع وأربعين ومئة.
69 - رقبة بن مصقلة * (خ، م، د، ت، س)
الامام الثبت، العالم، أبو عبد الله العبدي الكوفي.
حدث عن أنس بن مالك، وعن عطاء بن أبي رباح ونافع، وطلحة بن
مصرف، وعون بن أبي جحيفة وغيرهم.
وعنه: صاحبه سليمان التيمي، وأبو عوانة، وجرير بن عبد الحميد،
ومحمد بن فضيل، وجماعة.
قال أحمد بن حنبل: ثقة مأمون. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان
ثقة، مفوها يعد من رجالات العرب. رحمه الله تعالى.

التاريخ الكبير 3 / 342، الكامل في التاريخ 5 / 377، تهذيب الكمال (420)،
تذهيب التهذيب 1 / 227 / 2، تهذيب التهذيب 3 / 286 - 287، خلاصة تذهيب الكمال
(119).
156

70 - الزبير بن عدي * (ع)
العلامة الثقة، أبو عدي الهمداني، اليامي، الكوفي، قاضي الري.
حدث عن أنس بن مالك، وأبي وائل شقيق، والحارث الأعور، وإبراهيم
النخعي، ومصعب بن سعد.
وعنه: مالك بن مغول، ومسعر، وسفيان الثوري، وبشر بن الحسين،
وجماعة.
وثقه أحمد، وكان فاضلا صاحب سنة. قال العجلي: ثقة، ثبت من
أصحاب إبراهيم. كان مع قتيبة الباهلي، فقال له إبراهيم: اتق الله لا تقتل مع
قتيبة (1). يقال: مات سنة إحدى وثلاثين ومئة.
71 - يزيد بن عبد الله بن خصيفة * (ع)
وخصيفة هو أخو السائب ابني يزيد بن سعيد بن أخت نمر الكندي،
المدني، الفقيه.
حدث عن السائب بن يزيد، وعروة بن الزبير، وبسر بن سعيد، ويزيد بن
قسيط.

التاريخ الكبير 3 / 410، التاريخ الصغير 2 / 26 - 27، الجرح والتعديل 3 / 579 -
580، تهذيب الكمال (428 - 429)، تذهيب التهذيب 1 / 232 / 2، ميزان الاعتدال
2 / 68، تهذيب التهذيب 3 / 317، خلاصة تذهيب الكمال (121)، شذرات الذهب
1 / 181.
(1) وذلك عندما خلع قتيبة سليمان بن عبد الملك، وخرج عليه.
(* *) التاريخ الكبير 8 / 345، الجرح والتعديل 9 / 274، مشاهير علماء الأمصار
(135)، تهذيب الكمال (1535)، تذهيب التهذيب 4 / 177 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 430،
تهذيب التهذيب 11 / 340، خلاصة تذهيب الكمال (432). وخصيفة بضم الخاء كما في
الأصل وضبط خطأ في المطبوع من " التقريب " بالفتح.
157

وعنه: مالك، والثوري، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وابن
عيينة، والدراوردي، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين. وقال ابن سعد: كان ثبتا، عابدا، ناسكا، كثير
الحديث. قلت: توفي بعد الثلاثين ومئة.
72 - يزيد بن يزيد بن جابر * (م، د، ت، ق)
الأزدي، الدمشقي، أخو عبد الرحمن بن يزيد
حدث عن يزيد بن الأصم، ومكحول، ورزيق بن حيان، ووهب بن منبه،
وطائفة.
روى عنه: الأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان الثوري، وأبو
المليح الرقي، وابن عيينة، وحسين الجعفي، وآخرون.
وكان من كبار الأئمة الاعلام، ذكر للقضاء مرة فإذا هو أكبر من القضاء.
وقال أبو داود: ثقة. أجازه الوليد بن يزيد بخمسين ألف دينار.
وعن ابن عيينة، قال: لا أعلم مكحولا خلف مثل يزيد بن يزيد بالشام إلا
ما ذكره ابن جريج من سليمان.
وقال الجعفي: قدم علينا يزيد بن يزيد، فذكر من بكائه.
وقال هشام بن عمار: أفسد نفسه. خرج فأعان على قتل الوليد، وأخذ مئة
ألف دينار.

تاريخ خليفة (411)، طبقات خليفة (312، 315) التاريخ الكبير 8 / 369،
الجرح والتعديل 9 / 296 - 297، مشاهير علماء الأمصار (180)، تهذيب الكمال
(1544)، تذهيب التهذيب 4 / 182 / 1، ميزان الاعتدال 4 / 442، تهذيب التهذيب 11 /
370، خلاصة تذهيب الكمال (435)، شذرات الذهب 1 / 192 التاريخ الصغير 1 / 320،
323.
158

قال ابن عيينة: كان حسن الهيئة، حسن النحو، يقولون: لم يكن في
أصحاب مكحول مثله.
وقال عبد الله بن عبد الرحمن لم يكن لعمي يزيد كتاب.
قال دحيم: مات مكحول فأحدقوا بيزيد بن يزيد وكان رجلا سكيتا،
فتحولوا إلى سليمان بن موسى فأوسعهم علما. وفي لفظ: كان زميتا (1) لا
يحدث إلا أن يسأل. وقال يحيى بن معين والنسائي: ثقة.
وقال خليفة وابن سعد: مات سنة أربع وثلاثين ومئة. وقيل: مات سنة ثلاث
وثلاثين ومئة قلت: عاش أخوه بعده ثلاثين سنة.
73 - شريك * (خ، م، د، س، ق)
ابن عبد الله بن أبي نمر المدني، المحدث.
حدث عن أنس، وسعيد بن المسيب، وكريب، وعطاء بن يسار، وجماعة.
حدث عنه مالك، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل
ابن جعفر، وأبو ضمرة الليثي، وروى عنه من الكبار: سعيد المقبري، وذلك
في الصحيح.
قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس. وقالا مرة: ليس بالقوي، وقد جهل
عليه أبو محمد بن حزم، واتهمه بالوضع، وقد وثقه أبو داود، وروى عنه مثل

(1) الزميت: الحليم، الساكن، القليل الكلام، الوقور، الرزين.
تاريخ خليفة (419)، طبقات خليفة (266)، التاريخ الكبير 4 / 236، التاريخ
الصغير 2 / 213، الجرح والتعديل (4 / 363 - 364)، ثقات ابن حبان 3 / 111، مشاهير
علماء الأمصار (81)، تهذيب الكمال (582)، تذهيب التهذيب 2 / 75 / 2، ميزان الاعتدال
2 / 269 - 270، تهذيب التهذيب 4 / 337 - 338 خلاصة تذهيب الكمال (166).
159

مالك، ولا ريب أنه ليس في الثبت كيحيى بن سعيد الأنصاري (1). وفي
حديث الاسراء من طريقه ألفاظ، لم يتابع عليها. وذلك في صحيح
البخاري. مات قبل الأربعين ومئة.
74 - هاشم بن يزيد *
ابن خالد بن الخليفة يزيد بن معاوية السفياني.

(1) شريك صدوق، إلا أنه سيئ الحفظ، فهو يستشهد به في المتابعات، وأما حديث
الاسراء الذي أخرجه البخاري من طريقه 13 / 399 - 406 فقد تفرد فيه بأشياء لم يذكرها
غيره، وهي معدودة من أوهامه، وهي عشرة أشياء: الأول: أمكنة الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام في السماء. الثاني: كون المعراج قبل البعثة، الثالث: كونه مناما. الرابع:
مخالفته في النهرين. الخامس: مخالفته في محل سدرة المنتهى. السادس: شق الصدر
عند الاسراء. السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا. الثامن: نسبة الدنو والتدلي إلى
الله عز وجل. التاسع: تصريحه أن امتناعه، صلى الله عليه وسلم، من الرجوع إلى سؤال ربه التخفيف كان
عند الخامسة. العاشر: قوله: فعلا به إلى الجبار، فقال وهو في مكانه. وقال عبد الحق
الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين: زاد شريك في حديث الاسراء زيادة مجهولة، وأتى
فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الاسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى
شريك، وشريك ليس بالحافظ. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره 3 / 3: إن شريك بن عبد
الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث، وساء حفظه، ولم يضبطه. وقال الحافظ أبو بكر
البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها، على مذهب من زعم أنه، صلى الله عليه وسلم، رأى ربه عز
وجل يعني قوله: " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى ". وقول عائشة،
وابن مسعود، وأبي هريرة، في حملهم هذه الآيات على رؤية جبريل أصح، قال ابن كثير:
وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال: يا رسول الله،
هل رأيت ربك؟ قال، نور أنى أراه! وفي رواية " رأيت نورا "، أخرجه مسلم (178).
وقوله (ثم دنا فتدلى) إنما هو جبريل عليه السلام، كما ثبت ذلك في " الصحيحين " عن
عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة. ولا
يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بها.
(*) انظر ترجمته في تاريخ ابن عساكر.
160

بايعه بالخلافة أهل دمشق، لما هلك السفاح، ودعا عمه إلى نفسه. فكان
القائم بخلافة هاشم الأمير عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي. فلما أقبل
لحربه صالح عم المنصور هرب هاشم وابن سراقة.
وكان ابن سراقة قد شتم بني العباس على منبر دمشق لأفاعيلهم، وسفكهم
الدماء. وقد كان ابن سراقة استنابه عبد الله بن علي على دمشق، فلما سبهم عزل
وجاء على نيابة دمشق مقاتل بن حكيم، فظفر بابن سراقة، فضرب عنقه. ولم
يبلغنا ما جرى لهاشم. ذكره ابن عساكر.
75 - عبد الله بن علي *
ابن البحر عبد الله بن عباس، عم السفاح والمنصور، من رجال العالم
ودهاة قريش. كان بطلا شجاعا مهيبا، جبارا عسوفا، سفاكا للدماء. به قامت
الدولة العباسية. سار في أربعين ألفا أو أكثر فالتقى الخليفة مروان بقرب
الموصل فهزمه، ومزق جيوشه، ولج في طلبه، وطوى البلاد حتى نازل دار
الملك دمشق، فحاصرها أياما، وأخذها بالسيف، وقتل بها إلى الظهر نحوا
من خمسين ألف مسلم من الجند وغيرهم. ولم يرقب فيهم إلا ولا ذمة، ولا
رعى رحما، ولا نسبا. ثم جهز في الحال أخاه داود بن علي في طلب مروان،
إلى أن أدركه بقرية بوصير من بلاد مصر، فبيته، فقاتل المسكين حتى قتل.
وهرب ابناه إلى بلاد الحبشة، وانتهت الدولة الأموية.
ولما مات السفاح، زعم عبد الله أنه ولي عهده، وبايعه أمراء الشام، وبويع

المحبر ص 485، وأخباره منثورة في الطبري الجزء السابع، تاريخ بغداد 10 / 8 -
9، وفي الكامل في الجزء الخامس، وفي البداية والنهاية لابن كثير. وفي البيان والتبيين
1 / 335 و 2 / 210 و 3 / 167، والنجوم الزاهرة 2 / 7.
سير 6 / 11
161

المنصور بالعراق، وندب لحرب عمه صاحب الدعوة أبا مسلم الخراساني،
فالتقى الجمعان بنصيبين، فاشتد القتال وقتلت الابطال، وعظم الخطب، ثم
انهزم عبد الله في خواصه، وقصد البصرة، فأخفاه أخوه سليمان مدة، ثم ما
زال المنصور يلح حتى أسلمه، فسجنه سنوات. فيقال: حفر أساس الحبس
وأرسل عليه الماء فوقع على عبد الله في سنة سبع وأربعين ومئة، فالامر لله.
76 - رؤبة بن العجاج *
التميمي، الراجز، من أعراب البصرة، وسمع أباه والنسابة البكري.
روى عنه يحيى القطان، والنضر بن شميل، وأبو عبيدة وأبو زيد النحوي،
وطائفة.
وكان رأسا في اللغة، وكان أبوه قد سمع من أبي هريرة. قال خلف
الأحمر: سمعت رؤبة يقول: ما في القرآن أعرب من قوله تعالى: (فاصدع
بما تؤمر) [الحجر: 92]. قال النسائي في رؤبة: ليس بالقوي. وقال
غيره: توفي سنة خمس وأربعين ومئة.
ورؤبة بالهمز: قطعة من خشب يشعب بها الاناء. جمعها رئاب. والروبة
بواو: خميرة اللبن. والروبة أيضا، قطعة من الليل.
77 - سليمان بن علي * * (س، ق)
الأمير عم المنصور.
روى عن أبيه وعكرمة.

البيان والتبيين 1 / 37، 40، 68، 2 / 9، 13، 97، و 3 / 10، 211 و 4 / 80، الشعر
والشعراء (495)، المؤتلف والمختلف (175)، معجم الأدباء 11 / 149 - 151، وفيات
الأعيان 2 / 303، لسان الميزان 2 / 264، شذرات الذهب 1 / 223، الخزانة 1 / 43.
(* *) البيان والتبيين، 1 / 127، 354، و 2 / 342 و 3 / 24، 97، التاريخ الكبير 4 / 25،
المعارف 164، تهذيب الكمال 547، تذهيب التهذيب 2 / 53 / 2، تهذيب التهذيب
4 / 211، 212، خلاصة تذهيب الكمال 154.
162

وعنه: ابنه جعفر، وعافية القاضي، ومحمد بن راشد المكحولي،
والأصمعي، وبنته زينب بنت سليمان.
وكان أحد الأجواد. قيل: كان يعتق عشية عرفة مئة مملوك. وقيل: بلغت
عطاياه في بعض المواسم خمسة آلاف ألف درهم.
ولي البصرة مدة، وكان يخضب وقد شاب وهو ابن عشرين سنة. وورد أنه
كان في سطح القصر، فسمع نسوة يقلن: ليت الأمير اطلع علينا فأغنانا؟ فرمى
إليهم جوهرا وذهبا.
مات في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وأربعين ومئة. وهو والد الأميرين
محمد وجعفر.
78 - حميد بن أبي حميد * (ع)
الطويل، الامام الحافظ، أبو عبيدة البصري، مولى طلحة الطلحات،
ويقال: مولى سلمى. وقيل غير ذلك. وفي اسم أبيه أقوال أشهرها تيرويه،
وقيل: تير. وقيل: زاذويه لا بل ابن زاذويه. شيخ مقل.
حدث عنه ابن عون، هو يروى أيضا عن أنس. وقيل، اسم والد حميد
الطويل: داور أو مهران، أو طرخان، أو مخلد، أو عبد الرحمن.
مولده في سنة ثمان وستين، عام موت ابن عباس.
وسمع أنس بن مالك، والحسن، وأبا المتوكل، وعكرمة وموسى بن أنس،

طبقات ابن سعد 7 / 17، تاريخ خليفة (5، 140، 420)، طبقات خليفة (219)
التاريخ الكبير 2 / 348، التاريخ الصغير 1 / 230، ثقات ابن حبان 3 / 10، الجرح والتعديل
3 / 221، مشاهير علماء الأمصار (93)، الكامل في التاريخ 5 / 511، تهذيب الكمال
339، تذهيب التهذيب 1 / 178 / 1 - 2، تاريخ الاسلام 6 / 57، تذكرة الحفاظ 1 / 152 -
153، ميزان الاعتدال 1 / 610، خلاصة تذهيب الكمال (94)، شذرات الذهب 1 / 211 -
212.
163

وبكر بن عبد الله، وعبد الله بن شقيق العقيلي، وثابت البناني، وابن أبي
مليكة، ويوسف بن ماهك، وطائفة وكان صاحب حديث، ومعرفة وصدق.
روى عنه: عاصم بن بهدلة، وشعبة، وزياد بن سعد، وابن جريج،
والسفيانان، والحمادان، وإسماعيل بن جعفر، وأبو إسحاق الفزاري، وخالد
ابن عبد الله، وزائدة، وزهير بن معاوية، وبشر بن المفضل، وخالد بن
الحارث، وأبو خالد الأحمر، وعباد بن العوام، وابن المبارك، وعبد الاعلى
السامي، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد الوهاب الثقفي، ومالك، وهشيم،
ووهيب، ويزيد بن زريع، وعبيدة بن حميد، ويحيى القطان، وأبو بكر بن
عياش، ويزيد بن هارون، ومحمد بن أبي عدي، ومروان بن معاوية، ومحمد
ابن عيسى بن سميع، والنضر بن شميل، وقريش بن أنس، ومعاذ بن معاذ،
ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وخلق كثير، وروى عنه من أقرانه يحيى بن
سعيد الأنصاري.
ويقال: من سبي كابل في سنة أربع وأربعين، والد حميد الطويل.
وروى الفسوي عن أبي موسى الزمن، قال: حميد بن تيرويه وهم يغضبون
منه.
قال حاشد بن إسماعيل البخاري: سألت إبراهيم بن حميد الطويل،
قلت: ما اسم جدك؟ قال: لا أدري.
قال الأصمعي: رأيت حميدا ولم يكن بطويل، ولكن كان طويل اليدين،
وكان قصيرا، لم يكن بذاك الطويل، ولكن كان له جار يقال له: حميد
القصير فقيل: حميد الطويل ليعرف من الآخر.
وروى إسحاق الكوسج عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أحمد العجلي:
بصري تابعي، ثقة، وهو خال حماد بن سلمة. وقال أبو حاتم الرازي: ثقة، لا
164

بأس به. وقال: أكبر أصحاب الحسن قتادة، وحميد. وقال ابن خراش: ثقة،
صدوق، وعامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت. يريد أنه كان يدلسها (1)
وروى يحيى بن أبي بكير، عن حماد بن سلمة قال: أخذ حميد كتب
الحسن، فنسخها ثم ردها عليه.
وروى الأصمعي عن حماد بن سلمة، قال: لم يدع حميد لثابت البناني
علما إلا وعاه، وسمعه منه.
التبوذكي، عن حماد، قال: عامة ما يروي حميد عن أنس سمعه من
ثابت. قال زهير بن معاوية: قدمت البصرة فأتيت حميدا الطويل، وعنده أبو
بكر بن عياش، فقلت له: حدثني. فقال: سل. قلت: ما معي شئ أسأل
عنه، قال: فحدثني بثلاثين حديثا. قلت: حدثني. فحدثني بتسعة وأربعين
حديثا. فقلت: ما أراك إلا قد قاربت فجعل يقول: سمعت أنسا والأحيان
يقول: قال أنس. فلما فرغ، قلت: أرأيت ما قد حدثتني به عن أنس بن
مالك، أنت سمعته منه؟ فقال أبو بكر: هيهات، فاتك ما فاتك! يقول: كان
ينبغي لك أن تقفه عند كل حديث وتسأله. فكأن حميدا وجد في نفسه فقال:
ما حدثتك بشئ عن أحد، فعنه أحدثك. قال: فلم يشف قلبي.
قال ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: كان حميد الطويل إذا ذهبت
تقفه على بعض حديث أنس يشك فيه.
وروى عفان، عن يحيى بن سعيد قال: كنت أسأل حميدا عن الشئ من فتيا
الحسن، فيقول: نسيته.
وروى يوسف بن موسى، عن يحيى بن يعلى المحاربي قال: طرح زائدة

(1) ولا يعاب في ذلك لأنه دلس عن ثقة.
165

حديث حميد الطويل.
وروى عمر بن حفص الأشقر، عن مكي بن إبراهيم، قال: مررت بحميد
الطويل، وعليه ثياب سود، فقال لي أخي: ألا تسمع من حميد؟ فقلت:
أسمع من الشرطي؟!
وقال ابن عيينة: يقال اختلط على حميد ما سمع من أنس ومن ثابت.
ويروى عن شعبة قال: كل شئ سمع حميد من أنس خمسة أحاديث.
وروى أبو عبيدة الحداد، عن شعبة، قال: لم يسمع حميد من أنس إلا
أربعة وعشرين حديثا، والباقي سمعها من ثابت، أو ثبته فيها ثابت.
قلت: لحميد، عن أنس، في كتب الاسلام شئ كثير. وأظن له في
الكتب الستة عنه مئة حديث.
علي بن المديني، عن أبي داود، سمعت شعبة، سمعت حبيب بن الشهيد
يقول لحميد وهو يحدثني: انظر ما تحدث به شعبة، فإنه يرويه عنك. ثم يقول
لي: إن حميدا رجل نسي، فانظر ما يحدثك به. وقال معاذ بن معاذ: كنا عند
حميد، فأتاه شعبة فقال: يا أبا عبيدة: حديث كذا وكذا شك فيه. قال: إنه
ليعرض لي أحيانا. فانصرف شعبة. فقال حميد: ما أشك في شئ منها.
ولكنه غلام صلف أحببت أن أفسدها عليه.
قال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث كثيرة مستقيمة، فأغنى لكثرة حديثه أن
أذكر له شيئا من حديثه، وقد حدث عنه الأئمة. وأما ما ذكر عنه أنه لم يسمع
من أنس إلا مقدار ما ذكر، وسمع الباقي من ثابت عنه، فإن تلك الأحاديث
166

يميزها من كان يتهمه أنها عن ثابت عنه، لأنه قد روى عن أنس، وقد روى عن
ثابت عن أنس أحاديث، فأكثر ما في بابه أن الذي رواه عن أنس البعض مما
يدلسه عن أنس، وقد سمعه من ثابت وقد دلس جماعة من الرواة عن مشايخ
قد رأوهم.
ابن سعد: أنبأنا أبو عبد الله التميمي، أخبرني أبو خالد الداري، عن حماد
ابن سلمة، قال: أخذ إياس بن معاوية بيدي وأنا غلام فقال: لا تموت أو
تقص. أما إني قد قلت هذا لخالك يعني حميدا - قال: فما مات حتى قص.
قال أبو خالد: فقلت لحماد: فقصصت أنت؟ قال: نعم.
قال معاذ بن معاذ، قال حميد للبتي، يعني عثمان: إذا أتاك الناس،
فاحملهم على أمر واحد، لا، ولكن خذ من هذا ومن هذا فأصلح بينهم.
قال: فقال البتي: لا أطيق سحرك (1). قال: وكان حميد مصلح أهل البصرة.
وروى قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد، قال: كنت جالسا على باب
خالد بن برزين إذ أتاه رجل من أهل الشام، فقال له إياس: إن أردت الصلح،
فعليك بحميد الطويل. تدري ما يقول لك؟ يقول لك: اترك شيئا، ولصاحبك
مثل ذلك.
قال يحيى القطان: مات حميد وهو قائم يصلي، ومات عباد بن منصور وهو
على بطن امرأته.

(1) والنص موجود في ابن عساكر 5 / 168 / 1، دون تغيير ولعله: إذا أتاك الناس فلا
تحملهم على أمر واحد.. والخبر الذي بعده يوضحه.
167

وقال معاذ بن معاذ كان حميد الطويل قائما يصلي فمات. فذكروه لابن
عون، وجعلوا يذكرون من فضله. فقال ابن عون: احتاج إلى ما قدم.
قال سبط حميد وهو يعقوب بن إسحاق: مات جدي في جمادى الأولى
سنة أربعين ومئة.
قلت: هذا وهم. وقال قريش بن أنس، وابن سعد: مات في سنة اثنتين
وأربعين ومئة. وكذا قال الهيثم.
وروى أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد: مات حميد سنة اثنتين أو ثلاث
وأربعين، في آخرها.
وروى محمد بن يوسف البيكندي، عن إبراهيم بن حميد الطويل: مات
أبي سنة ثلاث وأربعين، ولم أسمع منه، وأنا ابن عشر أو نحوها. وروى
الزيادي، عن إبراهيم، مات أبي سنة ثلاث وقد أتت عليه خمس وسبعون
سنة. وقال خليفة والفلاس: سنة ثلاث.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي: سنة اثنتين وتسعين وست مئة،
أنبأنا محمد بن خلف الفقيه سنة ست عشرة وست مئة، أنبأنا أحمد بن محمد
الحافظ سنة ست وستين بالثغر، أنبأنا أبو مسعود محمد، وأبو الفتح أحمد
أنبأنا عبد الله بن أحمد السوذرجاني، أنبأنا علي بن محمد بن ميلة الفرضي،
حدثنا أبو عمرو بن حكيم، حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا
محمد بن عبد الله الأنصاري قاضي البصرة، حدثني حميد الطويل، عن أنس
168

ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقام الساعة حتى لا يقال في الأرض
الله الله " (1).
79 - الربيع بن أنس * (4)
ابن زياد البكري، الخراساني، المروزي. بصري.

(1) أخرجه الترمذي (2208) في الفتن، باب: ما جاء في أشراط الساعة، من طريق:
محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، عن حميد عن أنس.. وأخرجه مسلم (148) في
الايمان، باب: ذهاب الايمان آخر الزمان، من طريق: عبد بن حميد، عن عبد
الرزاق عن معمر، عن ثابت، عن أنس.. ومن طريق عثمان، عن حماد عن ثابت، عن
أنس بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله " وليس في هذا الحديث
مستند لمن يسوغ الذكر بالاسم المفرد، لان المراد منه أنه لا يبقى في الأرض من يوحد الله
توحيدا حقيقيا، ويعبده عبادة صادقة، كما جاء مفسرا في رواية للإمام أحمد في المسند
3 / 162 من طريق عفان عن حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال
في الأرض: لا إله إلا الله " وسنده صحيح، ولم يثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن
أحد من القرون المشهود لها بالفضل، أنهم ذكروا الله بالاسم المفرد، لان الذكر ثناء،
والثناء لا يكون إلا بجملة مفيدة يحسن السكوت عليها، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول في الحديث
الذي أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال: " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله " وسنده حسن وصححه ابن
حبان (2326)، فيا خيبة من يقول: إن توحيد العوام: لا إله إلا الله، وتوحيد الخواص: الله
الله. وفي " الموطأ " من حديث طلحة بن عبيد بن كريز مرفوعا " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ".
وأخرج الإمام أحمد في " المسند " 4 / 36، عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
" أفضل الكلام سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ". وإسناده صحيح.
وأخرج مسلم (2695) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان أقول: سبحان
الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ".
طبقات ابن سعد 7 / 102، الجرح والتعديل 3 / 454 - 455، ثقات ابن حبان
3 / 64، مشاهر علماء الأمصار (126)، تهذيب الكمال 405، تذهيب التهذيب
1 / 216 / 2، تهذيب التهذيب 3 / 238 - 239، خلاصة تذهيب الكمال (114).
169

سمع أنس بن مالك وأبا العالية الرياحي وأكثر عنه، والحسن البصري.
وعنه: سليمان التيمي، والأعمش، والحسين بن واقد، وأبو جعفر الرازي،
وعبد العزيز بن مسلم، وابن المبارك وآخرون.
وكان عالم مرو في زمانه، وقد روى الليث عن عبيد الله بن زحر عنه. ولقيه
سفيان الثوري. قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن أبي داود: سجن بمرو ثلاثين
سنة.
قلت: سجنه أبو مسلم تسعة أعوام، وتحيل ابن المبارك حتى دخل إليه
فسمع منه. يقال: توفي سنة تسع وثلاثين ومئة. حديثه في السنن الأربعة.
80 - بكير بن عبد الله بن الأشج * (ع)
الامام الثقة، الحافظ أبو عبد الله. ويقال أبو يوسف القرشي، المدني، ثم
المصري، مولى بني مخزوم، أحد الاعلام، وهو والد المحدث مخرمة بن
بكير، وأخو يعقوب وعمر.
معدود في صغار التابعين، لأنه روى عن السائب بن يزيد، وأبي أمامة بن
سهل. وروى عن سليمان بن يسار، ومحمود بن لبيد الذي عقل المجة (1)

(1) تاريخ خليفة (354، 382)، طبقات خليفة (263) التاريخ الكبير 2 / 113،
الجرح والتعديل 2 / 403، التاريخ الصغير 1 / 277، مشاهير علماء الأمصار (188)،
تهذيب الكمال 162، تذهيب التهذيب 1 / 90 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 491 - 493، خلاصة
تذهيب الكمال (52)، شذرات الذهب 1 / 160.
(1) أخرج البخاري 1 / 157 في العلم، باب: متى يصح سماع الصغير من حديث
الزهري عن محمود بن الربيع، قال: " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي، وأنا ابن
خمس سنين ". والمج: هو إرسال الماء من الفم. وقيل: لا يسمى مجا إلا إذا كان على
بعد. وفعله صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة له، أو ليبارك عليه بها، كما كان ذلك من شأنه مع
أولاد الصحابة. قاله الحافظ في " الفتح ".
170

النبوية، وكريب، وأبي سلمة، وبسر بن سعيد، وأبي صالح السمان، وعفيف
ابن عمرو السهمي، والمنذر بن المغيرة، وعراك بن مالك، ونافع العمري،
ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وأبي بردة بن أبي موسى، وخلق، وينزل
إلى يزيد بن أبي عبيد، وسهيل بن أبي صالح، وكان من أئمة الاسلام.
روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، وأيوب بن موسى، وابن عجلان، وابن
إسحاق، وعبيد الله بن أبي جعفر، وبكر بن عمرو المعافري، والقدماء من
أقرانه، وغيرهم. وابنه مخرمة، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد،
ويحيى بن أيوب، والضحاك بن عثمان، وابن لهيعة، وآخرون.
قال ابن وهب: ما ذكر مالك بكيرا إلا قال: كان من العلماء، وقال محمد
ابن عيسى بن الطباع: سمعت معن بن عيسى يقول: ما ينبغي لاحد أن يفوق،
أو يفضل بكير بن الأشج في الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: ثقة صالح. وقال يحيى بن معين وغيره: ثقة. قال
أبو الحسن بن البراء: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن
شهاب، وبكير بن الأشج، ويحيى بن سعيد.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة، مدني، لم يسمع منه مالك شيئا
خرج إلى مصر قديما فنزل بها.
وقال النسائي: ثقة، ثبت. وقال الواقدي وابن نمير: مات سنة سبع
وعشرين ومئة. وقال أبو حفص الفلاس: مات سنة اثنتين وعشرين ومئة.
قلت: بل هذا تاريخ وفاة أخيه يعقوب. وقد اشتبه بكير بن عبد الله هذا
على طائفة ببكير بن عبد الله الطائي الكوفي، ويقال: بكير بن أبي عبد الله
171

الطويل الضخم، وهما متعاصران. روى الضخم، عن مجاهد، وكريب،
وسعيد بن جبير، وهو مقل. روى عنه سلمة بن كهيل، وأشعث بن سوار،
وإسماعيل بن سميع الحنفي. وكأنه مات شابا.
أخرج مسلم وابن ماجة من حديث سلمة بن كهيل، عن بكير هذا، عن
كريب، عن ابن عباس، حديث: " بت عند خالتي ميمونة.. " (1) الحديث.
ثم قال سلمة: فلقيت كريبا، فحدثني عن ابن عباس بهذا.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، وأحمد بن هبة الله بن عساكر،
قراءة عليهما منفردين، عن عبد المعز بن محمد البزاز (ح) وأنبأنا إسماعيل بن
ركاب، وموسى بن إبراهيم، قالا: أنبأنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنبأنا
عبد المعز (ح) أنبأنا رشيد بن كامل، ومحمد بن أبي بكر، قالا: أنبأنا أحمد

(1) أخرجه مسلم 1 / 528 - 529 رقم خاص (187) في صلاة المسافرين وقصرها،
باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وابن ماجة (508) في الطهارة وسننها، باب وضوء
النائم. وهو في البخاري 11 / 98 في الدعوات، باب: الدعاء إذ انتبه من الليل، وأخرجه
مالك 1 / 121 في صلاة الليل، والبخاري 2 / 401 - 404 في أبواب الوتر، والنسائي 2 / 218
باب: الدعاء في السجود، وأبو داود (1367)، وابن ماجة (1363) في إقامة الصلاة
والسنة فيها، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل، كلهم من طريق: مخرمة بن سليمان، عن
كريب، أن ابن عباس أخبره أنه بات عند خالته ميمونة.. ولفظ مسلم عن ابن عباس قال:
بت عند خالتي ميمونة فبقيت (رقبت) كيف يصلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فقام، فبال، ثم
غسل وجهه وكفيه، ثم نام، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها، ثم صب في الجفنة، أو
القصعة، فأكبه بيده عليها، ثم توضأ وضوءا حسنا، بين الوضوءين ثم قام يصلي: فجئت
فقمت إلى جنبه، فقمت عن يساره، قال: فأخذني، فأقامني عن يمينه، فتكاملت صلاة
رسول الله، صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه، ثم خرج
إلى الصلاة، فصلى، فجعل يقول في صلاته، أو في سجوده: " اللهم اجعل في قلبي
نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، وأمامي
نورا وخلفي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، واجعل لي نورا، أو قال: واجعلني نورا ".
172

ابن المفرج، حدثنا علي بن الحسن الحافظ، قالا: أنبأنا محمد بن إسماعيل
الفضيلي، أنبأنا محلم بن إسماعيل الضبي، أنبأنا الخليل بن أحمد القاضي،
حدثنا أبو العباس الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بكر بن مضر، عن
عمرو بن الحارث عن بكير، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة قال:
لما نزلت هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [البقرة: 184]
كان من أراد منا أن يفطر، ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها،
فنسختها (1). هذا حديث صحيح، نازل الاسناد، وإنما عززه ورفعه وقوعه من

(1) أخرجه البخاري 8 / 136 في التفسير، باب: فمن شهد منكم الشهر فليصمه،
ومسلم (1145) في الصيام، باب: بيان نسخ قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله
تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وأبو داود (2315) في الصوم، باب: نسخ
قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه)، والنسائي 4 / 190 باب: تأويل قول الله عز وجل: (وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين).
وقد قال ابن قدامة، في المغني 3 / 79: وجملة ذلك أن الشيخ الكبير، والعجوز إذا كان
يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا، ويطعما لكل يوم مسكينا،
وهذا قول علي وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وسعيد بن جبير، وطاووس، وأبي حنيفة،
والثوري، والأوزاعي. وقال مالك: لا يجب عليه شئ، لأنه ترك الصوم لعجزه، فلم
تجب فدية. ولنا الآية، وقول ابن عباس في تفسيرها: نزلت رخصة للشيخ الكبير، ولان
الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء.
وقال الحافظ في الفتح (شرح الحديث 4505): وأما على قراءة ابن عباس فلا نسخ،
لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه، فيفطر، فيكفر، وهذا الحكم
باق.
فمعنى النسخ هنا: ليس إبطال حكم ورفعه من جميع وجوهه لان الآية الثانية، لم تنف
حكم الأولى، من جميع جوانبه. وإنما خصصته. وهذا أحد معاني النسخ عند الصحابة
والتابعين.
وانظر " الموافقات " 3 / 102 للشاطبي، " ومفتاح دار السعادة " 2 / 32 - وما بعدها للعلامة
ابن القيم.
173

الموافقات العالية، فقد رواه الشيخان، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد
الرحمن، جميعا عن قتيبة بن سعيد الثقفي، رحمه الله. تفرد به بكير بن
الأشج، عن يزيد بن أبي عبيد، ومات قبل يزيد بمدة، ولم يروه عن بكير سوى
عمرو بن الحارث. وقد رواه ابن وهب متابعا لبكر بن مضر، عن عمرو نحوه.
والله أعلم.
أخوه:
81 - يعقوب بن عبد الله بن الأشج * (م، ت، س، ق)
أبو يوسف الفقيه.
حدث عن أبي أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيب، وأبي صالح ذكوان، وكريب.
حدث عنه: رفيقه يزيد بن أبي حبيب، ومحمد بن عجلان، وابن إسحاق،
والليث بن سعد، وجماعة.
وثقه بعضهم، واحتج به مسلم، استشهد في غزو البحر (1) في سنة اثنتين
وعشرين ومئة.
82 - محمد بن جحادة * * (ع)
الكوفي، أحد الأئمة الثقات.
حدث عن أنس بن مالك، بأحاديث، لكنها من رواية يحيى بن عقبة بن أبي

التاريخ الكبير 8 / 391، الجرح والتعديل 9 / 209، مشاهير علماء الأمصار 188،
تهذيب التهذيب 11 / 390، خلاصة تهذيب الكمال 436.
(1) هي الغزوة التي غزاها مروان بن محمد، من أرمينيا سنة 125 هجرية، وجميع
القلاع والحصون التي هاجمها كانت على شاطئ البحر. وفي هذه الغزوة قتل ابن
الأشج. الكامل: أحداث هذه السنة.
(* *) طبقات ابن سعد 6 / 233 - 234، التاريخ الصغير للبخاري 2 / 75، التاريخ الكبير
للبخاري 1 / 54، الجرح والتعديل 7 / 222، مشاهير علماء الأمصار (168) تهذيب الكمال
1181، ميزان الاعتدال 3 / 498، تاريخ الاسلام 6 / 125، الوافي بالوفيات 2 / 284،
خلاصة تذهيب الكمال 330.
174

العيزار عنه وحدث عن أبيه، وأبي صالح السمان، وأبي صالح باذام، وعطاء
ابن أبي رباح، ورجاء بن حياة، والحسن، وبكر المزني، وأبي الجوزاء
الربعي (1)، وعمرو بن دينار، وأبي الزبير، ونافع وعمرو بن شعيب، وأبي
حازم الأشجعي، وعطية العوفي، وسليمان بن بريدة، وطلحة بن مصرف،
وجماعة. جمع الطبراني حديث محمد بن جحادة، سمعناه.
حدث عنه شعبة، وزهير بن معاوية، وسفيان بن عيينة، وعبد الوارث،
وابنه إسماعيل بن محمد، وأبو حفص الأبار، وزياد البكائي، وداود بن
الزبرقان، وشريك، وعبد الحكيم بن منصور، وخلق.
وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وكان من الفضلاء الصلحاء.
توفي بطريق مكة في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومئة.
قرأت على إسحاق الأسدي، أخبركم ابن خليل، أنبأنا خليل بن بدر،
أنبأنا أبو علي المقرئ أنبأنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا العباس بن
الربيع بن ثعلب، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن عقبة، عن محمد بن جحادة،
عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم، قال: " لا بأس بها، إنما
هي ريحانة يشمها " (2) والله أعلم.

(1) نسبة إلى ربعة الأسد وهو أوس بن عبد الله الربعي أحد التابعين.
(2) هذا الحديث، بهذا السند، موضوع، آفته يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، وقال أبو
حاتم: يفتعل الحديث. وقال ابن معين: كذاب، خبيث، عدو الله، وقال البخاري: منكر
الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. وقال ابن حبان: وكان ممن يروي الموضوعات
عن أقوام أثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال من الأحوال. ومن العجيب أن الهيثمي أورده
في " المجمع " 3 / 167 ونسبه للطبراني في الصغير والأوسط، ولم يتكلم عليه بشئ.
175

83 - إسماعيل بن أبي خالد * (ع)
الحافظ، الامام الكبير، أبو عبد الله البجلي، الأحمسي، مولاهم
الكوفي. واسم أبيه هرمز، وقيل سعد، وقيل: كثير. وله من الاخوة: أشعب،
وخالد، وسعيد. كان محدث الكوفة في زمانه مع الأعمش، بل هو أسند من
الأعمش.
حدث عن عبد الله بن أبي أوفى، وأبي جحيفة وهب السوائي، وعمرو بن
حريث المخزومي، وأبي كاهل قيس بن عائذ، ولهم صحبة. وعداده في
صغار التابعين، وروى أيضا عن قيس بن أبي حازم، وزيد بن وهب، وزر بن
حبيش، والحارث بن شبيل، وحكيم بن جابر، وطارق بن شهاب، والشعبي،
ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وينزل إلى أبي إسحاق، والزبير بن عدي،
وسلمة بن كهيل، وخلق. ويروي عن أبيه وأخيه خالد، وأخيه سعيد، وكان
من أوعية العلم.
روى عنه الحكم بن عتيبة، ومالك بن مغول، وشعبة، وسفيان، وشريك،
وجرير، وعباد بن العوام، وعبد الله بن نمير، وعيسى بن يونس، والفضل بن
موسى، وأبو معاوية، ووكيع، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وابن
إدريس، وحفص بن غياث، ومحمد بن بشر العبدي، ومحمد بن خالد
الوهبي، وعبيد الله بن موسى، ويحيى بن هاشم السمسار، وهو على ضعفه

طبقات ابن سعد 6 / 240، تاريخ خليفة (232، 423)، طبقات خليفة (167)،
ثقات ابن حبان 3 / 6، التاريخ الكبير 1 / 351، التاريخ الصغير: 2 / 85، مشاهير علماء
الأمصار (111)، الكامل في التاريخ 5 / 572، تهذيب الكمال (101)، تذهيب التهذيب
1 / 62 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 153 - 154، تهذيب التهذيب 1 / 291، شذرات الذهب
1 / 216، خلاصة تذهيب الكمال 32.
176

آخر من روى عنه.
روى البخاري عن علي قال: له نحو ثلاث مئة حديث. روى ابن المبارك
عن سفيان: حفاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي
سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وإسماعيل أعلم الناس بالشعبي،
وأثبتهم فيه.
وروى الوليد بن عتبة، عن مروان بن معاوية، قال: كان إسماعيل يسمى
الميزان. وروى مجالد عن الشعبي قال: ابن أبي خالد يزدرد العلم ازدرادا.
وقال أبو إسحاق عن الشعبي: إسماعيل يحسو العلم حسوا.
قال ابن المديني: قلت ليحيى القطان: ما حملت عن إسماعيل، عن
عامر، صحاح؟ قال: نعم.
وقال القطان: كان سفيان به معجبا.
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أصح الناس حديثا عن الشعبي ابن أبي
خالد، ابن أبي خالد يشرب العلم شربا.
وقال يحيى بن معين: ثقة. وكذا وثقه ابن مهدي وجماعة. قال يعقوب بن
شيبة: ثقة، ثبت.
وقال أبو حاتم: لا أقدم عليه أحدا من أصحاب الشعبي. وقال أحمد بن
عبد الله: كوفي، تابعي، ثقة.
وكان رجلا صالحا. سمع من خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان طحانا.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: حجة، إذا لم يكن إسماعيل
حجة، فمن يكون حجة؟!
قلت: أجمعوا على إتقانه، والاحتجاج به، ولم ينبز بتشيع ولا بدعة، ولله
الحمد. يقع لنا من عواليه جملة، وحديثه من أعلى ما يكون في صحيح البخاري.
سير 6 / 12
177

قال أبو نعيم: مات سنة ست وأربعين ومئة، وهذا أصح من قول من قال:
سنة خمس. والله أعلم.
كتبت إلى ابن أبي عمر، وابن علان، وطائفة سمعوا عمر بن محمد، أنبأنا
هبة الله بن محمد، أنبأنا محمد بن محمد بن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي،
حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا إسماعيل بن أبي
خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " الذهب بالذهب مثلا بمثل، يدا بيد، والشعير بالشعير مثلا بمثل،
يدا بيد، والتمر بالتمر، مثلا بمثل يدا بيد، حتى ذكر الملح.. " فقال
معاوية: إن هذا لا يقول شيئا. فقال عبادة: " أي والله ما أبالي أن لا أكون
بأرضكم هذه " (1). أخرجه النسائي وحده. له علة جاء عن حكيم، قال:
أخبرت عن عبادة.

(1) أخرجه النسائي 7 / 277، في البيوع، باب: بيع الشعير بالشعير، وأخرجه مسلم (1587)
في المساقاة، باب: الصرف، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال:
كنت بالشام في حلقة، فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث أبو
الأشعث. فجلست إليهم. فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم.
غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر
معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت
فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر
بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن
زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبا فقال: ألا ما بال
رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟! فقام
عبادة بن الصامت، فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإن كره
معاوية (أو قال: وإن رغم معاوية) ما أبالي ألا أصحبه في جنده ليلة سوداء. وأخرجه بنحوه
أبو داود (3349) والترمذي (1240) والنسائي 7 / 274 - 275، وابن ماجة (2254)،
والشافعي (2 / 177 - 178).
178

84 - ليث بن أبي سليم * (4، خت، م تبعا) (1)
ابن زنيم، محدث الكوفة وأحد علمائها الأعيان، على لين في حديثه
لنقص حفظه. مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي. أبو بكر، ويقال: أبو
بكير الكوفي. وفي اسم أبيه أبي سليم أقوال: أيمن، ويقال: أنس، ويقال:
زيادة، وعيسى.
ولد بعد الستين، لعل في دولة يزيد، وحدث عن أبي بردة، والشعبي،
ومجاهد وطاووس، وعطاء، ونافع مولى ابن عمر، وشهر، وعكرمة، وزيد بن
أرطاة، وابن أبي مليكة، وعبد الرحمن بن الأسود، وأشعث بن أبي الشعثاء،
وخلق. ولم نجد له شيئا عن صغار الصحابة، ولكنه معدود في صغار
التابعين. وكان في حياة بعض الصحابة كابن أبي أوفى وأنس رجلا.
حدث عنه الثوري، وزائدة، وشعبة، وشيبان، وشريك، وزهير، والفضيل
ابن عياض، وأبو عوانة، ويعقوب القمي، وعبيد الله بن عمرو، وأبو
الأحوص، وزياد البكائي، وابن إدريس، والمحاربي وأبو إسحاق الفزاري،
وابن علية، وجرير الضبي، وحسان بن إبراهيم، وحفص بن غياث، وذواد بن
علبة، وأبو بدر السكوني، وعبد الواحد بن زياد، وعبد الوارث، والقاسم بن
مالك، وأبو معاوية، وابن فضيل وخلق كثير.

طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ خليفة (420)، طبقات خليفة (166) - التاريخ
الكبير 7 / 246، التاريخ الصغير: 2 / 57، الجرح والتعديل 7 / 177، كتاب المجروحين
2 / 231، تهذيب الكمال (1145)، تذهيب التهذيب 3 / 176 / 1، ميزان الاعتدال
3 / 420 - 423، تهذيب التهذيب 8 / 465 - 468، خلاصة تذهيب الكمال (323)،
شذرات الذهب 1 / 207، 212.
(1) يعني أن مسلما إنما خرج له مقرونا بغيره، فليس هو على شرطه كما سيصرح
المصنف في آخر الترجمة بذلك.
179

قال أحمد بن حنبل: ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث، ولكن حدث
عنه الناس. وقال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا في أحد، منه في ليث،
وابن إسحاق، وهمام. لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم.
وقال عبد الله بن أحمد: سألت عثمان بن أبي شيبة، فقال: سألت جريرا،
عن ليث، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، فقال: كان ليث أكثر
تخليطا، ويزيد أحسنهم استقامة. قال عبد الله: فسألت أبي عن هذا، فقال:
أقول كما قال جرير.
قال عبد الله، قال لي يحيى بن معين: ليث أضعف من يزيد بن أبي زياد.
يزيد فوقه في الحديث.
وروى معاوية بن صالح، عن يحيى قال: ليث ضعيف، إلا أنه يكتب
حديثه. وقال الفلاس، وغيره: كان يحيى القطان لا يحدث عن ليث، ولا
حجاج بن أرطاة. وكان عبد الرحمن يحدث عن سفيان وغيره، عنهما.
وقال ابن المديني وغيره: سمعت يحيى يقول: مجالد أحب إلي من ليث
وحجاج.
وقال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم. وقال
أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن يقول: ليث، وعطاء، ويزيد بن أبي
زياد. ليث أحسنهم حالا عندي. يحيى بن سليمان، عن ابن إدريس، قال: ما
جلست إلى ليث بن أبي سليم إلا سمعت منه ما لم أسمع منه. قال أبو نعيم،
قال شعبة لليث: أين اجتمع لك هؤلاء الثلاثة: عطاء وطاووس، ومجاهد؟
فقال: إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه. قال قبيصة: فقال رجل كان جالسا:
فما زال شعبة متقيا لليث منذ يومئذ. قال عبد الملك أبو الحسن الميموني:
سمعت يحيى ذكر ليث بن أبي سليم فقال: ضعيف الحديث عن طاووس،
فإذا جمع طاووس وغيره، فالزيادة هو ضعيف.
180

مؤمل بن الفضل، عن عيسى بن يونس، وقلنا له: لم [لم] (1) تسمع من
ليث؟ قال: قد رأيته، كان قد اختلط، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار
فيؤذن. وقال أبو حاتم: ليث أحب إلي من يزيد بن أبي زياد، وأبرأ ساحة،
يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة، وغيره: ليث لا يشتغل
به، هو مضطرب الحديث، لا تقوم به حجة.
أحمد بن يونس، عن فضيل بن عياض قال: كان ليث بن أبي سليم أعلم
أهل الكوفة بالمناسك. وقال أبو داود: سألت يحيى عن ليث، فقال: ليس به
بأس، وقال: عامة شيوخه لا يعرفون.
وقال ابن عدي بعد أن سرد أحاديث منكرة: له أحاديث صالحة غير ما
ذكرت، وقد روى عنه شعبة، والثوري وغيرهما من الثقات، ومع الضعف
الذي فيه، يكتب حديثه.
وقال البرقاني: سألت الدارقطني عنه، فقال: صاحب سنة يخرج حديثه.
ثم قال: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد حسب.
قال أبو بكر الخطيب: حدث عنه أيوب السختياني، وعبد الوهاب بن
عطاء الخفاف، وبين وفاتيهما خمس، وقيل: أربع، وقيل: ثلاث، وقيل:
اثنتان وسبعون سنة.
وقال مطين: مات ليث سنة ثمان وثلاثين ومئة. وقال أبو بكر بن محمويه،
وابن حبان: مات سنة ثلاث وأربعين ومئة. وقد استشهد به البخاري في

(1) سقطت من الأصل.
181

صحيحه (1). وروى له مسلم مقرونا بأبي إسحاق الشيباني، والباقون من
الستة. وقد قال عبد الوارث: كان ليث من أوعية العلم، وقال أبو بكر بن
عياش: كان من أكثر الناس صلاة وصياما فإذا وقع على شئ لم يرده.
وقال ابن شوذب، عن ليث، قال: أدركت الشيعة الأولى بالكوفة وما
يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا.
قال ابن حبان: ليث بن أبي سليم واسمه أنس، ولد بالكوفة، وكان معلما
بها، وكان من العباد، ولكن اختلط في آخر عمره، حتى كان لا يدري ما
يحدث به، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما
ليس من حديثهم. كل ذلك كان منه في اختلاطه تركه يحيى القطان، وابن
مهدي، وأحمد، وابن معين.
روى ليث عن مجاهد عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الزنى يورث
الفقر " (2) حدثناه الحسن بن سفيان، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، حدثنا
الماضي بن محمد عنه.
وليث عن مجاهد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كثرت ذنوب

(1) أي تعليقا، كما هو منبه عليه في الرمز المذكور في أول الترجمة وهو " خت ".
وينبغي أن يعلم أن ما أورده البخاري في صحيحه من الأحاديث المعلقة ليست في مرتبة
الأحاديث المسندة، بل منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، كما
هو مبين في محله. ولكنه حين يعلقه بصيغة الجزم، فالغالب عليه الصحة.
(2) نسبه السخاوي في " المقاصد الحسنة ": 234 إلى الديلمي والقضاعي من حديث
الماضي بن محمد، عن ليث.. وهو حديث ضعيف جدا. ليث سيئ الحفظ، وراويه
عنه، وهو الماضي بن محمد، قال ابن عدي فيه: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: الحديث
الذي رواه باطل. وقال المؤلف في " الميزان ": له أحاديث منكرة، منها بإسناد فيه ضعف
بمرة، فذكر هذا الحديث.
182

العبد، ولم يكن له من العمل ما يكفرها، ابتلاه الله بالحزن " (1). رواه عنه
زائدة.
مؤمل بن الفضل: سألت عيسى بن يونس عن ليث، فقال: قد رأيت وكان قد
اختلط، وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار، وهو على المنارة يؤذن.
ومن مناكيره: روى عبد الوارث، عنه، عن مجاهد وعطاء، عن أبي هريرة
في الذي وقع على أهله في رمضان، قال: " أعتق رقبة ". فزاد فيه: قال:
" فأهد بدنة " فذكر هذا وأسقط: " فصم شهرين متتابعين " (2).
أبو حفص الأبار، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعا: " لا يركب
البحر إلا حاج، أو معتمر، أو غاز " (3).

(1) أخرجه أحمد 6 / 157 وسنده ضعيف لضعف " ليث ".
(2) والصحيح الذي أخرجه البخاري 4 / 141، 149 في الصوم باب: إذا جامع في
رمضان، ولم يكن له شئ، فتصدق عليه، فليكفر. وباب: المجامع في رمضان. ومسلم
(1111) في الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع على الصائم، ومالك 1 / 196، 197 في
الصيام، باب: كفارة من أفطر رمضان، وأبو داود (2390) و (2391) و (2392)
و (2393) في الصوم، باب: كفارة من أتى أهله في رمضان، والترمذي (724) في
الصوم: باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان.
ونص الحديث عند مسلم: " جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت يا رسول الله،
قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال:
لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين
مسكينا؟ قال: لا. قال: ثم جلس، فأتي النبي، صلى الله عليه وسلم، بعرق فيه تمر، فقال: تصدق
بهذا، قال: أفقر منا؟! فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى
بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك ".
(3) وأخرجه أبو داود (2489) في الجهاد، باب: في ركوب البحر في الغزو من حديث:
عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي سنده مجهولان.
183

أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن ليث، عن عبد
الملك، عن عطاء، عن ابن عمر: أن امرأة قالت: يا رسول الله، ما حق
الزوج على زوجته؟ قال: " لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا
تصوم إلا بإذنه، ولا تصدق من بيته إلا بإذنه، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه.
فإن فعلت لعنتها الملائكة حتى تموت، أو تراجع ". قالت: يا نبي الله، وإن
كان لها ظالما؟ قال " وإن كان لها ظالما " (1) الحديث رواه جرير، عن ليث،
عن عطاء نفسه، عن ابن عمر.
قلت: بعض الأئمة يحسن لليث، ولا يبلغ حديثه مرتبة الحسن، بل عداده
في مرتبة الضعيف المقارب. فيروى في الشواهد والاعتبار، وفي الرغائب
والفضائل، أما في الواجبات، فلا.
85 - أبو مالك الأشجعي * (م، 4)
سعد بن طارق، بن أشيم. كوفي صدوق.
روى عن أبيه، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، وموسى بن
طلحة، وأبي حازم الأشجعي، وربعي بن حراش.
وعنه: الثوري، وأبو عوانة، وحفص بن غياث، وخلف بن خليفة، وأبو
معاوية، ويزيد بن هارون وعبيدة بن حميد، وعدة.
قال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد ويحيى: ثقة. وقال أبو حاتم:

(1) وإسناده ضعيف لضعف " ليث " وهو في مسند الطيالسي 1 / 312.
طبقات خليفة (166) التاريخ الكبير 4 / 58، الجرح والتعديل 4 / 86 - 87، ثقات
ابن حبان 3 / 88، تهذيب الكمال (474) تذهيب التهذيب 2 / 8 / 1، ميزان الاعتدال
2 / 122، تهذيب التهذيب 3 / 472 - 473، خلاصة تذهيب الكمال: 134.
184

صالح الحديث، يكتب حديثه. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه في
القنوت (1).

(1) وليس هذا بعلة، فقد وثقه أحمد، وابن معين، والعجلي، وغيرهم وصحح حديثه
هذا الترمذي (402)، وابن حبان (511)، وأخرج له مسلم في صحيحه حديثين (23
و 2697) عن أبيه، والاخذ بما تفرد به الثقة واجب، إذا لم يقع في مرويه ما يخالف الثقات
والمخالفة في حديثه هذا منفية. وفي " الصحيحين " أحاديث كثيرة انفرد بها رواتها. ونص
الحديث: " عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي، يا أبة إنك قد صليت خلف رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب ها هنا بالكوفة نحوا من
خمس ستين، أكانوا يقتنون (أي في الفجر)؟ قال: أي بني، محدث " أخرجه أحمد
6 / 394، والترمذي (402)، والنسائي 2 / 204، وابن ماجة (1241)، وإسناده صحيح.
وصححه ابن حبان (511)، والطحاوي (146)، وقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث: أنس
ابن مالك، " أنه قنت في صلاة الفجر شهرا، يدعو على أحياء من العرب، ويلعنهم، ثم تركه "
أخرجه مسلم (676) (304)، وأبو داود (1445) والنسائي 2 / 203، وابن ماجة
(1243)، وأخرجه أحمد (2746)، وأبو داود (1443) عن ابن عباس قال: قنت رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، شهرا متتابعا، في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة الصبح، في
دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من
سليم، على رعل، وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه. وقال الحافظ ابن حجر في
" الدراية " ص 117: ويؤخذ من الاخبار، أنه، صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل. وقد جاء
ذلك صريحا، فعند ابن حبان عن أبي هريرة، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يقنت في صلاة
الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم "، وعند ابن خزيمة: عن أنس مثله وإسناد كل منهما
صحيح. وحديث أبي هريرة في الصحيحين، بلفظ: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يدعو على
أحد، أو لاحد، قنت بعد الركوع، حتى أنزل الله تعالى: (ليس لك من الامر شئ).
وقال ابن القيم " في زاد المعاد " وكان من هديه، صلى الله عليه وسلم، القنوت في النوازل، وتركه خاصة
عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر.
وأما حديث أنس الذي أخرجه أحمد 3 / 162، والدارقطني 2 / 39، والطحاوي ص
143، والحاكم في كتاب " الأربعين " له، وعنه البيهقي 2 / 201، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " ما زال
يقنت في صلاة الصبح، حتى فارق الدنيا " فحديث ضعيف لا تقوم به حجة، في إسناده أبو
جعفر الرازي، واسمه: عيسى بن ماهان. قال ابن المديني: كان يخلط. وقال يحيى: كان
يخطئ وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث. وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرا. وقال ابن
حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير. وهو مخالف لحديث أنس الصحيح، الذي فيه
" أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قنت شهرا ثم ترك ".
تنبيه: دعاء القنوت الذي يقوله الناس في الفجر، ليس محله هناك، وإنما هو في الوتر.
فقد أخرج أحمد 1 / 199، 200، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي
3 / 248، وابن ماجة (1178)، والدارمي 1 / 373، والطيالسي (1179)، والحاكم
3 / 172، عن أبي الحوراء السعدي قال: قال الحسن بن علي، رضي الله عنه، علمني
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن
عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت. وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا
يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت ". واللفظ
لأبي داود، وقال الترمذي: حديث حسن. ولا نعرف في القنوت شيئا أحسن من هذا عن
النبي، صلى الله عليه وسلم.
185

86 - العلاء * (م، 4)
ابن عبد الرحمن، بن يعقوب، الامام المحدث، الصدوق، أبو شبل
المدني، مولى الحرقة. والحرقة بطن من جهينة.
حدث عن أنس بن مالك، ووالده عبد الرحمن صاحب أبي هريرة، وأبي
السائب مولى هشام بن زهرة، ومعبد بن كعب بن مالك.
حدث عنه: مالك، وشعبة، وسفيان، وإسماعيل بن جعفر، والدراوردي
وابن إسحاق، وابن عيينة، وآخرون.

تاريخ خليفة (417)، طبقات خليفة (266) التاريخ الكبير 6 / 508، التاريخ
الصغير 2 / 29، الجرح والتعديل: 6 / 357، ثقات ابن حبان 3 / 238، مشاهير علماء
الأمصار (80)، تهذيب الكمال (1073)، تذهيب التهذيب 3 / 104 / 2، ميزان الاعتدال
3 / 102 - 103، تهذيب التهذيب 8 / 186 - 187، خلاصة تذهيب الكمال (300)،
شذرات الذهب 1 / 207.
186

قال أحمد بن حنبل: ثقة، لم أسمع أحدا يذكره بسوء. وقال النسائي:
ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ما أنكر من حديثه شيئا، وقال ابن معين: ليس
حديثه بحجة. وقال مرة: ليس بالقوي. قال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأسا.
وقال أبو حاتم: أيضا: صالح الحديث. وقال عباس: سئل يحيى عن سهيل
والعلاء فلم يقو أمرهما.
وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى، قال: سعيد المقبري أوثق من العلاء.
العلاء ضعيف.
قلت: لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، لكن يتجنب ما أنكر عليه.
روى زيد بن أبي أنيسة عنه، عن نعيم المجمر، عن ابن عمر مرفوعا:
" إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقية " (1).
ومن أغرب ما أتى به عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: " إذا انتصف شعبان
فلا تصوموا.. " (2) الحديث. توفي العلاء سنة ثمان وثلاثين ومئة.

