الكتاب: سير أعلام النبلاء
المؤلف: الذهبي
الجزء: ١١
الوفاة: ٧٤٨
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق: إشراف وتخريج : شعيب الأرنؤوط / تحقيق : صالح السمر
الطبعة: التاسعة
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

سير أعلام النبلاء
1

جميع الحقوق محفوظة
لمؤسسة الرسالة
ولا يحق لاية جهة أن تطبع أو تعطي حق الطبع لاحد.
سواء كان مؤسسة رسمية أو افرادا.
الطبعة التاسعة
1413 ه‍ - 1993 م
2

سير أعلام النبلاء
تصنيف
الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى
748 ه‍ - 1374 م
الجزء الحادي عشر
أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه حقق هذا الجزء
شعيب الأرنؤوط صالح السم
3

بسم الله الرحمن الرحيم
4

1 - الحكم بن موسى * (م، س، ق)
الامام المحدث القدوة الحجة، أبو صالح البغدادي القنطري
الزاهد.
سمع العطاف بن خالد، وإسماعيل بن عياش، وعبد الرحمن بن
أبي الرجال، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن حمزة، وطبقتهم.
حدث عنه: مسلم، وبواسطة النسائي وابن ماجة، وأحمد بن
حنبل، وأبو محمد الدارمي، والحارث بن أبي أسامة، وأبو يعلى
الموصلي، وعثمان بن سعيد، وأبو القاسم البغوي، وخلق سواهم.
وثقه يحيى بن معين.
قال الحسين بن فهم: كان رجلا صالحا ثبتا في الحديث.
وقال علي بن محمد الحبيبي: سألت صالحا جزرة عن سريج بن
يونس، والحكم بن موسى، ويحيى بن أيوب، فوثقهم جدا، وقال:
هؤلاء الثلاثة تقطعوا من العبادة.

* طبقات ابن سعد 7 / 346، التاريخ الكبير 2 / 344، التاريخ الصغير 2 / 361، الجرح
والتعديل 3 / 128، 129، تاريخ بغداد 8 / 226، 229، الأنساب، ورقة: 463 / 2،
تهذيب الكمال، ورقة: 318، تذكرة الحفاظ 2 / 474، العبر 1 / 411، تذهيب التهذيب،
1 / 169، تهذيب التهذيب 2 / 439، 440، النجوم الزاهرة 2 / 265، خلاصة تذهيب
الكمال: 90، شذرات الذهب 2 / 75.
5

قال عثمان بن سعيد الدارمي: قدم علي بن المديني بغداد،
فحدثه الحكم بن موسى بحديث أبي قتادة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: " أسوأ
الناس سرقة الذي يسرق صلاته. " فقال ابن المديني: لو غيرك حدث
به، ما صنع به.
قلت: رواه الناس عنه، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي،
عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه،
فذكره (1).
قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن حديث الحكم بن موسى
في الصدقات، فقال: لا أحدث به.
قلت: ساقه أبو داود في كتاب " المراسيل " عن يحيى بن حمزة،
عن سليمان بن داود، كذا قال، وصوابه: سليمان بن أرقم، كما قد
بسطناه في كتاب " الميزان " (2).
مات الحكم في شوال، سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، ليومين بقيا
من الشهر.

(1) حديث صحيح، أخرجه الدارمي 1 / 304 في الصلاة: باب في الذي لا يتم الركوع
والسجود عن الحكم بن موسى، حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير،
عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وتمامه: قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق صلاته؟ قال:
" لا يتم ركوعها ولا سجودها ". وأخرجه أحمد 5 / 310 من طريق الوليد بن مسلم به،
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد 3 / 56، وآخر من حديث أبي هريرة عند ابن حبان
(503).
(2) انظر " الميزان " 2 / 201، 202، وانظر الحديث بطوله في " سنن النسائي " 8 / 57،
58 في القسامة: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، والحاكم 1 / 397، والدار قطني:
376، وابن حبان رقم (793)، والبيهقي 4 / 89، وقد توسع في الكلام عليه الحافظ ابن التركماني
في " الجوهر النقي " فراجعه.
6

وفيها توفي إبراهيم بن الحجاج النيلي (1)، وحوثرة بن أشرس (2)،
وعبد الله بن عون الخراز، وعبد الوهاب بن نجدة، وعمرو الناقد،
والواثق، ويوسف بن عدي، وعيسى بن سالم الشاشي، وكثير بن
يحيى صاحب البصري، وإبراهيم بن دينار ببغداد، وأحمد بن أبي
شعيب الحراني.
2 - ابن شبوية * (د)
الامام القدوة المحدث، شيخ الاسلام، أبو الحسن، أحمد بن
محمد بن ثابت بن عثمان، الخزاعي المروزي الحافظ، ابن شبوية.
سمع عبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، والفضل بن موسى، وأبا
أسامة، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو داود، وأبو زرعة الدمشقي، وأحمد بن أبي خيثمة،
وجماعة.
وحدث عنه من أقرانه يحيى بن معين، وغيره.
وثقه النسائي وغيره.
قال عبد الله بن أحمد بن شبوية: سمعت أبي يقول: من أراد علم

(1) نسبة إلى النيل، وهي بليدة في سواد الكوفة، قرب حلة بني مزيد، يخترقها خليج كبير
يتخلج من الفرات الكبير، حفره الحجاج بن يوسف الثقفي، وسماه بنيل مصر. انظر " معجم
البلدان ".
(2) ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 3 / 283، وقال: روى عنه أبي، وأبو
زرعة.
* التاريخ الكبير 2 / 5، التاريخ الصغير 2 / 359، الجرح والتعديل 2 / 55، طبقات
الحنابلة 1 / 47، 48، الأنساب 7 / 285، اللباب 3 / 77، تذهيب التهذيب 1 / 22، تذكرة
الحفاظ 2 / 464، تهذيب الكمال، ورقة: 23، تهذيب التهذيب 1 / 71، النجوم الزاهرة
2 / 254، خلاصة تذهيب الكمال: 11.
7

القبر، فعليه بالأثر، ومن أراد علم الخبز، فعليه بالرأي.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني ثابت بن أحمد بن
شبوية، قال: كان يخيل إلي أن لأبي فضيلة على أحمد بن حنبل
لجهاده، وفكاك الاسرى، فسألت أخي عبد الله، فقال: أحمد بن
حنبل أرجح، فلم أقنع، فأريت شيخا حوله الناس، يسألونه، ويسمعون
منه، فسألته عنهما، فقال: سبحان الله!! إن أحمد بن حنبل ابتلي
فصبر، وإن ابن شبوية عوفي، المبتلى الصابر كالمعافى؟! هيهات.
قال البخاري وأبو حاتم: توفي سنة ثلاثين ومئتين، زاد البخاري:
وهو ابن ستين سنة. وقال ابن ماكولا: مات بطرسوس سنة 239.
وقد روى البخاري في " صحيحه " في الوضوء والأضاحي
والجهاد (1)، عن أحمد بن محمد، عن ابن المبارك، فقال الدارقطني:
هو ابن شبوية. وقال الكلاباذي، وطائفة: بل هو:
3 - أحمد بن محمد بن موسى * (خ، ت، س)
السمسار المروزي مردويه الحافظ (2). وربما نسب إلى جده،
فقيل: أحمد بن موسى.
روى عن: ابن المبارك، وجرير، وإسحاق الأزرق، وطائفة.

(1) انظر " صحيح البخاري " بشرح الفتح 1 / 297 في الوضوء: باب ما يقع من
النجاسات في السمن والماء، وصحابي الحديث هو أبو هريرة، و 10 / 19 في الأضاحي: باب
إذا بعث بهديه ليذبح، لم يحرم عليه شئ، وصحابيه عائشة، و 6 / 50 في الجهاد: باب
الركوب على الدابة الصعبة، وصحابيه أنس بن مالك.
* الوافي بالوفيات 8 / 13، تهذيب التهذيب 1 / 77، خلاصة تذهيب الكمال: 12.
(2) وهو الذي جزم به الحافظ في " الفتح "، انظر التعليق السابق.
8

وعنه: البخاري، والترمذي، والنسائي، ومحمد بن عمر الذهلي،
وعبد الله بن محمود المروزي، وجماعة.
وسمع من النضر بن محمد المروزي، شيخ يروي عن يحيى بن
سعيد الأنصاري.
قال الشيرازي في " الألقاب ": توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
قلت: وكان مكثرا عن ابن المبارك، ثقة.
4 - أمية بن بسطام * (خ، م)
ابن المنتشر الحافظ الثقة، أبو بكر العيشي البصري.
حدث عن: ابن عمه يزيد بن زريع الحافظ، وأبي عقيل يحيى
المتوكل، وبشر بن المفضل، ومعتمر بن سليمان، وطبقتهم.
حدث عنه: الشيخان في " صحيحيهما "، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
وأبو بكر بن أبي عاصم، والحسن بن سفيان، وجعفر الفريابي، ومحمد
ابن حبان (1) الباهلي، وأبو يعلى الموصلي، وخلق سواهم.
وثقه ابن حبان وغيره.
قال ابن حبان: مات سنة إحدى وثلاثين ومئتين.
أخبرنا محمد بن عبد السلام سنة ثلاث وتسعين، أنبأنا عبد المعز

* تاريخ خليفة: 479، التاريخ الكبير 2 / 11، الجرح والتعديل 2 / 303،
الأنساب، ورقة: 404 / 1، تهذيب الكمال: ورقة: 122، العبر 1 / 409، تذهيب التهذيب
1 / 73، تهذيب التهذيب 1 / 370، خلاصة تذهيب الكمال: 40، شذرات الذهب 2 / 70.
(1) انظر " تبصير المنتبه " 1 / 282، 283.
9

ابن محمد، أخبرنا تميم المؤدب، وزاهر المستملي، قالا: أخبرنا
محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن أحمد الحيري، أخبرنا الحسن
ابن سفيان، حدثنا أمية بن بسطام، حدثنا معدي بن سليمان، أخبرنا
ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
" من انصرف عن جنازة، فله قيراط، ومن شيعها، فله قيراط، ومن
صلى عليها، فله قيراط، ومن قعد حتى تدفن، فله قيراط. " (1)
5 - حبان بن موسى * (خ، م، ت، س)
ابن سوار الحافظ الإمام الحجة، أبو محمد السلمي المروزي
الكشميهني.
حدث عن: أبي حمزة محمد بن ميمون السكري، وداود بن عبد
الرحمن العطار، ونوح بن أبي مريم، وعبد الله بن المبارك، وكان مليا
به.

(1) وأخرجه البزار رقم (823) من طريق محمد بن المثنى وعبد الله بن محمد بن الحجاج
الصواف، كلاهما عن معدي بن سليمان، عن ابن عجلان به. ومعدي بن سليمان ضعفه الحافظ
في " التقريب " وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 30، وأعله بمعدي هذا، لكن حديث أبي
هريرة صحيح ثابت من طرق كثيرة في " الصحيح " وغيره بغير هذا السياق، فقد أخرجه البخاري
1 / 100 في الايمان: باب اتباع الجنائز من الايمان، بلفظ: " من اتبع جنازة مسلم إيمانا
واحتسابا، وكان معه حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الاجر بقيراطين، كل
قيراط مثل أحد. ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط "، وأخرجه هو
3 / 158 في الجنائز، ومسلم (945) بلفظ: " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، فله
قيراط. ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين
العظيمين. وانظر " سنن أبي داود " رقم (3168)، والترمذي (1040)، والنسائي 4 / 76
و 77، وابن ماجة (1539).
* التاريخ الكبير 3 / 90، الجرح والتعديل 3 / 271، تهذيب الكمال، ورقة: 228،
العبر 1 / 413، تذهيب التهذيب 1 / 118، تهذيب التهذيب 2 / 174، 175، خلاصة
تذهيب الكمال: 70، شذرات الذهب 2 / 77، 78.
10

حدث عنه: البخاري، ومسلم، وبواسطة الترمذي، والنسائي،
ويوسف بن عدي وهو أكبر من حبان من حيث قدم الموت، وأبو زرعة
الرازي، ومحمد بن مسلم بن وارة، وجعفر الفريابي، والحسن بن
سفيان، وعبد الله بن محمود المروزي، وآخرون.
قال يحيى بن معين: لا بأس به.
وقال البخاري: مات في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين.
أما سميه:
حبان بن موسى بن حبان
ابن موسى بن عبيد الله الكلاعي الدمشقي الذي يروي عن زكريا
السجزي خياط السنة (1)، فتوفي سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة.
أخبرنا محمد بن عبد السلام، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا
تميم وزاهر، قالا: أخبرنا أبو سعد الكنجروذي (2)، أخبرنا أبو عمرو الحيري،
أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حبان بن موسى، عن ابن المبارك، حدثنا
أفلح، أخبرنا القاسم، عن عائشة، قالت: " نزلنا المزدلفة، فاستأذنت النبي
صلى الله عليه وسلم سودة أن تنفر قبله، وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة - والثبطة:
الثقيلة - فأذن لها، فدفعت قبله، وحبسنا حتى دفعنا بدفع النبي، صلى الله عليه وسلم حين
أصبح (3) ".

(1) سمي بذلك، لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة.
(2) بفتح الكاف والجيم بينهما نون ساكنة وبضم الراء، نسبة إلى كنجروذ، وهي قرية على
باب نيسابور.
(3) وأخرجه البخاري 3 / 423 في الحج: باب من قدم ضعفة أهله بليل، ومسلم
(1290) في الحج: باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في
أواخر الليالي، كلاهما من طريق أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة. والحطمة، بفتح
الحاء وإسكان الطاء المهملتين: الزحمة.
11

6 - علي بن بحر * (د، ت)
ابن بري، الامام الحافظ المتقن، أبو الحسن الفارسي، ثم
البغدادي القطان.
حدث عن: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وحاتم بن
إسماعيل، ومعتمر بن سليمان، وبقية بن الوليد، وعبد المهيمن بن
عباس الساعدي، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر، وهشام
ابن يوسف، وعبد الرزاق، وخلق كثير من الشاميين واليمانيين والعراقيين
والحجازيين.
حدث عنه: أبو داود، وبواسطة الترمذي، ومحمد بن يحيى
الذهلي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وحنبل بن إسحاق، وهلال بن
العلاء، وإبراهيم الحربي، وخلق سواهم. وكان قد سكن ببابسير.
وثقه يحيى بن معين.
توفي سنة أربع وثلاثين ومئتين. وبابسير: بليدة من ناحية
الأهواز.
7 - ابن الرماح * *
قاضي نيسابور، العلامة، أبو محمد، عبد الله بن عمر بن الرماح
البلخي ثم النيسابوري، واسم جده ميمون.

* التاريخ الكبير 6 / 263، الجرح والتعديل 6 / 176، تهذيب الكمال، ورقة: 957،
958، تاريخ بغداد 11 / 352، 354، العبر 1 / 417، 418، تذهيب التهذيب 3 / 53،
تهذيب التهذيب 7 / 284، 285، طبقات الحفاظ: 204، خلاصة تذهيب الكمال: 271.
* * التاريخ الصغير 2 / 365، الجرح والتعديل 5 / 111.
12

سمع مالكا، وحماد بن زيد، ومعتمر بن سليمان، وجماعة.
حدث عنه: إسحاق بن راهويه، والذهلي، وإبراهيم بن أبي
طالب، وجعفر بن محمد بن سوار، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، وآخرون.
وكان صاحب سنة، وصدع بالحق.
وثقه الذهلي.
وامتنع من القول بخلق القرآن، وكفر الجهمية (1).
مات في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومئتين.
8 - قتيبة * (ع)
هو شيخ الاسلام، المحدث الامام الثقة الجوال، راوية الاسلام،
أبو رجاء، قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي، مولاهم البلخي
البغلاني، من أهل قرية " بغلان "، من موالي الحجاج بن يوسف الأمير

(1) هم أتباع جهم بن صفوان، يكنى أبا محرز، وقد نشأ في سمرقند بخراسان، ثم
قضى فترة من حياته الأولى في ترمذ، وكان مولى لبني راسب من الأزد، وقد أطبق السلف على
ذمه بسبب تغاليه في التنزيه، وإنكاره صفات الله تعالى، وتأويلها المفضي إلى تعطيلها. وأول من
حفظ عنه مقالة التعطيل في الاسلام هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه جهم بن صفوان وأظهرها،
فنسبت إليه. وقد قتل سنة 158 ه‍ مع الحارث بن سريج في حربه ضد بني أمية. انظر " تاريخ
الطبري " 7 / 220، 221 و 236، 237، و " تاريخ الجهمية والمعتزلة " ص: 10 وما بعدها
للقاسمي.
والمعتزلة يوافقون جهما في بعض ما يذهب إليه، ويخالفونه في عدة مسائل.
* طبقات ابن سعد 7 / 379، طبقات خليفة: 324، التاريخ الكبير 7 / 195، التاريخ
الصغير 2 / 372، تاريخ الفسوي 1 / 212، الجرح والتعديل 7 / 140، تاريخ بغداد
12 / 464، 470، طبقات الحنابلة 1 / 257، 258، اللباب 1 / 134، تهذيب الكمال،
ورقة: 1124، 1125، تذكرة الحفاظ 2 / 446، 447، العبر 1 / 433، تذهيب التهذيب
3 / 157، 158، تهذيب التهذيب 8 / 358، 361، النجوم الزاهرة 2 / 303، طبقات
الحفاظ: 195، خلاصة تذهيب الكمال: 318، شذرات الذهب 2 / 94، 95.
13

الظالم، وهو ابن أخي وشيم (1) بن جميل الثقفي.
وقد كنت عملت له ترجمة معها نحو من ثمانين حديثا من
العوالي. وحدثت بذلك، وأحببت الآن عملها على أنموذج نظرائه.
مولده في سنة تسع وأربعين ومئة.
قال الحافظ أبو أحمد بن عدي: اسمه يحيى بن سعيد، وقتيبة
لقب. وقال الحافظ ابن مندة: اسمه علي بن سعيد. وقيل: كان له أخ
اسمه قديد بن سعيد.
قال الأصمعي: قتيبة مشتق من القتب، وهو المعى، يقال:
طعنته فاندلقت أقتاب بطنه، أي: خرجت.
نعم، وارتحل قتيبة في طلب العلم، وكتب ما لا يوصف كثرة.
وذلك في سنة ثنتين وسبعين ومئة، فحمل الكثير عن مالك، والليث،
وشريك، وحماد بن زيد، وأبي عوانة، وابن لهيعة، وبكر بن مضر،
وكثير بن سليم، صاحب أنس بن مالك، وعبثر بن القاسم، وعبد
الواحد بن زياد، وأبي الأحوص سلام بن سليم، ومفضل بن فضالة،
وإبراهيم بن سعد، وإسماعيل بن جعفر، وجعفر بن سليمان، وحرب
ابن أبي العالية، وحماد بن يحيى الأبح، وخلف بن خليفة، وداود
العطار، وشهاب بن خراش، وعبد الله بن جعفر المديني، ورشدين بن
سعد، وعبد الرحمن بن أبي الرجال، وابن المبارك، وعبد الوارث،
والعطاف بن خالد، وفضيل بن عياض، وفرج بن فضالة، وأبي هاشم

(1) كذا الأصل " وشيم " بالشين المعجمة، وضبطه الحافظ في " تبصير المنتبه " ص:
602 وسيم، بالسين المهملة، فقال: وسيم بن جميل الثقفي عم قتيبة.
14

كثير بن عبد الله الأيلي، والمنكدر بن محمد بن المنكدر، وهشيم بن
بشير، ويزيد بن زريع، ويزيد بن المقدام (1) بن شريح، ويعقوب بن
عبد الرحمن الإسكندراني، والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وجرير
ابن عبد الحميد، ومحمد بن موسى الفطري، ومعاوية بن عمار
الدهني، وخلق كثير. وينزل إلى غندر، ووكيع، والوليد بن مسلم،
وابن وهب، وطبقتهم، ثم إلى حجاج الأعور، وابن أبي فديك.
حدث عنه: الحميدي، ونعيم بن حماد، ويحيى بن عبد الحميد
الحراني، وأحمد بن حنبل فأكثر، ويحيى بن معين، وعلي بن
المديني، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، وطائفة
ماتوا قبله.
وروى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي
في كتبهم فأكثروا. وروى ابن ماجة عن محمد بن يحيى الذهلي عنه،
وعن ابن أبي شيبة عنه. وروى الترمذي أيضا عن رجل عنه، وروى
النسائي عن زكريا الخياط عنه. وروى عنه يعقوب بن شيبة، والحسن بن
عرفة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وإبراهيم الحربي، وأحمد بن سيار،
وعباس العنبري، والحسن بن محمد الزعفراني، وموسى بن هارون،
وجعفر الفريابي، والحارث بن أبي أسامة، والحسن بن سفيان، وجعفر
ابن محمد بن سوار، وإسحاق بن أبي عمران الأسفراييني الفقيه،
وأحمد بن عبد الرحمن بن بشار النسائي، وإسحاق بن إبراهيم بن
إسماعيل البستي القاضي، وإسحاق بن إبراهيم بن نصر البشتي،
بمعجمة، النيسابوري، والحسن بن الطيب البلخي، وولده عبد الله بن

(1) في الأصل " المقدم "، وهو خطأ.
15

قتيبة، وعبدان بن محمد المروزي، وعلي بن طيفور النسوي، ومحمد
ابن أيوب الرازي، ومحمد بن عبد الله بن يوسف الدويري، ودوير بفتح
أوله قرية بخراسان (1)، ومحمد بن علي (2) الحكيم الترمذي، وأبو
العباس السراج، وخلق آخرهم موتا الواعظ أبو عبد الله محمد بن
الفضل بن العباس البلخي الزاهد المتوفى سنة سبع عشرة وثلاث مئة،
الذي روى عنه أبو بكر بن المقرئ في " معجمه " بالإجازة (3) الذي
قيل: إنه وعظ مرة، فمات في المجلس من تذكيره أربعة أنفس.
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل ذكر قتيبة، فأثنى
عليه.
وقال يحيى بن معين، من طريق أحمد بن زهير: قتيبة ثقة. وكذا
قال النسائي، وزاد: صدوق.
وقال أبو حاتم الرازي: ثقة. وقال ابن خراش: صدوق.
قال أبو داود: قدم قتيبة بغداد في سنة ست عشرة ومئتين، فجاءه أحمد
ويحيى.
وقال فيه أبو حاتم الرازي أيضا: حضرته ببغداد، وقد جاءه
أحمد، فسأله عن أحاديث، فحدثه بها. وجاء أبو بكر بن أبي شيبة

(1) وهي على فرسخين من نيسابور، كما في " الأنساب ".
(2) في الأصل " عبد الحكيم " وهو خطأ والتصويب من " تهذيب الكمال "، ومحمد بن علي
هذا هو صاحب " نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول "، وهو مطبوع، وفيه من الأحاديث
الكثيرة التي لا تصح. انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " ص: 645 للمؤلف.
(3) الإجازة: أن يأذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته أو مؤلفاته، وكأنها تتضمن إخباره
بما أذن له بروايته عنه. وشرطوا فيها أن يكون المجيز عالما بما يجيزه، معروفا بذلك، ثقة في دينه
وروايته، وأن يكون الطالب للإجازة من أهل العلم حتى لا يوضع العلم إلا عند أهله.
16

وابن نمير بالكوفة إليه ليلة، وحضرت معهما، فلم يزالا ينتخبان عليه،
وأنتخب معهما إلى الصبح (1).
قال أحمد بن محمد بن زياد الكرميني: قال لي قتيبة بن سعيد: ما
رأيت في كتابي من علامة الحمرة، فهو علامة أحمد بن حنبل، وما
رأيت من الخضرة، فهو علامة يحيى بن معين.
وقال محمد بن حميد بن فروة: سمعت قتيبة، يقول: انحدرت
إلى العراق أول مرة سنة اثنتين وسبعين. وكنت يومئذ ابن ثلاث وعشرين
سنة.
وقال عبد الله بن أحمد بن شبوية: سمعت قتيبة يقول: كنت في
حداثتي أطلب الرأي، فرأيت فيما يرى النائم أن مزادة دليت من
السماء، فرأيت الناس يتناولونها، فلا ينالونها، فجئت أنا، فتناولتها،
فاطلعت فيها، فرأيت ما بين المشرق والمغرب، فلما أصبحت، جئت
إلى مخضع البزاز، - وكان بصيرا بعبارة الرؤيا - فقصصت عليه رؤياي،
فقال: يا بني، عليك بالأثر، فإن الرأي لا يبلغ المشرق والمغرب، إنما
يبلغ الأثر. قال: فتركت الرأي، وأقبلت على الأثر.
وروى أحمد بن جرير (2) اللال، عن قتيبة، قال لي أبي: رأيت
النبي، صلى الله عليه وسلم، في النوم، في يده صحيفة، فقلت: يا رسول الله، ما
هذه الصحيفة؟ قال: فيه أسامي العلماء. قلت: ناولني، أنظر فيه اسم

(1) الانتخاب: هو أن ينتقي التلميذ من أحاديث شيخه، ويختار منها. والخبر في
" الجرح والتعديل " 7 / 140.
(2) هو أحمد بن جرير بن المسيب البلخي، رفيق أبي حاتم بمصر في رحلته الثانية. روى
عن قتيبة وهانئ بن المتوكل الإسكندراني. قال ابن أبي حاتم الرازي في " الجرح والتعديل "
2 / 45: سمع منه أبي في مرافقته. حدثنا عبد الرحمن، قال: سئل عنه أبي، فقال: صدوق.
17

ابني، فنظرت، فإذا فيه اسم ابني.
قال عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني (1): قتيبة صدوق، ليس
أحد من الكبار إلا وقد حمل عنه بالعراق. وحدث عنه أحمد بن حنبل،
وأبو خيثمة، وعباس العنبري، والحميدي بمكة.
وسمعت عمرو بن علي يقول: مررت بمنى على قتيبة، وعباس
العنبري يكتب عنه، فجزت ولم أحمل عنه، فندمت.
أحمد بن سيار المروزي: أبو رجاء قتيبة مولى الحجاج بن
يوسف، فكان قتيبة يتولى ثقيف، ويذكر كرامة جده على الحجاج، وأن
الحجاج كان إذا جلس على سريره، جلس جدي على كرسي عن
يمينه. قال: وكان أبو رجاء رجلا ربعة أصلع، حلو الوجه، حسن
اللحية، واسع الرحل، غنيا من ألوان الأموال من الدواب والإبل والبقر
والغنم، وكان كثير الحديث. لقد قال لي: أقم عندي هذه الشتوة،
حتى أخرج لك مئة ألف حديث، عن خمسة أناسي، فقلت: لعل
أحدهم عمر بن هارون؟ قال: لا، كنت كتبت عن عمر بن هارون وحده
أكثر من ثلاثين ألفا، ولكن وكيع بن الجراح، وعبد الوهاب الثقفي،
وجرير، ومحمد بن بكر البرساني، ونسيت الخامس. قال: وكان ثبتا

(1) ويقال: الفرهاذاني. قال ياقوت: أظنها من قرى نسا بخراسان، ينسب إليها عبد الله
ابن محمد بن سيار أبو محمد الفرهاذاني، ويقال: الفرهياني النسائي. سمع بدمشق هشيم بن
عمار، وأبا عثمان القاسم بن عبد الملك، ودحيما. وبمصر عبد الملك بن شعيب بن الليث،
وجعفر بن مسافر التنيسي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وحرملة بن يحيى.
وبخراسان قتيبة بن سعيد، ومحمد بن الوزير الواسطي، وسويد بن نصر المروزي. روى عنه أبو
عمرو بن حمدان، وأثنى عليه، وبشر بن أحمد الأسفراييني، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو بكر
محمد بن الحسن النقاش.
18

فيما روى، صاحب سنة وجماعة. سمعته يقول: ولدت سنة خمسين
ومئة.
قال: ومات لليلتين خلتا من شعبان سنة أربعين ومئتين، وهو في
تسعين سنة، وكان كتب الحديث عن ثلاث طبقات: الليث، وابن
لهيعة، إلى أن قال: ثم كتب عن إدريس، ووكيع، والعنقزي
ونحوهم، ثم كتب عن إسماعيل بن أبي أويس، وسعيد بن سليمان.
وأما موسى بن هارون، فقال: ولد سنة ثمان وأربعين ومئة، سنة
موت الأعمش، وسمعته يقول: حضرت موت ابن لهيعة، وشهدت
جنازته سنة أربع وسبعين ومئة.
قلت: حدث عنه الحميدي، ومحمد بن الفضل الواعظ، وبينهما
في الموت ثمانية وتسعون عاما.
وأما الخطيب، فقال في كتاب " السابق واللاحق ": حدث عنه
نعيم بن حماد، وأبو العباس السراج، وبين وفاتيهما أربع وثمانون سنة.
قال ابن المقرئ في " معجمه ": حدثنا محمد بن عبد الله
النيسابوري، سمعت الحسن بن سفيان يقول: كنا على باب قتيبة،
فمرض رجل كان معنا، يقول: لا أخرج حتى (1) أكبر على قتيبة. قال:
فمات، فأخبروا به قتيبة، فخرج يصلي عليه، وكتب على قبره: هذا
قبر قاتل قتيبة.
وقد روى أبو نصر، عن قتيبة، ولدت سنة ثمان وأربعين
ومئة. فالله أعلم.

(1) في الأصل " على " وهو تحريف، والتصويب من " تاريخ بغداد " 12 / 470
19

وروى غير واحد عن أبي العباس السراج قال: سمعت قتيبة بن
سعيد يقول: هذا قول الأئمة في الاسلام، وأهل السنة والجماعة:
نعرف ربنا، عز وجل، في السماء السابعة على عرشه، كما قال
تعالى: (الرحمن على العرش استوى) (طه: 5).
ومما بلغنا من شعر قتيبة بن سعيد قوله:
لولا القضاء الذي لابد مدركه * والرزق يأكله الانسان بالقدر (1)
ما كان مثلي في بغلان مسكنه * ولا يمر بها إلا على سفر (2)
وكانت رحلة النسائي إلى قتيبة في سنة ثلاثين ومئتين، فأقام عنده سنة
كاملة، وكتب عنه شيئا كثيرا، لكنه امتنع وتحرج من رواية كتاب ابن لهيعة
لضعفه عنده.
وقيل: كان سبب نزوح قتيبة من مدينة بلخ، وانقطاعه بقرية بغلان،
أنه حضر عنده مالك، وجاءه إبراهيم بن يوسف البلخي للسماع، فبرز قتيبة،
وقال: هذا من المرجئة، فأخرجه مالك من مجلسه - وكان لإبراهيم صورة
كبيرة ببلده - فعادى قتيبة، وأخرجه.
وما علمتهم نقموا على قتيبة سوى ذلك الحديث المعروف في الجمع
في السفر (3).
قال أحمد بن سلمة: عمل أبي طعاما، ودعا إسحاق، ثم قال: إن
ابني هذا قد ألح علي في الخروج إلى قتيبة، فما ترى؟ فنظر إلي، وقال:

(1) في " تاريخ بغداد ": " فالرزق " بدل " والرزق ".
(2) البيتان في " تاريخ بغداد " 12 / 470
(3) سيورده المصنف في الصفحة التالية، وسنخرجه هناك.
20

هذا قد أكثر عني، وهو يجلس بالقرب مني، وأبو رجاء عنده ما ليس عندنا،
فأرى أن تأذن له عسى أن ينتفع.
أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد، وجماعة إجازة،
قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد
ابن غيلان، أخبرنا أبو إسحاق المزكي (1) أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا
قتيبة، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن
معاذ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس،
أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعا. وإذا ارتحل قبل
المغرب، أخرها حتى يصليها مع العشاء. فإذا ارتحل بعد المغرب عجل
العشاء، فصلاها مع المغرب ". (2)

(1) هو بضم الميم وفتح الزاي والكاف المشددة، يقال هذا لمن يزكي الشهود، ويبحث
عن حالهم، ويعرفه القاضي. واشتهر بهذا بيت كبير بنيسابور، منهم جماعة من العلماء، منهم
أبو إسحاق هذا، واسمه إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي شيخ نيسابور في عصره، سمع ابن
خزيمة، وأبا العباس السراج وغيرهما. روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الحافظ، توفي
سنة 362 ه‍.
(2) أخرجه أبو داود (1220) في الصلاة: باب الجمع بين الصلاتين، والترمذي
(553) في الصلاة: باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، وقال: حديث حسن غريب، تفرد
به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره. وأخرجه أحمد 5 / 241، 242، والدار قطني
1 / 392، 393، والبيهقي 3 / 163.
وقد أعل هذا الحديث جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى
أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، حكاه الحاكم في " علوم الحديث " وله طريق أخرى عن معاذ
ابن جبل أخرجها أبو داود (1208) من رواية هشام بن سعيد عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل،
وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك، والثوري، وقرة بن خالد
وغيرهم، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم. وورد في جمع التقديم حديث آخر عن ابن
عباس، أخرجه أحمد 1 / 367، والشافعي 1 / 116، 117، وفي إسناده حسين بن عبد الله
الهاشمي، وهو ضعيف، لكن له شاهد من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن
ابن عباس، أخرجه أحمد رقم (2191)، والبيهقي 3 / 164، ورجاله ثقات إلا أنه - كما قال
الحافظ في الفتح 2 / 480 - مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف.
21

ما رواه أحد عن الليث سوى قتيبة. وقد أخرجه عنه أبو داود،
والترمذي، وأما النسائي فامتنع من إخراجه لنكارته.
وأخبرنا المسلم بن محمد في كتابه، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا
القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا محمد بن
نعيم الضبي، حدثني محمد بن محمد بن يحيى الأسفراييني الفقيه، حدثنا
محمد بن عبدك بن مهدي الأسفراييني، حدثنا إسحاق بن أبي عمران
الشافعي، حدثنا أبو محمد المروزي، وراق محمود بن غيلان، حدثنا
يحيى بن يحيى النيسابوري، حدثنا علي بن المديني، حدثنا أحمد بن
حنبل، حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ:
" أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج في غزوة تبوك، فكان يؤخر الظهر حتى يدخل وقت
العصر، فيجمع بينهما " مختصر.
أخرجه أحمد في " مسنده "، فوقع لنا موافقة نازلة بست درج.
ومن أعجب الأمور أن أبا عيسى الترمذي، حدث به عن قتيبة (1)،
ورواه نازلا، كما هو موجود في نسخ عدة فقال: حدثنا عبد الصمد بن
سليمان البلخي، عن زكريا بن يحيى اللؤلؤي (2) عن أبي بكر الأعين،
عن علي بن المديني، عن أحمد، عن قتيبة، فهذا من طرق النوازل.
قال أبو عبد الله الحاكم: رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الاسناد والمتن،
ثم لا نعرف له علة نعلله بها، فلو كان الحديث عند الليث، عن أبي الزبير،

(1) الترمذي (554)، ورواية أحمد في " المسند " 5 / 241، 242 عن قتيبة، عن
الليث..
(2) هو زكريا بن يحيى بن صالح البلخي، أبو يحيى اللؤلؤي الفقيه الحافظ، مات سنة
232 ه‍. وفي الأصل: " اللوي ".
22

عن أبي الطفيل، لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد بن أبي حبيب، عن أبي
الزبير، لعللنا به، فلما لم نجد له علة، خرج عن أن يكون معلولا. ثم
نظرنا فلم نجد ليزيد عن أبي الطفيل رواية، ولاوجدنا هذا المتن بهذه السياقة
عند أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عند أحد ممن يرويه عن معاذ بن جبل
غير أبي الطفيل، فقلنا: هو شاذ، وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا
من إسناده ومتنه. ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه ذكر له علة.
قلت: بل رووه في كتبهم واستغربه بعضهم.
قال الحاكم: وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا، وحدثنا به عن
النسائي، وهو إمام عصره، عن قتيبة. ولم يذكر أبو عبد الرحمن، ولا أبو
علي للحديث علة، فنظرنا، فإذا هو موضوع. وقتيبة ثقة مأمون. فحدثني
علي بن محمد بن عمران الفقيه، حدثنا ابن خزيمة، سمعت صالح بن
حفصويه - نيسابوري صاحب حديث - يقول: سمعت محمد بن إسماعيل
البخاري يقول: قلت لقتيبة: مع من كتبت عن الليث حديث يزيد بن أبي
حبيب، عن أبي الطفيل؟ قال: مع خالد المدائني. قال البخاري: وكان
خالد هذا يدخل على الشيوخ الأحاديث. وقد قال أبو داود عقيبه: لا يرويه
إلا قتيبة وحده. وقال الترمذي: حسن غريب، تفرد به قتيبة، والمعروف
حديث مالك وسفيان، يعني: عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ:
" أنهم خرجوا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، فكان يجمع بين الظهر
والعصر، وبين المغرب والعشاء "، يعني: وليس فيه جمع التقديم.
قال أبو سعيد: لم يحدث به إلا قتيبة، ويقال: إنه غلط، وإن موضع
يزيد بن أبي حبيب أبو الزبير.
قلت: فيكون قد غلط في الاسناد، وأتى بلفظ منكر جدا. يرون أن
23

خالدا المدائني، أدخله على الليث. وسمعه قتيبة معه، فالله أعلم.
قلت: هذا التقرير يؤدي إلى أن الليث كان يقبل التلقين، ويروي ما
لم يسمع، وما كان كذلك. بل كان حجة متثبتا، وإنما الغفلة وقعت فيه من
قتيبة، وكان شيخ صدق، قد روى نحوا من مئة ألف، فيغتفر له الخطأ في
حديث واحد.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق المقرئ، أخبرنا الفتح بن عبد
الله، أخبرنا محمد بن عمر القاضي، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا
عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا قتيبة، حدثنا عبد
العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم،
يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع
دينه بعرض من الدنيا " (1).
رواه مسلم عن قتيبة، عن إسماعيل، والترمذي عنه عن الدراوردي.
ومات مع قتيبة سنة أربعين خلق، منهم: سويد بن سعيد الحدثاني،
وسويد بن نصر المروزي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي الفقيه، وأبو بكر
محمد بن أبي عتاب الأعين، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، ومحمد بن
الصباح الجرجرائي (2)، وعبد الواحد بن غياث البصري، ومحمد بن خالد
ابن عبد الله الطحان.

(1) أخرجه مسلم (118) في الايمان: باب الحث على المبادرة بالاعمال قبل تظاهر
الفتن، وأحمد 2 / 304 و 523، وابن حبان (1868).
(2) بالراء الساكنة بين الجيمين المفتوحتين، هذه النسبة إلى جرجرايا، بلدة قريبة من
دجلة بين بغداد وواسط.
24

9 - أحمد بن جناب * (م، د)
ابن المغيرة، الامام الثقة، أبو الوليد المصيصي (1).
عن: عيسى بن يونس، والحكم بن ظهير وجماعة.
وعنه: مسلم، وأبو داود، وأحمد الأبار، وأبو يعلى، وعبد الله بن
أحمد، وأحمد بن الحسن الصوفي، ومن القدماء: أحمد بن حنبل،
وإبراهيم بن سعيد الجوهري.
وكان ثبتا في عيسى بن يونس.
قال صالح جزرة: صدوق.
وقال ابن أبي عاصم: توفي سنة ثلاثين ومئتين.
يقال: إنه بغدادي.
10 - طالوت بن عباد * *
الشيخ المحدث المعمر الثقة، أبو عثمان، البصري الصيرفي.
حدث عن: فضال بن جبير (2) صاحب أبي أمامة الباهلي، وعن الربيع

* الجرح والتعديل 2 / 45، تاريخ بغداد 4 / 77، 78، تهذيب الكمال، ورقة: 19،
تذهيب التهذيب 1 / 9، الوافي بالوفيات 6 / 294، تهذيب التهذيب 1 / 21، 22، النجوم
الزاهرة 2 / 258، خلاصة تذهيب الكمال: 4.
(1) ضبط في " اللباب " بكسر الميم والصاد المشددة، وضبطه ياقوت بالفتح ثم الكسر
والتشديد، نقلا عن الأزهري وغيره من اللغويين، وكذا ضبطه السمعاني، وهي مدينة على
شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس.
* * التاريخ الكبير 4 / 363، الجرح والتعديل 4 / 495، العبر 1 / 427، ميزان الاعتدال
2 / 334، البداية والنهاية 10 / 317، لسان الميزان 3 / 205، 206، شذرات الذهب
2 / 90.
(2) ترجمه المصنف في " الميزان " 3 / 374، ونقل عن ابن عدي قوله: أحاديثه غير
محفوظة، وهي نحو عشرة أحاديث. وقال ابن حبان في " المجروحين " 2 / 204: يروي عن
أبي أمامة ما ليس من حديثه، لا يحل الاحتجاج به بحال، وضعفه أبو حاتم الرازي.
25

ابن مسلم، وحماد بن سلمة، وأبي هلال محمد بن سليم، واليمان أبي
حذيفة، وسعيد بن إبراهيم، وجماعة. وله نسخة مشهورة عالية.
روى عنه: أبو حاتم الرازي، وعبدان الأهوازي، ويحيى بن محمد
الحنائي، وعلي بن سعيد بن بشير الرازي، وأبو القاسم البغوي،
وآخرون.
قال أبو حاتم: صدوق.
فأما قول أبي الفرج بن الجوزي: ضعفه علماء النقل، فهفوة من كيس
أبي الفرج. فإلى الساعة ما وجدت أحدا ضعفه. وحسبك بقول المتعنت في
النقد أبي حاتم فيه.
توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى
ابن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا
محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا طالوت
ابن عباد، حدثنا سعيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي
بكرة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل
والمقتول في النار " (1).

(1) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري 1 / 81 في الايمان: باب (وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا، فأصلحوا بينهما)، و 12 / 173 في الديات: باب (ومن أحياها..)، ومسلم
(2888) في الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، كلاهما من طريق حماد بن زيد، عن
أيوب ويونس، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، قال: خرجت، وأنا أريد هذا الرجل،
فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعني عليا. قال: فقال لي: يا أحنف، ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إذا تواجه
المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار ". قال: فقلت: أو قيل: يا رسول الله، هذا
القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه ".
26

11 - العباس بن الوليد * (خ، م، س)
ابن نصر الحافظ الإمام الحجة، أبو الفضل الباهلي النرسي البصري
ابن عم المحدث عبد الأعلى بن حماد، ونرس هو جدهما نصر، كان بعض
العجم يدعوه يا نصر، فينطق بها يا نرس، لعجمة لسانه.
سمع حماد بن سلمة، وعبد الله بن جعفر المديني، وأبا عوانة،
وحماد بن زيد، و عبد الواحد بن زياد، ويزيد بن زريع، وعدة، وكان متقنا
صاحب حديث.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وبواسطة النسائي، وأحمد بن علي
الأبار، وأبو بكر أحمد بن علي القاضي المروزي، وأبو يعلى الموصلي،
وعبد الله بن أحمد، والحسن بن سفيان، والبغوي، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين، ورجحوه على ابن عمه عبد الأعلى.
مات سنة سبع وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة ثمان.
أخبرنا يوسف بن أحمد، وعبد الحافظ بن بدران، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد،
أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا العباس بن
الوليد، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال:

* التاريخ الكبير 7 / 6، الجرح والتعديل 6 / 214، تهذيب الكمال، ورقة: 661،
662، ميزان الاعتدال 2 / 386، تذهيب التهذيب 2 / 128، تهذيب التهذيب 5 / 133،
134، خلاصة تذهيب الكمال: 190.
27

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إذا سرق العبد، فبعه ولو بنش. " (1)
ومات سنة سبع حاتم الأصم الزاهد، وإبراهيم بن محمد الشافعي،
وسعيد بن حفص النفيلي، وعبد الاعلى بن حماد، وعبيد الله بن معاذ، وأبو
كامل الجحدري، ومحمد بن قدامة الجوهري، ووثيمة بن موسى
الاخباري، وعبد الله بن مطيع.
12 - عبد الأعلى بن حماد * (خ، م، د، س)
ابن نصر الحافظ المحدث، أبو يحيى، الباهلي مولاهم النرسي
البصري.
حدث عن: حماد بن سلمة، وعبد الجبار بن الورد، ووهيب بن خالد،
ومالك بن أنس، وسلام بن أبي مطيع، ويزيد بن زريع، وحماد بن زيد،
وعبد الوارث، وخلق.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وبواسطة النسائي، وأبو
حاتم، وأبو زرعة، ومحمد بن عبد بن حميد، وعبد الله بن ناجية، وبقي
ابن مخلد، وأحمد بن يحيى البلاذري، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأحمد
ابن علي المروزي، والفضل بن أحمد بن منصور الزبيدي، وهارون بن محمد

(1) وأخرجه أحمد 2 / 337 و 356 و 387، وأبو داود (4412) في الحدود: باب بيع
المملوك إذا سرق، والنسائي 8 / 91 في القطع في السفر، وابن ماجة (2589) في الحدود:
باب العبد يسرق، كلهم من طريق أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة،
وهذا سند ضعيف لضعف عمر بن أبي سلمة. والنش: عشرون درهما.
* التاريخ الكبير 6 / 74، التاريخ الصغير 2 / 368، تاريخ الفسوي 1 / 211، تاريخ
بغداد 11 / 75، 77، تهذيب الكمال، ورقة: 759، 760، تذكرة الحفاظ 2 / 467، العبر
1 / 424، تذهيب التهذيب 2 / 197، تهذيب التهذيب 5 / 93، 94، طبقات الحفاظ:
203، خلاصة تذهيب الكمال: 220، شذرات الذهب 2 / 88، الجرح والتعديل 6 / 29.
28

ابن سعدان، ومحمد بن هارون بن المجدر، والعباس بن البرتي، وأبو
يعلى الموصلي، وجعفر الفريابي، وأبو القاسم البغوي، وعدد كثير.
وثقه أبو حاتم وغيره. وقع لي من عواليه.
مات في جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين ومئتين. ومن قال: سنة
ست، فقد أخطأ.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن
أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء،
حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا خالد بن عبد
الله، عن سهيل، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " الاسلام بضع وستون، أو قال: وسبعون بابا
أفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من
الايمان " (1).

(1) وأخرجه مسلم في " صحيحه " رقم (35) (58) في الايمان، باب بيان عدد شعب
الايمان، من طريق سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة. وأخرجه البخاري 1 / 48، 49 في الايمان: باب أمور الايمان، من طريق أبي عامر
العقدي، عن سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ:
" الايمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الايمان ". وأخرجه أبو داود رقم (4676)،
والترمذي (2614)، والنسائي 8 / 110 من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار،
فقالوا: بضع وسبعون من غير شك.
والبضع: ما بين الثلاثة إلى العشرة. وأراد بإماطة الأذى عن الطريق: ما يتأذى به المارة من
شوك أو حجر أو نحوه. ومعنى قوله: الحياء شعبة من الايمان، كما قال الخطابي: الحياء يحجز
صاحبه عن المعاصي، فصار من الايمان، إذ الايمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به، وانتهاء
عما نهى عنه.
29

13 - مصعب * (ق)
ابن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن حواري رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وابن عمته الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، العلامة الصدوق الامام،
أبو عبد الله بن أمير اليمن القرشي الأسدي الزبيري المدني، نزيل بغداد.
سمع أباه، ومالك بن أنس، والضحاك بن عثمان، وإبراهيم بن
سعد، وعبد العزيز الدراوردي، وهشام بن عبد الله المخزومي، وسفيان
ابن عيينة، وطائفة.
حدث عنه: ابن ماجة بحديث النجش (1)، وبواسطة النسائي، والزبير
ابن بكار القاضي ابن أخيه، وأبو يعلى الموصلي، وموسى بن هارون، وأبو
القاسم البغوي، وأبو العباس السراج، وعدد كثير.
وثقه الدارقطني وغيره. ومنهم من تكلم فيه لأجل وقفه في مسألة
القرآن.
قال أبو بكر المروزي: كان من الواقفة، فقلت له: قد كان وكيع وأبو
بكر بن عياش، يقولان: القرآن غير مخلوق، قال: أخطأ وكيع وأبو بكر.

* طبقات ابن سعد 7 / 344، نسب قريش " المقدمة "، التاريخ الكبير 7 / 354، الجرح
والتعديل 8 / 309، الفهرست: 123، تاريخ بغداد 13 / 112، 114، تهذيب الكمال، ورقة:
1332، ميزان الاعتدال 4 / 120، 121، العبر 1 / 423، تذهيب التهذيب 4 / 42، البداية
والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 10 / 162، 164، خلاصة تذهيب الكمال: 387،
شذرات الذهب 2 / 86.
(1) أخرجه ابن ماجة (2173) في التجارات: باب ما جاء في النهي عن النجش.
وإسناده صحيح.
والنجش: أن يمدح السلعة ليروجها، أو يزيد في الثمن، ولا يريد شراءها ليضر بذلك
غيره.
30

قلت: فعندنا عن مالك أنه قال: غير مخلوق، قال: أنا لم أسمعه، قلت:
يحكيه إسماعيل بن أبي أويس.
قال الحسين بن قهم: كان مصعب إذا سئل عن القرآن، يقف ويعيب
من لا يقف.
قلت: قد كان علامة نسابة أخباريا فصيحا، من نبلاء الرجال
وأفرادهم.
قد روى عنه مسلم، وأبو داود في غير كتابيهما.
قال الزبير: كان عمي وجه قريش مروءة وعلما وشرفا وبيانا وقدرا
وجاها، وكان نسابة قريش، عاش ثمانين سنة.
قال ابن أبي خيثمة: سمعت مصعبا، يقول: حضرت حبيبا (1) يقرأ
على مالك، أنا عن يمينه، وأخي عن يساره، فيقرأ عليه في كل يوم ورقتين
ونصف، والناس ناحية. فإذا قضى، جاء الناس فعارضوا كتبنا بكتبهم،
وكان حبيب يأخذ على كل عرضة دينارين من كل إنسان. فقلت لمصعب:
إنهم كانوا لا يعرضون عرض حبيب، فأنكر هذا إذ مر بنا يحيى بن معين،
فسأله مصعب عن حبيب فقال: كان يتصفح الورقة والورقتين. ومضى ابن
معين، فسكت مصعب.
وقال صالح بن محمد جزرة: حدثنا محمد بن عباد، حدثنا سفيان بن
عيينة، عن مصعب بن عبد الله، فذكر شيئا.
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: مصعب مستثبت.
قلت: وكان أبوه أميرا على اليمن.

(1) هو حبيب بن أبي حبيب الزرقي كاتب مالك، متروك، كذبه أبو داود وجماعة.
31

قال الزبير: حدثنا عبد الله بن عمرو المزني، قال: لما كان جدك
على اليمن، قال لي ابنه مصعب: امض معنا، فتأخرت، ثم قدمت عليهم
صنعاء، فنزلت في دار الامارة، فأكرمني، وأجرى علي في الشهر خمسين
دينارا، فلما انصرفت وصلني بخمس مئة دينار. ولهذا المزني فيه مدائح.
تفرد مصعب الزبيري بحديث: " التمسوا الرزق في خبايا
الأرض ".
فرواه عن هشام بن عبد الله المخزومي (1)، عن هشام بن عروة، عن أبيه.
وقع لنا في جزء بيبى الهرثمية (2) عاليا.
توفي مصعب في شوال سنة ست وثلاثين ومئتين. رحمه الله.
14 - أحمد بن حرب *
ابن فيروز، الامام القدوة، شيخ نيسابور، أبو عبد الله النيسابوري

قال ابن حبان في " المجروحين " 3 / 91: هو من أهل المدينة، يروي عن هشام
ابن عروة مالا أصل له من حديثه، كأنه هشام آخر، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.
ونقله عنه المؤلف في " الميزان " 4 / 300 وأقره. والحديث ذكره الهيثمي في " المجمع "
4 / 63، وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني في " الأوسط "، وفيه هشام بن عبد الله بن
عكرمة، ضعفه ابن حبان. ونقل المناوي في " الفيض " قول النسائي فيه: حديث منكر.
ونقل ابن الجوزي عن ابن طاهر قوله: حديث لا أصل له، وإنما هو من كلام عروة.
والخبايا: جمع خبيئة، كخطيئة وخطايا، أي: التمسوه في الحرث لنحو زرع
وغرس، فإن الأرض تخرج ما فيها مخبأ من النبات الذي به قوام الانسان والحيوان. وقيل:
أراد استخراج الجواهر والمعادن المخبأة في باطن الأرض.
(2) هي بيبى بنت عبد الصمد بن علي، أم الفضل، أم عربي الهرثمية الهروية، لها
جزء مشهور بها، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح. توفيت سنة سبع وسبعين وأربع
مئة، أو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة. " العبر 3 / 287 للمؤلف.
* الجرح والتعديل 2 / 49، تاريخ بغداد 4 / 118، ميزان الاعتدال 1 / 89، العبر
1 / 416، لسان الميزان 1 / 149، 150، شذرات الذهب 2 / 80.
32

الزاهد. كان من كبار الفقهاء والعباد.
ارتحل وسمع من: سفيان بن عيينة، وابن أبي فديك، وعبد الوهاب
ابن عطاء، وحفص بن عبد الرحمن، وأبي أسامة، وأبي داود الطيالسي،
وأبي عامر العقدي، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وعبد الله بن الوليد
العدني، وعامر بن خداش وطبقتهم، وجمع وصنف.
حدث عنه: أحمد بن الأزهر، وسهل بن عمار، والعباس بن حمزة،
ومحمد بن شادل، وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، وأحمد بن نصر
الخفاف، وإسماعيل بن قتيبة، وزكريا بن دلويه، وعدد سواهم.
قال زكريا بن دلويه: كان أحمد بن حرب إذا جلس بين يدي الحجام
ليحفي شاربه، يسبح، فيقول له الحجام: اسكت ساعة، فيقول: اعمل
أنت عملك، وربما قطع من شفته، وهو لا يعلم.
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله الصوفي، حدثني
أبو عمرو محمد بن يحيى، قال: مر أحمد بن حرب بصبيان يلعبون، فقال
أحدهم: أمسكوا، فإن هذا أحمد بن حرب الذي لا ينام الليل، فقبض على
لحيته، وقال: الصبيان يهابونك وأنت تنام؟ فأحيى الليل بعد ذلك حتى
مات.
قال زكريا بن حرب: ابتدأ أخي بالصوم وهو في الكتاب، فلما
راهق، حج مع أخيه الحسين بن حرب، فأقاما بالكوفة للطلب، وبالبصرة
وبغداد. ثم أقبل على العبادة لا يفتر. وأخذ في المواعظ والتذكير، وحث
على العبادة، وأقبلوا على مجلسه.
وصنف كتاب: " الأربعين "، وكتاب " عيال الله "، وكتاب " الزهد "،
33

وكتاب " الدعاء "، وكتاب " الحكمة "، وكتاب " المناسك "، وكتاب
" التكسب ".
رغب الناس في سماع كتبه، ثم إن أمه ماتت سنة عشرين
ومئتين. فحج، وعاود الغزو، وخرج إلى بلاد الترك، وافتتح فتحا عظيما،
غبط به فسعى به الأعداء إلى ابن طاهر، فأحضره، ولم يأذن له في
الجلوس، وقال: أتخرج وتجمع إلى نفسك هذا الجمع، وتخالف أعوان
السلطان؟ ثم إن ابن طاهر عرف صدقه، فتركه، فسار، وجاور بمكة.
وكان تنتحله الكرامية (1)، وتعظمه لأنه أستاذ محمد بن كرام، ولكنه سليم
الاعتقاد بحمد الله.
وعن يحيى بن يحيى التميمي، قال: إن لم يكن أحمد بن حرب من
الابدال، فلا أدري من هم؟!!
وقال محمد بن علي المروزي: يروي أشياء لا أصل لها.
قال نصر بن محمود البلخي: قال أحمد بن حرب: عبدت الله
خمسين سنة، فما وجدت حلاوة العبادة حتى تركت ثلاثة أشياء: تركت
رضى الناس حتى قدرت أن أتكلم بالحق، وتركت صحبة الفاسقين حتى
وجدت صحبة الصالحين، وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الآخرة.
وقيل: إنه استسقى لهم ببخارى، فما انصرفوا إلا يخوضون في المطر
رحمة الله عليه.

(1) نسبة إلى مؤسسها محمد بن كرام المتوفى سنة 255 ه‍، وقد نسب إليه القول
بالتجسيم، وتسويغ قيام الحوادث بذاته تعالى، وأبدية العالم، وقد حاول ابن الهيصم وهو
من أتباعه أن يدافع عنه، ويقرب أفكاره تلك من مذاهب أهل السنة. انظر " الفرق بين
الفرق " للبغدادي ص: 202، 214، و " التبصير " للإسفراييني ص: 67، و " الملل
والنحل " للشهرستاني 1 / 108، 113، وستأتي ترجمته ص: 535 من هذا الجزء.
34

مات سنة أربع وثلاثين ومئتين، وقد قارب الستين.
فأما:
أحمد بن حرب الطائي *
فهو من أقرانه، ولكنه عمر وتأخر، وسيأتي مع أخيه علي.
15 - أحمد بن إبراهيم * * (د)
ابن خالد الامام الثقة، أبو علي الموصلي، نزيل بغداد.
عن: إبراهيم بن سعد، وحماد بن زيد، وأبي الأحوص،
وشريك، وأبي عوانة، ومحمد بن ثابت، وطائفة.
حدث عنه: أبو داود بحديث واحد، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأحمد
ابن الحسن الصوفي، وأبو يعلى الموصلي، ومطين، وأبو القاسم
البغوي، وموسى بن هارون، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين. وقال عبد الله بن أحمد، عن ابن معين:
ليس به بأس.
وقال يزيد بن محمد في " تاريخ الموصل ": ظاهر الصلاح
والفضل، كثير الحديث..
قال أبو يعلى الموصلي، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا صالح
ابن عمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (1)، عن

* تهذيب التهذيب 1 / 23.
* * الجرح والتعديل 2 / 39، تاريخ بغداد 4 / 5، 6، تهذيب الكمال، ورقة: 14، 15،
تذهيب التهذيب 1 / 5، 6، تهذيب التهذيب 1 / 9، خلاصة تذهيب الكمال: 3.
(1) في الأصل: " عبد الرحمن بن أبي زناد "، وهو خطأ، والتصويب من " المسند "،
وتفسير ابن كثير 3 / 473.
35

البراء، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من قال للمدينة يثرب، فليستغفر
الله " (1) تفرد به صالح.
قال موسى بن هارون: مات في ثامن ربيع الأول سنة ست وثلاثين
ومئتين.
وفيها توفي إبراهيم بن المنذر الحزامي، ومصعب بن عبد الله
الزبيري، وهدبة بن خالد، وأبو معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي،
والحارث بن سريج النقال، وإبراهيم بن أبي معاوية الضرير، وأبو
إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الترجماني، والحسن بن سهل الوزير،
وخالد بن عمرو السلفي (2)، ومحمد بن إسحاق المسيبي، وآخرون.
16 - أحمد بن عمر * (م)
ابن حفص بن جهم بن واقد، الامام الحافظ الكبير الثبت، أبو

(1) رجاله ثقات، خلا يزيد بن أبي زياد، فإنه لين. وأخرجه أحمد في المسند من
طريق صالح بن عمر 4 / 285، وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 300، وقال: رواه أحمد
وأبو يعلى، ورجاله ثقات. وقال الحافظ في " الفتح " 4 / 75 تعليقا على حديث أبي هريرة:
" أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب، وهي المدينة "، أي أن بعض المنافقين يسميها
يثرب، واسمها الذي يليق بها المدينة. وفهم بعض العلماء من هذا كراهية تسمية المدينة
يثرب، وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين، ثم أورد حديث
البراء من مسند أحمد. وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن
يقال للمدينة: يثرب، ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب، كتبت
عليه خطيئة. قال: وسبب هذه الكراهة لان يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ
والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم
الحسن، ويكره الاسم القبيح.
(2) بضم السين، كما ضبط في الأصل. أنظر " الاكمال " لابن ماكولا 4 / 467.
* الجرح والتعديل 2 / 62، 63، تاريخ بغداد 4 / 284، 285، تهذيب الكمال، ورقة:
33، تذهيب التهذيب 1 / 20، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 92، تهذيب التهذيب 1 / 63،
خلاصة تذهيب الكمال: 10.
36

جعفر الكندي الكوفي الجلاب الضرير، المشهور بالوكيعي، نزيل
بغداد، وهو والد المحدث إبراهيم بن أحمد.
حدث عن: حفص بن غياث، وأبي معاوية، وأبي بكر بن عياش،
وحسين الجعفي، وابن فضيل، وعبد الحميد الحماني، وعدة.
وعنه: مسلم، وإبراهيم الحربي، وأبو داود في كتاب " المسائل "
والقاضي أحمد بن علي المروزي، وأحمد بن علي الأبار، وأحمد بن
علي الموصلي أبو يعلى، وعبد الله بن أحمد، ونصر بن علي
الفرائضي، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره.
قال العباس بن مصعب: سمعت أحمد بن يحيى الكشميهني،
سمعت أحمد بن عمر الوكيعي، يقول: وليت المظالم بمرو مدة اثنتي
عشرة سنة، فلم يرد علي حكم إلا وأنا أحفظ فيه حديثا، فلم أحتج إلى
الرأي، ولا إلى أهله.
قلت: روى حروف عاصم، عن يحيى بن آدم.
ومات في صفر سنة خمس وثلاثين ومئتين. ومات أحمد بن جعفر
الوكيعي قبله بسنين. وفيها توفي شيبان بن فروخ وعدة قد ذكروا.
17 - أحمد بن جواس * (م، د)
أبو عاصم الحنفي الكوفي الثقة.

* الجرح والتعديل 2 / 44، 45، تهذيب الكمال، ورقة: 19، تذهيب التهذيب 1 / 9،
الوافي بالوفيات 6 / 294، تهذيب التهذيب 1 / 22، خلاصة تذهيب الكمال: 4، 5.
37

عن: أبي الأحوص، وابن المبارك، والأشجعي، وابن عيينة،
وجرير بن عبد الحميد، وطبقتهم.
وعنه: مسلم، وأبو داود، والأثرم، والحسن بن سفيان، ومحمد
ابن صالح بن ذريح، ومطين. وروى عنه ابن وارة (1)، وأحسن الثناء
عليه. وقال مطين: ثقة.
وتوفي في المحرم سنة ثمان وثلاثين ومئتين. 18 - الزمي * (خ، ق)
الامام الحافظ الحجة، أبو زكريا، يحيى بن يوسف بن أبي كريمة
الزمي.
حدث ببغداد عن: شريك، وضمام بن إسماعيل، وأبي
الأحوص، وأبي المليح الرقي، وطبقتهم فأكثر.
حدث عنه: البخاري، والقاضي أحمد بن محمد البرتي، وعثمان
ابن خرزاذ، وعلي بن أحمد بن النضر، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأحمد
ابن الحسن الصوفي، وآخرون.
وروى له ابن ماجة أيضا. وكان من كبار المحدثين الرحالة.
وثقه أبو زرعة.

(1) هو محمد بن مسلم بن وارة الرازي الحافظ، ترجمه المؤلف في " تذكرة
الحفاظ " ص: 575.
* الجرح والتعديل 9 / 200، تاريخ بغداد 14 / 166، 167، الأنساب 6 / 321، 322،
تهذيب الكمال، ورقة: 1526، تذهيب التهذيب 4 / 172، تهذيب التهذيب 11 / 307،
308، خلاصة تذهيب الكمال: 430.
38

قال حاتم بن الليث: مات سنة تسع وعشرين ومئتين.
19 - المري *
جنادة بن محمد بن أبي يحيى المري الدمشقي، مفتي دمشق.
حدث عن: يحيى بن حمزة، وجرول بن خنفل (1)، وعبد الحميد
ابن أبي العشرين، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وبقية،
وعدة.
وعنه: البخاري في بعض تواليفه، وهشام بن عمار، وأبو حاتم،
والفسوي، وعثمان بن خرزاذ، ويزيد بن عبد الصمد، وآخرون.
كناه البخاري أبا عبد الله، وذكره أبو زرعة الدمشقي في المفتين
بدمشق.
قال ابن ماكولا: له غرائب.
قلت: مات سنة ست وعشرين ومئتين.
20 - إبراهيم بن الحجاج * * (س)
ابن زيد المحدث الحافظ، أبو إسحاق السامي الناجي البصري.
حدث عن: أبان بن يزيد العطار، وحماد بن سلمة، ومراجم بن

* التاريخ الكبير 2 / 234، الجرح والتعديل 2 / 156، تاريخ دمشق 4 / 17 / ب،
تهذيب التهذيب 2 / 117.
(1) كذا الأصل بالخاء، وهو كذلك في " ميزان الاعتدال ". وضبطه ابن نقطة بالجيم
والنون والفاء. وفي " الجرح والتعديل " 2 / 151 و " اللسان ": " جيفل " بالياء.
* * الجرح والتعديل 2 / 93، الأنساب، 7 / 16، تهذيب الكمال، ورقة: 53، العبر
1 / 413، تذهيب التهذيب 1 / 34 - 35، البداية والنهاية 10 / 312، النجوم الزاهرة 2 / 265،
تهذيب التهذيب 1 / 113، لسان الميزان 1 / 45، خلاصة تذهيب الكمال: 16.
39

العوام بن مراجم، وعبد العزيز بن المختار، ووهيب بن خالد،
وطبقتهم.
حدث عنه: القاضي أبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو بكر بن
أبي عاصم، وعثمان بن خرزاذ، وموسى بن هارون، والقاضي محمد بن
محمد الجذوعي، والحسن بن سفيان، وجعفر الفريابي، ومحمد بن
عبدة بن حرب، وأبو يعلى الموصلي، وإبراهيم بن هاشم البغوي،
وخلق سواهم.
وثقه ابن حبان، وخرج له النسائي، وقال: مات سنة إحدى
وثلاثين ومئتين.
وقال موسى بن هارون: سألته عن مولده، فقال: في سنة ست
وأربعين ومئة. قال: ومات في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين.
سميه: المحدث الصدوق، أبو إسحاق:
21 - إبراهيم بن الحجاج *
النيلي البصري، والنيل بليدة بين واسط والكوفة.
حدث عن: حماد بن زيد، وأبي عوانة، وسلام بن أبي مطيع،
وطائفة.
وعنه: أحمد بن علي المروزي، والحسن بن سفيان، وأبو يعلي.
وأخرج النسائي أيضا له. وقد وثق.

* الأنساب ورقة: 574 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 53، تذهيب التهذيب 1 / 35 / 1،
العبر 1 / 413، الوافي بالوفيات 5 / 342، تهذيب التهذيب 2 / 114.
40

مات بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين.
وثقه ابن حبان. ذكرته تمييزا.
22 - علي بن المديني * " 1 " (خ، د، م، س)
الشيخ الإمام الحجة، أمير المؤمنين في الحديث، أبو الحسن،

* التاريخ الكبير 6 / 284، التاريخ الصغير 2 / 363، تاريخ الفسوي 1 / 210،
الضعفاء، ورقة: 297، الجرح والتعديل 6 / 193، 194 و 1 / 314، 320، الفهرست:
286، تاريخ بغداد 11 / 458، 473، طبقات الفقهاء للشيرازي 1 / 84، 85، طبقات
الحنابلة 1 / 225، 228، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 350، 351، تهذيب الكمال، ورقة:
980، 984، تذكرة الحفاظ 2 / 428، 429، العبر 1 / 418، ميزان الاعتدال 3 / 138،
141، تذهيب التهذيب 3 / 67، 69، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 145، 150، البداية
والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 7 / 349، 357، النجوم الزاهرة 2 / 276، 277، طبقات
الحفاظ: 184، خلاصة تذهيب الكمال: 275، شذرات الذهب 2 / 81.
(1) لقد شدد الذهبي المؤلف، رحمه الله، النكير على العقيلي لايراده علي بن
المديني في كتابه " الضعفاء "، فقال في " ميزانه " 3 / 140، 141: وقد بدت منه هفوة
ثم تاب منها، وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به - قد شحن صحيحه بحديث علي بن
المديني. ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي
شيبة.... لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج
الدجال. أفما لك عقل يا عقيلي؟! أتدري فيمن تتكلم؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط
لنذب عنهم، ولنزيف ما قيل فيهم. كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك
بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث.
وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة
الحافظ إذا انفرد بأحاديث، كان أرفع له، وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر،
وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشئ، فيعرف
ذلك. فانظر أول شئ إلى أصحاب رسول الله، صلى الله عليه، وسلم، الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد
انفرد بسنة، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه! وكذلك التابعون، كل واحد عنده ما
ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم
الحديث.
وإن تفرد الثقة المتقن، يعد صحيحا غريبا. وإن تفرد الصدوق ومن دونه، يعد
منكرا. وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك
الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من
شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين
فيهم أدنى بدعة، أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق
إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الأشياء بالعدل والورع. وأما علي بن المديني، فإليه المنتهى
في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، وسعة الحفظ، والتبحر في
هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه.
41

علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي، مولاهم
البصري، المعروف بابن المديني، مولى عروة بن عطية السعدي.
كان أبوه محدثا مشهورا لين الحديث.
مات سنة ثمان وسبعين ومئة.
يروي عن عبد الله بن دينار وطبقته من علماء المدينة.
وقد روى والده جعفر بن نجيح يسيرا عن عبد الرحمن بن القاسم
التيمي.
سمع علي: أباه، وحماد بن زيد، وجعفر بن سليمان، ويزيد بن
زريع، وعبد الوارث، وهشيم بن بشير، وعبد العزيز الدراوردي،
ومعتمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، والوليد
ابن مسلم، وبشر بن المفضل، وغندرا، ويحيى بن سعيد، وخالد بن
الحارث، ومعاذ بن معاذ، وحاتم بن وردان، وابن وهب، وعبد الاعلى
السامي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز العمي، وعمر بن
طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي، وفضيل بن سليمان النميري، ومحمد
ابن طلحة التيمي، ومرحوم بن عبد العزيز، ومعاوية بن عبد الكريم،
ويوسف بن الماجشون، وعبد الوهاب الثقفي، وهشام بن يوسف، وعبد
الرزاق، وخلقا كثيرا.
42

وبرع في هذا الشأن، وصنف، وجمع، وساد الحفاظ في معرفة
العلل. ويقال: إن تصانيفه بلغت مئتي مصنف.
حدث عنه: أحمد بن حنبل، وأبو يحيى صاعقة، والزعفراني، وأبو
بكر الصاغاني، وأبو عبد الله البخاري، وأبو حاتم، وحنبل بن
إسحاق، ومحمد بن يحيى، وعلي بن أحمد بن النضر، ومحمد بن
أحمد بن البراء، والحسن بن شبيب المعمري، وولده عبد الله بن
علي، والبخاري فأكثر، وأبو داود، وحميد بن زنجويه، وصالح بن
محمد جزرة، وعبيد الله بن عثمان العثماني، وهلال بن العلاء،
والحسن البزار، وأبو داود الحراني، وإسماعيل القاضي، وأبو مسلم الكجي،
وعلي بن غالب البتلهي (1)، وأبو خليفة الفضل بن الحباب، ومحمد بن جعفر بن الإمام
بدمياط، وأبو يعلى الموصلي، ومحمد بن محمد الباغندي، وأبو القاسم
البغوي، وعبد الله بن محمد بن أيوب الكاتب خاتمة من روى عنه.
وقد روى عنه من شيوخه جماعة: منهم سفيان بن عيينة، وعاش
هذا الكاتب بعد سفيان مئة وثمانيا وعشرين سنة.
مولد علي في سنة إحدى وستين ومئة. قاله علي بن أحمد بن
النضر. ولد بالبصرة.
قال أبو حاتم الرازي: كان ابن المديني علما في الناس في معرفة
الحديث والعلل. وكان أحمد بن حنبل لا يسميه، إنما يكنيه تبجيلا له،
ما سمعت أحمد سماه قط.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، عن زينب بنت أبي القاسم،

(1) بفتح الباء الموحدة والتاء المثناة من فوق وسكون اللام وكسر الهاء، نسبة إلى بيت
لهيا، بكسر اللام وسكون الهاء، وهي قرية في غوطة دمشق.
43

وأخبرنا ابن عساكر عن زينب، وعبد المعز البزاز، قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر،
أخبرنا أبو سعد الأديب، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ، حدثنا عبيد الله بن
عثمان العثماني ببغداد، حدثنا علي بن عبد الله المديني، حدثنا محمد بن طلحة
التيمي، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن
أبي وقاص قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " هذا العباس بن عبد المطلب أجود
قريش كفا وأوصلها " (1).
أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه النسائي، عن علي بن
المديني، فوقع بدلا عاليا بدرجتين.
أنبأنا المسلم بن علان، والمؤمل بن محمد، قالا: أخبرنا أبو
اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الحافظ،
أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا ابن عدي، حدثنا ابن ناجية، وعلي بن أحمد بن
مروان، ومحمد بن خالد البردعي، قالوا: أخبرنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد
العدوي، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثني علي بن
المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، فذكر حديثا،
ثم قال سفيان: تلومني على حب علي، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم
مني.
وروى الحسين بن محمد بن عفير، حدثنا أحمد بن سنان، قال:
كان ابن عيينة يقول لعلي بن المديني، ويسميه حية الوادي: إذا استثبت
سفيان أو سئل عن شئ، يقول: لو كان حية الوادي.
وقال العباس العنبري: كان سفيان يسمي علي بن المديني حية
الوادي.

(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 185 من طريق علي بن المديني، عن محمد بن
طلحة التيمي به.
44

وعن ابن عيينة، قال: إني لأرغب عن مجالستكم، ولولا علي بن
المديني، ما جلست.
وقال خلف بن الوليد الجوهري: خرج علينا ابن عيينة يوما، ومعنا
علي بن المديني، فقال: لولا علي، لم أخرج إليكم.
وروى علي بن سعيد الرازي، عن سهل بن زنجلة، قال: كنا
عند ابن عيينة وعنده رؤساء أصحاب الحديث، فقال: الرجل الذي روينا
عنه أربعة أحاديث الذي يحدث عن الصحابة؟ فقال ابن المديني: زياد
ابن علاقة؟ فقال (1): نعم.
قال الساجي: سمعت العباس بن عبد العظيم، يقول: سمعت
روح بن عبد المؤمن، سمعت ابن مهدي، يقول: علي بن المديني
أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة بحديث ابن عيينة.
وقال ابن عدي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي قرصافة، حدثنا
محمد بن علي ابن أخت غزال، سمعت القواريري، سمعت يحيى بن
سعيد يقول: الناس يلومونني في قعودي مع علي، وأنا أتعلم منه أكثر
مما يتعلم مني. روى نحوها صالح جزرة، عن القواريري.
وقال عباس العنبري: كان يحيى القطان ربما قال: لا أحدث
شهرا ولا أحدث كذا، فحدثت أنه حدث ابن المديني قبل انقضاء
الشهر. قال: فكلمت يحيى في ذلك، فقال: إني أستثني عليا، ونحن
نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا.
وقال يحيى بن معين: علي من أروى الناس عن يحيى القطان،

في " تهذيب الكمال ": فقال ابن عيينة: زياد بن علاقة.
45

أرى عنده أكثر من عشرة آلاف، عنده عنه أكثر من مسدد. كان يحيى
يدني عليا وكان صديقه.
قال أبو قدامة السرخسي: سمعت عليا يقول: رأيت كأن الثريا
تدلت حتى تناولتها.
قال أبو قدامة: صدق الله رؤياه، بلغ في الحديث مبلغا لم يبلغه
أحد.
قال يعقوب الفسوي: سمعت عبد الرحمن بن أبي عباد القلزمي -
وكان من أصحاب علي - قال: جاءنا علي بن المديني يوما، فقال:
رأيت في هذه الليلة كأني مددت يدي فتناولت أنجما. فمضينا معه إلى
معبر، فقال: ستنال علما، فانظر كيف تكون. فقال له بعض
أصحابنا: لو نظرت في الفقه - كأنه يريد الرأي - فقال: إن اشتغلت
بذاك، انسلخت مما أنا فيه.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن ابن بوش، عن أبي سعد الصيرفي،
عن محمد بن علي الصوري، سمعت عبد الغني بن سعيد، سمعت
وليد بن القاسم، سمعت أبا عبد الرحمن النسائي، يقول: كأن الله خلق
علي بن المديني لهذا الشأن.
قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري، يقول: ما استصغرت
نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني.
قال عباس العنبري: بلغ علي ما لو قضي أن يتم على ذلك، لعله
كان يقدم على الحسن البصري، كان الناس يكتبون قيامه وقعوده
ولباسه، وكل شئ يقول أو يفعل أو نحو هذا.
46

يعقوب الفسوي: قال علي بن المديني: صنفت " المسند "
مستقصى، وخلفته في المنزل، وغبت في الرحلة، فخالطته الأرضة،
فلم أنشط بعد لجمعه.
قال أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم: كان علي إذا قدم بغداد،
تصدر في الحلقة، وجاء ابن معين، وأحمد بن حنبل، والمعيطي،
والناس يتناظرون. فإذا اختلفوا في شئ، تكلم فيه علي.
قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت ابن معين، يقول: كان علي
ابن المديني إذا قدم علينا، أظهر السنة، وإذا ذهب إلى البصرة أظهر
التشيع.
قلت: كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة، لمكان أنهم
عثمانية، فيهم انحراف على علي.
أخبرنا أبو الحسين اليونيني (1)، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي،
أخبرنا المبارك الطيوري (2)، أخبرنا الفالي (3)، أخبرنا أحمد بن خربان،
حدثنا أبو محمد الرامهرمزي (4)، حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري

(1) يونين، بضم الياء وكسر النون الأولى، قرية من قرى بعلبك، منها الحافظ شرف
الدين، أبو الحسين، علي بن محمد اليونيني البعلبكي الحنبلي الامام العالم المحدث
المتوفى سنة 701 ه‍. وعن نسخته من " صحيح البخاري " طبع بمصر في المطبعة الأميرية
سنة 1311 ه‍. وهي أعظم أصل يوثق به في نسخ " صحيح البخاري "، وهي التي جعلها
القسطلاني عمدته في تحقيق متن الكتاب، وضبطه حرفا حرفا، وكلمة كلمة في شرحه
للبخاري المسمى " إرشاد الساري ".
(2) هو أبو الحسين، المبارك بن عبد الجبار.
(3) بفتح الفاء وفي آخرها اللام، نسبة إلى بلدة تسمى فالة. قال أبو بكر الخطيب
فيما نقله السمعاني عنه: أظنها من بلاد فارس، قريبة من إيذج. والفالي هذا هو أبو الحسن
علي بن أحمد بن علي المؤدب، أقام ببغداد حتى آخر عمره.
(4) هو القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360 ه‍، صاحب
كتاب " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ". انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ "
3 / 905، 907.
47

بمكة، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، سمعت علي بن المديني،
يقول: التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف
العلم.
قال أبو العباس السراج: سمعت محمد بن يونس، سمعت علي
ابن المديني، يقول: تركت من حديثي مئة ألف حديث، منها ثلاثون
ألفا لعباد بن صهيب.
وعن البخاري: وقيل له: ما تشتهي؟ قال: أن أقدم العراق، وعلي بن المديني حي، فأجالسه. سمعها أبو العباس السراج من
البخاري.
قال أبو عبيد الآجري: قيل لأبي داود: أحمد بن حنبل أعلم أم
علي؟ فقال: علي أعلم باختلاف الحديث من أحمد.
قال عبد المؤمن النسفي: سألت صالح بن محمد: هل كان
يحيى بن معين يحفظ؟ فقال: لا إنما كان عنده معرفة. قلت: فعلي؟
قال: كان يحفظ ويعرف.
قال أبو داود: علي بن المديني خير من عشرة آلاف مثل
الشاذكوني.
قال عبد الله بن أبي زياد القطواني: سمعت أبا عبيد، يقول:
انتهى العلم إلى أربعة: أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد بن
حنبل أفقههم فيه، وعلي بن المديني أعلمهم به، ويحيى بن معين
أكتبهم له.
48

قال الفرهياني وغيره من الحفاظ: أعلم أهل زمانه بعلل الحديث
علي.
يعقوب الفسوي في " تاريخه " (1): حدثني بكر بن خلف، قال:
قدمت مكة وبها شاب حافظ، كان يذاكرني المسند (2) بطرقها. فقلت
له: من أين لك هذا؟ قال: أخبرك، طلبت إلى علي أيام سفيان أن
يحدثني بالمسند، فقال: قد عرفت، إنما تريد بذلك المذاكرة. فإن
ضمنت لي أنك تذاكر ولا تسميني، فعلت. قال: فضمنت له،
واختلفت إليه، فجعل يحدثني بذا الذي أذاكرك به حفظا.
قال الفسوي: فذكرت هذا لبعض من كان يلزم عليا، فقال:
سمعت عليا يقول: غبت عن البصرة في مخرجي إلى اليمن - أظنه ذكر
ثلاث سنين - وأمي حية. فلما قدمت، قالت: يا بني: فلان لك
صديق، وفلان لك عدو. قلت: من أين علمت يا أمه؟ قالت: كان
فلان وفلان، فذكرت منهم يحيى بن سعيد يجيؤون مسلمين،
فيعزوني، ويقولون: اصبري، فلو قدم عليك، سرك الله بما ترين.
فعلمت أن هؤلاء أصدقاء. وفلان وفلان إذا جاؤوا، يقولون لي: اكتبي
إليه، وضيقي عليه ليقدم.
فأخبرني العباس بن عبد العظيم أو غيره، قال: قال علي: كنت
صنفت " المسند " على الطرق مستقصى، كتبته في قراطيس وصيرته في
قمطر كبير، وخلفته في المنزل، وغبت هذه الغيبة. قال: فجئت

(1) 2 / 136، 137 وجاء فيه الخبر محرفا، فيصحح من هنا، وانظر " تاريخ بغداد "
11 / 462.
(2) في " تهذيب الكمال " ص: 981: " المسندات ".
49

فحركت القمطر، فإذا هو ثقيل بخلاف ما كانت، ففتحتها، فإذا الأرضة
قد خالطت الكتب، فصارت طينا.
قال أحمد بن يوسف البجيري: سمعت الأعين يقول: رأيت
علي بن المديني مستلقيا، وأحمد عن يمينه، وابن معين عن يساره،
وهو يملي عليهما..
قال أبو أمية الطرسوسي: سمعت عليا، يقول: ربما أذكر
الحديث في الليل، فأمر الجارية تسرج السراج فأنظر فيه.
البخاري: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي، قال: قال علي: ما
نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري.
وعن العباس بن سورة، قال: سئل يحيى بن معين، عن علي بن
المديني والحميدي، فقال: ينبغي للحميدي أن يكتب عن آخر عن علي
ابن المديني.
قال محمد بن طالب بن علي النسفي: سمعت صالح بن محمد،
يقول: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني، وأفقههم في
الحديث أحمد، وأمهرهم (1) بالحديث سليمان الشاذكوني.
وقال عبد المؤمن بن خلف: سمعت صالح بن محمد، سمعت
إبراهيم بن محمد بن عرعرة، سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول
لابن المديني: ويحك يا علي، إني أراك تتبع الحديث تتبعا لا أحسبك
تموت حتى تبتلى.
الفسوي: سمعت عليا، وقوم يختلفون إليه يقرأ عليهم أبواب

(1) في الأصل: " وأقهرهم " وهو تحريف، والتصويب من " تهذيب الكمال ".
50

السجدة، كان يذكر له طرف حديث، فيمر على الصفحة والورقة، فإذا
تعايى في شئ، لقنوه الحرف والشئ منه، ثم يمر ويقول: الله
المستعان، هذه الأبواب أيام نطلب كنا نتلاقى به المشايخ، ونذاكرهم
بها، ونستفيد ما يذهب علينا منها، وكنا نحفظها. وقد احتجنا اليوم إلى
أن نلقن في بعضها (1).
قال أزهر بن جميل: كنا عند يحيى بن سعيد، أنا، وعبد
الرحمن، وسفيان الرؤاسي (2)، وعلي بن المديني، وغيرهم، إذ جاء
عبد الرحمن بن مهدي منتقع اللون أشعث، فسلم. فقال له يحيى: ما
حالك أبا سعيد؟ قال خير. رأيت البارحة في المنام كأن قوما من
أصحابنا قد نكسوا. قال علي بن المديني: يا أبا سعيد، هو خير. قال
الله تعالى: (ومن نعمره ننكسه في الخلق) (يس: 68). قال:
اسكت، فوالله إنك لفي القوم.
قال الأثرم اللغوي: سمعت الأصمعي يقول لعلي بن المديني:
والله يا علي لتتركن الاسلام وراء ظهرك.
أحمد بن كامل القاضي: حدثنا أبو عبد الله غلام خليل، عن العباس بن
عبد العظيم، قال: دخلت على علي بن المديني يوما، فرأيته واجما مغموما،
فقلت: ما شأنك؟ قال: رؤيا رأيت، كأني أخطب على منبر داود عليه السلام.
فقلت: خيرا رأيت، تخطب على منبر نبي، فقال: لو رأيت أني أخطب على

(1) " المعرفة والتاريخ " 2 / 137.
(2) هو سفيان بن وكيع بن الجراح، أبو محمد الرؤاسي. كان صدوقا إلا أنه ابتلي
بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح، فلم يقبل، فسقط حديثه من رجال
" التهذيب ".
51

منبر أيوب، كان خيرا لي، لأنه بلي في دينه، وداود فتن في دينه. قال:
فكان منه ما كان، يعني إجابته في محنة القرآن.
قلت: غلام خليل غير ثقة.
الحسين بن فهم: حدثني أبي، قال: قال ابن أبي دواد للمعتصم: يا أمير
المؤمنين، هذا يزعم - يعني: أحمد بن حنبل - أن الله يرى في الآخرة، والعين لا
تقع إلا على محدود، والله لا يحد، فقال: ما عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين
عندي ما قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قال: وما هو؟ قال: حدثني غندر، حدثنا
شعبة، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير، قال: " كنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في
ليلة أربع عشرة، فنظر إلى البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا
البدر، لا تضامون في رؤيته " (1).
فقال لابن أبي دواد: ما تقول؟ قال: أنظر في إسناد هذا الحديث، ثم
انصرف. فوجه إلى علي بن المديني، وعلي ببغداد مملق، ما يقدر على
درهم، فأحضره، فما كلمه بشئ حتى وصله بعشرة آلاف درهم، وقال: هذه
وصلك بها أمير المؤمنين، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه. وكان له
رزق سنتين. ثم قال له: يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو؟
قال: صحيح. قال: فهل عندك عنه شئ؟ قال: يعفيني القاضي من هذا.
قال: هذه حاجة الدهر. ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه. ولم يزل

(1) أخرجه البخاري 2 / 27 في الصلاة: باب فضل صلاة العصر، و 8 / 458 في
التفسير: باب قوله: (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب)، و 13 / 356،
357 في التوحيد: باب قوله الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة)، ومسلم
(633) في المساجد: باب فضل صلاتي الصبح والعصر، وأحمد 4 / 360، والترمذي
(2551)، وابن ماجة (178). وهو من حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري 3 / 358،
ومسلم (183).
52

حتى قال له: في هذا الاسناد من لا يعمل عليه، ولا على ما يرويه، وهو قيس بن
أبي حازم، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه. فقبل ابن أبي دواد عليا واعتنقه.
فلما كان الغد، وحضروا، قال ابن أبي دواد: يا أمير المؤمنين: يحتج في
الرؤية بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس، وهو أعرابي بوال على عقبيه؟
قال: فقال أحمد بعد ذلك: فحين أطلع لي هذا، علمت أنه من عمل علي بن
المديني، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه.
رواها المرزباني: أخبرني محمد بن يحيى، يعني: الصولي، حدثنا
الحسين.
ثم قال الخطيب: أما ما حكي عن علي في هذا الخبر من أنه لا يعمل على ما
يرويه قيس، فهو باطل. قد نزه الله عليا عن قول ذلك، لان أهل الأثر، وفيهم
علي، مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي
أهل الكوفة. وليس في التابعين من أدرك العشرة، وروى عنهم، غير قيس مع
روايته عن خلق من الصحابة. إلى أن قال: فإن كان هذا محفوظا عن ابن فهم،
فأحسب أن ابن أبي دواد، تكلم في قيس بما ذكر في الحديث، وعزا ذلك إلى ابن
المديني. والله أعلم.
قلت: إن صحت الحكاية، فلعل عليا قال في قيس ما عنده عن يحيى
القطان، أنه قال: هو منكر الحديث، ثم سمى له أحاديث استنكرها، فلم يصنع
شيئا، بل هي ثابتة، فلا ينكر له التفرد في سعة ما روى، من ذلك حديث كلاب
الحوأب (1)، وقد كاد قيس أن يكون صحابيا، أسلم في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم

(1) أخرجه أحمد 6 / 52 و 97، وابن حبان (1831)، والحاكم 3 / 120 من طرق
عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب،
سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لنا: " أيتكن
تنبح عليها كلاب الحوأب؟ " وإسناده صحيح. وقال الحافظ في " الفتح " 13 / 45 بعد أن
ذكره: وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه ابن حبان والحاكم، وسنده على شرط
الصحيح. وصححه أيضا المؤلف في ترجمته للسيدة عائشة في هذا الكتاب، والحافظ ابن
كثير في " البداية ".
والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن
الإسكندري فيما نقله عنه ياقوت في " معجم البلدان ". وقال أبو عبيد البكري في " معجم ما
استعجم ": ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها، سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة
القضاعية.
53

هاجر إليه، فما أدركه، بل قدم المدينة بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بليال. وقد
قال يحيى بن معين فيما نقله عنه معاوية بن صالح، كان قيس بن أبي حازم أوثق
من الزهري.
نعم، ورؤية الله تعالى في الآخرة منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، نقل تواتر،
فنعوذ بالله من الهوى، ورد النص بالرأي. قال أبو داود: أجود التابعين إسنادا قيس بن أبي حازم، قد روى عن تسعة
من العشرة، لم يرو عن عبد الرحمن بن عوف.
قال الخطيب: ولم يحك أحد ممن ساق المحنة أن أحمد نوظر في حديث
الرؤية. قال: والذي يحكى عن علي أنه روى لابن أبي دواد حديثا عن الوليد بن
مسلم في القرآن، كان الوليد أخطأ في لفظة منه، فكان أحمد ينكر على علي
روايته لذلك الحديث. فقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: إن علي بن
المديني، حدث عن الوليد حديث عمر: " كلوه إلى عالمه " فقال: " إلى
خالقه ". فقال: هذا كذب. ثم قال: هذا قد كتبناه عن الوليد، إنما هو " فكلوه
إلى عالمه (1) "، وهذه اللفظة قد روي عن ابن المديني غيرها.
قال محمد بن طاهر بن أبي الدميك: حدثنا ابن المديني، حدثنا الوليد،

(1) سيرد الحديث في الصفحة: 199 وسيخرج هناك.
54

حدثنا الأوزاعي، حدثنا الزهري، حدثني أنس بن مالك، قال: بينما عمر
جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية: (وفاكهة وأبا) (عبس: 31)، ثم قال:
هذا كله قد عرفناه، فما الأب؟ قال، وفي يده عصية يضرب بها الأرض، فقال:
هذا لعمر الله التكلف. فخذوا أيها الناس بما بين لكم، فاعملوا به، وما لم تعرفوه
فكلوه إلى ربه.
قال الخطيب: أخبرنيه أبو طالب بن بكير، أخبرنا مخلد بن جعفر الدقاق،
حدثنا ابن أبي الدميك.
وقال أحمد بن محمد الصيدلاني: حدثنا المروذي، قلت لأبي عبد
الله: إن عليا يحدث عن الوليد، فذكر الحديث، وقال: " فكلوه إلى
خالقه ". فقال أبو عبد الله: كذب. حدثنا الوليد بن مسلم مرتين إنما هو:
" كلوه إلى عالمه ".
وقال عباس العنبري: قلت لابن المديني: إنهم قد أنكروه عليك،
فقال: حدثتكم به بالبصرة، وذكر أن الوليد أخطأ فيه. فغضب أبو عبد الله وقال:
فنعم، قد علم أن الوليد أخطأ فيه، فلم حدثهم به؟ أيعطيهم الخطأ!
قال المروذي: سمعت رجلا من أهل العسكر يقول لأبي عبد الله: ابن
المديني يقرئك السلام، فسكت. فقلت لأبي عبد الله، قال لي عباس
العنبري: قال علي بن المديني: وذكر رجلا فتكلم فيه، فقلت له: إنهم لا
يقبلون منك، إنما يقبلون من أحمد بن حنبل. قال: قوي أحمد على السوط،
وأنا لا أقوى.
أبو بكر الجرجاني: حدثنا أبو العيناء، قال: دخل ابن المديني إلى ابن
أبي دواد بعد ماتم من محنة أحمد ما جرى، فناوله رقعة، قال: هذه طرحت في
داري، فإذا فيها:
55

يا ابن المديني الذي شرعت له * دنيا فجاد بدينه لينالها
ماذا دعاك إلى اعتقاد مقالة * قد كان عندك كافرا من قالها
أمر بدا لك رشده فقبلته * أم زهرة الدنيا أردت نوالها؟
فلقد عهدتك - لا أبالك - مرة * صعب المقادة للتي تدعى لها
إن الحريب (1) لمن يصاب بدينه * لا من يرزى ناقة وفصالها (2)
فقال له أحمد: هذا بعض شراد هذا الوثن، يعني: ابن الزيات، وقد هجي خيار
الناس، وما هدم الهجاء حقا، ولا بنى باطلا. وقد قمت وقمنا من حق الله بما
يصغر قدر الدنيا عند كثير ثوابه. ثم دعا له بخمسة آلاف درهم، فقال: اصرفها
في نفقاتك وصدقاتك.
قال زكريا الساجي: قدم ابن المديني البصرة، فصار إليه بندار، فجعل
علي يقول: قال أبو عبد الله، قال أبو عبد الله، فقال بندار على رؤوس الملا: من
أبو عبد الله، أأحمد بن حنبل؟ قال: لا، أحمد بن أبي دواد. فقال بندار: عند الله
أحتسب خطاي، شبه علي هذا، وغضب وقام.
قال أبو بكر الشافعي: كان عند إبراهيم الحربي قمطر من حديث ابن
المديني، وما كان يحدث به. فقيل له: لم لاتحدث عنه؟ قال: لقيته يوما،
وبيده نعله، وثيابه في فمه، فقلت: إلى أين؟ فقال: ألحق الصلاة خلف أبي
عبد الله، فظننت أنه يعني أحمد بن حنبل، فقلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي
دواد، فقلت: والله لاحدثت عنك بحرف.

(1) أي الذي سلب جميع ماله.
(2) الأبيات في " تهذيب الكمال "، ورقة: 983، و " تاريخ بغداد " 11 / 469،
470، و " طبقات الشافعية " 2 / 148، و " تذهيب التهذيب 3 / 69 / 1، ولم تنسب لاحد
في هذه المصادر.
56

وقال سليمان بن إسحاق الجلاب، وآخر: قيل لإبراهيم الحربي: أكان
ابن المديني يتهم؟ قال: لا، إنما كان إذا حدث بحديث فزاد في خبره كلمة،
ليرضي بها ابن أبي دواد. فقيل له: أكان يتكلم في أحمد بن حنبل؟ قال: لا،
إنما كان إذا رأى في كتاب حديثا عن أحمد، قال: اضرب على ذا، ليرضي به ابن
أبي دواد، وكان قد سمع من أحمد، وكان في كتابه: سمعت أحمد، وقال أحمد،
وحدثنا أحمد. وكان ابن أبي دواد إذا رأى في كتابه حديثا عن الأصمعي، قال:
اضرب على ذا، ليرضي نفسه بذلك.
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، وذكر عنده
علي بن المديني، فحملوا عليه. فقلت: ما هو عند الناس إلا مرتد، فقال: ما
هو بمرتد، هو على إسلامه، رجل خاف فقال (1).
قال ابن عمار الموصلي في " تاريخه ": قال لي علي بن المديني: ما
يمنعك أن تكفر الجهمية، وكنت أنا أولا لا أكفرهم؟ فلما أجاب علي إلى
المحنة، كتبت إليه أذكره ما قال لي، وأذكره الله. فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين
قرأ كتابي. ثم رأيته بعد، فقال لي: ما في قلبي مما قلت، وأجبت إلى شئ،
ولكني خفت أن أقتل، وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطا واحدا لمت،
أو نحو هذا.
قال ابن عمار: ودفع عني علي امتحان ابن أبي دواد إياي، شفع في،
ودفع عن غير واحد من أهل الموصل من أجلي، فما أجاب ديانة إلا خوفا.
وعن علي بن سلمة النيسابوري: سمعت علي بن الحسين بن الوليد،
يقول: ودعت علي بن عبد الله، فقال: بلغ أصحابنا عني أن القوم كفار ضلال،

(1) في " التهذيب " زيادة: " وما عليه "؟ بعد قوله: " فقال ".
57

ولم أجد بدا من متابعتهم، لاني جلست في بيت مظلم ثمانية أشهر، وفي رجلي
قيد ثمانية أمناء (1)، حتى خفت على بصري. فإن قالوا: يأخذ منهم، فقد
سبقت إلى ذلك، قد أخذ من هو خير مني.
إسنادها منقطع.
رواها الحاكم، فقال: أخبرت عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن زهير،
سمعت علي بن سلمة.
قال ابن عدي: سمعت مسدد بن أبي يوسف القلوسي، سمعت أبي
يقول: قلت لابن المديني: مثلك يجيب إلى ما أجبت إليه؟ فقال: يا أبا
يوسف، ما أهون عليك السيف.
قال الحاكم: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يذكر فضل
ابن المديني وتقدمه، فقيل له: قد تكلم فيه عمرو بن علي، فقال: والله لو
وجدت قوة لخرجت إلى البصرة، فبلت على قبر عمرو.
أجاز لنا ابن علان وغيره، قالوا: أخبرنا الكندي، أخبرنا الشيباني،
أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا موسى بن إبراهيم بن النضر
العطار، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، سمعت عليا على المنبر
يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، ومن زعم أن الله لا يرى فهو
كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر.
ابن مخلد العطار: حدثنا محمد بن عثمان، سمعت علي بن
المديني، يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن
قال مخلوق، فهو كافر.

(1) جمع المنا، أي: الكيل أو الميزان.
58

وقال عثمان بن سعيد الدارمي، سمعت علي بن المديني، يقول: هو
كفر، يعني: من قال: القرآن مخلوق.
قال عبد الرحمن (1) بن أبي حاتم: كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من
أجل ما بدا منه في المحنة. وكان والدي يروي عنه لنزوعه عما كان منه. قال
أبي: كان علي علما في الناس في معرفة الحديث والعلل.
قلت: ويروى عن عبد الله بن أحمد، أن أباه أمسك عن الرواية عن ابن
المديني، ولم أر ذلك، بل في " مسنده " عنه أحاديث، وفي " صحيح البخاري "
عنه جملة وافرة.
قال الإمام أبو زكريا صاحب " الروضة ": ولابن المديني في الحديث
نحو من مئتي مصنف.
قال حنبل بن إسحاق: أقدم المتوكل عليا إلى هاهنا ورجع إلى البصرة،
فمات.
قلت: إنما مات بسامراء. قاله البغوي وغيره.
قال الحارث بن محمد: مات بسامراء في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين
ومئتين.
وقال البخاري: مات ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع.
ووهم الفسوي، فقال: مات سنة خمس، رحمه الله وغفر له.
وفي سنة أربع مات أبو جعفر النفيلي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة،
وابن نمير، والشاذكوني، وعثمان بن طالوت، وعبد الله بن براد الأشعري،

(1) في الأصل " عبد الرحيم "، وهو خطأ.
59

وعلي بن بحر القطان، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وأخوه محمد، وعقبة بن
مكرم الكوفي، وأبو الربيع الزهراني. ومحمد بن عائذ، والمعافى بن سليمان
الجزري، وشجاع بن مخلد، ويحيى بن يحيى الليثي.
قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت قاضي القضاة محمد بن صالح
الهاشمي يقول: هذه أسامي مصنفات علي بن المديني: " الأسماء والكنى "
ثمانية أجزاء، " الضعفاء " عشرة أجزاء، " المدلسون " خمسة أجزاء، " أول
من فحص عن الرجال " جزء، " الطبقات " عشرة أجزاء، " من روى عمن لم
يره " جزء، " علل المسند " ثلاثون جزءا، " العلل من رواية إسماعيل القاضي "
أربعة عشر جزءا، " علل حديث ابن عيينة " ثلاثة عشر جزءا، " من لا يحتج به ولا
يسقط " جزآن، " من نزل من الصحابة النواحي " خمسة أجزاء، " التاريخ "
عشرة أجزاء، " العرض على المحدث " جزآن، " من حدث ورجع عنه "
جزآن، " سؤال يحيى وابن مهدي عن الرجال " خمسة أجزاء، " سؤالات
يحيى القطان " أيضا جزآن، " الأسانيد الشاذة " جزآن، " الثقات " عشرة
أجزاء، " اختلاف الحديث " خمسة أجزاء، " الأشربة " ثلاثة أجزاء،
" الغريب " خمسة أجزاء، " الاخوة والأخوات " ثلاثة أجزاء، من عرف بغير
اسم أبيه " جزآن، " من عرف بلقبه "، " العلل المتفرقة " ثلاثون جزءا،
" مذاهب المحدثين " جزآن. ثم قال عقيب هذا أبو بكر الخطيب: فجميع هذه
الكتب انقرضت، رأينا منها أربعة كتب أو خمسة.
23 - إبراهيم بن حمزة * (خ، د)
ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن

* التاريخ الكبير 1 / 283، التاريخ الصغير 2 / 359، الجرح والتعديل 2 / 95، تهذيب
الكمال، ورقة: 54، تذهيب التهذيب 1 / 35، العبر 1 / 405، تهذيب التهذيب 1 / 116،
117، خلاصة تذهيب الكمال: 17، شذرات الذهب 2 / 68.
60

العوام الأسدي الزبيري المدني، أحد الأئمة.
حدث عن: إبراهيم بن سعد، ويوسف بن الماجشون، وعبد العزيز بن أبي
حازم، وحاتم بن إسماعيل، والدراوردي، وطبقتهم. ولم يلحق الاخذ عن
مالك. يكنى أبا إسحاق، من كبار الأئمة الاثبات بالمدينة.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، وإسماعيل القاضي، ومحمد بن نصر
الصائغ، والعباس بن الفضل الأسفاطي، وحماد بن إسحاق القاضي،
وآخرون.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال محمد بن سعد: ثقة صدوق في (1) الحديث، يأتي الربذة (2) كثيرا
للتجارة، ويقيم بها، ويشهد العيدين بالمدينة.
وقال البخاري: مات سنة ثلاثين ومئتين. رحمه الله.
24 - حاجب بن الوليد * (م)
ابن ميمون، المحدث الامام، أبو أحمد البغدادي الأعور المؤدب.
سمع حفص بن ميسرة بعسقلان، وبقية بن الوليد بحمص، والوليد بن
محمد بالبلقاء، ومحمد بن سلمة بحران.

(1) في الأصل: " وفي ".
(2) بفتح أوله وثانيه، وذال معجمة مفتوحة أيضا، وهي من قرى المدينة على ثلاثة
أيام، قريبة من ذات عرق، على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة.
* طبقات ابن سعد 7 / 359، التاريخ الكبير 3 / 80، الجرح والتعديل 3 / 285، مروج
الذهب 2 / 254، تاريخ بغداد 8 / 270، 271، تهذيب الكمال، ورقة: 214، تذهيب التهذيب
1 / 113، خلاصة تذهيب الكمال: 67.
61

وعنه: الذهلي، ويعقوب السدوسي، وموسى بن هارون، وإسحاق
الختلي، وأبو القاسم البغوي، وآخرون.
وثقه الخطيب. وقال ابن معين: أحاديثه صحيحة ولا أعرفه.
توفي في رمضان سنة ثمان وعشرين ومئتين. وقع لي من عواليه.
25 - إبراهيم بن يوسف * (س)
ابن ميمون بن قدامة، وقيل: رزين بدل قدامة، عالم بلخ، أبو إسحاق
الباهلي البلخي الفقيه، المعروف بالماكياني، وماكيان قرية من قرى بلخ، وهو
أخو عصام ومحمد.
حدث عن: مالك، وحماد بن زيد، وشريك، وخالد بن عبد الله،
وهشيم، وإسماعيل بن جعفر، وطبقتهم.
حدث عنه: النسائي، ومحمد بن كرام شيخ الكرامية، وحامد بن سهل
البخاري، وجعفر بن محمد بن سوار، ومحمد بن عبد الله بن يوسف الدويري،
ومحمد بن المنذر الهروي شكر، وأحمد بن قدامة البلخي، وزكريا بن يحيى
خياط السنة، ومحمد بن محمد بن صديق، وخلق كثير.
وثقه النسائي، وابن حبان.
قال ابن حبان: ظاهر مذهبه الارجاء، ويبطن السنة. فسمعت أحمد بن
محمد، سمعت محمد بن داود الفوعي، يقول: حلفت أن لا أكتب إلا عمن
يقول: الايمان قول وعمل. فأتيت إبراهيم بن يوسف فأخبرته، فقال: اكتب

* الجرح والتعديل 2 / 148، تهذيب الكمال، ورقة: 70، تذكرة الحفاظ 1 / 453،
454، ميزان الاعتدال 1 / 76، العبر 1 / 429، تذهيب التهذيب 1 / 46، الوافي بالوفيات
6 / 172، تهذيب التهذيب 1 / 184، خلاصة تذهيب الكمال: 24.
62

عني، فإني أقول: الايمان قول وعمل.
قلت: كان من أئمة الحنفية.
قال محمد بن محمد بن الصديق: سمعته يقول: القرآن كلام الله، من
قال: مخلوق، فهو كافر. ومن وقف فهو جهمي.
قال أبو يعلى الخليلي (1): روى إبراهيم بن يوسف، عن مالك، عن
نافع، عن ابن عمر، قال: " كل مسكر خمر " (2) ولم يسمع منه غيره. وذلك أنه
حضر، وقتيبة حاضر. فقال لمالك: هذا مرجئ، فأقيم من المجلس، فوقع
له بهذا عداوة مع قتيبة، وأخرجه من بلخ، فنزل قرية بغلان.
قلت: مات إبراهيم بن يوسف مفتي بلخ في جمادى الأولى سنة تسع
وثلاثين ومئتين. وكان من أبناء التسعين، رحمه الله.
- 26 أبو تمام *
شاعر العصر أبو تمام، حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الطائي، من

(1) هو خليل بن عبد الله بن خليل القزويني الحافظ الامام المتوفى سنة 446 ه‍،
صاحب " الارشاد في علماء البلاد "، ذكر فيه المحدثين وغيرهم من العلماء على ترتيب
البلاد إلى زمانه، وترجم كل بلد وناحية. وهو مترجم في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1123.
(2) في " التهذيب " في ترجمة إبراهيم بن يوسف: وقال الخليلي: روى عن مالك
حديثا واحدا، ولم يسمع منه غيره، ثم أورد ما جاء هنا.
والحديث أخرجه مسلم في " صحيحه " (2003) في الأشربة: باب بيان أن كل
مسكر خمر، من طريق أيوب، وموسى بن عقبة، وعبيد الله، ثلاثتهم عن نافع، عن ابن
عمر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وكل مسكر
حرام ".
* طبقات الشعراء: 283، 287، تاريخ الطبري 9 / 124، الأغاني 16 / 383،
399، الفهرست: 190، تاريخ بغداد 8 / 248، 253، وفيات الأعيان 2 / 11، 26، العبر
1 / 411، البداية والنهاية 10 / 299، 301، النجوم الزاهرة 2 / 261، شذرات الذهب
2 / 72، 74، خزانة الأدب 1 / 172، تهذيب ابن عساكر 4 / 18، معاهد التنصيص 1 / 14،
16، أخبار أبي تمام للصولي، الموازنة بين الطائيين.
63

حوران، من قرية جاسم.
أسلم وكان نصرانيا. مدح الخلفاء والكبراء. وشعره في الذروة.
وكان أسمر طوالا فصيحا، عذب العبارة مع تمتمة قليلة.
ولد في أيام الرشيد، وكان أولا حدثا يسقي الماء بمصر، ثم جالس
الأدباء، وأخذ عنهم وكان يتوقد ذكاء. وسحت قريحته بالنظم البديع. فسمع به
المعتصم، فطلبه، وقدمه على الشعراء، وله فيه قصائد. وكان يوصف بطيب
الأخلاق والظرف والسماحة.
وقيل: قدم في زي الاعراب، فجلس إلى حلقة من الشعراء، وطلب
منهم أن يسمعوا من نظمه، فشاع وذاع وخضعوا له. وصار من أمره ما صار. فمن
شعره:
فحواك عين على نجواك يا مذل * حتام لا يتقضى قولك الخطل (1)
المذل: الخدر الفاتر
فإن أسمح من يشكو إليه هوى * من كان أحسن شئ عنده العذل (2)
ما أقبلت أوجه اللذات سافرة * مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول
إن شئت أن لا ترى صبرا لمصطبر * فانظر على أي حال أصبح الطلل (3)

(1) فحواك: من قولهم: عرفت ذلك في فحوى كلامه، أي: في معناه. والمذل:
الذي لا يكتم سره، والخطل: المضطرب.
قال ابن المستوفي: وكأن قوله: " فحواك عين على نجواك " أي: ظاهرك يدل على
مضمرك، أي: إن ظاهرك في نصحك يدل على عتبك في باطنك.
(2) قال التبريزي: أي أقبح من شكوت إليه عشقك عاذل قد أولع بعذلك، فشكايتك
إليه لا تنجع.
(3) قال التبريزي: أي إن شئت أن ترى وتعلم قلة صبري على ما أحدثته الفرقة،
فانظر حال الطلل. وقال المرزوقي: يقول: إن أردت ألا توجب صبرا على من ابتلي بفراق
أحبته، فانظر إلى الطلل وتأمله كيف اشتمل عليه البلى بفراقهم له، وانتقالهم عنه.
64

كأنما جاد مغناه فغيره * دموعنا يوم بانوا، فهي تنهمل
ومر فيها إلى أن قال، وهي في المعتصم:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له * حتى ظننت قوافيه ستقتتل (1)
وقد كان البحتري يرفع من أبي تمام، ويقدمه على نفسه، ويقول: ما
أكلت الخبز إلا به، وإني تابع له. ومن شعره:
غدت تستجير الدمع خوف نوى الغد * وعاد قتادا عندها كل مرقد (2)
وأنقذها من غمرة الموت أنه * صدود فراق لا صدود تعمد (3)
فأجرى لها الاشفاق دمعا موردا * من الدم يجري فوق خد مورد
هي البدر يغنيها تورد (4) وجهها * إلى كل من لاقت وإن لم تودد
ولكنني لم أحو وفرا مجمعا * ففزت به إلا لشمل مبدد (5)
وطول مقام المرء بالحي مخلق * لديباجتيه فاغترب تتجدد (6)

(1) الأبيات في " ديوانه " 3 / 5، 20 وعدتها سبع وأربعون بيتا. يمدح بها المعتصم
بالله.
(2) قال التبريزي: تستجيره: لأنها تستشفي به. ويروى: " سرت " بدل " غدت "، قال
ابن المستوفي: " غدت " أولى عندي من " سرت ". والقتاد: الشوك.
(3) قال التبريزي: خفف عنها أن الصدود ليس بقصد، وإنما هو فراق بعد.
(4) في " الديوان " و " الأغاني ": " تودد "، بالدال. وتودد وجهها: حسنه، وأن
كل أحد يحبه.
(5) رواية " الديوان ": " إلا بشمل " وكذا في " الأغاني "، بالباء. قال التبريزي:
أي إلا بشمل كان لي ففرقته، لاني فارقت أهلي وولدي.
(6) رواية " الأغاني ": " في الحي ". أي: اغترب لكي يشتاق إليك. والديباجتان:
الخدان، وربما قالوا: الليتان. ويجوز أن يكون عنى الخدين، لأنهما في معنى الوجه، وقد
يحتمل أن يكون جعل الديباجتين مثلا ولم يرد الخدين، ولكنهما جريا مجرى البردين
والثوبين، فيكون الواحد والجمع في معنى واحد، لأنه إذا قيل: فلان مخلق البرد أو
البردين، فالمعنى: أنه مخلق الثياب. وأراد بالديباجتين ما يظهر من أمره، لان ملبس
الانسان يدل على باطنه.
65

فإني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد (1)
وهو القائل:
ولو كانت الأرزاق تجرى على الحجى * هلكن إذا من جهلهن البهائم
ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد * ولا المجد في كف امرئ والدراهم (2)
وله:
ألم ترني خليت نفسي وشأنها * فلم أحفل الدنيا ولا حدثانها
لقد خوفتني الحادثات صروفها * ولو أمنتني ما قبلت أمانها (3)
يقولون: هل يبكي الفتى لخريدة * متى ما أراد، اعتاض عشرا مكانها؟
وهل يستعيض المرء من خمس كفه * ولو صاغ من حر اللجين بنانها؟ (4)

(1) قال الصولي: هذا مأخوذ من بعض شعراء بني أسد، وقد ذهب عني أول البيت:
........... ولو لم تغب شمس النهار لملت.
والأبيات في " ديوانه " 2 / 22، 31 من قصيدة يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف
الطائي، وهى في خمسة وخمسين بيتا. وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير حين أنشد
هذه القصيدة: كمل والله. إن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني واستواء الكلام،
فصاحبكم هذا أشعر الناس. وإن كان بغيره، فلا أدري. والأبيات أيضا في " الأغاني "
16 / 385.
(2) " ديوانه " 3 / 178 من قصيدة يمدح بها أحمد بن أبي دواد، ومطلعها:
ألم بأن أن تروى الظماء الحوائم * وأن ينظم الشمل المشتت ناظم
وهي في خمسة وثلاثين بيتا. ومنها البيت السائر:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى * بغاة الندى من أين تؤتى المكارم
والبيتان في " البداية والنهاية " 10 / 301. وقال التبريزي في شرح البيت الثاني:
أي كما لا يجتمع السير نحو الشرق والغرب في حالة واحدة من سائر واحد كذلك لا يجتمع
الشرف والمعالي لرجل مع إمساكه المال، لان المجد يكتسب ببذل المال وإتلاف
الرغائب.
(3) في " الديوان ": " النائبات " بدل " الحادثات ".
(4) الأبيات في " الديوان " 4 / 142 من قصيدة يرثي بها جارية له توفيت.... وهي
في ثمانية أبيات.
66

وديوان أبي تمام كبير سائر، ولما مات، رثاه محمد بن عبد الملك الوزير،
فقال:
نبأ ألم مقلقل الأحشاء * لما أتى من أعظم الانباء
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم * ناشدتكم لا تجعلوه الطائي (1)
وللحسن بن وهب الوزير:
فجع القريض بخاتم الشعراء * وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معا، فتجاورا في حفرة * وكذاك كانا قبل في الاحياء (2)
وكان ابن وهب قد اعتنى بأبي تمام، وولاه بريد الموصل، فأقام بها أكثر
من سنة. ومات في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومئتين.
وقال مخلد الموصلي: مات في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومئتين.
وأما نفطويه وغيره فورخوا موته بسامراء في سنة ثمان وعشرين ومئتين.
ويقال: عاش نيفا وأربعين سنة. عفا الله عنه، ورحمه.
قال الصولي: كان واحد عصره في ديباجة لفظه، وفصاحة شعره،

(1) البيتان في " وفيات الأعيان " 2 / 18 منسوبان لمحمد بن عبد الملك الزيات،
وقال: وقيل: لأبي الزبرقان، عبد الله بن الزبرقان الكاتب، مولى بني أمية. وهما في
" النجوم الزاهرة " 2 / 261، وفي " البداية والنهاية " 10 / 300، وفي " شذرات الذهب "
2 / 74 منسوبان فيه لأبي نهشل بن حميد الذي ولاه الموصل. وفي جميع هذه المصادر جاء
البيت الأول فيها:
نبأ أتى من أعظم الانباء * لما ألم مقلقل الأحشاء.
وكذا هو في " أخبار أبي تمام " ص: 277، وابن عساكر 4 / 26.
(2) البيتان في " وفيات الأعيان " 2 / 18، وفي " النجوم الزاهرة " 2 / 261، و " البداية
والنهاية " 10 / 300 وفي " شذرات الذهب " 2 / 74، وهما في " أخبار أبي تمام " ص: 277،
وابن عساكر 4 / 26، و " هبة الأيام " ص: 52.
67

وحسن أسلوبه. ألف الحماسة فدلت على غزارة معرفته بحسن اختياره، وله
كتاب " فحول الشعراء " وقيل: كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب.
وقيل: أجازه أبو دلف بخمسين ألف درهم، واعتذر.
وله في المعتصم أو ابنه:
إقدام عمرو في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء إياس (1)
فقال الوزير: شبهت أمير المؤمنين بأجلاف العرب، فأطرق ثم زادها:
لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس (2)
فقال الوزير: أعطه ما شاء، فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما، لأنه قد

(1) عمرو: هو ابن معد يكرب. وإياس: يعني به إياس بن معاوية، كان قاضيا
بالبصرة، يوصف بالذكاء، وكان من قوم يظنون الشئ، فيكون كما يظنون، حتى شهر أمرهم
في ذلك.
(2) الأبيات الثلاثة في " ديوانه " 2 / 249، 250 من قصيدة يمدح بها أحمد بن
المعتصم، ومطلعها:
ما في وقوفك ساعة من باس * تقضي ذمام الأربع الأدراس
وعدة أبياتها أربع وثلاثون بيتا.
وقد قال التبريزي في شرح البيت الأخير: أي لا تنكروا قولي إقدامه كإقدام عمرو، وهو
أشجع منه، وذكاؤه كذكاء إياس، وهو أذكى منه، لان الله تعالى قد شبه نوره بما هو أقل منه، إذ
كان المشبه به من أبلغ ما يعرفه الناس ضوءا، فقال: (مثل نوره كمشكاة)، وهي الكوة ليست
بنافذة، والنبراس: المصباح.
وكان أبو تمام أنشد أحمد بن المعتصم هذه القصيدة، وليس فيها هذان البيتان، فقال
يعقوب بن إسحاق الكندي - وكان يخدم أحمد: الأمير أكبر في كل شئ مما شبهته به، فعمل
هذين البيتين، وزادهما في القصيدة من وقته، فعجب أحمد وجميع من حضره من فطنته وذكائه،
وأضعف جائزته.
والأبيات الثلاثة في " وفيات الأعيان " 2 / 15، و " البداية والنهاية " 10 / 300. وأورد
الخبر ابن العماد في " الشذرات " 2 / 74 فذكر البيت الأول، ونثر البيتين الأخيرين نثرا.
68

ظهر في عينيه الدم من شدة فكره. وصاحب هذا لا يعيش إلا هذا القدر فقال له
الخليفة: ما تشتهي؟ قال: الموصل، فأعطاه إياها، فتوجه إليها، ومات بعد
هذه المدة.
هذه حكاية غير صحيحة. وأما البيت، فلن يحتاج إلى اعتذار أصلا، ولا
ولي الموصل. بلى، ولي بريدها، كما مر.
27 - أبو معمر الهذلي * (1) (خ، م، د)
الامام الحافظ الكبير الثبت، أبو معمر، إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن
الحسن الهذلي الهروي، ثم البغدادي القطيعي. كان ينزل القطيعة.
ولد سنة نيف وخمسين ومئة.
وأخذ عن: شريك القاضي، وإسماعيل بن جعفر، وخلف بن خليفة،
وعلي بن هاشم بن البريد، وهشيم، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة،
ومروان بن شجاع، وإسماعيل بن عياش، وخلق.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم،

* طبقات ابن سعد 7 / 359، التاريخ الكبير 1 / 342، التاريخ الصغير 2 / 366، الجرح
والتعديل 2 / 157، تاريخ بغداد 6 / 266، 272، تهذيب الكمال، ورقة: 97، تذكرة الحفاظ
2 / 471، العبر 1 / 423، ميزان الاعتدال 1 / 220، تذهيب التهذيب 1 / 61، تهذيب التهذيب
1 / 273، 274، طبقات الحفاظ: 205، خلاصة تذهيب الكمال: 32، شذرات الذهب
2 / 86.
(1) رجح الدكتور إحسان عباس في مقدمته لكتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد الذي قام
بتحقيقه أن ابن سعد توفي سنة 230 ه‍، وقد ترجم في " طبقاته " لأبي معمر الهذلي، صاحب
الترجمة، 7 / 358، وقال: توفي سنة 236 ه‍، كما ترجم لعمرو الناقد 7 / 358، وقد توفي
سنة 232 ه‍، كما أورد ترجمة لسريج بن يونس 7 / 357، وقد توفي سنة 235 ه‍، لابل إنه
ترجم للإمام أحمد بن حنبل 7 / 341، وقد توفي الامام سنة 241 ه‍. ويغلب على الظن أن هذه
التراجم مما أضافها من روى " الطبقات " عن ابن سعد.
69

وبقي بن مخلد، وصالح بن محمد جزرة، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي،
ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وأبو يعلى الموصلي، وعبد الله بن أحمد بن
حنبل، وخلق سواهم.
وحدث البخاري أيضا، والنسائي، عن رجل عنه.
ذكره محمد بن سعد في " طبقاته " فقال: ثقة ثبت، صاحب سنة وفضل.
قال عبيد بن شريك البزار: كان أبو معمر القطيعي من شدة إدلاله بالسنة
يقول: لو تكلمت بغلتي لقالت: إنها سنية. قال: فأخذ في محنة القرآن،
فأجاب. فلما خرج، قال: كفرنا وخرجنا.
وروى سعيد بن عمرو البرذعي عن أبي زرعة، قال: كان أحمد بن حنبل
لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا أبي معمر، ولا يحيى بن معين، ولاعن
أحد ممن امتحن فأجاب.
قال أبو يعلى: حدث أبو معمر بالموصل بنحو ألفي حديث حفظا، فلما
رجع إلى بغداد، كتب إلى أهل الموصل بالصحيح من أحاديث، كان أخطأ فيها
نحو ثلاثين أو أربعين حديثا.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبا معمر الهذلي، يقول: من
زعم أن الله لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يرضى، ولا يغضب، فهو
كافر. إن رأيتموه واقفا على بئر، فألقوه فيها. بهذا أدين الله عز وجل.
وعن أبي معمر القطيعي قال: آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله.
قلت: بل قولهم: إنه، عز وجل، في السماء وفي الأرض، لا امتياز
للسماء. وقول عموم أمة محمد، صلى الله عليه وسلم: إن الله في السماء،
يطلقون ذلك وفق ما جاءت النصوص بإطلاقه، ولا يخوضون في تأويلات
70

المتكلمين، مع جزم الكل بأنه تعالى (ليس كمثله شئ) (الشورى: 11)
مات أبو معمر في منتصف جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ومئتين. وكان
من أبناء الثمانين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله فيما قرأت عليه، عن أبي روح الهروي، أن تميم
ابن أبي سعيد أخبرهم، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أخبرنا أبو عمرو
ابن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم،
عن علي بن هاشم، عن هشام بن عروة، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن
عروة، عن عائشة قالت: " ما ضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده
شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شئ فانتقم من صاحبه، إلا أن
تنتهك محارم الله فينتقم " (1).
أخرجه النسائي عن أحمد بن علي، عن أبي معمر.
28 - يحيى بن معين * (خ، م، د)
هو الامام الحافظ الجهبذ، شيخ المحدثين، أبو زكريا، يحيى بن معين

(1) إسناده قوي. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2328) في الفضائل: باب مباعدته،
صلى الله عليه وسلم، للآثام، من طريق أبي كريب، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة قالت: " ما ضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في
سبيل الله، وما نيل منه شئ قط، فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شئ من محارم الله، فينتقم لله
عز وجل ". وأخرجه البخاري في " صحيحه " رقم (3560) و (6126) و (6786) و
(6853)، ومسلم (2327) من طريق مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير،
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما خير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما
لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنفسه إلا أن
تنتهك محارم الله عز وجل ".
* طبقات ابن سعد 7 / 354، التاريخ الكبير 8 / 307، التاريخ الصغير 2 / 362، الجرح
والتعديل 1 / 314، 318 و 9 / 192، الفهرست: 287، تاريخ بغداد 14 / 177، 187،
طبقات الحنابلة 1 / 402، 407، تهذيب الأسماء واللغات: الجزء الثاني من القسم الأول:
156، 159، وفيات الأعيان 6 / 139، 143، تهذيب الكمال، ورقة: 1518، 1521،
تذكرة الحفاظ 2 / 429، 431، العبر 1 / 415، ميزان الاعتدال 4 / 410، تذهيب التهذيب
4 / 165، 167، تهذيب التهذيب 11 / 280، 288، النجوم الزاهرة 2 / 273، طبقات
الحفاظ: 185، خلاصة تذهيب الكمال: 428، الرسالة المستطرفة: 129.
71

ابن عون بن زياد بن بسطام. وقيل: اسم جده غياث بن زياد بن عون بن بسطام
الغطفاني ثم المري، مولاهم البغدادي، أحد الاعلام.
ولد سنة ثمان وخمسين ومئة.
وسمع من: ابن المبارك، وهشيم، وإسماعيل بن عياش، وعباد بن عباد،
وإسماعيل بن مجالد بن سعيد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ومعتمر بن
سليمان، وسفيان بن عيينة، وغندر، وأبي معاوية، وحاتم بن إسماعيل،
وحفص بن غياث، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الرزاق، ومروان بن معاوية،
وهشام بن يوسف، وعيسى بن يونس، ووكيع، ومعن، وأبي حفص الأبار،
وعمر بن عبيد، وعلي بن هاشم، ويحيى القطان، وابن مهدي، وعفان، وخلق
كثير بالعراق والحجاز والجزيرة والشام ومصر.
روى عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن سعد، وأبو خيثمة، وهناد بن
السري، وعدة من أقرانه، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وعباس الدوري،
وأبو بكر الصاغاني، وعبد الخالق بن منصور، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو
زرعة، وأبو حاتم، وإسحاق الكوسج، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد،
ومعاوية بن صالح الأشعري، وحنبل بن إسحاق، وصالح بن محمد جزرة،
وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو معين الحسين بن
الحسن الرازي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومطين، ومضر بن محمد
الأسدي، والمفضل بن غسان الغلابي، وأبو زرعة النصري، وأحمد بن محمد
ابن عبيد الله التمار، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن صالح كيلجة، وعلي بن
72

الحسن ما غمة (1)، وعبيد العجل حسين بن محمد، ومحمد بن وضاح،
وجعفر الفريابي، وموسى بن هارون، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن
ابن عبد الجبار الصوفي، وخلائق.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الزاهد، أخبرنا أحمد بن يوسف
الدقاق، والفتح بن عبد السلام ببغداد (ح) وأخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن
أبي اليمن الكندي، قالوا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر الأرموي، وقرأت
على أحمد بن هبة الله، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب
الزاهد، قالا: أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور، حدثنا علي بن عمر
السكري، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا أبو زكريا يحيى بن معين سنة
سبع وعشرين ومئتين، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن بيان، عن وبرة، عن
همام، قال: قال عمار بن ياسر: " رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما معه إلا خمسة
أعبد وامرأتان، وأبو بكر، رضي الله عنهم " (2). أخرجه البخاري عن عبد
الله، عن ابن معين.