(1) رجاله ثقات. وأخرج مسلم في صحيحه (2086) من طريق: ابن وهب، عن عمر
ابن محمد، عن عبد الله بن واق، عن ابن عمر، قال: " مررت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي
إزاري استرخاء، فقال: يا عبد الله ارفع إزارك، فرفعته. ثم قال: زد، فزدت فما زلت
أتحراها بعد. فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين ". وأخرج مالك في
الموطأ 2 / 914 - 915، وأبو داود (4093) في اللباس، باب: في قدر موضع الازار، وابن
ماجة (3573) في اللباس، من طريق: العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، أنه قال: سألت أبا
سعيد الخدري، عن الازار، فقال: أنا أخبرك بعلم. سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إزرة
المؤمن إلى أنصاف ساقيه ".
(2) أخرجه أبو داود (2337)، والترمذي (738)، وإسناده صحيح، كما قال الترمذي.
وإنما أنكر الإمام أحمد، وغيره، هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن، لأنه صح عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، من حديث عائشة، أنه كان يصوم شهر شعبان إلا قليلا. ولا تعارض بين هذا،
وبين حديث العلاء. فإن معنى حديث العلاء: أن يكون الرجل مفطرا، فإذا انتصف شعبان
أخذ في الصوم لحال شهر رمضان. وحديث عائشة محمول على ما إذا كان يصوم صوما
اعتاده انظر " الفتح ": 4 / 186 - 187.
187

87 - محمد بن زياد * (خ، 4)
الالهاني، محدث حمص. وألهان هو أخو همدان ابنا مالك بن زيد بن
أو سلة القحطاني.
حدث عن أبي أمامة الباهلي، وأبي عنبة الخولاني، وعبد الله بن بسر،
وأبي راشد الحبراني.
وعنه: إسماعيل بن عياش، وبقية، ومحمد بن حرب، وعبد الله بن سالم،
ومحمد بن حمير.
وثقه أحمد وغيره. توفي في نحو الأربعين.
88 - يزيد بن عبد الله * * (ع)
ابن أسامة بن الهاد الامام الحافظ، الحجة، أبو عبد الله الليثي، المدني.
ابن ابن عم شداد بن الهاد. وكان أعرج من رجليه معا يجمع منهما.
عداده في صغار التابعين.
حدث عن عمير مولى آبي اللحم، وله صحبة، وثعلبة بن أبي مالك
القرظي وله رؤية، ومحمد بن كعب القرظي، وعمارة بن خزيمة بن ثابت،
ومحمد بن إبراهيم التيمي، وأبي مرة مولى أم هانئ، ومعاذ بن رفاعة بن
رافع، ونافع العمري، ومحمد بن المنكدر، وابن شهاب، وعمرو بن
شعيب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وسهيل بن أبي صالح، وأبي إسحاق

التاريخ الكبير 1 / 83، الجرح والتعديل 7 / 257 - 258، ثقات ابن حبان 3 / 238،
مشاهير علماء الأمصار (117) تهذيب الكمال: (1198)، تذهيب التهذيب 3 / 204 / 1،
ميزان الاعتدال (3 / 551 - 552)، تهذيب التهذيب 9 / 170، خلاصة تذهيب الكمال
(336).
(* *) طبقات خليفة (264، 265)، التاريخ الكبير 8 / 344، الجرح والتعديل 9 / 275،
ثقات ابن حبان 3 / 293، مشاهير علماء الأمصار (134)، تهذيب الكمال (1535)،
تذهيب التهذيب 4 / 177 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 339 - 340، خلاصة تذهيب الكمال
(432).
188

السبيعي، وخلق.
وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو من شيوخه، ومالك، والليث،
ونافع بن يزيد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز الدراوردي، وموسى بن
سرجس، وعمرو (1) بن مالك الشرعبي، وحياة بن شريح، وبكر بن مضر،
وسفيان بن عيينة، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وآخرون.
قال أحمد: لا اعلم به بأسا. وقال النسائي: ثقة. وروى أحمد بن زهير،
عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ابن الهاد أحب إلي من عبد الرحمن بن الحارث، وهو
ومحمد بن عجلان متساويان. وهو، يعنى يزيد، في نفسه ثقة. وقال محمد بن
سعد: توفي بالمدينة سنة تسع وثلاثين ومئة. قال: وكان ثقة، كثير الحديث.
89 - يحيى بن الحارث * (4)
الامام الكبير أبو عمرو الغساني، الذماري ثم الدمشقي، إمام جامع
دمشق، وشيخ المقرئين.
وذمار: قرية باليمن.
ولد في دولة معاوية، وقرأ على ابن عامر، وبلغنا أيضا أنه قرأ على واثلة بن

(1) ذكره الحافظ في " التقريب " فيمن اسمه " عمر " ثم ذكره في " عمرو " وقال: صوابه
" عمر " تقدم.
طبقات ابن سعد 7 / 168، تاريخ خليفة (423)، طبقات خليفة (314)،
التاريخ الكبير 8 / 267، الجرح والتعديل 9 / 135، ثقات ابن حبان 3 / 289، مشاهير
علماء الأمصار (199)، الكامل في التاريخ 5 / 542، تهذيب الكمال (1491)، تذهيب
التهذيب 4 / 150 / 2، تهذيب التهذيب 11 / 193 - 194، خلاصة تذهيب الكمال (422)،
شذرات الذهب 1 / 217.
189

الأسقع، رضي الله عنه، وحدث عنه، وعن سعيد بن المسيب، وأبي سلام
الأسود، وأبي الأشعث الصنعاني، وسالم بن عبد الله، ومكحول، وعدة.
تلا عليه عراك بن خالد، وأيوب بن تميم، ومدرك بن أبي سعد، والوليد بن
مسلم، وروى عنه: هم والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وصدقة بن
خالد، وصدقة السمين، وسويد بن عبد العزيز، ويحيى بن حمزة، وابن شابور.
قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن سعد: ثقة عالم بالقراءة في
دهره. مات سنة خمس وأربعين ومئة. قليل الحديث. وقال ابن معين: ليس
به بأس. قال أيوب بن تميم: كان يقف خلف الأئمة يرد عليهم لا يستطيع أن
يؤم من الكبر. قال ابن أبي حاتم: عاش تسعين سنة.
قال سويد بن عبد العزيز: سألت يحيى بن الحارث عن عدد آي القرآن،
فعقد بيده سبعة آلاف ومئتان وستة وعشرون.
90 - خالد بن مهران * (ع)
الامام الحافظ الثقة، أبو المنازل البصري المشهور بالحذاء، أحد
الاعلام.
رأى انس بن مالك، وروى عن أبي عثمان النهدي، وعبد الله بن شقيق،
وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وعكرمة، وابن سيرين، وأخته حفصة بنت
سيرين، وأبي العالية الرياحي، وطائفة سواهم.

(1) طبقات ابن سعد 7 / 23، تاريخ خليفة (420)، التاريخ الكبير 3 / 173 - 174،
التاريخ الصغير 2 / 57، الجرح والتعديل 2 / 352، 353، مشاهير علماء الأمصار (153)،
تهذيب الكمال (369)، تهذيب التهذيب 1 / 193 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 153، تهذيب
التهذيب 3 / 120، خلاصة تذهيب الكمال (103)، شذرات الذهب 1 / 210.
190

حدث عنه محمد بن سيرين شيخه، وأبو إسحاق الفزاري، وبشر بن
المفضل، والحمادان، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الطحان، وشعبة
ابن الحجاج، ومعتمر بن سليمان وعلي بن عاصم، وعبد الوهاب بن عطاء،
وخلق كثير.
وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وجماعة. وحديثه في الصحاح.
قال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج [به] (1). وقال عباد بن عباد:
أراد شعبة أن يضع من خالد الحذاء. فأتيته أنا وحماد بن زيد، فقلت له:
مالك: أجننت؟! أنت أعلم! قال: وتهددناه فأمسك.
قال يحيى بن آدم: قلت لحماد بن زيد: ما لخالد الحذاء في حديثه؟
قال: قدم علينا قدمة من الشام، فكأنا أنكرنا حفظه. وقال عبد الله بن أحمد،
حدثني أبي قال: قيل لإسماعيل بن علية في هذا الحديث. فقال: كان خالد
يرويه، فلم كن يلتفت إليه. ضعف ابن علية أمره. يعني الحذاء.
قال يحيى بن آدم: حدثنا عبد الله بن نافع القرشي أبو شهاب قال: قال لي
شعبة: عليك بحجاج بن أرطاة، ومحمد بن إسحاق فإنهما حافظان، واكتم
علي عند البصريين في خالد الحذاء، وهشام يعني ابن حسان.
قلت: هذا الاجتهاد من شعبة مردود، لا يلتفت إليه. بل خالد وهشام
محتج بهما في " الصحيحين " هما أوثق بكثير من حجاج وابن إسحاق، بل
ضعف هذين ظاهر (2)، ولم يتركا.

(1) زيادة من " الجرح والتعديل ".
(2) الحجاج بن أرطاة كثير الخطأ والتدليس. أما ابن إسحاق، فهو ثقة، لكنه مدلس.
فما صرح فيه بالسماع فمقبول، وما لم يصرح به فمرفوض، كما يعلم من كتب الجرح
والتعديل.
191

ولم يكن خالد حذاء، بل كان يجلس في سوق الحذائين أحيانا، فعرف
بذلك. قاله محمد بن سعد. وقال فهد بن حيان: لم يحذ خالد قط، وإنما
كان يقول: احذ على هذا النحو، فلقب الحذاء. وكان حافظا مهيبا ليس له
كتاب. قال شعبة: قال خالد الحذاء: ما كتبت شيئا قط إلا حديثا طويلا، فلما
حفظته محوته. وقال خالد الطحان، سمعت خالد الحذاء يقول: ما حذوت
نعلا ولا بعتها، ولكن تزوجت امرأة من بني مجاشع، فنزلت عليها في
الحذائين هناك، فنسبت إليهم.
قال فيه أحمد بن حنبل: ثبت. قال النسائي: ثقة. قال معتمر بن
سليمان: سمعت أبي ذكر خالدا الحذاء فقال: ما عليه لو صنع كما صنع
طاووس، كان يجلس فإذا أتي بشئ أخذه وإلا سكت.
قال ابن سعد: كان خالد الحذاء قد استعمل على القبة (1) ودار العشور
بالبصرة. قال: ومات سنة إحدى وأربعين ومائة. وقيل: مات سنة اثنتين
وأربعين ومائة. قاله قريش بن أنس.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا زكريا العلبي، أنبأنا عبد الأول الماليني،
أخبرتنا بيبى (2) بنت عبد الصمد، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد، حدثنا يحيى
ابن محمد بن صاعد، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد بن عبد الله،
حدثنا خالد، عن عكرمة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم " اعتكف، واعتكف معه
بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم "

(1) في الطبقات " القتب "
(2) مترجمة في الشذرات 3 / 354.
192

وزعم أن عائشة رأت مثل ماء العصفر. فقالت: كأن هذا شئ كانت فلانة
تجده (1). أخرجه البخاري عن ابن شاهين.
91 - أبو إسحاق الشيباني * (ع)
سليمان بن أبي سليمان، فيروز. ويقال: خاقان، وقيل: عمرو، الامام
الحافظ، الحجة، أبو إسحاق مولى بني شيبان بن ثعلبة الكوفي. ولد في أيام
الصحابة، كابن عمر، وجابر، ولحق عبد الله بن أبي أوفى وسمع منه.
وحدث عن كبار التابعين يسير بن عمرو، وزر بن حبيش، وعبد الله بن
شداد بن الهاد، والوليد بن العيزار، وأبي بردة، والشعبي، وعبد الرحمن بن
يزيد النخعي وعكرمة، وطائفة وينزل إلى أبي الزناد وأشعث بن أبي الشعثاء.
حدث عنه أبو إسحاق السبيعي، وعاصم الأحول، وهما من طبقته، ومسعر
وشعبة، وسفيان، وإبراهيم بن طهمان، وجرير بن عبد الحميد، وابن عيينة،
وزائدة، وعبثر، وعبد الواحد بن زياد، وهشيم، وأبو عوانة، وأبو بكر بن
عياش، وابن فضيل، وحفص بن غياث، وخالد بن عبد الله وأبو إسحاق
الفزاري، وأسباط بن محمد، وجعفر بن عون، وهو خاتمة أصحابه وخلق سواهم.

(1) أخرجه البخاري 1 / 349 في الحيض، باب: اعتكاف المستحاضة، وفى
الاعتكاف، باب: اعتكاف المستحاضة. وأخرجه بنحوه أبو داود (2476)، وابن ماجة
(1870) كلاهما من حديث يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن عائشة،
قالت: " اعتكفت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، امرأة من أزواجه، فكانت ترى الصفرة، والحمرة،
فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي ".
طبقات خليفة (165)، التاريخ الصغير 2 / 57، الجرح والتعديل 4 / 122، ثقات ابن
حبان 3 / 90، مشاهير علماء الأمصار (111)، اللباب 2 / 219، تهذيب الكمال (542)،
تذهيب التهذيب 2 / 49 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 153، تهذيب التهذيب 4 / 197 - 198،
خلاصة تذهيب الكمال (153)، شذرات الذهب 1 / 207.
سير 6 / 13
193

وكان من أوعية العلم. قال أبو إسحاق الجوزجاني: رأيت أحمد بن حنبل
يعجبه حديث الشيباني. وقال: هو أهل أن لا يدع له شيئا.
وروى أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة، حجة.
وقال أبو حاتم: ثقة، صدوق، صالح الحديث. وقال أحمد العجلي: ثقة
من كبار أصحاب الشعبي.
قال الواقدي ويحيى بن بكير: مات سنة تسع وعشرين ومائة. وهذا القول
خطأ فاحش.
وقال أبو معاوية، ومحمد بن عبد الله بن نمير: مات سنة تسع وثلاثين
ومائة. فهذا قول متجه. وقال الهيثم بن عدي: مات لسنتين خلتا من خلافة
أبى جعفر، وقال الفلاس والترمذي: مات سنة ثمان وثلاثين ومائة.
وقال البخاري فأبعد: مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة.
قلت: حدث عنه السبيعي، وجعفر بن عون وبينهما في الموت نحو من
ثمانين سنة.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا زيد بن يحيى البيع، أنبأنا أبو القاسم أحمد
ابن المبارك، أنبأنا عاصم بن الحسن، أنبأنا أبو عمر بن مهدي، حدثنا الحسين
المحاملي، حدثنا يوسف، حدثنا جرير، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبد الله
ابن ذكوان، عن عروة، عن أبي حميد قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على
الصدقة، فلما قدم، جاء بسواد كثير، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يتوفاه منه،
فجعل يقول: هذا لي، وهذا لكم، حتى ميزه. قال: فيقولون: من أين لك
هذا، قال: أهدي لي. قال: فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما أعطاهم، وأخبروه
الخبر. فصعد المنبر، وهو مغضب، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " ما بال
194

أقوام نبعثهم على هذه الأعمال، فيجئ أحدهم بالسواد الكثير، ثم يقول:
هذا لي، وهذا لكم، فإذا سئل: من أين لك هذا؟ قال: أهدى لي. أفلا إن
كان صادقا أهدي ذلك له في بيت أمه، أو بيت أبيه. والذي نفسي بيده لا
أبعث رجلا على عمل فيغل منه شيئا، إلا جاء به يوم القيامة يجعله على
عنقه. فلينظر رجل لا يجئ يوم القيامة على عنقه بعير يرغو أو بقرة تخور، أو
شاة تيعر " ثم قال ثلاث مرات: " اللهم هل بلغت ".
فقلت لأبي حميد: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: من في رسول
الله إلى أذني.
وبه حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، وأبو معاوية، وأبو أسامة،
ووكيع، كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه عن أبي حميد، عن النبي صلى الله عليه وسلم
نحوه. البخاري، عن يوسف، عن أبي أسامة (1).
92 - سليمان بن طرخان * (ع)
الامام شيخ الاسلام، أبو المعتمر التيمي البصري. نزل في بني تيم فقيل التيمي.

(1) أخرجه البخاري 3 / 289 في الزكاة، باب: قول الله تعالى: (والعاملين عليها)
ومحاسبة المصدقين مع الامام. وأخرجه مسلم 3 / 1464 رقم (29) في الامارة، باب:
تحريم هدايا العمال، من طريق: أبي إسحاق الشيباني، عن عبد الله بن ذكوان، عن عروة
ابن الزبير، عن أبي حميد. وأخرجه البخاري 13 / 144 في الاحكام، باب: هدايا العمال.
وأحمد 5 / 423، وأبو داود (2946) من طريق: سفيان الثوري، عن الزهري، أنه سمع
عروة، أخبرنا أبو حميد..
وأخرجه البخاري 12 / 306 في الحيل، باب: احتيال العامل ليهدى له وأخرجه الدارمي
1 / 194 و 2 / 232 من طريق: شعيب، عن الزهري عن عروة، عن أبي حميد.. وقوله:
فيغل هو من الأغلال. وهو الخيانة في كل شئ. وقوله: تيعر: معناها تصيح، واليعار:
صوت الشاة.
طبقات ابن سعد 7 / 18، تاريخ خليفة (420)، طبقات خليفة (219)، التاريخ الكبير 4 / 20، التاريخ الصغير 2 / 74، الجرح والتعديل 4 / 124 - 125، ثقات ابن حبان
3 / 89، مشاهير علماء الأمصار (93)، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (543 -
544)، تذهيب التهذيب 2 / 50 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 212، تذكرة الحفاظ، 1 / 150 -
152، تهذيب التهذيب 4 / 201 - 203، خلاصة تذهيب الكمال (152)، شذرات الذهب
1 / 212.
195

روى عن أنس بن مالك وعن أبي عثمان النهدي، وأبي عثمان آخر، ويزيد
ابن عبد الله بن الشخير، وطاووس، وأبي مجلز، ويحيى بن يعمر، وبكر بن
عبد الله المزني، والحسن، وطلق بن حبيب، وبركة أبي الوليد، وثابت،
وقتادة، ورقبة بن مصقلة، وأبي نضرة، وخلق. وينزل إلى الأعمش، وحسين
ابن قيس الرحبي، والربيع بن أنس، وكان مقدما في العلم والعمل.
حدث عنه: أبو إسحاق السبيعي أحد شيوخه، وابنه معتمر، وشعبة،
وسفيان، وحماد بن سلمة، ويزيد بن زريع، وابن المبارك، وهشيم، وابن
عيينة، وابن علبة، وعيسى بن يونس، وإبراهيم بن سعد، وجرير بن عبد
الحميد، وزهير الجعفي، ومحمد بن أبي عدي، ومروان بن معاوية، وابن
فضيل، وأسباط بن محمد، ويحيى القطان، وأبو همام محمد بن الزبرقان،
ويوسف بن يعقوب الضبعي، ويزيد بن هارون، والأنصاري وأبو عاصم،
وهوذة بن خليفة، وخلق سواهم.
قال علي بن المديني: له نحو مائتي حديث.
وروى الربيع بن يحيى، عن شعبة قال: ما رأيت أحدا أصدق من سليمان
التيمي. رحمه الله، كان إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تغير لونه.
وروى أبو بحر البكراوي، عن شعبة قال: شك ابن عون، وسليمان التيمي
يقين.
196

وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة، وهو أحب إلي في أبي عثمان النهدي من
عاصم الأحول. وقال يحيى بن معين، والنسائي وغيرهما: ثقة. قال
العجلي: ثقة من خيار أهل البصرة.
وقال ابن سعد: من العباد المجتهدين، كثير الحديث، ثقة، يصلي الليل
كله بوضوء عشاء الآخرة، وكان هو وابنه يدوران بالليل في المساجد، فيصليان
في هذا المسجد مرة، وفي هذا المسجد مرة، حتى يصبحا، وكان سليمان
مائلا إلى علي رضي الله عنه.
وروى نوفل بن مطهر، عن ابن المبارك، عن سفيان قال: حفاظ البصريين
ثلاثة: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وداود بن أبي هند، وعاصم
أحفظهم، وعن ابن علية قال: سليمان التيمي من حفاظ البصرة.
ابن المديني عن يحيى بن سعيد قال: ما جلست إلى أحد أخوف لله من
سليمان التيمي، وسمعته يقول: ذهبوا بصحيفة جابر إلى الحسن فرواها - أو
قال: فأخذها - وذهبوا بها إلى قتادة فأخذها، وأتوني بها فلم أردها.
قال ابن أبي حاتم: سئل أبي: سليمان التيمي أحب إليك في أبي عثمان،
أو عاصم؟ قال: سليمان. وقال أبي: لا يبلغ التيمي منزلة أيوب، ويونس،
وابن عون. هم أكبر منه.
محمد بن عبد الأعلى قال لي معتمر بن سليمان: لولا أنك من أهلي ما
حدثتك بذا عن أبي. مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما، ويفطر يوما، ويصلي
صلاة الفجر بوضوء عشاء الآخرة.
جرير بن عبد الحيمد، عن رقبة بن مصقلة قال: رأيت رب العزة في المنام
فقال: لأكرمن مثوى سليمان التيمي، صلى لي الفجر بوضوء العشاء أربعين
سنة.
197

أحمد الدورقي، عن معاذ بن معاذ قال: كنت إذا رأيت التيمي كأنه غلام
حدث، قد أخذ في العبادة. كانوا يرون أنه أخذ عبادته عن أبي عثمان
النهدي.
وروى مثنى بن معاذ عن أبيه قال: ما كنت أشبه عبادة سليمان التيمي إلا
بعبادة الشاب أول ما يدخل في تلك الشدة والحدة.
وروى الوليد بن صالح، عن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي
في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعا، وكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله.
وقال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد يثنى على سليمان التيمي، ويقدمه
على عاصم الأحول. وكان عنده عن التيمي، عن أنس أربعة عشر حديثا، ولم
يكن يذكر أخباره يعني عن التيمي في حديث أنس قال: ورأيي أن أصل التيمي
كان قد ضاع.
ابن المديني: سمعت يقول: كان التيمي يحدث الشريف والوضيع
خمسة خمسة. قلت: كان يدعكم تكتبون؟ قال: لا. إن رد عليه إنسان حسبه
عليه، وكنت أرد عليه ويحسب علي يعنى بقوله: أرد عليه، أني أعيد الحديث
لأحفظه، فيحسبه عليه بحديث من تلك الخمسة.
قال خالد بن الحارث: قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم
اجتمع فيك الشر كله.
وروى غسان بن المفضل، عن إبراهيم بن إسماعيل قال: استعار سليمان
التيمي من رجل فروة، فلبسها ثم ردها قال الرجل: فما زلت أجد فيها ريح
المسك.
198

وكان بينه وبين رجل تنازع، فتناول الرجل سليمان، فغمز بطنه، فجفت (1)
يد الرجل.
قال معتمر بن سليمان: قال لي أبي عند موته: يا معتمر حدثني بالرخص
لعلي ألقى الله تعالى وأنا حسن الظن به.
وقال الأصمعي: كنت أمشي مع المعتمر، فقال لي مكانك. ثم قال: قال
أبي: إذا كتبت فلا تكتب التيمي، ولا تكتب المري، فإن أبي كان مكاتبا
لبجير بن حمران. وإن أمي كانت مولاة لبني سليم. فإن كان أدى الكتابة
والولاء لبني مرة - وهو مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس فاكتب القيسي. وإن لم
يكن أدى الكتابة والولاء لبني سليم، وهم من قيس عيلان فاكتب القيسي.
وعن سليمان التيمي أنه ربما أحدث الوضوء في الليل من غير نوم. وذكر
جرير بن عبد الحميد أن سليمان التيمي، لم تمر ساعة قط عليه إلا تصدق
بشئ، فإن لم يكن شئ، صلى ركعتين.
قرأت على إسحاق بن طارق، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أحمد بن
محمد التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد،
حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا الأنصاري
قال: كان عامة دهر التيمي يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد، وكان يسبح
بعد العصر إلى المغرب، ويصوم الدهر. كذا قال: وإنما المعروف أنه كان
يصوم يوما ويوما. وبه قال الدورقي: حدثني عباس بن الوليد، عن يحيى
القطان، قال: خرج سليمان التيمي إلى مكة، فكان يصلي الصبح بوضوء
عشاء الآخرة.

(1) جفت يد الرجل: يبست، والمضارع يجف بكسر الجيم.
199

روى المسيب بن واضح، عن عبد الله بن المبارك أو غيره، قال: أقام
سليمان التيمي أربعين سنة إمام الجامع بالبصرة يصلي العشاء والصبح
بوضوء واحد.
وعن حماد بن سلمة قال: لم يضع سليمان التيمي جنبه بالأرض عشرين
سنة.
وذكر مردويه، عن فضيل بن عياض قال: قيل لسليمان التيمي: أنت أنت،
ومن مثلك؟! قال: لا تقولوا هكذا. لا أدرى ما يبدو لي من ربي عز وجل.
سمعت الله يقول: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) [الزمر: 47]
وروي عن سليمان التيمي قال: إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه
مذلته.
روى سعيد الكريزي، عن سعيد بن عامر الضبعي قال: مرض سليمان
التيمي فبكى. فقيل: ما يبكيك؟ قال: مررت على قدري، فسلمت عليه.
فأخاف الحساب عليه.
أخبرنا إسحاق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا التيمي، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو
نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا إسحاق بن أحمد، حدثنا
سعيد بن عيسى، سمعت مهدي بن هلال يقول: أتيت سليمان فوجدت عنده
حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وبشر بن المفضل وأصحابنا البصريين، فكان
لا يحدث أحدا حتى يمتحنه فيقول له: الزنى بقدر؟ فإن قال: نعم استحلفه
ان هذا دينك الذي تدين الله به؟ فإن حلف حدثه خمسة أحاديث.
قال معاذ بن معاذ: كان سليمان التيمي لا يزيد كل واحد منا على خمسة
أحاديث، وكان معنا رجل، فجعل يكرر عليه، فقال: نشدتك بالله أجهمي
أنت؟ فقال: ما أفطنك! من أين تعرفني؟
200

قال معتمر بن سليمان: قال أبي: أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية
أن الله ليس بظلام للعبيد.
أخبرنا المسلم بن محمد، وعبد الرحمن بن أبي عمر، وجماعة إجازة،
أنهم سمعوا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا محمد بن محمد،
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد الجعفي،
وإسحاق الحربي قالا: حدثنا هوذة، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان،
عن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن ويقول: " اللهم إني
أحبهما فأحبهما " (1). أخرجه البخاري، والنسائي من حديث معتمر بن
سليمان، عن أبيه. ورواه سليمان مرة عن أبي تميمة، عن أبي عثمان. قال:
ثم نظرت فإذا قد سمعته من أبي عثمان وكتبته.
أخبرنا إسحاق الأسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، وأنبأنا
أحمد بن سلامة، وغيره عن التيمي، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم،
حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا عبد الوهاب بن
عطاء (ح) وبه قال أبو نعيم: وحدثنا محمد بن أحمد بن الحسن في جماعة،
قالوا: حدثنا أبو مسلم، حدثنا معاذ بن عوذ الله، واللفظ له قالا: حدثنا
سليمان التيمي، عن أنس، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ بالباب، فقال: " يا
معاذ، من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " قال معاذ: ألا أخبر الناس؟

(1) أخرجه أحمد 5 / 210 من طريق، سليمان التيمي، عن أبي عثمان عن أسامة بن
زيد، وأخرجه البخاري 7 / 70 في الفضائل، باب: ذكر زيد بن ثابت، ومناقب الحسن
والحسين. و 10 / 363 في الأدب باب: وضع الصبى على الفخذ، من طريق: المعتمر،
عن أبيه، قال: سمعت أبا تميمة يحدث، عن أبي عثمان النهدي، يحدث عن أسامة بن
زيد...
201

قال: " لا، دعهم فليتنافسوا في الأعمال، فإني أخاف أن يتكلوا " (1) ورواه
قتادة عن أنس نحوه.
قال محمد بن سعد: توفي سليمان التيمي بالبصرة في ذي القعدة سنة
ثلاث وأربعين ومائة. وروى أبو داود، عن معتمر بن سليمان أنه مات ابن سبع
وتسعين سنة.
93 - زكريا بن أبي زائدة * (ع)
قاضي الكوفة أبو يحيى الهمداني الكوفي.
حدث عن الشعبي، ومصعب بن شيبة، وخالد بن سلمة، وسعيد بن أبي
بردة، وجماعة.
يعد في صغار التابعين بالادراك، وإلا فما علمت له شيئا عن الصحابة.
روى عنه ولده الحافظ يحيى، وشعبة، والثوري، وابن المبارك، والقطان،
ووكيع، وأبو نعيم وعبيد الله.

(1) حلية الأولياء 3 / 34. وأخرجه أحمد 3 / 157، من طريق: عارم، والبخاري 1 / 201
من طريق مسدد، كلاهما عن معتمر بن سليمان، عن أبيه عن أنس. ورواية قتادة، عن
انس، أخرجها البخاري 1 / 199 - 200 في العلم، باب: من خص بالعلم قوما دون قوم.
ومسلم (32) في الايمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة.
طبقات ابن سعد 6 / 247، تاريخ خليفة: (425)، طبقات خليفة (167) والتاريخ
الكبير 3 / 421، التاريخ الصغير 2 / 91، الجرح والتعديل 3 / 593 - 594، مشاهير علماء
الأمصار (170)، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال (433)، تذهيب التهذيب
1 / 237 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 73، تهذيب التهذيب 3 / 329 - 330، خلاصة تذهيب
الكمال (122)، شذرات الذهب 1 / 224.
202

قال أحمد: ثقة حلو الحديث، وقال أبو زرعة: صويلح، وقال أبو حاتم:
لين الحديث يدلس.
قلت: توفي في سنة تسع وأربعين ومائة. وحديثه قوي.
94 - فضيل بن غزوان * (ع)
ابن جرير الامام المحدث الثقة، أبو محمد الضبي الكوفي
حدث عن أبي حازم الأشجعي، وأبي زرعة البجلي، وعكرمة، وسالم بن
عبد الله، وجماعة.
حدث عنه ابنه محمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن
المبارك، وإسحاق الأزرق، وابن نمير، ويحيى القطان، وعدة.
وثقه أحمد بن حنبل وغيره. وتوفي سنة بضع وأربعين ومائة.
95 - بكر بن عمرو * * (خ، م، د، س، ت)
المعافري المصري، أحد الاعلام عن أبي عبد الرحمن الحبلي،
وعكرمة، ومشرح بن هاعان.
حدث عنه حياة بن شريح، ويحيى بن أيوب، وابن لهيعة، والليث، وغيرهم.
وكان ثقة، ثبتا، فاضلا، متألها، كبير القدر، إمام جامع الفسطاط.

التاريخ الكبير 7 / 122، الجرح والتعديل 7 / 74، تهذيب الكمال (1106)،
تذهيب التهذيب 3 / 143 / 2، تهذيب التهذيب 8 / 297 - 298، خلاصة تذهيب الكمال
(310).
(* *) التاريخ الكبير 2 / 91، التاريخ الصغير 2 / 237، الجرح والتعديل 2 / 390، تهذيب
الكمال (161)، تذهيب التهذيب 1 / 89 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 347، تهذيب التهذيب
1 / 485 - 486، خلاصة تذهيب الكمال (51).
203

96 - عبد الرحمن بن حميد * (ع)
ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن بن عوف. الزهري، المدني،
الفقيه.
حدث عن أبيه، والسائب بن يزيد وابن المسيب.
روى عنه صالح بن كيسان، وسليمان بن بلال، وحاتم بن إسماعيل، وابن
عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وآخرون. متفق على توثيقة.
ابن عمه:
97 - عبد المجيد بن سهيل * * (خ، م، د، س)
روى عن ابن المسيب، وأبي سلمة، وعبيد الله بن عبد الله.
وعنه: مالك، وسليمان بن بلال، والدراوردي. وثقه يحيى بن معين.
98 - ابن عقيل * * * (بخ، د، ت، ق) (1).
الامام المحدث، أبو محمد عبد الله بن محمد بن عقيل ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم

طبقات خليفة (261) التاريخ الكبير 5 / 273، الجرح والتعديل 5 / 225،
مشاهير علماء الأمصار (128)، تهذيب الكمال (785)، تهذيب التهذيب 2 / 208 / 2،
تهذيب التهذيب 6 / 164 - 165، خلاصة تذهيب الكمال (226).
(* *) التاريخ الكبير 6 / 110، الجرح والتعديل 6 / 64، مشاهير علماء الأمصار
(128)، تهذيب الكمال (851)، تذهيب التهذيب 2 / 147 / 1، تهذيب التهذيب 6 / 380 -
381، خلاصة تذهيب الكمال 243.
(* * *) طبقات خليفة (258)، التاريخ الكبير 5 / 183، كتاب المجروحين والضعفاء
2 / 3، تهذيب الكمال (737)، تذهيب التهذيب 2 / 184 / 1، تهذيب التهذيب 6 / 13 - 14،
خلاصة تذهيب الكمال (213)
(1) سقطت هذه الرموز من الأصل. وأثبتناها من الخلاصة والتقريب.
204

أبي طالب، الهاشمي، الطالبي المدني، وأمه هي زينب بنت الإمام علي بن أبي
طالب.
حدث عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن
جعفر، وخاله محمد ابن الحنفية، وعلي بن الحسين، والربيع بنت معوذ
الصحابية، وسعيد بن المسيب، وطائفة.
وعنه: الثوري، وزائدة، وفليح، وحماد بن سلمة، وبشر بن المفضل،
وسفيان بن عيينة، وزهير بن معاوية، زهير بن محمد، وعدة.
احتج به الإمام أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: لين الحديث، وقال ابن
خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. وقال الترمذي: سمعت محمدا يقول: كان
أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه، وعن البخاري: هو مقارب
الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن المديني: لم يدخله مالك في
كتبه، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه. وقال آخر: كان من العلماء
العباد. وقال الفسوي: صدوق في حديثه ضعف.
قلت: لا يرتقي خبره إلى درجة الصحة والاحتجاج قال خليفة، وابن
سعد: مات ابن عقيل بعد الأربعين ومائة. رحمه الله.
99 - غالب القطان * (ع)
هو الفقيه أبو سلمة بن أبي غيلان. خطاف بالفتح. وقيل خطاف. مولى
الأمير عبد الله بن عامر بن كريز القرشي.
سمع الحسن، وابن سيرين، وبكر بن عبد الله.

طبقات خليفة (218)، التاريخ الكبير 7 / 99، الجرح والتعديل 7 / 48، كتاب المجروحين 2 /
200، مشاهير علماء الأمصار (156) تهذيب الكمال (1089)، تذهيب التهذيب 3 / 33 / 1، ميزان
الاعتدال 3 / 330، تهذيب التهذيب 8 / 242 - 243، خلاصة تذهيب الكمال 306.
205

وعنه: ابن علية، وبشر بن المفضل، وحزم بن أبي حزم، وخالد بن عبد
الرحمن السلمي.
قال أحمد: ثقة ثقة. وسئل عنه يحيى بن معين فقال: لا أعرفه.
100 - هاشم بن هاشم * (ع)
ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي، الزهري.
سمع سعيد بن المسيب، وعامر بن سعد، وعبد الله بن وهب بن زمعة.
وعنه: مالك، ومروان بن معاوية، وابن نمير، وأبو أسامة، ومكي بن
إبراهيم، وجماعة.
وثقه يحيى بن معين. بقي إلى سنة سبع وأربعين ومائة.
101 - يزيد بن أبي عبيد * * (ع)
المدني، من بقايا التابعين الثقات.
حدث عن مولاه سلمة بن الأكوع، وعن عمير مولى آبي اللحم.
وعن: حاتم بن إسماعيل، ويحيى القطان، وحماد بن مسعدة، وأبو عاصم
النبيل، ومكي بن إبراهيم وآخرون.
وثقه أبو داود. وحديثه من عوالي البخاري الثلاثيات. توفي سنة سبع
وأربعين ومئة.

طبقات خليفه (126)، التاريخ الكبير 8 / 233، التاريخ الصغير 2 / 77، الجرح
والتعديل 9 / 103، مشاهير علماء الأمصار (138)، تهذيب الكمال (1432)، تذهيب
التهذيب 4 / 111 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 20 - 21، خلاصة تذهيب الكمال (408).
(* *) تاريخ خليفة: 424، طبقات خليفة (271) التاريخ الكبير 8 / 348، مشاهير
علماء الأمصار (78)، تهذيب الكمال (1538)، تهذيب التهذيب 11 / 349، خلاصة
تذهيب الكمال (433)، شذرات الذهب 1 / 219.
206

102 - إبراهيم بن هرمة *
شاعر زمانه أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر الفهري،
المدني، أحد البلغاء من شعراء الدولتين. وكان منقطعا إلى العلوية.
قال الدارقطني: هو مقدم في شعراء المحدثين. قدمه بعضهم على بشار.
وقال ابن عائشة: وفد ابن هرمة، فمدح المنصور، فأعطاه عشرة آلاف درهم.
ومن شعره:
كأن عيني إذ ولت حمولهم * عني جناحا حمام صادفت مطرا
أو لؤلؤ سلس في عقد جارية * خرقاء نازعها الولدان فانتثرا (1)
103 - ابن هبيرة * *
أمير العراقين، أبو خالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري. نائب مروان الحمار.
كان بطلا شجاعا، سائسا جوادا، فصيحا، خطيبا. وكان من الأكلة، وله
في كثرة (2) الاكل أخبار.

نسب قريش: 446، البيان والتبين 1 / 111، 168، 224 و 3 / 205، 261،
372، الشعر والشعراء، 453، 454، طبقات العشراء ص 20 لابن المعتز، الأغاني:
4 / 101، 113، تاريخ بغداد 6 / 127، سمط اللآلي: 398، الوافي بالوفيات: 6 / 59،
البداية والنهاية 10 / 169، النجوم الزاهرة 2 / 84، خزانة الأدب 1 / 244، تهذيب ابن عساكر
2 / 234.
(1) البيتان في الزهرة ص 295، وتهذيب ابن عساكر 2 / 242، والثاني منهما في
التشبيهات ص 80 لابن أبي عون، وفيه: ورهاء بدل خرقاء، والوره: الحمق كالخرق.
(* *) تاريخ خليفة (366، 372، 382، 383، 384، 387، 391، 396،
409) الطبري: سنة (127 و 128 و 129 و 130 و 131 و 132)، كتاب المجروحين
والضعفاء: 2 / 123، الكامل في التاريخ: حوادث السنوات المذكورة عند الطبري، تاريخ
الاسلام 5 / 315.
(2) في الأصل: " كره " وهو تحريف.
207

هزمته الخراسانية فدخل إلى واسط، فحاصره المنصور مدة، ثم خدعه
المنصور، وآمنه، ونكث فدخلوا عليه داره فقتلوه صبرا وابنه داود، ومماليكه،
وحاجبه. فسجد لله فنزلوا عليه فهبروه.
وقد كان ولي حلب للوليد بن يزيد. مولده في سنة سبع وثمانين. وعاش
خمسا وأربعين سنة.
قال المدائني: كان جسيما، كثير الاكل، ضخما، طويلا، شجاعا،
خطيبا، رزقه في السنة ست مئة ألف. وكان يفرقها في العلماء والوجوه.
وعن محمد بن كثير، أن السفاح ألح على أخيه أبي جعفر يأمره بقتل ابن
هبيرة، وهو يراجعه لكونه حلف له. فكتب إليه وأنبه ليقتلنه. فولى قتله الهيثم
ابن شعبة، وقد ولي أبوه أيضا إمرة العراقين ليزيد بن عبد الملك بعد المئة.
قتل يزيد في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وكان أبو مسلم
الخراساني هو الذي أغرى السفاح بقتل ابن هبيرة. وكان ابن هبيرة يركب ركبة
عظيمة إلى أبي جعفر، فنهاه الحاجب إلى أن بقي في ثلاثة.
104 - عبد الله بن المقفع *
أحد البلغاء والفصحاء، ورأس الكتاب، وأولي الانشاء من نظراء عبد الحميد
الكاتب. وكان من مجوس فارس فأسلم على يد الأمير عيسى عم السفاح وكتب
له، واختص به. قال الهيثم بن عدي: قال له: أريد أن أسلم على يدك بمحضر

(1) تاريخ اليعقوبي 3 / 104، الطبري 9 / 182، أمالي المرتضى: 1 / 94، أخبار
الحكماء (148)، البداية والنهاية 10 / 96، لسان الميزان 3 / 366، أمراء البيان 99 - 158.
وفي الأصل أثبت لفظ " معا " فوق الفاء من " المقفع " إشارة إلى أن الفاء تضبط: بالفتح
والكسر، وكلاهما صحيح، وسيذكر المصنف سبب تلقيبه بذلك.
208

الأعيان. ثم قعد يأكل ويزمزم بالمجوسية. فقال: ما هذا؟ قال: أكره أن أبيت
على غير دين. وكان ابن المقفع يتهم بالزندقة. وهو الذي عرب كليلة ودمنة.
وروي عن المهدي قال: ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع.
وغضب المنصور منه، لأنه كتب في توثق عبد الله بن علي من المنصور يقول:
ومتى غدر بعمه، فنساؤه طوالق، وعبيده أحرار، ودوابه حبس، والناس في حل
من بيعته. فكتب إلى عامله سفيان المهلبي يأمره بقتل ابن المقفع.
وكان ابن المقفع مع سعة فضله، وفرط ذكائه فيه طيش. فكان يقول عن
سفيان المهلبي: ابن المغتلمة فأمر له بتنور فسجر ثم قطع أربعته ورماها في التنور
وهو ينظر. وعاش ستا وثلاثين سنة. وأهلك في سنة خمس وأربعين ومائة. وقيل
بعد الأربعين. واسم أبيه ذادويه، قد ولي خراج فارس للحجاج، فخان، فعذبه
الحجاج فتقفعت يده. وقيل: بل كان يعمل قفاع الخوص وهي كالقفة.
قيل لابن المقفع: من أدبك؟ قال: نفسي، إذا رأيت من أحد حسنا أتيته،
وإن رأيت قبيحا أبيته.
وقيل: اجتمع بالخليل، فلما تفرقا قيل للخليل: كيف رأيته؟ قال: علمه
أكثر من عقله. وسئل هو: كيف رأيت الخليل؟ قال: عقله أكثر من علمه.
وقيل: إن والي البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب قال يوما: ما
ندمت على سكوت قط. فقال ابن المقفع: فالخرس زين لك. وقال له مرة: ما
تقول في رجل مات عن زوج وزوجة؟ فأحنقه.
قال الأصمعي: صنف ابن المقفع " الدرة اليتيمة " التي ما صنف مثلها. ومن
قوله: شربت من الخطب ريا ولم أضبط لها رويا، فغاضت ثم فاضت فلا هي
هي نظاما ولا هي غيرها كلاما.
سير 6 / 14
209

105 - محمد بن عبد الله * (د، ت، س) (1)
ابن حسن ابن السيد الحسن بن علي بن أبي طالب، الهاشمي، الحسني،
المدني، الأمير، الواثب على المنصور هو وأخوه إبراهيم.
حدث عن نافع، وأبي الزناد.
وعنه عبد الله بن جعفر المخرمي، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد الله بن
نافع الصائغ. وثقه النسائي وغيره.
حج المنصور سنة أربع وأربعين ومائة، فاستعمل على المدينة رياحا المري وقد
قلق لتخلف ابني حسن عن المجئ إليه. فيقال: إن المنصور لما كان حج قبل
أيام السفاح، كان فيما قال محمد بن عبد الله، إذ اشتور بنو هاشم بمكة فيمن
يعقدون له بالخلافة، حين اضطرب أمر بني أمية: كان المنصور ممن بايع لي.
وسأل المنصور زيادا متولي المدينة عن ابني حسن، قال: ما يهمك منهما، أنا آتيك
بهما. وقال عبد العزيز بن عمران: حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار
قال: استخلف المنصور، فلم يكن له هم إلا طلب محمد والمسألة عنه. فدعا بني
هاشم واحدا واحدا، يخلو به ويسأله فيقول: يا أمير المؤمنين، قد عرف أنك قد
عرفته يطلب هذا الشأن قبل اليوم. فهو يخافك، وهو الآن لا يريد لك خلافا.

تاريخ خليفة (421) و (423) و (430)، طبقات خليفة (269)، التاريخ الصغير:
1 / 287، 2 / 82، الطبري: حوادث سنة: 145 - 146 - 147، الجرح والتعديل 7 / 295، الكامل
في التاريخ: حوادث السنوات السابقة، تهذيب الكمال (1217 - 1218)، تذهيب
التهذيب 3 / 216 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 591، تاريخ الاسلام للذهبي 6 / 121، الوافي
بالوفيات: 3 / 297، تهذيب التهذيب 9 / 252، خلاصة تذهيب الكمال (344)، شذرات
الذهب 1 / 213.
(1) سقطت هذه الرموز من الأصل، وأثبتناها من كتب التراجم.
210

وأما حسن بن زيد بن حسن فأخبره بأمره وقال: لا آمن أن يخرج فاشترى
المنصور رقيقا من العرب فكان يعطي الواحد منهم البعيرين، وفرقهم في طلبه،
وهو مختف.
وقال لعقبة السندي: أخف شخصك، واستتر. ثم ائتني وقت كذا، فأتاه
فقال: إن بني عمنا قد أبوا إلا كيدا لنا، ولهم شيعة بخراسان يكاتبونهم،
ويرسلون إليهم بصدقاتهم. فاخرج إليهم بكسوة وألطاف حتى تأتيهم متنكرا،
فحسهم لي، فاشخص حتى تلقى عبد الله بن حسن متقشفا، فإن جبهك، وهو
فاعل، فاصبر وعاوده حتى يأنس بك. فإذا ظهر لك، فاعجل علي. فذهب
عقبة، فلقي عبد الله بالكتاب، فانتهره وقال: ما أعرف هؤلاء. فلم يزل يعود
إليه حتى قبل الكتاب والهدية. فسأله عقبة الجواب. فقال: لا أكتب إلى أحد.
فأنت كتابي إليهم، وأخبرهم أن ابني خارجان لوقت كذا. وقال: فأسرع بها عقبة
إلى المنصور (1).
وقيل: كان ابنا حسن منهومين بالصيد.
وقال المدائني: قدم محمد بن عبد الله في أربعين رجلا متخفيا، فأتى عبد
الرحمن بن عثمان فقال له: أهلكتني، فأنزل عندي وفرق أصحابك، فأبى.
فقال انزل في بني راسب ففعل.
وقيل: أقام محمد يدعو الناس سرا. وقيل: نزل بعبد الله بن سفيان المري
أياما، وحج المنصور سنة أربعين، فأكرم عبد الله بن حسن، ثم قال لعقبة: تراء
له. ثم قال: يا أبا محمد: قد علمت ما أعطيتني من العهود قال: أنا على ذلك.
فتراءى له عقبة وغمزه فأبلس عبد الله، وقال: أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله!
قال: كلا وسجنه.

(1) انظر الطبري 7 / 519، 520، وابن الأثير 5 / 516.
211

وقيل: إنه قال له: أرى ابنيك قد استوحشا مني. وإني لأحب قربهما، قال: ما
لي بهما علم. وقد خرجا عن يدي.
وقيل: هم الاخوان باغتيال المنصور بمكة، وواطأهما قائد كبير، ففهم
المنصور، فتحرز، وهرب القائد وتحيل المنصور من زياد فقبض عليه، واستعمل
على المدينة محمد بن خالد القسري، وبذل له أزيد من مئة ألف دينار إعانة،
فعجز، فعزله برياح بن عثمان بن حيان المري. وعذب القسري. فأخبر رياح
بأن محمد بن عبد الله في شعب رضوى من أرض ينبع، فندب له عمرو بن
عثمان الجهني، فكبسه ليلة، ففر محمد ومعه ولد، فوقع من جبل من يد أمه
فتقطع، وفيه يقول أبوه:
منخرق السربال يشكو الوجى * تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف وأزرى به * كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد
وتتبع رياح بني حسن واعتقلهم. فأخذ حسنا وإبراهيم ابني حسن، وهما عما
محمد وحسن بن جعفر بن حسن بن حسن. وسليمان بن داود بن حسن بن
حسن، وأخاه عبد الله، ومحمدا، وإسماعيل وإسحاق أولاد إبراهيم المذكور
وعباس بن حسن بن حسن بن حسن، وأخاه عليا العابد وقيدهم. وشتم ابني
حسن على المنبر، فسبح الناس، وعظموا قوله. فقال رياح: ألصق الله بوجوهكم
الهوان، لاكتبن إلى خليفتكم غشكم. فقالوا: لا نسمع منك يا ابن
المجلودة (1). وبادروه يرمونه بالحصباء، فنزل، واقتحم دار مروان، وأغلق
عليه، فأحاط به الناس ورجموه وشتموه ثم إنهم كفوا، وحملوا آل حسن في القيود

(1) في تاريخ الاسلام: " المحدودة ". وفي الطبري: " المجلود ".
212

إلى العراق، وجعفر الصادق يبكي لهم. وأخذ معهم أخوهم من أمهم محمد
ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو ابن فاطمة بنت الحسين. فقيل:
جعلوا في المحامل ولا وطاء تحتهم. وقيل: أخذ معهم أربع مئة من جهينة،
ومزينة.
قال ابن أبي الموالي: وسجنت مع عبد الله بن حسن فوافى المنصور الربذة (1)
راجعا من حجه. فطلب عبد الله أن يحضر إليه فأبى. ودخلت أنا وعنده عمه
عيسى بن علي، فسلمت قال: لا سلم الله عليك. أين الفاسقان؟ ابنا
الفاسق؟!
قلت: هل ينفعني الصدق؟ قال: وما ذاك؟ قلت: امرأتي طالق وعلي وعلي
إن كنت أعرف مكانهما. فلم يقبل. فضربني أربع مئة سوط. فغاب عقلي
ورددت إلى أصحابي. ثم طلب أخاهم الديباج فحلف له، فلم يقبل، وضربه
مائة سوط وغله، فأتى وقد لصق قميصه على جسمه من الدماء.

(1) قرية من قرى المدينة المنورة، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز، إذا رحلت
من " فيد " تريد " مكة ". وبها قبر الصحابي الجليل أبي ذر، رضي الله عنه، وقطعا للشكوك
التي يثيرها دعاة الفتن، وأصحاب الأغراض، الذين افترع الغرب عقولهم، حول مكث
أبي ذر بالربذة، نورد أصح الاخبار عن ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري 3 / 217
و 218، في الزكاة، باب: ما أدي زكاته ليس بكنز، وفي تفسير سورة براءة، باب: والذين
يكنزون الذهب والفضة عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة، فإذا بأبي ذر، فقلت له: ما
أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية (والذين يكنزون
الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [التوبة: 34] فقال معاوية:
نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام. فكتب
إلى عثمان يشكوني. فكتب إلي عثمان: أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر علي الناس حتى
كأنهم لم يروني قبل ذلك. فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبا
فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت.
213

فأول من مات في الحبس عبد الله أبوهما. ثم مات أخوه حسن، ثم الديباج،
فقطع رأسه وبعثه مع طائفة من الشيعة طافوا به خراسان يحلفون أن هذا رأس
محمد بن عبد الله بن فاطمة يوهمون أنه ابن حسن الذي كانوا يجدون خروجه في
الكتب.
وقيل: إن المنصور قال لمحمد بن إبراهيم بن حسن: أنت الديباج الأصفر؟
قال: نعم، قال: لأقتلنك قتلة ما سمع بها. ثم أمر باصطوانة فنقرت. وأدخل
فيها: ثم سد عليه وهو حي. وكان من الملاح.
وقيل: إنه قتل الديباج محمد بن عبد الله أيضا.
وعن موسى بن عبد الله بن حسن قال: ما كنا نعرف في الحبس أوقات
الصلوات إلا بأجزاء يقرؤها علي بن حسن.
وقيل: إن المنصور قتل عبد الله بن حسن أيضا بالسم.
وعن أبي نعيم قال: بلغني أن عبيد الله بن عمر، وابن أبي ذئب، وعبد الحميد
ابن جعفر دخلوا على محمد بن عبد الله، وقالوا: ما تنتظر! والله ما نجد في هذا
البلد أشأم عليها منك.
وأما رياح، فطلب جعفر الصادق وبني عمه إلى داره، فسمع التكبير في الليل،
فاختفى رياح. فظهر محمد في مائتين وخمسين نفسا. فأخرج أهل السجن.
وكان على حمار، في أول رجب سنة خمس وأربعين، فحبس رياحا وجماعة.
وخطب فقال: أما بعد: فإنه كان من أمر هذا الطاغية أبي جعفر، ما لم يخف
عليكم من بنائه القبة الخضراء (1) التي بناها تصغيرا لكعبة الله، وإن أحق الناس

(1) هي في قصر المنصور ببغداد، أقامها على إيوانه، وارتفاعها عن الأرض ثمانون
ذراعا. قال الخطيب البغدادي في تاريخه 1 / 73: وكانت هذه القبة تاج بغداد، وعلم
البلد، ومأثرة من مآثر بني العباس عظيمة. بنيت أول ملكهم، وبقيت إلى آخر أمر الواثق
فكان بين بنائها. وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة.
214

بالقيام للدين أبناء المهاجرين والأنصار. اللهم قد فعلوا وفعلوا، فأحصهم عددا
واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا (1).
قال علي بن الجعد: كان المنصور يكتب على ألسن قواده إلى محمد بن عبد الله
بأنهم معه (2) فاخرج. فقال: يثق بالمحال. وخرج معه مثل ابن عجلان، وعبد
الحميد بن جعفر.
قال ابن سعد: فلما قتل أتى والي المدينة بابن عجلان فسبه وأمر بقطع يده.
فقال العلماء: أصلح الله الأمير، إن هذا فقيه المدينة وعابدها. وشبه عليه بأنه
المهدي فتركه. قال: ولزم عبيد الله بن عمر ضيعة له، وخرج أخواه عبد الله،
وأبو بكر، فعفا عنهما المنصور.
واختفى جعفر الصادق، ثم إن محمدا استعمل عمالا على المدينة، ولزم
مالك بيته.
قال أبو داود: كان الثوري يتكلم في عبد الحميد بن جعفر لخروجه ويقول:
إن مر بك المهدي وأنت في البيت، فلا تخرج إليه حتى يجتمع الناس عليه.
وقيل: بعث محمد إلى إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد شاخ
ليبايعه، فقال: يا أبن أخي، أنت والله مقتول! كيف أبايعك؟! فارتدع الناس
عنه. فأتته بنت أخيه معاوية، فقالت: يا عم إن إخوتي قد أسرعوا إلى ابن
خالهم، فلا تثبط عنه فيقتل هو وإخوتي. فأبى. فيقال: قتلته. فأراد محمد

(1) هذا الكلام مقتبس من قول خبيب رضي الله عنه، حين خرج به المشركون من
الحرم ليقتلوه في الحل. انظر الخبر بتمامه في البخاري 6 / 115 في الجهاد، باب هل
يستأمر الرجل، ومن صلى ركعتين عند القتل و 7 / 240 في المغازي و 7 / 291 - 295 أيضا.
(2) وتمام الخبر، في الطبري، وتاريخ الاسلام 6 / 12: (فكان محمد يقول: لو التقينا
مال إلي القواد كلهم).
215

الصلاة عليه فقال ابنه: تقتل أبي وتصلي عليه؟ فنحاه الحرس. وتقدم محمد،
وكان محمد أسود جسيما فيه تمتمة. ولما خرج قامت قيامة المنصور. فقال لآله:
اذهبوا إلى هذا الأحمق عبد الله بن علي، فله رأي جيد في الحرب. فلما دخلوا
قال: لأمر ما جئتم: فما جاء بكم جميعا، وقد هجرتموني من دهر. قالوا: استأذنا
أمير المؤمنين، فأذن لنا. قال: ليس ذا بشئ. ما الخبر؟ قالوا: خرج محمد.
قال: فما ترون ابن سلامة صانعا؟ - يعني المنصور - قالوا: لا ندري. قال: إن
البخل قد قتله، فليخرج الأموال ويكرم الجند، فإن غلب فما أوشك أن يعود إليه ماله.
وجهز المنصور ولي عهده عيسى بن موسى لحرب محمد، وكتب إلى
محمد يحثه على التوبة. ويعده ويمنيه، فأجابه: من المهدي محمد بن عبد
الله (طسم تلك آيات الكتاب المبين) وأنا أعرض عليك من الأمان مثل ما
عرضت. فإن الحق حقنا.. إلى أن قال: فأي الأمانات تعطيني أمان ابن
هبيرة، أم أمان عمك؟ أم أمان أبي مسلم؟!
فأرسل إليه بكتاب مزعج، وأخذ جند محمد مكة. وجاءه منها عسكر، وسار
ولي العهد في أربعة آلاف فارس، ونفذ إلى أهل المدينة يتألفهم، فتفلل خلق عن
محمد، وبادر آخرون إلى خدمة عيسى. فأشير على محمد أن يفر إلى مصر، فلن
يردك أحد عنها. فصاح جبير: أعوذ بالله أن نخرج من المدينة، ونبي الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " رأيتني في درع حصينة فأولتها المدينة " (1).

(1) قطعة من حديث مطول، أخرجه أحمد 1 / 271 من طريق: سريج عن ابن أبي الزناد،
عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي أرى فيه الرؤيا يوم أحد، فقال: رأيت في سيفي ذي
الفقار فلا، فأولته، فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا، فأولت كيش الكتيبة، ورأيت
أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير،
فكان الذي قال، صلى الله عليه وسلم، ". وسنده حسن. وأخرج الدارمي 2 / 129 بنحوه من طريق الحجاج
ابن منهال، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير عن جابر.. ورجاله ثقات.
216

ثم إن محمدا استشار أن يخندق على نفسه، فاختلف الآراء. ثم حفر خندق
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفر فيه بيده.
عن عثمان الزبيري قال: اجتمع مع محمد جمع (1) لم أر أكثر منه. إني
لأحسبنا كنا مائة ألف. فخطب محمد وقال: إن هذا قد قرب وقد حللتكم من
بيعتي. قال: فتسللوا حتى بقي في شرذمة، وهرب الناس بذراريهم في الجبال.
فلم يتعرض عيسى لأذاهم. وراسل محمدا يدعوه إلى الطاعة. فقال: إياك أن
يقتلك من يدعوك إلى الله، فتكون شر قتيل، أو تقتله فيكون أعظم لوزرك.
فبعث إليه: إن أبيت فإنا نقاتلك على ما قاتل عليه جدك طلحة والزبير على
نكث البيعة، ثم أحاط عيسى بالمدينة في أثناء رمضان، ودعا محمدا إلى الطاعة
ثلاثة أيام، ثم قرب من السور، فنادى بنفسه: يا أهل المدينة، إن الله قد حرم
الدماء فهلموا إلى الأمان، وخلوا بيننا وبين هذا، فشتموه، فانصرف، وفعل
ذلك من الغد، وزحف في اليوم الثالث، وظهر وكرر بذل الأمان لمحمد فأبى،
وترجل، فقال بعضهم: إني لأحسبه قتل بيده سبعين يومئذ.
وقال عبد الحميد بن جعفر: كنا مع محمد في عدة أصحاب بدر، ثم تبارز
جماعة، وأقبل رجل من جند المنصور، عند أحجار الزيت (2)، فطلب المبارزة،
فخرج إليه رجل عليه قباء أصفر فقتل الجندي، ثم برز آخر فقتله، فاعتوره
أصحاب عيسى حتى أثبتوه بالسهام، ودام القتال من بكرة إلى العصر. وطم
أصحاب عيسى الخندق فجازت خيلهم.
قال عبد الله بن جعفر: تحنط محمد للموت. فقلت له: ما لك بما ترى طاقة.

(1) في الأصل " جمعا " وهو تحريف.
(2) موضع في المدينة، قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء.
217

فالحق بالحسن بن معاوية نائبك بمكة. قال: لو رحت لقتل هؤلاء فلا أرجع،
وأنت مني في سعة.
وقيل: ناشده غير واحد الله وهو يقول: والله لا تبتلون (1) بي مرتين. ثم
قتل (2) رياحا وعباس بن عثمان فمقته الناس. ثم صلى العصر. وعرقب فرسه،
وعرقب بنو شجاع دوابهم، وكسروا أجفان سيوفهم ثم حمل هو، فهزم القوم
مرتين. ثم استدار بعضهم من ورائه. وشد حميد بن قحطبة على محمد فقتله
وأخذ رأسه. وكان مع محمد سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار، فجاءه سهم،
فوجد الموت، فكسر السيف. ولم يصح بل قيل: أعطاه رجلا كان له عليه
أربع مئة دينار. وقال: لن تلقى طالبيا إلا وأخذه منك، وأعطاك حقك فلما ولي
جعفر بن سليمان المدينة، أخذه منه وأعطاه الدين.
وكان مصرع محمد عند أحجار الزيت في رابع عشر رمضان، سنة خمس، قال
الواقدي: عاش ثلاثا وخمسين سنة، وقيل: صلب عدة من أصحابه، وطيف
بالرأس.
قال ابن حزم: ذهبت طائفة من الجارودية أنه لم يمت، ولا يموت، حتى يملأ الأرض
عدلا، وخلف من الأولاد: حسنا، وعبد الله، وفاطمة، وزينب.
106 - إبراهيم بن عبد الله بن حسن *
العلوي، الذي خرج بالبصرة زمن خروج أخيه بالمدينة.
تاريخ خليفة (421 - 422 - 431 - 432)، البيان والتبيين 2 / 195 و 3 / 373،
التاريخ الصغير: 2 / 84، الطبري، والكامل، والبداية، في حوادث سنة 145. الوافي
بالوفيات: 6 / 31.

(1) في الأصل " لتبلون " والصحيح ما أثبتناه.
(2) السياق هنا يشعر أن قاتل رياح هو محمد. بينما نص المؤلف في تاريخ الاسلام
6 / 18، ونص الطبري 7 / 591، ونص الكامل 5 / 547 - 548 كلها تدل على أن الفاعل هو
عيسى بن خضير وهو الصحيح.
218

قال مطهر بن الحارث: أقبلنا مع إبراهيم من مكة نريد البصرة ونحن عشرة،
فنزلنا على يحيى بن زياد.
وعن إبراهيم قال: اضطرني الطلب بالموصل حتى جلست على موائد أبي
جعفر، وكان قد قدمها يطلبني فتحيرت ولفظتني الأرض، وضاقت علي. ووضع
علي الأرصاد، ودعا يوما الناس إلى غدائه فدخلت وأكلت.
وجرت لهذا ألوان في اختفائه، وربما يظفر به بعض الأعوان، فيطلقه لما يعلم
من ظلم عدوه.
ثم اختفى بالبصرة وهو يدعو إلى نفسه، فاستجاب له خلق لشدة بغضهم في
أبي جعفر.
قال ابن سعد: ظهر محمد، وغلب على الحرمين، فوجه أخاه إبراهيم إلى
البصرة، فدخلها في أول رمضان فغلب عليها، وبيض أهلها، ورموا السواد
فخرج معه عدة علماء. وقيل: لما قارب جمعه أربعة آلاف، شهر أمره ونزل في دار
أبي مروان النيسابوري.
قال عبد الله بن سفيان: أتيت إبراهيم وهو مرعوب. فأخبرته بكتاب أخيه
وأنه ظهر بالمدينة ويأمره بالظهور. فوجم لها واغتم. فأخذت أسهل عليه
وأقول: معك مضاء التغلبي، والطهوي، والمغيرة، وأنا، ونخرج في الليل إلى
السجن فنفتحه ويصبح معك خلق، فطابت نفسه.
وبلغ المنصور فندب جيشا إلى البصرة. وسار بنفسه، فضبط الكوفة خوفا من
وثوب الشيعة.
219

قال أبو الحسن الحذاء: ألزم أبو جعفر الناس بالسواد، فكنت أرى بعضهم
يصبغ بالمداد، ثم أخذ يحبس أو يقتل كل من يتهمه. وكانت البيعة في السر
تعمل بالكوفة لإبراهيم. وكان بالموصل ألفان لمكان الخوارج، فطلبهم المنصور
فقاتلهم بعض من هوي إبراهيم. فقتل منهم خمس مئة. وصار إبراهيم في أول
رمضان إلى مقبرة بني يشكر في بضعة عشر فارسا. ثم صلى بالناس الصبح في
الجامع. فتحصن منه نائب البصرة. وكان يتراكك في أمره حتى تمكن إبراهيم،
ثم نزل إليه بأمان، فقيده بقيد خفيف، وعفا عن الأجناد. فانتدب لحربه جعفر
ابن سليمان وأخوه محمد في ست مئة فارس. فأبرز إبراهيم لحربهم مضاء في خمسين
مقاتلا، فهزمهم مضاء وجرح محمد بن سليمان. ووجد إبراهيم في بيت المال
ست مئة ألف ففرقها على عسكره خمسين خمسين.
ثم جهز المغيرة في خمسين مقاتلا فقدمها، وقد التف معه نحو مئتين.
فهزم متولي الأهواز محمد بن حصين واستولى المغيرة على البلد.
وهم إبراهيم بالمسير إلى الكوفة، وبعث جماعة، فغلبوا على إقليم فارس،
واستعمل على واسط هارون العجلي.
فجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، فجرت بينهم وقعات حتى كل الفريقان،
وبقي إبراهيم سائر رمضان ينفذ عماله على البلاد. وحارب، فولى المنصور
وتحير، وحدث نفسه بالهرب. فلما جاء نعي محمد بن عبد الله بالمدينة، رجعت
إلى المنصور روحه، وفت ذلك في عضد إبراهيم، وبهت. وصلى بالناس العيد
بالمصلى و [يعرف] (1) فيه الحزن.
وقيل: إن المنصور قال: ما أدري ما أصنع: ما عندي نحو ألفي فارس. فمع

(1) زيادة من تاريخ الاسلام للمصنف.
220

ابني بالري ثلاثون ألفا، ومع محمد بن أشعث بالمغرب أربعون ألفا، ومع عيسى
بالحجاز ستة آلاف. لئن نجوت لا يفارقني ثلاثون ألف فارس. فما لبث أن أتاه
عيسى مؤيدا منصورا، فوجهه لحرب إبراهيم، وأقبل سلم بن قتيبة الباهلي من
الري فكاتب أهل البصرة فلحقت به باهلة. وسار خازم بن خزيمة إلى الأهواز،
وبقي المنصور كالجمل الهائج إلى أن انتصر وقتل إبراهيم. فمكث شهرين لا
يأوي إلى فراش.
قال حجاج بن مسلم: دخلت عليه تلك الأيام، وقد جاءه فتق البصرة،
وفتق فارس، وواسط، والمدائن وهو مطرق يتمثل:
ونصبت نفسي للرماح دريئة * إن الرئيس لمثلها لفعول
هذا ومئة ألف سيف كامنة حوله بالكوفة ينتظرون صيحة فوجدته صقرا أحوذيا
مشمرا
وعن والد علي بن المديني قال: خرجنا مع إبراهيم فعسكرنا بباخمرا (1)،
فطفنا ليلة، فسمع إبراهيم أصوات طنابير وغناء، فقال: ما أطمع في نصر
عسكر فيه هذا.
وعن داود بن جعفر بن سليمان قال: أحصي ديوان إبراهيم على مئة ألف
مقاتل. وقيل: بل كانوا عشرة آلاف. وهذا أصح.
وكان مع عيسى بن موسى خمسة عشر ألفا.
وأشير على إبراهيم أن يكبس الكوفة ولو فعل لراحت على المنصور. فقال: بل

(1) موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب. وبها استشهد إبراهيم، ودفن.
وإياه عنى دعبل الخزاعي بقوله:
وقبر بأرض الجوزجان محله * وقبر بباخمرى لدى الغربات
221

أبيت عيسى.
وعن هريم قال: قلت لإبراهيم: لا تظهر على المنصور حتى تأتي الكوفة، فأن
ملكتها لم تقم له قائمة. وإلا فدعني أسير إليها أدعو لك سرا، ثم أجهر. فلو
سمع المنصور هيعة بها، طار إلى حلوان، فقال: لا نأمن أن تجيبك منهم طائفة
[فيرسل إليهم أبو جعفر خيلا فيطأ البرئ والنطف والصغير والكبير] (1) فنتعرض
لاثم. فقلت: خرجت لقتال مثل المنصور وتتوقى ذلك؟!.
لما نزل باخمرا كتب إليه سلم بن قتيبة، إنك قد أصحرت ومثلك أنفس به
على الموت. فخندق على نفسك. فإن أنت لم تفعل، فقد أعرى أبو جعفر
عسكره. فخف في طائفة حتى تأتيه فتأخذ بقفاه، فشاور قواده فقالوا: نخندق
على نفوسنا ونحن ظاهرون؟! وقال بعضهم: أنأتيه وهو في أيدينا متى شئنا؟!
وعن بعضهم قال: التقى الجمعان، فقلت لإبراهيم: إن الصف إذا انهزم
تداعى، فاجعلنا كراديس فتنادي أصحابه: لا، لا. وقلت: إنهم مصبحوك في
أكمل سلاح وكراع، ومعك عراة. فدعنا نبيتهم؟ فقال: إني أكره القتل. فقال:
تريد الخلافة، وتكره القتل؟ - وباخمرا على يومين من الكوفة - فالتحم الحرب،
وانهزم حميد بن قحطبة. فتداعى الجيش، فناشدهم عيسى فما أفاد. وثبت هو في
مئة فارس. فقيل له: لو تنحيت؟ قال: لا أزول حتى أقتل أو أنصر، ولا يقال:
انهزم.
وكان المنصور يصغي إلى النجوم ولا يتأثم من ذلك. فيقال: إنه قال لعيسى:
إنهم يقولون: إنك لاقيه وإن لك جولة، ثم يفئ إليك أصحابه. قال عيسى:
فلقد رأيتني وما معي إلا ثلاثة [أو] أربعة. فقال غلامي: علام تقف؟! قلت:

(1) زيادة من تاريخ الاسلام للمؤلف، ومن تاريخ الطبري.
222

والله لا يراني أهل بيتي منهزما، فإنا لكذلك إذ صمد ابنا سليمان بن علي
لإبراهيم، فخرجا من خلفه. ولولا هما لافتضحنا. وكان من صنع الله أن
أصحابنا لما انهزموا عرض لهم نهر، ولم يجدوا مخاضه فرجعوا. فانهزم أصحاب
إبراهيم، وثبت هو في خمس مئة. وقيل: بل في سبعين. واشتد القتال، وتطايرت
الرؤوس، وحمي الحرب إلى أن جاء سهم غرب لا يعرف راميه في حلق
إبراهيم. فتنحى، وأنزلوه وهو يقول: (وكان أمر الله قدرا مقدورا) [الأحزاب:
38]. أردنا أمرا وأراد الله غيره. فحماه أصحابه. فأنكر حميد بن قحطبة
اجتماعهم. وحمل عليهم فانفرجوا عن إبراهيم. فنزل طائفة، فاحتزوا رأسه،
رحمه الله، وأتي بالرأس إلى عيسى، فسجد، ونفذه إلى المنصور لخمس بقين من
ذي القعدة، سنة خمس وأربعين وعاش ثمانيا وأربعين سنة. وقيل: كان عليه
زردية (1) فحسر من الحر عن صدره فأصيب. وكان قد وصل خلق من المنهزمين
إلى الكوفة، وتهيأ المنصور، وأعد السبق للهرب إلى الري. فقال له نوبخت (2)
المنجم: الظفر لك. فما قبل منه، فلما كان الفجر، أتاه الرأس فتمثل بقول معقر
البارقي (3):
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
قال خليفة: صلى إبراهيم العيد بالناس أربعا. وخرج معه أبو خالد الأحمر،
وهشيم، وعباد بن العوام، وعيسى بن يونس، ويزيد بن هارون، ولم يخرج شعبة.
وكان أبو حنيفة يأمر بالخروج. قال: وحدثني من سمع حماد بن زيد يقول: ما
بالبصرة إلا من تغير أيام إبراهيم إلا ابن عون.

(1) الزرد: حلق المغفر والدرع، واليها هذه النسبة.
(2) في الطبري " ينبخت ".
(3) كما في " المؤتلف والمختلف ": 128، ونسبه الجاحظ في " البيان والتبيين " 3 / 40
إلى مضرس العبدي.
223

وحدثني ميسور بن بكر: سمع عبد الوارث يقول، فأتينا شعبة، فقلنا: كيف
ترى؟ قال: أرى أن تخرجوا وتعينوه. فأتينا هشاما الدستوائي، فلم يجبنا. فأتينا
سعيد بن أبي عروبة، فقال: ما أرى بأسا أن يدخل رجل منزله، فإن دخل عليه
داخل قاتله.
عمر بن شبة، حدثنا خلاد بن يزيد، سمعت شعبة يقول: باخمرا بدر
الصغرى.
وقال أبو نعيم، لما قتل إبراهيم، هرب أهل البصرة برا وبحرا، واستخفى
الناس. وقتل معه الأمير بشير الرحال وجماعة كثيرة.
قلت، وعرفت الخزر باختلاف الأمة، فخرجوا من باب الأبواب، وقتلوا
خلقا بأرمينية، وسبوا الذرية فلله الامر، وتشتت الحسينيون، وهرب إدريس منهم
إلى أقصى بلاد المغرب ثم خرج ابنه هناك، ثم سم.
وبقي طائفة من الإدريسية، فتملكوا بعد سنة أربع مئة سنوات، ولقيت من
أولادهم جعفر بن محمد الإدريسي الأديب، فروى لنا عن ابن باق.
107 - الديباج * (ق)
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمرو ابن أمير المؤمنين عثمان العثماني
المدني الملقب بالديباج لحسنه، كان جوادا، سخيا ذا مروءة وسؤدد وحشمة.
حدث عن أمه فاطمة بنت الحسين الشهيد، ونافع، وعبد الله بن دينار،
وطائفة.

التاريخ الصغير: 2 / 81، الطبري: حوادث سنة 129، الجرح والتعديل:
7 / 1. 3، مشاهير علماء الأمصار (131)، الكامل في التاريخ حوادث سنة 129، تذهيب
التهذيب 3 / 219 / 1 - 2، ميزان الاعتدال 3 / 593، تهذب التهذيب 9 / 268 - 269، خلاصة
تذهيب الكمال (345). وقد سقط الرمز " ق " من الأصل.
224

وعنه: أسامة بن زيد، والدراوردي، ومحمد بن معن، ويحيى بن سليم
الطائفي، وعبد الرحمن بن أبي الزناد. لينه البخاري.
وهو عم الأخوين ابني حسن للام، فأخذه المنصور لذلك، وضربه،
وقيده، فمات في سجنه بالهاشمية سنة خمس وأربعين ومئة. وقيل: سقاه.
قال النسائي: ليس بالقوي. قال معن القزاز: زعموا أن المنصور قتله وقت
خروج محمد بن عبد الله.
108 - عمران بن مسلم * (خ، م، د، ت، س)
القصير الرباني، العابد أبو بكر البصري الوفي.
روى عن أبي رجاء العطاردي، وإبراهيم التيمي، وعطاء، وابن سيرين،
والحسن، ونافع. وقيل، روى عن أنس. وعداده في صغار التابعين.
حدث عنه: بشر بن المفضل، ويحيى القطان، وعثمان بن زائدة، وعدة،
خاتمتهم عبد الله بن رجاء الغداني. إلا أنه فيما قال يحيى القطان: كان يرى
القدر.
وثقه أحمد بن حنبل وغيره. وذكره ابن عدي في " كامله " واستنكر له
أحاديث وساقها.
وعندي أنها قوية.
ويروى عنه أنه عاهد الله تعالى أن لا ينام إلا عن غلبة. وبعضهم سمى أباه
ميسرة.

التاريخ الكبير 6 / 419، التاريخ الصغر 2 / 140، الجرح والتعديل 6 / 304 -
305، مشاهير علماء الأمصار (154)، تهذيب الكمال (1059)، تذهيب التهذيب
3 / 115 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 243، تهذيب التهذيب 8 / 137 - 139، خلاصة تذهيب
الكمال (296).
سير 6 / 15
225

109 - خالد بن صفوان *
ابن الأهتم. العلامة، البليغ، فصيح زمانه، أبو صفوان المنقري،
الأهتمي، البصري. وقد وفد على عمر بن عبد العزيز. ولم أظفر له بوفاة. إلا
أنه كان في أيام التابعين.
روى عنه شبيب بن شيبة، وإبراهيم بن سعد وغيرهما.
وهو القائل، ثلاثة يعرفون عند ثلاثة، الحليم عند الغضب، والشجاع
عند اللقاء، والصديق عند النائبة.
وقال: أحسن الكلام ما لم يكن بالبدوي المغرب، ولا بالقروي المخدج،
ولكن ما شرفت منابته، وطرفت معانيه، ولذ على الأفواه، وحسن في
الاسماع، وازداد حسنا على ممر السنين، تحنحنه الدواة، وتقتنيه السراة (1).
قلت: وكان مشهورا بالبخل، رحمه الله.
110 - الأعمش * * (ع)
سليمان بن مهران، الامام شيخ الاسلام، شيخ المقرئين والمحدثين، أبو

تاريخ خليفة (248)، البيان والتبيين: 1 / 32 - 47 - 173 - 292 - 317 - 336 -
340 - 352 - 2 / 93 - 117 - 220 - 250 - 297، 3 / 164، 274 و 4 / 92.
(1) ومن كلامه، وقد سئل: أي إخوانك أحب إليك؟ قال، الذي يغفر زللي، ويقبل
عللي، ويسد خللي. قال المؤلف معلقا على ذلك: قلت: إنما ذاك هو الله تعالى، أجود
الأجودين.
(* *) طبقات ابن سعد 6 / 342، تاريخ خليفة (232، 424)، طبقات خليفة (164)،
التاريخ الصغير: 2 / 91، الجرح والتعديل 4 / 146، مشاهير علماء الأمصار (111)، حلية
الأولياء 5 / 46 - 60، تاريخ بغداد 9 / 3، الكامل في التاريخ 5 / 589، وفيات الأعيان
2 / 400 - 403، تهذيب الكمال (548 - 549)، تذهيب التهذيب 20 / 54 / 2، تاريخ
الاسلام 6 / 75، ميزان الاعتدال 2 / 224، تذكرة الحفاظ 1 / 154، غاية النهاية 1 / 315،
تهذيب التهذيب 4 / 222 - 226، خلاصة تذهيب الكمال (155)، شذرات الذهب
1 / 220 - 223.
226

محمد الأسدي، الكاهلي، مولاهم الكوفي الحافظ. أصله من نواحي الري.
فقيل ولد بقرية أمه من أعمال طبرستان في سنة إحدى وستين. وقدموا به إلى
الكوفة طفلا، وقيل: حملا.
قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه، وروى عنه، وعن عبد الله بن أبي أوفى
على معنى التدليس. فإن الرجل مع إمامته كان مدلسا، وروى عن أبي وائل،
وزيد بن وهب، وأبي عمرو الشيباني، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير
وأبي صالح السمان، ومجاهد، وأبي ظبيان، وخيثمة بن عبد الرحمن، وزر
ابن حبيش، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكميل بن زياد، والمعرور بن سويد،
والوليد بن عبادة بن الصامت، وتميم بن سلمة، وسالم بن أبي الجعد، وعبد
الله بن مرة الهمداني، وعمارة بن عمير الليثي، وقيس بن أبي حازم، ومحمد
ابن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وهلال بن يساف، وأبي حازم الأشجعي
سلمان، وأبي العالية الرياحي، وإسماعيل بن رجاء، وثابت بن عبيد، وأبي
بشر، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم، وذر بن عبد الله، وزياد بن الحصين،
وسعيد بن عبيدة، والشعبي، والمنهال بن عمرو، وأبي سبرة النخعي، وأبى
السفر الهمداني، وعمرو بن مرة، ويحيى بن وثاب، وخلق كثير من كبار
التابعين، وغيرهم.
روى عنه: الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق السبيعي، وطلحة بن مصرف،
وحبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن أبي النجود، وأيوب السختياني، وزيد بن
أسلم، وصفوان بن سليم، وسهيل بن أبي صالح، وأبان بن تغلب، وخالد
الحذاء، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وهم كلهم من أقرانه،
وأبو حنيفة، والأوزاعي، وسعيد بن أبي عروبة، وابن إسحاق، وشعبة،
ومعمر، وسفيان، وشيبان، وجرير بن حازم، وزائدة، وجرير بن عبد الحميد،
227

وأبو معاوية، وحفص بن غياث، وعبد الله بن إدريس، وعلي بن مسهر،
ووكيع، وأبو أسامة، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن بشير، وإسحاق بن يوسف
الأزرق، وسعد بن الصلت، وعبد الله بن نمير، وعبد الرحمن بن مغراء،
وعثام بن علي، ويحيى بن سعيد الأموي، ويحيى بن سعيد القطان، ويونس
ابن بكير، ويعلى بن عبيد، وجعفر بن عون، والخريبي، وعبيد الله بن موسى،
وأبو نعيم الفضل بن دكين، وخلق كثير، آخرهم وفاة يحيى بن هاشم
السمسار، أحد التلفى. وقد قرأ القرآن على يحيى بن وثاب مقرئ العراق.
وقيل: إنه تلا على أبي العالية الرياحي، وذلك ممكن. قرأ عليه حمزة
الزيات، وزائدة بن قدامة، وقرأ الكسائي على زائدة بحروف الأعمش. قال
علي بن المديني: له نحو من ألف وثلاث مئة حديث. قال سفيان عيينة:
كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض.
وقال يحيى القطان: هو علامة الاسلام. قال وكيع بن الجراح: كان
الأعمش، قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى.
وقال عبد الله الخريبي: ما خلف الأعمش أعبد منه. وقال ابن عيينة: رأيت
الأعمش لبس فروا مقلوبا، وبتا تسيل خيوطه على رجليه. ثم قال: أرأيتم لولا
أني تعلمت العلم، من كان يأتيني لو كنت بقالا؟ كان يقدر الناس أن يشتروا
مني.
قال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول: كانوا يقرؤون على يحيى بن وثاب،
فلما مات أحدقوا بي.
وقال أبو أسامة: قال الأعمش: ما أطفتم بأحد إلا حملتموه على الكذب.
الأشج: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الأعمش قال: استعان بي
مالك بن الحارث في حاجة، فجئت في قباء مخرق. فقال لي: لو لبست ثوبا
228

غيره، فقلت: امش فإنما حاجتك بيد الله، قال: فجعل يقول في المسجد:
ما صرت مع سليمان إلا غلاما.
قال ابن إدريس: سئل الأعمش عن حديث فامتنع، فلم يزالوا به حتى
استخرجوه منه. فلما حدث به، ضرب مثلا فقال، جاء قفاف بدراهم إلى
صير في يريه إياها، فلما ذهب يزنها، وجدها تنقص سبعين، فقال:
عجبت عجيبة من ذئب سوء * أصاب فريسة من ليث غاب
فقف بكفه سبعين منها * تنقاها من السود الصلاب (1)
فإن أخدع فقد يخدع ويؤخذ * عتيق الطير من جو السحاب
وقال نعيم بن حماد: حدثنا ابن عيينة قال: لو رأيت الأعمش وعليه فرو
غليظ وخفان، أظنه قال: غليظان، كأنه إنسان سائل. فقال يوما: لولا
القرآن، وهذا العلم عندي، لكنت من بقالي الكوفة.
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب
الأنماطي، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا عبيد الله بن حبابة، حدثنا أبو
القاسم البغوي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا
الأعمش، قال، دخلت على مجاهد، فلما خرجت من عنده، تبعني بعض
أصحابه فقال، سمعت مجاهدا يقول، لو كانت بي قوة، لاختلفت إلى هذا -
يعني الأعمش.
وبه إلى البغوي، حدثني أبو سعيد، حدثنا حميد بن عبد الرحمن
الرؤاسي، سمعت الأعمش يقول، انظروا: لا تنثروا هذه الدنانير على
الكنائس.

(1) القفاف: هو الذي يسرق الدراهم بين أصابعه عند نقدها. والبيت في اللسان، مادة
" قفف " ورواية الشطر الثاني فيه: " من السود المروقة الصلاب ".
229

وسمعته يقول: لا تنثروا اللؤلؤ تحت أظلاف الخنازير.
وبه حدثني زياد بن أيوب، حدثنا أبو سفيان الحميري، عن سفيان بن
حسين قال: خرج الأعمش إلى بعض السواد فأتاه قوم فسألوه عن الحديث،
قال: فقال له جلساؤه: لو حدثت هؤلاء المساكين؟ فقال، من يعلق الدر على
الخنازير؟!
حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس عن الأعمش قال، جلست إلى
إياس بن معاوية بواسط فذكر حديثا. فقلت: من ذكر هذا؟ فضرب لي مثل
رجل من الخوارج. فقلت: أتضرب لي هذا المثل، تريد أن أكنس الطريق
بثوبي، فلا أمر ببعرة ولا خنفس إلا حملتها؟!
حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي، عن أبي ربعي، عن الأعمش
قال: العمالقة حرورية بني إسرائيل.
حدثني زياد بن أيوب، حدثنا ابن أبي زائدة، حدثنا الأعمش: دخل علي
إبراهيم يعودني. وكان يمازحني، فقال: أما أنت فتعرف في منزلة: أنه ليس
من القريتين عظيم.
حدثني محمد بن إسحاق، حدثنا ابن عمير، سمعت أبا خالد الأحمر،
سمعت الأعمش يقول: كتبت عن أبي صالح ألف حديث.
حدثني أبو سعيد، حدثنا ابن إدريس، قال لي الأعمش: أما تعجب من عبد
الملك بن أبجر قال: جاءني رجل فقال: إني لم أمرض، وأنا أشتهي أن
أمرض، قال: فقلت: احمد الله على العافية. قال: أنا أشتهي أن أمرض.
قال: كل سمكا مالحا، واشرب نبيذا مريسا، واقعد في الشمس، واستمرض
الله. فجعل الأعمش يضحك ويقول: كأنما قال له واستشف (1) الله عز وجل.

(1) في الأصل " واستشفي ".
230

حدثني أبو سعيد، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش قال، بلغني أن
الرجل إذا نام حتى يصبح يعني لم يصل (1) - توركه الشيطان فبال في أذنه.
وأنا أرى أنه قد سلح في حلقي الليلة، وذلك أنه كان يسعل.
حدثني صالح، حدثني علي، سمعت يحيى يقول: دخل محمد بن
إسحاق على الأعمش، فكلموه فيه ونحن قعود، ثم خرج الأعمش وتركه في
البيت. فلما ذهب قال الأعمش: قلت له: شقيق، فقال، قل: أبو وائل، قال:
وقال، زودني من حديثك حتى آتي به المدنية. قال: قلت: صار حديثي
طعاما. وكنت آتي شقيق بن سلمة، وبنو عمه يلعبون بالنرد والشطرنج،
فيقول: سمعت أسامة بن زيد، وسمعت عبد الله، وهم لا يدرون فيم نحن؟
حدثنا محمد بن يزيد الكوفي، أخبرنا أبو بكر بن عياش قال: كان الأعمش
إذا حدث ثلاثة أحاديث، قال، قد جاء كم السيل. يقول أبو بكر: وأنا مثل
الأعمش.
قال، وحدثني الأعمش قال إبراهيم: من تأتي اليوم؟ قلت: أبا وائل.
قال: أما إنه قد كان يعد من خيار أصحاب عبد الله، فقال لي أبو وائل: ما
يمنعك أن تأتينا، فاعتذرت إليه، قال: أما إنه ما هو بأبغض: إلي أن تأتيني.
فقلت له: كم أكثر من كنت ترى عند إبراهيم؟ قال: ثلاثة، أربعة، اثنين.
حدثنا محمد بن يزيد، أخبرنا أبو بكر، عن الأعمش، قال: خرج مالك
إلى متنزه له، فمطرت السماء، فرفع رأسه، فقال: لئن لم تكف لأوذينك.
قال: فأمسك المطر. فقيل له: أي شئ أردت أن تصنع؟ قال: أن لا أدع من
يوحده إلا قتلته. فعلمت أن الله يحفظ عبده المؤمن.

(1) في الأصل " يصلي ".
231

حدثنا محمد، أخبرنا أبو بكر، قال لي سفيان التمار، أتتني أم الأعمش به
فأسلمته إلي وهو غلام فذكرت ذلك للأعمش فقال: ويل أمه ما أكبره.
ابن الأعرابي في " معجمه ": سمعت الدقيقي، سمعت علي بن الحسن بن
سليمان، سمعت أبا معاوية، سمعت الأعمش يقول: تزوج جني إلينا فقلنا:
إيش تشتهون من الطعام؟ قال: الأرز. فأتينا بالأرز. فجعلت أرى اللقم ترفع
ولا أرى أحدا. قلت: فيكم هذه الأهواء؟ قال نعم.
حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا أبو خالد، ذكر الأعمش يعني حديث " ذاك بال
الشيطان في أذنه " فقال: ما أرى عيني عمشت إلا من كثرة ما يبول الشيطان في
أذني. وما أظنه فعل هذا قط.
قلت: يريد أن الأعمش كان صاحب ليل وتعبد.
حدثنا زياد بن أيوب، سمعت هشيما (1) يقول: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرا
لكتاب الله ولا أجود حديثا من الأعمش، ولا أفهم، ولا أسرع إجابة لما يسأل
عنه من ابن شبرمة.
حدثني أحمد بن زهير، سمعت إبراهيم بن عرعرة، سمعت يحيى
القطان، إذا ذكر الأعمش قال، كان من النساك، وكان محافظا على الصلاة
في جماعة، وعلى الصف الأول، وهو علامة الاسلام. وكان يحيى يلتمس
الحائط حتى يقوم في الصف الأول.
حدثنا علي بن سهل، أخبرنا عفان، أخبرنا أبو عوانة، قال: جاء رقبة إلى
الأعمش، فسأله عن شئ فكلح في وجهه، فقال له رقبة: أما والله ما علمتك
لدائم القطوب، سريع الملال، مستخف بحق الزوار، لكأنما تسعط الخردل إذا
سئلت الحكمة.

(1) في الأصل " هشيم ".
232

وبه قال أبو عوانة: كانت للأعمش عندي بضاعة، فكنت آتيه فأقول: قد
ربحت كذا وربحت كذا. وما حركتها.
حدثنا محمد بن هارون، أخبرنا نعيم بن حماد، أخبرنا سفيان عن عاصم،
سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول: ما أحد أعلم بحديث ابن مسعود من
الأعمش. ثم قال نعيم: وسمعت ابن المبارك يقول: سمعت الأعمش يحلف
أن لا يحدثني، ويقول: لا أحدث قوما وهذا التركي فيهم. وسمعت جريرا
يقول: كنا نرقعها عند الأعمش، ولم يكن فينا أحفظ من أبي معاوية.
وسمعت ابن عيينة يقول: سمعت الأعمش يقول: ليس بيننا وبين القوم إلا
ستر.
حدثنا محمود بن غيلان قال: قال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول لأبي
معاوية: أما أنت، فقد ربطت رأس كبشك. قلت يعني: وعى عنه علما جما.
حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا حفص بن غياث،
سمعت الأعمش يقول: كنت إذا خلوت بأبي إسحاق حدثنا بحديث عبد الله،
غضا ليس عليه غبار.
حدثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا ابن إدريس، قال: سألت الأعمش عن
حديث، فقال: لا أجيبك إلى الأضحى. فقلت: لا آتيك إلى الأضحى.
فمكثت حتى حان وقتي ووقته، ثم أتيت المسجد فلم أكلمه، وجلست
ناحية، وحوله جماعة، وابنه يكتب في الأرض: سلوه عن كذا، سلوه عن
كذا، فإذا دخل رجل لم يسلم، فإذا أراد أن يبزق خرج. فقلت: يا أبا محمد
ما هذا الذي حدث في مجلسك؟ فقال: ابن إدريس؟ قلت: نعم. فسلم علي
سلاما لم يكن ليسلمه على قبل ذلك، وساءلني مسألة لم يكن يسألني عنها.
وكان يعجبه أن يكون للعربي مرارة.
233

حدثنا أبو سعيد، أخبرنا أبو خالد: كنا عند الأعمش فسألوه عن حديث.
فقال لابن المختار: ترى أحدا من أصحاب الحديث؟ فغمض عينيه وقال: ما
أرى أحدا يا أبا محمد. فحدث به.
حدثني أبو سعيد، أخبرنا أبو خالد الأحمر، سمعت الأعمش يقول: ما
ظنكم برجل أعور، عليه قباء وملحفة موردة، جالسا مع الشرط، يعني
إبراهيم.
حدثني أبو سعيد الأشج، حدثني محمد بن يحيى الجعفي، عن حفص بن
غياث قال: قيل للأعمش أيام زيد: لو خرجت؟ قال: ويلكم! والله ما أعرف
أحدا أجعل عرضي دونه. فكيف أجعل ديني دونه؟!
حدثني أبو سعيد، أخبرنا ابن نمير، عن الأعمش قال: كنت آتي مجاهدا
فيقول: لو كنت أطيق المشي لجئتك.
حدثنا محمد بن يزيد، أخبرنا أبو بكر بن عياش، أخبرنا مغيرة قال: لما
مات إبراهيم، اختلفت إلى الأعمش في الفرائض.
حدثني ابن زنجويه، أخبرنا نعيم بن حماد، أخبرنا عيسى بن يونس، عن
الأعمش، قال، إني لاسمع الحديث فأنظر ما يؤخذ منه فاخذه وأدع سائره.
قال وكيع: جاؤوا إلى الأعمش يوما، فخرج، وقال: لولا أن في منزلي من
هو أبغض إلى منكم ما خرجت إليكم. قيل: إن أبا داود الحائك سأل الأعمش:
ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير
وضوء. قال: وما تقول في شهادته؟ قال: يقبل مع عدلين.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي، الأعمش ثقة ثبت. كان محدث الكوفة
في زمانه. يقال: إنه ظهر له أربعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب. قال:
وكان يقرئ القرآن و [هو] رأس فيه. وكان فصيحا. وكان أبوه من سبي
234

الديلم، وكان عسرا سيئ الخلق، وكان لا يلحن حرفا، وكان علما
بالفرائض. وكان فيه تشيع. ولم يختم عليه سوى ثلاثة: طلحة بن مصرف
وكان أسن منه وأفضل وأبان بن تغلب، وأبو عبيدة بن معن.
قلت: مراد العجلي أنهم ختموا عليه تلقينا، وإلا فقد ختم عليه حمزة
وغيره عرضا.
قال عيسى بن يونس: لم نر نحن مثل الأعمش، وما رأيت الاغناء عند أحد
أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته.
قلت: كان عزيز النفس، قنوعا، وله رزق على بيت المال، في الشهر
خمسة دنانير قررت له في أواخر عمره.
وكان والد وكيع وهو الجراح بن مليح على بيت المال، فلما أتاه وكيع
ليأخذ قال له: ائتني من أبيك بعطائي حتى أحدثك بخمسة أحاديث.
روى علي بن عثام بن علي، عن أبيه قال: قيل للأعمش: ألا تموت فنحدث
عنك؟ فقال: كم من حب (1) أصبهاني قد انكسر على رأسه كيزان كثيرة.
وورد أن الأعمش قرأ القرآن على زيد بن وهب، وزر بن حبيش، وإبراهيم
النخعي. وأنه عرض على أبي عالية الرياحي، وعلى مجاهد، وعاصم بن
بهدلة، وأبي حصين. وله قراءة شاذة ليس طريقها بالمشهور.
قال أبو بكر بن عياش: كان الأعمش يعرض القرآن، فيمسكون عليه
المصاحف، فلا يخطئ في حرف. التبوذكي: عن أبي عوانة قال: أعطيت
امرأة الأعمش خمارا. فكنت إذا جئت، أخذت بيده، فأخرجته إلي،

(1) الحب: الجرة.
235

فقلت له: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قلت: إن لم تقضها فلا
تغضب علي. قال: ليس قلبي في يدي. قلت: أمل علي. قال: لا أفعل.
علي بن سعيد النسوي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: منصور أثبت أهل
الكوفة. ففي حديث الأعمش اضطراب كثير.
إسحاق بن راهويه: حدثنا وكيع، سمعت الأعمش يقول: لولا الشهرة،
لصليت الفجر، ثم تسحرت (1).
قال عيسى بن يونس: أرسل الأمير عيسى بن موسى إلى الأعمش بألف درهم

(1) وحجته في ذلك، ما رواه النسائي 4 / 142، وأحمد 5 / 400، وابن ماجة (1695)
من حديث عاصم، عن زر قال: قلت لحذيفة: " أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ". ورجاله ثقات، إلا أن عاصم بن أبي النجود قد
تفرد به.
وقد علق عليه أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: 1 / 219 - 220 بقوله: " قيل: لا يثبت
ذلك عن حذيفة وهو مع ذلك من أخبار الآحاد، فلا يجوز الاعتراض به على القرآن. قال
تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فأوجب الصوم
والامساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الذي هو بياض الفجر. وحديث حذيفة إن
حمل على حقيقته كان مبيحا لما حظرته الآية. وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديث عدى بن
حاتم: " هو بياض النهار وسواد الليل ". فكيف يجوز الاكل نهارا في الصوم مع تحريم الله
تعالى إياه في القرآن والسنة؟. ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يجز جواز الأكل
في ذلك الوقت، لأنه لم يعز الاكل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك
الوقت، لا عن النبي، فكونه مع النبي في وقت الاكل لا دلالة فيه على علم النبي بذلك منه
وإقراره عليه ولو ثبت أنه علم بذلك، وأقره عليه، احتمل أن يكون ذلك في آخر الليل قرب
طلوع النهار، فسماه نهارا لقربه منه. وقد قال العرباض بن سارية: " دعاني رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، فقال: هلم إلى الغداء المبارك " فسمى السحور غداء لقربه منه، وكذلك لا يمتنع أن
يكون حذيفة سمى الوقت الذي تسحر فيه نهارا لقربه من النهار. وقال أبو جعفر الطحاوي
في " معاني الآثار " بعدما أورد حديث حذيفة: ففي هذا الحديث أنه أكل بعد طلوع الفجر،
وهو يريد الصوم، ويحكي مثل ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، خلاف
ذلك. فقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم، قال: " إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم
مكتوم " وأنه قال: " لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه إنما يؤذن لينتبه نائمكم،
وليرجع قائمكم " ثم وصف الفجر بما قد وصفه به. فدل ذلك على أنه هو المانع للطعام
والشراب وما سوى ذلك مما يمنع منه الصائم. فهذه الآثار التي ذكرنا مخالفة لحديث
حذيفة. وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا - والله أعلم - أن يكون قبل نزول قوله تعالى:
(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا
الصيام إلى الليل). ثم قال - بعد كلام -: فلا يجب ترك آية من كتاب الله تعالى نصا،
وأحاديث رسول الله قد قبلتها الأمة، وعملت بها من لدن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى حديث قد
يجوز أن يكون منسوخا بما ذكرناه في هذا الباب ".
236

وصحيفة ليكتب فيها حديثا، فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم وقل هو الله
أحد، ووجه بها إليه. فبعث إليه: يا ابن الفاعلة، ظننت أني لا أحسن كتاب
الله؟. فبعث إليه: أظننت أني أبيع الحديث؟
قال عيسى بن يونس: أتى الأعمش أضياف، فأخرج إليهم رغيفين،
فأكلوهما. فدخل فأخرج لهم نصف حبل قت، فوضعه على الخوان، وقال:
أكلتم قوت عيالي فهذا قوت شاتي فكلوه.
وخرجنا في جنازة، ورجل يقوده، فلما رجعنا عدل به، فلما أصحر، قال:
أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا. ولا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا.
قال: اكتب. فلما ملا الألواح رده. فلما دخل الكوفة دفع ألواحه لانسان. فلما
أن انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به وقال: خذوا الألواح من الفاسق. فقال:
يا أبا محمد قد فات. فلما أيس منه، قال: كل ما حدثتك به كذب. قال: أنت
أعلم بالله من أن تكذب.
قال عبد الله بن إدريس; قلت للأعمش: يا أبا محمد، ما يمنعك من أخذ
شعرك؟ قال: كثرة فضول الحجامين. قلت: فأنا أجيئك بحجام لا يكلمك
237

حتى تفرغ. فأتيت جنيدا الحجام، وكان محدثا، فأوصيته. فقال: نعم. فلما
أخذ نصف شعره قال: يا أبا محمد، كيف حديث حبيب بن أبي ثابت في
المستحاضة؟ فصاح صيحة، وقام يعدو. وبقي نصف شعر بعد شهر غير
مجزوز. سمعها علي بن خشرم منه.
وقال عيسى بن يونس: خرج الأعمش فإذا بجندي، فسخره ليخوض به
نهرا. فلما ركب الأعمش قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا) فلما توسط به
الأعمش قال: (وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين)) [المؤمنون
29] ثم رمى به.
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أحمد بن محمد
اللبان، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر بن
سلم، حدثنا الأبار، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا زيد بن الحباب، عن
حسين بن واقد قال: قرأت على الأعمش، فقلت له: كيف رأيت قراءتي؟
قال: ما قرأ علي علج أقرأ منك.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن الخزز
الطبراني، حدثنا أحمد بن حرب الموصلي، حدثنا محمد بن عبيد قال: جاء
رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش، فسأله عن مسألة خفيفة في الصلاة،
فالتفت إلينا الأعمش، فقال: انظروا إليه! لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف
حديث، ومسألته مسألة صبيان الكتاب.
قال جرير بن عبد الحميد: كان الأعمش إذا سألوه عن حديث فلم يحفظه،
جلس في الشمس، فيعرك بيديه عينيه، فلا يزال حتى يذكره.
إبراهيم بن رستم الأصبهاني، حدثنا أبو عصمة، عن الأعمش قال: آية
التقبل الوسوسة، لان أهل الكتابين لا يدرون ما الوسوسة، وذلك لان أعمالهم
238

لا تصعد إلى السماء.
عن أبي بكر بن عياش قال: رأيت الأعمش يلبس قميصا مقلوبا ويقول: الناس
مجانين يجعلون الخشن مقابل جلودهم.
وقيل: إن الأعمش كان له ولد مغفل فقال له: اذهب فاشتر لنا حبلا
للغسيل. فقال: يا أبة طول كم؟ قال: عشرة أذرع. قال: في عرض كم؟
قال: في عرض مصيبتي فيك.
ذكر رواية الأعمش عن أنس بن مالك
أخبرنا بيبرس العقيلي وأيوب الأسدي، قالا: أنبأنا محمد بن سعيد
الصوفي، أنبأنا أحمد بن المقرب، أنبأنا طراد النقيب، أنبأنا علي العيسوي،
أنبأنا محمد بن عمرو، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثنا
محمد بن فضيل، عن الأعمش قال: رأيت أنسا رضي الله عنه بال، فغسل
ذكره غسلا شديدا، ثم توضأ، ومسح على خفيه فصلى بنا وحدثنا في
بيته (1).
هذا حديث صالح الاسناد. بين فيه الأعمش أن أنس بن مالك حدثهم في
منزله.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي
الحداد، أنبأنا أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا حبيب القزاز، حدثنا يوسف
القاضي، حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش قال: " رأيت
أنس بن مالك يصلي في المسجد الحرام، إذا رفع رأسه من الركوع، رفع
صلبه حتى يستوي بطنه " (2).
هذا حديث صحيح الاسناد.

(1) أحمد بن عبد الجبار ضعيف، وأخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " 9 / 4.
(2) الحلية 5 / 5.
239

وبه إلى أبي نعيم، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله،
حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن أنس، قال:
توفي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أبشر بالجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أفلا تدرون؟ فلعله قد تكلم بما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينفعه " (1).
غريب يعد في أفراد عمر بن حفص شيخ البخاري.
وبه قال أبو نعيم، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد المعدل، حدثنا عبد
الله بن محمد المخرمي، حدثنا عيسى بن جعفر، حدثنا أحمد بن داود
الحراني، سمعت عيسى بن يونس، سمعت الأعمش يقول: كان أنس بن
مالك يمر بي طرفي النهار، فأقول: لا أسمع منك حديثا. خدمت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم جئت إلى الحجاج حتى ولاك؟ ثم ندمت فصرت أروي عن رجل عنه.
وبه حدثنا محمد بن محمد أبو جعفر البغدادي المقرئ، حدثنا عبد الله بن
أيوب القربى، حدثنا معاذ بن أسد (ح) وبه إلى أبي نعيم، حدثنا محمد بن
حميد، حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا داود بن مخراق، قالا: حدثنا الفضل بن
موسى، حدثنا الأعمش، عن أنس بن مالك قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر،
فمر على شجرة يابسة فضربها بعصا كانت في يده، فتناثر الورق، فقال: " إن
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر يساقطن الذنوب كما تساقط
هذه الشجرة ورقها " (2).

(1) أخرجه الترمذي (2317) في الزهد، باب: فيمن تكلم فيما لا يعنيه، واستغربه،
وفيه أيضا أن الأعمش لم يسمع من أنس. وقد ذكر الترمذي ذلك، في عقب الحديث الآتي
قريبا.
(2) حلية الأولياء 5 / 55، وأخرجه الترمذي (3533) في الدعوات، وقال: هذا حديث
غريب، ولا نعرف للأعمش سماعا من أنس، إلا أنه قد رآه ونظر إليه. والرواية المتقدمة
صريحة في أنه لم يسمع منه.
240

هذا حديث غريب. ورواته ثقات.
وبه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي، حدثنا علي بن أحمد بن
النضر، حدثنا عاصم بن علي (ح) وحدثنا عبد الملك بن الحسن، حدثنا أحمد
ابن يحيى الحلواني، حدثنا أحمد بن يونس، قالا: حدثنا أبو شهاب عبد ربه
الحناط، حدثنا الأعمش، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويل للمالك
من المملوك، وويل للمملوك من المالك، وويل للشديد من الضعيف، وويل
للضعيف من الشديد، وويل للغني من الفقير، وويل للفقير من الغني " (1).
وبه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا الحسين
ابن حفص، حدثنا أبو مسلم قائد الأعمش، عن الأعمش، عن أنس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل، هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه تسعين حجابا
من نار، أو نور، لو دنوت من أدناها، لاحترقت " (2).
هذا حديث منكر. وأبو مسلم ليس بمعتمد.
وبه: حدثنا الحسين بن محمد الزبيري، حدثنا أحمد بن حمدون
الأعمشي، ومحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله،
حدثنا سعيد بن الصباح، حدثنا الثوري، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الخوارج كلاب النار " (3). هذا رواه الناس عن إسحاق

(1) حلية الأولياء: 5 / 55، وعلته الانقطاع.
(2) حلية الأولياء 5 / 55، وأبو مسلم قائد الأعمش، واسمه عبد الله بن سعيد ضعيف.
(3) حلية الأولياء 5 / 56، والأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى. وأخرجه ابن ماجة
(12)، وأحمد 4 / 355 من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، عن الأعمش، عن ابن أبي
أوفى. وأخرجه أحمد 4 / 382 والحاكم 3 / 571 من طريق: الحشرج بن نباتة، عن سعيد بن
جهمان قال: أتيت عبد الله بن أبي أوفى، وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، فقال لي:
من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جهمان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة
قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة. حدثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنهم كلاب النار. قال:
قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها ". وفي الباب عن أبي
أمامة، عند أحمد 5 / 253 من طريق: عبد الرزاق، عن معمر عن أبي غالب، عن أبي
أمامة. وأبو غالب: هو صاحب أبي أمامة مختلف فيه، وربما ينتهض هذا الحديث بهذا
الشاهد فيصح. وهذا الحديث محمول على الخوارج المبتدعة الذين خرجوا على علي
رضي الله عنه وانظر ما قاله ابن حجر فيما نقله عنه المناوي، في " فيض القدير " 3 / 510.
241

الأزرق، عن الأعمش.
وقد طلب الأعمش وكتب العلم بالكوفة قبل موت عبد الله بن أبي أوفى
بأعوام. وهو معه ببلده. فما أبعد أن يكون سمع منه.
قرأت هذه الأحاديث السبعة على إسحاق بن النحاس: أخبركم ابن
خليل، أنبأنا أبو المكارم، فذكرها. ومن أعلى روايته:
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، والمسلم بن علان، وأحمد بن عبد
السلام، إذنا قالوا: أنبأنا عمر بن محمد أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا محمد
ابن محمد بن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن سليمان
الواسطي، ومحمد بن خالد بن يزيد الآجري، قالا: أنبأنا أبو نعيم، حدثنا
الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس
المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، ولكن
المسكين الذي لا يسأل الناس، ولم يفطن بمكانه فيعطى " (1).

(1) من طريق الأعمش، أخرجه أبو داود (1631) في الزكاة، وأحمد 2 / 393،
وأخرجه من طرق أخرى عن أبي هريرة: البخاري (1476) و (1479) في الزكاة،
و (4539) في التفسير، ومسلم (1039) في الزكاة، والنسائي 5 / 85، ومالك 2 / 923 في
صفة النبي: باب ما جاء في المسكين، والدارمي 1 / 379، وأحمد 2 / 260، 316،
395، 445، 457، 469، 506، وأخرجه من طريق ابن مسعود: أحمد 1 / 384، 446
وهو في الحلية 7 / 108.
242

أخبرنا أحمد بن المؤيد السهروردي، أنبأنا أحمد بن صرما، والفتح بن
عبد الله ببغداد، أنبأنا محمد بن عمر الأرموي، أنبأنا أبو الحسين بن النقور،
أنبأنا علي بن عمر الحربي، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا يحيى
ابن معين، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أقال مسلما عثرته، أقاله الله يوم
القيامة " (1) أخرجه أبو داود عن يحيى.
أخبرنا أبو الغنائم بن محاسن، أنبأنا جدي لأمي عبد الله بن أبي نصر
القاضي، سنة عشرين وست مئة، أنبأنا عيسى بن أحمد الدوشابي، أنبأنا
الحسين بن علي بن البسري، أنبأنا عبد الله بن يحيى السكري، أنبأنا إسماعيل
ابن محمد الصفار، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش،
عن المسيب بن رافع، عن قبيصة بن جابر قال: قال عمر: لا أوتى بمحل، ولا
محلل له إلا رجمتهما " (2).
كتب إلي عبد الله بن يحيى الجزائري، أنبأنا إبراهيم بن بركات، أنبأنا أبو
القاسم الحافظ، أنبأنا علي بن إبراهيم الحسيني، أنبأنا أحمد بن علي
الحافظ، أخبرني عبد الملك بن عمر، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو
القاسم هبة الله بن جعفر المقرئ، حدثنا محمد بن يوسف بن يعقوب، حدثنا

(1) أخرجه أبو داود (3460) في البيوع والإجارات: باب في فضل الإقالة، من
طريق: يحيى بن معين، عن حفص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن ماجة (2199) في التجارات: باب الإقالة. من طريق: زياد بن يحيى، عن
مالك بن سعير، عن الأعمش به. واسناده صحيح. وصححه ابن حبان (1103) والحاكم
2 / 45، وابن دقيق العيد، وابن حزم.
(2) وأخرجه البيهقي من طريق: الصفار، عن سعدان بن نصر، عن أبي معاوية، عن
الأعمش به..
243

إدريس بن علي، حدثنا السندي بن عبدويه، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن
منصور بن المعتمر، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن علي،
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يا علي إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا
منافق " (1).
وهذا وقع أعلى من هذا بخمس درجات في جزء الذهلي وغيره.
جعفر بن محمد بن عمران، حدثنا أبو يحيى الحماني، عن الأعمش:
سمعت أنسا يقرأ (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا) فقيل له: يا أبا
حمزة (وأقوم قيلا) فقال: أقوم، وأصوب واحد (2).
ويقال: إن الأعمش كان ربما خرج إليهم وعلى كتفه مئزر العجين. وإنه
لبس مرة فروا مقلوبا، فقال له قائل: يا أبا محمد; لو لبستها وصوفها إلى داخل
كان أدفأ لك. قال: كنت أشرت على الكبش بهذه المشورة.

(1) أخرجه مسلم (132) في الايمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي
الله عنه من الايمان، والترمذي (3737) في المناقب: باب لا يحب عليا إلا مؤمن،
والنسائي 8 / 116 و 117 في الايمان: باب علامة المنافق، وابن ماجة (114) في المقدمة
: باب فضل علي بن أبي طالب.
(2) أخرجه البغدادي في تاريخه 9 / 4 من طريق أحمد بن علي الأبار عن جعفر بن محمد
ابن عمران الثعلبي، عن أبي يحيى الحماني، عن الأعمش: سمعت أنسا.. ففي هذه
الرواية تصريح بسماع الأعمش من أنس ورجال السند ثقات، إلا أن أبا يحيى الحماني،
واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن يخطئ كما في " التقريب " وقد خالفه غيره، فلم يذكر
سماع الأعمش من أنس، وقد أخرجه أبو يعلى الموصلي، من طريق إبراهيم بن سعيد
الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش: أن أنس بن مالك، قرأ هذه الآية: (إن
ناشئة الليل، هي أشد وطأ وأصوب قيلا) فقال له رجل: إنما نقرؤها: وأقوم قيلا " فقال له:
إن أصوب، وأقوم، وأهيأ، وأشباه هذا واحد. وأخرجه الطبري 1 / 22 و 29 / 130 - 131 من
طريق: أبي أسامة، وأبي يحيى الحماني، كلاهما عن الأعمش قال: قرأ أنس: (إن ناشئة
الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا). فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنما هي: وأقوم.
فقال: أقوم، وأصوب، وأهدى، واحد، وأورده الهيثمي في " المجمع " 7 / 156 ونسبه إلى
البزار، وأبي يعلى، وقال: لم يقل الأعمش: سمعت أنسا، ورجال أبي يعلى رجال
الصحيح. ورجال البزار ثقات. ونقل القرطبي في تفسيره 9 / 41 عن أبي بكر الأنباري قوله:
حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم، لأنه مبني على رواية الأعمش، فهو مقطوع ليس
بمتصل، فيؤخذ به من قبل أن الأعمش رأى أنسا ولم يسمع منه، على أننا لو سلمنا
بصحته، وسماع الأعمش من أنس، فيحتمل كما في " نكت الانتصار " 1 / 225 أن يكون
أنس فهم من الاخذ عليه أنه استصعب غلطه وشنع عليه، فأخبر أن هذا ليس بالسديد: وأن
أصوب، وأقوم وأهيأ سواء. وإن لم تجز القراءة عنده إلا بأقوم. لان القراءة عبادة، وليس هو
كغلط من بدل القرآن بما لا ينبئ عن معناه. ولو تنزلنا فقلنا، إن أنسا يجيز ذلك، فهو
مذهب انفرد به، لم يوافقه عليه غيره، فيكون من الشاذ الذي ينبغي اطراحه، والعدول
عنه.
244

قالوا: مات الأعمش في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومئة بالكوفة.
ومات معه فيها شيخ المدينة جعفر بن محمد الصادق، وشيخ مصر عمرو بن
الحارث الفقيه، وشيخ حمص محمد بن الوليد الزبيدي، وشيخ واسط العوام
ابن حوشب، وقاضي الكوفة ومفتيها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قرأت على الحسن بن علي، أنبأنا سالم بن الحسن، أنبأنا نصر الله بن عبد
الرحمن، أنبأنا أبو سعيد (1) بن خشيش، أنبأنا أبو علي بن شاذان، أنبأنا عثمان
ابن أحمد، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا حفص بن غياث قال:
أتيت أنا وصاحب لي إلى الأعمش نسمع منه. فخرج إلينا وعليه فروة مقلوبة
قد أدخل رأسه فيها. فقال لنا: تعلمتم السمت؟ تعلمتم الكلام؟ أما والله ما
كان الذين مضوا هكذا. وأجاف الباب، أو قال: يا جارية أجيفي الباب. ثم

(1) في استدراك ابن نقطة: هو أبو أسعد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن محمد بن
خشيش نقله المعلمي اليماني في تعليقه على " الاكمال " 3 / 152.
245

خرج إلينا فقال: هل تدرون ما قالت الاذن؟ قالت: لولا أني أخاف أن أقمع
بالجواب، لطلت كما يطول الكساء. قال حفص: فكم من كلمة أغاظني
صاحبها. منعني أن أجيبه قول الأعمش.
أخبرنا سليمان بن قدامة القاضي، أنبأنا جعفر الهمداني، أنبأنا السلفي،
أنبأنا المبارك بن عبد الجبار، أنبأنا العتيقي، أنبأنا أبو بكر محمد بن عدي،
حدثنا أبو عبيد محمد بن علي، سمعت أبا داود يقول: قيل للأعمش: لو
أدركت عليا قاتلت معه؟ قال: لا. ولا أسأل عنه، لا أقاتل مع أحد أجعل
عرضي دونه، فكيف ديني دونه؟!
قال أبو الحسين بن المنادي: قد رأى أنسا إلا أنه لم يسمع منه. ورأى أبا
بكرة الثقفي وأخذ له بركابه، فقال له: يا بني; إنما أكرمت ربك عز وجل.
قلت: لم يصح هذا.
روى أحمد بن عبد العزيز الأنصاري، عن وكيع، عن الأعمش، قال:
رأيت أنسا وما منعني أن أسمع منه إلا استغنائي بأصحابي.
وقال القاسم بن عبد الرحمن ورأى الأعمش: هذا الشيخ أعلم الناس بقول
ابن مسعود.
وعن ابن عيينة: سبق الأعمش الناس بأربع: كان أقرأهم للقرآن،
وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، وذكر خصلة أخرى.
قال هشيم: ما رأيت بالكوفة أحدا كان أقرأ من الأعمش.
وقال زهير بن معاوية; ما أدركت أحدا أعقل من الأعمش ومغيرة.
وقال أحمد: أبو إسحاق والأعمش رجلا أهل الكوفة.
قال أبو داود السجستاني: عند شعبة عن الأعمش نحو من خمس مئة
246

[حديث]. أخطأ فيها في أكثر من عشرة أحاديث.
وكان عند وكيع عنه ثمان مئة. وسفيان أعلمهم بالأعمش.
قال محمد بن خلف التيمي، عن أبي بكر بن عياش قال: كنا نسمي
الأعمش سيد المحدثين. كنا نجئ إليه إذا فرغنا من الدوران. فيقول: عند
من كنتم؟ فنقول: عند فلان. فيقول: طبل مخرق. ويقول: عند من كنتم؟
فنقول: عند فلان. فيقول: طير طيار. ونقول: عند فلان. فيقول: دف. وكان
يخرج إلينا شيئا فنأكله. فقلنا يوما: لا يخرج شيئا إلا أكلتموه. فأخرج شيئا
فأكلناه وأخرج فأكلناه، فدخل فأخرج فتيتا فشربناه، فدخل وأخرج إجانة وقتا،
وقال: فعل الله بكم وفعل. أكلتم قوتي وقوت المرأة، وشربتم فتيتها. هذا
علف الشاة. قال: فمكثنا ثلاثين يوما لا نكتب عنه فزعا منه، حتى كلمنا إنسانا
عطارا كان يجلس إليه حتى كلمه لنا.
قال أبو خالد الأحمر: سئل الأعمش عن حديث، فقال لابن المختار: ترى
أحدا من أصحاب الحديث؟ فغمض عينيه وقال: لا أرى أحدا يا أبا محمد،
فحدث به.
روى الكوسج عن ابن معين قال: الأعمش ثقة. وقال السنائي: ثقة ثبت.
روى شريك عن الأعمش قال: لم يكن إبراهيم يسند الحديث لاحد إلا لي
لأنه (1) كان يعجب بي.
قال أبو عوانة، وعبد الله بن داود: مات الأعمش سنة سبع وأربعين ومئة.

(1) في الأصل " لا انه ".
247

وقال وكيع والجمهور سنة ثمان. زاد أبو نعيم: في ربيع الأول وهو ابن ثمان
وثمانين سنة.
ذكر أصحاب الأعمش
قال النسائي:
الطبقة الأولى: منهم سفيان، وشعبة، ويحيى القطان.
الطبقة الثانية: زائدة، ويحيى بن أبي زائدة، وحفص بن غياث.
الطبقة الثالثة: أبو معاوية، وجرير بن عبد الحميد، وأبو عوانة.
الطبقة الرابعة: ابن المبارك، وفضيل بن عياض، وقطبة بن عبد العزيز،
ومفضل بن مهلهل، وداود الطائي.
الطبقة الخامسة: عبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس، ووكيع، وحميد بن
عبد الرحمن الرؤاسي، وعبد الله بن داود، والفضل بن موسى، وزهير بن
معاوية.
الطبقة السادسة: عبد الواحد بن زياد، وأبو أسامة، وعبد الله بن نمير.
الطبقة السابعة: عبيدة بن حميد، وعبدة بن سليمان.
111 - الكلبي * (ت)
العلامة الاخباري، أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي المفسر.
وكان أيضا رأسا في الأنساب إلا أنه شيعي متروك الحديث.
يروي عنه ولده هشام وطائفة.

طبقات ابن سعد 6 / 249، تاريخ خليفة (423)، طبقات خليفة (167)،
المعارف: 533، التاريخ الكبير 1 / 101، التاريخ الصغير 2 / 51، الجرح والتعديل
7 / 270، كتاب المجروحين 2 / 253، الفهرست (95)، وفيات الأعيان 4 / 309 - 311،
تهذيب الكمال: (1199)، تذهيب التهذيب 3 / 205 / 1، ميزان الاعتدال: 3 / 556 - 559،
العبر 1 / 207، الوافي بالوفيات: 3 / 83، تهذيب التهذيب 9 / 178 - 181، خلاصة تذهيب الكمال
(337)، طبقات المفسرين: 2 / 144، شذرات الذهب 1 / 217.
248

أخذ عن أبي صالح، وجرير، والفرزدق وجماعة. وكان الثوري يروي
عنه، ويدلسه فيقول: حدثنا أبو النضر (1). توفي سنة ست وأربعين ومئة.

(1) قال البخاري في " تاريخه الكبير: " محمد بن السائب أبو النضر الكلبي تركه يحيى بن سعيد
وابن مهدي. وقال لنا علي: حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: قال لي الكلبي، قال لي أبو صالح:
كل شئ حدثتك فهو كذب.
وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث. وقال
النسائي، ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
وقال زائدة: أما الكلبي فقد كنت اختلفت إليه. فسمعته يوما يقول: مرضت مرضة فنسيت ما
كنت أحفظ، فأتيت آل محمد، عليه الصلاة والسلام، فتفلوا في في، فحفظت ما كنت نسيت.
فقلت: لا والله لا أروي عنك بعد هذا شيئا، فتركته.
وقال معتمر بن سليمان: سمعت ليث بن أبي سليم يقول: بالكوفة كذابان: الكلبي، وذكر آخر.
وقال أحمد بن هارون: سألت أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي، فقال: كذب. قلت: يحل النظر
فيه؟ قال: لا.
وقال أبو حاتم بن حبان: مذهبه في الدين، ووصوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الاغراق في
وصفه، فالكلبي يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع
منه شيئا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف. فما رواه الكلبي لا يحل ذكره في
الكتب. فكيف الاحتجاج به؟! والله جل وعلا ولى رسوله صلى الله عليه وسلم، تفسير كلامه، وبيان ما أنزل إليه
لخلقه فقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)، ومن أمحل المحال أن يأمر الله جل
وعلا، النبي المصطفى أن يبين لخلقه مراد الله عز وجل من الآي التي أنزلها الله عليه، ثم لا يفعل ذلك
رسول رب العالمين وسيد المرسلين، بل أبان عن مراد الله تعالى في الآي، وفسر لامته ما بهم الحاجة
إليه، وهو سنته، صلى الله عليه وسلم فمن تتبع السنن، وحفظها وأحكمها، فقد عرف تفسير كلام الله تعالى، وأغناه
الله عن الكلبي وذويه.
انظر " المجروحين " 2 / 253 وما بعدها.
249

112 - عمرو بن قيس * (م، 4)
الكوفي، الملائي، البزاز، الحافظ، من أولياء الله.
حدث عن عكرمة والحكم بن عتيبة، وعطاء، ومصعب بن سعد، وعطية
العوفي، وأبي إسحاق السبيعي، وليس هو بالمكثر.
حدث عنه سفيان الثوري وصحبه زمانا، وأبو خالد الأحمر، والمحاربي،
وسعد بن الصلت، وأسباط بن محمد، وعمر بن شبيب المسلي، وآخرون.
قال أبو زرعة: ثقة مأمون. وذكره الثوري، فأثنى عليه.
جعفر بن كزال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا المحاربي، قال لي الثوري:
عمرو بن قيس هو الذي أدبني. علمني قراءة القرآن، والفرائض، وكنت أطلبه
في سوقه، فإن لم أجده ففي بيته، إما يصلي، أو يقرأ في المصحف كأنه يبادر أمرا
يفوته. فإن لم أجده، وجدته في مسجد قاعدا يبكي، وأجده في المقبرة ينوح على
نفسه.
ولما مات غلق أهل الكوفة أبوابهم، وخرجوا [بجنازته، فلما أخرجوه إلى
الجبال] وبرزوا بسريره. وكان أوصى أن يصلي عليه أبو حيان التيمي [تقدم
أبو حيان فكبر عليه أربعا] وسمعوا صائحا يصيح: قد جاء المحسن، قد جاء
المحسن عمرو بن قيس. وإذا البرية مملوءة [من] طير أبيض لم ير على
خلقتها وحسنها. فعجب الناس. فقال أبو حيان: من أي [شئ] تعجبون؟
هذه ملائكة. [جاءت فشهدت عمرا] (1)

التاريخ الكبير 6 / 363، الجرح والتعديل 6 / 354 - 355، مشاهير علماء الأمصار 167،
حلية الأولياء 5 / 100، تهذيب الكمال (1048)، تذهيب التهذيب 3 / 108 / 1، تاريخ الاسلام 6
/ 110، ميزان الاعتدال 3 / 284، خلاصة تذهيب الكمال 296.
(1) الخبر في " الحلية " 5 / 101، والزيادات منه، وجعفر بن كزال مجهول وكذا راويه عنه، ومحمد بن بشر الواعظ متكلم فيه، قال يحيى: ليس ثقة وقال الدارقطني: ليس بالقوي في حديثه. وهذا الخبر والذي بعده، على وهاء سندهما، وأمثالهما من الأخبار المغرقة في الخيال، البعيدة عن الواقع، يروجها ويشيعها من نقص نصيبه من العلم، وعجز عن التماس المعرفة من أبوابها، ليخدع بهذه الأخبار السذج من العوام، ويحشو بها أدمغتهم، حتى لا يبقى فيها مكان لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعاليمه الحقة، التي فتح بها أعينا عميا، وقلوبا غلفا، وآذانا صما، وبذلك يتمكن من ربطهم
بنفسه، ويسخرهم لمطامعه ويستخدمهم في تحقيق شهواته. وإن أعظم ما يكرم به المؤمن من قبل
ربه، هو أن يوفقه لاتباع كتابه وسنة نبيه، والتفقه بهما، وإيثارهما على ما سواهما.
250

وقال إسحاق بن موسى الخطمي: حدثنا أبو خالد الأحمر، قال: كان عمرو
ابن قيس مؤاجر نفسه من بعض التجار، فمات بالشام، فرأوا الصحراء مملوءة
من الرجال عليهم ثياب بيض. فلما صلي عليه فقدوا. فكتب صاحب البريد
بذلك إلى الأمير عيسى بن موسى، فقال لابن شبرمة: كيف لم تكونوا تذكرون
لي هذا؟ قال: كان يقول: لا تذكروني عنده. وقيل: كان يقرئ الناس، فيقعد
بين يدي الطالب. وقيل: كان إذا نظر إلى أهل السوق، بكى وقال: ما أغفل
هؤلاء عما أعد لهم. وعنه قال: إذا اشتغلت بنفسك، ذهلت عن الناس.
113 - بريد بن عبد الله * (ع)
ابن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار، المحدث أبو بردة
الأشعري، الكوفي.