(1) كذا سماه هنا، وسماه في " العبر " 2 / 83: علي بن عبد الصمد، ولقبه علان
ما غمة، وكذلك هو في " تاريخ بغداد " 12 / 28، وكناه بأبي الحسن. وقد جاء في " تاريخ
بغداد " 1 / 388 عن أبي نعيم الحافظ، قال: بلغني عن جعفر بن محمد بن كزال، قال: كان
يحيى بن معين يلقب أصحابه، فلقب محمد بن إبراهيم بمربع، والحسين بن محمد بعبيد
العجل، وصالح بن محمد بجزرة، ومحمد بن صالح بكيلجة، وعلي بن عبد الصمد بعلان
ما غمة. قال: وهؤلاء من كبار أصحابه وحفاظ الحديث.
(2) أخرجه البخاري 7 / 129 في المناقب: باب إسلام أبي بكر الصديق، رضي الله
عنه، وأخرجه أيضا 7 / 16، 17 من طريق أحمد بن أبي الطيب. قال الحافظ: وأما الأعبد
فهم بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، فإنه أسلم قديما مع أبي بكر. وروى
الطبراني من طريق عروة أنه كان ممن يعذب في الله، فاشتراه أبو بكر فأعتقه. وأبو فكيهة مولى
صفوان بن أمية بن خلف، ذكر ابن إسحاق أنه أسلم حين أسلم بلال، فعذبه أمية، فاشتراه أبو
بكر، فأعتقه. وأما الخامس، فيحتمل أن يفسر بشقران، فقد ذكر ابن السكن في كتاب
" الصحابة " عن عبد الله بن داود، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ورثه من أبيه هو وأم أيمن، وأما المرأتان،
فخديجة والاخرى أم أيمن أو سمية.
73

وبالاسناد إلى يحيى بن معين، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن
عبد الله بن أنيس الأنصاري، سمعت طلحة بن خراش، يحدث عن جابر بن عبد
الله، أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر، فقرأ في الركعة الأولى: (قل يا أيها
الكافرون) (الكافرون: 1) حتى انقضت السورة. فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: " هذا عبد عرف ربه ". وقرأ في الآخرة: (قل هو الله أحد)
(الاخلاص: 1)، حتى انقضت السورة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" هذا عبد آمن بربه ". قال طلحة: فأنا أستحب أن أقرأهما في هاتين
الركعتين (1).
وبالاسناد إلى ابن معين، قال: حدثنا ابن عيينة، عن حميد الأعرج، عن
سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله: " أن النبي، صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح،
ونهى عن بيع السنين ".
أخرجه أبو داود (2)، عن يحيى فوافقناه.
وبالاسناد حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أقال مسلما عثرته، أقاله الله
يوم القيامة ".

(1) رجاله ثقات، ولم أره في مصدر آخر.
(2) رقم (3374) في البيوع: باب في بيع السنين، من طريق أحمد بن حنبل، ويحيى
ابن معين، وإسناده صحيح. وهو في " المسند " 3 / 309، وأخرج مسلم في " صحيحه "
(1554) القسم الأخير منه، والنسائي 7 / 265، وأخرج ابن ماجة القسم الأول منه برقم
(2218) كلهم من طرق عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن
عبد الله.
وبيع السنين: أن يبيع ثمرة نخلة أو نخلات بأعيانها سنتين أو ثلاثا، فإنه يبيع شيئا لا وجود
له حال العقد. والجوائح: جمع جائحة، وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال. وبهذا
الحديث يقول الإمام أحمد وأصحاب الحديث، فقد قالوا: وضع الجائحة لازم بقدر ما هلك.
74

أخرجه أبو داود (1) عن يحيى، وقد رواه عبد الله بن أحمد في زيادات
" المسند " عن يحيى وهو معدود في أفراده.
وروينا في البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني يحيى بن معين،
حدثنا حجاج، قال ابن جريج، قال ابن أبي مليكة: وكان بينهما (2) شئ،
فغدوت على ابن عباس، فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزبير، فتحل (ما) حرم
الله؟ قال: معاذ الله. وذكر باقي الأثر، وهو في تفسير براءة (3). فعبد الله أظنه
المسندي (4).
قرأت على أبي الفضل أحمد بن هبة الله، عن أبي روح الهروي، أخبرنا
تميم بن أبي سعيد في سنة ثمان وعشرين وخمس مئة، أخبرنا أبو سعد محمد بن
عبد الرحمن النحوي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن
علي الموصلي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا غندر، عن شعبة، عن
الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله (والنازعات غرقا)
(النازعات: 1) قال: الملائكة. (5)

(1) رقم (3460) في البيوع: باب في فضل الإقالة، وأحمد 2 / 252، وابن ماجة
(2199)، والبيهقي 6 / 27، وإسناده صحيح، صححه ابن حبان (1103)، والحاكم
2 / 45، ووافقه الذهبي المؤلف، وصححه أيضا ابن دقيق العيد، وابن حزم.
تنبيه: الذي في المطبوع من " مسند " أحمد: حدثنا عبد الله، حدثنا أبي، فهو على ذلك
من " مسند " أحمد،، وليس من زيادات ابنه عليه، كما ذكر المصنف، ولعل لفظة " أبي "
مقحمة في المطبوع.
(2) أعاد الضمير في هذه الرواية للتثنية على غير مذكور اختصارا، ومراده ابن عباس وابن
الزبير، كما هو مصرح في الرواية السابقة عنده.
(3) أخرجه البخاري 8 / 246 في التفسير: باب: قوله: (ثاني اثنين إذ هما في الغار).
(4) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر الجعفي، أبو جعفر البخاري، المعروف
بالمسندي، بفتح النون، ثقة حافظ، جمع المسند.
(5) إسناده صحيح، ونسبه السيوطي في " الدر " 6 / 311 إلى ابن المنذر وابن أبي
حاتم، وهو قول ابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبي صالح، وأبي الضحى،
والسدي، قالوا: النازعات غرقا: الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ
روحه بعسر، فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة، وكأنما حلته من نشاط، وهو
قوله: (والناشطات نشطا).
75

قال ابن عدي: سمعت عبدان الأهوازي، يقول: سمعت حسين بن
حميد بن الربيع، سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يتكلم في يحيى بن معين، يقول:
من أين له حديث حفص بن غياث، عن الأعمش يعني: " من أقال مسلما "؟ (1)
وقال: هوذا كتب حفص بن غياث عندنا، وهوذا كتب ابنه عمر عندنا، وليس فيها
شئ من هذا.
قال ابن عدي: قد روى الحديث مالك بن سعير عن الأعمش، وقد رواه
أبو عوف البزوري (2) عن زكريا بن عدي، عن حفص بن غياث.
قال ابن عدي: الحسين بن حميد لا يعتمد على روايته، هو متهم في هذه
الحكاية، ويحيى أوثق وأجل من أن ينسب إليه شئ من ذلك، وبه يسبر أحوال
الضعفاء.
قلت: فحاصل الامر أن يحيى بن معين مع إمامته لم ينفرد بالحديث.
ولله الحمد.
قال أحمد بن زهير: ولد يحيى في سنة ثمان وخمسين ومئة. قلت: وكتب

(1) وتمامه، كما في " الكامل " لابن عدي، ورقة: 98 في ترجمة الحسين بن حميد:
"... أقال الله عثرته " وفيه عنده: " نادما " بدلا من " مسلما ". والحديث أخرجه أبو داود في
" سننه " (3460) في البيوع: باب في فضل الإقالة، والحاكم 2 / 45، وابن حبان
(1103)، والبيهقي 6 / 27، من طريق يحيى بن معين، عن حفص، عن الأعمش، عن أبي
صالح، عن أبي هريرة. وأخرجه ابن ماجة (2199) من طريق زياد بن يحيى أبي الخطاب، عن
مالك بن سعير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأخرجه ابن حبان (1104)،
والبيهقي 6 / 27 من طريق إسحاق بن محمد الفروي، عن مالك بن أنس، عن سمي، عن أبي
صالح، عن أبي هريرة، فالحديث صحيح.
(2) هو عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية المتوفى سنة 275 ه‍.
76

العلم وهو ابن عشرين سنة.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عن يحيى، فقال: إمام.
وقال النسائي: أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث ثقة مأمون.
قال الكلاباذي: روى عنه البخاري، ثم روى عن عبد الله بن محمد عن
يحيى في تفسير براءة (1) وروى عن عبد الله غير منسوب عنه في ذكر أيام
الجاهلية.
قال ابن المرزبان: حدثنا أبو العباس المروزي، سمعت داود بن رشيد
يذكر أن والد ابن معين كان مشعبذا من قرية نحو الأنبار، يقال لها " نقيا " ويقال:
إن فرعون كان من أهل نقيا. (2)
قال العجلي: كان أبوه معين كاتبا لعبد الله بن مالك.
وقال ابن عدي: حدثني شيخ كاتب ذكر أنه قرابة يحيى بن معين، قال:
كان معين على خراج الري، فمات، فخلف ليحيى ابنه ألف ألف درهم، فأنفقه
كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه.
أخبرنا أبو الغنائم القيسي إجازة، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو
منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو بكر الحرشي وأبو سعيد
الصيرفي، قالا: أخبرنا أبو العباس الأصم، سمعت العباس بن محمد،
سمعت يحيى بن معين، وسأله عباس العنبري، يا أبا زكريا، من أي العرب
أنت؟ قال: أنا مولى للعرب.

(1) انظر ص: 75 التعليق الثالث.
(2) حديث خرافة، والمشعبذ: هو الماهر بالاحتيال، الذي يري الشئ على غير
حقيقته، معتمدا على خداع الحواس، وما أكثر ما ينخدع به السذج من الخلق.
77

قيل: أصل ابن معين من الأنبار، ونشأ ببغداد، وهو أسن الجماعة الكبار
الذين هم: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو
بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة، فكانوا يتأدبون معه، ويعترفون له، وكان له
هيبة وجلالة، يركب البغلة، ويتجمل في لباسه، رحمه الله تعالى.
وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى يقول: أنا مولى للجنيد.
ابن عبد الرحمن المري: قال أحمد بن يحيى الجارود: قال ابن
المديني: انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة، وعلم الكوفة إلى
أبي إسحاق والأعمش، وعلم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار، وصار علم
هؤلاء الستة إلى اثني عشر رجلا: ابن أبي عروبة، ومعمر، وشعبة، وحماد بن
سلمة، والسفيانين، ومالك، والأوزاعي، وابن إسحاق، وهشيم، وأبي
عوانة، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن أبي زائدة إلى أن ذكر ابن المبارك، وابن
مهدي، ويحيى بن آدم. فصار علم هؤلاء جميعهم إلى يحيى بن معين.
قلت: نعم، وإلى أحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعلي،
وعدة.
ثم من بعد هؤلاء إلى أبي عبد الله البخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم،
وأبي داود، وطائفة.
ثم إلى أبي عبد الرحمن النسائي، ومحمد بن نصر المروزي، وابن
خزيمة، وابن جرير.
ثم شرع العلم ينقص قليلا قليلا. فلا قوة إلا بالله.
وبإسنادي إلى الخطيب: أخبرنا محمد بن علي المقرئ، أخبرنا أبو
مسلم بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف، سمعت صالح بن محمد،
78

أخبرنا علي، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: انتهى علم الحجاز إلى
الزهري، وعمرو، إلى أن قال: فانتهى علم هؤلاء إلى ابن معين.
علي بن أحمد بن النضر، قال ابن المديني: انتهى العلم إلى يحيى بن
آدم، وبعده إلى يحيى بن معين، رحمه الله.
عبد الخالق بن منصور، قلت لابن الرومي: سمعت أبا سعيد الحداد،
يقول: لولا يحيى بن معين، ما كتبت الحديث. قال: وما تعجب!! فوالله لقد
نفعنا الله به، ولقد كان المحدث يحدثنا لكرامته (ما لم نكن نحدث به أنفسنا).
ولقد كنت عند أحمد فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، انظر في هذه
الأحاديث، فإن فيها خطأ. قال: عليك بأبي زكريا، فإنه يعرف الخطأ.
قال عبد الخالق: فقلت لابن الرومي: حدثني أبو عمرو أنه سمع أحمد بن
حنبل، يقول: السماع مع يحيى بن معين شفاء لما في الصدور.
علي بن سهل: سمعت أحمد في دهليز عفان، يقول لعبد الله بن
الرومي: ليت أن أبا زكريا قدم، فقال: ما تصنع به؟ قال أحمد: اسكت هو
يعرف خطأ الحديث.
وبه إلى الخطيب: أخبرنا الصيرفي، حدثنا الأصم، سمعت الدوري،
يقول: رأيت أحمد بن حنبل في مجلس روح سنة خمس ومئتين، فيسأل يحيى بن
معين عن أشياء، يقول: يا أبا زكريا، ما تقول في حديث كذا؟ وكيف حديث
كذا؟ فيستثبته في أحاديث قد سمعوها. فما قال يحيى: كتبه أحمد. وقلما
سمعته يسمي يحيى باسمه، بل يكنيه.
وبه: أخبرنا أبو سعد الماليني كتابة، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد
الإدريسي، حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن موسى البخاري، سمعت
79

الحسين بن إسماعيل الفارسي، سمعت أبا مقاتل سليمان بن عبد الله، سمعت
أحمد بن حنبل، يقول: ها هنا رجل خلقه الله لهذا الشأن، يظهر كذب
الكذابين، يعني: ابن معين.
وبه حدثنا التنوخي، ومحمد بن طلحة النعالي، قالا: حدثنا أبو نصر
أحمد بن محمد بن إبراهيم البخاري، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن
حريث، سمعت أحمد بن سلمة، سمعت محمد بن رافع، سمعت أحمد
ابن حنبل، يقول: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين، فليس هو بحديث.
ابن عدي: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه، حدثنا العباس بن
إسحاق، سمعت هارون بن معروف، يقول: قدم علينا شيخ فبكرت عليه،
فسألناه أن يملي علينا، فأخذ الكتاب، وإذا الباب يدق، فقال الشيخ: من
هذا؟ قال: أحمد بن حنبل. فأذن له، والشيخ على حالته لم يتحرك. فإذا
آخر يدق الباب، فقال: من ذا؟ قال: أحمد الدورقي. فأذن له، ولم
يتحرك، ثم ابن الرومي فكذلك، ثم أبو خيثمة فكذلك، ثم دق الباب،
فقال: من ذا؟ قال: يحيى بن معين. فرأيت الشيخ ارتعدت يده، وسقط
منه الكتاب.
جعفر الطيالسي: سمعت ابن معين، يقول: لما قدم عبد الوهاب بن
عطاء، أتيته، فكتبت عنه، فبينا أنا عنده، إذ أتاه كتاب من أهله، فقرأه،
وأجابهم، فرأيته، وقد كتب على ظهره: قدمت بغداد، وقبلني يحيى بن
معين. والحمد لله رب العالمين.
قال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: أيما أعلم بالرجال يحيى أو
علي؟ قال: يحيى، وليس عندي من خبر أهل الشام شئ.
قال عبد المؤمن النسفي: سألت أبا علي صالح بن محمد: من أعلم
بالحديث يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل؟ فقال: أحمد أعلم بالفقه،
80

والاختلاف، وأما يحيى، فأعلم بالرجال والكنى.
محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت علي بن المديني، يقول: كنت
إذا قدمت إلى بغداد منذ أربعين سنة، كان الذي يذاكرني أحمد، فربما اختلفنا
في الشئ، فنسأل أبا زكريا، فيقوم فيخرجه، ما كان أعرفه بموضع حديثه.
وقال أبو الحسن بن البراء: سمعت ابن المديني، يقول: ما رأيت يحيى
استفهم حديثا قط ولا رده.
بكر بن سهل: حدثنا عبد الخالق بن منصور، قلت لابن الرومي:
سمعت بعض أصحاب الحديث يحدث بأحاديث يحيى، ويقول: حدثني من
لم تطلع الشمس على أكبر منه. فقال: وما تعجب؟ سمعت علي بن المديني،
يقول: ما رأيت في الناس مثله.
وعن ابن المديني، قال: ما أعلم أحدا كتب ما كتب يحيى بن معين.
وقال أبو الحسن بن البراء، سمعت عليا يقول: لا نعلم أحدا من لدن آدم
كتب من الحديث ما كتب يحيى.
قال أحمد بن عقبة، سألت يحيى بن معين: كم كتبت من الحديث؟
قال: كتبت بيدي هذه ست مئة ألف حديث - قلت: يعني بالمكرر.
قال صالح بن أحمد الحافظ: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله،
سمعت أبي، يقول: خلف يحيى من الكتب مئة قمطر، وأربعة عشرا قمطرا،
وأربعة حباب (1) شرابية مملوءة كتبا.
وقال عبد المؤمن: سمعت صالحا جزرة يقول: ذكر لي أن يحيى بن

(1) جمع الحب، وهي الجرة، أو الضخمة منها.
81

معين خلف من الكتب ثلاثين قمطرا وعشرين حبا، فطلب يحيى بن أكثم كتبه
بمئتي دينار، فلم يدع أبو خيثمة أن تباع.
وبإسنادي إلى الخطيب: أخبرنا الماليني، أخبرنا ابن عدي، حدثنا
موسى بن القاسم بن الأشيب عن بعض شيوخه، قال: كان أحمد ويحيى
وعلي عند عفان أو عند سليمان بن حرب، فأتى بصك، فشهدوا فيه، وكتب
يحيى فيه. فقال عفان: أما أنت يا أحمد، فضعيف في إبراهيم بن سعد،
وأما أنت يا علي، فضعيف في حماد بن زيد، وأما أنت يا يحيى، فضعيف
في ابن المبارك. فقال يحيى: وأنت يا عفان فضعيف في شعبة. ثم قال
الخطيب: لم يكن واحد منهم ضعيفا وإنما هذا مزاح.
قلت: كل منهم صغير في شيخه ذلك، ومقل عنه.
عبد الخالق بن منصور: سمعت ابن الرومي، يقول: ما رأيت أحدا قط
يقول الحق في المشايخ غير يحيى، وغيره كان يتحامل بالقول.
قلت: هذا القول من عبد الله بن الرومي غير مقبول، وإنما قاله باجتهاده،
ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس
صوابا، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافا، وأبعدهم عن التحامل. وإذا
اتفقوا على تعديل أو جرح، فتمسك به، واعضض عليه بناجذيك، ولا
تتجاوزه، فتندم. ومن شذ منهم، فلا عبرة به. فخل عنك العناء، وأعط
القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على المنابر،
ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الاسلام وبلسان
الشريعة، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فنعوذ بالله من
الخذلان.
ومن نادر ما شذ به ابن معين، رحمه الله، كلامه في أحمد بن صالح حافظ
82

مصر، فإنه تكلم فيه باجتهاده، وشاهد منه ما يلينه باعتبار عدالته لا باعتبار
إتقانه، فإنه متقن ثبت، ولكن عليه مأخذ في تيه وبأوكان يتعاطاه، والله لا يحب
كل مختال فخور، ولعله اطلع منه على حال في أيام شبيبة ابن صالح، فتاب منه أو
من بعضه، ثم شاخ، ولزم الخير، فلقيه البخاري والكبار، واحتجوا به. وأما
كلام النسائي فيه، فكلام موتور، لأنه آذى النسائي، وطرده من مجلسه، فقال
فيه: ليس بثقة.
قال الحسن بن عليل: حدثنا يحيى بن معين، قال: أخطأ عفان في
نيف وعشرين حديثا، ما أعلمت بها أحدا، وأعلمته سرا، ولقد طلب إلي
خلف بن سالم أن أخبره بها فما عرفته، وكان يحب أن يجد عليه.
قال يحيى: ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره،
وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن
قبل ذلك، وإلا تركته.
وقال ابن الغلابي: قال يحيى: إني لأحدث بالحديث فأسهر له مخافة أن
أكون قد أخطأت فيه.
وبإسنادي إلى الخطيب: حدثنا علي بن طلحة، أخبرنا صالح بن أحمد
الهمذاني، حدثنا عبد الرحمن بن حمدان بن المرزبان، قال: قال لي أبو حاتم
الرازي: إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل، فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا
رأيته يبغض يحيى بن معين، فاعلم أنه كذاب.
وقال محمد بن هارون الفلاس: إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين،
فاعلم أنه كذاب، يضع الحديث، وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين.
قال الأبار في " تاريخه ": قال ابن معين: كتبنا عن الكذابين، وسجرنا
83

به التنور، وأخرجنا به خبزا نضيجا.
قال أبو داود: سمعت يحيى يقول: أكلت عجينة خبز، وأنا ناقة من علة.
قال الدوري: سئل يحيى بن معين عن الرؤوس فقال: ثلاثة بين اثنين
صالح.
قال علي بن الحسين بن حبان: حدثني يحيى الأحول، قال: تلقينا يحيى
ابن معين مقدمه من مكة، فسألناه عن الحسين بن حبان، فقال: أحدثكم أنه لما
كان بآخر رمق، قال لي: يا أبا زكريا: أترى ما مكتوب على الخيمة؟ قلت: ما
أرى شيئا. قال: بلى، أرى مكتوبا: يحيى بن معين يقضي أو يفصل بين
الظالمين. قال: ثم خرجت نفسه.
الخطيب: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبو الشيخ، حدثنا إسحاق بن بنان:
سمعت حبيش بن مبشر، يقول: كان يحيى بن معين يحج (فيذهب إلى مكة) على
المدينة، ويرجع عليها. فلما كان آخر حجة حجها، رجع على المدينة، فأقام
بها يومين أو ثلاثة، ثم خرج حتى نزل المنزل مع رفقائه، فباتوا، فرأى في النوم
هاتفا يهتف به: يا أبا زكريا، أترغب عن جواري؟ فلما أصبح، قال لرفقائه: امضوا
فإني راجع إلى المدينة، فمضوا ورجع، فأقام بها ثلاثا ثم مات. قال: فحمل
على أعواد النبي، صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه الناس، وجعلوا يقولون: هذا الذاب عن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكذب.
قال الخطيب: الصحيح موته في ذهابه قبل أن يحج.
قال عباس الدوري: سمعت يحيى يقول: لو لم نكتب الحديث خمسين
مرة، ما عرفناه.
وفي " تاريخ دمشق " من طريق محمد بن نصر، سمع يحيى بن معين،
84

يقول: كتبت بيدي ألف ألف حديث - قلت: يعني: بالمكرر، ألا تراه يقول: لو
لم نكتب الحديث خمسين مرة ما عرفناه.
أنبئت عن أبي المكارم اللبان وغيره، عن عبد الغفار بن محمد، أخبرنا
محمد بن إبراهيم الكرماني، سمعت محمد بن أحمد غنجار، سمعت عبد الله
ابن موسى السلامي، سمعت الفضل بن شاكر ببلد الديلم، سمعت يزيد بن
مجالد، سمعت يحيى بن معين، يقول: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت
ففتش. وسمعته يقول: سيندم المنتخب (1) في الحديث حيث لا تنفعه الندامة.
الأصم: حدثنا عباس، سمعت يحيى بن معين، يقول: كنا بقرية من
قرى مصر، ولم يكن معنا شئ، ولاثم شئ نشتريه، فلما أصبحنا إذا نحن
بزنبيل ملئ بسمك مشوي، وليس عند أحد، فسألوني، فقلت: اقتسموه
وكلوه، فإني أظن أنه رزق رزقكم الله تعالى. وسمعت يحيى مرارا يقول:
القرآن كلام الله وليس بمخلوق، والايمان قول وعمل يزيد وينقص.
وروى عبد الله بن أبي زياد القطواني، عن أبي عبيد، قال: انتهى
الحديث إلى أربعة: أحمد بن حنبل، وهو أفقههم فيه، وإلى يحيى بن معين،
وهو أكتبهم له، وإلى علي بن المديني، وهو أعلمهم به، وإلى أبي بكر بن أبي
شيبة، وهو أحفظهم له.
وفي رواية عن أبي عبيد: وإلى ابن معين، وهو أعلمهم بصحيحه
وسقيمه.
قال عبيد الله القواريري: قال لي يحيى القطان: ما قدم علينا البصرة
مثل أحمد ويحيى بن معين.

(1) أي الذي ينتقي الأحاديث، ولا يكتبها كلها.
85

قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: كان أعلمنا بالرجال يحيى بن
معين، وأحفظنا للأبواب سليمان الشاذكوني، وأحفظنا للطوال علي.
أبو عبد الله الحاكم: سمعت الزبير بن عبد الواحد الحافظ، قال: حدثنا
إبراهيم بن عبد الواحد البكري، سمعت جعفر الطيالسي، يقول: صلى أحمد
ابن حنبل، ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام قاص، فقال: حدثنا
أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر،
عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " من قال لا إله إلا الله، خلق
الله من كل كلمة منها طيرا، منقاره من ذهب، وريشه من مرجان " وأخذ في قصة
نحو عشرين ورقة (1). فجعل أحمد ينظر إلى يحيى، ويحيى ينظر إليه، وهما
يقولان: ما سمعنا بهذا إلا الساعة، فسكتا حتى فرغ (2) من قصصه، وأخذ
قطاعه، ثم قعد ينتظر بقبتها. فأشار إليه يحيى، فجاء متوهما لنوال يجيزه،
فقال: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد وابن معين، فقال: أنا يحيى وهذا
أحمد، ما سمعنا بهذا قط. فإن كان ولابد من الكذب، فعلى غيرنا. فقال:
أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين
أحمق، وما علمت إلا الساعة، كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين، وأحمد بن
حنبل غيركما!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال:
فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما.
هذه حكاية عجيبة، وراويها البكري لا أعرفه، فأخاف أن يكون وضعها.
عن أحمد بن عقبة، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: من لم يكن

(1) سيورد المصنف هذا الخبر مع الحكاية في الصفحة 300 من هذا الجزء، وقد جزم
هناك ببطلانها.
(2) في الأصل: " فرغا " وهو خطأ.
86

سمحا في الحديث، كان كذابا. قيل: كيف يكون سمحا؟ قال: إذا شك في
حديثه، تركه.
وقال جعفر بن أبي عثمان: كنا عند يحيى بن معين، فجاءه رجل
مستعجل، فقال: يا أبا زكريا، حدثني بشئ أذكرك به، فقال يحيى: اذكرني
أنك سألتني أن أحدثك فلم أفعل.
الحسين بن فهم: سمعت يحيى بن معين، يقول: كنت بمصر، فرأيت
جارية بيعت بألف دينار، ما رأيت أحسن منها، صلى الله عليها. فقلت: يا أبا
زكريا، مثلك يقول هذا؟ قال: نعم، صلى الله عليها وعلى كل مليح.
هذه الحكاية محمولة على الدعابة من أبي زكريا. ويروى عنه بإسناد آخر.
قال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت الحافظ أبا زرعة الرازي: يقول:
كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين،
ولا عن أحد ممن امتحن فأجاب.
قلت: هذا أمر ضيق ولاحرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من
أكره على صريح الكفر عملا بالآية. وهذا هو الحق. وكان يحيى رحمه الله من
أئمة السنة، فخاف من سطوة الدولة، وأجاب تقية.
عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين، يقول: كنت إذا دخلت منزلي
بالليل، قرأت آية الكرسي على داري وعيالي خمس مرات، فبينا أنا أقرأ، إذا
شئ يكلمني: كم تقرأ هذا؟ كأن ليس إنسان يحسن يقرأ غيرك؟ فقلت:
أرى هذا يسوءك؟ والله لأزيدنك. فصرت أقرؤها في الليلة خمسين ستين
مرة.
وقال عباس: قلت ليحيى: ما تقول في الرجل يقوم للرجل حديثه؟
87

يعني: ينزع منه اللحن، فقال: لا بأس به، وسمعته يقول: لو لم نكتب
الحديث من ثلاثين وجها، ما عقلناه.
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، يقول: ما
الدنيا إلا كحلم، والله ماضر رجلا اتقى الله على ما أصبح وأمسى، لقد حججت
وأنا ابن أربع وعشرين سنة، خرجت راجلا من بغداد إلى مكة، هذا من خمسين
سنة كأنما كان أمس. فقلت ليحيى: ترى أن ينظر الرجل في رأي الشافعي،
وأبي حنيفة؟ قال: ما أرى لاحد أن ينظر في رأي الشافعي، ينظر في رأي
أبي حنيفة أحب إلي.
قلت: قد كان أبو زكريا رحمه الله حنفيا في الفروع، فلهذا قال هذا، وفيه
انحراف يسير عن الشافعي.
قال ابن الجنيد: وسمعت يحيى، يقول: تحريم النبيذ صحيح، ولكن
أقف، ولا أحرمه، قد شربه قوم صالحون بأحاديث صحاح، وحرمه قوم
صالحون بأحاديث صحاح.
وسمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: حديث الطلاء (1) وحديث

(1) في " الموطأ " رقم (1543) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب
حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا، لا يصلحنا إلا هذا الشراب.
فقال عمر: اشربوا هذا العسل. قالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض: هل
لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان،
وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر إصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال: هذا
الطلاء، هذا مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها
والله. فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا
أحللته لهم.
وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز، عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى
عمار: أما بعد: فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسود كأنه طلاء الإبل فذكروا أنهم يطبخونه حتى
يذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث بريحه، وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن يشربوا.
ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما طبخ، وذهب ثلثاه، وبقي ثلثه.
وأخرج النسائي 8 / 329 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب عمر: اطبخوا
شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين، ولكم واحد. قال الحافظ في
" الفتح " 10 / 55 بعد أن ذكرها: وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضها بأن المحذور منه.
السكر، فمتى أسكر، لم يحل.
88

عتبة بن فرقد (1) جميعا صحيحان.
قال عباس الدوري: حدثنا يحيى بن معين، قال: حضرت نعيم بن
حماد (2) بمصر، فجعل يقرأ كتابا صنفه، فقال: حدثنا ابن المبارك، عن ابن
عون، وذكر أحاديث، فقلت: ليس ذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد
علي؟ قلت: إي والله، أريد زينك، فأبى أن يرجع، فلما رأيته لا يرجع، قلت:
لا والله، ما سمعت هذه من ابن المبارك، ولا سمعها هو من ابن عون قط.
فغضب، وغضب من كان عنده، وقام فدخل، فأخرج صحائف، فجعل

(1) عتبة بن فرقد صحابي مترجم في " أسد الغابة " 3 / 567، 568 و " الإصابة "
6 / 379، 380، و " الاستيعاب " 8 / 14 ولم نتبين الحديث الذي يعنيه يحيى بن سعيد، وليس
له في الكتب الستة إلا حديث واحد عند النسائي 4 / 129، 130 في الصوم، أخرجه من طريق
محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان بن عطاء بن السائب، عن عرفجة، قال: عدنا عتبة بن
فرقد، فتذاكرنا شهر رمضان، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: شهر رمضان. قال: سمعت رسول الله
، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل فيه الشياطين، وينادي مناد
كل ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر. قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا خطأ
أخبرنا به محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن
عرفجة، قال: كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد، فأردت أن أحدث بحديث، وكان رجل من
أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، كأنه أولى بالحديث مني، فحدث الرجل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " في
رمضان تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب النار، ويصفد فيه كل شيطان مريد. وينادي مناد
كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك ". فإن يكن يعني هذا الحديث، فإسناده
صحيح، لان عطاء بن السائب قد سمع منه سفيان وشعبة قبل الاختلاط.
(2) هو الخزاعي أحد الأئمة الاعلام، على لين في حديثه، وثقه أحمد وغيره. انظر
ترجمته في " ميزان " المؤلف 4 / 267، و " تاريخ بغداد " 13 / 306.
89

يقول، وهي بيده: أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين
في الحديث؟ نعم، يا أبا زكريا: غلطت، وإنما روى هذه الأحاديث غير ابن
المبارك، عن ابن عون.
قال الحسين بن حبان، قال ابن معين: دفع إلي ابن وهب كتابا عن معاوية
ابن صالح (فيه) خمس مئة حديث أو أكثر، فانتقيت منها شرارها، لم يكن لي
يومئذ معرفة. قلت: أسمعتها من أحد قبل ابن وهب؟ قال: لا. قلت: كذا كل
من يكون مبتدئا، لا يحسن الانتخاب. فعلنا نحو هذا، وندمنا بعد.
قال محمد بن جرير الطبري: خرج ابن معين حاجا، وكان أكولا،
فحدثني أبو العباس أحمد بن شاه أنه كان في رفقته، فلما قدموا فيد، أهدي إلى
يحيى فالوذج لم ينضج، فقلنا له: يا أبا زكريا، لا تأكله، فإنا نخاف عليك.
فلم يعبأ بكلامنا وأكله، فما استقر في معدته حتى شكا وجع بطنه وانسهل، إلى أن
وصلنا إلى المدينة ولا نهوض به. فتفاوضنا في أمره، ولم يكن لنا سبيل إلى المقام
عليه لأجل الحج، ولم ندر ما نعمل في أمره. فعزم بعضنا على القيام عليه وترك
الحج. وبتنا فلم يصبح حتى وصى ومات، فغسلناه ودفناه.
قال أبو زرعة الرازي: لم ينتفع بيحيى، لأنه كان يتكلم في الناس. وقد
رأيت حكاية شاذة، قالها أبو عبد الرحمن السلمي عن الدارقطني، أن يحيى بن
معين مات قبل أبيه بعشرة أشهر.
قال مهيب بن سليم البخاري، حدثنا محمد بن يوسف البخاري الحافظ،
قال: كنا في الحج مع يحيى بن معين، فدخلنا المدينة ليلة الجمعة، ومات من
ليلته، فلما أصبحنا تسامع الناس بقدومه وبموته، فاجتمع العامة، وجاءت بنو
هاشم، فقالوا: نخرج له الأعواد التي غسل عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكره العامة
ذلك، وكثر الكلام، فقالت بنو هاشم. نحن أولي بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو أهل أن
90

يغسل عليها، فغسل عليها، ودفن يوم الجمعة في ذي القعدة. قال مهيب: فيها
ولدت يعني: سنة ثلاث وثلاثين ومئتين.
قال عباس الدوري: مات قبل أن يحج عامئذ، وصلى عليه والي
المدينة، وكلم الحزامي الوالي، فأخرجوا له سرير النبي، صلى الله عليه وسلم، فحمل عليه.
أحمد بن أبي خيثمة، قال: مات يحيى لسبع بقين من ذي القعدة سنة
ثلاث وثلاثين، وقد استوفى خمسا وسبعين سنة، ودخل في الست، ودفن
بالبقيع.
قال حبيش بن مبشر الفقيه - وهو ثقة -: رأيت يحيى بن معين في النوم،
فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أعطاني وحباني وزوجني ثلاث مئة حوراء، ومهد
لي بين البابين (1)، أو قال: بين الناس. سمعها جعفر بن أبي عثمان من حبيش.
ورواها الحسين بن الخصيب، عن حبيش، قال: رأيت يحيى بن معين
في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني عليه في داره، وزوجني ثلاث
مئة حوراء. ثم قال للملائكة: انظروا إلى عبدي كيف تطرى وحسن.
قال أحمد بن يحيى بن الجارود: قال ابن المديني: ما أعلم أحدا كتب ما
كتب يحيى بن معين.
وقال ابن البراء: سمعت عليا يقول: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من
الحديث ما كتب ابن معين.
محمد بن علي بن راشد الطبري، عن محمد بن نصر الطبري، قال:
دخلت على يحيى بن معين، فوجدت عنده كذا وكذا سفطا دفاتر، وسمعته

(1) في " التهذيب ": " المصراعين ".
91

يقول: كتبت بيدي ألف ألف حديث، وكل حديث لا يوجدها هنا، وأشار بيده
إلى الأسفاط فهو كذب.
وعن مجاهد بن موسى، قال: كان يحيى بن معين يكتب الحديث نيفا
وخمسين مرة.
وقال محمد بن علي بن داود: سمعت ابن معين، يقول: أشتهي أن أقع
على شيخ ثقة، عنده بيت ملئ بكتب، أكتب عنه وحدي.
قال محمد بن سعد: يحيى بن معين أكثر من كتابة الحديث، وعرف به،
وكان لا يكاد يحدث.
محمد بن أحمد بن أبي مهزول، عن محمد بن حفص، سمع عمرا
الناقد، يقول: ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد، ولا أسرد للحديث
من ابن الشاذكوني، ولا أعلم بالاسناد من يحيى، ما قدر أحد يقلب عليه إسنادا
قط.
القواريري: قال لي يحيى بن سعيد: ما قدم علينا مثل هذين: أحمد،
وابن معين.
قال هارون بن بشير الرازي: رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعا
يديه، يقول: اللهم إن كنت تكلمت في رجل، وليس هو عندي كذابا، فلا تغفر
لي.
هذه حكاية تستنكر.
الحسن بن عليل العنزي: حدثنا يحيى بن معين، قال: أخطأ عفان في
نيف وعشرين حديثا، ما أعلمت بها أحدا، أعلمته سرا، وطلب إلي خلف بن
سالم، فقال: قل لي: أي شئ هي؟ فما قلت له، كان يحب أن يجد عليه.
92

قال بشر بن موسى: سمعت ابن معين، يقول: ويل للمحدث إذا
استضعفه أصحاب الحديث. قلت: يعملون به ماذا؟ قال: إن كان كودنا (1)،
سرقوا كتبه، وأفسدوا حديثه، وحبسوه - وهو حاقن - حتى يأخذه الحصر، فقتلوه
شر قتلة. وإن كان فحلا، استضعفهم، وكانوا بين أمره ونهيه. قلت: وكيف
يكون ذكرا؟ قال: يعرف ما يخرج من رأسه
قال عباس، سمعت يحيى يقول في قوله: " لا تمنعه نفسها ولو كانت على
قتب " (2) قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا أرادت أن تلد تقعد على قتب،
ليكون أسرع لولادتها.
وقال: لست أعجب ممن يحدث فيخطئ، بل ممن يصيب.
وسمعته يقول لحبي المدنية: أي الرجال أعجب إلى النساء؟
(قالت:) الذي يشبه خده خدها.
وقال يحيى في زكاة الفطر: لا بأس أن تعطى فضة.
وقال يحيى فيمن صلى خلف الصف وحده، قال: يعيد.
وقال في من صلى بقوم على غير وضوء، قال: لا يعيدون ويعيد.
وقال لي: أنا أوتر بثلاث، ولا أقنت إلا في النصف الأخير من رمضان،

(1) الكودن: البغل أو الحصان الهجين، ويشبه به الرجل البليد.
(2) أخرجه الإمام أحمد 4 / 381، وابن ماجة (1853) من طريق القاسم بن عوف
الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: لما قدم معاذ من الشام، سجد للنبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
" ما هذا يا معاذ "؟ قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في
نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرا أحدا أن
يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق
ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها، وهي على قتب، لم تمنعه ". وسنده حسن،
وصححه ابن حبان (1290).
93

وأرفع يدي إذا قنت، ولا أرى المسح على العمامة، ولا أرى الصلاة على رجل
يموت بغير البلد - كان يحيى يوهن هذا الحديث - ولا أرى أن يهب الرجل بنته بلا
مهر، ولا أن يزوجها على سورة. رأيت يحيى يوهن هذه الأحاديث (1).
أنبأنا علي بن أحمد، أخبرنا عمر بن طبرزد، أخبرنا هبة الله بن عبد الله
الشروطي، وأبو الحسن بن الزاغوني، قالا: أخبرنا عبد الصمد بن المأمون،
أخبرنا علي بن عمر الحربي (2)، حدثنا عيسى بن سليمان القرشي، أنشدني داود
ابن رشيد، أنشدني يحيى بن معين:
المال يذهب حله وحرامه * يوما وتبقى في غد آثامه (3)
ليس التقي بمتق لإلهه * حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه * ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه * فعلى النبي صلاته وسلامه
قال أبو بكر بن المقرئ: سمعت محمد بن عقيل البغدادي، يقول: قال
إبراهيم بن هانئ (4): رأيت أبا داود يقع في يحيى بن معين، فقلت له: تقع في
مثل يحيى؟ فقال: من جر ذيول (الناس) (5) جروا ذيله.

(1) انظر " التاريخ ": 659 و 661 و 662.
(2) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين، وفي آخرها باء معجمة بواحدة، وهي نسبة إلى
محلة الحربية غربي بغداد. وعلي بن عمر هذا هو أبو الحسن الحربي السكري، ويقال له:
الحميري والصيرفي والكيال. انظر ترجمته في " الميزان " للمؤلف 3 / 148.
(3) رواية " تاريخ بغداد ": " طرا " بدل " يوما "، وأما رواية ابن العماد في " الشذرات "
فهي: " طوعا ". انظر الأبيات في " تاريخ بغداد " 14 / 185، وفي " تهذيب الكمال " ورقة:
1520، وفي " وفيات الأعيان " 6 / 141. وفي " طبقات الحنابلة " 1 / 405، 406، وفي
" شذرات الذهب " 2 / 79.
(4) هو أبو إسحاق النيسابوري، كان أحد الابدال، ورحل إلى العراق والشام ومصر
ومكة، ثم استوطن بغداد وحدت بها. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 6 / 204.
(5) الزيادة من تهذيب الكمال لوحة: 1520.
94

قال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي: سمعت أبا بكر محمد بن
مهرويه، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت يحيى بن معين، يقول:
إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من أكثر من مئتي سنة. قال
ابن مهرويه: فدخلت على ابن أبي حاتم، وهو يقرأ على الناس كتاب " الجرح
والتعديل "، فحدثته بهذه الحكاية، فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من
يده، وجعل يبكي، ويستعيدني الحكاية، أو كما قال.
قال الحسين بن فهم: سمعت يحيى بن معين، يقول: ولدت في خلافة
أبي جعفر سنة ثمان وخمسين ومئة في آخرها.
قلت: وقد ارتحل وهو ابن ست وخمسين سنة إلى مصر والشام. ولقي أبا
مسهر، وسعيد بن أبي مريم، وكاتب الليث، وسمعوا إذ ذاك بهذه البلاد.
قال عباس الدوري: مات فحمل على أعواد النبي، صلى الله عليه وسلم، ونودي بين
يديه: هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال جعفر بن محمد بن كزال: كنت مع ابن معين بالمدينة، فمرض
وتوفي بها، فحمل على سرير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورجل ينادي بين يديه: هذا
الذي كان ينفي الكذب عن حديث رسول الله.
قال الخطيب: حدث عن ابن معين محمد بن سعد، وأحمد بن محمد بن
عبيد الله التمار، وبين وفاتيهما خمس وتسعون سنة أو أكثر.
قلت: هذا التمار هو آخر من زعم أنه لقي يحيى، وعاش إلى سنة خمس
وعشرين وثلاث مئة.
ومات مع ابن معين في العام أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ببغداد، وعلي
95

ابن قرين (1) - وما هو بثقة - وإبراهيم بن الحجاج السامي، وإبراهيم بن إسحاق
الصيني الضرير، ويحيى بن أيوب العابد، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي،
وحامد بن عمر البكراوي قاضي كرمان، ويزيد بن موهب الرملي (2)، وروح بن
صلاح المصري، وجمعة بن عبد الله البلخي أخو خاقان، وحبان بن موسى
المروزي.
29 - العتبي *
العلامة الاخباري الشاعر المجود، أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن
عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي ثم العتبي
البصري.
روى عن: ابن عيينة، وأبي مخنف، ووالده.
وعنه: أبو حاتم السجستاني، وإسحاق بن محمد النخعي.
وكان يشرب. وله تصانيف أدبيات وشهرة.
مات سنة ثمان وعشرين ومئتين.
أما العتبي المالكي، فآخر في الطبقة الآتية.

(1) قال يحيى: لا يكتب عنه، كذاب خبيث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال
موسى بن هارون وغيره: كان يكذب. وقال العقيلي: كان يضع الحديث. وهو مترجم في
" الميزان " للمؤلف 3 / 151، و " تاريخ بغداد " 12 / 51.
(2) بفتح الراء المشددة وسكون الميم، نسبة إلى الرملة، وهي من بلاد فلسطين. وجاء
في " اللباب " 2 / 37: فممن ينسب إليها أبو خالد يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب
الرملي الهمداني.
* المعارف: 234، طبقات الشعراء: 314، 316، معجم الشعراء: 420، تاريخ
بغداد 2 / 324، 326، الأنساب 8 / 380، اللباب 2 / 320، وفيات الأعيان 4 / 398،
400، العبر 1 / 403، 404، الوافي بالوفيات 4 / 3، النجوم الزاهرة 2 / 253، شذرات
الذهب 2 / 65.
96

30 - هدبة بن خالد * (خ، م، د، س)
ابن أسود بن هدبة، الحافظ الصادق، مسند وقته، أبو خالد القيسي
الثوباني البصري، ويقال له: هداب. وهو أخو الحافظ أمية بن خالد.
ولد بعد الأربعين ومئة بقليل، وصلى على شعبة.
وحدث عن: جرير بن حازم، وحماد بن سلمة، وأبان بن يزيد، وسليمان
ابن المغيرة، وهمام بن يحيى، ومبارك بن فضالة، وأبي جناب القصاب عون بن
ذكوان، وأبي هلال محمد بن سليم، وأغلب بن تميم، وديلم بن غزوان،
وسلام بن مسكين، وشباك بن عائذ، وحماد بن الجعد، ورجاء أبي يحيى
الحرشي، وصدقة بن موسى، وهارون بن موسى النحوي، وخلق. ولم
يرحل، وكان من العلماء العاملين.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
وحرب الكرماني، ومحمد بن أيوب البجلي، وابن أبي عاصم، وبقي بن
مخلد، وزكريا الخياط، وعبد الله بن أحمد، وعمران بن موسى بن مجاشع،
وتميم بن محمد الطوسي، والحسن بن سفيان، وجعفر الفريابي، وأبو معشر
الحسن بن سليمان الدارمي، والحسن بن الطيب البلخي، والحسن بن علي
المعمري، وأبو يعلى الموصلي، وعبدان الأهوازي، وعلي بن أحمد بن بسطام
الزعفراني، ومطين، وموسى بن زكريا التستري، ويحيى بن محمد الحنائي،
ومحمد بن بشر بن مطر، وعمران بن عبد الرحيم، ومحمد بن يعقوب

* طبقات خليفة: 229، التاريخ الكبير 8 / 247، 248، الجرح والتعديل
9 / 114، تهذيب الكمال، ورقة: 1434، تذكرة الحفاظ 2 / 465، 466، العبر 1 / 423،
424، ميزان الاعتدال 4 / 294، تذهيب التهذيب 4 / 112، البداية والنهاية 10 / 315،
تهذيب التهذيب 11 / 24، 25، طبقات الحفاظ: 202، خلاصة تذهيب الكمال: 413،
شذرات الذهب 2 / 86.
97

الكرابيسي، ويوسف القاضي، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو القاسم
البغوي، وأبو بكر أحمد بن عمرو البزار، والحسن بن علي المعمري (1)، وخلق
كثير. ومنهم: أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الابلي العطار، وأسد بن عمار
التميمي، والحسين بن معاذ بن حرب الأخفش، وأبو الحسن سعيد بن الأشعث
أخو أبي داود السجستاني، وسليمان بن الحسن ابن أخي حجاج بن منهال،
وسيار بن نصر، والفضل بن محمد الطبري، وقاسم بن العباس المعشري،
ومحمد بن علي بن روح، ومحمد بن الفضل بن موسى القسطاني (2)، ومحمد
ابن معدان القطفي، ومحمد بن ناصح السراج، ومحمد بن يحيى العمي،
ومحمد بن يعقوب الكرابيسي، ومسبح بن حاتم، والهيثم بن بشر. ذكرت
هؤلاء للفائدة، وليسوا بمشهورين من بعد المعمري.
روى علي بن الجنيد، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
واحتج به الشيخان. وما أدرى مستند قول النسائي: هو ضعيف.
وتبارد ابن عدي في ذكره في " الكامل "، ثم اعتذر، وقال: استغنيت أن
أخرج له حديثا، لاني لا أعرف له حديثا منكرا فيما يرويه وهو كثير الحديث. وقد
وثقه الناس وهو صدوق لا بأس به. وذكره ابن حبان في " الثقات "
قال عبدان: سمعت عباس بن عبد العظيم، يقول: هي كتب أمية بن
خالد، يعني: الذي يحدث بها هدبة.

(1) ذكر هذا الاسم قبل أسطر.
(2) بضم القاف وسكون السين وفتح الطاء المهملة، وبعد الألف نون، نسبة إلى
قسطانة، وهي قرية من الري.
98

قلت: رافق أخاه في الطلب، وتشاركا في ضبط الكتب، فساغ له أن
يروي من كتب أخيه، فكيف بالماضين، لو رأونا اليوم نسمع من أي صحيفة
مصحفة على أجهل شيخ له إجازة، ونروي من نسخة أخرى بينهما من الاختلاف
والغلط ألوان، ففاضلنا يصحح ما تيسر من حفظه، وطالبنا يتشاغل بكتابة أسماء
الأطفال، وعالمنا ينسخ، وشيخنا ينام، وطائفة من الشبيبة في واد آخر من
المشاكلة والمحادثة. لقد اشتفى بنا كل مبتدع، ومجنا كل مؤمن. أفهؤلاء
الغثاء هم الذين يحفظون على الأمة دينها؟ كلا والله. فرحم الله هدبة، وأين
مثل هدبة؟ نعم ما هو في الحفظ كشعبة.
وعن الفضل بن الحباب، قال: مررنا بهدبة في أيام أبي الوليد الطيالسي
وهو قاعد على الطريق. فقلنا: لو سألناه أن يحدثنا، فسألناه، فقال: الكتب
كتب أمية - يريد أخاه.
قال الحسن بن سفيان: سمعت هدبة بن خالد، يقول: صليت على
شعبة. فقيل له: رأيته؟ فغضب، وقال: رأيت من هو خير منه حماد بن سلمة،
وكان سنيا، وكان شعبة رأيه رأي الارجاء.
قلت: كلا لم يكن شعبة مرجئا ولعله شئ يسير لا يضره.
وقال ابن عدي: سمعت أبا يعلى، وسئل عن هدبة وشيبان أيهما أفضل؟
فقال: هدبة أفضلهما وأوثقهما وأكثرهما حديثا، كان حديث حماد بن سلمة عنده
نسختين: واحدة على الشيوخ، وأخرى على التصنيف.
قال عبدان الأهوازي: كنا لا نصلي خلف هدبة من طول صلاته، يسبح
في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة. قال: وكان من أشبه خلق الله بهشام بن
عمار، لحيته ووجهه، وكل شئ منه حتى صلاته.
99

قلت: اختلفوا في تاريخ موته فروى أبو داود عن محمد بن عبد الملك أنه
مات في سنة خمس وثلاثين ومئتين. وقال ابن حبان: مات سنة ست أو سبع
وثلاثين. وقال غيره: سنة ثمان.
وقع من عالي روايته:
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن
الحسين، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا
عبد الله بن محمد، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا سهيل بن أبي حزم، عن
ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الآية (هو أهل التقوى وأهل
المغفرة) (المدثر: 56) " يقول ربكم عز وجل: " أنا أهل أن أتقى، فلا
يشرك بي غيري، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي غيري أن أغفر له " (1).
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح، أخبرنا الطرائفي، وابن الداية،
والقاضي الأرموي، قالوا: أخبرنا ابن المسلمة، أخبرنا عبيد الله الزهري،
أخبرنا جعفر الفريابي، أخبرنا هدبة، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس،
عن أبي موسى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل
الأترجة " (2). وذكر الحديث.

(1) إسناده ضعيف، لضعف سهيل بن أبي حزم القطعي. وأخرجه أحمد 3 / 142 و
243، والترمذي (3328)، وابن ماجة (4299)، والدارمي 2 / 302، 303، وأبو يعلى،
والبزار، وغيرهم من طرق عن سهيل بن أبي حزم به.
(1) هو في " صفة ذم النفاق " ص 54، وأخرجه البخاري 9 / 58، 59 في فضائل
القرآن، ومسلم رقم (797) في صلاة المسافرين: باب فضيلة حافظ القرآن، وأبو داود
(4830)، والترمذي (2869)، والنسائي 8 / 124، 125، ولفظه بتمامه: " مثل المؤمن
الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن
مثل التمرة، لا ريح لها، وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها
طيب، وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعمها
مر ".
100

31 - شيبان بن فروخ * (م، د)
وهو شيبان بن أبي شيبة المحدث الحافظ الصدوق، أبو محمد الحبطي
مولاهم الابلي البصري، مسند عصره.
ولد سنة أربعين ومئة.
وسمع حماد بن سلمة، وجرير بن حازم، ومبارك بن فضالة، وأبان بن
يزيد العطار، ومحمد بن راشد المكحولي، وأبا الأشهب العطاردي، وسلام بن
مسكين وطبقتهم. وكان من أوعية العلم.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وجعفر الفريابي، ومحمد بن عبد الله
مطين، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي، وعبدان الأهوازي، ومحمد
ابن محمد الباغندي، وأبو القاسم البغوي، ومحمد بن شادل، وابن أبي
عاصم، ومحمد بن جابر المروزي، وأحمد بن النصر النيسابوري، وزكريا بن
يحيى خياط السنة، ومحمد بن نصر المروزي الفقيه، ويوسف بن يعقوب
القاضي، والحسن بن علي بن شبيب المعمري، وخلق كثير.
وما علمت به بأسا، ولا استنكروا شيئا من أمره، ولكنه ليس في الذروة.
قال عبدان: كان عنده خمسون ألف حديث، وكان أثبت عندهم من هدبة
ابن خالد.
وذكره أبو زرعة، فقال: صدوق.

* التاريخ الكبير 4 / 254، الجرح والتعديل 4 / 357، تذكرة الحفاظ 2 / 443، 444،
العبر 1 / 421، ميزان الاعتدال 2 / 285، تذهيب التهذيب 2 / 84، البداية والنهاية 10 / 315،
غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 329، تهذيب التهذيب 4 / 374، 375، طبقات الحفاظ:
194، خلاصة تذهيب الكمال: 168، شذرات الذهب 2 / 85.
101

وأما أبو حاتم، فقال: كان يرى القدر، واضطر الناس إليه بأخرة،
يعني: أنه تفرد بالأسانيد العالية.
قال موسى بن هارون: سألته عن مولده، فقال: سنة أربعين ومئة. ثم
شك شيئا في أن مولده قبلها بسنة أو سنتين.
ومات سنة ست وثلاثين ومئتين على الصحيح. وقيل: مات سنة خمس
وهو في عشر المئة.
قرأت على عبد الحافظ بن بدران بنابلس، وسمعت على يوسف بن أحمد
الحجار بدمشق، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر، حدثنا سعيد بن أحمد،
أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا عبد الله بن
محمد البغوي: حدثنا شيبان، حدثنا جرير بن حازم، حدثنا عبد الملك بن
عمير، عن سالم بن منقذ، عن عمرو بن أوس الثقفي، قال: دخلت على عنبسة
ابن أبي سفيان، وهو ينزع، فقال: ما أحب أنك وراءك إني محدثك حديثا
حدثتنيه أم حبيبة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " من صلى ثنتي عشرة ركعة مع
صلاة النهار، بنى الله له بيتا في الجنة " (1).
وفي سنة ست توفي أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الترجماني في
المحرم، والحارث بن سريج النقال، وهدبة بن خالد القيسي في أولها، ومحمد
ابن مقاتل العباداني، وأحمد بن إبراهيم الموصلي ببغداد، ومحمد بن إسحاق بن

(1)
وأخرجه مسلم (728) في صلاة المسافرين: باب فضل السنن الراتبة، والترمذي
(415) في الصلاة: باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل، والنسائي 3 / 262، وأبو داود
(1250) في الصلاة: باب تفريع أبواب التطوع، وابن ماجة (1141)، وابن حبان
(614). وقد بين الركعات الترمذي وغيره، فقال: أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها،
وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر.
102

محمد المسيبي، وأبو معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي، وأبو علي الفضل بن
غانم (1)، والنعمان بن شبل (2) الباهلي بالبصرة، وعبد الله بن عمر الخطابي
بالبصرة، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف ببغداد، ومحمد بن الفرج أبو جعفر،
وسعيد بن عبد الجبار الكرابيسي (3)، ومعلى بن مهدي بالموصل، وصالح بن
حاتم بن وردان البصري، وإبراهيم بن المنذر في أول العام، ومصعب بن عبد الله
الزبيري، وأبو جعفر محمد بن بشير الدعاء.
32 - ابن أبي الشوارب * (م، س، ت، ق)
الامام الثقة المحدث الفقيه الشريف، أبو عبد الله محمد بن عبد الملك
ابن أبي الشوارب محمد بن عبد الله بن أبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن
أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي البصري.
ولد بعد الخمسين ومئة.
وحدث عن: كثير بن سليم، وكثير عبد الله الابلي صاحبي أنس بن مالك،
وعن عبد العزيز بن المختار، وأبي عوانة، وحماد بن زيد، وعبد الواحد بن
زياد، ويوسف بن الماجشون، وخلق سواهم.
حدث عنه: مسلم، والنسائي، والترمذي، والقزويني في كتبهم، وأبو

(1) هو أبو علي الخزاعي، مروزي سكن بغداد، وحدث بها عن مالك وغيره. قال يحيى:
ليس بشئ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال الخطيب: ضعيف. انظر ترجمته في
" ميزان " المؤلف 3 / 357، و " تاريخ بغداد " 12 / 357، 360.
(2) وهو بصري حدث عن أبي عوانة ومالك. قال موسى بن هارون: كان متهما. وقال ابن
حبان: يأتي بالطامات، وهو مترجم في " الميزان " للمؤلف 4 / 265، 266.
(3) بفتح الكاف والراء، وهي نسبة إلى بيع الكرابيس، وهي الثياب.
* الجرح والتعديل 8 / 5، تاريخ بغداد 2 / 344، 345، العبر 1 / 443، تذهيب
التهذيب 3 / 227 / 2، تهذيب التهذيب 9 / 316، 317، خلاصة تذهيب الكمال: 349،
شذرات الذهب 2 / 105، 106.
103

بكر بن أبي الدنيا، وأبو حاتم، ومحمد بن محمد الباغندي، وأبو القاسم
البغوي، وإبراهيم بن محمد بن متويه، ومحمد بن جرير الطبري، وآخرون.
وكان من جلة العلماء. قال النسائي: لا بأس به.
قال الصولي: نهى المتوكل عن الكلام في القرآن، وأشخص الفقهاء
والمحدثين إلى سامراء، منهم ابن أبي الشوارب، وأمرهم أن يحدثوا، وأجزل
لهم الصلات.
قلت: لما ولي ولده الحسن بن أبي الشوارب القضاء، تخوف عليه،
وقال: يا حسن: أعيذ وجهك الحسن من النار.
وولي القضاء عدة من ذريته، منهم ولده الحسن قاضي قضاة المعتمد على
الله، وكان جوادا ممدحا نبيلا. مات كهلا سنة إحدى وستين ومئتين.
فأما صاحب الترجمة، فقال ابن عساكر: قال النسائي: ثقة. وقال في
موضع آخر: لا بأس به. وروى أيضا عن رجل عنه.
مات في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين ومئتين.
قلت: قدمته سهوا، فينبغي أن يحول إلى عند أبي مصعب.
33 - محمد بن عائذ * (د، س)
الامام المؤرخ الصادق، صاحب المغازي، أبو عبد الله القرشي

* الجرح والتعديل 8 / 52، تاريخ بغداد 3 / 140، تاريخ دمشق 15 / 244 / 2، تهذيب
الكمال، ورقة: 1214، العبر 1 / 414، ميزان الاعتدال 3 / 589، تذهيب التهذيب 3 / 215،
الوافي بالوفيات 3 / 181، 182، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 9 / 241،
242، النجو الزاهرة 2 / 265، طبقات الحفاظ: 206، خلاصة تذهيب الكمال: 343،
الرسالة المستطرفة: 82.
104

الدمشقي الكاتب متولي ديوان الخراج بالشام زمن المأمون.
اسم جده عبد الرحمن، وقيل: أحمد، وقيل: سعيد، من الموالي.
ولد سنة خمسين ومئة. قاله أبو داود.
سمع من: إسماعيل بن عياش، والهيثم بن حميد، ويحيى بن حمزة،
والعطاف بن خالد، والوليد بن مسلم، والوليد بن محمد الموقري (1)، وسويد
ابن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن مغراء، ومحمد بن عمر الواقدي، وخلق
سواهم.
روى عنه: أحمد بن أبي الحواري، ومحمود بن خالد، ويعقوب
الفسوي، وأبو زرعة النصري، ومحمود بن سميع، ويزيد بن عبد الصمد،
وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وأبو الأحوص العكبري، وأبو عبد الملك
أحمد بن إبراهيم البسري، وجعفر الفريابي، وآخرون.
قال إبراهيم بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن محمد بن عائذ، فقال:
الكاتب ثقة.
وقال أبو زرعة: سألت دحيما عنه، فقال: صدوق.
وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت يحيى بن معين عنه: تراه موضعا للاخذ؟
قال: نعم. قلت: وهو يعمل على الخراج؟ قال: نعم. وذكر (ه) أبو زرعة
الدمشقي في أهل الفتوى بدمشق.
وقال صالح بن محمد جزرة: ثقة، إلا أنه قدري.

(1) بضم الميم وفتح الواو والقاف المشددة، وفي آخره راء، نسبة إلى موقر، حصن
بالبلقاء.
105

قال أبو داود: محمد بن عائذ كما شاء الله. قال لي يوما: أيش تكتب
عني!؟ أنا أتعلم منك.
وقال النسائي في " الكنى ": أبو أحمد محمد بن عائذ ليس به بأس، وكناه
في موضع آخر أبا عبد الله، وهو المحفوظ.
قال محمد بن الفيض الغساني: مات محمد بن عائذ القرشي في ذي
الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وحضرت جنازته.
وقال الحسن بن محمد بن بكار: مات سنة ثلاث. وقال أبو زرعة: مات
سنة أربع وثلاثين، ومولده سنة خمسين ومئة.
قلت: جمع كتاب " المغازي "، سمعت معظمه، وكتاب " الفتوح
والصوائف (1) ". وكان على خراج غوطة دمشق.
وقع لي حديثا عاليا جدا:
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، أخبرنا الفتح بن عبد
السلام، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد
الطرائفي، ومحمد بن علي ابن الداية، قالوا: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد
المعدل، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، حدثنا جعفر بن محمد،
حدثنا محمد بن عائذ الدمشقي، حدثنا الهيثم بن حميد، حدثنا الوضين بن
عطاء، عن يزيد بن مزيد، قال: ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء فقال نوف
البكالي: لغير الدجال أخوف مني من الدجال. فقال أبو الدرداء: ما هو؟ قال:
أخاف أن أسلب إيماني ولا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا ابن

(1) الصوائف: هي الغزوات التي كان يقوم بها المسلمون صيفا. وأما تلك التي كانوا
يغزونها شتاء فقد أطلقوا عليها اسم " الشواتي ".
106

الكندية، وهل في الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف؟ ثم قال: وثلاثين، ثم
قال: عشرين، ثم قال: عشرة، ثم قال: خمسة، ثم قال: ثلاثة. والذي نفسي
بيده ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه، أو انتزع منه فيفقده، والذي نفسي بيده ما
الايمان إلا كالقميص يتقمصه مرة، ويضعه أخرى.
34 - كامل بن طلحة *
الامام الحافظ الصدوق، شيخ البصرة في وقته، أبو يحيى الجحدري
البصري، نزيل بغداد، وعم المحدث أبي كامل فضيل بن الحسين
الجحدري.
ولد سنة خمس وأربعين ومئة، وارتحل في الحديث.
وحدث عن: حماد بن سلمة، ومبارك بن فضالة، وأبي هلال محمد بن
سليم، وفضال بن جبير صاحب أبي أمامة، ومهدي بن ميمون، والليث بن
سعد، ومالك بن أنس، وعبد الله بن عمر العمري، وابن لهيعة، وأبي عوانة،
وبهلول بن راشد الإفريقي، وأبي الأشهب جعفر العطاردي، وعباد بن عبد
الصمد أحد التلفى، وأبي مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني، وأبي سهل
محمد بن عمرو الأنصاري، وأبي هشام القناد.
حدث عنه: أبو خيثمة، وإبراهيم الحربي، وأبو داود في كتاب
" المسائل "، وابن أبي الدنيا، وأبو حاتم، وأبو بكر بن أبي عاصم، ومطين،
وحنبل، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن حبان الباهلي، وأحمد بن علي القاضي

* طبقات ابن سعد 7 / 362، الجرح والتعديل 7 / 172، تاريخ بغداد 12 / 485،
487، الأنساب 3 / 207، تهذيب الكمال، ورقة: 1140، ميزان الاعتدال 3 / 400، العبر
1 / 409، تذهيب التهذيب 3 / 166، تهذيب التهذيب 8 / 408، 409، خلاصة تذهيب
الكمال: 319، شذرات الذهب 2 / 70.
107

المروزي، وأحمد بن علي أبو يعلى الموصلي، وأحمد بن علي الأبار، وموسى
ابن زكريا التستري، وموسى بن هارون، والبغوي، وخلق كثير.
قال أبو الحسن الميموني: سألت أبا عبد الله عن كامل بن طلحة، فقال:
هو عندي ثقة، أعرفه في سنة مئتين بالبصرة، كان له في مسجد الجامع حلقة
عظيمة يحدث عن الليث، وابن لهيعة، ومالك.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي - وسئل عن كامل بن
طلحة، وأحمد بن محمد بن أيوب - فقال: ما أعلم أحدا يدفعهما بحجة.
وقال أحمد بن أصرم: سمعت أحمد بن حنبل، يقول في كامل بن
طلحة: مقارب الحديث.
وقال أبو داود: سمعت أحمد - وقيل له كامل بن طلحة - قال: قد رأيته
بالبصرة وله حلقة، وكان يذهب إلى عبادان يحدثهم (حديثه) حديث مقارب.
وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن كامل، فقال: رميت بكتبه،
وسمعت أحمد يثني عليه، وكتب عنه أزهر السمان حديثين.
قال إبراهيم الحربي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: قلت لعبد الله:
اذهب اكتب في المسجد عن هؤلاء الشيوخ حتى تخف يدك، فكتب عن كامل بن
طلحة، فأول حديث حدث به، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن
النبي، صلى الله عليه وسلم، كان إذا خرج إلى المصلى يمضي في طريق، ويرجع في
أخرى (1)، فقال أحمد: لم أسمع بهذا قط. قال: فقلت: حديث مثل هذا

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 1 / 296، وعبد الله بن عمر راويه عن نافع، هو
العمري، ضعيف، وفي الباب عن جابر، قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا كان يوم عيد، خالف
الطريق. أخرجه البخاري في " صحيحه " 2 / 392 في العيدين: باب من خالف الطريق إذا
رجع يوم العيد. وعن أبي هريرة عند الترمذي رقم (541)، وصححه 1 / 296، ووافقه
الذهبي.
رجع يوم العيد. وعن أبي هريرة عند الترمذي رقم (541)، وصححه 1 / 296، ووافقه
الذهبي.
108

مسند فيه حكيم لم أسمعه. فأتيت هارون بن معروف، فقلت: عندك عن ابن
وهب، عن عبد الله بن عمر هذا الحديث؟ قال: نعم. فكتبته عنه. فقيل
لإبراهيم الحربي: لم لم يكتبه عن كامل؟ قال: لم يكن كامل عنده بمنزلة ابن
وهب.
قلت: لا ريب أن الإمام أحمد لما وجد الحديث عند ابن وهب، نبل كامل
عنده.
وأما عباس، فروى عن يحيى بن معين: ليس بشئ.
وقال ابن أبي حاتم: روى عنه أبي، وسألته عنه، فقال: لا بأس به، ما
كان له عيب إلا أن يحدث في المسجد الجامع.
وقال الدارقطني: ثقة. وكذا ذكره ابن حبان في " الثقات ".
قلت: هو صدوق إن شاء الله. وما أدري وجه قول أبي داود: رميت
بكتبه. ولا ريب أن له عن ابن لهيعة ما ينكر ولا يتابع عليه، فلعله حفظه.
قال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت أبا زرعة ذكر كامل بن طلحة،
فقال: كان يحيى بن أكثم ضربه، وأقامه للناس في شهادة فاتضعت أسبابه،
وكان لا يدفع عن سماع.
قلت: وقع لي من عالي روايته:
أخبرنا علي بن أحمد الهاشمي بالثغر، أخبرنا محمد بن القطيعي
109

أخبرنا محمد بن عبيد الله المجلد (1)، أخبرنا أبو نصر الزينبي (2)، أخبرنا أبو
طاهر الذهبي، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا
حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي
الجدعاء (3)، قال: قلت: يا رسول الله: متى كنت نبيا؟ قال: " إذ آدم بين
الروح والجسد ".
أخبرنا أحمد بن إسحاق المقرئ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا
هبة الله بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي
إملاء، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، وعلي بن
الجعد، وأبو نصر التمار، وكامل بن طلحة، وعبيد الله العبسي، قالوا: أخبرنا

(1) هو أبو بكر بن الزاغوني، محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي المجلد، توفي سنة
552 ه‍. انظر ترجمته في " العبر " 4 / 150، و " شذرات الذهب " 4 / 164.
(2) هو محمد بن محمد بن العلي بن الحسن بن محمد... الزينبي، نسبة إلى زينب بنت
سليمان بن علي، يروي عن أبي طاهر المخلص وغيره. توفي سنة نيف وسبعين وأربع مئة. انظر
" العبر " 3 / 295 و " الشذرات " 3 / 364.
(3) هو عبد الله، مترجم في " أسد الغابة " 3 / 196، و " الإصابة " 6 / 36. والحديث
رواته ثقات، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 7 / 59 من طريق عفان بن مسلم، وعمرو بن
عاصم الكلابي، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن
أبي الجدعاء، وأخرجه الترمذي (3609) في المناقب من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي،
عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله، متى
وجبت لك النبوة؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح
غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفي " الباب " عن ميسرة الفجر عند
أحمد 5 / 59، وسنده قوي، كما قال الحافظ في " الفتح "، وذكره الهيثمي في " المجمع "
8 / 223، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح، وعن عبد الله بن شقيق، عن
رجل قال: قلت: يا رسول الله، متى جعلت نبيا؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ". وإسناده
صحيح. قال الحافظ في " الإصابة " 9 / 304: وقد قيل: إنه (أي الصحابي المبهم) عبد الله
ابن أبي الجدعاء، وميسرة لقب. وعن ابن عباس، ذكره الهيثمي في " المجمع "، وقال: رواه
الطبراني في " الأوسط "، والبزار، وفيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف.
110

حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أما
تكون الذكاة إلا من اللبة؟ قال: " لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك (1) ".
هذا حديث صالح الاسناد غريبه. أخرجوه في السنن الأربعة من طريق
حماد.
توفي كامل في سنة إحدى وثلاثين ومئتين. ضبطه موسى بن هارون،
قال: وكان يخضب.
35 - ابن أخيه أبو كامل الفضيل * (خت، م، د، س)
ابن الحسين بن طلحة الجحدري البصري الحافظ.
سمع حماد بن سلمة، وسليم بن أخضر، وحماد بن زيد، وعبد الواحد
ابن زياد، وخالد بن عبد الله، وعدة.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، والبخاري تعليقا، والنسائي بواسطة، وأبو
بكر بن أبي عاصم، وعبدان الأهوازي، وأبو القاسم البغوي، وآخرون.
مات سنة سبع وثلاثين ومئتين.
وفيها موت عبد الاعلى بن حماد النرسي، ومحمد بن بكار الصيرفي

(1) أخرجه أبو داود (2825) في الأضاحي: باب ما جاء في ذبيحة المتردية، والترمذي
(1480)، وابن ماجة (3184) في الذبائح: باب ذكاة الناد من البهائم. وأبو العشراء
مجهول. وفي التهذيب: قال الميموني: سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة،
قال: هو عندي غلط، ولا يعجبني، ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة. قال: ما أعرف أنه
يروى عن أبي العشراء حديث غير هذا. وقال البخاري: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر.
* الجرح والتعديل 7 / 71، 72، تهذيب الكمال، ورقة: 1103، العبر 1 / 425،
تذهيب التهذيب 3 / 141، تهذيب التهذيب 8 / 290، 291، خلاصة تذهيب الكمال: 310،
شذرات الذهب 2 / 88.
111

بالبصرة، ومحمد بن أبان بن عمران الواسطي في قول، وإبراهيم بن محمد بن
العباس الشافعي، ومحفوظ بن أبي توبة البغدادي، ورجاء بن سندي
بإسفرايين، وصفوان بن صالح الدمشقي المؤذن، وسعيد بن حفص النفيلي،
ويحيى بن سليمان الجعفي بمصر، ويحيى بن سليمان الحفري الإفريقي.
36 - البرجلاني (1) *
الإمام أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي شيخ البرجلاني صاحب
التواليف في الرقائق.
روى عن: حسين الجعفي، ومالك بن ضيغم، وزيد بن الحباب، وأزهر
السمان، وسعيد الضبعي، وعدة.
وعنه: ابن أبي الدنيا كثيرا، وإبراهيم بن الجنيد، وأبو العباس بن مسروق،
وأبو يعلى، ومحمد بن يحيى الواسطي.
قال أبو حاتم: قيل: إن رجلا سأل أحمد بن حنبل عن شئ من أخبار
الزهد، فقال: عليك بمحمد بن الحسين.
37 - محمد بن بكار * * (م، د)
ابن الريان، المحدث الحافظ الصدوق، أبو عبد الله البغدادي الرصافي،
مولى بني هاشم.

(1) ضبط في الأصل بفتح الباء، أما السمعاني فقد ضبطه في " الأنساب " بضمها
* الجرح والتعديل 7 / 229، تاريخ بغداد 2 / 222، 223، طبقات الحنابلة 1 / 290،
291، الأنساب 2 / 139، اللباب 1 / 134، ميزان الاعتدال 3 / 522، العبر 1 / 428، لسان
الميزان 5 / 137، شذرات الذهب 2 / 90.
* * التاريخ الكبير 1 / 44، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 7 / 212، تاريخ
بغداد 2 / 100، 101، تهذيب الكمال، ورقة: 1177، العبر 1 / 428، تذهيب التهذيب
3 / 192، الوافي بالوفيات 2 / 255، البداية والنهاية 10 / 317، غاية النهاية في طبقات القراء
2 / 104، 105، تهذيب التهذيب 9 / 75، 76، خلاصة تذهيب الكمال: 329، شذرات
الذهب 2 / 90.
112

حدث عن: عبد الحميد بن بهرام، وأبي معشر نجيح، وفليح بن سليمان،
وقيس بن الربيع، ومحمد بن طلحة بن مصرف، والوليد بن أبي ثور، وسوار بن
مصعب، وإسماعيل بن زكريا، وإسماعيل بن جعفر، وعباد بن عباد،
وهشيم، وخلق.
وعنه: مسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن أبي الدنيا، وعبد
الله بن أحمد بن حنبل، والمعمري، وحامد بن شعيب، وأحمد بن أبي خيثمة،
وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وأبو يعلى الموصلي، وعمران بن
موسى السختياني، ومحمد بن الحسين بن مكرم، ومحمد بن إسحاق السراج،
وموسى بن هارون، وموسى بن إسحاق، والهيثم بن خلف الدوري، وأبو
القاسم البغوي، وخلق سواهم.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي لا يرى بالكتابة عنه بأسا.
وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى بن معين: شيخ لا بأس به.
وروى عبد الخالق بن منصور، عن يحيى: ثقة. وكذا قال الدارقطني.
وقال صالح جزرة: بغدادي صدوق، يروي عن الضعفاء.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعته يقول في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين: أنا اليوم
ابن سبع وثمانين سنة.
وقال البخاري وجماعة: مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين. زاد البغوي
في ربيع الآخر.
113

قلت: عاش ثلاثا وتسعين سنة.
فأما:
38 - محمد بن بكار بن بلال *
العاملي، فمفتي دمشق، وقاضيها، الامام المحدث، أبو عبد الله الدمشقي، والد المحدثين: هارون، والحسن، فهو سمي الذي قبله، ومن
جيله.
ولد سنة اثنتين وأربعين ومئة، قاله ولده حسن.
وحدث عن: موسى بن علي (بن) رباح، ومحمد بن راشد المكحولي،
وسعيد بن عبد العزيز، وسعيد بن بشير، والليث بن سعد، ويحيى بن حمزة
القاضي وطائفة.
وعنه: ابناه، وحفيده الحسن بن أحمد، وأحمد بن أبي الحواري، وأبو
زرعة الدمشقي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو حاتم الرازي، ومحمد بن عبد
الرحمن بن الأشعث الدمشقي، وعلي بن إشكاب (1)، وخلق.
ذكره أبو زرعة في أهل الفتوى بدمشق.

* التاريخ الكبير 1 / 44، التاريخ الصغير، 2 / 369، الجرح والتعديل 7 / 211،
212، الأنساب 8 / 329، تهذيب الكمال، ورقة: 1177، تذهيب التهذيب 3 / 191 / 2، و
192 / 1، الوافي بالوفيات 2 / 255، تهذيب التهذيب 9 / 74، 75، خلاصة تذهيب الكمال:
329.
(1) هو علي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زعلان، أبو الحسن، المعروف بابن
إشكاب، بكسر الهمزة وسكون المعجمة، وآخره موحدة. وهو لقب أبيه، كما صرح بذلك
الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب " 2 / 34. وهو أخو محمد بن إشكاب، صدقه أبو حاتم
الرازي، توفي سنة 261 ه‍. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 11 / 392، 394، و " تقريب
التهذيب " 2 / 34، و " تهذيب التهذيب " 7 / 303.
114

وقال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي بمكة سنة خمس عشرة، وسئل عنه،
فقال: صدوق.
وقال أبو زرعة الدمشقي: شهدت جنازته في منصرفه من الحج في استقبال
سنة ست عشرة ومئتين. وفيها أرخه ابنه الحسن. وقال: وهو ابن أربع وسبعين
سنة.
و:
39 - محمد بن بكار بن الزبير * (م، د)
العيشي الامام المحدث من مشايخ البصرة.
روى عن: يزيد بن زريع، ومعتمر، وابن عيينة، وطبقتهم.
وعنه: مسلم، وأبو داود، والحسن بن سفيان، وبقي بن مخلد،
وعبدان، وأبو يعلى الموصلي.
توفي سنة سبع وثلاثين ومئتين.
40 - محمد بن أبان * * (خ، 4)
ابن وزير الحافظ الامام الثقة، أبو بكر البلخي المستملي، يعرف
بحمدويه، مستملي وكيع مدة طويلة نحو بضع عشرة سنة.
حدث عن: إسماعيل ابن علية، وابن وهب، وغندر، وسفيان بن

* التاريخ الكبير 1 / 44، اللباب 2 / 369، تهذيب الكمال، ورقة: 1177، تذهيب
التهذيب 3 / 192 / 1، تهذيب التهذيب 9 / 76، 77، خلاصة تذهيب الكمال: 329.
* * التاريخ الصغير، 2 / 383، الجرح والتعديل 7 / 200، تاريخ بغداد 2 / 78، 81،
طبقات الحنابلة 1 / 286، تهذيب الكمال، ورقة: 1155، تذكرة الحفاظ 2 / 498، 500،
ميزان الاعتدال 2 / 454، العبر 1 / 443، تذهيب التهذيب 3 / 177، الوافي بالوفيات
1 / 334، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 43، تهذيب التهذيب 9 / 3، 4، طبقات الحفاظ:
217، 218، خلاصة تذهيب الكمال: 324، شذرات الذهب 2 / 105.
115

عيينة، وعبدة بن سليمان، وابن إدريس، ويحيى القطان، ووكيع،
ويزيد، وعبد الرزاق، ومروان بن معاوية، وأبي خالد الأحمر، وخلق
كثير، وكتب العالي والنازل، وتغرب مدة في الطلب.
روى عنه الجماعة سوى مسلم، ومسلم في غير " الصحيح "، وأبو
حاتم، وإسماعيل القاضي، وإبراهيم الحربي، وأحمد بن سلمة،
وإبراهيم بن أبي طالب، والمعمري، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن
المجدر، والبغوي، وابن خزيمة، وأبو العباس السراج، وعبد الله بن محمد
ابن حبان بن مقير، وآخرون.
روى البغوي عن أحمد، قال: كان محمد بن أبان يستملي لنا عند
وكيع، وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: فأبو بكر مستملي وكيع؟ قال:
قد كان معنا يكتب الحديث، كتب لي كتابا بخطه، قلت: إنه حدث بحديث
أنكروه، ما أقل من يرويه عن عبد الرزاق، وهو عندك وعند خلف بن سالم،
قال: قد كان معنا تلك السنة.
وقال عبد الله بن أحمد: قدم علينا رجل من بلخ، يقال له: محمد بن
أبان، فسألت أبي عنه فعرفه، وذكر أنه كان معهم عند عبد الرزاق، فكتبنا
عنه.
وقال أحمد بن قتيبة: سمعت عمرو بن حماد بن فرافصة، قال:
قدمت الكوفة: فسألني أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن أبان، فقلت:
خلفته على أنه يقدم، فإنه كان أزمع على الخروج، قال: ليته قدم حتى
ينتفع به.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال النسائي: ثقة.
116

وقال ابن حبان: حسن المذاكرة، جمع وصنف، وكان مستملي
وكيع.
قال موسى بن هارون، وغيره: مات ببلخ في المحرم سنة أربع
وأربعين ومئتين. وفيها أرخه البغوي، وعلي بن محمد السمسار، وضبط
اليوم. وروى القباني عن البخاري، قال: مات سنة خمس وأربعين.
فأما:
41 - محمد بن أبان بن عمران *
ابن زياد أبو الحسن، وأبو عبد الله السلمي، ويقال: القرشي الواسطي
الطحان الحافظ أحد بقايا المسندين الثقات.
فروى عن: أبيه، وجرير بن حازم، وفليح بن سليمان، وأبان بن
يزيد، وحماد بن سلمة، وأبي شيبة العبسي، والحكم بن فصيل
الواسطي، والربيع بن مسلم، وعمارة بن زاذان، وقزعة بن سويد
الباهلي، وأبي هلال الراسبي، ومهدي بن ميمون، وأبي عوانة، وسلام بن
مسكين، وخلق سواهم.
حدث عنه: أبو زرعة الرازي، وبقي بن مخلد، وأحمد بن يحيى
البلاذري، وأسلم بن سهل بحشل، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وعبد
الله بن أحمد، ومطين، ومحمود بن محمد بن متويه الواسطي، وأبو عوانة،
والحسن بن سفيان، ومحمد بن محمد بن الباغندي، وأبو يعلى الموصلي،

* التاريخ الكبير 1 / 32، الجرح والتعديل 7 / 199، 200، تهذيب الكمال، ورقة
578، تذهيب التهذيب 3 / 177 / 1 و 2، ميزان الاعتدال 3 / 453، تهذيب التهذيب 9 / 2،
3، خلاصة تذهيب الكمال: 324.
117

ويوسف بن محمد بن أبي زياد الواسطي المخضوب أحد الحفاظ، وخلق
سواهم.
قال ابنه أحمد بن محمد: سمعت أبي يقول: ولدت سنة سبع
وأربعين ومئة. وقواه ابن حبان، وقال: ربما أخطأ، ومات سنة ثمان وثلاثين
ومئتين. وقال بحشل: مات سنة تسع. قال: وكان فقيها، وكان يخضب.
وفي الصلاة من البخاري حدثنا محمد بن أبان، حدثنا غندر في
مكانين (1).
قال ابن عدي: هو الواسطي، وقال الكلاباذي وغيره: هو البلخي،
وقد ذكر البخاري في " تاريخه " الواسطي، وما ذكر البلخي لصغره، فإنه لا
يستوعب صغار شيوخه.
42 - إسحاق النديم *
الامام العلامة الحافظ ذو الفنون، أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن

(1) الأول 2 / 50 في المواقيت: باب لا تتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، ونصه:
حدثنا محمد بن أبان، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت
عمران بن أبان يحدث عن معاوية، قال: إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما
رأيناه يصليها، ولقد نهى عنها، يعني الركعتين بعد العصر. وقد علق الحافظ على قوله: حدثنا
محمد بن أبان، فقال: هو البلخي، وقيل: الواسطي، ولكل من القولين مرجح، وكلاهما ثقة.
وأما الثاني، ففي البخاري 2 / 160 في الإمامة: باب إمامة المفتون والمبتدع، ونصه:
حدثنا محمد بن أبان، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن أبي التياح أنه سمع أنس بن مالك
قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لأبي ذر: " اسمع وأطع، ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة ". ورجح الحافظ
في تعليقه هنا كونه البلخي، فقال: هو البلخي مستملي وكيع، وقيل: الواسطي، وهو
محتمل، لكن لم نجد للواسطي رواية عن غندر.
* طبقات الشعراء: 360، 362، تاريخ الطبري 9 / 122، 123، الأغاني 5 / 268،
435، الفهرست 1 / 140، تاريخ بغداد 6 / 338، 345، سمط اللآلئ: 137 و 209 و
509، نزهة الألباء: 227، معجم الأدباء 6 / 5، 58، إنباه الرواة 1 / 215، وفيات الأعيان
1 / 202، 205، العبر 1 / 420، الوافي بالوفيات 8 / 388، 393 البداية والنهاية
10 / 314، 315، النجوم الزاهرة 2 / 260 و 280، 281، لسان الميزان 1 / 350، شذرات
الذهب 2 / 82، 84، تهذيب ابن عساكر 2 / 414.
118

ميمون التميمي الموصلي الاخباري، صاحب الموسيقى، والشعر
الرائق، والتصانيف الأدبية مع الفقه واللغة، وأيام الناس، والبصر
بالحديث، وعلو المرتبة.
ولد سنة بضع وخمسين ومئة.
وسمع من: مالك بن أنس، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وبقية
ابن الوليد، وأبي معاوية الضرير، والأصمعي، وعدد كثير.
حدث عنه: ولده حماد الراوية، وشيخه الأصمعي، والزبير بن بكار،
وأبو العيناء، ويزيد بن محمد المهلبي، وآخرون.
ولم يكثر عنه الحفاظ لاشتغاله عنهم بالدولة، وقيل: ولد سنة خمسين
ومئة.
قال إبراهيم الحربي: كان ثقة عالما. وقال الخطيب: كان حلو
النادرة، حسن المعرفة، جيد الشعر، مذكورا بالسخاء. صنف كتاب
" الأغاني " الذي يرويه عنه ابنه.
وعن إسحاق الموصلي قال: بقيت دهرا من عمري أغلس كل يوم إلى
هشيم أو غيره من المحدثين، ثم أصير إلى الكسائي، أو الفراء، أو ابن
غزالة، فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم إلى أبي منصور زلزل (1) فيضاربني

(1) وهو الذي علم إسحاق الموصلي ضرب العود. وجاء في " الأغاني " 5 / 275 أن
الموصلي أعطاه من ماله خاصة نحوا من مئة ألف درهم، سوى ما أخذه له من الخلفاء ومن أبيه.
119

طرقين (1) أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة بنت شهدة، فآخذ منها صوتا أو صوتين،
ثم آتي الأصمعي، وأبا عبيدة فأستفيد منهما، وآتي مجلس الرشيد
بالعشي (2).
كان ابن الأعرابي يصف إسحاق بالعلم والصدق والحفظ. ويقول:
هل سمعتم بأحسن من ابتدائه:
هل إلى أن تنام عيني سبيل * إن عهدي بالنوم عهد طويل (3)
قال إسحاق: لما خرجنا مع الرشيد إلى الرقة، قال لي الأصمعي:
كم حملت معك من كتبك؟ قلت: ستة عشر صندوقا.
وعن إسحاق أنه كان يكره أن ينسب إلى الغناء، ويقول: لان أضرب
على رأسي بالمقارع أحب إلي من أن يقال عني: مغني.
وقال المأمون: لولا شهرة إسحاق بالغناء، لوليته القضاء.
الصولي: أخبرنا أبو العيناء، حدثنا إسحاق الموصلي، قال: كنت
قد جئت أبا معاوية الضرير بمئة حديث، فوجدت ضريرا يحجبه لينفعه،
فوهبته مئة درهم، فاستأذن لي، فقرأت المئة حديث، فقال لي أبو معاوية:
هذا معيد ضعيف، وما وعدته فيأخذه من أذناب الناس، وأنت أنت. قلت: قد

(1) في الأصل " طريقين " وهو تحريف، والتصحيح من " الأغاني " 5 / 272. وجاء في
الحاشية: والطرق، بالفتح: صوت أو نغمة بالعود ونحوه.
(2) انظر الخبر بتمامه في " الأغاني " 5 / 271، 272.
(3) هو في " الأغاني " 5 / 332 طبعة دار الكتب، وجاء بعده:
غاب عني من لا أسمي فعيني * كل يوم وجدا عليه تسيل
قال: وكان إسحاق إذا غناه، تفيض دموعه على لحيته، ويبكي أحر بكاء. والبيت في
" تاريخ بغداد " 6 / 343.
120

جعلتها مئة دينار. قال: أحسن الله جزاءك.
وقد أنشد إسحاق الرشيد أبياتا يقول فيها:
عطائي عطاء المكثرين تكرما * ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى * ورأي أمير المؤمنين جليل (1)
فأمر له بمئة ألف درهم.
مات سنة خمس وثلاثين ومئتين.
43 - المعافى بن سليمان * (س)
الرسعني (2) الحافظ الصدوق.
حدث عن: فليح بن سليمان، والقاسم بن معن، وزهير بن معاوية،
وعدة.
حدث عنه: هلال بن العلاء، وأحمد بن إبراهيم بن ملحان، والقاسم
ابن الليث العتابي الرسعني، وجعفر الفريابي، وخلق كثير.
وقد روى النسائي عن رجل عنه.

(1) البيتان في " الأغاني " 5 / 322، وروايته:
فعالي فعال المكثرين تجملا.
وفيه أيضا: " جميل " بدل " جليل ". وفي " وفيات الأعيان " 1 / 204 ضمن مجموعة من
الأبيات، وفي " شذرات الذهب " 2 / 84، وفي " معجم الأدباء " 6 / 18، ولفظه:
فعالي فعال الموسرين تكرما.
* الجرح والتعديل 8 / 400، تهذيب الكمال، ورقة: 1340، العبر 1 / 419، تذهيب
التهذيب 4 / 49، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 10 / 198، 199، خلاصة
تذهيب الكمال: 380.
(2) بفتح الراء المشددة، وسكون السين، وفتح العين وبعدها نون مكسورة، نسبة إلى
رأس العين، مدينة بديار بكر.
121

مات في سنة أربع وثلاثين ومئتين.
44 - ابن أبي شيبة * (خ، م، د، س، ق)
عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستى
الامام العلم، سيد الحفاظ، وصاحب الكتب الكبار " المسند "
و " المصنف "، " والتفسير "، أبو بكر العبسي مولاهم الكوفي.
أخو الحافظ عثمان بن أبي شيبة، والقاسم بن أبي شيبة الضعيف.
فالحافظ إبراهيم بن أبي بكر هو ولده، والحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان هو
ابن أخيه، فهم بيت علم. وأبو بكر أجلهم.
وهو من أقران أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن
المديني في السن والمولد والحفظ. ويحيى بن معين أسن منهم بسنوات.
طلب أبو بكر العلم وهو صبي، وأكبر شيخ له هو شريك بن عبد الله
القاضي.
سمع منه، ومن أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد السلام بن
حرب، وعبد الله بن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر،
وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوام، وعبد الله بن إدريس،
وخلف بن خليفة الذي يقال: إنه تابعي، وعبد العزيز بن عبد الصمد
العمي، وعلي بن هاشم بن البريد، وعمر بن عبيد الطنافسي، وأخويه

* طبقات خليفة: 173، التاريخ الصغير 2 / 365، الجرح والتعديل 5 / 160، تاريخ
بغداد 10 / 66، 71، تهذيب الكمال، ورقة: 732، 733، تذكرة الحفاظ 2 / 432، 433،
ميزان الاعتدال 2 / 490، العبر 1 / 421، تذهيب التهذيب 2 / 183، البداية والنهاية
10 / 315، تهذيب التهذيب 6 / 2، خلاصة تذهيب الكمال: 212، شذرات الذهب 2 / 85،
الرسالة المستطرفة: 13.
122

محمد ويعلى، وهشيم بن بشير، وعبد الاعلى بن عبد الأعلى، ووكيع بن
الجراح، ويحيى القطان، وإسماعيل بن عياش، وعبد الرحيم بن
سليمان، وأبي معاوية، ويزيد بن المقدام، ومرحوم العطار، وإسماعيل
ابن علية، وخلق كثير بالعراق والحجاز وغير ذلك. وكان بحرا من بحور
العلم، وبه يضرب المثل في قوة الحفظ.
حدث عنه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، وروى النسائي عن
أصحابه، ولا شئ له في " جامع أبي عيسى ".
وروى عنه أيضا: محمد بن سعد الكاتب، ومحمد بن يحيى، وأحمد
ابن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن أبي عاصم، وبقي بن مخلد، ومحمد
ابن وضاح، محدثا الأندلس، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي،
وجعفر الفريابي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وحامد بن شعيب، وصالح
جزرة، والهيثم بن خلف الدوري، وعبيد بن غنام، ومحمد بن عبدوس
السراج، والباغندي، ويوسف بن يعقوب النيسابوري، وعبدان، وأبو
القاسم البغوي، وأمم سواهم.
قال يحيى بن عبد الحميد الحماني: أولاد ابن أبي شيبة من أهل
العلم، كانوا يزاحموننا عند كل محدث.
وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر صدوق، هو أحب إلي من أخيه
عثمان.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أبو بكر ثقة، حافظا للحديث.
وقال عمرو بن علي الفلاس: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي بكر بن أبي
شيبة، قدم علينا مع علي بن المديني، فسرد للشيباني أربع مئة حديث
حفظا، وقام.
123

وقال الإمام أبو عبيد: انتهى الحديث إلى أربعة: فأبو بكر بن أبي
شيبة أسردهم له، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه، ويحيى بن معين أجمعهم
له، وعلي بن المديني أعلمهم به.
قال محمد بن عمر بن العلاء الجرجاني: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة،
وأنا معه في جبانة كندة، فقلت له: يا أبا بكر، سمعت من شريك وأنت ابن كم؟
قال: وأنا ابن أربع عشرة سنة، وأنا يومئذ أحفظ للحديث مني اليوم.
قلت: صدق والله وأين حفظ المراهق من حفظ من هو في عشر
الثمانين؟
قال الجرجاني: فسألت يحيى بن معين عن سماع أبي بكر بن أبي
شيبة من شريك، فقال: أبو بكر عندنا صدوق، وما يحمله أن يقول:
وجدت في كتاب أبي بخطه. وقال: وحدثت عن روح بن عبادة بحديث
الدجال، وكنا نظنه سمعه من أبي هشام الرفاعي.
قال عبدان الأهوازي: كان أبو بكر يقعد عند الأسطوانة، وأخوه
ومشكدانة (1)، وعبد الله بن البراد، وغيرهم، كلهم سكوت إلا أبا (2) بكر
فإنه يهدر.
قال ابن عدي: هي الأسطوانة التي يجلس إليها ابن عقدة. فقال لي
ابن عقدة: هذه هي أسطوانة عبد الله بن مسعود، جلس إليها بعده علقمة،
وبعده إبراهيم، وبعده منصور، وبعده سفيان الثوري، وبعده وكيع، وبعده
أبو بكر بن أبي شيبة، وبعده مطين.

(1) بضم الميم والكاف، لقب عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير الأموي
مولاهم. والمشكدانة، بالفارسية: وعاء المسك.
(2) في الأصل: " أبو ".
124

وقال صالح بن محمد الحافظ جزرة: أعلم من أدركت بالحديث وعلله
علي بن المديني، وأعلمهم بتصحيف المشايخ يحيى بن معين، وأحفظهم
عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة.
قال الحافظ أبو العباس بن عقدة: سمعت عبد الرحمن بن خراش،
يقول: سمعت أبا زرعة، يقول، ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة
فقلت: يا أبا زرعة، فأصحابنا البغداديون؟ قال: دع أصحابك، فإنهم
أصحاب مخاريق، ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة.
قال الخطيب: كان أبو بكر متقنا حافظا، صنف " المسند " و " الاحكام "
و " التفسير "، وحدث ببغداد هو وأخواه القاسم وعثمان.
قال إبراهيم نفطويه: في سنة أربع وثلاثين ومئتين أشخص المتوكل
الفقهاء والمحدثين، فكان فيهم مصعب بن عبد الله الزبيري، وإسحاق بن
أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي
شيبة، وكانا من الحفاظ. فقسمت بينهم الجوائز، وأمرهم المتوكل أن
يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، قال: فجلس
عثمان في مدينة المنصور، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا، وجلس أبو بكر
في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدما من أخيه، اجتمع عليه نحو من ثلاثين
ألفا.
قلت: وكان أبو بكر بن قوي النفس بحيث إنه استنكر حديثا تفرد به يحيى
ابن معين، عن حفص بن غياث، فقال: من أين له هذا؟ فهذه كتب
حفص، ما فيها هذا الحديث.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد الدمشقي قراءة عليه غير
مرة، أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا زاهر بن طاهر سنة سبع
125

وعشرين وخمس مئة بهراة، أخبرنا محمد بن محمد بن حمدون السلمي،
وأخبرنا أحمد بن عبد المعز، أخبرنا زاهر، وتميم بن أبي سعيد، قالا: أخبرنا
أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، قالا: أخبرنا أبو عمرو بن
حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا
محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة
قال: ذكر لرسول الله، صلى الله عليه وسلم الهلال، فقال: " إذا رأيتموه فصوموا، وإذا
رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " (1).
هذا حديث صحيح غريب. تفرد به أبو الزناد عن الأعرج، ولم يروه
عنه سوى عبيد الله بن عمر، ولا عن عبيد الله سوى محمد بن بشر العبدي
فيما علمت.
أخرجه مسلم عن أبي بكر عنه، فوقع موافقة عالية، ولم يروه أحد من
السنن سوى النسائي فرواه عن أبي بكر أحمد بن علي المروزي، عن ابن أبي
شيبة، فوقع لنا بدلا بعلو درجتين.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا
موسى بن عبد القادر، حدثنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد
البندار، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، عن سليمان
التيمي، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ما تركت على أمتي بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " (2).

(1) أخرجه مسلم (1081) (20) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان، والنسائي
4 / 134 في الصوم: باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 9 / 118 في النكاح: باب ما يتقى من شؤم
المرأة، وقوله تعالى: (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم)، ومسلم (2740) في أول
الرقاق: باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، والترمذي
(2780) في الأدب: باب ما جاء في تحذير فتنة النساء، وابن ماجة (3998) في الفتن: باب
فتنة النساء، كلهم من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد.
126

وبه: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، سمعت أسامة بن زيد، وسئل: كيف كان يسير
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين دفع من عرفات؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد
فجوة نص. قال هشام: والنص أرفع من العنق. أخرجهما مسلم (1) عن
أبي بكر فوافقناه.
أنبأنا ابن علان، حدثنا الكندي، أخبرنا القزاز (2)، أخبرنا أبو بكر
الخطيب، أخبرنا أحمد بن علي المحتسب، عن محمد بن عمران
الكاتب، حدثني عمر بن علي، حدثنا أحمد بن محمد بن المربع، وسمعت
أبا عبيد، يقول: ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام أحمد بن
حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء علي بن المديني، وأحسنهم وضعا
لكتاب أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه يحيى بن
معين.
قال البخاري ومطين: مات أبو بكر في المحرم سنة خمس وثلاثين
ومئتين.
قلت: آخر من روى عنه أبو عمرو يوسف بن يعقوب النيسابوري،
وبقي إلى سنة بضع وعشرين وثلاث مئة.
وقد خلف أبا بكر ولده الحافظ الثبت:

(1) الأول تقدم تخريجه، والثاني أخرجه برقم (1286) (283) في الحج: باب
الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.
(2) هو أبو منصور القزاز، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي،
ويعرف بابن زريق: روى عن الخطيب وأبي جعفر بن مسلمة، والكبار. وكان صالحا كثير
الرواية. توفي سنة 535 ه‍ عن بضع وثمانين سنة. انظر " العبر " للمؤلف 4 / 95، 96.
127

45 - إبراهيم بن عبد الله * (س، ق)
أبو شيبة العبسي الكوفي.
ولد في أيام سفيان بن عيينة.
وسمع من: جعفر بن عون، وهو أكبر شيخ له، وعبيد الله بن موسى،
وأبي نعيم، وقبيصة، وأبيه، وأعمامه، وخلق كثير.
حدث عنه: ابن ماجة، وأبو عوانة في " صحيحه "، والنسائي في " اليوم
والليلة "، وأبو العباس بن عقدة، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الرحمن
ابن أبي حاتم، وطائفة.
وكان من تلامذة الإمام أحمد في الفقه، له عنه مسائل.
قال أبو حاتم: صدوق.
قلت: توفي في سنة خمس وستين ومئتين.
46 - الحزامي * * (خ، س)
المحدث العالم أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي
مولاهم المدني.
عن: محمد بن طلحة التيمي، وموسى بن إبراهيم الأنصاري، وابن
أبي فديك، والوليد بن مسلم، وأبي نباتة يونس بن يحيى، وعبد الرحمن بن

* الجرح والتعديل 2 / 110، تهذيب الكمال، ورقة: 59، تذهيب التهذيب 1 / 38 / 2،
تهذيب التهذيب 1 / 136، خلاصة تذهيب الكمال: 19.
* * التاريخ الكبير 5 / 318، الجرح والتعديل 5 / 259، الأنساب 4 / 148، تهذيب
الكمال، ورقة: 803، 804، ميزان الاعتدال 2 / 578، تذهيب التهذيب 2 / 118، تهذيب
التهذيب 6 / 221، 222 خلاصة تذهيب الكمال: 231.
128

المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وصدقة بن بشير، وخلق.
وعنه: البخاري في " الصحيح "، وعبد الله بن شبيب، والربيع
المرادي، والفضل بن محمد الشعراني، وأبو زرعة، وآخرون.
قال أبو حاتم: رآه أبو زرعة، فذاكره بغرائب لم تكن عند أبي زرعة،
فسأله أن يحدثه، فصار إليه، ونظر في كتبه.
وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: ربما خالف.
وقال ابن أبي داود: ضعيف.
وقال أبو زرعة: لم يكن بين تحديثه وموته كثير شئ، اختلفت إليه
عشرين ليلة، أنظر في كتبه.
47 - هارون بن معروف * (خ، م، د)
الامام القدوة الثقة، أبو علي المروزي، ثم البغدادي الخزاز، ثم
الضرير.
حدث عن: هشيم، ويحيى بن أبي زائدة، وسفيان بن عيينة، وعبد
العزيز الدراوردي، وأبي بكر بن عياش، وعبد الله بن وهب، والوليد بن
مسلم، ومروان بن شجاع، وطبقتهم من أهل الحجاز، والشام ومصر
والجزيرة والعراق. وعني بهذا الشأن، وجمع وصنف.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وبواسطة البخاري، وأحمد بن حنبل،

* طبقات ابن سعد 7 / 355، طبقات خليفة: 479، التاريخ الكبير 8 / 226، التاريخ
الصغير 2 / 353، 354، الجرح والتعديل 9 / 96، تاريخ بغداد 14 / 14، 15، تهذيب
الكمال، ورقة: 1430، العبر 1 / 410، تذهيب التهذيب 4 / 110، تهذيب التهذيب 11 / 11،
12، طبقات الحافظ: 214، خلاصة تذهيب الكمال: 407، شذرات الذهب 2 / 71.
129

ومحمد بن يحيى، وصالح بن محمد جزرة، وأحمد بن زهير، وعبد الله بن
أحمد، وموسى بن هارون، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى، وآخرون.
وثقه أبو حاتم، وغيره. قال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي ببغداد في
سنة خمس عشرة بعدما عمي من حفظه.
قال أبو داود: سمعت الثقة، يقول: قال هارون بن معروف: رأيت
في المنام، يقال لي: من آثر الحديث على القرآن عذب. قال: فظننت أن
ذهاب بصري من ذلك.
وقال هارون الحمال: سمعت هارون بن معروف، يقول: من زعم
أن القرآن مخلوق، فكأنما عبد اللات والعزى.
وروى عبد الله بن أحمد عنه: من زعم أن الله لا يتكلم، فهو يعبد
الأصنام.
مات في آخر شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومئتين. وعاش أربعا
وسبعين سنة.
48 - داود بن عمرو (م، س)
ابن زهير بن عمرو بن جميل بن الأعرج بن عاصم الشيخ الحافظ
الثقة، أبو سليمان الضبي البغدادي، ابن عم محدث أصبهان أحمد بن
يونس بن المسيب بن زهير الضبي.
ولد داود قبل الخمسين ومئة تقريبا.

* طبقات ابن سعد 7 / 349، التاريخ الكبير 3 / 236، الجرح والتعديل 3 / 420، تاريخ
بغداد 8 / 363، 365، طبقات الحنابلة 1 / 155، تهذيب الكمال، ورقة: 392، تذكرة الحفاظ
2 / 457، العبر 1 / 402، تذهيب التهذيب 1 / 207، تهذيب التهذيب 3 / 195، النجوم
الزهرة 2 / 254، طبقات الحفاظ: 199، 200، خلاصة تذهيب الكمال: 110.
130

وروى عن: جويرية بن أسماء، ونافع بن عمر الجمحي، وأبي معشر
نجيح السندي، وحماد بن زيد، وشريك القاضي، وإسماعيل بن عياش،
ومحمد بن مسلم الطائفي، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن عبد الله
ابن عبيد بن عمير، وخلق سواهم.
حدث عنه: أحمد بن حنبل، ومسلم في " صحيحه "، وإبراهيم
الحربي، وأبو حاتم، وأحمد بن الحسن الصوفي، وابن أبي الدنيا، وأبو
القاسم البغوي، وآخرون.
قال أبو الحسن بن العطار: رأيت أحمد بن حنبل يأخذ لداود بن عمرو
بالركاب.
وقال البغوي: حدثنا داود بن عمرو الثقة المأمون.
وقال يحيى بن معين: ليس به بأس.
وقد كان البغوي مكثرا عنه، فكان مجان الطلبة يقولون: في دار أبي
القاسم ابن بنت منيع شجرة تحمل داود بن عمرو الضبي.
قال الخطيب، وغيره: توفي داود في شهر ربيع الأول سنة ثمان
وعشرين ومئتين. وقيل: بل مات في صفر.
وقد روى النسائي له في " سننه ".
أخبرنا عبد الحافظ، والغسولي، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر،
حدثنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو طاهر الذهبي،
أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا داود بن عمرو المسيبي، حدثنا محمد بن
عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن
عائشة، قالت: " جاء النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى عثمان بن مظعون، وهو ميت،
131

فكشف عن وجهه وبكى، ثم قبل ما بين عينيه ". حديث غريب.
قال البخاري: محمد بن عبد الله بن عبيد ليس بذاك القوي (1).
وبه: حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الواهب الحارثي، حدثنا
محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير. فذكر نحوه، وزاد فيه: بكى بكاء
طويلا. فلما رفع على السرير، قال: " طوباك يا عثمان، لم تلبسك
الدنيا، ولم تلبسها ".
وبه: حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا داود بن عمرو المسيبي سنة سبع
وعشرين ومئتين، حدثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبي الرجال، عن
عمرة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " بيت لا تمر فيه جياع
أهله " (2).
وبه: حدثنا عبد الله، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا أبو شهاب
الحناط، عن الحجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن عائشة، قالت: بال
ابن الزبير على النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخذته أخذا عنيفا، فقال: " دعيه فإنه لم
يطعم الطعام، ولا يضر بوله ".
حجاج فيه لين.
وقوله: المسيبي: نسبه إلى عمه الأمير المسيب بن
زهير.

(1) لكن روي من طريق آخر، أخرجه الترمذي (989) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل
الميت، من طريق سفيان عن عاصم بن عبيد الله، عن قاسم، عن عائشة. وعاصم بن عبيد الله
ضعيف، بقية رجاله ثقات، وله شاهد من حديث معاذ بن ربيعة، ذكره الهيثمي في " المجمع "
3 / 20، وقال: رواه البزار، وإسناده حسن، فيتقوى الحديث به ويصح.
(2) وأخرجه مسلم (2046) في الأشربة: باب في إدخال التمر ونحوه من الأقوات
للعيال، من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبي
الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة عن عائشة، وأخرجه أبو داود (3831)، والترمذي
(1816)، وابن ماجة (3327).
132

حدثنا الأبرقوهي، حدثنا الفتح، حدثنا هبة الله الحاسب، حدثنا
ابن النقور، حدثنا عيسى بن الوزير، حدثنا البغوي، حدثنا داود بن عمرو
الضبي، حدثنا محمد بن مسلم، عن عمرو، عن جابر، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم،: " الحرب خدعة " (1).
49 - داود بن رشيد * (خ، م، د، س)
الامام الحافظ الثقة، أبو الفضل الخوارزمي، ثم البغدادي مولى بني
هاشم، رحال جوال، صاحب حديث.
سمع أبا المليح الحسن بن عمر الرقي، وإسماعيل بن جعفر، وهشيم
ابن بشير، وإسماعيل بن عياش، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والوليد بن
مسلم، وإسماعيل بن علية، وبقية بن الوليد، وأبا إسماعيل المؤدب،
ومروان بن معاوية، وشعيب بن إسحاق، وسويد بن عبد العزيز، وعبد
الملك بن محمد الصنعاني، ومكي بن إبراهيم، وعدة.

(1) إسناده قوي. ومحمد بن مسلم هو الطائفي، وعمرو هو ابن دينار. وأخرجه البخاري
6 / 110 في الجهاد: باب الحرب خدعة، ومسلم (1739) في الجهاد: باب جواز الخداع في
الحرب، وأبو داود (2636)، والترمذي (1675)، من طرق عن سفيان بن عيينة، عن عمرو
ابن دينار، عن جابر.
وقوله: " خدعة "، يروى هذا الحرف من ثلاثة أوجه: أصوبها، خدعة، بفتح الخاء
وسكون الدال. قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الخطابي: معنى الخدعة أنها مرة
واحدة، أي: إذا خدع المقاتل مرة، لم يكن لها إقالة. ويروى: خدعة، بضم الخاء وسكون
الدال، وهي الاسم من الخداع، كما يقال: هذه لعبة: ويقال: خدعة، بضم الخاء وفتح
الدال، ومعناها أنها تخدع الرجال وتمنيهم، ثم لا تفي لهم، كما يقال: لعبة، إذا كان كثير
التلعب بالأشياء.
* طبقات ابن سعد 7 / 349، التاريخ الكبير 3 / 244، التاريخ الصغير 2 / 371، الجرح
والتعديل 3 / 412، تاريخ بغداد 8 / 367، 368، تهذيب الكمال، ورقة: 388، 389، العبر
1 / 429، 430، تذهيب التهذيب 1 / 205، تهذيب التهذيب 3 / 184، خلاصة تذهيب
الكمال: 109، شذرات الذهب 2 / 91.
133

حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو
حاتم، وإبراهيم الحربي، وموسى بن هارون، وأبو يعلى الموصلي،
وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، ومحمد بن المجدر، وأبو
القاسم البغوي، وأبو العباس السراج، وعدد كثير.
وثقه يحيى بن معين، وغيره.
وقال الدارقطني: ثقة نبيل.
قلت: وقد روى البخاري في " صحيحه "، والنسائي، عن رجل
عنه.
أحمد بن مروان في " المجالسة ": حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا
داود بن رشيد، قال: قمت ليلة أصلي، فأخذني البرد لما أنا فيه من
العري، فأخذني النوم، فرأيت كأن قائلا يقول: يا داود، أنمناهم وأقمناك
فتبكي علينا؟ قال الحربي: فأظن داود ما نام بعدها، يعني: ما ترك تهجد
الليل.
قال: وسمعت داود يقول: قالت حكماء الهند: لا ظفر مع بغي،
ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خب (1)، ولاشرف مع
سوء أدب، ولا بر مع شح، ولا محبة مع هزء، ولا قضاء مع عدم فقه، ولا
عذر مع إصرار، ولاسلم قلب مع غيبة، ولا راحة مع حسد، ولا سؤدد مع
انتقام، ولا رئاسة مع عزة نفس وعجب، ولا صواب مع ترك مشاورة، ولا
ثبات ملك مع تهاون.
توفي في سابع شعبان سنة تسع وثلاثين ومئتين، وهو من أبناء

(1) الخب، بالكسر والفتح: الخداع والخبث والغش.
134

الثمانين، ولعل بعض أمراء الزمان يحوي هذه الخلال الردبة.
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرك المبارك بن أبي
الجود، حدثنا أحمد بن أبي غالب الزاهد، حدثنا عبد العزيز بن علي،
حدثنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا داود بن رشيد،
حدثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة، قلت: يا رسول الله، علمني ما أدخل به الجنة، ولا تكثر علي،
قال: " لا تغضب " (1).
قرأت على أحمد بن محمد الحافظ، وجماعة، قالوا: أخبرنا أبو
المنجى بن اللتي، وقرأت على الأبرقوهي، أخبرنا زكريا العلبي، قالا:
حدثنا أبو الوقت السجزي، أخبرتنا بيبى الهرثمية، أخبرنا عبد الرحمن بن
أبي شريح، أخبرنا عبد الله بن محمد، أخبرنا داود بن رشيد، أخبرنا عمر بن
أيوب أخبرنا إبراهيم بن نافع، عن سليمان الأحول، عن طاووس، عن
عبد الله بن عمرو، قال: رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين، فقال:
" أمك أمرتك بهذا "؟ قلت: أغسلهما؟ قال: " أحرقهما ".
أخرجه مسلم (2) عن داود.
والاحراق هنا تعزير، ولعل صبغهما كان لا يزول بالغسل كما ينبغي،
والمعصفر يرخص للمرأة.

(1) وأخرجه البخاري 10 / 431 في الأدب: باب الحذر من الغضب، والترمذي
(2020) في البر والصلة، وأحمد 2 / 466.
(2) رقم (2077) في اللباس والزينة: باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، وفي
رواية عنده: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها ".
135

50 - سليمان بن بنت شرحبيل * (خ، 4)
هو الامام العالم الحافظ محدث دمشق، أبو أيوب بن عبد الرحمن بن
عيسى بن ميمون بن عبد الله التميمي الدمشقي، وجده هو شرحبيل بن مسلم
الخولاني المحدث التابعي الحمصي شيخ إسماعيل بن عياش، وسفيان بن
عيينة، كان من فرسان الحديث.
حدث عن: إسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وحاتم بن
إسماعيل، وبقية بن الوليد، وعيسى بن يونس، ومسلمة بن علي، ويحيى
ابن حمزة، والوليد بن مسلم، وبشر بن عوف، وخالد بن يزيد بن أبي
مالك، وسعدان بن يحيى، وسويد بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن أبي
الرجال، وعبد الملك بن محمد الصنعاني، وعمر بن عبد الواحد
النصري، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن أبي مالك، ومحمد بن
حمير، ومعروف الخياط مولى واثلة بن الأسقع، وخلق كثير، وينزل إلى أن
يروي عن الحافظ معاوية بن صالح الأشعري وهو تلميذه.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمود بن
خالد، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو إسحاق الجوزجاني، وإبراهيم بن عبد
الله بن الجنيد الختلي، وإسحاق بن إبراهيم بن سنين الختلي، وأحمد بن
الحسن الترمذي، وأحمد بن محمد بن أخي هشام بن عمار، وأحمد بن
المعلى القاضي، وأبو قصي إسماعيل بن محمد العذري، وإسماعيل بن

* التاريخ الكبير 4 / 24، تاريخ الفسوي 1 / 209، الجرح والتعديل 4 / 129، تهذيب
الكمال، ورقة: 545، 546، تذكرة الحفاظ 2 / 438، العبر 1 / 413، 414، ميزان
الاعتدال 2 / 212، 214، تذهيب التهذيب 2 / 52، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب
التهذيب 4 / 207، 208، طبقات الحفاظ: 192، شذرات الذهب 2 / 78.
136

محمد بن قيراط، وبدر بن الهيثم الدمشقي، وجعفر الفريابي، وعبد الله بن
أبي الخوارزمي القاضي، وأبوا زرعة (1)، وعثمان بن خرزاذ، وعمرو بن
أبي زرعة الدمشقي، ومحمد بن إسحاق بن الحريص، ومحمد بن إبراهيم
ابن سميع، وخلق كثير.
قال يحيى بن معين: ليس به بأس، وهشام بن عمار أكيس منه. رواه
أبو حاتم عنه. ثم قال أبو حاتم: سليمان صدوق، مستقيم الحديث،
ولكنه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، وكان عندي في حد لو أن رجلا
وضع له حديثا لم يفهم، وكان لا يميز.
أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، سمعت يحيى بن معين: يقول:
هشام بن عمار كيس. ثم قال أبو داود: وأبو أيوب - يعني: سليمان بن بنت
شرحبيل - خير من هشام، حدث هشام بأرجح من أربع مئة حديث، ليس لها
أصل مسندة، كلها، كان فضلك (2) يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره،
يلقنها هشاما، ويقول هشام، حدثني، قد روي، فلا أبالي من حمل
الخطأ.
وقال أبو داود أيضا: سليمان ثقة يخطئ كما يخطئ الناس. قيل
له: أحجة هو؟ قال: الحجة أحمد بن حنبل.
وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ثقة إذا روى عن
المعروفين.
وقال يعقوب الفسوي: كان صحيح الكتاب إلا أنه كان يحول، فإن

(1) أي الدمشقي، والرازي.
(2) هو الحافظ الناقد فضلك الصائغ أبو بكر الفضل بن العباس الرازي.
137

وقع فيه شئ، فمن النقل، وسليمان ثقة.
وقال صالح جزرة: لا بأس به، ولكنه يحدث عن الضعفى.
وقال النسائي: صدوق.
وقال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات، فإذا روى عن
المجاهيل، ففيها مناكير.
قال الحاكم: قلت للدار قطني: سليمان بن عبد الرحمن؟ قال:
ثقة. قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: حدث بها عن ضعفاء، فأما هو فثقة.
وذكره أبو زرعة النصري في أهل الفتوى بدمشق. وقال أيضا: سليمان
ابن عبد الرحمن فقيه أهل دمشق.
قال الحفاظ أحمد بن جوصا: سمعت إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني
يقول: كنا عند سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، فلم يأذن للناس ثلاثة
أيام، فلما دخلنا عليه، واستزدناه، قال: بلغني ورود هذا الغلام
الرازي، يعني: أبا زرعة، فدرست للالتقاء به ثلاث مئة ألف حديث.
قلت: هو في نفسه صدوق، لكنه لهج برواية الغرائب عن المجاهيل
والضعفاء.
وله في كتاب أبي عيسى الترمذي حديث الدعاء لحفظ القرآن (1) يرويه
عن الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جريح، والحديث شبه موضوع (2).