* التاريخ الصغير 2 / 90، الجرح والتعديل 2 / 426، مشاهير علماء الأمصار (166) تهذيب
الكمال 144، ميزان الاعتدال 1 / 305، تذهيب التهذيب 1 / 81 / 1 تهذيب التهذيب 1 / 421 - 243،
خلاصة تذهيب الكمال (47)، مقدمة فتح الباري (392) حيث قال الحافظ: وثقه ابن معين،
والعجلي، والترمذي، وأبو داود وقال النسائي: ليس به بأس. وقال مرة: ليس بذلك القوي وقال
أبو حاتم: ليس بالمتين. يكتب حديثه.
وقال ابن عدي: صدوق وأحاديثه مستقيمة.
وأنكر ما رواه حديث " إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قلبها " ومع ذلك فقد أدخله قوم في
صحاحهم. وقال أحمد: روى مناكير. قلت: احتج به الأئمة كلهم. وأحمد وغيره يطلقون
المناكير على الافراد المطلقة.
251

حدث عن جده، وعن الحسن، وعطاء بن أبي رباح.
وعنه: السفيانان، وابن المبارك، وأبو معاوية، وحفص بن غياث، وأبو
نعيم، وأبو أسامة، وعدد كثير. وهو صدوق احتجابه في " الصحيحين ". وقال
أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم أيضا: ليس
بالمتين يكتب حديثه.
وقال الفلاس: لم أسمع يحيى وعبد الرحمن يحدثان عنه بشئ قط.
وقال ابن معين، والعجلي، وغيرهما: ثقة. وقال أحمد بن حنبل: يروي
مناكير، طلحة بن يحيى أحب إلي منه.
وقال ابن عدي: لم أجد في حديثه ما أنكره، سوى حديث " إذا أراد الله بأمة
خيرا قبض نبيها " (1). ولم يرو عنه أحد أكثر من أبي أسامة، وأحاديثه عنه
مستقيمة، وأرجو أن لا يكون به بأس.
قلت: توفي سنة نيف وأربعين ومئة. وله عدة أحاديث في الصحاح.

(1) أخرجه مسلم (2288) في الفضائل، باب: إذا أراد الله رحمة أمة، قبض نبيها
قبلها، تعليقا، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله عز وجل، إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها، فجعله
لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها، ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر
عينه بهلكتها حين كذبوه، وعصوا أمره ". وقد وصله أبو يعلى، والحاكم وغيرهما.
252

114 - بهز بن حكيم * (4)
ابن معاوية بن حيدة، الامام المحدث، أبو عبد الملك القشيري، البصري.
له عدة أحاديث عن أبيه، عن جده، وعن زرارة بن أوفى.
وعنه الحمادان، ويحيى القطان، وروح، وأبو أسامة، وأبو عاصم، والأنصاري
ومكي بن إبراهيم، وعدة.
وثقه ابن معين، وعلي، وأبو داود، والنسائي. وقال أبو داود أيضا: هو
عندي حجة. وقال البخاري: يختلفون في بهز. وقال الحاكم: هي نسخة شاذة
وقال ابن حبان: يخطئ كثيرا. وهو ممن أستخير الله فيه.
وقال أحمد بن بشير: رأيته يلعب بالشطرنج. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. (1).
وقال الخطيب: روى عنه الزهري.
قلت: توفي قبل الخمسين ومئة.
115 - حاتم بن أبي صغيرة * * (ع)
الامام الصدوق أبو يونس القشيري، مولاهم البصري، من نبلاء المشايخ.
حدث عن عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وطبقتهما.

التاريخ الكبير 2 / 142، الجرح والتعديل 2 / 430 -، كتاب المجروحين 1 / 194،
تهذيب الكمال (164)، ميزان الاعتدال 1 / 353 - 354، تهذيب التهذيب 1 / 498 - 499،
خلاصة تذهيب الكمال (53).
(1) والقول الذي هو أولى بالصواب قول من يقول: إنه حسن الحديث.
(* *) تاريخ البخاري: 3 / 77، الجرح والتعديل 3 / 257 - 258، مشاهير علماء الأمصار
(155)، تهذيب الكمال (213)، تذهيب التهذيب 1 / 112 / 2، تهذيب التهذيب 2 / 130،
خلاصة تذهيب الكمال (66).
253

وعنه: ابن المبارك، ويحيى القطان، وخالد بن الحارث، وروح بن عبادة،
ومحمد بن عبد الله الأنصاري.
بقي إلى قريب سنة خمسين ومئة.
116 - حبيب * (ع)
المعلم من موالي معقل بن يسار. وهو ابن أبي قريبة دينار. يكنى أبا محمد،
من ثقات البصريين.
حدث عن الحسن، وعطاء، وعمرو بن شعيب.
روى عنه: حماد بن سلمة، ويزيد بن زريع، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد
الوارث، وآخرون.
قيل: كان يحيى القطان لا يروي عنه. وقال النسائي: ليس بالقوي، وأما
أحمد بن حنبل فقال: ما أصح حديثه!. وقال ابن معين وأبو زرعة: ثقة.
وقيل: هو حبيب بن زيد، وقيل: حبيب بن زائدة، وقيل: حبيب بن أبي
بقية. فالله أعلم.

تاريخ البخاري: 2 / 323، الجرح والتعديل: 3 / 101، تهذيب الكمال:
(234)، تذهيب التهذيب 1 / 122 / 2، ميزان الاعتدال: 1 / 456، تهذيب التهذيب
2 / 194، خلاصة تذهيب الكمال (71).
254

الطبقة الخامسة
من التابعين
117 - جعفر بن محمد * (ع)
ابن علي بن الشهيد أبي عبد الله، ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم وسبطه ومحبوبه الحسين بن
أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب عبد مناف بن شيبة، وهو عبد المطلب
ابن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي، الإمام الصادق، شيخ بني
هاشم أبو عبد الله القرشي، الهاشمي، العلوي، النبوي، المدني، أحد الاعلام.
وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء
بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين.
وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر
ظاهرا وباطنا. هذا لا ريب فيه، ولكن الرافضة قوم جهلة، قد هوى بهم الهوى
في الهاوية فبعدا لهم.
ولد سنة ثمانين، ورأى بعض الصحابة. أحسبه رأى أنس بن مالك، وسهل
ابن سعد.
حدث عن أبيه أبي جعفر الباقر وعبيد الله بن أبي رافع، وعروة بن
الزبير، وعطاء بن أبي رباح وروايته عنه في مسلم. وجده القاسم بن محمد،
ونافع العمري، ومحمد بن المنكدر، والزهري، ومسلم بن أبي مريم
وغيرهم، وليس هو بالمكثر إلا عن أبيه. وكانا من جلة علماء المدينة.

تاريخ خليفة (424)، طبقات خليفة (269)، تاريخ البخاري: 2 / 198،
التاريخ الصغير 2 / 91، الطبري حوادث سنة (145)، الجرح والتعديل 2 / 487، مشاهير
علماء الأمصار (127)، حلية الأولياء 3 / 192، وفيات الأعيان 1 / 327 - 328، الكامل في
التاريخ حوادث سنة (145)، تهذيب الكمال: (202)، تذهيب التهذيب 1 / 109 / 1،
تاريخ الاسلام 6 / 45، ميزان الاعتدال 1 / 414 - 415، تذكرة الحفاظ 1 / 166، تهذيب
التهذيب 2 / 103 - 105، خلاصة تذهيب الكمال (63)، شذرات الذهب 1 / 20
255

حدث عنه ابنه موسى الكاظم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن عبد
الله بن الهاد وهما أكبر منه، وأبو حنيفة، وأبان بن تغلب، وابن جريج، ومعاوية
ابن عمار الدهني، وابن إسحاق في طائفة من أقرانه، وسفيان، وشعبة، ومالك،
وإسماعيل بن جعفر، ووهب بن خالد، وحاتم بن إسماعيل، وسليمان بن
بلال، وسفيان بن عيينة، والحسن بن صالح، والحسن بن عياش أخو أبي بكر،
وزهير بن محمد، وحفص بن غياث، وزيد بن حسن الأنماطي، وسعيد بن
سفيان الأسلمي، وعبد الله بن ميمون، وعبد العزيز بن عمران الزهري، وعبد
العزيز الدراوردي، وعبد الوهاب الثقفي، وعثمان بن فرقد، ومحمد بن ثابت
البناني، ومحمد بن ميمون الزعفراني، ومسلم الزنجي، ويحيى القطان، وأبو
عاصم النبيل، وآخرون.
قال مصعب بن عبد الله: سمعت الدراوردي يقول: لم يرو مالك عن جعفر حتى
ظهر أمر بني العباس.
قال مصعب: كان مالك يضمه إلى آخر. وقال علي عن يحيى بن سعيد،
قال: أملى علي جعفر بن محمد الحديث الطويل، يعني في الحج (1)، ثم قال: وفي
نفسي منه [شئ] (2)، مجالد أحب إلي منه.
قلت: هذه من زلقات يحيى القطان. بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفرا
أوثق من مجالد. ولم يلتفتوا إلى قول يحيى. وقال إسحاق بن حكيم: قال يحيى
القطان: جعفر ما كان كذوبا. وقال إسحاق بن راهويه، قلت للشافعي في

(1) أخرجه مسلم (1218) في الحج، باب حجة النبي، عليه السلام، وهو حديث
طويل جدا. وصف فيه جابر، رضي الله عنه، ما شاهده من أفعال النبي عليه السلام،
وأقواله في حجة الوداع، من تحوله إلى المدينة وحتى نهاية أداء الفريضة. وقد فاته أشياء
ذكرها غيره من الصحب، رضوان الله عليهم.
(2) زيادة من التهذيب.
256

مناظرة جرت: كيف جعفر بن محمد عندك؟ قال: ثقة. وروى عباس عن يحيى
ابن معين: جعفر بن محمد ثقة مأمون. وروى أحمد بن زهير، والدارمي، وأحمد
ابن أبي مريم، عن يحيى: ثقة. وزاد ابن أبي مريم عن يحيى: كنت لا أسأل يحيى
ابن سعيد عن حديثه. فقال: لم لا تسألني عن حديث جعفر؟ قلت: لا أريده.
فقال: إن كان يحفظ، فحديث أبيه المسند، يعني حديث جابر في الحج. ثم قال
يحيى بن معين: وخرج حفص بن غياث إلى عبادان وهو موضع رباط، فاجتمع
إليه البصريون، فقالوا: لا تحدثنا عن ثلاثة; أشعث بن عبد الملك، وعمرو بن
عبيد، وجعفر بن محمد. فقال: أما أشعث فهو لكم، وأما عمرو فأنتم أعلم به،
وأما جعفر فلو كنتم بالكوفة لأخذتكم النعال المطرقة.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، وسئل عن جعفر بن محمد، عن أبيه،
وسهيل عن أبيه، والعلاء عن أبيه، أيها أصح؟ قال: لا يقرن جعفر إلى هؤلاء.
وسمعت أبا حاتم يقول: جعفر لا يسأل عن مثله.
قلت: جعفر ثقة صدوق. ما هو في الثبت كشعبة، وهو أوثق من سهيل وابن
إسحاق. وهو في وزن ابن أبي ذئب ونحوه. وغالب رواياته عن أبيه مراسيل.
قال أبو أحمد بن عدي: له حديث كثير عن أبيه، عن جابر وعن آبائه، ونسخ
لأهل البيت. وقد حدث عنه الأئمة. وهو من ثقات الناس كما قال ابن معين.
وعن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه
من سلالة النبيين. قد رأيته واقفا عند الجمرة يقول: سلوني، سلوني.
وعن صالح بن أبي الأسود، سمعت جعفر بن محمد يقال: سلوني قبل أن
تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي.
ابن عقدة الحافظ، حدثنا جعفر بن محمد بن حسين بن حازم، حدثني
إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح، سمعت حسن بن زياد، سمعت أبا حنيفة،
وسئل: من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد، لما
257

أقدمه المنصور الحيرة، بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فتنوا بجعفر
ابن محمد، فهيئ له من مسائلك الصعاب. فهيأت له أربعين مسألة. ثم أتيت
أبا جعفر، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما
لا يدخلني لأبي جعفر، فسلمت وأذن لي، فجلست. ثم التفت إلى جعفر،
فقال: يا أبا عبد الله، تعرف هذا؟ قال: نعم. هذا أبو حنيفة. ثم أتبعها: قد
أتانا. ثم قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله فابتدأت
أسأله. فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون
كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة، وربما
خالفنا جميعا، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة. ثم قال أبو
حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟!
علي بن الجعد، عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر بن محمد إن لي جارا
يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر. فقال جعفر: برئ الله من جارك. والله إني
لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر. ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى
خالي عبد الحمن بن القاسم.
قال ابن عيينة: حدثونا عن جعفر بن محمد ولم أسمعه منه، قال: كان آل أبي
بكر يدعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن أبي عمر
العدني وغيره عن جعفر بن محمد، عن أبيه، نحو ذلك.
محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفرا
عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي
هدى. ثم قال جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني
258

شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما (1).
وقال حفص بن غياث: سمعت جعفر بن محمد يقول: ما أرجو من شفاعة
علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله. لقد ولدني مرتين.
كتب إلي عبد المنعم بن يحيى الزهري، وطائفة قالوا: أنبأنا داود بن أحمد،
أنبأنا محمد بن عمر القاضي، أنبأنا عبد الصمد بن علي، أنبأنا أبو الحسن
الدارقطني، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الادمي، حدثنا محمد بن الحسين
الحنيني، حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان، حدثنا عبد الجبار بن العباس
الهمداني، أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة، فقال:
" إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عني: من زعم أني إمام
معصوم مفترض الطاعة، فأنا منه برئ، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر،
فأنا منه برئ ".
وبه عن الدارقطني، حدثنا إسماعيل الصفار، حدثنا أبو يحيى جعفر بن
محمد الرازي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا حنان بن سدير، سمعت
جعفر بن محمد، وسئل عن أبي بكر وعمر، فقال: إنك تسألني عن رجلين قد
أكلا من ثمار الجنة (2).

(1) محمد بن فضيل صدوق عارف، رمي بالتشيع. وسالم بن أبي حفصة، صدوق في
الحديث. وقال المؤلف في تاريخ الاسلام 6 / 46: هذا إسناد صحيح، وسالم وابن فضيل
شيعيان. وهذا الخبر يظهر موقف أهل البيت الطاهرين من الخلفاء الراشدين، وأن كل ما ينسب
إليهم من أقوال تخالف ذلك، فهو محض افتراء عليهم.
(2) قال المؤلف في تاريخ الاسلام: 6 / 47: قلت: يعني - إن صح عنه هذا - أنما أرواحهم في
أجواف طير خضر تعلق من ثمار الجنة، وهذا الذي قاله: منتزع من قوله: صلى الله عليه وسلم، " إنما نسمة المؤمن
طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجع الله إلى جسمه يوم يبعثه ". أخرجه مالك في " الموطأ " 1 /
240، والنسائي 4 / 108، والترمذي (644)، وابن ماجة (4271) من طريق ابن شهاب، عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه كعب بن مالك... وهذا سند صحيح.
259

وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا محمود بن خداش، حدثنا أسباط بن
محمد، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، سمعت جعفر بن محمد يقول: برئ الله
ممن تبرأ من أبي بكر وعمر.
قلت: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير
منافق (1) لاحد فقبح الله الرافضة.
وروى معبد بن راشد، عن معاوية بن عمار، سألت جعفر بن محمد عن
القرآن فقال: لس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.
حماد بن زيد، عن أيوب سمعت جعفرا يقول: إنا والله لا نعلم كل ما
يسألوننا عنه، ولغيرنا أعلم منا.
محمد بن عمران بن أبي ليلى، عن مسلمة بن جعفر الأحمسي: قلت لجعفر
ابن محمد: إن قوما يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة، تجعلونها
واحدة، يروونها عنكم. قال: معاذ الله. ما هذا من قولنا! من طلق ثلاثا فهو كما
قال (2).

(1) في النسخة الثانية " متأل ".
(2) مسلمة بن جعفر الأحمسي ضعيف، قاله المصنف في تاريخه وقد ذكر شيخ
الاسلام تقي الدين، رحمه الله، في فتاويه: أن للعلماء فيمن طلق زوجته ثلاثا في طهر
واحد، بكلمة واحدة أو كلمات ثلاث، ثلاثة أقوال:
الأول: أنه طلاق مباح لازم. وهو قول: الشافعي، وأحمد في الرواية القديمة عنه. اختارها
الخرقي، هو منقول عن بعض السلف.
الثاني: أنه طلاق بدعة، محرم لازم، وهو قول: مالك، وأبي حنيفة، وأحمد في رواية.
وهذا القول منقول عن كثير من السلف، من الصحابة والتابعين.
الثالث: أنه محرم، ولا يلزم إلا طلقة واحدة، ونسبه إلى طائفة من السلف، والخلف،
واختاره وقواه بأدلة كثيرة وفيرة وأفتى به.
260

سويد بن سعيد، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد قال: من صلى
على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته مئة مرة قضى الله له مئة حاجة (1).
أجاز لنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا
أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن العباس، حدثني
محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، حدثنا مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد
قال، لما قال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني. قال: أما إني أحدثك وما كثرة
الحديث لك بخير. يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها
فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله قال في كتابه: (لئن شكرتم
لأزيدنكم) [إبراهيم: 7]. وإذا استبطأت الرزق، فأكثر من الاستغفار، فإن
الله قال في كتابه: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم
مدرارا، ويمددكم بأموال..) [نوح: 10 - 13] الآية. يا سفيان; إذا
حزبك أمر من السلطان أو غيره، فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها
مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة. فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث وأي ثلاث!
قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله ولينفعنه الله بها.
قلت: حكاية حسنة إن لم يكن ابن غزوان وضعها فإنه كذاب.
وبه قال أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا محمد بن أحمد بن مكرم
الضبي، حدثنا علي بن عبد الحميد، حدثنا موسى بن مسعود، حدثنا سفيان
قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء (وكساء خز] (2) أيدجاني
فجعلت أنظر إلى تعجبا؟ فقال: مالك يا ثوري؟ قلت: يا ابن رسول الله،

(1) الأثر ضعيف لضعف سويد بن سعيد.
(2) زيادة من " الحلية ".
261

ليس هذا من لباسك، ولا لباس آبائك، فقال: كان ذاك زمانا مقترا، وكانوا
يعملون على قدر إقتاره وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شئ فيه عزاليه (1).
ثم حسر عن ردن جبته، فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل،
وقال: لبسنا هذا لله، وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
وقيل: كان جعفر يقول: كيف أعتذر وقد احتججت، وكيف أحتج وقد
علمت؟
روى يحيى بن أبي بكير عن هياج بن بسطام قال كان جعفر بن محمد يطعم
حتى لا يبقى لعياله شئ.
عن بعض أصحاب جعفر بن محمد، عن جعفر، وسئل: لم حرم الله الربا؟
قال: لئلا يتمانع الناس المعروف.
وعن هشام بن عباد، سمعت جعفر بن محمد يقول: الفقهاء أمناء الرسل،
فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين، فاتهموهم.
وبه حدثنا الطبراني، حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش، حدثنا الرياشي،
حدثنا الأصمعي قال: قال جعفر بن محمد: الصلاة قربان كل تقي، والحج
جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر،
واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة. وما عال من اقتصد،
والتقدير نصف العيش، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه، فقد
عقهما، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا
تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة

(1) العزالي: جمع العزلاء، وهو فم المزادة الأسفل، وفي الحديث: " وأرسلت السماء
عزاليها " أي: كثر مطرها على المثل. والمراد هنا، أن الخير قد كثر وعم.
262

وينزل الرزق على قدر المؤنة، ومن قدر معيشته، رزقه الله، ومن بذر معيشته،
حرمه الله.
وعن رجل، عن بعض أصحاب جعفر بن محمد قال: رأيت جعفرا يوصي
موسى، يعني ابنه: يا بني من قنع بما قسم له، استغني، ومن مد عينيه إلى ما في
يد غيره، مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم له، اتهم الله في قضائه، ومن
استصغر زلة غيره، استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره، انكشفت
عورته، ومن سل سيف البغي. قتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه، أوقعه الله فيه،
ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء
اتهم. يا بني إياك أن تزري بالرجال، فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك
فتذل لذلك، يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين أقربائك، كن للقرآن
تاليا. وللاسلام فاشيا، وللمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك
واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة فإنها
تزرع الشحناء في القلوب، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض
لعيوب الناس كمنزلة الهدف. إذا طلبت الجود، فعليك بمعادنه فإن للجود معادن،
وللمعادن أصولا، وللأصول فروعا، وللفروع ثمرا. ولا يطيب ثمر إلا بفرع،
ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل إلا بمعدن طيب. زر الأخيار ولا تزر الفجار، فإنهم
صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها.
عن عائذ بن حبيب، قال جعفر بن محمد: لا زاد أفضل من التقوى، ولا
شئ أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوأ من الكذب.
وعن يحيى بن الفرات، أن جعفر الصادق قال: لا يتم المعروف إلا بثلاثة:
بتعجيله، وتصغيره، وستره.
كتب إلي أحمد بن أبي الخير، عن أبي المكارم اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو
263

نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا منصور
ابن أبي مزاحم، حدثنا عنبسة الخثعمي، وكان من الأخيار، سمعت جعفر بن
محمد يقول: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق.
ويروى أن أبا جعفر المنصور وقع عليه ذباب، فذبه عنه فألح فقال لجعفر:
لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة.
وعن جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك ما يسوؤك، فلا تغتم، فإنه إن
كان كما يقول كانت عقوبة عجلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم
تعملها.
قال موسى عليه السلام: يا رب أسألك ألا يذكرني أحد إلا بخير. قال: ما
فعلت ذلك بنفسي.
أخبرنا وحدثنا عن سعيد بن محمد بن محمد بن عطاف، أنبأنا أبو القاسم بن
السمرقندي، حدثني الحميدي، أنبأنا الحسين بن محمد المالكي القيسي بمصر،
أنبأنا عبد الكريم بن أحمد بن أبي جدار، أخبرنا أبو علي الحس بن رخيم، حدثنا
هارون بن أبي الهيذام، أنبأنا سويد بن سعيد، قال، قال الخليل بن أحمد:
سمعت سفيان الثوري يقول: قدمت مكة فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد
قد أناخ بالأبطح، فقلت: يا ابن رسول الله، لم جعل الموقف من وراء الحرم؟ ولم
يصير في المشعر الحرام؟ فقال: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابه.
فلما قصده الوافدون، أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم في الدخول،
أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة،. فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول
اجتهادهم رحمهم، فلما رحمهم، أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا قربانهم،
وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم، أمرهم
264

بزيارة بيته على طهارة. قال: فلم كره (1) الصوم أيام التشريق؟ قال: لانهم في
ضيافة الله. ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه. قلت: جعلت
فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهى خرق لا تنفع شيئا؟ قال: ذاك

(1) أي: حرم، لما ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، من النهي عن صوم أيام التشريق. والسلف كانوا
يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت به في كلام الله ورسوله. قال تعالى: (كل
ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) [الاسراء: 38]، وفي الحديث الصحيح " إن الله كره لكم
قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ".
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا،
ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شئ: هذا حلال وهذا حرام. وما كانوا يجترئون على
ذلك. وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنا. فينبغي هذا، ولا نرى هذا وزاد
عتيق بن يعقوب - على هذا - " ولا يقولون: حلال ولا حرام. أما سمعت قول الله تعالى:
(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل: الله أذن لكم، أم على
الله تفترون؟!). الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.
وقال الخرقي - فيما نقله عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل -: ويكره أن يتوضأ في آنية
الذهب والفضة، ومذهبه لا يجوز. وقد نص محمد بن الحسن، أن كل مكروه فهو حرام.
وقال أبو حنيفة، وصاحباه: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان، الذهب والحرير. وقد
نص الأصحاب أنه حرام وقد قال مالك - في كثير من أجوبته -: أكره هذا، وهو حرام أما
المتأخرون، فقد اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من
فعله، ثم حمل، من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك. وأقبح
منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله، على المعنى
الاصطلاحي الحادث. وتأمل ما يلي: قال تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا)
و (وما علمناه الشعر، وما ينبغي له) و (وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم). وقوله
تعالى - على لسان رسوله: " كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم، وما ينبغي له "
وقوله، صلى الله عليه وسلم،: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له " وقوله - في لباس الحرير: " لا ينبغي هذا
للمتقين ".
وانظر: إعلام الموقعين 1 / 39.
265

مثل رجل بينه وبين رجل جرم، فهو يتعلق به، ويطوف حوله رجاء أن يهب له
ذلك، ذاك الجرم.
ومن بليغ قول جعفر، وذكر له بخل المنصور فقال: الحمد لله الذي حرمه من
دنياه ما بذل لأجله دينه.
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا محمد بن عبدا لباقي
الأنصاري، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، أنبأنا عبيد الله بن أحمد
الصيدلاني، حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب، حدثنا عيسى بن أبي حرب
الصفار، عن الفضل بن الربيع، عن أبيه، قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفر
ابن محمد يلحد في سلطاني قتلني الله إن لم أقتله. فأتيته، فقلت: أجب أمير
المؤمنين. فتطهر ولبس ثيابا. أحسبه قال جددا فأقبلت به فاستأذنت له، فقال:
أدخله، قتلني الله إن لم أقتله. فلما نظر إليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال:
مرحبا بالنقي الساحة، البرئ من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي. فأقعده
معه على سريره وأقبل عليه بوجهه، وسأله عن حاله، ثم قال: سلني عن حاجتك
فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به. قال: أفعل. ثم قال:
يا جارية ائتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف.
فاتبعته، فقلت: يا ابن رسول الله; أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك، فكان منه ما
رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشئ عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: اللهم
احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، واحفظني بقدرتك
علي، ولا تهلكني. وأنت رجائي. رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك
عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري؟! فيا من قل عند
نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني. ويا من رآني
على المعاصي فلم يفضحني، وياذا النعم التي لا تحصى أبدا، وياذا المعروف
266

الذي لا ينقطع أبدا، أعني على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما
غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت. يا من لا تضره الذنوب، ولا تنقصه
المغفرة، اغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، يا وهاب أسألك فرجا
قريبا. وصبرا جميلا، والعافية من جميع البلايا، وشكر العافية.
فأعلى ما يقع لنا من حديث جعفر الصادق، ما أنبأنا الإمام أبو محمد بن قدامة
الحاكم، وطائفة قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا أبو
محمد الجوهري، أنبأنا أبو بكر القطيعي، حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا أبو
عاصم، عن جعفر بن محمد، حدثني أبي: قال عمر بن الخطاب: ما أدري ما
أصنع بالمجوس؟ فقام عبد الرحمن بن عوف قائما، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (1).

(1) وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 278، في الزكاة، باب: جزية أهل الكتاب
والمجوس. وسنده منقطع، مع ثقة رجاله. قال صاحب " التنقيح ": وقد روي معنى هذا من
وجه متصل، إلا أن في اسناده، من يجهل حاله. قال ابن أبي عاصم: حدثنا إبراهيم بن
حجاج السامي، حدثنا أبو رجاء وكان جارا لحماد بن سلمة، حدثنا الأعمش، عن زيد بن
وهب، قال: كنت عند عمر بن الخطاب، فقال: من عنده علم من المجوس؟ فوثب عبد
الرحمن بن عوف، فقال: أشهد بالله على رسول الله، لسمعته يقول: " إنما المجوس طائفة
من أهل الكتاب، فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب ". وللطبراني من حديث:
مسلم بن العلاء الحضرمي، سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب، في أخذ الجزية فقط ".
وقال الهيثمي في " المجمع " 6 / 13: وفيه من لم أعرفه. وروى أبو عبيد في الأموال ص 36
بسند صحيح، عن أبي موسى الأشعري، قال: لولا أني رأيت أصحابي يأخذون منهم الجزية
ما أخذتها " يعني: المجوس. وأخرج البخاري 6 / 184 - 185، وأبو داود (3043)،
والترمذي (1587) وأبو عبيد في " الأموال " ص 32 من طريق: عمرو بن دينار، أنه سمع
بجالة بن عبدة; يقول: لم يكن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أخذ الجزية من
المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أخذها من مجوس هجر ".
267

هذا حديث عال في إسناده انقطاع.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد، أنبأنا زكريا بن علي بن حسان (ح) وأنبأنا
أحمد بن محمد، ومحمد بن إبراهيم وعلي بن محمد، وجماعة قالوا: أنبأنا أبو
المنجى عبد الله بن عمر قالا: أنبأنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرتنا أم الفضل
بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية، أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري، أنبأنا
عبد الله بن محمد، حدثنا مصعب بن عبد الله، حدثني مالك عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا كبر ثلاثا
ويقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل
شئ قدير " يصنع ذلك ثلاث مرات، ويصنع على المروة مثل ذلك، وكان إذا
نزل من الصفا، مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى يخرج
منه. رواه مسلم (1).
وبه إلى عبد الرحمن بن أحمد: حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا عبد الوهاب بن
فليح المقرئ بمكة، حدثنا عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن مؤمن حتى
يؤمن بالقدر كله، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن
ليصيبه " (2).
هذا حديث غريب فيه نكارة. تفرد به القداح. وقد قال البخاري: ذاهب
الحديث. أخرجه أبو عيسى عن زياد بن يحيى عنه، فوقع بدلا بعلو درجة.

(1) أخرجه مسلم (1218) في الحج، باب: حجة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخرجه مالك
مختصرا في الحج (128): باب البدء بالصفا في السعي.
(2) وأخرجه الترمذي (2145) في القدر، باب: ما جاء في الايمان بالقدر خيره وشره،
ثم قال: وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث: عبد الله بن ميمون. وعبد الله بن
ميمون القداح منكر الحديث. ولكن معنى الحديث ثابت عنه، صلى الله عليه وسلم، من غير وجه.
268

قال المدائني، وشباب العصفري وعدة: مات جعفر الصادق في سنة ثمان
وأربعين ومئة. وقد مر أن مولده سنة ثمانين، أرخه الجعابي (1)، وأبو بكر بن
منجويه، وأبو القاسم اللالكائي (2)، فيكون عمره ثمانيا وستين سنة رحمه
الله.
لم يخرج له البخاري في الصحيح، بل في كتاب الأدب وغيره.
وله عدة أولاد: أقدمهم إسماعيل بن جعفر ومات شابا في حياة أبيه، سنة
ثمان وثلاثين ومئة. وخلف محمدا وعليا وفاطمة. فكان لمحمد من الولد جعفر
وإسماعيل فقط. فولد جعفر محمدا، وأحمد درج، ولم يعقب، فولد لمحمد بن
جعفر، جعفر وإسماعيل وأحمد وحسن، فولد لحسن جعفر الذي مات بمصر
سنة ثلاث وتسعين ومئتين، وخلف ابنه محمدا، فجاءه خمسة بنين، وولد
لإسماعيل بن محمد، أحمد ويحيى ومحمد وعلي درج ولم يعقب، فولد لأحمد جماعة
بنين، منهم إسماعيل بن أحمد المتوفى بمصر سنة خمس وعشرين وثلاث مئة. فبنو
محمد بن إسماعيل بن جعفر عدد كثير كانوا بمصر، وبدمشق قد استوعبهم
الشريف العابد أبو الحسين محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن
محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. ويعرف هذا بأخي محسن. كان يسكن
بباب توما (3). مات قبل الأربع مئة. وذكر منهم قوما بالكوفة. وبالغ في نفي
عبيد الله المهدي من أن يكون من هذا النسب الشريف، وألف كتابا في أنه

(1) هو الحافظ: أبو بكر محمد بن عمر بن محمد التميمي البغدادي، قاضي الموصل
ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 925.
(2) هو الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، الرازي محدث بغداد.
من تصانيفه كتاب في رجال الصحيحين. ترجمه المؤلف في تذكرته 3 / 1083.
(3) باب توما: من أحياء دمشق الشرقية.
269

دعي، وأن نحلته خبيثة، مدارها على المخرقة والزندقة (1).
رجعنا إلى تتمة آل جعفر الصادق. فأجلهم وأشرفهم ابنه:
118 - موسى الكاظم * (ت، ق)
الامام، القدوة، السيد أبو الحسن العلوي، والد الإمام علي بن موسى
الرضى مدني نزل بغداد.
وحدث بأحاديث عن أبيه. وقيل: إنه روى عن عبد الله بن دينار، وعبد
الملك بن قدامة.
حدث عنه أولاده: علي، وإبراهيم، وإسماعيل، وحسين. وأخواه: علي بن
جعفر، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن صدقة العنبري، وصالح بن يزيد. وروايته
يسيرة لأنه مات قبل أوان الرواية، رحمه الله.
ذكره أبو حاتم فقال: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين.
قلت له عند الترمذي، وابن ماجة حديثان.
قيل: إنه ولد سنة ثمان وعشرين ومئة بالمدينة.
قال الخطيب: أقدمه المهدي بغداد، ورده. ثم قدمها. وأقام ببغداد في أيام
الرشيد، قدم في صحبة الرشيد سنة تسع وسبعين ومئة، وحبسه بها إلى أن توفي
في محبسه.

(1) راجع في هذا رسالة " من عبر التاريخ " للكوثري ففيها تفصيل.
الجرح والتعديل 8 / 139، تاريخ بغداد 13 / 27، صفوة الصفوة 2 / 103، منهاج
السنة 2 / 115 - 124، وفيات الأعيان 5 / 308 - 310، تهذيب الكمال (1383)، تذهيب
التهذيب 4 / 76 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 201 - 202، عبر الذهبي 1 / 287، تاريخ ابن خلدون
4 / 115، تهذيب التهذيب 10 / 339 - 340، خلاصة تذهيب الكمال (390)، شذرات
الذهب 1 / 304.
270

ثم قال الخطيب: أنبأنا الحسن بن أبي بكر، أنبأنا الحسن بن محمد بن يحيى
العلوي، حدثني جدي يحيى بن الحسن بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن
الحسين قال: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده.
روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل،
فسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك، يا
أهل التقوى، ويا أهل المغفرة. فجعل يرددها حتى أصبح.
وكان سخيا كريما، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف
دينار. وكان يصر الصرر بثلاث مئة دينار، وأربع مئة، ومئتين، ثم يقسمها
بالمدينة، فمن جاءته صرة، استغنى. حكاية منقطعة، مع أن يحيى بن الحسن
متهم.
ثم قال يحيى هذا: حدثنا إسماعيل بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الله
البكري، قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا فقلت، لو أتيت موسى بن جعفر
فشكوت إليه، فأتيته بنقمي (1) في ضيعته، فخرج إلي، وأكلت معه، فذكرت له
قصتي فأعطاني ثلاث مئة دينار. ثم قال يحيى: وذكر لي غير واحد، أن رجلا من
آل عمر كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا، وكان قد قال له بعض حاشيته: دعنا
نقتله، فنهاهم، وزجرهم.
وذكر له أن العمري يزدرع بأرض، فركب إليه في مزرعته، فوجده، فدخل
بحماره، فصاح العمري لا توطئ زرعنا. فوطئ بالحمار حتى وصل إليه، فنزل
عنده وضاحكه. وقال: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال: مئة دينار. قال: فكم
ترجو؟ قال: لا أعلم الغيب وأرجو أن يجبيئني مئتا دينار. فأعطاه ثلاث مئة دينار.

(1) جانب أحد، وهو موضع من أعراض المدينة. كان لآل أبي طالب.
271

وقال: هذا زرعك على حاله. فقام العمري فقبل رأسه وقال: الله أعلم حيث
يجعل رسالاته. وجعل يدعو له كل وقت. فقال أبو الحسن لخاصته الذين أرادوا
قتل العمري: أيما هو خير؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟
قلت، إن صحت، فهذا غاية الحلم والسماحة.
قال أبو عبد الله المحاملي: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، حدثني محمد بن
الحسين الكناني الليثي، حدثني عيسى بن محمد بن مغيث القرشي، وبلغ
تسعين سنة، قال: زرعت بطيخا وقثاء وقرعا بالجوانية، فلما قرب الخير، بيتني
الجراد، فأتى على الزرع كله. وكنت غرمت عليه وفي ثمن جملين مئة وعشرين
دينارا. فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر، فسلم، ثم قال: أيش حالك؟
فقلت: أصبحت كالصريم. قال: وكم غرمت فيه؟ قلت: مئة وعشرين دينارا
مع ثمن الجملين. وقلت: يا مبارك، ادخل وادع لي فيها. فدخل ودعا.
وحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تمسكوا ببقايا المصائب " (1) ثم علقت عليه
الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة زكت، فبعت منها بعشرة آلاف.
الصولي، حدثنا عون بن محمد، سمعت إسحاق الموصلي غير مرة يقول:
حدثني الفضل بن الربيع، عن أبيه قال: لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى
في النوم عليا يقول: يا محمد: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم) [محمد: 22]؟ قال الربيع: فأرسل إلى ليلا، فراعني،
فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا. وقال: علي بموسى بن
جعفر فجئته به، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن: إني رأيت أمير

(1) ضعيف لارساله وجهالة رواته. وقد ذكره صاحب: كنز العمال " 3 / 304 ونسبه للديلمي
في " مسند الفردوس " وابن صصري في أماليه، عن موسى بن جعفر مرسلا.
272

المؤمنين يقرأ علي كذا. فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فقال: لا
والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني. قال: صدقت. يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف
دينار، ورده إلى أهله إلى المدينة. فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا وهو في
الطريق خوف العوائق.
وقال الخطيب: أنبأنا أبو العلاء الواسطي، حدثنا عمر بن شاهين، حدثنا الحسين
ابن القاسم، حدثني أحمد بن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال:
حج الرشيد فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا
رسول الله، يا ابن عم، افتخارا على من حوله. فدنا موسى وقال: السلام عليك
يا أبة. فتغير وجه هارون، وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا.
قال يحيى بن الحسن العلوي، حدثني عمار بن أبان قال: حبس موسى بن
جعفر عند السندي بن شاهك، فسألته أخته أن تولى حبسه وكانت تذين (1)،
ففعل. فكانت على خدمته، فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة، حمد
الله ومجده ودعاه. فلم يزل كذلك حتى يزول الليل. فإذا زال الليل، قام يصلي
حتى يصلي الصبح. ثم يذكر حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى،
ثم يتهيأ ويستاك، ويأكل. ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي العصر،
ثم يذكر في القبل حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب إلى العتمة
فكانت تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل. وكان عبدا صالحا.
وقيل: بعث موسى الكاظم إلى الرشيد برسالة من الحبس يقول: إنه لن
ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا
إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.

(1) أي تأخذ دينا.
سير 6 / 18
273

وعن عبد السلام بن السندي قال: كان موسى عندنا محبوسا، فلما مات،
بعثنا إلى جماعة من العدول، من الكرخ فأدخلنا هم عليه، فأشهدنا هم على
موته، ودفن في مقابر الشونيزية.
قلت: له مشهد عظيم مشهور ببغداد. دفن معه فيه حفيده الجواد. ولولده
علي بن موسى مشهد عظيم بطوس. وكانت وفاة موسى الكاظم في رجب سنة
ثلاث وثمانين ومئة. عاش خمسا وخمسين سنة وخلف عدة أولاد. الجميع من
إماء: علي، والعباس، وإسماعيل، وجعفر، وهارون، وحسن، وأحمد،
ومحمد، وعبيد الله، وحمزة، وزيد، وإسحاق، وعبد الله، والحسين، وفضل،
وسليمان، سوى البنات، سمى الجميع: الزبير في " النسب ".
119 - أشعث بن عبد الله * (4. خت)
ابن جابر الأزدي ثم الحداني، البصري، الأعمى. وهو الذي يقال له أشعث
البصري، وأشعث الأعمى، وأشعث الأزدي، وأشعث الحملي (1).
روى عن أنس بن مالك، وذلك في سنن أبي داود. وعن الحسن، وشهر بن
حوشب، ومحمد بن سيرين.
وعنه: سبطه نصر بن علي الجهضمي الكبير جد الحافظ نصر بن علي
الحافظ. وروى عنه أيضا معمر، وشعبة. ويحيى بن سعيد، والأنصاري
وآخرون.

التاريخ الكبير: 1 / 433، التاريخ الصغير: 2 / 23 - 24، الجرح والتعديل 2 / 273،
تهذيب الكمال (118)، تذهيب التهذيب 1 / 70 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 265 - 266،
تهذيب التهذيب 1 / 355 - 356، خلاصة تذهيب الكمال: (38).
(1) في الأصل " الجملي " بفتح الجيم والميم، وما أثبتناه هو الصواب فقد ضبطه
المؤلف كذلك في " المشتبه " 1 / 175، وأقره عليه الحافظ ابن حجر في " التبصير "
و " التقريب ". وكذلك ضبطه صاحب الخلاصة.
274

وكان من علماء البصرة كأشعث الحمراني. وهو صالح الحديث. وقد وثقه
النسائي، وغيره. وفي حديثه وهم. أورده العقيلي في " الضعفاء " وقال
الدارقطني: يعتبر به.
معمر، عن الأشعث، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس
منه " (1).
قلت: مراده بالوسواس، أن يصيبه مس من الجان. ومنه سمي المسرف في
الماء موسوسا، شبه بالمجنون، ولا سيما إذا كبر أحدهم للفريضة. عافاهم الله
تعالى.
120 - أشعث بن سوار * (م، ت، س، ق)
الكندي، الكوفي، النجار، التوابيتي، الأفرق. وهو الذي يقال له

(1) الحسن مدلس، وقد عنعن، وأخرجه أحمد 5 / 56، وأبو داود (27) في الطهارة،
باب: في البول في المستحم، والترمذي (21) في الطهارة: باب: ما جاء في كراهية البول
في المغتسل، والنسائي 1 / 34 في الطهارة، باب: كراهية البول في المستحم، وابن ماجة
(304) في الطهارة، باب: كراهية البول في المغتسل، وروى أبو داود حديثا آخر عقبه
(28) عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يشهد لحديث ابن مغفل في النهي عن البول في
المستحم. قال أبو سليمان الخطابي: إنما ينهى عن ذلك إذا لم يكن المكان صلبا أو
مبلطا، أو لم يكن له مسلك ينفذ فيه البول، ويسيل إليه الماء فيتوهم المغتسل أنه يصيبه
شئ من رشاشه فيورثه الوسواس.
طبقات ابن سعد 6 / 249، تاريخ خليفة (420) طبقات خليفة (166)، تاريخ
البخاري: 1 / 430، التاريخ الصغير، 2 / 48، الطبري: 1 / 486، 2 / 386، 3 / 421،
588، 4 / 284، الجرح والتعديل 2 / 271. كتاب المجروحين 1 / 171، الكامل في التاريخ
5 / 512، تهذيب الكمال (117)، تذهيب التهذيب 1 / 69 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 263 -
265، تهذيب التهذيب 1 / 352 - 354، خلاصة تذهيب الكمال (38)، شذرات الذهب
1 / 193.
275

صاحب التوابيت. وهو أشعث القاص.
وهو مولى ثقيف، وهو الأثرم، وهو قاضي الأهواز.
حدث عن الشعبي، وعكرمة، والحسن، وابن سيرين.
حدث عنه: شعبة، وعبثر بن القاسم، وهشيم، وحفص بن غياث، وعبد
الله بن نمير، ويزيد بن هارون وعدة.
روى له مسلم متابعة. وقد حدث عنه من شيوخه أبو إسحاق السبيعي.
وكان أحد العلماء على لين فيه.
قال الثوري: هو أثبت من مجالد. وقال يحيى القطان: هو عندي دون ابن
إسحاق. وقال أبو زرعة: لين. وقال ابن خراش وغيره: هو أضعف الأشاعثة.
وقال النسائي: ضعيف. وأما ابن عدي، فقال، لم أجد له حديثا منكرا، إنما
يغلط في الأسانيد. وروى عباس عن يحيى: ضعيف. وروى ابن الدورقي،
عن يحيى: أشعث بن سوار ثقة. وقال أحمد بن حنبل: هو أمثل من محمد بن
سالم. وقال محمد بن مثنى: ما سمعت يحيى، وعبد الرحمن يحدثان عن أشعث
ابن سوار بشئ قط. وقال ابن حبان: فاحش الخطأ، كثير الوهم. وقال
الدارقطني: ضعيف يعتبر به.
أشعث بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنا نلبي عن النساء،
ونرمي عن الصبيان. (1)

(1) أشعث بن سوار ضعيف. وأبو الزبير عنعنه وهو مدلس. ولذا قال الترمذي، عقب
إخراجه (927): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقد أجمع أهل العلم على
أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، بل هي تلبي عن نفسها، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية.
وأخرجه ابن ماجة أيضا (3038) من طريق أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ
" حججنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم ".
276

قال أبو همام الدلال: كان أشعث بن سوار على قضاء الأهواز. فصلى بهم،
فقرأ (النجم) فسجد من خلفه ولم يسجد هو. ثم صلى يوما فقرأ (إذا السماء
انشقت) فسجد وما سجدوا.
شعبة، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود،
قال: السنة بالنساء الطلاق والعدة (1).
توفي سنة ست وثلاثين ومئة. أرخه الفلاس.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أنبأنا محمد بن إسماعيل،
أنبأنا محلم بن إسماعيل، حدثنا الخليل بن أحمد، حدثنا محمد بن إسحاق،
حدثنا قتيبة، حدثنا عبثر بن القاسم، عن أشعث، عن محمد، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه
مكان كل يوم مسكين " (2).
أخرجه النسائي: عن محمد بن يحيى، عن قتيبة. وقد روي موقوفا، وهو
أصح.

(1) أشعث ضعيف، وأخرجه الطبراني في معجمه بهذا السند، عن عبد الله، بلفظ:
" الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء "، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " موقوفا على عثمان،
وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأخرج البيهقي الآثار كلها في " سننه 7 / 330، 7 / 330، وانظر:
نصب الراية 3 / 225.
(2) أشعث ضعيف؟ ومحمد هو: ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ،
وقد أخرجه ابن ماجة (1757) في الصوم، باب: من مات وعليه صيام رمضان، قد فرض
فيه، فسماه. وهو وهم كما قال المزي في الأطراف. فإن الترمذي رواه (718) ولم ينسبه.
ثم قال الترمذي: وهو عندي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال الترمذي، بعد
تخريج هذا الحديث: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. والصحيح أنه موقوف.
277

121 - أشعث بن عبد الملك * (4)
الامام الفقيه الثقة، أبو هانئ الحمراني، البصري، مولى حمران مولى أمير
المؤمنين عثمان.
روى عن الحسن، وابن سيرين، وبكر بن عبد الله المزني، وعاصم الأحول،
وطائفة.
حدث عنه شعبة، وحماد بن زيد، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان، ومحمد
ابن أبي عدي، وحماد بن مسعدة، وروح بن عبادة، وأبو عاصم، وآخرون.
وكان أحد علماء البصرة. قال يحيى القطان: هو عندي ثقة مأمون، ما
أدركت أحدا من أصحاب محمد بن سيرين بعد ابن عون أثبت من أشعث
الحمراني. قلت الظاهر أن آخر من روى عنه محمد بن عبد الله الأنصاري.
وقال النسائي وغيره: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به، هو أوثق من أشعث
الحداني.
قلت: ما علمت أحدا لينه. وذكر ابن عدي له في " كامله ": لا يوجب تليينه
بوجه. نع ما أخرجا له في " الصحيحين " كما لم يخرجا لجماعة من الاثبات.
قال حفص بن غياث: حدثنا أشعث، ثم العجب لأهل البصرة يقدمون
أشعثهم على أشعثنا، أشعث بن سوار. قال: وهو أشعث التوابيتي. وهو أشعث

تاريخ خليفة (423)، طبقات خليفة (220)، تاريخ البخاري 1 / 431، التاريخ
الصغير 2 / 85، الجرح والتعديل 2 / 275 - 276، الكامل في التاريخ 5 / 583، تهذيب
الكمال (118)، تذهيب التهذيب 1 / 70 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 266 - 268، تهذيب
التهذيب 1 / 357 - 359، خلاصة تذهيب الكال (39)، شذرات الذهب 1 / 217.
278

القاص روى عن الشعبي، والنخعي، وقص بالكوفة دهرا يحمد عفافه وفقهه،
وأشعثهم يقيس على قول الحسن، ويحدث به.
قال الأنصاري: قال لي أشعث الحمراني: لا تأت عمرو بن عبيد، فإن
الناس ينهون عنه.
وجاء عن يونس بن عبيد أنه أتى الأشعث يذاكره.
يحيى القطان، عن أبي حرة، قال: كان أشعث الحمراني إذا أتى الحسن يقول
له: يا أبا هانئ انشر بزك انشر مسائلك.
قال القطان: ما رأيت في أصحاب الحسن أثبت من أشعث، وما أكثرت
عنه ولكنه كان ثبتا. قال معاذ بن معاذ: سمعت الأشعث يقول: كل شئ
حدثتكم عن الحسن فقد سمعته منه، إلا حديث الذي ركع قبل أن يصل إلى
الصف (1). وحديث علي في الخلاص، وحديث يرسله: أن رجلا قال: يا رسول
الله متى تحرم علينا الميتة؟. [قال: " إذا رويت من اللبن، وحانت ميرة
أهلك "] (2).
قال الفلاس: قال لي يحيى: من أين جئت؟ قلت: من عند معاذ بن معاذ.
فقال: في حديث من هو؟ قلت: في حديث ابن عون، قال: يدعون شعبة

(1) أخرجه أحمد في " المسند " 5 / 39 من طريق: يحيى، عن أشعث، عن زياد الأعلم،
عن الحسن، عن أبي بكرة، أنه ركع دون الصف، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم،: " زادك الله حرصا
ولا تعد " وأخرجه البخاري 2 / 222 من طريق: همام، وأخرجه أبو داود (683) و (684) من
طريق حماد، وأخرجه النسائي 2 / 118 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، كلهم عن زياد
الأعلم، عن الحسن عن أبي بكرة.
(2) ذكره في تهذيب الكمال، والزيادة منه.
279

والأشعث ويكتبون حديث ابن عون؟!
أحمد بن أبي مريم، قال يحيى بن معين: خرج حفص بن غياث إلى عبادان،
فاجتمع إليه البصريون، فقالوا: حدث، ولا تحدثنا عن ثلاثة، أشعث بن عبد
الملك، وعمرو بن عبيد، وجعفر بن محمد. فقال: أما أشعث، فهو لكم، وذكر
الحكاية (1).
النضر بن شميل، حدثنا أشعث بن عبد الملك، عن محمد، عن أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " النمل يسبح " (2).
قال ابن عدي: عامة أحاديثه مستقيمة وهو ممن يحتج به. وهو خير من أشعث
ابن سوار بكثير.
وقال الفلاس: مات سنة اثنتين وأربعين ومئة.
قال الدارقطني: أشعث عن الحسن ثلاثة: الحمراني وهو ثقة، وأشعث
الحداني يعتبر به، وأشعث بن سوار هو أضعفهم.
قال أحمد بن حنبل: أشعث الحمراني كان صاحب سنة، وكان عالما
بمسائل الحسن الدقاق. هو بابة هشام بن حسان.

(1) وقد تقدمت الحكاية في ترجمة جعفر الصادق.
(2) رجاله ثقات. وأورده السيوطي في الدر المنثور 4 / 183 ونسبه لابن مردويه، من
حديث أبي هريرة بلفظ: " إن النمل يسبحن ". وفي صحيح البخاري 6 / 108 من طريق:
يحيى بن بكير حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي
سلمة، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي:، صلى الله عليه وسلم، يقول: " قرصت نملة نبيا من
الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم
تسبح ".
280

122 - الزبيدي * (خ، م، د، س، ق)
محمد بن الوليد بن عامر الامام الحافظ، الحجة، القاضي، أبو الهذيل
الزبيدي، الحمصي، قاضيها.
ولد في خلافة عبد الملك، وحدث عن نافع مولى ابن عمر، ومكحول،
وعمرو بن شعيب، والزهري، وسعيد المقبري، وعامر بن عبد الله بن الزبير،
وعامر بن جشيب، ولقمان بن عامر، ويحيى بن جابر الطائي، وراشد بن
سعد، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وسليم بن عامر، وعبد الرحمن بن
القاسم، والفضل بن فضالة، وعبد الواحد بن عبد الله البصري، وسعد بن
إبراهيم، وخلق.
حدث عنه: الأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، وفرج بن فضالة، ويمان
ابن عدي، وبقية، ومحمد بن حرب، ويحيى بن حمزة القاضي، وعبد الله بن
سالم، وعتبة بن حماد، ومنبه بن عثمان، وأخوه أبو بكر بن الوليد، ومحمد
ابن عيسى بن سميع، ومسلمة بن علي، وآخرون. وكان من ألباء العلماء.
وثقه يحيى بن معين. وقال: هو أثبت يعني في الزهري من سفيان بن عيينة.
قال: وأثبت أصحاب الزهري مالك، ثم معمر، ثم عقيل، ثم يونس، ثم
شعيب والأوزاعي والزبيدي. وقال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي يفضل
محمد بن الوليد الزبيدي على جميع من سمع من الزهري.

طبقات خليفة 315، التاريخ الكبير 1 / 254، التاريخ الصغير 2 / 52، تاريخ الفسوي
1 / 131، 2 / 349، الجرح والتعديل 8 / 111، مشاهير علماء الأمصار 182، الكامل في التاريخ
5 / 589، تهذيب الكمال 1228، تذكرة الحفاظ 1 / 162 - 163، الوافي بالوفيات 5 / 174، تهذيب
التهذب 9 / 502، خلاصة تذهيب الكمال 363، شذرات الذهب 1 / 244.
281

سليمان بن عبد الحميد البهراني، عن أبيه، حدثني عبد الله بن سالم عن
أخيه محمد قال: أتيت الزهري أقرأ عليه وأسمع منه فقال: تسألني وهذا
محمد بن الوليد الزبيدي بين أظهركم، وقد احتوى على ما بين جنبي من
العلم؟!. وقال علي بن المديني، وأبو زرعة، والنسائي: ثقة. زاد علي: ثبت.
وقال دحيم: شعيب بن أبي حمزة ثقة ثبت، يشبه حديثه حديث عقيل،
والزبيدي فوقه. حدثني أبو اليمان قال: سئل الزهري عن مسألة، فقال، كيف
وعندكم الزبيدي. وأخبرني علي بن عياش، قال: كان الزبيدي على بيت
المال، وكان الزهري معجبا به يقدمه على جميع أهل حمص.
وورى بقية عن الزبيدي قال: أقمت مع الزهري عشر سنين بالرصافة - يعني
رصافة هشام بالشام -.
قال ابن سعد: كان الزبيدي أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث، وكان ثقة
إن شاء الله.
قلت: كان من نظراء الأوزاعي في العلم. قال محمد بن عوف الطائي:
الزبيدي من ثقات المسلمين، فإذا جاءك الزبيدي عن الأوزاعي، فاستمسك
به.
وقال أبو داود السجستاني: قال الأوزاعي: لم يكن في أصحاب الزهري
أثبت من الزبيدي. ثم قال أبو داود: ليس في حديثه خطأ.
وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، أقام مع الزهري عشر سنين
حتى احتوى على أكثر علمه، وهو من الطبقة الأولى من أصحابه.
قلت: أين من يقيم مع الزهري بالحجاز أياما، إلى من أقام معه في وطنه
عشر سنين؟! ما فوق الزبيدي في الجلالة والاتقان لعلم الزهري أحد أصلا،
ولكنه مات قديما فلم ينتشر عنه كثير علم.
282

قال ابن سعد: مات سنة ثمان وأربعين ومئة. وهو ابن سبعين سنة. وقال
أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي في " تاريخه ": مات وهو شاب في المحرم
سنة تسع وأربعين ومئة. كذا قال: وهو شاب. وهذا وهم بل كبر وشاخ
وحديثه نحو المئتين فصاعدا.
أخبرنا محمد بن حمزة إجازة إن لم يكن سماعا، وقرأته على سليمان
الفقيه، قالا: أنبأنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنبأنا محمد بن مكي
الحافظ، أنبأنا محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الحافظ، حدثنا محمد بن
طاهر الحافظ، حدثنا محمد بن عبد الواحد البزار بالري، أنبأنا أبو طاهر محمد
ابن أحمد بن علي بن حمدان (ح) وأنبأنا الخضر بن عبدان، أنبأنا محمد بن
الحسين القزويني سنة اثنتين وعشرين وست مئة، أنبأنا محمد بن الحسن
الأرغندي، أنبأنا محمد بن الفضل الصاعدي، أنبأنا محمد بن علي الخبازي
وأبو سهل محمد بن أحمد قالوا ثلاثتهم: أنبأنا محمد بن مكي الكشميهني،
أنبأنا محمد بن يوسف بن مطر، أنبأنا محمد بن إسماعيل الجعفي الحافظ،
أنبأنا محمد بن خالد، حدثنا محمد بن وهب، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا
محمد بن الوليد الزبيدي أنبأنا الزهري - هو محمد بن مسلم - عن عروة بن
الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم
رأى في بيتها جارية، في وجهها سفعة، فقال: " استرقوا لها. فإن بها
النظرة " (1).

(1) أخرجه البخاري 10 / 171 في الطب، باب: رقية العين، ومسلم 2197 في
السلام، باب: استحباب الرقية من العين، والنملة، والحمة، والنظرة. وانظر تفصيل
القول فيه في " الفتح " 10 / 172، وقوله بالسفعة بفتح السين ويجوز ضمها، قال إبراهيم
الحربي: هو سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس. وعن الأصمعي: حمرة يعلوها سواد،
وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، يريد: أن بوجهها موضعا على غير لونه الأصلي.
283

متفق عليه من طريق محمد بن حرب، وقد تابعه عليه عبد الله بن سالم،
عن الزبيدي. وله علة لا تأثير لها إن شاء الله، فرواه عقيل، عن الزهري، عن
عروة مرسلا، ومحمد بن خالد دلس اسمه البخاري، ونسبه إلى جد أبيه وهو
الإمام محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي، الذي صنف حديث
الزهري، وهذا الحديث من ثمانيات البخاري، وقد وقع له ثلاثيات معروفة،
والله أعلم.
وقد وقع لنا عزيزا مسلسلا بالمحمدين إلى عروة ولا نظير له. وعدتهم
خمسة عشر محمدا وأنا السادس عشر.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أكمل بن أبي الأزهر، أنبأنا سعيد بن البناء
أنبأنا محمد بن محمد الزينبي، أنبأنا أبو بكر بن زنبور، أنبأنا أبو بكر بن أبي
داود، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية، حدثني الزبيدي، أخبرني
الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن كعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل، فيكسوني عز وجل
حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول. فذلك المقام
المحمود " (1). هذا حديث صالح الاسناد ولم يخرجوه في الكتب الستة.
123 - مجالد بن سعيد * (4، م تبعا)
ابن عمير بن بسطام، ويقال: ابن ذي مران بن شرحبيل، العلامة،

(1) رجاله ثقات، فقد صرح بقية بالتحديث، وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 456 من
طريق: يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد
الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن كعب.. وهذا سند صحيح، إن كان عبد الرحمن قد
سمعه من جده. وفي صحيح البخاري تصريح منه بالسماع من جده.
طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ خليفة (420)، طبقات خليفة (166)، تاريخ البخاري: 8 / 8، التاريخ الصغير 2 / 77، 79، الجرح والتعديل 8 / 361 - 362، كتاب
المجروحين والضعفاء 3 / 10، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (1303)،
تذهيب التهذيب 4 / 21 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 438 - 439، تهذيب التهذيب: 10 / 39 -
41، خلاصة تهذيب الكمال 369، شذرات الذهب 1 / 216.
284

المحدث، أبو عمرو. ويقال: أبو عمير. ويقال: أبو سعيد الكوفي، الهمداني.
والد إسماعيل بن مجالد.
حدث عن الشعبي، وأبي الوداك جبر بن نوف، وقيس بن أبي حازم، ومرة
الهمداني، وزياد بن علاقة، ومحمد بن بشر، ووبرة بن عبد الرحمن. هؤلاء
السبعة ثم المذكورون له في " التهذيب ".
ولد في أيام جماعة من الصحابة، ولكن لا شئ له عنهم. ويدرج في
عداد صغار التابعين. وفي حديثه لين.
حدث عنه: سفيان، وشعبة، وجرير (1) بن حازم، وابن المبارك، وعبدة بن
سليمان، وعباد بن عباد، وهشيم، وأبو خالد الأحمر، وأبو عقيل الثقفي،
وابن نمير، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وابن عيينة، وحفص بن غياث،
وحماد بن زيد، وعبد الواحد بن زياد، وأحمد بن بشير، وأبو أسامة، ومحمد
ابن بشر، ومحاضر، ويحيى بن سعيد القطان، وابن فضيل وخلق سواهم.
وقد روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، وهو أكبر منه، وذلك من رواية
التابعين عن الاتباع.
قال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وكان عبد الرحمن بن مهدي
لا يروي له شيئا. وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئا. يقول: ليس بشئ. وقال

(1) في الأصل (حزم) وهو تحريف.
285

أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن يقول: مجالد حديثه عند الاحداث:
يحيى بن سعيد، وأبي أسامة ليس بشئ. ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد،
وهشيم، وهؤلاء القدماء - يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره.
وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: لعبيد الله: أين
تذهب؟ قال: أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة - يعني عن أبيه، عن
مجالد - قال: تكتب كذبا كثيرا. لو شئت أن يجعلها لك مجالد كلها عن
الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله، فعل.
وقال أحمد: مجالد ليس بشئ، يرفع حديثا لا يرفعه الناس، وقد احتمله
الناس، وقال ابن معين: لا يحتج به، وقال مرة: ضعيف. كان يحيى بن سعيد
يقول: لو أردت أن يرفع لي مجالد (1) حديثه كله رفعه. رواها ابن أبي خيثمة
عن يحيى.
وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وهو أحب إلي من بشر بن حرب، وأبي
هارون، وشهر بن حوشب، وداود الأودي، وعيسى الحناط.
وقال النسائي: ثقة. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: له عن
الشعبي، عن جابر أحاديث صالحة، وعن غير جابر من الصحابة أحاديث
صالحة. وعامة ما يرويه غير محفوظ. وقال أبو سعيد الأشج: شيعي.
وقال الدارقطني: ضعيف. وقيل لخالد الطحان: لم لم تكتب عن مجالد؟
قال: لأنه كان طويل اللحية.