(1) أخرجه الترمذي (3570) في الدعوات: باب في دعاء الحفظ، من طريق سليمان
ابن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريح، عن عطاء بن أبي رباح،
وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس.... وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا
من حديث الوليد بن مسلم.
(2) كذا قال، مع أن رجاله ثقات، وليس فيه سوى تدليس ابن جريح. ويبدو أن المؤلف
ينصب نقده على الحديث من جهة متنه، لا من جهة سنده، فقد قال في ترجمة الوليد بن مسلم من
" الميزان ": قلت: ومن أنكر ما أتى حديث حفظ القرآن، رواه الترمذي.
138

وقد روى البخاري أيضا عن عبد الله عنه، وعبد الله هذا هو عندي عبد
الله بن أبي الخوارزمي القاضي، فإن البخاري نزل عنده مدة، ونظر في
كتبه، وعلق عنه أماكن في كتاب " الضعفاء " الكبير له.
وقد وقع لي من عالي حديث سليمان بن عبد الرحمن.
قال أبو زرعة الدمشقي وجماعة: مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين. زاد
ابن دحيم، فقال: في يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر.
قال أبو زرعة: وشهدته، وصلى عليه مالك بن طوق، يعني: الأمير
الذي بنى مدينة الرحبة. وقال أبو سليمان بن زبر: مات وهو ابن ثمانين
سنة.
أما:
سليمان بن عبد الرحمن *
ابن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة (بن) (1) عبيد الله التيمي
الطلحي الكوفي التمار، فيروي عن أبيه، يكنى أبا داود، وحدث عنه أبو
داود، وأبو زرعة، وابن أبي عاصم، توفي سنة 252.
أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن الفراء، حدثنا أبو
محمد بن قدامة، أخبرنا أبو الفتح بن البطي، أخبرنا أبو الحسن بن أيوب

* الجرح والتعديل 4 / 129، تهذيب التهذيب 4 / 206، 207، خلاصة تذهيب
الكمال: 153.
(1) سقطت من الأصل، واستدركت من كتب الرجال.
139

البزاز، أخبرنا أبو علي بن شاذان، حدثنا أبو سهل بن زياد، أخبرنا محمد
ابن إسماعيل السلمي، أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن، عن خالد بن يزيد
ابن أبي مالك، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح: سمعت أبا سعيد
الخدري، يقول: يا أيها الناس، اتقوا الله، ولا تحملنكم العسرة على أن
تطلبوا الرزق من غير حله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم
احشرني في زمرة المساكين، ولا تحشرني في زمرة الأغنياء. فإن أشقى
الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة ".
غريب جدا. وخالد دمشقي، ضعفه يحيى بن معين (1).
51 - إبراهيم بن موسى الفراء * (خ، م، د)
الحافظ الكبير المجود، أبو إسحاق التميمي الرازي.
حدث عن: أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد الوارث بن سعيد،
وجرير بن عبد الحميد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والوليد بن مسلم،
وسفيان بن عيينة، ووكيع، وطبقتهم، ورحل إلى الأقطار، وصنف وجمع.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، ومحمد بن

(1) قال المؤلف في " ميزانه ": وهاه ابن معين، وقال أحمد: ليس بشئ. وقال
النسائي: غير ثقة. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن أبي الحوراي: سمعت ابن معين
يقول: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن، " تفسير الكلبي " عن أبي صالح. وبالشام كتاب ينبغي أن
يدفن، " كتاب الديات " لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب
على الصحابة، ثم أورد الذهبي المؤلف هذا الحديث من منكراته.
* التاريخ الكبير 1 / 327، الجرح والتعديل 2 / 137، تهذيب الكمال، ورقة: 67،
تذكرة الحفاظ 2 / 449، العبر 1 / 407، تذهيب التهذيب 1 / 44، تهذيب التهذيب 1 / 170،
171، طبقات الحفاظ: 196، خلاصة تذهيب الكمال: 22، شذرات الذهب 2 / 69.
140

إسماعيل الترمذي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو حاتم الرازي، ومحمد
ابن إبراهيم الطيالسي، وعلي بن الحسين بن الجنيد، ومحمد بن أيوب بن
الضريس البجلي، ومحمد بن يحيى بن بيتان، وعبد الله بن حاضر شيخ
لأبي بكر الشافعي، وخلق سواهم.
قال أبو زرعة: هو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة، وأصح حديثا،
وأحفظ من صفوان بن صالح المؤذن.
وقال صالح بن محمد جزرة: سمعت أبا زرعة، يقول: كتبت عن
إبراهيم بن موسى مئة ألف حديث، وعن ابن أبي شيبة كذلك.
وقال أبو حاتم: هو من الثقات، هو أتقن من محمد بن مهران
الجمال.
وقال النسائي: ثقة.
قلت: مات في حدود سنة ثلاثين.
قرأت على محمد بن حسين القرشي: أخبركم محمد بن عماد،
أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن الخلعي، أخبرنا أبو
سعد أحمد بن محمد الهروي الحافظ، حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن
إسماعيل، أخبرني أبو يحيى محمد بن يحيى بن بيتان، حدثنا إبراهيم بن
موسى الفراء، حدثنا عيسى هو ابن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد،
عن الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، قال: قال لي زيد بن
أرقم: إن كنا لنتكلم في الصلاة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا
صاحبه بحاجته، حتى نزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وقوموا لله قانتين) (البقرة: 238) فأمرنا بالسكوت ".
141

أخرجه الجماعة (1) سوى القزويني من طرق عن إسماعيل نحوه.
أنبأنا يحيى بن أبي منصور، وابن علان وطائفة، قالوا: أخبرنا عمر
ابن محمد، حدثنا هبة الله بن الحصين، حدثنا ابن غيلان، أخبرنا أبو بكر
الشافعي، حدثنا عبد الله بن حاضر، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء،
حدثنا عباد بن العوام، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن
الأحنف، عن العباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي على
الفطرة ما لم يؤخروا المغرب (حتى) اشتباك النجوم ".
أخرجه ابن ماجة (2) عن محمد بن يحيى، عن الفداء. وقال الإمام أحمد
: هذا حديث منكر. قلت: عمر تالف.
قرأت على ابن عساكر (3)، عن أبي روح، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو
يعلى الصابوني، أخبرنا عبد الله بن محمد الرازي، أخبرنا محمد بن أيوب،

(1) أخرجه البخاري 8 / 149 في تفسير سورة البقرة: باب (وقوموا لله قانتين)، وفي
العمل في الصلاة: باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة، والترمذي (405) في الصلاة: باب
ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة، وفي التفسير (2989)، وأبو داود (949)، والنسائي
3 / 18 في الكلام في الصلاة.
(2) رقم (689)، والدارمي 1 / 275، ورجاله ثقات، خلا عمر بن إبراهيم، وهو
صدوق إلا أنه مضطرب الحديث عن قتادة خاصة. وقد قسا المؤلف، رحمه الله، على عمر حين
وصفه بقوله: تالف، على أن للحديث شاهدا يصح به، رواه أبو داود (418) في الصلاة: باب
في وقت المغرب، وأحمد 4 / 147 و 5 / 417، 422 من طريق ابن إسحاق، حدثني يزيد بن
أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن أبي أيوب وعقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا
تزال أمتي بخير، أو قال: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ". وهذا
سند قوي، فإن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث، وصححه الحاكم 1 / 190، 191، ووافقه
الذهبي المؤلف، وجعل حديث العباس السابق شاهدا له.
(3) هو أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله المعمر
الرئيس أبو الفضل الدمشقي من بيت الرواية والعدالة مولده سنة أربع عشرة وست مئة وتوفي سنة
تسع وتسعين وست مئة. ترجم له المؤلف في مشيخته، الورقة 20 / 2.
142

حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء، أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا موسى بن
عبيدة، أخبرني أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة،
والمشهود يوم عرفة ".
الحديث أخرجه الترمذي (1).
52 - محمد بن مهران الجمال * (خ، م، د)
الحافظ الثقة الجوال النقال، أبو جعفر الرازي.
حدث عن: فضيل بن عياض، ومرحوم بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن
محمد الدراوردي، وسفيان بن عيينة، وحاتم بن إسماعيل، وجرير بن عبد
الحميد، وعتاب بن بشير، وعيسى بن يونس، وملازم بن عمرو، ومسكين
ابن بكير، وعطاء بن مسلم، والوليد بن مسلم، و عبد الرزاق، ويحيى
القطان، وخلق كثير من نظرائهم ودونهم.
وعنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأحمد
ابن علي الأبار، وموسى بن هارون، وأحمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن
أبي بكر الرازي، والحسن بن العباس الرازي، ومحمد بن إبراهيم.

(1) رقم (3339) في تفسير القرآن: باب ومن سورة البروج. وإسناده ضعيف، لضعف
موسى بن عبيدة الربذي.
* التاريخ الكبير 1 / 245، التاريخ الصغير 2 / 370، الضعفاء ورقة: 402، الجرح
والتعديل 8 / 93، تاريخ بغداد 3 / 413، تهذيب الكمال ورقة: 1158، تذكرة الحفاظ
2 / 448، 449، العبر 1 / 430، ميزان الاعتدال 4 / 49، تذهيب التهذيب 4 / 3، الوافي
بالوفيات 5 / 81، تهذيب التهذيب 9 / 478، 479، طبقات الحفاظ: 195، 196، خلاصة
تذهيب الكمال: 361، شذرات الذهب 2 / 92.
143

الطيالسي، وجعفر بن أحمد بن فارس، وعبد الرحمن بن محمد بن سلم
الرازي، ومحمد بن إسحاق السراج، ومحمد بن الحسين الطبركي،
ومحمد بن صالح بن بكر الكيلاني وراق أبي زرعة، وآخرون.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي جعفر الجمال، وإبراهيم بن
موسى، فقال: كان أبو جعفر أوسع حديثا، وكان إبراهيم أتقن، وأبو جعفر
صدوق.
قال أبو بكر الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: أولهم قتيبة، والثاني
محمد بن مهران، والثالث علي بن حجر.
قال البخاري: مات محمد بن مهران في أول سنة تسع وثلاثين ومئتين
أو قريبا منه.
قرأت على أحمد بن هبة (الله)، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا
تميم القصار، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مئة،
أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسين
الطبركي بالري، حدثنا أبو جعفر الجمال، حدثنا عيسى بن يونس، عن
هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن الله
لا يقبض العلم انتزاعا، ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض
العلماء، فإذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا
بغير علم، فضلوا وأضلوا " (1).

(1) وأخرجه الإمام أحمد 2 / 203، والبخاري 1 / 174، 175 في العلم: باب كيف
يقبض العلم، وفي الاعتصام: باب ما يذكر من ذم الرأي، ومسلم (2673) في العلم: باب
رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، والترمذي (2652) باب ما جاء في
ذهاب العلم، وابن ماجة (52) باب اجتناب الرأي والقياس من حديث عبد الله بن عمرو، وكان تحديث النبي، صلى الله عليه وسلم بذلك في حجة الوداع، كما رواه أحمد 5 / 266، والطبراني من حديث أبي
أمامة، قال: لما كان في حجة الوداع، قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مردف الفضل ابن عباس
على جمل آدم، فقال: " يا أيها الناس! خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع
العلم... ". فقال أعرابي: كيف يرفع؟ فقال: " ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته " ثلاث
مرات.
144

هذا غريب من طريق عيسى. قال أبو أحمد: ما كتبناه إلا من هذا
الطريق.
53 - الخازن *
الامام محدث همذان، أبو الحسن الحارث بن عبد الله بن إسماعيل
ابن عقيل الهمذاني المعروف بالخازن. قيل: كان خازنا لبعض الخلفاء.
روى عن: أبي معشر نجيح، وقيس بن الربيع، وإسماعيل بن جعفر،
وإبراهيم بن سعد، وهشيم.
وعنه: إبراهيم بن أحمد بن يعيش، ومحمد بن عبد الجبار سندول،
وموسى بن هارون، والحسن بن سفيان، ومحمد بن إسحاق المسوحي،
ويحيى بن عبد الله الكرابيسي، وخلق.
قال أبو زرعة: لم يبلغني أنه أخطأ إلا في حديث واحد، كأنه دخل له
حديث في حديث. ولينه ابن عدي.
توفي سنة خمس وثلاثين ومئتين، وكان أبوه من خزان الخلافة.

* الضعفاء: 73، 74، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 222، الكامل لابن عدي
ورقة: 62، 63، ميزان الاعتدال 1 / 437، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 201.
145

54 - سريج بن يونس * (خ، م، س)
ابن إبراهيم، الامام القدوة الحافظ، أبو الحارث المروزي ثم
البغدادي.
حدث عن: إسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، وعباد بن عباد،
ويوسف بن الماجشون، وإسماعيل بن مجالد، وأبي إسماعيل المؤدب،
ويحيى بن أبي زائدة، ومروان بن شجاع، وطبقتهم فأكثر.
حدث عنه: مسلم، وبواسطة البخاري، والنسائي، وبقي بن مخلد،
وأبو يحيى محمد بن عبد الرحيم صاعقة، وأبو زرعة، وموسى بن هارون،
وأبو جعفر الحضرمي، وأبو القاسم البغوي، وأحمد بن الحسن الصوفي،
وعدد كثير.
سئل أحمد بن حنبل عنه، فقال: صاحب خير.
وقال يحيى بن معين: ليس به بأس.
وقال صالح جزرة: ثقة جدا عابد.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت سريج بن يونس، يقول: رأيت رب
العزة في المنام، فقال: سل حاجتك، فقلت: رحمان سربسر، يعني:
رأسا برأس.

* التاريخ الكبير 4 / 205، التاريخ الصغير 2 / 365، الجرح والتعديل 4 / 305،
الفهرست: 287، تاريخ بغداد 9 / 219، 221، تهذيب الكمال، ورقة: 469، 470، العبر
1 / 421، تذهيب التهذيب 2 / 6، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 301، 302، تهذيب
التهذيب 3 / 457، 459، النجوم الزاهرة 2 / 281، 282، طبقات الحفاظ: 213، 214،
خلاصة تذهيب الكمال: 133.
146

قلت: كان سريج من الأئمة العابدين، له أحوال، وكان رأسا في
السنة.
قال البخاري: مات في شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومئتين.
أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن العلوي، وأحمد بن محمد الحافظ،
قالا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا ابن عفيف، أخبرنا
ابن أبي شريح، أخبرنا عبد الله البغوي، حدثنا عمرو الناقد، وسريج بن
يونس، وابن عباد، وابن المقرئ، قالوا: حدثنا سفيان، عن عمرو بن
دينار، أخبرني عمرو بن أوس، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر،
قال: " أمرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أردف عائشة، فأعمرها من التنعيم ".
أخرجه البخاري (1)
55 - عمرو الناقد * (خ، م، د)
هو الامام الحافظ الحجة، أبو عثمان، عمرو بن محمد بن بكير بن
سابور البغدادي الناقد نزيل الرقة.
حدث عن: هشيم، وأبي خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة، وحفص
ابن غياث، ومعتمر بن سليمان، وأبي معاوية الضرير، وعبد الرزاق بن همام،
وطبقتهم. وكان من أوعية العلم.

(1) 3 / 483 في الحج: باب عمرة التنعيم. والتنعيم مكان معروف خارج مكة، وهو على
أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة.
* طبقات ابن سعد 7 / 358، التاريخ الكبير 6 / 375، التاريخ الصغير 2 / 362، الجرح
والتعديل 6 / 262، تاريخ بغداد 12 / 205، 207، تهذيب الكمال، ورقة: 1049، 1050،
تذكرة الحفاظ 2 / 445، 446، ميزان الاعتدال 3 / 287، تذهيب التهذيب 3 / 109، تهذيب
التهذيب 8 / 96، 97، النجوم الزاهرة 2 / 265، طبقات الحفاظ: 194، 195، خلاصة
تذهيب الكمال: 293، شذرات الذهب 2 / 75.
147

حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
ومحمد بن إبراهيم السراج، وأبو يعلى الموصلي، وأبو القاسم البغوي،
وجعفر الفريابي، وخلق سواهم.
قال أحمد بن حنبل: كان عمرو الناقد يتحرى الصدق.
وقال أبو حاتم: ثقة أمين.
وقال الحسين بن فهم: كان ثقة، صاحب حديث، فقيها من الحفاظ
المعدودين.
مات لأربع خلون من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين ببغداد.
وكذا أرخه في الشهر غير واحد.
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد
السلام، أخبرنا هبة الله بن الحسين، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا
عيسى بن علي إملاء، قال: قرئ على أبي القاسم البغوي، وأنا
أسمع، حدثكم عمرو الناقد، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، عن
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة
القاعد على النصف من صلاة القائم " (1).
56 - خلف بن سالم * (س)
الامام الحافظ المجود، أبو محمد السندي المهلبي البغدادي مولى آل

(1) إسناده حسن، وأخرجه ابن ماجة (2229) في إقامة الصلاة: باب صلاة القاعد على
النصف من صلاة القائم، من طريق الأعمش عن حبيب، عن أبي ثابت، عن عبد الله بن باباه،
عن عبد الله بن عمرو. وفي الباب عن أنس عند أحمد والنسائي وابن ماجة، وعن ابن عمر،
وعبد الله السائب، والمطلب بن أبي وداعة عند الطبراني.
* طبقات ابن سعد 7 / 354، طبقات خليفة: 479، التاريخ الكبير 3 / 196، التاريخ
الصغير 2 / 360، الجرح والتعديل 3 / 371، تاريخ بغداد 8 / 328، 330، اللباب 3 / 109،
تهذيب الكمال، ورقة: 379، تذكرة الحفاظ 2 / 481، ميزان الاعتدال 1 / 660، 661،
تذهيب التهذيب 1 / 199، تهذيب التهذيب 3 / 152، 153، طبقات الحفاظ: 207،
خلاصة تذهيب الكمال: 106.
148

المهلب من كبار الحفاظ.
ولد بعد الستين ومئة.
وحدث عن: هشيم، وأبي بكر بن عياش، وأبي معاوية، وطبقتهم،
وارتحل إلى عبد الرزاق.
حدث عنه: أحمد بن أبي خثيمة، والحسن بن علي المعمري،
ويعقوب بن شيبة، وأبو القاسم البغوي، وأحمد بن الحسن الصوفي،
وعدة.
وأخرج له النسائي حديثا في " سننه "، وكان موصوفا بالحفظ ومعرفة
الرجال.
ومن مشايخه: إسماعيل ابن علية، وعبد الله بن إدريس، ومحمد بن
جعفر غندر، ويحيى بن سعيد القطان. وكان صديقا لأحمد بن حنبل.
مات في سنة إحدى وثلاثين ومئتين.
وكان لسعة حفظه يتبع الغرائب.
قال أبو بكر المروذي: سألت أبا عبد الله عنه، فقال: ما أعرفه
يكذب، نقموا عليه بتتبعه هذه الأحاديث.
وقال فيه يحيى بن معين: صدوق.
قال يعقوب بن شيبة: كان ثقة ثبتا، كان أثبت من مسدد
والحميدي.
149

قال الصوفي: توفي لسبع بقين من شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين.
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا يحيى بن أبي السعود
اليربوعي، قال: أخبرتنا فخر النساء شهدة (1)، أخبرنا أبو عبد الله النعالي،
أخبرنا أبو عمر الفارسي، أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حدثنا
جدي، حدثنا خلف بن سالم، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا جويرية،
حدثنا يحيى بن سعيد، عن عمه، قال: لما كان اليوم الذي أصيب فيه
عمار، إذا رجل قد برز بين الصفين جسيم، على فرس جسيم ضخم،
ينادي بصوت موجع: روحوا إلى الجنة يا عباد الله، ثلاث مرات. الجنة
تحت ظلال السيوف، فثار الناس، فإذا هو عمار بن ياسر، فلم يلبث أن
قتل.
57 - جبارة بن المغلس * (ق)
الشيخ المعمر المحدث، أبو محمد الحماني الكوفي.
حدث عن: شبيب بن شيبة، وأبي بكر النهشلي، وقيس بن الربيع،
وعبد الاعلى بن أبي المساور، وأبي شيبة العبسي إبراهيم بن عثمان، وأبي
عوانة، والكبار.

(1) هي شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الإبري، عالمة فاضلة، وكاتبة مجيدة، ذات
دين وصلاح. ولدت ببغداد، وسمعت من أكابر علماء عصرها. وتوفيت ببغداد حوالي سنة
574، وقد نيفت على التسعين من عمرها، وفي رواية على المئة. انظر ترجمتها في مرآة
الزمان: 353، وعبر الذهبي 4 / 220، وشذرات الذهب 4 / 248.
* التاريخ الصغير 2 / 376، الضعفاء: 73، الجرح والتعديل 2 / 550، كتاب
المجروحين والضعفاء 1 / 221، الكامل لابن عدي، ورقة: 62، الأنساب 4 / 237، تهذيب
الكمال ورقة: 186، العبر 1 / 435، ميزان الاعتدال 1 / 387، تذهيب التهذيب 1 / 102،
تهذيب التهذيب 2 / 57، 59، خلاصة تذهيب الكمال: 65، شذرات الذهب 2 / 98.
150

حدث عنه: ابن ماجة في " سننه "، وأحمد بن الصلت الحماني ابن
أخيه، وبقي بن مخلد، وعبد الله بن أحمد، ومطين، والحسن بن سفيان،
وأبو يعلى الموصلي، والحسين بن إدريس، والحسن بن بحر البيروذي،
بذال معجمة، وعبدان الأهوازي، وعدة.
قال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من جبارة
فأنكر بعضها، وقال: هذه موضوعة.
وقال البخاري: مضطرب الحديث.
وعن ابن معين: هو كذاب.
وقال ابن نمير: كان يوضع له، فيحدث.
قال موسى بن هارون: توفي سنة إحدى وأربعين ومئتين، وقد قارب
المئة.
58 - عثمان بن أبي شيبة * (خ، م، د، ق)
هو الامام الحافظ الكبير المفسر، أبو الحسن، عثمان بن محمد بن
القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسي مولاهم الكوفي،
صاحب التصانيف، وأخو الحافظ أبي بكر.
ولد بعيد الستين ومئة.

* طبقات خليفة: 173، التاريخ الكبير 6 / 250، التاريخ الصغير 2 / 369، الضعفاء،
ورقة: 293، 294، الجرح والتعديل 6 / 166، 167، الفهرست: 285، تاريخ بغداد
11 / 283، 288، تهذيب الكمال، ورقة: 921، 922، تذكرة الحفاظ 2 / 444، العبر
1 / 430، ميزان الاعتدال 3 / 35، تذهيب التهذيب 3 / 34، 35، تهذيب التهذيب 7 / 149،
151، النجوم الزاهرة 2 / 301، طبقات الحفاظ: 193، خلاصة تذهيب الكمال: 262،
طبقات المفسرين 1 / 379، شذرات الذهب 2 / 92.
151

وحدث عن: شريك، وأبي الأحوص، وجرير بن عبد الحميد،
وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وحميد بن عبد الرحمن، وطلحة بن
يحيى الزرقي، وعبد الله بن المبارك، وعلي بن مسهر، وعبدة بن سليمان،
وإسماعيل ابن علية، وأبي معاوية، ووكيع، وابن فضيل، ويحيى بن آدم،
وعفان، وأبي نعيم، ويزيد بن هارون، وخلق كثير.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، واحتجابه في كتابيهما، وأبو داود،
وابن ماجة في " سننهما "، وأبو حاتم، والفسوي، وإبراهيم الحربي،
وإبراهيم بن أبي طالب، وبقي بن مخلد، وعبد الله بن أحمد، وأبو بكر
أحمد بن علي المروزي، وزكريا خياط السنة، وأبو يعلى، والفريابي،
والبغوي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وولده الحافظ محمد بن عثمان،
ومطين، وعدد كثير.
سئل عنه أحمد بن حنبل، فأثنى عليه، وقال: ما علمت إلا خيرا.
وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون.
قلت: لا ريب أنه كان حافظا متقنا، وقد تفرد في سعة علمه بخبرين
منكرين عن جرير الضبي ذكرتهما في كتاب " ميزان الاعتدال " (1). غضب
أحمد بن حنبل منه لكونه حدث بهما. وهو مع ثقته صاحب دعابة حتى فيما
يتصحف من القرآن العظيم، سامحه الله.
قال إبراهيم بن أبي طالب: جئته فقال لي: إلى متى لا يموت إسحاق
ابن راهويه؟ فقلت له: شيخ مثلك يتمنى هذا؟! قال: دعني، فلو مات،

(1) 3 / 35، 36.
152

لصفا لي جرير بن عبد الحميد. قلت: فما عاش بعد إسحاق سوى خمسة أشهر.
الدارقطني: أخبرنا أحمد بن كامل، حدثني الحسن بن الحباب، أن
عثمان بن أبي شيبة، قرأ عليهم في التفسير: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب
الفيل) (الفيل: 1) فقالها: ألف لام ميم.
قلت هو: إما سبق لسان، أو انبساط محرم.
وقال القاضي علي بن محمد بن كأس، حدثنا إبراهيم الخصاف،
قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير: (فلما جهزهم بجهازهم،
جعل) السفينة، فنادوا: (السقاية). (يوسف: 70) فقال: أنا وأخي لا
نقرأ لعاصم.
وقد أكثر عنه البخاري في " صحيحه ".
قلت: وكان شيخا لا يخضب، وأخوه أحفظ منه.
قال مطين: مات عثمان في ثالث المحرم سنة تسع وثلاثين ومئتين.
وفيها مات عبد الله بن عمر بن أبان بالكوفة، وحكيم بن سيف بالرقة،
والحسن بن حماد الوراق الصيني، ومحمد بن العباس صاحب الشامة،
ومحمد بن مهران الرازي الجمالي، ووهب بن بقية، والصلت بن مسعود
الجحدري، قاضي سامراء، وداود بن رشيد، ومحمود بن غيلان، ومحمد
ابن النضر بن مساور، وإبراهيم بن يوسف البلخي.
أخبرنا عبد الحافظ، ويوسف الحجار، قالا: أخبرنا موسى بن عبد
القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد
الرحمن، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ابن
إدريس وجرير عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم: " إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله تعالى فيها
153

خيرا إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة ".
أخرجه مسلم (1) عن عثمان.
59 - الزيادي * (خ، ق)
الامام الحافظ الثقة الجليل، أبو عبد الله، محمد بن زياد بن عبيد الله
ابن الربيع بن زياد بن أبيه الزيادي البصري من أولاد أمير العراق زياد الذي
استلحقه معاوية.
ولد في حدود سنة ستين ومئة.
وسمع من: حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، و عبد الوارث التنوري،
وإبراهيم بن أبي يحيى المدني، ومسلم بن خالد الزنجي، ومعتمر بن
سليمان، وفضيل بن عياض، وفضيل بن سليمان، وطبقتهم. وكان يقال
له: اليؤيؤ.
حدث عنه: البخاري، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن صاعد، وعبد
الله بن إسحاق المدائني، وأبو عروبة الحراني، ومحمد بن حصن
الآلوسي، ومحمد بن هارون الروياني، ومحمد بن أحمد بن سليمان
الهروي، وعبد الله بن عروة الهروي، وعدد كثير.
وكان أسند من بقي بالبصرة مع أبي الأشعث.
ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: ربما أخطأ.

(1) رقم (757) في صلاة المسافرين وقصرها: باب في الليل ساعة مستجاب فيها
الدعاء.
* الأنساب 6 / 359، اللباب 2 / 84، تهذيب الكمال، ورقة: 1197، ميزان الاعتدال
3 / 552، تذهيب التهذيب 3 / 204، / 2، الوافي بالوفيات 3 / 80، تهذيب التهذيب
9 / 168، 169، خلاصة تذهيب الكمال: 336.
154

وأخرج عنه البخاري حديثا واحدا كالمقرون بغيره عن غندر.
وأظنه بلغ التسعين، وبقي إلى حدود الخمسين ومئتين.
أخبرنا عبد الحافظ بنابلس، ويوسف بن أحمد بدمشق، قالا:
أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن
البسري، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا محمد
ابن زياد الزيادي، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر، عن صفوان
ابن عسال المرادي، قال: كنا إذا في سفر، أو كنا مسافرين لم نخلع
خفافنا ثلاثا، إلا من جنابة يعني: مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكن من غائط أو
بول (1)
60 - مشكدانة (2) * (م، د)
المحدث الامام الثقة، أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عمر بن محمد
ابن أبان بن صالح بن عمير القرشي الأموي، مولى عثمان رضي الله عنه.

(1) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (96) في الطهارة: باب المسح على الخفين
للمسافر والمقيم، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 239، وصححه ابن
حبان (186).
وقوله: " لكن من غائط أو بول "، قال الخطابي: كلمة " لكن " موضوعة للاستدراك،
وذلك لأنه تقدمه نفي واستثناء، وهو قوله: لم نخلع خفافنا إلا من جنابة، ثم قال: لكن من بول
أو غائط فاستدركه ب‍ " لكن " ليعلم أن الرخصة إنما جاءت من هذا النوع من الاحداث دون
الجنابة، فإن المسافر الماسح على خفه إذا أجنب، كان عليه نزع الخف وغسل الرجل مع سائر
البدن، وهذا كما تقول: ما جاءني زيد، لكن عمرو. وما إن رأيت زيدا، لكن خالدا.
(2) سبق ضبطها في ص: 124 وسيضبطها المؤلف فيما بعد.
* التاريخ الكبير 5 / 145 - 146، التاريخ الصغير 2 / 371، و 2 / 159، الضعفاء:
214، 215، الجرح والتعديل 5 / 110، 111، طبقات الحنابلة 1 / 189، تهذيب الكمال
ورقة: 715، ميزان الاعتدال 2 / 466، العبر 1 / 430، تذهيب التهذيب 2 / 169، تهذيب
التهذيب 5 / 332، 333، خلاصة تذهيب الكمال: 207، 208، شذرات الذهب 2 / 92.
155

سمع عبد العزيز الدراوردي، وعلي بن هاشم، وابن المبارك، وعبيد
الله الأشجعي، ويحيى بن أبي زائدة، ومحمد بن فضيل، وعدة من جلة
الكوفيين.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو بكر بن علي
المروزي، والبغوي، والسراج أبو العباس، ومحمد بن إبراهيم السراج،
ومحمد بن عبدوس بن كامل السراج.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو العباس الثقفي: رأى مشكدانة على كتاب رجل: مشكدانة
فغضب. وقال: لقبني بها أبو نعيم، كنت إذا أتيته تلبست وتطيبت، فإذا
رآني، قال: جاء مشكدانة.
وقيل: هو وعاء المسك. ومشك: مسك.
وقيل: كان مشكدانة شيعيا.
وضبط ابن الصلاح، مشكدانة بضم أوله وفتح ثالثه. وقال شيخنا
المزي في الكاف الضم أيضا، وذلك جائز.
قال ابن عساكر: مات في المحرم سنة تسع وثلاثين ومئتين رحمه الله.
61 - يحيى بن حبيب بن عربي * (م، 4)
الامام الحافظ الثبت، أبو زكريا البصري.
حدث عن: حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، ومرحوم بن عبد العزيز

* الجرح والتعديل 9 / 137، تهذيب الكمال، ورقة: 1491، اللباب 1 / 267، تذهيب
التهذيب 4 / 151، تهذيب التهذيب 11 / 195، 196، طبقات الحفاظ: 198، خلاصة
تذهيب الكمال: 422.
156

العطار، ومعتمر بن سليمان، وجماعة.
حدث عنه: الجماعة سوى البخاري، وعبدان الأهوازي، وزكريا
الساجي، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وآخرون.
قال النسائي: ثقة مأمون، قل شيخ رأيت مثله بالبصرة.
قلت: هو أكبر شيخ لقيه عمر بن محمد بن بجير الحافظ. وقد وثقه
غير واحد.
ومات في عشر التسعين في سنة ثمان وأربعين ومئتين.
62 - سندول *
محمد بن عبد الجبار القرشي الهمذاني، محدث همذان.
روى عن: سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وأبي نعيم، وطائفة.
وعنه: إبراهيم بن أحمد بن يعيش البغدادي، وإبراهيم بن مسعود، وأبو
داود في " المراسيل "، ومطين الحضرمي، وأبو ميسرة محمد بن حسين،
والليث بن إدريس، ومحمد بن إبراهيم بن زياد، وآخرون.
قال صالح بن أحمد الحافظ: صنف كتبا كثيرة، وهو أحد الثقات
والصالحين.
وقال غيره: كان كثير الغزو والحج والعبادة، كبير القدر.
يقال: إن يحيى بن معين أخذ له بركابه، ويقال: حج أربعين حجة،
رحمة الله عليه.

* تهذيب الكمال، ورقة: 1227، 1228، تذهيب التهذيب 3 / 223 / 1، تهذيب
التهذيب 9 / 289، 290، خلاصة تذهيب الكمال: 347.
157

63 - ابن كاسب * (ق)
الحافظ المحدث الكبير، أبو الفضل، يعقوب بن حميد بن كاسب
المدني نزيل مكة.
حدث عن: إبراهيم بن سعد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد الله بن
وهب، والدراوردي، وابن عيينة، وخلق كثير.
حدث عنه: ابن ماجة، وإسماعيل القاضي، وأبو بكر بن أبي عاصم،
والبخاري خارج الصحيح، وفي الصحيح فيما يغلب على ظني، وعبد الله
ابن أحمد بن حنبل، وخلق سواهم. وكان من أئمة الأثر على كثرة مناكير له.
قال البخاري: لم نر إلا خيرا.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
وقال النسائي: ليس بشئ.
وروى مضر بن محمد، عن يحيى بن معين: ثقة، كذا قال مضر،
وروى عباس الدوري، عن يحيى: ليس بثقة.
وسئل أبو زرعة عنه فحرك رأسه.
وقال القاسم بن عبد الله بن مهدي: قلت لأبي مصعب: عمن أكتب
بمكة؟ قال: عليك بشيخنا أبي يوسف يعقوب بن حميد.

* التاريخ الكبير 8 / 401، التاريخ الصغير 2 / 374، الضعفاء، ورقة: 451، الجرح
والتعديل 9 / 206، الكامل لابن عدي، ورقة: 357، تهذيب الكمال، ورقة: 1548، تذكرة
الحفاظ 2 / 466، 467، العبر 1 / 436، ميزان الاعتدال 4 / 450، 451، تذهيب التهذيب
4 / 185، العقد الثمين 7 / 474، تهذيب التهذيب 11 / 383، 385، طبقات الحفاظ:
202، 203، خلاصة تذهيب الكمال: 436، شذرات الذهب 2 / 99.
158

وقال ابن عدي: لا بأس به وبرواياته، هو كثير الحديث، كثير
الغرائب، كتبت مسنده عن القاسم بن عبد الله عنه، صنفه على الأبواب.
وفيه من الغرائب والنسخ والأحاديث العزيزة، وشيوخ أهل المدينة ممن لا
يروي عنهم غيره.
قال زكريا بن يحيى الحلواني: رأيت أبا داود السجستاني قد جعل
حديث يعقوب بن كاسب وقايات على ظهور كتبه (1)، فسألته عنه، فقال:
رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها
بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل
فأسندها وزاد فيها (2). سمع العقيلي هذا من زكريا.
العقيلي: حدثنا جعفر الفريابي، حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا
حاتم بن إسماعيل، عن النعمان بن ثابت، عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن
حديد، عن صخر الغامدي، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: " اللهم بارك لامتي في
بكورها " (3).

(1) عبارة العقيلي: ".... رأيت أبا داود السجستاني، صاحب أحمد بن حنبل قد ظاهر
بحديث ابن كاسب، وجعله وقايات على ظهور كتبه ".
(2) انظر الخبر في " الضعفاء " للعقيلي ص: 451
(3) حديث صحيح، وأخرجه الدارمي 2 / 214، وأبو داود (2606) في الجهاد: باب
الابتكار في السفر، والترمذي (1212) في البيوع: باب ما جاء في التبكير في التجارة، وابن
ماجة (2236) في التجارات: باب ما يرجى من البركة في البكور، وأحمد 3 / 416 و 417
و 431، 432، و 4 / 384 و 390 و 391، كلهم من حديث يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد،
عن صخر الغامدي. وعمارة بن حديد: قال أبو زرعة: لا يعرف. وقال أبو حاتم: مجهول.
وقال ابن المديني: لا أعلم أحدا روى عنه غير يعلى بن عطاء. وذكره ابن حبان في " الثقات "
لكن الحديث حسن كما قال الترمذي، أو صحيح لشواهده، منها حديث علي عند عبد الله بن الإمام
أحمد (1319) و (1322) و (1328) و (1338) وسنده ضعيف، وحديث أبي
هريرة، وابن عمر عند ابن ماجة (2237) و (2238) وسندهما ضعيف وفي الباب عن ابن
مسعود، وبريدة، وابن عباس، وجابر، وعبد الله بن سلام، والنواس بن سمعان، وعمران بن
حصين، وكلها ضعاف، لكن بمجموعها يصح الحديث. وقد اعتنى الحافظ المنذري بجمع
طرقه، فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا.
159

تفرد به يعقوب، وقد رواه شعبة وهشيم عن يعلى.
قال البخاري في " صحيحه " في موضعين من الصلح (1)، وفيمن
شهد بدرا (2): حدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، فالراجح أنه ابن

(1) 5 / 221، ونصه: حدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن
محمد، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه، فهو رد ". وقال الحافظ تعليقا على قوله: " حدثنا يعقوب ": كذا للأكثر غير
منسوب، وانفرد ابن السكن بقوله: يعقوب بن محمد. ووقع نظير هذا في المغازي: باب فضل
من شهد بدرا. قال البخاري: حدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، فوقع عند ابن السكن:
يعقوب بن محمد، أي الزهري، وعند الأكثر غير منسوب. لكن قال أبو ذر في روايته في
المغازي: يعقوب بن إبراهيم، أي الدورقي. وقد روى البخاري في الطهارة، عن يعقوب بن
إبراهيم، عن إسماعيل بن علية، حدثنا.. فنسبه أبو ذر في روايته، فقال: الدورقي. وجزم
الحاكم بأن يعقوب المذكور هنا هو ابن محمد، كما في رواية ابن السكن. وجزم أبو أحمد
الحاكم، وابن مندة، والحبال، وآخرون بأنه يعقوب بن حميد بن كاسب. ورد ذلك البرقاني بأن
يعقوب بن حميد ليس من شرطه. وجوز أبو مسعود أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد. ورد عليه بأن
البخاري لم يلقه، فإنه مات قبل أن يرحل. وأجاب البرقاني عنه بجواز سقوط الواسطة، وهو
بعيد.
والذي يترجح عندي أنه الدورقي حملا لما أطلقه على ما قيده. وهذه عادة البخاري، لا
يهمل نسبة الراوي إلا إذا ذكرها في مكان آخر، فيهملها استغناء بما سبق، والله أعلم. وقد جزم
أبو علي الصدفي بأنه الدورقي، وكذا جزم أبو نعيم في " المستخرج " بأن البخاري أخرج هذا
الحديث الذي في الصلح عن يعقوب بن إبراهيم.
(2) 7 / 239 في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، ونصه: حدثني يعقوب، حدثنا
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم
بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال
لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، وما تصنع به؟ قال:
عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله. قال: فما
سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا
عفراء. وكونه غير منسوب هو رواية لغير أبي ذر والأصيلي، أما هما، فقد قالا: يعقوب بن
إبراهيم. وانظر تمام كلام الحافظ في " الفتح ".
160

كاسب. وقال قائل: هو يعقوب الدورقي، وهو بعيد. وما أجزم بأن
الدورقي سمع إبراهيم بن سعد، ويحتمل. فأما من قال: هو يعقوب بن
إبراهيم بن سعد، فقد أخطأ، فإن البخاري لم يدركه. ومنهم من جوز أن
يكون يعقوب بن محمد الزهري المدني أحد الضعفاء.
مات ابن كاسب في آخر سنة إحدى وأربعين ومئتين.
64 - محمد بن أبي السري * (د)
الحافظ العالم الصادق، أبو عبد الله بن متوكل العسقلاني.
سمع فضيلا، ومعتمر بن سليمان، ورشدين بن سعد، وابن عيينة،
وابن وهب، وزيد بن أبي الزرقاء، و عبد الرزاق، وعدة.
حدث عنه: أبو داود، وبكر بن سهل، والحسن بن سفيان، وعلي بن
محمد الحكاني، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، وجعفر الفريابي، وخلق.
وكان محدث فلسطين. وثقه يحيى بن معين.
وقال ابن حبان: كان من الحفاظ.
وقال ابن عدي: كان كثير الغلط.
وقال أبو حاتم: لين الحديث.
قلت: كان من أوعية الحديث.
توفي سنة ثمان وثلاثين. وهو أخو الحسين بن أبي السري.

* تهذيب الكمال، ورقة: 1263، تذكرة الحفاظ 2 / 473، 474، العبر 1 / 429، ميزان
الاعتدال 3 / 560، و 4 / 23، 24، الوافي بالوفيات 3 / 86، البداية والنهاية 10 / 317، غاية
النهاية في طبقات القراء 2 / 234، 235، تهذيب التهذيب 9 / 424، 425، النجوم الزاهرة
4 / 292، طبقات الحفاظ: 206، خلاصة تذهيب الكمال: 357.
161

أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد
ابن أحمد، ومحمد بن عمر، ومحمد بن علي، قالوا: حدثنا أبو جعفر بن
المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر الفريابي، أخبرنا
محمد بن أبي السري، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان قال: خلاف
ما بيننا وبين المرجئة ثلاث: يقولون: الايمان قول ولا عمل، ونقول: قول
وعمل. ونقول: إنه يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص،
ونحن نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق.
65 - سالم بن حامد *
نائب دمشق للمتوكل، كان ظلوما عسوفا، شد عليه طائفة من أشراف
العرب فقتلوه بباب دار الامارة يوم جمعة سنة بضع وثلاثين ومئتين. فبلغ
المتوكل فتنمر، وقال: من للشام في صولة الحجاج؟ فندب أفريدون
التركي، فسار في سبعة آلاف فارس. ورخص له المتوكل في بذل السيف
ضحوتين، وفي نهب البلد. فنزل ببيت لهيا (1). فلما أصبح، قال: يا
دمشق، أيش يحل بك اليوم مني. فقدمت له بغلة دهماء ليركبها، فضربته
بالزوج على فؤاده فقتلته. فقبره كان معروفا ببيت لهيا، ورد عسكره إلى
العراق. ثم جاء بعد المتوكل إلى دمشق، وأنشأ قصرا بداريا، وصلح
الحال.
66 - عبد الحكم * *
ابن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين الفقيه الأوحد، أبو عثمان

* تاريخ دمشق 7 / 9 / ب.
(1) بكسر اللام، وسكون الهاء، قرية بغوطة دمشق، والنسبة إليها: " بتلهي ".
* * الجرح والتعديل 6 / 36، لسان الميزان 3 / 393.
162

المصري، أخو محمد مفتي مصر، وعبد الرحمان صاحب التاريخ.
سمع أباه، وابن وهب. وكان ذا علم وعمل.
عذب ودخن عليه حتى مات مظلوما سنة سبع وثلاثين ومئتين كهلا،
اتهم بودائع لعلي بن الجروي.
قال ابن أبي دليم: لم يكن في إخوته أفقه منه.
وألزم بنو عبد الحكم في كائنة ابن الجروي بأكثر من ألف ألف دينار،
ونهبت دورهم. وبعد مدة جاء كتاب المتوكل بإطلاقهم، ورد بعض أموالهم
عليهم. وأخذ القاضي الأصم، وحلقت لحيته، وضرب بالسياط، وطيف
به على حمار. وكان جهميا ظلوما.
قال أبو الطاهر بن أبي عبيد الله المديني لم يكن في أصحاب ابن
وهب أتقن ولا أجود خطا من عبد الحكم.
وقال يحيى بن عثمان بن صالح: أحضر بنو عبد الحكم شهودا بأن ابن
الجروي أبرأهم، فأحضر وكيل ابن الجروي من شهد بخلاف ذلك، حتى
كاد أن تجري فتنة كبيرة. وبعث المتوكل مستخرجا للمال، فحكم على آل
عبد الحكم بألف ألف دينار، وأربع مئة ألف دينار، وأربعة آلاف دينار.
67 - ديك الجن *
كبير الشعراء، أبو محمد، عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن
حبيب الكلبي الحمصي السلماني (1) الشيعي.

* الأغاني 14 / 51، 68، وفيات الأعيان 3 / 184، 186.
(1) بفتح السين المشددة، وفتح اللام والميم أيضا، وبعد الألف نون، وهي نسبة إلى
سلمية، بفتح أوله وثانيه وسكون الميم وياء مثناة من تحت خفيفة، وهي بليدة في ناحية البرية
من أعمال حماة، بينهما مسيرة يومين. ولا يعرفها أهل الشام إلا بسلمية، بكسر الميم وفتح الياء
المثناة من تحت المشددة.
163

طريف ماجن خمير خليع بطال. وله مراث في الحسين.
مر به أبو نواس بحمص فأضافه، وقال: فتنت الناس (1) بقولك:
موردة من كف ظبي كأنما * تناولها من خده فأدارها (2)
وكان له مملوك مليح وسرية، فوجدهما في لحاف، فقتلهما، ثم تأسف
عليهما ورثاهما (3). وكان يصبغ لحيته بزنجار (4).
مات سنة خمس أو ست وثلاثين ومئتين.

(1) في " وفيات الأعيان ": " فتنت أهل العراق ".
(2) البيت مع الخبر في " وفيات الأعيان " 3 / 185.
(3) اشتهر ديك الجن بجارية نصرانية من أهل حمص، أحبها وتمادى به الامر حتى غلبت
عليه، وذهبت به. فلما اشتهر بها، دعاها إلى الاسلام ليتزوجها، فأجابته لعلمها برغبته فيها،
وأسلمت على يده فتزوجها، وكان اسمها ورد. وقد أعسر واختلت حاله، فرحل إلى سلمية
قاصدا أحمد بن علي الهاشمي، وأقام عنده مدة طويلة، فأذاع ابن عمه، بسب هجائه له، أنها
تهوى غلاما له، وقرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه. وشاع ذلك الخبر حتى أتى
عبد السلام، فاستأذن أحمد بن علي في الرجوع إلى حمص. وقدر ابن عمه وقت قدومه، فأرصد
له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص، وكان ذلك، فاخترط سيفه حين وصوله، فضربها به حتى
قتلها. وحينما بلغه الخبر على حقيقته وصحته، ندم ندما شديدا، ومكث شهرا لا يرقأ له دمع ولا
يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه. وقال في ندمه على قتلها:
يا طلعة طلع الحمام عليها * وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما * روى الهوى شفتي من شفتيها
قد بات سيفي في مجال وشاحها * ومدامعي تجري على خديها
فوحق نعليها وما وطئ الحصى * شئ أعز علي من نعليها
ما كان قتليها لاني لم أكن * أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضننت على العيون بحسنها * وأنفت من نظر الحسود إليها
انظر الخبر مفصلا في " الأغاني " 14 / 55، 58.
(4) الزنجار: المتولد في معادن النحاس معرب زنكار، وانظر " المعتمد " في الأدوية
المفردة " ص 208، 209.
164

68 - ابن عمار *
الوزير الكامل، أبو العباس، أحمد بن عمار بن شاذي البصري، وزير
المعتصم، وقور رزين مهيب، ذو عفة وصدق وخير. وكان جده طحانا.
ولى المعتصم أحمد العرض، فعرض الكتب عليه أشهرا، فورد كتاب
بليغ من الأمير عبد الله بن طاهر. فقال المعتصم: أجبه عنه سرا لاتعلم به أحدا.
فعجز، واحتاج إلى كاتب. وعرف بذلك المعتصم فصرفه، واستكتب ابن
الزيات، وكان أحد البلغاء.
الصولي: أخبرنا الباقطاني، أخبرنا أبي، قال: كان ابن عمار يتصدق
في كل يوم بمئة دينار، فكلم في كثرة ذلك، فقال: هو من فضل غلتي ومن
رزقي.
وجاء كتاب من الجبل بالاقبال وكثرة الغلال والكلا. فقال له المعتصم:
ما الكلأ؟ فما عرف، فسأل ابن الزيات، فقال: ما رطب من الحشيش.
وقيل: كان ابن عمار يختم القرآن في كل ثلاث، ثم إنه حج وجاور.
توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين بالبصرة في الكهولة في آخرها.
69 - إبراهيم بن محمد * * (ق، س)
ابن العباس بن عثمان بن شافع الامام المحدث، أبو إسحاق القرشي

* الوافي بالوفيات 7 / 255.
* * الجرح والتعديل 2 / 129، 130، تهذيب الكمال، ورقة: 63، العبر 1 / 425،
تذهيب التهذيب 1 / 41، طبقات الشافعية 2 / 80، 81، العقد الثمين 3 / 256، 257،
تهذيب التهذيب 1 / 154، خلاصة تذهيب الكمال: 21، شذرات الذهب 2 / 88.
165

المطلبي المكي، ابن عم الإمام الشافعي.
حدث عن: الحارث بن عمير، وحماد بن زيد، وجده لامه محمد بن
علي بن شافع، والمنكدر بن محمد، وسفيان بن عيينة، وداود العطار،
وجماعة.
روى عنه: ابن ماجة، وأحمد بن سيار، وبقي بن مخلد، ومطين،
وابن أبي عاصم، ومحمد بن محمد بن رجاء، وآخرون، ومسلم في غير
" صحيحه "، وروى النسائي عن رجل عنه.
قال النسائي والدار قطني: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين. وقيل: سنة سبع.
70 - الخزاعي * (د)
الامام الكبير الشهيد، أبو عبد الله، أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم
الخزاعي المروزي ثم البغدادي. كان جده أحد نقباء الدولة العباسية، وكان
أحمد أمارا بالمعروف، قوالا بالحق.
سمع من: مالك، وحماد بن زيد، وهشيم، وابن عيينة. وروى
قليلا.

* المحبر: 490، التاريخ الصغير 2 / 361، تاريخ الطبري 9 / 135، 139، و
190، الجرح والتعديل 2 / 79، تاريخ بغداد 5 / 173، 176، طبقات الحنابلة 1 / 80،
82، الأنساب 5 / 116، 117، الكامل في التاريخ 7 / 20، 23، تهذيب الكمال ورقة:
45، 46، العبر 1 / 408، تذهيب التهذيب 1 / 28، 29، الوافي بالوفيات 8 / 211،
212، طبقات الشافعية 2 / 51 وما بعدها، البداية والنهاية 10 / 303، 307، تهذيب
التهذيب 1 / 78، خلاصة تذهيب الكمال: 13، شذرات الذهب 2 / 69.
166

حدث عنه: عبد الله بن الدورقي، ومحمد بن يوسف بن الطباع،
ومعاوية بن صالح الأشعري، وآخرون
قال ابن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يترحم عليه، وقال: ختم الله
له بالشهادة، قد كتبت عنه، وكان عنده مصنفات هشيم كلها، وعن مالك
أحاديث. وكان يقول عن الخليفة: ما دخل عليه من يصدقه. ثم قال
يحيى: ما كان يحدث، ويقول: لست هناك.
قال الصولي: كان هو وسهل بن سلامة حين كان المأمون بخراسان
بايعا الناس على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قدم المأمون فبايعه
سهل، ولزم ابن نصر بيته، ثم تحرك في آخر أيام الواثق، واجتمع إليه خلق
يأمرون بالمعروف. قال: إلى أن ملكوا بغداد، وتعدى رجلان موسران من
أصحابه، فبذلا مالا، وعزما على الوثوب في سنة إحدى وثلاثين، فنم الخبر
إلى نائب بغداد إسحاق بن إبراهيم، فأخذ أحمد وصاحبيه وجماعة، ووجد
في منزل أحدهما أعلاما، وضرب خادما لأحمد، فأقر بأن هؤلاء كانوا
يأتون أحمد ليلا، ويخبرونه بما عملوا. فحملوا إلى سامراء مقيدين، فجلس
الواثق لهم، وقال لأحمد: دع ما أخذت له، ما تقول في القرآن؟ قال:
كلام الله. قال: أفمخلوق هو؟ قال: كلام الله. قال: فترى ربك في
القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية. قال: ويحك يرى كما يرى المحدود
المتجسم، ويحويه مكان ويحصره ناظر؟ أنا كفرت بمن هذه صفته، ما
تقولون فيه؟ فقال قاضي الجانب الغربي: هو حلال الدم، ووافقه فقهاء،
فأظهر أحمد بن أبي دؤاد أنه كاره لقتله. وقال: شيخ مختل، تغير عقله،
يؤخر. قال الواثق: ما أراه إلا مؤديا لكفره قائما بما يعتقده، ودعا
بالصمصامة، وقام. وقال: أحتسب خطاي إلى هذا الكافر. فضرب عنقه
167

بعد أن مدوا له رأسه بحبل وهو مقيد، ونصب رأسه بالجانب الشرقي، وتتبع
أصحابه فسجنوا.
قال الحسن بن محمد الحربي: سمعت جعفر بن محمد الصائغ،
يقول: رأيت أحمد بن نصر حين قتل قال رأسه: لا إله إلا الله.
قال المروذي: سمعت أحمد ذكر أحمد بن نصر، فقال: رحمه
الله، لقد جاد بنفسه.
وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر،
دعاه الامام هارون إلى القول بخلق القرآن، ونفي التشبيه، فأبى إلا
المعاندة، فعجله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.
وقيل: حنق (عليه) الواثق لأنه ذكر للواثق حديثا، فقال: تكذب.
فقال: بل أنت تكذب. وقيل: إنه قال له: يا صبي، ويقول في خلوته عن
الواثق: فعل هذا الخنزير. ثم إن الواثق خاف من خروجه، فقتله في شعبان
سنة إحدى وثلاثين، وكان أبيض الرأس واللحية.
ونقل عن الموكل بالرأس أنه سمعه في الليل يقرأ: (يس) وصح
أنهم أقعدوا رجلا بقصبة (1)، فكانت الريح تدير الرأس إلى القبلة، فيديره
الرجل.
قال السراج: سمعت خلف بن سالم، يقول بعدما قتل ابن نصر،
وقيل له: ألا تسمع ما الناس فيه يقولون: إن رأس أحمد بن نصر يقرأ؟!!
فقال: كان رأس يحيى يقرأ. وقيل: رئي في النوم، فقيل: ما فعل الله
بك؟ قال: ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله، فضحك إلي. وقيل: إنه

(1) الخبر في " تاريخ بغداد " 5 / 179، وفيه: فأقعدوا له رجلا معه قصبة أو رمح...
168

قال: غضبت له فأباحني النظر إلى وجهه.
بقي الرأس منصوبا ببغداد، والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن
أنزل، وجمع في سنة سبع وثلاثين، فدفن رحمة الله عليه.
71 - أحمد بن أبي دواد *
القاضي الكبير، أبو عبد الله، أحمد بن فرج بن حريز الأيادي
البصري ثم البغدادي، الجهمي، عدو أحمد بن حنبل. كان داعية إلى خلق
القرآن، له كرم وسخاء وأدب وافر ومكارم.
قال الصولي: أكرم الدولة البرامكة، ثم ابن أبي دواد لولا ما وضع به
نفسه من محبة المحنة.
ولد سنة ستين ومئة بالبصرة، ولم يضف إلى كرمه كرم.
قال حريز بن أحمد بن أبي دواد: كان أبي إذا صلى، رفع يده إلى
السماء وخاطب ربه ويقول:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما * نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك، وإنما * يدعى الطبيب لساعة الأوصاب (1)
وقال أبو العيناء: كان ابن أبي دواد شاعرا مجيدا فصيحا بليغا، ما رأيت
رئيسا أفصح منه.

* تاريخ الطبري 9 / 197، الفهرست: 212، تاريخ بغداد 4 / 141، 156، وفيات
الأعيان 1 / 81، 91، ميزان الاعتدال 1 / 97، العبر 1 / 431، الوافي بالوفيات 7 / 281،
285، البداية والنهاية 10 / 319، النجوم الزاهرة 2 / 302، لسان الميزان 1 / 171، شذرات
الذهب: 2 / 93.
(1) البيتان في " وفيات الأعيان " 1 / 87، وروايته: " لشدة " بدل: " لساعة " وفي
" تاريخ بغداد " 4 / 143، وفي " البداية والنهاية " 10 / 320.
169

قال عون بن محمد الكندي: لعهدي بالكرخ، ولو أن رجلا قال: ابن أبي
دواد مسلم، لقتل. ثم وقع الحريق في الكرخ، فلم يكن مثله قط. فكلم ابن
أبي دواد المعتصم في الناس، ورققه إلى أن أطلق له خمسة آلاف ألف
درهم، فقسمها على الناس، وغرم من ماله جملة. فلعهدي بالكرخ، ولو
أن إنسانا، قال: زر أحمد بن أبي دواد وسخ، لقتل.
ولما مات، رثته الشعراء، فمن ذلك:
وليس نسيم المسك ريح حنوطه * ولكنه ذاك الثناء المخلف
وليس صرير النعش ما تسمعونه * ولكنه أصلاب قوم تقصف (1)
وقد كان ابن أبي دواد يوم المحنة إلبا على الإمام أحمد، يقول: يا أمير
المؤمنين، اقتله، هو ضال مضل.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي، سمعت بشر بن الوليد، يقول:
استتبت أحمد بن أبي دواد من قوله: القرآن مخلوق في ليلة ثلاث مرات، ثم
يرجع.
قال الخلال: حدثنا محمد بن أبي هارون، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن
هانئ، قال: حضرت العيد مع أحمد بن حنبل، فإذا بقاص يقول: على ابن
أبي دواد اللعنة، وحشا الله قبره نارا. فقال أبو عبد الله: ما أنفعهم للعامة.
وقد كان ابن أبي دواد محسنا إلى علي بن المديني بالمال، لأنه بلدية
ولشئ آخر، وقد شاخ ورمي بالفالج، وعاده عبد العزيز الكناني (2)، وقال: لم

(1) البيتان في " النجوم الزاهرة " 2 / 203، وفي " تاريخ بغداد " 4 / 151، و " الوافي
بالوفيات " 7 / 284، و " وفيات الأعيان " 1 / 90. والرواية في المصدرين الأخيرين: " فتيق
المسك " بدل " نسيم المسك ".
(2) هو عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكناني المكي، من تلامذة الإمام الشافعي
المقتبسين منه، المعترفين بفضله. وكان يلقب بالغول لدمامته. وقدم بغداد في أيام المأمون،
فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن. له عدة تصانيف، وهو صاحب كتاب
" الحيدة "، إلا أن المؤلف في " ميزانه " 2 / 639 قال: لا يصح إسناده إليه، فكأنه وضع عليه.
مترجم في " التهذيب ". توفي سنة 240 ه‍.
170

آتك عائدا، بل لأحمد الله على أن سجنك في جلدك.
قال المغيرة بن محمد المهلبي: مات هو وولده محمد منكوبين، الولد
أولا، ثم مات الأب في المحرم سنة أربعين ومئتين، ودفن بداره ببغداد.
قلت: صادره المتوكل، وأخذ منه ستة عشر ألف ألف درهم،
وافتقر، وولى القضاء يحيى بن أكثم، ثم عزله بعد عامين، وأخذ منه مئة
ألف دينار وأربعة آلاف جريب كانت له بالبصرة. فالدنيا محن.
72 - إسحاق بن إبراهيم *
ابن مصعب الخزاعي أمير بغداد، وليها نحوا من ثلاثين سنة، وعلى
يده امتحن العلماء بأمر المأمون في خلق القرآن.
وكان سائسا صارما جوادا ممدحا، له فضيلة ومعرفة ودهاء.
مات سنة خمس وثلاثين ومئتين.
وولي بعده بغداد ابنه محمد.
73 - الحسن بن سهل * *
الوزير الكامل، أبو محمد، حمو المأمون، وأخو الوزير ذي
الرئاستين الفضل بن سهل، من بيت حشمة من المجوس، فأسلم سهل

* تاريخ الطبري، الجزء 9، الكامل في التاريخ، الجزء 7، شذرات الذهب 2 / 84،
العبر 1 / 420، الوافي بالوفيات 8 / 396، 397.
* * تاريخ الطبري 9 / 184، 185، تاريخ بغداد 7 / 319، 313، وفيات الأعيان
2 / 120، 123، العبر 1 / 423، المحبر: 489، البداية والنهاية 10 / 315، النجوم
الزاهرة، 2 / 287، شذرات الذهب 2 / 86.
171

زمن البرامكة، فكان قهرمانا ليحيى البرمكي. ونشأ الفضل مع المأمون
فغلب عليه، وتمكن جدا إلى أن قتل. فاستوزر المأمون بعده أخاه، ولم
يزل في توقل (1) إلى أن تزوج المأمون ببنته بوران سنة عشر ومئتين، فلا
يوصف ما غرم الحسن على عرسها. ويقال: نابه على مجرد الوليمة والنثار
أربعة آلاف ألف دينار.
وعاش بعد المأمون في أوفر عز وحرمة، وكان يدعى بالأمير.
شكى إليه الحسن بن وهب الكاتب إضاقة فوصله بمئة ألف. ووصل
محمد بن عبد الملك الزيات مرة بعشرين ألفا، ومرة بخمسة آلاف دينار.
وكان فردا في الجود، أراد أن يكتب لسقاء مرة ألف درهم، فسبقته
يده، فكتب ألف ألف درهم، فروجع في ذلك، فقال: والله لا أرجع عن
شئ كتبته يدي، فصولح السقاء على جملة (2).
مات بسرخس في ذي القعدة سنة ست وثلاثين ومئتين. وعاشت بوران
إلى حدود السبعين ومئتين.
74 - ابن الزيات *
الوزير الأديب العلامة أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن أبان بن
الزيات. كان والده زياتا سوقيا، فساد هذا بالأدب وفنونه، وبراعة النظم

(1) أي في صعود وترق.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 7 / 323 وفيه: فصولح السقاء على جملة منها، ودفعت
إليه.
* تاريخ الطبري 11 / 27، تاريخ بغداد 2 / 342، 344، الأنساب 6 / 356، 357،
الكامل لابن الأثير 7 / 36، 39، وفيات الأعيان 4 / 182، 188 و 5 / 94، 101، العبر
1 / 414، الوافي بالوفيات 4 / 32، 34، البداية والنهاية 10 / 346، النجوم الزاهرة 2 / 271،
272، شذرات الذهب 2 / 78، 79، خزانة الأدب 1 / 215، 216.
172

والنثر، ووزر للمعتصم وللواثق، وكان معاديا لابن أبي دواد، فأغرى ابن
أبي دواد المتوكل، حتى صادر ابن الزيات وعذبه.
وكان يقول بخلق القرآن، ويقول: ما رحمت أحدا قط، الرحمة خور
في الطبع (1). فسجن في قفص حرج، جهاته بمسامير كالمسال، فكان
يصيح: ارحموني، فيقولون: الرحمة خور في الطبيعة (2).
مات في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين. وله ترسل بديع، وبلاغة
مشهورة، وأخبار في " وفيات الأعيان ".
75 - العلاف *
شيخ الكلام، ورأس الاعتزال، أبو الهذيل، محمد بن الهذيل بن
عبيد الله البصري العلاف، صاحب التصانيف، والذكاء البارع. يقال:
قارب مئة سنة، وخرف، وعمي.
مات سنة ست وعشرين، ويقال: سنة خمس وثلاثين ومئتين.
ومولده سنة خمس وثلاثين ومئة.

(1) في " وفيات الأعيان " 4 / 187: " الطبيعة ".
(2) انظر الخبر في المصدر السابق، وفي الصفحة ذاتها. وفيه أنه طلب دواة وبطاقة،
فأحضرتا إليه، فكتب:
هي السبيل فمن يوم إلى يوم * كأنه ما تريك العين في النوم
لا تجزعن، رويدا، إنها دول * دنيا تنقل من قوم إلى قوم
وسيرها إلى المتوكل، ولم يقف عليها المتوكل إلا في الغد. فلما قرأها، أمر بإخراجه،
فجاؤوا إليه، فوجدوه ميتا... وكانت مدة إقامته في التنور أربعين يوما.
* مروج الذهب 2 / 298، الفهرست: 203، 204، تاريخ بغداد 3 / 366، 370،
وفيات الأعيان 4 / 265، 267، العبر 1 / 422، الوافي بالوفيات 5 / 161، 163، نكت
الهميان: 277، أمالي المرتضى 1 / 124، شذرات الذهب 2 / 85.
173

لم يلق عمرو بن عبيد، بل لازم تلميذه عثمان بن خالد الطويل،
وقيل: ولاؤه لعبد القيس.
مات لصالح بن عبد القدوس المتكلم ولد، فأتاه العلاف يعزيه، فرآه
جزعا، فقال: ما هذا الجزع، وعندك أن المرء كالزرع؟ قال: يا أبا الهذيل
جزعت عليه لكونه ما قرأ كتاب " الشكوك " لي. فمن قرأه، يشك فيما كان
حتى يتوهم أنه لم يكن، وفيما لم يكن حتى يظن أنه كان. قال: فشك أنت في
موت ابنك، وظن أنه لم يمت، وشك أنه قد قرأ كتاب " الشكوك ".
ولأبي الهذيل كتاب في الرد على المجوس، ورد على اليهود، ورد
على المشبهة، ورد على الملحدين، ورد على السوفسطائية، وتصانيفه
كثيرة، ولكنها لا توجد.
76 - ابن كلاب *
رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، أبو محمد، عبد الله بن سعيد بن
كلاب القطان البصري صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة، وربما
وافقهم.
أخذ عنه الكلام داود الظاهري، قاله أبو الطاهر الذهلي.
وقيل: إن الحارث المحاسبي أخذ علم النظر والجدل عنه أيضا.
وكان يلقب كلابا لأنه كان يجر الخصم إلى نفسه ببيانه وبلاغته.
وأصحابه هم الكلابية، لحق بعضهم أبو الحسن الأشعري، وكان يرد على
الجهمية.

* الفهرست: 230، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 299، 300، لسان الميزان
3 / 290، 291، مقالات الاسلاميين 1 / 249 وما بعدها و 2 / 225 وما بعدها.
174

وقال بعض من لا يعلم: إنه ابتدع ما ابتدعه ليدس دين النصارى في
ملتنا، وإنه أرضى أخته بذلك، وهذا باطل، والرجل أقرب المتكلمين إلى
السنة، بل هو في مناظريهم (1). وكان يقول بأن القرآن قائم بالذات بلا
قدرة ولا مشيئة. وهذا ما سبق إليه أبدا، قاله في معارضة من يقول بخلق
القرآن. وصنف في التوحيد، وإثبات الصفات، وأن علو الباري على خلقه
معلوم بالفطرة والعقل على وفق النص، وكذلك قال المحاسبي في كتاب
" فهم القرآن ". ولم أقع بوفاة ابن كلاب. وقد كان باقيا قبل الأربعين
ومئتين.
وذكر له ابن النجار ترجمة فلم يحررها، وذكر أنه كان في أيام الجنيد،
وسمع شيئا من عبارات الصوفية، وتعجب منه وهابه.
قال محمد بن إسحاق النديم: وابن كلاب من نابتة الحشوية، له مع
عباد بن سلمان مناظرات، فيقول: كلام الله هو الله، فيقول عباد: هو
نصراني بهذا القول.
وقال أبو العباس البغوي: قال لي فيثون النصراني: رحم الله عبد
الله، كان يجيئني إلى البيعة، وأخذ عني، ولو عاش لنصرنا المسلمين.
فقيل لفيثون: ما تقول في المسيح؟ قال: ما يقوله أهل سنتكم في القرآن.

(1) كان إمام أهل السنة في عصره، وإليه مرجعها، وقد وصفه إمام الحرمين ت 478 ه‍ في
كتابه " الارشاد " ص: 119: بأنه من أصحابنا. وقال السبكي في " طبقاته ": أحد أئمة
المتكلمين. وشيخ الاسلام ابن تيمية يمدحه في غير ما موضع في كتابه " منهاج السنة "، وفي
مجموعة رسائله ومسائله، ويعده من حذاق المثبتة وأئمتهم، ويرى أنه شارك الإمام أحمد وغيره من
أئمة السلف في الرد على مقالات الجهمية. وحين تكلم أبو الحسن الأشعري في كتابه " مقالات
الاسلاميين "؟ / 189، 299 عن أصحابه، ذكر أنهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن أهل السنة.
175

ولابن كلاب كتاب " الصفات "، وكتاب " خلق الافعال "، و " كتاب الرد
على المعتزلة ".
77 - ابن بنت السدي * (د، ت، ق)
الشيخ الامام محدث الكوفة، أبو محمد، وقيل: أبو إسحاق،
إبراهيم (1) بن موسى الفزاري الكوفي سبط إسماعيل السدي.
سمع عمر بن شاكر الراوي عن أنس، وشريك بن عبد الله، ومالك بن
أنس، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وأبو
عروبة، وخلق.
قال أبو حاتم: صدوق. سمعته يقول: سمتني أمي باسم إسماعيل
السدي، فسألته عن قرابته من السدي، فأنكر أن يكون ابن بنته، وإذا قرابته
منه بعيدة. فهذه رواية ثابتة تدفع أنه ابن ابنة السدي، لكنه شئ غلب
عليه.
وكان من شيعة الكوفة. وقيل: كان غاليا.
قال عبدان الأهوازي: أنكر علينا أبو بكر بن أبي شيبة، أو هناد مضينا

* التاريخ الكبير 1 / 373، التاريخ الصغير 2 / 382، الجرح والتعديل 2 / 196،
الكامل لابن عدي، ورقة: 7، 8، الأنساب 7 / 63، اللباب 1 / 444، تهذيب الكمال،
ورقة: 112، تذهيب التهذيب 1 / 68 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 251، البداية والنهاية
10 / 346، تهذيب التهذيب 1 / 335، 336، خلاصة تذهيب الكمال: 36، شذرات
الذهب 2 / 107.
(1) هو في كتب التراجم إسماعيل بن موسى الفزاري، وليس إبراهيم. انظر مصادر
ترجمته. وكذا صرح الذهبي نفسه في الصفحة التالية.
176

إلى إسماعيل بن موسى، وقال: أيش عملتم عند ذاك الفاسق الذي يشتم
السلف. رواها ابن عدي. ثم قال: أوصل عن مالك حديثين، وتفرد عن
شريك بأحاديث، وإنما أنكروا غلوه في التشيع.
وقال علي بن جعفر: أخبرنا إسماعيل بن بنت السدي، قال: كنت
في مجلس مالك، فسئل عن فريضة، فأجاب بقول زيد، فقلت ما قال فيها
علي وابن مسعود، رضي الله عنهما، فأومأ إلى الحجبة، فلما هموا بي
عدوت وأعجزتهم، فقالوا: ما نصنع بكتبه ومحبرته؟ فقال: اطلبوه برفق،
فجاؤوا إلي فجئت معهم. فقال مالك: من أين أنت؟ قلت: من الكوفة
قال: فأين خلفت الأدب؟ فقلت: إنما ذاكرتك لأستفيد. فقال: إن عليا
وعبد الله لا ينكر فضلهما، وأهل بلدنا على قول زيد بن ثابت، وإذا كنت
بين قوم، فلا تبدأهم بما لا يعرفون، فيبدأك منهم ما تكره.
توفي إسماعيل الفزاري في سنة خمس وأربعين ومئتين. وكان من أبناء
التسعين، سامحه الله.
ومات معه أحمد بن عبدة الضبي، وهشام بن عمار، وأبو الحسن أحمد
ابن محمد النبال مقرئ مكة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن نصر
النيسابوري، وذو النون المصري الواعظ، وسوار بن عبد الله العنبري،
وعبد الله بن عمران العابدي، ودحيم، ومحمد بن رافع، وأبو تراب
النخشبي الزاهد.
78 - أحمد بن حنبل * (ع)
هو الامام حقا، وشيخ الاسلام صدقا، أبو عبد الله، أحمد بن

* طبقات ابن سعد 7 / 354، 355، مقدمة كتابه " الزهد "، التاريخ الكبير 2 / 5،
التاريخ الصغير 2 / 375، تاريخ الفسوي 1 / 212، الجرح والتعديل 1 / 292 - 313
و 2 / 68، 70، حلية الأولياء 9 / 161، 233، الفهرست: 285، تاريخ بغداد 4 / 412،
423، طبقات الحنابلة 1 / 4، 20، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 110، 112، وفيات
الأعيان 1 / 63، 65، تهذيب الكمال، ورقة: 36، تذكرة الحفاظ 2 / 431، العبر 1 / 435،
تذهيب التهذيب 1 / 22، الوافي بالوفيات 6 / 363، 369، مرآة الجنان 2 / 132، طبقات
الشافعية للسبكي 2 / 27، 37، البداية والنهاية 10 / 325، 343، غاية النهاية في طبقات
القراء 1 / 112، النجوم الزاهرة 2 / 304، 306، طبقات الحفاظ: 186، مناقب الإمام أحمد
، خلاصة تذهيب الكمال: 11، 12، طبقات المفسرين 1 / 70، الرسالة المستطرفة:
18، شذرات الذهب 2 / 96، 98.
177

محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله
ابن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن
صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي،
أحد الأئمة الاعلام. هكذا ساق نسبه ولده عبد الله، واعتمده أبو بكر
الخطيب في " تاريخه " وغيره.
وقال الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب " مناقب أحمد ":
حدثنا صالح بن أحمد، قال: وجدت في كتاب أبي نسبه، فساقه إلى
مازن، كما مر، ثم قال: ابن هذيل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة، كذا قال:
هذيل، وهو وهم (1)، وزاد بعد وائل: ابن قاسط بن هنب بن أفصى بن
دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن
الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم، صلوات الله عليه.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا صالح بن أحمد فذكر النسب، فقال فيه
ذهل على الصواب. وهكذا نقل إسحاق الغسيلي عن صالح.
وأما قول عباس الدوري، وأبي (2) بكر بن أبي داود: إن الإمام أحمد

(1) في " تاريخ الاسلام ": وهو غلط.
(2) في الأصل: " أبو ".
178

من بني ذهل بن شيبان فوهم، غلطهما الخطيب وقال: إنما هو من بني شيبان بن
ذهل بن ثعلبة، ثم قال: وذهل بن ثعلبة هم (1) عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة.
فينبغي أن يقال فيه: أحمد بن حنبل الذهلي على الاطلاق. وقد نسبه أبو عبد الله
البخاري إليهما معا.
وأما ابن ماكولا فمع بصره بهذا الشأن وهم أيضا. وقال في نسبه:
مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وما تابعه على هذا أحد.
وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو، مات شابا له نحو من
ثلاثين سنة. وربي أحمد يتيما، وقيل: إن أمه تحولت من مرو، وهي حامل
به.
فقال صالح، قال لي أبي: ولدت في ربيع الأول سنة أربع وستين
ومئة. قال صالح: جئ بأبي حمل من مرو، فمات أبوه شابا، فوليته أمه.
وقال عبد الله بن أحمد، وأحمد بن أبي خيثمة: ولد في ربيع الآخر.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله، يقول: طلبت الحديث سنة تسع
وسبعين، فسمعت بموت حماد بن زيد، وأنا في مجلس هشيم.
قال صالح: قال أبي: ثقبت أمي أذني فكانت تصير فيهما
لؤلؤتين، فلما ترعرعت، نزعتهما، فكانت (2) عندها، ثم دفعتهما إلي،
فبعتهما بنحو من ثلاثين درهما.
قال أبو داود: سمعت يعقوب الدورقي، سمعت أحمد يقول: ولدت
في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين (ومئة) (3).

(1) في " تاريخ الاسلام ": " هو " بدلا من " هم ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " فكانتا ".
(3) ما بين حاصرتين زيادة من " تاريخ الاسلام ".
179

شيوخه:
طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، في العالم الذي مات فيه
مالك، وحماد بن زيد.
فسمع من إبراهيم بن سعد قليلا، ومن هشيم بن بشير فأكثر، وجود، ومن
عباد بن عباد المهلبي، ومعتمر بن سليمان التيمي، وسفيان بن عيينة الهلالي،
وأيوب بن النجار، ويحيى بن أبي زائدة، وعلي بن هاشم بن البريد (1)،
وقران بن تمام، وعمار بن محمد الثوري، والقاضي أبي يوسف، وجابر بن
نوح الحماني، وعلي بن غراب القاضي، وعمر بن عبيد الطنافسي، وأخويه
يعلى، ومحمد، والمطلب بن زياد، ويوسف بن الماجشون، وجرير بن
عبد الحميد، وخالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وعباد بن العوام،
وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وعبد العزيز بن عبد
الصمد العمي، وعبدة بن سليمان، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية،
والنضر بن إسماعيل البجلي، وأبي خالد الأحمر، وعلي بن ثابت
الجزري، وأبي عبيدة الحداد، وعبيدة بن حميد الحذاء، ومحمد بن سلمة
الحراني، وأبي معاوية الضرير، وعبد الله بن إدريس، ومروان بن معاوية،
وغندر، وابن علية، ومخلد بن يزيد الحراني، وحفص بن غياث، وعبد
الوهاب الثقفي، ومحمد بن فضيل، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي،
والوليد بن مسلم، ويحيى بن سليم حديثا واحدا، ومحمد بن يزيد
الواسطي، ومحمد بن الحسن المزني الواسطي، ويزيد بن هارون، وعلي
ابن عاصم، وشعيب بن حرب، ووكيع فأكثر، ويحيى القطان فبالغ،
ومسكين بن بكير، وأنس بن عياض الليثي، وإسحاق الأزرق، ومعاذ بن

(1) بفتح الموحدة، وبعد الراء تحتانية ساكنة، كما في " تقريب التهذيب " 2 / 45.
180

معاذ، ومعاذ بن هشام، وعبد الاعلى السامي، ومحمد بن أبي عدي، وعبد
الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر، وزيد بن
الحباب، وعبد الله بن بكر، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأبي عاصم،
وعبد الرزاق، وأبي نعيم، وعفان، وحسين بن علي الجعفي، وأبي
النضر، ويحيى بن آدم، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وحجاج بن محمد،
وأبي عامر العقدي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وروح بن عبادة، وأسود
ابن عامر، ووهب بن جرير، ويونس بن محمد، وسليمان بن حرب،
ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وخلائق إلى أن ينزل في الرواية عن قتيبة بن
سعيد، وعلي بن المديني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وهارون بن معروف،
وجماعة من أقرانه.
فعدة شيوخه الذين روى عنهم في " المسند " مئتان وثمانون ونيف.
قال عبد الله: حدثني أبي، قال حدثنا علي بن عبد الله، وذلك قبل
المحنة. قال عبد الله: ولم يحدث أبي عنه بعد المحنة بشئ.
قلت: يريد عبد الله بهذا القول أن أباه لم يحمل عنه بعد المحنة
شيئا، وإلا فسماع عبد الله بن أحمد لسائر كتاب " المسند " من أبيه كان بعد
المحنة بسنوات في حدود سنة سبع وثمان وعشرين ومئتين، وما سمع عبد الله
شيئا من أبيه ولا من غيره إلا بعد المحنة، فإنه كان أيام المحنة صبيا مميزا ما
كان حله يسمع بعد والله أعلم.
حدث عنه البخاري حديثا، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثا آخر في
المغازي. وحدث عنه مسلم، وأبو داود بجملة وافرة، وروى أبو داود،
والنسائي، والترمذي، وابن ماجة عن رجل عنه، وحدث عنه أيضا ولداه
صالح وعبد الله، وابن عمه حنبل بن إسحاق، وشيوخه عبد الرزاق،
181

والحسن بن موسى الأشيب، وأبو عبد الله الشافعي، لكن الشافعي لم
يسمه، بل قال: حدثني الثقة. وحدث عنه علي بن المديني، ويحيى بن
معين، ودحيم، وأحمد بن صالح، وأحمد بن أبي الحواري، ومحمد بن
يحيى الذهلي، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن الفرات، والحسن
ابن الصباح البزار، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وحجاج بن
الشاعر، ورجاء بن مرجى، وسلمة بن شبيب، وأبو قلابة الرقاشي،
والفضل بن سهل الأعرج، ومحمد بن منصور الطوسي، وزياد بن أيوب،
وعباس الدوري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وحرب بن إسماعيل الكرماني،
وإسحاق الكوسج، وأبو بكر الأثرم، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر المروذي،
وأبو زرعة الدمشقي، وبقي بن مخلد، وأحمد بن أصرم المغفلي، وأحمد
ابن منصور الرمادي، وأحمد بن ملاعب، وأحمد بن أبي خيثمة، وموسى
ابن هارون، وأحمد بن علي الأبار، ومحمد بن عبد الله مطين (1)، وأبو
طالب أحمد بن حميد، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وولده إسحاق بن
إبراهيم، وبدر المغازلي، وزكريا بن يحيى الناقد، ويوسف بن موسى
الحربي، وأبو محمد فوران، وعبدوس بن مالك العطار، ويعقوب بن
بختان، ومهنى بن يحيى الشامي، وحمدان بن علي الوراق، وأحمد بن
محمد القاضي البرتي، والحسين بن إسحاق التستري، وإبراهيم بن محمد
ابن الحارث الأصبهاني، وأحمد بن يحيى ثعلب، وأحمد بن الحسن بن عبد
الجبار الصوفي، وإدريس بن عبد الكريم الحداد، وعمر بن حفص
السدوسي، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن عبد

(1) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الياء المفتوحة، لقب محمد بن عبد الله بن سليمان
الحضرمي الحافظ. انظر " المشتبه " للمؤلف الذهبي ص: 488، و " شرح القاموس "
9 / 270، و " طبقات الحنابلة " ص: 217، و " تذكرة الحفاظ " 2 / 210، 211.
182

الرحمن السامي، وعبد الله بن محمد البغوي، وأمم سواهم.
وقد جمع أبو محمد الخلال جزءا في تسمية الرواة عن أحمد سمعناه
من الحسن بن علي، عن جعفر، عن السلفي، عن جعفر السراج عنه،
قعد فيهم وكيع بن الجراح، ويحيى بن آدم.
قال الخطيب في كتاب " السابق ": أخبرنا أبو سعيد الصيرفي،
حدثنا الأصم، حدثنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة من أصحابنا،
عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق، أن عمر
قال: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة (1).
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة أن أحمد أصله بصري، وخطته
بمرو، وحدثنا صالح سمعت أبي يقول: مات هشيم فخرجت إلى الكوفة سنة
ثلاث وثمانين، وأول رحلاتي إلى البصرة سنة ست. وخرجت إلى سفيان
سنة سبع فقدمنا، وقد مات الفضيل بن عياض. وحججت خمس حجج،
منها ثلاث راجلا، أنفقت في إحداها ثلاثين درهما. وقدم ابن المبارك في
سنة تسع وسبعين، وفيها أول سماعي من هشيم، فذهبت إلى مجلس ابن
المبارك، فقالوا: قد خرج إلى طرسوس، وكتبت عن هشيم أكثر من ثلاثة
آلاف. ولو كان عندي خمسون درهما، لخرجت إلى جرير إلى الري.
- قلت: قد سمع منه أحاديث - قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عن إبراهيم
ابن سعد في ألواح، وصليت خلفه غير مرة، فكان يسلم واحدة. وقد روى
عن أحمد من شيوخه ابن مهدي.
فقرأت على إسماعيل بن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا المبارك بن

(1) وأخرجه عبد الرزاق (9689) بإسناد صحيح، عن طارق بن شهاب أن عمر كتب إلى
عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة. وهو في " سنن البيهقي " 9 / 50.
183

خضير، أخبرنا أبو طالب اليوسفي، أخبرنا إبراهيم بن عمر، أخبرنا علي بن
عبد العزيز، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت عبد
الرحمن بن مهدي، يقول: كان أحمد بن حنبل عندي، فقال: نظرنا فيما
كان يخالفكم فيه وكيع، أو فيما يخالف وكيع الناس، فإذا هي نيف
وستون (1) حديثا.
روى صالح بن أحمد، عن أبيه، قال: مات هشيم، وأنا ابن عشرين
سنة، وأنا أحفظ ما سمعت عنه.
ومن صفته:
قال ابن ذريح العكبري: طلبت أحمد بن حنبل (2)، فسلمت عليه،
وكان شيخا مخضوبا طوالا أسمر شديد السمرة. قال أحمد: سمعت من
علي بن هاشم سنة تسع وسبعين، فأتيته المجلس الآخر، وقد مات. وهي
السنة التي مات فيها مالك، وأقمت بمكة سنة سبع وتسعين، وأقمت عند
عبد الرزاق سنة تسع وتسعين. ورأيت ابن وهب بمكة، ولم أكتب عنه.
قال محمد بن حاتم: ولي حنبل جد الامام سرخس، وكان من أبناء
الدعوة، فحدثت أنه ضربه المسيب بن زهير ببخارى لكونه شغب الجند.
وعن محمد بن عباس (3) النحوي، قال: رأيت أحمد بن حنبل حسن
الوجه، ربعة، يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني، في لحيته شعرات
سود، ورأيت ثيابه غلاظا بيضا، ورأيته معتما وعليه إزار.

(1) في الأصل: " وستين " وهو خطأ.
(2) في " تاريخ الاسلام " زيادة: " لا سأله عن مسألة ".
(3) في " تاريخ الاسلام ": " وعن عباس النحوي ".
184

وقال المروذي: رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت عامة جلوسه متربعا
خاشعا. فإذا كان برا، لم يتبين منه شدة خشوع، وكنت أدخل، والجزء في
يده يقرأ.
رحلته وحفظه:
قال صالح: سمعت أبي يقول: خرجت إلى الكوفة، فكنت في بيت
تحت رأسي لبنة، فحججت، فرجعت إلى أمي، ولم أكن استأذنتها.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله، يقول: تزوجت وأنا ابن أربعين
سنة، فرزق الله خيرا كثيرا.
قال أبو بكر الخلال في كتاب " أخلاق أحمد "، وهو مجلد: أملى
علي زهير بن صالح بن أحمد، قال: تزوج جدي عباسة بنت الفضل من
العرب، فلم يولد له منها غير أبي. وتوفيت فتزوج بعدها ريحانة، فولدت
عبد الله عمي، ثم توفيت، فاشترى حسن، فولدت أم علي زينب، وولدت
الحسن والحسين توأما (1)، وماتا بقرب ولادتهما، ثم ولدت الحسن
ومحمدا، فعاشا حتى صارا من السن إلى نحو من أربعين سنة، ثم ولدت
سعيدا.
قيل: كانت والدة عبد الله عوراء، وأقامت معه سنين.
قال المروذي: قال لي أبو عبد الله: اختلفت إلى الكتاب، ثم
اختلفت إلى الديوان، وأنا ابن أربع عشرة سنة.

(1) في الأصل: " توم ". قال ابن سيدة: يقال للذكر توأم، وللأنثى توأمة. فإذا
جمعوهما، قالوا: توأمان، وهما توأم.
185

وذكر الخلال حكايات في عقل أحمد وحياته في المكتب وورعه في
الصغر.
حدثنا المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: مات هشيم ولي
عشرون سنة، فخرجت أنا والأعرابي رفيق كان لأبي عبد الله، قال: فخرجنا
مشاة، فوصلنا الكوفة، يعني: في سنة ثلاث وثمانين، فأتينا أبا معاوية،
وعنده الخلق، فأعطى الأعرابي حجة بستين درهما، فخرج وتركني في بيت
وحدي، فاستوحشت، وليس معي إلا جراب فيه كتبي، كنت أضعه فوق
لبنة، وأضع رأسي عليه. وكنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري، وذكر مرة
شيئا، فقال: هذا عند هشيم؟ فقلت: لا. وكان ربما ذكر العشر أحاديث
فأحفظها، فإذا قام، قالوا لي، فأمليها عليهم.
وحدثنا عبد الله بن أحمد، قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب
وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالاسناد،
وإن شئت بالاسناد حتى أخبرك أنا بالكلام.
وحدثنا عبد الله بن أحمد: سمعت سفيان بن وكيع، يقول: أحفظ
عن أبيك مسألة من نحو أربعين سنة. سئل عن الطلاق قبل النكاح، فقال:
يروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن علي وابن عباس ونيف وعشرين من التابعين،
لم يروا به بأسا. فسألت أبي عن ذلك، فقال: صدق، كذا قلت.
قال: وحفظت أني سمعت أبا بكر بن حماد، يقول: سمعت أبا بكر
ابن أبي شيبة، يقول: لا يقال لأحمد بن حنبل: من أين قلت؟
وسمعت أبا إسماعيل الترمذي، يذكر عن ابن نمير، قال: كنت عند
وكيع، فجاءه رجل، أو قال: جماعة من أصحاب أبي حنيفة، فقالوا له: ها هنا
رجل بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين، فلم يعرفه وكيع. فبينا نحن إذ
186

طلع أحمد بن حنبل، فقالوا: هذا هو، فقال وكيع: ها هنا يا أبا عبد الله،
فأفرجوا له، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون. وجعل أبو عبد
الله يحتج بالأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا لوكيع: هذا بحضرتك ترى ما
يقول؟ فقال: رجل يقول: قال رسول الله، أيش أقول له؟ ثم قال: ليس
القول إلا كما قلت يا أبا عبد الله، فقال القوم لوكيع: خدعك والله
البغدادي.
قال عارم: وضع أحمد عندي نفقته، فقلت له يوما، يا أبا عبد الله،
بلغني أنك من العرب. فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين. فلم يزل
يدافعني حتى خرج، ولم يقل لي شيئا.
قال الخلال: أخبرنا المروذي: أن أبا عبد الله، قال: ما تزوجت إلا
بعد الأربعين.
وعن أحمد الدورقي، عن أبي عبد الله، قال: نحن كتبنا الحديث من
ستة وجوه وسبعة لم نضبطه، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد؟! قال
عبد الله بن أحمد: قال لي أبو زرعة. أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقيل
له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك
المكرر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك. وإلا فالمتون
المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك.
قال ابن أبي حاتم: قال سعيد بن عمرو: يا أبا زرعة، أأنت أحفظ،
أم أحمد؟ قال: بل أحمد. قلت: كيف علمت؟ قال: وجدت كتبه ليس
في أوائل الاجزاء أسماء الذين حدثوه. فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه،
وأنا لا أقدر على هذا.
187

وعن أبي زرعة قال: حزرت كتب أحمد يوم مات، فبلغت اثني عشر
حملا وعدلا (1). ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه
حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه (2).
وقال حسن بن منبه: سمعت أبا زرعة، يقول: أخرج إلي أبو عبد الله
أجزاء كلها سفيان سفيان، ليس على حديث منها " حدثنا فلان "، فظننتها
عن رجل واحد، فانتخبت منها. فلما قرأ ذلك علي جعل يقول: حدثنا
وكيع، ويحيى، وحدثنا فلان، فعجبت، ولم أقدر أنا على هذا (3).
قال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبد الله، كأن الله جمع له علم الأولين
والآخرين.
وعن رجل قال: ما رأيت أحدا أعلم بفقه الحديث ومعانيه من أحمد.
أحمد بن سلمة: سمعت ابن راهويه، يقول: كنت أجالس أحمد
وابن معين، ونتذاكر فأقول: ما فقهه؟ ما تفسيره؟ فيسكتون إلا أحمد.
قال أبو بكر الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها، ثم لم
يلتفت إليها.
قال إبراهيم بن شماس: سألنا وكيعا عن خارجة بن مصعب، فقال:
نهاني أحمد أن أحدث عنه.
قال العباس بن محمد الخلال: حدثنا إبراهيم بن شما؟، سمعت

(1) في الأصل: " وعدل " وهو خطأ.
(2) وتمامه في " تاريخ الاسلام ": على ظهر قلبه.
(3) في " تاريخ الاسلام "، " فعجبت من ذلك، وجهدت أن أقدر على شئ من هذا،
فلم أقدر ".
188

وكيعا وحفص بن غياث، يقولان: ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى، يعنيان:
أحمد بن حنبل.
وقيل: إن أحمد أتى حسينا الجعفي بكتاب كبير يشفع في أحمد،
فقال حسين: يا أبا عبد الله، لا تجعل بيني وبينك منعما فليس تحمل علي بأحد
إلا وأنت أكبر منه (1).
الخلال: حدثنا المروذي، أخبرنا خضر المروذي بطرسوس، سمعت
ابن راهويه، سمعت يحيى بن آدم، يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.
الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا الأثرم، حدثني بعض من
كان مع أبي عبد الله، أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم، فيتشاغلون
عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم، ويرتفع الصوت بينهما، وكان
يحيى بن آدم واحد أهل زمانه في الفقه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت محمد بن يحيى القطان،
يقول: رأيت أبي مكرما لأحمد بن حنبل، لقد بذل له كتبه، أو قال:
حديثه.
وقال القواريري، قال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد
ويحيى بن معين. وما قدم علي من بغداد أحب إلي من أحمد بن حنبل.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: شق على يحيى بن
سعيد يوم خرجت من البصرة.
عمرو بن العباس: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، ذكر أصحاب
الحديث، فقال: أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل. قال: فأقبل

(1) انظر الخبر في " مناقب الإمام أحمد " لابن الجوري ص: 72.
189

أحمد، فقال ابن مهدي: من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري، فلينظر
إلى هذا.
قال المروذي: قال أحمد: عنيت بحديث سفيان، حتى كتبته عن
رجلين، حتى كلمنا يحيى بن آدم، فكلم لنا الأشجعي، فكان يخرج إلينا
الكتب، فنكتب من غير أن نسمع.
وعن ابن مهدي، قال: ما نظرت إلى أحمد إلا ذكرت به سفيان.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: خالف وكيع ابن مهدي
في نحو من ستين حديثا من حديث سفيان، فذكرت ذلك لابن مهدي، وكان
يحكيه عني.
عباس الدوري: سمعت أبا عاصم يقول لرجل بغدادي: من تعدون
عندكم اليوم من أصحاب الحديث؟
قال: عندنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة،
والمعيطي، والسويدي، حتى عد له جماعة بالكوفة أيضا وبالبصرة. فقال
أبو عاصم: قد رأيت جميع من ذكرت، وجاؤوا إلي، لم أر مثل ذاك الفتى،
يعني: أحمد بن حنبل.
قال شجاع بن مخلد: سمعت أبا الوليد الطيالسي، يقول: ما
بالمصرين (1) رجل أكرم علي من أحمد بن حنبل.
وعن سليمان بن حرب، أنه قال لرجل: سل أحمد بن حنبل، وما
يقول في مسألة كذا؟ فإنه عندنا إمام.

(1) أي: البصرة والكوفة.
190

الخلال: حدثنا علي بن سهل، قال: رأيت يحيى بن معين عند
عفان، ومعه أحمد بن حنبل، فقال: ليس هنا اليوم حديث. فقال يحيى:
ترد أحمد بن حنبل، وقد جاءك؟ فقال: الباب مقفل، والجارية ليست
هنا. قال يحيى: أنا أفتح، فتكلم على القفل بشئ، ففتحه. فقال
عفان: أفشاش (1) أيضا! وحدثهم.
قال: وحدثنا المروذي: قلت لأحمد: أكان أغمي عليك، أو غشي
عليك عند ابن عيينة؟ قال: نعم، في دهليزه زحمني الناس، فأغمي
علي.
وروي أن سفيان، قال يومئذ: كيف أحدث وقد مات خير الناس؟
وقال مهنى بن يحيى: قد رأيت ابن عيينة، ووكيعا، وبقية، وعبد
الرزاق، وضمرة، والناس، ما رأيت رجلا أجمع من أحمد في علمه وزهده
وورعه. وذكر أشياء.
وقال نوح بن حبيب القومسي: سلمت على أحمد بن حنبل في سنة
ثمان وتسعين ومئة بمسجد الخيف، وهو يفتي فتيا واسعة.
وعن شيخ أنه كان عنده كتاب بخط أحمد بن حنبل، فقال: كنا عند
ابن عيينة سنة، ففقدت أحمد بن حنبل أياما، فدللت على موضعه،
فجئت، فإذا هو في شبيه بكهف في جياد (2). فقلت: سلام عليكم،
أدخل؟ فقال: لا. ثم قال: ادخل، فدخلت، وإذا عليه قطعة لبد خلق،

(1) يقال: فش القفل فشا، أي فتحه بغير مفتاح.
(2) موضع بمكة يلي الصفا، وقد ضبطه المؤلف بالكسر، أما ياقوت، فقد ضبطه
بالفتح، ويسمى هذا الموضع أيضا أجيادا، بفتح أوله وسكون ثانيه، وهما أجيادان: كبير
وصغير.
191

فقلت: لم حجبتني؟ فقال: حتى استترت. فقلت: ما شأنك؟ قال:
سرقت ثيابي. قال: فبادرت إلى منزلي فجئته بمئة درهم، فعرضتها عليه،
فامتنع، فقلت: قرضا، فأبى، حتى بلغت عشرين درهما، ويأبى.
فقمت، وقلت: ما يحل لك أن تقتل نفسك. قال: ارجع، فرجعت،
فقال: أليس قد سمعت معي من ابن عيينة؟ قلت: بلى. قال: تحب أن
أنسخه لك؟ قلت: نعم. قال: اشتر لي ورقا. قال: فكتب بدراهم
اكتسى منها ثوبين.
الحاكم: سمعت بكران بن أحمد الحنظلي الزاهد ببغداد، سمعت
عبد الله بن أحمد، سمعت أبي يقول: قدمت صنعاء، أنا ويحيى بن
معين، فمضيت إلى عبد الرزاق (في) قريته، وتخلف يحيى، فلما
ذهبت أدق الباب، قال لي بقال تجاه داره: مه، لا تدق، فإن الشيخ
يهاب. فجلست حتى إذا كان قبل المغرب، خرج فوثبت إليه، وفي يدي
أحاديث انتقيتها، فسلمت، وقلت: حدثني بهذه رحمك الله، فإني رجل
غريب. قال: ومن أنت؟ وزبرني. قلت: أنا أحمد بن حنبل، قال:
فتقاصر؟ وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟ ثم أخذ الأحاديث،
وجعل يقرؤها حتى أظلم، فقال للبقال: هلم المصباح حتى خرج وقت
المغرب، وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب.
الخلال: حدثنا الرمادي، سمعت عبد الرزاق، وذكر أحمد بن
حنبل، فدمعت عيناه، فقال: بلغني أن نفقته نفدت، فأخذت بيده،
فأقمته خلف الباب، وما معنا أحد، فقلت له: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير،
إذا بعنا الغلة، أشغلناها في شئ. وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير
فخذها، وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ شئ. فقال لي: يا أبا بكر، لو قبلت
192

من أحد شيئا، قبلت منك.
وقال عبد الله: قلت لأبي: بلغني أن عبد الرزاق عرض عليك دنانير؟
قال: نعم. وأعطاني يزيد بن هارون خمس مئة درهم - أظن - فلم أقبل،
وأعطى يحيى بن معين، وأبا مسلم، فأخذا منه.
وقال محمد بن سهل بن عسكر: سمعت عبد الرزاق، يقول: إن
يعش هذا الرجل، يكون خلفا من العلماء.
المروذي: حدثني أبو محمد النسائي، سمعت إسحاق بن راهويه،
قال: كنا عند عبد الرزاق أنا وأحمد بن حنبل، فمضينا معه إلى المصلى يوم
عيد، فلم يكبر هو ولا أنا ولا أحمد، فقال لنا: رأيت معمرا والثوري في هذا
اليوم كبرا: وإني رأيتكما لم تكبرا فلم أكبر، فلم لم تكبرا؟ قلنا: نحن نرى
التكبير، ولكن شغلنا بأي شئ نبتدئ من الكتب.
أبو إسحاق الجوزجاني، قال: كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد
الرزاق، فسها، فسأل عنه عبد الرزاق، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام
شيئا.
رواها الخلال، قال: سمعت أبا زرعة القاضي الدمشقي عن
الجوزجاني.
قال الخلال: حدثنا أبو القاسم بن الجبلي، عن أبي إسماعيل
الترمذي، عن إسحاق بن راهويه، قال: كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد
الرزاق، وكانت معي جارية، وسكنا فوق، وأحمد أسفل في البيت.
فقال لي: يا أبا يعقوب: هو ذا يعجبني ما أسمع من حركتكم. قال: وكنت
أطلع فأراه يعمل التكك، ويبيعها، ويتقوت بها هذا أو نحوه.
193

قال المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: كنت في إزري من اليمن
إلى مكة. قلت: اكتريت نفسك من الجمالين؟ قال: قد اكتريت لكتبي،
ولم يقل لا.
وعن إسماعيل ابن علية: أنه أقيمت الصلاة، فقال: هاهنا أحمد بن
حنبل، قولوا له يتقدم يصلي بنا.
وقال الأثرم: أخبرني عبد الله بن المبارك شيخ سمع قديما، قال: كنا
عند ابن علية، فضحك بعضنا وثم أحمد. قال: فأتينا إسماعيل بعد
فوجدناه غضبان، فقال: تضحكون وعندي أحمد بن حنبل!.
قال المروذي: قال لي أبو عبد الله: كنا عند يزيد بن هارون، فوهم
في شئ، فكلمته، فأخرج كتابه، فوجده كما قلت، فغيره فكان إذا
جلس، يقول: يا ابن حنبل، ادن، يا ابن حنبل، ادن هاهنا. ومرضت
فعادني، فنطحه الباب.
المروذي: سمعت جعفر بن ميمون بن الأصبغ، سمعت أبي يقول:
كنا عند يزيد بن هارون، وكان عنده المعيطي، وأبو خيثمة، وأحمد،
وكانت في يزيد، رحمه الله، مداعبة، فذاكره المعيطي بشئ. فقال له
يزيد: فقدتك، فتنحنح أحمد فالتفت إليه، فقال: من ذا؟ قالوا: أحمد بن
حنبل، فقال: ألا أعلمتموني أنه ها هنا؟
قال المروذي: فسمعت بعض الواسطيين يقول: ما رأيت يزيد بن
هارون ترك المزاح لاحد إلا لأحمد بن حنبل.
قال أحمد بن سنان القطان: ما رأيت يزيد لاحد أشد تعظيما منه لأحمد
ابن حنبل، ولا أكرم أحدا مثله، كان يقعده إلى جنبه، ويوقره، ولا
يمازحه.
194

وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل.
قلت: قال هذا، وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج.
وقال حفص بن غياث: ما قدم الكوفة مثل أحمد.
وقال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد بأرطاة بن المنذر.
وقال الهيثم بن جميل الحافظ: إن عاش أحمد سيكون حجة على
أهل زمانه.
وقال قتيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب، يعني: أحمد
ابن حنبل، وإذا رأيت رجلا يحب أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة. ولو أدرك
عصر الثوري، والأوزاعي، والليث، لكان هو المقدم عليهم. فقيل
لقتيبة: يضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين.
وقال قتيبة: لولا الثوري، لمات الورع، ولولا أحمد لأحدثوا في
الدين، أحمد إمام الدنيا.
قلت: قد روى أحمد في " مسنده " عن قتيبة كثيرا.
وقيل لأبي مسهر الغساني: تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها؟
قال: شاب في ناحية المشرق، يعني: أحمد.
قال المزني: قال لي الشافعي: رأيت ببغداد شابا إذا قال: حدثنا،
قال الناس كلهم: صدق. قلت: ومن هو؟ قال: أحمد بن حنبل.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفت
بها رجلا أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
وقال الزعفراني: قال لي الشافعي: ما رأيت أعقل من أحمد، وسليمان
ابن داود الهاشمي.
195

قال محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثني أبي، قال: قال لي أحمد
ابن حنبل: تعال حتى أريك من لم ير مثله، فذهب بي إلى الشافعي، قال
أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل. ولولا أحمد وبذل نفسه،
لذهب الاسلام - يريد المحنة.
وروي عن إسحاق بن راهويه، قال: أحمد حجة بين الله وبين
خلقه.
وقال محمد بن عبدويه: سمعت علي بن المديني، يقول: أحمد
أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه، لان سعيدا كان له نظراء.
وعن ابن المديني، قال: أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد
يوم المحنة.
وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو
أفقههم، وذكر الحكاية.
وقال أبو عبيد: إني لا تدين بذكر أحمد. ما رأيت رجلا أعلم بالسنة
منه.
وقال الحسن بن الربيع: ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في
سمته وهيئته.
الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي، قال: كنا في مجلس
فيه يحيى بن معين، وأبو خيثمة، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل، فقال
رجل: فبعض هذا، فقال يحيى: وكثرة الثناء على أحمد تستنكر! لو جلسنا
مجالسنا بالثناء عليه، ما ذكرنا فضائله بكمالها.
وروى عباس، عن ابن معين قال: ما رأيت مثل أحمد.
196

وقال النفيلي: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.
وقال المروذي: حضرت أبا ثور سئل عن مسألة، فقال: قال أبو عبد
الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا.
وقال ابن معين: ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة: يعلى بن عبيد،
والقعنبي (1)، وأحمد بن حنبل.
وقال ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبدا.
وقال أبو خيثمة: ما رأيت مثل أحمد، ولا أشد منه قلبا.
وقال علي بن خشرم: سمعت بشر بن الحارث، يقول: أنا أسأل عن
أحمد بن حنبل؟! إن أحمد أدخل الكير، فخرج ذهبا أحمر.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب
أبي: لو أنك خرجت فقلت: إني على قول أحمد، فقال: أتريدون أن أقوم
مقام الأنبياء؟!.
القاسم بن محمد الصائغ: سمعت المروذي، يقول: دخلت على
ذي النون السجن، ونحن بالعسكر، فقال: أي شئ حال سيدنا؟ يعني:
أحمد بن حنبل.
وقال محمد بن حماد الطهراني: سمعت أبا ثور الفقيه، يقول: أحمد
ابن حنبل أعلم أو أفقه من الثوري.
وقال نصر بن علي الجهضمي: أحمد أفضل أهل زمانه.

(1) في الأصل: " والعنبي " وهو تحريف، والتصحيح من " المناقب " لابن الجوزي،
ص: 114.
197

قال صالح بن علي الحلبي: سمعت أبا همام السكوني يقول: ما
رأيت مثل أحمد بن حنبل، ولا رأى هو مثله.
وعن حجاج بن الشاعر: قال: ما رأيت أفضل من أحمد، وما كنت
أحب أن أقتل في سبيل الله، ولم أصل على أحمد، بلغ والله في الإمامة أكبر
من مبلغ سفيان ومالك.
وقال عمرو الناقد: إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث لا أبالي من
خالفني.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن علي بن المديني وأحمد بن
حنبل، أيهما أحفظ؟ فقال: كانا في الحفظ متقاربين، وكان أحمد أفقه،
إذا رأيت من يحب أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة.
وقال أبو زرعة: أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه، ما رأيت أحدا
أكمل من أحمد.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: جعلت أحمد إماما فيما بيني وبين
الله.
وقال محمد بن مهران الجمال: ما بقي غير أحمد.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: سمعت محمد بن سحتويه، سمعت أبا
عمير بن النحاس الرملي، وذكر أحمد بن حنبل، فقال: رحمه الله، عن
الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه،
عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.
قال أبو حاتم: كان أبو عمير من عباد المسلمين. قال لي: أمل علي
شيئا عن أحمد بن حنبل.
198

وروي عن أبي عبد الله البوشنجي: قال: ما رأيت أجمع في كل شئ
من أحمد بن حنبل، ولا أعقل منه.
وقال ابن وارة: كان أحمد صاحب فقه، صاحب حفظ، صاحب
معرفة.
وقال النسائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع
والزهد والصبر.
وعن عبد الوهاب الوراق: قال: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فردوه إلى
عالمه " (1) رددناه إلى أحمد بن حنبل، وكان أعلم أهل زمانه.
وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها
شئ من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.
قال صالح بن محمد جزرة: أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن
حنبل.
قال علي بن خلف: سمعت الحميدي، يقول: ما دمت بالحجاز،
وأحمد بالعراق، وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد.

(1) أخرج الإمام أحمد في " المسند " 2 / 181 من طريق أنس بن عياض، عن أبي
حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب
أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جلوس عند
باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها
حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مغضبا، وقد احمر وجهه، يرميهم بالتراب،
ويقول: " مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب
بعضها ببعض. إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، إنما نزل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم
منه، فاعملوا به. وما جهلتم منه، فردوه إلى عالمه ". وإسناده حسن، وأخرجه أيضا أحمد
مختصرا بنحوه 2 / 195، وابن ماجة رقم (85)، و عبد الرزاق في " المصنف " (20367).
وقد وقع عند أحمد في رواية 2 / 196 أن تنازعهم كان في القدر.
199

الخلال: حدثنا محمد بن ياسين البلدي، سمعت ابن أبي أويس، وقيل له
ذهب أصحاب الحديث، فقال: ما أبقى الله أحمد بن حنبل، فلم يذهب
أصحاب الحديث.
وعن ابن المديني، قال: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث
إلا من كتاب.
الحسين بن الحسن أبو معين الرازي: سمعت ابن المديني، يقول:
ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا
فيه أسوة. وعنه قال: أحمد اليوم حجة الله على خلقه.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن الكندي، أخبرنا عبد
الملك بن أبي القاسم، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا أبو يعقوب
القراب، أخبرنا محمد بن عبد الله الجوزقي، سمعت أبا حامد الشرقي،
سمعت أحمد بن سلمة، سمعت أحمد بن عاصم، سمعت أبا عبيد القاسم
ابن سلام، يقول: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه،
وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به،
وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له.
إسحاق المنجنيقي: حدثنا القاسم بن محمد المؤدب، عن محمد
ابن أبي بشر، قال أتيت أحمد بن حنبل في مسألة، فقال: ائت أبا عبيد،
فإن له بيانا لا تسمعه من غيره. فأتيته فشفاني جوابه. فأخبرته بقول
أحمد، فقال: ذاك رجل من عمال الله، نشر الله رداء عمله، وذخر له عنده
الزلفى، أما تراه محببا مألوفا. ما رأت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه
خصال هي فيه، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم، فإنه لكما
قيل:
200

يزينك إما غاب عنك فإن دنا * رأيت له وجها يسرك مقبلا
يعلم هذا الخلق ما شذ عنهم * من الأدب المجهول كهفا ومعقلا
ويحسن في ذات الاله إذا رأى * مضيما لأهل الحق لا يسأم البلا
وإخوانه الأدنون كل موفق * بصير بأمر الله يسمو على العلا (1)
وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري: أخبرنا إسماعيل بن
إبراهيم، أخبرنا نصر بن أبي نصر الطوسي، سمعت علي بن أحمد بن
خشيش، سمعت أبا الحديد الصوفي بمصر، عن أبيه، عن المزني،
يقول: أحمد بن حنبل يوم المحنة، أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة،
وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين.
قال أحمد بن محمد الرشديني: سمعت أحمد بن صالح المصري،
يقول: ما رأيت بالعراق مثل هذين: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن
نمير، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق.
وروى أحمد بن سلمة النيسابوري، عن ابن وارة، قال: أحمد بن
حنبل ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وأبو جعفر النفيلي بحران، وابن
نمير بالكوفة، هؤلاء أركان الدين.
وقال علي بن الجنيد الرازي: سمعت أبا جعفر النفيلي، يقول: كان
أحمد بن حنبل من أعلام الدين.
وعن محمد بن مصعب العابد، قال: لسوط ضربه أحمد بن حنبل في
الله أكبر من أيام بشر بن الحارث.
قلت: بشر عظيم القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما الله
يعلم ذلك.

(1) لم أجد هذه الأبيات فيما وقعت عليه من مصادر.
201

قال أبو عبد الرحمن النهاوندي: سمعت يعقوب الفسوي، يقول:
كتبت عن ألف شيخ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل،
وأحمد بن صالح.
وبالاسناد إلى الأنصاري شيخ الاسلام: أخبرنا أبو يعقوب، أخبرنا
منصور بن عبد الله الذهلي، حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري،
سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي، وذكر أحمد بن حنبل، فقال: هو
عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يمتحن بمثل ما
امتحن به أحمد، ولا علم سفيان ومن يقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن
حنبل، لأنه كان أجمع لها، وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم. قال:
ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال: قام أحمد مقام الأنبياء. وأحمد
عندنا امتحن بالسراء والضراء، فكان فيهما معتصما بالله.
قال أبو يحيى الناقد: كنا عند إبراهيم بن عرعرة، فذكروا يعلى بن
عاصم، فقال رجل: أحمد بن حنبل يضعفه. فقال رجل: وما يضره إذا كان
ثقة؟ فقال ابن عرعرة: والله لو تكلم أحمد في علقمة والأسود لضرهما.
وقال الحنيني: سمعت إسماعيل بن الخليل، يقول: لو كان أحمد بن
حنبل في بني إسرائيل لكان آية.
وعن علي بن شعيب، قال: عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل،
من أن أحدهم كان يوضع المنشار على مفرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن
دينه. ولولا أن أحمد قام بهذا الشأن، لكان عارا علينا أن قوما سبكوا، فلم
يخرج منهم أحد.
قال ابن سلم: سمعت محمد بن نصر المروزي، يقول: صرت إلى
202

دار أحمد بن حنبل مرارا، وسألته عن مسائل، فقيل له: أكان أكثر حديثا أم
إسحاق؟ قال: بل أحمد أكثر حديثا وأورع. أحمد فاق أهل زمانه.
قلت: كان أحمد عظيم الشأن، رأسا في الحديث، وفي الفقه، وفي
التأله. أثنى عليه خلق من خصومه، فما الظن بإخوانه وأقرانه؟!! وكان
مهيبا في ذات الله. حتى لقال أبو عبيد: ما هبت أحدا في مسألة، ما هبت
أحمد بن حنبل.
وقال إبراهيم الحربي: عالم وقته سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان
الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه.
قرأت على إسحاق الأسدي: أخبركم ابن خليل، أخبرنا اللبان، عن
أبي علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو بكر بن مالك، حدثنا محمد
ابن يونس، حدثني سليمان الشاذكوني، قال: يشبه علي بن المديني بأحمد
ابن حنبل؟ أيهات!! ما أشبه السك باللك (1). لقد حضرت من ورعه شيئا
بمكة: أنه أرهن سطلا عند فامي (2)، فأخذ منه شيئا ليقوته. فجاء، فأعطاه
فكاكه، فأخرج إليه سطلين، فقال: انظر أيهما سطلك؟ فقال: لا أدري
أنت في حل منه، وما أعطيتك، ولم يأخذه. قال الفامي: والله إنه
لسطله، وإنما أردت أن أمتحنه فيه.
وبه إلى أبي نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا الأبار: سمعت
محمد بن يحيى النيسابوري، حين بلغه وفاة أحمد، يقول: ينبغي لكل أهل
دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في دورهم.

(1) أي بائع الفوم، أي الحمص.
(2) السك: ضرب من الطيب، واللك: بالفتح صبغ أحمر يصبغ به، وبالضم: ثفله أو
عصارته.
203

قلت: تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع (1).
قال أحمد بن القاسم المقرئ: سمعت الحسين الكرابيسي، يقول:
مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قوم يجيؤون إلى أبي قبيس (2)
يريدون أن يهدموه بنعالهم.
الطبراني: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ، قال: رأيت
علماءنا مثل الهيثم بن خارجة، ومصعب الزبيري، ويحيى بن معين، وأبي
بكر بن أبي شيبة، وأخيه، وعبد الاعلى بن حماد، وابن أبي الشوارب،
وعلي بن المديني، والقواريري، وأبي خيثمة، وأبي معمر، والوركاني،
وأحمد بن محمد بن أيوب، ومحمد بن بكار، وعمرو الناقد، ويحيى بن
أيوب المقابري، وسريج بن يونس، وخلف بن هشام، وأبي الربيع
الزهراني، فيمن لا أحصيهم، يعظمون أحمد ويجلونه ويوقرونه ويبجلونه
ويقصدونه للسلام عليه.
قال أبو علي بن شاذان: قال لي محمد بن عبد الله الشافعي: لما مات
سعيد بن أحمد بن حنبل، جاء إبراهيم الحربي إلى عبد الله بن أحمد، فقام
إليه عبد الله، فقال: تقوم إلي؟ قال: والله لو رآك أبي، لقام إليك، فقال
إبراهيم: والله لو رأى ابن عيينة أباك، لقام إليه.

(1) لان الشرع قد نهى عن النياحة، وعدها من صنيع الجاهلية، فقد أخرج مسلم في
" صحيحه " رقم (67) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس
هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت ". وأخرج البخاري 3 / 130، ومسلم
(927) من حديث ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق
الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ". وأخرج مسلم (934) من طريق أبي مالك الأشعري،
قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال من
قطران، ودرع من جرب ".
(2) جبل مشرف على مسجد مكة.
204

قال محمد بن أيوب العكبري: سمعت إبراهيم الحربي، يقول:
التابعون كلهم، وآخرهم أحمد بن حنبل - وهو عندي أجلهم - يقولون: من
حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا، كلهم يلزمونه الطلاق.
وعن الأثرم قال: ناظرت رجلا، فقال: من قال بهذه المسألة؟ قلت:
من ليس في شرق ولا غرب مثله، قال: من؟ قلت: أحمد بن حنبل.
وقد أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله، وتبركوا به. روى
ذلك أبو الفرج بن الجوزي، وشيخ الاسلام، ولم يصح سند بعض ذلك.
أخبرنا إسماعيل بن عميرة، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو طالب
ابن خضير، أخبرنا أبو طالب اليوسفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا
علي بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أبو زرعة،
وقيل له: اختيار أحمد وإسحاق أحب إليك أم قول الشافعي؟ قال: بل اختيار
أحمد فإسحاق. ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد بن حنبل،
وما رأيت أحدا أجمع منه.
في فضله وتألهه وشمائله:
وبه قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد، قال دخلت على أبي
يوما أيام الواثق - والله يعلم على أي حال نحن - وقد خرج لصلاة العصر،
وكان له لبد يجلس عليه، قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بلي، وإذا تحته
كتاب كاغد (1) فيه: بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق، وما عليك
من الدين، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان، وما هي من
صدقة ولا زكاة، وإنما هو شئ ورثته من أبي. فقرأت الكتاب، ووضعته.

(1) أي قرطاس، وهو فارسي معرب
205

فلما دخل، قلت: يا أبة، ما هذا الكتاب؟ فاحمر وجهه، وقال: رفعته
منك. ثم قال: تذهب لجوابه (1)؟ فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إلي،
ونحن في عافية. فأما الدين، فإنه لرجل لا يرهقنا، وأما عيالنا، ففي نعمة
الله. فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل، فلما كان
بعد حين، ورد كتاب الرجل مثل ذلك، فرد عليه بمثل ما رد. فلما مضت
سنة أو نحوها، ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها، كانت قد ذهبت.
وشهدت ابن الجروي، وقد جاء بعد المغرب، فقال لأبي: أنا رجل
مشهور، وقد أتيتك في هذا الوقت، وعندي شئ قد اعتددته لك، وهو
ميراث، فأحب أن تقبله. فلم يزل به. فلما أكثر عليه، قام ودخل. قال
صالح: فأخبرت عن ابن الجروي أنه قال: قلت له: يا أبا عبد الله، هي
ثلاثة آلاف دينار. فقام وتركني.
قال صالح: ووجه رجل من الصين بكاغد صيني إلى جماعة من
المحدثين، ووجه بقمطر إلى أبي، فرده، وولد لي مولود فأهدى صديق لي
شيئا. ثم أتى على ذلك أشهر، وأراد الخروج إلى البصرة، فقال لي: تكلم
أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة، فكلمته فقال: لولا أنه أهدى
إليك، كنت أكتب له.
وبه قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، قال: بلغني أن أحمد
ابن حنبل رهن نعله عند خباز باليمن، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه،
وعرض عليه عبد الرزاق دراهم صالحة، فلم يقبلها.
وبعث ابن طاهر حين مات أحمد بأكفان وحنوط، فأبى صالح أن

(1) في " المناقب " لابن الجوزي: 232: " بجوابه "، بالباء.
206

يقبله، وقال: إن أبي قد أعد كفنه وحنوطه، ورده، فراجعه، فقال: إن
أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله مما يكره، وهذا مما يكره، فلست أقبله.
وبه: حدثنا صالح، قال: قال أبي: جاءني يحيى بن يحيى - قال
أبي: وما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك رجلا يشبه يحيى بن يحيى -
فجاءني ابنه، فقال: إن أبي أوصى بمبطنة له لك، وقال: يذكرني بها.
فقلت. جئ بها. فجاء برزمة ثياب، فقلت له: اذهب رحمك الله،
يعني: ولم يقبلها.
قلت: وقيل: إنه أخذ منها ثوبا واحدا.
وبه قال: حدثنا صالح قال: قلت لأبي: إن أحمد الدروقي أعطي ألف
دينار. فقال: يا بني، (ورزق ربك خير وأبقى) (طه: 131)
وبه: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثني عبيد
القاري، قال: دخل على أحمد عمه، فقال: يا ابن أخي، أيش هذا
الغم؟ وأيش هذا الحزن؟ فرفع رأسه، وقال: يا عم، طوبى لمن أخمل الله
ذكره.
وبه: سمعت أبي يقول: كان أحمد إذا رأيته، تعلم أنه لا يظهر
النسك، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعال القراء، له رأس كبير معقد، وشراكه
مسبل، ورأيت عليه إزارا وجبة برد مخططة. أي: لم يكن بزي القراء.
وبه: حدثنا صالح: قال لي أبي: جاءني أمس رجل كنت أحب أن تراه،
بينا أنا قاعد في نحر الظهيرة، إذا برجل سلم بالباب، فكان قلبي ارتاح،
ففتحت، فإذا أنا برجل عليه فروة، وعلى رأسه خرقة، ما تحت فروه
قميص، ولا معه ركوة جراب ولا عكاز، قد لوحته الشمس. فقلت:
207

ادخل، فدخل الدهليز، فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من ناحية المشرق
أريد الساحل، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد، نويت السلام عليك.
قلت: على هذه الحال؟ قال: نعم. ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر
الأمل، قال: فجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي. ما عندي ذهب ولا
فضة. فدخلت البيت، فأخذت أربعة أرغفة، فخرجت إليه، فقال:
أو يسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله؟ قلت: نعم. فأخذها، فوضعها تحت
حضنه، وقال: أرجو أن تكفيني إلى الرقة. أستودعك الله. فكان يذكره
كثيرا.
وبه: كتب إلي عبد الله بن أحمد، سمعت أبي، وذكر الدنيا، فقال:
قليلها يجزئ، وكثيرها لا يجزئ، وقال أبي: وقد ذكر عنده الفقر -
فقال: الفقر مع الخير.
وبه حدثنا صالح، قال: أمسك أبي عن مكاتبة ابن راهويه، لما
أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه.
وبه قال: ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري، سمعت عبد الملك بن
عبد الحميد الميموني، قال: ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا، ولا أشد
تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض،
من أحمد بن حنبل رضي الله عنه. كان ثيابه بين الثوبين، تسوى ملحفته
خمسة عشر درهما، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه، لم يكن له دقة
تنكر، ولا غلظ ينكر، وكان ملحفته مهذبة.
وبه حدثنا صالح، قال: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر، ينفض الغبار
عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح. وما رأيته
اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها
208

بخبز وعنبا وتمرا.
وقال لي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا، فتبيع الأستار
بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا، وكنا إذا اشترينا الشئ، نستره عنه
كيلا يراه، فيوبخنا، وكان ربما خبز له، فيجعل في فخارة عدسا وشحما
وتمرات شهريز (1)، فيجئ الصبيان، فيصوت ببعضهم، فيدفعه إليهم،
فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدم بالخل كثيرا.
قال: وقال أبي: إذا لم يكن عندي قطعة، أفرح.
وكان إذا توضأ لا يدع من يستقي له، وربما اعتللت فيأخذ قدحا فيه
ماء، فيقرأ فيه، ثم يقول: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك.
وكانت له قلنسوة خاطها بيده، فيها قطن، فإذا قام بالليل لبسها.
وكان ربما أخذ القدوم، وخرج إلى دار السكان، يعمل الشئ بيده.
واعتل فتعالج.
وكان ربما خرج إلى البقال، فيشتري الجرزة الحطب والشئ،
فيحمله بيده.
وكان يتنور في البيت. فقال لي في يوم شتوي: أريد أدخل الحمام بعد
المغرب، فقل لصاحب الحمام. ثم بعث إلي: إني قد أضربت عن الدخول.
وتنور في البيت.
وكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهم سلم سلم.
وبه حدثنا أحمد بن سنان، قال: بعث إلى أحمد بن حنبل حيث كان

(1) بالضم والكسر، وبالسين المهملة أو بالشين المعجمة: نوع من التمر.
209

عندنا أيام يزيد جوز ونبق (1) كثير (2)، فقبل، وقال لي: كل هذا.
قال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي، وذكر عنده الشافعي رحمه الله،
فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه. ثم قال عبد الله: كل شئ في
كتاب الشافعي حدثنا الثقة فهو عن أبي.
الخلال: حدثنا المروذي، قال: قدم رجل من الزهاد، فأدخلته
على أحمد، وعليه فرو خلق، وخريقة على رأسه وهو حاف في برد شديد،
فسلم، وقال: يا أبا عبد الله، قد جئت من موضع بعيد، وما أردت إلا السلام
عليك، وأريد عبادان، وأريد إن أنا رجعت، أسلم عليك. فقال: إن
قدر. فقام الرجل وسلم، وأبو عبد الله قاعد، فما رأيت أحدا قام من عند
أبي عبد الله، حتى يقوم هو إلا هذا الرجل. فقال لي أبو عبد الله: ما ترى ما
أشبهه بالابدال، أو قال: إني لاذكر به الابدال. وأخرج إليه أبو عبد الله أربعة
أرغفة مشطورة بكامخ (3)، وقال: لو كان عندنا شئ، لواسيناك.
وأخبرنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الداعي لك! قال:
أخاف أن يكون هذا استدراجا بأي شئ هذا؟ وقلت له: قدم رجل من
طرسوس، فقال: كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل، رفعوا
أصواتهم بالدعاء، ادعوا لأبي عبد الله، وكنا نمد المنجنيق، ونرمي عن
أبي عبد الله. ولقد رمي عنه بحجر، والعلج على الحصن متترس بدرقة
فذهب برأسه وبالدرقة. قال: فتغير وجه أبي عبد الله، وقال: ليته لا يكون
استدراجا. قلت: كلا.

(1) النبق: هو ثمر السدر.
(2) في الأصل: " ونبقا كثيرا "، وهو خطأ.
(3) بفتح الميم: نوع من الأدم، معرب.
210

وعن رجل قال: عندنا بخراسان يظنون أن أحمد لا يشبه البشر،
يظنون أنه من الملائكة.
وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة.
قلت: هذا غلو لا ينبغي، لكن الباعث له حب ولي الله في الله.
قال المروذي: رأيت طبيبا نصرانيا خرج من عند أحمد ومعه راهب،
فقال: إنه سألني أن يجئ معي ليرى أبا عبد الله.
وأدخلت نصرانيا على أبي عبد الله، فقال له: إني لأشتهي أن أراك
منذ سنين. ما بقاؤك صلاح للاسلام وحدهم، بل للخلق جميعا، وليس من
أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك. فقلت لأبي عبد الله: اني لأرجو أن يكون
يدعى لك في جميع الأمصار. فقال: يا أبا بكر إذا عرف الرجل نفسه، فما
ينفعه كلام الناس.
قال عبد الله بن أحمد: خرج أبي إلى طرسوس ماشيا، وحج حجتين
أو ثلاثا ماشيا، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبشر لم يكن يصبر على
الوحدة. كان يخرج إلى ذا وإلى ذا.
قال عباس الدوري: حدثنا علي بن أبي فزارة (1) جارنا، قال: كانت
أمي مقعدة من نحو عشرين سنة. فقالت لي يوما: اذهب إلى أحمد بن
حنبل، فسله أن يدعو لي، فأتيت، فدققت عليه وهو في دهليزه، فقال:
من هذا؟ قلت: رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء. فسمعت
كلامه كلام رجل مغضب. فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا، فوليت
منصرفا. فخرجت عجوز، فقالت: قد تركته يدعو لها. فجئت إلى بيتنا

(1) كذا في الأصل، وعلى هامشه " حزارة " خ.
211

ودققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي.
هذه الواقعة نقلها ثقتان عن عباس.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة
ركعة. فلما مرض من تلك الأسواط، أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة
مئة وخمسين ركعة.
وعن أبي إسماعيل الترمذي: قال: جاء رجل بعشرة آلاف من ربح
تجارته إلى أحمد فردها. وقيل: إن صيرفيا بذل لأحمد خمس مئة دينار، فلم
يقبل.
ومن آدابه:
قال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي، صلى الله عليه وسلم،
فيضعها على فيه يقبلها. وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في
الماء ويشربه يستشفي به.
ورأيته أخذ قصعة النبي، صلى الله عليه وسلم فغسلها في حب الماء، ثم شرب فيها
ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه.
قلت: أين المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه
عمن يلمس رمانة منبر النبي، صلى الله عليه وسلم، ويمس الحجرة النبوية، فقال: لا أرى
بذلك بأسا. أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع.
قال أحمد بن سعيد الدارمي: كتب إلي أحمد بن حنبل: لأبي
جعفر، أكرمه الله، من أحمد بن حنبل.
قال عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري: حدثنا أبي، قال: مضى
عمي أحمد بن سعد إلى أحمد بن حنبل، فسلم عليه. فلما رآه، وثب قائما
وأكرمه.
212

وقال المروذي: قال لي أحمد: ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به،
حتى مر بي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا، (1) فأعطيت
الحجام دينارا حين احتجمت.
وعن المروذي: كان أبو عبد الله لا يدخل الحمام، ويتنور في البيت،
وأصلحت له غير مرة النورة، واشتريت له جلدا ليده يدخل يده فيه، ويتنور.
وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام، قال لجلسائه: إذا
شئتم.
وقال المروذي: رأيت أبا عبد الله قد ألقى لختان درهمين في
الطست.
وقال عبد الله: ما رأيت أبي حدث من غير كتاب إلا بأقل من مئة
حديث. وسمعت أبي يقول: قال الشافعي: يا أبا عبد الله: إذا صح عندكم
الحديث، فأخبرونا حتى نرجع إليه أنتم أعلم بالاخبار الصحاح منا، فإذا كان
خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان أو بصريا أو شاميا.
قلت: لم يحتج إلى أن يقول حجازيا، فإنه كان بصيرا بحديث

(1) أخرج مالك في " الموطأ " 2 / 974 في الاستئذان: باب ما جاء في الحجامة وأجرة
الحجام، والبخاري 4 / 272 في البيوع: باب ذكر الحجام، وباب من أجرى أمر الأمصار على ما
يتعارفون بينهم، وفي الإجازة: باب ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الإماء، وباب من كلم موالي
العبد أن يخففوا من خراجه، وفي الطب: باب الحجامة من الداء، ومسلم (1577) في
المساقاة: باب حل أجرة الحجامة، كلهم من طرق عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك،
قال: حجم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو طيبة، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من
خراجه. وأخرجه الدارمي 2 / 272، والترمذي (1278)، وأبو داود (3424)، وأحمد
3 / 100 و 174 و 182. وفي بعض هذه الروايات. فأمر له بصاع من طعام. وفي بعضها:
بصاع من شعير. وفي بعضها: بصاعين من طعام. ولم يرد فيها أنه أعطاه دينارا. وسيأتي
الحديث عند المصنف في ص: 307.
213

الحجاز، ولا قال مصريا، فإن غيرهما كان أقعد بحديث مصر منهما..
الطبراني: حدثنا موسى بن هارون: سمعت ابن راهويه، يقول:
لما خرج أحمد إلى عبد الرزاق، انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه من بعض
الجمالين إلى أن وافى صنعاء، وعرض عليه أصحابه المواساة فلم يأخذ.
قال عبد الله بن أحمد: حدثني إسماعيل بن أبي الحارث، قال: مر
بنا أحمد، فقلنا لانسان: اتبعه، وانظر أين يذهب. فقال: جاء إلى حنك
المروزي فما كان إلا ساعة حتى خرج. فقلت لحنك بعد: جاءك أبو عبد
الله؟ قال: هو صديق لي، واستقرض مني مئتي درهم، فجاءني بها،
فقلت: ما نويت أخذها، فقال: وأنا ما نويت إلا أن أردها إليك.
أبو نعيم: حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن موسى البربري، قال:
حمل إلى الحسن الجروي ميراثه من مصر مئة ألف دينار، فأتى أحمد بثلاثة
آلاف دينار، فما قبلها.
أبو نعيم: حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا شاكر بن جعفر، سمعت
أحمد بن محمد التستري، يقول: ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة
أيام ما طعم فيها، فبعث إلى صديق له، فاقترض منه دقيقا، فجهزوه
بسرعة، فقال: كيف ذا؟ قالوا: تنور صالح مسجر، فخبزنا فيه، فقال:
ارفعوا، وأمر بسد باب بينه وبين صالح.
قلت: لكونه أخذ جائزة المتوكل.
قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد، صحبناه خمسين سنة ما
افتخر علينا بشئ مما كان فيه من الخير.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يقرأ كل يوم سبعا، وكان ينام نومة
214

خفيفة بعد العشاء، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو.
وقال صالح: كان أبي إذا دعا له رجل، قال: ليس يحرز الرجل
المؤمن إلا حفرته، الأعمال بخواتيمها. وقال أبي في مرضه: أخرج كتاب عبد
الله بن إدريس، فقال: اقرأ علي حديث ليث: إن طاووسا كان يكره الأنين
في المرض. فما سمعت لأبي أنينا حتى مات (1). وسمعه ابنه عبد الله
يقول: تمنيت الموت، وهذا أمر أشد علي من ذلك، ذاك فتنة الضرب
والحبس، كنت أحمله، وهذه فتنة الدنيا.
قال أحمد الدورقي: لما قدم أحمد بن حنبل من عند عبد الرزاق،
رأيت به شحوبا بمكة. وقد تبين عليه النصب والتعب، فكلمته، فقال:
هين فيما استفدنا من عبد الرزاق.
قال عبد الله: قال أبي: ما كتبنا عن عبد الرزاق من حفظه إلا المجلس
الأول، وذلك أنا دخلنا بالليل، فأملى علينا سبعين حديثا. وقد جالس معمرا
تسع سنين. وكان يكتب عنه كل ما يقول.
قال عبد الله: من سمع من عبد الرزاق بعد المئتين، فسماعه
ضعيف.
قال موسى بن هارون: سئل أحمد: أين نطلب البدلاء؟ فسكت ثم
قال: إن لم يكن من أصحاب الحديث فلا أدري.
قال المروذي: كان أبو عبد الله إذا ذكر الموت، خنقته العبرة. وكان
يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموت، هان علي
كل أمر الدنيا. إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس. وإنها أيام

(1) ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
215

قلائل. ما أعدل بالفقر شيئا. ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون
لي ذكر.
وقال: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف، قد بليت
بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحا ومساء.
قال المروذي: وذكر لأحمد أن رجلا يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره
بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له (1). وقال: لقد استرحت، ما جاءني
الفرج إلا منذ حلفت أن لا أحدث، وليتنا نترك، الطريق ما كان عليه بشر بن
الحارث. فقلت له: إن فلانا، قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم
وحدها، قال: زهد في الناس. فقال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟
الناس يريدون أن يزهدوا في.
وسمعته يكره للرجل النوم بعد العصر، يخاف على عقله (2).
وقال: لا يفلح من تعاطى الكلام، ولا يخلو من أن يتجهم (3)

(1) اللقاء الذي لم يرغب فيه الإمام أحمد هو الذي يراد منه ذيوع الصيت والتكلف. أما
لقاء الناس لتعليمهم ما جهلوا من أمر دينهم، وإسداء النصح لهم، وصلة أرحامهم، وزيارتهم
في المناسبات المشروعة، فهو مما يرتضيه ويرغب فيه، لان ذلك مما يحمده الشرع ويحث
عليه. فقد روى الإمام أحمد 2 / 43، وابن ماجة (4032)، والترمذي (2507) بسند قوي
من حديث ابن عمر مرفوعا: " المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن
الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم ".
(2) لم يثبت هذا في نص يعول عليه.
(3) يقول شيخ الاسلام: الجهمية ثلاث درجات: فشرها الغالية الذين ينفون أسماء الله
وصفاته. وإن سموه بشئ من أسمائه الحسنى، قالوا: هو مجاز. فهو في الحقيقة عندهم ليس
بحي، ولا عالم، ولا قادر، ولا سميع، ولا بصير، ولا متكلم، ولا يتكلم. والدرجة الثانية من
التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله تعالى في الجملة، لكن ينفون
صفاته. وهم أيضا لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرا منها على
المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون. والدرجة الثالثة هم الصفاتية المثبتون المخالفون
للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون
طائفة من أسمائه وصفاته، الخبرية وغير الخبرية، ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها.
والإمام أحمد ينعت اللفظية بالتجهم، أي الذين يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوق. قال ابن
جرير: وسمعت جماعة من أصحابنا، لا أحفظ أسماءهم، يحكون عن أحمد أنه كان يقول: من
قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. والسلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات،
ويقول: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا. انظر " تاريخ الجهمية " ص:
53 وما بعدها للقاسمي.
216

وسئل عن القراءة بالألحان، فقال: هذه بدعة لا تسمع.
ومن سيرته:
قال الخلال: قلت لزهير بن صالح: هل رأيت جدك؟ قال: نعم.
مات وأنا في عشر سنين، كنا ندخل إليه في كل يوم جمعة أنا وأخواتي، وكان
بيننا وبينه باب، وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى
فامي يعامله. وربما مررت به وهو قاعد في الشمس، وظهره مكشوف فيه أثر
الضرب بين، وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي، فأراد أبي أن يختنه،
فاتخذ له طعاما كثيرا، ودعا قوما، فوجه إليه جدي: بلغني ما أحدثته لهذا،
وأنك أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء. فلما أن كان من الغد، حضر
الحجام، وحضر أهلنا، جاء جدي حتى جلس عند الصبي، وأخرج
صريرة، فدفعها إلى الحجام، وقام فنظر الحجام في الصريرة، فإذا درهم
واحد. وكنا قد رفعنا كثيرا من الفرش، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة من
الثياب الملونة، فلم ينكر ذلك.
وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي، فنزل على أبي، فدخلت معه
إلى جدي، فجاءت الجارية بطبق خلاف، وعليه خبز وبقل وملح،
وبغضارة، فوضعتها بين أيدينا، فيها مصلية فيها لحم وصلق كثير، فأكل
معنا، وسأل ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان في خلال الاكل، فربما
217

ستعجم عليه، فيكلمه جدي بالفارسية، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي.
ثم أخذ طبقا إلى جنبه، فوضع فيه تمر وجوز، وجعل يأكل ويناول الرجل.
قال الميموني: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشئ، فيقول:
لبيك لبيك.
وعن المروذي، قال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس
أحمد. كان مائلا إليهم، مقصرا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن
بالعجول، وكان كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، وإذا جلس في مجلسه
بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم
يتصدر.
قال عبد الله: رأيت أبي حرج على النمل أن يخرجوا من داره، فرأيت
النمل قد خرجن بعد نملا سودا، فلم أرهم بعد ذلك.
ومن كرمه:
الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: قال أبو سعيد بن أبي حنيفة
المؤدب: كنت آتي أباك فيدفع إلي الثلاثة دراهم وأقل وأكثر ويقعد معي،
فيتحدث، وربما أعطاني الشئ، ويقول: أعطيتك نصف ما عندنا.
فجئت يوما، فأطلت القعود أنا وهو. قال: ثم خرج ومعه تحت كسائه أربعة
أرغفة. فقال: هذا نصف ما عندنا. فقلت: هي أحب إلي من أربعة آلاف
من غيرك.
قال المروذي: رأيت أبا عبد الله، وجاءه بعض قرابته فأعطاه
درهمين. وأتاه رجل فبعث إلى البقال، فأعطاه نصف درهم.
وعن يحيى بن هلال، قال: جئت أحمد فأعطاني أربعة دراهم.
218

وقال هارون المستملي: لقيت أحمد بن حنبل، فقلت: ما عندنا
شئ. فأعطاني خمسة دراهم، وقال: ما عندنا غيرها.
قال المروذي: رأيت أبا عبد الله قد وهب لرجل قميصه، وقال: ربما
واسى من قوته. وكان إذا جاءه أمر يهمه من أمر الدنيا، لم يفطر وواصل.
وجاءه أبو سعيد الضرير، وكان قال قصيدة في ابن أبي دواد، فشكى
إلى أبي عبد الله، فقال: يا أبا سعيد، ما عندنا إلا هذا الجذع. فجئ
بحمال، قال فبعته بتسعة دراهم ودانقين. وكان أبو عبد الله شديد الحياء،
كريم الأخلاق، يعجبه السخاء.
قال المروذي: سمعت أبا الفوارس ساكن أبي عبد الله، يقول: قال
لي أبو عبد الله: يا محمد، ألقى الصبي المقراض في البئر، فنزلت
فأخرجته. فكتب لي إلى البقال: أعطه نصف درهم. قلت: هذا لا يسوى
قيراط. والله لا أخذته. قال: فلما كان بعد، دعاني، فقال: كم عليك من
الكراء؟ فقلت: ثلاثة أشهر. قال: أنت في حل. ثم قال أبو بكر الخلال:
فاعتبروا يا أولي الألباب والعلم، هل تجدون أحدا بلغكم عنه هذه
الأخلاق؟!!
حدثنا علي بن سهل بن المغيرة، قال: كنا عند عفان مع أحمد بن
حنبل وأصحابهم، وصنع لهم عفان حملا وفالوذج، فجعل أحمد يأكل من
كل شئ قدموا إلا الفالوذج. فسألته، فقال: كان يقال: هو أرفع الطعام
فلا يأكله. وفي حكاية أخرى: فأكل لقمة فالوذج.
وعن ابن صبح، قال: حضرت أبا عبد الله على طعام، فجاؤوا
بأرز، فقال أبو عبد الله: نعم الطعام، إن أكل في أول الطعام أشبع، وإن
219

أكل في آخره هضم. ونقل عن أبي عبد الله إجابة غير دعوة.
قال حمدان بن علي: لم يكن لباس أحمد بذاك، إلا أنه قطن
نظيف.
وقال الفضل بن زياد: رأيت على أبي عبد الله في الشتاء قميصين وجبة
ملونة بينهما، وربما لبس قميصا وفروا ثقيلا. ورأيته عليه عمامة فوق
القلنسوة، وكساء ثقيلا. فسمعت أبا عمران الوركاني، يقول له يوما: يا أبا
عبد الله هذا اللباس كله؟ فضحك، ثم قال: أنا رقيق في البرد، وربما
لبس القلنسوة بغير عمامة.
قال الفضل بن زياد: رأيت على أبي عبد الله في الصيف قميصا
وسراويل ورداء، وكان كثيرا ما يتشح فوق القميص.
الخلال: أخبرنا الميموني: ما رأيت أبا عبد الله عليه طيلسان قط، ولا
رداء، إنما هو إزار صغير.
وقال أبو داود: كنت أرى أزرار أبي عبد الله محلولة. ورأيت عليه من
النعال ومن الخفاف غير زوج، فما رأيت فيه مخضرا ولا شيئا (1) له
قبالان (2).
وقال أبو داود: رأيت على أبي عبد الله نعلين حمراوين لهما قبال
واحد.
الخلال: حدثنا محمد بن الحسين، أن أبا بكر المروذي حدثهم في
آداب أبي عبد الله، قال: كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جهل عليه حلم

(1) في الأصل " ولا شئ ".
(2) مثنى قبال، وهو الزمام، أو ما كان قدام عقد الشراك.
220

واحتمل، ويقول: يكفي الله. ولم يكن بالحقود ولا العجول، كثير
التواضع، حسن الخلق، دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ. وكان
يحب في الله، ويبغض في الله، وإذا كان في أمر من الدين، اشتد له غضبه.
وكان يحتمل الأذى من الجيران.
قال حنبل: صليت بأبي عبد الله العصر، فصلى معنا رجل يقال له
محمد بن سعيد الختلي، وكان يعرفه بالسنة. فقعد أبو عبد الله بعد الصلاة،
وبقيت أنا وهو والختلي في المسجد ما معنا رابع. فقال لأبي عبد الله: نهيت
عن زيد بن خلف أن لا يكلم؟ قال: كتب إلي أهل الثغر يسألوني عن أمره،
فكتبت إليهم، فأخبرتهم بمذهبه وما أحدث، وأمرتهم أن لا يجالسوه،
فاندفع الختلي على أبي عبد الله، فقال: والله لأردنك إلى محبسك،
ولأدقن أضلاعك... في كلام كثير. فقال لي أبو عبد الله: لا تكلمه ولا تجبه.
وأخذ أبو عبد الله نعليه وقام فدخل، وقال: مر السكان أن لا يكلموه ولا يردوا
عليه. فما زال يصيح، ثم خرج. فلما كان بعد ذلك، ذهب هذا الختلي
إلى شعيب، وكان قد ولي على قضاء بغداد، وكانت له في يديه وصية،
فسأله عنها، ثم قال له شعيب: يا عدو الله، وثبت على أحمد بالأمس، ثم
جئت تطلب الوصية، إنما أردت أن تتقرب إلي بذا، فزبره، ثم أقامه.
فخرج بعد إلى حسبة العسكر.
وسرد الخلال حكايات فيمن أهدى شيئا إلى أحمد، فأثابه بأكثر من
هديته.
قال الخلال: حدثنا إبراهيم بن جعفر بن حاتم: حدثني محمد بن
الحسن بن الجنيد، عن هارون بن سفيان المستملي، قال: جئت إلى
أحمد بن حنبل حين أراد أن يفرق الدراهم التي جاءته من المتوكل، فأعطاني
221

مئتي درهم. فقلت: لا تكفيني. قال: ليس هنا غيرها، ولكن هوذا،
أعمل بك شيئا (1) أعطيك ثلاث مئة تفرقها. قال: فلما أخذتها، قلت:
ليس والله أعطي أحدا منها شيئا، فتبسم.
قال عبد الله: ما رأيت أبي دخل الحمام قط.
الخلال: حدثنا عبد الله بن حنبل: حدثني أبي، قال: قيل لأبي عبد
الله لما ضرب وبرئ، وكانت يده وجعة مما علق، وكانت تضرب عليه،
فذكروا له الحمام، وألحوا عليه، فقال لأبي: يا أبا يوسف، كلم صاحب
الحمام يخليه لي، ففعل ثم امتنع، وقال: ما أريد أن أدخل الحمام.
زهير بن صالح: حدثنا أبي قال: سمعت أبي كثيرا يتلو سورة
الكهف، وكثيرا ما كنت أسمعه، يقول: اللهم سلم سلم.
وحدثنا عن يونس بن محمد، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن
سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: اللهم سلم سلم.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا موسى بن عبد القادر، أخبرنا
سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا المخلص، حدثنا أبو
القاسم البغوي: سمعت أحمد بن حنبل يقول في سنة ثمان وعشرين
ومئتين، وقد حدث بحديث معونة (2) في البلاء: اللهم رضينا، اللهم
رضينا.

(1) في الأصل: " شئ ".
(2) معونة، بفتح الميم وضم العين: موضع في بلاد هذيل، بين مكة وعسفان، كانت
فيها الوقعة، وتعرف بسرية القراء، استشهد فيها عدد كبير منهم، وكانت مع بني رعل وذكوان،
في صفر، على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة. أخرجه البخاري في " صحيحه " 7 / 296،
297، في المغازي، وجاء في نهايته: ".. فدعا النبي، صلى الله عليه وسلم، شهرا في صلاة الغداة، وذلك
بدء القنوت، وما كنا نقنت ". وصحابي الحديث هو أنس بن مالك. وأخرجه مسلم 3 / 1511
رقم الحديث الخاص (147) في الامارة: باب ثبوت الجنة للشهيد، ونصه من حديث أنس بن
مالك، قال: جاء أناس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالوا أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة.
فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار، يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن،
ويتدارسون بالليل، يتعلمون. وكانوا بالنهار يجيؤون بالماء، فيضعونه في المسجد، ويحتطبون
فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء. فبعثهم النبي، صلى الله عليه وسلم، إليهم فعرضوا لهم،
فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك،
ورضيت عنا. قال: وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال
حرام: فزت ورب الكعبة! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: " إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم
قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا ".
انظر خبرها في ابن هشام 2 / 183، 187، والطبري 3 / 33، وابن سيد الناس 2 / 46،
وابن كثير 3 / 139، 144، و " شرح المواهب " 2 / 74، 79.
222

وقال المروذي: رأيت أبا عبد الله يقوم لورده قريبا من نصف الليل حتى
يقارب السحر. ورأيته يركع فيما بين المغرب والعشاء.
وقال عبد الله: ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم،
وكان يكثر الدعاء ويخفيه، ويصلي بين العشاءين. فإذا صلى عشاء
الآخرة، ركع ركعات صالحة، ثم يوتر وينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيصلي.
وكانت قراءته لينة، ربما لم أفهم بعضها. وكان يصوم ويدمن، ثم يفطر ما
شاء الله. ولا يترك صوم الاثنين والخميس وأيام البيص. فلما رجع من
العسكر، أدمن الصوم إلى أن مات.
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول: حججت على قدمي
حجتين، وكفاني إلى مكة أربعة عشر درهما.
تركه للجهات جملة:
عن محمد بن يحيى خادم المزني عنه، قال: قال الشافعي: لما
دخلت على الرشيد، قال: اليمن يحتاج إلى حاكم، فانظر رجلا نوليه.
223

فلما رجع الشافعي إلى مجلسه، ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم، كلمه في
ذلك، وقال: تهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين. فقال: إنما جئت
لأقتبس منك العلم، وتأمرني أن أدخل في القضاء، ووبخه. فاستحيا
الشافعي.
قلت: إسناده مظلم.
قال ابن الجوزي: قيل: كان هذا في زمان الأمين.
وأخبرنا ابن ناصر، أخبرنا عبد القادر بن محمد، أنبأنا البرمكي،
أخبرنا أبو بكر عبد العزيز، أخبرنا الخلال، أخبرني محمد بن أبي هارون،
حدثنا الأثرم، قال: أخبرت أن الشافعي قال لأبي عبد الله: إن أمير
المؤمنين، يعني، محمدا، سألني أن ألتمس له قاضيا لليمن، وأنت تحب
الخروج إلى عبد الرزاق، فقد نلت حاجتك، وتقضي بالحق، فقال
للشافعي: يا أبا عبد الله، إن سمعت هذا منك ثانية، لم ترني عندك.
فظننت أنه كان لأبي عبد الله ثلاثين سنة، أو سبعا وعشرين.
الصندلي: حدثنا أبو جعفر الترمذي، أخبرنا عبد الله بن محمد
البلخي أن الشافعي كان كثيرا عند محمد بن زبيدة، يعني: الأمين، فذكر له
محمد يوما اغتمامه برجل يصلح للقضاء صاحب سنة. قال: قد وجدت.
قال: ومن هو؟ فذكر أحمد بن حنبل. قال: فلقيه أحمد، فقال: أخمل
هذا واعفني، وإلا خرجت من البلد.
قال صالح بن أحمد: كتب إلي إسحاق بن راهويه: إن الأمير عبد الله
ابن طاهر وجه إلي، فدخلت إليه وفي يدي كتاب أبي عبد الله. فقال: ما
هذا؟ قلت: كتاب أحمد بن حنبل، فأخذه وقرأه، وقال: إني أحبه،
224

وأحب حمزة بن الهيصم البوشنجي، لأنهما لم يختلطا بأمر السلطان. قال:
فأمسك أبي عن مكاتبة إسحاق.
قال إبراهيم بن أبي طالب: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي، يقول:
قدمت على أحمد بن حنبل، فجعل لا يرفع رأسه إلي، فقلت: يا أبا عبد
الله، إنه يكتب عني بخراسان، وإن عاملتني هذه المعاملة رموا حديثي،
قال: يا أحمد، هل بد يوم القيامة من أن يقال: أين عبد الله بن طاهر
وأتباعه؟ فانظر أين تكون منه.
قال عبد الله بن بشر الطالقاني: سمعت محمد بن طارق البغدادي،
يقول: قلت لأحمد بن حنبل: أستمد من محبرتك، فنظر إلي، وقال: لم
يبلغ ورعي ورعك هذا، وتبسم.
قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقال في وجهه: أحببت
السنة، قال: هذا فساد لقلبه.
الخلال: أخبرني محمد بن موسى، قال: رأيت أبا عبد الله، وقد قال
له خراساني: الحمد لله الذي رأيتك، قال: اقعد، أي شئ ذا؟ من أنا؟
وعن رجل قال: رأيت أثر الغم في وجه أبي عبد الله، وقد أثنى عليه
شخص، وقيل له: جزاك الله عن الاسلام خيرا. قال: بل جزى الله
الاسلام عني خيرا. من أنا وما أنا؟!
الخلال: أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي، قال: مسحت يدي
على أحمد بن حنبل، وهو ينظر، فغضب، وجعل ينفض يده ويقول، عمن
أخذتم هذا.
وقال خطاب بن بشر: سألت أحمد بن حنبل عن شئ من الورع، فتبين
225

الاغتمام عليه إزراء على نفسه.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله ذكر أخلاق الورعين، فقال:
أسأل الله أن لا يمقتنا. أين نحن من هؤلاء؟!!.
قال الأبار: سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل، قال: حلفت بيمين لا
أدري أيش هي؟ فقال: ليتك إذا دريت دريت أنا.
قال إبراهيم الحربي: كان أحمد يجيب في العرس والختان،
ويأكل. وذكر غيره أن أحمد ربما استعفى من الإجابة. وكان إن رأى إناء
فضة أو منكرا، خرج. وكان يحب الخمول والانزواء عن الناس، ويعود
المريض، وكان يكره المشي في الأسواق، ويؤثر الوحدة.
قال أبو العباس السراج: سمعت فتح بن نوح، سمعت أحمد بن
حنبل، يقول: أشتهي ما لا يكون، أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من
الناس.
وقال الميموني: قال أحمد: رأيت الخلوة أروح لقلبي.
قال المروذي: قال لي أحمد: قل لعبد الوهاب: أخمل ذكرك،
فإني أنا قد بليت بالشهرة.
وقال محمد بن الحسن بن هارون: رأيت أبا عبد الله إذا مشى في
الطريق، يكره أن يتبعه أحد.
قلت: إيثار الخمول والتواضع، وكثرة الوجل من علامات التقوى
والفلاح.
قال صالح بن أحمد: كان أبي إذا دعا له رجل، يقول: الأعمال بخواتيمها.
226

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: وددت أني نجوت من هذا
الامر كفافا لا علي ولا لي.
وعن المروذي قال: أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد الله -
وكان رجلا صالحا - فقال: إن أمي رأت لك مناما، هو كذا وكذا. وذكرت
الجنة، فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا.
وخرج إلى سفك الدماء. وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
قال المروذي: بال أبو عبد الله في مرض الموت دما عبيطا، فأريته
الطبيب، فقال: هذا رجل قد فتت الغم أو الخوف جوفه.
وروي عن المروذي، قال: قلت لأحمد: كيف أصبحت؟ قال:
كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان
يطلبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء،
وملك الموت يراقب قبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟!
الخلال: أخبرنا المروذي، قال: مررت وأبو عبد الله متوكئ على يدي
فاستقبلتنا امرأة بيدها طنبور، فأخذته فكسرته، وجعلت أدوسه، وأبو عبد
الله واقف منكس الرأس. فلم يقل شيئا، وانتشر أمر الطنبور. فقال أبو عبد
الله: ما علمت أنك كسرت طنبورا إلى الساعة.
قال الميموني: قال لي القاضي محمد بن محمد بن إدريس
الشافعي: قال لي أحمد: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم سحرا.
وعن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، قال: كان أبو عبد الله حيث
توارى من السلطان عندي. وذكر من اجتهاده في العبادة أمرا عجبا. قال:
وكنت لا أقوى معه على العبادة، وأفطر يوما واحدا، واحتجم.
227

قال الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا العباس بن أبي طالب:
سمعت إبراهيم بن شماس، قال: كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام وهو
يحيي الليل.
قال عمرو بن محمد بن رجاء: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: لما قدم
أبو زرعة نزل عند أبي، فكان كثير المذاكرة له، فسمعت أبي يوما يقول:
ما صليت اليوم غير الفريضة. استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.
وعن عبد الله بن أحمد، قال: كان في دهليزنا دكان، إذا جاء من يريد
أبي أن يخلو معه، أجلسه ثم، وإذا لم يرد، أخذ بعضادتي الباب،
وكلمه. فلما كان ذات يوم، جاء إنسان، فقال لي: قل أبو إبراهيم
السائح. قال: فقال أبي: سلم عليه، فإنه من خيار المسلمين. فسلمت
عليه، فقال له أبي: حدثني يا أبا إبراهيم. قال: خرجت إلى موضع،
فأصابتني علة، فقلت: لو تقربت إلى الدير لعل من فيه من الرهبان يداويني.
فإذا بسبع عظيم يقصدني، فاحتملني على ظهره حتى ألقاني عند الدير.
فشاهد الرهبان ذلك فأسلموا كلهم. وهم أربع مئة. ثم قال لأبي: حدثني يا
أبا عبد الله. فقال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أحمد، حج فانتبهت،
وجعلت في المزود فتيتا، وقصدت نحو الكوفة. فلما تقضى بعض النهار،
إذا أنا بالكوفة. فدخلت الجامع، فإذا أنا بشاب حسن الوجه، طيب
الريح. فسلمت وكبرت، فلما فرغت من صلاتي، قلت: هل بقي من
يخرج إلى الحج؟ فقال: انتظر حتى يجئ أخ من إخواننا، فإذا أنا برجل
في مثل حالي. فلم نزل نسير، فقال له الذي معي: رحمك الله، ارفق
بنا. فقال الشاب: إن كان معنا أحمد بن حنبل، فسوف يرفق بنا. فوقع في
نفسي أنه الخضر، فقلت للذي معي: هل لك في الطعام؟ فقال: كل مما
228

تعرف، وآكل مما أعرف. فلما أكلنا، غاب الشاب. ثم كان يرجع بعد
فراغنا. فلما كان بعد ثلاث، إذا نحن بمكة.
هذه حكاية منكرة.
قال القاضي أبو يعلى: نقلت من خط أبي إسحاق بن شاقلا:
أخبرني عمر بن علي، حدثنا جعفر الرزاز جارنا، سمعت أبا جعفر محمد بن
المولى، سمعت عبد الله فذكرها. فلعلها من وضع الرزاز.
أنبأونا عن ابن الجوزي، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك،
أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا
محمد بن إسماعيل الوراق، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، حدثنا أبو
جعفر محمد بن يعقوب الصفار، قال: كنا عند أحمد بن حنبل، فقلت:
ادع الله لنا. فقال: اللهم إنك تعلم أنك لنا على أكثر مما نحب، فاجعلنا
لك على ما تحب. اللهم إنا نسألك بالقدرة التي قلت للسموات والأرض:
(ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين) (فصلت: 11). اللهم وفقنا
لمرضاتك، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك.
رواتها أئمة إلى الصفار، ولا أعرفه. وهي منكرة.
أخبرنا عمر بن القواس، عن الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا
شيخ الاسلام الأنصاري، أخبرنا أبو يعقوب، أخبرنا زاهر بن أحمد، حدثنا
علي بن عبد الله بن مبشر: سمعت الرمادي، سمعت عبد الرزاق، وذكر
أحمد، فدمعت عينه. وقال: قدم وبلغني أن نفقته نفدت، فأخذت
عشرة دنانير، وعرضتها عليه، فتبسم، وقال: يا أبا بكر، لو قبلت شيئا من
الناس، قبلت منك. ولم يقبل مني شيئا.
الخلال: أخبرني أبو غالب علي بن أحمد، حدثني صالح بن أحمد،
229

قال: جاءتني حسن، فقالت: قد جاء رجل بتليسة (1) فيها فاكهة يابسة،
وبكتاب. فقمت فقرأت الكتاب، فإذا فيه: يا أبا عبد الله، أبضعت لك
بضاعة إلى سمرقند، فربحت، فبعثت بذلك إليك أربعة آلاف، وفاكهة أنا
لقطتها من بستاني ورثته من أبي. قال: فجمعت الصبيان ودخلنا، فبكيت
وقلت: يا أبة، ما ترق لي من أكل الزكاة؟ ثم كشف عن رأس الصبية،
وبكيت. فقال: من أين علمت؟ دع حتى أستخير الله الليلة. قال: فلما
كان من الغد. قال: استخرت الله، فعزم لي أن لا آخذها. وفتح التليسة
ففرقها على الصبيان. وكان عنده ثوب عشاري، فبعث به إلى الرجل، ورد
المال.
عبد الله بن أحمد: سمعت فوران، يقول: مرض أبو عبد الله، فعاده
الناس، يعني: قبل المئتين. وعاده علي بن الجعد، فترك عند رأسه
صرة، فقلت له عنها، فقال: ما رأيت. اذهب فردها إليه.
أبو بكر بن شاذان: حدثنا أبو عيسى أحمد بن يعقوب، حدثتني فاطمة
بنت أحمد بن حنبل، قالت: وقع الحريق، في بيت أخي صالح، وكان قد
تزوج بفتية، فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار، فأكلته النار فجعل
صالح، يقول: ما غمني ما ذهب إلا ثوب لأبي. كان يصلي فيه أتبرك به
وأصلي فيه. قالت: فطفئ الحريق، ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد
أكلت النار ما حوله وسلم.
قال ابن الجوزي: وبلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي
أنه حكى أن الحريق وقع في دارهم، فأحرق ما فيها إلا كتابا كان فيه شئ
بخط الإمام أحمد. قال: ولما وقع الغرق ببغداد في سنة 544، وغرقت

(1) وعاء يسوى من الخوص.
230

كتبي، سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الامام.
قلت: وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبع مئة
ببغداد عام على مقابر مقبرة أحمد، وأن الماء دخل في الدهليز علو ذراع،
ووقف بقدرة الله، وبقيت الحصر حول قبر الامام بغبارها، وكان ذلك آية.
أبو طالب: حدثنا المروذي: سمعت مجاهد بن موسى، يقول:
رأيت أحمد، وهو حدث، وما في وجهه طاقة، وهو يذكر.
وروى حرمي بن يونس، عن أبيه: رأيت أحمد أيام هشيم وله قدر.
قال أحمد بن سعيد الرباطي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول:
أخذنا هذا العلم بالذل، فلا ندفعه إلا بالذل.
محمد بن صالح بن هانئ: حدثنا أحمد بن شهاب الأسفراييني:
سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عمن نكتب في طريقنا، فقال: عليكم
بهناد، وبسفيان بن وكيع، وبمكة ابن أبي عمر، وإياكم أن تكتبوا، يعني:
عن أحد من أصحاب الأهواء، قليلا ولا كثيرا. عليكم بأصحاب الآثار
والسنن.
عبد الله بن أحمد: كتب إلي الفتح بن شخرف أنه سمع موسى بن
حزام الترمذي، يقول: كنت أختلف إلى أبي سليمان الجوزجاني في كتب
محمد، فاستقبلني أحمد بن حنبل، فقال: إلى أين؟ قلت: إلى أبي
سليمان. فقال: العجب منكم! تركتم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يزيد عن حميد،
عن أنس، وأقبلتم على ثلاثة إلى أبي حنيفة، رحمه الله. أبو سليمان، عن
محمد، عن أبي يوسف، عنه! قال: فانحدرت إلى يزيد بن هارون.
ابن عدي: أخبرنا عبد الملك بن محمد، حدثنا صالح بن أحمد:
231

سمعت أبي، يقول: والله لقد أعطيت المجهود من نفسي، ولوددت أني أنجو
كفافا.
الحاكم: حدثنا أبو علي الحافظ، سمعت محمد بن المسيب،
سمعت زكريا بن يحيى الضرير، يقول: قلت لأحمد بن حنبل: كم يكفي
الرجل من الحديث حتى يكون مفتيا؟ يكفيه مئة ألف؟ فقال: لا. إلى أن
قال: فيكفيه خمس مئة ألف حديث؟ قال: أرجو.
المحنة (1):
قال عمرو بن حكام: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن
عباس، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم
بحق علمه ". تفرد به عمرو، وليس بحجة (2).
وقال سليمان بن بنت شرجبيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن سليمان.

(1) إن الإمام أحمد صار مثلا سائرا، يضرب به المثل في المحنة والصبر على الحق، فإنه
لم يكن يأخذه في الله لومة لائم، حتى صارت الإمامة مقرونة باسمه في لسان كل أحد، فيقال:
قال الإمام أحمد، وهذا مذهب الإمام أحمد... لقوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا
لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون). فإنه أعطي من الصبر واليقين ما نال به الإمامة في الدين،
وقد تداوله ثلاثة خلفاء يسلطون عليه من شرق الأرض إلى غربها، ومعهم من العلماء المتكلمين
والقضاة والوزراء والامراء والولاة ما لا يحصيه إلا الله، فبعضهم تسلط عليه بالحبس، وبعضهم
بالتهديد الشديد، وبعضهم يعده بالقتل وبغيره من الرعب، وبعضهم بالترغيب في الرياسة
والمال، وبعضهم بالنفي والتشريد من وطنه. وقد خذله في ذلك أهل الأرض حتى أصحابه
العلماء والصالحون، وهو مع ذلك لا يجيبهم إلى كلمة واحدة مما طلبوا منه، وما رجع عما جاء به
الكتاب والسنة، ولأكتم العلم، ولا استعمل التقية، بل قد أظهر من سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وآثاره
ما دفع به البدع المخالفة لذلك ما لم يتأت مثله لعالم من نظرائه.
(2) لكن نقل المصنف في " الميزان " قول ابن عدي: عامة ما يرويه عمرو بن حكام غير
متابع عليه، إلا أنه مع ضعفه يكتب حديثه. ومعنى هذا أن ضعفه خفيف، ويصلح حديثه أن
يكون شاهدا، وهو هنا كذلك.
232

التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعن
أحدكم هيبة الناس أن يقول بالحق إذا رآه أو سمعه " (1) غريب فرد.
وقال حماد بن سلمة، ومعلى بن زياد - وهذا لفظه - عن أبي غالب،
عن أبي أمامة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " أحب الجهاد إلى الله كلمة حق
تقال لامام جائر " (2).
إسحاق بن موسى الخطمي: حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن، حدثنا
يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن القاري، عن أبيه، عن جده، أن عمر
كتب إلى معاوية: أما بعد فالزم الحق، ينزلك الحق منازل أهل الحق،
يوم لا يقضى إلا بالحق.
وبإسناد واه عن أبي ذر: أبى الحق أن يترك له صديقا.

(1) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 3 / 5 من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، و 53
عن يحيى القطان، كلاهما عن سليمان بن طرخان التيمي، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد.
وهذا سند صحيح. وأخرجه أحمد أيضا 3 / 19 و 71، والترمذي (2191)، وابن ماجة
(4007) من طريق حماد، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.
وأخرجه ابن ماجة (4008) من طريق أبي كريب، عن عبد الله بن نمير وأبي معاوية، عن
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
" لا يحقر أحدكم نفسه ". قالوا: يا رسول الله! كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: " يرى أمرا لله
عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله، عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا
وكذا؟ فيقول: خشية الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى ". قال البوصيري في
" مصباح الزجاجة " ورقة: 250: هذا إسناد صحيح، وأبو البختري اسمه سعيد بن فيروز،
ورواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن شعبة، عن عمرو بن مرة به، ورواه البيهقي في " السنن
الكبرى " من طريق محمد بن عبيد، عن الأعمش، فذكره بإسناده ومتنه، وقال: تابعه زبيد
وشعبة، عن عمرو بن مرة. ورواه عبد بن حميد في " مسنده "، حدثنا محمد بن عبيد فذكره.
(2) سنده حسن، وأخرجه أحمد 5 / 251 و 256، وابن ماجة (4012). وفي الباب
عن طارق بن شهاب عن أحمد 4 / 314 و 315، والنسائي 7 / 161، وإسناده صحيح،
وصححه النووي والمنذري، وعن أبي سعيد الخدري عند الترمذي (2175)، وأبي داود
(4344)، وابن ماجة (4011). وإسناده ضعيف، لكن يتقوى بما قبله، فالحديث صحيح.
233

الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة
يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملا، فهو
صديق. ومن ضعف، فلا أقل من التألم والانكار بالقلب. ليس وراء ذلك
إيمان، فلا قوة إلا بالله.
سفيان الثوري، عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم مولى
حكيم بن حزام، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم
أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تودع منهم " (1). هكذا رواه
جماعة عن سفيان.
ورواه النضر بن إسماعيل، عن الحسن، فقال: عن مجاهد، عن عبد
الله بن عمرو مرفوعا. ورواه سيف بن هارون عن الحسن، فقال: عن أبي
الزبير: سمعت عبد الله بن عمرو مرفوعا.
سفيان الثوري، عن زبيد، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري،

(1) رجاله ثقات، لكن فيه تدليس محمد بن مسلم أبي الزبير. والحسن بن عمرو هو
الفقيمي، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4 / 96، ووافقه الذهبي المؤلف. ونقل المناوي في
" الفيض " أن البيهقي تعقب الحاكم بأنه منقطع، حيث قال: محمد بن مسلم هو أبو الزبير
المكي، ولم يسمع من ابن عمرو، لكن وقع عنده في السند خطأ، وهو قوله: عن محمد بن
مسلم بن السائب، وصوابه: محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير، مولى حكيم بن حزام،
كما جاء في أصلنا هذا، فإن الحديث لا يعرف إلا به. ويغلب على الظن أن الخطأ فيه من
النساخ. وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 163 و 190 من طريق ابن نمير وسفيان الثوري،
كلاهما عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو. وذكره الهيثمي في
" المجمع " 7 / 262، وقال: رواه أحمد والبزار بإسنادين، ورجال أحد إسنادي البزار رجال
الصحيح، وكذلك رجال أحمد. وقوله: " فقد تودع منهم "، بضم التاء والواو، وكسر الدال
المشددة، من التوديع. قال الزمخشري في " الفائق ": أي استريح منهم، وخذلوا، وخلي
بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي، وهو من المجاز، لان المعتني بإصلاح شأن الرجل إذا يئس
من صلاحه، تركه ونفض منه يده، واستراح من معاناة النصب في استصلاحه. ويجوز أن يكون
من قولهم: تودعت الشئ، أي: صنته في ميدع.. أي: فقد صاروا بحيث يتحفظ منهم،
كما يتوقى شرار الناس.
234

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى
أمرا لله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له: ما منعك؟ فيقول: مخافة
الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخاف " (1) رواه الفريابي وأبو نعيم
وخلاد عنه.
حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن
ثوبان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم " إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة
المضلون، وإذا وضع السيف عليهم، لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة، ولا
تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم
حتى يأتي أمر الله " (2).
الحسين بن موسى: حدثنا الحسين بن الفضل البجلي، حدثنا عبد
العزيز بن يحيى المكي، حدثنا سليم بن مسلم، (3) عن ابن جريج، عن

(1) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في ص: 233، في التعليق رقم (1)، وهو
حديث صحيح.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 278 و 283، 284، وأبو داود (4252)، وابن
ماجة (3952) من طريق أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
" إن الله زوى لي الأرض " أو قال: " إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن
ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها. وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لامتي أن
لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع
عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون
بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي، لم
يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد
قبائل من أمتي الأوثان. وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم
النبيين، لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ". قال ابن عيسى: " ظاهرين " ثم
اتفقا: " لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ".
(3) قال ابن معين: جهمي خبيث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: لا
يساوي حديثه شيئا. ذكر ذلك المؤلف في " ميزانه ".
235

عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لله عند إحداث
كل بدعة تكيد الاسلام ولي يذب عن دينه ". الحديث. هذا موضوع، ما رواه
ابن جريج.
كان الناس أمة واحدة، ودينهم قائما في خلافة أبي بكر وعمر. فلما
استشهد قفل باب الفتنة عمر رضي الله عنه، وانكسر الباب، قام رؤوس
الشر على الشهيد عثمان حتى ذبح صبرا. وتفرقت الكلمة وتمت وقعة
الجمل، ثم وقعة صفين. فظهرت الخوارج، وكفرت سادة الصحابة، ثم
ظهرت الروافض والنواصب.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة،
والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها
إلى بعد المئتين، فظهر المأمون الخليفة - وكان ذكيا متكلما، له نظر في
المعقول - فاستجلب كتب الأوائل، وعرب حكمة اليونان، وقام في ذلك
وقعد، وخب ووضع، ورفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها، بل والشيعة،
فإنه كان كذلك. وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن،
وامتحن العلماء، فلم يمهل. وهلك لعامه، وخلى بعده شرا وبلاء في
الدين. فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه
وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأنه كلام الله مخلوق
مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة
الله. فأنكر ذلك العلماء. ولم تكن الجمهية يظهرون في دولة المهدي
والرشيد والأمين فلما ولي المأمون، كان منهم، وأظهر المقالة.
روى أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن محمد بن نوح: أن الرشيد،
قال: بلغني أن بشر بن غياث المريسي، يقول: القرآن مخلوق، فلله علي
236

إن أظفرني به، لأقتلنه. قال الدورقي: وكان متواريا أيام الرشيد فلما مات
الرشيد، ظهر، ودعا إلى الضلالة.
قلت: ثم إن المأمون نظر في الكلام، وناظر، وبقي متوقفا في الدعاء
إلى بدعته.
قال أبو الفرج بن الجوزي: خالطه قوم من المعتزلة، فحسنوا له القول
بخلق القرآن، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ، ثم قوي عزمه، وامتحن
الناس.
أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو
منصور الشيباني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو بكر الحيري، أخبرنا
أبو العباس الأصم، أخبرنا يحيى بن أبي طالب، أخبرني الحسن بن شاذان
الواسطي، حدثني ابن عرعرة، حدثني ابن أكثم، قال: قال لنا المأمون:
لولا مكان يزيد بن هارون، لأظهرت أن القرآن مخلوق. فقال بعض
جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يتقى؟ فقال: ويحك! إني
أخاف إن أظهرته فيرد علي يختلف الناس، وتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة.
فقال الرجل: فأنا أخبر ذلك منه، قال له: نعم. فخرج إلى واسط، فجاء
إلى يزيد، وقال: يا أبا خالد، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول لك:
إني أريد أن أظهر خلق القرآن، فقال: كذبت على أمير المؤمنين. أمير
المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه. فإن كنت صادقا، فاقعد. فإذا
اجتمع الناس في المجلس، فقل. قال: فلما أن كان الغد، اجتمعوا.
فقام، فقال كمقالته، فقال يزيد: كذبت على أمير المؤمنين، إنه لا يحمل
الناس على ما لا يعرفونه، وما لم يقل به أحد. قال: فقدم، وقال: يا أمير
المؤمنين، كنت أعلم، وقص عليه، قال: ويحك يلعب بك!!
237

قال صالح بن أحمد: سمعت أبي، يقول: لما دخلنا على إسحاق بن
إبراهيم للمحنة، قرأ علينا كتاب الذي صار إلى طرسوس، يعني:
المأمون، فكان فيما قرئ علينا: (ليس كمثله شئ) (الشورى، 11) و (هو
خالق كل شئ). (الانعام: 102) فقلت: (وهو السميع البصير) قال
صالح: ثم امتحن القوم، ووجه بمن امتنع إلى الحبس، فأجاب القوم جميعا
غير أربعة: أبي، ومحمد بن نوح، والقواريري، والحسن بن حماد
سجادة. ثم أجاب هذان، وبقي أبي ومحمد في الحبس أياما، ثم جاء
كتاب من طرسوس بحملهما مقيدين زميلين.
الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر القطيعي،
قال: لما أحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة، وكان أحمد بن حنبل قد
أحضر فلما رأى الناس يجيبون، وكان رجلا لينا،
فانتفخت أوداجه،
واحمرت عيناه، وذهب ذلك اللين. فقلت: إنه قد غضب لله، فقلت أبشر:
حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة، قال:
كان من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من إذا أريد على شئ من أمر دينه،
رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون.
أخبرنا عمر بن القواس، عن الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا
شيخ الاسلام، أخبرنا أبو يعقوب، حدثنا الحسين بن محمد الخفاف:
سمعت ابن أبي أسامة، يقول: حكي لنا أن أحمد قيل له أيام المحنة: يا أبا
عبد الله، أولا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: كلا، إن ظهور
الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد
لازمة للحق.
الأصم: حدثنا عباس الدوري: سمعت أبا جعفر الأنباري، يقول:
238

لما حمل أحمد إلى المأمون، أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في
الخان، فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر، تعنيت. فقلت: يا هذا أنت
اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن، ليجيبن
خلق، وإن أنت لم تجب، ليمتنعن خلق من الناس كثير. ومع هذا فإن
الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت، فاتق الله ولا تجب.
فجعل أحمد يبكي، ويقول: ما شاء الله. ثم قال: يا أبا جعفر، أعد علي
فأعدت عليه، وهو يقول: ما شاء الله.
قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الادمي: حدثنا الفضل بن زياد،
سمعت أحمد بن حنبل يقول: أول يوم امتحنه إسحاق، لما خرج من عنده،
وذلك في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة ومئتين، فقعد في مسجده، فقال
له جماعة: أخبرنا بمن أجاب. فكأنه ثقل عليه، فكلموه أيضا. قال: فلم
يجب أحمد من أصحابنا، والحمد لله. ثم ذكر من أجاب ومن واتاهم على أكثر
ما أرادوا. فقال: هو مجعول محدث. وامتحنهم مرة مرة، وامتحنني مرتين
مرتين. فقال لي: ما تقول في القرآن؟ قلت: كلام الله غير مخلوق.
فأقامني وأجلسني في ناحية، ثم سألهم، ثم ردني ثانية، فسألني وأخذني
في التشبيه. فقلت: (ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير)
(الشورى: 11) فقال لي: وما السميع البصير؟ فقلت: هكذا قال
تعالى.
قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: جعلوا يذاكرون أبا عبد الله بالرقة
في التقية وما روي فيها. فقال: كيف تصنعون بحديث خباب: " إن من كان
قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار، لا يصده ذلك عن دينه " (1) فأيسنا منه.

(1) أخرجه أحمد 5 / 109 و 110، والبخاري 12 / 281 في أول الاكراه، وأبو داود
(2649) من طريق قيس بن أبي حازم، عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟
فقال: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار،
فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده
ذلك عن دينه. والله ليتمن هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلا
الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ".
239

وقال: لست أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلا بالسيف، إنما
أخاف فتنة السوط. فسمعه بعض أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد
الله، فما هو إلا سوطان، ثم لا تدري أين يقع الباقي، فكأنه سري عنه.
قال: وحدثني من أثق به، عن محمد بن إبراهيم بن مصعب، وهو
يومئذ صاحب شرطة المعتصم خلافة لأخيه إسحاق بن إبراهيم، قال: ما
رأيت أحدا لم يداخل السلطان، ولا خالط الملوك، كان أثبت قلبا من أحمد
يومئذ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب.
وحدثني بعض أصحابنا عن أبي عبد الرحمن الشافعي، (1)، أو هو
حدثني أنهم أنفذوه إلى أحمد في محبسه ليكلمه في معنى التقية، فلعله
يجيب. قال: فصرت إليه أكلمه، حتى إذا أكثرت وهو لا يجيبني. ثم قال
لي: ما قولك اليوم في سجدتي السهو؟ وإنما أرسلوه إلى أحمد للألف الذي
كان بينه وبين أحمد أيام لزومهم الشافعي. فإن أبا عبد الرحمن كان يومئذ
ممن يتقشف ويلبس الصوف، وكان أحفظ أصحاب الشافعي للحديث من
قبل أن يتبطن بمذاهبه المذمومة. ثم لم يحدث أبو عبد الله بعد ما أنبأتك أنه
حدثني في أول خلافة الواثق، ثم قطعه إلى أن مات، إلا ما كان في زمن
المتوكل.

(1) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس..، وهو ابن بنت الشافعي الامام
رضي الله عنه، وأمه زينب بنت الشافعي، انظر ترجمته في " تهذيب الأسماء واللغات " للامام
النووي برقم (557)، وفي " طبقات الشافعية " 2 / 186.
240

قال صالح بن أحمد: حمل أبي ومحمد بن نوح من بغداد
مقيدين، فصرنا معهما إلى الأنبار. فسأل أبو بكر الأحول أبي: يا أبا
عبد الله، إن عرضت على السيف، تجيب؟ قال: لا. ثم سيرا،
فسمعت أبي يقول: صرنا إلى الرحبة (1)، ورحلنا منها في جوف الليل،
فعرض لنا رجل، فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا، فقال
للجمال: على رسلك، ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تقتل ها هنا،
وتدخل الجنة؟ ثم قال: أستودعك الله، ومضى. فسألت عنه، فقيل
لي: هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر (2) في البادية، يقال
له: جابر بن عامر، يذكر بخير.
أحمد بن أبي الحواري: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: قال
أحمد بن حنبل: ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الامر أقوى من
كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق. قال: يا أحمد، إن يقتلك
الحق، مت شهيدا، وإن عشت، عشت حميدا. فقوى قلبي.
قال صالح بن أحمد: قال أبي: فلما صرنا إلى أذنة (3)، ورحلنا
منها في جوف الليل، وفتح لنا بابها، إذا رجل قد دخل. فقال:
البشرى! قد مات الرجل يعني: المأمون. قال أبي: وكنت أدعو الله أن
لا أراه.
محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول:
تبينت الإجابة في دعوتين: دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون،

(1) وهي رحبة مالك بن طوق، تقع بين الرقة وبغداد، على شاطئ الفرات، تبعد عن
بغداد مئة فرسخ، وعن الرقة نيفا وعشرين فرسخا.
(2) في الهامش ما نصه: في رواية حنبل: يعمل الصوف.
(3) بفتحات، وهي بلد مشهور من الثغور، قرب المصيصة.
241

ودعوته أن لا أرى المتوكل. فلم أر المأمون، مات بالبذندون (1)، قلت
وهو نهر الروم. وبقي أحمد محبوسا بالرقة حتى بويع المعتصم إثر موت
أخيه، فرد أحمد إلى بغداد. وأما المتوكل فإنه نوه بذكر الإمام أحمد،
والتمس الاجتماع به، فلما أن حضر أحمد دار الخلافة بسامراء ليحدث ولد
المتوكل ويبرك عليه، جلس له المتوكل في طاقة، حتى نظر هو وأمه منها
إلى أحمد، ولم يره أحمد.
قال صالح: لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس، ردا في
أقيادهما. فلما صار إلى الرقة، حملا في سفينة، فلما وصلا إلى
عانة (2)، توفي محمد، وفك قيده، وصلى عليه أبي.
وقال حنبل: قال أبو عبد الله: ما رأيت أحدا على حداثة سنه، وقدر
علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له
بخير. قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله الله، إنك لست مثلي. أنت
رجل يقتدى بك. قد مد الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتق الله
وأثبت لأمر الله، أو نحو هذا. فمات، وصليت عليه، ودفنته. أظن
قال: بعانة. قال صالح: وصار أبي إلى بغداد مقيدا. فمكث بالياسرية (3) أياما،

(1) في الأصل بالباء، وهو تصحيف، فقد جاء في " معجم البلدان " 1 / 361، 362:
البذندون، بفتحتين وسكون النون ودال مهملة وواو ساكنة ونون: قرية بينها وبين طرسوس يوم،
من بلاد الثغر، مات بها المأمون فنقل إلى طرطوس، ودفن بها. ولطرسوس باب يقال له: باب
بذندون، عنده في وسط السور قبر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون، كان خرج غازيا،
فأدركته وفاته هناك، وذلك سنة 218 ه‍.
(2) بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهي مشرفة على الفرات،
وبها قلعة حصينة.
(3) قرية كبيرة على ضفة نهر عيسى، بينها وبين بغداد ميلان.
242

ثم حبس في دار اكتريت عند دار عمارة، ثم حول إلى حبس العامة في
درب الموصلية. فقال: كنت أصلي بأهل السجن، وأنا مقيد. فلما كان
في رمضان سنة تسع عشر - قلت: وذلك بعد موت المأمون بأربعة عشر
شهرا - حولت إلى دار إسحاق بن إبراهيم، يعني: نائب بغداد. وأما
حنبل، فقال: حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إصطبل الأمير
محمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم، وكان في حبس ضيق،
ومرض في رمضان. ثم حول بعد قليل إلى سجن العامة، فمكث في
السجن نحوا من ثلاثين شهرا. وكنا نأتيه، فقرأ علي كتاب " الارجاء "
وغيره في الحبس، ورأيته يصلي بهم في القيد، فكان يخرج رجله من
حلقة القيد وقت الصلاة والنوم.
قال صالح بن أحمد: قال أبي: كان يوجه إلي كل يوم برجلين،
أحدهما يقال له: أحمد بن أحمد بن رباح، والآخر أبو شعيب الحجام،
فلا يزالان يناظراني، حتى إذا قاما دعي بقيد، فزيد في قيودي، فصار
في رجلي أربعة أقياد. فلما كان في اليوم الثالث، دخل علي فناظرني،
فقلت له: ما تقول في علم الله؟ قال: مخلوق. قلت: كفرت بالله (1)،
فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم: إن هذا رسول
أمير المؤمنين. فقلت: إن هذا قد كفر. فلما كان في الليلة الرابعة،
وجه، يعني: المعتصم، ببغا الكبير إلى إسحاق، فأمره بحملي إليه،
فأدخلت على إسحاق، فقال: يا أحمد إنها والله نفسك، إنه لا يقتلك
بالسيف، إنه قد آلى، إن لم تجبه، أن يضربك ضربا بعد ضرب، وأن
يقتلك في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر. أليس قد قال الله تعالى: (إنا

(1) جاء بهامش الأصل الذي اعتمد في تحقيق " تاريخ الاسلام " للحافظ الذهبي: " إنما
كفره لأنه إذا كان علم الله مخلوقا، لزم أن يكون في الأزل بغير علم حتى خلقه. تعالى الله عما
يقول الظالمون علوا كبيرا. وهذا حق بديهي معلوم من الدين بالضرورة ".
243

جعلناه قرآنا عربيا) (الزخرف: 3) أفيكون مجعولا إلا مخلوقا؟ فقلت:
فقد قال تعالى: (فجعلهم كعصف مأكول) (الفيل: 5) أفخلقهم؟
قال: فسكت. فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان،
أخرجت، وجئ بدابة فأركبت وعلي الأقياد، ما معي من يمسكني،
فكدت غير مرة أن أخر على وجهي لثقل القيود. فجئ بي إلى دار
المعتصم، فأدخلت حجرة، ثم أدخلت بيتا، وأقفل الباب علي في جوف
الليل ولا سراج. فأردت الوضوء، فمددت يدي، فإذا أنا بإناء فيه ماء،
وطست موضوع، فتوضأت وصليت.
فلما كان من الغد، أخرجت تكتي، وشددت بها الأقياد أحملها،
وعطفت سراويلي. فجاء رسول المعتصم، فقال: أجب فأخذ بيدي،
وأدخلني عليه، والتكة في يدي، أحمل بها الأقياد، وإذا هو جالس،
وأحمد بن أبي دواد حاضر، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه. فقال لي
المعتصم: ادنه ادنه. فلم يزل يدنيني حتى قربت منه. ثم قال:
اجلس، فجلست، وقد أثقلتني الأقياد، فمكثت قليلا، ثم قلت: أتأذن في
الكلام؟ قال تكلم، فقلت: إلى ما (1) دعا الله ورسوله؟ فسكت هنية (2)، ثم
قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فقلت: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله. ثم
قلت: إن جدك ابن عباس يقول: لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، سألوه عن الايمان، فقال: " أتدرون ما الايمان؟ " قالوا: الله

(1) كذا في الأصل، بإثبات ألف " ما ". وظاهر كلام النحويين وجوب حذف ألفها إذا دخل
عليها حرف الجر، ولكن قرأ عبد الله وأبي وعكرمة: (عما يتساءلون)، بالألف، وقال أبو حيان
في " البحر " 8 / 410: وهو أصل: " عم "، والأكثر حذف الألف من " ما " الاستفهامية إذا دخل
عليها حرف الجر، وأضيف إليها. ومن إثبات الألف قول الشاعر:
على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في دمان
(2) في " تاريخ الاسلام ": " هنيهة "، والوجهان جائزان. وهنية مصغر هنة، أصلها
هنوة، أي: شئ يسير.
244

ورسوله أعلم، قال: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا الخمس من المغنم " (1). قال أبي:
فقال، يعني: المعتصم: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي، ما
عرضت لك.
ثم قال: يا عبد الرحمن بن إسحاق، ألم آمرك برفع المحنة؟
فقلت: الله أكبر! إن في هذا لفرجا للمسلمين. ثم قال لهم: ناظروه،
وكلموه، يا عبد الرحمن كلمه. فقال: ما تقول في القرآن؟ قلت: ما
تقول أنت في علم الله؟ فسكت، فقال لي بعضهم: أليس قال الله تعالى
(الله خالق كل شئ)؟ (الرعد: 16) والقرآن أليس شيئا؟ فقلت:
قال الله (تدمر كل شئ) (الأحقاف: 25) فدمرت إلا ما أراد الله..
فقال بعضهم: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) (الأنبياء: 2)
أفيكون محدث إلا مخلوقا؟ فقلت: قال الله: (ص، والقرآن ذي
الذكر) (ص: 1) فالذكر هو القرآن، وتلك (2) ليس فيها ألف ولام.
وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين " إن الله خلق الذكر "، فقلت:
هذا خطأ، حدثنا غير واحد: " إن الله كتب الذكر " (3) واحتجوا بحديث

(1) أخرجه البخاري 1 / 120، 125، في الايمان: باب أداء الخمس من الايمان، وفي
العلم: باب تحريض النبي، صلى الله عليه وسلم، وفد عبد القيس على أن يحفظوا الايمان والعلم، ويخبروا من
وراءهم، وفي مواقيت الصلاء: باب قول الله تعالى: (منيبين إليه واتقوه)، وفي الزكاة: باب
وجوب الزكاة، وفي الجهاد: باب أداء الخمس من الدين، وفي الأنبياء: باب نسبة اليمن إلى
إسماعيل، وفي المغازي: باب وفد عبد القيس، وفي الأدب: باب قول الرجل مرحبا، وفي
خبر الواحد: باب وصاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم، وفي التوحيد: باب
قول الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون). وأخرجه مسلم (17) في الايمان: باب الأمر
بالايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه.
(2) صحفت في " تاريخ الاسلام " إلى: " ويلك "، بالياء المثناة من تحت.
(3) المحفوظ من حديث عمران بن حصين: " وكتب في الذكر كل شئ ". أخرجه
البخاري 6 / 205، 207 في أول بدء الخلق، و 13 / 345، 347 في التوحيد: باب وكان
عرشه على الماء، عن عمران بن حصين، قال: دخلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي
بالباب، فإذا ناس من بني تميم، فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: قد بشرتنا، فأعطنا
مرتين. ثم دخل عليه ناس من اليمن، فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو
تميم. قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ونسألك عن أول هذا الامر ما كان؟ قال: كان الله
ولم يكن شئ غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شئ، وخلق السماوات
والأرض ".
245

ابن مسعود: " ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية
الكرسي " (1). فقلت: إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء
والأرض، ولم يقع على القرآن. فقال بعضهم: حديث خباب: " يا
هنتاه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشئ أحب إليه
من كلامه " (1)، فقلت: هكذا هو.
قال صالح: وجعل ابن أبي دواد ينظر إلي أبي كالمغضب. قال
أبي: وكان يتكلم هذا، فأرد عليه. ويتكلم هذا، فأرد عليه، فإذا انقطع
الرجل منهم، اعترض ابن أبي دواد، فيقول: يا أمير المؤمنين، هو،
والله، ضال مضل مبتدع! فيقول: كلموه، ناظروه، فيكلمني هذا، فأرد
عليه، ويكلمني هذا، فأرد عليه، فإذا انقطعوا، يقول المعتصم: ويحك
يا أحمد، ما تقول؟ فأقول: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله

(1) ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 1 / 323، ونسبه إلى أبي عبيد، وابن الضريس،
ومحمد بن نصر، بلفظ: " ما خلق الله من سماء، ولا أرض ولا جنة ولا نار أعظم من آية في سورة
البقرة: الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، وأخرجه سعيد بن منصور، وابن الضريس،
والبيهقي في " الأسماء والصفات " عن ابن مسعود، قال: " ما من سماء ولا أرض ولا سهل ولا
جبل أعظم من آية الكرسي ".
(2) أخرجه الآجري في " الشريعة " ص: 77، من طريق أبي القاسم عبد الله بن محمد بن
عبد العزيز البغوي، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا أبو حفص الأبار، عن منصور، عن هلال بن
يساف، عن فروة (وقد تحرف فيه إلى قرة) بن نوفل، قال: أخذ خباب بن الأرت، رضي الله
عنه، بيدي، فقال: يا هناه! تقرب إلى الله عز وجل بما استطعت، فإنك لست تتقرب إليه بشئ
أحب إليه من كلامه. وسنده صحيح.
246

أو سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أقول به. فيقول أحمد بن
أبي دواد: أنت لا تقول إلا ما في الكتاب أو السنة؟ فقلت له: تأولت تأويلا،
فأنت أعلم، وما تأولت ما يحبس عليه، ولا يقيد عليه (1).
قال حنبل: قال أبو عبد الله: لقد احتجوا علي بشئ ما يقوى
قلبي، ولا ينطلق لساني أن أحكيه. أنكروا الآثار، وما ظننتهم على هذا
حتى سمعته، وجعلوا يرغون، يقول الخصم كذا وكذا (2)، فاحتججت
عليهم بالقرآن بقوله (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) (3) (مريم:
42) أفهذا منكر عندكم؟ فقالوا: شبه، يا أمير المؤمنين، شبه.
قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: حدثني بعض أصحابنا أن أحمد
ابن أبي دواد أقبل على أحمد يكلمه، فلم يلتفت إليه، حتى قال
المعتصم: يا أحمد ألا تكلم أبا عبد الله؟ فقلت: لست أعرفه من أهل
العلم فأكلمه!!
قال صالح: وجعل ابن أبي دواد، يقول: يا أمير المؤمنين، والله لئن
أجابك لهو أحب إلي من مئة ألف دينار، ومئة ألف دينار، فيعد من ذلك ما
شاء الله أن يعد. فقال: لئن أجابني لأطلقكن عنه بيدي، ولا ركبن إليه
بجندي، ولأطأن عقبه.
ثم قال: يا أحمد، والله إني عليك لشفيق، وإني لأشفق عليك

(1) في " تاريخ الاسلام ": "... فقلت له: كما تأولت تأويلات فأنت أعلم، وما تأولت
ما يحبس عليه، وما يقيد عليه ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " وجعلوا يدعون بقول الخصم وكذا وكذا ". وهي مصحفة.
(3) في " تاريخ الاسلام " بعد الآية: " فذم إبراهيم أباه أن عبد ما لا يسمع ولا يبصر.. "
247

كشفقتي على ابني هارون، ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئا من كتاب الله
وسنة رسوله.
فلما طال المجلس، ضجر وقال: قوموا، وحبسني، (يعني عنده) (1)
وعبد الرحمن بن إسحاق يكلمني. وقال: ويحك! أجبني (2). وقال:
ويحك! ألم تكن تأتينا؟ فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أعرفه منذ
ثلاثين سنة، يرى طاعتك والحج والجهاد معك. فيقول: والله إنه لعالم،
وإنه لفقيه. وما يسوءني أن يكون معي يرد عني أهل الملل. ثم قال: ما
كنت تعرف صالحا الرشيدي؟ قلت: قد سمعت به (3)، قال: كان
مؤدبي، وكان في ذلك الموضع جالسا، وأشار إلى ناحية من الدار.
فسألني (4) عن القرآن، فخالفني، فأمرت به فوطئ وسحب! يا أحمد،
أجبني إلى شئ لك فيه أدنى فرج، حتى أطلق عنك بيدي. قلت: أعطوني
شيئا من كتاب الله وسنة رسوله. فطال المجلس، وقام، ورددت إلى
الموضع.
فلما كان بعد المغرب، وجه إلي رجلين من أصحاب ابن أبي دواد،
يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي، حتى إذا كان وقت الافطار، جئ
بالطعام، ويجتهدان بي أن أفطر فلا أفعل - قلت: وكانت ليالي رمضان -
قال: ووجه المعتصم إلي ابن أبي دواد في الليل، فقال: يقول لك أمير
المؤمنين: ما تقول؟ فأرد عليه نحوا مما كنت أرد. فقال ابن أبي دواد: والله

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
(2) وتمامه كما في " تاريخ الاسلام ": ".... فقال: ما أعرفك ".
(3) في " تاريخ الاسلام ": " باسمه " بدل " به "
(4) في " تاريخ الاسلام ": فسألته.
248

لقد كتب اسمك في السبعة: يحيى بن معين وغيره (1)، فمحوته. ولقد
ساءني أخذهم إياك. ثم يقول: إن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربا
بعد ضرب، وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس. ويقول: إن
أجابني، جئت إليه حتى أطلق عنه بيدي، ثم انصرف.
فلما أصبحنا (2) جاء رسوله، فأخذ بيدي حتى ذهب بي إليه، فقال
لهم: ناظروه وكلموه، فجعلوا يناظروني، فأرد عليهم. فإذا جاؤوا بشئ
من الكلام مما ليس في الكتاب والسنة، قلت: ما أدري ما هذا. قال:
فيقولون: يا أمير المؤمنين، إذا توجهت (له) (3) الحجة علينا، ثبت، وإذا
كلمناه بشئ، يقول: لا أدري ما هذا؟ فقال: ناظروه. فقال رجل: يا
أحمد، أراك تذكر الحديث وتنتحله، فقلت: ما تقول في قوله: (يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (النساء: 11)؟ قال: خص الله
بها المؤمنين. قلت: ما تقول: إن كان قاتلا أو عبدا؟ فسكت، وإنما
احتججت عليهم بهذا، لانهم كانوا يحتجون بظاهر القرآن. فحيث قال
لي: أراك تنتحل الحديث، احتججت بالقرآن، يعني: وإن السنة
خصصت القاتل والعبد، فأخرجتهما من العموم. قال: فلم يزالوا كذلك
إلى قرب الزوال. فلما ضجر، قال: قوموا، ثم خلا بي، وبعبد الرحمن
بن
إسحاق، فلم يزل يكلمني، ثم قام ودخل. ورددت إلى الموضع.
قال: فلما كانت الليلة الثالثة، قلت: خليق أن يحدث غدا من أمري

(1) قال ابن الجوزي في " مناقب الإمام أحمد " ص: 324: ".... قلت: السبعة:
يحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأحمد الدورقي، والقواريري، وسعدويه، وأحمد بن حنبل.
وقيل: خلف المخزومي ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " فلما أصبح ".
(3) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام ".
249

شئ فقلت للموكل بي: أريد (1) خيطا فجاءني بخيط، فشددت به الأقياد،
ورددت التكة إلى سراويلي مخافة أن يحدث من أمري شئ، فأتعرى. فلما
كان من الغد، أدخلت إلى الدار، فإذا هي غاصة، فجعلت أدخل من
موضع إلى موضع، وقوم معهم السيوف، وقوم معهم السياط، وغير ذلك.
ولم يكن في اليومين الماضيين كبير أحد من هؤلاء. فلما انتهيت إليه،
قال: اقعد. ثم قال: ناظروه، كلموه. فجعلوا يناظروني، يتكلم هذا،
فأرد عليه، ويتكلم هذا، فأرد عليه، وجعل صوتي يعلو أصواتهم.
فجعل
بعض من هو قائم على رأسي (2) يومئ إلي بيده، فلما طال المجلس،
نحاني، ثم خلا بهم، ثم نحاهم، وردني إلى عنده، وقال: ويحك يا
أحمد! أجبني حتى أطلق عنك بيدي، فرددت عليه نحو ردي. فقال:
عليك، وذكر اللعن، خذوه اسحبوه خلعوه. فسحبت وخلعت.
قال: وقد كان صار إلي شعر من شعر النبي، صلى الله عليه وسلم، في كم قميصي،
فوجه إلي إسحاق بن إبراهيم، يقول: ما هذا المصرور؟ قلت: شعر من
شعر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسعى بعضهم ليخرق القيمص عني، فقال
المعتصم: لا تخرقوه، فنزع، فظننت أنه إنما درئ عن القميص الخرق
بالشعر. قال: وجلس (المعتصم) على كرسي، ثم قال: العقابين (3)
والسياط، فجئ بالعقابين، فمدت يداي، فقال بعض من حضر خلفي:
خذ ناتئ (4) الخشبتين بيديك، وشد عليهما. فلم أفهم ما قال، فتخلعت
يداي.

(1) صحفت في " تاريخ الاسلام " إلى " ارتد " وأتبعت ب‍ " إلى ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " رأسه ".
(3) وهما خشبتان يشق الرجل بينهما الجلد.
(4) صحفت في " تاريخ الاسلام إلى " ناي ".
250

قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: ذكروا أن المعتصم ألان (1) في أمر
أحمد لما علق في العقابين، ورأى ثباته (2) وتصميمه وصلابته، حتى
أغراه أحمد بن أبي دواد، وقال: يا أمير المؤمنين، إن تركته، قيل: قد
ترك مذهب المأمون، وسخط قوله، فهاجه ذلك على ضربه.
وقال صالح: قال أبي: ولما جئ بالسياط، نظر إليها المعتصم،
فقال: ائتوني بغيرها، ثم قال للجلادين: تقدموا، فجعل يتقدم إلي الرجل
منهم، فيضربني سوطين، فيقول له: شد، قطع الله يدك! ثم يتنحى
ويتقدم آخر، فيضربني سوطين، وهو يقول في كل ذلك: شد، قطع الله
يدك! فلما ضربت سبعة (3) عشر سوطا، قام إلي، يعني: المعتصم،
فقال: يا أحمد، علام تقتل نفسك؟ إني والله عليك لشفيق، وجعل عجيف
ينخسني بقائمة سيفه، وقال: أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ وجعل بعضهم
يقول: ويلك! إمامك (4) على رأسك قائم.
وقال بعضهم: يا أمير
المؤمنين، دمه في عنقي، اقتله، وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين، أنت
صائم، وأنت في الشمس قائم! فقال لي: ويحك يا أحمد، ما تقول؟
فأقول: أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله أقول به. فرجع
وجلس. وقال للجلاد: تقدم، وأوجع، قطع الله يدك، ثم قام الثانية،
وجعل يقول: ويحك يا أحمد. أجبني. فجعلوا يقبلون علي، ويقولون:
يا أحمد، إمامك على رأسك قائم! وجعل عبد الرحمن يقول: من صنع من
أصحابك في هذا الامر ما تصنع؟ والمعتصم يقول: أجبني إلى شئ (لك) (5)

(1) في " تاريخ الاسلام ": " لاين ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " ثبوته ".
(3) في " تاريخ الاسلام ": " تسعة: بدل " سبعة ".
(4) في " تاريخ الاسلام ": " الخليفة ".
(5) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
251

فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي، ثم رجع، وقال للجلاد: تقدم، فجعل
يضربني سوطين ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: شد، قطع الله يدك.
فذهب عقلي، ثم أفقت بعد، فإذا الأقياد قد أطلقت عني. فقال لي رجل
ممن حضر: كببناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية (1) ودسناك!
(قال أبي) (2): فما شعرت بذلك، وأتوني بسويق، وقالوا: اشرب وتقيأ،
فقلت: لا أفطر. ثم جئ بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرت الظهر،
فتقدم ابن سماعة، فصلى. فلما انفتل من صلاته، وقال لي: صليت،
والدم يسيل في ثوبك؟ قلت: قد صلى عمر، وجرحه يثعب دما (3).
قال صالح: ثم خلي عنه، فصار إلى منزله. وكان مكثه (في
السجن) (4) منذ أخذ إلى أن ضرب وخلي عنه، ثمانية وعشرين شهرا. ولقد
حدثني أحد الرجلين اللذين كانا معه، قال:: يا ابن أخي، رحمة الله على أبي
عبد الله، والله ما رأيت أحدا يشبهه، ولقد جعلت أقول له في وقت ما يوجه
إلينا بالطعام: يا أبا عبد الله، أنت صائم، وأنت في موضع تفئة (5). ولقد

(1) بكسر الراء، وفتح الياء المشددة: الحصير المنسوج، وهي فارسية الأصل.
(2) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام "، وهو قال صالح بن الإمام أحمد.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " رقم (79): باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو
رعاف، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن
الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولاحظ في
الاسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دما، أي: يجري ويتفجر منه الدم.
(4) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام ".
(5) كذا الأصل، وفي " تاريخ الاسلام و " مناقب الإمام أحمد " ص 407: تقية وفي " الحلية "
9 / 203: " مسغبة ". قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: والتقية إنما تجوز للمستضعفين الذين
يخشون أن لا يثبتوا على الحق، والذين ليسوا بموضع القدوة للناس، فهؤلاء يجوز لهم أن يأخذوا
بالرخصة. أما أولو العزم من الأئمة الهداة، فإنهم يأخذون بالعزيمة، ويحتملون الأذى،
ويثبتون، وفي سبيل الله ما يلقون. ولو أنهم أخذوا بالتقية، واستساغوا الرخصة، لضل الناس
من ورائهم، يقتدون بهم، ولا يعلمون أن هذه تقية.
252

عطش، فقال لصاحب الشراب: ناولني، فناوله قدحا فيه ماء وثلج، فأخذه
ونظر فيه، ثم رده، ولم يشرب، فجعلت أعجب من صبره على الجوع
والعطش، وهو فيما هو فيه من الهول!
قال صالح: فكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا في
تلك الأيام، فلم أقدر. وأخبرني رجل حضره: أنه تفقده في الأيام الثلاثة
وهم يناظرونه، فلما لحن في كلمة. قال: وما ظننت أن أحدا يكون في مثل
شجاعته وشدة قلبه.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله، يقول: ذهب عقلي مرارا، فكان إذا
رفع عني الضرب، رجعت إلي نفسي. وإذا استرخيت وسقطت، رفع
الضرب، أصابني ذلك مرارا. ورأيته، يعني: المعتصم، قاعدا في
الشمس بغير مظلة، فسمعته، وقد أفقت (1)، يقول لابن أبي دواد، لقد
ارتكبت (إثما) في أمر هذا الرجل. فقال: يا أمير المؤمنين، إنه - والله - كافر
مشرك، قد أشرك من غير وجه. فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد. وقد كان
أراد تخليتي بلا ضرب، فلم يدعه، ولا إسحاق بن إبراهيم.
قال حنبل: وبلغني أن المعتصم، قال لابن أبي دواد بعدما ضرب أبو
عبد الله: كم ضرب؟ قال: أربعة أو نيفا وثلاثين سوطا.
قال أبو الفضل عبيد الله الزهري: قال المروذي: قلت، وأبو عبد الله
بين الهنبازين (2): يا أستاذ، قال الله تعالى: (لا تقتلوا أنفسكم)
(النساء: 29). قال: يا مروذي، اخرج وانظر. فخرجت إلى رحبة دار

(1) في " تاريخ الاسلام ": " أوقفت ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " الهنبارين "، بالراء المهملة.
253

الخلافة، فرأيت خلقا لا يحصيهم إلا الله، والصحف في أيديهم،
والأقلام والمحابر. فقال لهم المروذي: ماذا تعملون؟ قالوا: ننظر ما يقول
أحمد، فنكتبه. فدخل فأخبره. فقال: يا مروذي! أضل هؤلاء كلهم؟!
فهذه حكاية منقطعة (1).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي،
قال: لما حمل أحمد ليضرب، جاؤوا إلى بشر بن الحارث، وقالوا: قد
وجب عليك أن تتكلم. فقال: أتريدون مني أقوم مقام الأنبياء، ليس ذا
عندي. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه.
الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي: حدثنا داود بن عرفة، حدثنا
ميمون بن أصبغ، قال: كنت ببغداد (2)، وامتحن أحمد. فأخذت مالا له
خطر، فذهبت به إلى من يدخلني إلى المجلس. فأدخلت، فإذا السيوف
قد جردت، وبالرماح قد ركزت، وبالتراس (3) قد صففت، وبالسياط قد
وضعت (4). وألبست قباء أسود ومنطقة وسيفا. ووقفت حيث أسمع
الكلام. فأتى أمير المؤمنين، فجلس على كرسي. وأتي بأحمد، فقال

(1) هكذا قال الذهبي. ونقلها ابن الجوزي أيضا في " مناقب الإمام أحمد " ص: 329،
330 ثم قال: هذا رجل هانت عليه نفسه في الله تعالى فبذلها، كما هانت على بلال نفسه. وقد
روينا عن سعيد بن المسيب أنه كانت نفسه عليه في الله تعالى أهون من نفس ذباب. وإنما تهون
أنفسهم عليهم لتلمحهم العواقب. فعيون البصائر ناظرة إلى المآل، لا إلى الحال. وشدة ابتلاء
أحمد دليل على قوة دينه، لأنه قد صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " يبتلى المرء على حسب
دينه ". فسبحان من أيده وبصره، وقواه ونصره.
(2) في تاريخ الاسلام زيادة بعد " ببغداد ": "... فسمعت ضجة، فقلت: ما هذا؟
قالوا: أحمد ممتحن... "
(3) التراس، بكسر التاء: جمع ترس، بضمها، وهو الذي يتوقى به من السلاح.
ويجمع أيضا على أتراس وتروس.
(4) في " تاريخ الاسلام ": " طرحت ".
254

له: وقرابتي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأضربنك بالسياط، أو تقول كما أقول
ثم التفت إلى جلاد، فقال: خذه إليك، فأخذه، فلما ضرب سوطا،
قال: باسم الله، فلما ضرب الثاني، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما
ضرب الثالث، قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع،
قال: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) (التوبة: 51)، فضرب تسعة
وعشرين سوطا. وكانت تكته حاشية ثوب، فانقطعت، فنزل السراويل إلى
عانته. فقلت: الساعة ينهتك، فرمى بطرفه إلى السماء، وحرك شفتيه، فما
كان بأسرع من أن بقي السراويل لم ينزل. فدخلت عليه بعد سبعة أيام،
فقلت: يا أبا عبد الله! رأيتك وقد انحل سراويلك، فرفعت طرفك نحو
السماء، فما قلت؟ قال: قلت: اللهم أسألك باسمك الذي ملأت به
العرش، إن كنت تعلم أني على الصواب، فلا تهتك لي سترا.
هذه حكاية منكرة، أخاف أن يكون داود وضعها.
قال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني: حدثنا أحمد بن أبي عبيد
الله، قال: قال أحمد بن الفرج: حضرت أحمد بن حنبل لما ضرب،
فتقدم أبو الدن فضربه بضعة عشر سوطا، فأقبل الدم من أكتافه، وكان عليه
سراويل، فانقطع خيطه، فنزل. فلحظته وقد حرك شفتيه، فعاد السراويل
كما كان. فسألته، قال: قلت: إلهي وسيدي، وقفتني هذا الموقف،
فتهتكني على رؤوس الخلائق!
وهذه الحكاية لا تصح. وقد ساق صاحب " الحلية " من الخرافات
السمجة هنا ما يستحيا (1)، من ذكره.

(1) في " تاريخ الاسم ": " ما يستحى " وكلاهما سائغ، يقال: استحيا يستحيي،
واستحى يستحي، والأول أعلى وأكثر.
255

فمن ذلك قال: حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمد
ابن إبراهيم القاضي، حدثني أبو عبد الله الجوهري، حدثنا يوسف بن
يعقوب، سمعت علي بن محمد القرشي، قال: لما جرد أحمد ليضرب،
وبقي في سراويله، فبينا هو يضرب، انحل سراويله، فحرك شفتيه، فرأيت
يدين خرجتا من تحته، فشدتا السراويل. فلما فرغوا من الضرب، سألناه.
قال: فقلت: يامن لا يعلم العرش منه أين هو إلا هو، إن كنت على
الحق، فلا تبد عورتي.
أوردها البيهقي في مناقب أحمد، وما جسر على توهيتها، بل روى
عن أبي مسعود البجلي، عن ابن جهضم ذاك الكذاب: حدثنا أبو بكر
النجاد، حدثنا ابن أبي العوام الرياحي نحوا منها. وفيها أن مئزره
اضطرب، فحرك شفتيه، فرأيت كفا من ذهب خرج من تحت مئزره بقدرة
الله، فصاحت العامة.
أخبرني ابن الفراء، حدثنا ابن قدامة، حدثنا ابن خضير، حدثنا ابن
يوسف، حدثنا البرمكي، حدثنا علي بن مردك، حدثنا ابن أبي حاتم،
حدثنا أحمد بن سنان: أنه بلغه، أن المعتصم نظر عند ضربه إياه إلى شئ
مصرور في كمه، فقال: أي شئ هذا؟ قال: شعر من شعر النبي، صلى الله عليه وسلم.
قال: هاته، وأخذها منه. ثم قال أحمد بن سنان: كان ينبغي أن يرحمه
عندما رأى شعرة من شعر النبي، صلى الله عليه وسلم، معه في تلك الحال.
وبه قال ابن أبي حاتم: قال أبو الفضل صالح: خلي عنه، فصار إلى
المنزل، ووجه إلى المطبق. فجئ برجل ممن يبصر الضرب والعلاج،
فنظر إلى صربه، فقال: قد رأيت من ضرب ألف سوط، ما رأيت ضربا مثل
هذا. لقد جر عليه من خلفه، ومن قدامه، ثم أخذ ميلا، فأدخله في بعض
256

تلك الجراحات. فنظر إليه فقال: لم ينقب؟ وجعل يأتيه ويعالجه. وكان قد
أصاب وجهه غير ضربة. ومكث منكبا على وجهه كم شاء الله. ثم قال له:
إن هاهنا شيئا أريد أن أقطعه، فجاء بحديدة، فجعل يعلق اللحم بها،
فيقطعه بسكين معه، وهو صابر لذلك، يجهر بحمد الله في ذلك، فبرأ منه.
ولم يزل يتوجع من مواضع منه، وكان أثر الضرب بينا في ظهره إلى أن توفي.
ودخلت يوما، فقلت له: بلغني أن رجلا جاء إليك، فقال: اجعلني
في حل إذ لم أقم بنصرتك. فقلت: لا أجعل أحدا في حل، فتبسم أبي
وسكت (1). وسمعت أبي يقول: لقد جعلت الميت في حل من ضربه
إياي. ثم قال: مررت بهذه الآية: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)
(الشورى: 40)، فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما أخبرنا هاشم بن
القاسم. أخبرنا المبارك بن فضالة، قال: أخبرني من سمع الحسن،
يقول: إذا كان يوم القيامة، جثت الأمم كلها بين يدي الله رب العالمين، ثم
نودي أن لا يقوم إلا من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. قال:
فجعلت الميت في حل. ثم قال: وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه
أحدا.
وبه قال ابن أبي حاتم: حدثني أحمد بن سنان، قال: بلغني أن أحمد
ابن حنبل، جعل المعتصم في حل يوم فتح (عاصمة) بابك (2) وظفر به، أو في

(1) جاء الخبر في " تاريخ الاسلام " كما يلي: ".... ودخلت على أبي يوما، فقلت
له: بلغني أن رجلا جاء إلى فضل الأنماطي، فقال له: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك.
فقال فضل: لا جعلت أحدا في حل... "
(2) بابك الخرمي هو أحد المارقين عن الاسلام، أراد أن يقيم ملة المجوس في فارس بعد
مقتل أبي مسلم الخراساني. وإليه تنتمي الحركة البابكية " الخرمية "، التي كان مركزها
" البنذ "، وهي بلد في أذربيجان. ولم يقتصر بابك عليها، بل مد نفوذه إلى أذربيجان كلها،
وإلى همذان وأصفهان وبلاد الأكراد. وعندما وصل المعتصم إلى عرش الخلافة 218 ه‍، قرر
أن يقطع دابره بكل الوسائل الممكنة، فخصص ميزانية كبيرة لحربه، وعين أكبر قواده وهو
الأفشين الذي كان عارفا بحرب الجبال. ومع كل ذلك فإن " البنذ " عاصمة بابك لم تسقط بيد
الأفشين إلا في عام 222 ه‍، ولم يقع بابك في يده إلا في العام التالي، حيث حمل إلى سامراء،
وأعدم فيها في اليوم الثاني من حمله إليها. ويمكن تلخيص مبادئ البابكية الخرمية بأنها تقول
بتناسخ الأرواح، وأن الوحي لا ينقطع أبدا، ويعظمون أمر أبي مسلم الخراساني، ويقولون
بإباحة النساء، وإباحة كل ما يستلذ النفس، وينزع إليه الطبع، كما رفضوا جميع الفروض
الدينية، وتبركوا بالخمور والأشربة. وقانا الله شر البدع والأهواء.
انظر بعض التفصيلات عن هذه الحركة في " تاريخ " الطبري 7 / 141 و 284 و 300
و 308 و 9 / 31، 55، والمقدسي في " البدء والتاريخ " 3 / 30، 31 و 5 / 134، و " مروج
الذهب " للمسعودي 2 / 350، 351، و " تاريخ دول الاسلام " للمؤلف: 134 وما بعدها.
257

فتح عمورية، فقال: هو في حل من ضربي.
وسمعت أبي أبا حاتم يقول: أتيت أبا عبد الله بعدما ضرب بثلاث
سنين أو نحوها، فجرى ذكر الضرب، فقلت له: ذهب عنك ألم الضرب؟
فأخرج يديه وقبض كوعيه اليمين واليسار، وقال: هذا، كأنه يقول: خلع
وإنه يجد منهما ألم ذلك.
وبه قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر، قال:
قال أحمد بن حنبل: قيل لي: اكتب ثلاث كلمات، ويخلى سبيلك
فقلت: هاتوا، قالوا: اكتب: الله قديم لم يزل. قال: فكتبت. فقالوا:
اكتب: كل شئ دون الله مخلوق. وقالوا: اكتب: الله رب القرآن.
قلت: أما هذه فلا، ورميت بالقلم فقال بشر بن الحارث: لو كتبها،
لأعطاهم ما يريدون.
وبه قال: وقال إبراهيم بن الحارث العبادي - وكان رافقنا في بلاد
الروم - قال: حضر أحمد بن حنبل أبو محمد الطفاوي، فذكر له حديث،
فقال أبو عبد الله: أخبرك بنظير هذا، لما أخرج بنا، جعلت أفكر فيما نحن
258

فيه، حتى إذا صرنا إلى الرحبة، أنزلنا بظاهرها، فمددت بصري، فإذا
بشئ لم أستثبته، فلم يزل يدنو، وإذا أعرابي جعل يتخطى تلك المحامل
حتى صار إلي، فوقف علي، فسلم، ثم قال: أنت أحمد بن حنبل؟
فسكت تعجبا!! ثم أعاد، فسكت. فبرك على ركبتيه، فقال: أنت أبو عبد
الله أحمد بن حنبل؟ فقلت نعم. فقال: أبشر واصبر، فإنما هي ضربة
هاهنا، وتدخل الجنة هاهنا. ثم مضى.
فقال الطفاوي: يا أبا عبد الله! إنك محمود عند العامة، فقال: أحمد
الله على ديني، إنما هذا دين، لو قلت لهم، كفرت. فقال الطفاوي:
أخبرني بما صنعوا بك؟ قال: لما ضربت بالسياط، جعلت أذكر كلام
الأعرابي، ثم جاء ذاك الطويل اللحية - يعني: عجيفا - فضربني بقائم
السيف. ثم جاء ذاك، فقلت: قد جاء الفرج، يضرب عنقي، فأستريح.
فقال له ابن سماعة: يا أمير المؤمنين: اضرب عنقه ودمه في رقبتي. فقال
ابن أبي دواد: لا يا أمير المؤمنين، لا تفعل. فإنه إن قتل أو مات في دارك،
قال الناس: صبر حتى قتل، فاتخذه الناس إماما، وثبتوا على ما هم عليه،
ولكن أطلقه الساعة، فإن مات خارجا من منزلك، شك الناس في أمره.
وقال بعضهم: أجاب، وقال بعضهم: لم يجب. فقال الطفاوي: وما
عليك لو قلت؟ قال أبو عبد الله: لو قلت، لكفرت.
وبه قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، يقول: دعا المعتصم بعم
أحمد، ثم قال للناس: تعرفونه؟ قالوا: نعم، هو أحمد بن حنبل. قال:
فانظروا إليه، أليس هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم. ولولا أنه فعل ذلك،
لكنت أخاف أن يقع شئ لا يقام له. قال: ولما قال: قد سلمته إليكم
صحيح البدن، هدأ الناس وسكنوا.
259

قلت: ما قال هذا مع تمكنه في الخلافة وشجاعته إلا عن أمر كبير،
كأنه خاف أن يموت من الضرب، فتخرج عليه العامة. ولو خرج عليه عامة
بغداد لربما عجز عنهم.
وقال حنبل: لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله، خلع عليه مبطنة
وقميصا وطيلسانا وقلنسوة وخفا. فبينا نحن على باب الدار، والناس في
الميدان والدروب وغيرها، وغلقت الأسواق إذ خرج أبو عبد الله على دابة من
دار المعتصم في تلك الثياب، وأحمد بن أبي دواد عن يمينه، وإسحاق بن
إبراهيم - يعني: نائب بغداد - عن يساره. فلما صار في الدهليز قبل أن
يخرج، قال لهم ابن أبي دواد: اكشفوا رأسه فكشفوه، يعني: من
الطيلسان، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس. فقال لهم
إسحاق: خذوا به هاهنا يريد دجلة، فذهب به إلى الزورق، وحمل إلى دار
إسحاق بن إبراهيم، فأقام عنده إلى أن صليت الظهر. وبعث إلى والدي وإلى
جيراننا ومشايخ المحال، فجمعوا وأدخلوا عليه. فقال لهم: هذا أحمد بن
حنبل، إن كان فيكم من يعرفه وإلا فليعرفه.
وقال ابن سماعة - حين دخل الجماعة - (1) لهم: هذا أحمد بن حنبل،
وإن أمير المؤمنين ناظره في أمره، وقد خلى سبيله، وها هوذا، فأخرج على
فرس لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس، فصار إلى منزله، ومعه
السلطان والناس، وهو منحن. فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم، فوقعت
يدي على موضع الضرب، فصاح، فنحيت يدي، فنزل متوكئا علي، وأغلق
الباب، ودخلنا معه، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر أن يتحرك إلا بجهد،

(1) في " تاريخ الاسلام " " للجماعة ".
260

ونزع ما كان خلع عليه، فأمر به فبيع وتصدق بثمنه.
وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره. وذلك أنه
ترك فيما حكي لنا عند الأياس منه.
وبلغنا أن المعتصم ندم، وأسقط في يده، حتى صلح، فكان صاحب
خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا كل يوم يتعرف خبره، حتى صح، وبقيت
إبهاماه منخلعتين يضربان عليه في البرد، فيسخن له الماء، ولما أردنا
علاجه، خفنا أن يدس أحمد بن أبي دواد سما إلى المعالج، فعملنا الدواء
والمرهم في منزلنا.
وسمعته يقول: كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا، وقد جعلت أبا
إسحاق - يعني: المعتصم - في حل، ورأيت الله يقول: (وليعفوا
وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (النور: 22) وأمر النبي، صلى الله عليه وسلم،
أبا بكر بالعفو في قصة مسطح. (1) قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله
أخاك المسلم في سببك؟!!
قال حنبل: قال أبو عبد الله: قال برغوث - يعني: يوم المحنة -: يا

(1) هو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، ابن
خالة أبي بكر الصديق. شهد بدرا، وكان ممن خاض في الإفك على عائشة، رضي الله عنها،
فجلده النبي، صلى الله عليه وسلم، فيمن جلد في ذلك. وكان أبو بكر، رضي الله عنه، ينفق عليه، فأقسم ألا
ينفق عليه، فأنزل الله تعالى: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى
المساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله
غفور رحيم). عند ذلك قال الصديق: بلى، والله. إنا نحب أن تغفر لنا، يا ربنا. ثم رجع
إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. رضي الله عنك يا أبا بكر، ما
كان أسرعك لتلبية نداء الله، وتصديق رسول الله، صلى الله عليه وسلم. انظر " تفسير الطبري " 18 / 101، 103
وابن كثير 3 / 275، 276.
261

أمير المؤمنين هو كافر حلال الدم، اضرب عنقه، ودمه في عنقي. وقال
شعيب كذلك أيضا تقلد دمي، فلم يلتفت أبو إسحاق إليهما. وقال أبو عبد
الله: لم يكن في القوم أشد تكفيرا لي منهما، وأما ابن سماعة، فقال: يا
أمير المؤمنين، إنه من أهل بيت شرف ولهم قدم، ولعله يصير إلى الذي عليه
أمير المؤمنين، فكأنه رق عندها، وكان إذا كلمني ابن أبي دواد، لم ألتفت
إلى كلامه، وإذا كلمني أبو إسحاق، ألنت له القول. قال: فقال في اليوم
الثالث: أجبني يا أحمد، فإنه بلغني أنك تحب الرئاسة، وذلك لما أوغروا
قلبه علي، وجعل برغوث يقول: قال الجبري: كذا وكذا، كلام هو الكفر
بالله. فجعلت أقول: ما أدري ما هذا، إلا أني أعلم أنه أحد صمد لاشبه له
ولاعدل، وهو كما وصف نفسه، فسكت.
وقال لي أبو إسحاق: يا أحمد، إني لأشفق عليك كشفقتي على ابني
هارون، فأجبني، والله لوددت أني لم أكن عرفتك يا أحمد، الله الله في
دمك.
فلما كان في آخر ذلك، قال: لعنك الله، لقد طمعت أن تجيبني،
ثم قال: خذوه واسحبوه. فأخذت ثم خلعت، وجئ بعقابين وأسياط،
وكان معي شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صيرت بين العقابين، فقلت: يا أمير
المؤمنين، الله الله، إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا يحل دم امرئ يشهد
أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث " يا أمير المؤمنين، فيم
تستحل دمي؟ الله الله، لا تلق الله وبيني وبينك مطالبة. أذكر يا أمير
المؤمنين وقوفك بين يدي الله تعالى كوقوفي بين يديك، وراقب الله. فكأنه
أمسك، فخاف ابن أبي دواد أن يكون منه عطف أو رأفة، فقال: إنه كافر
بالله ضال مضل.
262

قال حنبل: لما أردنا علاجه، خفنا أن يدس ابن أبي دواد إلى
المعالج، فيلقي في دوائه سما. فعملنا الدواء والمرهم عندنا، فكان في
برنية (1) فإذا داواه، رفعناها. قال: وكان إذا أصابه البرد، ضرب عليه.
وقال: لقد ظننت أني أعطيت المجهود من نفسي.
محنة الواثق
قال حنبل: لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب (2) يحضر
الجمعة والجماعة، ويحدث ويفتي، حتى مات المعتصم، وولي ابنه
الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دواد وأصحابه.
فلما اشتد الامر على أهل بغداد، وأظهرت القضاة المحنة بخلق القرآن،
وفرق بين فضل الأنماطي وبين (3) امرأته، وبين أبي صالح وبين (3) امرأته،
كان أبو عبد الله يشهد الجمعة، ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول: تؤتى
الجمعة لفضلها، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة.
وجاء نفر إلى أبي عبد الله، وقالوا: هذا الامر قد فشا وتفاقم، ونحن
نخافه على أكثر من هذا، وذكروا ابن أبي دواد، وأنه على أن يأمر المعلمين
بتعليم الصبيان في المكاتب (4): القرآن كذا وكذا (5)، فنحن لا نرضى
بإمارته. فمنعهم من ذلك، وناظرهم.
وحكى أحمد (6) قصده في مناظرتهم، وأمرهم بالصبر. قال: فبينا

(1) بفتح الباء وسكون الراء وكسر النون وتشديد الياء: إناء من خزف.
(2) في " تاريخ الاسلام ": " من مرضه ".
(3) حذفت كلمتا " بين " من " تاريخ الاسلام ".
(4) في " تاريخ الاسلام ": " في الكتاب ".
(5) في " تاريخ الاسلام ": "... بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن: القرآن كذا
وكذا... ".
(6) في تاريخ الاسلام: " وحكى حنبل ".
263

نحن في أيام الواثق، إذ جاء يعقوب ليلا برسالة الأمير إسحاق بن إبراهيم إلى
أبي عبد الله: يقول لك الأمير: إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعن إليك
أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض
الله. قال: فاختفى أبو عبد الله بقية حياة الواثق. وكانت تلك الفتنة، وقتل
أحمد بن نصر الخزاعي (1). ولم يزل أبو عبد الله مختفيا في البيت لا يخرج
إلى صلاة ولا إلى غيرها حتى هلك الواثق.
وعن إبراهيم بن هانئ، قال: اختفى أبو عبد الله عندي ثلاثا، ثم
قال: اطلب لي موضعا، قلت: لا آمن عليك، قال: افعل، فإذا فعلت،
أفدتك. فطلبت له موضعا، فلما خرج، قال: اختفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
في الغار ثلاثة أيام ثم تحول (2).
العجب من أبي القاسم علي بن الحسن الحافظ (3)، كيف ذكر ترجمة
أحمد مطولة كعوائده، ولكن ما أورد من أمر المحنة كلمة مع صحة
أسانيدها، (4)، فإن حنبلا ألفها في جزءين. وكذلك صالح بن أحمد
وجماعة.
قال أبو الحسين بن المنادي، حدثني جدي أبو جعفر، قال: لقيت أبا

(1) وتمام الخبر في " تاريخ الاسلام " ص: 105: " فلم يزل أبو عبد الله مختفيا في غير
منزله في القرب، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر أو سنة لما طفئ خبره، ولم يزل... ".
(2) زاد ابن الجوزي في " مناقب الإمام أحمد " ص: 430 بقية كلام الإمام أحمد:
" وليس ينبغي أن تتبع سنة رسول الله في الرخاء، وتترك في الشدة ". وهي حكمة بالغة من
الامام، ليت الناس فهموها وعملوا بها.
(3) يريد الحافظ ابن عساكر، مؤلف " تاريخ دمشق ".
(4) وتمامه في " تاريخ الاسلام ": " ولعل له نية في تركها ". وانظر سبب ترك الواثق للمحنة
في " مناقب الإمام أحمد " لابن الجوزي، ص: 431، 437، وابن كثير 10 / 321.
264

عبد الله، فرأيت في يديه مجمرة يسخن خرقة، ثم يجعلها على جنبه من
الضرب. فقال: يا أبا جعفر، ما كان في القوم أرأف بي من المعتصم.
وعن أبي عبد الله البوشنجي، قال: حدث أحمد ببغداد جهرة حين
مات المعتصم. فرجعت من الكوفة، فأدركته في رجب سنة سبع وعشرين،
وهو يحدث، ثم قطع الحديث لثلاث بقين من شعبان بلا منع. بل كتب الحسن
ابن علي بن الجعد قاضي بغداد إلى ابن أبي دواد: إن أحمد قد انبسط في
الحديث، فبلغ ذلك أحمد، فقطع الحديث وإلى أن توفي.
فصل في حال الامام في دولة المتوكل
قال حنبل: ولي المتوكل جعفر، فأظهر الله السنة، وفرج عن
الناس، وكان أبو عبد الله يحدثنا ويحدث أصحابه في أيام المتوكل. وسمعته
يقول: ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم إليه في زماننا.
قال حنبل: ثم إن المتوكل ذكره، وكتب إلى إ سحاق بن إبراهيم في
إخراجه إليه، فجاء رسول إسحاق إلى أبي عبد الله يأمره بالحضور، فمضى
أبو عبد الله ثم رجع، فسأله أبي عما دعي له؟ فقال: قرأ علي كتاب جعفر
يأمرني بالخروج إلى العسكر، يعني: سر من رأى، قال: وقال لي إسحاق
ابن إبراهيم: ما تقول في القرآن؟ فقلت: إن أمير المؤمنين قد نهى عن
هذا. قال: وخرج إسحاق إلى العسكر، وقدم ابنه محمدا ينوب عنه
ببغداد.
قال أبو عبد الله: وقال لي إسحاق بن إبراهيم: لا تعلم أحدا أني
سألتك عن القرآن! فقلت له: مسألة مسترشد أو مسألة متعنت؟ قال: بل
مسترشد، قلت: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
265

قال صالح بن أحمد: قال أبي: قال لي إسحاق بن إبراهيم: اجعلني
في حل من حضوري ضربك، فقلت: قد جعلت كل من حضرني في حل.
وقال لي: من أين قلت: إنه غير مخلوق؟ فقلت: قال الله: (ألا له الخلق
والامر) (الأعراف: 54)، ففرق بين الخلق والامر. فقال إسحاق: الامر
مخلوق. فقال: يا سبحان الله! أمخلوق يخلق خلقا؟! قلت يعني: إنما
خلق الكائنات بأمره، وهو قوله: (كن) (الانعام: 73) قال: ثم قال
لي: عمن تحكي أنه ليس بمخلوق؟ قلت: عن جعفر بن محمد، قال:
ليس بخالق ولا مخلوق.
قال حنبل: ولم يكن عند أبي عبد الله ما يتحمل به (1) أو ينفقه،
وكانت عندي مئة درهم، فأتيت بها أبي، فذهب بها إليه، فأصلح بها ما
احتاج إليه، واكترى وخرج، ولم يمض إلى محمد بن إسحاق بن
إبراهيم (2)، ولا سلم عليه. فكتب بذلك محمد، إلى أبيه، فحقدها
إسحاق عليه. وقال: يا أمير المؤمنين! إن أحمد خرج من بغداد، ولم يأت
مولاك محمدا. فقال المتوكل: يرد ولو وطئ بساطي - وكان أحمد قد بلغ
بصرى (3) - فرد، فرجع وامتنع من الحديث إلا لولده ولنا، وربما قرأ علينا في
منزلنا.
ثم إن رافعا رفع إلى المتوكل: إن أحمد ربص علويا في منزله، يريد
أن يخرجه ويبايع عليه. قال: ولم يكن عندنا علم، فبينا نحن ذات ليلة نيام
في الصيف، سمعنا الجلبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا،

(1) في " تاريخ الاسلام ": " ما يتجمل " بالجيم المعجمة.
(2) في " تاريخ الاسلام ": " ولم يلق محمد بن إسحاق بن إبراهيم ".
(3) بصرى المشهورة بالشام، وهذه بصرى أخرى، من قرى بغداد، قرب عكبرا. انظر
" معجم البلدان ".
266

وإذا به قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر، وجماعة معهم،
فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: ورد على أمير المؤمنين أن عندكم علويا
ربصته لتبايع له، وتظهره، في كلام طويل. ثم قال (له) مظفر: ما تقول؟
قال: ما أعرف من هذا شيئا، وإني لارى له السمع والطاعة في عسري
ويسري، ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو الله له بالتسديد
والتوفيق في الليل والنهار، في كلام كثير. فقال مظفر: قد أمرني أمير
المؤمنين أن أحلفك، قال: فأحلفه بالطلاق ثلاثا، أن ما عنده طلبة أمير
المؤمنين. ثم فتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح، وفتشوا
تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئا، ولم يحسوا بشئ،
ورد الله الذين كفروا بغيظهم، وكتب بذلك إلى المتوكل، فوقع منه موقعا
حسنا، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه. وكان الذي دس عليه رجل من
أهل البدع. ولم يمت حتى بين الله أمره للمسلمين، وهو ابن الثلجي (1).
فلما كان بعد أيام بينا نحن جلوس بباب الدار، إذا يعقوب أحد حجاب
المتوكل قد جاء، فاستأذن على أبي عبد الله، فدخل، ودخل أبي وأنا، ومع
بعض غلمانه بدرة (2) على بغل، ومعه كتاب المتوكل. فقرأه على أبي عبد
الله: إنه صح عند أمير المؤمنين براءة ساحتك، وقد وجه إليك بهذا المال

(1) ابن الثلجي هو محمد بن شجاع الفقيه، أحد الاعلام، البغدادي الحنفي المعروف
بابن الثلجي. كان فقيه العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث، مع ورع وعبادة، مات سنة
267 ه‍. من تآليفه: " تصحيح الآثار "، وكتاب " النوادر "، وكتاب " المضاربة "، وكتاب
" الرد على المشبهة " وغيرها، وكتابه " الرد على المشبهة " ينفي عنه ما نعته به ابن عدي من أنه
كان يضع الحديث في التشبيه، وينسبه إلى أهل الحديث. انظر " الفوائد البهية " ص: 171،
172. وانظر ما علقه الامام زاهد الكوثري على " تبيين كذب المفتري " ص: 269، 271.
ويستبعد أن يكون هو الذي دس على الإمام أحمد، فإنه موصوف بالورع والعبادة، فلعله غيره.
(2) البدرة: كيس فيه ألف، أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار.
267

تستعين به. فأبى أن يقبله، وقال: ما لي إليه حاجة. فقال: يا أبا عبد الله،
اقبل من أمير المؤمنين ما أمرك به، فإنه خير لك عنده، فإنك إن رددته،
خفت أن يظن بك سوءا. فحينئذ قبلها. فلما خرج، قال: يا أبا علي، قلت:
لبيك، قال: ارفع هذه الانجانة (1) وضعها، يعني: البدرة، تحتها. ففعلت
وخرجنا. فلما كان من الليل، إذا أم ولد أبي عبد الله تدق علينا الحائط،
فقالت: مولاي يدعو عمه، فأعلمت أبي، وخرجنا، فدخلنا على أبي عبد
الله، وذلك في جوف الليل، فقال: يا عم، ما أخذني النوم، قال: ولم؟
قال: لهذا المال، وجعل يتوجع لاخذه، وأبي يسكنه ويسهل عليه. وقال:
حتى تصبح وترى فيه رأيك. فإن هذا ليل، والناس في المنازل، (فأمسك)
وخرجنا. فلما كان من السحر، وجه إلى عبدوس بن مالك، وإلى الحسن
ابن البزار (فحضرا) (2) وحضر جماعة، منهم: هارون الحمال، وأحمد بن منيع،
وابن الدورقي، وأبي، وأنا، وصالح، وعبد الله. وجعلنا نكتب من يذكرونه
من أهل الستر والصلاح ببغداد والكوفة. فوجه منها إلى أبي كريب، وللأشج
وإلى من يعلمون حاجته. ففرقها كلها ما بين الخمسين إلى المئة وإلى
المئتين، فما بقي في الكيس درهم (3).
فلما كان بعد ذلك، مات الأمير إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد. ثم
ولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسوله إلي أبي عبد الله، فذهب إليه،
فقرأ عليه كتاب المتوكل، وقال له: يأمرك بالخروج يعني: إلى سامراء.

(1) في " تاريخ الاسلام ": " الإبجانة "، بالياء. وجاء في معجم " المغرب في ترتيب
المعرب " لناصر بن عبد السيد المطرزي: الإجانة: " المركن، وهو شبه لقن يغسل فيه الثياب،
والجمع: أجاجين، والإنجانة عامية. اللوحة 4 / 1 " الظاهرية ".
(2) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام ".
(3) وتمامه كما في " تاريخ الاسلام ": " ثم تصدق بالكيس على مسكين ".
268

فقال: أنا شيخ ضعيف عليل. فكتب عبد الله بما رد عليه، فورد جواب
الكتاب: أن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد الله أجنادا، فباتوا
على بابنا أياما، حتى تهيأ أبو عبد الله للخروج، فخرج ومعه صالح وعبد الله
وأبي زميلة (1).
وقال صالح: كان حمل أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين. ثم وإلى
(أن) مات أبي قل (2) يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه.
وقال صالح: وجه إسحاق إلى أبي: الزم بيتك، ولا تخرج إلى
جماعة ولا جمعة، وإلا نزل بك ما نزل بك أيام أبي إسحاق.
وقال ابن الكلبي: أريد أن أفتش منزلك ومنزل ابنك. فقام مظفر وابن
الكلبي، وامرأتان معهما، ففتشوا، ودلوا شمعة في البئر، ونظروا ثم
خرجوا. فلما كان بعد يومين، ورد كتاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد
صح (3) عنده براءتك. وذكر نحوا من رواية حنبل.
قال حنبل: فأخبرني أبي، قال: دخلنا إلى العسكر، فإذا نحن
بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا، قالوا: هذا وصيف، وإذا بفارس قد
أقبل، فقال لأبي عبد الله: الأمير وصيف يقرئك السلام، ويقول لك
إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني: ابن أبي دواد، وأمير المؤمنين يقبل
منك، فلا تدع شيئا إلا تكلمت به. فما رد عليه أبو عبد الله شيئا. وجعلت
أنا أدعو لأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف. ومضينا، فأنزلنا في دار

(1) الزملة،، بضم الزاي وسكون الميم: الرفقة، فالظاهر أن هذا تصغيرها.
(2) في الأصل: " كل "، وما أثبتناه من " تاريخ الاسلام ".
(3) في الأصل: " صلح "
269

إيتاخ (1)، ولم يعرف أبو عبد الله، فسأل بعد لمن هذه الدار؟ قالوا: هذه
دار إيتاخ (2). قال: حولوني، اكتروا لي دارا. قالوا: هذه دار أنزلكها أمير
المؤمنين، قال: لا أبيت ها هنا. ولم يزل حتى اكترينا له دارا. وكانت
تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والثلج والفاكهة وغير ذلك،
فما ذاق منها أبو عبد الله شيئا، ولا نظر إليها. وكان نفقة المائدة في اليوم مئة
وعشرين درهما.
وكان يحيى بن خاقان، وابنه عبيد الله، وعلي بن الجهم يختلفون إلى
أبي عبد الله برسالة المتوكل. ودامت العلة بأبي عبد الله، وضعف شديدا.
وكان يواصل، ومكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب، ففي الثامن دخلت
عليه، وقد كاد أن يطفأ، فقلت: يا أبا عبد الله، ابن الزبير كان يواصل
سبعة، وهذا لك (اليوم) (3) ثمانية أيام. قال: إني مطيق. قلت: بحقي
عليك. قال: فإني أفعل. فأتيته بسويق فشرب. ووجه إليه المتوكل بمال
عظيم، فرده، فقال له عبيد الله بن يحيى: فإن أمير المؤمنين يأمرك أن
تدفعها إلى ولدك وأهلك. قال: هم مستغنون، فردها عليه، (فأخذها) (4)
عبيد الله، فقسمها على ولده، ثم أجرى المتوكل على أهله وولده في كل
شهر أربعة آلاف. فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم في كفاية، وليست بهم
حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، فما لك ولهذا؟ فأمسك أبو عبد
الله، فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.
وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي كلام كثير. وقال: يا عم، ما بقي من

(1) في " تاريخ الاسلام ": " التياح ".
(2) في الأصل: " التياح "، وكذا في " تاريخ الاسلام "، والصواب ما أثبتناه.
(3) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام "
(4) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
270

أعمارنا. كأنك بالامر قد نزل. فالله الله، فإن أولادنا إنما يريدون أن يأكلوا
بنا، وإنما هي أيام قلائل، وإنما هذه فتنة. قال أبي: فقلت: أرجو أن
يؤمنك الله مما تحذر. فقال: كيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم؟
لو تركتموها، لتركوكم. ماذا ننتظر؟ إنما هو الموت. فإما إلى جنة، وإما
إلى نار. فطوبى لمن قدم على خير. قال: فقلت: أليس قد أمرت ما جاءك
من هذا المال من غير إشراف نفس، ولا مسألة أن تأخذه؟ قال: قد أخذت
مرة بلا إشراف نفس، فالثانية والثالثة؟ ألم تستشرف نفسك؟ قلت: أفلم
يأخذ ابن عمر وابن عباس؟ فقال: ما هذا وذاك! وقال: لو أعلم أن هذا
المال يؤخذ من وجهه، ولا يكون فيه ظلم ولا حيف لم أبال.
قال حنبل: ولما طالت علة أبي عبد الله، كان المتوكل يبعث بابن
ماسويه المتطبب، فيصف له الأدوية، فلا يتعالج. ويدخل ابن ماسويه،
فقال: يا أمير المؤمنين ليست بأحمد علة، إنما هو من قلة الطعام والصيام
والعبادة، فسكت المتوكل.
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا
الرجل، فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله، يسأله أن يدخل على ابنه المعتز
ويدعو له ويسلم عليه، ويجعله في حجره. فامتنع، ثم أجاب رجاء أن
يطلق، وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى
المعتز، فامتنع، وكانت عليه ميثرة نمور. فقدم إليه بغل لتاجر، فركبه،
وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق.
فدخل أبو عبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه. فلما رأته، قالت:
يا بني، الله الله في هذا الرجل، فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا
المصلحة أن تحبسه عن منزله، فائذن له ليذهب، فدخل أبو عبد الله على
271

المعتز، فقال: السلام عليكم، وجلس، ولم يسلم عليه بالامرة. فسمعت
أبا عبد الله بعد يقول: لما دخلت عليه، وجلست، قال مؤدبه: أصلح الله
الأمير، هذا هو الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك؟ فقال الصبي: إن
علمني شيئا، تعلمته! قال أبو عبد الله: فعجبت من ذكائه وجوابه على
صغره، وكان صغيرا.
ودامت علة أبي عبد الله، وبلغ المتوكل ما هو فيه، وكلمه يحيى بن
خاقان أيضا، وأخبره أنه رجل لا يريد الدنيا، فأذن له في الانصراف. فجاء
عبيد الله (بن يحيى) (1) وقت العصر، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك،
وأمر أن يفرش لك حراقة (2) تنحدر فيها. فقال أبو عبد الله: اطلبوا لي زورقا
أنحدر الساعة. فطلبوا له زورقا، فانحدر لوقته.
قال حنبل: فما علمنا بقدومه حتى قيل: إنه قد وافى، فاستقبلته
بناحية القطيعة. وقد خرج من الزورق، فمشيت معه، فقال لي: تقدم لا
يراك الناس فيعرفوني، فتقدمته. قال: فلما وصل (3)، ألقى نفسه على قفاه
من التعب والعياء.
وكان ربما استعار الشئ من منزلنا ومنزل ولده، فلما صار إلينا من مال
السلطان ما صار، امتنع من ذلك حتى لقد وصف له في علته قرعة تشوى،
فشويت في تنور صالح، فعلم، فلم يستعملها (4). ومثل هذا كثير.

(1) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام ".
(2) بفتح الحاء وتشديد الراء: السفينة الخفيفة، وكانت هذه السفن بالبصرة.
(3) في " تاريخ الاسلام ": " فلما دخل ".
(4) الخبر في " تاريخ الاسلام " ص 112، 113 وعبارته: ".... قرعة تشوى،
ويؤخذ ماؤها. فلما جاؤوا بالقرعة، قال بعض من حضر: اجعلوها في تنور، يعني في دار
صالح، فإنهم قد خبزوا. فقال بيده: لا. ومثل هذا كثير ".
272

وقد ذكر صالح قصة خروج أبيه إلى العسكر ورجوعه، وتفتيش بيوتهم
على العلوي، وورود يعقوب بالبدرة (1)، وأن بعضها كان مئتي دينار، وأنه
بكى، وقال: سلمت منهم، حتى إذا كان في آخر عمري، بليت بهم.
عزمت عليك أن تفرقها غدا، فلما أصبح، جاءه حسن بن البزار، فقال:
جئني يا صالح بميزان، وجهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار، وإلى فلان،
حتى فرق الجميع، ونحن في حالة، الله بها عليم. فجاءني ابن لي فطلب
درهما، فأخرجت قطعة، فأعطيته. فكتب صاحب البريد: إنه تصدق
بالكل ليومه حتى بالكيس.
قال علي بن الجهم: فقلت: يا أمير المؤمنين، قد تصدق بها،
وعلم الناس أنه قد قبل منك، وما يصنع أحمد بالمال؟! وإنما قوته رغيف.
قال: صدقت.
قال صالح: ثم أخرج أبي ليلا ومعنا حراس، فلما أصبح، قال:
أمعك دراهم؟ قلت: نعم. قال: أعطهم. وجعل يعقوب يسير معه، فقال
له: يا أبا عبد الله، ابن الثلجي بلغني أنه كان يذكرك. قال: يا أبا يوسف،
سل الله العافية. قال: يا أبا عبد الله، تريد أن نؤدي عنك رسالة إلى أمير
المؤمنين؟ فسكت، فقال: إن عبد الله بن إسحاق أخبرني أن الوابصي (2)،
قال له: إني أشهد عليه أنه قال: إن أحمد يعبد ماني (3)! فقال: يا أبا

(1) في " تاريخ الاسلام ": "... ثم ورود يعقوب قرقرة ومعه العشرة آلاف ".
(2) هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر، من ولد وابصة بن معبد. كان يتولى قضاء
بغداد. مات سنة 249 ه‍. له ترجمة في " تاريخ بغداد " 14 / 52، 53، و " التهذيب "
6 / 322، 323.
(3)
ماني: هو أحد " نبهاء " الفرس، وقد ظهر في القرن الثالث الميلادي في إيران،
وانتقل إلى الهند للتبشير بمذهبه، إلا أن ملك الهند سابور الثاني قام بإعدامه. ومذهبه مزيج من
معتقدات الزرادشتية والنصرانية والبوذية، كالايمان بالصراع بين إلهين اثنين: إله الخير والنور،
وإله الظلمة والشر، وإباحة نكاح الأخوات والبنات... ولقد انتشرت المانوية في فارس والهند
والتيبت والصين وتركستان، حيث بقيت حتى القرن الحادي عشر الميلادي.
273

يوسف يكفي الله، فغضب يعقوب، والتفت إلي فقال: ما رأيت أعجب مما
نحن فيه. أسأله أن يطلق لي كلمة أخبر بها أمير المؤمنين، فلا يفعل!!
قال: ووجه يعقوب إلى المتوكل بما عمل، ودخلنا العسكر، وأبي
منكس الرأس، ورأسه مغطى. فقال له يعقوب: اكشف رأسك، فكشفه.
ثم جاء وصيف يريد الدار، ووجه إلى أبي بيحيى بن هرثمة، فقال: يقرئك
أمير المؤمنين السلام، ويقول: الحمد الله الذي لم يشمت بك أهل البدع،
قد علمت حال ابن أبي دواد، فينبغي أن تتكلم فيه بما يجب لله. ومضى
يحيى، وأنزل أبي في دار إيتاخ، فجاء علي بن الجهم، وقال: قد أمر لكم
أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان التي فرقها، وأن لا يعلم شيخكم بذلك
فيغتم. ثم جاءه محمد بن معاوية، فقال: إن أمير المؤمنين يكثر ذكرك،
ويقول: تقيم هنا تحدث. فقال: أنا ضعيف.
وصار إليه يحيى بن خاقان، فقال: يا أبا عبد الله، قد أمر
أمير المؤمنين أن آتيك لتركب إلى ابنه المعتز. وقال لي: أمرني أمير
المؤمنين يجرى عليه وعلى قرابتكم أربعة آلاف (1)، ثم عاد يحيى من الغد،
فقال: يا أبا عبد الله، تركب؟ قال: ذاك إليكم، ولبس إزاره وخفه، وكان
للخف عنده خمسة عشر عاما (قد رقع) (2) برقاع (عدة) (3). فأشار يحيى أن يلبس
قلنسوة. قلت: ماله قلنسوة... إلى أن قال: فدخل دار المعتز، وكان

(1) العبارة في " تاريخ الاسلام " ص: 114: " يجرى عليك وعلى قراباتك أربعة آلاف
درهم، تفرقها عليهم ".
(2) و (3) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
274

قاعدا على مصطبة (1) في الدار. فصعد وقعد، فقال له يحيى: يا أبا عبد
الله، إن أمير المؤمنين جاء بك ليسر بقربك، ويصير ابنه عبد الله في
حجرك. فأخبرني بعض الخدام أن المتوكل كان قاعدا وراء ستر، فقال
لامه: يا أمه، قد أنارت (2) الدار. ثم جاء خادم بمنديل، فأخذ يحيى
المنديل، وذكر قصة في إلباس أبي عبد الله القميص والقلنسوة والطيلسان،
وهو لا يحرك يده، ثم انصرف.
وقد كانوا تحدثوا أنه يخلع عليه سوادا. فلما جاء، نزع الثياب،
وجعل يبكي، وقال: سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة، حتى إذا كان في
آخر عمري بليت بهم. ما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام،
فكيف بمن يجب علي نصحه؟! يا صالح: وجه بهذه الثياب إلى بغداد
تباع، ويتصدق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئا، فوجهت بها إلى
يعقوب بن بختان (3)، فباعها، وفرق ثمنها، وبقيت عندي القلنسوة.
قال: ومكث خمسة عشر يوما يفطر كل ثلاث على ثمن سويق، ثم
جعل بعد ذلك يفطر ليلة على رغيف، وليلة لا يفطر. وإذا جاؤوا بالمائدة،
توضع في الدهليز لئلا يراها. وكان إذا أجهده الحر بل خرقة، فيضعها
على صدره. وفي كل يوم يوجه إليه بابن ماسويه، فينظر إليه، فقال. يا أبا
عبد الله، أنا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة سوى الضعف وقلة
الرز (4).