(1) في الأصل " مجاهد " وهو تحريف.
286

قلت: من أنكر ما له في جزء ابن عرفة (1) حديثه: عن عامر، عن
مسروق، عن عائشة [قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: " لو شئت لاجرى الله
معي جبال الذهب والفضة " (2).
قال البخاري: مات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومئة.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا ابن الحرستاني، أنبأنا ابن المسلم، أنبأنا
ابن طلاب، أنبأنا ابن جميع، أنبأنا أحمد بن محمد بن عيسى العماري
بالأثارب (3)، حدثنا الحسن بن علي العمي، حدثنا هشيم، حدثنا مجالد،
عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة يضحك الله إليهم
يوم القيامة: الرجل إذا قام يصلي من الليل، والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم
إذا صفوا لقتال العدو " (4). أخرجه ابن ماجة عن أبي كريب، عن عبد الله بن
إسماعيل، عن مجالد.

(1) في الأصل " جزآن " وهو تحريف، وابن عرفة: هو الحسن بن عرفة بن يزيد أبو علي
البغدادي المؤدب، وقد جاوز المئة بعشر سنين، وقيل: بسبع، وكان له عشرة من الولد
سماهم بأسماء العشرة المبشرين بالجنة، وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان يتردد إلى الإمام أحمد
بن حنبل، ولد في سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة سبع وخمسين ومئتين. مترجم في
" التهذيب " وفروعه.
(2) ضعيف لضعف مجالد وأورده المنذري في " الترغيب والترهيب " 4 / 201 / 202، ونسبه للبيهقي.
(3) قلعة بين حلب وأنطاكية. بينها وبين حلب نحو ثلاثة فراسخ.
(4) إسناده ضعيف لضعف مجالد، وهو في المسند 3 / 80 وسنن ابن ماجة (205) في
المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية. قال البوصيري. في مصباح الزجاجة (14 / 1): هذا
إسناد فيه مقال، مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقرونا
بغيره. قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.
287

124 - يونس بن عبيد * (ع)
ابن دينار الامام القدوة، الحجة، أبو عبد الله العبدي، مولاهم البصري.
من صغار التابعين وفضلائهم.
رأى أنس بن مالك. وحدث عن الحسن، وابن سيرين، وعطاء، وعكرمة،
ونافع مولى ابن عمر، وزياد بن جبير، وإبراهيم التيمي، وعمرو بن سعيد
الثقفي، ومحمد بن زياد الجمحي، وأبي بردة بن أبي موسى، وحميد بن
هلال، والحكم بن الأعرج وحصين بن أبي الحر، وثابت البناني، وأبي
العالية البراء وعدة.
حدث عنه: حجاج بن حجاج، وشعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة، ويزيد
ابن زريع، وهشيم، وعبد الوارث، وحماد بن زيد، وعبد الاعلى بن عبد
الاعلى، وعبد الوهاب الثقفي، ومحمد بن أبي عدي، وأبو همام محمد بن
الزبرقان، ومعتمر بن سليمان، وسالم بن نوح، ووهيب. وخلق كثير.
قال علي بن المديني: له نحو مئتي حديث. وقال ابن سعد: كان ثقة،
كثير الحديث. وقال أحمد وابن معين والناس: ثقة.
وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من هشام بن حسان، وأكبر من سليمان
التيمي، لا يبلغ التيمي منزلة يونس.

طبقات ابن سعد 7 / 260، تاريخ خليفة 261، 418، طبقات خليفة (218)،
التاريخ الصغير 2 / 49، الجرح والتعديل 9 / 242، مشاهير علماء الأمصار (150)، حلية
الأولياء 3 / 15 - 27، الكامل في التاريخ 5 / 487، تهذيب الكمال 1567، تهذيب
التهذيب 4 / 194 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 319، تذكرة الحفاظ 1 / 145 - 146، تهذيب
التهذيب 11 / 442 - 445، خلاصة تذهيب الكمال (441)، شذرات الذهب 1 / 207.
288

وعن سلمة بن علقمة قال: جالست يونس بن عبيد فما استطعت أن آخذ
عليه كلمة. قال ابن سعد: ما كتبت شيئا قط.
وقال حماد بن زيد: كان يونس يحدث، ثم يقول: أستغفر الله، أستغفر
[الله] ثلاثا (1).
روى الأصمعي عن مؤمل بن إسماعيل قال: جاء رجل شامي إلى سوق
الخزازين فقال: عندك مطرف بأربع مئة فقال يونس بن عبيد: عندنا بمئتين،
فنادى المنادي: الصلاة. فانطلق يونس إلى بني قشير ليصلي بهم. فجاء وقد
باع ابن أخته المطرف من الشامي، بأربع مئة، فقال: ما هذه الدراهم؟ قال:
ثمن ذاك المطرف، فقال: يا عبد الله هذا المطرف الذي عرضته عليك بمئتي
درهم. فإن شئت فخذه وخذ. مئتين، وإن شئت فدعه. قال: من أنت؟ قال:
أنا رجل من المسلمين. قال: أسألك بالله من أنت؟ وما اسمك؟ قال: يونس
ابن عبيد. قال: فوالله إنا لنكون في نحر العدو، فإذا اشتد الامر علينا قلنا:
اللهم رب يونس فرج عنا، أو شبيه هذا..
فقال يونس: سبحان الله، سبحان الله. إسنادها مرسل.
وقال أمية بن خالد: جاءت امرأة يونس بن عبيد بجبة خز، فقالت له:
اشترها. قال: بكم؟ قالت: بخمس مئة. قال: هي خير من ذلك. قالت:
بست مئة قال: هي خير من ذلك. فلم يزل حتى بلغت ألفا. وكان يشتري
الإبريسم من البصرة فيبعث به إلى وكيله بالسوس، وكان وكيله يبعث إليه
بالخز. فإن كتب وكيله إليه: إن المتاع عندهم زائد، لم يشتر منهم أبدا حتى
يخبرهم أن وكيله كتب إليه أن المتاع عندهم زائد.

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام ". 5 / 319.
سير 6 / 19
289

قال بشر بن المفضل: جاءت امرأة بمطرف خز إلى ونس بن عبيد تعرضه
عليه، فقال لها: بكم؟ قالت: بستين درهما. فألقاه إلى جاره، فقال: كيف
تراه؟ قال: بعشرين ومئة. قال [أرى] (1) ذاك ثمنه، أو نحوا من ثمنه. فقال
لها: اذهبي فاستأمري أهلك في بيعه بخمس وعشرين ومئة. قالت: قد
أمروني أن أبيعه بستين. قال: ارجعي فاستأمريهم.
وقال سعيد بن عامر الضبعي: حدثنا أسماء بن عبيد، سمعت يونس بن
عبيد يقول: ليس شئ أعز من شيئين: درهم طيب، ورجل يعمل على سنة.
وقال: بئس المال مال المضاربة وهو خير من الدين، ما خط على سوداء في
بيضاء قط [و] لا أستطيع أن أقول لمئة درهم أصبتها إنه طاب لي منها
عشرة، وأيم الله، لو قلت: خمسة لبررت. قالها غير مرة. وسمعته يقول: ما
سارق يسرق الناس بأسوأ عندي منزلة من رجل أتى مسلما فاشترى منه متاعا إلى
أجل مسمى فحل الاجل، فانطلق في الأرض، يضرب يمينا وشمالا،
يطلب [فيه] (2) من فضل الله، والله لا يصيب منه درهما إلا كان حراما.
الأصمعي: حدثنا سكن صاحب الغنم قال: جاءني يونس بن عبيد بشاة
فقال: بعها وابرأ من أنها تقلب العلف وتنزع الوتد (3) فبين قبل أن يقع البيع.
قال أبو عبد الرحمن المقرئ: نشر يونس بن عبيد ثوبا على رجل، فسبح رجل
من جلسائه، فقال: ارفع، أحسبه قال: ما وجدت موضع التسبيح إلا
ها هنا؟.
وعن جعفر بن برقان قال: بلغني عن يونس فضل وصلاح، فأحببت أن

(1) الزيادة من " تهذيب الكمال ".
(2) الزيادة من " الحلية " 3 / 17.
(3) لفظ " الحلية " 3 / 18: ولا تبرأ بعد ما تبيع، ولكن أبرأ، وبين قبل أن يقع البيع
290

أكتب إليه أسأله. فكتب إليه: أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه.
فأخبرك أني عرضت علي نفسي أن تحب للناس ما تحب لها، وتكره لهم ما
تكره لها، فإذا هي من ذاك بعيدة، ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا
من خير، فوجدت الصوم في اليوم الحار أيسر عليها من ذلك. هذا أمري يا
أخي والسلام.
قال سعيد بن عامر: قيل: إن يونس بن عبيد قال: إني لاعد مئة خصلة من
خصال البر، ما في منها خصلة واحدة، ثم قال سعيد، عن جسر أبي جعفر
قال: دخلت على يونس بن عبيد أيام الأضحى، فقال: خذ لنا كذا وكذا من
شاة. ثم قال: والله ما أراه يتقبل مني شئ. قد خشيت أن أكون من أهل
النار.
قلت: كل من لم يخش أن يكون في النار، فهو مغرور قد أمن مكر الله
به.
قال سعيد بن عامر، عن سلام بن أبي مطيع أو غيره قال: ما كان يونس
بأكثرهم صلاة، ولا صوما. ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيئ له.
قال سعيد بن عامر: قال يونس: هان علي [أن] (1) آخذ ناقصا، وغلبني أن
أعطي راجحا. وقيل: إن يونس نظر إلى قدميه عند الموت وبكى، فقيل ما
يبكيك أبا عبد الله؟ قال: قدماي لم تغبر في سبيل الله.
قال: وحدثنا مبارك بن فضالة، عن يونس بن عبيد قال: لا تجد من البر
شيئا واحدا يتبعه البر كله غير اللسان. فإنك تجد الرجل يكثر الصيام، ويفطر

(1) زيادة من " تهذيب الكمال ".
291

على الحرام، ويقوم الليل، ويشهد بالزور بالنهار. وذكر أشياء نحو هذا.
ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق، فيخالف ذلك عمله أبدا.
وعن جار ليونس قال: ما رأيت أكثر استغفارا من يونس. كان يرفع طرفه
إلى السماء ويستغفر.
قال حماد بن زيد: سمعت يونس يقول: توشك عينك أن ترى ما لم تر،
وأذنك أن تسمع ما لم تسمع، ثم لا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو أشد
منها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط.
وقال حماد بن زيد: شكى رجل إلى يونس وجعا في بطنه، فقال له: يا عبد
الله، هذه دار لا توافقك، فالتمس دارا توافقك.
وقال غسان بن المفضل الغلابي، حدثني بعض أصحابنا قال: جاء رجل
إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك. فقال:
أيسرك ببصرك مئة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا. قال:
فبلسانك؟ قال: لا. قال: فبعقلك؟ قال: لا. في خلال. وذكره نعم الله
عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة؟!
حماد بن زيد، سمعت يونس بن عبيد يقول: عمدنا إلى ما يصلح الناس
فكتبناه، وعمدنا إلى ما يصلحنا فتركناه.
وعن يونس قال: يرجى للرهق بالبر الجنة، ويخاف على المتأله بالعقوق
النار.
قال حزم بن أبي حزم: مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود، على
باب ابن لاحق. فوقف. فقال: أصبح من إذا عرف السنة عرفها، غريبا،
وأغرب منه الذي يعرفها.
292

قال سعيد بن عامر: حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس: مررت بقوم
يختصمون في القدر. فقال: لو همتهم ذنوبهم ما اختصموا في القدر.
قال النضر بن شميل: غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة،
وكان يونس بن عبيد خزازا فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا.
فلما كان بعد ذلك، قال لصاحبه: هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا
وكذا؟ قال: لا. ولو علمت لم أبع. قال: هلم إلي مالي، وخذ ما لك. فرد
عليه الثلاثين الألف.
قال حماد بن سلمة: سمعت يونس يقول: ما هم رجلا كسبه إلى همه أين
يضعه.
مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان قال: ما رأيت أحدا يطلب بالعلم
وجه الله إلا يونس بن عبيد.
عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا إبراهيم بن الحسن الباهلي، حدثنا
حماد بن زيد قال: قال يونس بن عبيد: ثلاثة احفظوهن عني: لا يدخل
أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها
القرآن، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء.
ضمرة عن ابن شوذب، سمعت يونس وابن عون اجتمعا، فتذاكرا الحلال
والحرام فكلاهما قال: ما أعلم في مالي درهما حلالا.
قلت: والظن بهما أنهما لا يعرفان في مالهما أيضا درهما حراما.
وقال ابن شوذب: سمعت [يونس] (1) يقول: خصلتان إذا صلحتا من العبد
صلح ما سواهما: صلاته ولسانه.

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام " للمؤلف.
293

وروى سلام بن أبي مطيع عن يونس قال: رحم [الله] (1) الحسن، إني
لأحسب الحسن تكلم حسبة، رحم الله محمدا إني لأحسبه سكت حسبة.
سعيد بن عامر، حدثنا حرب بن ميمون الصدوق المسلم، عن خويل،
يعني - ختن شعبة - قال: كنت عند يونس فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله;
تنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد، وقد دخل عليه ابنك؟ قال: ابني! قال:
نعم. فتغيظ الشيخ. فلم أبرح حتى جاء ابنه. فقال: يا بني، قد عرفت رأيي
في عمرو ثم تدخل عليه؟ قال: كان معي فلان. وجعل يعتذر. قال: أنهاك
عن الزنى، والسرقة، وشرب الخمر. ولان تلقى الله بهن أحب إلي من أن
تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو.
وقال سعيد بن عامر: قال يونس: إني لأعدها من نعمة الله أني لم أنشأ
بالكوفة.
وقيل: التقى يونس وأيوب، فلما تفرقا قال أيوب: قبح الله العيش بعدك.
وقال فضيل بن عبد الوهاب: حدثنا خالد بن عبد الله قال: أراد يونس بن
عبيد أن يلجم حمارا: فلم يحسن. فقال لصاحب له: ترى الله كتب الجهاد
على رجل لا يلجم حمارا؟
أنبأني أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد،
أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن عبد الله التستري
البزاز، حدثنا محمد بن صدران، حدثنا عامر بن أبي عامر الخراز، سمعت
يونس بن عبيد وهو يرثي بهذه الأبيات.
من الموت لا ذو ا لصبر ينجيه صبره * ولا لجزوع كاره الموت مجزع

(1) الزيادة من " تهذيب الكمال ".
294

أرى كل ذي نفس وإن طال عمرها * وعاشت، لها سم من الموت منقع
فكل امرئ لاق من الموت سكرة * له ساعة فيها يذل ويضرع
وإنك من يعجبك لا تك مثله * إذا أنت لم تصنع كما كان يصنع (1)
قال حماد بن زيد. ولد يونس قبل طاعون الجارف. وقيل: كان يونس أسن
من أبي عون بسنة. قال محمد بن سعد: مات يونس سنة أربعين ومئة. وقال
فهد بن حيان: مات سنة تسع وثلاثين. قال محمد بن عبد الله الأنصاري: رأيت
سليمان وعبد الله ابني علي بن عبد الله بن عباس، وابني سليمان يحملون
سرير يونس بن عبيد على أعناقهم. فقال عبد الله بن علي: هذا والله الشرف!
قلت: كان عبد الله بن علي بعد أن بويع بالخلافة بالشام وغيرها قد عمل
مصافا مع أبي مسلم الخراساني، فانهزم جيش عبد الله، وفر هو إلى عند أخيه
أمير البصرة سليمان فأجاره من المنصور.
فأما يونس بن عبيد فشيخ لا يعرف من موالي ثقيف. له عن البراء بن
عازب: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء من نمرة (2). لم يرو عنه سوى أبي
يعقوب إسحاق بن إبراهيم الثقفي. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

(1) " حلية الأولياء " 3 / 17
(2) أخرجه أبو داود (2591)، والترمذي (1680)، وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "
ص (153) وأحمد 4 / 297 من حديث أبي يعقوب الثقفي، حدثني يونس، عن عبيد مولى
محمد بن القاسم، قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله عن راية
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربعة، من نمرة " وأبو يعقوب الثقفي
واسمه إسحاق بن إبراهيم. قال ابن عدي: روى عن الثقات ما لا يتابع عليه، وأحاديثه غير
محفوظة. وقال العقيلي: في حديثه نظر. ويونس بن عبيد لم يوثقه غير ابن حبان، على
عادته في توثيق المجاهيل. ومع ذلك فقد حسنه الترمذي. وقال المؤلف، في ترجمة
يونس هذا في " ميزانه ": هذا حديث حسن، ونمرة: بردة من صوف أو غيره مخططة.
295

فيظنه من لا يدري أنه الامام البصري صاحب الترجمة.
وروى حميد بن هلال عن يونس، عن البراء، له في أول غريب أبي عبيد.
فيقال له: إن صاحب الترجمة لا يدرك البراء. فيقول ما المانع من أن يكون
روى عن البراء مرسلا؟ فيقال له: إن صاحب الترجمة من موالي عبد القيس،
والراوي حديث الراية من موالي ثقيف.
وقد جمع أبو عروبة الحراني حديث يونس بن عبيد الامام، وقرأت من
ذلك الجزء الأول والثاني، على أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء
في سنة أربع وتسعين، عن عبد المعز بن محمد الهروي، أنبأنا زاهر بن طاهر،
أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أنبأنا أبو أحمد محمد بن محمد
الحافظ، حدثنا أبو عروبة بحران، حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا خالد عن
يونس، عن الحكم بن الأعرج، عن الأشعث بن ثرملة، عن أبي بكرة،
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل معاهدا بغير حله، حرم الله عليه الجنة، أن
يجد ريحها " (1) هذا حديث صالح الاسناد، أخرجه النسائي، من طريق ابن
علية عن يونس.
125 - زيد بن واقد * (خ، د، س، ق)
أبو عمر: ويقال، أبو عمرو القرشي، مولاهم الدمشقي الفقيه.

(1) أخرجه النسائي 8 / 25 في القسامة، باب تعظيم قتل المعاهد وهو في " المسند 5 / 38
و 52 وأخرجه من غير هذا الطريق عن أبي بكرة: أحمد 5 / 36، 46، 50، وأبو داود
(2760) والدارمي 2 / 235 - 236 وإسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي
2 / 142. وأخرجه البخاري (3166) في الجزية و (6914) في الديات، وابن ماجة
(2686) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه الترمذي (1403)، وابن ماجة (2687)
من حديث أبي هريرة.
تاريخ البخاري 3 / 407، الجرح والتعديل 3 / 574، مشاهير علماء الأمصار
(179)، تهذيب الكمال (406)، ميزان الاعتدال 2 / 106، تهذيب التهذيب 3 / 426 -
427، خلاصة تهذيب الكمال (129)، شذرات الذهب 1 / 207.
296

حدث عن جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وحزام بن حكيم بن حزام، وبسر
ابن عبيد الله، ومكحول، وعدة.
وعنه: صدقة بن خالد، وسويد بن عبد العزيز، ويحيى بن حمزة، وصدقة
ابن عبد الله السمين، ومحمد بن عيسى بن سميع، والوليد بن مسلم وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقيل: إنه قدري،
ولم يصح.
روى الوليد عنه قال: أنا رأيت الرأس الذي يقال إنه رأس يحيى عليه
السلام، طري كأنما قتل الساعة. وقال الحسن بن محمد بن بكار: توفي زيد
ابن واقد سنة ثمان وثلاثين ومئة.
صدقة بن خالد: حدثنا زيد بن واقد، حدثني رجل من أهل البصرة، يقال
له الحسن بن أبي الحسن، قال: لقد أدركت أقواما، لو رأوا خياركم لقالوا: ما
لهم من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: أما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب؟!.
126 - يونس بن يزيد * (ع)
ابن أبي النجاد، مشكان، الامام، الثقة، المحدث، أبو يزيد الأيلي، مولى
معاوية بن أبي سفيان الأموي. وهو أخو أبي علي، وعم عنبسة بن خالد.

طبقات خليفة (296)، تاريخ البخاري 8 / 406، التاريخ الصغير 2 / 133، الجرح
والتعديل 9 / 247 - 248، مشاهير علماء الأمصار (183)، الكامل في التاريخ 5 / 608،
تهذيب الكمال (1571)، تذهيب التهذيب 4 / 196 / 1، تذكره الحفاظ 1 / 162،
ميزان الاعتدال 4 / 484، تهذيب التهذيب 11 / 450 - 452، خلاصة تذهيب الكمال
(441)، شذرات الذهب 1 / 233.
297

حدث عن ابن شهاب، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم، وعكرمة، وعن
أخيه، وهشام بن عروة، وعمارة بن غزية، وعمر مولى غفرة وجماعة.
وعنه: الليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، ونافع بن يزيد، وعمرو بن
الحارث، والأوزاعي، وجرير بن حازم، وابن المبارك، وبقية، وابن وهب،
وشبيب بن سعيد الحبطي، ورشدين بن سعد، وطلحة بن يحيى، وعبد الله بن
عمر النميري، والقاسم بن مبرور، ومفضل بن فضالة، وعثمان بن الحكم
الجذامي، وأبو صفوان عبد الله بن سعيد وأبو ضمرة الليثي، وأيوب بن سويد
الرملي، وسليمان بن بلال، ومحمد بن فليح، ومحمد بن بكر البرساني،
وعثمان بن عمر بن فارس، وابن أخيه عنبسة بن خالد الأيلي، وخلق سواهم.
وصحب الزهري ثنتي عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة وأكثر عنه، وهو من
رفعاء أصحابه. وكان ابن المبارك يقول: كتابه صحيح. وكذا قال ابن مهدي.
وروى عبدان عن ابن المبارك قال: إني إذا نظرت في حديث معمر ويونس
يعجبني كأنما خرجا من مشكاة واحدة.
وروى عبد الرزاق، عن ابن المبارك قال: ما رأيت أحدا أروى عن الزهري
من معمر، إلا أن يونس أحفظ للمسند. وفي لفظ: إلا ما كان من يونس، فإنه
كتب الكتب على الوجه.
وروى محمد بن عوف، عن أحمد بن حنبل، قال وكيع: رأيت يونس بن
يزيد وكان سيئ الحفظ. قال أحمد: سمع وكيع منه ثلاثة أحاديث. وقال
حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ما أحد أعلم بحديث الزهري من معمر إلا ما
كان من يونس الأيلي فإنه كتب كل شئ هناك.
وقال أبو بكر الأثرم: قال أبو عبد الله: قال عبد الرزاق، عن ابن المبارك:
ما رأيت أحدا أروى عن الزهري من معمر، إلا ما كان من يونس فإنه كتب كل
298

شئ. قيل لأبي عبد الله: فإبراهيم بن سعد؟ فقال: وأي شئ روى إبراهيم
عن الزهري؟ إلا أنه في قلة روايته أقل خطأ من يونس. قال: ورأيته يحمل
على يونس. قال الأثرم: أنكر أبو عبد الله على يونس فقال: كان يجئ عن
سعيد بأشياء ليست من حديث سعيد، وضعف أمر يونس، وقال: لم يكن
يعرف الحديث. وكان يكتب " أرى " أول الكتاب فينقطع الكلام، فيكون أوله
عن سعيد، وبعضه عن الزهري، فيشتبه عليه.
قال أبو عبد الله: ويونس يروي أحاديث من رأي الزهري يجعلها عن
سعيد، يونس كثير الخطأ عن الزهري، وعقيل أقل خطأ. وقال أبو زرعة
النصري: سمعت أحمد بن حنبل يقول: في حديث يونس بن يزيد منكرات
عن الزهري. منها عن سالم، عن أبيه مرفوعا " فيما سقت السماء العشر " (1).
وروى الميموني عن أحمد قال: روى يونس أحاديث منكرة. وقال الفضل
ابن زياد، عن أحمد قال: يونس أكثر حديثا من عقيل وهما ثقتان. وروى

(1) أخرجه البخاري 3 / 274 - 276، في الزكاة، باب: العشر فيما يسقى من ماء السماء
والماء الجاري، بلفظ: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني
يونس بن يزيد عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، رضي الله عنه، عن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا، العشر، وما سقي بالنضح نصف
العشر " وأخرجه أبو داود (1596) في الزكاة، باب: صدقة الزرع، والترمذي (640) في الزكاة،
باب: فيما يسقى بالأنهار وغيره، والنسائي 5 / 41 في الزكاة، باب: ما يوجب العشر، وما يوجب
نصف العشر، وابن ماجة (1817) في الزكاة، باب: صدقة الزروع والثمار. وفي الباب عن بسر
ابن سعيد عند مالك في " الموطأ " وعن جابر عند مسلم (981) وأحمد 3 / 331، 353، وعن علي
عند أحمد 1 / 145، وعن معاذ بن جبل، عند الدارمي 1 / 393.
299

عباس عن ابن معين: أثبت الناس في الزهري، مالك، ومعمر، ويونس،
وعقيل، وشعيب، وابن عيينة.
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: يونس أحب إليك أو عقيل؟ فقال:
يونس ثقة، وعقيل ثقة نبيل الحديث عن الزهري.
وروى أحمد بن أبي خيثمة، عن يحيى قال: معمر ويونس عالمان بالزهري.
وقال محمد بن عبد الرحيم: سمعت عليا يقول: أثبت الناس في الزهري:
سفيان بن عيينة، وزياد بن سعد، ثم مالك ومعمر، ويونس من كتابه. وقال
أحمد بن صالح المصري: نحن لا نقدم على يونس في الزهري أحدا. كان
الزهري ينزل إذا قدم أيلة عليه، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. وقال ابن
عمار الموصلي: يونس عارف برأي الزهري. وقال العجلي والنسائي: ثقة.
وقال يعقوب بن شيبة: صالح الحديث، عالم بالزهري. وقال أبو زرعة: لا
بأس به. وقال ابن خراش: صدوق. وقال ابن سعد: حلو الحديث، كثيره
وليس بحجة، ربما جاء بالشئ المنكر.
قلت: قد احتج به أرباب الصحاح أصلا وتبعا. قال ابن سعد: ربما جاء
بالشئ المنكر. قلت: ليس ذاك عند أكثر الحفاظ منكرا (1)، بل غريب.
قال أبو سعيد بن يونس: سألت القاسم وسالما زعموا أنه توفي بصعيد مصر
سنة اثنتين وخمسين ومئة.
وقال يحيى بن بكير: توفي سنة بضع وخمسين. وقال البخاري والمفضل
الغلابي: مات سنة تسع وخمسين. وقال محمد بن عزيز الأيلي: مات سنة
ستين ومئة.

(1) في الأصل " منكر ".
300

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، وعلي بن محمد قالا: أنبأنا الحسن بن
يحيى المخزومي، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا علي بن الحسن، أنبأنا عبد
الرحمن بن عمر البزاز، أنبأنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو، حدثنا
يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن
شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والله إني
لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " (1).
127 - عقيل * (ع)
ابن خالد بن عقيل الحافظ الإمام أبو خالد الأيلي: مولى آل عثمان بن
عفان.
حدث عن ابن شهاب فأكثر وجود، وعن عكرمة، وعمرو بن شعيب (2)،
والحسن البصري، والقاسم بن محمد، ونافع مولى ابن عمر، وعراك بن مالك،
وسالم بن عبد الله، وأبيه [خالد بن عقيل] (3)، وعمه زياد [بن عقيل] (4)،
وسلمة بن كهيل، وطائفة. وينزل إلى هشام بن عروة، وابن إسحاق.
وعنه: ابنه إبراهيم، وابن أخيه سلامة بن روح، ويونس بن يزيد رفيقه،

(1) وأخرجه البخاري (6307) في الدعوات، باب: استغفار النبي في اليوم والليلة،
والترمذي (3255) في التفسير، باب: ومن سورة محمد، صلى الله عليه وسلم من طريق الزهري، عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة.
طبقات خليفة (295)، التاريخ الصغير 2 / 98، 99، مشاهير علماء الأمصار
(183)، الكامل في التاريخ 5 / 528، تهذب الكمال (950)، تذهيب التهذيب 3 / 48 / 1،
ميزان الاعتدال 3 / 89، تهذيب التهذيب 7 / 255 - 256، خلاصة تذهيب الكمال (306)،
شذرات الذهب 1 / 216.
(2) في الأصل: " عمر وشعيب " والصحيح ما أثبتناه.
(3 و 4) زيادات من تهذيب الكمال.
301

والليث، وابن لهيعة، ويحيى بن أيوب، وضمام بن إسماعيل، وحجاج بن
فرافصة، وجابر بن إسماعيل الحضرمي، ومفضل بن فضالة، و عبد الرحمن
ابن سلمان الحجري، ورشدين بن سعد، ونافع بن يزيد، وآخرون.
وثقه أحمد والنسائي، وقال أبو حاتم: عقيل أحب إلي من يونس. وقال أبو
زرعة: ثقة صدوق. قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: سمعت يحيى بن
يحيى يقول لإسحاق، وإسحاق يقرأ عليه كتاب الجهاد: عقيل أثبت عندكم أو
يونس؟ قال إسحاق: عقيل حافظ، ويونس صاحب كتاب. قال ابن سعد: كان
عقيل بأيلة وكان ثقة. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن عقيل ومعمر، فقال:
عقيل أثبت، كان صاحب كتاب، وكان الزهري يكون بأيلة وللزهري هناك
ضيعة فكان يكتب عنه هناك. عباس، عن يحيى بن معين قال: أثبت الناس في
الزهري مالك، ومعمر، ويونس، وعقيل، وشعيب، وابن عيينة. وقال المفضل
ابن غسان: قال الماجشون: كان عقيل شرطيا عندنا بالمدينة ومات بمصر سنة
إحدى وأربعين ومئة. وقال محمد بن عزيز الأيلي: مات سنة اثنتين وأربعين.
وروى أبو الطاهر بن السرح عن خاله أبي رجاء قال: مات سنة أربع وأربعين.
وقال ابن يونس: توفي بالفسطاط فجأة بالمغافير (1) سنة أربع وأربعين ومئة (2).
أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي، أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني قراءة
وأنا حاضر، أنبأنا أبو الحسن بن المسلم، أنبأنا الحسين بن طلاب، أنبأنا محمد
ابن أحمد، أنبأنا الحسين بن [محمد بن] سعيد بن المطبقي ببغداد، حدثنا محمد

(1) ما يسيل من شجر العرفط، والعسل الأبيض، وهو شراب حلو تنقبض منه الشفاه،
وربما عنى المصنف: أنه مات مسموما به.
(2) كتب على الأصل، إلى جانب اسم " عقيل " ما نصه: سعيد بن هلال كتب بعد
عقيل.
302

ابن عزيز، حدثنا سلامة بن روح، حدثني عقيل، عن نافع، عن ابن عمر، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه كان يخرج زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير " (1)
وبالاسناد: توفي الحسين (2) ليومين بقيا من شوال سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.
أخبرنا محمد بن الحسين القرشي، أنبأنا محمد بن عماد، أنبأنا ابن
رفاعة، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا أحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي
الشاهد، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن السندي إملاء، حدثنا محمد بن
عزيز الأيلي بأيلة، حدثنا سلامة بن روح، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، عن
أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر أهل الجنة البله " (3).
128 - سعيد بن أبي هلال * (ع)
الامام الحافظ الفقيه، أبو العلاء الليثي، مولاهم المصري أحد الثقات.

(1) سلامة بن روح ضعيف، لكن الحديث صحيح من طريق آخر، فقد أخرجه
البخاري 3 / 291، ومسلم (984)، وأبو داود (1611)، والنسائي 5 / 47، والترمذي
(676)، كلهم من طريق: نافع عن ابن عمر قال: " فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر،
صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والكبير والصغير من
المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ".
(2) يريد الحسين بن محمد ابن المطبقي، أحد رجال السند وقد أرخ المؤلف وفاته في " العبر "
2 / 212 فيمن مات سنة 328، وانظر ترجمته، في " تاريخ بغداد " 8 / 97.
(3) إسناده ضعيف لضعف سلامة بن روح. قال أبو زرعة: ضعيف منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: سلامة بن روح ليس بالقوي، محله عندي محل الغفلة. وأخرجه الطحاوي
في " مشكل الآثار " 4 / 121، والبزار، والديلمي في " مسنديهما " والبيهقي في " الشعب "
والخلعي في " فوائده " كلهم من حديث سلامة بن روح، عن عقيل بن خالد به. ولو سلمنا
بصحته فإن معناه كما نقل أبو جعفر الطحاوي، عن أحمد بن أبي عمر: أنهم البله عن محارم
الله سبحانه وتعالى لا من سواهم ممن به نقص العقل بالبله.
تاريخ البخاري 3 / 519، الجرح والتعديل 4 / 71، مشاهير علماء الأمصار 190،
تهذيب الكمال: 510، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 162، خلاصة
تذهيب الكمال 143، شذرات الذهب 1 / 192.
303

روى عن نعيم المجمر، وعون بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن أبي بزة،
وقتادة، وزيد بن أسلم، وعمارة بن غزية، وأبي بكر بن حزم، ونافع، وابن
شهاب. وأرسل عن جابر وغيره.
حدث عنه: خالد بن يزيد، وعمرو بن الحارث، وهشام بن سعد، والليث
ابن سعد.
قال أبو حاتم: لا بأس به.
مولده سنة سبعين. وتوفي سنة خمس وثلاثين ومئة. قاله ابن يونس. وقال
ابن حبان توفي سنة تسع وأربعين ومئة. وقيل: إنه نشأ بالمدينة، وقد حدث
عنه سعيد المقبري أحد شيوخه.
129 - عبيد الله بن عمر * (ع)
ابن حفص بن عاصم بن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب.
الامام المجود الحافظ أبو عثمان القرشي العدوي ثم العمري المدني.
ولد بعد السبعين أو نحوها، ولحق أم خالد بنت خالد الصحابية، وسمع
مها، فهو من صغار التابعين. وسمع من سالم بن عبد الله، والقاسم بن

طبقات خليفة (268)، تاريخ البخاري 5 / 395، التاريخ الصغير 1 / 322،
الجرح والتعديل 5 / 326، ثقات ابن حبان 3 / 146، مشاهير علماء الأمصار 132، الكامل
في التاريخ 5 / 374، تهذيب الكمال (887 - 888)، تذهيب التهذيب 3 / 19 / 1، تذكرة
الحفاظ 1 / 160 - 161، تهذيب التهذيب 7 / 38، طبقات الحفاظ (70)، خلاصة تذهيب
الكمال 252، شذرات الذهب 1 / 219.
304

محمد، ونافع، وسعيد المقبري، وخاله حبيب بن عبد الرحمن، وعطاء بن أبي
رباح، وعمرو بن شعيب، والزهري، ووهب بن كيسان، وعبد الله بن دينار، وعبد
الرحمن بن القاسم، وثابت البناني، وأبي الزناد، وسمي، وسهيل، وسالم أبي
النضر، وعمرو بن دينار، وطلحة بن عبد الملك، وخلق.
وعنه: ابن جريج، ومعمر، وشعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة، وزائدة،
وسليمان بن بلال، وابن المبارك، وعبد الله بن نمير، وعلي بن مسهر، ويحيى
ابن سعيد، ومحمد بن بشر، وعيسى بن يونس، وعباد بن عباد، ومحمد بن
عيسى بن سميع، وابن إدريس، ومحمد بن عبيد، وعبد الرزاق، وأمم
سواهم.
قال أبو حاتم: سألت أحمد بن حنبل عن مالك، وأيوب، وعبيد الله بن
عمر: أيهم أثبت في نافع؟ قال: عبيد الله أثبتهم وأحفظهم، وأكثرهم زواية.
وقال يحيى بن معين: عبيد الله من الثقات. وقال عثمان بن سعيد: قلت لابن
معين: مالك عن نافع أحب إليك، أو عبيد الله؟ قال: كلاهما، ولم يفضل.
وروى جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي، سمعت يحيى بن معين
يقول: عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة: الذهب المشبك
بالدر (1).
قلت: هو أحب إليك، أو الزهري، عن عروة، عن عائشة؟ فقال: هو
أحب إلي. وروى علي بن الحسن الهسنجاني (2)، عن أحمد بن صالح، قال

(1) جاء في هامش الأصل ما نصه: يعني هذا الاسناد المشبك.
(2) الهسنجاني: نسبة إلى قرية من قرى الري، يقال لها: حسنكان، فعرب، فقيل:
هسنجان.
305

عبيد الله في نافع أحب إلي من مالك. وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة. وقال
النسائي: ثقة، ثبت. قلت: كان ابن شهاب يقدم قريشا على الناس وعلى
مواليهم، فقال قطن بن إبراهيم النيسابوري، عن الحسين بن الوليد قال: كنا
عند مالك، فقال: كنا عند الزهري ومعنا عبيد الله بن عمر، ومحمد بن
إسحاق، فأخذا لكتاب ابن إسحاق فقرأ. فقال: انتسب. قال: أنا محمد بن
إسحاق بن يسار. قال: ضع الكتاب من يدك. قال: فأخذه مالك، فقال:
انتسب. قال: أنا مالك بن أنس الأصبحي. فقال: ضع الكتاب. فأخذه عبيد
الله فقال: انتسب قال: أنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن
الخطاب. قال: اقرأ. فجميع ما سمع أهل المدينة يومئذ بقراءة عبيد الله.
وروى محمد بن عبد العزيز، عن عبد الرزاق، سمعت عبيد الله بن عمر
قال: لما نشأت، فأردت أن أطلب العلم، فجعلت آتي أشياخ آل عمر رجلا
رجلا، فأقول: ما سمعت من سالم، فكلما أتيت رجلا منهم قال: عليك بابن
شهاب، فإن ابن شهاب كان يلزمه. قال: وابن شهاب بالشام حينئذ. فلزمت
نافعا، فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا. وروي عن سفيان بن عيينة قال: قدم
علينا عبيد الله بن عمر الكوفة، فاجتمعوا عليه، فقال: شنتم العلم، وأذهبتم
نوره. لو أدركنا عمر وإياكم أوجعنا ضربا.
قال أبو بكر بن منجويه: كان عبيد الله من سادات أهل المدينة، وأشراف
قريش فضلا وعلما وعبادة. وشرفا وحفظا. واتفاقا.
قلت: كان أخوه عبد الله بن عمر يهابه، ويجله، ويمتنع من الرواية مع وجود
عبيد الله. فما حدث حتى توفي عبيد الله.
قال الهيثم بن عدي: مات سنة سبع وأربعين ومئة. وقال غيره: مات سنة
خمس وأربعين أو في [التي] قبلها.
306

أخبرنا عمر بن عبد المنعم مرات، أنبأنا عبد الصمد بن محمد قراءة، وأنا
في الرابعة، أنبأنا علي بن المسلم، أنبأنا الحسين بن طلاب، أنبأنا محمد بن
أحمد الغساني، حدثنا محمد بن عبيد بن العلاء ببغداد، حدثنا أحمد بن
بديل، حدثنا جابر بن نوح الحماني، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر
قال: أتي عمر النبي صلى الله عليه وسلم بفرس فقال: احمل على هذا في سبيل الله. ثم رآه
عمر بعد ذلك يقام في السوق. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشتريه يا رسول الله؟
فقال: " لا تشتره، ولا ترجع في هبتك " (1).
أخبرنا أحمد بن محمد الآنمي، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا مسعود بن
أبي منصور الجمال (ح) وأنبأني أحمد بن سلامة عن مسعود، أنبأنا أبو علي
الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن جعفر السمسار، حدثنا أحمد بن
عصام، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن
عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن آطام المدينة أن تهدم " (2).
قيل: إن حديث عبيد الله يبلغ أربع مئة حديث، وأظنه أكثر من ذلك.
130 - يزيد بن عبيدة * (ق)
ابن أبي المهاجر السكوني، من علماء الدمشق.

(1) وأخرجه مسلم 3 / 1240 من طرق: عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
وأخرجه مالك 1 / 282، ومن طريقه البخاري 3 / 279 و 5 / 279، ومسلم (1620) عن زيد
ابن أسلم، عن أبيه، عن عمر. وأخرجه مالك 1 / 282، ومن طريقه مسلم (1621) عن
نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وأخرجه البخاري 3 / 279 من طريق الليث، عن عقيل، عن
ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر عن عمر. وأخرجه عبد الرزاق (16572) عن
معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر.
(2) خبر باطل، آفته: أحمد بن جعفر السمسار. قال المؤلف في " الميزان " ذكر ابن
طاهر أنه مشهور بالوضع، ثم قال: وأظنه الذي بعده. قال ابن الفرات الحافظ: ليس بثقة.
(*) تاريخ البخاري 8 / 348، الجرج والتعديل 9 / 279، تهذيب الكمال 1538،
تذهيب التهذيب 4 / 178 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 350، خلاصة تذهيب الكمال: 433.
(*) طبقات خليفة (166)، تاريخ البخاري 1 / 453، الجرح والتعديل 2 / 396 -
397، مشاهير علماء الأمصار (164)، الكامل في التاريخ 5 / 508، تهذيب الكمال
(48)، تذهيب التهذيب 1 / 30 / 2، الوافي بالوفيات 5 / 300، تهذيب التهذيب 1 / 93،
خلاصة تذهيب الكمال 14 - 15.
307

روى عن أبيه، ومسلم بن مشكم، وأبي الأشعث الصنعاني وطائفة. وليس
هو بالمكثر.
روى عنه ابنه عبد الرحمن، وأبو بكر بن أبي مريم، وعثمان بن حصن.
والوليد بن مسلم، وابن شابور وآخرون.
قال ابن شابور: سمعته يقول: من أراد أن يعرف كيف وصف الله نفسه،
فليقرأ شيئا من أول الحديد.
قال يحيى بن معين في جواب عثمان الدارمي: صدوق ما به بأس.
131 - أبان بن تغلب * (م، 4)
الامام المقرئ أبو سعد. وقيل أبو أمية الربعي، الكوفي، الشيعي.
حدث عن الحكم بن عتيبة، وعدي بن ثابت، وفضيل بن عمرو الفقيمي،
وجماعة. وهو من أسنان حمزة الزيات، لم يعد في التابعين. لكنه قديم
الموت. أخذ القراءة عن طلحة بن مصرف، وعاصم بن أبي النجود، وتلقى
الحفظ من الأعمش.
حدث عنه عدد كثير، منهم: إدريس بن يزيد الأودي، وشعبة، وسفيان بن
عيينة، وعبد الله بن إدريس الأودي، وآخرون، وتلا عليه.
وهو صدوق في نفسه، عالم كبير، وبدعته خفيفة، لا يتعرض للكبار، وحديثه
يكون نحو المئة، لم يخرج له البخاري، توفي في سنة إحدى وأربعين ومئة.
وفيها مات أبو إسحاق الشيباني، وسعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن
308

سعيد، والسيد الحسين بن زين العابدين علي بن الحسين العلوي، والحسين
ابن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي، وإسحاق بن راشد، ووالد جويرية
أسماء بن عبيد، وموسى بن عقبة صاحب المغازي، والقاسم بن الوليد
الهمداني الكوفي، وعثمان البتي الفقيه. وعاصم بن سليمان الأحول باختلاف
فيهما. وأمير الديار المصرية: موسى بن كعب التميمي.
132 - أيمن بن نابل * (خ، ت، س، ق)
المحدث الصدوق، المعمر، أبو عمران، الحبشي، المكي، الضرير،
الطويل، من موالي آل أبي بكر الصديق، من صغار التابعين.
روى عن قدامة بن عبد الله، وله صحبة ما (1)، وعن طاووس، والقاسم بن
محمد، وأبي الزبير المكي، وطائفة.
حدث عنه: سفيان الثوري. ومعتمر بن سليمان، ووكيع، وأبو داود، وأبو
عاصم، وعبد الرزاق، وخلق.
وكان يحيى بن معين حسن الرأي فيه. وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن حبان: لا يحتج به إذا انفرد.

(1) طبقات خليفة، (283)، تاريخ البخاري: 2 / 27، الجرح والتعديل 2 / 319،
كتاب المجروحين 1 / 183، تهذيب الكمال 135، تذهيب التهذيب 1 / 76 /، ميزان الاعتدال
1 / 283 - 284، العقد الثمين: 3 / 344، تهذيب التهذيب 1 / 393، خلاصة تذهيب
الكمال 42.
(1) روى عنه أيمن بن نابل حديثه الذي قال فيه: " رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يرمي الجمار على
ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك " وهو حديث حسن أخرجه أحمد 3 / 413،
والترمذي (903)، والنسائي 5 / 270، وابن ماجة (3035)، وصححه الحاكم 1 / 466
ووافقه الذهبي في مختصره. قال الطيبي: أي ما كانوا يضربون الناس ولا يطردونهم، ولا
يقولون: تنحوا عن الطريق كما هو عادة الملوك والجبابرة.
309

قلت: وكان من العباد الأخيار. قلت: لا يعرف قدامة إلا من جهة أيمن،
إلا من رواية يعقوب بن محمد (1)، حدثنا عريف بن إبراهيم، حدثنا حميد بن
كلاب، سمعت عمي قدامة الكلابي يقول: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب
بعرفة " (2).
133 - ابن أبي ليلى * (4)
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. العلامة، الامام، مفتي الكوفة
وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي.
ولد سنة نيف وسبعين. ومات أبوه وهذا صبي، لم يأخذ عن أبيه شيئا. بل
أخذ عن أخيه عيسى، عن أبيه، وأخذ عن الشعبي، ونافع العمري، وعطاء
ابن أبي رباح، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، والمنهال
ابن عمرو، وعمرو بن مرة، وأبي الزبير المكي، وعطية العوفي، والحكم بن

(1) أي أن قدامة يعرف من جهة أيمن، ومن جهة حميد بن كلاب.
(2) إسناده ضعيف. يعقوب بن محمد هو ابن عيسى الزهري المدني، كثير الوهم،
يروي عن الضعفاء. قال أبو زرعة: ليس بشئ، يقارب الواقدي. وعريف بن إبراهيم
مجهول، وكذا حميد بن كلاب. وقد أورد الحديث الحافظ في الإصابة في ترجمة قدامة بن
عبد الله ت 7078 عن اليعقوبي وقال: وفيه تعقب على قول مسلم، والحاكم، والأسدي،
وغيرهم، أن أيمن تفرد بالرواية عن قتادة.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 358، طبقات خليفة (167)، تاريخ البخاري 1 / 162،
التاريخ الصغير 2 / 91، المعارف (494)، الجرح والتعديل 7 / 322 - 323، كتاب المجروحين.
2 / 243، الفهرست 202، طبقات الشيرازي 84، الكامل في التاريخ 5 / 249 و 589،
وفيات الأعيان 4 / 179 - 181، تهذيب الكمال (1230 - 1231)، تذهيب التهذيب
3 / 224 / 1 - 2، تاريخ الاسلام 6 / 123، ميزان الاعتدال 3 / 613 - 616، الوافي بالوفيات
3 / 221، غاية النهاية 2 / 165، تهذيب التهذيب 9 / 301 - 303، خلاصة تذهيب الكمال
348، طبقات المفسرين 1 / 269.
310

عتيبة، وحميضة بن الشمردل، وإسماعيل بن أمية، وثابت بن عبيد، وأجلح بن
عبد الله، وعبد الله بن عطاء، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وداود بن
علي الأمير، وابن أخيه عبد الله بن عيسى، وغيرهم.
حدث عنه: شعبة، وسفيان بن عيينة، وزائدة، والثوري، وقيس بن
الربيع، وحمزة الزيات وقرأ عليه.
كان فيما يحفظ كتاب الله، تلا على أخيه عيسى. وعرض على الشعبي عن
تلاوته على علقمة، وتلا أيضا على المنهال عن سعيد بن جبير. روى عنه أيضا
أحوص بن جواب، وعلي بن هاشم بن البريد، ويحيى بن أبي زائدة وعمرو
ابن أبي قيس الرازي، وعقبة بن خالد، وعبد الله بن داود الخريبي، وعلي بن
مسهر، وعيسى بن يونس، ومحمد بن ربيعة، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم،
ووكيع، وعيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى، وخلق سواهم.
وكان نظيرا للامام أبي حنيفة في الفقه.
قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى. قال أحمد: كان
سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلينا من حديثه. وقال
أيضا: هو في عطاء أكثر خطأ. وروى أحمد بن زهير، عن يحيى بن معين
قال: ليس بذاك.
أبو داود: سمعت شعبة يقول: ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى.
روح بن عبادة، عن شعبة قال: أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي
مقلوبة. وروى أبو إسحاق الجوزجاني، عن أحمد بن يونس قال: كان زائدة
لا يروي عن ابن أبي ليلى. كان قد ترك حديثه. وروى أبو حاتم عن أحمد بن
يونس قال: ذكر زائدة ابن أبي ليلى فقال: كان أفقه أهل الدنيا. وروى ابن
311

حميد عن جرير بن عبد الحميد: رأيت ابن أبي ليلى يخضب بالسواد.
قال العجلي: كان فقيها، صاحب سنة، صدوقا، جائز الحديث. وكان
قارئا للقرآن، عالما به. قرأ عليه حمزة الزيات فكان يقول: إنا تعلمنا جودة
القراءة عند ابن أبي ليلى. وكان من أحسب الناس، ومن أنقط الناس
للمصحف، وأخطه بقلم. وكان جميلا نبيلا. وأول من استقضاء على الكوفة
الأمير يوسف بن عمر الثقفي، عامل بني أمية فكان يرزقه في كل شهر مئة
درهم.
قال أبو زرعة: هو صالح، ليس بأقوى ما يكون. وقال أبو حاتم: محله
الصدق، وكان سيئ الحفظ، شغل بالقضاء، فساء حفظه، لا يتهم، إنما
ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه، ولا يحتج به، هو وحجاج بن أرطاة ما
أقربهما. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ردئ الحفظ، كثير
الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة.
ابن خراش: حدثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان، عن سعد بن الصلت،
قال: كان ابن أبي ليلى لا يجيز قول من لا يشرب النبيذ (1). قلت: هذا غلو.

(1) معظم الكوفيين، ومنهم ابن أبي ليلى، يقولون بحلية نبيذ الحنطة، والتين،
والشعير، والذرة، والعسل نقيعها ومطبوخها، وإنما يحرم عندهم المسكر منه، ويحد فيه
إذا شرب الكثير فأسكره. وهو قول مجانب للصواب، مباين لما جاء عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
من الأحاديث الصحيحة في هذا الباب. فقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر: " ما أسكر
كثيره فقليله حرام " أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1866)، وابن ماجة (3391) وحسنه
الترمذي، وصححه ابن حبان (1385)، وأخرج البخاري 8 / 50، ومسلم 3 / 1586، رقم
الحديث (70) من حديث عائشة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " كل شراب أسكر فهو حرام " وفي
" الموطأ " 2 / 845، والبخاري 10 / 35، ومسلم (2001) عنها رضي الله عنها أنها قالت:
سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن البتع فقال: " كل شراب أسكر حرام " والبتع: نبيذ العسل.
وروى البخاري 10 / 39 عن ابن عمر قال: خطب عمر رضي الله عنه، على منبر رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة،
والشعير، والعسل. والخمر ما خامر العقل " ففي هذه الأحاديث دليل واضح على بطلان
قول من زعم أن الخمر إنما هي عصير العنب أو الرطب النئ الشديد منه، وعلى فساد قول
من زعم ألا خمر إلا من العنب، أو الزبيب أو الرطب، أو التمر. بل كل مسكر خمر، وأن
الخمر ما يخامر العقل. وتخصيص الأشياء الخمسة الواردة في أثر عمر بالذكر ليس لان
الخمر لا تكون إلا منها، بل كل ما كان في معناها: من ذرة وسلت وغيرهما فحكمه
حكمها. وتخصيصها بالذكر لكونها معهودة في ذلك الزمان. وفي قوله " ما أسكر كثيره
فقليله حرام " دليل على أن التحريم في جنس المسكر، ولا يتوقف على السكر، بل الشربة
الأولى منه، في التحريم ولزوم الحد مثل الشربة الأخيرة التي يحصل منها السكر، لان
جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء. وفي " الموطأ " 2 / 842 بسند صحيح عن
السائب بن يزيد، أن عمر قال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شرب الطلاء،
وأنا سائل عم شرب، فإن كان يكسر جلدته، فجلده الحد تاما. وقال علي رضي الله عنه: لا
أوتى بأحد شرب خمرا، ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد.
وأما النبيذ المباح، الذي ورد في الحديث الصحيح، فهو أن ينقع في الماء تمرات من
الليل، ثم يشرب في الصباح، وسمي نبيذا لأنه ينبذ في الاناء: أي يطرح فيه. فالنبيذ
المباح هو النقيع ما لم يشتد، فإذا اشتد وغلا حرم.
312

وعكسه أولى، وقال بشر بن الوليد: سمعت القاضي أبا يوسف يقول: ما ولي
القضاء أحد أفقه في دين الله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أقول حقا بالله، ولا
أعف عن الأموال من ابن أبي ليلى.
قلت: فابن شبرمة قال: ذاك رجل مكثار.
قال بشر: وولي حفص بن غياث القضاء من غير مشورة أبي يوسف، فاشتد
عليه. فقال لي، ولحسن اللؤلؤي: تتبعا قضاياه، فتتبعنا قضاياه، فلما نظر
فيها قال: هذا من قضاء ابن أبي ليلى، ثم قال: تتبعوا الشروط والسجلات.
ففعلنا. فلما نظر فيها قال: حفص ونظراؤه يعانون بقيام الليل.
313

يحيى بن معين: حدثنا أبو حفض الأبار، عن ابن أبي ليلى قال: دخلت
على عطاء، فجعل يسألني، فكأن أصحابه أنكروا، وقالوا: تسأله؟! قال: وما
تنكرون؟ هو أعلم منى. قال ابن أبي ليلي: وكان عطاء عالما بالحج.
روى الخريبي، عن سليمان بن سافري قال: سألت منصورا: من أفقه
أهل الكوفة؟ قال: قاضيها ابن أبي ليلى.
وقال ابن حبان: كان ابن أبي ليلى ردئ الحفظ، فاحش الخطأ، فكثر في
حديثه المناكير، فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى.
قلت: لم نرهما تركاه، بل لينا حديثه. وقد قال حفص بن غياث: من
جلالة ابن أبي ليلى أنه قرأ القرآن على عشرة شيوخ.
وقال يحيى بن يعلى المحاربي: طرح زائدة حديث ابن أبي ليلى. وقال
أحمد بن يونس: كان ابن أبي ليلى أفقه أهل الدنيا.
وقال عائذ بن حبيب: سمعت ابن أبي ليلى يقول: ما أقرع فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فهو حق، وما لم يقرع فيه، فهو قمار.
قال الخريبي: سمعت الثوري يقول: فقهاؤنا: ابن أبي ليلى، وابن
شبرمة.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التيمي، أنبأنا عبد المعز بن محمد البزار،
أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا عبد الرحمن بن علي، أنبأنا يحيى بن إسماعيل
الحربي، أنبأنا مكي بن عبدان، أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن رزين، حدثنا
حفص بن عبد الرحمن، حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن الربيع بن
عميلة، عن أبي سريحة الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عشر آيات بين يدي
الساعة: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب،
والدابة، والدخان، والدجال، وابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وريح تسفيهم،
314

تطرحهم في البحر، وطلوع الشمس من مغربها ". هذا غريب، وأصل
الحديث في صحيح مسلم (1)، من رواية أبي الطفيل، عن أبي سريحة.
أبو حفص الأبار، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن جابر قال: " كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي قلت: نذير قوم أهلكوا، أو صبحهم العذاب بكرة.
فإذا سري عنه، فأطيب الناس نفسا، وأطلقهم وجها، وأكثرهم ضحكا - أو
قال: تبسما - " هذا حديث منكر.
ابن حبان (2) قال: وروى ابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرة، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد المازني قال: " كان أذان رسول الله
صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا، وإقامته شفعا شفعا " رواه حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي
عنه. ثم قال ابن حبان [وهذا خبر مرسل] لا أصل لرفعه.
أحمد بن أبي ظبية، حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن
جابر، مرفوعا،: " إذا ضحك [الرجل] في صلاته فعليه الوضوء والصلاة،
وإذا تبسم، فلا شئ عليه " (3).
قال البخاري وغيره: مات ابن أبي ليلى في سنة ثمان وأربعين ومئة، قلت:
مات في شهر رمضان.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو القاسم الحرستاني حضورا، أنبأنا ابن

(1) رقم (2901) (40) في الفتن، باب: ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال.
وأخرجه أبو داود (4311) في الملاحم، باب: أمارات الساعة، والترمذي (2184) في
الفتن، باب: ما جاء في الخسف.
(2) في " المجروحين " 2 / 245 والزيادة منه.
(3) كتاب المجروجين 2 / 245، وقد تصحف فيه: ابن أبي ظبية إلى " أبي طيبة ". وانظر.
نصب الراية 1 / 49.
315

المسلم، أنبأنا ابن طلاب، حدثنا ابن جميع، أنبأنا الحسن بن عيسى الرقي
بعرفة، حدثنا يوسف بن بحر، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا محمد بن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن
أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعا فسمعته يقول: " اللهم إني أعوذ بك
من النار " (1).
134 - كهمس * (ع)
ابن الحسن التميمي، الحنفي، البصري، العابد. أبو الحسن، من كبار
الثقات.
حدث عن أبي الطفيل، وعبد الله بن شقيق، وأبي السليل (2) ضريب بن
نقير، ويزيد بن الشخير، وعبد الله بن بريدة، والحسن البصري وجماعة.
حدث عنه ابن المبارك، ومعتمر، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع، ومعاذ
ابن معاذ، وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي، وأبو عبد الرحمن المقرئ وخلق
كثير.
ذكره أحمد بن حنبل فقال: ثقة وزيادة.
أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثنا الهيثم بن معاوية عمن حدثه، قال: كان

(1) يوسف بن بحر ضعيف. ضعفه الدارقطني، وقال الحاكم في " الكنى ": ليس
حديثه بالمتين. وقال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، روى عن الثقات مناكير.
(*) طبقات خليفة (221)، تاريخ البخاري: 7 / 239، التاريخ الصغير 2 / 318،
الجرح والتعديل 7 / 170 - 171، تذكرة الحفاظ 1 / 174، ميزان الاعتدال 3 / 415 - 419،
تهذيب التهذيب 8 / 540، خلاصة تذهيب الكمال 322، شذرات الذهب 1 / 225.
(2) في الأصل " السبيل " والتصحيح من الخلاصة والتقريب.
316

كهمس يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. فإذا مل، قال، قومي يا مأوى كل
سوء، فوالله ما رضيتك لله ساعة. وقيل: إن كهمسا سقط منه دينار، ففتش،
فلقيه، فلم يأخذه، وقال، لعله غيره.
وكان رحمه الله برا بأمه، فلما ماتت، حج وأقام بمكة حتى مات. وكان
يعمل في الجص، وكان يؤذن. قال يحيى بن كثير البصري: اشترى كهمس
دقيقا بدرهم فأكل منه، فلما طال عليه، كاله. فإذا هو كما وضعه.
توفي كهمس في سنة تسع وأربعين ومئة. وكان من حملة الحجة. قال أبو
عطاء الرملي، كان كهمس يقول في الليل: أتراك معذبي، وأنت قرة عيني، يا
حبيب قلباه! وقيل، إنه أراد قتل عقرب، فدخلت في جحر فأدخل أصابعه
خلفها فضربته. فقيل له: قال. خفت أن تخرج، فتجئ إلى أمي تلدغها.
135 - محمد بن عجلان * (خت، م، 4)
الامام القدوة، الصادق. بقية الاعلام أبو عبد الله القرشي، المدني. وكان
عجلان مولى لفاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد
مناف. ولد في خلافة عبد الملك بن مروان.
وحدث عن أبيه، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن شعيب، وأبي
حازم سلمان الأشجعي. وهو أقدم شيخ له، ورجاء بن حياة، ونافع، ومحمد

طبقات خليفة: (270)، تاريخ البخاري 1 / 196، التاريخ الصغير 1 / 219،
الجرح والتعديل 8 / 49، مشاهير علماء الأمصار (140)، الكامل في التاريخ 5 / 552،
589، تهذيب الكمال (1241 - 1242)، تذهيب التهذيب 3 / 131 / 2، ميزان الاعتدال
3 / 644 - 647، الوافي بالوفيات: 4 / 92، تهذيب التهذيب 9 / 341 - 342، خلاصة تذهيب
الكمال (351).
317

ابن كعب القرظي، والنعمان بن أبي عياش الزرقي، وأبي الحباب سعيد بن
يسار، وصيفي مولى أبي أيوب الأنصاري، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وعبيد
الله بن مقسم، وعون بن عبد الله بن عتبة، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين،
والقعقاع بن حكيم، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وعبد الله بن دينار، وعاصم
ابن عمر بن قتادة، وزيد بن أسلم، وهشم بن عروة، وخلق كثير. وقيل: إنه
روى عن أنس بن مالك، وذلك ممكن إن صح.
حدث عنه: إبراهيم بن أبي عبلة، ومنصور بن المعتمر، وهو أكبر منه،
وشعبة، وسفيان، وزيد بن أبي أنيسة ومات قبله بدهر، وعبد الوهاب بن
بخت كذلك، وصالح بن كيسان، والليث بن سعد، ومالك بن أنس، وابن
المبارك، وأبو خالد الأحمر، وبكر بن مضر، وخالد بن الحارث، وسفيان بن
عيينة، وعبد الله بن رجاء المكي، ويحيى بن سعيد القطان، وصفوان بن
عيسى، وأبو عاصم، وأسباط بن محمد، وابن إدريس، وخلق كثير.
وكان فقيها مفتيا، عابدا صدوقا، كبير الشأن. له حلقة كبيرة في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد خرج على المنصور مع ابن حسن، فلما قتل ابن حسن،
هم والي المدينة جعفر بن سلميان أن يجلده. فقالوا له، أصلحك الله: لو
رأيت الحسن البصري فعل مثل هذا أكنت تضربه؟ قال: لا. قيل: فابن
عجلان في أهل المدينة كالحسن في أهل البصرة، وقيل: إنه هم بقطع يده
حتى كلموه، وازدحم على بابه الناس. قال: فعفا عنه.
روى عباس بن نصر البغدادي، عن صفوان بن عيسى قال: مكث بن
عجلان في بطن أمه ثلاث سنين، فشق بطنها، فأخرج منه وقد نبتت أسنانه.
رواها عبد العزيز بن أحمد الغافقي عن عباس.
وقال يعقوب بن شيبة، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء، حدثنا الوليد بن
318

مسلم قال: قلت لمالك: إني حدثت عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا
تحمل المرأة فوق سنتين قدر ظل مغزل، فقال، من يقول هذا؟ هذه امرأة ابن
عجلان جارتنا امرأة صدق، ولدت ثلاث أولاد في ثنتي عشرة سنة. تحمل
أربع سنين قبل أن تلد.
قال سعيد بن داود الزنبري (1): أخبرني (1): أخبرني محمد بن محمد بن عجلان قال:
أنا ولدت في أربع سنين في حياة أبي.
وقال الواقدي: سمعت عبد الله بن محمد بن عجلان يقول: حمل بأبي
أكثر من ثلاث سنين.
قال الواقدي: وسمعت مالكا يقول، قد يكون الحمل سنتين وأكثر. أعرف
من حمل به كذلك، يعني نفسه.
وروى أبو حاتم الرازي، عن رجل، عن ابن المبارك قال: لم يكن بالمدينة
أحد أشبه بأهل العلم من ابن عجلان كنت أشبهه بالياقوتة بين العلماء رحمه
الله.
قال مصعب الزبيري: كان لا بن عجلان قدر وفضل بالمدينة، وكان ممن
خرج مع محمد بن عبد الله، فأراد جعفر بن سليمان قطع يده، فسمع ضجة،
وكان عنده الأكابر. فقال: ما هذا؟ قالوا: هذه ضجة أهل المدينة يدعون لابن
عجلان. فلو عفوت عنه؟ وإنما غر، وأخطأ في الرواية ظن أنه المهدي، فأطلقه
وعفا عنه.
أبو بكر بن خلاد، سمعت يحيى بن سعيد يقول، كان ابن عجلان
مضطرب الحديث في حديث نافع.
وقال الفلاس: سألت يحيى عن حديث ابن عجلان، عن المقبري، عن

(1) نسبة إلى جده " زنبر " وفي المطبوع من تاريخ الاسلام " الزبيري " وهو تحريف.
319

أبي هريرة في القتل في سبيل الله، فأبى أن يحدثني. فقلت له: قد خالفه
يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: عن المقبري، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن
أبيه. فقال: أأحدث به؟! كأنه تعجب.
قلت: وثق ابن عجلان أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وحدث عنه
شعبة، ومالك، وهو حسن الحديث. وأقوى من ابن إسحاق. ولكن ما هو في
قوة عبيد الله بن عمر ونحوه.
قال أبو عبد الله الحاكم: أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها في
الشواهد، وتكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه.
عباس الدوري، عن يحيى بن معين قال: ابن عجلان أوثق من محمد بن
عمرو، ما يشك في هذا أحد، وممن وثقه ابن عيينة، وأبو حاتم الرازي، مع
تعنته في نقد الرجال.
وقال ابن القاسم: قيل لمالك: إن ناسا من أهل العلم يحدثون - يعني -
بحديث خلق آدم على صورته فقال: من هم؟ قيل: ابن عجلان. قال: لم
يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالما. قلت: لم ينفرد به
محمد. والحديث: في " الصحيحين " (1). وقال البخاري: قال لي علي، عن

(1) البخاري (6227) في الاستئذان، باب: بدء السلام من طريق، عبد الرزاق، عن
معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله
ستون ذراعا. فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة
جلوس، فاستمع ما يجيبونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال: فذهب، فقال: السلام
عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوا: ورحمة الله قال: فكل من يدخل
الجنة، على صورة آدم، وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن ".
وأخرجه مسلم (2612) (115) في البر والصلة. و (2841) في الجنة، باب: يدخل الجنة
أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، مطولا، واللفظ له. وأخرجه أحمد 2 / 244، 251، 315،
323، 434، 519.
320

ابن أبي الوزير، عن مالك، أنه ذكر ابن عجلان فذكر خيرا.
قال أبو محمد الرامهرمزي، حدثنا عبد الله، حدثنا القاسم بن نصر،
سمعت خلف بن سالم، حدثني يحيى القطان قال: فدمت الكوفة وبها ابن
عجلان، وبها ممن يطلب حفص بن غياث، و [مليح بن وكيع] (1)، وابن
إدريس: فقلت: نأتي ابن عجلان. فقال يوسف السمتي: نقلب عليه حديثه
حتى ننظر فهمه. قال: ففعلوا. فما كان عن أبيه جعلوه عن أبي هريرة نفسه.
وما كان للمقبري عن أبي هريرة، جعلوه عن أبيه، عن أبي هريرة. فدخلوا
فسألوه فمر فيها، فلما كان عند آخر الكتاب، تنبه، فقال: أعد. فعرض عليه،
فقال: ما سألتموني عن أبيه، فقد حدثني سعيد وما سألتموني عن سعيد، فقد
حدثني أبي به. ثم أقبل على يوسف بن خالد، فقال: إن كنت أردت شيني
وعيبي فسلبك الله الاسلام. وأقبل على حفص، فقال: ابتلاك الله في دينك
ودنياك. وأقبل على الآخر فقال: لا نفعك الله بعلمك.
قال يحيى القطان: فمات مليح بن وكيع وما انتفع بعلمه، وابتلي حفص
بالفالج وبالقضاء، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة (2). فهذه الحكاية فيها
نظر. وما أعرف عبد الله هذا، ومليح لا يدرى من هو، ولم يكن لو كيع بن
الجراح ولد يطلب أيام ابن عجلان، ثم لم يكن ظهر لهم قلب الأسانيد على
الشيوخ. إنما فعل هذا بعد المئتين. وقد روي حديث لا بن عجلان، عن

(1) سقطت من الأصل، ولا بد منها. وتمام الخبر يوضح ذلك.
(2) أخرج هذه القصة الرامهرمزي، في " المحدث الفاصل " ص 398 وقد تحرف فيه
" عبد الله " إلى عبيد الله. وقد أخطأ محقق الكتاب حين قال في ترجمة ابن عجلان: أخرج
له مسلم والأربعة. لان مسلما لم يخرج له إلا مقرونا بغيره، فلا بد من ذكر هذا القيد وابن
عجلان حديثه من قبيل الحسن.
سير 6 / 21
321

أنس بن مالك، ويحتمل أن يكون شافهه.
قالوا: ومات ابن عجلان سنة ثمان وأربعين ومئة وقد أورد البخاري في
كتاب " الضعفاء " له في محمد بن عجلان، قول يحيى القطان في محمد وأنه
لم يتقن أحاديث المقبري عن أبيه، وأحاديث المقبري عن أبي هريرة، يعني
أنه ربما اختلط عليه هذا بهذا.
وقد ذكرت ابن عجلان في " الميزان " فحديثه إن لم يبلغ رتبة الصحيح، فلا
ينحط عن رتبة الحسن. والله أعلم.
أخبرنا أحمد بن فرح الحافظ، وخلق قالوا، أنبأنا أحمد بن عبد الدائم،
أنبأنا عبد المنعم بن كليب، وأنبأني أحمد بن سلامة والخضر بن حمويه، عن
ابن كليب، أنبأنا علي بن بيان، أنبأنا محمد بن مخلد، أنبأنا إسماعيل
الصفار، حدثنا ابن عرفة، حدثنا بشر بن المفضل، عن محمد بن عجلان،
عن المقبري، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وقع الذباب في إناء
أحدكم، فإن في أحد جناحيه داء، والآخر شفاء. وإنه يتقى بالجناح الذي فيه
الداء فليغمسه كله، ثم لينزعه " (1)، هذا حديث حسن الاسناد عال، أخرجه
أبو داود، عن أحمد بن حنبل، عن بشر، فوقع بدلا عاليا.