(1) في " تاريخ الاسلام ": " على دكان ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " نارت ".
(3) هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، نسب هنا إلى جده، وهو من أصحاب الإمام أحمد
، وكان أحد الصالحين الثقات. له ترجمة في " طبقات الحنابلة " ص: 276، و " تاريخ
بغداد " 14 / 280.
(4) الرز، بكسر الراء وتشديد الزاي: غمز الحدث، وحركته في البطن للخروج، حتى
يحتاج صاحبه إلى دخول الخلاء. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من وجد في بطنه رزا
فليتوضأ " أخرجه أحمد 1 / 88 و 99 بسند فيه ابن لهيعة.
275

قال. وجعل يعقوب وغياث يصيران إليه، ويقولان له: يقول لك
أمير المؤمنين: ما تقول في ابن أبي دواد وفي ماله؟ فلا يجيب بشئ.
وجعل يعقوب ويحيى يخبرانه بما يحدث في أمر ابن أبي دواد. ثم بعث إلى
بغداد بعد ما أشهد عليه ببيع ضياعه. وكان ربما جاء يحيى بن خاقان - وأبو
عبد الله يصلي - فيجلس في الدهليز حتى يفرغ من الصلاة.
وأمر المتوكل أن تشترى لنا دار، فقال: يا صالح، قلت: لبيك.
قال: لئن أقررت لهم بشراء دار، لتكونن القطيعة بيني وبينكم، إنما يريدون
أن يصيروا هذا البلد لي مأوى. فلم يزل يدافع بشراء الدار حتى اندفع.
وجعلت رسل المتوكل تأتيه، يسألونه عن خبره، ويرجعون، فيقولون:
هو ضعيف. وفي خلال ذلك يقولون: يا أبا عبد الله، لابد من أن يراك.
وجاءه يعقوب، فقال: أمير المؤمنين مشتاق إليك، ويقول: انظر يوما تصير
فيه أي يوم حتى أعرفه، فقال: ذاك إليكم، فقال: يوم الأربعاء، وخرج.
فلما كان من الغد، جاء فقال: البشرى يا أبا عبد الله! إن أمير المؤمنين يقرأ
عليك السلام، ويقول: قد أعفيتك من لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود
وإلى الدار، فالبس ما شئت (1). فجعل يحمد الله على ذلك.
ثم قال يعقوب: إن لي ابنا أنا به معجب، وإن له في قلبي موقعا،
فأحب أن تحدثه بأحاديث، فسكت. فلما خرج، قال: أتراه لا يرى ما أنا
فيه؟!!.
وكان يختم القرآن من جمعة إلى جمعة، وإذا ختم، دعا، ونحن

(1) في " تاريخ الاسلام ": " فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف ".
276

نؤمن. فلما كان غداة الجمعة، وجه إلي وإلى أخي. فلما ختم، جعل
يدعو ونحن نؤمن. فلما فرغ، جعل يقول: أستخير الله مرات. فجعلت
أقول: ما يريد؟ ثم قال: إني أعطي الله عهدا، إن عهده كان مسؤولا،
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة: 1) إني لا أحدث
بحديث تمام أبدا حتى ألقى الله، ولا أستثني منكم أحدا، فخرجنا، وجاء
علي بن الجهم فأخبرناه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وأخبر المتوكل
بذلك. وقال: إنما يريدون أحدث، ويكون هذا البلد حبسي، وإنما كان
سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا، وأمروا فحدثوا. والله لقد
تمنيت الموت في الامر الذي كان، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك.
إن هذا فتنة الدنيا (1)، وذاك كان فتنة الدين، ثم جعل يضم أصابعه،
ويقول: لو كان نفسي في يدي لأرسلتها (ثم يفتح أصابعه) (2).
وكان المتوكل يكثر السؤال عنه، وفي خلال ذلك يأمر لنا بالمال،
ويقول: لا يعلم شيخهم فيغتم، ما يريد منهم؟ إن كان هو لا يريد الدنيا،
فلم يمنعهم؟!
وقالوا للمتوكل: إنه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك،
ويحرم الذي تشرب. فقال: لو نشر لي المعتصم، وقال فيه شيئا، لم أقبل
منه.
قال صالح: ثم انحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد الله عنده. فإذا عبد
الله قد قدم، فقلت: مالك؟ قال: أمرني أن أنحدر. وقال: قل لصالح:

(1) عبارة " تاريخ الاسلام ": ".. وإني لأتمنى الموت في هذا، وذلك أن هذا فتنة
الدنيا... ".
(2) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام ".
277

لا تخرج، فأنتم كنتم آفتي، والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما
أخرجت واحدا منكم معي. لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة، وتفرش
الفرش، وتجرى الاجراء (1)؟ فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد الله، فكتب
إلي بخطه: أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي
حملني على الكتاب إليك الذي قلت لعبد الله، لا يأتيني منكم أحد رجاء أن
ينقطع ذكري ويخمل (2). وإذا كنتم هاهنا، فشا ذكري، وكان يجتمع إليكم
قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خير. فإن أقمت فلم يأتني أنت ولا أخوك،
فهو رضائي، ولا تجعل في نفسك إلا خيرا، والسلام عليك.
قال: ولما سافرنا، رفعت المائدة والفرش، وكل ما أقيم لنا.
قال صالح: وبعث المتوكل إلى أبي بألف دينار ليقسمها، فجاءه علي
ابن الجهم في جوف الليل، فأخبره بأنه يهيئ له حراقة، ثم جاء عبيد الله
بألف دينار، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر لك بهذه. فقال:
قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، فردها. وقال: أنا رقيق على البرد،
والظهر أرفق بي. فكتب له جواز، وكتب إلى محمد بن عبد الله في بره
وتعاهده. فقدم علينا، ثم قال: يا صالح، قلت: لبيك. قال: أحب أن
تدع هذا الرزق، فإنما تأخذونه بسببي فسكت، فقال: مالك؟ قلت: أكره
أن أعطيك بلساني، وأخالف إلى غيره، وليس في القوم أكثر عيالا مني، ولا
أعذر. وقد كنت أشكو إليك، وتقول: أمرك منعقد بأمري. ولعل الله أن
يحل عني هذه العقدة، وقد كنت تدعو لي، فأرجو أن يكون الله قد استجاب
لك. فقال: والله لا تفعل. فقلت: لا. فقال: لم؟ فعل الله بك وفعل!!

(1) حرفت في " تاريخ الاسلام " إلى " الامراء ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": و " يخمد "، بالدال المهملة.
278

وذكر قصة في دخول عبد الله أخيه عليه، وقوله وجوابه له، ثم دخول
عمه عليه، وإنكاره للاخذ، قال: فهجرنا أبي، وسد الأبواب بيننا وبينه،
وتحامى منازلنا، ثم أخبر بأخذ عمه، فقال: نافقتني وكذبتني!! ثم هجره،
وترك الصلاة في المسجد، وخرج إلى مسجد آخر (1) يصلي فيه.
ثم ذكر قصة في دعائه صالحا ومعاتبته له، ثم في كتابته (2) إلى يحيى
ابن خاقان ليترك معونة أولاده، وأن الخبر بلغ المتوكل، فأمر بحمل ما اجتمع
لهم من عشرة أشهر إليهم، فكان أربعين ألف درهم. وأن أبا عبد الله أخبر
بذلك، فسكت قليلا وأطرق. ثم قال: ما حيلتي إن أردت أمرا، وأراد الله
أمرا؟!
قال صالح: وكان رسول المتوكل يأتي أبي يبلغه السلام، ويسأله عن
حاله. قال: فتأخذه قشعريرة حتى ندثره، ثم يقول: والله لو أن نفسي في
يدي لأرسلتها.
وجاء رسول المتوكل إليه، يقول: لو سلم أحد من الناس، سلمت
أنت. رفع رجل إلينا (3) أن علويا قدم من خراسان، وأنك وجهت إليه من
يلقاه. وقد حبست الرجل، وأردت ضربه، فكرهت أن تغتم، فمر فيه.
قال: هذا باطل يخلى سبيله.
ثم ذكر صالح قصة في قدوم (4) المتوكل بغداد، وإشارة أبي عبد الله
على صالح بأن لا يذهب إليهم، ومجئ يحيى بن خاقان من عند المتوكل.

(1) في " تاريخ الاسلام " و " الحلية ": " مسجد خارج... ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " " كتبته ".
(3) في " تاريخ الاسلام ": " إلي ".
(4) في الأصل " قدم ".
279

وقوله: قد أعفاني أمير المؤمنين من كل ما أكره، وفي توجيه أمير بغداد
محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أحمد ليحضر إليه، وامتناع أحمد، وقوله:
أنا رجل لم أخالط السلطان، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، وهذا مما
أكره.
قال: وكان قد أدمن الصوم لما قدم من سامراء، وجعل لا يأكل
الدسم. وكان قبل ذلك يشترى له الشحم بدرهم فيأكل منه شهرا (1)!!
الخلال: حدثني محمد بن الحسين، أن المروذي حدثهم، قال:
كان أبو عبد الله بالعسكر يقول: انظر، هل تجد ماء باقلى (2)؟ فكنت ربما
بللت خبزه بالماء، فيأكله بالملح (3). ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا، ما
ذاق طبيخا ولا دسما.
وعن المروذي، قال: أنبهني أبو عبد الله ليلة، وكان قد واصل
فقال: هوذا يدار بي من الجوع، فأطعمني شيئا. فجئته بأقل من رغيف،
فأكله، وقال: لولا أني أخاف العون على نفسي، ما أكلت. وكان يقوم إلى
المخرج، فيقعد يستريح من الجوع، حتى إن كنت لابل الخرقة، فيلقيها (4)
على وجهه، لترجع نفسه إليه، حتى إنه أوصى من الضعف من غير مرض،
فسمعته يقول - ونحن بالعسكر - هذا ما أوصى به أحمد بن محمد، أوصى
أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.

(1) تمامه كما في " تاريخ الاسلام ": "... فترك أكل الشحم، وأدمن الصوم والعمل،
فتوهمت أنه قد كان جعل على نفسه - إن سلم - يفعل ذلك ".
(2) بكسر القاف وفتح اللام المشددة وقد تخفف: الفول.
(3) عبارة " تاريخ الاسلام ": "... قلت: ربما بللت خبزة بالماء، فيأكلها بالملح ".
(4) في " تاريخ الاسلام ": " فيلفها ".
280

وقال عبد الله بن أحمد: أوصى أبي هذه: هذا ما أوصى به أحمد بن
محمد بن حنبل، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، إلى أن قال: وأوصى أن
علي لفوران نحوا من خمسين دينارا، وهو مصدق فيما قال، فيقضى من غلة
الدار. فإذا استوفى، أعطي ولد عبد الله وصالح، كل ذكر وأنثى عشرة دراهم.
شهد أبو يوسف، وعبد الله وصالح ابنا أحمد.
أنبأونا عمن سمع أبا علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم (1)،
حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: كتب عبيد الله بن
يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك
عن القرآن، لا مسألة امتحان، لكن مسألة معرفة وتبصرة. فأملى علي
أبي: إلى عبيد الله بن يحيى، بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك
أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك المكاره برحمته، قد كتبت إليك،
رضي الله عنك، بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني،
وأني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من
الباطل، واختلاف شديد ينغمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير
المؤمنين، فنفى الله به كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل
وضيق المحابس (2)، فصرف الله ذلك كله، وذهب به بأمير المؤمنين،
ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما، ودعوا الله لأمير المؤمنين (وأسأل الله
أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين) (3)،

(1) وهو مؤلف " حلية الأولياء "، والخبر فيه بنصه 9 / 216، 219. ورواها ابن الجوزي
في " المناقب "، ص: 377، 379 بإسناده لأبي نعيم، ولكن اختصرها، ولم يسق نصها
كاملا.
(2) في " الحلية ": " ضيق المجالس "، وما هنا موافق لابن الجوزي.
(3) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام " و " الحلية ".
281

وأن يزيد في نيته، وأن يعينه على ما هو عليه. فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال: لا
تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه يوقع الشك في قلوبكم.
وذكر عن عبد الله بن عمرو، أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال بعضهم: ألم يقل (الله) (1) كذا، وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟
فسمع ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان،
فقال: " أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم
قبلكم في مثل هذا (إنكم لستم مما هاهنا في شئ) (2)، انظروا الذي أمرتم
به، فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه، فانتهوا عنه " (3).
وروي عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: " مراء في القرآن كفر " (4)

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
(2) الزيادة من " تاريخ الاسلام " و " الحلية ".
(3) إسناده حسن، وهو في " المسند " 2 / 195 و 118 و 196، وابن ماجة (85).
(4) أخرجه أحمد 2 / 286 و 300 و 424 و 475 و 503 و 528، وأبو داود (4603) في
السنة: باب النهي عن الجدال في القرآن، وسنده حسن، وصححه ابن حبان (73)، والحاكم
2 / 223، ووافقه الذهبي المؤلف.
واختلفوا في تأويل هذا الحديث، فقيل: معنى المراء: الشك، كقوله سبحانه وتعالى:
(فلا تك في مرية)، أي: في شك. وقيل المراء: هو الجدال المشكك، وذلك أنه إذا جادل
فيه، أداه إلى ما يرتاب في الآي المتشابهة منه، فيؤديه ذلك إلى الجحود فسماه كفرا باسم ما
يخشى من عاقبته، إلا من عصمه الله. ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات
برد المتشابهات إلى المحكمات، والجمع بين المختلفات ظاهرا ما أمكنه، فإن القرآن يصدق
بعضه بعضا، فإن أشكل عليه شئ من ذلك، ولم يتيسر له التوفيق، فليعتقد أنه من سوء فهمه،
وليكله إلى عالمه، وهو الله ورسوله. وتأوله بعضهم على المراء في قراءته، وهو أن ينكر بعض
القراءات المروية، وقد أنزل الله القرآن على سبعة أحرف، فتوعدهم بالكفر لينتهوا عن المراء
فيها، والتكذيب بها، إذ كلها قرآن منزل يجب الايمان به، ويشهد لهذا التفسير حديث أبي جهيم
الآتي. وقيل: إنما جاء هذا في الجدال بالقرآن من الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد وما كان في
معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل، دون ما كان منها في الاحكام وأبواب الإباحة
والتحريم، فإن أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد تنازعوها فيما بينهم، وتحاجوا بها عند اختلافهم
في الاحكام. ويشهد لهذا التفسير حديث عبد الله بن عمرو المتقدم، فقد وقع عند أحمد
2 / 296، وابن ماجة (85) أن تنازعهم كان في القدر.
282

وروي عن أبي جهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تماروا في القرآن،
فإن مراء فيه كفر " (1).
وقال ابن عباس: قدم رجل على عمر، فجعل عمر يسأله عن الناس،
فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا. فقال ابن عباس:
فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم في القرآن هذه المسارعة. فزبرني
عمر، وقال: مه. فانطلقت إلى منزلي كئيبا حزينا، فينا أنا كذلك، إذ أتاني
رجل، فقال: أجب أمير المؤمنين. فخرجت، فإذا هو بالباب ينتظرني،
فأخذ بيدي، فخلا بي، وقال: ما الذي كرهت؟ قلت: يا أمير المؤمنين،
متى يتسارعوا هذه المسارعة، يحتقوا، (2) ومتى (ما) يحتقوا يختصموا،
ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا. قال: لله أبوك، والله
إن كنت لأكتمها الناس، حتى جئت بها.
وروي عن جابر، قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعرض نفسه على الناس
بالموقف، فيقول: " هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني
أن أبلغ كلام ربي " (3).

(1) أخرجه أحمد 4 / 170 من طريق أبي سلمة الخزاعي، حدثنا سليمان بن بلال،
حدثني يزيد بن خصيفة، أخبرني بسر بن سعيد، قال: حدثني أبو جهيم أن رجلين اختلفا في آية
من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فسألا النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: " القرآن يقرأ على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن مراء
في القرآن كفر ".
وإسناده صحيح. وفي الباب عن عمرو بن العاص عند أحمد 4 / 204.
(2) أي يقول كل منهم: الحق في يدي ومعي.
(3) أخرجه أبو داود (4734) في السنة: باب في القرآن، والترمذي (2926) في ثواب
القرآن: باب حرص النبي، صلى الله عليه وسلم، على تبليغ القرآن، وابن ماجة (201) في المقدمة: باب
فيما أنكرت الجهمية، كلهم من حديث إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن سالم بن
أبي الجعد، عن جابر. وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث غريب صحيح.
283

وروي عن جبير بن نفير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم لن ترجعوا إلى
الله بشئ أفضل مما خرج منه، يعني: القرآن " (1).
وروي عن ابن مسعود، قال: جردوا القرآن، لا تكتبوا فيه شيئا إلا
كلام الله.
وروي عن عمر أنه قال: هذا القرآن كلام الله، فضعوه مواضعه.
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إني إذا قرأت كتاب الله، وتدبرته،
كدت أن آيس (2)، وينقطع رجائي، فقال: إن القرآن كلام الله، وأعمال
ابن آدم إلى الضعف والتقصير، فاعمل وأبشر.
وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارا لخباب، فخرجت يوما معه
إلى المسجد، وهو آخذ بيدي، فقال: " يا هناه، تقرب إلى الله بما
استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشئ أحب إليه من كلامه " (3).
وقال رجل للحكم: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال:
الخصومات.
وقال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات، فإنها تحبط الأعمال.

(1) أخرجه الترمذي (2912) من طريق إسحاق بن منصور، عن عبد الرحمن بن
مهدي، عن معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن زيد بن أرطاة، عن جبير بن نفير. ورجاله
ثقات.
(2) في اللسان: قال الجوهري: أيست منه آيس يأسا، لغة في يئست منه أيأس يأسا،
ومصدرهما واحد. ونقل أيضا عن ابن سيدة، قال: أيست من الشئ مقلوب عن يئست، وليس
بلغة فيه.
(3) تقدم تخريجه في الصفحة: 246، ت (2).
284

وقال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء، أو قال: أصحاب
الخصومات. فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض
ما تعرفون.
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا
أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية؟ قال: لا.
لتقومان عني، أو لأقومنه، فقاما. (فقال بعض القوم: يا أبا بكر، وما
عليك أن يقرآ عليك آية؟ قال...) (1). وقال: خشيت أن يقرآ آية
فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي.
وقال رجل من أهل البدع لأيوب: يا أبا بكر أسألك عن كلمة؟ فولى،
وهو يقول بيده: لا، ولا نصف كلمة.
وقال ابن طاووس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: يا بني أدخل
أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول. ثم قال: اشدد اشدد.
وقال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه (2) غرضا للخصومات، أكثر
التنقل.
وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شئ خبئ لكم
لفضل عندكم.
وكان الحسن يقول: شر داء خالط قلبا، يعني: الأهواء.
وقال حذيفة: اتقوا الله، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن
استقمتم، لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا، لقد ضللتم

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
(2) في الأصل: " دينا "، وما أثبتناه موافق لما في " تاريخ الاسلام ".
285

ضلالا بعيدا، أو قال: مبينا.
قال أبي: وإنما تركت الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما
قد علمه أمير المؤمنين، ولولا ذاك، ذكرتها بأسانيدها. وقد قال الله تعالى:
(وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) (التوبة:
6). وقال: (ألا له الخلق والامر) (الأعراف: 54). فأخبر أن الامر
غير الخلق. وقال: (الرحمن، علم القرآن، خلق الانسان، علمه البيان)
(الرحمن: 1 - 4). فأخبر أن القرآن من علمه. وقال تعالى: (ولن ترضى
عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن
اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)
(البقرة: 120). وقال: (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا
قبلتك) (البقرة: 145). إلى قوله: (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما
جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) (البقرة: 145). فالقرآن من
علم الله. وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن. وقد روي عن
السلف أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو الذي أذهب
إليه، لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شئ من هذا إلا ما كان في
كتاب الله، أو في حديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن
التابعين. فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود.
فهذه الرسالة إسنادها كالشمس، فانظر إلى هذا النفس النوراني. لا
كرسالة الإصطخري (1)، ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد

(1) هو أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسي الإصطخري. ورسالته هذه
المتضمنة لمذاهب أهل العلم ومذاهب الأثر، رواها عن الامام أبي عبد الله أحمد بن حنبل. وقد
ذكرها بتمامها القاضي أبو الحسين في " طبقات الحنابلة " 1 / 24، 36، وفيها من العبارات ما
يخالف ما عليه السلف، مما يستبعد صدوره من مثل هذا الامام الجليل، كقوله فيها: " وكلم الله
موسى تكليما من فيه " و " ناوله التوراة من يده إلى يده ". وربما كان ذلك مدعاة للمؤلف أن يطعن
في صحة نسبتها إلى الإمام أحمد. ونص كلام المؤلف في " تاريخ الاسلام ": "... قلت:
رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثبات، أشهد بالله أنه أملاها على ولده، وأما غيرها من الرسائل
المنسوبة إليه كرسالة الإصطخري، ففيها نظر. والله أعلم ".
286

الله (1)، فإن الرجل كان تقيا ورعا لا يتفوه بمثل ذلك. ولعله قاله، وكذلك
رسالة المسئ (2) في الصلاة باطلة. وما ثبت عنه أصلا وفرعا ففيه كفاية.
ومما ثبت عنه مسألة الايمان، وقد صنف فيها.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: الايمان قول وعمل،
يزيد وينقص، البر كله من الايمان، والمعاصي تنقص الايمان.

(1) يرى الذهبي المؤلف أن كتاب " الرد على الجهمية " موضوع على الإمام أحمد. وقد
شكك أيضا في نسبة هذا الكتاب إلى الإمام أحمد بعض المعاصرين في تعليقه على " الاختلاف في
اللفظ، والرد على الجهمية " لابن قتيبة. ومستنده أن في السند إليه مجهولا، فقد رواه أبو بكر
غلام الخلال، عن الخلال، عن الخضر بن المثنى، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه...
والحضر بن المثنى هذا مجهول، والرواية عن مجهول مقدوح فيها، مطعون في سندها. وفيه ما
يخالف ما كان عليه السلف من معتقد، ولا يتسق مع ما جاء عن الامام في غيره مما صح عنه وهذا
هو الذي دعا الذهبي هنا إلى نفي نسبته إلى الإمام أحمد ومع ذلك فإن غير واحد من العلماء قد
صححوا نسبة هذا الكتاب إليه، ونقلوا عنه، وأفادوا منه، منهم القاضي أبو يعلى، وأبو الوفاء بن
عقيل، والامام البيهقي، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وتوجد من الكتاب نسخة خطية في
ظاهرية دمشق، ضمن مجموع رقم (116)، وهي تشتمل على نص " الرد على الجهمية " فقط،
وهو نصف الكتاب، وعن هذا الأصل نشر الكتاب في الشام، بتحقيق الأستاذ محمد فهر الشقفة.
ومما يؤكد أن هذا الكتاب ليس للإمام أحمد أننا لا نجد له ذكرا لدى أقرب الناس إلى الإمام أحمد
بن حنبل ممن عاصروه وجالسوه، أو أتوا بعده مباشرة وكتبوا في الموضوع ذاته كالامام
البخاري ت 256 ه‍، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276 ه‍، وأبي سعيد الدارمي ت 280.
والامام أبو الحسن الأشعري قد ذكر عقيدة الإمام أحمد في كتابه " مقالات الاسلاميين "، ولكنه
لم يشر إلى هذا الكتاب مطلقا، ولم يستفد منه شيئا.
(2) يغلب على الظن أن يريد الرسالة الموسومة ب‍ " الصلاة "، وقد طبعت في مصر بتحقيق
حامد الفقي. وكثير من الأئمة الذين ينتمون إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ينقلون عنها،
ويحتجون بما فيها.
287

وقال إسحاق بن إبراهيم البغوي: سمعت أحمد يقول: من قال:
القرآن مخلوق، فهو كافر. وسمع سلمة بن شبيب أحمد يقول ذلك، وهذا
متواتر عنه.
وقال أبو إسماعيل الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: من
قال: القرآن محدث، فهو كافر.
وقال إسماعيل بن الحسن السراج: سألت أحمد عمن يقول: القرآن
مخلوق، قال: كافر، وعمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال:
جهمي.
وقال صالح بن أحمد: تناهى إلى أبي أن أبا طالب يحكي أنه يقول:
لفظي بالقرآن غير مخلوق. فأخبرت بذلك أبي، فقال: من حدثك؟
قلت: فلان، قال: ابعث إلى أبي طالب، فوجهت إليه، فجاء، وجاء
فوران، فقال له أبي: أنا قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟!
وغضب، وجعل يرعد، فقال: قرأت عليك: (قل هو الله أحد)
(الاخلاص: 1). فقلت لي: ليس هذا بمخلوق. قال: فلم حكيت عني
أني قلت: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وبلغني أنك كتبت بذلك إلى قوم،
فامحه، واكتب إليهم أني لم أقله لك. فجعل فوران يعتذر إليه. فعاد أبو
طالب، وذكر أنه حكى ذلك، وكتب إلى القوم، يقول: وهمت على أبي
عبد الله.
قلت: الذي استقر الحال عليه، أن أبا عبد الله كان يقول: من قال:
لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع. وأنه قال: من قال: لفظي بالقرآن
مخلوق، فهو جهمي. فكان رحمه الله لا يقول هذا ولا هذا. وربما أوضح
ذلك، فقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن فهو جهمي.
288

قال أحمد بن زنجويه: سمعت أحمد يقول: اللفظية شر من
الجهمية.
وقال صالح: سمعت أبي، يقول: الجهمية ثلاث فرق: فرقة
قالت: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا: كلام الله وسكتوا، وفرقة قالوا: لفظنا
به مخلوق. ثم قال أبي لا يصلى خلف واقفي، ولا لفظي.
وقال المروذي: أخبرت أبا عبد الله أن أبا شعيب السوسي الرقي،
فرق بين بنته وزوجها لما وقف في القرآن، فقال: أحسن، عافاه الله،
وجعل يدعو له.
قال المروذي: ولما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف، حذر عنه أبو عبد
الله، وأمر بهجرانه. لأبي عبد الله في مسألة اللفظ نقول عدة: فأول من
أظهر مسألة اللفظ حسين بن علي الكرابيسي، وكان من أوعية العلم. ووضع
كتابا في المدلسين، يحط على جماعة فيه أن ابن الزبير من الخوارج. وفيه
أحاديث يقوي به الرافضة. فأعلم أحمد، فحذر منه، فبلغ الكرابيسي،
فتنمر، وقال: لأقولن مقالة حتى يقول ابن حنبل بخلافها فيكفر. فقال:
لفظي بالقرآن مخلوق. فقال المروذي في كتاب " القصص ": فذكرت ذلك
لأبي عبد الله أن الكرابيسي، قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وأنه قال:
أقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي به
مخلوق. ومن لم يقل: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كافر. فقال أبو عبد
الله: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شئ قالت الجهمية إلا هذا؟ وما
ينفعه، وقد نقض كلامه الأخير كلامه الأول؟! ثم قال: أيش خبر أبي ثور،
أوافقه على هذا؟ قلت: قد هجره. قال: أحسن، لن يفلح أصحاب
الكلام.
289

قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي، وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة،
فقال: من كان منهم يحسن الكلام، فهو جهمي.
الحكم بن معبد: حدثني أحمد الدورقي، قلت لأحمد بن حنبل: ما
تقول في هؤلاء الذين يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فرأيته استوى
واجتمع، وقال: هذا شر من قول الجهمية. من زعم هذا، فقد زعم أن
جبريل تكلم بمخلوق، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق.
فقد كان هذا الامام لا يرى الخوض في هذا البحث خوفا من أن يتذرع
به إلى القول بخلق القرآن، والكف عن هذا أولى. آمنا بالله تعالى،
وبملائكته، وبكتبه، ورسله، وأقداره، والبعث، والعرض على الله يوم
الدين. ولو بسط هذا السطر، وحرر وقرر بأدلته لجاء في خمس مجلدات،
بل ذلك موجود مشروح لمن رامه، والقرآن فيه (1) شفاء ورحمة للمؤمنين،
ومعلوم أن التلفظ شئ من كسب القارئ غير الملفوظ، والقراءة غير الشئ
المقروء، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو، وصوت القارئ من
كسبه فهو يحدث التلفظ والصوت والحركة والنطق، وإخراج الكلمات من
أدواته المخلوقة، ولم يحدث كلمات القرآن، ولا ترتيبه، ولا تأليفه، ولا
معانيه.
فلقد أحسن الإمام أبو عبد الله حيث منع من الخوض في المسألة من
الطرفين إذ كل واحد من إطلاق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم، ولم يأت
به كتاب ولا سنة بل الذي لا نرتاب فيه أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. والله أعلم.

(1) في الأصل: " ففيه ".
290

الحاكم: حدثنا الأصم، سمعت محمد بن إسحاق الصغاني،
سمعت فوران صاحب أحمد، يقول: سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطي أن
أطلب من أبي عبد الله خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين
اللفظ والمحكي. فسألته، فقال: القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله،
فغير مخلوق. فأما أفعالنا فمخلوقة. قلت: فاللفظية تعدهم يا أبا عبد
الله في جملة الجهمية؟ فقال: لا. الجهمية الذين قالوا: القرآن
مخلوق.
وبه قال: وسمعت فوران، يقول: جاءني ابن شداد برقعة فيها
مسائل، وفيها: إن لفظي بالقرآن غير مخلوق، فضرب أحمد بن حنبل على
هذه، وكتب: القرآن حيث تصرف غير مخلوق.
قال صالح بن أحمد: سمعت أبي، يقول: من زعم أن أسماء الله
مخلوقة، فقد كفر. وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: من
تعاطى الكلام لا يفلح، من تعاطى الكلام، لم يخل من أن يتجهم.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله، يقول: من أحب الكلام لم
يفلح، لأنه يؤول أمرهم إلى حيرة. عليكم بالسنة والحديث، وإياكم
والخوض في الجدال والمراء. أدركنا الناس وما يعرفون هذا الكلام،
عاقبة الكلام لا تؤول إلى خير.
وللامام أحمد كلام كثير في التحذير من البدع وأهلها، وأقوال في
السنة. ومن نظر في كتاب " السنة " لأبي بكر الخلال رأى فيه علما غزيرا
ونقلا كثيرا. وقد أوردت من ذلك جملة في ترجمة أبي عبد الله في " تاريخ
الاسلام "، وفي كتاب " العزة للعلي العظيم ". فترني عن إعادته هنا عدم
النية. فنسأل الله الهدى، وحسن القصد. وإلى الإمام أحمد المنتهى في
291

معرفة السنة علما وعملا، وفي معرفة الحديث وفنونه، ومعرفة الفقه
وفروعه. وكان رأسا في الزهد والورع والعبادة والصدق.
قال صالح بن أحمد: قدم المتوكل فنزل الشماسية (1)، يريد المدائن،
فقال لي أبي: أحب أن لا تذهب إليهم تنبه علي. فلما كان بعد يوم أنا
قاعد، وكان يوما مطيرا، فإذا بيحيى بن خاقان قد جاء في موكب عظيم،
والمطر عليه، فقال لي: سبحان الله لم تصر إلينا حتى تبلغ أمير المؤمنين
السلام عن شيخك، حتى وجه بي، ثم نزل خارج الزقاق، فجهدت به أن
يدخل على الدابة فلم يفعل، فجعل يخوض المطر. فلما وصل نزع
جرموقة (2)، ودخل، وأبي في الزاوية عليه كساء، فسلم عليه، وقبل جبهته،
وساءله عن حاله، وقال: أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول: كيف أنت
في نفسك، وكيف حالك؟ وقد أنست بقربك، ويسألك أن تدعو له.
فقال: ما يأتي علي يوم إلا وأنا أدعو الله له. ثم قال: قد وجه معي ألف دينار
تفرقها على أهل الحاجة. فقال: يا أبا زكريا، أنا في بيت منقطع، وقد
أعفاني من كل ما أكره، وهذا مما أكره. فقال: يا أبا عبد الله، الخلفاء لا
يحتملون هذا. فقال: يا أبا زكريا، تلطف في ذلك. فدعا له، ثم قام.
فلما صار إلى الدار، رجع، وقال: هكذا لو وجه إليك بعض إخوانك كنت
تفعل؟ قال: نعم. فلما صرنا إلى الدهليز، قال: قد أمرني أمير المؤمنين
أدفعها إليك تفرقها. فقلت: تكون عندك إلى أن تمضي هذه الأيام.
أحمد بن محمد بن الحسين بن معاوية الرازي: حدثنا بكر بن عبد الله

(1) بفتح أوله وتشديد ثانيه، ثم سين مهملة مكسورة، وهي مجاورة لدار الروم التي في
أعلى مدينة بغداد، وهي أعلى من الرصافة ومحلة أبي حنيفة.
(2) وهو ما يلبس فوق الخف.
292

ابن حبيب، سمعت المسعري محمد بن وهب، قال: كنت مؤدبا
للمتوكل، فلما استخلف، أدناني. وكان يسألني وأجيبه على مذهب
الحديث والعلم، وإنه جلس للخاصة يوما، ثم قام، حتى دخل بيتا له من
قوارير، سقفه وحيطانه وأرضه، وقد أجري له الماء فيه، يتقلب فيه. فمن
دخله، فكأنه في جوف الماء جالس. وجلس عن يمينه الفتح بن خاقان،
وعبيد الله بن يحيى بن خاقان، وعن يساره بغا الكبير، ووصيف، وأنا واقف
إذ ضحك، فأرم القوم، فقال: ألا تسألوني من ما ضحكت؟! إني ذات
يوم واقف على رأس الواثق، وقد قعد للخاصة، ثم دخل هنا، ورمت الدخول
فمنعت، ووقفت حيث ذاك الخادم واقف، وعنده ابن أبي دواد، وابن
الزيات، وإسحاق بن إبراهيم. فقال الواثق: لقد فكرت فيما دعوت إليه
الناس من أن القرآن مخلوق، وسرعة إجابة من أجابنا، وشدة خلاف من
خالفنا مع الضرب والسيف، فوجدت من أجابنا رغب فيما (في) أيدينا،
ووجدت من خالفنا منعه دين وورع، فدخل قلبي من ذلك أمر وشك حتى
هممت بترك ذلك. فقال ابن أبي دواد: الله الله يا أمير المؤمنين! أن تميت
سنة قد أحييتها، وأن تبطل دينا قد أقمته. ثم أطرقوا. وخاف ابن أبي دواد،
فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن هذا القول الذي تدعو الناس إليه لهو الدين
الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله، وبعث به نبيه، ولكن الناس عموا عن
قبوله. قال الواثق: فباهلوني (1) على ذلك. فقال أحمد: ضربه الله
بالفالج إن لم يكن ما يقول حقا. وقال ابن الزيات: وهو فسمر الله بدنه
بمسامير في الدنيا قبل الآخرة إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقا بأن القرآن
مخلوق. وقال إسحاق بن إبراهيم: وهو فأنتن الله ريحه في الدنيا إن لم يكن

(1) يقال: باهل بعضهم بعضا، وتبهلوا وتباهلوا، أي: تلاعنوا. والبهلة، وتضم
الباء: اللعنة.
293

ما يقول حقا، وقال نجاح: وهو فقتله الله في أضيق محبس، وقال إيتاخ:
وهو فغرقه الله، فقال الواثق: وهو فأحرق الله بدنه بالنار إن لم يكن ما يقول
حقا من أن القرآن مخلوق، فأضحك أنه لم يدع أحد منهم يومئذ إلا استجيب
فيه. أما ابن أبي دواد، فقد ضربه الله بالفالج، وأما ابن الزيات، فأنا أقعدته
في تنور من حديد، وسمرت بدنه بمسامير، وأما إسحاق، فأقبل يعرق في
مرضه عرقا منتنا حتى هرب منه الحميم والقريب، وأما نجاح، فأنا بنيت عليه
بيتا ذراعا في ذراعين حتى مات، وأما إيتاخ، فكتبت إلى إسحاق بن
إبراهيم، وقد رجع من الحج فقيده وغرقه، وأما الواثق، فكان يحب
الجماع، فقال: يا مخائيل: ابغني دواء للباه. فقال: يا أمير المؤمنين،
بدنك فلا تهده، لا سيما إذا تكلف الرجل الجماع. فقال: لابد منه، وإذا
بين فخذيه مع ذلك وصيفة، فقال: من يصبر عن مثل هذه؟ قال: فعليك
بلحم السبع، يؤخذ رطل فيغلى سبع غليات بخل خمر عتيق. فإذا جلست
على شربك، فخذ منه زنة ثلاثة دارهم، فإنك تجد بغيتك. فلها أياما،
وقال: علي بلحم سبع الساعة، فأخرج له سبع، فذبح واستعمله. قال:
فسقي بطنه، فجمع له الأطباء، فأجمعوا على أنه لا دواء له إلا أن يسجر له
تنور بحطب الزيتون، حتى يمتلئ جمرا، ثم يكسح ما فيه، ويحشى
بالرطبة، ويقعد فيه ثلاث ساعات، فإن طلب ماء لم يسق، ثم يخرج فإنه
يجد وجعا شديدا، ولا يعاد إلى التنور إلى بعد ساعتين، فإنه يجري ذلك
الماء، ويخرج من مخارج البول. وإن هو سقي أو رد إلى التنور، تلف.
قال: فسجر له تنور، ثم أخرج الجمر، وجعل على ظهر التنور، ثم حشي
بالرطبة. فعري الواثق، وأجلس فيه. فصاح وقال: أحرقتموني، أسقوني
ماء، فمنع، فتنفط بدنه كله، وصار نفاخات كالبطيخ، ثم أخرج وقد كاد أن
يحترق، فأجلسه الأطباء. فلما شم الهواء اشتد به الألم، فأقبل يصيح
294

ويخور كالثور، ويقول: ردوني إلى التنور، واجتمع نساؤه وخواصه، وردوه
إلى التنور، ورجوا الفرج. فلما حمي، سكن صياحه، وتفطرت تلك
النفاخات، وأخرج وقد احترق واسود، وقضى بعد ساعة.
قلت: راويها لا أعرفه.
وعن جرير بن أحمد بن أبي دواد، قال: قال أبي: ما رأيت أحدا
أشد قلبا من هذا، يعني: أحمد، جعلنا نكلمه، جعل الخليفة يكلمه،
يسميه مرة ويكنيه مرة، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، أوجدني شيئا من كتاب
الله أو سنة رسوله حتى أجيبك إليه.
أبو يعقوب القراب: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، أخبرنا محمد بن
إبراهيم الصرام، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثني الحسن بن عبد العزيز
الجروي، قال: دخلت أنا والحارث بن مسكين على أحمد حدثان ضربه،
فقال لنا: ضربت فسقطت وسمعت ذاك - يعني: ابن أبي دواد - يقول: يا
أمير المؤمنين، هو والله ضال مضل. فقال له الحارث: أخبرني يوسف بن
عمر، عن مالك، أن الزهري سعي به حتى ضرب بالسياط، وقيل: علقت
كتبه في عنقه. ثم قال مالك: وقد ضرب سعيد بن المسيب، وحلق رأسه
ولحيته، وضرب أبو الزناد، وضرب محمد بن المنكدر، وأصحاب له في
حمام بالسياط. وما ذكر مالك نفسه، فأعجب أحمد بقول الحارث. قال
مكي بن عبدان: ضرب جعفر بن سليمان مالكا تسعين سوطا سنة (147).
وروي عن محمد بن أبي سمينة، عن شاباص التائب، قال: لقد
ضرب أحمد بن حنبل ثمانين سوطا، لو ضربته على فيل، لهدته.
البيهقي: أخبرنا الحاكم، حدثنا حسان بن محمد الفقيه، سمعت
295

إبراهيم بن أبي طالب، يقول: دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة غير
مرة، وذاكرته رجاء أن آخذ عنه حديثا، إلى أن قلت: يا أبا عبد الله،
حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " امرؤ القيس قائد
الشعراء إلى النار " (1). فقال: قيل: عن الزهري، عن أبي سلمة،
فقلت: من عن الزهري؟ قال: أبو الجهم، فقلت: من رواه عن أبي
الجهم؟ فسكت، فلما عاودته فيه، قال: اللهم سلم.
قال الميموني: قال لي أحمد: يا أبا الحسن، إياك أن تتكلم في مسألة
ليس لك فيها إمام.
الخلال: حدثنا المروذي، قال لي أبو عبد الله: ما كتبت حديثا إلا
وقد عملت به، حتى مر بي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، احتجم وأعطى أبا طيبة
دينارا (2)، فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا.
أخبرنا جماعة إجازة، عن ابن الجوزي، أخبرنا ابن ناصر، أنبأنا أبو
الحسين بن عبد الجبار، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، حدثنا ابن
أبي الفوارس، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم، أخبرنا أحمد بن محمد بن
عبد الخالق، حدثنا المروذي، قلت لأبي عبد الله: من مات على الاسلام
والسنة، مات على خير؟ فقال: اسكت، بل مات على الخير كله.
قال موسى بن هارون البزاز: سئل أحمد: أين نطلب البدلاء؟

(1) أخرجه أحمد في " مسنده " 2 / 228 من طريق هشيم، حدثنا أبو الجهم (وقد
تصحف في " المسند " إلى جهيم)، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وأبو الجهم
هذا قال عنه أبو زرعة: واه، وقال أحمد: مجهول، وقال ابن حبان: يروي عن الزهري ما
ليس من حديثه. وأخرجه أبو عروبة في " الأوائل "، وابن عساكر في " تاريخه "، وفي سنده
ضعيفان لا يحتج بهما.
(2) تقدم تخريجه في ص: 213 ت (1).
296

فسكت ثم قال: إن لم يكن من أصحاب الحديث، فلا أدري.
قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الادمي، أخبرنا الفضل بن زياد،
سمعت أحمد بن حنبل، يقول: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو على شفا
هلكة.
قال أبو مزاحم الخاقاني: قال لي عمي عبد الرحمن بن يحيى بن
خاقان: أمر المتوكل بمسألة أحمد عمن يقلد القضاء، فسألت عمي أن
يخرج إلي جوابه، فوجه إلي نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم نسخة الرقعة التي عرضتها على أحمد بن
محمد بن حنبل بعد أن سألته، فأجابني بما قد كتبته. سألته عن أحمد بن
رباح، فقال فيه: جهمي معروف، وانه إن قلد شيئا من أمور المسلمين،
كان فيه ضرر عليهم. وسألته عن الخلنجي (1)، فقال فيه: كذلك. وسألته
عن شعيب بن سهل، فقال: جهمي معروف بذلك. وسألته عن عبيد الله بن
أحمد، فقال: كذلك. وسألته عن المعروف بأبي شعيب، فقال:
كذلك. وسألته عن محمد بن منصور قاضي الأهواز، فقال: كان مع ابن
أبي دواد، وفي ناحيته وأعماله، إلا أنه كان من أمثلهم. وسألته عن علي بن
الجعد، فقال: كان معروفا بالتجهم، ثم بلغني أنه رجع. وسألته عن
الفتح بن سهل، فقال: جهمي من أصحاب المريسي. وسألته عن
الثلجي، فقال: مبتدع صاحب هوى. وسألته عن إبراهيم بن عتاب،
فقال: لا أعرفه إلا أنه كان من أصحاب بشر المريسي. وفي الجملة أن أهل
البدع والأهواء، لا ينبغي أن يستعان بهم في شئ من أمور المسلمين مع ما

(1) هو عبد الله بن محمد بن أبي يزيد الخلنجي، وهو ممن يقول بخلق القرآن، ومن
أصحاب أحمد بن أبي دواد. ولي قضاء الشرقية ببغداد أيام الواثق.
297

عليه رأي أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، من التمسك بالسنة والمخالفة
لأهل البدع. يقول أحمد بن محمد بن حنبل: قد سألني عبد الرحمن بن
يحيى عن جميع من في هذا الكتاب، وأجبته بما كتب، وكنت عليل العين
ضعيفا في بدني، فلم أقدر أن أكتب بخطي، فوقع هذا التوقيع في أسفل
القرطاس عبد الله ابني بأمري، وبين يدي.
ومن سيرته:
قال عبد الملك الميموني. ما رأيت عمامة أبي عبد الله قط إلا تحت
ذقنه، ورأيته يكره غير ذلك.
أبو مسلم محمد بن إسماعيل: حدثنا صالح بن أحمد، قال: مضيت
مع أبي يوم جمعة إلى الجامع، فوافقنا الناس قد انصرفوا. فدخل إلى
المسجد، وكان معنا إبراهيم بن هانئ، فتقدم أبي فصلى بنا الظهر أربعا.
وقال: قد فعله ابن مسعود بعلقمة والأسود. وكان أبي إذا دخل مقبرة، خلع
نعليه، وأمسكهما بيده.
قال يحيى بن مندة في " مناقب أحمد ": أخبرنا البيهقي، أخبرنا الحاكم،
سمعت يحيى بن منصور، سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود،
سمعت محمد بن سهل بن عسكر، يقول: كنت عند أحمد بن حنبل،
فدخل محمد بن يحيى، فقام إليه أحمد، وتعجب منه الناس، ثم قال لبنيه
وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله، فاكتبوا عنه.
إبراهيم بن محمد بن سفيان: سمعت عاصم بن عصام البيهقي،
يقول: بت ليلة عند أحمد بن حنبل، فجاء بماء فوضعه، فلما أصبح نظر
إلى الماء بحاله، فقال: سبحان الله! رجل يطلب العلم لا يكون له ورد
بالليل.
298

قال محمد بن إسماعيل الترمذي: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي
عند أحمد بن حنبل، فقال له أحمد: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قتيلة
بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد
الله ينفض ثوبه، ويقول: زنديق زنديق، ودخل البيت.
الطبراني: أنشدنا محمد بن موسى بن حماد لمحمد بن عبد الله بن
طاهر:
أضحى ابن حنبل محنة مرضية * وبحب أحمد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأحمد متنقصا * فاعلم بأن ستوره ستهتك (1)
قال عثمان بن سعيد الدارمي: رأيت أحمد بن حنبل يذهب إلى كراهية
الاكتناء بأبي القاسم (2).

(1) البيتان في " تاريخ بغداد " 4 / 420، 421، وروايته في البيت الأول: " محنة
مأمونة " بدل " مرضية ". وهما في " طبقات الشافعية " 2 / 33.
(2) اختلف أهل العلم في التكني بكنية النبي، صلى الله عليه وسلم، فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز،
وهو ظاهر حديث جابر المتفق عليه: " سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي "، روي ذلك عن
الحسن، وابن سيرين، وطاووس. وإليه ذهب الشافعي، قال: لا يجوز لاحد أن يتكنى بأبي
القاسم، سواء أكان اسمه محمدا أم لم يكن. وكره قوم الجمع بين اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، وكنيته،
وجوزوا التكني بأبي القاسم، إذا لم يكن اسمه محمدا وأحمد، لما أخرجه الترمذي (2843)
عن أبي هريرة النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، ويسمي محمدا أبا القاسم.
ولما روى أبو داود عن جابر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " من تسمى باسمي، فلا يكتن بكنيتي. ومن
اكتنى بكنيتي، فلا يسم باسمي ". وأخرج أبو داود (4966)، والترمذي (2846) بإسناد
صحيح عن علي، رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن ولد لي بعدك ولد أسميه
محمدا، وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم " وكانت رخصة لي. وقد رخص بعضهم في الجمع،
وقال: إنما كره ذلك على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، لئلا يشتبه، يروى ذلك عن مالك. وكان محمد بن
الحنفية يكنى أبا القاسم، وكان محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب،
ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن الأشعث، ومحمد بن حاطب، جمع كل واحد منهم
بين اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، وكنيته.
299

أحمد بن مروان الدينوري: حدثنا إدريس الحداد، قال: كان أحمد
ابن حنبل إذا ضاق به الامر آجر نفسه من الحاكة، فسوى لهم، فلما كان أيام
المحنة، وصرف إلى بيته، حمل إليه مال، فرده وهو محتاج إلى رغيف،
فجعل عمه إسحاق يحسب ما يرد، فإذا هو نحو خمس مئة ألف. قال:
فقال: يا عم، لو طلبناه لم يأتنا، وإنما أتانا لما تركناه.
البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير بن عبد الواحد
الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد البلدي، سمعت جعفر بن محمد
الطيالسي، يقول: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد
الرصافة، فقال قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
قالا: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة، عن أنس، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من قال: لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة طيرا، منقاره من
ذهب، وريشه من مرجان ". وأخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة (1)،
وجعل أحمد ينظر إلى يحيى، ويحيى ينظر إلى أحمد، فقال: أنت حدثته
بهذا؟ فيقول: والله ما سمعت به إلا الساعة. فسكتا حتى فرغ، وأخذ
قطاعه، فقال له يحيى بيده: أن تعال. فجاء متوهما لنوال. فقال: من
حدثك بهذا؟ فقال: أحمد وابن معين. فقال: أنا يحيى، وهذا أحمد، ما

(1) قال ابن القيم في " المنار المنيف " ص: 50: فصل: ونحن ننبه على أمور كلية
يعرف بها كون الحديث موضوعا. فمنها اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة جدا، كقوله في الحديث المكذوب: من قال لا إله إلا الله، خلق
الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يستغفرون الله له.
ومن فعل كذا وكذا، أعطي في الجنة سبعين ألف مدينة، في كل مدينة سبعون ألف قصر، في كل
قصر سبعون ألف حوراء. وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد
أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق، وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول،
صلى الله عليه وسلم، بإضافة مثل هذه الكلمات إليه.
300

سمعنا بهذا قط. فإن كان ولابد والكذب، فعلى غيرنا. فقال: أنت يحيى
ابن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما
علمت إلا الساعة. كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل
غيركما!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين غيركما.
فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما.
هذه الحكاية اشتهرت على ألسنة الجماعة، وهي باطلة. أظن البلدي
وضعها، ويعرف بالمعصوب. رواها عنه أيضا أبو حاتم بن حبان (1) فارتفعت
عنه الجهالة.
ذكر المروذي عن أحمد، أنه بقي بسامراء ثمانية أيام، لم يشرب إلا
أقل من ربع سويق.
أحمد بن بندار الشعار: حدثنا أبو يحيى بن الرازي، سمعت علي بن
سعيد الرازي، قال: صرنا مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكل، فلما
أدخلوه من باب الخاصة، قال: انصرفوا، عافاكم الله. فما مرض منا أحد
بعد ذلك اليوم.
الكديمي: حدثنا علي بن المديني، قال لي أحمد بن حنبل: إني
لأشتهي أن أصحبك إلى مكة. وما يمنعني إلا خوف أن أملك أو تملني.
فلما ودعته، قلت: أوصني، قال: اجعل التقوى زادك، وانصب الآخرة أمامك.
قال أبو حاتم: أول ما لقيت أحمد سنة ثلاث عشرة ومئتين، فإذا قد
أخرج معه إلى الصلاة " كتاب الأشربة " (2)، و " كتاب الايمان " فصلى، ولم

(1) في " المجروحين " 1 / 85.
(2) وهو مطبوع في بغداد سنة 1396 ه‍. بتحقيق الأستاذ السيد صبحي جاسم البدري.
301

يسأله أحد، فرده إلى بيته. وأتيته يوما آخر، فإذا قد أخرج الكتابين،
فظننت انه يحتسب في إخراج ذلك، لان كتاب الايمان أصل الدين، وكتاب
الأشربة صرف الناس عن الشر. فإن كل الشر من السكر.
وقال صالح: أهدى إلى أبي رجل ولد له مولود خوان (1) فالوذج،
فكافأه بسكر بدراهم صالحة.
وقال ابن وارة: أتيت أحمد، فأخرج إلي قدحا فيه سويق، وقال:
اشربه.
أنبأونا عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن مندة الحافظ
أخبرنا أبو الوليد الدربندي سنة أربعين وأربع مئة، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد
الله بن الأسود بدمشق، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر النهاوندي، حدثنا
أبو بكر محمد بن إبراهيم بن زوران لفظا، حدثنا أحمد بن جعفر
الإصطخري (2)، قال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: هذا مذاهب أهل
العلم والأثر، فمن خالف شيئا من ذلك أو عاب قائلها، فهو مبتدع. وكان
قولهم: إن الايمان قول وعمل ونية، وتمسك بالسنة، والايمان يزيد
وينقص، ومن زعم أن الايمان قول، والأعمال شرائع، فهو جهمي، ومن
لم ير الاستثناء في الايمان، فهو مرجئ، والزنى والسرقة وقتل النفس،
والشرك كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لاحد على الله حجة. إلى أن
قال: والجنة والنار خلقتا، ثم خلق الخلق لهما لا تفنيان، ولا يفنى ما فيهما
أبدا. إلى أن قال: والله تعالى على العرش، والكرسي موضع قدميه. إلى

(1) أي ما يؤكل عليه الطعام، معرب.
(2) هذه هي الرسالة التي أشار المؤلف إلى بطلانها في ص: 286، وهي مذكورة في
طبقات الحنابلة 1 / 24، 31.
302

أن قال: وللعرش حملة. ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة،
والقرآن كلام الله، فهو جهمي. ومن لم يكفره، فهو مثله. وكلم الله موسى
تكليما من فيه. إلى أن ذكر أشياء من هذا الأنموذج المنكر، والأشياء التي -
والله - ما قالها الامام. فقاتل الله واضعها. ومن أسمج ما فيها قوله: ومن
زعم أنه لا يرى التقليد، ولا يقلد دينه أحدا، فهذا قول فاسق عدو لله. فانظر
إلى جهل المحدثين كيف يروون هذه الخرافة، ويسكتون عنها (1).
الدارقطني: حدثنا جعفر الخلدي (2)، أخبرنا العباس بن يوسف،
حدثني عمي محمد بن إسماعيل بن العلاء، حدثني أبي، قال: دعاني رزق
الله بن الكلوذاني، فقدم إلينا طعاما كثيرا، وفينا أحمد، وابن معين، وأبو
خيثمة، فقدمت لوزينج أنفق عليها ثمانين درهما. فقال أبو خيثمة: هذا
إسراف. فقال أحمد بن حنبل: لو أن الدنيا في مقدار لقمة، ثم أخذها
مسلم، فوضعها في فم أخيه لما كان مسرفا. فقال له يحيى: صدقت.
وهذه حكاية منكرة.
قال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل إلى سماء الدنيا " (3)، فقال: نؤمن بها، ونصدق

(1) رحم الله المؤلف، وجزاه عن الاسلام خيرا، فهو كما وصفه تلميذه الصلاح الصفدي
2 / 163 بأنه لم يكن عنده جمود المحدثين، ولا كودنة النقلة، بل هو فقيه، له دربة بأقوال
الناس، ومذاهب الأئمة من السلف، وأرباب المقالات فهو لا يكاد يمر على حديث أو خبر في
سنده ضعف أو في متنه نكارة حتى يعلق عليه، ويبين ما فيه بأسلوب علمي متزن.
(2) هو جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص الخلدي، أبو محمد، أحد المشايخ
الصوفية، صاحب الأحوال والمجاهدات والكرامات الظاهرة. توفي في رمضان 348 ه‍. انظر
ترجمته ونسبته في " الأنساب " للسمعاني 5 / 161، 162.
(3) أخرجه البخاري 3 / 25 في التهجد: باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ومسلم
(758) في صلاة المسافرين: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، من طريق مالك،
عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني
فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ".
303

بها، ولا نرد شيئا منها، إذا كانت أسانيد صحاحا، ولا نرد على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قوله، ونعلم أن ما جاء به حق.
الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: رأيت كثيرا من العلماء
والفقهاء والمحدثين، وبني هاشم وقريش والأنصار، يقبلون أبي، بعضهم
يده، وبعضهم رأسه، ويعظمونه تعظيما لم أرهم يفعلون ذلك بأحد من
الفقهاء غيره. ولم أره يشتهي ذلك. ورأيت الهيثم بن خارجة،
والقواريري، وأبا معمر، وعلي بن المديني، وبشارا الخفاف، وعبد الله بن
عون الخراز (1)، وابن أبي الشوارب، وإبراهيم الهروي، ومحمد بن بكار،
ويحيى بن أيوب، وسريج بن يونس، وأبا خيثمة، ويحيى بن معين، وابن
أبي شيبة، وعبد الاعلى النرسي، وخلف بن هشام، وجماعة لا أحصيهم،
يعظمونه ويوقرونه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت عبد الوهاب الوراق، يقول: أبو
عبد الله إمامنا، وهو من الراسخين في العلم، إذا وقفت غدا بين يدي الله،
فسألني بمن اقتديت، أي شئ أقول؟ وأي شئ ذهب على أبي عبد الله من
أمر الاسلام؟!
وعن أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن الصيرفي، قال: نظرت فرأيت
أن أحمد أفضل من سفيان، ثم قال: أحمد لم يخلف شيئا، وكان يقدم
عثمان، وكان لا يشرب (2).

(1) بمعجمة ثم مهملة، وآخره زاي، كما في " تقريب التهذيب " 1 / 439.
(2) أي الشراب الذي يراه أهل الكوفة مباحا.
304

قال صالح بن علي الحلبي: سمعت أبا همام، يقول: ما رأى أحمد
مثل نفسه.
قال الخلال: بلينا بقوم جهال، يظنون أنهم علماء. فإذا ذكرنا
فضائل أبي عبد الله، يخرجهم الحسد، إلى أن قال بعضهم فيما أخبرني ثقة
عنه: أحمد بن حنبل نبيهم.
قال الخلال: حدثنا سليمان بن الأشعث، قال: رأيت في المنام سنة
ثمان وعشرين ومئتين، كأني في مسجد الجامع، فأقبل رجل شبه الخصي
من ناحية المقصورة، وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من
بعدي، أحمد بن حنبل وفلان (1).
قال أبو داود: لا أحفظ اسمه، فجعلت أقول في نفسي: هذا حديث
غريب. ففسرته على رجل، فقال: الخصي في المنام ملك.
قال الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت أبا عبد الله، يقول: الخوف
منعني أكل الطعام والشراب، فما اشتهيته، وما أبالي أن لا يراني أحد ولا
أراه، وإني لأشتهي أن أرى عبد الوهاب. قال لعبد الوهاب: أخمل ذكرك،
فإني قد بليت بالشهرة.
الخلال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يزيد الوراق، سمعت أحمد بن
حنبل، يقول: ما شبهت الشباب إلا بشئ كان في كمي فسقط.

(1) الذي قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حياته: " اقتدوا باللذين من بعدي، أبو بكر وعمر "
وهو حديث صحيح أخرجه أحمد 5 / 382 و 385 و 402، والترمذي (3663)، وابن ماجة
(97) عن حذيفة بن اليمان، وإسناده حسن، وصححه الحاكم 3 / 75، ووافقه الذهبي
المؤلف، وأخرجه أحمد 5 / 399 من طريق آخر لا بأس به، وصححه ابن حبان (2193)، وله
شاهد من حديث ابن مسعود عند الترمذي (3807)، والحاكم 3 / 75.
305

قال إسحاق بن هانئ: مات أبو عبد الله، وما خلف إلا ست قطع في
خرقة قدر دانقين.
قال المروذي: قال أحمد: كنت أبكر في الحديث لم يكن لي فيه
تلك النية في بعض ما كنت فيه.
وقال عبد الله: سمعت أبي، يقول: ربما أردت البكور في
الحديث، فتأخذ أمي بثوبي، وتقول: حتى يؤذن المؤذن. وكنت ربما
بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش.
وقال عباس الدوري: سمعت أحمد يقول: أول ما طلبت اختلفت
إلى أبي يوسف القاضي.
قال عبد الله: كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد الكتب، وكان
يحفظها، فقال لي مهنى: كنت أسأله فيقول: ليس ذا في كتبهم، فأرجع
إليهم، فيقولون: صاحبك أعلم منا بالكتب.
المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: ما خرجت إلى الشام إلا بعد
ما ولد لي صالح، أظن كان ابن ست سنين حين خرجت. قلت: ما أظن
خرجت بعدها؟ قال: لا. قلت: فكم أقمت باليمن؟ قال: ذهابي
ومجيئي عشرة أشهر خرجنا من مكة في صفر، ووافينا الموسم، قلت:
كتبت عن هشام بن يوسف؟ قال: لا. مات قبلنا.
عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا يزيد بن مسلم الهمداني، أنه
ابن خمس وثلاثين ومئة سنة: قدم محمد بن يوسف أخو الحجاج، وأنا ابن
خمس سنين في سنة ثلاث وسبعين.
قال المروذي: قال أبو عبد الله: فأتينا شيخا خارجا من صنعاء، كان
306

عنده. عن وهب بن منبه، كان يقال: له أربعون ومئة سنة.
قال عبد الله: سمعت أبي يقول: رأيت موسى بن عبد الله بن حسن بن
حسن، وكان رجلا صالحا.
وسمعت أبي يقول: حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، وما
لقيت في المحدثين أسن منه.
وعن أبي عبد الله، قال: أتيت يوسف بن الماجشون، وكان عنده
قريب من مئتي حديث، ولم أر معنا القزاز.
المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: ما كتبت عن أحد أكثر من
وكيع، وسمعت من عبد السلام بن حرب ثلاثين حديثا.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن أبي صيفي (1)، يحدث عن
مجاهد، قال: قد كتبنا عنه، عن مجاهد، وعن المقبري، وعن الحكم:
ليس بشئ (2). ولم أسمع من عيسى بن يونس، ورأيت سليمان المقرئ
بالكوفة، وغلام يقرأ عليه بالتحقيق والهمز (3).
وعن أبي عبد الله قال: كان إسماعيل بن مجالد هنا أدركته، ولم
أسمع منه، ورأيت الأشجعي.

(1) هو بشير بن ميمون الخراساني ثم الواسطي. قال البخاري: متهم بالوضع. وقال
الدارقطني وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال ابن
معين: اجتمعوا على طرح حديثه. وقال النسائي مرة: ضعيف، ومرة متروك.
(2) لفظ المؤلف في " الميزان ": وقال أحمد: كتبنا عنه عن مجاهد، ثم قدم علينا بعد
فحدثنا عن الحكم بن عتيبة: ليس بشئ.
(3) التحقيق والهمز شئ واحد، فيكون العطف من باب عطف الشئ على نفسه.
307

وأتيت خلف بن خليفة، فتكلم فلم أفهم عنه. كان يرعد من
الكبر.
وكتبت عن أبي نعيم في سنة خمس وثمانين.
وكتبت عن ابن مهدي نحو عشرة آلاف.
وكتبنا حديث غندر على الوجه، وأعطانا الكتب، فكنا ننسخ منها.
قال عبد الله: سمعت أبي، يقول: سمعت من عباد بن عباد سنة
ثمانين ومئة، ومن الطفاوي سنة إحدى.
وعن أحمد، قال: كتبت عن مبشر الحلبي خمسة أحاديث بمسجد
حلب، كنا خرجنا إلى طرسوس على أرجلنا.
وقال: قد أكثرت عن عمر بن هارون، ولا أروي عنه شيئا.
عبد الله بن أحمد، حدثني أبي: سمعت إسحاق بن راهويه يذكر
عن عيسى بن يونس.
الخلال: أخبرنا عصمة، حدثنا حنبل، سمعت أحمد، يقول:
سمعت من إبراهيم بن سعد سنة ثنتين وثمانين.
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: شهدت إبراهيم بن سعد وجاءه
رجل من مدينة أبي جعفر، فقال: يا أبا إسحاق (1): حدثني. فقال: كيف
أحدثك وهذا هاهنا؟ - يعنيني - فاستحييت فقمت.
وسمعت أبي، يقول: حدثتنا أم عمر ابنة حسان، عن أبيها، قال:
دخلت المسجد، فإذا علي بن أبي طالب على المنبر، وهو يقول: إنما مثلي

(1) هي كنية إبراهيم بن سعد.
308

ومثل عثمان كما قال الله: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) (1) (الأعراف:
43) و (الحجر: 47).
الخلال: أخبرنا أبو بكر بن صدقة، سمعت محمد بن عبد الرحمن
الصيرفي، قال: أتيت أحمد بن حنبل أنا وعبد الله بن سعيد الجمال،
وذاك في آخر سنة مئتين. فقال أبو عبد الله للجمال: يا أبا محمد، إن أقواما
يسألوني أن أحدث، فهل ترى ذاك؟ فسكت. فقلت: أنا أجيبك. قال:
تكلم. قلت: أرى لك إن كنت تشتهي أن تحدث، فلا تحدث، وإن كنت
تشتهي أن لاتحدث فحدث. فكأنه استحسنه.
عبد الله بن أحمد: سمعت نوح بن حبيب القومسي، يقول: رأيت
أحمد بن حنبل في مسجد الخيف سنة ثمان وتسعين، وابن عيينة حي، وهو
يفتي فتوى واسعة، فسلمت عليه.
قال عبد الله: سمعت أبي سنة (237) يقول: قد استخرت الله أن لا
أحدث حديثا على تمامه أبدا. ثم قال: إن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود) (المائدة: 1)، وإني أعاهد الله أن لا أحدث بحديث على
تمامه أبدا. ثم قال: ولا لك، وإن كنت تشتهي. فقلت له بعد ذلك بأشهر:
أليس يروى عن شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث،
عن ابن عباس، قال: " العهد يمين " (2)؟ قال: نعم. ثم سكت، فظننت

(1) جاء في تفسير الطبري 14 / 36، 37 من طرق متعددة أن الغل: العداوة. وفيه:
حدثنا الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: حدثنا السكن بن المغيرة،
قال: حدثنا معاوية بن راشد، قال: قال علي: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله:
(ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا، على سرر متقابلين).
(2) إسناده ضعيف، وشريك هو ابن عبد الله القاضي، ويزيد بن أبي زياد هو الهاشمي،
وكلاهما ضعيف.
309

أنه سيكفر. فلما كان بعد أيام قلت له في ذلك، فلم ينشط للكفارة، ثم لم
أسمعه يحدث بحديث على تمامه.
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله في العسكر، يقول لولده: قال الله
تعالى: (أوفوا بالعقود) (المائدة: 1) أتدرون ما العقود؟ إنما هو
العهود، واني أعاهد الله عز وجل، ثم قال: والله، والله، والله، وعلي
عهد الله (1) وميثاقه أن لاحدثت بحديث لقريب ولا لبعيد حديثا تاما، حتى
ألقى الله، ثم التفت إلى ولده، وقال: وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي،
ثم بلغه عن رجل من الدولة وهو ابن أكثم، أنه قال: قد أردت أن يأمره
الخليفة أن يكفر عن يمينه، ويحدث. فسمعت أبا عبد الله يقول لرجل من
قبل صاحب الكلام: لو ضربت ظهري بالسياط، ما حدثت.
ومن تواضعه:
الخلال: حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا أحمد بن الحسن
الترمذي، قال: رأيت أبا عبد الله يشتري الخبز من السوق، ويحمله في
الزنبيل، ورأيته يشتري الباقلاء غير مرة، ويجعله في خرقة، فيحمله آخذا
بيد عبد الله ابنه.
الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت أبا عبد الله، يقول: أراد ذاك

(1) قال الراغب: العهد: هو حفظ الشئ ومراعاته، ومن ثم قيل للوثيقة عهدة. ويطلق
عهد الله: على ما فطر عليه عباده من الايمان به عند أخذ الميثاق، ويراد به أيضا ما أمر به في
الكتاب والسنة مؤكدا، وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر. قال الحافظ في " الفتح "
11 / 474: وللعهد معان أخرى غير هذه كالأمان والوفاء والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة
واللقاء عن قرب والزمان والذمة، وبعضها قد يتداخل، والله أعلم. ونقل عن ابن المنذر أن من
حلف بالعهد، فحنث، لزمه الكفارة، سواء نوى أم لا عند مالك والأوزاعي والكوفيين، وبه قال
الحسن والشعبي وطاووس وغيرهم، وبه قال أحمد. وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد: لا
تكون يمينا إلا إن نوى.
310

الذي بخراسان ومات بالثغر، أن يحدث هاهنا بشئ، وكان يزيد بن هارون
حيا، فكتب إليه: إن يزيد حي، وإن قال: لا، فهو لا إلى يوم القيامة،
فلم يظهر شيئا حتى مات يزيد.
الميموني: قال لي أبو عبيد: يا أبا الحسن، قد جالست أبا يوسف
ومحمدا، وأحسبه ذكر يحيى بن سعيد، ما هبت أحدا ما هبت أحمد بن
حنبل.
من جهاده:
قال عبد الله بن محمود بن الفرج: سمعت عبد الله بن أحمد، يقول:
خرج أبي إلى طرسوس، ورابط بها، وغزا. ثم قال أبي: رأيت العلم بها
يموت.
وعن أحمد، أنه قال لرجل: عليك بالثغر، عليك بقزوين، وكانت
ثغرا.
باب
ابن عدي: حدثنا عبد المؤمن بن أحمد الجرجاني، سمعت عمار بن
رجاء، سمعت أحمد بن حنبل، يقول: طلب إسناد العلو من السنة (1).

(1) طلب علو الاسناد سنة عن الأئمة السالفين ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة
النقاد، والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلبا لعلو الاسناد. ومتى كان الاسناد
عاليا، كان أبعد من الخطأ والعلة. وأشرف أنواعه ما كان قريبا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بإسناد صحيح
نظيف خال من الضعف، بخلاف ما إذا كان فيه ضعف، فلا التفات إليه، ولا سيما إن كان فيه
بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعا من الصحابة. قال الذهبي المؤلف، فيما نقله عنه
السيوطي في " التدريب " ص: 184: متى رأيت المحدث يفرح بعوالي هؤلاء فاعلم أنه
عامي.
311

الخلال: حدثنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: قال لي رجل: من
هنا إلى بلاد الترك يدعون لك، فكيف تؤدي شكر ما أنعم الله عليك، وما
بث لك في الناس؟ فقال: أسأل الله أن لا يجعلنا مرائين.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أخبرنا موسى
ابن عبد القادر، أخبرنا سعيد بن البناء، أخبرنا علي بن البسري، أخبرنا أبو
طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، قال: سمعت أحمد بن حنبل في
سنة ثمان وعشرين ومئتين في أولها، وقد حدث حديث معاوية عن النبي،
صلى الله عليه وسلم:
" إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة " (1) فأعدوا للبلاء صبرا، فجعل
يقول: اللهم رضنا، اللهم رضنا.
أخبرنا المسلم بن علان وغيره كتابة أن أبا اليمن الكندي أخبرهم،
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا محمد بن الفرج
البزاز، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي، حدثنا جعفر بن شعيب
الشاشي، حدثني محمد بن يوسف الشاشي، حدثني إبراهيم بن أمية،
سمعت طاهر بن خلف، سمعت المهتدي بالله محمد بن الواثق، يقول:

(1) أخرجه ابن ماجة (4035) من طريق غياث بن جعفر الرحبي، أنبأنا الوليد بن مسلم،
سمعت ابن جابر يقول: سمعت أبا عبد ربه يقول: سمعت معاوية يقول: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم،
يقول: " لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة ". وإسناده صحيح، كما قال البوصيري في " الزوائد "
ورقة: 252، وصححه ابن حبان (1828)، وأخرجه أحمد في " المسند " 4 / 94 من طريق
ابن المبارك، عن ابن جابر، واسمه عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثني أبو عبد ربه، قال:
سمعت معاوية، يقول على هذا المنبر: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن ما بقي من الدنيا
بلاء وفتنة. وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله، وإذا خبث
أعلاه، خبث أسفله ". وهذا سند صحيح أيضا.
312

كان أبي إذا أراد أن يقتل أحدا، أحضرنا، فأتي بشيخ مخضوب
مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه، يعني: ابن أبي
دواد، قال: فأدخل الشيخ، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين،
فقال: لاسلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما
أدبك مؤدبك، قال الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها
أو ردوها) (النساء: 86). فقال ابن أبي دواد: الرجل متكلم.
قال له: كلمه، فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟ قال: لم ينصفني،
ولي السؤال. قال: سل، قال: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق. قال
الشيخ: هذا شئ علمه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، والخلفاء
الراشدون، أم شئ لم يعلموه؟ قال: شئ لم يعلموه. فقال: سبحان
الله! شئ لم يعلمه النبي، صلى الله عليه وسلم، علمته أنت؟ فخجل. فقال: أقلني،
قال: المسألة بحالها. قال: نعم علموه، فقال: علموه، ولم يدعوا الناس
إليه، قال: نعم. قال: أفلا وسعك ما وسعهم؟ قال: فقام أبي، فدخل
مجلسا، واستلقى، وهو يقول: شئ لم يعلمه النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر
وعمر وعثمان وعلي ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت! سبحان الله! شئ
علموه، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟! ثم أمر برفع
قيوده، وأن يعطى أربع مئة دينار، ويؤذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن
أبي دواد ولم يمتحن بعدها أحدا.
هذه قصة مليحة، وإن كان في طريقها من يجهل ولها شاهد.
وبإسنادنا إلى الخطيب: أخبرنا ابن رزقويه، أخبرنا أحمد بن سندي
الحداد، أخبرنا أحمد بن الممتنع، أخبرنا صالح بن علي الهاشمي، قال:
حضرت المهتدي بالله، وجلس لينظر في أمور المظلومين، فنظرت في
313

القصص تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، وتحرر، وتدفع
إلى صاحبها، فيسرني ذلك، فجعلت أنظر إليه ففطن، ونظر إلي،
فغضضت عنه، حتى كان ذلك مني ومنه مرارا. فقال: يا صالح، قلت:
لبيك يا أمير المؤمنين، ووثبت. فقال: في نفسك شئ تريد أن تقوله؟!
قلت: نعم. فقال: عد إلى موضعك. فلما قام، خلا بي، وقال: يا
صالح، تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما
تأمر؟ قال: أقول: إنه دار في نفسك أنك استحسنت ما رأيت منا، فقلت:
أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق - فورد علي أمر عظيم - ثم
قلت: يا نفس، هل تموتين قبل أجلك؟ فقلت: ما دار في نفسي إلا ما
قلت. فأطرق مليا، ثم قال: ويحك! اسمع، فوالله لتسمعن الحق،
فسري عني، فقلت: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة
رب العالمين. قال: ما زلت أقول: إن القرآن مخلوق صدرا من أيام
الواثق - قلت: كان صغيرا أيام الواثق. والحكاية فمنكرة - ثم قال: حتى
أقدم أحمد بن أبي دواد علينا شيخا من أذنه، فأدخل على الواثق مقيدا،
فرأيته استحيا منه، ورق له، وقربه، فسلم ودعا، فقال: يا شيخ، ناظر ابن
أبي دواد. فقال: يا أمير المؤمنين، نصبوا ابن أبي دواد، ويضعف عن
المناظرة. فغضب الواثق، وقال: أيضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال: يا
أمير المؤمنين، هون عليك، فائذن لي في مناظرته، فإن رأيت أن تحفظ علي
وعليه. قال: أفعل. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه هي
مقالة واجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى تقال فيه؟
قال: نعم. قال: فأخبرني عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم حين بعث، هل ستر شيئا
مما أمره الله به من أمر دينهم؟ قال: لا، قال: فدعا الأمة إلى مقالتك هذه؟
فسكت، فالتفت الشيخ إلى الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين، واحدة. قال:
314

نعم. فقال الشيخ: فأخبرني عن الله حين قال: (اليوم أكملت لكم
دينكم، وأتممت عليكم نعمتي) (المائدة: 3)، هل كان الصادق في
إكمال دينه، أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك هذه؟ فسكت.
فقال: أجب، فلم يجب. فقال: يا أمير المؤمنين، اثنتان. ثم قال: يا
أحمد، أخبرني عن مقالتك، أعلمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم لا؟ قال:
علمها. قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت. فقال: يا أمير المؤمنين، ثلاث.
ثم قال: يا أحمد، فاتسع لرسول الله أن يعلمها وأمسك عنه كما زعمت،
ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم. قال: واتسع ذلك لأبي بكر وعمر؟ قال:
نعم. فأعرض الشيخ، وقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمت أنه يضعف عن
المناظرة. إن لم يتسع لنا الامساك عنها، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما
اتسع لهم.
فقال الواثق: نعم، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع، ضرب بيده إلى
القيد ليأخذه، فجاذبه الحداد عليه. فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: لاني
نويت أن أوصي أن يجعل في كفني حتى أخاصم به هذا الظالم غدا.
وبكى، فبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حل، فقال:
لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكونك من
أهله. فقال له: أقم قبلنا فننتفع بك، وتنتفع بنا، قال: إن ردك إياي إلى
موضعي أنفع لك، أصير إلى أهلي وولدي، فأكف دعاءهم عليك، فقد
خلفتهم على ذلك، قال: فتقبل منا صلة؟ قال: لا تحل لي، أنا عنها
غني.
قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن أبي رجع عنها منذ
ذلك الوقت.
315

قال أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ: هذا الأذني هو أبو عبد
الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي (1).
قال إبراهيم نفطويه: حدثني حامد بن العباس، عن رجل، عن
المهتدي: أن الواثق مات، وقد تاب عن القول بخلق القرآن.
فصل
عن الحسين بن إسماعيل، عن أبيه، قال: كان يجتمع في مجلس
أحمد زهاء (2) خمسة آلاف أو يزيدون نحو خمس مئة يكتبون، والباقون
يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.
ابن بطة: سمع النجاد، يقول: سمعت أبا بكر بن المطوعي (3)،
يقول: اختلفت إلى أبي عبد الله، ثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ " المسند "
على أولاده، فما كتبت عنه حديثا واحدا، إنما كنت أنظر إلى هديه
وأخلاقه.
قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي: يقال: لم يكن أحد من
الصحابة أشبه هديا وسمتا ودلا من ابن مسعود بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وكان أشبه

(1) في الأصل: " الآذرمي " بمد الهمزة، وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من كتب
الأنساب والضبط. وهي نسبة إلى " أذرمة "، قرية من قرى نصيبين. والأذرمي هذا من شيوخ
النسائي وأبي داود وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال مسلمة في كتاب، " الصلة ": لا بأس به، وانظر
" التهذيب " 6 / 4، 5.
(2) جاء في اللسان: زهاء الشئ وزهاؤه: قدره، يقال: هم زهاء مئة وزهاء مئة، أي:
قدرها. وهم قوم ذوو زهاء، أي: ذوو عدد كثير... من زهوت القوم: إذا حزرتهم. وفي
الأصل زيادة لفظ " على " بين زهاء وخمسة آلاف.
(3) بضم الميم وفتح الطاء المشددة وكسر الواو وفي آخرها عين مهملة، هذه النسبة إلى
المطوعة، وهم جماعة فرغوا أنفسهم للغزو ومرابطة الثغور، وقصدوا جهاد العدو في بلادهم، لا
إذا قصد العدو بلاد الاسلام.
316

الناس به علقمة، وكان أشبه الناس بعلقمة إبراهيم، وكان أشبههم بإبراهيم
منصور بن المعتمر، وأشبه الناس به سفيان الثوري، وأشبه الناس به وكيع،
وأشبه الناس بوكيع فيما قاله محمد بن يونس الجمال أحمد بن حنبل.
عبد الله بن محمد الوراق: كنت في مجلس أحمد بن حنبل، فقال:
من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب، فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ
صالح، فقلنا: إنه يطعن عليك. قال: فأي شئ حيلتي، شيخ صالح قد
بلي بي.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي سئل: لم لم تسمع من إبراهيم بن
سعد كثيرا، وقد نزل في جوارك بدار عمارة (1)؟ فقال: حضرنا مجلسه مرة
فحدثنا. فلما كان المجلس الثاني، رأى شبابا تقدموا بين يدي الشيوخ،
فغضب، وقال: والله لاحدثت سنة. فمات ولم يحدث.
الخلال: أخبرني محمد بن الحسين، أخبرنا المروذي، قال: قال
جارنا فلان: دخلت على إسحاق بن إبراهيم الأمير، وفلان وفلان، ذكر
سلاطين، ما رأيت أهيب من أحمد بن حنبل، صرت إليه أكلمه في شئ،
فوقعت علي الرعدة من هيبته. ثم قال المروذي: ولقد طرقه الكلبي
- صاحب خبر السر - ليلا. فمن هيبته لم يقرعوا، ودقوا باب عمه.
وعن الميموني، قال: ما رأيت أنقى ثوبا، ولا أشد بياضا من أحمد
ابن المنادي، عن جده أبي جعفر، قال: كان أحمد من أحيى
الناس، وأكرمهم، وأحسنهم عشرة. وأدبا، كثير الاطراق، لا يسمع منه

(1) دار عمارة: في موضعين من بغداد، إحداهما في شارع المخرم من الجانب الشرقي،
والاخرى في الجانب الغربي، وقد كانت قبل أن تبنى بغداد بستانا لبعض ملوك الفرس.
317

إلا المذاكرة للحديث، وذكر الصالحين في وقار وسكون، ولفظ حسن.
وإذا لقيه إنسان، بش به، وأقبل عليه. وكان يتواضع للشيوخ شديدا،
وكانوا يعظمونه، وكان يفعل بيحيى بن معين ما لم أره يعمل بغيره من التواضع
والتكريم والتبجيل. كان يحيى أكبر منه بسبع سنين.
الخطبي (1)، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: كان أبي إذا أتى البيت
من المسجد، ضرب برجله حتى يسمعوا صوت نعله، وربما تنحنح ليعلموا
به.
الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا مهنى، قال: رأيت أبا عبد
الله مرات يقبل وجهه ورأسه، ولا يقول شيئا ولا يمتنع، ورأيت سليمان بن
داود الهاشمي يقبل رأسه وجبهته، لا يمتنع من ذلك ولا يكرهه.
وقال عبدوس العطار: وجهت بابني مع الجارية يسلم على أبي عبد
الله، فرحب به وأجلسه في حجره، وساءله، واتخذ له خبيصا، وقال
للجارية: كلي معه، وجعل يبسطه.
وقال الميموني: كان أبو عبد الله حسن الخلق، دائم البشر، يحتمل
الأذى من الجار.
علوان بن الحسين: سمعت عبد الله بن أحمد، قال: سئل أبي: لم
لا تصحب الناس؟ قال: لوحشة الفراق.

(1) بضم الخاء المعجمة، وفتح الطاء المهملة، وفي آخرها الباء الموحدة، هذه النسبة
لأبي محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي، من أهل بغداد. قال السمعاني: ظني أن
هذه النسبة إلى الخطب وإنشائها، وإنما ذكر هذا لفصاحته. كان فاضلا فهما عارفا بأيام الناس
وأخبار الخلفاء. كانت ولادته في المحرم سنة 269 ه‍، ومات في جمادى الآخرة سنة 350.
انظر ترجمته في " أنساب " السمعاني 5 / 162، 163.
318

ابن بطة: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم الحربي، سمعت
أحمد بن حنبل، يقول لأحمد الوكيعي: يا أبا عبد الرحمن: إني لأحبك،
حدثنا يحيى، عن ثور، عن حبيب بن عبيد، عن المقدام، قال: قال
النبي، صلى الله عليه وسلم: " إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه " (1).
ابن بطة: حدثنا جعفر بن محمد القافلاني، حدثنا إسحاق بن
هانئ، قال: كنا عند أحمد بن حنبل في منزله، ومعه المروذي، ومهنى،
فدق داق الباب، وقال: آلمروذي هاهنا؟ فكأن المروذي كره أن يعلم
موضعه، فوضع مهنى أصبعه في راحته، وقال: ليس المروذي هاهنا، وما
يصنع المروذي هاهنا؟ فضحك أحمد، ولم ينكر.
في معيشته:
قال ابن الجوزي: خلف له أبوه طرزا ودارا يسكنها، فكان يكري تلك
الطرز، ويتعفف بها.
قال ابن المنادي: حدثنا جدي، قال لي أحمد بن حنبل: أنا أذرع
هذه الدار، وأخرج الزكاة عنها في كل سنة. أذهب إلى قول عمر في أرض
السواد (2).

(1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4 / 130، وأخرجه أبو داود (5124) في
الأدب: باب إخبار الرجل بمحبته إليه، والترمذي (2393) في الزهد: باب ما جاء في إعلام
الحب، والبخاري في " الأدب المفرد " (542)، وصححه ابن حبان (2514)، وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح، وسكت عليه الحاكم في " المستدرك " 4 / 171 والذهبي
المؤلف.
(2) جاء في كتاب " الأموال " لأبي عبيد القاسم بن سلام، ص: 359، 360 بسنده:
أصفى عمر من السواد عشرة أصناف: أرض من قتل في الحرب، وأرض من هرب من
المسلمين، وكل أرض لكسرى، وكل أرض لأهل بيته، وكل مغيض ماء (يعني الأماكن
المنخفضة التي يجتمع فيها الماء)، وكل دير بريد. قال: فكان غلة ما أصفى سبعة آلاف
ألف.. قال أبو عبيد: فهذه كلها أرضون قد جلا عنها أهلها، فلم يبق بها ساكن، ولا لها
عامر، فكان حكمها إلى الامام.... فلما قام عثمان، رأى أن عمارتها أرد على المسلمين،
وأوفر لخراجهم من تعطيلها، فأعطاها من رأى إعطاءه على أن يعمروها، كما يعمرها غيرهم،
ويؤدوا عنها ما يجب للمسلمين عليهم.... وقد روي عن عمر التغليظ في مثل ذلك.
319

قال المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: الغلة ما يكون قوتنا،
وإنما أذهب فيه إلى أن لنا فيه شيئا. فقلت له: قال رجل: لو ترك أبو عبد الله
الغلة، وكان يصنع له صديق له، كان أعجب إلي. فقال: هذه طعمة
سوء. ومن تعود هذا، لم يصبر عنه. ثم قال: هذا أعجب إلي من غيره،
يعني: الغلة. وأنت تعلم أنها لا تقيمنا، وإنما أخذها على الاضطرار.
قال ابن الجوزي: ربما احتاج أحمد، فخرج إلى اللقاط (1).
قال الخلال: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا المروذي، قال:
حدثني أبو جعفر الطرسوسي، قال: حدثني الذي نزل عليه أبو عبد الله،
قال: لما نزل علي، خرج إلى اللقاط. فجاء وقد لقط شيئا يسيرا. فقلت
له: قد أكلت أكثر مما لقطت، فقال: رأيت أمرا استحييت منه، رأيتهم
يلتقطون، فيقوم الرجل على أربع، وكنت أزحف.
أحمد بن محمد بن عبد الخالق: حدثنا المروذي، قال أبو عبد الله:
خرجت إلى الثغر على قدمي، فالتقطت، لو قد رأيت قوما يفسدون مزارع
الناس، قال: وكنا نخرج إلى اللقاط.
قلت: وربما نسخ بأجرة، وربما عمل التكك، وأجر نفسه لجمال.
رحمة الله عليه.

(1) جاء في " اللسان "، مادة (لقط): اللقاط: السنبل الذي تخطئه المناجل، ويلتقطه
الناس. واللقاط: اسم لذلك الفعل.
320

فصل
قال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن المسلم يقول للنصراني:
أكرمك الله. قال: نعم، ينوي بها الاسلام.
وقيل: سئل أحمد عن رجل نذر أن يطوف على أربع، فقال: يطوف
طوافين، ولا يطف على أربع.
قال ابن عقيل: من عجيب ما سمعته عن هؤلاء الاحداث الجهال،
أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه محدث. قال: وهذا غاية الجهل،
لان له اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم. وربما زاد على
كبارهم.
قلت: أحسبهم يظنونه كان محدثا وبس (1)، بل يتخيلونه من بابة محدثي
زماننا. ووالله لقد بلغ في الفقه خاصة رتبة الليث، ومالك، والشافعي،
وأبي يوسف، وفي الزهد والورع رتبة الفضيل، وإبراهيم بن أدهم، وفي
الحفظ رتبة شعبة، ويحيى القطان، وابن المديني. ولكن الجاهل لا يعلم
رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره؟!!
حكاية موضوعة: لم يستحي ابن الجوزي من إيرادها، فقال: أخبرنا ابن
ناصر، أخبرنا ابن الطيوري، أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسين، أخبرنا
القاضي همام بن محمد الابلي، حدثنا أحمد بن علي بن حسين الخطيب،
حدثنا الحسين بن بكر الوراق، أخبرنا أبو الطيب محمد بن جعفر، حدثنا
عبد الله بن أحمد، قال: لما أطلق أبي من المحنة، خشي أن يجئ إليه
إسحاق بن راهويه، فرحل ليه. فلما بلغ الري. دخل مسجدا، فجاء مطر

(1) بس بمعنى: كفى وحسب. قال في " اللسان ": فارسية.
321

كأفواه القرب. فقالوا له: اخرج من المسجد لنغلقه، فأبى، فقالوا: اخرج
أو تجر برجلك، فقلت: سلاما. فخرجت، والمطر والرعد، ولا أدري أين
أضع رجلي، فإذا رجل قد خرج من داره، فقال: يا هذا: أين تمر؟
فقلت: لا أدري. قال: فأدخلني إلى بيت فيه كانون (1) فحم ولبود (2)
ومائدة، فأكلت. فقال: من أنت؟ قلت: من بغداد. قال: تعرف أحمد
ابن حنبل؟ فقلت: أنا هو، فقال: وأنا إسحاق بن راهويه.
سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت أبا زرعة، يقول: كان أحمد لا
يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن
فأجاب.
أبو عوانة: سمعت الميموني، يقول: صح عندي أن أحمد لم (3)
يحضر أبا نصر التمار لما مات، فحسبت أن ذلك لاجابته في المحنة.
وعن حجاج بن الشاعر، سمع أحمد يقول: لو حدثت عن أحد ممن
أجاب، لحدثت عن أبي معمر وأبي كريب.
قلت: لان أبا معمر الهذلي ندم، ومقت نفسه، والآخر أجروا له
دينارين بعد الإجابة، فردهما مع فقره.
الصولي: حدثنا الحسين بن قهم، حدثنا أبي، قال ابن أبي دواد
للمعتصم: يا أمير المؤمنين، هذا يزعم - يعني: أحمد، أن الله يرى في
الآخرة، والعين لا تقع إلا على محدود. فقال: ما عندك في هذا؟ قال:

(1) أي موقد.
(2) جمع لبد ولبدة ولبدة، وهي كل شعر أو صوف متلبد.
(3) في الأصل: " لما ".
322

عندي قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وروى حديث جرير: " إنكم سترون ربكم كما
ترون هذا البدر ". فقال لأحمد بن أبي دواد: ما عندك؟ فقال: أنظر في
إسناده، وانصرف، ووجه إلى ابن المديني وهو بغداد مملق، فأحضره
ووصله بعشرة آلاف درهم، وقال: يا أبا الحسن، حديث جرير في الرؤية
وذكر قصة (1).
أحمد بن علي الأبار: حدثنا يحيى بن عثمان الحربي، سمعت بشر
ابن الحارث، يقول: وددت أن رؤوسهم خضبت بدمائهم، وأنهم لم
يجيبوا.
نقل أبو علي بن البناء، عن شيخ، عن آخر، أن هذه الأبيات لأحمد
في علي:

(1) وتمامه كما في " تاريخ بغداد " 11 / 466:.... ما هو؟ قال: صحيح. قال:
فهل عندك فيه شئ؟ قال: يعفيني القاضي من هذا. فقال: يا أبا الحسن! هذه حاجة الدهر،
ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه، ولم يزل حتى قال له: في هذا الاسناد من لا يعمل
عليه، ولا على ما يرويه، وهو قيس بن أبي حازم، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه. فقبل ابن
أبي دواد ابن المديني واعتنقه. فلما كان الغد وحضروا، قال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين!
يحتج في الرؤيا بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس بن أبي حازم، وهو أعرابي بوال على
عقبيه. قال: فقال أحمد بن حنبل بعد ذلك: فحين أطلع لي هذا، علمت أنه من عمل علي ابن
المديني ".
ولقد دفع الخطيب البغدادي هذه الفرية عن علي بن المديني، فقال: أما ما حكي عن علي
ابن المديني في هذا الخبر من أن قيس بن أبي حازم لا يعمل على ما يرويه لكونه أعرابيا بوالا على
عقبيه، فهو باطل، وقد نزه الله عليا عن قول ذلك، لان أهل الأثر - وفيهم علي - مجمعون على
الاحتجاج برواية قيس بن أبي حازم وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة، وليس في
التابعين من أدرك العشرة المقدمين وروى عنهم غير قيس، مع روايته عن خلق من الصحابة سوى
العشرة. ولم يحك أحد ممن ساق خبر محنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه نوظر في حديث
الرؤية. فإن كان هذا الخبر المحكي عن ابن قهم محفوظا، فأحسب أن ابن أبي دواد تكلم في
قيس بن أبي حازم بما ذكر في الحديث، وعزا ذلك إلى علي بن المديني. وممن طعن في صحة
هذا الخبر أيضا السبكي في " الطبقات " 2 / 147. وقد سبق تخريج حديث الرؤية في الصفحة:
52 ت (1).
323

يا ابن المديني الذي عرضت له * دنيا فجاد بدينه لينالها
ماذا دعاك إلى انتحال مقالة * قد كنت تزعم كافرا من قالها
أمر بدا لك رشده فتبعته * أم زهرة الدنيا أردت نوالها
ولقد عهدتك مرة متشددا * صعب المقالة للتي تدعى لها
إن المرزى من يصاب بدينه * لامن يرزى ناقة وفصالها (1)
ابن مخلد العطار: حدثنا عمر بن سليمان المؤدب، قال: صليت
مع أحمد بن حنبل التراويح، وكان يصلي بدار عمه، فلما أوتر، رفع يديه
إلى ثدييه، وما سمعنا من دعائه شيئا، وكان في المسجد سراج على الدرجة
لم يكن فيه قناديل ولا حصير ولا خلوق.
قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: بلغني أن أحمد الدورقي أعطي
ألف دينار، فقال: يا بني، (ورزق ربك خير وأبقى) (طه: 131).
وذكرت له ابن أبي شيبة، وعبد الاعلى النرسي، ومن قدم به إلى العسكر من
المحدثين. فقال: إنما كان أياما قلائل، ثم تلاحقوا، وما تحلوا منها بكبير
شئ.
قال صالح: قال لي أبي: كانت أمك في الغلاء تغزل غزلا دقيقا،
فتبيع الأستار بدرهمين أو نحوه، فكان ذلك قوتنا.
قال صالح: كنا ربما اشترينا الشئ فنستره منه، لئلا يوبخنا عليه.
الخلال: أخبرنا المروذي، قال: رأيت أحمد بن عيسى المصري،
ومعه قوم من المحدثين، دخلوا على أبي عبد الله بالعسكر، فقال له أحمد:
يا أبا عبد الله، ما هذا الغم؟ الاسلام حنيفية سمحة، وبيت واسع. فنظر

(1) تقدم تخريج الأبيات في الصفحة: 56 ت (2).
324

إليهم، وكان مضطجعا، فلما خرجوا، قال: ما أريد أن يدخل علي
هؤلاء.
الخلال: أخبرنا محمد بن علي السمسار، حدثني إسحاق بن هانئ،
قال لي أبو عبد الله: بكر حتى نعارض بشئ من الزهد (1). فبكرت إليه،
وقلت لام ولده: أعطيني حصيرا ومخدة، وبسطت في الدهليز، فخرج أبو
عبد الله، ومعه الكتب والمحبرة، فقال: ما هذا؟! فقلت: لنجلس
عليه، فقال: ارفعه، الزهد لا يحسن إلا بالزهد. فرفعته، وجلس على
التراب.
قال: وأخبرني يوسف بن الضحاك، حدثني ابن جبلة، قال: كنت على
باب أحمد بن حنبل، والباب مجاف، وأم ولده تكلمه، وتقول: أنا معك
في ضيق، وأهل صالح يأكلون ويفعلون، وهو يقول: قولي خيرا، وخرج
الصبي معه، فبكى. فقال: ما تريد؟ قال: زبيب. قال: اذهب خذ من
البقال بحبة (2).
وقال الميموني: كان منزل أبي عبد الله ضيقا صغيرا، وينام في الحر
في أسفله.
وقال لي عمه: ربما قلت له فلا يفعل، ينام فوق. وقد رأيت موضع
مضجعه وفيه شاذكونة (3) وبرذعة (4)، قد غلب عليها الوسخ.

(1) للإمام أحمد كتاب في " الزهد "، بتصحيح عبد الرحمن بن قاسم، جمع فيه
المؤلف بعض الأحاديث في زهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعض الرسل، ثم زهد الخلفاء الراشدين
وبعض الصحابة والتابعين، وهو يقع في (400) صفحة. وقد طبع في مطبعة أم القرى، ثم
صور.
(2) الحبة: سدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من الدرهم.
(3) أي مضربة كبيرة. انظر " أنساب " السمعاني 7 / 238.
(4) أي الحلس يلقى تحت الرحل.
325

الخلال: أخبرني حامد بن أحمد، سمعت الحسن بن محمد بن
الحارث، يقول: دخلت دار أحمد، فرأيت في بهوه حصيرا خلقا ومخدة،
وكتبه مطروحة حواليه، وحب خزف. وقيل: كان على بابه مسح من شعر.
الخلال، أخبرنا المروذي، عن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري، قال
لي الأمير: إذا حل إفطار أبي عبد الله، فأرنيه. قال: فجاؤوا برغيفين:
خبز وخبازة (1)، فأريته الأمير، فقال: هذا لا يجيبنا إذا كان هذا يعفه.
قال المروذي: قال أبو عبد الله في أيام عيد: اشتروا لنا أمس باقلى،
فأي شئ كان به من الجودة. وسمعته يقول: وجدت البرد في أطرافي، ما
أراه إلا من إدامي الملح والخل.
قال أحمد بن محمد بن مسروق: قال لي عبد الله بن أحمد: دخل
علي أبي يعودني في مرضي، فقلت: يا أبة، عندنا شئ مما كان يبرنا به
المتوكل، أفأحج منه؟ قال: نعم. قلت: فإذا كان هذا عندك هكذا، فلم
لا تأخذ منه؟ قال: ليس هو عندي حرام، ولكن تنزهت عنه. رواه الخلدي
عنه.
أنبأنا ابن علان، أخبرنا أبو اليمن، أخبرنا القزاز (2)، أخبرنا الخطيب،
أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا الضبي، سمعت أحمد بن إسحاق
الضبعي، سمعت إبراهيم بن إسحاق السراج، يقول: قال أحمد بن حنبل
يوما: يبلغني أن الحارث هذا - يعني: المحاسبي - يكثر الكون عندك،
فلو أحضرته، وأجلستني من حيث لا يراني، فأسمع كلامه. قلت: السمع

(1) نبت معروف.
(2) سبقت ترجمته في الصفحة: 127 ت (2).
326

والطاعة. وسرني هذا الابتداء من أبي عبد الله، فقصدت الحارث، وسألته
أن يحضر، وقلت، تسأل أصحابك أن يحضروا. فقال: يا إسماعيل،
فيهم كثرة فلا تزدهم على الكسب (1) والتمر، وأكثر منهما ما استطعت.
ففعلت ما أمرني، وأعلمت أبا عبد الله فحضر بعد المغرب، وصعد غرفة،
واجتهد في ورده، وحضر الحارث وأصحابه، فأكلوا ثم قاموا إلى الصلاة،
ولم يصلوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت إلى قريب من
نصف الليل، وابتدأ واحد منهم، وسأل عن مسألة، فأخذ الحارث في
الكلام، وهم يسمعون. وكأن على رؤوسهم الطير، فمنهم من يبكي،
ومنهم من يزعق. فصعدت لا تعرف حال أبي عبد الله، وهو متغير الحال،
فقلت: كيف رأيت؟ قال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت
في علم الحقائق مثل كلام هذا، وعلى ما وصفت، فلا أرى لك صحبتهم،
ثم قام وخرج.
قال السلمي: سمعت أبا القاسم النصراباذي، يقول: بلغني أن
الحارث تلكم في شئ من الكلام، فهجره أحمد، فاختفى في دار مات
فيها، ولم يصل عليه إلا أربعة أنفس.
فصل
قال ابن الجوزي: كان الامام لا يرى وضع الكتب، وينهى عن كتبة
كلامه ومسائله. ولو رأى ذلك، لكانت له تصانيف كثيرة، وصنف
" المسند " وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا
المسند، فإنه سيكون للناس إماما (2). " والتفسير " وهو مئة وعشرون ألفا،

(1) بالضم فالسكون: عصارة الدهن.
(2) قال الحافظ أبو موسى المديني في " خصائص المسند " ص: 21: " وهذا الكتاب
أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير، ومسموعات وافرة، فجعل
إماما ومعتمدا، وعند التنازع ملجأ ومستندا ". ويبلغ عدد أحاديثه أكثر من ثلاثين ألف حديث.
وقال ابن كثير في " الباعث الحثيث ": " وكذلك يوجد في مسند الإمام أحمد من الأسانيد والمتون
شئ كثير مما يوازي كثيرا من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضا، وليست عندهما ولا عند
أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن
ماجة ". قلت: ولم يتوخ الإمام أحمد الصحة في " مسنده " هذا، بل روى فيه الصحيح والحسن
والضعيف، يعلم ذلك من دراسة الأسانيد والتخريج. وقد قال ابن الجوزي في " صيد
الخاطر ": " ومن نظر في كتاب " العلل " الذي صنفه أبو بكر الخلال، رأى أحاديث كثيرة كلها
في " المسند "، وقد طعن فيها أحمد. ونقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء
في مسألة النبيذ، قال: إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم،
ويدل على ذلك أن عبد الله، قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة؟
قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟ قلت: نعم. قال: الأحاديث بخلافه. قلت: قد
ذكرته في " المسند ". قال: قصدت في " المسند " المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح
عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ اليسير، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في
الحديث، لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شئ يدفعه. قال القاصي:
وقد أخبر عن نفسه كيف طريقه في " المسند "، فمن جعله أصلا للصحة، فقد خالفه، وترك
مقصده.
327

و " الناسخ والمنسوخ "، " والتاريخ "، و " حديث شعبة "، " والمقدم والمؤخر
في القرآن "، " وجوابات القرآن "، " والمناسك " الكبير والصغير، وأشياء
أخر.
قلت: وكتاب " الايمان "، وكتاب " الأشربة " (1)، ورأيت له ورقة
من كتاب " الفرائض ". فتفسيره المذكور شئ لا وجود له. ولو وجد،
لاجتهد الفضلاء في تحصيله، ولاشتهر، ثم لو ألف تفسيرا، لما كان
يكون أزيد من عشرة آلاف أثر، ولاقتضى أن يكون في خمس مجلدات.
فهذا تفسير ابن جرير الذي جمع فيه فأوعى لا يبلغ عشرين ألفا. وما ذكر
تفسير أحمد أحد سوى أبي الحسين بن المنادي. فقال في " تاريخه ": لم

(1) سبق التعريف به في الصفحة: 301 ت.
328

يكن أحد أروى في الدنيا عن أبيه من عبد الله بن أحمد، لأنه سمع منه
" المسند " وهو ثلاثون ألفا، و " التفسير " وهو مئة وعشرون ألفا، سمع
ثلثيه، والباقي وجادة (1).
ابن السماك: حدثنا حنبل، قال: جمعنا أحمد بن حنبل، أنا
وصالح وعبد الله، وقرأ علينا " المسند "، ما سمعه غيرنا. وقال: هذا
الكتاب: جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفا، فما
اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فارجعوا إليه. فإن
وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة.
قلت: في " الصحيحين " أحاديث قليلة، ليست في " المسند "،
لكن قد يقال: لا ترد على قوله. فإن المسلمين ما اختلفوا فيها، ثم ما يلزم من
هذا القول: أن ما وجد فيه أن يكون حجة، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة
مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه
موضوعة، ولكنها قطرة في بحر (2). وفي غضون المسند زيادات جمة لعبد
الله بن أحمد.
قال ابن الجوزي: وله - يعني: أبا عبد الله - من المصنفات

(1) الوجادة: هي أن يجد الشخص أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه، أم لم
يلقه ولم يسمع منه، أو أن يجد أحاديث في كتب المؤلفين المعروفين. ففي هذه الأنواع كلها لا
يجوز له أن يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان، إذا عرف الخط، ووثق منه. أو
يقول: قال فلان، أو نحو ذلك. والذي عليه المحققون من أهل العلم وجوب العمل بها عند
حصول الثقة بما يجده القارئ، أي يثق بأن هذا الخبر أو الحديث بخط الشيخ الذي يعرفه، أو
يثق بأن الكتاب الذي ينقل منه ثابت النسبة إلى مؤلفه الثقة المأمون، وأن يكون إسناد الخبر
صحيحا.
(2) للحافظ ابن حجر رسالة رد بها على من ادعى أن في المسند أحاديث موضوعة وسمها ب‍
" القول المسدد في الذب عن مسند أحمد ". وهي مطبوعة في الهند.
329

كتاب " نفي التشبيه " مجلدة، وكتاب " الإمامة " مجلدة صغيرة، وكتاب
" الرد على الزنادقة " ثلاثة أجزاء، وكتاب " الزهد " مجلد كبير، وكتاب
" الرسالة في الصلاة " - قلت: هو موضوع على الامام - قال: وكتاب
" فضائل الصحابة "
مجلدة.
قلت: فيه زيادات لعبد الله ابنه، ولأبي بكر القطيعي صاحبه.
وقد دون عنه كبار تلامذته مسائل وافرة في عدة مجلدات،
كالمروذي، والأثرم، وحرب، وابن هانئ، والكوسج، وأبي طالب،
وفوران، وبدر المغازلي، وأبي يحيى الناقد، ويوسف بن موسى الحربي،
وعبدوس العطار، ومحمد بن موسى بن مشيش، ويعقوب بن بختان،
ومهنى الشامي، وصالح بن أحمد، وأخيه، وابن عمهما حنبل، وأبي
الحارث أحمد بن محمد الصائغ، والفضل بن زياد، وأبي الحسن
الميموني، والحسن بن ثواب، وأبي داود السجستاني، وهارون الحمال،
والقاضي أحمد بن محمد البرتي، وأيوب بن إسحاق بن سافري، وهارون
المستملي، وبشر بن موسى، وأحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد،
ويعقوب بن العباس الهاشمي، وحبيش بن سندي، وأبي الصقر يحيى بن
يزداد الوراق، وأبي جعفر محمد بن يحيى الكحال، ومحمد بن حبيب
البزاز، ومحمد بن موسى النهرتيري، ومحمد بن أحمد بن واصل
المقرئ، وأحمد بن أصرم المزني، وعبدوس الحربي قديم، عنده عن
أحمد نحو من عشرة آلاف مسألة لم يحدث بها، وإبراهيم الحربي، وأبي
جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا، وجعفر بن محمد بن الهذيل
الكوفي، وكان يشبهونه في الجلالة بمحمد بن عبد الله بن نمير، وأبي شيبة
إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله مطين، وجعفر بن
330

أحمد الواسطي، والحسن بن علي الإسكافي، والحسن بن علي بن بحر بن
بري القطان، والحسين بن إسحاق التستري، والحسن بن محمد بن الحارث
السجستاني - قال الخلال: يقرب من أبي داود في المعرفة وبصر الحديث
والتفقه - وإسماعيل بن عمر السجزي الحافظ، وأحمد بن الفرات الرازي
الحافظ. وخلق سوى هؤلاء، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله.
نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة.
وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد، وفتاويه،
وكلامه في العلل، والرجال والسنة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك مالا
يوصف كثرة. ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو من مئة نفس
من أصحاب الإمام. ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه
عن رجل، عن آخر، عن آخر، عن الإمام أحمد، ثم أخذ في ترتيب
ذلك، وتهذيبه، وتبويبه. وعمل كتاب " العلم " وكتاب " العلل " وكتاب
" السنة " كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات.
ويروي في غضون ذلك من الأحاديث العالية عنده، عن أقران أحمد
من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالإمامة والتقدم. وألف
كتاب " الجامع " في بضعة عشر مجلدة، أو أكثر. وقد قال: في كتاب
" أخلاق أحمد بن حنبل " لم يكن أحد علمت عني بمسائل أبي عبد الله قط،
ما عنيت بها أنا. وكذلك كان أبو بكر المروذي، رحمه الله، يقول لي: إنه
لم يعن أحد بمسائل أبي عبد الله ما عنيت بها أنت إلا رجل بهمدان، يقال له
متويه، واسمه محمد بن أبي عبد الله، جمع سبعين جزءا كبارا. ومولد
الخلال كان في حياة الإمام أحمد، يمكن أن يكون رآه وهو صبي.
331

زوجاته وآله:
قال زهير بن صالح: تزوج جدي بأم أبي عباسة، فلم يولد له منها
سوى أبي، ثم توفيت، ثم تزوج بعدها ريحانة امرأة من العرب، فما ولدت
له سوى عمي عبد الله.
قال الخلال: سمعت المروذي: سمعت أبا عبد الله، ذكر أهله،
فترحم عليها، وقال: مكثنا عشرين سنة، ما اختلفنا في كلمة. وما علمنا
أحمد تزوج ثالثة.
قال يعقوب بن بختان: أمرنا أبو عبد الله أن نشتري له جارية، فمضيت
أنا وفوران، فتبعني أبو عبد الله، وقال: يا أبا يوسف، يكون لها لحم.
وقال زهير: لما توفيت أم عبد الله، اشترى جدي حسن، فولدت له
أم علي زينب، والحسن والحسين توأما، وماتا بالقرب من ولادتهما، ثم
ولدت الحسن ومحمدا، فعاشا نحو الأربعين. ثم ولدت بعدهما سعيدا.
قال الخلال: حدثنا محمد بن علي بن بحر، قال: سمعت حسن أم
ولد أبي عبد الله، تقول: قلت لمولاي: اصرف فرد خلخالي. قال:
وتطيب نفسك؟ قلت: نعم. فبيع بثمانية دنانير ونصف، وفرقها وقت
حملي. فلما ولدت حسنا، أعطى مولاتي كرامة درهما، فقال: اشتري
بهذا رأسا، فجاءت به، فأكلنا. فقال: يا حسن، ما أملك غير هذا
الدرهم. قالت: وكان إذا لم يكن عنده شئ، فرح يومه.
وقال يوما: أريد احتجم، وما معه شئ، فبعت نصيفا (1) من غزل

(1) في الأصل: " نصيف "، بدون ألف. وفي اللسان مادة (نصف): النصيف:
الخمار.
332

بأربعة دراهم، فاشتريت لحما بنصف، وأعطى الحجام درهما. قالت:
واشتريت طيبا بدرهم.
ولما خرج إلى سر من رأى، كنت قد غزلت غزلا لينا، وعملت ثوبا
حسنا. فلما قدم، أخرجته إليه، وكنت قد أعطيت كراءه خمسة عشر درهما
من الغلة، فلما نظر إليه، قال: ما أريده، قلت: يا مولاي، عندي غير
هذا. فدفعت الثوب إلى فوران، فباعه باثنين وأربعين درهما. وغزلت ثوبا
كبيرا، فقال: لا تقطعيه، دعيه، فكان كفنه.
وكان أسن بني أحمد بن حنبل صالح، فولي قضاء أصبهان، ومات
بها سنة خمس وستين ومئتين عن نيف وستين سنة.
يروي عن أبي الوليد الطيالسي، والكبار.
وخلف ابنين: أحدهما زهير بن صالح، محدث ثقة، مات سنة ثلاث
وثلاث مئة، والآخر أحمد بن صالح، لا أعلم متى توفي، يروي عنه ولده
محمد بن أحمد بن صالح. فمات محمد هذا سنة ثلاثين وثلاث مئة كهلا.
وأما الولد الثاني فهو الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد،
راوية أبيه، من كبار الأئمة. مات سنة تسعين ومئتين عن سبع وسبعين سنة.
وله ترجمة أفردتها.
والولد الثالث سعيد بن أحمد، فهذا ولد لأحمد قبل موته بخمسين
يوما، فكبر وتفقه، ومات قبل أخيه عبد الله.
وأما حسن ومحمد وزينب، فلم يبلغنا شئ من أحوالهم، وانقطع
عقب أبي عبد الله فيما نعلم.
333

وصية أحمد:
عن أبي بكر المروذي، قال: نبهني أبو عبد الله ذات ليلة، وكان قد
واصل، فإذا هو قاعد، فقال: هوذا يدار بي من الجوع، فأطعمني شيئا،
فجئته بأقل من رغيف، فأكله. وكان يقوم إلى الحاجة فيستريح، ويقعد
من ضعفه، حتى إن كنت لابل الخرقة، فيلقيها على وجهه لترجع إليه نفسه،
بحيث إنه أوصى، فسمعته يقول عند وصيته، ونحن بالعسكر، وأشهد
على وصيته: هذا ما أوصى به أحمد بن محمد، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
وقال عبد الله بن أحمد: مكث أبي بالعسكر ستة عشر يوما، ورأيت
مآقيه دخلتا في حدقتيه.
وقال صالح: فأوصى أبي: هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن
حنبل، فذكر الوصية وقد مرت.
مرضه:
قال عبد الله: سمعت أبي، يقول: استكملت سبعا وسبعين سنة،
ودخلت في ثمان، فحم من ليلته، ومات اليوم العاشر.
وقال صالح: لما كان أول ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين (ومئتين)،
حم أبي ليلة الأربعاء، وبات وهو محموم، يتنفس تنفسا شديدا، وكنت قد
عرفت علته، وكنت أمرضه إذا اعتل، فقلت له: يا أبة، على ما أفطرت
البارحة؟ قال: على ماء باقلى. ثم أراد القيام، فقال: خذ بيدي، فأخذت
بيده، فلما صار إلى الخلاء، ضعف، وتوكأ علي (1). وكان يختلف إليه

(1) عبارة المؤلف في " تاريخ الاسلام ": "... ضعفت رجلاه حتى توكأ علي ".
334

غير متطبب كلهم مسلمون. فوصف له متطبب قرعة تشوى، ويسقى ماءها -
وهذا كان يوم الثلاثاء، فمات يوم الجمعة - فقال: يا صالح، قلت: لبيك،
قال: لا تشوى في منزلك، ولا (في) منزل أخيك. وصار الفتح بن سهل إلى
الباب ليعوده فحجبته (1)، وأتى ابن علي بن الجعد فحبسته (2)، وكثر
الناس. فقال: فما ترى؟ قلت: تأذن لهم، فيدعون لك.
قال: أستخير الله، فجعلوا يدخلون عليه أفواجا، حتى تمتلئ
الدار، فيسألونه، ويدعون له، ويخرجون، ويدخل فوج، وكثر الناس،
وامتلا الشارع، وأغلقنا باب الزقاق.
وجاء جار لنا قد خضب، فقال أبي: إني لارى الرجل يحيى شيئا من
السنة فأفرح به (3).
فقال لي: وجه فاشتر تمرا، وكفر عني كفارة يمين. قال: فبقي في
خريقته نحو ثلاثة دراهم. فأخبرته، فقال: الحمد لله. وقال: اقرأ علي
الوصية، فقرأتها، فأقرها.
وكنت أنام إلى جنبه، فإذا أراد حاجة، حركني فأناوله، وجعل يحرك
لسانه، ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها. ولم يزل يصلي قائما، أمسكه
فيركع ويسجد، وأرفعه في ركوعه.
قال: واجتمعت عليه أوجاع الحصر، وغير ذلك، ولم يزل عقله
ثابتا، فلما كان يوم الجمعة، لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، لساعتين
من النهار، توفي.

(1) و (2) في " تاريخ الاسلام ": " فحجبه ".
(3) انظر تتمة الخبر في " تاريخ الاسلام " ص: 125، و " مناقب الإمام أحمد " ص:
403.
335

وقال المروذي: مرض أحمد تسعة أيام، وكان ربما أذن للناس،
فيدخلون عليه أفواجا، يسلمون ويرد بيده. وتسامع الناس وكثروا.
وسمع السلطان بكثرة الناس، فوكل السلطان ببابه وبباب الزقاق الرابطة
وأصحاب الاخبار، ثم أغلق بال الزقاق، فكان الناس في الشوارع
والمساجد، حتى تعطل بعض الباعة. وكان الرجل إذا أراد أن يدخل عليه،
ربما دخل من بعض الدور وطرز (1) الحاكة، وربما تسلق، وجاء أصحاب
الاخبار، فقعدوا على الأبواب.
وجاءه حاجب ابن طاهر، فقال: إن الأمير يقرئك السلام، وهو
يشتهي أن يراك. فقال: هذا مما أكره، وأمير المؤمنين قد أعفاني مما
أكره.
قال: وأصحاب الخبر يكتبون بخبره إلى العسكر، والبرد تختلف كل
يوم. وجاء بنو هاشم فدخلوا عليه، وجعلوا يبكون عليه. وجاء قوم من
القضاة وغيرهم، فلم يؤذن لهم. ودخل عليه شيخ، فقال: أذكر وقوفك
بين يدي الله، فشهق أبو عبد الله، وسالت دموعه.
فلما كان قبل وفاته بيوم أو يومين، قال: ادعوا لي الصبيان، بلسان
ثقيل. قال: فجعلوا ينضمون إليه، وجعل يشمهم ويمسح رؤوسهم،
وعينه تدمع، وأدخلت تحته الطست، فرأيت بوله دما عبيطا. فقلت
للطبيب، فقال: هذا رجل قد فتت الحزن والغم جوفه.

(1) الموضع الذي تنسج فيه الثياب، وقد تقدم في ص 319 عن ابن الجوزي أن والد
الإمام أحمد خلف له طرزا ودارا يسكنها، فكان يكري تلك الطرز.
336

واشتدت علته (1) يوم الخميس ووضأته، فقال: خلل الأصابع، فلما
كانت ليلة الجمعة، ثقل، وقبض صدر النهار، فصاح الناس، وعلت
الأصوات بالبكاء، حتى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك
والشوارع.
الخلال: أخبرني عصمة بن عصام، حدثنا حنبل، قال: أعطي
بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله، وهو في الحبس ثلاث شعرات،
فقال: هذه من شعر النبي، صلى الله عليه وسلم، فأوصى أبو عبد الله عند موته أن يجعل على
كل عين شعرة، وشعرة على لسانه. ففعل ذلك به عند موته.
وقال عبد الله بن أحمد ومطين وغيرهما: مات لاثنتي عشرة خلت من
ربيع الأول، يوم الجمعة. وقال ذلك البخاري، وعباس الدوري. فقد
غلط ابن قانع حيث يقول: ربيع الآخر.
الخلال: حدثنا المروذي، قال: أخرجت الجنازة بعد منصرف
الناس من الجمعة.
أحمد في " مسنده ": حدثنا أبو عامر، حدثنا هشام بن سعد، عن
سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يموت يوم الجمعة (أو ليلة الجمعة) إلا وقاه الله
فتنة القبر " (2).

(1) في " تاريخ الاسلام ": " عليه ".
(2) هو في " المسند " 2 / 169، وأخرجه الترمذي (1074) من طريق عبد الرحمن بن
مهدي، وأبي عامر العقدي، كلاهما عن هشام بن سعد به. وهو منقطع، لان ربيعة بن سيف
إنما يروي عن عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف له سماعا من ابن عمرو،
لكن الحديث قوي بشواهده عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وغيرهما. انظر " تحفة
الأحوذي ".
337

قال صالح بن أحمد: وجه ابن طاهر - يعني: نائب بغداد - بحاجبه
مظفر، ومعه غلامان معهما مناديل فيها ثياب وطيب، فقالوا: الأمير يقرئك
السلام، ويقول: قد فعلت ما لو كان أمير المؤمنين حاضره كان يفعله.
فقلت: أقرئ الأمير السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين قد أعفى أبا عبد
الله في حياته مما يكره، ولا أحب أن أتبعه بعد موته بما كان يكرهه، فعاد،
وقال: يكون شعاره، فأعدت عليه مثل قولي، وقد كان غزلت له الجارية ثوبا
عشاريا قوم بثمانية وعشرين درهما، ليقطع منه قميصين، فقطعنا له
لفافتين، وأخذنا من فوران لفافة أخرى (1)، فأدرجناه في ثلاث لفائف.
واشترينا له حنوطا، وفرغ من غسله، وكفناه، وحضر نحو مئة من بني
هاشم، ونحن نكفنه. وجعلوا يقبلون جبهته حتى رفعناه على السرير.
قال عبد الله: صلى على أبي محمد بن عبد الله بن طاهر، غلبنا على
الصلاة عليه، وقد كنا صلينا عليه نحن والهاشميون في الدار.
وقال صالح: وجه ابن طاهر إلي: من يصلي على أبي عبد الله؟ قلت:
أنا. فلما صرنا إلى الصحراء، إذا بابن طاهر واقف، فخطا إلينا خطوات،
وعزانا، ووضع السرير. فلما انتظرت هنية، تقدمت، وجعلنا نسوي
الصفوف (2)، فجاءني ابن طاهر، فقبض هذا علي يدي، ومحمد بن نصر
على يدي، وقالوا: الأمير. فمانعتهم فنحياني وصلى هو (3)، ولم يعلم.

(1) في الأصل: وأخذ منه فوران. والتصويب من " المناقب " ص: 412.
(2) عبارة المؤلف في " تاريخ الاسلام ": " وجعلت أسوي صفوف الناس ".
(3) وهو السنة، فإن الوالي أو نائبه أحق فيها بالإمامة ممن الولي، فقد أخرج الحاكم في
" المستدرك " 3 / 171 من طريق أبي حازم قال: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت
الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه ويقول: تقدم، فلولا أنها سنة، ما
قدمتك. وسعيد أمير على المدينة يومئذ، وكان بينهما شئ. وصحح إسناده ووافقه الذهبي
وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 31، ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " والبزار، وقال: رجاله
موثقون. وهو في " كشف الأستار " برقم (814).
338

الناس بذلك، فلما كان في الغد علموا، فجعلوا يجيؤون، ويصلون على
القبر. ومكث الناس ما شاء الله، يأتون، فيصلون على القبر.
قال عبيد الله بن يحيى بن خاقان: سمعت المتوكل، يقول لمحمد بن
عبد الله: طوبى لك يا محمد، صليت على أحمد بن حنبل، رحمة الله
عليه.
قال الخلال: سمعت عبد الوهاب الوراق، يقول: ما بلغنا أن جمعا
في الجاهلية ولا الاسلام مثله - يعني: من شهد الجنازة - حتى بلغنا أن
الموضع مسح وحزر على الصحيح، فإذا هو نحو من ألف ألف. وحزرنا
على القبور نحوا من ستين ألف امرأة، وفتح الناس أبواب المنازل في
الشوارع والدروب، ينادون من أراد الوضوء.
وروى عبد الله بن إسحاق الخراساني: أخبرنا بنان بن أحمد
القصباني (1) أنه حضر جنازة أحمد، فكانت الصفوف من الميدان إلى قنطرة
باب القطيعة. وحزر من حضرها من الرجال بثمان مئة ألف، ومن النساء
بستين ألف امرأة، ونظروا فيمن صلى العصر يومئذ في مسجد الرصافة،
فكانوا نيفا وعشرين ألفا.
قال موسى بن هارون الحافظ: يقال: إن أحمد لما مات، مسحت
الأمكنة المبسوطة التي وقف الناس للصلاة عليها، فحزر مقادير الناس
بالمساحة على التقدير ست مئة ألف أو أكثر، سوى ما كان في الأطراف
والحوالي والسطوح والمواضع المتفرقة أكثر من ألف ألف.

(1) في " تاريخ الاسلام ": " القضباني "، بالضاد المعجمة.
339

قال جعفر بن محمد بن الحسين النيسابوري: حدثني فتح بن
الحجاج، قال: سمعت في دار ابن طاهر الأمير، أن الأمير بعث عشرين
رجلا. فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل، فحزروا، فبلغ ألف ألف
وثمانين ألفا سوى من كان في السفن. رواها خشنام بن سعد (1)، فقال:
بلغوا ألف ألف وثلاث مئة ألف.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، يقول: بلغني أن
المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صلي على
أحمد، فبلغ مقام ألفي ألف وخمس مئة ألف.
وقال أبو بكر البيهقي: بلغني عن أبي القاسم البغوي أن ابن طاهر أمر
أن يحزر الخلق الذين (2) في جنازة أحمد، فاتفقوا على سبع مئة ألف نفس.
قال أبو همام السكوني: حضرت جنازة شريك، وجنازة أبي بكر بن
عياش، ورأيت حضور الناس، فما رأيت جمعا قط مثل هذا يعني: جنازة
أبي عبد الله.
قال السلمي: حضرت جنازة أبي (الفتح) (3) القواس مع
الدارقطني، فلما نظر إلى الجمع، قال: سمعت أبا سهل بن زياد، يقول:
سمعت عبد الله بن أحمد، يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا
وبينكم يوم الجنائز (4).

(1) في الأصل: " خشنام بن سعيد "، وهو خطأ وقد ذكره ابن أبي يعلى في " الطبقات "
1 / 152، وقال: نقل عن إمامنا أشياء.
(2) في " تاريخ الاسلام ": " الذي ".
(3) الزيادة من تاريخ الاسلام.
(4) قال الحافظ ابن كثير في " التاريخ " 10 / 342: " وقد صدق الله قول أحمد في هذا،
فإنه كان إمام السنة في زمانه. وعيون مخالفيه أحمد بن أبي دواد وهو قاضي قضاة الدنيا - لم يحتفل
أحد بموته، ولم يلتفت إليه. ولما مات، ما شيعه إلا قليل من أعوان السلطان. وكذلك الحارث
ابن أسد المحاسبي، مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته، لم يصل عليه
إلا ثلاثة أو أربعة من الناس، وكذلك بشر بن غياث المريسي، لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة
جدا. فلله الامر من قبل ومن بعد ".
340

قال صالح: ودخل على أبي مجاهد بن موسى، فقال: يا أبا عبد
الله، قد جاءتك البشرى، هذا الخلق يشهدون لك، ما تبالي لو وردت على
الله الساعة، وجعل يقبل يده ويبكي، ويقول: أوصني يا أبا عبد الله،
فأشار إلى لسانه. ودخل سوار القاضي، فجعل يبشره ويخبره بالرخص.
وذكر عن معتمر أن أباه قال له عند موته: حدثني بالرخص.
وقال لي أبي: جئني بالكتاب الذي فيه حديث ابن إدريس، عن أبيه،
عن طاووس، أنه كان يكره الأنين، فقرأته عليه، فلم يئن إلا ليلة وفاته (1).
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: أخرج حديث الأنين، فقرأته
عليه، فما سمع له أنين حتى مات.
وفي جزء محمد بن عبد الله بن علم الدين: سمعناه قال: سمعت عبد
الله بن أحمد يقول: لما حضرت أبي الوفاة، جلست عنده وبيدي الخرقة
لاشد بها لحييه، فجعل يغرق ثم يفيق، ثم يفتح عينيه، ويقول بيده هكذا
لابعد لابعد، ثلاث مرات. فلما كان في الثالثة، قلت يا أبة، أي شئ
هذا الذي لهجت به في هذا الوقت؟ فقال: يا بني، ما تدري؟ قلت: لا.
قال: إبليس لعنه الله قائم بحذائي، وهو عاض على أنامله، يقول: يا أحمد
فتني، وأنا أقول: لابعد حتى أموت.
فهذه حكاية غريبة، تفرد بها ابن علم، فالله أعلم.

(1) انظر التعليق رقم (1) في الصفحة: 215.
341

وقد أنبأنا الثقة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو
نعيم، حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، قال: سئل عبد الله بن
أحمد: هل عقل أبوك عند المعاينة؟ قال: نعم. كنا نوضئه، فجعل يشير
بيده، فقال لي صالح: أي شئ يقول؟ فقلت: هو ذا يقول: خللوا
أصابعي، فخللنا أصابعه ثم ترك الإشارة، فمات من ساعته.
وقال صالح: جعل أبي يحرك لسانه إلى أن توفي.
وعن أحمد بن داود الأحمسي، قال: رفعنا جنازة أحمد مع العصر،
ودفناه مع الغروب.
قال صالح: لم يحضر أبي وقت غسله غريب، فأردنا أن نكفنه،
فغلبنا عليه بنو هاشم، وجعلوا يبكون عليه، ويأتون بأولادهم فيكبونهم عليه
ويقبلونه، ووضعناه على السرير، وشددنا بالعمائم.
قال الخلال: سمعت ابن أبي صالح القنطري، يقول: شهدت
الموسم أربعين عاما، فما رأيت جمعا قط مثل هذا - يعني: مشهد أبي عبد
الله.
الخلال: سمعت عبد الوهاب الوراق، يقول: أظهر الناس في جنازة
أحمد بن حنبل السنة والطعن على أهل البدع، فسر الله المسلمين بذلك على
ما عندهم من المصيبة لما رأوا من العز وعلو الاسلام، وكبت أهل الزيغ.
ولزم بعض الناس القبر، وباتوا عنده، وجعل النساء يأتين حتى منعن.
وسمعت المروذي يقول عن علي بن مهرويه، عن خالته، قالت: ما صلوا
ببغداد في مسجد العصر يوم وفاة أحمد، وقيل: إن الزحمة دامت على القبر
أياما.
342

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا اللبان، عن
الحداد، أخبرنا أبو نعيم، سمعت ظفر بن أحمد، حدثني الحسين بن علي،
حدثني أحمد بن الوراق، حدثني عبد الرحمن بن محمد (ح) وأخبرنا ابن
الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا ابن خضير، أخبرنا ابن يوسف، أخبرنا
البرمكي، أخبرنا ابن مردك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثني أبو
بكر محمد بن عباس المكي، سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل، قال:
يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف: المسلمين،
واليهود، والنصارى، والمجوس. وأسلم يوم مات عشرون ألفا. وفي رواية
ظفر: عشرة آلاف من اليهود والنصارى والمجوس.
هذه حكاية منكرة، تفرد بنقلها هذا المكي عن هذا الوركاني، ولا
يعرف، وما ذا بالوركاني المشهور محمد بن جعفر الذي مات قبل أحمد بن
حنبل بثلاث عشرة سنة، وهو الذي قال فيه أبو زرعة: كان جارا لأحمد بن
حنبل. ثم العادة والعقل تحيل وقوع مثل هذا. وهو إسلام ألوف من الناس
لموت ولي لله، ولا ينقل ذلك إلا مجهول لا يعرف. فلو وقع ذلك، لأشتهر
ولتواتر لتوفر الهمم، والدواعي على نقل مثله. بل لو أسلم لموته مئة نفس،
لقضي من ذلك العجب. فما ظنك؟! (1).

(1) نص كلام المؤلف في " تاريخ الاسلام ": " وهي حكاية منكرة لا أعلم رواها أحد إلا
هذا الوركاني، ولاعنه إلا محمد بن العباس، تفرد بها ابن أبي حاتم، والعقل يحيل أن يقع مثل
هذا الحادث في بغداد، ولا ينقله جماعة تنعقد هممهم ودواعيهم على نقل ما هو دون ذلك بكثير،
وكيف يقع مثل هذا الامر الكبير ولا يذكره المروذي ولاصالح بن أحمد، ولا عبد الله بن أحمد،
ولا حنبل الذين حكوا من أخبار أبي عبد الله جزئيات كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، فوالله لو أسلم يوم
موته عشرة أنفس لكان عظيما، ولكان ينبغي أن يرويه نحو من عشرة أنفس، ثم انكشف لي كذب
الحكاية، بأن أبا زرعة قال: كان الوركاني يعني - محمد بن جعفر - جار أحمد بن حنبل، وكان
يرضاه، وقال ابن سعد وعبد الله بن أحمد وموسى بن هارون: مات الوركاني في رمضان سنة
ثمان وعشرين ومئتين. فظهر لك بهذا أنه مات قبل أحمد بدهر، فكيف يحكي يوم جنازة أحمد
رحمه الله ".
343

قال صالح: وبعد أيام جاء كتاب المتوكل على الله إلى ابن طاهر،
يأمره بتعزيتنا، يأمر بحمل الكتب. قال: فحملتها، وقلت: إنها لنا
سماع، فتكون في أيدينا وتنسخ عندنا. فقال: أقول لأمير المؤمنين، فلم
يزل يدافع الأمير، ولم تخرج عن أيدينا، والحمد لله.
الخلال: حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا المروذي، حدثني أبو
محمد اليماني بطرسوس، قال: كنت باليمن، فقال لي رجل: إن بنتي قد
عرض لها عارض، فمضيت معه إلى عزام باليمن، فعزم عليها،
وأخذ علي الذي عزم عليه العهد أن لا يعود، فمكث نحوا من ستة أشهر. ثم
جاءني أبوها، فقال: قد عاد إليها. قلت: فاذهب إلى العزام. فذهب إليه
فعزم عليها، فكلمه الجني، فقال: ويلك، أليس قد أخذت عليك العهد
أن لا تقربها؟ قال: ورد علينا موت أحمد بن حنبل، فلم يبق أحد من
صالحي الجن إلا حضره إلا المردة، فإني تخلفت معهم.
ومن المنامات:
وبالاسناد إلى ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، سمعت محمد بن
مهران الجمال يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم كأن عليه بردا مخططا أو
مغيرا، وكأنه بالري يريد المصير إلى الجامع. قال: فاستعبرت بعض أهل
التعبير، فقال: هذا رجل يشتهر بالخير.
وبه إلى الجمال، قال: فما أتى عليه إلا قريب حتى ورد من خبره من
أمر المحنة.
344

وبه قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبي، يقول: رأيت أحمد في
المنام، فرأيته أضخم مما كان وأحسن وجها وسحنا (1) مما كان. فجعلت
أسأله الحديث وأذاكره.
وبه قال: وسمعت عبد الله بن الحسين بن موسى، يقول: رأيت
رجلا من أهل الحديث توفي، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي،
فقلت: بالله؟! قال: بالله إنه غفر لي. فقلت بماذا غفر الله لك؟ قال:
بمحبتي أحمد بن حنبل.
وبه قال: حدثنا محمد بن مسلم، حدثني أبو عبد الله الطهراني (2)،
عن الحسن بن عيسى، عن أخي أبي عقيل، قال: رأيت شابا، توفي
بقزوين، فقلت: ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي: ورأيته مستعجلا،
فسألته، فقال: لان أهل السماوات قد اشتغلوا بعقد الألوية لاستقبال أحمد
ابن حنبل، وأنا أريد استقباله. وكان أحمد توفي تلك الأيام. قال ابن
مسلم: ثم لقيت أخا أبي عقيل، فحدثني بالرؤيا.
وبه قال: وحدثنا محمد بن مسلم، حدثنا الهيثم بن خالويه، قال:
رأيت السندي في النوم، فقلت: ما حالك؟ قال: أنا بخير، لكن اشتغلوا
عني بمجئ أحمد بن حنبل.
أخبرنا علي بن عبد الدائم، أخبرنا محمد بن يوسف بن مسافر، أخبرنا
عبد المغيث بن زهير، وأبو منصور بن حمدية، وأخوه محمد، قالوا: أخبرنا

(1) السحنة والسحناء، ويحركان: لين البشرة، والهيئة واللون، وهو المقصود هنا.
(2) بكسر الطاء المهملة، وسكون الهاء، وفتح الراء، وفي آخرها النون، نسبة إلى
طهران، وهي قرية كبيرة على باب أصفهان، كذا في " أنساب " السمعاني، لوحة 373 / ب
و 374 / أ.
345

أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبي أبو علي، أخبرنا عبيد الله بن أحمد الأزهري،
حدثنا محمد بن العباس، أن ابن مخلد أخبرهم، أخبرنا يزيد بن خالد بن
طهمان، أخبرنا القواريري عبيد الله بن عمر، قال: جاءني شيخ فخلا بي،
فقال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، قاعدا، ومعه أحمد بن نصر، فقال: على فلان
لعنة الله ثلاث مرات، وعلى فلان وفلان، فإنهما يكيدان الدين وأهله،
ويكيدان أحمد بن حنبل والقواريري، وليس يصلان إلى شئ منهما إن شاء
الله. ثم قال: اقرأ أحمد والقواريري السلام، وقل لهما: جزاكما الله عني
خيرا وعن أمتي.
وبه قال أبو علي: أخبرنا الحسين بن محمد الناقد، حدثنا محمد بن
العباس، حدثنا ابن أبي داود، حدثني أبي، قال: رأيت في المنام أيام
المحنة، كأن رجلا خرج من المقصورة، وهو يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
" اقتدوا باللذين من بعدي: أحمد بن حنبل وفلان " (1)، وقال: نسيت
اسمه إلا أنه كان أيام قتل أحمد بن نصر، يعني: اقتدوا في وقتكم هذا.
وبه: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ، أخبرنا أبو بكر
الآجري، أخبرنا عبد الله بن العباس الطيالسي، حدثنا بندار ومحمد بن
المثنى، قالا: كنا نقرأ على شيخ ضرير. فلما أحدثوا ببغداد القول بخلق
القرآن، قال الشيخ: إن لم يكن القرآن مخلوقا، فمحى الله القرآن من
صدري. فلما سمعنا هذا، تركناه فلما كان بعد مدة لقيناه، فقلنا: يا
فلان، ما فعل القرآن؟ قال: ما بقي في صدري منه شئ. قلنا: ولا (قل
هو الله أحد) قال: ولا (قل هو الله أحد)، إلا أن أسمعها من غيري
يقرؤها.

(1) انظر التخريج رقم (1) في الصفحة: 305.
346

أخبرنا أبو حفص بن القواس، أنبأنا الكندي، أخبرنا عبد الملك
الكروخي (1)، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا محمد بن عبد الجليل،
أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم (ح)، وقال أبو محمد الخلال: أخبرنا عبيد الله
ابن عبد الرحمن الزهري، قالا: أخبرنا أحمد بن محمد بن مقسم، سمعت عبد
العزيز بن أحمد النهاوندي، سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، سمعت
أبي، يقول: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: يا رب، ما أفضل ما تقرب
به إليك المتقربون؟ قال: بكلامي يا أحمد. قلت: يا رب، بفهم، أو بغير
فهم؟ قال: بفهم وبغير فهم.
وفي " الحلية " بإسناد إلى إبراهيم بن خرزاد، قال: رأى جار لنا كأن
ملكا نزل من السماء، معه سبعة تيجان، فأول من توج من الدنيا أحمد بن
حنبل.
أبو عمر بن حيويه: حدثنا علي بن إبراهيم الشافعي، حدثنا أبو بكر
محمد بن الحسين، حدثنا عزرة بن عبد الله، وطالوت بن لقمان، قالا:
سمعنا زكريا بن يحيى السمسار، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في المنام،
على رأسه تاج مرصع بالجوهر، في رجليه نعلان، وهو يخطر بهما. قلت:
ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وأدناني، وتوجني بيده بهذا التاج، وقال
لي: هذا بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق. قلت: ما هذه الخطرة التي
لم أعرفها لك في دار الدنيا؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
أبو حاتم بن حبان: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد المروزي،

(1) ضبطه السمعاني في " الأنساب "، لوحة 481 / أ بضم الكاف والراء، أما المؤلف
فقد ضبطه في " العبر " 4 / 131 بفتح الكاف وضم الراء، وتابعه عليه ابن العماد في " شذرات
الذهب " 4 / 148، وفي معجم ياقوت: كروخ بفتح الكاف: بلدة بينها وبين هراة عشرة فراسخ
ينسب إليها أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي المتوفى سنة 548 ه‍ بمكة.
347

حدثنا محمد بن الحسن السلمي، سمعت طالوت بن لقمان، فذكرها.
مسبح بن حاتم العكلي: حدثنا إبراهيم بن جعفر المروذي، قال:
رأيت أحمد بن حنبل، يمشي في النوم مشية يختال فيها، قلت: ما هذه
المشية يا أبا عبد الله؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
عن المروذي، قال: رأيت أحمد في النوم، وعليه حلتان
خضراوان، وعلى رأسه تاج من النور، وإذا هو يمشي مشية لم أكن أعرفها،
فقلت: ما هذا؟ قال هذه مشية الخدام في دار السلام. وذكر القصة في
إسنادها المفيد.
وفي " الحلية ": أخبرنا أبو نصر الحنبلي، أخبرنا عبد الله بن أحمد
النهرواني، حدثنا أبو القاسم القرشي، حدثنا المروذي بنحو منها.
أبو عبد الله بن خفيف الصوفي: حدثنا أبو القاسم القصري، سمعت
ابن خزيمة بالإسكندرية، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم لما مات
يتبختر، فقلت: ما هذه المشية؟ قال: مشية الخدام في دار السلام.
فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني، وألبسني نعلين من
ذهب، وقال: يا أحمد، هذا بقولك: القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد،
لم كتبت عن حريز بن عثمان؟ وذكر حكاية طويلة منكرة. ومن أين يلحق
أحمد حريزا؟!.
أنبأنا ابن قدامة، عن ابن الجوزي، أخبرنا المبارك بن علي، أخبرنا
سعد الله بن علي بن أيوب، حدثنا هناد بن إبراهيم، أخبرنا أحمد بن عمر،
حدثنا أحمد بن الحسن التكريتي، حدثنا أبو بكر التميمي، حدثنا عبد الله
ابن بهرام، رأيت أحمد بن حنبل في النوم، وعليه نعلان من ذهب، وهو
يخطر، الحكاية...
348

.. ثم رواها بطولها ابن الجوزي بإسناد آخر مظلم إلى علي بن محمد
القصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن، أنه رأى ذلك.
وقال شيخ الاسلام الأنصاري: سمعت بعض أهل " باخرز " وهي من
نواحي نيسابور، يقول: رأيت كأن القيامة قد قامت، وإذا برجل على فرس
به من الحسن ما الله به عليم، ومناد ينادي: ألا لا يتقدمنه اليوم أحد. فقلت: من
هذا؟ قالوا: أحمد بن حنبل.
قال أبو عمرو بن السماك: حدثنا محمد بن أحمد بن مهدي، حدثنا
أحمد بن محمد الكندي، قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام، فقلت:
ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي. وقال يا أحمد: ضربت في؟ قلت:
نعم. قال: هذا وجهي، فانظر إليه. قد أبحتك النظر إليه.
وروى مثلها شيخ الاسلام بإسناد مظلم إلى عبد الله بن أحمد، أنه رأى
نحو ذلك.
وفي " مناقب أحمد " لشيخ الاسلام بإسناد مظلم إلى علي بن
الموفق، قال: رأيت كأني دخلت الجنة، فإذا بثلاثة: رجل قاعد على مائدة
قد وكل الله به ملكين: فملك يطعمه، وملك يسقيه، وآخر واقف على باب
الجنة ينظر في وجوه قوم فيدخلهم الجنة، وآخر واقف في وسط الجنة
شاخص ببصره إلى العرش، ينظر إلى الرب تعالى. فقلت لرضوان: من
هؤلاء؟ قال: الأول بشر الحافي، خرج من الدنيا وهو جائع عطشان،
والواقف في الوسط هو معروف، عبد الله شوقا للنظر إليه، فأعطيه. والواقف
على باب الجنة فأحمد بن حنبل، أمر أن ينظر في وجوه أهل السنة،
فيدخلهم الجنة.
349

وذكر شيخ الاسلام بإسناد طويل عن محمد بن يحيى الرملي قاضي
دمشق، قال: دخلت العراق والحجاز، وكتبت، فمن كثرة الاختلاف لم
أدر بأيها آخذ، فقلت: اللهم اهدني. فنمت، فرأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد
أسند ظهره إلى الكعبة، وعن يمينه الشافعي، وأحمد بن حنبل، وهو يتبسم
إليهما. فقلت: يا رسول الله، بم آخذ؟ فأومأ إلى الشافعي وأحمد،
وقال: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) (الانعام: 89)،
وذكر القصة.
أبو بكر بن أبي داود: حدثنا علي بن إسماعيل السجستاني، قال:
رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس جاؤوا إلى قنطرة، ورجل يختم
ويعطيهم. فمن جاء بخاتم جاز. فقلت: من هذا الذي يعطي الناس
الخواتيم؟ قالوا: أحمد بن حنبل.
الخلال: حدثنا عبد الرحيم بن محمد المخرمي، سمعت إسحاق بن
إبراهيم لؤلؤا، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقلت: يا أبا عبد
الله، أليس قد مت؟ قال: بلى، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي
ولكل من صلى علي. قلت: فقد كان فيهم أصحاب بدع، قال: أولئك
أخروا.
أبو بكر بن شاذان، حدثنا يحيى بن عبد الوهاب بن أبي عصمة،
حدثنا علي بن الحسين، حدثنا بندار، قال: رأيت أحمد بن حنبل في
النوم كالمغضب، فقلت: مالي أراك مغضبا؟ قال: وكيف لا أغضب،
وجاءني منكر ونكير، يسألاني من ربك؟ فقلت: ولمثلي يقال هذا؟ فقالا:
صدقت يا أبا عبد الله، ولكن بهذا أمرنا.
الطبراني: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل، حدثنا أبو جعفر محمد
350

ابن الفرج جار أحمد بن حنبل، قال: لما نزل بأحمد ما نزل، دخل علي
مصيبة، فأتيت في منامي، فقيل لي: ألا ترضى أن يكون أحمد عند الله
بمنزلة أبي السوار العدوي، أو لست تروي خبره.؟
قال محمد بن الفرج: حدثنا علي بن عاصم، عن بسطام بن مسلم،
عن الحسن، قال: دعا بعض مترفي هذه الأمة أبا السوار العدوي، فسأله
عن شئ من أمر دينه، فأجابه بما يعلم، فلم يوافقه ذلك، فقال: وإلا أنت
برئ من الاسلام. قال: إلى أي دين أفر؟ قال: وإلا امرأته طالق. قال:
فإلى من آوي بالليل؟ فضربه أربعين سوطا. قال: فأتيت أبا عبد الله،
فأخبرته بذلك، فسر به. رواها عبد الله بن أحمد، عن محمد بن الفرج
مختصرة.
وأبو السوار: هو حسان بن حريث، يروي عن علي وغيره. قال حماد
ابن زيد، عن هشام، قال: كان أبو السوار يعرض له الرجل، فيشتمه،
فيقول: إن كنت كما قلت إني إذا لرجل سوء.
أبو نعيم: حدثنا محمد بن علي بن حبيش، أخبرنا عبد الله بن إسحاق
المدائني، حدثني أبي، قال: رأيت في المنام، كأن الحجر الأسود
انصدع. وخرج منه لواء، فقلت: ما هذا؟ فقيل: أحمد بن حنبل قد بايع
الله عز وجل.
جماعة سمعوا سلمة بن شبيب، يقول: كنا جلوسا مع أحمد بن
حنبل، إذ جاءه رجل، فقال: من منكم أحمد بن حنبل؟ فسكتنا، فقال:
أنا أحمد، ما حاجتك؟ قال: صرت إليك من أربع مئة فرسخ برها وبحرها،
جاءني الخضر في منامي، فقال: تعرف أحمد بن حنبل؟ قلت: لا.
قال: ائت بغداد، وسل عنه، وقل له: إن الخضر يقرئك السلام، ويقول: إن
351

ساكن السماء الذي على عرشه راض عنك، والملائكة راضون عنك بما صيرت
نفسك لله. فقال أحمد: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ألك حاجة غير هذه؟ قال: ما
جئتك إلا لهذا. وانصرف.
رواها أبو نعيم، عن أبي الشيخ، حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن
بحر، حدثنا سلمة بهذا.
ورواها عبد الله بن محمد الحامض، عن محمد بن أحمد بن حسين
المروزي، سمع سلمة بنحوها.
ورواها شيخ الاسلام بإسناد له عن الحسن بن إدريس، عن سلمة.
ورواها الخطيب، عن ابن أبي الفوارس، عن أبي حيويه، عن محمد
ابن حفص الخطيب، أخبرنا محمد بن أحمد بن داود المؤدب عن سلمة.
وتروى بإسناد عن حنبل عن سلمة مختصرة. وقال: إن الله باهى
بضربك الملائكة.
الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثني حبيش بن أبي
الورد، قال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقال: يا نبي الله، ما بال
أحمد بن حنبل؟ قال: سيأتيك موسى عليه السلام فسله، فإذا أنا بموسى،
فسألته، فقال: أحمد بن حنبل بلي في السراء والضراء، فوجد صادقا،
فألحق بالصديقين.
الخلال: حدثنا أبو يحيى الناقد، سمعت حجاج بن الشاعر،
يقول: رأيت عمالي في المنام، كان قد كتب عن هشيم، فسألته عن أحمد
ابن حنبل، فقال: ذاك من أصحاب عمر بن الخطاب.
قال الخلال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني عبد الله بن أبي قرة،
352

قال: رأيت في النوم كأني دخلت الجنة، فإذا قصر من فضة، فانفتح
بابه، فخرج أحمد بن حنبل، وعليه رداء من نور، فقال لي: قد جئت؟ قلت:
نعم. فلم يزل يردد حتى انتهيت.
قال: ورأيت في النوم جبال المسك، والناس مجتمعون وهم يقولون:
قد جاء الغازي، فدخل أحمد بن حنبل متقلدا السيف، ومعه رمح، فقال:
هذه الجنة.
ولقد جمع ابن الجوزي فأوعى من المنامات في نحو من ثلاثين ورقة.
وأفرد ابن البناء جزءا في ذلك. وليس أبو عبد الله ممن يحتاج تقرير ولايته إلى
منامات، ولكنها جند من جند الله، تسر المؤمن ولا سيما إذا تواترت.
قال الخلال: حدثني أحمد بن محمد بن محمود، قال: كنت في
البحر مقبلا من ناحية السند في الليل، فإذا هاتف يقول: مات العبد
الصالح، فقلت لبعض من معنا: من هذا؟ قال: هذا من صالحي الجن.
ومات أحمد تلك الليلة.
قال الخلال: وسمعت إبراهيم الحربي، يقول: قال علي بن
الجهم: لما قدمت من عمان، أرسينا إلى جزيرة، وقوم جاؤوا من
العراق، إنما نستعذب الماء. قال: فسمعت صيحة وتكبيرا وصياحا.
قال: قلت: ما هذا؟ قال: فقال: قد مات خير البغداديين، يعنون:
عالمهم أحمد بن حنبل.
الخلال: حدثنا محمد بن العباس، سمعت عبيد بن شريك،
يقول: مات مخنث، فرئي في النوم، فقال: قد غفر لي، دفن عندنا أحمد
ابن حنبل، فغفر لأهل القبور.
353

الخلال: أخبرني علي بن إبراهيم بالرقة، حدثنا نصر بن عبد الملك
السنجاري، حدثنا الأثرم، سمعت أبا محمد فوران، يقول: رأى إنسان
رؤيا، قال: رأيت أحمد بن حنبل، فقلت: إلى ما صرت؟ قال: أنا مع
العشرة. قلت: أنت عاشر القوم، قال: لا. أنا حادي عشر.
الخلال: حدثنا عبد الله بن إسماعيل، حدثنا محمد بن يعقوب
الوزان، حدثنا الحسين بن علي الأذرمي، حدثنا بندار بن بشار، قال:
رأيت سفيان الثوري، فقلت: إلى ما صرت؟ قال: إلى أكثر مما أملت.
فقلت: ما هذا في كمك؟ قال: در وياقوت، قدمت علينا روح أحمد بن
حنبل، فأمر الله أن ينثر عليه ذلك، فهذا نصيبي.
الخلال: حدثنا محمد بن حصين، قال: بلغني أن أحمد بن حنبل
لما مات فوصل الخبر إلى " الشاش "، سعى بعضهم إلى بعض، فقال:
قوموا حتى نصلي على أحمد ابن حنبل كما صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، على
النجاشي (1). فخرجوا إلى المصلى، فصفوا، فصلوا عليه.

(1) صلاة النبي، صلى الله عليه وسلم، على النجاشي رواها جماعة من الصحابة، رضوان الله عليهم،
فقد أخرجه البخاري 3 / 163، ومسلم (951)، وأبو داود (3204)، والطيالسي
(2300)، وابن ماجة (1534)، والنسائي 4 / 70، والترمذي (1022) من حديث أبي
هريرة. ورواه البخاري 3 / 163، ومسلم (952)، والنسائي 4 / 69، والطيالسي
(1681)، وأحمد 3 / 295 من حديث جابر، ورواه مسلم (953)، والنسائي 4 / 70، وابن
ماجة (1535)، والطيالسي (749)، وأحمد 4 / 431 و 433، والترمذي (1039) من
حديث عمران بن حصين. ورواه الطيالسي (1068)، وأحمد 4 / 7 عن حذيفة بن أسيد. ورواه
أحمد 4 / 64 و 5 / 376 عن مجمع بن جارية الأنصاري. ورواه ابن ماجة (1538) عن عبد الله
ابن عمر. قال ابن القيم في " زاد المعاد " 1 / 519: ولم يكن من هديه وسنته، صلى الله عليه وسلم، الصلاة
على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين، وهم غيب، فلم يصل عليهم. وصح
أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت. ثم ذكر ابن القيم بعد ذلك اختلاف العلماء في هذه
المسألة، ونقل عن شيخه ابن تيمية أن الصواب فيها أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه،
صلي عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، على النجاشي، لأنه مات بين الكفار، ولم
يصل عليه. وإن صلي عليه حيث مات، لم يصل عليه صلاة الغائب، لان الفرض قد سقط
بصلاة المسلمين عليه. والنبي، صلى الله عليه وسلم، صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له
موضع، وهذا له موضع.
قلت: وقد سبقه إلى هذا التفصيل الإمام أبو سليمان الخطابي في " معالم السنن ".
واستحسن قول الخطابي من الشافعية الروياني.
354

الرواية عنه:
قرأت على أبي العباس أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي، مفتي
دمشق، وخطيبها، عن الامام أبي حفص عمر بن محمد السهروردي، ثم
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق المقرئ، قال: أخبرنا عمر بن
محمد في سنة عشرين وست مئة، أخبرنا أبو المظفر هبة الله بن أحمد
الشبلي (ح)، وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية،
أخبرنا محمد بن أحمد بن عمر، أخبرنا محمد بن عبيد الله المجلد، قالا:
أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن
عبد الرحمن الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أحمد بن محمد
ابن حنبل بن هلال بن أسد أبو عبد الله الشيباني، قال: حدثنا يحيى بن
سعيد، عن شعبة، قال: أخبرني أبو جمرة، قال: سمعت ابن عباس،
يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأمرهم
بالايمان بالله عز وجل، قال: " تدرون ما الايمان بالله؟ " قالوا: الله ورسوله
أعلم. قال: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام
الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من
المغنم " (1). متفق عليه، وأخرجه أبو داود عن أحمد.

(1) هو في " المسند " 1 / 228، وأخرجه البخاري 1 / 120، 125 في الايمان: باب
أداء الخمس من الايمان، ومسلم (17) في الايمان: باب الأمر بالايمان بالله تعالى ورسوله،
صلى الله عليه وسلم، وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وأبو داود (3692) في الأشربة: باب في
الأوعية.
355

قرأت على الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل النابلسي
بمسجده، وقرأت بدمشق على يوسف بن أحمد بن عالية الحجار، قالا:
أخبرنا أبو نصر موسى بن عبد القادر سنة ثماني عشرة وست مئة، أخبرنا أبو
القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن، أخبرنا علي بن أحمد البندار (1)، أخبرنا أبو
طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن
محمد بن حنبل، وعبيد الله القواريري، قالا: حدثنا معاذ بن هشام،
حدثني أبي عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلا أتى النبي،
صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، إني شيخ كبير يشق علي القيام، فمرني بليلة لعل
الله يوفقني فيها لليلة القدر، فقال: " عليك بالسابعة " (2). لفظ أحمد بن
حنبل. قال عبد الله البغوي: ولا أعلم روى هذا الحديث بهذا الاسناد غير
معاذ.
أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي عمر في كتابه، أخبرنا حنبل

(1) هو علي بن أحمد بن محمد بن علي، أبو القاسم البندار، المعروف بابن البسري.
وقد ولد سنة 386 ه‍. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 11 / 325.
(2) هو في " المسند " 1 / 240، ورجاله ثقات. وقال الحافظ في " الفتح " 4 / 229
بصدد تعيين ليلة القدر: القول الحادي والعشرون أنها ليلة سبع وعشرين، وهو الجادة من مذهب
أحمد، ورواية عن أبي حنيفة، وبه جزم أبي بن كعب، وحلف عليه، كما أخرجه مسلم. وروى
مسلم أيضا من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، قال: تذاكرنا ليلة القدر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
أيكم يذكر حين طلع القمر كأنه شق جفنة؟ قال أبو الحسن الفارسي: أي ليلة سبع وعشرين، فإن
القمر يطلع فيها بتلك الصفة. وروى الطبراني من حديث ابن مسعود: سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
عن ليلة القدر، فقال: أيكم يذكر ليلة الصهباوات؟ قلت: أنا، وذلك ليلة سبع وعشرين.
ولأحمد من حديثه مرفوعا: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. ولابن المنذر: من كان متحريها،
فليتحرها ليلة سبع وعشرين. وعن جابر بن سمرة نحوه، أخرجه الطبراني في " أوسطه ". وعن
معاوية نحوه، أخرجه أبو داود.
356

ابن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا الحسن بن علي الواعظ، أخبرنا
أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا ابن نمير،
حدثنا سفيان، عن سمي، عن النعمان بن أبي عياش الزرقي، عن أبي سعيد،
قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يصوم عبد يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك
اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا " (1)، أخرجه النسائي عن عبد الله فوافقناه (2)
بعلو درجتين.
من الطهارة للخلال:
حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: رأيت أبي إذا بال له مواضع يمسح بها
ذكره، وينتره مرارا كثيرة، ورأيته إذا بال، استبرأ استبراء شديدا.
حدثني محمد بن أبي هارون، حدثنا إسحاق بن إبراهيم: رأيت أبا
عبد الله إذا بال، يشد على فرجه خرقة قبل أن يتوضأ.
حدثنا عبد الله بن أحمد، قال أبي: إذا كانت تعاهده الأبردة، فإنه
يسبغ الوضوء، ثم ينتضح، ولا يلتفت إلى شئ يظن أنه خرج منه، فإنه
يذهب عنه، إن شاء الله.
حدثني جماعة، قالوا: أخبرنا حنبل، قال: رأيت أبا عبد الله إذا خرج
من الخلاء، تردد في الدار، ويقعد قعدة قبل أن يتوضأ، فظننت أنه يريد
بذلك الاستبراء.

(1) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 3 / 26 و 59، والنسائي 4 / 174 في الصيام: باب
ذكر الاختلاف على سفيان الثوري فيه، وأخرجه البخاري 6 / 35، ومسلم (1153) من طريق
النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد.
(2) الموافقة: هي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، أي الطريق التي
تصل إلى ذلك التصنيف المعين.
357

وقلت لأبي عبد الله: إني أجد بلة بعد الوضوء، فقال: ضع يدك في
سفلتك، واسلت ما ثم حتى ينزل، وتتردد قليلا، واله عنه، ولا تجعل ذلك
من همك، فإن ذلك من الشيطان يوسوس.
حدثني منصور بن الوليد، قال: أخبرنا جعفر بن محمد، سمعت أبا
عبد الله، يقول - يعني: الذي يبول: إذا نتره ثلاث مرات، أرجو أنه
يجزئه.
قال: وسألت إسحاق بن راهويه عن الاستبراء وهو قاعد، فرأى أن
الاستبراء كذلك، وذهب إلى ثلاث مرات، ولم يذهب إلى المشي.
79 - إسحاق بن راهويه * (خ، م، د، س)
هو الامام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، أبو يعقوب.
فأنبأني أبو الغنائم القيسي، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا
الخطيب، قال: حدثني أبو الخطاب العلاء بن أبي المغيرة بن أحمد بن
حزم، عن ابن عمه أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، قال: هو
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن

* التاريخ الكبير 1 / 379، التاريخ الصغير 1 / 368، الجرح والتعديل 2 / 209،
210، حلية الأولياء 9 / 234، الفهرست: 286، تاريخ بغداد 6 / 345، 355، طبقات
الفقهاء " للشيرازي ": 78، طبقات الحنابلة 1 / 109، الأنساب 6 / 56، 57، وفيات
الأعيان 1 / 199، 201، تهذيب الكمال، ورقة: 80، 82، ميزان الاعتدال 1 / 182،
183، تذكرة الحفاظ 2 / 433، العبر 1 / 426، الوافي بالوفيات 8 / 386، 388، طبقات
الشافعية 2 / 83، 89، البداية والنهاية 10 / 317، تهذيب التهذيب 1 / 216، 219، النجوم
الزاهرة 2 / 290، طبقات الحفاظ: 188، 189، خلاصة تذهيب الكمال: 27، طبقات
المفسرين 1 / 102، الرسالة المستطرفة: 65، شذرات الذهب 2 / 89، تهذيب ابن عساكر
2 / 409، 414.
358

غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة
ابن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي ثم الحنظلي
المروزي، نزيل نيسابور.
قلت: مولده في سنة إحدى وستين ومئة.
وسمع من ابن المبارك، فما أقدم على الرواية عنه، لكونه كان
مبتدئا، لم يتقن الاخذ عنه، وقد ارتحل في سنة أربع وثمانين ومئة، ولقي
الكبار، وكتب عن خلق من أتباع التابعين، وسمع الفضل بن موسى السيناني،
والفضيل بن عياض، ومعتمر بن سليمان، وعبد العزيز بن عبد الصمد
العمي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبا خالد الأحمر، وجرير بن
عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وأبا تميلة يحيى بن
واضح، وعتاب بن بشير الجزري، وأبا معاوية الضرير، ومرحوم بن عبد
العزيز، وعبد الله بن وهب، ومخلد بن يزيد، وحاتم بن إسماعيل، وعمر
ابن هارون البلخي، ومحمد بن جعفر غندرا، والوليد بن مسلم، وإسماعيل
ابن علية، ووكيع بن الجراح، وبقية بن الوليد، وحفص بن غياث، وعبد
الله بن إدريس، والوليد بن مسلم، وشعيب بن إسحاق، وعبد الاعلى بن
عبد الأعلى السامي، والنضر بن شميل، ومحمد بن فضيل، ويزيد بن
هارون، وأسباط بن محمد، وعبد الوهاب الثقفي، ويحيى بن سعيد
القطان، وأبا بكر بن عياش، وعبيدة بن حميد، وعبد الرحمن بن مهدي،
وعبد الرزاق، وأمما سواهم بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام.
حدث عنه: بقية بن الوليد، ويحيى بن آدم، وهما من شيوخه، وأحمد
ابن حنبل، ويحيى بن معين، وهما من أقرانه، وإسحاق بن منصور،
ومحمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج في
359

" صحيحيهما "، وأبو داود، والنسائي في " سننهما "، ومحمد بن عيسى
السلمي في " جامعه "، وأحمد بن سلمة، وإبراهيم بن أبي طالب، وموسى
ابن هارون، ومحمد بن نصر المروزي، وداود بن علي الظاهري، وعبد الله
ابن محمد بن شيرويه، وولده محمد بن إسحاق، وجعفر الفريابي، وإسحاق
ابن إبراهيم البشتي، بشين معجمة، والحسين بن محمد القباني، ومحمد ابن
النضر الجارودي، وأبو العباس الحسن بن سفيان، وأبو العباس السراج خاتمة
أصحابه، وخلق سواهم.
وقد وقع لي حديثه عاليا.
فأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله
الكاتب، أخبرنا محمد بن عمر الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي،
ومحمد بن علي، قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا أبو الفضل عبيد
الله بن عبد الرحمن الزهري، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا
إسحاق بن راهويه، أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا الأوزاعي، عن هارون
ابن رئاب، أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة، خطب إليه رجل ابنته،
فقال له: إني قد قلت فيه قولا شبيها بالعدة، وإني أكره أن ألقى الله بثلث
النفاق (1).
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، عن عبد الرحيم بن عبد

(1) هذا المعنى منتزع من حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري 1 / 83، 84 في
الايمان: باب علامة المنافق، ومسلم (59) في الايمان: باب بيان خصال المنافق، بلفظ:
" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ". وأخرجه البخاري
1 / 84، ومسلم (58) من حديث عبد الله بن عمرو، بلفظ: " أربع من كن فيه، كان منافقا
خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان،
وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ".
360

الكريم الشافعي في كتابه من مرو، قال: أخبرنا سعيد بن حسين الريوندي
سنة أربع وأربعين وخمس مئة، أخبرنا الفضل بن المحب، وأخبرنا أحمد عن
عبد الرحيم، أخبرنا هبة الرحمان بن عبد الواحد، أخبرنا جدي أبو القاسم
القشيري، قالا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد القنطري، أخبرنا محمد
ابن إسحاق السراج، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا المعتمر، سمعت
أبي يحدث عن أبي مجلز، عن أنس، رضي الله عنه، قال: " قنت رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان، ويقول: عصية
عصت الله ورسوله ". أخرجه مسلم (1) عن إسحاق، فوافقناه بعلو درجة.
أخبرنا عبد الله بن يحيى المفيد في كتابه، أخبرنا إبراهيم بن بركات،
أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا أبو بكر
الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحكم،
حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن شجاع، حدثني بقية، عن
إسحاق بن راهويه، أخبرنا المعتمر، عن ابن فضاء، عن أبيه، عن علقمة
ابن عبد الله، عن أبيه، قال: " نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن كسر سكة
المسلمين الجائزة بينهم " (2).
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب بنت عبد الرحمن، أخبرنا
إسماعيل بن أبي القاسم سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، أخبرنا عبد الغافر بن

(1) رقم (677) (299) في المساجد: باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا
نزلت بالمسلمين نازلة.
(2) إسناده ضعيف لضعف محمد بن فضاء وجهالة أبيه، وأخرجه أحمد في " المسند "
3 / 419، وأبو داود (3449)، وابن ماجة (2263) كلهم من طريق المعتمر بن سليمان، عن
محمد بن فضاء، عن أبيه، عن علقمة بن عبد الله، عن أبيه، عبد الله المزني، رضي الله عنه.
والسكة: أراد بها الدراهم والدنانير المضروبة. والجائزة بينهم، أي: النافعة في
معاملاتهم.
361

محمد الفارسي سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله
الأصبهاني سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين
الماسرجسي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عيسى بن يونس، عن
الأعمش، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاعدا تحت
نخلة، فهاجت ريح، فقام فزعا. فقيل له، فقال: " إني تخوفت
الساعة " (1) إسناده ثقات لكن الأعمش مدلس مع أنه قد رأى أنس بن مالك،
وحكى عنه.
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا أبو الفرج بن عبد السلام، أخبرنا
أبو الفضل الأرموي، وأبو غالب بن الداية، وأبو عبد الله الطرائفي، أخبرنا
محمد بن أحمد، أخبرنا عبيد الله الزهري، أخبرنا جعفر الفريابي، حدثنا
إسحاق بن راهويه، أخبرنا النضر بن شميل، أخبرنا أبو معشر، عن سعيد
هو المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ثلاث من كن فيه فهو
منافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " قال رجل: يا
رسول الله، ذهبت اثنتان، وبقيت واحدة؟ قال: " فإن عليه شعبة من نفاق، ما
بقي فيه منهن شئ " (2).
هذا حديث حسن الاسناد. وأبو معشر نجيح السندي صدوق في نفسه،
وما هو بالحجة. و (أما) المتن، فقد رواه جماعة عن أبي هريرة.

(1) رجاله ثقات، كما قال المؤلف، لكن الأعمش لم يسمع من أنس، وإن كان رآه.
(2) أخرجه الفريابي في " صفة النفاق وذم المنافقين " الصفحة: 48، 49 عام، أو:
1، 2 خاص. وأبو معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، ضعيف. لكن الحديث
ثابت عن أبي هريرة من غير طريقه، فقد أخرجه البخاري 1 / 83، 84 في الايمان: باب علامات
المنافق، من طريق أبي الربيع، سليمان بن داود العتكي، ومسلم (59) في الايمان: باب
خصال المنافق، من طريق يحيى بن أيوب، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني،
عن نافع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن أبي هريرة.
362

وفيه دليل على أن النفاق يتبعض ويتشعب، كما أن الايمان ذو شعب
ويزيد وينقص، فالكامل الايمان من اتصف بفعل الخيرات، وترك المنكرات
وله قرب ماحية لذنوبه، كما قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله
وجلت قلوبهم) (الأنفال: 2) إلى قوله: (أولئك هم المؤمنون حقا)
(الأنفال: 4) وقال: (قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون: 1) إلى قوله:
(أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس) (المؤمنون: 10 و 11) ودون
هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ودونهم
عصاة المسلمين، ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى
وبالشفاعة. ألا تسمع إلى الحديث المتواتر " أنه يخرج من النار من في قلبه
وزن ذرة من إيمان " (1) وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور
والغدر والرياء، وطلب العلم ليقال، وحب الرئاسة والمشيخة، وموادة
الفجار والنصارى. فمن ارتكبها كلها، وكان في قلبه غل النبي صلى الله عليه وسلم، أو
حرج من قضاياه، أو يصوم رمضان غير محتسب، أو يجوز أن دين النصارى
أو اليهود دين مليح، ويميل إليهم. فهذا لا ترتب في أنه كامل النفاق، وأنه
في الدرك الأسفل من النار، وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من
قيامه إلى الصلاة كسلان، وأدائه الزكاة وهو كاره، وإن عامل الناس
فبالمكر والخديعة، قد اتخذ إسلامه جنة، نعوذ بالله من النفاق، فقد خافه
سادة الصحابة على نفوسهم.
فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال، فله قسط من المقت حتى
يدعها، ويتوب منها، أما من كان في قلبه شك من الايمان بالله ورسوله،

(1) أخرجه من حديث أنس، البخاري 1 / 95، 96 في الايمان: باب زيادة الايمان
ونقصانه، و 13 / 395 في التوحيد: باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم
(193) (325) و (326) في الايمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
363

فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار، كما أن من في قلبه جزم بالايمان
بالله ورسله وملائكته وكتبه وبالمعاد، وإن اقتحم الكبائر، فإنه ليس بكافر،
قال تعالى: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) (التغابن: 2)
وهذه مسألة كبيرة جليلة، قد صنف فيها العلماء كتبا، وجمع فيها الإمام أبو
العباس (1) شيخنا مجلدا حافلا قد اختصرته. نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا
إيماننا حتى نوافيه به.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي، سمعت إسحاق بن
راهويه يحدث عن عيسى بن يونس، قال: لو أردت أبا بكر بن أبي مريم على
أن يجمع لي فلانا وفلانا لفعل، يعني: يقول: عن راشد بن سعد، وحبيب
ابن عبيد، وضمرة، ثم قال عبد الله: ما روى أبي عن إسحاق سوى هذا.
قال موسى بن هارون: قلت لإسحاق: من أكبر أنت أو أحمد بن
حنبل؟ قال: هو أكبر مني في السن وغيره. ثم قال موسى: كان مولد
إسحاق سنة ست وستين ومئة فيما يرى موسى.
قلت: قد قدمنا أن مولده قبل هذا بمدة، فموسى لم يحرر ذلك.
قال محمد بن رافع: قال لي إسحاق: كتب عني يحيى بن آدم ألفي
حديث.
قال حاشد بن إسماعيل: سمعت وهب بن جرير، يقول: جزى الله
إسحاق بن راهويه، وصدقة بن الفضل، ويعمر عن الاسلام خيرا، أحيوا
السنة بالمشرق.

(1) يقصد ابن تيمية، وكتابه الذي أشار إليه هو " منهاج السنة "، ومختصره الذي اختصره
المؤلف أسماه: " المنتقى من منهاج الاعتدال ". وقد طبع بتحقيق محب الدين الخطيب.
364

قلت: يعمر: هو ابن بشر.
قال أبو حاتم البستي في مقدمة كتاب " الضعفاء " (1): أخبرنا محمد بن
عمر بن محمد الهمذاني، حدثنا أبو يحيى المستملي، حدثنا أبو جعفر
الجوزجاني، حدثني أبو عبد الله البصري، قال: أتيت إسحاق بن راهويه،
فسألته شيئا، فقال: صنع الله لك. قلت: لم أسألك صنع الله، إنما
سألتك صدقة، فقال: لطف الله لك، قلت لم أسألك لطف الله، إنما
سألتك صدقة. فغضب وقال: الصدقة لا تحل لك. قلت: ولم؟ قال: لان
جريرا حدثنا عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي " (2).
فقلت: ترفق، يرحمك الله، فمعي حديث في كراهية العمل. قال
إسحاق: وما هو؟ قلت: حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق، عن أفشين،
عن إيتاخ، عن سيماء الصغير، عن عجيف بن عنبسة، عن زغلمج بن أمير
المؤمنين، أنه قال: العمل شؤم، وتركه خير، تقعد تمنى خير من أن تعمل
تعنى (3). فضحك إسحاق، وذهب غضبه. وقال: زدنا. فقلت: وحدثنا

(1) انظر " الضعفاء " لأبي حاتم 1 / 78 وقد جاء فيه الخبر مصحفا، فيصحح من هنا.
(2) أخرجه الترمذي (652) في الزكاة: باب ما جاء في من لا تحل له الصدقة،
والطيالسي 1 / 177، وأبو داود (1634) في الزكاة: باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى،
وعبد الرزاق (7152) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قال: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي "، وسنده قوي. وله شاهد من
حديث أبي هريرة عند النسائي 5 / 99، وابن ماجة (1839)، ولا بأس في سنده في الشواهد.
والمرة: القوة، وأصلها من شدة فتل الحبل، يقال: أمررت الحبل، إذا أحكمت فتله.
والسوي: الصحيح الأعضاء، الذي ليس به عاهة.
(3) في " المجروحين والضعفاء " لأبي حاتم البستي 1 / 87: " قال إسحاق: وما هو؟
قلت: حدثني ابن عبد الله الصادق الناطق، عن أقتبير، عن بتناخ، عن سيماء الصغير، عن
عجيف بن عنبسة، عن زعلمج بن أمير المؤمنين أنه قال: العمل شؤم، وتركه خير، تقعد تهنى
خير من أن تعمل تقنى ".
365

الصادق الناطق بإسناده عن عجيف، قال: قعد زغلمج في جلسائه،
فقال: أخبروني بأعقل الناس، فأخبر كل واحد بما عنده، فقال: لم
تصيبوا. بل أعقل الناس الذي لا يعمل، لان من العمل (يجئ) (1) التعب،
ومن التعب يجئ المرض، ومن المرض يجئ الموت، ومن عمل، فقد
أعان على نفسه. والله يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم) (النساء: 29) فقال:
زدنا من حديثك. فقال: وحدثني (أبو عبد الله) (2) الصادق الناطق بإسناده
عن زغلمج، قال: من أطعم أخاه شواء (3)، غفر الله له عدد النوى، ومن
أطعم أخاه هريسة، غفر له مثل الكنيسة، ومن أطعم أخاه جنب (4)، غفر الله
له كل ذنب. فضحك إسحاق، وأمر له بدرهمين ورغيفين. أوردها ابن
حبان، ولم يضعفها.
قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق يقول: قال لي الأمير الأمير عبد الله بن
طاهر: لم قيل لك: ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك
ذلك؟ قال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة، فقالت المراوزة:
راهويه، لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا. وأما أنا، فلا أكرهه.
قال الحاكم: أخبرني الحسن بن خالد بن محمد الصائغ، حدثنا نصر
ابن زكريا، سمعت إسحاق بن إبراهيم، يقول: سألني يحيى بن معين، عن
حديث الفضل بن موسى...، حديث ابن عباس: " كان النبي، صلى الله عليه وسلم:
يلحظ في الصلاة، ولا يلوي عنقه خلف ظهره " (5).

(1) و (2) الزيادتان من " الضعفاء " لابن حبان 1 / 87.
(3) في " الضعفاء ": " تمرا ".
(4) كذا الأصل، والوجه " جنبا " وحذفت الألف لمراعاة " ذنب " والجنب: شق الشاة،
وفي " الضعفاء " 1 / 88: جنبا.
(5) أخرجه أحمد 1 / 275 و 306، والنسائي 3 / 9 في السهو: باب الرخصة في الالتفات
في الصلاة، والترمذي (587) في الصلاة: باب ما ذكر في الالتفات، من طرق عن الفضل بن
موسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح، وصححه الحاكم 1 / 236، ووافقه الذهبي المؤلف.
366

قال: فحدثته به، فقال له رجل: يا أبا زكريا، رواه وكيع بخلاف
هذا. فقال: اسكت إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتشك فيه؟
وعن محمد بن يحيى الصفار، قال: لو كان الحسن البصري في
الاحياء، لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة.
وقال الحاكم: سمعت يحيى بن محمد العنبري، سمعت محمد بن
أحمد بن بالويه، سمعت إسحاق، يقول: دخلت على ابن طاهر، وإذا
عنده إبراهيم بن أبي صالح، فقال له: يا إبراهيم، ما تقول في غسيل
الثياب؟ قال: فريضة، قال: من أين تقول؟ قال من قوله تعالى:
(وثيابك فطهر) (المدثر: 4) فكأن عبد الله بن طاهر استحسنه.
فقلت: أعز الله الأمير، كذب هذا. أخبرنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن
سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وثيابك فطهر) قال: قلبك فنقه (1).
وأخبرنا روح، حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة: (وثيابك فطهر)
(المدثر: 4) قال: عملك فأصلحه. ثم ذكر إسحاق قول ابن عباس:
" من قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار " (2). فقال ابن طاهر: يا

(1) اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك
على معصية. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أصلح عملك. وقال آخرون: بل معنى ذلك:
اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة. انظر " تفسير الطبري " 29 / 144، 147.
(2) أخرجه الطبري في " تفسيره " 1 / 35 من طريق محمد بن حميد، عن الحكم بن
بشير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عبد الأعلى بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. ومحمد
ابن حميد ضعيف، وكذا عبد الأعلى وهو ابن عامر التغلبي. وقد رواه ابن جرير 1 / 34،
والترمذي (2951)، وأحمد في " المسند " (2069)، كلهم من طريق عبد الأعلى، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد قال الإمام أحمد في عبد الأعلى هذا:
ضعيف الحديث، ربما رفع الحديث، وربما وقفه. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال
النسائي: ليس بالقوي ويكتب حديثه. وقال ابن عدي. يحدث بأشياء لا يتابع عليها. وقال ابن
سعد: كان ضعيفا في الحديث. وقال ابن معين: ليس بذاك القوي، وتحسين الترمذي لحديثه
هذا من تساهله. وأخرجه أيضا ابن جرير 1 / 35 موقوفا، عن ابن عباس، من طريق محمد بن
حميد، عن جرير بن عبد الحميد، عن ليث بن أبي سليم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وسنده ضعيف لضعف محمد بن حميد وليث بن أبي سليم.
367

إبراهيم، إياك أن تنطق في القرآن بغير علم.
قال قائل: ما دلت الآية على واحد من الأقوال المذكورة، بل هي نص
في غسل النجاسة من الثوب، فنعوذ بالله من تحريف كتابه.
قال الحاكم: حدثنا أبو زكريا العنبري، حدثنا أحمد بن سلمة،
سمعت إسحاق، يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: بلغني أنك شربت
البلاذر (1) للحفظ؟ قلت: ما هممت بذلك، ولكن أخبرني معتمر بن
سليمان، قال: أخبرنا عثمان بن ساج، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن
عباس، قال: خذ مثقالا من كندر، ومثقالا من سكر، فدقهما ثم اقتحمهما
على الريق، فإنه جيد للنسيان والبول. فدعا عبد الله بقرطاس فكتبه.
وسمعت العنبري، سمعت أبي، سمعت عبد الله بن محمد الفراء
قال: دخلت على يحيى بن يحيى، فسألته عن إسحاق، فقال: ليوم من
إسحاق أحب إلى من عمري.
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: رحم الله إسحاق، ما كان أفقهه
وأعلمه.

(1) البلاذر: هو ثمرة شجرة، في داخله شئ شبيه بالدم، وهذا هو المستعمل منه. جيد
لفساد الذهن، وجميع الاعراض الحادثة في الدماغ من البرودة والرطوبة " المعتمد في الأدوية
المفردة ": 31.
368

قال داود بن الحسين البيهقي: سمعت إسحاق الحنظلي، وسئل عن
الجماعة: أفريضة هي؟ قال: نعم (1).
عبد الله بن أبي الخوارزمي: سمعت إسحاق الحنظلي، يقول: أخرجت
خراسان ثلاثة لا نظير لهم في البدعة والكذب: جهم، وعمر بن صبيح، ومقاتل.
محمد بن صالح بن هانئ: سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني،
يقول: كنت في مجلس إسحاق، فسأله سلمة بن شبيب عمن يحدث
بالاجر؟ قال: لا تكتب عنه.
أخبرنا حكام بن سلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال:
مكتوب في الكتب: علم مجانا كما علمت مجانا.
بخط أبي عمرو المستملي: سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب،
سمعت إسحاق بن إبراهيم، وسئل عن رجل ترك (بسم الله الرحمن
الرحيم)، فقال: من ترك " ب "، أو " س " أو " م " منها، فصلاته فاسدة،
لان الحمد سبع آيات.
وقال ابن المبارك: من تركها، فقد ترك مئة وثلاث عشرة آية من كتاب
الله تعالى.
قال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى،
سكن نيسابور، ومات بها. وقيل: إن أصله مروزي، خرج إلى العراق في

(1) وقد ذهب إلى فرضيتها عينا في جميع الصلوات عطاء، والأوزاعي، والحنابلة، وأبو
ثور، وابن خزيمة، وابن حبان، وداود، وأهل الظاهر. ونقل الطحطاوي في " حاشيته " على
" مراقي الفلاح "، الصفحة: 187، عن صاحب " البدائع "، أن عامة مشايخ الحنفية على
وجوب صلاة الجماعة، وبه جزم في " التحفة " وغيرها. وذكر عن جامع الفقه أنه أعدل الأقوال
وأقواها. وقد استوفي الإمام ابن القيم أدلة الفرضية في كتابه النفيس: " الصلاة "، فراجعه.
369

سنة أربع وثمانين، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.
قال محمد بن نعيم: سمعت إسحاق الحنظلي، يقول: أدخل
الحمام، وأنا شيخ، وأخرج وأنا شاب.
قال الحاكم: أصحاب إسحاق عندنا على ثلاث طبقات: فالأولى
محمد بن يحيى، وإبراهيم بن عبد الله السعدي، ومحمد بن عبد الوهاب
العبدي، وأحمد بن يوسف السلمي، وإسحاق بن إبراهيم العفصي، وعلي
ابن الحسن الداربجردي. وحامد بن أبي حامد المقرئ، وخشنام بن الصديق،
وعبد الله بن محمد الفراء، ويحيى بن الذهلي.
الطبقة الثانية: مسلم بن الحجاج، وسرد جماعة.
الطابقة الثالثة: خاتمتهم أبو العباس السراج.
قال حرب الكرماني: قلت لإسحاق (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا
هو رابعهم) (المجادلة: 7) كيف تقول فيه؟ قال: حيثما كنت، فهو
أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه، وأبين شئ في ذلك قوله:
(الرحمن على العرش استوى) (طه: 5).
وقال أبو بكر المروذي، حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري، حدثنا أبو داود
سليمان بن داود الخفاف، قال: قال إسحاق بن راهويه: إجماع أهل العلم أنه
تعالى على العرش استوى، ويعلم كل شئ في أسفل الأرض السابعة.
قال نعيم بن حماد: إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن
راهويه، فاتهمه في دينه.
وقال أحمد بن حفص السعدي، شيخ ابن عدي: سمعت أحمد بن
370

حنبل، يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا
في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا (1).
وقال محمد بن أسلم الطوسي، حين مات إسحاق: ما أعلم أحدا كان
أخشى لله من إسحاق، يقول الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده
العلماء) (2) (فاطر: 28). قال: وكان أعلم الناس. ولو كان سفيان
الثوري في الحياة، لاحتاج إلى إسحاق.
وقال أحمد بن سعيد الرباطي: لو كان الثوري والحمادان في الحياة،
لاحتاجوا إلى إسحاق في أشياء كثيرة.
قال أبو محمد الدارمي: ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه.
قال محمد بن إسحاق السراج: أنشد رجل على قبر إسحاق، فقال:

(1) وهكذا يكون عظماء الرجال في اتساع صدورهم، وتقدير جهود غيرهم، والإشادة
بفضلهم. فان اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة
طبيعية في شريعة الاسلام، لان أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف مما أراده الله تعالى
ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والابداع. ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي
تحفل به المكاتب الاسلامية من المؤلفات المتنوعة. واختلافهم في القرآن إنما هو في بعض ما
استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه، لخفاء في دلالته بسبب من الأسباب، كالاشتراك
في لفظه، والتخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من
الأسباب المبينة في مظانها. واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث
وما يراد منها، كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على
الحديث صحة وضعفا، فيرى بعضهم صحيحا ما يراه الآخر ضعيفا، إلى غير ذلك من أسباب
الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم. وأما الآيات التي وردت في ذم الخلاف،
والنهي عنه، والتحذير منه، فالمراد منه الخلاف المذموم الذي ينجم عنه التعصب والحقد وطعن
الخصم في عرضه ودينه والافتئات عليه بما هو منه برئ.
(2) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه
كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء
الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر ". انظر
تفسير الآية بتوسع في " تفسير ابن كثير والبغوي " 7 / 60.
371

وكيف احتمالي للسحاب صنيعه * بإسقائه قبرا وفي لحده بحر (1)
قال السراج: أخبرني عبد الله بن محمد، سمعت أبا عبد الله
البخاري، يقول:
قال علي بن حجر: لم يخلف إسحاق يوم فارق مثله بخراسان علما
وفقها.
بيض الله وجهه ووقاه * فزعا يوم القمطرير وهوله
وأثاب الفردوس من قال آمين * وأعطاه يوم يلقاه سؤله (2)
قال أبو نعيم الحافظ: كان إسحاق قرين أحمد، وكان للآثار مثيرا،
ولأهل الزيغ مبيرا (3)
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله، وسئل عن إسحاق بن راهويه،
فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام.
وعن الإمام أحمد أيضا، قال: لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيرا.
قال النسائي: ابن راهويه أحد الأئمة، ثقة مأمون. سمعت سعيد
ابن ذؤيب، يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق.
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: والله لو كان إسحاق في التابعين، لأقروا
له بحفظه وعلمه وفقهه.
علي بن خشرم: حدثنا ابن فضل، عن ابن شبرمة، عن الشعبي،

(1) أورد البيت أبو نعيم في " الحلية " 9 / 234.
(2) البيتان في " حلية الأولياء " 9 / 234.
(3) أي مهلكا. ومنه الحديث المخرج في مسلم: " يخرج من ثقيف كذاب ومبير ".
372

قال: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط
إلا حفظته. قال علي: فحدثت بهذا إسحاق بن راهويه، فقال: تعجب من
هذا؟ قلت: نعم. قال: ما كنت أسمع شيئا إلا حفظته، وكأني أنظر إلى
سبعين ألف حديث - أو قال: أكثر - في كتبي.
قال أبو داود الخفاف: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: لكأني
أنظر إلى مئة ألف حديث في كتبي، وثلاثين ألفا أسردها. قال: وأملى علينا
إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفا، ولا
نقص حرفا. هذه الحكاية رواها الحافظ ابن عدي، عن يحيى بن زكريا بن
حيويه، سمع أبا داود فذكرها. فهذا والله الحفظ.
وعن إسحاق بن راهويه، قال: ما سمعت شيئا إلا وحفظته، ولا
حفظت شيئا قط فنسيته.
أبو يزيد محمد بن يحيى: سمعت إسحاق، يقول: أحفظ سبعين
ألف حديث عن ظهر قلبي.
وقال أحمد بن سلمة: سمعت أبا حاتم الرازي، يقول: ذكرت لأبي
زرعة حفظ إسحاق بن راهويه، فقال أبو زرعة: ما رئي أحفظ من إسحاق،
ثم قال أبو حاتم: والعجب من إتقانه، وسلامته من الغلط مع ما رزق من
الحفظ. فقلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه. قال: وهذا
أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد
التفسير وألفاظها.
وقال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ: فاتني عن إسحاق مجلس من
مسنده، وكان يمله حفظا، فترددت إليه مرارا ليعيده، فتعذر فقصدته يوما
373

لأسأله إعادته، وقد حملت إليه حنطة من الرستاق، فقال لي: تقوم عندي
وتكتب وزن هذه الحنطة، فإذا فرغت، أعدت لك. ففعلت ذلك، فسألني
عن أول حديث من المجلس، ثم اتكأ على عضادة الباب، فأعاد المجلس
حفظا. وكان قد أملى " المسند " كله حفظا.
قال البرقاني: قرأنا على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الخوارزمي بها،
حدثكم عبد الله بن أبي القاضي، سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: تاب
رجل من الزندقة، وكان يبكي، ويقول: كيف تقبل توبتي، وقد زورت
أربعة آلاف حديث تدور في أيدي الناس؟
قال أبو عبد الله بن الأخرم: سمعت محمد بن إسحاق بن راهويه،
يقول: دخلت على أحمد بن حنبل، فقال: أنت ابن أبي يعقوب؟ قلت:
بلى. قال: أما إنك لو لزمته، كان أكثر لفائدتك، فإنك لم تر مثله.
قال قتيبة بن سعيد: الحفاظ بخراسان: إسحاق بن راهويه، ثم عبد
الله الدارمي، ثم محمد بن إسماعيل.
وقال أحمد بن يوسف السلمي: سمعت يحيى بن يحيى، يقول:
قالت لي امرأتي: كيف تقدم إسحاق بين يديك، وأنت أكبر منه؟ قلت:
إسحاق أكثر علما مني، وأنا أسن منه.
قال عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت أحمد بن حنبل، يقول:
إسحاق لم تلق مثله.
وعن فضل بن عبد الله الحميري، قال: سألت أحمد بن حنبل عن
إسحاق، فقال: لم نر مثله، والحسين بن عيسى البسطامي فقيه، وأما
إسماعيل بن سعيد الشالنجي. ففقيه عالم، وأما أبو عبد الله العطار،
374

فبصير بالعربية والنحو، وأما محمد بن أسلم، فلو أمكنني زيارته لزرته.
قال أحمد بن سلمة: قلت لأبي حاتم: أقبلت على قول أحمد بن
حنبل، وإسحاق بن راهويه؟ فقال: لا أعلم في دهر ولا عصر مثل هذين
الرجلين.
قال داود بن الحسين البيهقي: سمعت إسحاق الحنظلي، يقول:
دخلت على عبد الله بن طاهر الأمير، وفي كمي تمر آكله، فنظر إلي،
وقال: يا أبا يعقوب، إن لم يكن تركك للرياء من الرياء، فما في الدنيا أقل
رياء منك.
وهذه أبيات لأحمد بن سعيد الرباطي:
قربي إلى الله دعاني إلى * حب أبي يعقوب إسحاق
لم يجعل القرآن خلقا كما * قد قاله زنديق فساق
يا حجة الله على خلقه * في سنة الماضين للباقي
أبوك إبراهيم محض التقى * سباق مجد وابن سباق (1)
قال أحمد بن كامل: أخبرنا أبو يحيى الشعراني، أن إسحاق توفي سنة
ثمان وثلاثين، وأنه رحمه الله، كان يخضب بالحناء. وقال: ما رأيت بيده
كتابا قط، وما كان يحدث إلا حفظا. وقال: كنت إذا ذاكرت إسحاق
العلم، وجدته فيه بحرا فردا. فإذا جئت إلى أمر الدنيا رأيته لا رأي له.
قلت: قد كان مع حفظه إماما في التفسير، رأسا في الفقه، من أئمة
الاجتهاد.

(1) الأبيات في " حلية الأولياء " 9 / 234، وفي " طبقات الشافعية الكبرى " 2 / 87،
88.
375

قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق الحنظلي، رضي الله عنه،
يقول: ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق،
وكيف يكون شئ خرج من الرب، عز وجل، مخلوقا؟!
قال أبو العباس السراج: سمعت إسحاق الحنظلي، يقول: دخلت
على طاهر بن عبد الله بن طاهر، وعنده منصور بن طلحة، فقال لي
منصور: يا أبا يعقوب، تقول: إن الله ينزل كل ليلة؟ قلت: نؤمن به. إذا
أنت لا تؤمن أن لك في السماء ربا، لا تحتاج أن تسألني عن هذا. فقال له
طاهر الأمير: ألم أنهك عن هذا الشيخ؟
قال أبو داود السجستاني: سمعت ابن راهويه، يقول: من قال: لا
أقول مخلوق، ولا غير مخلوق، فهو جهمي.
وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين، قال له: كفرت برب ينزل من
سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء.
قلت: هذه الصفات من الاستواء والاتيان والنزول، قد صحت بها
النصوص، ونقلها الخلف عن السلف، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل،
بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم (1) على أنها لا تشبه نعوت
المخلوقين، وأن الله ليس كمثله شئ، ولا تنبغي المناظرة،، ولا التنازع
فيها، فإن في ذلك محاولة للرد على الله ورسوله، أو حوما على التكييف أو
التعطيل.

(1) أي اجتماعهم. يقال: أصفقوا على الامر، إذا اجتمعوا عليه، وأصفقوا على
الرجل، كذلك. قال زهير بن أبي سلمى:
رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا * علينا وقالوا: إننا نحن أكثر
وفي حديث عائشة، رضوان الله عليها: " فأصفقت له نسوان مكة "، أي اجتمعوا إليه.
376

قال أبو عبد الله الحاكم: إسحاق، وابن المبارك، ومحمد بن يحيى
هؤلاء دفنوا كتبهم.
قلت: هذا فعله عدة من الأئمة، وهو دال أنهم لا يرون نقل العلم
وجادة (1)، فإن الخط قد يتصحف على الناقل، وقد يمكن أن يزاد في الخط
حرف فيغير المعنى، ونحو ذلك. وأما اليوم فقد اتسع الخرق، وقل تحصيل
العلم من أفواه الرجال، بل ومن الكتب غير المغلوطة، وبعض النقلة
للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى.
قال الدولابي: قال محمد بن إسحاق بن راهويه: ولد أبي في سنة
ثلاث وستين ومئة. وتوفي ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومئتين. قال:
وفيه يقول الشاعر:
يا هدة ما هددنا ليلة الأحد * في نصف شعبان لا تنسى (2) بد الأبد
وقال أبو عبد الله البخاري: توفي ليلة نصف شعبان، وله سبع وسبعون
سنة. ثم قال الخطيب عقيب هذا: فهذا يدل على أن مولده في سنة إحدى
وستين ومئة.
فائدة لا فائدة فيها، نحكيها لنليشها. قال أبو عبيد محمد بن علي الآجري
صاحب كتاب " مسائل أبي داود " - وما علمت أحدا لينه -: سمعت أبا داود
السجستاني، يقول: إسحاق بن راهويه تغير قبل موته بخمسة أشهر.
وسمعت منه في تلك الأيام، فرميت به.
قلت: فهذه حكاية منكرة. وفي الجملة فكل أحد يتعلل قبل موته

(1) تقدم تعريف الوجادة في الصفحة: 329 ت (1).
(2) الأصل " أبد " وأسقط الألف لضرورة الشعر، وهو في " طبقات الشافعية " 2 / 88،
وروايته فيه: " مدى الأبد " بالميم.
377

غالبا، ويمرض، فيبقى أيام مرضه متغير القوة الحافظة، ويموت إلى رحمة
الله على تغيره، ثم قبل موته بيسير يختلط ذهنه، ويتلاشى علمه، فإذا
قضى، زال بالموت حفظه. فكان ماذا؟ أفبمثل هذا يلين عالم قط؟! كلا،
والله، ولا سيما مثل هذا الجبل في حفظه وإتقانه.
نعم ما علمنا استغربوا من حديث ابن راهويه على سعة علمه سوى
حديث واحد، وهو حديثه عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله
ابن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة في الفأرة التي وقعت في سمن، فزاد
إسحاق في المتن من دون سائر أصحاب سفيان هذه الكلمة " وإن كان ذائبا،
فلا تقربوه " (1). ولعل الخطأ فيه من بعض المتأخرين، أو من راويه عن
إسحاق.

(1) أخرجه البخاري 9 / 576 في الذبائح والصيد: باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد
أو الذائب، والترمذي (1799) في الأطعمة: باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن، وأبو داود
(3841) في الأطعمة: باب في الفأرة تقع في السمن، والنسائي 7 / 178 من طريق سفيان،
عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه سمع ابن عباس يحدثه عن ميمونة أن فأرة
وقعت في سمن، فماتت، فسئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عنها، فقال: " ألقوها وما حولها، وكلوه ".
ووقع في " مسند " إسحاق بن راهويه، ومن طريقه أخرجه ابن حبان (1364)، بلفظ: " إن
كان جامدا، ألقى ما حولها، وأكله. وإن كان مائعا، لم يقربه ". وأخرجه بهذا التفصيل عبد
الرزاق في " المصنف " رقم (278)، وأبو داود (3842)، وأحمد 2 / 232، 233، و 265
و 490 من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
قال الحافظ في " الفتح ": اختلف عن معمر فيه، فأخرجه ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى
بغير تفصيل، ووقع عند النسائي من رواية أبي القاسم، عن مالك وصف السمن في الحديث بأنه
جامد، وكذا وقع عند أحمد من رواية الأوزاعي، عن الزهري، وكذا عند البيهقي من رواية
حجاج بن منهال، عن ابن عيينة، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن سفيان.
والزيادة التي وقعت في رواية إسحاق بن راهويه، عن سفيان، تفرد بها عن سفيان دون حفاظ
أصحابه مثل أحمد والحميدي ومسدد وغيرهم، وبينوا غلط معمر فيه على الزهري. ونقل ابن تيمية
في " الفتاوى " 21 / 488، 502 أن أهل المعرفة بالحديث متفقون على أن معمرا كثير الغلط على
الزهري، وقد توسع في التدليل على ذلك. وقال في قوله: ".. فلا تقربوه ": هو متروك عند
عامة السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة، فإن جمهورهم يجوزون الاستصباح به،
وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره، وهذا مخالف لقوله: "... فلا تقربوه ". وانظر " شرح
العلل " 2 / 721، 723 لابن رجب.
378

نعم وحديث تفرد به جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا إسحاق،
حدثنا شبابة، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس، قال:
" كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا كان في سفر فزالت الشمس، صلى الظهر
والعصر، ثم ارتحل "، فهذا منكر، والخطأ فيه من جعفر (1)، فقد رواه
مسلم في " صحيحه " (2) عن عمرو الناقد، عن شبابة، ولفظه: " إذا كان في
سفر وأراد الجمع، أخر الظهر، حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع
بينهما ". تابعه الحسن بن محمد الزعفراني، عن شبابة، وقد اتفقا عليه في
" الصحيحين " (3) من حديث عقيل عن ابن شهاب، عن أنس. ولفظه:
" إذا عجل به السير، أخر الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمع بينهما "
ومع حال إسحاق وبراعته في الحفظ، يمكن أنه لكونه كان لا يحدث
إلا من حفظه، جرى عليه الوهم في حديثين من سبعين ألف حديث. فلو
أخطأ منها في ثلاثين حديثا لما حط ذلك رتبته عن الاحتجاج به أبدا. بل كون
إسحاق تتبع حديثه، فلم يوجد له خطأ قط سوى حديثين، يدل على أنه
أحفظ أهل زمانه.

(1) وقد رد الحافظ في " الفتح " قول من أعل الحديث بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة، ثم
تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، بأنه ليس ذلك بقادح، فإنهما إمامان حافظان. وجمع التقديم
جاء من غير وجه، فأخرجه الشافعي 1 / 116، 117، وأحمد 1 / 367 عن ابن عباس، وأخرجه
أبو داود (1208) عن معاذ. انظر " الفتح " 2 / 480.
(2) رقم (703) (47) في صلاة المسافرين: باب جواز الجمع بين الصلاتين في
السفر.
(3) البخاري 2 / 479 في التقصير: باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ
الشمس، ومسلم (704).
379

قال الحافظ أبو عمرو المستملي: أخبرني علي بن سلمة الكرابيسي -
وهو من الصالحين - قال: رأيت ليلة مات إسحاق الحنظلي، كأن قمرا
ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق، ثم نزل فسقط في الموضع
الذي دفن فيه إسحاق. قال: ولم أشعر بموته. فلما غدوت، إذا بحفار
يحفر قبر إسحاق في الموضع الذي رأيت القمر وقع فيه.
قال الحاكم: حدثنا يحيى بن محمد العنبري، سمعت إبراهيم بن
أبي طالب، سألت أبا قدامة عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي
عبيد، فقال: أما أفقههم فالشافعي، إلا أنه قيل الحديث، وأما أورعهم
فأحمد، وأما أحفظهم فإسحاق، وأما أعلمهم بلغات العرب، فأبو عبيد.
قال أبو القاسم البغوي: قال لي موسى بن هارون: قلت لإسحاق بن
راهويه: من أكبر أنت أو أحمد؟ قال: هو أكبر مني في السن وغيره. وكان
مولد إسحاق في سنة ست وستين فيما يرى موسى، قد مرت هذه المقالة.
وقال عثمان بن جعفر اللبان: حدثنا علي بن إسحاق بن راهويه،
قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الاذنين، فمضى جدي راهويه إلى الفضل
ابن موسى فسأله، فقال: يكون ابنك رأسا إما في الخير، وإما في الشر.
هذه الحكاية رواها الخطيب في " تاريخه " (1) عن الجوهري، أخبرنا
محمد بن العباس الخزاز، حدثنا عثمان فذكرها. وهذا إسناد جيد، وحكاية
عجيبة.
أخبرنا المسلم بن علان إجازة، أخبرنا الكندي، أخبرنا الشيباني، أخبرنا
الخطيب، أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل، أخبرنا علي بن إبراهيم

(1) 11 / 297.
380

المستملي، حدثنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا محمد بن رافع،
حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو يعقوب الخراساني، عن عبد الرزاق، عن
النعمان بن أبي شيبة، (1)، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: " ليس في
الأوقاص صدقة ". (2).
قال السراج: فسألت أبا يعقوب إسحاق بن راهويه، فحدثني به.
قلت: الأوقاص: الكسور.
وروى محمد بن يزيد المستملي، عن نعيم بن حماد، قال: إذا رأيت
العراقي يتكلم في أحمد، فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في
إسحاق، فاتهمه، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير، فاتهمه في
دينه.
وقال أبو بكر بن نعيم: سمعت محمد بن يحيى الذهلي، يقول:
وافقت إسحاق بن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد، اجتمعوا في
الرصافة أعلام الحديث فيهم أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهما، فكان
صدر المجلس لإسحاق، وهو الخطيب.
قال عبد الرحمن بن إسماعيل العروضي: حدثنا النسائي، قال:

(1) في الأصل: " ابن شبة " والتصحيح من كتب الرجال.
(2) رجاله ثقات، وأخرج أحمد في " المسند " 5 / 231 من طريق عبد الرزاق وابن بكر،
قالا: أنبأنا ابن جريح، قال: أخبرني عمرو بن دينار أن طاووسا أخبره أن معاذ بن جبل قال:
لست بآخذ في الأوقاص شيئا حتى آتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يأمرني فيها
بشئ. وأخرجه أيضا 5 / 230 و 248 من طريق أبي كامل، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن
دينار، عن طاووس، عن معاذ بن جبل، قال: لم يأمرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أوقاص البقر
شيئا. وهو في " الأموال " ص: 274 لأبي عبيد.
والأوقاص: جمع وقص: ما بين الفريضتين، كالزيادة على الخمس من الإبل إلى
التسع، وعلى العشر إلى أربع عشرة.
381

إسحاق بن راهويه أحد الأئمة.
وقال عبد الكريم بن النسائي: أخبرني أبي، قال: إسحاق ثقة
مأمون. سمعت سعيد بن ذؤيب، يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل
إسحاق. وقال أبو عمرو نصر بن زكريا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال:
سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل بن موسى حديث ابن عباس: " كان
النبي، صلى الله عليه وسلم، يلحظ في صلاته، ولا يلوي عنقه خلف ظهره " (1)، قال:
فحدثته، فقال رجل: يا أبا يعقوب، رواه وكيع بخلاف هذا. فقال أحمد:
اسكت، إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين، فحسبك به. رواها الحاكم،
عن الحسن بن حاتم المروزي، عن نصر.
وقال محمد بن يحيى بن خالد: سمعت إسحاق، يقول: أحفظ
أربعة آلاف حديث مزورة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد الرحيم بن أبي سعد، أخبرنا عبد
الرحمن بن عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم، أخبرنا جدي (ح) وأخبرنا
أحمد عن أبي روح، أخبرنا زاهر، أخبرنا أبو يعلى بن الصابوني، قالا: أخبرنا
أبو الحسين الخفاف، أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا إسحاق بن إبراهيم،
حدثنا عبدة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
" هلكت قلادة لي، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في طلبها رجالا، فحضرت
الصلاة، فلم يجدوا ماء، ولم يكونوا على وضوء، فصلوا بغير وضوء،
فذكروا ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله آية التيمم. " أخرجه البخاري (2)
عن إسحاق.

(1) حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة: 366 ت (5).
(2) 10 / 278 في اللباس: باب استعارة القلائد، والحديث أخرجه البخاري في أكثر من
موضع، انظر " فتح الباري " طبعة المكتبة السلفية " رقم 334 و 336 و 3672 و 3773 و 4583
و 4607 و 4608 و 5164 و 5250 و 5882 و 6844 و 6845.
والقلادة: ما يجعل في العنق من الحلي.
382

ومات معه في العام بشر بن الوليد الكندي، والربيع بن ثعلب، وفقيه
قرطبة عبد الملك بن حبيب، وأحمد بن جواس الحنفي، وأحمد بن محمد
مردويه المروزي، والزاهد إبراهيم بن أيوب الحوراني، وإبراهيم بن هشام
الغساني، وإسحاق بن إبراهيم بن زبريق، وبشر بن الحكم العبدي، وزهير
ابن عباد الرؤاسي، وحكيم بن سيف الرقي، وطالوت بن عباد الصيرفي،
وعمرو بن زرارة النيسابوري، ومحمد بن بكار بن الريان، ومحمد بن
الحسين البرجلاني، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومحمد بن أبي السري
العسقلاني، ويحيى بن سليمان الجعفي، وصاحب الأندلس عبد الرحمن
ابن الحكم المرواني.
80 - الحسين بن منصور * (خ، م)
ابن جعفر بن عبد الله بن رزين الامام الحافظ الكبير، أبو علي السلمي
النيسابوري.
حدث عن: سفيان بن عيينة، ووكيع، وأبي معاوية الضرير، وأسباط
ابن أحمد، وأبي أسامة، وأخوي جده مبشر وعمر ابني عبد الله بن رزين
وعدة.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأحمد بن سلمة، وأحمد بن أبي

* التاريخ الكبير 2 / 392، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 3 / 65، 66،
تهذيب الكمال، ورقة: 299، العبر 1 / 427، تذهيب التهذيب 1 / 160، تهذيب التهذيب
2 / 370، 371، خلاصة تذهيب الكمال: 85، شذرات الذهب 2 / 90.
383

بكر، وجعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، والحسن بن سفيان، وأبو العباس
السراج، ومحمد بن شادل الهاشمي، ومحمد بن شاذان، وشيخه يحيى بن
يحيى التميمي، وآخرون.
وثقه النسائي. قال الحاكم: هو شيخ العدالة والتزكية في عصره،
وأخص الناس بيحيى بن يحيى. وكان يحيى يلومه على اشتغاله بالشهادة.
وسمعت خلف بن محمد البخاري، سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر رئيس
نيسابور ببخاري، يقول: حدثنا الحسن بن منصور، وقد عرض عليه قضاء
نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام، ودعا الله، فمات في اليوم الثالث.
قال السراج: مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين ومئتين. ومن
كلامه: رب معتزل للدنيا ببدنه مخالطها بقلبه، ورب مخالط لها ببدنه
مفارقها بقلبه، وهو أكيسهما.
81 - عبيد الله بن معاذ * (م، د، س، خ)
ابن معاذ بن نصر بن حسان الحافظ الأوحد الثقة، أبو عمرو العنبري
البصري.
حدث عن: أبيه، ومعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان،
وخالد بن الحارث، ووكيع بن الجراح، وطبقتهم.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، والبخاري والنسائي بواسطة، وأبو
زرعة، وأبو حاتم، وعثمان الدارمي، وزكريا بن يحيى خياط السنة، وجعفر

* التاريخ الكبير 5 / 401، التاريخ الصغير 2 / 368، الجرح والتعديل 5 / 335،
تهذيب الكمال، ورقة: 891، تذكرة الحفاظ، 2 / 490، العبر 1 / 425، تذهيب التهذيب
3 / 21، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 493، تهذيب التهذيب 7 / 48، 49، طبقات
الحفاظ: 212، خلاصة تذهيب الكمال: 253، شذرات الذهب 2 / 88.
384

الفريابي، وأبو القاسم البغوي، وخلق كثير.
قال أبو داود: كان يحفظ نحوا من عشرة آلاف حديث: أحاديث
أشعث بمسائله المعقدة، وأحاديث معتمر، وأحاديث خالد. ورأيته يدرس حديث
سفيان الثوري على ابنه، وكان فصيحا.
وقال أبو حاتم الرازي: ثقة.
وقال البخاري: مات سنة سبع وثلاثين ومئتين.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن
عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن علي، قالوا: أخبرنا
أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر بن
محمد، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا حسين المعلم، عن
ابن بريدة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق، عليم اللسان " (1).
82 - عمرو بن رافع * (ق)
ابن الفرات البجلي الحافظ الامام الثبت، أبو حجر القزويني.

(1) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 1 / 22 و 44 من طريق ديلم بن غزوان العبدي، عن
ميمون الكردي، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر، وهذا إسناد صحيح.
قال المناوي في تفسير قوله: " كل منافق عليم اللسان "، أي: كثير علم اللسان، جاهل
القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها، ذا هيبة وأبهة، يتعزز ويتعاظم بها، يدعو الناس،
إلى الله، ويفر هو منه. ويستقبح عيب غيره، ويفعل ما هو أقبح منه. ويظهر للناس التنسك
والتعبد، ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به.
* الجرح والتعديل 6 / 232، 233، تهذيب الكمال، ورقة: 1033، 1034، تذهيب
التهذيب 3 / 98، تهذيب التهذيب 8 / 32، طبقات الحفاظ: 214، خلاصة تذهيب الكمال:
288، 289.
385

حدث عن: إسماعيل بن جعفر، ويعقوب بن عبد الله القمي، وابن
المبارك، وجرير الضبي، وهشيم، وابن عيينة، وعباد بن العوام، وعمار
ابن محمد، ويحيى بن أبي زائدة، ويعقوب بن الوليد، وعدة. وكان جيد
المعرفة، واسع الرحلة.
حدث عنه: ابن ماجة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأحمد بن جعفر
الجمال، وأبو يحيى جعفر بن محمد الزعفراني، وعلي بن سعيد بن بشير،
ومحمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي، ومحمد بن أيوب بن الضريس،
ومحمد بن مسعود الأسدي، وخلق سواهم.
قال أبو حاتم: سمعت إبراهيم بن موسى، يقول: ما بقي أحد ممن
كان يطلب معنا العلم غير عمرو بن رافع.
وقال أبو حاتم: قل من كتبنا عنه أصدق لهجة، وأصح حديث من عمرو
ابن رافع.
وقال ابن حبان: مستقيم الحديث.
وقال أبو يعلى الخليلي: توفي سنة سبع وثلاثين ومئتين.
83 - يحيى بن أيوب * (م، د)
الامام العالم القدوة الحافظ، أبو زكريا البغدادي المقابري العابد.
حدث عن: شريك القاضي، وإسماعيل بن جعفر، وعباد بن عباد،

* التاريخ الصغير 2 / 364، الجرح والتعديل 9 / 128، تاريخ بغداد 14 / 188،
189، طبقات الحنابلة 1 / 400، 401، الأنساب، ورقة: 539 / 1، تهذيب الكمال، ورقة:
1489، العبر 1 / 415، تذهيب التهذيب 4 / 149، تهذيب التهذيب 11 / 188، طبقات
الحفاظ: 214، خلاصة تذهيب الكمال: 421، شذرات الذهب 2 / 79.
386

ومصعب بن سلام، وعبد الله بن وهب، وهشيم بن بشير، وخلف بن
خليفة، وأمثالهم.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وابن أبي الدنيا، ومحمد بن
وضاح القرطبي، والحسين بن فهم، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي،
وأبو يعلي الموصلي، وأحمد بن الحسن الصوفي الكبير، ومحمد بن
إبراهيم السراج، وحامد بن شعيب البلخي، وأبو القاسم البغوي، وخلق
كثير.
قال أحمد بن حنبل: هو رجل صالح، صاحب سكون ودعة.
وقال علي بن المديني: صدوق.
وقال أبو شعيب الحراني: كان من خيار عباد الله، سمعت منه.
قال محمد بن مخلد: حدثنا العباس بن محمد الأشهلي، حدثني
أبي، قال: مررت بمقابر،
فسمعت همهمة، فإذا يحيى بن أيوب في حفرة
من تلك الحفر، وإذا هو يدعو ويبكي، ويقول: يا قرة عين المنقطعين، ويا قرة عين
العاصين، أنت سترت عليهم، ولم لا تكون قرة عين المطيعين، وأنت مننت
عليهم بالطاعة؟ قال: ويعاود البكاء، فغلبني البكاء، ففطن بي، فقال: تعال
لعل الله إنما بعث بك لخير.
قال الحسين بن فهم: كان يحيى بن أيوب ثقة ورعا مسلما، يقول
بالسنة، ويعيب من يقول بقول جهم، أو بخلاف السنة. قال: وتوفي يوم الأحد
لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين ومئتين.
وقال موسى بن هارون: مات ليلة الأحد، لعشر مضين من ربيع الأول
سنة أربع، وأخبرني أنه ولد في سنة سبع وخمسين ومئة.
387

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، أنبأنا عبد المعز بن
محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو
عمرو بن حمدان، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا يحيى بن أيوب،
حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدى، كان له من الاجر مثل
أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان
عليه من الاثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا. " حديث صحيح
غريب. أخرجه مسلم، وأبو داود عن يحيى (1) فوافقنا هما بعلو.
أخبرنا عبد الحافظ، وابن غالية (2)، قالا: أخبرنا موسى بن عبد
القادر، أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أبو طاهر
المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا يحيى بن أيوب العابد، حدثنا
سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال:
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن المرء أو الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو
للناس، وإنه لمن أهل الجنة ". أخرجه البخاري (3) من طريق أبي حازم
بأطول من هذا.

(1) أخرجه مسلم (2674) في العلم: باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى
هدى أو ضلالة، وأبو داود (4609) في السنة: باب لزوم السنة، وأخرجه الترمذي (2674)
من طريق علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، وأخرجه ابن ماجة (206) من
طريق محمود بن عثمان العثماني، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن.
(2) هو يوسف بن أحمد الغسولي الصالحي الحجار المتوفى سنة 700 ه‍ مترجم في
" مشيخة المؤلف " الورقة 179، والعبر 5 / 412. و 3 / 891.
(3) 6 / 66 في الجهاد: باب لا يقال فلان شهيد، وهو عنده أيضا برقم (4202) و (4207)
و (6493) و (6607).
388

84 - حرملة * (م، ق، س)
ابن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران، الامام الفقيه المحدث
الصدوق، أبو حفص التجيبي مولى بني زميلة المصري.
حدث عن ابن وهب، فأكثر جدا، وعن الشافعي فلزمه، وتفقه به،
وعن أيوب بن سويد، وبشر بن بكر، وسعيد بن أبي مريم وطائفة.
حدث عنه: مسلم، وابن ماجة، وبواسطة النسائي، وأبو عبد الرحمن
أحمد بن عثمان النسائي، وإسحاق بن موسى النيسابوري، وأحمد بن
الهيثم، وحفيده أحمد بن طاهر بن حرملة، وبقي بن مخلد، والحسن بن
سفيان، ومحمد بن أحمد بن عثمان المديني، ومحمد بن الحسن بن قتيبة
العسقلاني، وآخرون.
قال أبو حاتم: لا يحتج به.
وروى عباس الدوري، عن يحيى، قال: شيخ بمصر يقال له:
حرملة كان أعلم الناس بابن وهب.
وقال ابن عدي: سألت عبد الله بن محمد الفرهاذاني أن يحدثني
عن حرملة، فقال: حرملة ضعيف، وحدثني عنه بثلاثة أحاديث.

* التاريخ الكبير 3 / 69، الجرح والتعديل 3 / 274، الكامل لابن عدي، ورقة: 113،
114، الفهرست: 265: طبقات الفقهاء (للشيرازي): 80، اللباب 1 / 169، تهذيب
الأسماء واللغات 1 / 155، 156، وفيات الأعيان 2 / 64، 65، تهذيب الكمال، ورقة:
246، العبر 1 / 440، تذهيب التهذيب 1 / 127، تذكرة الحفاظ 2 / 486، ميزان
الاعتدال: 1 / 472، 473، طبقات الشافعية (للسبكي) 2 / 127، 131، البداية والنهاية
10 / 345، تهذيب التهذيب 2 / 229، حسن المحاضرة 1 / 307، طبقات الحفاظ: 210،
211، خلاصة تذهيب الكمال: 74، طبقات الشافعية (لابن هداية الله): 5.
389

وقال أبو عمر الكندي: كان حرملة فقيها، لم يكن بمصر أحد أكتب
عن ابن وهب منه. وذلك أن ابن وهب أقام في منزلهم سنة وأشهرا مستخفيا
من عباد إذ طلبه ليوليه القضاء بمصر، أخبرني بذلك يحيى بن أبي معاوية.
وأخبرني أبو سلمة، وأبو دجانة، قالا: سمعنا حرملة، يقول:
عادني ابن وهب من الرمد، وقال: يا أبا حفص، لا يعاد من الرمد، ولكنك
من أهلي.
وعن أحمد بن صالح، قال: صنف ابن وهب مئة وعشرين ألف
حديث عند بعض الناس منها النصف، عنى نفسه، وعند بعض الناس
الكل، يعني حرملة.
قال محمد بن موسى: حديث ابن وهب كله عند حرملة إلا حديثين.
قال ابن عدي: قد تبحرت حديث حرملة، وفتشته الكثير، فلم أجد
في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله، ورجل توارى ابن وهب عندهم،
ويكون حديثه كله عنده، فليس يبعد أن يغرب على غيره (1).
قال هارون بن سعيد: سمعت أشهب ونظر إلى حرملة، فقال: هذا
خير أهل المسجد.
وقال ابن يونس في " تاريخه ": كان حرملة أملى الناس بما حدث به
ابن وهب.
قلت: لم يرحل حرملة، ولا عنده عن الحجازيين شئ.
قال ابن يونس: ولد في سنة ست وستين ومئة، ومات في شوال لتسع

(1) انظر الخبر في " الكامل " لابن عدي، في ترجمة حرملة بن يحيى التجيبي، ورقة:
114.
390

بقين منه، سنة ثلاث وأربعين ومئتين، رحمه الله.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا مكرم بن محمد، أخبرنا حمزة بن أسد
التميمي سنة 553، أخبرنا سهل بن بشر، أخبرنا محمد بن الحسين الطفال،
أخبرنا الحسن بن رشيق، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن مهران، حدثنا
حرملة، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن
المسيب، أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " يقبض الله
الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، فأين
ملوك الأرض؟ ". هذا حديث صحيح ثابت (1) والقرآن جاء بمصداقه.
أخبرنا علي بن علي القرشي، وأحمد بن سلطان، قالا: أخبرنا ابن
مسلمة، حدثنا علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا عبد الواحد بن حمد، أخبرنا
أحمد بن محمود الثقفي، أخبرنا محمد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن الحسن بن
قتيبة، حدثنا حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن
عبد ربه، عن عبد الله بن كعب الحميري، أن أبا بكر حدثه أن مروان أرسله إلى أم
سلمة، يسأل عن الرجل يصبح جنبا أيصوم؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح
جنبا من جماع لأحلم، ثم يصوم، ولا يقضي (2). أخرجه النسائي عن أحمد بن
الهيثم عن حرملة.

(1) أخرجه البخاري 13 / 311 في التوحيد: باب قول الله تعالى: (ملك الناس)،
ومسلم (2787) في أول صفة القيامة والجنة والنار، كلاهما من طريق ابن وهب، عن يونس،
عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه البخاري 8 / 423 في التفسير:
باب قوله: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه)، من طريق سعيد
ابن عفير، عن الليث، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة. وانظر ما قاله الحافظ في " الفتح " عن الطريقين. وفي الباب عن عبد الله بن عمر
عند مسلم (2788).
(2) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 291، والبخاري 4 / 123، ومسلم
(1109) (78) من طريق عبد ربه بن سعيد بن قيس، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام، عن عائشة وأم سلمة، زوجي النبي، صلى الله عليه وسلم، أنهما قالتا: إن كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان، ثم يصوم ذلك اليوم.
391

85 - سجادة * (د، ق، س)
هو الامام القدوة المحدث الأثري، أبو علي، الحسن بن حماد بن
كسيب الحضرمي البغدادي.
حدث عن: أبي بكر بن عياش، وحفص بن غياث، وعبد الرحمن بن
محمد المحاربي، وعلي بن هاشم بن البريد، وأبي خالد الأحمر، ومحمد
ابن فضيل، وجماعة.
حدث عنه: أبو داود، وابن ماجة، وبواسطة النسائي، وأبو يعلى
الموصلي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وعلي بن إسحاق بن زاطيا (1)،
وأبو لبيد السامي، وأبو القاسم البغوي، ويحيى بن صاعد، وخلق كثير.
قال الحسن بن الصباح: قيل لأحمد بن حنبل: إن سجادة سئل عن
رجل، قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إن كلم زنديقا، فكلم رجلا، يقول:
القرآن مخلوق. فقال سجادة: طلقت امرأته. فقال أحمد: ما أبعد.
وقال علي بن فيروز: سألت سجادة عن رجل حلف بالطلاق، لا
يكلم كافرا، فكلم من يقول: القرآن مخلوق. قال: طلقت امرأته (2).

* التاريخ الصغير 2 / 375، الجرح والتعديل 3 / 9، تاريخ بغداد 7 / 295، 296،
تهذيب الكمال، ورقة: 262، 263، العبر 1 / 435، 436، تذهيب التهذيب 1 / 136،
النجوم الزاهرة 2 / 306، تهذيب التهذيب 2 / 272، خلاصة تذهيب الكمال: 77، شذرات
الذهب 2 / 99.
(1) هو أبو الحسن المخرمي المتوفي سنة 306 ه‍، ترجم له المؤلف في " الميزان "
3 / 114، 115، وابن حجر في " لسان الميزان " 4 / 205.
(2) هذا من المبالغات التي يطلقها بعض من ينتمي إلى الحديث في حق خصومهم،
والمحققون منهم لا يرتضون ذلك، كما أن جمهور أهل العلم لا يكفرون من يقول بمثل هذه
المقالة. وقد نبه المصنف، رحمه الله، في أكثر من موضع على ذلك.
392

وقال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان: سألت أحمد بن حنبل عن
سجادة فقال: صاحب سنة. ما بلغني عنه إلا خير.
قلت: كان من جلة العلماء وثقاتهم في زمانه.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد الله، أخبرنا هبة الله بن
حسين، أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا عيسى بن الوزير، قال: قرئ على
يحيى بن محمد، وأنا أسمع، قيل له: حدثكم الحسن بن حماد سجادة،
وعبد الله بن الوضاح، قالا: حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي، عن عبيد الله
ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كانت امرأة تأتي قوما فتستعير
منهم الحلي، ثم تمسكه، فرفع ذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: " لتتب هذه
المرأة إلى الله وإلى رسوله، وترد على الناس متاعهم. قم يا فلان، فاقطع
يدها. " أخرجه النسائي (1) عن عثمان بن عبد الله عن سجادة، فوقع بدلا
بعلو درجتين.
توفي سجادة في رجب سنة إحدى وأربعين ومئتين.

(1) 8 / 71 في حدود السرقة: باب ما يكون حرزا وما لا يكون. وعمرو بن هاشم الجنبي
ضعيف، وباقي رجاله ثقات، لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه أحمد 2 / 151، وأبو داود
(4395)، والنسائي 8 / 70، 71 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع،
عن ابن عمر، قال: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بقطع يدها،
وأخرجه مسلم (1688) (10) من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة، قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن تقطع يدها.
وإلى هذا الحديث ذهب إسحاق بن راهويه، فقال: يجب القطع على المستعير إذا جحد
العارية، وهو قول للإمام أحمد 8 / 240.
393

86 - أبو كريب * (ع)
محمد بن العلاء بن كريب الحافظ الثقة الامام، شيخ المحدثين، أبو
كريب الهمداني الكوفي.
ولد سنة إحدى وستين ومئة.
وحدث عن: أبي بكر بن عياش، وهشيم، ويحيى بن أبي زائدة،
وابن المبارك، وعبد الرحيم بن سليمان، وعمر بن عبيد، وأبي خالد
الأحمر، وأبي معاوية، وابن علية، وسفيان بن عيينة، وحفص بن غياث،
وابن إدريس، وعبدة بن سليمان، وعبيد الله الأشجعي، وعبد الله بن الأجلح،
وحكام بن سلم، وشعيب بن إسحاق، وزيد بن الحباب، ومحمد بن أبي عبيدة
ابن معن، ويحيى بن يمان، ومعتمر بن سليمان، وخلق كثير. وينزل إلى طلق بن
غنام، وخالد بن مخلد القطواني. وصنف وجمع وارتحل.
وعنه: الجماعة الستة، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو زرعة، وأبو
حاتم. وابن أبي الدنيا، وعثمان بن خرزاذ، وموسى بن إسحاق، وعبد الله
ابن أحمد، وعبد الرحمن بن خراش، وزكريا خياط السنة، وأبو بكر أحمد
ابن علي المروزي، وقد أخرج النسائي أيضا عن هذين عنه، ومطين،
وجعفر الفريابي، وأبو يعلى، وإبراهيم ابن معقل، وأحمد بن إسحاق بن
بهلول، وأحمد بن يحيى التستري، وإسحاق بن إبراهيم البشتي، وبدر بن

* طبقات ابن سعد 6 / 289، التاريخ الكبير 1 / 205، التاريخ الصغير 2 / 386،
الجرح والتعديل 8 / 52، تهذيب الكمال، ورقة: 1254، تذكرة الحفاظ 2 / 497، 498،
العبر 1 / 453، الوافي بالوفيات 4 / 99، غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 197، تهذيب
التهذيب 9 / 385، 386، النجوم الزاهرة 2 / 318، طبقات الحفاظ: 217، خلاصة
تذهيب الكمال: 355، شذرات الذهب 2 / 119.
394

الهيثم، وجعفر بن أحمد بن سنان، وحمدان بن غارم البخاري،
والحسن بن سفيان، وأبو عروبة، وعبد الله بن زيدان البجلي، وابن ناجية،
والقاسم المطرز، وابن خزيمة، والسراج، ومحمد بن هارون الروياني،
وعلي بن محمد بن هارون الحميري، ومحمد بن القاسم بن زكريا
المحاربي، وأمم سواهم.
قال حجاج بن الشاعر: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: لو حدثت
عمن أجاب في المحنة، لحدثت عن اثنين: أبو معمر، وأبو كريب، أما أبو
معمر، فلم يزل بعدما أجاب يذم نفسه على إجابته وامتحانه، ويحسن أمر
من لم يجب. وأما أبو كريب، فأجري عليه ديناران، وهو محتاج، فتركهما
لما علم أنه أجري عليه لذلك.
قال الحسن بن سفيان: قال محمد بن عبد الله بن نمير: ما بالعراق
أكثر حديثا من أبي كريب، ولا أعرف بحديث بلدنا منه.
وثقه النسائي وغيره.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف: ما رأيت من المشايخ بعد
إسحاق أحفظ من أبي كريب.
وقال موسى بن إسحاق: سمعت من أبي كريب مئة ألف حديث.
وقال إبراهيم بن أبي طالب: قال لي محمد بن يحيى الذهلي: من
أحفظ من رأيت بالعراق؟ قلت: لم أر بعد أحمد بن حنبل أحفظ من أبي
كريب.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: سمعت ابن عقدة يقدم أبا كريب
395

في الحفظ والكثرة على جميع مشايخهم، ويقول: ظهر لأبي كريب بالكوفة
ثلاث مئة ألف حديث.
وقال محمد بن حامد بن إدريس البخاري، عن صالح بن محمد
جزرة: غلبت اليبوسة مرة على رأس أبي كريب، فجئ بالطبيب، فقال:
ينبغي أن يغلف رأسه بالفالوذج. قال: ففعلوا. قال: فتناوله من رأسه،
ووضعه في فيه، وقال: بطني أحوج إليه من رأسي.
قلت: بلغ في رحلته إلى دمشق، فعنه قال: أتيت يحيى بن
حمزة، فوجدت عليه سواد القضاء (1)، فلم أسمع منه، وكنت سافرت أريد
إفريقية.
قال مطين: أوصى أبو كريب بكتبه أن تدفن فدفنت.
قلت: فعل هذا بكتبه من الدفن والغسل والاحراق عدة من الحفاظ
خوفا من أن يظفر بها محدث قليل الدين، فيغير فيها، ويزيد فيها، فينسب
ذلك إلى الحافظ، أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدث بها أبدا،
وإنما انتخب من أصوله ما رواه، وما بقي، فرغب عنه، وما وجدوا لذلك
سوى الاعدام. فلهذا ونحوه دفن، رحمه الله، كتبه.
قال البخاري وغيره: مات أبو كريب في يوم الثلاثاء لأربع بقين من
جمادى الآخرة سنة وثمان وأربعين ومئتين.
وقال مطين: مات لثلاث بقين من جمادى الأولى. ومن قال: مات
سنة سبع، فقد أخطأ. وعاش سبعا وثمانين سنة.
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة

(1) كان القضاة في العصر العباسي يلبسون السواد، لأنه شعار الدولة العباسية.
396

الله بن أبي شريك، أخبرنا أبو الحسين بن النقور، أخبرنا عيسى بن علي،
قال: قرئ على القاضي أبي القاسم بدر بن الهيثم، وأنا أسمع، قيل له:
حدثكم محمد بن العلاء بن كريب، حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن
ابن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، رضي الله عنه، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء، إلا
الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى رجل صورة، دخل فيها. وإن فيها
لمجمع الحور العين، يرفعن أصواتا لم تسمع الخلائق مثلها: نحن
الخالدات فلا نبيد، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن الناعمات فلا
نبؤس، فطوبى لمن كان لنا وكنا له (1) ".
قال لنا القاضي أبو القاسم: هذا الحديث رفعه أبو معاوية، ووقفه ابن
فضيل.
حدثنا القاضي أبو القاسم، حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن
فضيل، حدثنا عبد الرحمن، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: " إن
في الجنة لسوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء. من
اشتهى صورة، دخل فيها " (2).

(1) إسناده ضعيف، وعبد الرحمن بن إسحاق هو ابن شيبة الواسطي الأنصاري، ضعفه
أحمد وابن معين وابن سعد ويعقوب بن سفيان وأبو داود والنسائي وابن حبان. وقال البخاري: فيه
نظر. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن خزيمة: لا
يحتج بحديثه. وشيخه فيه - وهو النعمان بن سعد - لم يرو عنه غيره، ولم يوثقه غير ابن حبان،
فلا يحتج بخبره. وأخرجه الترمذي (2550) و (2564) من طريق أحمد بن منيع وهناد، عن
أبي معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، وقال: هذا حديث
غريب. وفي الباب: عن أبي هريرة وأبي سعيد وأنس. وانظر " حادي الأرواح " ص: 250،
252 لابن القيم.
(2) ضعيف كسابقه.
397

أخرجه الترمذي وحده عن الثقة، عن أبي معاوية، جعله حديثين.
قرأت على أحمد بن هبة الله بن أحمد، عن عبد المعز بن محمد،
أخبرنا تميم الجرجاني، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن
حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة عن بريد بن
عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا
بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال: " بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا
تعسرا. " أخرجه مسلم (1) عن أبي كريب. فوافقناه.
87 - الحلواني (2) * (خ، م، د، ق، ت)
الامام الحافظ الصدوق، أبو محمد، الحسن بن علي بن محمد
الهذلي الريحاني الخلال المجاور بمكة.
حدث عن: أبي معاوية الضرير، ومعاذ بن هشام، ووكيع بن الجراح،
ويزيد بن هارون، وأبي أسامة، وزيد بن الحباب، وعبد الرزاق، وأزهر
السمان، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وخلق كثير. ولم يلحق سفيان بن
عيينة.
حدث عنه: الجماعة سوى النسائي، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو

(1) رقم (1732) في الجهاد والسير: باب في الامر بالتيسير وترك التنفير.
(2) بضم الحاء المهملة، وسكون اللام، والنون بعد الواو والألف، كما ضبطها
السمعاني، وهي نسبة إلى حلوان، وهي بلدة كبيرة آخر حدود السواد، مما يلي الجبال من
بغداد، انظر " معجم البلدان ".
* التاريخ الصغير 2 / 378، الجرح والتعديل 3 / 21، تاريخ بغداد 7 / 365، 366،
الأنساب 4 / 214، تهذيب الكمال ورقة: 276، تذكرة الحفاظ 2 / 522، العبر 1 / 437،
تذهيب التهذيب 1 / 142، العقد الثمين 4 / 165، تهذيب التهذيب 2 / 302، 304، طبقات
الحفاظ: 228، خلاصة تذهيب الكمال: 79.
398

جعفر مطين، وعبد الله بن صالح البخاري، وأبو العباس السراج، ومحمد بن
المجدر، ويحيى بن الحسن النسابة، وآخرون.
قال يعقوب بن شيبة: كان ثقة ثبتا متقنا.
وقال أبو داود: كان عالما بالرجال، ولا يستعمل علمه (1).
قلت: لاشتغاله - لعل - بالاستعداد للعبور.
قال إبراهيم بن أورمة الحافظ: بقي اليوم في الدنيا ثلاثة: محمد بن
يحيى الذهلي بخراسان، وأحمد بن الفرات بأصبهان، والحسن بن علي
الحلواني بمكة.
قلت: مات الحلواني في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين ومئتين.
قرأت على زينب بنت عمر ببعلبك، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر
ابن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرة بن حمدان، حدثنا
محمد بن هارون بن حميد، حدثنا الحسن بن علي الحلواني، حدثنا عمران بن
أبان، حدثنا مسلم، عن إسماعيل بن أمية، أخبرني أبو الزبير، عن طاووس،
عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل على ضباعة، وهي
شاكية، فقال: " حجي، واشترطي، وقولي: محلي حيث حبستني (2) ".

(1) في الأصل: " عمله " وهو خطأ، والتصحيح من " تهذيب الكمال ".
(2) وأخرجه أبو داود (1776)، والترمذي (941)، كلاهما من طريق عباد بن العوام،
عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن ضباعة بنت الزبير أتت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، أأشترط؟ قال: نعم. قالت: فكيف أقول؟ قال:
" قولي لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني ". وأخرجه مسلم (1208) من طريق ابن
جريح، عن أبي الزبير، عن طاووس وعكرمة، عن ابن عباس. وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن
يزيد، عن عمرو بن هرم، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس. وأخرجه أيضا من طريق
رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن ابن عباس. وفي الباب عن عائشة عند البخاري
9 / 114، ومسلم (1207).
وقولها: محلي حيث حبستني، أي: موضع إحلالي من الأرض حيث حبستني، أي هو
المكان الذي عجزت عن الاتيان بالمناسك، وانحبست عنها بسبب قوة المرض.
399

عمران بن أبان صويلح ومسلم الزنجي (1).
88 - الحسين بن حريث * (خ، م، د، ت، س)
ابن الحسن بن ثابت بن قطبة الامام الحافظ الحجة، أبو عمار
الخزاعي المروزي، مولى عمران بن حصين. وقال ابن حبان: هو الحسين
ابن حريث، مولى الحسن بن ثابت بن قطبة، مولى عمران بن حصين.
سمع عبد الله بن المبارك، وعبد العزيز بن أبي حازم، وفضيل بن
عياض، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن محمد، وسفيان بن
عيينة، والفضل السيناني، وطبقتهم.
حدث عنه: الجماعة الستة سوى ابن ماجة، وأبو زرعة الرازي،
والحسن بن سفيان، والبغوي، ومحمد بن هارون الحضرمي، وأبو بكر بن
خزيمة، وابن صاعد، وإبراهيم بن محمد متويه، وخلق كثير.
وثقه النسائي.

(1) أي: إنه صويلح مثله. وهذه الكلمة لا تعني التوثيق، وإنما يراد بها خفة الضعف،
بحيث يصلح الموصوف بها للمتابعة، فإذا جاء متن الحديث من طريق آخر غير طريقه، يتقوى
ويصلح. وهذا الحديث من هذا القبيل.
* التاريخ الكبير 2 / 393، الجرح والتعديل 3 / 50، 51، تاريخ بغداد 8 / 36، 37،
تهذيب الكمال، ورقة: 286، 287، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 147، تهذيب
التهذيب 2 / 333، 334، خلاصة تذهيب الكمال: 82، شذرات الذهب 2 / 105.
400

وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: رأيت أبا عمار، رحمه الله، في المنام
بعد وفاته على منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعليه ثياب بيض وعمامة خضراء،
وهو يقرأ: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بلى ورسلنا لديهم
يكتبون) (الزخرف: 80) فأجابه مجيب من موضع القبر: حقا قلت يا زين أركان
الجنان.
قلت: مات أبو عمار بقرميسين (1) منصرفا من الحج في سنة أربع
وأربعين ومئتين.
89 - عبد الجبار بن العلاء * (م، ت، س)
ابن عبد الجبار الامام المحدث الثقة، أبو بكر البصري ثم المكي
المجاور مولى الأنصار.
سمع سفيان بن عيينة، ويوسف بن عطية، ومروان بن معاوية، وعبد
الوهاب الثقفي، ومحمد بن جعفر غندرا، وطبقتهم.
حدث عنه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو بكر بن أبي عاصم،
وإسحاق بن أحمد الخزاعي، وعمر بن بجير، وأبو قريش محمد بن جمعة،
ويحيى بن صاعد، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبو عروبة الحراني، وخلق
كثير.

(1) بفتح القاف، وسكون الراء، وكسر الميم، وياء مثناة من تحت، وسين مهملة
مكسورة، وياء أخرى ساكنة، ونون، هو تعريب كرمان شاهان، بلد معروف، بينه وبين همذان
ثلاثون فرسخا، قرب الدينور، وهي بين همذان وحلوان.
* التاريخ الكبير 6 / 109، التاريخ الصغير 2 / 387، الجرح والتعديل 6 / 32، 33،
تهذيب الكمال، ورقة: 763، العبر 1 / 451، تذهيب التهذيب 2 / 199، العقد الثمين
5 / 325، تهذيب التهذيب 5 / 104، خلاصة تذهيب الكمال: 221، شذرات الذهب
2 / 118.
401

وقد روى النسائي أيضا عن خياط السنة عنه.
قال النسائي: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
قال ابن خزيمة: ما رأيت أحدا أسرع قراءة منه ومن بندار.
قال السراج: مات بمكة في أول شهر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين
ومئتين.
قلت: كان من أبناء الثمانين.
90 - أبوه * (خ، ت، س، ق)
أبو الحسن البصري العطار، جاور بمكة، وكان صاحب حديث.
روى عن: جرير بن حازم، وحماد بن سلمة، ومبارك بن فضالة،
ونافع بن عمر، وجماعة.
وعنه: البخاري، وأحمد بن الفرات، وأحمد بن سليمان الرهاوي،
وعبد الله بن شبيب، وأبو يحيى بن أبي مسرة، والكديمي، وعلي بن أحمد
ابن النضر، وخلق.
قال النسائي: ليس به بأس.
قلت: توفي سنة اثنتي عشرة ومئتين من أبناء السبعين.

* التاريخ الكبير 6 / 518، الجرح والتعديل 6 / 358، الأنساب 8 / 474، 475،
تهذيب الكمال، ورقة: 1073، تذهيب التهذيب 3 / 125، / 1، العقد الثمين 6 / 449،
450، خلاصة تذهيب الكمال: 300.
402

91 - المسيب بن واضح *
ابن سرحان الامام المحدث العالم، أبو محمد السلمي
التلمنسي (1)، نسبة إلى قرية من قرى حمص.
حدث عن: عبد الله بن المبارك، ومعتمر بن سليمان، وإسماعيل بن
عياش، وحفص بن ميسرة، وهو أقدم شيخ له، وأبي إسحاق الفزاري،
ويوسف بن أسباط، وخلق سواهم.
حدث عنه: ذو النون المصري مع تقدمه، وأبو زرعة، وأبو حاتم.
ومحمد بن تمام البهراني، وأبو عروبة الحراني، والحسن بن سفيان، وأبو بكر بن أبي
داود، وأحمد بن هشام بن الليث الفارسي، وآخرون.
قال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيرا، فإذا قيل له، لم يقبل. وكان
النسائي حسن الرأي فيه، ويقول: الناس يؤذوننا فيه.
وذكره ابن عدي، فأورد له عدة أحاديث مناكير، ثم قال: أرجو أن
باقي حديثه مستقيم، وهو ممن يكتب حديثه. وسمعت أبا عروبة، يقول:
كان المسيب لا يحدث إلا بشئ يعرفه، ويقف عليه.
قال ابن عدي: وسمعت الحسين بن عبد الله القطان، يقول: سمعت
المسيب بن واضح، يقول: خرجت من تلمنس، أريد مصر للقاء ابن
لهيعة، فأخبرت بموته.

* التاريخ الصغير 2 / 385، الضعفاء، ورقة: 382، الجرح والتعديل 8 / 294،
ميزان الاعتدال 4 / 116، العبر 1 / 448، لسان الميزان 6 / 40، 41.
(1) نسبة إلى " تل منس "، بفتح الميم، وتشديد النون المفتوحة، وسين مهملة، وهي
حصن قرب معرة النعمان. وقال الحافظ أبو القاسم: تل منس قرية من قرى حمص، ينسب
إليها المسيب بن واضح. انظر " معجم البلدان ".
403

قال السلمي: سألت الدارقطني، عن المسيب بن واضح، فقال:
ضعيف.
وقال الدارقطني في مواضع من " سننه ": فيه ضعف.
المسيب: حدثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن فرات، عن أبي
حازم، عن ابن عمر مرفوعا، أنه كره شم الطعام. وقال: إنما يشم
السباع (1).
المسيب: حدثنا يوسف بن أسباط، عن سفيان، عن سلمة بن
كهيل، عن أبي عبيد، عن أبيه مرفوعا: " من بنى فوق ما يكفيه كلف نقل
البنيان إلى المحشر " (2).
المسيب: حدثنا حجاج، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن
أوفى، عن عبد الله، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تقتلوا الضفادع، فإن
نقيقها تسبيح (3). " صوابه موقوف.
مات المسيب في آخر سنة ست وأربعين ومئتين بحمص.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورا،
أخبرنا علي بن المسلم، أخبرنا الحسين بن طلاب، أخبرنا محمد بن أحمد
الغساني، حدثنا أحمد بن هشام بصور، حدثنا المسيب بن واضح، حدثنا

(1) أورده ابن عدي في " الكامل " ورقة: 333 من حديث المسيب بن واضح في جملة ما
يستنكر من حديثه.
(2) انظر الحديث في " الكامل "، ورقة: 333، 334.
(3) الحديث في " الكامل "، ورقة: 334، ثم أورد من منكراته أحاديث أخرى، وقال:
والمسيب بن واضح له حديث كثير عن شيوخه، وعامة ما خالف فيه الناس هو ما ذكرته، لا
يتعمده، بل كان يشتبه عليه، وهو لا بأس به.
404

إسماعيل بن عياش، عن محمد بن يحيى، عن عثمان بن يحيى، عن ابن
عباس، قال: أول ما سمع بالفالوذج، أن جبريل أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال:
إن أمتك ستفتح لهم الأرض، وما يكثر عليهم من الدنيا، حتى إنهم ليأكلون
الفالوذج. قال: وما الفالوذج؟ قال: يخلطون العسل والسمن جميعا.
فشهق النبي، صلى الله عليه وسلم، من ذلك شهقة ". هذا حديث منكر أخرجه ابن
ماجة (1).
92 - أبو قدامة السرخسي * (خ، م، س)
الامام العالم الحافظ، شيخ الاسلام، أبو قدامة، عبيد الله بن سعيد
ابن يحيى بن برد اليشكري مولاهم السرخسي، نزيل نيسابور.
سمع سفيان بن عيينة، وحفص بن غياث، ويحيى بن سعيد، ومعاذ
ابن هشام، وإسحاق الأزرق، وعبد الرحمن بن مهدي، ووهب بن جرير،
وطبقتهم.
وكان واسع الرحلة، من أوعية العلم، ومن دعاة السنة. وفي النسخة
بكتاب " أفعال العباد " للبخاري: أخبرنا أبو قدامة، عن حماد بن زيد
هكذا، وما أعتقد أنه لحق حمادا.

(1) رقم (3340) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك السلمي عن إسماعيل بن عياش،
عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن يحيى، عن ابن عباس. قال البوصيري في " الزوائد "،
ورقة: 207: عبد الوهاب قال فيه أبو داود: يضع الحديث، وقال الحاكم: روى أحاديث
موضوعة. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات من طريق إسماعيل بن عياش به، وقال: هذا
حديث باطل لا أصل له.
* التاريخ الكبير 5 / 383، التاريخ الصغير 2 / 376، تاريخ الفسوي 1 / 212، الجرح
والتعديل 5 / 317، طبقات الحنابلة 1 / 198، تهذيب الكمال، ورقة: 880، تذكرة الحفاظ
2 / 500، 501، العبر 1 / 436، تذهيب التهذيب 2 / 264، 265، تهذيب التهذيب
7 / 16، خلاصة تذهيب الكمال: 250، شذرات الذهب 2 / 99.
405

حدث عنه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو زرعة، وإبراهيم بن
أبي طالب، والحسين بن محمد القباني، وجعفر الفريابي، وابن خزيمة،
وأبو العباس السراج، وخلق كثير.
قال النسائي: ثقة مأمون، قل من كتبنا عنه مثله.
وقال إبراهيم بن أبي طالب: ما قدم علينا نيسابور أثبت منه ولا أتقن
منه.
وقال أبو حاتم بن حبان: هو الذي أظهر السنة بسرخس، ودعا الناس
إليها.
وقال يحيى بن محمد الذهلي: كان أبو قدامة إماما فاضلا خيرا.
قال البخاري: مات أبو قدامة سنة إحدى وأربعين ومئتين. زاد غيره
بفربر.
ويقع لي من عالي روايته في " صفة المنافق ".
93 - عمرو بن زرارة * (خ، م، س)
ابن واقد المحدث الامام الثبت، أبو محمد الكلابي النيسابوري
المقرئ.
تلا على الكسائي، وحدث عن: هشيم، ويحيى بن زكريا بن أبي
زائدة، وعبد العزيز بن أبي حازم، وسفيان بن عيينة، وزياد بن عبد الله
البكائي، وابن علية، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، والنسائي، ومحمد بن يحيى

* التاريخ الكبير 6 / 332، التاريخ الصغير 2 / 369، الجرح والتعديل 6 / 233،
تهذيب الكمال، ورقة: 1034، 1035، العبر 1 / 427، تذهيب التهذيب 3 / 99، تهذيب
التهذيب 8 / 35، خلاصة تذهيب الكمال: 289، شذرات الذهب 2 / 90.
406

الذهلي، وأبو محمد الدارمي، وإبراهيم بن أبي طالب، والحسن بن
سفيان، وأبو العباس السراج، ومسدد بن قطن، وآخرون.
قال أحمد بن سيار: كان رجلا قصيرا إلى أدمة ما هو، طويل اللحية،
لا يخضب.
وقال النسائي: ثقة.
وقال أحمد بن سلمة، عن عمرو بن زرارة، قال: صحبت ابن علية
ثلاث عشرة سنة، ما رأيته يتبسم فيها.
قال الحاكم: سمع عمرو بن زرارة أبا عبيدة الحداد، وهشيما،
وسمى جماعة. قال: وقرأ على الكسائي، وقد أدركت من أعقابه جماعة.
قال السراج: كان فيه زعارة (1).
وقال داود بن الحسين البيهقي: كنا نختلف إلى عمرو بن زرارة،
فخرج علينا يوما، فضحك رجل، فقال عمرو: هب التحرج، أليس
التقى؟ هب التقى، أليس الحياء؟ ثم قام ودخل (2).
قلت: قد يقال للزعر الأخلاق: هب حسن الخلق ذهب، أليس
الحلم، وهب الحلم ذهب، أليس العفو.
قال البخاري: مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
94 - عمر بن زرارة *
المحدث الصادق، أبو حفص الحدثي، هو غير صاحب الترجمة، له

(1) يقال: في خلقه زعارة، بتشديد الراء وتخفيفها، أي شراسة وسوء خلق.
(2) انظر الخبر في " تهذيب الكمال "، ورقة: 35، وفيه: ودخل الدار، ولم يحدثنا
بحرف.
* تاريخ بغداد 11 / 202، 203، العبر 1 / 434، اللباب 1 / 348، لسان الميزان 4 / 306.
407

نسخة مشهورة عالية عند الكندي.
حدث عن: شريك القاضي، وأبي المليح الرقي، وجماعة.
حدث عنه: صالح بن محمد جزرة، وأبو القاسم البغوي.
وثقه الدارقطني.
وقال صالح جزرة: شيخ مغفل.
سئل أبو أحمد الحاكم (1): ما يقول الشيخ فيمن جعل عمر بن زرارة
الحدثي عمرو بن زرارة الكلابي؟ فقال: من هذا الطبل؟ فقالوا له: هو أبو
عبد الله بن البيع (2).
95 - سويد بن نصر * (ت، س)
الشاه الامام المحدث، أبو الفضل المروزي، من أبناء التسعين.
حدث عن: ابن المبارك، وأكثر عنه، وسفيان بن عيينة، ونوح بن أبي
مريم، وطائفة.
حدث عنه: الترمذي، والنسائي، والحسين بن إدريس الهروي،
والحسن بن الطيب البلخي، وآخرون.