(1) أخرجه أبو داود (3844) في الأطعمة، باب، الذباب يقع في الاناء، وأحمد 2 / 229،
246، 340 من طريق ابن عجلان وأخرجه البخاري (3320) في بدء الخلق، باب: إذا وقع
الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، و (5782) في الطب، باب: ألبان الأتن، وابن ماجة
(3505) في الطب، باب: يقع الذباب في الاناء، والدارمي 2 / 98 - 99 من طريق عتبة بن
مسلم، عن عبيد بن حنين، عن أبي هريرة، وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري: أحمد 3 /
24، والنسائي 7 / 178 - 179، وابن ماجة (3504).
322

136 - زياد بن سعد * (ع)
إمام مجود، حجة، خراساني. جاور بمكة.
وحدث عن شرحبيل بن سعد، وابن شهاب، وضمرة بن سعيد وطبقتهم.
ومات كهلا. أخذ عنه مالك، وابن عيينة، والقدماء. لم ينتشر حديثه. وقع له
نحو من مئة حديث. ومات مع ابن جريج أو قبله. رحمه الله. وحديثه في
الكتب الستة.
137 - إبراهيم بن أبي عبلة * * (خ، م، د، س)
الامام القدوة، شيخ فلسطين، أبو إسحاق العقيلي الشامي المقدسي. من
بقايا التابعين. ولد بعد الستين.
وروى عن واثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي، وبلال بن
أبي الدرداء، وخالد بن معدان، وخلق سواهم. وقيل: إنه أدرك ابن عمر. وإلا
فروايته عنه مرسله وقيل يكنى أبا العباس وقيل: أبا سعيد وأبا إسماعيل، إبراهيم بن
شمر بن يقظان بن مر تحل الرملي، له فضل وجلالة. حدث عنه ابن إسحاق وتوفي
قبله، وابن شوذب، وعمرو بن الحارث ومات أيضا قبله، ومالك. والليث، وابن
المبارك، وبقية بن الوليد، ومحمد بن حمير، وأيوب بن سويد، ومحمد بن زياد
المقدسي، وآخرون كثيرون.
وثقه يحيى بن معين، والنسائي. وكان الوليد بن عبد الملك يبعثه بعطاء
أهل القدس فيفرقه فيهم.

تاريخ البخاري 3 / 357، الجرح والتعديل 3 / 533، مشاهير علماء الأمصار (146)،
تهذيب الكمال 444، تذهيب التهذيب 1 / 243 / 1، تهذيب التهذيب 3 / 369، خلاصة تذهيب
الكمال 125.
(* *) طبقات خليفة (315)، تاريخ البخاري 1 / 310 التاريخ الصغير 2 / 113، الكامل في
التاريخ 5 / 608، تهذيب الكمال 60، تذهيب التهذيب 1 / 39 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 142،
143، خلاصة تذهيب الكمال 19، شذرات الذهب 1 / 232.
323

قال الحاكم: قلت للدارقطني: إبراهيم بن أبي عبلة؟ قال، الطرق إليه
ليست تصفو، وهو في نفسه ثقة.
عبد الله بن هانئ، حدثنا أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة، قال: بعث إلى
هشام فقال، إنا قد عرفناك واختبرناك ورضينا بسيرتك وبحالك. وقد رأيت أن
أخلطك بنفسي وخاصتي، وأشركك في عملي. وقد وليتك خراج مصر.
قلت: أما الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين، فالله يثيبك ويجزيك، وكفى به
جازيا ومثيبا، وأما أنا، فمالي بالخراج بصر، ومالي عليه قوة، فغضب حتى
اختلج وجهه، وكان في عينيه حول، فنظر إلى نظرا منكرا، ثم قال: لتلين
طائعا أو كارها، فأمسكت. ثم قلت، أتكلم؟ قال: نعم. قلت: إن الله
سبحانه قال في كتابه: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها) [الأحزاب: 72] فوالله ما
غضب عليهن إذ أبين ولا أكرههن، فضحك حتى بدت نواجذه وأعفاني.
دهيم بن الفضل (1): سمعت ضمرة يقول: ما رأيت لذة العيش إلا في أكل
الموز بالعسل في ظل الصخرة (2)، وحديث ابن أبي عبلة، ما رأيت أحدا
أفصح منه.
وروى ضمرة، عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قلت للعلاء بن زياد: إني
أجد وسوسة في قلبي، فقال: ما أحب لو أنك مت عام أول، أنت العام خير
منك عام أول.
محمد بن حمير، حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة قال: من حمل شاذ العلم
حمل شرا كثيرا.

(1) كذا في الأصل، وفي التهذيب: دهيم بن المفضل.
(2) أي في ظل صخرة بيت المقدس.
324

محمد بن زياد المقدسي، سمعت ابن أبي عبلة وهو يقول لمن جاء من
الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر، جهاد
القلب (1)؟.
قال ضمرة: توفي إبراهيم بن أبي عبلة سنة اثنتين وخمسين ومئة.
وذكر بعضهم أن ابن أبي عبلة روى نحو المئة حديث. وقد جمع الطبراني
كتاب حديث شيوخ الشاميين، فجاء مسند ابن أبي عبلة في سبع ورقات،
وشطرها مناكير من جهة الاسناد إلى إبراهيم.
138 - ابن جريج * (ع)
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الامام، العلامة، الحافظ، شيخ
الحرم، أبو خالد، وأبو الوليد القرشي الأموي، المكي، صاحب التصانيف،

(1) الحديث في الاحياء. قال العراقي، رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر. ورواه
الخطيب في " تاريخه " 13 / 493 ونصه " قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزاة، فقال عليه الصلاة
والسلام: قدمتم خير مقدم، وقد قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما
الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه ". وقد قال الحافظ ابن حجر في " تسديد القوس "
هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن أبي عبلة. قلت، وهو مخالف لقوله
تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر
وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله له يهدي القوم الظالمين) [التوبة: 18].
(*) طبقات خليفة (283)، تاريخ البخاري: 5 / 422، التاريخ الصغير 2 / 98 - 99،
الجرح والتعديل 5 / 356 - 357، مشاهير علماء الأمصار 145، تاريخ بغداد 10 / 400،
طبقات الشيرازي: الورقة 18، الكامل في التاريخ 5 / 594، وفيات الأعيان 3 / 163 -
164، تهذيب الكمال 857 - 858، تذهيب التهذيب 2 / 249 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 169 -
171، ميزان الاعتدال 2 / 659، العبر للذهبي 1 / 213، تاريخ الذهبي 6 / 96 - 97، غاية
النهاية 1 / 496، العقد الثمين: 5 / 508، تهذيب التهذيب 6 / 402 - 406، خلاصة تذهيب
الكمال 244، طبقات المفسرين 1 / 352.
325

وأول من دون العلم بمكة. مولى أمية بن خالد. وقيل: كان جده جريح
[عبدا] (1) لام حبيب بنت جبير زوجة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد
الأموي، فنسب ولاؤه إليه. وهو عبد رومي. وكان لابن جريج أخ اسمه
محمد لا يكاد يعرف. وابن اسمه محمد.
حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر وجود، وعن ابن أبي مليكة، ونافع
مولى ابن عمر، وطاووس حديثا واحدا قوله (2). وذكر أنه أخذ أحاديث صفية
بنت شيبة، وأراد أن يدخل عليها، فما اتفق. وأخذ عن مجاهد حرفين من
القراءات، وميمون بن مهران، ويوسف بن ماهك، وعمرو بن شعيب، وعمرو
ابن دينار، وعكرمة العباسي مرسلا، وعكرمة بن خالد المخزومي، وابن
المنكدر، وعبيد الله بن أبي يزيد، والقاسم بن أبي بزة، وعبد الله بن كثير
الداري، وأيوب بن هانئ، وحبيب بن أبي ثابت، وزيد بن
أسلم، والزهري، وصفوان بن سليم، وعبد الله بن طاووس،
وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن كثير بن المطلب، وعبد الله بن
كيسان، وعبدة بن أبي لبابة، ومحمد بن عباد بن جعفر، وخلق كثير. وينزل
إلى أقرانه، بل وأصحابه. فحدث عن زياد بن سعد شريكه، وجعفر الصادق،
وزهير بن معاوية، وإبراهيم بن محمد بن أبي عطاء وهو ابن أبي يحيى،
وسعيد بن أبي أيوب المصري، وإسماعيل بن علية، ومعمر بن راشد، ويحيى
ابن أيوب المصري. وكان من بحور العلم.
حدث عنه: ثور بن يزيد، والأوزاعي، والليث، والسفيانان، والحمادان،

(1) سقط من الأصل، واستدرك من " التهذيب "
(2) أي أن حديثه عنه هو مسألة قالها طاووس، وقد رواه عبد الرزاق في " المصنف "
(8430)، وستأتي.
326

وابن علية، وابن وهب، وخالد بن الحارث، وهمام بن يحيى، وعيسى بن
يونس، وابن إدريس، ويحيى بن سعيد الأموي، ويحيى بن سعيد القطان،
ومحمد بن حرب الأبرش، ويحيى بن أبي زائدة، ووكيع، والوليد بن مسلم،
وهشام بن يوسف، وحجاج بن محمد الأعور، وأبو أسامة، وروح، وأبو
عاصم، والخريبي، وعبد الله بن رجاء المكي، وعبد الرزاق بن همام، وعبيد
الله بن موسى، وغندر، والأنصاري، وعثمان بن الهيثم المؤذن، ويحيى بن
سليم الطائفي، ومحمد بن بكر البرساني وأمم سواهم.
قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أول من صنف الكتب؟ قال: ابن
جريج، وابن أبي عروبة. وروى علي بن المديني، عن عبد الوهاب بن
همام، عن ابن جريج قال: أتيت عطاء وأنا أريد هذا الشأن، وعنده عبد الله بن
عبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير، قرأت القرآن؟ قلت: لا. قال: فاذهب
فاقرأه ثم اطلب العلم. فذهبت، فغبرت زمانا حتى قرأت القرآن، ثم جئت
عطاء، وعنده عبد الله. فقال: قرأت الفريضة؟ قلت: لا. قال: فتعلم
الفريضة، ثم اطلب العلم. قال: فطلبت الفريضة، ثم جئت. فقال: الآن
فاطلب العلم، فلزمت عطاء سبع عشرة سنة.
قلت: من يلزم عطاء هذا كله، يغلب على الظن أنه قد رأى أبا الطفيل
الكناني بمكة، لكن لم نسمع بذلك، ولا رأينا له حرفا عن صحابي.
وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: اختلفت إلى عطاء ثماني عشرة
سنة. وكان يبيت في المسجد عشرين سنة.
قال ابن عيينة: سمعت ابن جريح يقول: ما دون العلم تدويني أحد.
وقال: جالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء تسع سنين.
وروى حمزة بن بهرام، عن طلحة بن عمرو المكي، قال: قلت لعطاء:
327

من نسأل بعدك يا أبا محمد؟ قال: هذا الفتى إن عاش - يعني ابن جريج.
وروى إسماعيل بن عياش، عن المثنى بن الصباح وغيره، عن عطاء بن
أبي رباح قال: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج، وسيد شباب أهل الشام
سليمان بن موسى، وسيد شباب أهل العراق حجاج بن أرطاة.
قال علي بن المديني: نظرت فإذا الاسناد يدور على ستة، فذكرهم، ثم
قال: صار علمهم إلى أصحاب الأصناف. ممن صنف العلم منهم من أهل مكة
ابن جريج. يكنى أبا الوليد، لقي ابن شهاب، وعمرو بن دينار. يريد من
الستة المذكورين.
قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن
جريج: لمن طلبتم العلم؟ كلهم يقول: لنفسي: غير أن ابن جريج فإنه قال:
طلبته للناس.
قلت: ما أحسن الصدق! واليوم تسأل الفقيه الغبي: لمن طلبت العلم؟
فيبادر ويقول: طلبته لله، ويكذب إنما طلبه للدنيا، ويا قلة ما عرف منه.
قال علي: سألت يحيى بن سعيد: من أثبت من أصحاب نافع؟ قال:
أيوب، وعبيد الله، ومالك، وابن جريج أثبت من مالك في نافع.
وروى صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: عمرو بن دينار، وابن
جريج أثبت الناس في عطاء. وروى أبو بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد
قال: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة، وإن لم يحدثك ابن جريج من
كتابه لم تنتفع به.
وروى الأثرم، عن أحمد بن حنبل قال: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال
فلان، وأخبرت، جاء بمناكير. وإذا قال: أخبرني، وسمعت فحسبك به.
وروى الميموني عن أحمد إذا قال ابن جريج: " قال " فاحذره. وإذا قال:
328

" سمعت أو سألت "، جاء بشئ ليس في النفس منه شئ. كان من أوعية
العلم.
قال عبد الرزاق: قدم أبو جعفر - يعني الخليفة - مكة، فقال: اعرضوا علي
حديث ابن جريج، فعرضوا فقال: ما أحسنها لولا هذا الحشو يعني قوله:
" بلغني "، و " حدثت ". قال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين:
ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب. وروى إسماعيل بن داود
المخراقي، عن مالك بن أنس قال: كان ابن جريج حاطب ليل. وقال محمد
ابن منهال الضرير، عن يزيد بن زريع قال: كان ابن جريج صاحب غثاء. وقال
محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة الحلبي، عن إبراهيم بن أبي يحيى قال:
حكم الله بيني وبين مالك، هو سماني قدريا، وأما ابن جريج فإني حدثته عن
موسى بن وردان، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات مرابطا مات
شهيدا " فنسبني إلى جدي من قبل أمي، وروى عني: " من مات مريضا مات
شهيدا " (1) وما هكذا حدثته.

(1) أخرجه ابن ماجة (1615) في الجنائز، باب: ما جاء فيمن مات مريضا. قال
السندي: قال السيوطي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعله
ب‍ " إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي " فإنه متروك. قال: وقال أحمد بن حنبل: إنما
هو " من مات مرابطا ". قال الدارقطني بإسناده عن إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حدثت ابن
جريج هذا الحديث " من مات مرابطا " فروى عني " من مات مريضا " وما هكذا حدثته. وفي
" مصباح الزجاجة " 105 / 1 عن الدارقطني، بإسناده إلى ابن أبي سكينة الحلبي، يعني
محمد بن إبراهيم، سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حكم الله بيني وبين مالك هو
سماني قدريا، وأما ابن جريج فإني حدثته عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: من مات مرابطا مات شهيدا " فنسبني إلى جدي من قبل أمي وروى عني: من مات
مريضا مات شهيدا وما هكذا حدثته. ثم قال في الزوائد: هذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن
محمد كذبه مالك، ويحيى القطان، وابن معين، وقال الإمام أحمد: قدري، معتزلي، جهمي،
كل بلاء فيه. وقال البخاري: جهمي تركه ابن المبارك، والناس.
329

روى عثمان بن سعيد، عن ابن معين، قال: ابن جريج ليس بشئ في
الزهري. وقال أبو زرعة الدمشقي، عن أحمد بن حنبل قال: روى ابن جريج
عن ست عجائز من عجائز المسجد الحرام، وكان صاحب علم. وقال جعفر
ابن عبد الواحد، عن يحيى بن سعيد قال: كان ابن جريج صدوقا. فإذا قال:
حدثني فهو سماع، وإذا قال: أنبأنا أو أخبرني، فهو قراءة، وإذا قال: قال.
فهو شبه الريح.
وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان: أعياني ابن جريج أن أحفظ
حديثه. فنظرت إلى شئ يجمع فيه المعنى، فحفظته، وتركت ما سوى
ذلك.
قال سليمان بن النضر الشيرازي، عن مخلد بن الحسين قال: ما رأيت
خلقا من خلق الله أصدق لهجة من ابن جريج.
وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق قال: ما رأيت أحدا أحسن صلاة
من ابن جريج.
أنبأني المسلم بن محمد، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا أبو بكر بن ثابت،
أنبأنا علي بن محمد المعدل، حدثنا إسماعيل الصفار، حدثنا محمد بن عبيد الله
المنادي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق قال: أهل مكة يقولون: أخذ
ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير
من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم (1).

(1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " وعنه الإمام أحمد رقم (73) وأخرجه أبو بكر
المروزي في مسند أبي بكر رقم (137) من طريق: أبي بكر بن عسكر، محمد بن سهل.
وهذا الأثر قصد به عبد الرزاق الثناء على صلاة ابن جريج، وأنه كان يحسن أداءها على ما
أخذه عمن قبله بطريق المشاهدة المتوارثة عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
330

قلت: وكان ابن جريج يروي الرواية بالإجازة (1)، وبالمناولة (2) ويتوسع
في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري، لأنه حمل عنه
مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف. ولا سيما في ذلك العصر لم يكن
حدث في الخط بعد شكل ولا نقط.
قال أبو غسان زنيج: سمعت جريرا الضبي يقول: كان ابن جريج يرى
المتعة، تزوج بستين امرأة. وقيل: إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط
أحد منهم ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة.
قال عبد الوهاب بن همام، قال ابن جريج: كنت أتتبع الاشعار العربية
والأنساب. فقيل لي: لو لزمت عطاء. فلزمته.
وقال يحيى القطان: لم يكن ابن جريج عندي بدون مالك في نافع، وقال
علي بن عبد الله: لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج.
قال عبيد الله العيشي، حدثنا بكر بن كلثوم السلمي قال: قدم علينا ابن
جريج البصرة، فاجتمع الناس عليه فحدث عن الحسن البصري بحديث،

(1) هي أن يجيز الشيخ مشافهة، أو إذنا باللفظ مع المغيب من يراه أهلا للرواية عنه، أو
يكتب له ذلك بخطه، سواء كان المجاز حاضرا أو غائبا. والإجازة على وجوه ستة أعلاها
الإجازة لكتب معينة وأحاديث مختصرة مفسرة.. ولا خلاف في جواز الرواية بالإجازة
من سلف هذه الأمة وخلفها، كما قال أبو الوليد الباجي..
انظر " الالماع " للقاضي عياض ص 89 وما بعدها.
(2) هي أن يدفع الشيخ كتابه الذي رواه أو نسخة منه وقد صححها أو أحاديث من حديثه
فيقول للطالب: هذه روايتي فاروها عني ويدفعها إليه. أو يقول: خذها فانسخها، وقد
أجزت لك أن تحدث بها عني.. والمناولة أيضا على أنواع، وهي عند مالك وجماعة من
العلماء بمنزلة السماع..
انظر " الالماع " للقاضي عياض ص 79، وما بعدها.
331

فأنكره عليه الناس، فقال: ما تنكرون علي فيه؟ قد لزمت عطاء عشرين سنة
فربما حدثني عنه الرجل بالشئ لم أسمعه منه ثم قال العيشي: سمى ابن
جريج في ذلك اليوم محمد بن جعفر غندرا، وأهل الحجاز يسمون المشغب
غندرا. قال ابن معين: لم يلق ابن جريج وهب بن منبه. وقال أحمد بن
حنبل: لم يلق عمرو بن شعيب في زكاة مال اليتيم، ولا أبا الزناد.
قلت: الرجل في نفسه ثقة، حافظ، لكنه يدلس بلفظة " عن "، و " قال " وقد
كان صاحب تعبد وتهجد وما زال يطلب العلم حتى كبر وشاخ. وقد أخطأ من
زعم أنه جاوز المئة، بل ما جاوز الثمانين، وقد كان شابا في أيام ملازمته
لعطاء.
وقد كان شيخ الحرم بعد الصحابة: عطاء، ومجاهد، وخلفهما: قيس بن
سعد، وابن جريج، ثم تفرد بالإمامة ابن جريج، فدون العلم، وحمل عنه
الناس، وعليه تفقه مسلم بن خالد الزنجي، وتفقه بالزنجي الإمام أبو عبد الله
الشافعي. وكان الشافعي بصيرا بعلم ابن جريج، عالما بدقائقه. وبعلم سفيان
ابن عينة.
وروايات ابن جريج وافرة في الكتب الستة، وفي مسند أحمد، ومعجم
الطبراني الأكبر، وفي الاجزاء.
قال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج، علمت أنه يخشى الله.
وقال ابن جريج: لم أسمع من الزهري، إنما أعطاني جزءا كتبته، وأجازه
لي.
قال يحيى بن معين: ولاء ابن جريج لآل خالد بن أسيد الأموي. وقال
يحيى بن سعيد: سمع ابن جريج من مجاهد حديث: " فطلقوهن في قبل
332

عدتهن " (1). وسمع من طاووس قوله في محرم أصاب ذرات قال: قبضات من
طعام (2).
قال أبو عاصم النبيل: كان ابن جريج من العباد. كان يصوم الدهر سوى
ثلاثة أيام من الشهر. وكان له امرأة عابدة. وقال محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم، سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه
كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلبا للجماع. وروي عن عبد الرزاق قال:
كان ابن جريج يخضب بالسواد، ويتغلى بالغالية، وكان من ملوك القراء،
خرجنا معه وأتاه سائل، فناوله دينارا.
قال أبو محمد بن قتيبة مولد ابن جريج سنة ثمانين عام الجحاف (3)،
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أنبأنا علي بن هبة
الله، أنبأنا أبو إسحاق الفيروز ابادي قال: ومنهم أبو الوليد عبد الملك بن عبد
العزيز بن جريج، وجريج عبد لآل أم حبيب بنت جبير، ومات سنة خمسين
ومئة.

(1) أخرجه مسلم (1471) (14) في الطلاق، من طريق; أبي الزبير، أنه سمع عبد
الرحمن بن أيمن مولى عزة، يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع ذلك: كيف ترى في رجل
طلق امرأته حائضا؟ فقال طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأل
عمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم، " ليراجعها ". فردها، وقال: " إذا طهرت فليطلق أو ليمسك ". قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم،
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن). والتلاوة: (فطلقوهن لعدتهن)
[الطلاق: 1]. وما جاء في الحديث هو قراءة ابن عباس، و " ابن عمر ". وهي شاذة عن المصحف.
(2) أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (8430) عن ابن جريج قال: سمعت طاووسا،
وسأله رجل، فقال: إني احتككت وأنا محرم فقتلت ذرات. فقال: " تصدق بقبضات ".
والذرات: هي النمل الأحمر الصغير.
(3) الجحاف: سيل كان بمكة. انظر شذرات الذهب 1 / 226.
333

وبه قال أبو إسحاق، قال ابن جريج: ما دون هذا العلم تدويني أحد
جالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء سبع سنين. وقال: لم يغلبني
على يسار عطاء عشرين سنة أحد، فقيل له: فما منعك عن يمينه؟ قال:
كانت قريش تغلبني عليه.
قلت: قد قدم عبد الملك بن جريج إلى العراق قبل موته، وحدث بالبصرة
وأكثروا عنه.
قال ابن المديني، وأبو حفص الفلاس: مات ابن جريج سنة تسع وأربعين
ومئة. وهذا وهم. فقد قال يحيى القطان ومكي بن إبراهيم، وأبو نعيم،
وعدة: مات سنة خمسين ومائة. وعن ابن المديني أيضا: سنة إحدى
وخمسين.
قلت: عاش سبعين سنة. فسنه وسن أبي حنيفة واحد، ومولدهما وموتهما
واحد.
قرأت على عمر بن عبد المنعم، أخبركم عبد الصمد بن محمد القاضي
حضورا، أنبأنا علي بن المسلم، أنبأنا الحسين بن طلاب، أنبأنا محمد بن
أحمد بن جميع، حدثنا واهب بن محمد بالبصرة، حدثنا نصر بن علي
الجهضمي، حدثنا محمد بن بكر البرساني، عن ابن جريج، عن ابن
المنكدر، عن أبي أيوب، عن مسلمة بن مخلد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فك عن مكروب فك الله عنه كربة
من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته " (1)

(1) رجاله ثقات وهو في " المسند " 4 / 104، وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر عند
أحمد: 2 / 91، 252، 274، 296، 389، 404، 500، 514، 522، والبخاري (2442)
في المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، وأخرجه مختصرا في الاكراه (6951)
باب: يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه.
وأخرجه مسلم في البر (2580) مختصرا، باب: تحريم الظلم، و (2590) (72) مختصرا، وفي
الذكر (2699) باب: الاجتماع على تلاوة القرآن. وأخرجه أبو داود (4893) باب المؤاخاة، و
(4946)، باب: في المعونة للمسلم، كما أخرجه مختصرا في الصلاة (1455)، وأخرجه
الترمذي (1425) في الحدود، باب: ما جاء في الستر على المسلم، وفي البر (1931) باب ما
جاء في الستر على المسلم، وفي القراءات (2646) باب: فضل مدارسة القرآن. وأخرجه ابن
ماجة (225) في المقدمة باب: فضل العلماء، وفي الحدود (2544) مختصرا، باب: الستر على
المؤمن. ونسبه الحافظ المنذري إلى النسائي.
334

هذا حديث جيد الاسناد، ومسلمة له صحبة. ولكن لا شئ له في الكتب
إلا في سنن أبي داود، من روايته عن رويفع بن ثابت.
وبه أخبرنا ابن جميع، حدثنا جعفر بن محمد الهمذاني، حدثنا هلال بن
العلاء، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، حدثني موسى بن عقبة عن
سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من
جلس في مجلس كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك ربنا وبحمدك،
لا إله إلا أنت أستغفرك ثم أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه " (1).
هذا حديث صحيح غريب.
وفي تاريخ القاضي تاج الدين عبدا لباقي: أن ابن جريج قدم وافدا على
معن بن زائدة لدين لحقه، فأقام عنده إلى عاشر ذي القعدة. فمر بقوم تغني

(1) إسناده قوي، وأخرجه الترمذي (3429) في الدعوات، باب: ما يقول الرجل إذا قام من
مجلسه. وحسنه وأبو داود (4858) في الأدب، باب: في كفارة المجلس، وصححه ابن حبان
(2366)، والحاكم 1 / 536، ووافقه الذهبي. وهو كما قالوا. وفي الباب عن أبي برزة الأسلمي
عند أبي داود (4859)، والدارمي 2 / 283، والحاكم 1 / 536 - 537. وعن عبد الله بن عمرو بن
العاص، عند أبي داود (4857) وصححه ابن حبان (2367)، وعن جبير بن مطعم عند النسائي،
والطبراني، والحاكم. وعن رافع بن خديج، عند النسائي، والحاكم، وعن عائشة عند الحاكم
أيضا.
335

لهم جارية بشعر عمر بن أبي ربيعة: (1)
هيهات من أمة الوهاب منزلنا * إذا حللنا بسيف البحر من عدن
واحتل أهلك أجيادا فليس لنا * إلا التذكر أو حظ من الحزن
تالله (2) قولي له في غير معتبة * ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها * فما أصبت (3) بترك الحج من ثمن
قال: فبكى ابن جريج وانتحب، وأصبح إلى معن وقال: إن أردت بي خيرا
فردني إلى مكة، ولست أريد منك شيئا. قال: فاستأجر له أدلاء، وأعطاه
خمس مئة دينار، ودفع إليه ألفا وخمسمائة. فوافى الناس يوم عرفة.
عن ابن جريج قال: أقمت على عطاء إحدى وعشرين حجة، يخرج أبواي
إلى الطائف وأقيم أنا تخوفا أن يفجعني عطاء بنفسه. قال بعض الحفاظ: لابن
جريج نحو من ألف حديث يعني المرفوع - وأما الآثار والمقاطيع والتفسير،
فشئ كثير.
139 - حنظلة بن أبي سفيان * (ع)
ابن عبد الرحمن، بن صفوان، بن أمية، بن خلف الجمحي، المكي،
الحافظ.

(1) الأبيات في ديوان عمر بن أبي ربيعة 283 - 284 تحقيق الأستاذ محيي الدين عبد
الحميد.
(2) في الديوان " بالله ".
(3) في الديوان " أخذت ".
(*) طبقات خليفة (286)، تاريخ البخاري 3 / 44، التاريخ الصغير 2 / 111، 113،
الجرح والتعديل 3 / 241 - 242، مشاهير علماء الأمصار 145، الكامل في التاريخ
5 / 607، تهذيب الكمال 347 - 348، تذهيب التهذيب 1 / 182 / 1، ميزان الاعتدال
1 / 620 - 621، تذكرة الحفاظ 1 / 176، العقد الثمين: 4 / 250، تهذيب التهذيب 3 / 60 -
61، خلاصة تذهيب الكمال 96، شذرات الذهب 1 / 230 - 231.
336

حدث عن: طاووس، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسعيد
ابن مينا، وعطاء، ونافع، وجماعة.
وكان من أئمة الحديث بمكة.
حدث عنه: سفيان الثوري، وابن المبارك، ويحيى القطان، والوليد بن
مسلم، ووكيع، وابن وهب، وعبيد الله بن موسى، وإسحاق بن سليمان، وأبو
عاصم، ومكي بن إبراهيم، وعدة.
قال أحمد بن حنبل: ثقة ثقة. وقال يحيى بن سعيد: ثقة، مات سنة إحدي
وخمسين ومئة. وقد تناكد ابن عدي في ذكره له في " الكامل " فما أبدى شيئا
يتعلق به عليه متعنت أصلا. قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني،
وقيل له: كيف رواية حنظلة عن سالم؟ فقال: واد (1). ورواية موسى بن عقبة،
عن سالم: واد آخر. وأحاديث الزهري عن سالم كأنها أحاديث نافع. قيل
لعلي: فهذا يدل على أن سالما كثير الحديث؟ قال: أجل.
قال يحيى بن معين: حنظلة ثقة.
ابن عدي: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور، وما كتبته إلا عنه، حدثنا
الفضل بن الصباح، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن حنظلة، عن
نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اغسلوا قتلاكم " غريب جدا.
ورواته ثقات.
وهذا محمول على من قتل في غير مصاف. ولعل الغلط فيه من شيخ ابن

(1) في الأصل " وادي ".
337

عدي، أو شيخ شيخه. والثقة قد يهم (1). مات حنظلة في سنة إحدى
وخمسين ومئة.
140 - سيف بن سليمان * (خ، م، د، س، ق)
المكي، أحد الثقات. كان من موالي بني مخزوم. سمع مجاهدا، وعمرو
ابن دينار، وعطاء، وقيس بن سعد.
وعنه: يحيى القطان، وأبو عاصم، وابن نمير، وزيد بن الحباب، وأبو
نعيم، وآخرون. وهو في نفسه ثقة. لكن رماه يحيى بن معين بالقدر. وقال
مات في سنة إحدى وخمسين ومئة. وقال ابن سعد: مات سنة خمسين ومئة
وتعنت (2) ابن عدي بذكره في " الكامل " وساق حديثه عن قيس بن سعد، عن

(1) وهذا النقد من المؤلف، رحمه الله، بين سعة اطلاعه، ونفاذ بصيرته في متون
الأحاديث ونقدها، ولو كان سندها صحيحا. وله من ذلك الشئ الكثير، لكنه منثور في
التراجم. وطالما غفل كثير من المحدثين عن هذا، مع أن الصحابة رضوان الله عليهم
جميعا. ولا سيما عائشة، كانوا يعنون بنقد المتون. وتوهينها إذا كانت مخالفة للقرآن
الكريم. أو الحسن السليم، أو مباينة للعقل الذي استوعب أصول الاسلام وكلياته. وكتاب
" مستدركات عائشة " على الصحابة، الذي ألفه الامام الزركشي يعد أنموذجا تطبيقيا على
نقد المتون، ولو كان رجال إسنادها عدولا وثقات.
(*) طبقات خليفة (283)، تاريخ البخاري 4 / 171، التاريخ الصغير 2 / 113، الجرح
والتعديل 4 / 274، مشاهير علماء الأمصار 147، تهذيب الكمال 569، تذهيب التهذيب
2 / 67 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 55، العقد الثمين: 4 / 632، تهذيب التهذيب 4 / 294،
خلاصة تذهيب الكمال 147.
(2) لقد تعقب المؤلف رحمه الله ابن عدي في " الميزان " في أكثر من موضع وقد ذكر
بعضها الامام اللكنوي في " الرفع والتكميل " (ص 142 - 149) فارجع إليه.
338

عمرو بن دينار، عن ابن عباس مرفوعا حديث " قضى بيمين وشاهد " (1). فسأل
عباس يحيى عنه فقال: ليس بمحفوظ، وسيف قدري. قال يحيى القطان: كان
عندنا ثبتا ممن صدق ويحفظ. وقال النسائي: ثقة، ثبت.
141 - عثمان بن الأسود * (ع)
المكي مولى بني جمح.
حدث عن: طاووس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، وجماعة.
وعنه: الثوري وابن المبارك ويحيى القطان، وأبو عاصم، والخريبي، وعبيد
الله بن موسى وآخرون.
وثقة يحيى القطان. وقال علي بن المديني: له نحو من عشرين ومئة. قال
شباب: مات سنة سبع وأربعين ومئة. وقيل: توفي سنة خمسين ومئة.
142 - العلاء بن المسيب * * (ع)
ابن رافع الأسدي، الكوفي.
حدث عن خيثمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم، وعطاء بن أبي رباح وجماعة.

(1) أخرجه مسلم (1712) في الأقضية، باب: القضاء باليمين والشاهد، وأحمد
1 / 248، 315، 323، وأبو داود (3608)، وابن ماجة (2370) كلهم من حديث قيس بن
سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وفي الباب: عن أبي هريرة عند أبي داود
(3610)، والترمذي (1343)، وابن ماجة (2368) وعن جابر عند الترمذي (1344)،
وابن ماجة (2369). وعن سعد بن عبادة عند الترمذي (1343)، والدارقطني ص
516 وعن سرق عند ابن ماجة (2371)، وانظر نصب الراية 4 / 96 وما بعدها.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 21، تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (283)، تاريخ
البخاري 6 / 213، الجرح والتعديل 6 / 140، تهذيب الكمال 922، تذهيب التهذيب
3 / 34 / 2، تاريخ الاسلام للذهبي 5 / 276، ميزان الاعتدال 3 / 59 - 60، العقد الثمين
6 / 18، تهذيب التهذيب 7 / 153 - 154، خلاصة تذهيب الكمال 262، شذرات الذهب
1 / 230.
(* *) طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ البخاري 6 / 512، الجرح والتعديل 6 / 360 -
361، تهذيب الكمال 1075، تذهيب التهذيب 3 / 125 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 105،
تهذيب التهذيب 8 / 192، خلاصة تذهيب الكمال 300.
339

روى عنه جرير بن عبد الحميد، وعبثر بن القاسم وحفص بن غياث،
ومروان بن معاوية، ومحمد بن فضيل. وآخرون.
قال يحيى بن معين: ثقة، مأمون.
143 - زكريا بن إسحاق * (ع)
المكي، من علماء الحديث.
حدث عن عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبي الزبير، ويحيى بن
عبد الله بن صيفي. وجماعة.
حدث عنه: ابن المبارك، ووكيع، وأبو عاصم، وأبو عامر العقدي، وروح
ابن عبادة، وعبد الرزاق، وآخرون.
وكان ثقة في نفسه، صدوقا. إلا أنه رمي بالقدر. قال أبو حاتم: لا بأس
به. وقال يحيى بن معين: قدري. قلت: توفي سنة نيف وخمسين ومئة.
144 - مقاتل بن حيان * * (م، 4)
ابن دوال دور. الامام العالم المحدث، الثقة. أبو بسطام النبطي البلخي،

* تاريخ البخاري: 3 / 423، الجرح والتعديل 3 / 593، تهذيب الكمال 432 -
433، تذهيب التهذيب 1 / 237 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 71، العقد الثمين: 4 / 442،
تهذيب التهذيب 3 / 328 - 329، خلاصة تذهيب الكمال 122.
(* *) طبقات خليفة (322)، تاريخ البخاري; 8 / 13، التاريخ الصغير 2 / 11، الجرح
والتعديل 8 / 353، مشاهير علماء الأمصار 195، الكامل في التاريخ 5 / 308 - 342 -
343، تهذيب الكمال 1365، تذهيب التهذيب 4 / 64 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 174، ميزان
الاعتدال 4 / 171 - 172، تهذيب التهذيب 10 / 277 - 279، خلاصة تذهيب الكمال
386 طبقات المفسرين 2 / 329.
340

الخراز. طوف وجال.
وحدث عن الشعبي، ومجاهد، والضحاك، وعكرمة، وابن بريدة، وشهر بن
حوشب، وسالم بن عبد الله، ومسلم بن هيصم، وعمر بن عبد العزيز وعدة.
روى عنه: شيخه علقمة بن مرثد، وبكير بن معروف، وإبراهيم بن
أدهم، وعبد الله بن المبارك، وعمر بن الرماح، وعيسى غنجار (1)،
ومسلمة بن علي الخشني، وعبد الرحمن المحاربي، وعدد كثير. وله حديث
في صحيح مسلم من رواة علقمة عنه. وكان من العلماء العاملين، ذا نسك
وفضل، صاحب سنة.
هرب من خراسان أيام أبي مسلم صاحب الدولة، إلى بلاد كابل، فدعاهم
إلى الله، فأسلم على يده خلق.
قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو داود: ليس به بأس. ووثقه أبو داود
أيضا، وقال الدارقطني: صالح الحديث. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به. قال
أحمد بن سيار: له إخوة: مصعب، وحسن، ويزيد. وخطتهم بمرو، وتعرف
بسكة حيان من موالي بني شيبان. كان ذا منزلة عند قتيبة بن مسلم الأمير هرب
مقاتل إلى كابل، فأسلم به خلق. وقال فيه عبد الغني الأزدي: هو الخراز،
براء ثم زاي. قلت: توفي في حدود الخمسين ومئة. وعاش مقاتل بن
سليمان المفسر الضعيف بعده أعواما.

(1) هو عيسى بن موسى البخاري ولقبه، غنجار.
341

145 - أسامة بن زيد * (4، م تبعا)
الامام، العالم، الصدوق، أبو زيد الليثي، مولاهم المدني.
حدث عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي، ونافع العمري،
وعمرو بن شعيب، وسعيد المقبري، وجماعة.
روى عنه حاتم بن إسماعيل، وابن وهب، وأبو ضمرة أنس بن عياض،
وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم، وآخرون.
قال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي. واختلف
قول يحيى بن سعيد القطان. قال ابن معين: كان يحيى بن سعيد يكره لأسامة
ابن زيد أنه حدث عن عطاء، عن جابر، أن رجلا قال: يا رسول الله " حلقت
قبل أن أنحر " (1). إنما هو مرسل. وقال أحمد بن حنبل: ترك يحيى بن سعيد

تاريخ خليفة 426، طبقات خليفة (273)، تاريخ البخاري: 2 / 20، الطبري
4 / 197 - 210 - 211 - 256 - 366 - 405، التاريخ الصغير: 1 / 181، 19، 23، 120،
الجرح والتعديل 2 / 284، كتاب المجروحين 1 / 179، تهذيب الكمال 78، تذهيب
التهذيب 1 / 50 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 174 - 175، الوافي بالوفيات 8 / 382، تهذيب
التهذيب 1 / 208 - 210، خلاصة تذهيب الكمال 26، شذرات الذهب 1 / 234.
(1) أخرج ابن ماجة (3052) في المناسك، من طريق: هارون بن سعيد المصري،
عن عبد الله بن وهب، أخبرني أسامة بن زيد حدثني عطاء بن أبي رباح، أنه سمع جابر بن
عبد الله يقول: قعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمنى يوم النحر للناس، فجاءه رجل، فقال: يا رسول
الله، إني حلقت قبل أن أذبح، قال: لا حرج ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله: إني نحرت
قبل أن أرمي. قال: لا حرج. فما سئل يومئذ عن شئ. قدم قبل شئ، إلا قال: " لا
حرج " وسنده حسن. وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وأخرج مالك 1 / 421، والبخاري 3 / 454 - 455، ومسلم (1306) في الحج، باب:
من حلق قبل النحر، وأبو داود (2014) في المناسك، باب: فيمن قدم شيئا قبل شئ في
حجه من طريق: ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه
قال: وقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للناس بمنى، والناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: يا رسول
الله، لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " انحر ولا حرج " ثم جاءه آخر
فقال: يا رسول الله لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال: " ارم ولا حرج " قال: فما سئل
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن شئ قدم ولا أخر إلا قال: " افعل ولا حرج ".
وقد نقل الخطابي في " معالم السنن 2 / 432 عن أحمد وإسحاق في من فعل ذلك
ساهيا، أنه لا شئ عليه. لأنه يرى أن حكم العامد خلاف ذلك. ويدل على صحة ما ذهب
إليه أحمد قوله في هذا الحديث " إني لم أشعر فحلقت ". وقال ابن قدامة في " المغني "
3 / 474: قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل حلق قبل أن يذبح، فقال: إن كان
جاهلا فليس عليه، فأما التعمد فلا لان النبي، صلى الله عليه وسلم، سأله رجل قال: " لم أشعر ".
وقال ابن دقيق العيد، في شرح عمدة الاحكام، 3 / 79: ما قاله أحمد قوي من جهة أن
الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج، لقوله " خذوا عني مناسككم " وهذه
الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل " لم أشعر " فيختص
الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج.
342

حديث بأخرة. ثم قال أحمد: له عن نافع مناكير. وقال أيضا، إذا تدبرت (1)
حديثه تعرف فيه النكرة. وجاء عن يحيى بن معين: انه ثقة. وجاء عنه قال:
ترك حديثه بأخرة. وهذا وهم. بل هذا القول الأخير هو قول يحيى بن سعيد
فيه. وقد روى عباس عن يحيى: ثقة. وروى أحمد بن أبي مريم، عن يحيى:
ثقة، حجة. فابن معين حسن الرأي في أسامة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه
ولا يحتج به. قلت: توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة. وقد يرتقي حديثه إلى رتبة
الحسن، استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعات.
أما أسامة بن زيد بن أسلم العمري المدني، فضعفه أزيد. ولا شئ له في
الكتب، سوى حديث واحد عند ابن ماجة.

(1) المخاطب هنا " عبد الله بن أحمد بن حنبل " راجع الميزان وتهذيب التهذيب.
343

146 - ثور بن يزيد (خ، 4)
المحدث، الفقيه، عالم حمص، أبو يزيد الكلاعي، الحمصي.
حدث عن خالد بن معدان وراشد بن سعد، وعطاء بن أبي رباح، وحبيب
ابن عبيد، ونافع، والزهري، وعمرو بن شعيب، في خلق كثير. كان من أوعية
العلم لولا بدعته.
حدث عنه: ابن إسحاق رفيقه، وسفيان الثوري، والمعافى بن عمران،
وابن المبارك، والوليد بن مسلم، ويحيى بن سعيد القطان، وبقية بن الوليد،
وخالد بن الحارث، وأبو عاصم النبيل، وعدة.
يقع حديثه عاليا في البخاري، وهو حافظ متقن. حتى إن يحيى القطان
قال: ما رأيت شاميا أوثق من ثور كنت أكتب عنه بمكة في ألواح. وعن وكيع:
كان ثور أعبد من رأيت. وقال عيسى بن يونس: كان ثور من أثبتهم. وقال
يحيى بن معين وغيره: ثقة. قال ابن عدي: وثقوه، ولا أرى بحديثه بأسا. وله
من " المسند " نحو مئتي حديث، لم أر له أنكر مما ذكرت. وقال أبو حاتم:
صدوق، حافظ.
قال أبو توبة الحلبي: حدثنا أصحابنا أن ثورا لقي الأوزاعي، فمد يده إليه،
فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه وقال: يا ثور، لو كانت الدنيا، لكانت

تاريخ خليفة 427، طبقات خليفة (315)، تاريخ البخاري 2 / 181، التاريخ
الصغير 2 / 99 - 100، الجرح والتعديل 2 / 468 - 469، الكامل في التاريخ 5 / 611،
تهذيب الكمال 179، وقد تحرف اسم أبيه فيه إلى " زياد "، تذهيب التهذيب 1 / 98 / 2،
تذكرة الحفاظ 1 / 175، ميزان الاعتدال 1 / 374 - 375، تهذيب التهذيب 2 / 33 - 35
خلاصة تذهيب الكمال 58.
344

المقاربة. ولكنه الدين. وقال أحمد: كان ثور يرى القدر، وليس به بأس. قال
عبيد الله بن موسى: قال سفيان: اتقوا ثورا، لا ينطحنكم بقرنه.
قلت: كان ثور عابدا، ورعا، والظاهر أنه رجع، فقد روى أبو زرعة عن
منبه بن عثمان، أن رجلا قال لثور: يا قدري. قال: لئن كنت كما قلت إني
لرجل سوء، وإن كنت على خلاف ما قلت إنك لفي حل. قال إسماعيل بن
عياش: نفى أسد بن وداعة ثورا. وقال عبد الله بن سالم: أخرجوه وأحرقوا
داره لكلامه في القدر. قال ابن سعد، وخليفة: توفي ثور سنة ثلاث وخمسين
ومئة. وقال يحيى بن بكير: سنة خمس وخمسين. وقال ابن سعد: توفي
ببيت المقدس.
147 - حسين المعلم * (ع)
هو أبو عبد الله الحسين بن ذكوان، العوذي، البصري، المؤدب.
حدث عن عبد الله بن بريدة، وعطاء بن أبي رباح، وبديل بن ميسرة،
وعمرو بن شعيب، ويحيى بن أبي كثير، وقتادة، وطائفة سواهم.
حدث عنه: إبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن المبارك، وغندر، وعبد

تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (220)، تاريخ البخاري: 2 / 387، الجرح
والتعديل 3 / 52، مشاهير علماء الأمصار 154، تهذيب الكمال 288، تذهيب التهذيب
1 / 148 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 174، تهذيب التهذيب 2 / 338 - 339، خلاصة تذهيب
الكمال 83، مقدمة فتح الباري ص 395: وفيها توثيقه عن ابن معين والنسائي وأبي حاتم
وأبي زرعة وابن سعد والعجلي والبزار والدار قطني. وقال يحيى القطان: فيه اضطراب.
وعلق الحافظ على قول يحيى هذا فقال: لعل الاضطراب في الرواة عنه، فقد احتج به
الأئمة.
345

الوارث بن سعيد، ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة
وآخرون.
وثقه أبو حاتم الرازي، والنسائي، والناس. وقد ذكره العقيلي في كتاب
" الضعفاء " له بلا مستند. وقال: هو مضطرب الحديث. وقال أبو بكر بن خلاد:
سمعت يحيى بن سعيد القطان - وذكر حسين المعلم - فقال: فيه اضطراب
قلت، الرجل ثقة. وقد احتج به صاحبا " الصحيحين " ومات في حدود سنة
خمسين ومئة. وذكر له العقيلي حديثا واحدا تفرد بوصله، وغيره من الحفاظ
أرسله. فكان ماذا؟ فليس من شرط الثقة أن لا يغلط أبدا. فقد غلط شعبة،
ومالك، وناهيك بهما ثقة ونبلا، وحسين المعلم ممن وثقه يحيى بن معين،
ومن تقدم مطلقا، وهو من كبار أئمة الحديث. والله أعلم.
148 - عمرو بن ميمون * (ع)
ابن مهران. الامام، الحافظ، أبو عبد الله الجزري، الفقيه.
حدث عن أبيه، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول.
حدث عنه، الثوري، وعباد بن العوام، وابن المبارك، وأبو معاوية، وبشر
ابن المفضل، ويزيد بن هارون، ومحمد بن بشر وآخرون.
وكان يقول: لو علمت أنه بقي علي حرف من السنة باليمن لأتيتها. قلت:
هذه الدعوى تدل على سعة علمه.

تاريخ خليفة 423، طبقات خليفة (320)، تاريخ البخاري: 6 / 367، التاريخ
الصغير 2 / 86، 87، الجرح والتعديل 6 / 258، تهذيب الكمال 1052، تذهيب التهذيب
3 / 110 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 60، العقد الثمين: 6 / 417، تهذيب التهذيب 8 / 108،
109، خلاصة تذهيب الكمال 294.
346

قال أبو الحسن الميموني: حدثنا أبي قال: لما رأيت قدر عمي عمرو بن
ميمون عند المنصور، قلت له، لو أنك سألت أمير المؤمنين أن يقطعك
قطيعة. فسكت. فألححت عليه فقال: يا بني، إنك لتسألني أن أسأله شيئا قد
ابتدأني هو به غير مرة، فلم أفعل.
قال يحيى بن معين وغيره: عمرو بن ميمون: ثقة.
وقال الميموني: سمعت أبي يصف عمرو بن ميمون بمعرفة القرآن،
والنحو. ولم أره يغتاب أحدا.
وقال هلال بن العلاء: مات عمرو بالرقة، وكان يؤدب بحصن مسلمة.
وقال الواقدي، وخليفة، وأبو عبيد: مات في سنة خمسين وأربعين ومئة.
149 - عبد الله بن شبرمة * (م، د، س، ق)
الامام العلامة، فقيه العراق. أبو شبرمة. قاضي الكوفة.
حدث عن أنس بن مالك، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، وأبي وائل شقيق،
وعامر الشعبي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
وإبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، وسالم بن عبد الله، والحسن البصري،
ونافع، وسالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وأبي زرعة،
وطائفة.

تاريخ خليفة 361، 421، طبقات خليفة (167)، تاريخ البخاري 5 / 117،
التاريخ الصغير 2 / 77 - 78، الجرح والتعديل 5 / 82، مشاهير علماء الأمصار 168، الكامل
في التاريخ 5 / 228، تهذيب الكمال 692، تذهيب التهذيب 2 / 150 / 2، تاريخ الاسلام
5 / 88 - 89، ميزان الاعتدال 2 / 438، تهذيب التهذيب 5 / 250 - 251، خلاصة تذهيب
الكمال 200 - 201، شذرات الذهب 1 / 215 - 216.
347

حدث عنه: الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وهشيم، وعبد
الواحد بن زياد، وسفيان بن عيينة، وعبد الوارث بن سعيد، وأحمد بن بشير،
ووهيب بن خالد، وشعيب بن صفوان، وخلق سواهم.
وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وغيرهما. وكان من أئمة
الفروع، وأما الحديث، فما هو بالمكثر منه، له نحو من ستين أو سبعين
حديثا.
وهو عبد الله بن شبرمة، بن طفيل، بن حسان، الضبي. وهو عم عمارة بن
القعقاع، ولكن عمارة أسن منه. وآخر أصحابه موتا أبو بدر السكوني.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان ابن شبرمة عفيفا، صارما، عاقلا،
خيرا، يشبه النساك. وكان شاعرا، كريما، جوادا. له نحو من خمسين حديثا.
روى ابن فضيل، عن ابن شبرمة قال: كنت إذا اجتمعت أنا والحارث
العكلي على مسألة لم نبال من خالفنا. وقال فضيل بن غزوان: كنا نجلس أنا
وابن شبرمة، والحارث بن يزيد العكلي، والمغيرة، والقعقاع بن يزيد بالليل
نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء بالفجر. وقال عبد الوارث: ما
رأيت أحدا أسرع جوابا من ابن شبرمة. وقال معمر: رأيت ابن شبرمة إذا قال
له الرجل: جعلت فداك، يغضب، ويقول: قل: غفر الله لك.
وروى ابن السماك، عن ابن شبرمة قال: من بالغ في الخصومة أثم، ومن
قصر فيها خصم. ولا يطيق الحق من بالى على من دار الامر. وروى ابن
المبارك، عن ابن شبرمة قال: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء
ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار.
قال أحمد العجلي: كان عيسى بن موسى لا يقطع أمرا دون ابن شبرمة.
قال: فبعث أبو جعفر المنصور إلى عيسى بعمه عبد الله بن علي ليحبسه،
348

ثم كتب إليه: أن اقتله، فإنه.. وإنه.. فاستشار ابن شبرمة، فقال له:
[لم] (1) يرد المنصور غيرك؟! وكان عيسى ولي العهد. فقال: ما ترى؟ قال:
احبسه واكتب إليه أنك قتلته. ففعل. فجاء أخوه عبد الله إلى عيسى فقال: إن
أمير المؤمنين كتب إلي أن اقتله، فقد قتلته، فرجعوا إلى أبي جعفر فقال:
كذب، لأقيدنه به. فارتفعوا إلى القاضي. فلما حققوا على عيسى أخرجه
إليهم. فقال أبو جعفر، قتلني الله إن لم أقتل الأعرابي - يريد ابن شبرمة - فإن
عيسى لا يعرف هذا. قال: فما زال ابن شبرمة مختفيا حتى مات بخراسان.
سيره إليها عيسى بن موسى
روى ابن فضيل عن أبيه، قال: كان ابن شبرمة، ومغيرة، والحارث
العكلي يسهرون في الفقه، فربما لم يقوموا إلى الفجر. توفي سنة أربع
وأربعين ومئة. أرخه أبو نعيم والمدائني.
150 - عمرو بن الحارث * (ع)
ابن يعقوب، بن عبد الله، العلامة الحافظ، الثبت، أبو أمية الأنصاري،
السعدي، مولاهم، المدني الأصل، المصري. عالم الديار المصرية
ومفتيها. مولى قيس بن سعد بن عبادة.
ولد بعد التسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك. وروى عن ابن أبي

(1) سقطت من الأصل
(*) طبقات خليفة (296)، تاريخ البخاري 6 / 320، التاريخ الصغير 2 / 96، الجرح
والتعديل 6 / 225، مشاهير علماء الأمصار 187، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب
الكمال 1029 - 1030، تذهيب التهذيب 3 / 95 / 1، تذكره الحفاظ 1 / 133، ميزان
الاعتدال 1 / 252، تاريخ الاسلام 6 / 105، 107، تهذيب التهذيب 8 / 14 - 16، خلاصة
تذهيب الكمال 287، شذرات الذهب 1 / 223 حسن المحاضرة 1 / 300
349

مليكة، وأبي يونس، مولى أبي هريرة، وعمرو بن شعيب، وأبي عشانة
المعافري، وابن شهاب، وأبي الزبير، وقتادة، وعبدة بن أبي لبابة، ويزيد بن
أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وكعب بن علقمة، ويزيد بن عبد الله بن
قسيط، وبكر بن سوادة، وبكير بن الأشج، وثمامة بن شفي، وجعفر بن
ربيعة، وأبيه الحارث، والجلاح أبي كثير، وحبان بن واسع، وزيد بن أسلم
ودراج أبي السمح، وربيعة الرأي، وزيد بن أبي أنيسة، وسالم أبي النضر،
وسعيد بن الحارث الأنصاري، وسعيد بن أبي هلال، وعامر بن يحيى
المعافري، وعبد الرحمن بن القاسم، وعمرو بن دينار، وعمارة بن غزية
وهشام بن عروة، وخلق كثير. وبرع في العلم، واشتهر اسمه.
حدث عنه: قتادة شيخه، وبكير بن عبد الله بن الأشج شيخه أيضا. وقيل:
إن مجاهد بن جبر روى عنه، وهذا وهم لا يسوغ. وحدث عنه صالح بن
كيسان وهو أكبر منه، وأسامة بن زيد الليثي وهو من طبقته وأسن، ومالك
والليث، وبكر بن مضر، ويحيى بن أيوب، وموسى بن أعين، ونافع [بن] (1)
يزيد، وابن وهب، ومحمد بن شعيب بن شابور. ولم يشخ، إنما مات في
الكهولة.
قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول:
ليس فيهم - يعني أهل مصر أصح حديثا من الليث، وعمرو بن الحارث يقاربه.
وقال الأثرم، عن أحمد: ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث، لا عمرو بن
الحارث ولا أحد، وقد كان عمرو عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير، [وقال في
موضع آخر: عن أحمد:] (2)، عمرو بن الحارث حمل حملا شديدا، يروي
عن قتادة أحاديث يضطرب فيها ويخطئ. وقال ابن

(1) سقطت من الأصل.
(2) زيادة من تاريخ المؤلف والتهذيب.
350

معين من طريق الكوسج، وأبو زرعة، والعجلي، والنسائي، وطائفة: ثقة.
قال يعقوب بن شيبة: كان يحيى بن معين يوثقه جدا. وقال النسائي، الذي
يقول مالك في كتابه. الثقة عن بكير، يشبه أن يكون عمرو بن الحارث. وروى
عمرو بن سواد، عن ابن وهب قال: سمعت من ثلاث مئة شيخ وسبعين شيخا
فما رأيت أحدا أحفظ من عمرو بن الحارث، وذلك أنه كان قد جعل على
نفسه أنه يحفظ كل يوم ثلاثة أحاديث.
وقال ابن وهب: حدثنا عبد الجبار بن عمر قال: قال ربيعة: لا يزال بذلك
المصر علم ما دام بها ذلك القصير - يعني عمرو بن الحارث -.
حرملة عن ابن وهب قال: اهتدينا في العلم بأربعة: اثنان بمصر، واثنان
بالمدينة. عمرو بن الحارث والليث بن سعد بمصر، ومالك وابن الماجشون
بالمدينة، لولا هؤلاء لكنا ضالين.
قلت: بل لولا الله، لكنا ضالين. اللهم لولا أنت ما اهتدينا.
وقال أحمد بن يحيى بن وزير، عن ابن وهب قال: لو بقي لنا عمرو بن
الحارث ما احتجنا إلى مالك.
هارون بن معروف، عن ابن وهب قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: اكتب
لي من أحاديث عمرو بن الحارث فكتبت له مئتي حديث وحدثته بها.
وروى شعيب بن الليث، عن أبيه قال: كان بين عمرو بن الحارث وبين أبيه
الحارث بن يعقوب كما بين السماء والأرض في الفضل. فالحارث أفضل.
وكان بينه وبين أبيه يعقوب في الفضل كما بين السماء والأرض.
وقال أبو حاتم الرازي: كان عمرو أحفظ أهل زمانه. لم يكن له نظير في
الحفظ في زمانه. وقال سعيد بن عفير: كان أخطب أهل زمانه، وأبلغهم،
وأرواهم للشعر. وقال مصعب الزبيري: أخرجه صالح بن علي الهاشمي من
351

المدينة إلى مصر مؤدبا لبنيه. قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه ": كان فقيها
أديبا، أدب لولد صالح بن علي. وروى عباس، عن يحيى قال: كان يعلم
ولد صالح بن علي، وكان سيئ الحال، فلما علمهم، صلح حاله، صار يلبس
الوشي والخز. وروى يحيى بن بكير عن الليث قال: كنت أرى عمرو بن
الحارث عليه أثواب بدينار: قميصه ورداؤه وإزاره، ثم لم تمض الأيام
والليالي حتى رأيته يجر الوشي والخز، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
عمر بن شبة قال لي محمد بن منصور، قال عمرو بن الحارث: الشرف
شرفان: شرف العلم، وشرف السلطان، وشرف العلم أشرفهما.
قال أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين: سمعت أحمد بن صالح -
وذكر الليث - فقال: إمام قد أوجب الله تعالى علينا حقه. فقلت له: الليث
إمام؟ قال: نعم لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثل الليث. وقال أبو عبد
الله بن الأجرم الحافظ: عمرو بن الحارث غزير عزيز الحديث جدا مع علمه
وثبته، وقلما يخرج حديثه من مصر. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان قارئا،
فقيها، مفتيا، ثقة. وقال ابن ماكولا: كان قارئا، مفتيا، أفتى في زمن يزيد بن
أبي حبيب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وكان أديبا فصيحا.
قال يحيى بن بكير: ولد سنة إحدى أو اثنتين وتسعين. وقال سعيد بن
عفير: سنة اثنتين. وقال ابن يونس: ولد سنة ثلاث. وقال الخطيب والأمير:
ولد سنة أربع. وقال أبو داود: عاش ثمانيا وخمسين سنة. قال ابن عفير
ويحيى بن بكير، وأحمد بن صالح، وابن يونس وغيرهم: مات سنة ثمان
وأربعين ومئة، زاد ابن يونس " في شوال ".
وقال ابن سعد، ويعقوب السدوسي: مات سنة سبع أو ثمان وأربعين
ومئة. وكذا قال أبو عبيد. وروى الغلابي. عن يحيى بن معين: مات سنة
352

تسع وأربعين ومئة.
قلت: الصحيح وفاته في شوال من سنة ثمان، مات معه الأعمش وجماعة
من الكبار.
قال سعيد بن أبي مريم، عن خاله قال: كان عمرو بن الحارث المصري،
يخرج من داره فيرى الناس صفوفا يسألونه عن القرآن، والحديث، والفقه،
والشعر، والعربية والحساب. وكان صالح بن علي الأمير قد جعله مؤدبا لولده
الفضل، فنال حشمة بذلك. وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ من عمرو. وقال
النسائي: عمرو بن الحارث أحفظ من ابن جريج
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وإسماعيل بن عبد الرحمن قراءة قالا:
أنبأنا الحسن بن صياح المخزومي، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا علي بن
الحسن القاضي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر البزاز، أنبأنا أبو طاهر
أحمد بن محمد بن عمرو المديني، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن
وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة حدثه عن أنس بن مالك أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب، ثم
ركب إلى البيت، فطاف به صلى الله عليه وسلم (1) هذا حديث صحيح من العوالي. وعندي
بهذا الاسناد إلى عمرو عدة أحاديث، ولا يقع حديثه أعلى من هذا، ولا يقع
في كتاب من الكتب الستة إلا بواسطة اثنين، حتى في " مسند أحمد " بينه وبينه
رجلان.

(1) وأخرجه البخاري 3 / 470 في الحج، باب: من صلى العصر يوم النحر بأبطح،
والدارمي 2 / 55، والمحصب: موضع فيما بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، وهو ما
انبطح من الوادي واتسع، وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحباب النزول بالمحصب
مع الاتفاق أنه ليس من المناسك.
سير 6 / 23
353

151 - أبوه الحارث * (م، ت، س)
من فضلاء التابعين، وعبادهم.
حدث عن عبد الرحمن بن شماسة، وأبي الحباب سعيد بن يسار.
وقيل: يروي عن سهل بن سعد الصحابي.
حدث عنه ابنه، ويزيد بن أبي حبيب رفيقه، والليث، وبكر بن مضر.
وكان أبوه يعقوب من العابدين أيضا. وكان الحارث ربما أحيى الليل
صلاة، رحمه الله. مات سنة ثلاثين ومئة.
152 - العوام بن حوشب * * (ع)
ابن يزيد، الامام المحدث، أبو عيسى الربعي الواسطي. كان له عدة
إخوة. أسلم جدهم يزيد على يد الإمام علي فجعله على شرطته.
حدث عن إبراهيم النخعي، ومجاهد، وعمرو بن مرة، وسلمة بن كهيل
وجماعة.
وعنه ابنه سلمة، وابن أخيه شهاب بن خراش، وشعبة، وهشيم، ويزيد بن
هارون، ومحمد بن يزيد وآخرون.

الجرح والتعديل 3 / 93 - 94، تهذيب الكمال 225، تذهيب التهذيب 1 / 116 / 1 -
2، تهذيب التهذيب 2 / 164، خلاصة تذهيب الكمال 69.
(* *) طبقات خليفة (326)، تاريخ البخاري 7 / 67، التاريخ الصغير 2 / 47، الجرح
والتعديل 7 / 22، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1065، تذهيب التهذيب
3 / 119 / 1، تهذيب التهذيب 8 / 163، خلاصة تذهيب الكمال 298، شذرات الذهب
1 / 244.
354

ذكره أحمد فقال: ثقة ثقة. وقال يزيد بن هارون: كان صاحب [أمر] (1)
بالمعروف ونهي عن المنكر. قال: وتوفي سنة ثمان وأربعين ومئة.
153 - أما العوام بن حمزة المازني *
فشيخ بصري، يروي عن أبي عثمان النهدي، وبكر بن عبد الله المزني.
حدث عنه يحيى القطان، وغندر، وطائفة.
قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال أحمد: له مناكير، وروى عباس
عن يحيى قال، ليس حديثه بشئ.
قلت: فهذا ممن يروي عنه القطان من الضعفاء، وخفي عليه أمره.
154 - هشام بن حسان * * (ع)
الامام العالم، الحافظ، محدث البصرة، أبو عبد الله الأزدي، القردوسي،
البصري ويقال: هو من العتيك، ونزل في القراديس، وقيل: هو من مواليهم،
وهو أشبه. فلم يسم له جد مع شهرة هشام ونبله. وما علمت له شيئا عن
الصحابة والظاهر أنه رأى أنس بن مالك فإنه أدركه وهو قد اشتد.
حدث عن الحسن، وابن سيرين، وأخته حفصة بنت سيرين، وأبي مجلز،

(1) زيادة يتطلبها المعنى وهي من التهذيب.
(*) تاريخ البخاري: 7 / 67، الجرح والتعديل 7 / 22 - 23، تهذيب الكمال 1056،
تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 303، تهذيب التهذيب 8 / 163، خلاصة
تذهيب الكمال 295.
(* *) تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (219)، تاريخ البخاري: 8 / 197، التاريخ
الصغير 2 / 85، الجرح والتعديل 9 / 54 - 55، الكامل في التاريخ 5 / 583، تهذيب الكمال
1436، تذهيب التهذيب 4 / 113 / 2، تاريخ الاسلام 6 / 144، تذكرة الحفاظ 1 / 163،
ميزان الاعتدال 4 / 295 - 298، تهذيب التهذيب 11 / 34 - 37، خلاصة تذهيب الكمال
409، شذرات الذهب 1 / 219.
355

وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وأنس بن سيرين، وأبي معشر زياد بن كليب،
وحميد بن هلال، وقيس بن سعد، وواصل مولى أبي عيينة، ويحيى بن أبي
كثير، وأيوب بن موسى القرشي، وعبد العزيز بن صهيب. وينزل إلى أن
يروي عن سهيل بن أبي صالح، ومهدي بن ميمون. وهو أصغر منه.
حدث عنه: ابن جريج، وابن أبي عروبة، وشعبة، وسفيان، وإبراهيم بن
طهمان، وزائدة، والحمادان وفضيل بن عياض، وهشيم، ومعتمر، وابن
عيينة، وابن علية، وجرير، وحفص بن غياث، وأبو أسامة، ويحيى القطان،
ويزيد بن هارون، وغندر، والنضر بن شميل، ومحمد بن بكر البرساني،
وروح، والأسود بن عامر، وعثمان بن عمر بن فارس، ومحمد بن عبد الله
الأنصاري، وأبو عاصم، وعبد الله بن بكر السهمي، ومكي بن إبراهيم ووهب
ابن جرير، وسعيد بن عامر، وعثمان بن الهيثم المؤذن، وخلق كثير.
قال محمد بن سلام الجمحي: هشام بن حسان مولى القراديس من
الأزد. وقال سليمان بن أبي شيخ: إنما سمي " قردوس " من جماله. وقال أبو
حفص الفلاس، هشام مولى العتك، نزل درب القراديس فنسب إليهم.
روى حماد عن هشام قال: كناني محمد بن سيرين أبا عبد الله ولم يولد
لي. وروى حماد، عن سعيد بن أبي صدقة، أن محمد بن سيرين قال: هشام
منا أهل البيت. قال حماد: وكان أيوب يقول: سل لي هشاما عن حديث كذا.
قال سعيد بن أبي عروبة: ما رأيت، أو ما كان أحد أحفظ عن محمد من
هشام.
إبراهيم بن مهدي: سمعت حماد بن زيد يقول: أنبأنا أيوب وهشام.
وحسبك بهشام.
نعيم بن حماد: سمعت سفيان يقول: لقد أتى هشام أمرا عظيما بروايته عن
356

الحسن. قيل لنعيم: لم؟ قال: لأنه كان صغيرا.
قلت: هذا فيه نظر. بل كان كبيرا. وقد جاء أيضا عن نعيم بن حماد، عن
سفيان بن عيينة قال: كان هشام أعلم الناس بحديث الحسن. فهذا أصح.
قال سعيد بن عامر الضبعي، سمع هشاما يقول: جاورت الحسن عشر
سنين. وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن علية قال: كنا لا نعد هشام بن
حسان في الحسن شيئا.
مخلد بن الحسين، عن هشام، أنه كان إذا حدث عن ابن سيرين سرده
سردا كما سمعه. فأن كان ابن سيرين يرسل فيه أرسل فيه، في حديث ابن
سيرين خاصة.
عبد العزيز بن أبي رزمة، عن إبراهيم بن المغيرة المروزي، قلت لهشام بن
حسان: أخرج إلي بعض كتبك قال: ليس لي كتب - يعني كان يحفظ، وقلما
كتب.
وروى مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان قال: ما كتبت للحسن
ومحمد حديثا قط إلا حديث الأعماق لأنه طال علي فكتبته، فلما حفظته
محوته (1).
علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول، روى هشام بن حسان، عن أبي مجلز

(1) وأخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 383 والخطيب في " تقييد العلم "
60 عن هشام بن حسان: ما كتبت حديثا قط إلا حديث الأعماق، فلما حفظته محوته. وربما
يريد بحديث الأعماق الحديث الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " (2897) في أشراط
الساعة: باب فتح القسطنطينية من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة
حتى ينزل الروم الأعماق أو بدابق...
357

واحدا أو اثنين. قلت: ما هو؟
قال " لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب بيتا أو شيئا " (1) [قلت ليحيى: هذا
مما سمعته من أبي مجلز؟ قال نعم] (2)، لقيته بخراسان.
قلت ليحيى بن سعيد: هشام في ابن سيرين أحب إليك، أو عاصم الأحول
وخالد الحذاء؟ قال: هشام. ثم قال: هو عندي في الحسن دون محمد بن
عمرو.
حجاج بن منهال: كان حماد بن سلمة لا يختار على هشام في حديث ابن
سيرين أحدا.
قال علي بن المديني: أما حديث هشام عن محمد، فصحاح، وحديثه عن
الحسن عامتها تدور على حوشب، وهشام أثبت من خالد الحذاء في ابن
سيرين. هشام ثبت. وروى الحسن بن علي الخلال، عن علي بن المديني
قال: كان يحيى بن سعيد وكبار أصحابنا يثبتون هشام بن حسان. وكان يحيى
يضعف حديثه عن عطاء، وكان الناس يرون أنه أخذ حديث الحسن عن
حوشب.
علي بن المديني، عن عرعرة بن البرند: سألت عباد بن منصور، أتعرف
أشعث مولى آل حمران؟ قال: نعم. قلت: كان يقاعد الحسن؟ قال: نعم.
كثيرا. قلت: هشام بن حسان؟ قال: ما رأيته عند الحسن قط. قال عرعرة:

(1) لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة مرفوعا " لا
تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة " أخرجه البخاري 13 / 66
في التوحيد: باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان، ومسلم (2906) وأخرج مسلم (2907)
من حديث عائشة مرفوعا " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى "..
(2) زيادة من التهذيب.
358

فأخبرت بذلك جرير بن حازم، فقال: قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيت
هشاما عنده قط. قلت: فأشعث؟ قال: ما أتيت الحسن إلا رأيته عنده.
شعيب بن حرب، عن شعبة قال: لو حابيت أحدا لحابيت هشام بن
حسان، كان ختني (1) ولم يكن يحفظ.
معاوية بن صالح، عن ابن معين، قال: زعم معاذ بن معاذ قال: كان شعبة
يتقي حديث هشام عن عطاء، ومحمد، والحسن. قال: وقال وهيب: سألني
سفيان أن أفيده عن هشام بن حسان، فقلت: لا أستحل فأفدته عن أيوب، عن
محمد، فسأل هشاما عنهما "
سليمان بن حرب، عن حماد قال: ذكر لأيوب ويحيى عن هشام عن
محمد، قال: سألت عبيدة عما ينقض الوضوء، قال: الحدث، وأذى
المسلم. فأنكروا قوله: وأذى المسلم.
حماد بن زيد قال: كان هشام يرفع حديث محمد عن أبي هريرة، يقول
فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لأيوب. فقال: قل له: إن محمدا لم
يكن يرفعها، فلا ترفعها، إنما كان ينحو بها بالرفع. فذكرت ذلك لهشام فترك
الرفع.
سليم بن أخضر، عن ابن عون: كان محمد لا يرفع من حديث أبي هريرة
إلا ثلاثة أحاديث. صلى إحدى صلاتي العشي، وجاء أهل اليمن، ولم يذكر
الثالث.
قلت: قد أخرجا في " الصحيح " من المرفوعات لمحمد عن أبي هريرة،

(1) في الأصل، والتهذيب " خشبيا " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه كما هو في " تهذيب الكمال "
وفي " الميزان ".
359

عدة أحاديث، وانفرد كل منهما بأحاديث.
عبد الرحمن بن المبارك العيشي، عن سفيان بن حبيب قال: ربما سمعت
هشام بن حسان يقول: سمعت عطاء. وأجئ بعد فيقول: حدثني الثوري.
وقيس عن عطاء هو ذاك بعينه. قلت له: أثبت على أحدهما. فصاح بي
قلت: عطاء هو [بن] السائب، ويجوز أن يكون عطاء بن أبي رباح. وقوله:
وقيس وهم. وإنما هو فيما أرى عن قيس وهو [ابن] سعد المكي.
قال أحمد: هشام صالح، وهو أحب إلي من أشعث وقال الأثرم: سمعت
أبا عبد الله يسأل عن هشام بن حسان قال: عندي لا بأس به. وما تكاد تنكر
عليه شيئا إلا وجدت غيره قد رواه إما أيوب، وإما عوف.
وروى عباس عن ابن معين قال: لا بأس به. وروى عثمان بن سعيد، عن
ابن معين: هو أحب إلي من جرير بن حازم. وقال عثمان: سمعت أبا الوليد
الطيالسي يقول: يزيد بن إبراهيم أثبت عندنا من هشام بن حسان
وقال العجلي: هشام بصري ثقة، حسن الحديث. يقال: إن عنده ألف
حديث حسن ليست عند غيره. ورأيت بعضهم قال: له نحو مئتي حديث.
فكأنه أراد المسند. وقال أبو حاتم: كان صدوقا، وكان يتثبت في رفع
الأحاديث عن ابن سيرين.
وقال أيضا: يكتب حديثه. قلت: قد علمت بالاستقراء التام أن أبا حاتم
الرازي إذا قال في رجل: يكتب حديثه أنه عنده ليس بحجة.
قال عمرو بن علي الصيرفي: كان هشام من البكائين. سمعت أبا عاصم
يقول: رأيت هشام بن حسان - وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، والجنة، والنار - بكى حتى
تسيل دموعه على خديه.
الرمادي، عن عبد الرزاق قال: كان هشام بن حسان يقول لانسان: إذا
360

دخل عبيد الله، فآذني. قال: فجاء عبد الله فجلس إليه هشام، فلما قام هشام
قال عبيد الله: هذا يرى اليوم، أنه أعلم أهل المشرق.
إبراهيم بن جابر، عن عبد الرحيم بن هارون الغساني، سمعت هشام بن
حسان يقول: ليت ما حفظ عني من العلم في أخبث تنور بالبصرة. وليت
حظي منه لا لي ولا علي.
قلت: ليس مراده ذات العلم، فهذا لا يقوله مسلم وإنما مراده التعليم،
والقصد بالعلم. ألا تراه كيف يقول: ليت حظي منه لا لي ولا علي؟!
محمد بن عبد الرحمن العلاف، عن محمد بن سواء: سمعت هشام بن
حسان يقول لأصحاب الحديث: لوددت أني قارورة حتى كنت أقطر في حلق
كل واحد منكم.
عفان، عن معاذ بن معاذ، قال عمرو بن عبيد: لم أر هشاما عند الحسن
قط، ولا جاء معنا عند الحسن قط. قال: وقال أشعث: ما رأيت هشاما عند
الحسن، ولا ولا. فقلت له: يا أبا هانئ، إن عمرو بن عبيد يقول هذا في
هشام. وهشام صاحب سنة، فلا تعن عمرا عليه. قال: فكف عنه.
قال يحيى بن آدم: حدثنا أبو شهاب، قال لي شعبة: عليك بحجاج،
ومحمد بن إسحاق، فإنما حافظان، واكتم علي عند البصريين في خالد
الحذاء وهشام. قلت: لم يتابع شعبة على رأيه هذا أحد.
قال حماد بن زيد: سمع عمرو بن الحجاج هشام بن حسان يحدث، عن
الحسن، عن عمران قال: اكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا، فقال: إنما قال: " فما
361

أفلحن، ولا أنجحن " (1).
وهب بن جرير، عن أبيه قال: جلست إلى الحسن سبع سنين لم أخرم منه
يوما واحدا أصوم وأذهب إليه، ما رأيت هشاما عنده قط.
قلت: هشام قد قفز القنطرة واستقر توثيقه، واحتج به أصحاب الصحاح،
وله أوهام مغمورة في سعة ما روى. ولا شك أن يونس وابن عون أحفظ منه
وأتقن، كما أنه أحفظ من ابن إسحاق، ومحمد بن عمرو وأتقن.
قال أبو نعيم، وابن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة: مات سنة ست
وأربعين ومئة.
وقال يحيى القطان، وابن بكير: مات سنة سبع. وقال مكي بن إبراهيم،
وأبو عيسى الترمذي: مات في أول يوم من صفر سنة ثمان وأربعين ومئة.
وهذا أصح.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن الكندي، وكتب إلي أحمد بن
عبد السلام التميمي، والخضر بن حمويه وطائفة، قالوا: أنبأنا عمر بن
طبرزد، وأنبأنا المؤمل بن محمد وجماعة، قالوا: أنبأنا الكندي، وأنبأنا
المقداد بن هبة الله، أنبأنا عبد العزيز بن الأخضر، وأنبأنا يحيى بن أبي
منصور، أنبأنا عبد العزيز بن منينا، وزيد بن الحسن اللغوي، قالوا أربعتهم:
أنبأنا محمد بن عبدا لباقي الأنصاري، أنبأنا إبراهيم بن عمر الفقيه حضورا،

(1) أخرجه أحمد 4 / 427، 430، والترمذي (2049) وابن ماجة (3490)، من
طرق: عن الحسن، عن عمران بن الحصين. ولفظ أحمد، والترمذي: " فما أفلحنا ولا
أنجحنا " ولفظ ابن ماجة " فما أفلحت ولا أنجحت " ورجاله ثقات وقال الترمذي: حسن
صحيح. وأخرجه أبو داود (3865) من حديث موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن
ثابت، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: " نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الكي، فاكتوينا،
فما أفلحن، ولا أنجحن " وإسناده صحيح.
362

أنبأنا أبو محمد بن ماسي، أنبأنا أبو مسلم الكجي، حدثنا الأنصاري، حدثنا هشام
ابن حسان، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن
الترجل إلا غبا " (1) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، من طريق يحيى القطان
وعيسى بن يونس، عن هشام نحوه.
وله علة، فقد رواه حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن مرسلا ورواه بشر
ابن المفضل، عن يونس، عن الحسن، وابن سيرين قولهما، وهذا أقوى.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا ابن
الحصين، أنبأنا ابن غلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن مسلمة،
حدثنا يزيد، أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نسي وهو صائم، ثم أكل وشرب، فإنما أطعمه الله
وسقاه " (2).
155 - عمران بن حدير * (م، د، ت، س)
الامام، الحجة، أبو عبيدة السدوسي البصري.
حدث عن أبي عثمان النهدي، وعبد الله بن شقيق، وأبي قلابة وعكرمة،

(1) وأخرجه الترمذي في " الشمائل " رقم (34)، وأحمد 4 / 86، وأبو داود (4159)،
والترمذي في الجامع (1756)، والنسائي 8 / 132، ورجاله ثقات. وصححه ابن حبان
(1480)، وله شاهد عند النسائي 8 / 131، بسند صحيح، كما قال الحافظ في " الفتح "
10 / 309، عن حميد بن عبد الرحمن قال، لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحبه أبو
هريرة، أربع سنين، قال: " نهانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يمتشط أحدنا كل يوم " وأخرجه أحمد
4 / 111، وأبو داود (28)، والغب: أن يمتشط يوما، ويدع يوما.
(2) ورواه البخاري 4 / 135 في الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، وفي
الايمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيا في الايمان، ومسلم (1155) في الصيام، باب:
أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر. والترمذي (721) في الصوم، باب: في الصائم يأكل
ويشرب ناسيا، وأبو داود (2398) في الصوم، باب: من أكل ناسيا.
* تاريخ خليفة (425)، طبقات خليفة (221)، تاريخ البخاري 6 / 425، الجرح
والتعديل 6 / 296 - 297 تهذيب الكمال (1057)، التاريخ الصغير 2 / 98، تذهيب
التهذيب 3 / 113 / 1 تهذيب التهذيب 8 / 125، خلاصة تذهيب الكمال (295).
363

وصلى وراء أنس بن مالك.
روى عنه شعبة، وحماد بن زيد، ووكيع، وعثمان بن عمر، وعثمان بن
الهيثم المؤذن.
قال يزيد بن هارون: كان من أوثق الناس. وقال ابن المديني: هو من أوثق
شيخ بالبصرة. قلت: توفي سنة تسع وأربعين ومئة. رحمه الله.
156 - عبد الله بن عون * (ع)
ابن أرطبان، الامام القدوة، عالم البصرة، أبو عون المزني. مولاهم
البصري الحافظ.
حدث عن أبي وائل، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، والقاسم بن
محمد، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومكحول، وأنس بن
سيرين، وثمامة بن عبد الله، ورجاء بن حياة، وزياد بن جبير، وعمير بن
إسحاق، ونافع، وأبي رجاء مولى أبي قلابة، وخلق. ما وجدت له سماعا من
أنس بن مالك، ولا من صحابي مع أنه ولد في حياة ابن عباس، وطبقته. وكان
مع أنس بالبصرة. وقد ورد عنه أنه رأى أنسا وعليه عمامة خز. ولد سنة ست
وستين. وكان أكبر من سليمان التيمي.
روى عنه: سفيان، وشعبة، وابن المبارك، ومعاذ بن معاذ، وعباد بن
العوام، ومحمد بن أبي عدي والنضر بن شميل، وإسماعيل بن علية، ويزيد
ابن هارون، وإسحاق الأزرق، وأزهر السمان، وأبو عاصم النبيل، وقريش بن

* طبقات ابن سعد 7 / 261 - 268، تاريخ خليفة 128 - 167 - 264 - 425، طبقات
خليفة 219، تاريخ البخاري: 5 / 163، الجرح والتعديل 5 / 130، حلية الأولياء 3 / 37 -
44، التاريخ الصغير 2 / 111، الكامل في التاريخ 2 / 488، تهذيب الكمال 719، 720،
تذهيب التهذيب 2 / 171 / 1، تاريخ الاسلام 6 / 211 - 214، تذكرة الحفاظ 1 / 156،
تهذيب التهذيب 5 / 346 - 349، خلاصة تذهيب الكمال 209، شذرات الذهب 1 / 230.
364

أنس، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وعثمان بن عمر بن فارس، والأصمعي
وبكار بن محمد السيريني، ومسلم بن إبراهيم، وخلق سواهم. وكان من أئمة
العلم والعمل.
قال هشام بن حسان، لم تر عيناي مثل ابن عون. قال مثل هذا القول، وقد
رأى الحسن البصري. وقال ابن المبارك ما رأيت أحدا أفضل من ابن عون.
وقال شعبة: شك ابن عون أحب إلي من يقين غيره.
معاذ بن معاذ، عن ابن عون قال: رأيت غيلان القدري مصلوبا على باب
دمشق. قال ابن سعد: كان ابن عون ثقة، كثير الحديث، ورعا، عثمانيا.
قال: وأنبأنا بكار بن محمد، سمعت ابن عون يقول: رأيت أنس بن مالك تقاد
به دابته.
محمد بن سليمان المنقري: سمعت علي بن المديني يقول: كنا عند
يحيى القطان، فتذاكروا الأعمش، وابن عون. فقالوا: الأعمش رأى غير
واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يحيى بن سعيد: سمع ابن عون من
فقهاء أهل الأرض، سمع بالبصرة من الحسن، ومحمد، وبالكوفة من إبراهيم
والشعبي، وبمكة من سعيد بن جبير ومجاهد، وبالشام من مكحول ورجاء بن
حياة.
محمود بن غيلان، حدثنا النضر بن شميل قال: كان رجل يلازم ابن عون،
فقيل له: بلغ حديث ابن عون أربعة آلاف؟ قال: أضعف. قيل: ستة؟ فسكت
الرجل. قال النضر: وسمعت شعبة يقول: شك ابن عون أحب إلي من يقين
غيره. ورواها المقرئ عن شعبة.
وسئل ابن علية: من حفاظ البصرة؟ فذكر ابن عون وجماعة.
محمد بن سلام الجمحي، سمعت وهيبا يقول: دار أمر البصرة على
365

أربعة: أيوب، ويونس، وابن عون وسليمان التيمي.
قال معاذ بن معاذ: سمعت ابن عون يقول: ما بقي أحد أبطن بالحسن منا،
والله لقد أتيت منزله في يوم حار، وليس هو في منزله. فنمت على سريره،
فلقد انتبهت وإنه ليروحني.
روى إبراهيم بن رستم، عن خارجة بن مصعب قال: صحبت ابن عون
أربعا وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة كتب عليه خطيئة.
وعن سلام بن أبي مطيع قال: كان ابن عون أملكهم للسانه.
معاذ بن معاذ، حدثني غير واحد من أصحاب يونس بن عبيد أنه قال: إني
لأعرف رجلا منذ عشرين سنة يتمنى أن يسلم له يوم من أيام ابن عون، فما
يقدر عليه. قال ابن المبارك: ما رأيت مصليا مثل ابن عون.
وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد من ابن عون.
قال معاذ بن معاذ: سمعت هشام بن حسان يقول: حدثني من لم تر عيناي
مثله - فقلت في نفسي: اليوم يستبين فضل الحسن وابن سيرين - قال: فأشار
بيده إلى ابن عون وهو جالس.
عن عثمان البتي قال: لم تر عيناي مثل ابن عون.
وروي عن القعنبي قال: كان ابن عون لا يغضب. فإذا أغضبه رجل قال:
بارك الله فيك.
وعن ابن عون: أن أمه نادته فأجابها، فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين.
قال بكار السيريني: صحبت ابن عون دهرا، فما سمعته حالفا على يمين
برة ولا فاجرة.
قال قرة بن خالد: كنا نعجب من ورع محمد بن سيرين فأنساناه ابن عون.
قال بكار بن محمد: كان ابن عون يصوم يوما ويفطر يوما.
366

قال عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون.
قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثني صاحب لي عن ابن عون، أنه
سأله رجل فقال: أرى قوما يتكلمون في القدر. أفأسمع منهم؟ فقال: (وإذا
رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم.. إلى قوله: الظالمين)
[الانعام: 68]. قال معاذ بن معاذ: ما رأيت رجلا أعظم رجاء لأهل الاسلام
من ابن عون، لقد ذكر عنده الحجاج، وأنا شاهد، فقيل: يزعمون أنك
تستغفر له؟ فقال: مالي أستغفر للحجاج من بين الناس، وما بيني وبينه؟ وما
كنت أبالي أن أستغفر له الساعة.
ابن سعد: أخبرنا الأنصاري قال: حدث هشام مرة فقال له رجل: من
حدثك به؟ قال: من لم تر عيناي والله مثله قط، عبد الله بن عون.
روى بهيم (1) العجلي، عن أبي إسحاق الفزاري، سمعت الأوزاعي
يقول: إذا مات ابن عون والثوري استوى الناس.
علي بن بكار، عن أبي إسحاق الفزاري، قال الأوزاعي: لو خيرت لهذه
الأمة من ينظر لها، ما اخترت إلا سفيان، وابن عون.
أبو داود الطيالسي، عن شعبة قال: ما رأيت قط مثل أيوب، ويونس، وابن
عون.
معاذ عن شعبة: ما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا وهو يدلس، إلا
ابن عون، وعمرو بن مرة.
قال ابن المبارك: ما رأيت أحدا ممن ذكر لي، إلا كان إذ رأيته، دون ما ذكر

(1) ترجمته في الجرح والتعديل 2 / 436.
367

لي، إلا ابن عون، وحياة بن شريح.
قال أبو داود: سمعت أبا عوانة يقول: رأيت الكوفة، ورأيت الناس، ما
رأيت مثل أيوب، ويونس، وابن عون.
عارم: حدثنا حماد قال: فقهاؤنا: أيوب، ويونس، وابن عون، قلت:
هؤلاء الثلاثة أنجم البصرة في الحفظ، وفي الفقه، وفي العبادة والفضل.
ورابعهم سليمان التيمي رحمهم الله.
قال يحيى بن يوسف الذمي: سمعت أبا الأحوص قال: كان يقال لابن عون
سيد القراء في زمانه.
قال عثمان بن سعيد: سألت ابن معين عن ابن عون فقال: هو في كل شئ
ثقة.
محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثني مفضل بن لاحق قال: كنا بأرض
الروم، فخرج رومي يدعو إلى المبارزة فخرج إليه رجل فقتله، ثم دخل في
الناس، فجعلت ألوذ به لأعرفه وعليه المغفر. قال: فوضع المغفر يمسح
وجهه فإذا ابن عون!
علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا خارجة بن مصعب قال: جالست ابن
عون عشرين سنة، فلم أظن أن الملكين كتبا عليه سوءا. وروى نحوها عصام
ابن يوسف، عن خارجة، إلا أنه قال اثنتي عشرة سنة.
محمد بن سعد، أنبأنا بكار بن محمد، قال: كان ابن عون قد أوصى إلى
أبي وصحبته دهرا، فما سمعته حالفا على يمين برة ولا فاجرة. كان طيب
الريح، لين الكسوة، وكان يتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم. فلم يره إلا قبل
موته بيسير، فسر بذلك سرورا شديدا. قال: فنزل من درجته إلى المسجد،
فسقط فأصيبت رجله، فلم يزل يعالجها حتى مات رحمه الله.
368

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني عبد الله بن محمد البلخي، سمعت
مكي بن إبراهيم يقول: كنا عند عبد الله بن عون فذكروا بلال بن أبي بردة،
فجعلوا يلعنونه، ويقعون فيه يعني - لجوره وظلمه - قال: وابن عون ساكت
فقالوا له: إنما نذكره لما ارتكب منك. فقال: إنما هما كلمتان تخرجان من
صحيفتي يوم القيامة: لا إله إلا الله، ولعن الله فلانا.
قال أبو بكر: وحدثنا محمد بن إدريس، حدثنا عبدة بن سليمان، عن ابن
المبارك قال: قيل لابن عون: ألا تتكلم فتؤجر؟ فقال: أما يرضى المتكلم
بالكفاف؟! روى مسعر عن ابن عون قال: ذكر الناس داء، وذكر الله دواء.
قلت: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟!
قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم) [البقرة: 153] (ولذكر الله أكبر)
[العنكبوت 46]، وقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر
الله تطمئن القلوب) [الرعد: 29]. ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله. ومن
أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له.
وقد كان ابن عون قد أوتي حلما وعلما، ونفسه زكية تعين على التقوى،
فطوبى له.
قال بكار بن محمد السيريني: كان ابن عون إذا حدث بالحديث يخشع
عنده، حتى نرحمه مخافة أن يزيد أو ينقص.
وكان لا يدع أحدا من أصحاب الحديث ولا غيرهم يتبعه. وما رأيته يماري
أحدا، ولا يمازحه، ما رأيت أملك للسانه منه، ولا رأيته دخل حماما قط،
وكان له وكيل نصراني يجبي غلته، وكان لا يزيد في شهر رمضان على حضوره
المكتوبة، ثم يخلو في بيته. وقد سعت به المعتزلة إلى إبراهيم بن عبد الله،
سير 6 / 24
369

ابن حسن الذي خرج بالبصرة فقالوا: هاهنا رجل يربث (1) عنك الناس.
فأرسل إليه إبراهيم: أن مالي ولك؟ فخرج عن البصرة حتى نزل القريظية
وأغلق بابه. قال الأنصاري: سمعت ابن عون يذكر أنه دخل على سلم بن
قتيبة، وهو أمير، فقال: السلام عليكم، لم يزد. فضحك سلم، وقال:
نحتملها لابن عون - يعني أنه ما سلم بالامرة.
ولقد كان ابن عون بخير، موسعا عليه في الرزق، قال معاذ بن معاذ: رأيت
عليه برنسا من صوف، رقيقا حسنا. فقيل له: ما هذا البرنس يا أبا عون؟ قال:
هذا كان لابن عمر، كساه لأنس بن سيرين، فاشتريته من تركته.
قال بكار بن محمد السيريني: وكان له سبع يقرؤه كل ليلة، فإذا لم يقرأه
أتمه بالنهار. وكان يغزو على ناقته إلى الشام، فإذا صار إلى الشام ركب
الخيل. وقد بارز روميا، فقتل الرومي.
وكان إذا جاءه إخوانه كان أعلى رؤوسهم الطير. لهم خشوع وخضوع، وما
رأيت مازح أحدا، ولا ينشد شعرا. كان مشغولا بنفسه وما سمعته ذاكرا بلال بن
أبي بردة بشئ قط: ولقد بلغني أن قوما قالوا له: يا أبا عون: بلال فعل كذا.
فقال: إن الرجل يكون مظلوما، فلا يزال يقول حتى يكون ظالما. ما أظن
أحدا منكم أشد على بلال مني. قال: وكان بلال ضربه بالسياط، لكونه تزوج
امرأة عربية.
وكان - فيما حدثني بعض أصحابنا - لابن عون ناقة يغزو عليها، ويحج،
وكان بها معجبا. قال: فأمر غلاما له يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها

(1) أي: يصرف عنك الناس.
370

على وجهها، فسالت عينها على خدها. فقلنا: إن كان من ابن عون شئ
فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله، أفلا
غير الوجه، بارك الله فيك، اخرج عني، اشهدوا أنه حر.
قال ابن سعد: وأنبأنا بكار قال: كانت ثياب ابن عون تمس ظهر قدميه. وكان
زوج عمتي أم محمد، ابنة عبد الله بن محمد بن سيرين.
قال أبو قطن: رأيت بعض أسنان بن عون مشدودة بالذهب.
حماد بن زيد، عن محمد بن فضاء (1) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال:
زوروا ابن عون فإنه يحب الله ورسوله. أو أن الله يحبه ورسوله.
قال بكار بن محمد: سقط ابن عون وأصيبت رجله فتعلل ومات، فحضرت
وفاته، فكان حين قبض موجها يذكر الله تعالى حتى غرغر. فقالت عمتي: اقرأ
عنده سورة " يس " فقرأتها. ومات في السحر. وما قدرنا أن تصلي عليه حتى
وضعناه في محراب المصلى. غلبنا الناس عليه. قال: ومات وعليه من الدين
بضعة عشر ألفا، وأوصى بخمس ماله بعد وفاء دينه، إلى أبي في قرابته
المحتاجين. ولم أره يشكو في علته. وكفنوه في برد شراؤه مئتا درهم، ولم
يخلف درهما، إنما خلف دارين.
ومات في شهر رجب سنة إحدى وخمسين ومئة. وكذا أرخ موته يحيى
القطان فيها، والأصمعي، وسعيد الضبعي، وأبو نعيم، وسليمان بن حرب،
وخليفة، وابن معين، وهو الصحيح وقال المقرئ، ومكي بن إبراهيم: سنة
خمسين ومئة.

(1) في التقريب " قضاء " بالقاف.
371

قلت: عاش خمسا وثمانين سنة. وتوفي بالبصرة، وترجمته في كراسين من
تاريخ دمشق. يقع لي من عواليه.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة عليه، عن أبي اليمن زيد بن الحسن،
وكتب إلى يحيى بن أبي منصور، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أنبأنا محمد بن عبد
الباقي، أنبأنا إبراهيم بن عمر الفقيه حضورا في سنة خمس وأربعين
وأربع مئة، أنبأنا أبو محمد بن ماسي، حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا محمد
ابن عبد الله الأنصاري، حدثنا ابن عون، عن الشعبي، سمعت النعمان بن
بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لا أسمع أحدا بعده يقول: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبين ذلك أمور
مشتبهات - وربما قال: مشتبهة - وسأضرب لكم في ذلك مثلا: إن الله حمى
حمى، وإن حمى الله ما حرم الله، وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن
يخالط الحمى - وربما قال: من يخالط الريبة يوشك أن يجسر " (1) متفق عليه.
وقد رواه مسلم عن عبد الملك بن شعيب، عن أبيه، عن جده الليث، عن
خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عون بن عبد الله، عن الشعبي.
فكأن شيخنا ابن الصيرفي سمعه من مسلم.
وسمعته من إسماعيل بن الفراء، وأحمد بن العماد قالا: أنبأنا أبو محمد بن
قدامة، أنبأنا هبة الله بن الحسن الدقاق، أنبأنا عبد الله بن علي الدقاق، أنبأنا
أبو الحسين علي بن محمد المعدل، أنبأنا محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا سعدان

(1) إسناده صحيح. أخرجه أبو داود (3329) في البيوع، باب: اجتناب الشبهات،
وأخرجه النسائي 7 / 242 - 243، في البيوع، باب: اجتناب الشبهات في الكسب، من
طريق: ابن عون، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير.
372

ابن نصر، حدثنا عمر بن شبيب، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عبد الملك
ابن عمير، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحلال بين
والحرام بين، وبينهما مشتبهات من تركهن استبرأ لدينه وعرضه، ومن يركبهن
يوشك أن يركب الحرام، كالراعي إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه،
ولكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه " (1).
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأنا عبد الله بن أحمد، أنبأنا أبو الفتح بن
النبطي (ح)، وأنبأتنا ست الأهل بنت علوان، أنبأنا البهاء عبد الرحمن،
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالا: أنبأنا الحسين بن أحمد النعالي، أنبأنا علي بن
محمد، أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري، حدثنا يحيى بن جعفر،
أنبأنا علي بن عاصم، أنبأنا ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق، عن
عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يباشرها وهو صائم. ثم قالت: وأيكم أملك
لاربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم " (2).

(1) أخرجه البخاري مطولا في الايمان (52)، ومختصرا في البيوع (2051)، وأخرجه
مسلم (1599) في المساقاة، من طرق كثيرة. وأخرجه أبو داود (3330)، والترمذي
(1205) في البيوع، باب: ما جاء في ترك الشبهات، وابن ماجة (2984) في الفتن،
باب: الوقوف عند الشبهات. والدارمي 2 / 245 وأخرجه أحمد مطولا ومختصرا 4 / 267،
269، 271، 275.
(2) أخرجه مسلم (1106) (68) في الصوم، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست
محرمة. وأخرجه من غير هذا الطريق البخاري 4 / 131 في الصوم، باب: القبلة للصائم،
وباب المباشرة للصائم، ومالك 1 / 292 في الصيام، باب: ما جاء في الرخصة في القبلة
للصائم. وأبو داود (2382) في الصوم: باب القبلة للصائم، وباب الصائم يبلع ريقه،
والترمذي (728) و (729) في الصوم، باب: ما جاء في القبلة للصائم، وباب ما جاء في
مباشرة الصائم.
وقولها: كان أملككم لاربه: أي لحاجته تعني أنه كان غالبا لهواه. وأكثر المحدثين
يرويه بفتح الهمزة والراء، يعنون: الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء،
وهو الحاجة أيضا. يقال فيها: الإرب، والارب، والإربة، والمأربة.
373

قرأت علي أبي الفضل أحمد بن هبة الله في سنة ثلاث وتسعين، عن عبد
المعز بن محمد البزاز، وزينب بنت عبد الرحمن الشعرية (ح) وقرأت على
إسحاق بن طارق، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا ثابت بن محمد، ومحمد بن
معمر ومحمد بن الحسن الإصبهبذ (1) وطائفة قالوا:
أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني، أنبأنا عبد
الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، أنبأنا محمد بن أيوب الرازي، حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال: سألت ابن عون فحدثني قال: أتيت أبا وائل، وقد
عمي، فقلت لمولاة [له]: قولي لأبي وائل: حدثنا ما سمعت من عبد الله بن
مسعود، فقالت: يا أبا وائل: حدثهم ما سمعت من عبد الله قال: سمعت عبد
الله بن مسعود يقول: " يا أيها الناس، إنكم لمجموعون في صعيد واحد،
يسمعكم الداعي وينفذكم البصر، ألا وإن الشقي من شقي في بطن أمه،
والسعيد من وعظ بغيره ".
قال خليفة بن خياط: حدثنا الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه عن ابن
عون، عن أبيه، عن جده أرطبان قال: كنت شماسا في بيعة ميسان، فوقعت
في السهم لعبد الله بن درة المزني.
قال أحمد العجلي: أهل البصرة يفخرون بأربعة: أيوب، ويونس،
وسليمان التيمي، وابن عون.
قال معاذ بن معاذ، سمعت ابن عون يقول: ما بقي أحد أبطن بالحسن
منا. والله لقد أتيت منزله في يوم حار، وليس هو في منزله فنمت على

(1) فارسية معربة، ومعناها: الأمير أو القائد. انظر " المعرب " للجواليقي 266.
374

سريره، فلقد انتبهت وإنه ليروحني.
وروى حماد بن زياد، عن ابن عون قال: قلت عند الحسن ومحمد
فكلاهما لم يزالا قائمين على أرجلهما حتى فرش لي.
قال محمد بن عبد الله الأنصاري: سمعت عثمان البتي يقول في شهادة
الرجل لأبيه، لا يجوز إلا أن يكون مثل ابن عون.
قال الأنصاري: وبه آخذ. قد شهدت عند سوار بن عبد الله لأبي بشهادة
فقبلها.
وروى أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن مهدي قال: ما كان بالعراق أحد أعلم
بالسنة من ابن عون.
قلت: كان ابن عون عديم النظير في وقته زهدا وصلاحا.
فأما سميه:
157 - عبد الله بن عون * (م، س)
ابن الأمير، نائب مصر، أبي عون عبد الملك بن يزيد، الامام المحدث،
الزاهد العابد، بركة الوقت أبو محمد الهلالي، البغدادي، الادمي، الخراز،
أخو محرز بن عون، فولد في خلافة المنصور، وسمع من مالك، وشريك
ويوسف بن يعقوب الماجشون، وإسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن عياش،
وإبراهيم بن سعد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعباد بن عباد، وعبد الرحمن بن
زيد وخلق.

الجرح والتعديل 5 / 131، الكامل في التاريخ 5 / 607، تهذيب الكمال 720،
تذهيب التهذيب 2 / 171 / 2، تهذيب التهذيب 5 / 349، خلاصة تهذيب الكمال 209.
375

حدث عنه مسلم في الصحيح، وأبو زرعة، وعباس الدوري، وابن أبي
الدنيا، والمعمري، وموسى بن هارون، ومطين، وأبو بكر أحمد بن علي
المروزي، وأبو يعلى، والحسن بن سفيان، وعبد الله بن أحمد، وأبو القاسم
البغوي، وخلق كثير.
ذكر لأحمد فقال: ما به بأس، أعرفه قديما، وجعل يقول فيه خيرا. وقال
ابن معين، وأبو زرعة، وصالح جزرة، والدار قطني: ثقة. فزاد صالح:
" مأمون " يقال: إنه من الابدال. وقال البغوي: حدثنا عبد الله بن عون الخراز،
وكان من خيار عباد الله، وقال مرة: وكان من الابدال.
مات لخمسة أيام مضت من رمضان، سنة اثنتين وثلاثين ومئتين. زاد
موسى بن هارون: فقال: في يوم الاثنين. رحمه الله - يعني ببغداد.
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي بحديث لهذا الشيخ قد كتبته في ترجمة
مسعر بن كدام.
158 - داود بن أبي هند * (خت، م، 4)
واسم أبي هند: دينار بن عذافر، الامام الحافظ، الثقة، أبو محمد
الخراساني ثم البصري، من موالي بني قشير فيما قيل. ويقال: كنيته أبو بكر.
حدث عن سعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وعامر الشعبي،

تاريخ خليفة 418، طبقات خليفة (218)، تاريخ البخاري 3 / 231، التاريخ
الصغير 2 / 49، الجرح والتعدل 3 / 411، 412، مشاهير علماء الأمصار 151، الكامل في
التاريخ 5 / 340، تهذيب الكمال 395، تذهيب التهذيب 1 / 210 / 1، تاريخ الاسلام
5 / 243، تذكرة الحفاظ 1 / 146 - 148، تهذيب التذهيب 3 / 204 - 205، خلاصة تذهيب
الكمال 111، شذرات الذهب 1 / 208.
376

وأبي منيب الجرشي، ومحمد بن سيرين، وأبي نضرة، ومكحول، وعدة.
ورأى أنس بن مالك.
حدث عنه: سفيان، وشعبة، وحماد بن سلمة، وهشيم، وابن علية
ويحيى القطان، وبشر بن المفضل، ويزيد بن هارون، وحماد بن زيد
وخلق. وعند يزيد عنه تسعة وتسعون حديثا.
عن سعيد بن عامر الضبعي قال: قال داود بن أبي هند: أتيت الشام،
فلقيني غيلان، فقال: إني أريد أن أسألك عن مسألتين. قال: قلت: سلني
عن خمسين مسألة، وأسألك عن مسألتين. قال: سل يا داود. قلت: أخبرني
عن أفضل ما أعطي ابن آدم. قال: العقل. قلت: فأخبرني عن العقل ما هو؟
شئ مباح للناس، من شاء أخذه ومن شاء تركه، أو هو مقسوم؟ قال: فمضى
ولم يجبني.
قال النسائي، ويحيى بن معين، وغيرهما: ثقة. وقال حماد بن زيد: ما
رأيت أحدا أفقه من داود.
وعن سفيان بن عيينة، قال: عجبا لأهل البصرة يسألون عثمان البتي
وعندهم داود بن أبي هند.
قال وهيب: دار الامر بالبصرة على أربعة: أيوب، ويونس، وابن عون
وسليمان التيمي، فقال قائل: فأين داود بن أبي هند؟.
قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند، إن كان ليقرع العلم قرعا
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن داود بن أبي هند فقال: مثل داود
يسأل عنه؟ داود ثقة ثقة. وقال العجلي: كان صالحا، ثقة، خياطا. قال يزيد
ابن زريع: كان داود مفتي أهل البصرة.
وقال محمد بن أبي عدي: أقبل علينا داود، فقال: يا فتيان، أخبركم لعل
377

بعضكم أن ينتفع به. كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى
البيت، جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت إلى
ذلك المكان، جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى آتي المنزل.
قال الفلاس: سمعت ابن أبي عدي يقول: صام داود بن أبي هند أربعين
سنة لا يعلم به أهله. كان خزازا يحمل معه غداءه فيتصدق به في الطريق.
ابن عيينة، سمعت داود بن أبي هند يقول: أصابني الطاعون فأغمي علي،
فكأن آتيين أتياني فغمز أحدهما علوة لساني، وغمز الآخر أخمص قدمي،
فقال: أي شئ ء تجد؟ قال: أجد تسبيحا وتكبيرا، وشيئا من خطو إلى
المسجد، وشيئا من قراءة القرآن. قال: ولم أكن أخذت القرآن حينئذ. قال:
فكنت أذهب في الحاجة فأقول: لو ذكرت الله حتى آتي حاجتي، قال:
فعوفيت، فأقبلت على القرآن فتعلمته.
وعن داود بن أبي هند قال: ثنتان لو لم تكونا لم ينتفع الناس بدنياهم:
الموت والأرض تنشف الندى.
قال حماد بن سلمة: دخلت على داود بن أبي هند فرأيت ثياب بيته
معصفرة. وكان داود بن أبي هند يقول: ولدت بمرو.
قال يزيد بن هارون، ويحيى القطان، وطائفة: مات داود بن أبي هند سنة
تسع وثلاثين ومائة.
وقال خليفة: توفي مصدر الناس من الحج. وقال ابن المديني وغيره:
مات سنة أربعين ومئة.
أخبرنا إسحاق الأسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا
أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن
وغيره، قالوا: أنبأنا بشر بن موسى، حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن أبي
378

نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تفترق أمتي فرقتين، فتمرق بينهما
مارقة، فتقتلها أولى الطائفتين بالحق " (1)، هذا حديث صحيح. رواه أيضا
داود بن أبي هند، عن أبي نضرة.
159 - ابن هرمز *
فقيه المدينة، أبو بكر عبد الله بن يزيد بن هرمز الأصم، أحد الاعلام.
وقيل: بل اسمه يزيد بن عبد الله بن هرمز. عداده في التابعين. وقلما روى.
كان يتعبد ويتزهد. وجالسه مالك كثيرا وأخذ عنه.
قال مالك: كنت أحب أن أقتدي به. وكان قليل الفتيا، شديد التحفظ،
كثيرا ما يفتي الرجل ثم يبعث من يرده، ثم يخبره بغير ما أفتاه. وكان بصيرا
بالكلام، يرد على أهل الأهواء. كان من أعلم الناس بذلك. بين مسألة لابن
عجلان فلما فهمها، قام إليه ابن عجلان فقبل رأسه.
قال بكر بن مضر: قال ابن هرمز: ما تعلمت العلم إلا لنفسي.
وعن ابن هرمز قال: إني لأحب للرجل أن لا يحوط رأي نفسه كما يحوط
السنة. وقيل: قتل أبوه (2) يوم الحرة.

(1) حلية الأولياء 3 / 99، وأخرجه مسلم (1063) (150) (151) (152)، وأبو داود
(4667)، وأحمد 3 / 32، 48، من طرق عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، وأولى
الطائفتين بالحق هي علي رضي الله عنه، وأصحابه، والمارقة: هم الخوارج.
(*) تاريخ البخاري: 5 / 224، التاريخ الصغير 2 / 75 - 90، الجرح والتعديل 5 / 199،
مشاهير علماء الأمصار 76.
(2) مترجم في: تهذيب الكمال 750 - 751، تذهيب التهذيب 4 / 182 / 2
ميزان الاعتدال 4 / 440، تهذيب التهذيب 11 / 369، خلاصة تذهيب الكمال 215،
379

قال مالك: لم يكن أحد بالمدينة، له شرف، إلا إذا حزبه أمر رجع إلى ابن
هرمز، وكان إذا قدم المدينة غنم الصدقة، ترك أكل اللحم لكونهم لا
يأخذونها كما ينبغي.
وقال لمالك: إياك وهذا الرأي، فإني أنا وربيعة فخيرته.
قال مالك: جلست إلى ابن هرمز، ثلاث عشرة سنة، واستحلفني أن
لا أذكر اسمه في الحديث.
قال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه. قال البخاري: قال لي الفروي:
مات سنة ثمان وأربعين ومئة، ولاؤه لبني ليث.
160 - صفوان بن عمرو * (م، 4، تخ)
ابن هرم، الامام المحدث، الحافظ، أبو عمرو السكسكي، الحمصي،
محدث حمص مع حريز بن عثمان.
حدث عن عبد الله بن بسر المازني - وأمه أم هجرس بنت عوسجة المقرائي -
وجبير بن نفير، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وعبد الرحمن بن عائد
الثمالي، وأيفع بن عبدالكلاعي، وحجر بن مالك الكندي، وعبد الرحمن بن
جبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، وعقيل بن مدرك
الخولاني، وعكرمة مولى ابن عباس، وسليم بن عامر الخبائري، وأبي اليمان
عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني، وحوشب بن سيف السكسكي، ويزيد بن
خمير الرحبي، وخلق كثير غير مشهورين.

طبقات خليفة (316)، تاريخ البخاري: 4 / 308، التاريخ الصغير 2 / 121،
الجرح والتعديل 4 / 422، مشاهير علماء الأمصار 178 - 179، تهذيب الكمال 610،
تذهيب التهذيب 2 / 94 / 2، تاريخ الاسلام 6 / 203، تهذيب التهذيب 4 / 428 - 429،
خلاصة تذهيب الكمال 174، شذرات الذهب 1 / 238.
380

حدث عنه: معاوية بن صالح الحضرمي; وإسماعيل بن عياش، وعيسى
ابن يونس، وبقية بن الوليد، وابن المبارك، والوليد بن مسلم، ومحمد بن
حمير، ومروان بن سالم، وأبو المغيرة الخولاني، وأبو اليمان، ويحيى البابلتي،
وخلق سواهم.
قال أحمد: ليس به بأس. وقال ابن المديني: كان عند يحيى القطان أرفع
من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
وقال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عنه، فأثنى عليه خيرا. وقال
الفلاس: ثبت في الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة، مأمونا. قال أبو زرعة
الدمشقي: قلت لدحيم: من الثبت بحمص؟ قال: صفوان، وحريز، وبحير،
وثور، وأرطاة.
روى أبو اليمان، عن صفوان قال: أدركت من خلافة عبد الملك، وخرجنا
في زحف كان بحمص، وعلينا أيفع بن عبد سنة أربع وتسعين. قال يزيد بن
عبد ربه، وغيره: مات سنة خمس وخمسين ومئة. وقال الوليد بن عتبة: مات
وقد جاوز الثمانين. فحدثني أبو اليمان أنه مات قبل الأوزاعي. وقال أحمد بن
محمد بن عيسى، صاحب تاريخ حمص: مات وهو ابن ثلاث وثمانين سنة،
في سنة خمس وخمسين. أدرك أبا أمامة. وقال سليمان بن سلمة الخبائري: مات
سنة ثمان وخمسين ومئة.
الطبراني: حدثنا أبو شعيب، حدثنا يحيى البابلتي، عن صفوان بن عمرو،
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال أبي لأمي: لو صنعت طعاما
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنعت ثريدة، فانطلق أبي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع
النبي صلى الله عليه وسلم يده على ذروتها، وقال " خذوا بسم الله " فأخذوا من نواحيها فلما
381

طعموا قال: " اللهم ارحمهم، واغفر لهم، وبارك لهم في رزقهم " (1).
قال دحيم: صفوان أكبر من حريز، وقدمه وأثنى عليه. وقال أبو حاتم:
ثقة. وقال الدارقطني: يعتبر به.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن
عمر، وأبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي قالوا: أنبأنا أبو
جعفر محمد بن أحمد، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا
جعفر بن محمد، حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، حدثنا بقية، حدثني
صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر، حدثني جبير بن نفير، أنه سمع أبا
الدرداء، وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق.
فأكثر التعوذ منه. فقال جبير: وما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟! فقال: دعنا
عنك، دعنا عنك. فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع
منه. إسناده صحيح.
ومن النفاق الأصغر الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا، ولا يظن أنها

(1) يحيى البابلتي هو ابن عبد الله بن الضحاك، ضعيف، لكن أخرجه الدارمي
2 / 94 - 95 من طريق موسى بن خالد، عن عيسى بن يونس وأحمد 4 / 188 من طريق أبي
المغيرة، وأقحم اسم صفوان بن أمية بين أبي المغيرة وصفوان بن عمرو خطأ، كلاهما عن
صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر، وإسناده صحيح. وأخرج مسلم في " صحيحه "
(2042) من حديث عبد الله بن بسر قال: نزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي أبي، قال: فقربنا إليه
طعاما ووطبة (حيس يصنع من التمر، والأقط المدقوق، والسمن) فأكل منها، ثم أتي بتمر،
فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، ثم أتي بشراب فشربه ثم
ناوله الذي عن يمينه، قال: فقال أبي، وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك
لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم ".
382

تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار سبعين خريفا (1).
وأما النفاق الأكبر، وإن كان الرجل يعلم من نفسه أنه مسلم، فعليه أن يتعوذ
بالله من النفاق والشرك، فإنه لا يدري بما يختم له، فربما أصبح مؤمنا وأمسى
كافرا، نعوذ بوجه الله الكريم من ذلك.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أنبأنا أبو طاهر السلفي،
أنبأنا أبو منصور محمد بن أحمد المقرئ، حدثنا أبو القاسم بن بشران، أنبأنا
أبو سهل بن زياد، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا أبو اليمان، حدثنا
صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، وعنده نفر
من قريش: " ألا إنكم ولاة هذا الامر من بعدي، فلا أعرفني ما شققتم على
أمتي من بعدي. اللهم من شق على أمتي، فشق عليه " (2). مرسل جيد.
161 - عوف * (ع)
ابن أبي جميلة الامام الحافظ أبو سهل الأعرابي البصري. ولم يكن أعرابيا

(1) أخرج البخاري (6477) في الرقاق، باب: حفظ اللسان، من حديث
أبي هريرة، مرفوعا " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها
درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ".
وأخرجه الترمذي (2314)، وابن ماجة (3970) من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن الرجل
ليتكلم بالكلمة، لا يرى بها بأسا، يهوي بها سبعين خريفا في النار ". وأحمد 2 / 236 و 355
وسنده قوي، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم.
وأخرجه أحمد 2 / 355 و 533 من طريق آخر بلفظ: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة، وما يرى
أنها تبلغ حيث بلغت، يهوي بها في النار سبعين خريفا " ورجاله ثقات.
(2) وجاء في حديث عائشة الذي أخرجه مسلم (1828) " اللهم من ولي من أمر أمتي
شيئا، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به ".
(*) تاريخ خليفة 226، طبقات خليفة (219)، تاريخ البخاري 7 / 58، التاريخ الصغير
2 / 85، الجرح والتعديل 7 / 15، مشاهير علماء الأمصار 151، تهذيب الكمال
1066، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 137، ميزان الاعتدال 3 / 305،
تهذيب التهذيب: 1 / 166 - 168، خلاصة تذهيب الكمال 298، شذرات الذهب:
1 / 166 - 168.
383

بل شهر به. ولد سنة ثمان وخمسين قاله ابن معين.
روى عن أبي العالية، وأبي رجاء العطاردي، وزرارة بن أوفى، وابن سيرين،
وخلاس، وجماعة. وعداده في صغار التابعين. وما عنده شئ عن أحد له
صحبه.
حدث عنه: شعبة، وابن المبارك، وغندر، وروح، والنضر بن شميل،
وهوذة بن خليفة، وطائفة آخرهم عثمان بن الهيثم.
وكان من علماء البصرة على بدعته. قال محمد بن سلام: كان فارسيا وقال
هوذة: هو من بني سعد. قلت: كان يدعى عوفا الصدوق. وثقه غير واحد،
وفيه تشيع. قال الأنصاري قال لي عوف: سمعت من الحسن قبل وقعة ابن
الأشعث (1). قال القطان: سمعت عوفا - وحدث بحديث الصادق المصدوق -
فقال: كذب عبد الله، سمعهما بندار وغيره منه. قال ابن المبارك: ما رضي
عوف ببدعة حتى كان فيه بدعتان قدري، شيعي. وقال الأنصاري: رأيت داود
ابن أبي هند يضرب عوفا ويقول: ويلك يا قدري. وقال بندار كان قدريا،
رافضيا. قلت: لكنه ثقة مكثر. النسائي: ثقة ثبت. مات سنة ست وأربعين
ومئة. وقيل: سنة سبع. وقع في القطيعيات (2) من عواليه.