(1) هو محدث خراسان، الامام الحافظ، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق
النيسابوري الكرابيسي، شيخ الحاكم صاحب " المستدرك "، وهو صاحب كتاب " الكنى ".
توفي سنة 378 ه‍.
(2) هو محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ، صاحب " المستدرك " وهو تلميذ أبي أحمد
المتقدم.
* التاريخ الكبير 4 / 148، التاريخ الصغير 2 / 372، الجرح والتعديل 4 / 239،
تهذيب الكمال، ورقة: 565، العبر 1 / 432، تذهيب التهذيب 2 / 65، تهذيب التهذيب
4 / 280، خلاصة تذهيب الكمال: 159، شذرات الذهب 2 / 94.
408

وثقه النسائي.
توفي سنة أربعين ومئتين بمرو. وفيها توفي سويد بن سعيد الهروي
الحدثاني، فالحدثاني أكبرهما وأشهرهما، والشاه أوثقهما وأتقنهما.
96 - الأنطاكي *
الامام القدوة، واعظ دمشق، أبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي
الزاهد.
يروي عن: أبي معاوية الضرير، ومخلد بن الحسين، والهيثم بن
جميل، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني.
حدث عنه: أحمد بن أبي الحواري، وأبو زرعة الدمشقي، ومحمود بن
خالد، وعبد العزيز بن محمد الدمشقي، وآخرون.
قال أبو حاتم الرازي: أدركته بدمشق، وكان صاحب مواعظ وزهد.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: أحمد بن عاصم يكنى أبا علي.
وقيل: أبو عبد الله من أقران بشر الحافي، وسري السقطي. كان يقال: هو
جاسوس القلوب.
قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أحمد بن عاصم، يقول: إذا
صارت المعاملة إلى القلب، استراحت الجوارح، هاه (1) غنيمة باردة،

* الجرح والتعديل 2 / 66، حلية الأولياء 9 / 280 وما بعدها، ميزان الاعتدال
1 / 106، البداية والنهاية 10 / 318، 319، طبقات الأولياء: 46، 47، طبقات الصوفية:
137، 140، طبقات الشعراني 1 / 97، الرسالة القشيرية: 23، خلاصة تذهيب
الكمال: 8.
(1) في " حلية الأولياء " 9 / 281: " هذه ".
409

أصلح فيما بقي، يغفر لك ما مضى، ما أغبط إلا من عرف مولاه.
وعنه قال: يسير اليقين يخرج كل الشك من القلب.
ابن أبي حاتم: قال لي علي بن عبد الرحمن، قال لي أحمد بن
عاصم: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، كما أن البيت إذا لم يسكن
خرب.
قال أبو زرعة: أملى علي أحمد بن عاصم الحكيم: الناس ثلاث
طبقات: مطبوع غالب وهم المؤمنون، فإذا غفلوا ذكروا، ومطبوع مغلوب
فإذا بصروا أبصروا ورجعوا بقوة العقل، ومطبوع مغلوب غير ذي طباع، ولا
سبيل إلى رد هذا بالمواعظ.
قلت: فما الظن إذا كان واعظ الناس من هذا الضرب عبد بطنه
وشهوته، وله قلب عري من الحزن والخوف، فإن انضاف إلى ذلك فسق
مكين، أو انحلال من الدين، فقد خاب وخسر، ولابد أن يفضحه الله
تعالى.
وعنه: الخير كله أن تزوى عنك الدنيا، ويمن عليك بالقنوع،
وتصرف عنك وجوه الناس.
وله من هذا النحو مواعظ نافعة، ووقع في النفوس. رحمه الله.
97 - سويد بن سعيد * (م، ق)
ابن سهل بن شهريار، الامام المحدث الصدوق، شيخ المحدثين،

* التاريخ الصغير 2 / 373، الجرح والتعديل 4 / 240، كتاب المجروحين والضعفاء
1 / 352، الكامل لابن عدي، ورقة: 185، 186، تاريخ بغداد 9 / 228، 232، تهذيب
الكمال، ورقة: 563، تذكرة الحفاظ 2 / 454، 455، العبر 1 / 432، ميزان الاعتدال
2 / 248، 251، تذهيب التهذيب 2 / 64، تهذيب التهذيب 4 / 272، 275، النجوم
الزاهرة 2 / 303، طبقات الحفاظ: 198، 199، خلاصة تذهيب الكمال: 159، شذرات
الذهب 2 / 94.
410

أبو محمد الهروي ثم الحدثاني الأنباري، نزيل حديثة النورة بليدة تحت
عانة، وفوق الأنبار، رحال جوال، صاحب حديث وعناية بهذا الشأن.
لقي الكبار، وحدث عن: مالك بن أنس ب‍ " الموطأ "، وحماد بن زيد،
وعمرو بن يحيى بن سعيد الأموي، وعبد الرحمن بن أبي الرجال، وشريك
القاضي، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، وسوار بن مصعب، وأبي
الأحوص، وحفص بن ميسرة الصنعاني، وعبد ربه بن بارق، ومسلم
الزنجي، وإبراهيم بن سعد، وخالد بن يزيد بن أبي مالك، وفضيل بن
عياض، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وبقية بن الوليد، وسفيان بن
عيينة، وعلي بن مسهر، وعبد العزيز بن أبي حازم، والدراوردي، وعبد
الرحمن بن أبي الزناد، وفرج بن فضالة، وخلق كثير بالحرمين والشام
والعراق ومصر.
روى عنه: مسلم، وابن ماجة، وبقية شيخه، وأبو عبد الرحمن
المقرئ، ومحمد بن سعد، وأحمد بن الأزهر، وأبو زرعة، وبقي بن
مخلد، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وإبراهيم بن هانئ، وعبيد
العجل، والحسن المعمري، وإسحاق المنجنيقي، وجعفر الفريابي،
وأحمد بن محمد بن الجعد الوشاء راوي " الموطأ " عنه، وسعيد بن عبد الله بن
عجب الأنباري، وعبد الله بن أحمد، والقاسم المطرز، وأبو القاسم
البغوي، وأبو بكر الباغندي، وآخرون.
قال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي أحاديث لسويد بن سعيد، عن
411

ضمام بن إسماعيل، فقال لي: اكتبها كلها، أو قال: تتبعها، فإنه صالح، أو
قال: ثقة.
قال الحسن الميموني: سأل رجل أبا عبد الله، يعني: أحمد، عن
سويد، فقال: ما علمت إلا خيرا. فقال له إنسان جاءه بكتاب فضائل،
فجعل عليا رضي الله عنه (أولها) (1)، وأخر أبا بكر وعمر. فعجب أبو عبد الله
من هذا، وقال: لعله (2) أتي من غيره. قالوا له: وثم تلك الأشياء؟، قال: فلم
تسمعونها أنتم، لا تسمعوها، ولم أره يقول فيه إلا خيرا.
وقال أبو القاسم البغوي: كان سويد من الحفاظ، وكان أحمد بن
حنبل ينتقي عليه لولديه صالح وعبد الله يختلفان إليه، فيسمعان منه.
وقال أبو داود: سمعت يحيى بن معين، يقول: سويد مات
منذ حين.
قلت: عنى أنه مات ذكره للينه، وإلا فقد بقي سويد بعد يحيى سبع
سنين.
قال: وسمعت يحيى، يقول: هو حلال الدم. وسمعت أحمد،
يقول: هو لا بأس به، أرجو أن يكون صدوقا.
وقال محمد بن يحيى السوسي الخزاز: سألت يحيى بن معين عن
سويد بن سعيد، فقال: ما حدثك فاكتب عنه. وما حدث به تلقينا فلا.
أي: إنه كان يقبل التلقين.
وقال عبد الله بن علي بن المديني: سئل أبي عن سويد الأنباري فحرك

(1) سقطت من الأصل، واستدركت من " تهذيب الكمال " ورقة: 563.
(2) في الأصل: " لعل "، وما أثبتناه من " تهذيب الكمال ".
412

رأسه، وقال: ليس بشئ. وقال: هذا أحد رجلين: إما يحدث من
حفظه، أو من كتابه. ثم قال: هو عندي لا شئ. قيل له: فأين حفظه
ثلاثة آلاف؟ قال: هذا أيسر، تكرر عليه.
وقال يعقوب السدوسي: صدوق مضطرب الحفظ، ولا سيما بعد ما
عمي.
وقال أبو حاتم: صدوق.
يدلس، ويكثر ذلك.
وقال البخاري: كان قد عمي، فتلقن ما ليس من حديثه.
وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.
أخبرني سليمان بن الأشعث، سمعت يحيى بن معين، يقول: سويد
ابن سعيد حلال الدم.
وقال صالح جزرة: صدوق عمي، فكان يلقن أحاديث ليست من
حديثه.
وقال الحاكم أبو أحمد: عمي في آخر عمره، فربما لقن ما ليس من
حديثه. فمن سمع منه وهو بصير، فحديثه عنه أحسن.
وقال أبو بكر الأعين: هو شيخ، هو سداد من عيش.
وقال سعيد بن عمرو البرذعي: رأيت أبا زرعة يسئ القول في سويد بن
سعيد، وقال: رأيت منه شيئا لم يعجبني، قلت: ما هو؟ قال: لما قدمت
من مصر، مررت به، فأقمت عنده، فقلت: إن عندي أحاديث لابن
وهب، عن ضمام، وليست عندك، فقال: ذاكرني بها، فأخرجت
الكتب، وأقبلت أذاكره، فكلما كنت أذاكره، كان يقول: حدثنا به ضمام،
وكان يدلس حديث حريز بن عثمان، وحديث نيار بن مكرم، وحديث عبد
413

الله بن عمرو: " زرغبا ". (1). فقلت: أبو محمد لم يسمع هذه الثلاثة
أحاديث من هؤلاء، فغضب. قال البرذعي: فقلت لأبي زرعة: فأيش
حاله؟ قال: أما كتبه فصحاح، وكنت أتتبع أصوله فأكتب منها، فأما إذا
حدث من حفظه، فلا. وقلنا لابن معين: إن سويدا يحدث عن ابن أبي
الرجال، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
" من قال في ديننا برأيه، فاقتلوه ". فقال يحيى: ينبغي أن يبدأ به فيقتل،
فقيل لأبي زرعة: سويد يحدث بهذا عن إسحاق بن نجيح (2) فقال: هذا
حديث إسحاق بن نجيح، إلا أن سويدا أتى به عن ابن أبي الرجال، قلت:
فقد رواه لغيرك عن ابن نجيح، قال: عسى قيل له فرجع.
ابن عدي: سمعت جعفرا الفريابي، يقول: أفادني أبو بكر الأعين في
قطيعة الربيع (3) سنة إحدى (4) وثلاثين بحضرة أبي زرعة، وجمع من رؤساء

(1) حديث: " زرغبا، تزدد حبا " من طريق ابن عمرو، أخرجه الطبراني، ورواه
الطبراني في " الأوسط " والبيهقي من حديث أبي هريرة، والبزار، والبيهقي في " الشعب " عن
أبي ذر، والطبراني والحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهري، والطبراني في " الأوسط " عن ابن
عمر، والخطيب البغدادي عن عائشة. وقد حسنه غير واحد من الأئمة بهذه الشواهد. انظر
" المقاصد الحسنة ".
(2) هو إسحاق بن نجيح الملطي، أحد الأفاكين الجرآء على وضع الحديث. ترجم له
المؤلف في " الميزان "، ونقل عن أحمد أنه من أكذب الناس. وقال ابن معين: معروف بالكذب
ووضع الحديث. وقال النسائي والدار قطني: متروك الحديث. وقال الفلاس: كان يضع
الحديث صراحا، ثم أورد له عدة أحاديث من أباطيله، ومنها هذا الحديث. وقد أورده ابن عدي
في " الكامل "، ورقة: 15 في ترجمة إسحاق بن نجيح هذا. ثم قال بعده: وهذه الرواية التي
بلغت يحيى بن معين أن سويدا حدث به عن أبي الرجال، فقال يحيى: لو كان عندي سيف
ودرقة، لغزوته. وإنما قال يحيى هذا لان ابن أبي الرجال لا يحتمل مثل هذه الرواية، وإسحاق
ابن نجيح يحتمل.
(3) وهي منسوبة إلى الربيع بن يونس، حاجب المنصور ومولاه، وكانت بالكرخ مزارع
للناس.
(4) في " الكامل ": " اثنتين ".
414

أصحاب الحديث حين أردت أن أخرج إلى سويد، فقال: وقفه، وتثبت
منه: هل سمعت هذا من عيسى بن يونس؟ فقدمت على سويد، فسألته،
فقال: حدثنا عيسى بن يونس، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن
جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
" تفترق هذه الأمة بضعا وسبعين فرقة، شرها قوم يقيسون الرأي، يستحلون
به الحرام، ويحرمون به الحلال " (1).
فوقفت سويدا عليه بعد أن حدثني به، ودار بيني وبينه كلام كثير.
قال ابن عدي: فهذا إنما يعرف بنعيم بن حماد، فتكلم الناس فيه من
جرأه، ثم رواه رجل من أهل خراسان، يقال له: الحكم بن المبارك، يكنى
أبا صالح الخواستي (2) ويقال: إنه لا بأس به ثم سرقه قوم ضعفاء ممن
يعرفون بسرقة الحديث، منهم: عبد الوهاب بن الضحاك، والنضر بن
طاهر، وثالثهم سويد الأنباري. ولسويد أحاديث كثيرة عن شيوخه، روى
عن مالك " الموطأ " ويقال: إنه سمعه خلف حائط فضعف في مالك أيضا،
وهو إلى الضعيف أقرب.
قال أبو بكر الإسماعيلي: في القلب من سويد من جهة التدليس، وما
ذكر عنه في حديث عيسى بن يونس الذي يقال: تفرد به نعيم (3).

(1) أخرجه ابن عدي في " الكامل "، ورقة: 185، وهو في " الميزان " أيضا للمؤلف
4 / 268.
(2) نسبة؟؟ " خواست "، من نواحي بلخ، ويقال: خواشت، بالشين، وخاست،
وخاشت. انظر صالح م البلدان " و " أنساب " السمعاني. قال المؤلف في " ميزانه " 1 / 579:
وثقه ابن منده، وأما ابن عدي، فإنه لوح في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن الوهبي بأنه ممن يسرق
الحديث، لكن ما أفرد له في " الكامل " ترجمة وهو صدوق.
(3) أي ابن حماد، يريد الحديث المتقدم، ونعيم ضعيف.
415

قال حمزة السهمي: سألت الدراقطني عن سويد بن سعيد، فقال:
تكلم فيه يحيى بن معين، وقال: حدث عن أبي معاوية، عن الأعمش،
عن عطية، عن أبي سعيد، أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: " الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة " (1).
قال يحيى بن معين: وهذا باطل عن أبي معاوية، لم يروه غير سويد.
وجرح سويد لروايته لهذا الحديث.
قال الدارقطني: فلم نزل نظن أن هذا كما قال يحيى، وأن سويدا أتى
أمرا عظيما في رواية هذا، حتى دخلت مصر، فوجدت هذا الحديث في
" مسند " أبي يعقوب المنجنيقي - وكان ثقة - رواه عن أبي كريب، عن أبي كريب، عن أبي
معاوية، فتخلص سويد. وصح الحديث عن أبي معاوية، وقد حدث
النسائي، عن أبي يعقوب هذا (2).
قال البخاري: حديث سويد منكر.
وقد روى ابن الجوزي، أن أحمد بن حنبل، قال: هو متروك
الحديث. فهذا النقل مردود لم يقله أحمد.

(1) هو في " الميزان " 2 / 250.
(2) الحديث صحيح بشواهده، أخرجه الإمام أحمد في " المسند " 3 / 3 و 62 و 64 و
82، والترمذي (3771) من طريق الفضل بن دكين، عن سفيان، عن يزيد بن زياد، عن عبد
الرحمن بن أبي نعيم الكوفي البجلي، عن أبي سعيد الخدري. وقال الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح. وصححه ابن حبان (2228)، والحاكم 3 / 166، والذهبي المؤلف. وفي
الباب عن حذيفة عند الترمذي (3773) وحسنه، وصححه ابن حبان (2229)، وعن عبد الله
ابن مسعود عند الحاكم 3 / 167 وصححه، ووافقه الذهبي، وعن قرة بن إياس، ومالك بن
الحويرث، وجابر بن عبد الله، والحسين بن علي، والبراء بن عازب عند الطبراني، كما في
" المجمع " 9 / 182، 184.
416

ومن مناكير سويد، وهو مشهور عنه، عن يزيد بن زريع، عن شعبة،
عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قيل: يا رسول الله، لو
صليت على أم سعد، فصلى عليها بعد شهر، وكان غائبا (1). وهذا لم
يتابع سويد عليه.
سويد: حدثنا ابن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله
مرفوعا: " المهدي من ولد فاطمة ".
رواه إسحاق المنجنيقي عنه، وإنما روى الناس عن ابن عيينة بالاسناد:
" يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " (2).
أبو بكر الإسماعيلي: حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي من كتابه
الأصل، قال: حدثنا سويد، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، عن
أبي بكر: " أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أهدى لأبي بكر " (3).
قال الخطيب: لم يتابع سويد عليه.
روى الحسين بن فهم، عن يحيى بن معين - وذكر سويدا - فقال:
لاصلى الله عليه.
وقال أبو أحمد بن عدي في حديث: " من قال في ديننا برأيه فاقتلوه " (4)

(1) ذكره ابن عدي في " الكامل "، ورقة: 185 في ترجمة سويد بن سعيد.
(2) هو في " الكامل "، ورقة: 185 في ترجمة سويد بن سعيد، وذكره المؤلف في
" الميزان " 2 / 249، وأخرجه أبو داود (4282)، والترمذي (2231)، وسنده حسن. وقال
الترمذي: حسن صحيح.
(3) هو في " الميزان " للمؤلف 2 / 249 بلفظ: "... أهدى جملا لأبي بكر ".
(4) سبق تخريجه في الصفحة: 414، التعليق رقم (2).
417

هذا الحديث الذي قال يحيى بن معين: لو وجدت درقة وسيفا، لغزوت
سويدا الأنباري.
وقال أبو عبد الله الحاكم: أنكر على سويد حديث: " من عشق وعف
وكتم ومات، مات شهيدا "، (1) ثم قال: فقال: إن يحيى لما ذكر له هذا،
قال: لو كان لي فرس ورمح، غزوت سويدا.
وقال إبراهيم بن أبي طالب: قلت لمسلم: كيف استجزت الرواية عن
سويد في " الصحيح "؟ قال: فمن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟
قلت: ما كان لمسلم أن يخرج له في الأصول. وليته عضد أحاديث حفص بن
ميسرة، بأن رواها بنزول درجة أيضا.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب الشعرية، أخبرتنا فاطمة بنت
زعبل، أخبرنا عبد الغافر الفارسي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا
الحسن بن سفيان، حدثنا سويد، حدثنا شهاب بن خراش، عن محمد بن
زياد، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: " ما بعث الله نبيا إلا كان فيهم
المرجئة والقدرية يشوشون عليه أمر أمته، وإن الله لعنهم على لسان سبعين
نبيا " (2). وهذا منكر.

(1) أخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخه " 5 / 156 و 262 و 6 / 50، 51 و 13 / 184
وابن عساكر وغيرهما، من طرق عن سويد بن سعيد الحدثاني، حدثنا علي بن مسهر، عن أبي
يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس. وسنده ضعيف لضعف سويد وأبي يحيى القتات.
واتفق الأئمة المتقدمون من أهل الحديث على تضعيفه، وأعلوه بسويد. كما بسطه ابن القيم،
رحمه الله، في " زاد المعاد " 4 / 275، 278 وحكم ببطلانه، وله طريق آخر عند الخرائطي في
" اعتلال القلوب " من رواية يعقوب بن عيسى، وهو ضعيف لا تقوم به حجة، فقد ضعفه أهل
الحديث، ونسبوه إلى الكذب.
(2) أورده الذهبي في " الميزان " 2 / 250.
418

ابن عدي: حدثنا الباغندي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عبد
الحميد بن الحسن، عن ابن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " كل معروف صدقة، وما أنفق الرجل على أهله ونفسه فهو صدقة،
وما وقى به عرضه فهو صدقة، وما أنفق من نفقة، فعلى الله خلفها، إلا ما
كان في بنيان أو معصية " (1) غريب جدا.
إبراهيم بن محمد بن عرفه نفطويه: حدثنا محمد بن داود بن علي،
حدثنا أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن أبي يحيى
القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا، قال: " من عشق وكتم وعف
وصبر، غفر الله له، وأدخله الجنة " (2).
أخبرنا أحمد بن إسحاق القرافي، أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا
أحمد بن أبي غالب الزاهد، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا أبو طاهر
المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا زياد
ابن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد، قال: نظرت في أعمال
البر، فإذا الصلاة تجهد البدن، ولا تجهد المال، وكذلك الصيام. قال: والحج
يجهد المال والبدن، فرأيت أن الحج أفضل من ذلك كله. (3)
فضل الأعمال بعضها على بعض، إنما هو التوقيف، وورد في ذلك
أحاديث عدة، لكن إذا قلنا مثلا: أفضل الأعمال الصلاة، فينبغي أن يعرف
المقدار الذي هو من الصلاة أفضل من الحج مرة. وكذا إذا قلنا: الصلاة

(1) سويد، ضعيف، وشيخه فيه عبد الحميد بن الحسن ضعفه غير واحد، وأورده
المؤلف في " الميزان " 2 / 250.
(2) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(3) ذكره المؤلف في " الميزان " 2 / 251.
419

أفضل من الصوم، وأمثال ذلك، بل المسلمان يصومان يوما، ويصليان
ركعتين من النفل، وبينهما من مضاعفة الثواب ما الله به عليم لما يقع في ذلك
من الصفات.
قال البخاري: مات سويد يوم الفطر سنة أربعين ومئتين بالحديثة (1).
قال البغوي: بلغ مئة سنة.
98 - هشام بن عمار * (خ، 4)
ابن نصير بن ميسرة بن أبان، الامام الحافظ العلامة المقرئ، عالم
أهل الشام، أبو الوليد السلمي، ويقال: الظفري، خطيب دمشق.
نقل عنه الباغندي، قال: ولدت سنة ثلاث وخمسين ومئة.
وسمع من: مالك، وتمت له معه قصة، ومسلم الزنجي، وعبد
الرحمن بن أبي الرجال، ومعاوية بن يحيى الأطرابلسي، ومعروف أبي
الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع، ويحيى بن حمزة، وهقل بن زياد،
وعبد الرحمن بن سعد بن عمار القرظي، وإسماعيل بن عياش، ورديح بن
عطية، ورفدة بن قضاعة، والجراح بن مليح البهراني، والبختري بن عبيد

(1) بفتح الحاء والثاء المثلثة، بينهما دال مكسورة، وهي بليدة كانت على دجلة بالجانب
الشرقي، قرب الزاب الاعلى. قال ابن الكلبي: وإنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من
تحول من أهل الأنبار أيام الحجاج بن يوسف. انظر " معجم البلدان ".
* طبقات ابن سعد 7 / 473، التاريخ الكبير 8 / 199، التاريخ الصغير 2 / 382،
الجرح والتعديل 9 / 66، 67، تهذيب الكمال، ورقة: 1442، 1444، تذكرة الحفاظ
2 / 451، العبر 1 / 445، ميزان الاعتدال 4 / 302، 304، تذهيب التهذيب 10 / 345،
معرفة القراء الكبار 1 / 160، 163، البداية والنهاية 10 / 345، غاية النهاية في طبقات القراء
2 / 354، تهذيب التهذيب 11 / 51، 54، النجوم الزاهرة 2 / 321، طبقات الحفاظ:
197، خلاصة تذهيب الكمال: 412، شذرات الذهب 2 / 109، 110.
420

الطابخي، وحاتم بن إسماعيل، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحفص
ابن سليمان المقرئ، والحسن بن يحيى الخشني، والربيع بن بدر
السعدي، وسعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وسعدان بن يحيى،
وسويد بن عبد العزيز القاضي، وصدقة بن خالد، وشعيب بن إسحاق،
والوليد بن مسلم، وعيسى بن يونس، وبقية بن الوليد، وإبراهيم بن أعين،
وأيوب بن تميم، وأيوب بن سويد، وحرملة بن عبد العزيز، والحسن بن
يحيى، ومسلمة بن علي الخشنيين، وحفص بن عمر البزاز، والحكم بن هشام
التقفي، وحماد بن عبد الرحمن الكلبي، وحماد أبي الخطاب، والخليل
ابن موسى، وزكريا بن منظور، وسبرة الجهني أخو حرملة المذكور، وسعيد
ابن الفضل البصري، وسفيان بن عيينة، وسليم بن مطير، وسليمان بن
عتبة، وسليمان بن موسى الزهري، وسهل بن هاشم البيروتي، وشهاب بن
خراش، وصدقة بن عمرو، وضمرة بن ربيعة، وعبد الله بن الحارث
الجمحي، وعبد الله بن رجاء المكي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن
جابر، وعبد الحميد بن أبي العشرين، وعبد ربه بن ميمون، وعبد الرحمن
ابن أبي الجون، وعبد العزيز بن أبي حازم، والدراوردي، وعبد العزيز بن
الحصين، وعبد الملك الصنعاني، وعثمان بن حصن، وعراك بن خالد،
وعطاء بن مسلم، والعطاف بن خالد، وأبي نوفل علي بن سليمان، وأبيه
عمار، وعمر بن الدرفس، وعمر بن عبد الواحد، وعمر بن مغيرة، وعمرو
ابن واقد، وعيسى بن خالد اليمامي، وغالب بن غزوان الثقفي، والقاسم بن
عبد الله بن عمر، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي، ومحمد بن حرب، وابن شابور (1)،

(1) هو محمد بن شعيب بن شابور، بالمعجمة والموحدة، أموي دمشقي، نزل بيروت،
صدوق صحيح الكتاب، من كبار التاسعة، مات سنة 200 ه‍. انظر ترجمته في " تهذيب
التهذيب " 9 / 222، 224.
421

وابن سميع (1)، ومروان بن معاوية، ومعن القزاز، والهيثم بن
حميد، والهيثم بن عمران، ووزير بن صبيح، ويحيى بن سليم الطائفي،
ويوسف بن محمد بن صيفي، وعدة سواهم مذكورين في " تهذيب
الكمال " وفي " تاريخ دمشق ".
فلقد كان من أوعية العلم، وكان ابتداء طلبه للعلم وهو حدث قبل
السبعين ومئة، وفيها، وقرأ القرآن على أيوب بن تميم، وعلى الوليد بن مسلم،
وجماعة سيأتي ذكرهم في أثناء ترجمته.
تلا على هشام طائفة، منهم: أحمد بن يزيد الحلواني، وأبو عبيد،
ومات قبله، وهارون الأخفش، وإسماعيل بن الحويرس، وأحمد بن
محمد بن ماموية، وطائفة.
وروى عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، ومات قبله بنيف وعشرين سنة،
ومحمد بن سعد، ومات قبله ببضع عشرة سنة، ومؤمل بن الفضل
الحراني كذلك، ويحيى بن معين كذلك.
وحدث عنه من كبار شيوخه: الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب
ابن شابور.
وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخاري، وأبو داود، والنسائي،
وابن ماجة، وروى الترمذي عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى
الشام، ووهم من زعم أنه دخل دمشق.

(1) هو محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، بالتصغير، صدوق يخطئ ويدلس، من
التاسعة، مات سنة أربع، وقيل: سنة ست ومئتين. انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب "
9 / 390، 392.
422

نعم، وحدث عنه بشر كثير، وجم غفير، منهم: ولده أحمد، وأبو
زرعة الدمشقي والرازي، وأبو حاتم، ودحيم، ومحمد بن عوف،
والذهلي، ونوح بن حبيب، ويعقوب الفسوي، ويزيد بن عبد الصمد،
وبقي بن مخلد، وصالح بن محمد جزرة، والحسن بن محمد بن بكار،
وابن أبي عاصم، وأحمد بن يحيى البلاذري المؤرخ، وإسحاق بن إبراهيم
ابن أبي حسان الأنماطي، وإسحاق بن إبراهيم البستي القاضي، وإسحاق
ابن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي، بمعجمة، وإسحاق بن أبي
عمران الأسفراييني الشافعي، وجعفر بن أحمد بن عاصم، وجعفر
الفريابي، وجماهر بن أحمد الزملكاني، والحسين بن عبد الله الرقي
القطان، والحسين بن الهيثم الرازي الكسائي، وحمدان بن غارم
البخاري، وخالد بن روح الثقفي، وزكريا خياط السنة، وسعد البيروتي،
وسليمان بن حذلم (1)، وسلامة بن ناهض المقدسي، والضحاك بن الحسين
الاستراباذي، و عبد الله بن عتاب الزفتي، وعبد الله بن محمد بن سلم
المقدسي، وعبد الله بن محمد بن طويط الرملي، وعبد الحميد بن محمود
ابن خالد السلمي، وعبد الرحيم بن عمر المازني، وأبو الأصبغ عبد العزيز
ابن محمد، وعبدان الأهوازي، وعثمان بن خرزاد، وعلي بن الحسين بن
ثابت الرازي، وعمرو بن أبي زرعة الدمشقي، والفضل بن العباس الرازي
فضلك، وقسطنطين الرومي، ومحمد بن أحمد بن عبيد بن فياض الوراق،
ومحمد بن بشر بن يوسف الأرموي (2)، وابن قتيبة العسقلاني، وأبو بكر
محمد بن خريم العقيلي، ومحمد بن شيبة الراهبي، ومحمد بن صالح بن
أبي عصمة، ومحمد بن عبدوس بن جرير الصوري، ومحمد بن عمير

(1) في الأصل: " حذيم " والتصحيح من ابن ماكولا و " التهذيب ".
(2) في " التهذيب ": " الأموي ".
423

الرملي، ومحمد بن عون الوحيدي، ومحمد بن الفيض الغساني، وأبو بكر
الباغندي، ومحمد بن وضاح القرطبي، ومحمد بن يحيى بن رزين
الحمصي، ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد، ومحمد بن يوسف بن بشير
الهروي، ومحمود بن سميع الحافظ، وأبو عمران موسى بن سهل الجوني،
ونصر بن زكريا نزيل بخارى، وهميم بن همام الآملي، ووريزة بن محمد الغساني،
ويحيى بن محمد بن أبي صغير الحلبي، وأمم سواهم.
وثقه يحيى بن معين فيما نقله معاوية بن صالح، وابن الجنيد، وروى
أبو حاتم الرازي، عن يحيى بن معين: كيس كيس.
وقال أحمد العجلي: ثقة. وقال مرة: صدوق.
وقال النسائي: لا بأس به.
وقال الدارقطني: صدوق كبير المحل.
وقال أبو حاتم: صدوق، لما كبر تغير، وكل ما دفع إليه قرأه، وكل ما
لقن تلقن، وكان قديما أصح. كان يقرأ من كتابه.
وقال أبو داود: سمعت يحيى بن معين، يقول: هشام بن عمار
كيس.
ثم قال أبو داود: سليمان بن بنت شرحبيل أبو أيوب خير منه، هشام
حدث بأرجح من أربع مئة حديث، ليس لها أصل مسندة كلها، كان فضلك
يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره، يلقنها هشاما، ويقول هشام: حدثني (1)،
قد روي، فلا أبالي من حمل الخطأ.

(1) كذا في الأصل، وهو موافق لما في " تهذيب الكمال ". وفي تذهيب المؤلف، وتهذيب
ابن حجر: " حديثي ".
424

وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: كان فضلك يدور بدمشق
على أحاديث أبي مسهر والشيوخ يلقنها هشام بن عمار، فيحدثه بها. وكنت
أخشى أن يفتق في الاسلام فتقا.
أحمد بن خالد الخلال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن
عمار، وليس بالكذوب، فذكر حديثا.
وقال هاشم بن مرثد: سمعت ابن معين، يقول: هشام بن عمار
أحب إلي من ابن أبي مالك.
قال أبو القاسم بن الفرات: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني
المقرئ، لما توفي أيوب بن تميم، يعني: مقرئ دمشق، رجعت الإمامة
حينئذ إلى رجلين: أحدهما مشتهر بالقراءة والضبط، وهو ابن ذكوان، فائتم
الناس به، والآخر مشتهر بالنقل والفصاحة والرواية، والعلم، والدراية،
وهو هشام بن عمار، وكان خطيبا بدمشق، رزق كبر السن، وصحة العقل
والرأي، فارتحل الناس إليه في نقل القراءة والحديث.
نقل القراءة عنه أبو عبيد قبل موت هشام بنحو من أربعين سنة، وحدث
عنه هو والوليد بن مسلم، وابن شابور.
وكان ابن ذكوان يفضله، ويرى مكانه لكبر سنة. ولد قبله بعشرين
سنة. فأخذ القراءة عن أيوب تلاوة، كما أخذها ابن ذكوان، وزاد عليه
بأخذه القراءة عن الوليد، وسويد بن عبد العزيز، وصدقة بن هشام - كذا
قال، وأظنه أراد صدقة بن خالد - وعراك بن خالد، وصدقة بن يحيى،
ومدرك بن أبي سعد، وعمر بن عبد الواحد. وكل هؤلاء أئمة، قرؤوا على
يحيى بن الحارث.
فلما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين، اجتمع الناس على إمامة
425

هشام بن عمار في القراءة والنقل. وتوفي بعده بثلاث سنين.
قلت: هشام عظيم القدر، بعيد الصيت، وغيره أتقن منه وأعدل.
رحمه الله تعالى.
قال أبو أحمد بن عدي في " كامله ": سمعت قسطنطين بن عبد الله
مولى المعتمد، يقول: حضرت مجلس هشام بن عمار، فقال المستملي:
من ذكرت؟ فقال: أخبرنا بعض مشايخنا، ثم نعس، ثم قال له: من ذكرت؟
فنعس، فقال المستملي: لا تنتفعوا به، فجمعوا له شيئا فأعطوه. فكان
بعد ذلك يملي عليهم حتى يملوا.
وقال محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الأصبهاني: سمعت ابن
وارة، يقول: عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام بن عمار، لأنه كان
يبيع الحديث.
قلت: العجب من هذا الامام مع جلالته، كيف فعل هذا، ولم يكن
محتاجا، وله اجتهاده.
قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث،
ولا يحدث ما لم يأخذ، فدخلت عليه، فقال: يا أبا علي، حدثني بحديث
لعلي بن الجعد، فقال: حدثنا ابن الجعد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن
الربيع، عن أبي العالية، قال: علم مجانا كما علمت مجانا. قال:
تعرضت بي يا أبا علي؟ فقلت: ما تعرضت، بل قصدتك.
وقال صالح أيضا: كنت شارطت هشاما أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة،
فكنت آخذ الكاغد الفرعوني (1)، وأكتب مقرمطا. فكان إذا جاء الليل، أقرأ

(1) نسبة إلى الورق المصري.
426

عليه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة، يقعد وأقرأ عليه، فيقول: يا
صالح، ليس هذه ورقة، هذه شقة.
الإسماعيلي: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار، قال: كان هشام بن
عمار يلقن، وكان يلقن كل شئ ما كان من حديثه. فكان يقول: أنا قد
أخرجت هذه الأحاديث صحاحا. وقال الله تعالى: (فمن بدله بعدما
سمعه، فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (البقرة: 181)، قال: وكان
يأخذ على كل ورقتين درهما. ويشارط، ويقول: إن كان الخط دقيقا،
فليس بيني وبين الدقيق عمل. وكان يقول: وذاك أني قلت له: إن كنت
تحفظ فحدث، وإن كنت لاتحفظ، فلا تلقن ما يلقن، فاختلط من ذلك،
وقال: أنا أعرف هذه الأحاديث. ثم قال لي بعد ساعة: إن كنت تشتهي أن
تعلم، فأدخل إسنادا في شئ، فتفقدت الأسانيد التي فيها قليل اضطراب،
فجعلت أسأله عنها، فكان يمر فيها يعرفها.
قال أبو بكر المروذي: ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار، فقال:
طياش خفيف.
خيثمة: سمعت محمد بن عوف، يقول: أتينا هشام بن عمار في
مزرعة له، وهو قاعد على مورج له، وقد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ،
غط عليك. فقال: رأيتموه؟! لن ترمد عينكم أبدا، يعني: يمزح.
قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي: أخبرني بعض أصحاب
الحديث ببغداد أن هشام بن عمار، قال: سألت الله تعالى سبع حوائج،
فقضى لي منها ستا، والواحدة، ما أدري ما صنع فيها. سألته أن يغفر لي
ولوالدي، فما أدري، وسألته أن يرزقني الحج، ففعل، وسألته أن يعمرني
مئة سنة، ففعل. قلت: إنما عاش اثنتين وتسعين سنة. ثم قال: وسألته أن
427

يجعلني مصدقا على حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففعل. وسألته أن يجعل
الناس يغدون إلي في طلب العلم، ففعل. وسألته أن أخطب على منبر
دمشق، ففعل. وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالا ففعل. قال: فقيل له:
كل شئ قد عرفناه، فألف دينار حلال من أين لك؟ فقال: وجه المتوكل
بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا، يعني لما سكن دمشق، وبني له
القصر بداريا. قال: ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات.
فجلست، فانكشف ذكري، فرآه الغلام، فقال: استتر يا عم. قلت:
رأيته؟ قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبدا إن شاء الله. قال: فلما
دخل على المتوكل، ضحك. قال: فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل
حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم، احملوا إليه ألف دينار. فحملت
إلي، فأتتني من غير مسألة، ولا استشراف نفس.
فهذه حكاية منقطعة. ولعلها جرت.
قال أبو بكر محمد بن سليمان الربعي: حدثنا محمد بن الفيض
الغساني، سمعت هشام بن عمار، يقول: باع أبي (1) بيتا له بعشرين
دينارا، وجهزني للحج. فلما صرت إلى المدينة، أتيت مجلس مالك،
ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها. فأتيته، وهو جالس في هيئة الملوك،
وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم. فلما انقضى المجلس، قال
لي بعض أصحاب الحديث: سل عن ما معك؟ فقلت له: يا أبا عبد الله، ما
تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان، يا غلام، أحمله.
فحملني كما يحمل الصبي، وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرة مثل درة
المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي، فقال لي: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه

(1) في الأصل: " ابني " وهو خطأ.
428

الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله، ووجه بي أتشرف بك، وبالسماع منك،
فضربتني؟ فقال: اكتب، قال: فحدثني سبعة عشر حديثا، وسألته عما كان معي
من المسائل فأجابني.
قال يعقوب بن إسحاق الهروي، عن صالح بن محمد الحافظ:
سمعت هشام بن عمار، يقول: دخلت على مالك، فقلت له: حدثني،
فقال: اقرأ، فقلت: لا. بل حدثني، فقال: اقرأ، فلما أكثرت عليه،
قال: يا غلام، تعال اذهب بهذا، فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني
خمس عشرة درة، ثم جاء بي إليه، فقال: قد ضربته، فقلت له: لم
ظلمتني؟ ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك في حل، فقال
مالك: فما كفارته؟ قلت: كفارته أن تحدثني بخمسة (1) عشر حديثا.
قال: فحدثني بخمسة عشر حديثا. فقلت له: زد من الضرب، وزد في
الحديث، فضحك مالك، وقال: اذهب.
قال الخليلي: سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، حدثنا
الحسن بن علي الطوسي، سمعت محمد بن طرخان، سمعت هشام بن
عمار، يقول: قصدت باب مالك، فهجمت عليه بلا إذن، فأمر غلاما له،
حتى ضربني سبعة عشر ضرب السلاطين. وأخرجت، فقعدت على بابه
أبكي، ولم أبك للضرب، بل بكيت حسرة، فحضر جماعة. قال:
فقصصت عليهم، فشفعوا في، فأملى علي سبعة عشر حديثا.
قال محمد بن خريم الخريمي: سمعت هشام بن عمار، يقول في
خطبته: قولوا الحق، ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا
بالحق.

(1) في الأصل " بخمس " وهو خطأ.
429

معروف بن محمد بن معروف الواعظ، عن أبي المستضئ معاوية بن
أوس السكسكي من أهل بيت قوفا، قال: رأيت هشام بن عمار إذا مشى
أطرق إلى الأرض لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل.
قلت: وكان هشام خطيبا بليغا صاحب بديهة.
روى عنه عبدان الجواليقي، قال: ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة.
ثم قال عبدان: ما كان في الدنيا مثله.
وقال أبو زرعة الرازي: من فاته هشام بن عمار، يحتاج أن ينزل في
عشرة آلاف حديث.
قال أبو بكر أحمد بن المعلى القاضي: رأيت هشام بن عمار في
النوم، والمشايخ متوافرون، سليمان بن عبد الرحمن وغيره، وهو يكنس
المسجد، فماتوا، وبقي هو آخرهم.
قال ابن حبان البستي: كانت أذناه لاصقتين برأسه، وكان يخضب
بالحناء.
قلت: لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة (1)، رواه عن

(1) أخرجه الترمذي (2549)، باب ما جاء في سوق الجنة، من طريق محمد بن
إسماعيل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي
العشرين، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ونصه بتمامه: " إن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم
الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض
الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم - وما فيهم
من دني - على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا. قال
أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية
الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك
المجلس رجل إلا حاصره الله محاصرة، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم
كذا وكذا؟ فيذكر ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة
مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه. فبينما هم على ذلك، غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت
عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط. ويقول ربنا، تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم
من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة، وفيه ما لم تنظر العيون إلى
مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا
يشترى. وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة
المرتفعة، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دني - فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر
حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه ما ينبغي لاحد أن يحزن فيها، ثم ننصرف إلى
منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبا وأهلا، لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا
عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا ".
وأخرجه ابن ماجة (4336) عن هشام بن عمار به.
430

محمد بن إسماعيل البخاري عنه، ورواه ابن ماجة عاليا عنه. ووقع لي عاليا
في أمالي أبي الحسين بن سمعون، رواه عن شيخ ليس بثقة، يقال له:
أحمد بن سليمان بن زبان الكندي، عن هشام. وابن زبان هو آخر من زعم
في الدنيا، أنه سمع من هشام، وبقي بعده إلى سنة ثمان وثلاثين وثلاث
مئة، وله جزء مشهور.
قال الفسوي: سمعت هشام بن عمار، يقول: سمعت من سعيد بن
بشير مجلسا مع أصحابنا، فلم أكتبه، وسمعت الكثير من بكير بن معروف.
قال عبدان الأهوازي: كنا لا نصلي خلف هدبة بن خالد من طول
صلاته، يسبح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه
خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه، وكل شئ حتى في صلاته.
قلت: أما قول الإمام فيه: طياش، فلانه بلغه عنه أنه قال في
خطبته: الحمد الله الذي تجلى لخلقه بخلقه. فهذه الكلمة لا ينبغي
431

إطلاقها، وإن كان لها معنى صحيح، لكن يحتج بها الحلولي والإتحادي.
وما بلغنا أنه سبحانه وتعالى تجلى لشئ إلا بجبل الطور، فصيره دكا. وفي
تجليه لنبينا، صلى الله عليه وسلم، اختلاف أنكرته عائشة، وأثبته ابن عباس (1).
وبكل حال كلام الاقران بعضهم في بعض يحتمل، وطيه أولى من بثه
إلا أن يتفق المتعاصرون على جرح شيخ، فيعتمد قولهم، والله أعلم.
وقد روى هشام غير حديث، عن ابن لهيعة في كتابه إليه. وحسبك
قول أحمد بن أبي الحواري مع جلالته: إذا حدثت ببلد فيه مثل هشام بن
عمار يجب للحيتي أن تحلق.
وقال أبو بكر المروذي في كتاب " القصص ": ورد علينا كتاب من
دمشق: سل لنا أبا عبد الله، فإن هشاما، قال: لفظ جبريل عليه السلام،
ومحمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن مخلوق. فسألت أبا عبد الله، فقال: أعرفه طياشا، لم
يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدا. هذا قد تجهم في كلام غير
هذا. قلت: كان الإمام أحمد يسد الكلام في هذا الباب، ولا يجوزه،
وكذلك كان يبدع من يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق. ويضلل من يقول:
لفظي بالقرآن قديم، ويكفر من يقول: القرآن مخلوق. بل يقول: القرآن
كلام الله منزل غير مخلوق، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ. ولا ريب
أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا، والقرآن الملفوظ المتلو كلام الله تعالى غير
مخلوق، والتلاوة والتلفظ والكتابة والصوت به من أفعالنا، وهي مخلوقة، والله
أعلم.

(1) انظر تحقيق المسألة في " زاد المعاد " 3 / 36، 37.
432

قال ابن عدي في " كامله ": حدثنا الحسين بن عبد الله القطان،
حدثنا هشام بن عمار، قال: كتب إلينا ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عن
عقبة بن عامر: قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليعجب إلى الشاب
ليست له صبوة " (1).
قال محمد بن خريم العقيلي: سمعت هشام بن عمار، يخطب:
قولوا الحق ينزلكم الحق منازل أهل الحق، يوم لا يقضى إلا بالحق.
وقال محمد بن الفيض الغساني: كان هشام بن عمار يربع بعلي،
رضي الله عنه.
قلت: خالف أهل بلده، وتابع أئمة الأثر.
وقال أبو حاتم: لما كبر هشام، تغير.
قال محمد بن الفيض: سمعت هشاما، يقول: في جوسية (2) رجل
شرعبي (3)، كان له بغل، فكان يدلج على بغله من جوسية، وهي من قرى
حمص يوم الجمعة، فيصلي الجمعة في مسجد دمشق، ثم يروح، فيبيت
في أهله، فكان الناس يعجبون منه. ثم إن بغله مات، فنظر إلى جنبيه،
فإذا ليس له أضلاع، إنما له صفحتان، عظم مصمت. ثم قال محمد بن

(1) إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة. وأبو عشانة اسمه حي بن يؤمن، وهو ثقة، وأخرجه
أحمد 4 / 151 من طريق قتيبة بن سعيد، عن ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عن عقبة بن عامر.
(2) بالضم ثم السكون، وكسر السين المهملة، وياء خفيفة مفتوحة: وهي قرية من قرى
حمص، تقع إلى الجنوب منها، على الخط المعبد بين حمص وبعلبك، وتبعد عن حمص
حوالي ستة فراسخ.
(3) أي طويل، حسن الجسم، قال طفيل:
أسيلة مجرى الدمع، خمصانة الحشي * برود الثنايا، ذات خلق مشرعب
433

الفيض: وسمعت جدي، وبكار بن محمد يذكران حديث الشرعبي، كما
قال هشام بن عمار. رواها تمام الرازي عن محمد بن سليمان الربعي عنه.
وقال محمد بن الفيض أيضا: جاء رجل من قرية الحرجلة (1) يطلب
لعرس أخيه لعابين، فوجد الوالي قد منعهم، فجاء يطلب مغبرين، يعني:
مزمزمين يغبرون بالقضيب، قال: فلقيه صوفي ماجن، فأرشده إلى ابن
ذكوان، وهو خلف المنبر، فجاءه، وقال: إن السلطان قد منع المخنثين.
فقال: أحسن والله، فقال: فنعمل العرس بالمغبرين، وقد دللت عليك،
فقال: لنا رفيق، فإن جاء، جئت، وهو ذاك، وأشار إلى هشام بن عمار.
فقام الرجل إليه، وهو عند المحراب متكئ، فقال الرجل لهشام: أبو من
أنت، فرد عليه ردا ضعيفا، فقال: أبو الوليد، فقال: يا أبا الوليد، أنا من
الحرجلة، قال: ما أبالي من أين كنت. قال: إن أخي يعمل عرسه،
فقال: فماذا أصنع؟ قال: قد أرسلني أطلب له المخنثين. قال: لابارك الله
فيهم ولا فيك. قال: وقد طلب المغبرين فأرشدت إليك. قال: ومن
بعثك؟ قال: هذاك الرجل، فرفع هشام رجله، ورفسه، وقال: قم.
وصاح بابن ذكوان: أقد تفرغت لهذا؟! قال: إي والله، أنت رئيسنا، لو
مضيت مضينا.
قال ابن الفيض: رأى هشام عصا لابن ذكوان، فقال: أنا أكبر من
أبيه، وما أحمل عصا.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن
عمر القاضي، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، قالوا: أخبرنا
أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا

(1) بضم الحاء والجيم، بينهما راء ساكنة، وتشديد اللام المفتوحة: من قرى دمشق.
434

جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد العزيز بن أبي
حازم، عن أبيه، عن ابن عمر، أنه رأى الناس يدخلون المسجد، فقال:
من أين جاء هؤلاء؟ قالوا: من عند الأمير، فقال: إن رأوا منكرا أنكروه،
وإن رأوا معروفا أمروا به؟ فقالوا: لا. قال: فما يصنعون؟ قال:
يمدحونه، ويسبونه إذ اخرجوا من عنده. فقال ابن عمر: إن كنا لنعد النفاق
على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم فيما دون هذا. رواته ثقات، لكنه ليس
بمتصل. ما أظن أبا حازم سمعه من ابن عمر (1).
وبه: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا عوف بن
موسى البصري، سمعت معاوية بن قرة، يقول: أن لا نكون في نفاق،
أحب إلي من الدنيا وما فيها. كان عمر يخشاه، وآمنه أنا!
قال البخاري وغيره: توفي هشام بن عمار في آخر المحرم سنة خمس
وأربعين ومئتين. وكان ولده أحمد ممن قرأ عليه القرآن. وعاش إلى سنة ست عشرة
وثلاث مئة.
99 - عبد الله بن معاوية * (د، ت، ق)
الامام المحدث، أبو جعفر الجمحي الصدوق مسند البصرة. عاش
مئة عام.

(1) وأخرجه أحمد 2 / 105، وابن ماجة (3975) في الفتن، من طريق يعلى بن عبيد،
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء سليمان بن الأسود، قال: قبل لابن عمر: إنا
ندخل على أمرائنا، فنقول القول، فإذا خرجنا، قلنا غيره. قال: كنا نعد ذلك على عهد رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، النفاق. قال البوصيري في " الزوائد "، ورقة: 248: هذا إسناد صحيح، ورجاله
ثقات. وأخرجه البخاري في الاحكام 13 / 149 من طريق أبي نعيم، عن عاصم بن محمد بن
زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم
بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعدها نفاقا.
* التاريخ الصغير 2 / 287، تهذيب الكمال، ورقة: 744، العبر 1 / 440، تذهيب
التهذيب 2 / 189، تهذيب التهذيب 6 / 38، 39، خلاصة تذهيب الكمال: 215، شذرات
الذهب 2 / 104.
435

سمع من: حماد بن سلمة، والقاسم الحداني، ومحمد بن راشد،
ومهدي بن ميمون، وعدة تفرد عنهم.
روى عنه: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأحمد بن عمرو
والبزار، وأبو يعلي، وبكر بن مقبل، وعلي الغضائري، ومحمد بن يحيى
ابن مندة، وزكريا الساجي، وخلق كثير. وما علمت به بأسا. حمل عنه
أئمة.
توفي سنة ثلاث وأربعين ومئتين.
100 - أبو مصعب * (ع)
الامام الثقة، شيخ دار الهجرة، أبو مصعب، أحمد بن أبي بكر
القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي
الزهري المدني الفقيه قاضي المدينة.
ولد سنة خمسين ومئة.
ولازم مالك بن أنس، وتفقه به، وسمع منه " الموطأ " وأتقنه عنه (1).
وسمع من: العطاف بن خالد، ويوسف بن الماجشون، ومسلم بن
خالد الزنجي، وحسين بن زيد بن علي، وابن أبي حازم، ومحرز بن

* تهذيب الكمال، ورقة: 18، تذكرة الحفاظ 2 / 60، 62، تذهيب التهذيب 1 / 8،
العبر 1 / 436، الوافي بالوفيات 6 / 269، تهذيب التهذيب 1 / 20، طبقات الحفاظ:
209، خلاصة تذهيب الكمال: 4، الديباج المذهب: 30.
(1) وموطؤه لم يطبع، وفيه زيادات كثيرة تزيد عن مئة حديث عما في " موطأ " الليثي.
والبغوي في " شرح السنة " يعتمد رواية أبي مصعب، فينقل عنها كثيرا.
436

هارون، وإبراهيم بن سعد، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وعبد العزيز بن
محمد الدراوردي، وطبقتهم.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة،
وروى النسائي عن رجل عنه، وروى عنه إسماعيل القاضي، وبقي بن
مخلد، ويعقوب بن سفيان، وأبو زرعة الرازي، ومطين، ومحمد بن
المعافى الصيداوي، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وخلق
كثير.
قال الزبير بن بكار: هو فقيه أهل المدينة غير مدافع.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي:
أتى قوم أبا مصعب الزهري، فقالوا: إن قبلنا ببغداد رجلا، يقول: لفظه
بالقرآن مخلوق. فقال: هذا كلام خبيث نبطي.
وقال الزبير بن بكار: كان أبو مصعب على شرطة عبيد الله بن الحسن بن عبد
الله الهاشمي عامل المأمون على المدينة، وولي القضاء. قال: وقال أبو زرعة، وأبو
حاتم: صدوق.
قلت: احتج به أصحاب الصحاح.
وقال أحمد بن أبي خيثمة في " تاريخه ": خرجنا في سنة تسع عشرة
ومئتين إلى مكة، فقلت لأبي: عمن أكتب؟ فقال: لا تكتب عن أبي
مصعب، واكتب عمن شئت.
قلت: أظنه نهاه عنه لدخوله في القضاء والمظالم، وإلا فهو ثقة، نادر
الغلط، كبير الشأن.
قال أبو محمد بن حزم: آخر شئ روي عن مالك من " الموطآت ":
437

موطأ أبي مصعب، وموطأ أحمد بن إسماعيل السهمي، وفي هذين
الموطأين نحو من مئة حديث زائدة. وهما آخر ما روي عن مالك. وفي ذلك
دليل على أنه كان يزيد في الموطأ أحاديث كل وقت، كان أغفلها، ثم أثبتها،
وهكذا يكون العلماء رحمهم الله.
قال ابن عبد البر: مات أبو مصعب سنة إحدى وأربعين ومئتين، كذا
قال.
وقال الزبير بن بكار: مات في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين ومئتين،
وهو على القضاء، وله اثنتان وتسعون سنة.
قال أبو الحسن الدارقطني: أبو مصعب ثقة في " الموطأ "، وقدمه على
يحيى بن بكير.
قال أبو إسحاق في " طبقاته ": كان أبو مصعب من أعلم أهل
المدينة. روي أنه قال: يا أهل المدينة، لا تزالون ظاهرين على أهل العراق
ما دمت لكم حيا.
قلت: سمعت موطأه من أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، في
سنة خمس وتسعين وست مئة سوى ذاك الفوت القديم، وهو المساقاة
والقراض بإجازته عن المؤيد الطوسي، قال: أخبرنا هبة الله بن سهل
السيدي، أخبرنا أبو عثمان البحيري، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي،
أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب الزهري، عن مالك.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي، أخبرنا عبد الله بن أحمد
الفقيه، أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن أبي القاسم المفسر،
ومحمد بن إبراهيم المغازلي، وعمر بن بركة، والأنجب بن أبي
438

السعادات، وسعيد بن ياسين، وصفية بنت أبي طاهر (ح) وأخبرنا سنقر بن
عبد الله الزيني بحلب، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، وعبد اللطيف بن
محمد، والأنجب بن أبي السعادات، وعلي بن أبي الفخار، ومحمد بن
محمد بن السباك، وغيرهم (ح) أخبرنا إسماعيل بن الفراء أيضا، وأحمد بن
مؤمن، ومحمد بن علي، ومحمد بن يعقوب الأسدي، وابن عمه أيوب بن
أبي بكر، وعبد الكريم بن محمد بن محمد، وبيبرس المجدي، قالوا:
أخبرنا إبراهيم بن عثمان الكاشغري قالوا كلهم: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد
الباقي، زاد الكاشغري، فقال: وأخبرنا علي بن عبد الرحمن الطوسي
(ح)، وأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عمر الحربي،
عن محمد بن ناصر الحافظ (ح)، وأخبرنا أبو المعالي، أخبرنا أبو الوقت
محاسن إجازة، إن لم يكن سماعا، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن
الزعفراني، قالوا أربعتهم: أخبرنا مالك بن أحمد الفراء، أخبرنا أبو الحسن
أحمد بن محمد بن المجبر، حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد إملاء، حدثنا أبو
مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد
الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل
لحوم الحمر الانسية. متفق عليه (1).

(1) هو في " الموطأ " 2 / 542 في النكاح: باب نكاح المتعة، والبخاري 7 / 369 في
المغازي: باب غزوة خيبر، و 9 / 143، 144، ومسلم (1407) في النكاح: باب نكاح
المتعة. ويرى ابن القيم، رحمه الله، في " زاد المعاد " 3 / 343 - طبع مؤسسة الرسالة - أن
متعة النساء لم تحرم يوم خيبر، وإنما كان تحريمها عام الفتح، ويقول: وإنما جمع علي بن أبي
طالب، رضي الله عنه، في هذا الحديث بين الاخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية لان ابن
عباس كان يبيحهما، فروى له علي تحريمهما عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ردا عليه. وكان تحريم الحمر يوم
خيبر بلا شك. وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر، وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن، كما
جاء ذلك في " مسند " الإمام أحمد بإسناد صحيح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرم لحوم الحمر الأهلية
يوم خيبر، وحرم متعة النساء. وفي لفظ: " حرم متعة النساء، وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم
خيبر ".
هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلا مميزا، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين،
فقيدهما به، ثم جاء بعضهم، فاقتصر على أحد المحرمين، وهو تحريم الحمر، قيده بالظرف،
فمن هنا نشأ الوهم.
439

أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى،
كلاهما عن مالك.
ورواه البخاري أيضا عن مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله
ابن عمر، ومسلم عن ابن نمير، عن أبيه، عن عبيد الله، وعن حرملة، عن
ابن وهب، عن يونس، وعن عبد (بن حميد) عن عبد الرزاق، عن
معمر (1)، جميعا عن ابن شهاب.
ورواه النسائي في تصنيفه لحديث مالك، فقال: حدثنا زكريا
السجزي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، وهو ابن أبي شيبة، عن سعيد
ابن محبوب، عن عبثر بن القاسم، عن سفيان بن الثوري، عن الامام مالك،
فكأن مشايخي سمعوه من النسائي. وقد سمى أبو القاسم (2) في " النبل "
والد أبي مصعب زرارة، والصحيح أن اسمه كنيته بدليل ما أخبرني أحمد
ابن عساكر، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر، أنبأنا محمد، أخبرنا أبو
أحمد الحاكم، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي، حدثنا أبو مصعب
أحمد بن بكر الزهري، وسألناه عن اسم أبيه، فقال: لا يعرف له اسم.

(1) في الأصل: " معتمر "، وهو خطأ. وطريق عبد بن حميد هذه أخرجه مسلم في
الصيد والذبائح: باب تحريم أكل لحم الحمر الانسية، وهو في " المصنف " (14032).
(2) هو أبو القاسم بن عساكر المؤرخ، وكتابه هذا اسمه: " المعجم المشتمل ". وهو في
تراجم شيوخ أصحاب الكتب الستة، وقد طبع بتحقيق السيدة الفاضلة سكينة الشهابي، وانظر
ص 40 منه.
440

101 - العثماني * (ق)
الامام المحدث، أبو مروان محمد بن عثمان بن خالد الأموي
العثماني المدني.
حدث عن: أبيه، وعن إبراهيم بن سعد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد،
ومحمد بن ميمون، وعبد العزيز بن أبي حازم، وطائفة. وما علمت له شيئا
يصح عن مالك.
وعنه: ابن ماجة، وأحمد بن زيد القزاز، وإسحاق الخزاعي، وبقي بن
مخلد، وجعفر الفريابي، وعمران بن مجاشع، ومحمد بن يحيى بن مندة،
وآخرون.
قال صالح جزرة: هو ثقة صدوق، إلا أنه يروي عن أبيه المناكير.
وقال البخاري: صدوق.
قال موسى بن هارون: توفي سنة إحدى وأربعين ومئتين.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح، أنبأنا الأرموي وغيره، قالوا.
أخبرنا ابن المسلمة، أخبرنا عبيد الله الزهري، حدثنا جعفر بن محمد،
حدثنا أبو مروان، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء، عن أبيه،
عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " بادروا بالاعمال فتنا كقطع
الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا،

* التاريخ الكبير 1 / 181، التاريخ الصغير 2 / 376، الجرح والتعديل 8 / 25، تهذيب
الكمال، ورقة: 1239، ميزان الاعتدال 3 / 640، 641، تذهيب التهذيب 3 / 230، 231،
غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 196، تهذيب التهذيب 9 / 336، خلاصة تذهيب الكمال:
351.
441

ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا " (1).
وفيها مات أحمد بن حنبل، وجبارة بن المغلس، وسجادة، وأبو توبة
الحلبي، وأبو قدامة السرخسي، ويعقوب بن كاسب، وهدية بن عبد
الوهاب، وزيد بن الحريش (2)، وإسماعيل بن بهرام الخزاز.
102 - القواريري * (خ، م، د، س)
عبيد الله بن عمر بن ميسرة، الامام الحافظ، محدث الاسلام، أبو
سعيد الجشمي مولاهم البصري القواريري الزجاج، نزيل بغداد.
ولد سنة اثنتين وخمسين ومئة تقريبا.
وحدث عن: حماد بن زيد، وعبد الوارث، وجعفر بن سليمان، وعبد
الواحد بن زياد، ومعاوية بن عبد الكريم، وعبد العزيز الدراوردي، وفضيل
ابن سليمان، وبشر بن المفضل، وخالد بن الحارث، وغندر، وفضيل بن
عياض، وأبي عوانة، ويزيد بن زريع، وعبد الله بن جعفر المخرمي،
وسفيان بن عيينة، ويوسف بن الماجشون، وهشيم بن بشير، ويحيى بن أبي
زائدة، وخلق كثير. وجمع ودون.

(1) وأخرجه مسلم (118) في الايمان، من طريق يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر،
ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة.
(2) بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء المخففة، وفي آخرها شين معجمة. انظر
" الاكمال " لابن ماكولا 2 / 422.
* طبقات ابن سعد 7 / 350، التاريخ الكبير 5 / 395، 396، التاريخ الصغير 2 / 366،
الجرح والتعديل 5 / 327، 328، تاريخ بغداد 10 / 320، 323، الأنساب، ورقة: 294 / 2،
تهذيب الكمال، ورقة: 888، 8889، تذكرة الحفاظ 2 / 438، 439، العبر 1 / 422، تذهيب
التهذيب 3 / 20، البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 7 / 40، 42، خلاصة تذهيب
الكمال: 252.
442

حدث عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وإبراهيم
الحربي، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وبقي بن مخلد، وجعفر
الفريابي، وأبو يعلى الموصلي، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وصالح
ابن محمد جزرة، وخلق سواهم.
وكتب عنه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وابن سعد.
وثقه يحيى، وصالح جزرة الحافظ، والنسائي.
وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال أحمد بن سيار: لم أر في جميع من رأيت مثل مسدد بالبصرة،
والقواريري ببغداد، وصدقة بن الفضل بمرو.
عبد المؤمن بن خلف: سمعت صالح بن محمد، يقول: القواريري
أثبت من الزهراني (1)، وأشهر وأعلم بحديث البصرة، ما رأيت أحدا أعلم
بحديث البصرة منه، ومن علي - يعني: ابن المديني - وإبراهيم بن
عرعرة. وقد سمعت القواريري يقول: ما رأيت أبا الربيع عند حماد قط.
ابن الأنباري: سمعت ثعلبا يقول: سمعت من عبيد الله القواريري مئة
ألف حديث.
أنبأنا علان، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا
ابن رزقويه، سمعت علي بن الحسن بن زكريا القطيعي الشاعر، سمعت أبا

(1) الزهراني اثنان، وكلاهما بصري. الأول: بشر بن عبد الحكم، والثاني: سليمان
ابن داود العتكي، أبو الربيع.
443

القاسم البغوي، سمعت عبيد الله القواريري، يقول: لم تكن تكاد تفوتني
صلاة العتمة في جماعة. فنزل بي ضيف، فشغلت به. فخرجت أطلب
الصلاة في قبائل البصرة. فإذا الناس قد صلوا. فقلت في نفسي: يروى عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ إحدى
وعشرين درجة ". وروي " خمسا وعشرين درجة " وروي " سبعا
وعشرين " (1)، فانقلبت إلى منزلي، فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة، ثم
رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس، وأنا راكب، ونحن نتجارى وأفراسهم
تسبق فرسي، فجعلت أضربه لألحقهم، فالتفت إلي آخرهم، فقال: لا
تجهد فرسك، فلست بلاحقنا. قال: فقلت: ولم؟ لأنا صلينا
العتمة في جماعة.
وبه قال الخطيب: أخبرنا أبو الغنائم بن الغزاء ببيت المقدس، حدثنا
أحمد بن الحسين بن جعفر العطار بمصر، حدثنا عبد الحميد بن أحمد
الوراق، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد، حدثنا إسماعيل بن أبي اليمان
الحارثي، سمعت حفص بن عمرو الربالي، يقول: رأيت عبيد الله
القواريري في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟ فقال لي: غفر لي
وعاتبني. وقال: يا عبيد الله، أخذت من هؤلاء القوم؟ فقلت: يا رب أنت
أحوجتني إليهم، ولو لم تحوجني، لم آخذ. قال: فقال لي: إذا قدموا
علينا كافأناهم عنك. ثم قال لي: أما ترضى أن كتبتك في أم الكتاب سعيدا؟!

(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 129، والبخاري 2 / 110، ومسلم (650) من
حديث ابن عمر، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع
وعشرين درجة ". وأخرجه مالك والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: " بخمس
وعشرين درجة "، وكذلك أخرجه البخاري 2 / 110، 112 من حديث أبي سعيد. أما رواية
" إحدى وعشرين درجة "، فلم نقف عليها. وانظر " الفتح " 2 / 110، 111.
444

قلت: وقع لنا من عوالي القواريري في " المخلصيات ". وفي جزء
" صفة المنافق ".
قال علي بن أحمد بن النضر الأزدي، وعبد الله البغوي: مات
القواريري سنة خمس وثلاثين ومئتين. زاد البغوي: يوم الخميس لاثني
عشر يوما مضين من ذي الحجة.
وقال الحسين بن قهم: توفي ببغداد يوم الجمعة، وحضره خلق
كثير.
وقد روى النسائي، عن القاضي المروزي عنه حديثا، ولم يكتب
القواريري الحديث إلا على كبر من السن، ولو أنه بكر بالطلب، لسمع من
جرير بن حازم وأقرانه، ولكن السماع واللقاء مقدر.
قرأت على أحمد بن إسحاق: أخبركم الفتح بن عبد السلام، أخبرنا
محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن الداية،
قالوا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا
جعفر الفريابي، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ومحمد بن أبي بكر
المقدمي، قالا: حدثنا ديلم بن غزوان، حدثنا ميمون الكردي، عن أبي
عثمان النهدي، قال: كنت عند عمر (1)، فسمعته يقول في خطبته:
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق
عليم اللسان " (2).
هذا حديث مقارب الاسناد. لم يخرجوه في الكتب الستة. وميمون فيه

(1) يعني ابن الخطاب، رضي الله عنه.
(2) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في ص 385 ت (1)، وهو في " صفة النفاق وذم
المنافقين " للفريابي، ص 52 عام، و 5 خاص.
445

لين. وقد قال يحيى بن معين: لا بأس به. وديلم صدوق. تابعه على
الحديث الحسن بن أبي جعفر.
ومات مع القواريري محمد بن عباد المكي، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وسريج بن يونس، ومنصور بن أبي مزاحم، والحارث بن عبد الله الخازن
بهمذان، ومحمد بن حاتم بن ميمون السمين، وعبد الصمد بن يزيد مردويه
الصائغ، وعبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضي، وأحمد بن عمر الوكيعي
العبد الصالح، وزكريا بن يحيى زحمويه الواسطي، والحسين بن الحسن
الشيلماني ببغداد، وشجاع بن مخلد في صفر، وشيبان بن فروخ في قول،
وإبراهيم بن العلاء زبريق، وعبد الله بن عمر بن الرماح النيسابوري،
وسليمان بن أيوب صاحب البصري، ومحمد بن سفيان بن زياد المعافري
صاحب الليث، وسهل بن عثمان العسكري الحافظ، وإبراهيم بن المنذر
الحزامي، وقيل: سنة ست.
103 - أبو الصلت * (ق)
الشيخ العالم العابد، شيخ الشيعة، أبو الصلت عبد السلام بن صالح
الهروي، ثم النيسابوري مولى قريش، له فضل وجلالة، فيا ليته ثقة.
روى عن: مالك، وحماد بن زيد، وشريك، وعبد الوارث، وهشيم،
وعبد السلام بن حرب، وابن عيينة، وعلي بن موسى الرضى، وعدة.
حدث عنه: عباس الدوري، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأحمد بن أبي

* الجرح والتعديل 6 / 48، تاريخ بغداد 11 / 46، 52، الأنساب، ورقة: 589 / 2،
تهذيب الكمال، ورقة: 833، 834، ميزان الاعتدال 2 / 616، تذهيب التهذيب 2 / 237،
البداية والنهاية 10 / 315، تهذيب التهذيب 6 / 319، 322، النجوم الزاهرة 2 / 287.
446

خيثمة، ومحمد بن ضريس، وعبد الله بن أحمد، والحسين بن إسحاق
التستري، وخلق كثير.
وكان زاهدا متعبدا، أعجب به المأمون لما رآه، وأدناه، وجعله من
خاصته.
قال أحمد بن سيار: قدم مرو غازيا. ولما أراد المأمون أن يظهر
التجهم وخلق القرآن، جمع بين هذا وبين بشر بن غياث ليناظره. قال:
وكان أبو الصلت يرد على أهل الأهواء من الجهمية المرجئة والقدرية، فكلم
بشرا غير مرة بحضرة المأمون، واستظهر. ثم قال ابن سيار: ناظرته
لاستخرجه فلم أره يغلو، ورأيته يقدم أبا بكر، ولا يذكر الصحابة إلا
بالجميل. وقال: هذا مذهبي وديني، إلا أن ثم أحاديث يرويها في
المثالب.
قال ابن محرز: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت، فقال: ليس
ممن يكذب. وقال عباس: سمعت ابن معين، يوثق أبا الصلت. فذكر له
حديث: " أنا مدينة العلم " (1)، فقال: قد حدث به محمد بن جعفر
الفيدي، عن أبي معاوية.
قلت: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وكان هذا بارا
بيحيى، ونحن نسمع من يحيى دائما، ونحتج بقوله في الرجال، ما لم
يتبرهن لنا وهن رجل انفرد بتقويته، أو قوة من وهاه.

(1) حديث ضعيف. انظر الأجوبة عن الأحاديث التي وقعت في " مصابيح السنة "،
ووصفت بالوضع للحافظ ابن حجر العسقلاني 3 / 314، 315، وهي مطبوعة في آخر " مشكاة
المصابيح ". وانظر أيضا ما كتبه عبد الرحمن المعلمي اليماني عن هذا الحديث في تعليقاته على
" الفوائد المجموعة " للشوكاني.
447

وقد ضرب أبو زرعة على حديث أبي الصلت.
وقال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق.
وقال النسائي وغيره: ليس بثقة.
وقال الدارقطني: قيل عنه: إنه قال: كلب للعلوية خير من جميع بني
أمية.
قال حاتم بن يونس الجرجاني الحافظ: سألت ابن معين عنه، فقال:
صدوق أحمق.
وعن صالح بن محمد، قال: رأيت ابن معين جاء إلى أبي الصلت،
فسلم عليه.
وعن أبي الصلت، قال: اختلفت إلى سفيان بن عيينة ثلاثين سنة
أسأله، وكنت آتيه وأنا صبي، وحججت خمسين حجة.
وعن محمد بن عصم: سمعت أبا الصلت، يقول: أخذت من
هؤلاء - يعني: الدولة - ألف ألف وثلاث مئة ألف، وضعت منها سبع مئة ألف في
أهل الحرمين.
قال أبو زيد الضرير: حدثنا أبو الصلت، حدثنا علي بن عبد
الرحمن، عن فلان، عن أبيه، قال: إذا خرج المهدي، نادى مناد: من
كان له جار مرجئ، وعليه دين فليبعه، ويقضي دينه. فسمعت مشايخ ممن
حضر، يقولون: لما حدث أبو الصلت بهذا، قال أبو الوليد الحنفي: ليس
ذا بمهدي، بل معتدي، يأمر ببيع الأحرار. وقاموا من عنده وتركوه.
مات أبو الصلت سنة ست وثلاثين ومئتين في شوالها.
وله عدة أحاديث منكرة. خرج له ابن ماجة.
448

104 - اللؤلؤي *
الامام الحافظ البارع، أبو عبد الله محمد بن أبي يعقوب. إسحاق بن
حرب البلخي اللؤلؤي.
حدث عن: مالك، وخارجة بن مصعب، ويحيى بن يمان، وجماعة.
روى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، والحسين بن أبي الأحوص،
وآخرون.
قال أحمد بن سيار المروزي: كان آية من الآيات في الحفظ. كان لا
يكلمه أحد إلا علاه في كل فن. وزعموا أنه ذاكر سليمان الشاذكوني،
فانتصف منه.
ذكره الخطيب، وأشار إلى تضعيفه.
يقع لي من روايته في تصانيف ابن أبي الدنيا.
لعله مات بعد الثلاثين ومئتين.
105 - منصور بن المهدي * *
محمد بن المنصور أبي جعفر العباسي، ولي الشام للأمين، وولي
البصرة لأخيه الرشيد، وقد دعي للخلافة بعد المئتين، لما ثاروا على
المأمون، فامتنع.
حدث عن: الوليد بن مسلم، وسويد بن عبد العزيز.

* تاريخ بغداد 1 / 234، 237، الأنساب، ورقة: 496 / 2، تذكرة الحفاظ 2 / 426،
ميزان الاعتدال 3 / 475، الوافي بالوفيات 2 / 189، 190، لسان الميزان 5 / 66، 67.
* * تاريخ بغداد 13 / 83، 84، الكامل لابن الأثير 6 / 321 وما بعدها، النجوم الزاهرة
2 / 287.
449

روى عنه أبو العيناء.
قال أبو الصقر محمد بن داود: كان أبي على شرطة منصور بدمشق،
فدس منصور من سرق من الجامع قلة البلور. فلما رأى الامام مكانها،
ضرب بقلنسوته الأرض، وصرخ: سرقت قلتكم، فقال الناس: لا صلاة
بعد القلة، فصارت مثلا، وكانت أخذت للأمين، ثم ردها المأمون إلى
موضعها.
عاش الأمير منصور إلى سنة ست وثلاثين ومئتين.
106 - السمين * (م، د)
الامام الحافظ المجود المفسر، أبو عبد الله محمد بن حاتم بن ميمون
المروزي ثم البغدادي السمين.
سمع سفيان بن عيينة، وعبد الله بن إدريس، وإسماعيل بن علية،
ويحيى القطان، ووكيع بن الجراح، وأمما.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، والحسن بن سفيان، وأحمد بن الحسن
الصوفي، وآخرون.
وثقه ابن عدي، والدار قطني.
وقال ابن سعد: جمع كتابا في تفسير القرآن، كتبه الناس عنه ببغداد،

* طبقات ابن سعد 7 / 359 التاريخ الكبير 1 / 70، التاريخ الصغير 2 / 366، تاريخ
الفسوي 1 / 210، الجرح والتعديل 7 / 237، حلية الأولياء 10 / 336، 337، تاريخ بغداد
2 / 266، 868، الأنساب 7 / 155، 156 تهذيب الكمال، ورقة 1183، تذكرة الحفاظ
2 / 455، ميزان الاعتدال 3 / 503، تذهيب التهذيب 3 / 195، الوافي بالوفيات 2 / 315،
خلاصة تذهيب الكمال: 331، طبقات الحفاظ: 199، طبقات المفسرين 2 / 117، شذرات
الذهب 2 / 86.
450

وكان ينزل قطيعة الربيع (1).
وذكره أبو حفص الفلاس، فقال: ليس بشئ.
قلت: هذا من كلام الاقران الذي لا يسمع، فإن الرجل ثبت حجة.
مات في آخر سنة خمس وثلاثين ومئتين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا محمد بن
الفضل، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا ابن عمرويه الجلودي، حدثنا
إبراهيم بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا زهير، ومحمد بن
حاتم، وعبد (بن حميد) قال عبد: حدثني، وقال الآخران: حدثنا يعقوب بن
إبراهيم، أخبرنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، قال: قال سالم: سمعت
أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " كل أمتي معافى إلا
المجاهرين، وإن من الاجهار أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد
ستره ربه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، (وقد بات يستره
ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) " (2).
107 - محمد بن حاتم المصيصي * (د)
العابد، صدوق، لقبه حبى، يكنى أبا جعفر.

(1) سبق التعريف بها في الصفحة: 414 التعليق الثالث.
(2) أخرجه مسلم (2990) في الزهد والرقائق: باب النهي عن هتك الانسان ستر نفسه،
وما بين حاصرتين منه، وأخرجه البخاري 10 / 405، 406 في الرقاق: باب ستر المؤمن على
نفسه، من طريق عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن
ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم
يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح
يكشف ستر الله عنه ".
* الجرح والتعديل 7 / 238، تهذيب الكمال، ورقة: 1183، ميزان الاعتدال 3 / 503،
تذهيب التهذيب 3 / 196، تهذيب التهذيب 9 / 103، 104، خلاصة تذهيب الكمال: 331.
451

يروي عن: ابن المبارك، وسفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية،
وعدة.
وعنه: أبو داود، ويعقوب بن شيبة، وهلال بن العلاء الرقي، وعبد
الكريم الدير عاقولي: وأبو إسماعيل الترمذي، ويوسف القاضي،
وآخرون.
وروى أبو داود أيضا، والنسائي عن رجل عنه.
قال أبو حاتم: صدوق.
قيل توفي سنة خمس وعشرين ومئتين.
108 - محمد بن حاتم بن سليمان الزمي (1) * (ت، س)
المؤدب، خراساني ثقة، صاحب حديث، نزل سامراء.
وحدث عن: هشيم، وعمار بن محمد، وجرير بن عبد الحميد،
وطبقتهم.
وعنه: الترمذي: والنسائي، وعبد الله بن أحمد، وأبو حامد الحضرمي،
وآخرون.
وثقه الدارقطني.
توفي سنة ست وأربعين ومئتين.

(1) نسبة إلى " زم " بليدة على شاطئ جيحون.
* الجرح والتعديل 7 / 238، تاريخ بغداد 2 / 268، الأنساب 6 / 321، تهذيب
الكمال، ورقة: 1183، تذهيب التهذيب 3 / 195، تهذيب التهذيب 9 / 101، خلاصة تذهيب
الكمال: 331.
452

ذكرت هذين للتمييز، فالثلاثة متعاصرون كبار. وفي أهل العلم
جماعة محمد بن حاتم، لكنهم أصغر من هذه الطبقة.
109 - صاحب البصري *
الامام الحافظ المجود الثقة، أبو أيوب سليمان بن أيوب، صاحب
البصري.
حدث عن: حماد بن زيد، وهارون بن دينار، وعبد الرحمن بن
مهدي، وطبقتهم.
حدث عنه: إسماعيل القاضي، وصالح جزرة، وأحمد بن الحسن
الصوفي، وأبو القاسم البغوي.
قال يحيى بن معين: ثقة حافظ.
وروى الحسين بن حبان، قال: قال ابن معين: سليمان صاحب
البصري من الحفاظ الثقات. كان يتحفظ عند يحيى بن سعيد، يأنف أن
يكتب عنده.
وقال علي بن الجنيد الرازي: كان أبو أيوب من الحفاظ، لم أر بالبصرة
أنبل منه.
وقال مطين: مات في سنة خمس وثلاثين ومئتين.

* التاريخ الكبير 4 / 1، تاريخ بغداد 9 / 48، 49، تاريخ دمشق 7 / 274 / ب، تهذيب
الكمال، ورقة: 534، تذكرة الحفاظ 2 / 461، معرفة القراء الكبار 1 / 160، غاية النهاية في
طبقات القراء 1 / 312، تهذيب التهذيب 4 / 173، خلاصة تذهيب الكمال: 150.
453

110 - سهل بن عثمان * (م)
الامام الحافظ المجود الثبت، أبو مسعود العسكري.
سمع حماد بن زيد، وشريكا القاضي، وأبا الأحوص، وعبد الرحمن
ابن عبد الملك بن أبجر، ويزيد بن زريع، وعلي بن مسهر، ويحيى بن أبي
زائدة، وزياد بن عبد الله، وطبقتهم.
حدث عنه: مسلم، وعبيد بن محمد الغزال، وعلي بن أحمد بن
بسطام، وجعفر بن أحمد بن فارس، وعبد الرحمن بن محمد بن سلم
الرازي، وعبدان الأهوازي، وعدد كثير.
وحدث عنه من أقرانه علي بن المديني.
قال أبو الشيخ: خرج عن أصبهان إلى الري في سنة اثنتين وثلاثين
ومئتين، ثم رجع إلى العراق، قال: ومات بعسكر مكرم، وكان كثير الفوائد
والغرائب.
وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في " تاريخ
الثقات ".
وقال أبو بكر بن أبي عاصم: مات سنة خمس وثلاثين ومئتين.
قلت: لعله بلغ الثمانين، وكان من مشايخ الاسلام.
وفيها مات أحمد بن عمر الوكيعي، وإبراهيم بن العلاء الحمصي،

* التاريخ الكبير 4 / 102، الجرح والتعديل 4 / 203، الأنساب 8 / 453، تهذيب
الكمال، ورقة: 559، تذكرة الحفاظ 2 / 452، 453، العبر 1 / 414، تذهيب التهذيب
2 / 61، البداية والنهاية 10 / 312، تهذيب التهذيب 4 / 255، 256، طبقات الحفاظ:
197، خلاصة تذهيب الكمال: 157، 158، شذرات الذهب 2 / 78.
454

وإسحاق بن إبراهيم الموصلي النديم، وسريج بن يونس، ونائب بغداد
إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وشيبان بن فروخ، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وعبيد الله القواريري، ومحمد بن حاتم السمين، ومعلى بن مهدي،
ومنصور بن أبي مزاحم، وشجاع بن مخلد.
111 - ابن نمير * (ع)
محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ الحجة، شيخ الاسلام، أبو عبد
الرحمن الهمداني ثم الخارفي مولاهم الكوفي.
ولد سنة نيف وستين ومئة، فهو من أقران أحمد بن حنبل، وعلي بن
المديني.
حدث عن: أبيه الحافظ عبد الله بن نمير، والمطلب بن زياد، وعمر بن
عبيد الطنافسي، وإخوته، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وابن
إدريس، وأبي خالد الأحمر، وأبي معاوية، وابن فضيل، ومروان بن
معاوية، وسفيان بن عيينة، وابن علية، ووكيع، وحكام بن سلم، ويزيد
ابن هارون، والمحاربي، ومحمد بن بشر، وأبي عاصم، وأبي أسامة،
وخلق كثير.
حدث عنه: البخاري، ومسلم في " الصحيحين "، وأبو داود، وابن
ماجة، وروى الباقون عن رجل عنه، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو

* طبقات ابن سعد 6 / 413، التاريخ الكبير 1 / 144، التاريخ الصغير 2 / 364، تاريخ
الفسوي 1 / 209، الجرح والتعديل 1 / 320، 328، و 7 / 307، تاريخ بغداد 5 / 429،
الأنساب 5 / 10، تهذيب الكمال، ورقة: 1226، تذكرة الحفاظ 2 / 439، 440، العبر
1 / 418، تذهيب التهذيب 3 / 222، الوافي بالوفيات 3 / 304، البداية والنهاية 10 / 312،
تهذيب التهذيب 9 / 282، 283، طبقات الحفاظ: 192، 193، خلاصة تذهيب الكمال:
346، 347.
455

حاتم، وأبو زرعة، ويعقوب بن شيبة، ويعقوب الفسوي، وبقي بن
مخلد، وأحمد بن ملاعب، ومطين، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو
يعلى الموصلي، وخلق سواهم.
وكان رأسا في العلم والعمل.
قال أبو إسماعيل الترمذي: كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد
الله بن نمير تعظيما عجيبا، ويقول: أي فتى هو؟!.
وقال إبراهيم بن مسعود الهمذاني: سمعت أحمد بن حنبل، يقول:
محمد بن عبد الله بن نمير درة العراق.
قال علي بن الحسين بن الجنيد الحافظ: كان أحمد، وابن معين،
يقولان في شيوخ ما يقول ابن نمير فيهم، يعني: يقتديان بقوله في أهل
بلده.
قال ابن الجنيد: ما رأيت بالكوفة مثل محمد بن عبد الله بن نمير، كان
رجلا قد جمع العلم والفهم والسنة والزهد، وكان يلبس في الشتاء الشاتي
لبادة، وفي الصيف يدير، وكان فقيرا.
وقال أحمد بن سنان القطان: ما رأيت من الكوفيين من أحداثهم رجلا
أفضل عندي من ابن نمير، كان يصلي بنا الفرائض، وأبوه يصلي خلفه،
قدم علينا أيام يزيد بن هارون، يعني: واسطا.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي ثقة، يعد من أصحاب
الحديث.
وقال أبو حاتم: ثقة، يحتج بحديثه.
وقال أبو داود: هو أثبت من أبيه.
456

وقال النسائي: ثقة مأمون.
وقال أبو حاتم بن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، وأهل الورع في
الدين.
أخبرنا سليمان بن قدامة، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا
جعفر السراج، أخبرنا أبو محمد الخلال، حدثنا يحيى بن علي بن يحيى،
حدثنا عبيد الله بن المهتدي بالله، حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين،
سمعت أحمد بن صالح المصري الحافظ، يقول: ما رأيت بالعراق مثل
أحمد بن حنبل ببغداد، ومحمد بن عبد الله بن نمير بالكوفة جامعين، لم أر
مثلهما بالعراق.
قال البخاري: مات في شعبان أو رمضان سنة أربع وثلاثين ومئتين.
وقال ابن حبان: في شعبان.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء قراءة عليه سنة اثنتين
وتسعين وست مئة، عن أبي روح عبد المعز بن محمد الهروي، أن تميم بن
أبي سعيد أخبرهم، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن
حمدان، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير،
حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله، عن أبي بكر بن سالم، عن سالم،
عن ابن عمر، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أريت في النوم، أني أنزع بدلو
على فليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، فنزع نزعا ضعيفا، والله
يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى، فاستحالت غربا. فلم أر عبقريا من الناس
يفري فريه حتى روي الناس، وضربوا بعطن ".
هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه، ولا يكاد يعرف أبو بكر إلا
457

بهذا الحديث. أخرجه البخاري، ومسلم عن ابن نمير (1)، فوقع موافقة
عالية.
112 - عبيد بن يعيش * (م، س)
الحافظ الحجة الأوحد، أبو محمد الكوفي المحاملي العطار.
سمع أبا بكر بن عياش، وعبد الرحمن المحاربي، ومحمد بن
فضيل، ووكيعا، وابن نمير، ويحيى بن آدم، وعدة.
حدث عنه: مسلم، والنسائي بواسطة، وأبو زرعة الرازي،
والبخاري في جزء رفع اليدين، ومحمد بن أيوب البجلي، وإبراهيم بن أبي
داود البرلسي (2)، ومحمد بن عبد الله مطين، ومحمد بن جعفر القتات، وخلق
كثير.

(1) أخرجه مسلم عن ابن نمير (2393) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر،
رضي الله عنه. وأما البخاري، فقد أخرجه في " صحيحه " 7 / 21 في فضائل الصحابة: باب
قول النبي، صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذا خليلا... " من طريق عبدان، عن عبد الله بن يونس، عن
الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا 12 / 365 في الرؤية: باب نزع
الذنوب والذنوبين من البئر بضعف، من طريق سعيد بن عفير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن
شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا في باب الاستراحة بالمنام، من
طريق إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة. وأخرجه
في التوحيد 13 / 378 من طريق بسرة بن صفوان بن جميل اللخمي، عن إبراهيم بن سعد، عن
الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
والقليب: البئر تحفر فيقلب ترابها قبل أن تطوى. والغرب: دلو السانية، أكبر من
الذنوب. والعبقري: يوصف به كل شئ بلغ النهاية في معناه. والعطن: مناخ الإبل إذا
صدرت عن الماء رواء. وقوله: وضربوا بعطن، معناه: رووا وأرووا إبلهم، فأبركوها، وضربوا
لها عطنا.
* التاريخ الكبير 6 / 8، الجرح والتعديل 6 / 5، 6، تهذيب الكمال، ورقة: 899،
تذهيب التهذيب 3 / 25، تهذيب التهذيب 6 / 78، 79، خلاصة تذهيب الكمال: 256.
(2) ضبطت في الأصل بفتح الباء والراء، وكذلك ضبطه ياقوت، وفي " الأنساب "
رهبطت بضم الباء والراء، وتابعه على ذلك صاحب " اللباب " و " اللب ".
458

قال أبو داود: ثقة ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال عمار بن رجاء: سمعت عبيد بن يعيش، يقول: أقمت ثلاثين
سنة، ما أكلت بيدي بالليل. كانت أختي تلقمني، وأنا أكتب.
قلت: هو من الحفاظ الذين ما ارتحلوا من بلدهم.
قال الحفاظ أبو بكر بن منجويه وغيره: مات عبيد بن يعيش في رمضان
سنة تسع وعشرين ومئتين.
113 - المرادي *
المحدث الصدوق، أبو شريك يحيى بن يزيد بن ضماد المرادي
المصري، عمر وأسن.
وحدث عن: مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وضمام بن إسماعيل،
ومفضل بن فضالة، وغيرهم.
روى عنه: أبو حاتم، ويعقوب الفسوي، ومحمد بن محمد بن
الباغندي، ومحمد بن داود بن عثمان الصدفي، وآخرون.
توفي في شعبان سنة ست وأربعين ومئتين.
114 - الطنافسي * * (ق)
الامام الحافظ المتقن، محدث قزوين، أبو الحسن علي بن محمد بن

* الجرح والتعديل 9 / 198، لسان الميزان 6 / 282.
* * التاريخ الكبير 6 / 295، الجرح والتعديل 6 / 202، تهذيب الكمال، ورقة: 992،
تذكرة الحفاظ 2 / 445، العبر 1 / 406، 407، تذهيب التهذيب 3 / 73، 74، تهذيب
التهذيب 7 / 378، 379، النجوم الزاهرة 2 / 258، طبقات الحفاظ: 194، خلاصة تذهيب
الكمال: 277، شذرات الذهب 2 / 68، 69.
459

إسحاق بن أبي شداد، وقيل: علي بن محمد بن نباتة، وقيل: ابن شروى،
وقيل: ابن عبد الرحمن الكوفي الطنافسي.
حدث عن: أخواله محمد بن عبيد، ويعلى بن عبيد، وأبي بكر بن
عياش، وسفيان بن عيينة، وأبي معاوية، وابن وهب، وحفص بن غياث،
ومحمد بن فضيل، وعبد الرحمن المحاربي، ووكيع، وطبقتهم.
حدث عنه: ابن ماجة فأكثر، وزياد بن أيوب الطوسي مع تقدمه، وأبو
زرعة، وأبو حاتم، وابن وارة، وعلي بن الحسين بن الجنيد، ومحمد بن
أيوب بن الضريس، وعلي بن سعيد بن بشير الرازيون، وابنه قاضي قزوين
الحسين بن علي، ويحيى بن عبدل، وآخرون.
قال أبو حاتم: كان ثقة صدوقا، هو أحب إلي من أبي بكر بن أبي شيبة
في الفضل والصلاح، وأبو بكر أكثر منه حديثا وأفهم.
قال أبو يعلى الخليلي: أقام علي بن محمد وأخوه بقزوين، وارتحل
إليهما الكبار، قال: ولهما محل عظيم. ولم يكن إسنادهما في ذلك الوقت
بعال، سمعا سفيان بن عيينة، ثم سمى جماعة.
قال: وتوفي الحسن بن محمد في سنة 222، وتوفي أبو الحسن علي
في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين.
أخبرنا تاج الدين عبد الخالق، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة (ح)
وأخبرنا أبو سعيد الزيني، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، قالا: أخبرنا أبو زرعة
طاهر بن محمد، أخبرنا أبو منصور محمد بن الحسين المقومي، أخبرنا القاسم
ابن أبي المنذر الخطيب، أخبرنا علي بن إبراهيم القطان، حدثنا محمد بن
يزيد الحافظ، حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، حدثنا حماد بن سلمة، عن
460

محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، حامل الحسين على
عاتقه، ولعابه يسيل عليه ".
هذا حديث غريب تفرد به ابن ماجة (1)، وهذا على شرط مسلم.
ومات معه يحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري، وسليمان بن
بنت شرحبيل، وحبان بن موسى المروزي، وروح بن صلاح المصري،
وإبراهيم بن الحجاج السامي، وأحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني،
وداهر بن نوح الأهوازي، وسهل بن عثمان العسكري، وعبد الجبار بن
عاصم النسائي، وعقبة بن مكرم الضبي، والقاضي محمد بن سماعة
الحنفي، ومحمد بن عائذ الكاتب، ومحمد بن الزيات الوزير، ويزيد بن موهب
بالرملة.
115 محمود الوراق *
ابن الحسن بغدادي خير شاعر مجود، سائر النظم في المواعظ.
روى عنه: ابن أبي الدنيا، وأبو العباس بن مسروق.
وقيل: كانت له جارية أعطي فيها سبعة آلاف دينار، فامتنع. فلما مات
اشتريت للمعتصم بسبع مئة دينار. ثم قال لها: كيف رأيت؟ قالت: إذا كان

(1) أخرجه ابن ماجة رقم (658) في الطهارة: باب اللعاب يصيب الثوب. وقال
البوصيري في " الزوائد "، ورقة: 45: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه
أحمد في " المسند " 2 / 279 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن زياد، به.
وأخرجه 2 / 406 و 447 و 467 من طرق، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي
هريرة.
* طبقات الشعراء: 67 - 68، تاريخ بغداد 13 / 87، 89، فوات الوفيات 4 / 79،
81.
461

أمير المؤمنين ينتظر بشهواته المواريث، فسبعون دينارا في كثيرة.
116 - وهب بن بقية * (م، د، س)
ابن عثمان بن سابور بن عبيد بن آدم، المحدث الامام الثقة، أبو
محمد الواسطي وهبان.
ولد سنة خمس وخمسين ومئة. قاله بحشل (1) في " تاريخه "
روى عن: حماد بن زيد حكاية، وعن يزيد بن زريع، وخالد بن عبد الله
الطحان، وجعفر بن سليمان، ومرحوم بن عبد العزيز، والحكم بن ظهير،
وعبد الوهاب الثقفي، وبشر بن المفضل، وهشيم، ونوح بن قيس، وأبي
خالد الأحمر، والمغيرة بن مطرف واسطي، ومحمد بن هارون بن عبيد شيخ
واسطي، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، وعدة.
وعنه: مسلم، وأبو داود، وروى النسائي عن زكريا خياط السنة عنه، وأبو
زرعة، وبقي، وجعفر الفريابي، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وعبد الله
ابن أحمد، وأبو يعلى، والبغوي، وعبدان، وأبو العباس السراج، وابن
ناجية، ومحمود بن محمد الواسطي، وعلي بن إسحاق بن زاطيا، وخلق
سواهم.
روى هاشم بن مرثد، عن يحيى بن معين، قال: وهبان ثقة، ولكنه
سمع وهو صغير.

* التاريخ الصغير 2 / 371، الجرح والتعديل 9 / 28، تاريخ بغداد 13 / 457، 458،
تهذيب الكمال، ورقة: 1476، 1477، العبر 1 / 431، تذهيب التهذيب 4 / 142، تهذيب
التهذيب 11 / 159، 160، خلاصة تذهيب الكمال: 418، شذرات الذهب 2 / 92.
(1) بفتح الباء، وسكون الحاء المهملة، بعدها شين معجمة، لقب أحمد بن عبد الرحمن
ابن وهب بن مسلم المصري، من رجال مسلم.
462

قلت: بل ما سمع حتى صار ابن نيف وعشرين سنة، ولو سمع في
صغره، للحق جرير بن حازم وأقرانه.
وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة، قدم بغداد، وحدث بها.
وقال أحمد بن كامل: كان وهب يخضب بالحناء، ومات بواسط في
سنة تسع وثلاثين ومئتين. وفيها أرخه بحشل ومطين والبغوي.
ذكر شئ من عواليه:
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا أبو الفضل
الأرموي، وأبو غالب بن الداية، ومحمد بن أحمد الطرائفي (ح) وأخبرنا
يحيى بن منصور الفقيه في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد ببغداد سنة سبع وست
مئة وفيها توفي، وأنبأنا علي بن أحمد، أخبرنا عمر بن أحمد بدمشق سنة ثلاث
وست مئة، وأخبرنا محمد بن عبد الملك بن خيرون وزاد، حدثنا ابن
الصيرفي الفقيه عنه، فقال: وأخبرنا يحيى بن علي، وعبد الخالق بن عبد
الصمد، وأبو غالب بن البناء (ح) وأخبرنا الفخر بن البخاري أيضا، أخبرتنا
نعمة بنت علي بن يحيى بن علي، أخبرنا جدي (ح) وأخبرنا المسلم بن
محمد القيسي، وإبراهيم بن علي الفقيه، قالا: أخبرنا داود بن أحمد الوكيل،
(ح) وأخبرنا أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم الصقلي، أخبرنا سعيد بن
محمد بن سعيد بن الرزاز، قالا: أخبرنا أبو الفضل الأرموي (ح)، وأخبرنا
أبو الفرج عبد الرحمن بن الزين، وإبراهيم بن علي، قالا: أخبرنا الفتح عن
مشايخه الثلاثة، قالوا سبعتهم: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن
المسلمة، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي،
سنة ثمان وتسعين ومئتين، حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا إسحاق بن يوسف،
عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن زياد بن حدير، قال: قال عمر
463

رضي الله عنه: إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا
يخطئ فيه واوا ولا ألفا، يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى،
وزلة عالم، وأئمة مضلون.
وفيها، أي: سنة تسع مات داود بن رشيد، وصفوان بن صالح،
وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن يوسف البلخي الفقيه، ومحمد بن مهران
الرازي الجمال، ووهب بن بقية، ويحيى بن موسى خت، ومحمود بن
غيلان المروزي، ومحمد بن النضر المروزي، وعبد الله بن عمر بن أبان،
والصلت بن مسعود الجحدري.
117 - الغزي *
محمد بن عمرو الغزي العابد الزاهد.
روى عن: العطاف بن خالد، والوليد بن مسلم، وجماعة.
وعنه: ولده عبد الله بن محمد، وأبو زرعة الرازي، ومحمد بن الحسن
ابن قتيبة العسقلاني، وآخرون.
قال أبو زرعة: ما رأيت بمصر أصلح منه. وكان يأتي عليه ثمانية عشر
يوما لا يأكل فيها ولا يشرب.
وقال إبراهيم بن أبي أيوب: حدثنا محمد بن عمرو - وكان يأكل في
شهر رمضان أكلتين.
قلت: بقي إلى نحو الأربعين ومئتين. وهو من مشايخ " حلية الأولياء ".

* الجرح والتعديل 8 / 33، الأنساب، ورقة: 408 / 2، اللباب 2 / 381، تهذيب
التهذيب 9 / 371.
464

118 - هناد بن السري * (عخ، م، 4)
ابن مصعب بن أبي بكر بن شبر بن صعفوق الإمام الحجة القدوة زين
العابدين، أبو السري التميمي الدارمي الكوفي، مصنف كتاب " الزهد "
وغير ذلك.
روى أبو العباس السراج أنه قال: ولدت سنة اثنتين وخمسين ومئة.
حدث عن: شريك، وأبي الأحوص، وابن المبارك، وهشيم، وعبثر
ابن القاسم، وإسماعيل بن عياش، وابن أبي الزناد، وملازم بن عمرو،
وأبي بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وحاتم بن إسماعيل، وعبدة بن
سليمان، وعلي بن مسهر، وعيسى بن يونس، وأبي معاوية، ويحيى بن أبي
زائدة، وخلق. وينزل إلى قبيصة، ويحيى بن معين، وكان من الحفاظ
العباد.
حدث عنه الجماعة، لكن البخاري في غير " صحيحه " اتفاقا لا اجتنابا،
وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن أبي الدنيا، والرمادي،
والدقيقي، ومطين، وعبدان الأهوازي، وأبو العباس السراج، ومحمد بن
صالح بن ذريح، وابن ابن أخيه أبو دارم محمد بن السري بن يحيى،
وآخرون.
قال أبو حامد أحمد بن سهل الأسفراييني: سمعت أحمد بن حنبل،
وسئل عمن نكتب بالكوفة، فقال: عليكم بهناد.

* التاريخ الكبير 8 / 248، التاريخ الصغير 2 / 380، الجرح والتعديل 9 / 119، 120،
تهذيب الكمال، ورقة: 1449، تذكرة الحفاظ 2 / 507، 508، العبر 1 / 441، تذهيب
التهذيب 4 / 123، النجوم الزاهرة 2 / 316، تهذيب التهذيب 11 / 70، 71، طبقات
الحفاظ: 220، خلاصة تذهيب الكمال: 414، الرسالة المستطرفة: 39، شذرات الذهب
2 / 104.
465

وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو داود: سمعت قتيبة، يقول: ما رأيت وكيعا يعظم أحدا
تعظيمه لهناد، ثم سأله عن الأهل.
وقال النسائي: ثقة.
وقال أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ: كان هناد، رحمه الله،
كثير البكاء، فرغ يوما من القراءة لنا، فتوضأ، وجاء إلى المسجد، فصلى
إلى الزوال، وأنا معه في المسجد، ثم رجع إلى منزله، فتوضأ، وجاء
فصلى بنا الظهر، ثم قام على رجليه يصلي إلى العصر، يرفع صوته بالقرآن،
ويبكي كثيرا. ثم إنه صلى بنا العصر، وأخذ يقرأ في المصحف، حتى
صلى المغرب. قال: فقلت لبعض جيرانه: ما أصبره على العبادة، فقال:
هذه عبادته بالنهار منذ سبعين سنة، فكيف لو رأيت عبادته بالليل، وما تزوج
قط، ولا تسري، وكان يقال له: راهب الكوفة.
قال أبو العباس الثقفي: مات في يوم الأربعاء آخر يوم من شهر ربيع
الآخر سنة ثلاث وأربعين ومئتين.
قلت: عاش إحدى وتسعين سنة.
ولا يشتبه ب‍:
119 - هناد بن السري الصغير الدارمي *
حدث عن والده أبي عبيدة السري بن يحيى بن السري، وأبي سعيد
الأشج.

* تهذيب الكمال، ورقة: 1449، تذهيب التهذيب 4 / 123 / 1، تهذيب التهذيب
11 / 71، 72.
466

حدث عنه: ابن أخيه الحافظ المجود أبو بكر أحمد بن محمد بن السري
ابن يحيى الكوفي المشهور بابن أبي دارم، ومحمد بن عمر بن يحيى العلوي،
والقاضي محمد بن عبد الله بن الحسن الجعفي الكوفي، وجماعة، وكان
صدوقا.
أرخ موته الحافظ محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي في سنة
إحدى وثلاثين وثلاث مئة.
ولم يقع لنا من عالي حديث هناد الكبير إلا بإجازة في الطريق. فنسأل
الله علما نافعا مقربا إليه.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء في سنة ست وتسعين
وست مئة، عن زينب بنت عبد الرحمن، والقاسم بن أبي سعد، قالا:
أخبرنا وجيه بن طاهر، وأخبرنا أحمد، عن زينب، أخبرنا عبد المنعم بن عبد
الكريم، وأخبرنا أحمد، عن عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد، أخبرنا أبو
الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد، قالوا: أخبرنا أبو القاسم القشيري،
أخبرنا أبو الحسين الخفاف، أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا هناد، حدثنا
وكيع، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: كان رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: إذا دخل الخلاء، قال: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث " (1).

(1) إسناده صحيح، وهو في سنن الترمذي (5) في الطهارة: باب ما يقول إذا دخل
الخلاء، من طريق قتيبة وهناد. وأخرجه البخاري 1 / 212، 213 في الطهارة: باب ما يقول
عند الخلاء، من طريق آدم، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس. وأخرجه مسلم
(375) في الحيض: باب ما يقوله إذا أراد دخول الخلاء، من طريق يحيى بن يحيى، عن حماد
ابن زيد وهشيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس.
والخبث، بضم الخاء والباء: جمع خبيث. والخبائث: جمع خبيثة. وقال الحافظ ابن
حجر: ووقع في نسخة ابن عساكر. قال أبو عبد الله، يعني البخاري: ويقال: الخبث، أي
بإسكان الباء. وقال ابن الأعرابي: أصل الخبث في كلام العرب المكروه. فإن كان من الكلام
فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب
فهو الضار. وعلى هذا فالمراد من الخبائث المعاصي، أو مطلق الافعال المذمومة، ليحصل
التناسب.
467

أخرجه الترمذي عن هناد بن السري.
وبه: حدثنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا
أبو معاوية.
وبه قال: وأخبرنا هناد، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه،
عن عائشة، قالت: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسيد بن حضير، وأناسا
معه، يطلبون قلادة كانت لعائشة نسيتها في منزل نزلته، فحضرت
الصلاة، وليسوا على وضوء، ولم يجدوا ماء، فصلوا بغير وضوء، فذكروا
ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنزلت آية التيمم. فقال لها أسيد: جزاك الله
خيرا. فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه
خيرا.
أخرجه النسائي (1) عن إسحاق بن راهويه.
ومات مع هناد أحمد بن عيسى التستري، وحرملة بن يحيى
التجيبي، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، وهارون الحمال، وأحمد
ابن سعيد الرباطي، وإبراهيم بن العباس الصولي، والحارث بن أسد
المحاسبي.

(1) 1 / 172 في الطهارة: باب في من لم يجد الماء ولا الصعيد، وإسناده صحيح.
468

120 - محمد بن عبد الله بن عمار * (س)
الامام الحافظ الحجة، محدث الموصل، أبو جعفر الموصلي.
ولد بعد الستين ومئة.
وسمع المعافى بن عمران، وأبا بكر بن عياش، وعيسى بن يونس،
وسفيان بن عيينة، وأبا معاوية، ووكيعا، وطبقتهم. وله كتاب جليل في
معرفة الرجال والعلل.
حدث عنه: النسائي، والحسين بن إدريس الهروي، وجعفر الفريابي،
وأبو يعلى الموصلي، وأبو بكر محمد بن محمد الباغندي، وعبد الله بن
أحمد بن حنبل، وآخرون كثيرون.
وكان يعالج التجارة، فقدم بغداد مرات، وحدث بها. وكان الحافظ
عبيد العجل يعظم أمره، ويرفع قدره.
قال النسائي: ثقة، صاحب حديث.
وقال الخطيب: هو مخرمي سكن الموصل، وكان أحد أهل الفضل
المتحققين بالعلم، حسن الحفظ، كثير الحديث.
روى عنه الحسين الهروي كتابا له في العلل، ومعرفة الشيوخ.
وقال ابن عدي: سمعت أبا يعلى يسئ القول فيه، ويقول: شهد
على خالي بالزور.

* الجرح والتعديل 7 / 302، الكامل لابن عدي، ورقة: 315، تاريخ بغداد 5 / 416،
417، تهذيب الكمال، ورقة: 1221، تذكرة الحفاظ 2 / 494، 495، ميزان الاعتدال
3 / 596، تذهيب التهذيب 3 / 219، الوافي بالوفيات 3 / 304، تهذيب التهذيب 9 / 265،
266، طبقات الحفاظ: 215، خلاصة تذهيب الكمال: 345، شذرات الذهب 2 / 101.
469

قلت: يصدق عليه إذا دلسناه (1) أن نقول: أبو جعفر محمد بن عبد الله
المخرمي الحافظ فيستفاد مع الحافظ أبي جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك
المخرمي.
توفي ابن عمار في سنة اثنتين وأربعين ومئتين. وقد كمل الثمانين.
وقد وهم ابن قانع حيث قال: توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين.
121 - الفلاس * (ع)
عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الحافظ الامام المجود الناقد، أبو
حفص الباهلي البصري الصيرفي الفلاس، حفيد المحدث بحر بن كنيز
السقاء.
ولد سنة نيف وستين ومئة.
وحدث عن: يزيد بن زريع، ومرحوم العطار، وعبد العزيز بن عبد
الصمد العمي، وخالد بن الحارث، وغندر، وسفيان بن عيينة، وعاصم بن
هلال، وعمر بن علي المقدمي، ومحمد بن سواء، ومحمد بن عبد
الرحمن الطفاوي، وعبد الله بن إدريس، وعبد الاعلى الشامي، ومعاذ بن

(1) التدليس قسمان: الأول أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم
يلقه، موهما أنه سمعه منه. كأن يقول: " عن فلان " أو " قال فلان " أو نحو ذلك. فأما إذا صرح
بالسماع أو التحديث، ولم يكن قد سمعه من شيخه، ولم يقرأه عليه، لم يكن مدلسا، بل كان
كاذبا فاسقا، وفرغ من أمره. والقسم الثاني: الاتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به
تعمية لامره، وتوعيرا للوقوف على حاله، وهو الذي عناه المصنف هنا.
* التاريخ الصغير 2 / 388، الجرح والتعديل 6 / 249، تاريخ بغداد 12 / 207، 212،
الأنساب، ورقة: 434 / 2، اللباب 2 / 230، تهذيب الكمال، ورقة: 1045، 1046، تذكرة
الحفاظ 2 / 487، 488، العبر 1 / 454، تذهيب التهذيب 3 / 106، 107، تهذيب التهذيب
8 / 80، 82، النجوم الزاهرة 2 / 330، طبقات الحفاظ: 211، خلاصة تذهيب الكمال:
291، 292، طبقات المفسرين 2 / 17، شذرات الذهب 2 / 120.
470

معاذ، ووكيع، ويحيى القطان، وفضيل بن سليمان النميري، ومعتمر بن
سليمان، ويزيد بن هارون، وخلق. وينزل إلى سليمان بن حرب، وكان
من جملة الحجة.
حدث عنه: الأئمة الستة في كتبهم، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن أبي
الدنيا، وعبد الله بن أحمد، والحسن بن سفيان، ومحمد بن يحيى بن
مندة، والقاسم المطرز، وجعفر الفريابي، ويحيى بن صاعد، ومحمد بن
جرير، وأبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني، وخلق سواهم.
قال أبو حاتم: بصري صدوق، كان أرشق من علي بن المديني،
سمعت العباس العنبري، يقول: ما تعلمت الحديث إلا من عمرو بن علي.
وقال حجاج بن الشاعر: لا يبالي عمرو بن علي أحدث من كتابه، أو
من حفظه.
وقال النسائي: ثقة حافظ، صاحب حديث.
وقد روى النسائي أيضا عن زكريا السجزي عنه، وحدث عنه شيخه
عفان، والقاضي المحاملي.
وقد ذكره أبو زرعة، فقال: ذاك من فرسان الحديث، لم نر بالبصرة
أحفظ منه ومن علي بن المديني والشاذكوني.
قال أبو حفص الفلاس: حضرت مجلس حماد بن زيد، وأنا صبي
وضئ، فأخذ رجل بخدي، ففررت، فلم أعد.
قال ابن إشكاب الحافظ: ما رأيت مثل أبي حفص الفلاس، كان يحسن
كل شئ. وبلغنا عن أبي حفص قال: ما كنت فلاسا قط. وقد سافر إلى أصبهان.
471

غير مرة، وحدث بها، فقال الحافظ أبو الشيخ: قدمها في سنة ست عشرة
ومئتين، وسنة أربع وعشرين، وسنة ست وثلاثين.
وحكى ابن مكرم، قال: ما قدم علينا بعد علي بن المديني مثل عمرو
ابن علي. مات بالعسكر في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومئتين.
قلت: صنف وجمع، ووقع لنا من عالي حديثه:
أخبرنا الشيخ العالم الزاهد، مسند الوقت، أبو المعالي أحمد بن
القاضي الامام المحدث، رفيع الدين أبي محمد إسحاق بن محمد المؤيد
الهمذاني ثم المصري بقراءتي عليه، قال: أخبرنا المبارك بن أبي الجود
ببغداد سنة عشرين وست مئة، أخبرنا أبو العباس أحمد بن الطلاية، أخبرنا عبد
العزيز بن علي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص، حدثنا محمد بن
هارون، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن
عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تذهب الأيام
والليالي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي "
صححه الترمذي (1).
122 - خليفة بن خياط * (خ)
ابن خليفة بن خياط الامام الحافظ العلامة الاخباري، أبو عمرو

(1) رقم (2230)، وسنده حسن، وأخرجه أبو داود (4282).
* مقدمة كتابه " الطبقات "، التاريخ الكبير 3 / 191، الضعفاء: 122، الجرح والتعديل
3 / 378، 379، الكامل لابن عدي، ورقة: 123، 124، الأنساب 8 / 67، وفيات
الأعيان 2 / 243، 244، تهذيب الكمال، ورقة: 381، 382، تذكرة الحفاظ 2 / 436، العبر
1 / 432، ميزان الاعتدال 1 / 665، تذهيب التهذيب 1 / 211، غاية النهاية في طبقات القراء
1 / 275، طبقات الحفاظ: 190، خلاصة تذهيب الكمال: 106، شذرات الذهب 2 / 94.
472

العصفري البصري، ويلقب بشباب، صاحب " التاريخ "، وكتاب
" الطبقات "، وغير ذلك.
سمع أباه، ويزيد بن زريع، وزياد بن عبد الله البكائي، وسفيان بن
عيينة، وعبد الاعلى بن عبد الأعلى، ومحمد بن جعفر غندرا، وإسماعيل
ابن علية، ومحمد بن أبي عدي، ومعتمر بن سليمان، ومحمد بن سواء،
وخالد بن الحارث، ويحيى القطان، وابن مهدي، وأمية بن خالد، وحاتم
ابن مسلم، وهشام الكلبي، وعلي بن محمد المدائني، وخلقا كثيرا.
ذكر شيخنا في " تهذيب الكمال " أنه روى أيضا عن حماد بن سلمة
فهذا وهم بين، فإن الرجل لم يلحق أيضا السماع من حماد بن زيد، وأراه
رآه.
حدث عنه: البخاري بسبعة أحاديث أو أزيد في " صحيحه "، وبقي بن
مخلد، وحرب الكرماني، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو بكر بن
أبي عاصم، وعمر بن أحمد الأهوازي، وموسى بن زكريا التستري،
وعبدان الجواليقي، وزكريا الساجي، وخلق.
وكان صدوقا نسابة، عالما بالسير والأيام والرجال. وثقه بعضهم.
وقال ابن عدي: هو صدوق من متيقظي الرواة.
قلت: لينه بعضهم بلا حجة.
قال مطين وغيره: مات سنة أربعين ومئتين.
قلت: كان من أبناء الثمانين، وقد أخطأ من قال: مات سنة ست
وأربعين، مات جده سنة ستين ومئة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله سنة 692 عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم
473

المقرئ، أخبرنا أبو سعد الطبيب، أخبرنا أبو عمرو النحوي، أخبرنا أبو يعلى
التميمي، حدثنا شباب العصفري، حدثنا معتمر، سمعت أبي، عن
أنس، قال: كان الرجل يجعل للنبي، صلى الله عليه وسلم، من نخله الصدقات (1)، حتى
فتحت قريظة، والنضير، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرد بعد ذلك، وإن أهلي
أمروني أن آتيه، فأسأله الذي كان أعطوه، وكان أعطاهن أم أيمن، فلوت
الثوب في عنقي، وهي تقول: كلا والله، لا يعطيكهن، والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول: لك كذا، ولك كذا. حسبت أنه قال: وهي تقول: كلا والله،
حتى أعطاها عشرة أمثاله.
هذا حديث غريب من الافراد، أخرجه البخاري (2) عن شباب.
توفي مع شباب في سنة أربعين أحمد بن أبي دواد القاضي، وأبو ثور
إبراهيم بن خالد الفقيه، وسويد بن سعيد، وقتيبة بن سعيد، وسويد بن نصر،
وسحنون (3) الفقيه، وعبد الواحد بن غياث، ومحمد بن الصباح الجرجرائي،
والحسن بن عيسى بن ماسرجس، وجعفر بن حميد الكوفي، ومحمد بن خالد
الطحان، ومحمد بن عمرو زنيج، ومحمد بن أبي عتاب الأعين، والليث بن
خالد تلميذ الكسائي.

(1) في البخاري 7 / 316: " " النخلات " بدلا من قوله: " من نخله الصدقات ". قال
الحافظ: كان الأنصار يواسون المهاجرين بنخيلهم لينتفعوا بتمرها. فلما فتح الله النضير ثم
قريظة، قسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثر، وأمر برد ما كان للأنصار، لاستغنائهم عنه،
ولأنهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك. وامتنعت أم أيمن من رد ذلك، ظنا أنها ملكت الرقبة،
فلاطفها النبي، صلى الله عليه وسلم، لما كان لها عليه من حق الحضانة، حتى عوضها عن الذي كان بيدها بما
أرضاها.
(2) أخرجه البخاري 7 / 316 في المغازي: باب مرجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من الأحزاب،
ومخرجه إلى بني قريظة.
(3) بفتح السين المهملة وضمها.
474

123 - صفوان بن صالح * (د، ت، س)
ابن صفوان بن دينار الحافظ المحدث الثقة، مؤذن جامع دمشق، أبو
عبد الملك الثقفي مولاهم الدمشقي.
سمع سفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية، والوليد بن مسلم، وسويد
ابن عبد العزيز، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن شعيب، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو داود، وبواسطة الترمذي، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو
حاتم، وأبو زرعة النصري، وأحمد بن أنس بن مالك، وأحمد بن المعلى،
وجعفر الفريابي، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، وآخرون.
مولده في سنة ثمان أو تسع وستين ومئة.
قال عمرو بن دحيم: مات في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومئتين.
وثقه أبو عيسى الترمذي.
وقال سلم بن معاذ: قلت لسليمان بن عبد الرحمن: إن صفوان بن
صالح يأبى أن يحدثنا، قال: فدخل صفوان، فسلم عليه، فقال
سليمان: بلغني أنك تأبى أن تحدث؟ فقال: يا أبا أيوب، منعنا السلطان.
قال: ويحك حدث، فإنه بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في
الجنة، كما يحتاجون إليهم في الدنيا. فحدث لعلك أن تكون منهم،
فحدثنا صفوان.

* التاريخ الكبير 4 / 309، الجرح والتعديل 4 / 425، 426، تاريخ دمشق
8 / 168 / ب، تهذيب الكمال، ورقة: 609، العبر 1 / 430، تذهيب التهذيب 2 / 94، تهذيب
التهذيب 4 / 426، 427، النجوم الزاهرة 2 / 292، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات
الذهب 2 / 91.
475

وقد ذكر أبو زرعة الرازي إبراهيم بن موسى الفراء الحافظ، فقال: هو
أحفظ من صفوان بن صالح. فما قال أبو زرعة هذا، وقرن بينهما إلا
لاشتراكهما في الحفظ.
124 - إسحاق بن أبي إسرائيل * (بخ، د، س)
إبراهيم بن كامجر الامام الحافظ الثقة.
حدث عن: شريك، وحماد بن زيد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد،
وعبد الواحد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وعبد القدوس بن حبيب، وكثير
ابن عبد الله الابلي الذي روى عن أنس بن مالك، وخلق كثير. ورأى زائدة
ابن قدامة.
ولد سنة خمسين ومئة. قاله موسى بن هارون.
وحدث عنه: أبو داود، وبواسطة النسائي، ومحمد بن إسماعيل البخاري
في كتاب " الأدب "، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وموسى بن هارون،
وعبد الله بن ناجية، وأبو يعلى الموصلي، وأبو العباس الثقفي، وأبو حامد
الحضرمي، وأبو القاسم البغوي، وأحمد بن القاسم الفرائضي وقد روى
حرف الكسائي عنه، وحرف ابن عامر، عن الوليد بن مسلم بروايته عن
يحيى بن الحارث عنه.
قال أحمد بن أبي خيثمة، وعثمان الدارمي، عن يحيى: ثقة، ثم

* طبقات ابن سعد 7 / 353، المحبر: 478، التاريخ الكبير 1 / 380، التاريخ الصغير
2 / 381، تاريخ الطبري 9 / 213، تاريخ بغداد 6 / 356، 362، تهذيب الكمال، ورقة: 83،
ميزان الاعتدال 1 / 182، تذكرة الحفاظ 2 / 484، 486، العبر 1 / 444، تذهيب التهذيب
1 / 54، البداية والنهاية 10 / 346، تهذيب التهذيب 1 / 223، خلاصة تذهيب الكمال: 27.
476

قال عثمان: ثم إسحاق أظهر الوقف، حين سألت ابن معين عنه.
وقال البغوي: ثقة مأمون، إلا أنه كان قليل العقل.
وقال صالح جزرة: صدوق، يقول: القرآن كلام الله، ويقف.
قال أبو العباس السراج: سمعته يقول: هؤلاء الصبيان، يقولون:
كلام الله غير مخلوق، ألا قالوا: كلام الله وسكتوا؟ ويشير إلى دار الإمام أحمد
.
قال إسحاق بن داود: تجهم إسحاق بن أبي إسرائيل بعد تسعين سنة.
وقال أبو حاتم: وقف في القرآن فوقفنا عن حديثه. ولقد تركه الناس
حتى كنت أمر بمسجده وهو وحيد لا يقربه أحد بعد أن كان الناس إليه عنقا
واحدا.
قال شاهين بن السميدع (1): سمعت أحمد بن حنبل، يقول:
إسحاق بن أبي إسرائيل واقفي مشؤوم، إلا أنه كيس صاحب حديث.
وقال زكريا الساجي: كان صدوقا، تركوه لموضع الوقف، قال:
معنى قوله تركوه: أعرضوا عن الاخذ عنه، لا أن حديثه في حيز المتروك
المطرح.
قال الحسين بن إسماعيل الفارسي: سألت عبدوس بن عبد الله
النيسابوري، عن إسحاق بن أبي إسرائيل، فقال: كان حافظا جدا، لم
يكن مثله في الحفظ والورع. قلت: كان يتهم بالوقف؟ قال: نعم.
قلت: أداه ورعه وجموده إلى الوقف لا أنه كان يتجهم. كلا.

(1) هو أبو سلمة العبدي، انظر ترجمته في " طبقات الحنابلة " 1 / 172، 173.
477

قال أحمد بن أبي خيثمة: قال لي مصعب الزبيري: ناظرني إسحاق
ابن أبي إسرائيل، فقال: لا أقول كذا، ولاغير ذا - يعني: في القرآن -
فناظرته، فقال: لم أقل على الشك، ولكني أسكت كما سكت القوم
قبلي.
قلت: الانصاف في من هذا حاله أن يكون باقيا على عدالته، والله
أعلم.
قال البخاري وجماعة: مات في سنة خمس وأربعين ومئتين. قال ابن
قانع: في شعبانها.
وقال علي بن أحمد بن النضر: توفي سنة ست وأربعين.
وقال أبو القاسم البغوي: مات بسامراء في شعبان سنة ست وأربعين
ومئتين.
قلت: وقع لنا من عواليه.
125 - إبراهيم بن عبد الله * (ت، ق)
ابن حاتم الحافظ الامام، شيخ الاسلام، أبو إسحاق البغدادي
المعروف بالهروي.
سمع إسماعيل بن جعفر، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد العزيز
الدراوردي، وهشيم بن بشير، وأبا إسماعيل المؤدب، وطبقتهم.