(1) وهي موقعة " دير الجماجم " انظر الطبري، والكامل، والبداية والنهاية - حوادث سنة
(82) للهجرة.
(2) وهي خمسة أجزاء من الحديث لأحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن
عبد الله القطيعي، محدث من أهل بغداد، كان يسكن " قطيعة الدقيق " فنسب إليها، وهو
مترجم في تاريخ بغداد 4 / 73 - 74، ولسان الميزان 1 / 145 - 146.
384

162 - عمر بن ذر * (خ، د، ت، س)
ابن عبد الله بن زرارة، الإمام الزاهد العابد، أبو ذر الهمداني، ثم المرهبي
الكوفي.
أخبرنا أبو المعالي بن المؤيد، أنبأنا زيد بن يحيى، أنبأنا أحمد بن
قفرجل، أنبأنا محمد بن الحسن بن أبي عثمان (ح) وقرأت بالثغر على
محمد بن أبي القاسم الصقلي، أنبأنا يوسف بن عبد المعطي، وابن رواج،
أنبأنا محمد بن عبد الكريم، وزينب بنت يحيى قالا: أنبأنا ابن رواحة، وأنبأنا
عيسى بن أبي محمد، أنبأنا علي بن محمود، وأنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا
جعفر بن علي، وأنبأنا محمد بن يوسف النحوي، أنبأنا عبد الوهاب بن رواج
قالوا جميعا: أنبأنا أحمد بن محمد الحافظ، وأنبأنا محمد بن علي الواسطي،
أنبأنا أبو محمد بن قدامة سنة عشرين وست مئة. أنبأنا المبارك بن محمد
الباذرائي، ومحمد بن عبدا لباقي بن البطي، وأنبأنا علي بن عبد الغني، أنبأنا
عبد اللطيف بن يوسف، أنبأنا ابن البطي، وأنبأنا أبو المعالي الأبرقوهي، أنبأنا
إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي، أنبأنا المبارك الباذرائي، وأنبأنا
الأبرقوهي، أنبأنا مرتضى بن حاتم، أنبأنا أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ،
قالوا: أنبأنا نصر بن أحمد القاري، قال هو وابن أبي عثمان: أنبأنا عبد الله بن
عبيد الله بن البيع، أنبأنا الحسين بن إسماعيل القاضي، حدثنا الحسن بن
مكرم، حدثنا محمد بن كناسة، حدثنا عمر بن ذر، عن يزيد الفقير، أن ابن
عمر كان إذا غشيه الصبح وهو مسافر ينادي: سمع سامع بحمد الله ونعمته

طبقات خليفة (168)، تاريخ البخاري 6 / 154، التاريخ الصغير 2 / 122، الجرح
والتعديل 6 / 107، حلية الأولياء 5 / 108 - 122، الكامل في التاريخ 5 / 442 - 594،
تهذيب الكمال 1009، تذهيب التهذيب 3 / 83 / 1 - 2، ميزان الاعتدال 3 / 193، تهذيب
التهذيب 7 / 444 - 445، خلاصة تذهيب الكمال 282، شذرات الذهب 1 / 240.
385

علينا، وحسن بلائه علينا، اللهم صاحبنا فأفضل علينا، عائذا بالله من جهنم
ثلاث مرات. هذا موقوف (1) تفرد به عمر بن ذر.
وقد حدث عن أبيه، وأبي وائل، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومعاذة
العدوية، وعطاء بن أبي رباح، ويزيد بن أمية، وسعيد بن عبد الرحمن بن
أبزى، وطائفة.
وعنه: ابن المبارك، ووكيع، وإسحاق الأزرق، ويونس بن بكر، ويحيى
ابن سعيد الأموي، وعبد الله بن إدريس، وابن عيينة، وعبد الرحمن بن
مهدي، والخريبي، وأبو عاصم، والفريابي، وحسين الجعفي، وأبو نعيم،
وحجاج الأعور، ويعلى بن عبيد، وخلق.
روى عنه: أبو حنيفة مع تقدمه، وقيل: إنه لم يكن مكثرا من الرواية.
قال علي بن المديني: له نحو ثلاثين حديثا. قال أحمد بن محمد بن يحيى
ابن سعيد: قال جدي: هو ثقة، ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه.
وقال يحيى بن معين: ثقة. وكذا وثقه النسائي، والدارقطني.
وقال أبو داود: كان رأسا في الارجاء. ذهب بصره. وقال العجلي: عمر بن
ذر القاص كان ثقة بليغا، يرى الارجاء، وكان لين القول فيه. وقال أبو حاتم:
صدوق مرجئ لا يحتج بحديثه، وهو مثل يونس بن أبي إسحاق. وقال في
موضع آخر: كان رجلا صالحا، محله الصدق. وقال الفسوي: ثقة مرجئ.
وقال عبد الرحمن بن خراش: كوفي صدوق، من خيار الناس، وكان مرجئا.

(1) وأخرجه مسلم مرفوعا (2718)، وأبو داود (5086) من طريق سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: " سمع سامع بحمد
الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذ بالله من النار ".
386

وقال أبو الفتح الأزدي: أنبأنا محمد بن عبدة القاضي، حدثنا علي بن
المديني قال: قلت ليحيى القطان: إن عبد الرحمن قال: أنا أترك من أهل
الحديث كل رأس في بدعة. فضحك يحيى وقال: كيف تصنع بقتادة؟ كيف
تصنع بعمر بن ذر؟ كيف تصنع بابن أبي رواد؟! وعد يحيى قوما أمسكت عن
ذكرهم. ثم قال يحيى: إن ترك هذا الضرب ترك حديثا كثيرا.
قال ربعي بن إبراهيم: حدثني جار لنا يقال له عمر: إن بعض الخلفاء سأل
عمر بن ذر عن القدر. فقال: ها هنا ما يشغل عن القدر. قال: ما هو؟ قال:
ليلة صبيحتها يوم القيامة. فبكى وبكى معه.
ابن أبي خيثمة، عن محمد بن يزيد الرفاعي، سمعت عمي يقول:
خرجت مع عمر بن ذر إلى مكة. فكان إذا لبى لم يلب أحد من حسن صوته.
فلما أتى الحرم قال: ما زلنا نهبط حفرة، ونصعد أكمة، ونعلوا شرفا ويبدو لنا
علم حتى أتيناك بها، نقبة أخفافها، دبرة ظهورها، ذبلة أسنامها. فليس أعظم
المؤنة علينا إتعاب أبداننا ولا إنفاق أموالنا، ولكن أعظم المؤنة أن نرجع
بالخسران! يا خير من نزل النازلون بفنائه. فحدثني عمي كثير بن محمد قال:
سمعت عمر بن ذر يقول: اللهم إنا قد أطعناك في أحب الأشياء إليك أن تطاع
فيه: الايمان بك والاقرار بك، ولم نعصك في أبغض الأشياء أن تعصى فيه:
الكفر والجحد بك، اللهم فاغفر لنا بينهما، وأنت قلت: (وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لا يبعث الله من يموت) [النمل 39]، ونحن نقسم بالله جهد أيماننا
لتبعثن من يموت. أفتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة؟
قال شعيب بن حرب، قال عمر بن ذر: يا أهل معاصي الله، لا تغتروا بطول
387

حلم الله عنكم، واحذروا أسفه، فإنه قال: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)
[الزخرف: 56].
وعن عمر بن ذر قال: كل حزن يبلى إلا حزن التائب عن ذنوبه.
إبراهيم بن بشار، حدثنا ابن عيينة قال: كان عمر بن ذر إذا قرأ: (مالك
يوم الدين) قال: يا لك من يوم ما أملا ذكرك لقلوب الصادقين.
حامد بن يحيى، عن ابن عيينة قال: لما مات ذر بن عمر قعد عمر على شفير
قبره، وهو يقول: يا بني، شغلني الحزن لك، عن الحزن عليك، فليت
شعري، ما قلت، وما قيل لك؟ اللهم إنك أمرته بطاعتك وببري. فقد وهبت
له ما قصر فيه من حقي، فهب له ما قصر فيه من حقك. وقيل: إنه قال:
انطلقنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك، فنستودعك أرحم الراحمين.
قال محمد بن سعد: قال محمد بن عبد الله الأسدي: توفي عمر بن ذر في
سنة ثلاث وخمسين ومئة وكان مرجئا، فمات فلم يشهده سفيان الثوري، ولا
الحسن بن صالح. وكان ثقة إن شاء الله، كثير الحديث. وفيها أرخه مطين.
وروى أحمد بن صالح، عن أبي نعيم قال: مات سنة ثنتين وخمسين ومئة.
وأما إسحاق بن يسار النصيبي، فروى عن أبي نعيم وفاته سنة خمس
وخمسين. وأما أحمد بن حنبل وجماعة، فرووا عن أبي نعيم وفاته سنة ست
وخمسين ومئة. فهذا أصح. وكذلك قال الفلاس، وعثمان بن أبي شيبة،
والترمذي. وقال أبو عبيد: مات سنة سبع وخمسين. وقيل غير ذلك.
احتج به البخاري دون مسلم.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد،
أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، سمعت أبا
يحيى محمد بن عبد الرحيم، سمعت علي بن المديني، سمعت سفيان
388

يقول: كان ابن عياش المنتوف يقع في عمر بن ذر ويشتمه. فلقيه عمر،
فقال: يا هذا لا تفرط في شتمنا، وأبق للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من
عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
وبه قال أبو نعيم، حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن، حدثنا
إبراهيم بن أبي الحسين قاضي الكوفة، حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا
محمد بن صبيح قال: سألت عمر بن ذر: أيها أعجب إليك للخائفين: طول
الكمد، أو إسبال الدمعة؟ فقال: أما علمت أنه إذا رق فذري، شفي وسلا؟
وإذا كمد غص فشجى، فالكمد أعجب إلي لهم.
وعن زكريا بن أبي زائدة قال: كان عمر بن ذر إذا وعظ قال: أعيروني
دموعكم.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أحمد بن محمد التيمي، أنبأنا الحداد، أنبأنا
أبو نعيم، حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن مخلد، حدثنا أبو إسماعيل
الترمذي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمر بن ذر: سمعت أبي يحدث عن سعيد
ابن جبير، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا
أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) (1). [مريم: 65].
ذكر أبو نعيم الحافظ أنه جمع في عمر بن ذر.
قرأت على عيسى بن يحيى: أخبركم الحسن بن دينار، أنبأنا السلفي، أنبأنا
أبو عبد الله الثقفي، أنبأنا علي بن محمد المعدل، أنبأنا علي بن محمد
المصري، حدثنا سليمان بن شعيب، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، حدثنا

(1) " حلية الأولياء " 5 / 116، وأخرجه البخاري (2318) في بدء الخلق، و (4731) في
التفسير، و (7455) في التوحيد، والترمذي (3157)، وأحمد 1 / 231، و 233 و 234 من
طرق: عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس..
389

عمر بن ذر، أخبرني مجاهد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في حديث ذكره
" وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما كنت، وإن لم أجد الماء تيممت
بالصعيد، ثم صليت، وكانت لي مسجدا وطهورا ولم يفعل ذلك بأحد كان
قبلي " خالد بن عبد الرحمن المخزومي واه (1).
163 - أبو حنيفة * (ت، س)
الامام، فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى
التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس.
طبقات خليفة (167 - 327)، تاريخ البخاري: 8 / 81، التاريخ الصغير: 2 / 43،
الجرح والتعديل 8 / 449 - 450، كتاب المجروحين 3 / 61، تاريخ بغداد 13 / 323،
424، الكامل في التاريخ 5 / 585، 549، وفيات الأعيان 5 / 415 - 423، تهذيب الكمال
1414، 1417، تذهيب التهذيب 4 / 98 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 168، ميزان الاعتدال
4 / 265، العبر 1 / 314، مرآة الجنان 1 / 309، البداية والنهاية 10 / 107، تهذيب التهذيب
10 / 449 - 452، النجوم الزاهرة 2 / 12، الجواهر المضيئة 1 / 26 - 32، خلاصة تذهيب
الكمال 401، شذرات الذهب 1 / 227 - 229.
وجاء في الطبوع من " ميزان الاعتدال " 4 / 265، بتحقيق علي محمد البجاوي ما نصه:
النعمان بن ثابت، بن زوطى، أبو حنيفة الكوفي إمام أهل الرأي، ضعفه من جهة حفظه
النسائي، وابن عدي وآخرون، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفى
الفريقين معدليه ومنصفيه. وقد أوسع العلامة اللكنوي القول جدا في التدليل على دس
هذه الترجمة في " الميزان " في كتابه " غيث الغمام على حواشي الكلام " ص 146، وذكر
وجوها كثيرة في تعزيز نفيها من الميزان. ومما قاله رحمه الله،: إن هذه العبارة ليست لها أثر
في بعض النسخ المعتبرة، على ما رأيتها بعيني، ويؤيده قول العراقي في " شرح ألفيته "
3 / 260 لكنه أي: ابن عدي ذكر في كتاب " الكامل " كل من تكلم فيه وإن كان ثقة. وتبعه
على ذلك الذهبي في " الميزان " إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة. والأئمة المتبوعين.
وقول السخاوي في " شرح الألفية " ص 477: مع أنه: أي الذهبي، تبع ابن عدي في إيراد
كل من تكلم فيه ولو كان ثقة، لكنه التزم ألا يذكر أحدا من الصحابة، ولا الأئمة المتبوعين.
وقول السيوطي في " تدريب الراوي " ص 519 إلا أنه - أي الذهبي - لم يذكر أحدا من
الصحابة ولا الأئمة المتبوعين. فهذه العبارات، من هؤلاء الثقات، الذين قد مرت
أنظارهم على نسخ الميزان الصحيحة مرات تنادي بأعلى الصوت على أنه ليس في حرف
النون من الميزان أثر لترجمة أبي حنيفة النعمان فلعلها من زيادات بعض الناسخين
والناقلين في بعض نسخ الميزان بل قد صرح الذهبي في مقدمة الميزان 1 / 3 فقال: وكذا لا
أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحدا لجلالتهم في الاسلام. وعظمتهم في
النفوس مثل أبي حنيفة، والشافعي، والبخاري، فإن ذكرت أحدا منهم، فأذكره على
الانصاف، وما يضره ذلك عند الله، ولا عند الناس. وجاءت في المطبوعة من الميزان
ترجمة أبي حنيفة في سطرين ليس فيها دفاع عن أبي حنيفة إطلاقا. وإنما تحط على جرحه
وتضعيفه وكلام الذهبي في المقدمة ينفي وجودها على تلك الصفة، لأنها تحمل القدح لا
الانصاف. وقد روجع المجلد الثالث من ميزان الاعتدال المحفوظ في ظاهرية دمشق، وهو
بخط الحافظ: شرف الدين عبد الله بن محمد الداني الدمشقي، المتوفى سنة 749 تلميذ
مؤلفه الذهبي، وقد قرئ عليه ثلاث مرات، مع المقابلة بأصل الذهبي، فلم توجد فيه ترجمة
للامام أبي حنيفة في حرف النون ولا في الكنى، وكذلك رجع بعضهم إلى نسخة من
الميزان موجودة في الخزانة العامة في مدينة الرباط، ولم يجد فيها أيضا ترجمة للامام أبي
حنيفة رحمه الله، وقد وصفت هذه النسخة بالجودة، والندرة، لأنه قرأها على المؤلف غير
واحد من الاعلام.
وأما ما يؤثر عن النسائي، وابن عدي من تضعيفهم لأبي حنيفة من جهة حفظه، فهو
مردود لا يعتد به، في جنب توثيق أئمة الجرح والتعديل من أمثال: علي بن المديني،
ويحيى بن معين، وشعبة وإسرائيل بن يونس، ويحيى بن آدم، وابن داود الخريبي،
والحسن بن صالح، وغيرهم. فهؤلاء كلهم معاصرون لأبي حنيفة أو قريبو العهد به. وهم
أعلم الناس به. وأعلم من النسائي، وابن عدي. وأمثالهما من المتأخرين عن أبي حنيفة
بكثير، كالدار قطني الذي ولد بعد مئتي سنة من وفاة أبي حنيفة، فقول هؤلاء الأئمة
الأقرب والأعلم، أحرى بالقبول، وقول المتأخر زمانا أجدر بالرمي في حضيض الخمول.
وقد نقل الشيخ ابن حجر المكي في " الخيرات الحسان " ص 34 قول شعبة بن الحجاج في
أبي حنيفة: " كان والله حسن الفهم، جيد الحفظ " وهذا نص صريح في قوة حفظه، صادر
عمن هو مشهود له بالإمامة وبالتدين، والتشدد في نقد الرجال. وبهذا القول الرشيد يسقط
كل ما ادعاه المتعصبون، والحاقدون، من متقدم ومتأخر، من ضعف حفظ هذا الامام
العظيم.

(1) وقال في " التقريب ": متروك، لكن متن الحديث بنحوه ثابت عند مسلم (523) من
حديث أبي هريرة، وعند البخاري ومسلم من حديث جابر، وعند مسلم (522) من حديث
حذيفة.
390

ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم
عليهم الكوفة. ولم يثبت له حرف عن أحد منهم، وروى عن عطاء بن أبي
رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال. وعن الشعبي، وعن طاووس
ولم يصح، وعن جبلة بن سحيم، وعدى بن ثابت، وعكرمة وفي لقيه له نظر،
وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن دينار، وأبي سفيان طلحة بن
نافع، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، وقيس بن مسلم، وعون بن عبد الله بن
عتبة، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ومحارب بن دثار،
وعبد الله بن دينار، والحكم بن عتيبة، وعلقمة بن مرثد، وعلي بن الأقمر،
وعبد العزيز بن رفيع، وعطية العوفي، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه. وزياد
391

ابن علاقة، وسلمة بن كهيل، وعاصم بن كليب، وسماك بن حرب، وعاصم
ابن بهدلة، وسعيد بن مسروق، وعبد الملك بن عمير، وأبي جعفر الباقر،
وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي إسحاق السبيعي، ومنصور
ابن المعتمر، ومسلم البطين، ويزيد بن صهيب الفقير، وأبي الزبير، وأبي
حصين الأسدي، وعطاء بن السائب، وناصح المحلمي، وهشام بن عروة،
وخلق سواهم. حتى إنه روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه، وعن مالك
ابن أنس وهو كذلك.
وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي
وغوامضه، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك.
392

حدث عنه خلق كثير، ذكر منهم شيخنا أبو الحجاج في تهذيبه هؤلاء على
المعجم: إبراهيم بن طهمان عالم خراسان، وأبيض بن الأغر بن الصباح
المنقري، وأسباط بن محمد، وإسحاق الأزرق، وأسد بن عمرو البجلي،
وإسماعيل بن يحيى الصيرفي، وأيوب بن هانئ، والجارود بن يزيد
النيسابوري، وجعفر بن عون، والحارث بن نبهان، وحيان بن علي العنزي،
والحسن بن زياد اللؤلؤي، والحسن بن فرات القزاز، والحسين بن الحسن
ابن عطية العوفي، وحفص بن عبد الرحمن القاضي، وحكام بن سلم، وأبو
مطيع الحكم بن عبد الله، وابنه حماد بن أبي حنيفة، وحمزة الزيات وهو من
أقرانه، وخارجة بن مصعب، وداود الطائي، وزفر بن الهذيل التميمي الفقيه،
وزيد بن الحباب، وسابق الرقي، وسعد بن الصلت القاضي، وسعيد بن أبي
الجهم القابوسي، وسعيد بن سلام العطار، وسلم بن سالم البلخي، وسليمان
ابن عمرو النخعي، وسهل بن مزاحم، وشعيب بن إسحاق، والصباح بن
محارب، والصلت بن الحجاج، وأبو عاصم النبيل، وعامر بن الفرات، وعائذ
ابن حبيب، وعباد بن العوام، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد
المقرئ، وأبو يحيى عبد الحميد الحماني، و عبد الرزاق، وعبد العزيز بن
خالد ترمذي، وعبد الكريم بن محمد الجرجاني، و عبد المجيد بن أبي رواد،
وعبد الوارث التنوري، وعبيد الله بن الزبير القرشي، وعبيد الله بن عمرو
الرقي، وعبيد الله بن موسى، وعتاب بن محمد، وعلي بن ظبيان القاضي،
وعلي بن عاصم، وعلي بن مسهر القاضي، وعمرو بن محمد العنقزي، وأبو
قطن عمرو بن الهيثم، وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، والفضل بن موسى،
والقاسم بن الحكم العرني، والقاسم بن معن، وقيس بن الربيع، ومحمد بن
أبان العنبري كوفي، ومحمد بن بشر، ومحمد بن الحسن بن أتش، ومحمد
393

ابن الحسن الشيباني، ومحمد بن خالد الوهبي، ومحمد بن عبد الله
الأنصاري، ومحمد بن الفضل بن عطية، ومحمد بن القاسم الأسدي،
ومحمد بن مسروق الكوفي، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومروان بن سالم،
ومصعب بن المقدام، والمعافى بن عمران، ومكي بن إبراهيم، ونصر بن عبد
الكريم البلخي الصيقل، ونصر بن عبد الملك العتكي، وأبو غالب النضر بن
عبد الله الأزدي، والنضر بن محمد المروزي، والنعمان بن عبد السلام
الأصبهاني، ونوح بن دراج القاضي، ونوح بن أبي مريم الجامع، وهشيم،
وهوذة، وهياج بن بسطام، ووكيع، ويحيى بن أيوب المصري، ويحيى بن
نصر بن حاجب، ويحيى بن يمان، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون،
ويونس بن بكير، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو حمزة السكري، وأبو سعد
الصاغاني، وأبو شهاب الحناط، وأبو مقاتل السمرقندي، والقاضي أبو،
يوسف.
قال أحمد العجلي: أبو حنيفة تيمي من رهط حمزة الزيات. كان خزازا
يبيع الخز.
وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: أما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد
ثابت علي الاسلام. وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه
لهم، ثم لبني قفل. قال: وكان أبو حنيفة خزازا، ودكانه معروف في دار عمرو
ابن حريث.
وقال النضر بن محمد المروزي، عن يحيى بن النضر قال: كان والد أبي
حنيفة من نسا.
وروى سليمان بن الربيع، عن الحارث بن إدريس قال: أبو حنيفة أصله من
ترمذ.
وقال أبو عبد الرحمن المقري: أبو حنيفة من أهل بابل.
394

وروى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه، عن جده قال: ثابت
والد أبي حنيفة من أهل الأنبار.
مكرم بن أحمد القاضي: حدثنا أحمد بن عبد الله بن شاذان المروزي،
عن أبيه، عن جده، سمعت إسماعيل يقول: أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي
حنيفة النعمان بن ثابت بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا
رق قط. ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي وهو صغير، فدعا
له بالبركة فيه. وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك
لعلي رضي الله عنه فينا.
قال: والنعمان بن المرزبان والد ثابت هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في
يوم النيروز فقال علي: نورزونا كل يوم، وقيل كان ذلك في المهرجان، فقال:
مهرجونا كل يوم.
قال محمد بن سعد العوفي: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة
ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.
وقال صالح بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة
في الحديث، وروى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين:
كان أبو حنيفة لا بأس به. وقال مرة: هو عندنا من أهل الصدق، ولم يتهم
بالكذب. ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء، فأبى أن يكون قاضيا.
أخبرنا ابن علان كتابة، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا الخطيب، أنبأنا،
الخلال، أنبأنا علي بن عمرو الحريري، حدثنا علي بن محمد بن كأس
النخعي، حدثنا محمد بن محمود الصيدناني، حدثنا محمد بن شجاع بن
الثلجي، حدثنا الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما
أردت طلب العلم، جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها. فقيل: تعلم
395

القرآن. فقلت: إذا حفظته فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد فيقرأ
عليك الصبيان والاحداث، ثم لا يلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو
مساويك، فتذهب رئاستك.
قلت: من طلب العلم للرئاسة قد يفكر في هذا، وإلا فقد ثبت قول
المصطفى صلوات الله عليه " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه " (1)، يا سبحان
الله! وهل محل أفضل من المسجد؟ وهل نشر لعلم يقارب تعليم القرآن؟ كلا
والله. وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب؟ وأحسب هذه
الحكاية موضوعة.. ففي إسنادها من ليس بثقة.
تتمة الحكاية: قال قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في
الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك هؤلاء
الاحداث والصبيان. ثم لم تأمن أن تغلط، فيرموك بالكذب، فيصير عارا
عليك في عقبك. فقلت: لا حاجة لي في هذا.
قلت: الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلقة، فإن الامام أبا حنيفة طلب
الحديث وأكثر منه في سنة مئة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث
الصبيان، هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مئة سنة، بل كان يطلبه كبار العلماء، بل
لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلا.
ثم قال: قلت: أتعلم النحو. فقلت: إذا حفظت النحو والعربية، ما يكون

(1) أخرجه البخاري (5027) و (5028) في فضائل القرآن باب: خيركم من تعلم
القرآن وعلمه، وأبو داود (1452) في الوتر، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي (2099)
في ثواب القرآن، باب: ما جاء في تعلم القرآن. وابن ماجة (211) في المقدمة، باب:
فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأحمد 1 / 57، 58، 69، والدارمي 2 / 437 في فضائل
القرآن، باب: خياركم من تعلم القرآن وعلمه. من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
396

آخر أمري؟ قالوا: تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة. قلت: وهذا لا
عاقبة له. قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني؟ قالوا: تمدح
هذا فيهب لك، أو يخلع عليك، وإن حرمك هجوته. قلت: لا حاجة فيه.
قلت: فإن نظرت في الكلام، ما يكون آخر أمره؟ قالوا: لا يسلم من نظر في
الكلام من مشنعات الكلام، فيرمي بالزندقة، فيقتل، أو يسلم مذموما.
قلت: قاتل الله من وضع هذه الخرافة، وهل كان في ذلك الوقت وجد
علم الكلام؟!.
قال: قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تسأل وتفتي الناس، وتطلب
للقضاء، وإن كنت شابا، قلت: ليس في العلوم شئ أنفع من هذا، فلزمت
الفقه وتعلمته.
وبه إلى ابن كأس، حدثني جعفر بن محمد بن خازم، حدثنا الوليد بن
حماد، عن الحسن بن زياد، عن زفر بن الهذيل، سمعت أبا حنيفة يقول:
كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس
بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يوما فقالت لي: رجل
له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟ فلم أدرما أقول. فأمرتها أن
تسأل حمادا، ثم ترجع تخبرني. فسألته، فقال: يطلقها وهي طاهر من
الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت فقد
حلت للأزواج. فرجعت، فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام،
وأخذت نعلي فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم
يعيدها من الغد فأحفظها، ويخطئ أصحابه. فقال: لا يجلس في صدر
الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة. فصحبته عشر سنين. ثم نازعتني نفسي
الطلب للرئاسة، فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي. فخرجت يوما
397

بالعشي، وعزمي أن أفعل، فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله. فجاءه تلك
الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة، وترك مالا، وليس له وارث غيره. فأمرني
أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه،
فكنت أجيب وأكتب جوابي، فغاب شهرين ثم قدم، فعرضت عليه المسائل،
وكانت نحوا من ستين مسألة، فوافقني في أربعين، وخالفني في عشرين
فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت.
وهذه أيضا الله أعلم بصحتها، وما علمنا أن الكلام في ذلك الوقت كان له
وجود، والله أعلم.
قال أحمد بن عبد الله العجلي، حدثني أبي قال: قال أبو حنيفة: قدمت
البصرة فظننت أنى لا أسأل عن شئ إلا أجبت فيه. فسألوني عن أشياء لم
يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت،
فصحبته ثماني عشرة سنة.
شعيب بن أيوب الصريفيني، حدثنا أبو يحيى الحماني، سمعت أبا حنيفة
يقول: رأيت رؤيا أفزعتني، رأيت كأني أنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيت البصرة،
فأمرت رجلا يسأل محمد بن سيرين فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المحدث محمود بن محمد المروزي، حدثنا حامد بن آدم، حدثنا أبو
وهب محمد بن مزاحم، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لولا أن الله أعانني
بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس.
أحمد بن زهير، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثني حجر بن عبد الجبار
قال: قيل للقاسم بن معن: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال: ما
جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة. وقال له القاسم: تعال معي
398

إليه، فلما جاء إليه، لزمه وقال: ما رأيت مثل هذا.
محمد بن أيوب بن الضريس، حدثنا أحمد بن الصباح، سمعت الشافعي
قال: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم. رأيت رجلا لو كلمك في
هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
وعن أسد بن عمرو، أن أبا حنيفة، رحمه الله، صلى العشاء والصبح
بوضوء أربعين سنة.
وروى بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي
حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال أبو
حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل. فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا
ودعاء.
وقد روى من وجهين: أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
قال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة: رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس
بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة.
وعن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه، سري الثوب،
عطر الريح. أتيته في حاجة، وعلى كساء قرمسي، فأمر بإسراج بغله، وقال:
أعطني كساءك وخذ كسائي، ففعلت. فلما رجع قال: يا نضر خجلتني
بكسائك، هو غليظ. قال: وكنت أخذته بخمسة دنانير. ثم إني رأيته وعليه
كساء قومته ثلاثين دينارا.
وعن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة،
وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.
وعن حماد بن أبي حنيفة قال: كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن
399

الهيئة، كثير التعطر، هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض - رحمه الله - فيما
لا يعنيه.
وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أو قر في مجلسه، ولا أحسن سمتا
وحلما من أبي حنيفة.
إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن المثنى بن رجاء قال: جعل أبو حنيفة
على نفسه، إن حلف بالله صادقا، أن يتصدق بدينار. وكان إذا أنفق على عياله
نفقة تصدق بمثلها.
وروى جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة، ورعا
تقيا، مفضلا على إخوانه.
قال الخريبي: كنا عند أبي حنيفة، فقال رجل: إني وضعت كتابا على
خطك إلى فلان، فوهب لي أربعة آلاف درهم. فقال أبو حنيفة: إن كنتم
تنتفعون بهذا فافعلوه.
وعن شريك قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
وروى بن إسحاق السمرقندي، عن القاضي أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة
يختم القرآن كل ليلة في ركعة.
يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبيه أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر،
قال: فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم كل ليلة عند
السحر.
وعن يزيد بن كميت، سمع رجلا يقول لأبي حنيفة: اتق الله، فانتفض؟
واصفر، وأطرق، وقال: جزاك الله خيرا. ما أحوج الناس كل وقت، إلى من
يقول لهم مثل هذا. ويروى أن أبا حنيفة ختم القرآن سبعة آلاف مرة.
400

قال مسعر بن كدام: رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة.
ابن سماعة، عن محمد بن الحسن، عن القاسم بن معن، أن أبا حنيفة قام
ليلة يردد قوله تعالى: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) [القمر:
46] ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
وقد روي من غير وجه أن الامام أبا حنيفة ضرب غير مرة، على أن يلي
القضاء فلم يجب.
قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة.
وعن الحسن بن زياد اللؤلؤي قال: قال أبو حنيفة: إذا ارتشى القاضي،
فهو معزول، وإن لم يعزل.
وروى نوح الجامع، عن أبي حنيفة أنه قال: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى
الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم
رجال ونحن رجال.
قال وكيع: سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض
القياس.
وقال أبو يوسف: قال أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث إلا بما يحفظه
من وقت ما سمعه.
وعن أبي معاوية الضرير قال: حب أبي حنيفة من السنة.
قال إسحاق بن إبراهيم الزهري، عن بشر بن الوليد قال: طلب المنصور
أبا حنيفة فأراده على القضاء، وحلف ليلين فأبى، وحلف: إني لا أفعل. فقال
الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف، وأنت تحلف؟ قال: أمير
المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.
وقيل: دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي. فقال: يا شيخ،
سير 6 / 26
401

إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل فيقول لي: اقتله أو اقطعه، أو اضربه، ولا
أعلم بقصته، فماذا أفعل؟ فقال: هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب؟ أو
بأمر لم يجب؟ قال: بل بما قد وجب. قال: فبادر إلى الواجب.
وعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع،
فقال: أترغب عما نحن فيه؟ فقال: لا أصلح. قال: كذبت. قال: فقد حكم
أمير المؤمنين علي أني لا أصلح، فإن كنت كاذبا، فلا أصلح، وإن كنت
صادقا، فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه. وروى نحوها إسماعيل بن أبي
أويس، عن الربيع الحاجب، وفيها قال أبو حنيفة: والله ما أنا بمأمون الرضى.
فكيف أكون مأمون الغضب؟ فلا أصلح لذلك. قال المنصور: كذبت. بل
تصلح. فقال كيف يحل أن تولي من يكذب؟.
وقيل: إن أبا حنيفة ولي له، فقضى قضية واحدة، وبقي يومين، ثم اشتكى
ستة أيام وتوفي.
وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري: لم يقبل العهد بالقضاء، فضرب
وحبس، ومات في السجن. وروى حيان بن موسى المروزي، قال: سئل ابن
المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة؟ قال: أبو حنيفة. وقال الخريبي: ما يقع
في أبي حنيفة إلا حاسد (1) أو جاهل.
وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي
حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.

(1) في الأصل " حاسدا ".
402

وقال علي بن عاصم: لو وزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه،
لرجح عليهم.
وقال حفص بن غياث: كلام أبي حنيفة في الفقه، أدق من الشعر، لا
يعيبه إلا جاهل.
وروى عن الأعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن
ثابت الخزاز، وأظنه بورك له في علمه.
وقال جرير: قال لي مغيرة: جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو
كان حيا لجالسه.
وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس.
وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. قلت: الإمامة في
الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الامام. وهذا أمر لا شك فيه.
وليس يصح في الأذهان شئ * إذا احتاج النهار إلى دليل
وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين، رضي الله عنه، ورحمه.
توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومئة. وله سبعون سنة، وعليه قبة
عظيمة ومشهد فاخر ببغداد، والله أعلم.
وابنه الفقيه حماد بن أبي حنيفة: كان ذا علم ودين وصلاح وورع تام. لما
توفي والده، كان عنده ودائع كثيرة، وأهلها غائبون، فنقلها حماد إلى الحاكم
ليتسلمها، فقال: بل دعها عندك، فإنك أهل. فقال: زنها واقبضها حتى تبرأ
منها ذمة الوالد، ثم افعل ما ترى. ففعل القاضي ذلك. وبقي في وزنها
وحسابها أياما، واستتر حماد فما ظهر حتى أودعها القاضي عند أمين.
توفي حماد سنة ست وسبعين ومئة كهلا. له رواية عن أبيه وغيره. حدث
عنه ولده الامام إسماعيل بن حماد قاضي البصرة.
403

164 - روح بن القاسم * (خ، م، د، س، ق)
الحافظ الحجة، أبو غياث التميمي، ثم العنبري البصري.
حدث عن عمرو بن دينار، ومحمد بن المنكدر، وقتادة بن دعامة، ومنصور
ابن المعتمر، وابن طاووس، وطبقتهم.
حدث عنه: تلميذه يزيد بن زريع، ومحمد بن إسحاق، مع كونه أكبر
منه، وإسماعيل بن علية، ومحمد بن سواء، وعبد الوهاب بن عطاء، وآخرون.
ومات كهلا. له نحو من مئة وخمسين حديثا.
وثقه أبو حاتم والناس. مات فيما يخال إلي قبل محمد بن إسحاق في خلافة
أبي جعفر المنصور نحوا من سنة خمسين ومئة.
165 - حياة بن شريح * * (ع)
ابن صفوان، الامام الرباني، الفقيه، شيخ الديار المصرية، أبو زرعة
التجيبي المصري.
حدث عن ربيعة القصير، وعقبة بن مسلم، وأبي يونس سليم بن جبير،
ويزيد بن أبي حبيب، وعدة.

تاريخ خليفة 325، تاريخ البخاري 3 / 309، الجرح والتعديل 3 / 495، مشاهير
علماء الأمصار 156، تهذيب الكمال 423، تذكرة الحفاظ 1 / 188، تهذيب التهذيب
3 / 298، 299، خلاصة تذهيب الكمال: 118.
(* *) طبقات خليفة 296، تاريخ البخاري 3 / 120، التاريخ الصغير 2 / 96،
الجرح والتعديل 3 / 306 - 307، مشاهير علماء الأمصار 187 - 189، الكامل في التاريخ
6 / 35، وفيات الأعيان 3 / 37، تهذيب الكمال 351، تذهيب التهذيب 1 / 183 / 1، تذكرة
الحفاظ 1 / 185، تذهيب التهذيب 3 / 69 - 70، خلاصة تذهيب الكمال 96، شذرات
الذهب 1 / 243.
404

حدث عنه: ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وأبو عاصم، وهانئ
ابن المتوكل، وعبد الله بن يحيى البرلسي وآخرون.
وثقه أحمد بن حنبل وغيره. قال ابن وهب: ما رأيت أحدا أشد استخفاء
بعمله من حياة، وكان يعرف بالإجابة، يعني في الدعاء.
وقال ابن المبارك: وصف لي حياة فكانت رؤيته أكثر من صفته.
قال ابن وهب: كان حياة يأخذ عطاءه في السنة ستين دينارا فلم يطلع إلى
منزله حتى يتصدق بها، ثم يجئ إلى منزله، فيجدها تحت فراشه، وبلغ ذلك،
ابن عم له، فأخذ عطاءه، فتصدق به كله، وجاء إلى تحت فراشه فلم يجد
شيئا، فشكا إلى حياة فقال: أنا أعطيت ربي بيقين، وأنت أعطيته تجربة. وكنا
نجلس إلى حياة في الفقه فيقول: أبدلني الله بكم عمودا أقوم وراءه أصلي،
ثم فعل ذلك.
أحمد بن سهل الأردني، عن خالد الفزر، قال: كان حياة بن شريح من
البكائين، وكان ضيق الحال جدا يعني فقيرا مسكينا. فجلست وهو متخل
يدعو. فقلت: لو دعوت الله أن يوسع عليك؟! فالتفت يمينا وشمالا فلم ير
أحدا، فأخذ حصاة، فرمى بها إلي، فإذا هي تبرة في كفي، والله ما رأيت
أحسن منها، وقال: ما خير في الدنيا إلا للآخرة. ثم قال: هو أعلم بما يصلح
عباده. فقلت: ما أصنع بهذه؟ قال: استنفقها، فهبته والله أن أردها.
وقال حياة مرة لبعض نواب مصر: يا هذا لا تخلين بلادنا من السلاح،
فنحن بين قبطي لا ندري متى ينقض، وبين حبشي لا ندري متى يغشانا،
وبين رومي لا ندري متى يحل بساحتنا، وبربري لا ندري متى يثور.
توفي هذا السيد في سنة ثمان وخمسين ومئة. ويقال: توفي سنة تسع.
وسائر المصريين الصلحاء لم يوردهم صاحب " الحلية " ولا عرفهم.
405

ومات مع معاوية بن صالح الحمصي، وأفلح بن حميد، وأبو جعفر
المنصور، وحمزة الزيات.
166 - أبو سنان البرجمي * (د، ت، ق)
الشيخ، الامام، الزاهد، المحدث، أبو سنان سعيد بن سنان البرجمي
الشيباني. شيخ كوفي سكن الري. وكان يحج كل عام.
حدث عن الضحاك، وطاووس، والشعبي، وعمرو بن مرة، وجماعة.
روى عنه: إسحاق بن سليمان، وأبو داود الطيالسي، وأبو أحمد الزبيري،
وزيد بن الحباب، ويعلى بن عبيد، وبكر بن بكار، وأبو نعيم، وآخرون.
وثقه أبو حاتم. وقال أبو داود: ثقة من رفعاء الناس. وقال ابن حبان: كان
عابدا فاضلا، وقال أحمد بن حنبل: صالح لم يكن يقيم الحديث. وقال أبو
أحمد الحاكم: لا يتابع على كثير من حديثه. قال إبراهيم بن سعيد الجوهري
سمعت ابن عيينة يقول: من أبو سنان - يعني سعيد بن سنان - لو كان لي عليه
سلطان لحبسته، وأدبته؟!
وقال ابن سعد: كوفي سكن الري، وكان سئ الخلق. وكان يحج كل
سنة. وقال الخطيب وغيرة: سكن قزوين أيضا.
أما سعيد بن سنان أبو مهدي فحمصي معروف

تاريخ البخاري 3 / 477، الجرح والتعديل 4 / 27 - 28، تهذيب الكمال 496،
تذهيب التهذيب 2 / 21 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 143، تهذيب التهذيب 4 / 45 - 46، خلاصة
تهذيب الكمال 139.
406

167 - أبو عمرو بن العلاء *
ابن عمار، بن العريان التميمي، ثم المازني البصري شيخ القراء،
والعربية. وأمه من بني حنيفة.
اختلف في اسمه على أقوال: أشهرها زبان، وقيل العريان. استوفينا من
أخباره في " طبقات القراء ". مولده في نحو سنة سبعين.
حدث باليسير عن أنس بن مالك، ويحيى بن يعمر، ومجاهد، وأبي صالح
السمان، وأبي رجاء العطاردي، ونافع العمري، وعطاء بن أبي رباح، وابن
شهاب. وقرأ القرآن على سعيد بن جبير. ومجاهد، ويحيى بن يعمر،
وعكرمة، وابن كثير، وطائفة. وورد أنه تلا على أبي العالية الرياحي. وقد كان
معه بالبصرة.
برز في الحروف، وفي النحو، وتصدر للإفادة مدة. واشتهر بالفصاحة
والصدق وسعة العلم.
تلا عليه يحيى اليزيدي، والعباس بن الفضل، وعبد الوارث بن سعيد،
وشجاع البلخي، وحسين الجعفي، ومعاذ بن معاذ، ويونس بن حبيب
النحوي، وسهل بن يوسف، وأبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس، وسلام
الطويل وعدة.
وحدث عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وأبو أسامة، والأصمعي، وشبابة بن
سوار، ويعلى بن عبيد، وأبو عبيدة اللغوي، وآخرون. وانتصب للإقراء في

* تاريخ البخاري 9 / 55، طبقات الزبيدي 28 - 126، مراتب النحويين 13، نزهة الألباء 15،
وفيات الأعيان 3 / 466، تهذيب الكمال: 1629 تذهيب التهذيب 4 / 225، تاريخ الاسلام
6 / 322، عبر الذهبي 1 / 223، فوات الوفيات 1 / 231، تهذيب التهذيب 12 / 178 أخبار
النحويين البصريين 22، بغية الوعاة 367. طبقات القراء لابن الجزري 1 / 288.
407

أيام الحسن البصري.
قال أبو عبيدة. كان أعلم الناس بالقراءات والعربية، والشعر، وأيام
العرب. وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها.
وكان من أشراف العرب، مدحه الفرزدق وغيره.
قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس به بأس. وقال أبو عمرو
الشيباني: ما رأيت مثل أبي عمرو.
روى أبو العيناء، عن الأصمعي: قال لي أبو عمرو بن العلاء: لو تهيأ أن
أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القرآن
أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما
قرئ لقرأت حرف كذا، وذكر حروفا (1).
قال نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه، عن شعبة قال: انظر ما يقرأ به أبو
عمرو مما يختاره فاكتبه، فإنه سيصير للناس أستاذا.
قال إبراهيم الحربي وغيره: كان أبو عمرو من أهل السنة.
قال اليزيدي وآخر: تكلم عمرو بن عبيد في الوعيد سنة، فقال أبو عمرو:
إنك لألكن الفهم، إذ صيرت الوعيد الذي في أعظم شئ مثله في أصغر

(1) وهذا من الأدلة الواضحة، على أن القراءة سنة متبعة لا يسع المسلم الخروج
عليها، إذا ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يؤيد هذا الحديث الصحيح " أنزل القرآن على
سبعة أحرف " أي أن القراءات المختلفة هي مما أنزل الله، وليس للبشر إلا التلقي والقراءة
بها كما أنزلت. وليكن معلوما أن القراءات السبع المشهورة، أو العشر، ليست هي
المقصودة بالحديث المذكور. " انظر الإبانة عن معاني القراءات " لمكي بن أبي طالب
القيسي.
408

شئ. فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء، وإنما نهى الله عنهما
لتتم حجته على خلقه، ولئلا يعدل عن أمره. ووراء وعيده عفوه وكرمه ثم
أنشد.
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي * ولا أختتي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته ووعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (1)
فقال عمرو بن عبيد: صدقت. إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد،
وقد يمتدح بهما المرء. تسمع إلى قولهم؟!
لا يخلف الوعد والوعيد ولا * يبيت من ثأره على فوت
فقد وافق هذا قوله تعالى: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد
وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم)
قال أبو عمرو: قد وافق الأول أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث يفسر
القرآن.
قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو: كن على حذر من الكريم إذا أهنته،
ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن
الفاجر إذا عاشرته. وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا
يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك.
قال الأصمعي: سألت أبا عمرو: ما اسمك؟ قال: زبان. وروي عن
الأصمعي أيضا قال: لا اسم لأبي عمرو. وأما يحيى اليزيدي، فعنه أن اسم
أبي عمرو: العريان. ورواية أخرى عنه أن اسمه: يحيى. قال الأصمعي:
سمعته يقول: كنت رأسا والحسن حي.
أبو حاتم، عن أبي عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: أنا زدت هذا البيت في
قصيدة الأعشى، وأستغفر الله منه:

(1) البيتان لعامر بن الطفيل ديوانه: 58. ولا أختتي: أي لا أستتر خوفا.
409

وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا (1)
وعن الطيب بن إسماعيل قال: شهدت ابن أبي العتاهية، وقد كتب عن
اليزيدي قريبا من ألف جلد، عن أبي عمرو بن العلاء خاصة. قال: ويكون
ذلك عشرة آلاف ورقة.
قال الأصمعي: كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلم، ظننته لا يعرف
شيئا، كان يتكلم كلاما سهلا.
قال اليزيدي: سمعت أبا عمرو يقول: سمع سعيد بن جبير قراءتي فقال:
الزم قراءتك هذه.
قال الأصمعي: كان لأبي عمرو كل يوم يشترى كوز وريحان بفلسين فإذا
أمسى تصدق بالكوز، وقال للجارية: جففي الريحان ودقيه في الأشنان.
قال أبو عبيد: حدثني عدة: أن أبا عمرو قرأ على مجاهد. وزاد بعضهم:
وعلى سعيد بن جبير. وروينا أن أبا عمرو وأباه هربا من الحجاج ومن عسفه.
وحديثه قليل. ذكر غير واحد أن وفاته كانت في سنة أربع وخمسين ومئة.
قال الأصمعي: عاش أبو عمرو ستا وثمانين سنة. وقال خليفة بن خياط
وحده: مات أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء سنة سبع وخمسين ومئة.
168 - أبو شجاع القتباني * (م، د، ت، س)
الامام القدوة، بركة الوقت، أبو شجاع سعيد بن يزيد الحميري الإسكندري

(1) هو ثاني أبيات قصيدته التي قالها في مدح: هوذة بن علي الحنفي ومطلعها:
بانت سعاد، وأمسى حبلها انقطعا * واحتلت الغمر، فالجدين، فالفرعا
(*) تاريخ البخاري: 3 / 521، الجرح والتعديل 4 / 73، مشاهير علماء الأمصار 189،
تهذيب الكمال 512، تذهيب التهذيب 2 / 31 / 1، تهذيب التهذيب 4 / 101 - 102، خلاصة
تذهيب الكمال 144، حسن المحاضرة 1 / 274.
410

حدث عن الأعرج، والحارث بن يزيد، ودراج الواعظ، وخالد بن أبي
عمران وغيره.
حدث عنه: أبو غسان محمد بن مطرف، والليث بن سعد، وابن المبارك،
وأبو زرارة ليث بن عاصم القتباني، وآخرون.
وكان من العلماء المفتين. وثقه أحمد بن حنبل وجماعة. وقال أبو داود:
كان له شأن. وقال ليث بن عاصم: رأيته إذا أصبح عصب ساقه بمشاقة (1)
وبزر كتان من طول التهجد، رضي الله عنه.
وقال الحافظ بن يونس: كان من العباد المجتهدين، توفي بالإسكندرية
سنة أربع وخمسين ومئة.
وفيها توفي أبو عمر بن العلاء، وجعفر بن برقان، وعبد الرحمن بن يزيد بن
جابر، وقره بن خالد، والحكم بن أبان، وسعيد بن يزيد القتباني.
169 - الإفريقي * (د، ت، ق)
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، الامام، القدوة، شيخ الاسلام، أبو أيوب
الشعباني الإفريقي. قاضي إفريقية وعالمها. ومحدثها على سوء في حفظه.
روى عن أبيه، وبكر بن سوادة، وأبي عبد الرحمن الحبلي، عبد الرحمن بن رافع
التنوخي صاحب لعبد الله بن عمرو، وأبي عثمان المصري صاحب لأبي هريرة،
ومسلم بن يسار، وزياد بن نعيم، وعدة من التابعين.
وعنه ابن وهب، وأبو أسامة، وجعفر بن عون، ويعلى بن عبيد، وأبو عبد
الرحمن المقرئ، وخلق كثير.

(1) المشاقة من الكتان والقطن: ما خلص منه.
(*) طبقات خليفة (296)، تاريخ البخاري 5 / 283، التاريخ الصغير 2 / 123، الجرح
والتعديل 5 / 224 - 225 الكامل في التاريخ 5 / 315، تهذيب الكمال 788، تذهيب التهذيب
2 / 209 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 151 تهذيب التهذيب 6 / 173 - 176 خلاصة تذهيب الكمال
227.
411

وفد على المنصور بالكوفة، فوعظه وصدعه بالحق. وقيل: كان أول مولود
ولد في الاسلام بإفريقية، وفي هذا نظر.
قال إسماعيل بن عياش: ولي السفاح فظهر جور بإفريقية، فوفد ابن أنعم
على أبي جعفر مشتكيا. ثم قال: جئت لأعلمك بالجور ببلدنا فإذا هو يخرج
من دارك! فغضب وهم به. وقيل: قال له: كيف لي بأعوان؟ قال: أفليس عمر
ابن عبد العزيز كان يقول: الوالي بمنزلة السوق يجلب إليه ما ينفق فيه؟ فأطرق
طويلا، فأومأ إلي الربيع الحاجب بالخروج.
وروى جارود بن يزيد، حدثنا عبد الرحمن الإفريقي قال: كنت أطلب
العلم مع المنصور. وقال ابن إدريس: ولي قضاء إفريقية لمروان الحمار.
قال يحيى بن معين: هو ضعيف ولا يسقط حديثه.
قلت: توفي سنة ست وخمسين ومئة. وكان الثوري يعظمه جدا.
قيل: أسرته الروم، فقدم ليقتل بعد قتل طائفة، قال: فحركت شفتي
وقلت: الله الله ربي، لا أشرك به شيئا ولا أتخذ من دونه وليا. فأبصر الطاغية
فعلي فقال: قدموا شماس العرب. لعلك قلت: الله الله ربي لا أشرك به شيئا؟
قلت: نعم. قال: ومن أين علمته؟ قلت: نبينا أمرنا به. فقال لي: وعيسى
أمرنا به في الإنجيل. فأطلقني ومن معي.
وقيل: إنه مات بالقيروان في رمضان سنة إحدى وستين ومئة.
412

الطبقة السادسة
من التابعين
170 - ابن أبي عروبة *
سعيد بن أبي عروبة الامام، الحافظ، عالم أهل البصرة، وأول من صنف
السنن النبوية، أبو النضر بن مهران العدوي، مولاهم البصري.
حدث عن الحسن، ومحمد بن سيرين، وأبي رجاء العطاردي، والنضر بن
أنس وعبد الله الداناج، وقتادة، وأبي نضرة العبدي، ومطر الوراق، وخلق سواهم.
وكان من بحور العلم إلا أنه تغير حفظه لما شاخ. وأكبر شيخ له هو أبو رجاء.
حدث عنه: شعبة، والثوري، ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة، والنضر
ابن شميل، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية، ويحيى بن سعيد القطان،
وخالد بن الحارث، ومحمد بن جعفر غندر، وأبو عاصم النبيل، وسعيد بن
عامر الضبعي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف راوي كتبه، ومحمد بن بكر.
البرساني، ويزيد بن هارون، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وخلق سواهم.
وثقه يحيى بن معين، والنسائي، وجماعة. قال يزيد بن زريع: سمعت
سعيد بن أبي عروبة يقول: من لم يسمع الاختلاف، فلا تعده عالما. قال
أحمد بن حنبل: لم يكن لسعيد كتاب، إنما كان يحفظ ذلك كله. وقال يحيى

طبقات خليفة (220) التاريخ الصغير 2 / 40، 78، 122، الجرح والتعديل
4 / 65، الكامل في التاريخ 5 / 594، تهذيب الكمال 502، تذهيب التهذيب 2 / 25 / 1،
تذكرة الحفاظ 1 / 177، تهذيب التهذيب 4 / 63 - 66، خلاصة تذهيب الكمال 141.
413

ابن معين: أثبت الناس في قتادة: سعيد، وهشام الدستوائي، وشعبة.
قال أبو عوانة: لم يكن عندنا في ذلك الزمان أحد أحفظ من سعيد بن أبي
عروبة. وقال حفص بن عبد الرحمن النيسابوري: قال لي سعيد بن أبي
عروبة: إذا رويت عني، فقل: حدثنا سعيد الأعرج، عن قتادة الأعمى، عن
الحسن الأحدب. قلت: لم نسمع بأن الحسن البصري كان أحدب إلا في
هذه الحكاية.
قال أحمد بن حنبل: كان قتادة وسعيد يقولان بالقدر ويكتمان.
قلت: لعلهما تابا ورجعا عنه كما تاب شيخهما.
أخبرنا جماعة منهم: شيخ الاسلام شمس الدين بن أبي عمر إجازة، أن
عمر بن محمد أخبرهم قال: أنبأنا هبة الله بن محمد الشيباني أنبأنا محمد بن
محمد، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي، حدثنا
يزيد، حدثنا ابن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، عن حصين بن المنذر
قال: صلى الوليد بن عقبة أربعا وهو سكران، ثم انفتل فقال: أزيدكم؟ فرفع
ذلك إلى عثمان، فقال له علي: اضربه الحد، فأمر بضربه. فقال علي
للحسن: قم فاضربه. قال: فما أنت وذاك؟ قال: إنك ضعفت، ووهنت
وعجزت. قم يا عبد الله بن جعفر، فقام عبد الله بن جعفر فجعل يضربه،
وعلي يعد حتى إذا بلغ أربعين، قال: كف أو اكفف. ثم قال: ضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، أربعين، وضرب أبو بكر أربعين، وضرب عمر صدرا من خلافته
أربعين، وثمانين، وكل سنة (1). هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو
داود والقزويني.

(1) أخرجه مسلم (1707) في الحدود، باب: حد الخمر، وأبو داود (4480) في
الحدود، باب: الحد في الخمر، والدارمي 2 / 175 في الحدود، باب: في حد الخمر،
وابن ماجة (2571).
414

روى إسحاق الكوسج عن ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون.
وقال أبو حاتم: ثقة قبل أن يختلط، وكان أعلم الناس بحديث قتادة.
وقال أحمد بن حنبل: من سمع منه قبل الهزيمة، فسماعه جيد عنى هزيمة
نوبة إبراهيم بن عبد الله بن حسن (2)، وهي في شوال سنة خمس وأربعين ومائة.
وقال يزيد بن هارون: لقيت ابن أبي عروبة. قبل الأربعين ومائة بدهر،
ورأيته سنة اثنتين وأربعين ومائة فأنكرته. وكان يحيى بن سعيد القطان يوثقه.
وقال أبو نعيم: كتبت عنه بعد ما اختلط حديثين، فقمت، وتركته.
قال محمد بن مثنى: حدثنا الأنصاري قال: دخلت أنا وعبد الله بن سلمة
الأفطس على سعيد بن أبي عروبة بعد ما تغير، فجعل ينظر في وجوهنا، ولا
يعرفنا.
محمد بن سلام الجمحي: كان ابن أبي عروبة يمزح، وكان يحدث، فإذا
أعجبه حفظه. قال:
دقك بالمنحاز حب القلقل (1)
وقال بعضهم: أتيت ابن أبي عروبة فتمارى عنده رجلان، فبقي يغري
بينهما قليلا.
قلت: وكان من المدلسين. قال أحمد بن حنبل: لم يسمع سعيد بن أبي
عروبة من الحكم، ولا من الأعمش، ولا من حماد، ولا من عمرو بن دينار،
ولا من هشام بن عروة، ولا من إسماعيل بن أبي خالد، ولا من عبد الله بن
عمر، ولا من أبي بشر، ولا من ابن عقيل، ولا من زيد بن أسلم، ولا من عمر
ابن أبي سلمة، ولا من أبي الزناد. وقد حدث عن هؤلاء، على التدليس، ولم

(1) حدثت هذه المعركة في " باخمرا " وفيها قتل إبراهيم رحمه الله. الكامل في
التاريخ 5 / 560 - 571، وانظر الطبري، والبداية والنهاية في حوادث سنة (145) هجرية.
(2) مثل يضرب في الالحاح على الشحيح، ويوضع في الا دلال والحمل عليه.
والمنحاز: الهاون، وحب القلقل: لا يدق.
415

يسمع منهم (1).
وقال أبو حفص الفلاس: سمعت يحيى القطان يقول: لم يسمع سعيد من
يحيى بن سعيد الأنصاري، ولا من عبيد الله، ولا هشام بن عروة.
وقال عبدة بن سليمان: سمعت من سعيد في الاختلاط.
وقد قال يحيى بن معين: أثبت الناس سماعا من سعيد عبدة.
قال الجراح بن مخلد: سمعت مسلم بن إبراهيم يقول: قال لي سعيد بن
أبي عروبة: مالك خازن النار من أي حي هو؟ قلت: هذا من قبيل المزاح.
عبدان الأهوازي: سمعت أصحابنا يحكون عن مسلم بن إبراهيم قال:
كتبت عن سعيد التصانيف فخاصمني أبي، فسجرت التنور، وطرحتها فيه. وقال
عبد الرحمن بن مهدي: سمع غندر من سعيد - يعني في الاختلاط - وقال أبو
عمر الحوضي: دخلت على سعيد بن أبي عروبة، أريد أن أسمع منه،
فسمعت منه كلاما عجيبا. سمعت يقول:
الأزد أزد عريضه * ذبحوا شاة مريضه
أطعموني فأبيت * ضربوني فبكيت
فعلمت أنه مختلط. فلم أسمع منه.
وقال يحيى القطان: سمع خالد بن الحارث من سعيد إملاء، وكان سفيان
ابن حبيب عالما بشعبة وسعيد.
وعن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال: ليست رواية وكيع
والمعافى بن عمران، عن سعيد بشئ، إنما سمع منه وكيع في الاختلاط.
فقال لي وكيع: رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو؟
وروى وهيب، عن أيوب قال: لا يفقه رجل لا يدخل حجرة سعيد بن أبي
عروبة.
روى محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن أبي عروبة قال: من سب
عثمان افتقر.

(1) في ميزان المؤلف: وقد حدث عنهم كلهم - يعني يقول: " عن "، ويدلس.
416

شعيب بن إسحاق، عن سعيد قال: أتيت ابن سيرين مع قتادة فأنشدنا بيتا.
قال أبو أحمد بن عدي في " كامله ": سعيد بن أبي عروبة من الثقات، وله
أصناف كثيرة، ومن سمع من في الاختلاط فلا يعتمد عليه. وأرواهم
عنه: عبد الأعلى الشامي، ثم شعيب بن إسحاق، وعبدة بن
سليمان، وعبد الوهاب بن عطاء. قال: وأثبتهم فيه يزيد بن زريع، وخالد بن
الحارث، ويحيى بن سعيد القطان. وروى جميع مصنفاته عبد الوهاب
الخفاف.
قال عبد الصمد بن عبد الوارث وغيره: مات ابن أبي عروبة في ست
وخمسين ومئة.
قلت: توفي في عشر الثمانين، ومات معه في السنة مقرئ الكوفة حمزة
الزيات، وقاضي البصرة سوار بن عبد الله العنبري ونزيل بيت المقدس عبد الله
ابن شوذب البلخي، ومحدث حمص أبو بكر بن أبي مريم الغساني، وعمر
ابن ذر بالكوفة، ومحدث المغرب عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي.
قال أحمد بن حنبل: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا
تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إلي أن اكتبه. وقال أبو داود الطيالسي:
كان سعيد أحفظ أصحاب قتادة.
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أنبأنا علي بن مختار (ح) وأنبأنا
أحمد بن عبد الكريم بن الأغلاقي، أنبأنا بن جرو (ح) وأنبأنا أبو المعالي
أحمد بن المؤيد، أنبأنا عبد القوي بن الحباب، وأنبأنا علي بن أحمد
الحسيني، أنبأنا مرتضى بن حاتم، وأنبأنا أبو القاسم بن عمر الهواري وعبد
الرحمن بن مخلوق وطائفة قالوا: أنبأنا جعفر بن منير، قالوا خمستهم: أنبأنا
417

أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة، أنبأنا عبد الرحمن بن عمر، والحسين بن
الحسين الهاشمي والمبارك بن عبد الجبار، ومحمد بن عبد الملك، ومحمد
ابن عبد الكريم، قالوا خمستهم: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد البزاز، أنبأنا
عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا روح بن
عبادة، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لأبي: " إن الله أمرني أن أقرئك القرآن، أو أقرأ عليك القرآن " قال: الله سماني
لك؟ قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم، فذرفت عيناه " (1) أخرجه
البخاري عن ابن المنادي، لكن سماه أحمد (2).
بعونه تعالى وتوفيقه تم الجزء السادس
من سير أعلام النبلاء
ويليه الجزء السابع وأوله
ترجمة معمر بن راشد

(1) أخرجه البخاري (4961) في التفسير، في سورة: لم يكن و (4959) و (4960) و
(3810) في الفضائل، باب: مناقب أبي بن كعب، ومسلم (799) في فضائل الصحابة، باب:
فضائل أبي، وجماعة من الأنصار، والترمذي (3894) في المناقب، باب: فضل أبي.
(2) بين الحافظ في " الفتح " أن الذي سماه أحمد وهو الفربري لا البخاري، وقال: لم يصب من
وهم البخاري فيه.
418

في آخر هذا الجزء من الأصل الذي اعتمدناه ما نصه:
تم الجزء الخامس من كتاب سير أعلام النبلاء للشيخ
الإمام الحجة الناقد البارع جامع أشتات الفنون مؤرخ
الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي الدمشقي، وهو أول نسخة نسخت من خط
المصنف، وقوبلت عليه حسب الامكان، ولله الحمد والمنة
وبه التوفيق والعصمة، ويتلوه في الجزء الذي يليه وهو
السادس ترجمة معمر بن راشد. وكان الفراغ من نسخه سنة
أربعين وسبع مئة.
419