* الجرح والتعديل 2 / 109، تاريخ بغداد 6 / 118، 120، تهذيب الكمال، ورقة:
58، ميزان الاعتدال 1 / 42، 44، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 38، تذكرة الحفاظ
2 / 484، الوافي بالوفيات 5 / 28، تهذيب التهذيب 1 / 132، 133، طبقات الحفاظ:
209، خلاصة تذهيب الكمال: 18، شذرات الذهب 2 / 105.
478

حدث عنه: الترمذي، وابن ماجة، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى،
وجعفر الفريابي، وأحمد بن فرح المفسر، وموسى بن هارون، وأبو بكر
الباغندي، وأحمد بن الحسين الصوفي الصغير، وآخرون.
وكان صالحا زاهدا عابدا صواما قواما متعففا، كبير القدر، كان لا
يفطر إلا أن يدعى إلى طعام. وكان حافظا مجودا، من أعلم الناس بحديث
هشيم، وأثبتهم فيه.
روى عنه صالح جزرة، قال: ما مر حديث لهشيم إلا وقد سمعته
عشرين مرة أو أكثر، وكنت أوقفه، كنت أسمع منه مع سعيد الجوهري والد
إبراهيم.
ثم قال صالح جزرة: أعلم الناس بحديث هشيم عمرو بن عون،
وإبراهيم بن عبد الله.
وقال يحيى بن معين: أصحاب هشيم محمد بن الصباح الدولابي،
وإبراهيم الهروي، وهو أكيس الرجلين.
وقال أبو داود: إبراهيم بن عبد الله ضعيف.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
قلت: توفي في شهر رمضان سنة أربع وأربعين ومئتين. وله نيف
وتسعون سنة.
126 - إبراهيم بن محمد بن عرعرة * (م)
ابن البرند بن النعمان بن علجة بن أقفع بن كزمان الحافظ الكبير

* طبقات ابن سعد 7 / 359، 360، الجرح والتعديل 2 / 130، تاريخ بغداد 6 / 148،
150، الأنساب 7 / 16، اللباب 2 / 95، تهذيب الكمال، ورقة: 63، 64، تذكرة الحفاظ
2 / 435، العبر 1 / 408، ميزان الاعتدال 1 / 56، 57، تذهيب التهذيب 1 / 41، تهذيب
التهذيب 1 / 155، 157، طبقات الحفاظ: 189، 190، خلاصة تذهيب الكمال: 21،
شذرات الذهب 2 / 70.
479

المجود، أبو إسحاق القرشي السامي البصري، من ولد الحارث بن سامة بن
لؤي بن غالب.
نزل بغداد، ونشر بها العلم، وهو من أولاد المحدثين. كان والده من
شيوخ البخاري القدماء.
ولد إبراهيم بعد الستين ومئة أو قبلها.
وحدث عن: جعفر بن سليمان الضبعي، ومعتمر بن سليمان، ويحيى
ابن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهاب الثقفي، وحرمي بن
عمارة، وعبد الرزاق بن همام، والخليل بن أحمد المزني، وما هو
بصاحب العروض، وعبد الرحمن بن مهدي، وجده عرعرة بن البرند،
وعدة.
حدث عنه: مسلم، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وصالح جزرة، وإبراهيم
الحربي، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن
ابن عبد الجبار الصوفي، وخلق سواهم.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال علي بن الحسين بن حبان: وجدت بخط أبي: قلت لأبي زكريا
ابن معين: فابن عرعرة؟ قال: ثقة معروف مشهور بالطلب، كيس الكتاب،
ولكنه يفسد نفسه، يدخل في كل شئ.
وقال محمد بن عبيد الله: كنت عند أحمد بن حنبل، فقيل له: إنهم
480

يكتبون عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة. فقال: أف لا يبالون عمن كتبوا.
وروى الأثرم عن أحمد أنه غمز ابن عرعرة، وأحسب هذا من جهة سيرته لا
من جهة حفظه. فقد قال الحافظ ابن عدي: حدثنا القاسم بن صفوان البرذعي،
قال: أخبرنا عثمان بن خرزاذ: أحفظ من رأيت أربعة: فعد منهم إبراهيم
ابن محمد بن عرعرة.
قال موسى بن هارون: مات لسبع بقين من رمضان سنة إحدى وثلاثين
ومئتين.
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: تحفظ عن ابن عباس، أن
رسول الله كان يزور البيت كل ليلة؟ فقال: كتبوه من كتاب معاذ، ولم
يسمعوه. فقلت: إبراهيم بن عرعرة يزعم أنه سمعه، فتغير وجه أبي عبد
الله، ونفض يده، وقال: كذب وزور، ما سمعوه منه، واستعظم ذلك.
وقال ابن المديني: روى قتادة حديثا غريبا، حدثنا أبو حسان
الأعرج، عن ابن عباس: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يزور البيت كل ليلة ما
أقام (1). تفرد به هشام عن قتادة، نسخته من كتاب معاذ بن هشام، وهو
حاضر، ولم أسمعه منه. فقال لي معاذ: هات حتى أقرأه، قلت: دعه
اليوم.

(1) علقه البخاري في " صحيحه " 3 / 452 في الحج: باب الزيارة يوم النحر، بصيغة
التمريض، فقال: ويذكر عن أبي حسان، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
كان يزور البيت أيام منى. قال الحافظ: وصله الطبراني من طريق قتادة عنه، ثم نقل كلام ابن
المديني، وكلام الإمام أحمد الذي ذكره المصنف، ثم قال: وأبو حسان اسمه مسلم بن عبد الله،
قد أخرج له مسلم حديثا غير هذا، عن ابن عباس، وليس هو من شرط البخاري. ولرواية أبي
حسان هذه شاهد مرسل، أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن عيينة، حدثنا ابن طاووس، عن أبيه،
أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يفيض كل ليلة.
481

قال الحافظ أبو بكر الخطيب: فما المانع من أن يكون ابن عرعرة
سمعه من معاذ؟
قلت: صدق أبو بكر، ولا سيما وإبراهيم من كبار طلبة الحديث المعنيين
به.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن مطهر الشافعي بقراءتي عليه
في سنة ثلاث وتسعين وست مئة، عن عبد المعز بن محمد البزاز، أخبرنا تميم
ابن أبي سعيد، وزاهر بن طاهر منفردين، قالا: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد
الرحمن الأديب، أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان في سنة أربع وسبعين
وثلاث مئة، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، حدثنا إبراهيم بن عرعرة،
حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن
عباس: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يستلم الركن بمحجنه، ويقبل المحجن
قال يحيى: ليس هذا مكتوبا عندي.
هذا حديث صالح الاسناد غريب فرد، رواه النسائي عن عثمان بن
خرزاذ، عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة (1)، فوقع لنا بدلا بعلو درجتين.
وفيها (2) مات أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد، وأمية بن بسطام، وأبو

(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 3 / 378 في الحج: باب استلام الركن
بالمحجن، ومسلم (1272) في الحج: باب جواز الطواف على بعير وغيره، من طريق ابن
وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، رضي الله
عنهما، قال: طاف النبي، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن. وأخرجه
مسلم (1275)، وابن ماجة (2949) من طريق معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا الطفيل
يقول: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن.
والمحجن: عصا محنية الرأس. والاستلام: افتعال من السلام، أي التحية. والمعنى أنه
يومئ بعصاه إلى حتى يصيبه.
(2) على هامش الأصل رقم (31)، أي في سنة 231.
482

تمام الطائي حبيب بن أوس شاعر زمانه، وخالد بن مرداس، وسليمان بن
داود الختلي، وسهل بن زنجلة الرازي، وعبد الله بن محمد بن أسماء،
وعبد الرحمن بن سلام الجمحي، وأخوه محمد بن سلام، وعلي بن حكيم
الأودي، وكامل بن طلحة، ومحمد بن المنهال التميمي الضرير، ومحمد بن
المنهال العطار، أخو حجاج، ومحمد بن يحيى بن حمزة قاضي دمشق،
ومحمد بن زياد بن الأعرابي، وهارون بن معروف، ومنجاب بن الحارث،
ويحيى بن بكير المصري، وأبو يعقوب البويطي، وتقدم بعضهم.
127 - أحمد بن منيع * (ع)
ابن عبد الرحمن الامام الحافظ الثقة، أبو جعفر البغوي ثم
البغدادي، وأصله من مرو الروذ. رحل وجمع وصنف " المسند ".
حدث عن: هشيم، وعباد بن العوام، وسفيان بن عيينة، ومروان بن
شجاع، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد الله بن المبارك، وهذه الطبقة فمن
بعدهم.
حدث عنه: الستة، لكن البخاري بواسطة، وسبطه مسند وقته أبو
القاسم البغوي، وعبد الله بن ناجية، ويحيى بن صاعد، وإسحاق بن
جميل، وخلق سواهم.

* التاريخ الكبير 2 / 6، التاريخ الصغير 2 / 379، الجرح والتعديل 2 / 77، 78، تاريخ
بغداد 5 / 160، 161، طبقات الحنابلة 1 / 76، 77، تهذيب الكمال، ورقة: 44، تذكرة
الحفاظ 2 / 481، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 28، الوافي بالوفيات 8 / 192، البداية
والنهاية 10 / 346، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 139، تهذيب التهذيب 1 / 84، 85،
النجوم الزاهرة 2 / 319، طبقات الحفاظ: 208، 209، خلاصة تذهيب الكمال: 13،
الرسالة المستطرفة: 65، شذرات الذهب 2 / 105.
483

وثقه صالح جزرة، وغيره.
وكان مولده في سنة ستين ومئة.
قال البغوي: أخبرت عن جدي أحمد بن منيع، رحمه الله، أنه قال:
أنا من نحو أربعين سنة أختم في كل ثلاث.
قال البغوي: مات جدي في شوال سنة أربع وأربعين ومئتين.
أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا أبو بكر بن
الزاغوني، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله
البغوي، حدثني جدي، حدثنا هشيم، حدثني سفيان بن حسين، عن
الزهري، إن لم أكن سمعته من الزهري، عن أنس، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إذا وضع العشاء، وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء " (1).
128 - حاتم الأصم * (2)
الزاهد القدوة الرباني، أبو عبد الرحمن، حاتم بن عنوان بن يوسف

(1) سفيان بن حسين ثقة في اتفاقهم في غير الزهري، والحديث صحيح، أخرجه
البخاري 2 / 134 في الجماعة: باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، من طريق الليث، عن
عقيل، ومسلم من طريق سفيان بن عيينة، كلاهما عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء "، وأخرجاه أيضا من حديث ابن
عمر وعائشة، رضي الله عنهم.
* الجرح والتعديل 3 / 260، حلية الأولياء 8 / 73، 83، تاريخ بغداد 8 / 241، 245،
الأنساب 1 / 294، 295، اللباب 1 / 57، وفيات الأعيان 2 / 26، 28، العبر 1 / 424، مرآة
الجنان 2 / 118، طبقات الأولياء: 178، 181، النجوم الزاهرة 2 / 290، 291، شذرات
الذهب 2 / 87، 88، طبقات الصوفية: 91، 97، الرسالة القشيرية: 20، طبقات الشعراني
1 / 93.
(2) قيل: إنه لقب بالأصم لان امرأة سألته مسألة، فخرج منها صوت ريح من تحتها،
فخجلت، فقال لها: ارفعي صوتك، وأراها من نفسه أنه أصم، حتى سكن ما بها، فغلب عليه
الأصم. انظر " طبقات الأولياء ": 178، و " النجوم الزاهرة " 2 / 291.
484

البلخي الواعظ الناطق بالحكمة، الأصم، له كلام جليل في الزهد
والمواعظ والحكم، كان يقال له: لقمان هذه الأمة.
روى عن: شقيق البلخي، وصحبه، وسعيد بن عبد الله الماهياني،
وشداد بن حكيم، ورجاء بن محمد وغيرهم، ولم يرو شيئا مسندا فيما
أرى.
روى عنه: عبد الله بن سهل الرازي، وأحمد بن خضرويه البلخي،
ومحمد بن فارس البلخي، وأبو عبد الله الخواص، وأبو تراب النخشبي،
وحمدان بن ذي النون، ومحمد بن مكرم الصفار، وآخرون. واجتمع
بالامام أحمد ببغداد.
قيل له: على ما بنيت أمرك في التوكل؟ قال: على خصال أربعة:
علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا
يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة، فأنا أبادره،
وعلمت أني لا أخلو من عين الله، فأنا مستحي منه.
وعنه: من أصبح مستقيما في أربع فهو بخير: التفقه، ثم التوكل،
ثم الاخلاص، ثم المعرفة.
وعنه: تعاهد نفسك في ثلاث: إذا عملت، فاذكر نظر الله إليك،
وإذا تكلمت، فاذكر سمع الله منك، وإذا سكت، فاذكر علم الله فيك.
قال أبو تراب: سمعت حاتما يقول: لي أربعة نسوة، وتسعة
أولاد، ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في أرزاقهم. سمعت شقيقا
يقول: الكسل عون على الزهد.
وقال أبو تراب: قال شقيق لحاتم: مذ صحبتني، أي شئ تعلمت
485

مني؟ قال: ست كلمات: رأيت الناس في شك من أمر الرزق، فتوكلت
على الله (1). قال الله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)
(هود: 6)
ورأيت لكل رجل صديقا يفشي إليه سره، ويشكو إليه، فصادقت
الخير ليكون معي في الحساب، ويجوز معي الصراط.
ورأيت كل أحد له عدو، فمن اغتابني ليس بعدوي، ومن أخذ مني
شيئا ليس بعدوي، بل عدوي من إذا كنت في طاعة، أمرني بمعصية الله،
وذلك إبليس وجنوده، فاتخذتهم عدوا وحاربتهم.
ورأيت الناس كلهم لهم طالب، وهو ملك الموت، ففرغت له
نفسي.
ونظرت في الخلق، فأحببت ذا، وأبغضت ذا. فالذي أحببته لم
يعطني، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا، فقلت: من أين أتيت؟ فإذا هو
من الحسد فطرحته، وأحببت الكل، فكل شئ لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم.
ورأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى، ورأيت مأواي القبر، فكل شئ
قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي لا عمر قبري.
فقال شقيق: عليك بهذه الخصال.
قال أبو عبد الله الخواص: دخلت مع حاتم الأصم الري، ومعنا
ثلاث مئة وعشرون رجلا نريد الحج، عليهم الصوف والزربنانقات، ليس
معهم جراب ولا طعام.

(1) لا يفهم من كلام حاتم الأصم رحمه الله ترك الأسباب، والقعود عن التماسها، والبقاء
عالة على الناس كما يفهمه المتواكلون، وإنما يعني أنه لابد مع السعي والعمل من التوكل على
الله الذي يثمر الرضى والقناعة بما قسم له حتى يكون أغنى الناس.
486

قال الخطيب: أسند حاتم بن عنوان الأصم، عن شقيق، وسمى
جماعة.
ويروى عنه قال: أفرح إذا أصاب من ناظرني، وأحزن إذا أخطأ.
وقيل: إن أحمد بن حنبل خرج إلى حاتم، ورحب به، وقال له:
كيف التخلص من الناس؟ قال: أن تعطيهم مالك، ولا تأخذ من مالهم،
وتقضي حقوقهم، ولا تستقضي أحدا حقك، وتحتمل مكروههم، ولا
تكرههم على شئ، وليتك تسلم.
وقال أبو تراب: سمعت حاتما يقول: المؤمن لا يغيب عن
خمسة: عن الله، والقضاء، والرزق، والموت، والشيطان.
وعن حاتم قال: لو أن صاحب خبر جلس إليك، لكنت تتحرز
منه، وكلامك يعرض على الله فلا تحترز!
قلت: هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم، لا كما أحدث
المتأخرون من الفناء والمحو والجمع الذي آل بجهلتهم إلى الاتحاد، وعدم
السوى.
قال أبو القاسم بن مندة، وأبو طاهر السلفي: توفي حاتم الأصم -
رحمه الله - سنة سبع وثلاثين ومئتين.
129 - أحمد بن خضرويه (1) *
الزاهد الكبير الرباني الشهير، أبو حامد البلخي، من أصحاب حاتم
الأصم.

وقد يدعى أحمد بن الخضر، كذا في " حلية الأولياء " 10 / 42، و " تاريخ
بغداد " 4 / 137
* حلية الأولياء 10 / 42، 43، تاريخ بغداد 4 / 137، 138، الوافي بالوفيات
6 / 373، طبقات الأولياء: 37، 39، طبقات الصوفية: 103، 106، طبقات الشعراني
1 / 95، النجوم الزاهرة 2 / 303، الرسالة القشيرية: 21.
487

قال السلمي: هو من جلة مشايخ خراسان. سألته امرأته أن يحملها
إلى أبي يزيد، وتهبه مهرها، ففعل، فأنفقت مالها عليهما. فلما أراد أن
يرجع، قال لأبي يزيد: أوصني، قال: تعلم الفتوة من هذه (1).
وعن أبي يزيد، قال: ابن خضرويه أستاذنا.
ويقال: إن ابن خضرويه، صحب إبراهيم بن أدهم.
قلت: لم يدركه أبدا.
وقد كان معمرا، فإن السلمي روى عن منصور بن عبد الله، سمع
محمد بن حامد، قال: كنت عند ابن خضرويه، وهو ينزع، فسئل عن
شئ، فقال: بابا (2) كنت أقرعه منذ خمس وتسعين سنة، الساعة يفتح،
لا أدري يفتح بالسعادة أم بالشقاء. ووفى عنه رجل سبع مئة دينار.
قال أبو حفص النيسابوري: ما رأيت أكبر همة، ولا أصدق حالا من
أحمد بن خضرويه، له قدم في التوكل.
ومن كلامه: القلوب جوالة، فإما أن تجول حول العرش، وإما أن
تجول حول الحش (3).

(1) الخبر في " الحلية " 10 / 42، بلفظ: كانت قرينته المكتنية بأم علي من بنات الكبار،
حللت زوجها أحمد من صداقها على أن يزوجها أبا يزيد البسطامي، فحملها إلى أبي يزيد،
فدخلت عليه، وقعدت بين يديه مسفرة عن وجهها. فقال لها أحمد: رأيت منك عجبا، أسفرت
عن وجهك بين يدي أبي يزيد! فقالت: لاني لما نظرت إليه، فقدت حظوظ نفسي، وكلما
نظرت إليك، رجعت إلي حظوظ نفسي. فلما خرج، قال لأبي يزيد: أوصني، قال: تعلم
الفتوة من زوجتك.
(2) في " الحلية " " باب "، بالرفع.
(3) أي الخلاء.
488

قيل: إنه توفي سنة أربعين ومئتين.
130 - أبو خيثمة * (خ، م، د، س، ق)
زهير بن حرب بن شداد الحرشي النسائي، ثم البغدادي الحافظ
الحجة، أحد أعلام الحديث، مولى بني الحريش بن كعب بن عامر بن
صعصعة، وكان اسم جده أشتال، فعرب، وقيل: شداد.
نزل بغداد بعد أن أكثر التطواف في العلم، وجمع وصنف، وبرع
في هذا الشأن، هو وابنه وحفيده محمد بن أحمد. وقل أن اتفق هذا لثلاثة
على نسق.
ولد أبو خيثمة سنة ستين ومئة. قاله ابنه أبو بكر.
وحدث عن: جرير بن عبد الحميد، وهشيم، وحميد بن عبد الرحمن
الرؤاسي، وعبدة بن سليمان، والوليد بن مسلم، وسفيان بن عيينة، وأبي
معاوية الضرير، ووكيع، ويحيى القطان، وأبي سفيان محمد بن حميد،
ومروان بن معاوية، ويزيد بن هارون، وحفص بن غياث، والقاسم بن
مالك، وابن فضيل، وعبد الرزاق، وبشر بن السري، وروح، وشبابة،
ومعن بن عيسى، وابن علية، وخلائق. وينزل إلى عفان، ومعلى بن
منصور، وكامل بن طلحة الجحدري، ونحوهم.
روى عنه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، وروى النسائي عن

* التاريخ الكبير 3 / 429، التاريخ الصغير 2 / 362، تاريخ الفسوي 1 / 209، الجرح
والتعديل 3 / 591، الفهرست: 286، تاريخ بغداد 8 / 482، 484، الأنساب، ورقة:
559 / 2، تهذيب الكمال، ورقة: 437، تذكرة الحفاظ 2 / 437، العبر 1 / 416، تذهيب
التهذيب 1 / 240، النجوم الزاهرة 2 / 276، البداية والنهاية 10 / 312، غاية النهاية في طبقات
القراء 1 / 295، تهذيب التهذيب 3 / 342، 344، طبقات الحفاظ: 191، خلاصة تذهيب
الكمال: 123، الرسالة المستطرفة: 56، شذرات الذهب 2 / 80.
489

رجل عنه، وروى عنه أبو زرعة، وأبو حاتم، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر
ابن أبي الدنيا، وبقي بن مخلد، وأحمد بن علي المروزي، وأبو يعلى
الموصلي، وموسى بن هارون، وأبو القاسم البغوي، وخلق.
وثقه يحيى بن معين.
وروى علي بن الحسين بن الجنيد، عن يحيى بن معين، قال: أبو
خيثمة يكفي قبيلة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال يعقوب بن شيبة: هو أثبت من ابن أبي شيبة، كان في عبد
الله - يعني: ابن أبي شيبة - تهاون في الحديث لم يكن يفصل هذه
الأشياء - يعني: الألفاظ -
وقال جعفر الفريابي: سألت محمد بن عبد الله بن نمير: أيما أحب
إليك أبو خيثمة، أو أبو بكر بن أبي شيبة؟ فقال: أبو خيثمة، وجعل يطري أبا
خيثمة، ويضع من أبي بكر.
وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: أبو خيثمة حجة في الرجال؟
قال: ما كان أحسن علمه.
وقال النسائي: ثقة مأمون.
وقال الحسين بن قهم: ثقة ثبت.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتا حافظا متقنا.
قلت: من المكثرين عنه ولده، وأبو يعلى. ووقع لي من عواليه.
قال أبو بكر: مات أبي في خلافة المتوكل، ليلة الخميس لسبع
490

خلون من شعبان، سنة أربع وثلاثين ومئتين، وهو ابن أربع وسبعين سنة،
رحمه الله.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وأبو العباس أحمد بن محمد،
ومحمد بن إبراهيم النحوي، وطائفة، قالوا: أخبرنا أبو المنجى عبد الله بن
عمر العتابي (ح)، وأخبرنا أحمد بن إسحاق الهمذاني، أخبرنا زكريا بن
علي، قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرتنا بيبى بنت عبد الصمد
الهرثمية، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، حدثنا أبو
القاسم عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب،
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرني روح بن القاسم، عن عطاء بن أبي
ميمونة: عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتبرز
لحاجته، فآتيه بماء يغتسل به.
أخرجه مسلم (1) عن أبي خيثمة، فوقع عاليا من الموافقات.
أخبرنا علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني قراءة عليه، أخبرنا
محمد بن أحمد بن عمر الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغواني، أخبرنا محمد بن محمد بن علي الزينبي، أخبرنا محمد بن عبد
الرحمن المخلص، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن
حرب، وشجاع بن مخلد، والحسن بن عرفة، قالوا: أخبرنا هشيم،
أخبرنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اعتدلوا في

(1) إسناده صحيح، وهو في " صحيح " مسلم (271) في الطهارة: باب الاستنجاء
بالماء من التبرز.
وقوله: يتبرز، معناه: يأتي البراز، وهو بفتح الباء: اسم للفضاء الواسع، كنوا به عن
قضاء الحاجة.
491

صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري ". زاد شجاع،
والحسن: قال أنس: فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه،
وقدمه بقدمه، فلو ذهبت أفعل هذا اليوم، لنفر أحدكم، كأنه بغل
شموس (1).
هذا حديث صحيح غريب. وقد وقع لنا شئ كثير من موافقات أبي
خيثمة في " مسند " أبي يعلى الموصلي.
ذكر ولده.
هو الحافظ الكبير المجود أبو بكر:
131 - أحمد بن أبي خيثمة *
صاحب " التاريخ الكبير "، الكثير الفائدة.
سمع أباه، وأبا نعيم، وهوذة بن خليفة، وعفان، ومحمد بن
سابق، وأبا سلمة التبوذكي، وأبا غسان النهدي، وأحمد بن يونس،
وقطبة بن العلاء، ومسلم بن إبراهيم، وأحمد بن إسحاق الحضرمي،
وموسى بن داود الضبي، وحسين بن محمد المروذي، وسعيد بن
سليمان، وخالد بن خداش، وسريج بن النعمان، وسليمان بن حرب،

(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 176 في صلاة الجماعة: باب إلزاق المنكب
بالمنكب، من حديث زهير، عن حميد، عن أنس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " أقيموا
صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري ". وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه
بقدمه. وهو في " المسند " 3 / 103، و 125 و 182 و 229 و 263 و 286.
* الفهرست: 286، تاريخ بغداد 4 / 162، 164، طبقات الحنابلة 1 / 44، الأنساب،
ورقة: 559 / 2، معجم الأدباء 3 / 35، 37، تذكرة الحفاظ 2 / 596، الوافي بالوفيات
6 / 376، 377، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 54، لسان الميزان 1 / 174.
492

وأحمد بن حنبل، وعلي بن الجعد، وخلف بن هشام، وأمما سواهم.
وهو أوسع دائرة من أبيه.
روى عنه: ابنه محمد بن أحمد الحافظ، وأبو القاسم البغوي،
ويحيى بن صاعد، وعلي بن محمد بن عبيد، ومحمد بن مخلد، ومحمد
ابن أحمد الحكيمي، وإسماعيل بن محمد الصفار، وأبو سهل بن زياد،
وقاسم بن أصبغ، وأحمد بن كامل، وخلق.
قال الخطيب: كان ثقة عالما متقنا حافظا بصيرا بأيام الناس، راوية
للأدب. أخذ علم الحديث عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلم
النسب عن مصعب الزبيري. وأخذ أيام الناس، عن أبي الحسن علي بن
محمد المدائني، والأدب عن محمد بن سلام الجمحي. وله كتاب
" التاريخ " الذي أحسن تصنيفه، وأكثر فائدته. فلا أعرف أغزر فوائد منه.
وذكره الدارقطني، فقال: ثقة مأمون.
قلت: يقع لنا كثير من روايته من طريق السلفي، وشهدة.
وقال ابن قانع: مات في شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين
ومئتين. وكذا أرخ ابن المنادي، وزاد: وقد بلغ أربعا وتسعين سنة.
وقيل: بلغ أقل من ذلك، وهو أشبه، فإنه لو كان ابن أربع وتسعين، لكان
مولده في سنة خمس وثمانين ومئة.
وهو من أولاد الحفاظ. فكان أبوه يسمعه وهو حدث، فيدرك به مثل
يزيد بن هارون، وأقرانه.
والظاهر أنه كان من أبناء الثمانين. فالله أعلم.
493

وخلف أحمد ابنه الحافظ الامام المحقق أبا عبد الله.
132 - محمد بن أبي بكر أحمد بن زهير البغدادي *
سمع أباه، ونصر بن علي الجهضمي، وعباد بن يعقوب الرواجني،
وعمرو بن علي الصيرفي، وبندارا، وهذه الطبقة.
روى عنه: أحمد بن كامل، وأبو القاسم الطبراني، وابن مقسم
المقرئ، وآخرون.
قال أحمد بن كامل: أربعة كنت أحب لقاءهم: محمد بن جرير
الطبري، ومحمد بن موسى البربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة،
والمعمري. فما رأيت أحفظ منهم.
وقال الخطيب: كان أبوه أبو بكر يستعين به في عمل " التاريخ ".
مات في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ومئتين.
قلت: كان من أبناء السبعين.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن سنة أربع وتسعين وست مئة، أخبرنا
الامام موفق الدين عبد الله بن قدامة سنة ست عشرة، أخبرنا هبة الله بن
الحسن، أخبرنا عبد الله بن علي الدقاق، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا
محمد بن عمرو الرزاز، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا حسين بن محمد،
وموسى بن داود، قالا: حدثنا شيبان، عن منصور، عن إبراهيم، عن
الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يأمر إحدانا إذا
حاضت أن تأتزر، ثم يباشرها.

* الفهرست: 286، تذكرة الحفاظ 2 / 742، 743.
494

متفق عليه (1).
133 - مجاهد بن موسى * (م، ت، س، ق، د)
ابن فروخ الحافظ الإمام الزاهد، أبو علي الخوارزمي نزيل بغداد.
حدث عن: هشيم، وأبي بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، والوليد بن
مسلم، وإسماعيل ابن علية، وطبقتهم.
حدث عنه: الجماعة، سوى البخاري، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم
وإبراهيم الحربي، وموسى بن هارون، وأبو يعلى الموصلي، وأبو القاسم
البغوي، وعدة.
روى أحمد بن محمد بن محرز، عن يحيى بن معين، قال: ثقة لا
بأس به.
وقال موسى بن هارون: كان أسن من أحمد بن حنبل بست سنين.
قال الخطيب: قرأت في كتاب عبيد الله بن جعفر: حدثنا أبو يعلى
الطوسي، حدثنا محمد بن القاسم الأزدي، قال: قال لنا مجاهد بن
موسى - وكان إذا حدث بالشئ رمى بأصله في دجلة، أو غسله - فجاء يوما
ومعه طبق، فقال: هذا قد بقي، وما أراكم تروني بعدها. فحدث به،
ورمى به، ثم مات بعد ذلك، رحمه الله تعالى.

(1) البخاري 1 / 344 في الحيض: باب مباشرة الحائض، ومسلم (293) في أول
الحيض.
* التاريخ الكبير 7 / 314، التاريخ الصغير 2 / 380، الجرح والتعديل 8 / 321، تاريخ
بغداد 13 / 265، 266، تهذيب الكمال، ورقة: 1304، تذهيب التهذيب 4 / 23، خلاصة
تذهيب الكمال: 369.
495

قال أبو القاسم البغوي: مات في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين
ومئتين.
قلت: عاش ستا وثمانين سنة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن القاسم بن عبد الله، أخبرنا وجيه بن
طاهر، أخبرنا أبو القاسم القشيري، ويعقوب بن أحمد، وأحمد بن عبد
الرحيم، قالوا: أخبرنا أبو الحسين الخفاف، حدثنا محمد بن إسحاق
الثقفي، حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا يزيد، أخبرنا هشام، عن يحيى بن
أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان
يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر، ويسمعنا الآية أحيانا، ويطول في الركعة
الأولى، ويقصر في الثانية، ويقرأ في الأوليين من صلاة العصر (1).
134 - أبو حسان الزيادي *
الامام العلامة الحافظ، مؤرخ العصر، قاضي بغداد، الحسن بن
عثمان بن حماد البغدادي، وعرف بالزيادي لكون جده تزوج أم ولد كانت
للأمير زياد بن أبيه.
ولد القاضي أبو حسان في حدود سنة ستين ومئة.
وسمع إسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد، وهشيم بن بشير،

(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 202، 203 في صفة الصلاة: باب القراءة في
الظهر، ومسلم (451) في الصلاة: باب القراءة في الظهر والعصر، وأبو داود (798) في
الصلاة: باب ما جاء في القراءة في الظهر، والنسائي 2 / 164: باب تطويل القيام في الركعة
الأولى من صلاة الظهر، وأحمد 5 / 295 و 301 و 310.
* تاريخ الطبري 9 / 208، الجرح والتعديل 3 / 25، مجعم الأدباء 7 / 18، 24، تاريخ
بغداد 7 / 356، 361، الأنساب 6 / 359، 360، العبر 1 / 437، البداية والنهاية
10 / 344، شذارت الذهب 2 / 100.
496

وجرير بن عبد الحميد، وشعيب بن صفوان، ويحيى بن أبي زائدة، والوليد
ابن مسلم، ومحمد بن عمر الواقدي، وعدة.
حدث عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، وإسحاق الحربي، ومحمد بن
محمد الباغندي، وأحمد بن الحسين الصوفي الصغير، وسليمان بن داود
الطوسي، وآخرون.
وولي قضاء الشرقية في دولة المتوكل، وكان رئيسا محتشما جوادا
ممدحا كبير الشأن.
قال سليمان الطوسي: سمعت أبا حسان، يقول: أنا أعمل في
التاريخ من ستين سنة.
وقد سئل أحمد بن حنبل عن أبي حسان، فقال: كان مع ابن أبي
دواد، وكان من خاصته، ولا أعرف رأيه اليوم.
وعن إسحاق الحربي، قال: حدثني أبو حسان الزيادي، أنه رأى رب
العزة في المنام، فقال: رأيت نورا عظيما لا أحسن أصفه، ورأيت فيه رجلا
خيل إلي أنه النبي، صلى الله عليه وسلم، وكأنه يشفع إلى ربه في رجل من أمته، وسمعت
قائلا يقول: ألم يكفك أني أنزل عليك في سورة الرعد: (وإن ربك لذو
مغفرة للناس على ظلمهم) (الرعد: 6)؟ ثم انتبهت.
قال الخطيب: كان أبو حسان أحد العلماء الأفاضل الثقات، ولي
قضاء الشرقية، وكان كريما مفضالا.
قال يوسف بن البهلول الأزرق: حدثنا يعقوب بن شيبة، قال: أظل
العيد رجلا، وعنده مئة دينار لا يملك سواها، فكتب إليه صديق يسترعي منه
نفقة، فأنفذ إليه بالمئة دينار، فلم ينشب أن ورد عليه رقعة من بعض إخوانه
497

يذكر أنه أيضا في هذا العيد في إضاقة، فوجه إليه بالصرة بعينها. قال: فبقي
الأول لا شئ عنده، فاتفق أنه كتب إلى الثالث وهو صديقه يذكر حاله،
فبعث إليه الصرة بختمها. قال فعرفها، وركب إليه، وقال: خبرني،
ما شأن هده الصرة؟ فأخبره الخبر، فركبا معا إلى الذي أرسلها، وشرحوا
القصة، ثم فتحوها واقتسموها.
قال ابن البهلول: الثلاثة يعقوب بن شيبة، وأبو حسان الزيادي،
وآخر نسيته. إسنادها صحيح.
قيل: عاش الزيادي تسعا وثمانين سنة، مات في شهر رجب سنة اثنتين
وأربعين ومئتين.
وفيها توفي أبو مصعب الزهري، وابن ذكوان المقرئ، والحسن بن
علي الحلواني، وزكريا بن يحيى كاتب العمري، ومحمد بن أسلم
الطوسي، ومحمد بن رمح التجيبي، ويحيى بن أكثم القاضي، ومحمد بن
عبد الله بن عمار الموصلي، وأبو سلمة يحيى بن خلف.
135 - محمد بن رمح * (م، ق)
ابن المهاجر الحافظ الثبت العلامة، أبو عبد الله التجيبي، مولاهم
المصري.
ولد بعد الخمسين ومئة.
سمع الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، ومسلمة بن علي

* التاريخ الصغير 2 / 377، الجرح والتعديل 7 / 254، الأنساب 3 / 21، 22، تهذيب
الكمال، ورقة: 1196، 1197، دول الاسلام: 147، العبر 1 / 438، تذهيب التهذيب
3 / 204، الوافي بالوفيات 3 / 73، البداية والنهاية 10 / 344، تهذيب التهذيب 9 / 164،
165، خلاصة تذهيب الكمال: 336، شذرات الذهب 2 / 101.
498

الخشني. وحكى عن مالك بن أنس، ولم يقع له عنه رواية.
حدث عنه: مسلم، وابن ماجة، والحسن بن سفيان، ومحمد بن
الحسن بن قتيبة، وعلي بن أحمد علان، وأحمد بن عبد الوارث العسال،
ومحمد بن زبان، وخلق سواهم.
وكان معروفا بالاتقان الزائد والحفظ، ولم يرحل.
قال النسائي: ما أخطأ ابن رمح في حديث واحد.
وقال أبو سعيد بن يونس: ثقة ثبت، كان أعلم الناس بأخبار بلدنا.
توفي في شوال سنة اثنتين وأربعين ومئتين.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: لو كان كتب عن مالك لأثبته في الطبقة
الأولى من أصحابه، يعني: لحفظه وإتقانه.
قلت: لم يتفق لي أن أورد ابن رمح في كتاب " تذكرة الحفاظ "، فذكرته
هنا لجلالته. وأنا أتعجب من البخاري كيف لم يرو عنه! فهو أهل لذلك، بل هو
أتقن من قتيبة بن سعيد، رحمهما الله.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب الشعرية، والمؤيد بن محمد،
قالا: أخبرتنا أم الخير فاطمة بنت علي بن مظفر بن زعبل في سنة إحدى
وثلاثين وخمس مئة، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي في أول عام إحدى
وأربعين وأربع مئة، أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان، حدثنا الحسن بن
سفيان الحافظ، حدثنا محمد بن رمح، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى
ابن سعيد، عن سهيل بن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد، عن تميم الداري
عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الدين النصيحة ". قالوا: لمن يا رسول
الله؟ قال: " لله ولكتابه ولأئمة المسلمين، أو المؤمنين وعامتهم ".
499

هذا حديث صحيح في " صحيح مسلم " (1).
فتأمل هذه الكلمة الجامعة، وهي قوله: " الدين النصيحة "، فمن لم
ينصح لله وللأئمة وللعامة، كان ناقص الدين. وأنت لو دعيت، يا ناقص
الدين، لغضبت. فقل لي: متى نصحت لهؤلاء؟ كلا والله، بل ليتك
تسكت، ولا تنطق، أولا تحسن لامامك الباطل، وتجرئه على الظلم وتغشه.
فمن أجل ذلك سقطت من عينه، ومن أعين المؤمنين. فبالله قل لي: متى
يفلح من كان يسره ما يضره؟ ومتى يفلح من لم يراقب مولاه؟ ومتى يفلح من
دنا رحيله، وانقرض جيله، وساء فعله وقيله؟ فما شاء الله كان، وما نرجو
صلاح أهل الزمان، لكن لا ندع الدعاء، لعل الله أن يلطف، وأن يصلحنا.
آمين.
136 - لوين * (د، س)
الحافظ الصدوق الامام شيخ الثغر، أبو جعفر محمد بن سليمان بن
حبيب الأسدي البغدادي، نزيل المصيصة.
سمع مالك بن أنس، وسليمان بن بلال، وحديج بن معاوية، وحماد
ابن زيد، وزهير بن معاوية، وأبا عوانة الوضاح، وإسماعيل بن زكريا، وعبد
الرحمن بن أبي الزناد، وشريك بن عبد الله، وأبا عقيل يحيى بن المتوكل،
وعطاف بن خالد، وسنان بن هارون، وحبان بن علي، وأبا الأحوص،
وعبيد الله بن عمرو الرقي، ومعاوية بن عبد الكريم الضال، وخالد بن عبد

(1) رقم (55) في الايمان: باب بيان أن الدين النصيحة.
* الجرح والتعديل 7 / 268، تاريخ بغداد 5 / 292، 296، تهذيب الكمال، ورقة:
1203، 1204، العبر 1 / 447، تذهيب التهذيب 3 / 208، الوافي بالوفيات 3 / 123،
تهذيب التهذيب 9 / 198، 199.
500

الله، والوليد بن أبي ثور، وإبراهيم بن سعد، وعبد الحميد بن سليمان،
وهشيم بن بشير، وإبراهيم بن عبد الملك القناد، وبقية، وابن عيينة،
وخلقا. وكان ذا رحلة واسعة، وحديث عال.
حدث عنه: أبو داود، والنسائي في " سننهما " وروى النسائي أيضا عن
رجل عنه، وقال: هو ثقة. وروى عنه أبو القاسم البغوي، وابن صاعد،
وابن أبي داود، ومحمد بن إبراهيم الحزوري، ومحمد بن شادل
النيسابوري، وأحمد بن القاسم أخو أبي الليث الفرائضي، وأبو عيسى أحمد
ابن محمد الغراد، ومحمد بن يحيى بن مندة، وخلق.
وحدث بالثغر وببغداد، وبأصبهان، وطال عمره، وتفرد.
قال محمد بن القاسم الأزدي: قال لوين: لقبتني أمي لوينا، وقد
رضيت.
وقال الخطيب وغيره: كان يبيع الدواب، فيقول: هذا الفرس له
لوين، فلقب بذلك.
وقال أحمد بن القاسم بن نصر: حدثنا لوين في سنة أربعين ومئتين،
فسأله أبي: كم لك؟ قال: مئة سنة وثلاث عشرة سنة.
قلت: على هذا التقدير، كان يمكنه السماع من هشام بن عروة،
وابن عون، وبقايا التابعين، ولعله إنما سمع وهو رجل كبير قد قارب
الكهولة، فالله أعلم.
وبلغنا أنه غضب من أولاده، فتحول من المصيصة، وسكن أذنة،
وبها مات في سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل في سنة ست.
قال البغوي: قدم لوين بغداد، فاجتمع في مجلسه مئة ألف نفس
501

حزروا بذلك في ميدان الأشنان.
أخبرنا أبو الحسن الغرافي (1)، أخبرنا أبو القطيعي، أخبرنا أبو بكر بن
الزاغوني، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو طاهر الذهبي، حدثنا يحيى بن
محمد، حدثنا لوين، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن يزيد بن أبي زياد،
عن مجاهد، عن ابن الزبير، حدثتني عائشة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لها:
" إن قومك استقصروا حين بنوا هذا البيت، فتركوا بعضه في الحجر "، فلما
هدمه ابن الزبير، وجد القواعد داخلة في الحجر، فدعا قريشا،
فاستشارهم، فقال: كيف ترون هذه القواعد؟ قالوا: ابن عليها. فبنى
عليها، فأدخلها البيت، وجعل له بابين، فلما جاء الحجاج، قال: إن ابن
الزبير لم يدعه الشيطان، حتى أدخل في البيت ما ليس منه، فهدمه فبناه كما
كان (2).

(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته "، ورقة 94 / ب و 95 / أ، وهو علي بن أحمد بن علي
ابن أبي العباس أحمد بن خلف العاصي، أبو الحسن الإسكندراني المالكي، من كبار علماء
الثغر. ناب في القضاء مدة. ولد سنة 707 ه‍. والغراف: بليدة ذات بساتين آخر البطائح وتحت
واسط.
(2) يزيد بن أبي زياد هو الهاشمي الكوفي ضعيف، وباقي رجاله ثقات. وأما متن
الحديث فصحيح، أخرجه البخاري 3 / 351 وما بعدها في الحج: باب فضل مكة وبنيانها،
و 8 / 129، ومسلم (1333) (398) و (399) و (400) و (401) و (402) و (403)
و (404) و (405) في الحج: باب نقض الكعبة وبناؤها، والنسائي 5 / 214، 216،
وأخرجه أحمد 6 / 113 و 176، 177 و 247. وجاء في مسلم في رواية عطاء، قال: فلما قتل ابن
الزبير، كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء
على أس نظر إليه العدول من أهل مكة. فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير
بشئ، وأما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر، فرده إلى بنائه، وسد البناء الذي
فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. ثم إن عبد الملك ندم على ذلك، فنعد مسلم من طريق الوليد بن
عطاء أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته، فقال عبد الملك: ما
أظن أبا خبيب - يعني: ابن الزبير - سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها. فقال الحارث:
بلى، أنا سمعته منها. زاد عبد الرزاق، عن ابن جريج فيه: وكان الحارث مصدقا لا يكذب.
فقال عبد الملك: أنت سمعتها تقول ذلك؟ قال: نعم. قال: فنكت ساعة بعصاه، ثم قال:
وددت أني تركته وما تحمل. وفي مسلم أيضا من طريق أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو
يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول: سمعتها تقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر، لنقضت البيت حتى أزيد فيه من
الحجر، فإن قومك قصروا في البناء " فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير
المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث بهذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه، لتركته
على ما بنى ابن الزبير.
502

137 - محمد بن حميد * (د، ت، ق)
ابن حيان العلامة الحافظ الكبير، أبو عبد الله الرازي.
مولده في حدود الستين ومئة.
وحدث عن: يعقوب القمي، وهو أكبر شيخ له، وابن المبارك، وجرير
ابن عبد الحميد، والفضل بن موسى، وحكام بن سلم، وزافر بن سليمان،
ونعيم بن ميسرة، وسلمة بن الفضل الأبرش، وخلق كثير من طبقتهم.
وهو مع إمامته منكر الحديث، صاحب عجائب.
حدث عنه: أبو داود، والترمذي، والقزويني في كتبهم، وأحمد بن
حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وصالح بن محمد جزرة،
والحسن بن علي المعمري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن جرير
الطبري، وأبو القاسم البغوي، وأبو بكر محمد بن محمد الباغندي،
ومحمد بن هارون الروياني، وخلق كثير.

* التاريخ الكبير 1 / 69، 70، التاريخ الصغير 2 / 386، الضعفاء، ورقة: 377، الجرح
والتعديل 7 / 232، 234، تاريخ بغداد 2 / 259، 264، تهذيب الكمال، ورقة: 1189،
1190، تذكرة الحفاظ 2 / 490، 491، العبر 1 / 452، ميزان الاعتدال 3 / 530، 531،
تذهيب التهذيب 3 / 199، الوافي بالوفيات 3 / 28، تهذيب التهذيب 9 / 127، 131،
طبقات الحفاظ: 212، خلاصة تذهيب الكمال: 333، شذرات الذهب 2 / 118.
503

قال أبو زرعة: من فاته محمد بن حميد، يحتاج أن ينزل في عشرة
آلاف حديث.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي: يقول: لا يزال بالري علم ما
دام محمد بن حميد حيا.
وقال أبو قريش الحافظ: قلت لمحمد بن يحيى: ما تقول في
محمد بن حميد؟ فقال: ألا تراني أحدث عنه.
وقال أبو قريش: وكنت في مجلس محمد بن إسحاق الصاغاني،
فقال: حدثنا ابن حميد فقلت: تحدث عنه؟ فقال ومالي لا أحدث عنه، وقد
حدث عنه أحمد، ويحيى بن معين؟
وأما البخاري، فقال: في حديثه نظر.
وقال صالح بن محمد: كنا نتهم ابن حميد.
قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن
محمد بن حميد، فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه. قال: إنه لم
يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه، لما أثنى عليه أصلا.
قال أبو أحمد العسال: سمعت فضلك، يقول: دخلت على ابن حميد،
وهو يركب الأسانيد على المتون.
قلت: آفته هذا الفعل، وإلا فما أعتقد فيه أنه يضع متنا. وهذا معنى
قولهم: فلان سرق الحديث.
قال يعقوب بن إسحاق الفقيه: سمعت صالح بن محمد الأسدي،
يقول: ما رأيت أحذق بالكذب من سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد
504

الرازي، وكان حديث محمد بن حميد كل يوم يزيد.
قال أبو إسحاق الجوزجاني: هو غير ثقة.
وقال أبو حاتم: سمعت يحيى بن معين، يقول: قدم علينا محمد بن
حميد بغداد، فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي، ففرقنا الأوراق بيننا، ومعنا
أحمد بن حنبل، فسمعناه، ولم نر إلا خيرا. فأي شئ تنقمون عليه؟ قلت
يكون في كتابه شئ، فيقول: ليس هو كذا، ويأخذ القلم فيغيره، فقال:
بئس هذه الخصلة.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال العقيلي: حدثني إبراهيم بن يوسف، قال: كتب أبو زرعة،
ومحمد بن مسلم، عن محمد بن حميد حديثا كثيرا، ثم تركا الرواية عنه.
قلت: قد أكثر عنه ابن جرير في كتبه. ووقع لنا حديثه عاليا. ولا
تركن النفس إلى ما يأتي به، فالله أعلم. ولم يقدم إلى الشام، وله ذكر في
" تاريخ الخطيب ".
أخبرنا الشيخ عماد الدين أبو محمد عبد الحافظ بن بدران بنابلس،
وأبو الفضل يوسف بن أحمد بدمشق، قالا: أخبرنا موسى بن عبد القادر،
أخبرنا سعيد بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد البندار، أخبرنا محمد بن عبد
الرحمن المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن حميد،
حدثنا سلمة، يعني: ابن الفضل، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
مليكة، سمعت القاسم بن محمد، يقول: حدثني السائب، قال: قال لي
سعد: يا ابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: تغن بالقرآن.
فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " تغنوا بالقرآن، ليس منا من لم يتغن
505

بالقرآن، وابكوا فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا ".
هذا حديث غريب (1).
مات ابن حميد سنة ثمان وأربعين ومئتين.
وفيها توفي أحمد بن صالح، وحسين الكرابيسي، وعيسى زغبة،
وأبو هشام الرفاعي، وأبو كريب، ومحمد بن زنبور، والقاسم الجوعي،
وطاهر بن عبد الله بن طاهر الأمير، وعبد الجبار بن العلاء، وعبد الملك بن
شعيب بن الليث بن سعد، ومحمد بن موسى الحرشي، والخليفة المنتصر.
138 - زغبة * (م، د، س، ق)
الامام المحدث العمدة، أبو موسى عيسى بن حماد زغبة التجيبي
المصري، مولى تجيب.
حدث عن: الليث بن سعد فأكثر، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم،

(1) أي ضعيف لضعف محمد بن حميد الرازي، وأخرجه ابن ماجة (1337) في إقامة
الصلاة: باب في حسن الصوت بالقرآن وفي سنده أبو رافع، واسمه إسماعيل بن رافع، وهو
ضعيف. وقوله: " وليس منا من لم يتغن بالقرآن " صحيح ثابت من حديث سعد بن أبي وقاص،
أخرجه أحمد (1476)، وأبو داود (1469)، وأخرجه البخاري 13 / 418 في التوحيد: باب
قول الله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به) من حديث أبي هريرة.
ومعنى يتغنى، أي: يحسن صوته ويحزنه، لأنه أوقع في النفوس، وأنجع في القلوب.
قال النووي، رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت في القرآن ما لم يخرج عن
حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفا أو أخفاه، حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي
أن القراءة بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم. وكذا حكى ابن حمدان
الحنبلي في " الرعاية ".
* الجرح والتعديل 6 / 274، تهذيب الكمال، ورقة: 1079، تذهيب التهذيب 3 / 128،
العبر 1 / 452، تهذيب التهذيب 8 / 209، 210، خلاصة تذهيب الكمال: 301، 302،
شذرات الذهب 2 / 118.
506

ورشدين بن سعد، وعبد الله بن وهب، وابن القاسم.
حدث عنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وبقي بن
مخلد، وأبو زرعة، وموسى بن سهل الجوني (1)، ومحمد بن الحسن بن قتيبة
العسقلاني، ومحمد بن زياد بن حبيب، وأحمد بن عبد الوارث العسال،
وأبو بكر بن أبي داود، وعمر بن أبي بجير (2)، ومحمد بن أحمد بن عبيد بن
فياض الدمشقي، وإسماعيل بن داود بن وردان، وحسين بن محمد مأمون،
وأحمد بن عيسى الوشاء، وخلق سواهم.
وثقه النسائي، والدار قطني.
قال ابن يونس: هو آخر من روى عن الليث من الثقات، وهو مكثر
عنه.
مات في ثاني ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومئتين.
وقال أبو حاتم الرازي: كان ثقة رضى.
قلت: وقع لي جزء عال من حديثه، وهو الثاني، عن الليث بن سعد
من طريق أبي بكر بن أبي داود عنه، ويقع من حديثه في " البعث " لابن أبي
داود.
139 - علي بن حجر * (خ، م، ت، س)
ابن إياس بن مقاتل بن مخادش بن مشمرج الحافظ العلامة الحجة أبو

(1) بفتح الجيم المعجمة وسكون الواو، نسبة إلى جون، بطن من الأزد، وهو الجون بن
عوف بن خزيمة بن مالك بن الأزد.
(2) هو عمر بن محمد بن بجير البجيري الحافظ، مترجم في " تذكرة " المؤلف 2 / 719.
* التاريخ الكبير 6 / 272، التاريخ الصغير 2 / 379، الجرح والتعديل 6 / 173، تاريخ
بغداد 11 / 416، 418، طبقات الحنابلة 1 / 222، الأنساب 7 / 84، 85، اللباب
1 / 544، تهذيب الكمال، ورقة: 961، تذكرة الحفاظ، 2 / 450، العبر 1 / 443، تذهيب
التهذيب 3 / 55، تهذيب التهذيب 7 / 293، 294، النجوم الزاهرة 2 / 318، طبقات
الحفاظ: 196، خلاصة تذهيب الكمال، 272، طبقات المفسرين 1 / 395، شذرات الذهب
2 / 105.
507

الحسن السعدي المروزي، ولجده مشمرج بن خالد صحبة.
ولد علي سنة أربع وخمسين ومئة، وارتحل في طلب العلم إلى
الآفاق.
وحدث عن: إسماعيل بن جعفر، وشريك القاضي، وهشيم، وعبيد
الله بن عمرو، وابن المبارك، والربيع بن بدر السعدي، وإسماعيل بن
عياش، والهقل بن زياد، ويحيى بن حمزة، وعبد الله بن جعفر المديني،
وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، عبد العزيز بن أبي حازم، وعلي بن
مسهر، وقران بن تمام، ومعروف الخياط صاحب واثلة بن الأسقع، والوليد
ابن محمد الموقري، والهيثم بن حميد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد،
وعتاب بن بشير، وحسان بن إبراهيم، وحفص بن سليمان، وجرير بن عبد
الحميد، وخلف بن خليفة، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وبقية،
وابن عيينة، ويزيد بن هارون، وخلق سواهم.
حدث عنه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو عمرو
المستملي، وأحمد بن علي الأبار، وعبدان بن محمد المروزي، ومحمد
ابن علي الحكيم، والحسن بن سفيان، ومحمد بن عبد الله بن أبي عون
النسويان، وإبراهيم بن إسماعيل الطوسي العنبري، وإسحاق بن أبي عمران
الأسفراييني، ومحمد بن أحمد بن أبي عون النسائي ابن عم المذكور،
وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبو رجاء محمد بن حمدويه المروزي المؤرخ،
508

ومحمد بن كرام السجستاني، ومحمد بن موسى الباشاني، ومحمد بن علي بن
حمزة المروزي، ومحمد بن يحيى بن خالد المروزي، ومحمود بن محمد
المروزي، ومحمود بن والآن العدني، وآخرون.
قال محمد بن علي بن حمزة: كان ينزل بغداد، ثم تحول إلى مرو،
فنزل قرية زرزم، وكان فاضلا حافظا.
وقال محمد بن موسى الباشاني: هو من بني عبد شمس بن سعد.
وقال النسائي: ثقة مأمون حافظ.
وقال أبو بكر الخطيب: كان ينزل بغداد قديما، ثم انتقل إلى مرو،
واشتهر حديثه بها. قال: وكان صادقا متقنا حافظا.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حمدويه بن سنجان المروزي: سمعت
علي بن حجر، يقول: انصرفت من العراق، وأنا ابن ثلاث وثلاثين سنة،
فقلت: لو بقيت ثلاثا وثلاثين سنة أخرى، فأروي بعض ما جمعته من
العلم. وقد عشت بعد ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين أخرى، وأنا أتمنى بعدما
كنت أتمنى وقت انصرافي من العراق.
قلت: هذا على سبيل التقريب، وإلا فلم يبلغ الرجل تسعا وتسعين
سنة.
قال الحافظ أبو بكر الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن
حجر، ومحمد بن مهران الرازي. ورجالها أربعة: عبد الله بن عبد الرحمن
السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه (ما) ظهر،
ومحمد بن يحيى، وأبو زرعة.
509

قلت: هذه دقة من الأعين، والذي ظهر من محمد أمر خفيف من
المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن، وتسمى مسألة أفعال
التالين، فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير
مخلوق.
وبهذا ندين الله تعالى، وبدعوا من خالف ذلك، وذهبت الجهمية
والمعتزلة، والمأمون، وأحمد بن أبي دواد القاضي، وخلق من المتكلمين
والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق. وقالوا: الله خالق كل شئ،
والقرآن شئ. وقالوا: تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم. وجرت محنة
القرآن، وعظم البلاء، وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك، نسأل
الله السلامة في الدين. ثم نشأت طائفة، فقالوا: كلام الله تعالى منزل غير
مخلوق، ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون: تلفظهم وأصواتهم به،
وكتابتهم له، ونحو ذلك، وهو حسين الكرابيسي، ومن تبعه، فأنكر ذلك
الإمام أحمد، وأئمة الحديث، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم، وثبت
عنه أن قال: اللفظية جهمية. وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو
جهمي. ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وسد باب
الخوض في هذا. وقال أيضا: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به
القرآن، فهو جهمي. وقالت طائفة: القرآن محدث كداود الظاهري، ومن
تبعه، فبدعهم الإمام أحمد، وأنكر ذلك، وثبت على الجزم بأن القرآن
كلام الله غير مخلوق، وأنه من علم الله، وكفر من قال بخلقه، وبدع من قال
بحدوثه، وبدع من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولم يأت عنه ولا عن
السلف القول: بأن القرآن قديم. ما تفوه أحد منهم بهذا. فقولنا: قديم:
من العبارات المحدثة المبتدعة. كما أن قولنا: هو محدث بدعة.
وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا
بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن.
510

المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق.
وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد، فأنكر عليه طائفة، وما فهموا
مرامه كالذهلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي بكر الأعين، وغيرهم. ثم ظهر
بعد ذلك مقالة الكلابية، والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس،
وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه. وقالوا: هذا المتلو معدود
متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب، ولا التعدد. بل هو شئ
واحد قائم بالذات المقدسة، واتسع المقال في ذلك، ولزم منه أمور
وألوان، تركها - والله - من حسن الايمان. وبالله نتأيد.
وقد كان علي بن حجر من أوعية العلم. كتب عنه بضع وسبعون (1)
ومئة بالحرمين والعراق والشام والجزيرة وخراسان. ولم يلق مالك بن أنس،
فاته هو وحماد بن زيد، وكان يسمع في حياتهما بالكوفة وغيرها. وله
مصنفات مفيدة، منها كتاب " أحكام القرآن ".
قال أحمد بن المبارك المستملي: سمعته، يقول: ولدت سنة أربع
وخمسين ومئة.
وقال إبراهيم بن أورمة الحافظ: كتب علي بن حجر إلى بعض
إخوانه:
أحن إلى كتابك غير أني * أجلك عن عتاب في كتاب
ونحن إن التقينا قبل موت * شفيت غليل صدري من عتابي
وإن سبقت بنا ذات المنايا * فكم من غائب تحت التراب (2)

(1) في الأصل: " وسبعين "، وهو خطأ.
(2) الأبيات في " تهذيب الكمال "، ورقة: 961، وفي " تاريخ بغداد " 11 / 417.
511

قال الحسن بن سفيان: سمعت علي بن حجر ينشد:
وظيفتنا مئة للغريب * في كل يوم سوى ما يفاد
شريكية أو هشيمية * أحاديث فقه قصار جياد (1)
قال: وأنشد مرة وقد سألوه الزيادة:
لكم مئة في كل يوم أعدها * حديثا حديثا لا أزيدكم حرفا
وما طال منها من حديث فإنني * به طالب منكم على قدره صرفا
فإن أقنعتكم فاسمعوها سريحة * وإلا فجيؤوا من يحدثكم ألفا
قال أبو العباس الدغولي: حدثنا عبد الله بن جعفر بن خاقان، قال:
وجه بعض مشايخ مرو إلى علي بن حجر يسكر وأرز وثوب، فرده وكتب إليه:
جاءني عنك مرسل بكلام * فيه بعض الايحاش والاحشام
فتعجبت ثم قلت: تعالى * ربنا، ذي من الأمور العظام
خاب سعيي لئن شريت خلاقي * بعد تسعين حجة بحطام
أنا بالصبر واحتمالي لإخواني * أرجو حلول دار السلام
والذي سمتنيه يزري بمثلي * عند أهل العقول والأحلام
قال البخاري: مات علي بن حجر في جمادى الأولى سنة أربع
وأربعين ومئتين. وقال الباشاني: في يوم الأربعاء منتصف الشهر.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر
المستملي، أخبرنا أبو القاسم بن أبي الفضل الهراس، حدثنا أبو طاهر محمد
ابن الفضل بن خزيمة، أخبرنا جدي أبو بكر، حدثنا علي بن حجر، حدثنا

(1) البيتان في " تهذيب الكمال "، ورقة: 961.
512

إسماعيل بن جعفر، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي
هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا
بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ".
أخرجه مسلم (1) عن علي مثله.
وفيها توفي أحمد بن منيع، وإسحاق بن موسى، ومحمد بن أبان
المستملي، وأبو عمار الحسين بن حريث، والحسن بن شجاع الحافظ،
وحميد بن مسعدة، وعتبة بن عبد الله المروزي، وابن أبي الشوارب،
ويعقوب بن السكيت، ومجاهد بن موسى.

(1) رقم (2585) في البر والصلة: باب استحباب العفو والتواضع.
513

الطبقة الثالثة عشر
140 - دحيم * (خ، د، س، ق).
القاضي الامام الفقيه الحافظ، محدث الشام، أبو سعيد عبد الرحمن
ابن إبراهيم بن عمرو بن ميمون الدمشقي، قاضي مدينة طبرية قاعدة الأردن.
وأما اليوم، فأم الأردن بلد صفد.
ولد في شوال سنة سبعين ومئة. قاله ابنه عمرو.
حدث عن: سفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية، والوليد بن مسلم،
وسويد بن عبد العزيز، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ومحمد بن شعيب،
وعمر بن عبد الواحد، وشعيب بن إسحاق، وأبي ضمرة أنس بن عياض،
وعمرو بن أبي سلمة، وأبي مسهر، وخلق كثير بالحجاز والشام، ومصر
والكوفة، والبصرة، وعني بهذا الشأن، وفاق الاقران، وجمع وصنف،
وجرح وعدل، صحح وعلل.

* التاريخ الكبير 5 / 256، التاريخ الصغير 2 / 382، الجرح والتعديل 5 / 211، 212،
تاريخ بغداد 10 / 265، 267، طبقات الحنابلة 1 / 204، الأنساب 5 / 319، تاريخ دمشق
9 / 421 / ب، تهذيب الكمال، ورقة: 773، العبر 1 / 445، ميزان الاعتدال 2 / 546،
تذهيب التهذيب 2 / 203، البداية والنهاية 10 / 346، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 361،
تهذيب التهذيب 6 / 131، 132، طبقات الحفاظ: 208، خلاصة تذهيب الكمال: 223،
شذرات الذهب 2 / 108.
515

حدث عنه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، والقزويني، وأبو محمد
الدارمي، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وأبو زرعة الدمشقي، وبقي بن
مخلد، وإبراهيم الحربي، وأحمد بن المعلى، وولداه عمرو وإبراهيم ابنا
دحيم، ومحمد بن محمد الباغندي، وأحمد بن أيوب والد الطبراني،
وزكريا خياط السنة، ومحمد بن خريم العقيلي، وابن قتيبة العسقلاني،
وعبد الله بن عتاب الزفتي، وجعفر الفريابي، ومحمد بن بشر بن مامويه، وخلق
كثير.
قال ابن أبي حاتم: كان يعرف بدحيم اليتيم، فسمعت أبي، يقول:
كان دحيم يميز ويضبط، وهو ثقة.
وقال النسائي: ثقة مأمون.
وقال أبو أحمد الحاكم: ولي دحيم قضاء الرملة زمانا.
روى عنه محمد بن يحيى الذهلي، والحسن بن شبيب المعمري.
وقال أبو بكر الخطيب: حدث ببغداد قديما. فروى عنه من أهلها الحسن
الزعفراني، والرمادي، وحنبل، وعباس الدوري، وإبراهيم الحربي. وكان
ينتحل مذهب الأوزاعي.
قال عبدان: سمعت الحسن بن علي بن بحر، يقول: قدم دحيم
بغداد سنة اثنتي عشرة ومئتين، فرأيت أبي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن
معين، وخلف بن سالم بين يديه كالصبيان قعودا.
قلت: هؤلاء أكبر منه، ولكن أكرموه لكونه قادما، واحترموه
لحفظه.
قال أحمد العجلي: دحيم ثقة، كان يختلف إلى بغداد، فذكروا الفئة
516

الباغية هم أهل الشام، فقال: من قال هذا، فهو ابن الفاعلة، فنكب عنه
الناس، ثم سمعوا منه.
قلت: هذه هفوة من نصب، أو لعله قصد الكف عن التشغيب
بتشعيث.
قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود، يقول: دحيم حجة، لم يكن
بدمشق في زمانه مثله.
قال المروذي: سمعت أحمد بن حنبل يثني على دحيم، ويقول: هو
عاقل ركين.
وقال الدارقطني: ثقة.
وقال أبو أحمد بن عدي: هو أوثق من حرملة.
قلت: ومن رفاقه سليمان بن عبد الرحمن، وسليمان بن أحمد
الواسطي، وهشام بن عمار، ومحمد بن أبي السري العسقلاني.
ويقع لي من عالي حديثه في " صفة المنافق ".
ذكر محمد بن يوسف الكندي، أن كتاب المتوكل ورد على دحيم عبد
الرحمن بن إبراهيم مولى يزيد بن معاوية، وهو على قضاء فلسطين، يأمره
بالانصراف إلى مصر ليليها، فتوفي بفلسطين في يوم الأحد في شهر رمضان
سنة خمس وأربعين ومئتين. وكذا أرخ وفاته ابنه عمرو بن دحيم وجماعة.
وقد كان المتوكل لما سكن بدمشق بعد عام أربعين ومئتين، وأنشأ
القصر المشهور بين المزة وداريا، وسكنه، عرف بفضيلة دحيم ومعرفته
بالسنن، فأمر بتوليته قضاء الديار المصرية، فحان الاجل. مات في سابع
عشر رمضان.
517

كتب إلي يحيى بن أبي منصور الفقيه: أخبرنا عمر بن محمد ببغداد،
أخبرنا محمد بن عبد الملك المقرئ مؤلف " المفتاح "، ويحيى بن علي،
وعبد الخالق بن عبد الصمد، وأبو غالب بن البناء (ح) وأخبرنا المقداد بن هبة
الله القيسي، أخبرنا سعيد بن محمد بن الرزاز (ح) وأخبرنا المسلم بن محمد
القيسي، وإبراهيم بن علي الزاهد، قالا: أخبرنا داود بن ملاعب، قالا:
أخبرنا أبو الفضل الأرموي (ح) وأخبرنا علي بن أحمد في كتابه، أخبرتنا نعمة
بنت علي، أخبرنا جدي يحيى بن الطراح (ح) وأخبرنا أحمد بن إسحاق
الأبرقوهي، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف
الأرموي وأبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، قالوا
سبعتهم: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة. أخبرنا عبيد الله بن عبد
الرحمن الزهري سنة ثمانين وثلاث مئة، حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد
الحافظ سنة ثمان وتسعين ومئتين، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، والوليد
ابن عتبة الدمشقيان، قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد هو ابن
عبد العزيز، وعبد الغفار بن إسماعيل، عن إسماعيل بن عبيد الله، سمع أبا
عبد الله الأشعري، يقول: سمع أبا الدرداء، يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
" ليكفرن أقوام بعد إيمانهم ". فبلغ ذلك أبا الدرداء، فأتاه، فقال: يا رسول
الله: بلغني أنك قلت: " ليكفرن أقوام بعد إيمانهم؟ " قال: " نعم، ولست
منهم " (1).
وبه: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا
الأوزاعي، سمعت بلال بن سعد، يقول: لا تكن وليا لله في العلانية،
وعدوه في السر (2).

(1) إسناده صحيح، وهو في كتاب " صفة النفاق وذم المنافقين " للفريابي، ص: 66
عام، و 19 خاص.
(2) هو في كتاب " صفة النفاق وذم المنافقين " للفريابي، ص: 63 عام، و 16 خاص.
518

141 - دعبل *
ابن علي، شاعر زمانه، أبو علي الخزاعي، له ديوان مشهور،
وكتاب " طبقات الشعراء ". وكان من غلاة الشيعة، وله هجو مقذع.
رأى مالكا الامام، يروي عنه محمد بن موسى البربري، وغيره.
بلغت جوائز عبد الله بن طاهر له ثلاث مئة ألف درهم. وقيل: كان
أحدب أصم.
وقيل: هجا المأمون والكبار، وكان خبيث اللسان والنفس حتى إنه
هجا قبيلته خزاعة.
ويقال: هجا مالك بن طوق، فدس عليه من طعنه في قدمه بحربة
مسمومة، فمات من الغد سنة ست وأربعين ومئتين.
يقال: لامه صاحب له في هجاء الخلفاء، فقال: دعني من
فضولك، أنا والله، أستصلب مذ سبعين سنة، ما وجدت من يجود بخشبة.
142 - أحمد بن المعذل * * (1)
ابن غيلان بن حكم، شيخ المالكية، أبو العباس العبدي البصري

* طبقات الشعراء: 264، 268، الشعر والشعراء: 539، الأغاني 18 / 29،
الفهرست: 229، تاريخ بغداد 8 / 382، 385، معاهد التنصيص 1 / 202، 208،
الموشح: 299، معجم الأدباء 11 / 99، 112، ميزان الاعتدال 2 / 27، العبر 1 / 447،
وفيات الأعيان 2 / 266، 270، البداية والنهاية 10 / 348، لسان الميزان 2 / 430، النجوم
الزاهرة 2 / 322، 323، تهذيب ابن عساكر 5 / 227.
* * طبقات الشعراء: 368، 370، الأغاني 3 / 251، العبر 1 / 434، الوافي بالوفيات
8 / 184، 185، شذرات الذهب 2 / 95، 96.
(1) تصحف في المطبوع من " العبر " 1 / 434، " المعذل " إلى " المعدل "، بالدال
المهملة. وانظر " المشتبه " 600، و " تبصير المنتبه " ص: 1299.
519

المالكي، الأصولي، شيخ إسماعيل القاضي. تفقه بعبد الملك بن
الماجشون، ومحمد بن مسلمة، وكان من بحور الفقه، صاحب تصانيف
وفصاحة وبيان.
حدث عن بشر بن عمر الزهراني وطبقته.
أخذ عنه: إسماعيل القاضي، وأخوه حماد، ويعقوب بن شيبة.
قال أبو بكر النقاش: قال لي أبو خليفة: أحمد بن المعذل أفضل من
أحمدكم، يعني: أحمد بن حنبل.
قال أبو إسحاق الحضرمي: كان ابن المعذل من الفقه والسكينة
والأدب والحلاوة في غاية. وكان أخوه عبد الصمد الشاعر يؤذيه، فكان
أحمد، يقول له: أنت كالإصبع الزائدة، إن تركت، شانت، وإن
قطعت، آلمت. وقد كان أهل البصرة يسمون أحمد الراهب لتعبده ودينه.
قال أبو داود: كان ينهاني عن طلب الحديث، يعني: زهادة.
قلت: كان يقف في خلق القرآن.
وروى المعافى الجريري، عن يعقوب بن محمد الكريزي، عن عبد
الجليل بن الحسن، قال: كان أحمد بن المعذل في مجلس أبي عاصم،
فمزح أبو عاصم يخجل أحمد، فقال: يا أبا عاصم، إن الله خلقك جدا،
فلا تهزلن، فإن المستهزئ جاهل. قال تعالى: (قالوا أتتخذنا هزوا
قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) (البقرة: 67)، فخجل أبو
عاصم. ثم كان يقعد أحمد بن المعذل إلى جنبه.
وروى يموت بن المزرع، عن المبرد، عن أحمد بن المعذل، قال:
كنت عند ابن الماجشون، فجاءه بعض جلسائه، فقال: يا أبا مروان،
520

أعجوبة، خرجت إلى حائطي بالغابة، فعرض لي رجل، فقال: اخلع
ثيابك، قلت: لم؟ قال: لاني أخوك، وأنا عريان. قلت: فالمواساة؟
قال: قد لبستها برهة. قلت: فتعريني؟ قال: قد روينا عن مالك، أنه
قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عريانا. قلت: ترى عورتي. قال: لو كان
أحد يلقاك هنا، ما تعرضت لك. قلت: دعني أدخل حائطي، وأبعث بها
إليك، قال: كلا، أردت أن توجه عبيدك، فأمسك. قلت: أحلف لك.
قال: لا تلزم يمينك للص. فحلفت له: لأبعثن بها طيبة بها نفسي، فأطرق ثم
قال: تصفحت أمر اللصوص من عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى وقتنا، فلم أجد
لصا أخذ بنسيئة، فأكره أن أبتدع، فخلعت ثيابي له.
لم أر له وفاة.
143 - زيد بن بشر *
العلامة فقيه المغرب، أبو البشر الأزدي، ويقال: الحضرمي
المالكي.
رأى ابن لهيعة، وسمع ابن وهب، ورشدين بن سعد، وأشهب.
وعنه: أبو زرعة، وسليمان بن سالم، ويحيى بن عمر، وسعيد بن
إسحاق الإفريقيون. وكان من أكبر تلامذة ابن وهب.
قال أبو زرعة: رجل صالح عاقل، خرج إلى المغرب، فمات
هناك، وهو ثقة.
وقال أبو عمر الكندي: كان من صليبة الأزد، وجدته مولاة
لحضرموت. نشأ في حجر ابن لهيعة، وما سمع منه.

* الجرح والتعديل 3 / 557.
521

قلت: وكان ذا كرم وجود، وفرط شجاعة. قيل: كان سبب فراقه
مصر محنة القرآن.
قال ابن يونس: توفي بتونس سنة اثنتين وأربعين ومئتين.
144 - ابن أخي الامام * (د، س)
الحافظ المحدث الامام الرحال، مسند حلب، وإمام جامعها، أبو
محمد عبد الرحمن بن عبيد الله بن حكيم الأسدي الحلبي، ويعرف بابن
أخي الامام.
حدث عن: أبي المليح الحسن بن عمر الرقي، وعبيد الله بن عمرو
الرقي، وخلف بن خليفة، وإبراهيم بن سعد، وعبد العزيز بن أبي حازم،
وعبد العزيز بن محمد، وأقرانهم بالحجاز والشام والعراق والجزيرة. وكان
محدث حلب مع أبي نعيم عبيد بن هشام.
حدث عنه: أبو داود، والنسائي، وبقي بن مخلد، والحسين بن
إسحاق التستري، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، وعبدان الأهوازي،
وعلي بن عبد الحميد الغضائري، والحسن بن سفيان، وعمر بن سعيد
المنبجي، وعبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد العزيز ابن أخي الامام الصغير،
وخلق كثير.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال النسائي: لا بأس به.
قلت: مات سنة بضع وأربعين ومئتين.
أما:

* الجرح والتعديل 5 / 258، تهذيب الكمال، ورقة: 804، تذهيب التهذيب 2 / 218،
تهذيب التهذيب 6 / 254، خلاصة تذهيب الكمال: 231.
522

145 - ابن أخي الامام الصغير *
فهو المحدث الصادق المعدل، عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد
العزيز بن الفضل الهاشمي العباسي الحلبي.
حدث عن: صاحب الترجمة، وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري،
ومحمد بن قدامة المصيصي، وبركة بن محمد الحلبي، وحاجب بن
سليمان، وأحمد بن حرب الطائي، وعدة.
وعنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر محمد بن سليمان الربعي، وأبو
بكر بن المقرئ، والقاضي علي بن محمد بن إسحاق الحلبي، وعدة.
يكنى أبا محمد، وقيل: أبا القاسم. عاش إلى بعد سنة عشر وثلاث
مئة، ما أظن به بأسا.
ذكره الحافظ ابن عساكر في " تاريخه "، وأنه حدث بدمشق، وما ذكر
الكبير، لأنه ليس من شرط كتابه.
146 - محمد بن كرام * *
السجستاني المبتدع، شيخ الكرامية، كان زاهدا عابدا ربانيا، بعيد
الصيت، كثير الأصحاب، ولكنه يروي الواهيات كما قال ابن حبان.
خذل حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها، ثم
جالس الجويباري، وابن تميم، ولعلهما قد وضعا مئة ألف حديث، وأخذ

* تهذيب الكمال، ورقة: 804، تذهيب التهذيب 2 / 218، تهذيب التهذيب 6 / 224،
225، خلاصة تذهيب الكمال: 231.
* * الملل والنحل 1 / 158، اللباب 3 / 89، ميزان الاعتدال 4 / 21، الوافي بالوفيات
4 / 375، 377، البداية والنهاية 11 / 20، لسان الميزان 5 / 353، 356، النجوم الزاهرة
3 / 24، تذكرة الحفاظ 2 / 106.
523

التقشف عن أحمد بن حرب.
قلت: كان يقول: الايمان هو نطق اللسان بالتوحيد، مجرد عن عقد
قلب، وعمل جوارح. وقال خلق من الاتباع له: بأن الباري جسم لا
كالأجسام، وأن النبي تجوز منه الكبائر سوى الكذب.
وقد سجن ابن كرام، ثم نفي. وكان ناشفا عابدا، قليل العلم.
قال الحاكم: مكث في سجن نيسابور ثماني سنين، ومات بأرض
بيت المقدس سنة خمس وخمسين ومئتين.
قلت: طولنا ترجمته في " تاريخ الاسلام ".
وكانت الكرامية كثيرين بخراسان. ولهم تصانيف، ثم قلوا وتلاشوا.
نعوذ بالله من الأهواء.
147 - يعقوب بن كعب * (د)
ابن حامد الحافظ، أبو يوسف الأنطاكي، أصله من حلب.
سمع عطاء بن مسلم، وشعيب بن إسحاق، وعيسى بن يونس، وابن
وهب، وأبا معاوية، وطبقتهم، وكان ذا رحلة وفضل.
روى عنه: أبو داود، ويزيد بن جهور، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو بكر
ابن أبي عاصم، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي، وآخرون.
وثقه أبو حاتم.

* الجرح والتعديل 9 / 213، 214، تهذيب الكمال، ورقة: 1552، 1553، تذهيب
التهذيب 4 / 186 / 2، 187 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 394، خلاصة تذهيب الكمال:
437.
524

وقال العجلي: ثقة رجل صالح، صاحب سنة.
148 - علي بن مسلم * (خ، د، س)
ابن سعيد الامام المحدث الثقة، مسند العراق، أبو الحسن الطوسي
ثم البغدادي.
سمع جرير بن عبد الحميد، ويوسف بن يعقوب الماجشون، وهشيم
ابن بشير، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن أبي زائدة، وعبد الرحمن بن
زيد بن أسلم، وأبا يوسف القاضي، وخلقا كثيرا. وعني بهذا الشأن،
وجمع وصنف.
حدث عنه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، ويحيى بن معين رفيقه،
وأبو بكر الأثرم، وابن أبي الدنيا، وعبد الله بن أحمد، وأبو محمد بن
صاعد، والقاضي المحاملي (1)، والحسين بن عياش القطان، وآخرون.
وروى النسائي أيضا عن رجل عنه. وقال: لا بأس به.
قلت: مات لسبع بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين
ومئتين، عن ثلاث وتسعين سنة.
أخبرنا أبو المعالي بن إسحاق، أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله

* الجرح والتعديل 6 / 203، تاريخ بغداد 12 / 108، 109، تهذيب الكمال، ورقة:
993، تذهيب التهذيب 3 / 74، تهذيب التهذيب 7 / 382، 383، خلاصة تذهيب الكمال:
277.
(1) بفتح الميم والحاء وكسر الميم واللام، هذه النسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس
على الجمال في السفر. والقاضي المحاملي هو أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد بن
إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي المحاملي، ولي قضاء الكوفة ستين سنة ولد سنة خمس أو ست
وثلاثين ومئتين، ومات سنة 330 ه‍، وكان ثقة. ترجم له السمعاني في " الأنساب "، ورقة:
510 / أ.
525

ابن عبد العزيز الدينوري، ببغداد، أخبرنا عمي محمد بن عبد العزيز في سنة
تسع وثلاثين وخمس مئة، أخبرنا عاصم بن الحسن (ح)، وأخبرنا أحمد بن
عبد الحميد، ومحمد بن بطيخ، وعبد الحميد بن أحمد، وأحمد بن عبد
الرحمن، قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن نجم الواعظ (ح) وأخبرتنا خديجة بنت
الرضى، أخبرنا البهاء عبد الرحمن، قالا: أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت
أحمد، أخبرنا أبو عبد الله بن طلحة، قال هو وعاصم: أخبرنا عبد الواحد بن
محمد الفارسي، حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا علي بن
مسلم، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا حجاج بن أرطاة، عن سماك، عن
جابر بن سمرة، قال: كان في ساقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حموشة، وكان لا
يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه، قلت: أكحل العينين، وليس
بأكحل.
هذا حديث غريب (1).
149 - الجاحظ *
العلامة المتبحر، ذو الفنون، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب
البصري المعتزلي، صاحب التصانيف. أخذ عن النظام.
وروى عن: أبي يوسف القاضي، وثمامة بن أشرس.
روى عنه: أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته، وكان أحد
الأذكياء.

(1) الحجاج بن أرطاة مدلس، وقد عنعن، فالسند ضعيف.
* الفهرست 208، 212، تاريخ بغداد 12 / 212، 220، نزهة الألباء: 132، أمالي
المرتضى 1 / 194، معجم الأدباء 16 / 74، 114، وفيات الأعيان 3 / 470، 475، ميزان
الاعتدال 3 / 247، العبر 1 / 456، سرح العيون: 136، البداية والنهاية 11 / 19، 20، لسان
الميزان 4 / 355، 357، بغية الوعاة: 265، شذرات الذهب 2 / 121، 122.
526

قال ثعلب: ما هو بثقة.
وقال يموت: كان جده جمالا أسود.
وعن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي.
قلت: كان ماجنا قليل الدين، له نوادر.
قال المبرد: دخلت عليه، فقلت: كيف أنت؟ قال: كيف من نصفه
مفلوج، ونصفه الآخر منقرس؟ لو طار عليه ذباب لآلمه، والآفة في هذا أني
جزت التسعين. وقيل: طلبه المتوكل، فقال: وما يصنع أمير المؤمنين
بشق مائل، ولعاب سائل؟!!
قال ابن زبر: مات سنة خمسين ومئتين. وقال الصولي: مات سنة
خمس وخمسين ومئتين.
قلت: كان من بحور العلم، وتصانيفه كثيرة جدا. قيل: لم يقع بيده
كتاب قط إلا استوفى قراءته، حتى إنه كان يكتري دكاكين الكتبيين، ويبيت
فيها للمطالعة، وكان باقعة (1) في قوة الحفظ.
وقيل: كان الجاحظ ينوب عن إبراهيم بن العباس الصولي مدة في
ديوان الرسائل.
وقال في مرضه للطبيب: اصطلحت الأضداد على جسدي، إن أكلت
باردا أخذ برجلي، وإن أكلت حارا أخذ برأسي.
ومن كلام الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك: المنفعة توجب المحبة،

(1) أي داهية، يقال: ما فلان إلا باقعة من البواقع، سمي باقعة لحلوله بقاع الأرض،
وكثرة تنقيبه في البلاد، ومعرفته بها، فشبه الرجل البصير بالأمور، الكثير البحث عنها، المجرب
لها به. والهاء دخلت في نعت الرجل للمبالغة في صفته، كما قالوا: رجل علامة ونسابة...
527

والمضرة توجب البغضة، والمضادة عداوة، والأمانة طمأنينة، وخلاف الهوى
يوجب الاستثقال، ومتابعته توجب الألفة. العدل يوجب اجتماع القلوب،
والجور يوجب الفرقة. حسن الخلق أنس، والانقباض وحشة. التكبر ست،
والتواضع مقة، الجود يوجب الحمد، والبخل يوجب الذم، التواني يوجب
الحسرة، والحزم يوجب السرور، والتغرير ندامة، ولكل واحدة من هذه إفراط
وتقصير، وإنما تصح نتائجها إذا أقيمت حدودها، فإن الافراط في الجود تبذير،
والافراط في التواضع مذلة، والافراط في الغدر يدعو إلى أن لا تثق بأحد.
والافراط في المؤانسة يجلب خلطاء السوء.
وله: وما كان حقي - وأنا واضع هذين الكتابين في خلق القران، وهو
المعنى الذي يكثره أمير المؤمنين ويعزه، وفي فضل ما بين بني هاشم، وعبد
شمس ومخزوم - إلا أن أقعد فوق السماكين، بل فوق العيوق، أو أتجر في
الكبريت الأحمر، وأقود العنقاء بزمام إلى الملك الأكبر.
وله كتاب " الحيوان " سبع مجلدات، وأضاف إليه كتاب " النساء "
وهو فرق ما بين الذكر والأنثى، وكتاب " البغال " وقد أضيف إليه كتاب سموه
كتاب " الجمال ". ليس من كلام الجاحظ، ولا يقاربه.
قال رجل للجاحظ: ألك بالبصرة ضيعة؟ قال: فتبسم، وقال: إنما
إناء وجارية ومن يخدمها، وحمار، وخادم. أهديت كتاب " الحيوان " إلى
ابن الزيات، فأعطاني ألفي دينار، وأهديت إلى فلان فذكر نحوا من ذلك،
يعني: أنه في خير وثروة.
قال يموت بن المزرع: سمعت خالي، يقول: أمليت على إنسان
مرة: أخبرنا عمرو، فاستملى: أخبرنا بشر، وكتب: أخبرنا زيد.
قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.
528

قال إسماعيل الصفار: حدثنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا
حديث فدك (1)، فأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلا ابن شيبة
العلوي، فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله. ثم قال الصفار: كان أبو
العيناء يحدث بهذا بعدما تاب.
قيل للجاحظ: كيف حالك؟ قال: يتكلم الوزير برأيي، وصلات
الخليفة متواترة إلي، وآكل من الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأنا
صابر حتى يأتي الله بالفرج. قيل: بل الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحب أن
ألي الخلافة، ويختلف إلي محمد بن عبد الملك يعني الوزير، وهو
القائل:
سقام الحرص ليس له دواء * وداء الجهل ليس له طبيب (2)
وقال: أهديت إلى محمد بن عبد الملك كتاب " الحيوان "، فأعطاني
خمسة آلاف دينار. وأهديت كتاب " البيان والتبيين " إلى أحمد بن أبي
دواد، فأعطاني كذلك، وأهديت كتاب " الزرع والنخل " إلى إبراهيم
الصولي، فأعطاني مثلها. فرجعت إلى البصرة، ومعي ضيعة لا تحتاج إلى
تحديد، ولا إلى تسميد.

(1) قال ابن أبي شيبة العلوي: هذا كذب، يعني حديث فدك، سمعها الحاكم من عبد
العزيز بن عبد الملك الأعور. قال ابن حجر: ما علمت ما أراد بحديث فدك. انظر " لسان
الميزان " 4 / 356.
(2) هو في " معجم الأدباء " 16 / 89، وروايته فيه: وداء البخل " بدل " الجهل ".
وجاء قبله:
يطيب العيش أن تلقى حليما * غذاه العلم والرأي المصيب
ليكشف عنك حيلة كل ريب * وفضل العلم يعرفه الأريب
سقام الحرص.... البيت.
وهو في " تاريخ بغداد " 12 / 215.
529

وقد روى عنه ابن أبي داود حديثا واحدا.
وتصانيف الجاحظ كثيرة جدا: منها " الرد على أصحاب الالهام "،
و " الرد على المشبهة "، و " الرد على النصارى "، " الطفيلية "، " فضائل
الترك "، و " الرد على اليهود "، " الوعيد "، " الحجة والنبوة "،
" المعلمين "، " البلدان "، " حانوت عطار "، " ذم الزنى " وأشياء.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أخبرنا السلفي،
أخبرنا المبارك بن الطيوري، حدثنا محمد بن علي الصوري إملاء، حدثنا
خلف بن محمد الحافظ بصور، أخبرنا أبو سليمان بن زبر، حدثنا أبو بكر
ابن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ، فاستأذنت عليه، فاطلع علي من كوة
في داره، فقال: من أنت؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال: أو
ما علمت أني لا أقول بالحشوية؟ فقلت: إني ابن أبي داود. فقال: مرحبا
بك وبأبيك، ادخل. فلما دخلت، قال لي: ما تريد؟ فقلت: تحدثني
بحديث واحد. فقال: اكتب: حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن
سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى على طنفسة (1).
فقلت: زدني حديثا آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.
قلت: كفانا الجاحظ المؤونة، فما روى من الحديث إلا النزر
اليسير، ولا هو بمتهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته،
فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة،
صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين، عفا الله منه.

(1) في اللسان: الطنفسة: النمرقة فوق الرحل، وجمعها طنافس، وقيل: هي البساط
التي لها خمل رقيق، والثاني هو المراد في هذا الحديث.
530

150 - أحمد بن خالد * (ت، س)
الفقيه الكبير، أبو جعفر البغدادي الخلال.
حدث عن: إسحاق الأزرق، وابن علية، وابن عيينة، وشعيب بن
حرب، ومعن، والشافعي، وعدة.
وعنه: الترمذي، والنسائي، وأحمد الأبار، وجعفر الفريابي، وعمر
البجيري، والحسين بن إدريس، وخلق.
قال أبو حاتم الرازي: كان خيرا عدلا ثقة رضى صدوقا.
وقال الدارقطني: ثقة نبيل قديم الوفاة.
وقال ابن قانع: مات بسامراء سنة سبع وأربعين ومئتين.
151 - أحمد بن الخليل * * (س)
الامام الثبت، أبو علي البغدادي البزاز، نزيل نيسابور.
حدث عن: علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وحجاج الأعور،
وروح بن عبادة، وقراد، وطبقتهم.
وعنه: النسائي، والحسين القباني، وعبدان، وابن خزيمة، وآخرون
خاتمتهم أبو علي المذكر ذاك التالف.

* الجرح والتعديل 2 / 49، تاريخ بغداد 4 / 126، 127، طبقات الحنابلة 1 / 42،
تهذيب الكمال، ورقة: 21، تذهيب التهذيب 1 / 10، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 5، تهذيب
التهذيب 1 / 27، خلاصة تذهيب الكمال: 5.
* * التاريخ الصغير 2 / 387، تاريخ بغداد 4 / 129، 131، تهذيب الكمال، ورقة:
21، ميزان الاعتدال 1 / 96، تذهيب التهذيب 1 / 10، تهذيب التهذيب 1 / 27، 28،
خلاصة تذهيب الكمال: 5، 6.
531

وثقه النسائي.
وقال الحاكم: ثقة مأمون.
قال القباني: توفي في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومئتين.
أحمد بن الخليل البرجلاني شيخ النجاد سيأتي (1).
152 - أحمد بن الخليل النوفلي القومسي *
عن: الأصمعي، وأبي النضر، والأنصاري، والمقرئ.
وعنه: يحيى بن عبدك، وجماعة.
وهو واه.
153 - ذو النون المصري * *
الزاهد، شيخ الديار المصرية، ثوبان بن إبراهيم، وقيل: فيض بن
أحمد، وقيل: فيض بن إبراهيم النوبي الأخميمي (2)، يكنى أبا الفيض،
ويقال: أبا الفياض. ولد في أواخر أيام المنصور.

(1) في الجزء الثالث عشر وهو مترجم في تاريخ بغداد 4 / 133، تهذيب الكمال، ورقة:
21، وتذهيب التهذيب 1 / 10.
* الجرح والتعديل 2 / 50، طبقات الحنابلة 1 / 42، تهذيب الكمال، ورقة: 21،
ميزان الاعتدال 1 / 96، تذهيب التهذيب 1 / 10، 11، تهذيب التهذيب 1 / 28، لسان الميزان
1 / 167، خلاصة تذهيب الكمال: 6.
* * حلية الأولياء 9 / 331، 391 و 10 / 3، 4، تاريخ بغداد 8 / 393، الأنساب
1 / 135، اللباب 1 / 35، وفيات الأعيان 1 / 315، 318، العبر 1 / 444، البداية والنهاية
10 / 347، النجوم الزاهرة 2 / 320، 321، طبقات الأولياء: 218، 223، طبقات
الصوفية: 15، 26، طبقات الشعراني 1 / 81، 84، الرسالة القشيرية: 211.
(2) بكسر الألف وسكون الخاء المعجمة والياء المنقوطة باثنتين من تحتها بين ميمين
مكسورتين، وهي نسبة إلى إخميم، بلدة من ديار مصر بالصعيد،
532

وروى عن: مالك، والليث، وابن لهيعة، وفضيل بن عياض، وسلم
الخواص، وسفيان بن عيينة، وطائفة.
وعنه: أحمد بن صبيح الفيومي، وربيعة بن محمد الطائي، ورضوان
ابن محيميد، وحسن بن مصعب، والجنيد بن محمد الزاهد، ومقدام بن
داود الرعيني، وآخرون.
وقل ما روى من الحديث، ولا كان يتقنه. قيل: إنه من موالي
قريش، وكان أبوه نوبيا.
وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر. وكان واعظا.
قال ابن يونس: كان عالما فصيحا حكيما. توفي في ذي القعدة سنة خمس
وأربعين ومئتين.
وقال السلمي: حملوه على البريد من مصر إلى المتوكل ليعظه في
سنة 244 وكان إذا ذكر بين يدي المتوكل أهل الورع، بكى.
وقال يوسف بن أحمد البغدادي: كان أهل ناحيته يسمونه الزنديق.
فلما مات، أظلت الطير جنازته، فاحترموا بعد قبره.
عن أيوب مؤدب ذي النون، قال: جاء أصحاب المطالب ذا النون،
فخرج معهم إلى قفط (1)، وهو شاب، فحفروا قبرا، فوجدوا لوحا فيه
اسم الله الأعظم، فأخذه ذو النون، وسلم إليهم ما وجدوا.
قال يوسف بن الحسين الرازي: حضرت ذا النون، فقيل له: يا أبا
الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: نمت في الصحراء، ففتحت عيني فإذا

(1) بكسر القاف وسكون الفاء وبعدها طاء مهملة، بلدة بصعيد مصر.
533

قنبرة (1) عمياء سقطت من وكر، فانشقت الأرض، فخرج منها سكرجتان
ذهب وفضة، في إحداهما سمسم، وفي الأخرى ماء، فأكلت وشربت.
فقلت: حبسي، فتبت (2) ولزمت الباب إلى أن قبلني.
قال السلمي (3) في " محن الصوفية ": ذو النون أول من تكلم ببلدته في
ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم،
وهجره علماء مصر. وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف، وهجروه
حتى رموه بالزندقة. فقال أخوه: إنهم يقولون: إنك زنديق. فقال:
ومالي سوى الاطراق والصمت حيلة * ووضعي كفي تحت خدي وتذكاري
قال: وقال محمد بن الفرخي: كنت مع ذي النون في زورق، فمر بنا
زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان، يشهدون
عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فغرقهم، فانقلب الزورق،
وغرقوا. فقلت له: فما بال الملاح؟ قال: لم حملهم وهو يعلم قصدهم؟
ولان يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور، ثم انتفض
وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها. ثم دعاه أمير مصر، وسأله
عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره. وطلبه المتوكل، فلما سمع كلامه،
ولع به وأحبه. وكان يقول: إذا ذكر الصالحون، فحي هلا بذي النون.

(1) القنبرة والقنبرة والقبرة والقنبراء والقنبراء: عصفورة من فصيلة القبريات، ورتبة
الجواثم المخروطية المناقير، سمر في أعلاها، ضاربة إلى بياض في أسفلها، وعلى صدرها
بقعة سوداء، دائمة التغريد.
(2) في " طبقات الأولياء " ص: 219: " قد تبت ".
(3) هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي الصوفي المتوفى
سنة 412، صاحب طبقات الصوفية، ولم يرد لكتابه هذا " محن الصوفية " ذكر عند غير المؤلف
هنا وفي ترجمة محمد بن الفضل البلخي الآتية في المجلد الرابع عشر من هذا الكتاب
534

قال علي بن حاتم: سمعت ذا النون، يقول: القران كلام الله غير
مخلوق.
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون، يقول: مهما تصور في
وهمك، فالله بخلاف ذلك، وسمعته يقول: الاستغفار جامع لمعان:
أولهما الندم على ما مضى، الثاني: العزم على الترك، الثالث: أداء ما
ضيعت من فرض لله، الرابع: رد المظالم في الأموال والاعراض
والمصالحة عليها، الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام،
السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.
وعن عمرو بن السرح: قلت لذي النون: كيف خلصت من
المتوكل، وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام، قلت في نفسي: يا
من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض
خبيئات، ولا في القلوب خطرات، إلا وهي عليك دليلات، ولك
شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات. فبالقدرة التي تجير
بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد،
وأخذت قلبه عني، فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني، ثم قال: أتعبناك يا
أبا الفيض.
وقال يوسف بن الحسين: حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل،
وكان مولعا به، يفضله على الزهاد، فقال: صف لي أولياء الله. قال: يا
أمير المؤمنين، هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته، وجللهم بالبهاء
من إرادة كرامته، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته. فذكر كلاما طويلا.
وقد استوفى ابن عساكر أحوال ذي النون في " تاريخه "، وأبو نعيم في
" الحلية ".
535

ومن كلامه: العارف لا يلتزم حالة واحدة، بل يلتزم أمر ربه في
الحالات كلها.
أرخ عبيد الله بن سعيد بن عفير وفاته، كما مر، في سنة خمس
وأربعين ومئتين.
وأما حيان بن أحمد السهمي، فقال: مات بالجيزة، وعدي به إلى
مصر في مركب خوفا من زحمة الناس على الجسر، لليلتين خلتا من ذي
القعدة سنة ست وأربعين ومئتين. وقال آخر: مات سنة ثمان وأربعين.
والأول أصح. وكان من أبناء التسعين.
154 - ابن زياد *
متولي اليمن الأمير محمد بن عبد الله بن زياد.
غلب على اليمن، وحارب، وتمكن في أيام المأمون، واختط مدينة
زبيد في سنة أربع ومئتين. ونفذ إلى المأمون بتحف، فأمده بجيش، وعظم
أمره، ودامت دولته إلى أن مات سنة خمس وأربعين ومئتين. فقام بعده ابنه
إبراهيم، فولي اليمن مدة وأربع وأربعين سنة. ثم مات. وتملك بعده ولداه
زياد ثم إسحاق. ودامت دولتهم إلى بعد الأربع مئة، ثم صارت في مواليهم
مدة إلى أن ظهر الصليحي.
155 - الرواجني * * (خ، ت، ق)
الشيخ العالم الصدوق، محدث الشيعة، أبو سعيد عباد بن يعقوب

* أنباء الزمن في تاريخ اليمن، حوادث سنة 203 ه‍ لمؤلفه يحيى بن حسين بن الإمام
القاسم المتوفى بعد سنة 1099 ه‍، مخطوط في دار الكتب المصرية، انظر الفهرس 5 / 39.
* * التاريخ الكبير 6 / 44، الجرح والتعديل 6 / 88، الكامل لابن عدي، ورقة: 240،
الأنساب 6 / 175، 176، اللباب 1 / 477، تهذيب الكمال، ورقة: 654، 655، ميزان الاعتدال
2 / 379، 380، العبر 1 / 456، تذهيب التهذيب 2 / 123 البداية والنهاية 11 / 7، تهذيب
التهذيب 5 / 109، 110، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب 2 / 121.
536

الأسدي الرواجني الكوفي المبتدع.
روى عن: شريك القاضي، وعباد بن العوام، وإبراهيم بن أبي
يحيى، والوليد بن أبي ثور، وإسماعيل بن عياش، وعبد الله بن عبد
القدوس، والحسين بن الشهيد زيد بن علي، وعلي بن هاشم بن البريد،
وعدة.
روى عنه: البخاري حديثا قرن فيه معه آخر، والترمذي، وابن ماجة،
وأبو بكر البزار، وصالح جزرة، وابن خزيمة، ومحمد بن علي الحكيم
الترمذي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وآخرون.
قال أبو حاتم: شيخ ثقة.
وقال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدثنا الثقة في روايته،
المتهم في دينه، عباد بن يعقوب.
وقال ابن عدي: فيه غلو في التشيع.
وروى عبدان عن ثقة، أن عبادا كان يشتم السلف.
وقال ابن عدي: روى مناكير في الفضائل والمثالب.
وروى علي بن محمد الحبيبي، عن صالح جزرة، قال: كان عباد
يشتم عثمان، رضي الله عنه، وسمعته، يقول: الله أعدل من أن يدخل
طلحة والزبير الجنة، قاتلا عليا بعد أن بايعاه.
وقال ابن جرير: سمعته، يقول: من لم يبرأ في صلاته كل يوم من
أعداء آل محمد، حشر معهم.
قلت: هذا الكلام مبدأ الرفض، بل نكف، ونستغفر للأمة، فإن آل
537

محمد في إياهم قد عادى بعضهم بعضا واقتتلوا على الملك وتمت عظائم،
فمن أيهم نبرأ؟! قال محمد بن المظفر الحافظ، حدثنا القاسم المطرز، قال: دخلت
على عباد بالكوفة، وكان يمتحن الطلبة، فقال: من حفر البحر؟ قلت:
الله. قال: هو كذاك، ولكن من حفره؟ قلت: يذكر الشيخ، قال: حفره
علي، فمن أجراه؟ قلت: الله. قال: هو كذلك؟ ولكن من أجراه؟ قلت
يفيدني الشيخ، قال: أجراه الحسين، وكان ضريرا، فرأيت سيفا
وحجفة (1). فقلت: لمن هذا؟ قال أعددته لأقاتل به مع المهدي. فلما
فرغت من سماع ما أردت، دخلت عليه، فقال: من حفر البحر؟ قلت حفره
معاوية، رضي الله عنه، وأجراه عمرو بن العاص، ثم وثبت وعدوت فجعل
يصيح: أدركوا الفاسق عدو الله، فاقتلوه. إسنادها صحيح. وما أدري كيف
تسمحوا في الاخذ عمن هذا حاله؟ وإنما وثقوا بصدقه.
قال البخاري: مات عباد بن يعقوب في شوال سنة خمسين ومئتين.
قلت: وقع لي من عواليه في البعث لابن أبي داود. ورأيت له جزءا
من كتاب " المناقب "، جمع فيها أشياء ساقطة، قد أغنى الله أهل البيت
عنها، وما أعتقده يتعمد الكذب أبدا.
156 - صالح * (ت)
ابن عبد الله بن ذكوان الحافظ الثقة، أبو عبد الله الباهلي الترمذي،
نزيل بغداد.

(1) الحجفة: هي الترس.
* التاريخ الكبير 4 / 285، الجرح والتعديل 4 / 407، تاريخ بغداد 9 / 315، 316،
تهذيب الكمال، ورقة: 599، تذهيب التهذيب 2 / 87، العقد الثمين 5 / 29، تهذيب التهذيب
4 / 395، 396، خلاصة تذهيب الكمال: 171.
538

حدث عن: مالك، وشريك، وحماد الأبح، وأبي عوانة، وعدة.
وعنه: الترمذي، ثم روى عن رجل عنه، وأبو زرعة الرازي، ومحمد
ابن كرام، وابن أبي الدنيا، وصالح جزرة، وأبو يعلى، وآخرون.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال ابن حبان: هو صاحب حديث وسنة. كتب وجمع.
قلت: توفي سنة تسع وثلاثين ومئتين بمكة.
أما:
157 - صالح بن محمد الترمذي *
فمن أقرانه، ولي قضاء ترمذ.
قال ابن حبان: كان جهميا يبيع الخمر. كان ابن راهويه يبكي من
تجرئه على الله.
158 - عتبة بن عبد الله * * (س)
ابن عتبة الشيخ المحدث المسند الثقة، أبو عبد الله اليحمدي (1)
المروزي.
حدث عن: مالك بن أنس، وسعيد بن سالم القداح، وابن المبارك،
وسفيان بن عيينة، والفضل بن موسى، وجماعة.

* الجرح والتعديل 4 / 412، كتاب المجروحين والضعفاء 1 / 370، 371، تاريخ بغداد
9 / 330، لسان الميزان 3 / 176.
تهذيب الكمال، ورقة: 904، 905، تذهيب التهذيب 3 / 27، تهذيب التهذيب
7 / 97، 98، خلاصة تذهيب الكمال: 257، 258.
(1) ضبطه الحافظ ابن حجر في " التبصير " 3 / 1345، 1346 بضم الياء وكسر الميم.
أما في " اللباب " 3 / 408 فقد ضبط بفتحهما وسكون الحاء، وبعدها دال مهملة.
539

حدث عنه: النسائي، ومحمد بن علي الحكيم، وعيسى بن محمد
المروزي، وإسحاق بن إبراهيم البستي، والحسن بن سفيان، وإمام الأئمة
ابن خزيمة، وعدة.
قال النسائي: لا بأس به. وقال أيضا: ثقة.
وممن لحقه وروى عنه مؤرخ مرو أبو رجاء، محمد بن حمدويه.
قال: ومات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومئتين. وكان معمرا.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن
طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد
الحاكم، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق إملاء، حدثنا عتبة بن عبد الله
اليحمدي، قال: قرأت على مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، أنه سمع
أبا السائب مولى هشام بن زهرة، يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: قال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج،
هي خداج، هي خداج، غير تمام "، فقلت: يا أبا هريرة، إني أحيانا وراء
الامام، قال: فغمز ذراعي، ثم قال: اقرأها يا فارسي في نفسك، فإني
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني
وبين عبدي نصفين، نصفها لي، ونصفها لعبدي يقول العبد: (الحمد لله
رب العالمين)، يقول الله: حمدني عبدي. يقول العبد (الرحمن
الرحيم)، يقول الله: أثنى علي عبدي. يقول العبد: (مالك يوم
الدين)، يقول الله: مجدني عبدي، وهذه الآية بيني وبين عبدي: (إياك
نعبد وإياك نستعين)، فهي بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. يقول العبد:
(اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب
540

عليهم ولا الضالين)، فهي لعبدي، ولعبدي ما سأل ". (1)
159 - الدوري * (ق)
الامام العالم الكبير، شيخ المقرئين، أبو عمر حفص بن عمر بن عبد
العزيز بن صهبان، ويقال: صهيب الأزدي، مولاهم الدوري الضرير،
نزيل سامراء.
ولد سنة بضع وخمسين ومئة في دولة المنصور.
وتلا على إسماعيل بن جعفر، وسمع منه، وتلا على الكسائي
بحرفه، وعلى يحيى اليزيدي بحرف أبي عمرو، وعلى سليم بحرف
حمزة، وجمع القراءات وصنفها.
وحدث أيضا عن: أبي إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب، وإبراهيم
ابن أبي يحيى، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وأبي معاوية
وطائفة.
روى عنه: الإمام أحمد،، وهو من أقرانه، ونصر بن علي الجهضمي،
وروى هو عنهما.

(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 84 في الصلاة: باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر
فيه بالقراءة، وأخرجه مسلم (395) (39) في الصلاة: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل
ركعة، من طريق قتيبة عن مالك.
وقوله: خداج، معناها، ناقصة. وقوله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، يريد
بالصلاة: القراءة، كما قال الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها).
* الضعفاء، ورقة: 98، الجرح والتعديل 3 / 183، 184، الفهرست: 287، تاريخ
بغداد 8 / 203، 204، الأنساب 5 / 395، 396، معجم الأدباء 10 / 216، 218، تهذيب
الكمال، ورقة: 308، العبر 1 / 446، تذهيب التهذيب 1 / 164، معرفة القراء الكبار
1 / 157، 159، ميزان الاعتدال 1 / 566، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 255، 257،
تهذيب التهذيب 2 / 408، تذكرة الحفاظ 1 / 406، خلاصة تذهيب الكمال: 87، النشر في
القراءات العشر 1 / 134، شذرات الذهب 2 / 111.
541

وتلا عليه: أبو الزعراء عبد الرحمن بن عبدوس، وأحمد بن فرح
المفسر، وعمر بن محمد الكاغدي، والحسن بن علي بن بشار صاحب
مرثية الهر (1)، وقاسم بن زكريا المطرز، وأبو عثمان سعيد بن عبد الرحيم
الضرير، وعلي بن سليم، وجعفر بن محمد بن أسد، والقاسم بن عبد
الوارث، وأحمد بن مسعود السراج، وبكر السراويلي، وعبد الله بن أحمد
دلبة، ومحمد بن محمد بن النفاح (2)، ومحمد بن حمدون المنقي (3)،
والحسن بن الحسين الصواف، وجعفر بن محمد الرافقي، وأحمد بن
يعقوب بن العرق، وحسن بن عبد الوهاب، وأحمد بن حرب المعدل،
وغيرهم.
وحدث عنه: ابن ماجة، وحاجب بن أركين (4)، وأبو زرعة الرازي،
ومحمد بن حامد السني، وآخرون.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو داود: رأيت أحمد بن حنبل يكتب عن أبي عمر الدوري.
قال أحمد بن فرح: قلت للدوري: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام
الله غير مخلوق.

(1) أورد المؤلف، رحمه الله، منها أربعين بيتا في الجزء الرابع عشر، رقم الترجمة
288، ومطلعها:
يا هر فارقتنا ولم تعد * وكنت عندي بمنزل الولد
وكيف ننفك عن هواك وقد * كنت لنا عدة من العدد
(2) بفتح النون والفاء المشددتين، وبعد الألف حاء مهملة، أصله من سامرا، وسكن
مصر وقد توفي فيها سنة 314 ه‍. انظر ترجمته في " اللباب " 1 / 319.
(3) بضم الميم وفتح النون وكسر القاف المشددة، يقال هذا لمن ينقي الطعام.
(4) هو الفرغاني الضرير الدمشقي. قال السمعاني في " الأنساب "، ورقة 424 / أ: ظني
أن أصله من فرغانة ما وراء النهر. وحاجب هذا كان حافظا مكثرا، سكن دمشق، وبها توفي.
542

قال ابن النفاح: حدثنا أبو عمر، قال: قرأت على إسماعيل بن جعفر
بقراءة أهل المدينة ختمة، وأدركت حياة نافع، ولو كان عندي عشرة
دراهم، لرحلت إليه.
قال أبو علي الأهوازي: رحل أبو عمر في طلب القراءات، وقرأ
سائر حروف السبعة، وبالشواذ، وسمع من ذلك الكثير، وصنف في
القراءات، وهو ثقة، وعاش دهرا. وفي آخر عمره ذهب بصره، وكان ذا
دين.
وقال الحاكم: قال الدارقطني: أبو عمر الدوري، يقال له:
الضرير، وهو ضعيف. وقيل: هو من الدور - محلة بالجانب الشرقي من
بغداد -
قال سعيد بن عبد الرحيم والبغوي وطائفة: توفي سنة ست وأربعين
ومئتين. زاد بعضهم: في شوال. وقيل: سنة ثمان وأربعين. وهم فيه
حاجب الفرغاني، وقد ذكرناه مستوعبا في " طبقات القراء ".
وقول الدارقطني: ضعيف، يريد في ضبط الآثار. أما في
القراءات، فثبت إمام. وكذلك جماعة من القراء أثبات في القراءة دون
الحديث، كنافع، والكسائي، وحفص، فإنهم نهضوا بأعباء الحروف
وحرروها، ولم يصنعوا ذلك في الحديث، كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا
الحديث، ولم يحكموا القراءة. وكذا شأن كل من برز في فن، ولم يعتن بما
عداه. والله أعلم.
160 - سوار بن عبد الله * (د، ت، س)
ابن سوار بن عبد الله بن قدامة الامام العلامة القاضي، أبو عبد الله

التاريخ الصغير 2 / 383، تاريخ الطبري 9 / 213، الجرح والتعديل 4 / 271، تاريخ
بغداد 9 / 210، 212، الأنساب، ورقة: 400 / 1، اللباب 2 / 360، تهذيب الكمال
ورقة: 562، العبر 1 / 444، تهذيب التهذيب 4 / 286، 269، النجوم الزاهرة 2 / 321،
خلاصة تذهيب الكمال: 159، شذرات الذهب 2 / 108.
543

التميمي العنبري البصري، قاضي الرصافة من بغداد من ببت العلم والقضاء
كان جده قاضي البصرة.
سمع سوار هذا من عبد الوارث التنوري، ويزيد بن زريع، ومعتمر بن
سليمان، وبشر بن المفضل، ويحيى بن سعيد القطان، وعدة.
حدث عنه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وعبد الله بن أحمد،
ويحيى بن صاعد، وعلي بن عبد الحميد الغضائري، وآخرون.
قال النسائي: ثقة.
وقال إسماعيل القاضي: دخل سوار بن عبد الله القاضي على محمد
ابن عبد الله بن طاهر، فقال: أيها الأمير، إني جئت في حاجة رفعتها إلى الله
عز وجل قبل أن أرفعها إليك، فإن قضيتها، حمدنا الله وشكرناك، وإن لم
تقضها، حمدنا الله وعذرناك. قال: فقضى جميع حوائجه.
قلت: وكان من فحول الشعراء فصيحا مفوها، وكان وافر اللحية.
قال أحمد بن المعذل الفقيه: كان سوار بن عبد الله قد خامر قلبه وجد
فقال:
سلبت عظامي مخها فتركتها * عواري في أجلادها تتكسر
وأخليت منها مخها فكأنها * قوارير في أجوافها الريح تصفر
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب وانظري * بلى جسدي لكنني أتستر
وليس الذي يجري من العين ماؤها * ولكنها روحي تذاب فتقطر (1)

(1) الأبيات الثلاثة الأولى في " تاريخ بغداد " 9 / 210، 211 وتكررت في الصفحة:
211، ورواية الخطيب فيها: " مما نالها " بدل " في أجلادها "، و " ارفعي " بدل " اكشفي ".
544

عمي سوار بأخرة، ومات في سنة خمس وأربعين ومئتين في شوال.
161 - النخشبي *
الامام القدوة، شيخ الطائفة، أبو تراب عسكر بن الحصين
النخشبي. ومدينة نخشب من نواحي بلخ، تسمى أيضا نسف.
صحب حاتما الأصم. وحدث عن: نعيم بن حماد، ومحمد بن عبد
الله بن نمير، وغيرهما.
حدث عنه: الفتح بن شخرف، ورفيقه أبو بكر بن أبي عاصم، وعبد الله
ابن أحمد بن حنبل، ويوسف بن الحسين الرازي، وأحمد بن الجلاء، وطائفة.
وكتب العلم، وتفقه، ثم تأله وتعبد، وساح وتجرد.
وسئل عن صفة العارف، قال: الذي لا يكدره شئ، ويصفو به كل شئ.
وعنه قال: إذا رأيت الصوفي قد سافر بلا ركوة، فاعلم أنه قد عزم
على ترك الصلاة.
وعنه: ثلاث من مناقب الايمان: الاستعداد للموت، والرضى
بالكفاف، والتفويض إلى الله. وثلاث من مناقب الكفر: طول الغفلة عن
الله، والطيرة، والحسد.
وعن يوسف بن الحسين، قال: كنا بمكة، فقال أبو تراب: أحتاج

* حلية الأولياء 10 / 45، 51، تاريخ بغداد 12 / 315، 318، طبقات الحنابلة
1 / 248، 249، الأنساب، ورقة: 556 / 2، العبر 1 / 445، طبقات الشافعية للسبكي
2 / 306، 310، البداية والنهاية 10 / 346، طبقات الأولياء: 355، 358، النجوم الزاهرة
2 / 321، الكواكب الدرية 1 / 202، مفتاح السعادة 2 / 174، طبقات الصوفية: 146،
151، طبقات الشعراني 1 / 96، الرسالة القشيرية: 22
545

إلى دراهم، فإذا رجل قد صب في حجره كيس دراهم، فجعل يفرقها على
من حوله، وكان فيهم فقير يتراءى له ليعطيه، فنفدت، ولم يعطه، وبقيت
أنا وهو والشيخ، فقال له: تراءيت لك غير مرة، فقال: أنت لا تعرف
المعطي.
قال ابن الجلاء (1): لقيت ألفي شيخ ما لقيت مثل أبي تراب، وآخر.
مات أبو تراب بطريق الحج، انقطع فنهشته السباع في سنة خمس
وأربعين ومئتين.
162 - محمد بن عبيد *
ابن عبد الملك الامام المحدث العبد الصالح، أبو عبد الله الأسدي
الكوفي، ثم الهمذاني، ويقال له: محمد بن أبي عبد الملك.
روى أبوه عن الشعبي.
وعنه: وكيع، وأبو نعيم.
يقال: صام ستين سنة.
وروى محمد عن: سفيان بن عيينة، وعمر بن هارون، والربيع بن
زياد، وعبيدة بن حميد، وسيف بن محمد الثوري، وأبي معاوية، ويحيى
ابن سعيد الأموي، وحسين الجعفي، وشبابة، وخلق.
وعنه: يحيى بن عبد الله الكرابيسي، وعبد الله بن أحمد الدحيمي،
وعلي بن سعيد العسكري، وعيسى بن يزيد إمام الجامع، وعلي بن الحسن

(1) من كبار الصوفية في المئة الرابعة.
* تهذيب الكمال، ورقة: 1238، تذهيب التهذيب 3 / 229 / 2، تهذيب التهذيب
9 / 330، 331، خلاصة تذهيب الكمال: 350.
546

ابن سعد، والحسن بن علي المكتب، وإبراهيم بن عمروس، وعبدوس بن أحمد
الثقفي، وآخرون.
قال صالح بن أحمد: سمعت عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن،
سمعت أبي، يقول: ذاكرت أبا زرعة بحديث محمد بن عبيد، عن علي بن
أبي بكر، عن همام، عن قتادة، عن أنس مرفوعا: " من حوسب عذب " (1).
فقال: ابن عبيد عندنا إمام، وعلي من الابدال. وهذا غريب.
وقال الحسن بن يزداد الخشاب: لو كان محمد بن عبيد ببغداد، كان
يكون شبيها بأحمد بن حنبل.
وعن أبي زرعة، قال: محمد بن عبيد ثقة.
وقال الحسن بن علي المؤدب: توفي سنة تسع وأربعين ومئتين.
163 - الحسن بن عرفة * (ت، ق)
ابن يزيد الامام المحدث الثقة، مسند وقته، أبو علي العبدي
البغدادي المؤدب.

(1) أخرجه الترمذي (3338) في تفسير القرآن: باب ومن سورة: (إذا السماء
انشقت)، من طريق محمد بن عبيد الهمداني، عن علي بن أبي بكر، عن همام، عن قتادة،
عن أنس. ورجالة ثقات، وله شاهد عن عائشة أخرجه البخاري 1 / 176 في العلم: باب من
سمع شيئا فراجعه حتى يعرفه، ومسلم (2876) في الجنة وصفة نعيمها: باب إثبات الحساب،
من طريق ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " من حوسب يوم القيامة،
عذب ". قالت عائشة: فقلت: أليس قد قال الله عز وجل: (فسوف يحاسب حسابا يسيرا)؟
فقال: " ليس ذاك الحساب، إنما ذاك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة، عذب ".
والمراد من المناقشة هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يفضي إلى استحقاق
العذاب، لان حسنات العبد موقوفة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول، لا
يحصل النجاء.
* الجرح والتعديل 3 / 31، 32، تاريخ بغداد 7 / 394، 396، طبقات الحنابلة
1 / 140، 141، تهذيب الكمال، ورقة: 269، 270، العبر 2 / 14، تذهيب التهذيب
1 / 140، المحبر: 478، تهذيب التهذيب 2 / 293، 294، خلاصة تذهيب الكمال: 79،
شذرات الذهب 2 / 136، المنتظم 5 / 3.
547

ولد سنة خمسين ومئة.
وسمع من: هشيم بن بشير، وإسماعيل بن عياش، وإبراهيم بن أبي
يحيى، وخلف بن خليفة، والمبارك بن سعيد أخي سفيان الثوري، وعبد
الله بن المبارك، وزياد البكائي، وعباد بن عباد المهلبي، وعبد السلام بن
حرب، وجرير بن عبد الحميد، وأبي بكر بن عياش، وعيسى بن يونس،
والحكم بن ظهير، ومرحوم بن عبد العزيز العطار، وقران بن تمام، وعمار
ابن محمد الثوري، وعلي بن ثابت الجزري، (1)، وعبد العزيز بن عبد
الصمد العمي، ومعتمر بن سليمان التيمي، وحفص بن غياث،
وإسماعيل ابن علية، وعبد الله بن إدريس، وعمر بن عبد الرحمن الأبار،
وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وعباد بن العوام، وأبي معاوية، ومروان بن
شجاع، وبشر بن المفضل، وطبقتهم. وكان من علماء الحديث.
حدث عنه: الترمذي، وابن ماجة، وابن أبي الدنيا، وزكريا خياط
السنة، وعبد الله بن أحمد، وأبو يعلى، وقاسم المطرز، وابن صاعد،
والمحاملي، وابن مخلد، وإبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وعبد
الرحمن بن أبي حاتم، وإسماعيل الوراق، ومحمد بن جعفر المطيري،
والحسين بن عياش القطان، ومحمد بن أحمد الأثرم وعلي بن الفضل
الستوري، والحسن بن أحمد بن الربيع الأنماطي، ومؤنس بن وصيف،
وحبشون بن موسى الخلال، وإبراهيم بن محمد بن أبي ثابت، ومحمد بن هميان

(1) بالتحريك، هو أبو أحمد الهاشمي، مولاهم، صدوق ربما أخطأ، وقد ضعفه الأزدي
بلا حجة، من التاسعة.
548

الوكيل، وإسماعيل بن محمد الصفار، وخلق كثير.
قال عبد الله بن أحمد: قال لي ابن معين: كتبت عن ذاك المعلم
الذي في المربعة؟ قلت: نعم. أهو الحسن بن عرفة؟ قال: نعم. يروي
عن مبارك بن سعيد، وهو ثقة. قال عبد الله: وكان يختلف إلى أبي.
وروى عبد الله بن الدروقي، عن ابن معين، قال: ليس به بأس،
اذهب إليه.
وقال ابن أبي حاتم: صدوق، سمعت منه مع أبي بسامراء، وسئل
عنه أبي، فقال: صدوق.
وقال النسائي: لا بأس به، وقد روى النسائي عن رجل عنه.
وقال محمد بن المسيب الأرغياني (1): سمعت الحسن بن عرفة،
يقول: كتب عني خمسة قرون.
قلت: يعني: خمس طبقات: فالطبقة الأولى (ابن) أبي حاتم، والثانية
ابن أبي الدنيا، الثالثة طبقة ابن خزيمة، الرابعة طبقة المحاملي، الخامسة
الصفار.
قال ابن أبي حاتم: عاش الحسن بن عرفة مئة وعشر سنين، وكان له
عشرة أولاد، سماهم بأسامي العشرة رضي الله عنهم (2).

(1) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الغين المعجمة، وفتح الياء المنقوطة باثنتين من
تحتها، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى أرغيان، وهي اسم لناحية من نواحي نيسابور. وانظر
ترجمة محمد بن المسيب في " أنساب السمعاني " ورقة: 26 / أ.
(2) وهم الخلفاء الأربعة، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن
عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، والحديث الذي شهد لهم به رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بأنهم في الجنة صحيح، أخرجه أحمد (1675)، والترمذي (3748)، من طريق عبد
الرحمن بن عوف، وسنده حسن. وأخرجه أحمد (1630) و (1631) و (1637) و (1644)
و (1645) وأبو داود (4649) و (4650)، وابن ماجة (134)، والترمذي (3758) من
حديث سعيد بن زيد، وقال الترمذي: حسن صحيح.
549

أخبرنا المسلم بن علان، ومؤمل بن محمد إجازة، قالا: أخبرنا أبو
اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور الشيباني، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ،
قال: أجاز لي محمد بن مكي المصري، وحدثني عنه نصر بن إبراهيم
الفقيه: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن زريق، أخبرنا الحسن بن رشيق، حدثنا،
أحمد بن محمد بن حكيم الصدفي، سمعت الحسن بن عرفة، وسئل كم تعد من
السنين؟ قال: مئة سنة وعشر سنين، لم يبلغ أحد من أهل العلم هذا السن
غيري.
قلت: قد بلغ أيضا هذا السن حسان بن ثابت، وحكيم بن حزام،
وغيرهما من الصحابة، وسويد بن غفلة، وجماعة من التابعين، وممن
شاركه في السن أبو العباس الحجار.
قال الحسن بن محمد الخلال الحافظ: ولد في سنة خمسين ومئة:
الشافعي، وبشر الحافي، وخلف البزار، والحسن بن عرفة.
قال أبو الفتح الأزدي: حدثني موسى بن محمد الأزدي، سمعت
الحسن بن عرفة، يقول: حدثني وكيع بأحاديث، فلما أصبحت، سألته
عنها، فقال: ألم أحدثك بها أمس؟ قلت: بلى. ولكني شككت، قال:
لا تشك، فإن الشك من الشيطان.
قلت: انتهى علو الاسناد اليوم، وهو عام خمسة وثلاثين إلى حديث
الحسن بن عرفة، كما أنه كان سنة نيف وستين وست مئة أعلى شئ
550

يكون، وكان رحمه الله، صاحب سنة واتباع.
قال البغوي: مات بسامراء في سنة سبع وخمسين ومئتين. وقيل:
مات لأربع بقين من ذي الحجة منها. ويقال: سنة ثمان وهو وهم.
أنبأنا المسلم بن محمد، ومؤمل بن محمد، قالا: أخبرنا زيد بن
الحسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا أبو
بكر البرقاني، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المعدل بمصر، أخبرنا حمزة بن
محمد الكناني، أخبرنا أبو عبد الرحمن النسائي، أخبرني زكريا بن يحيى،
حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا المبارك بن سعيد، عن موسى الجهني، عن
مصعب بن سعد، عن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يمنع أحدكم أن
يسبح دبر كل صلاة عشرا، ويكبر عشرا، ويحمد عشرا، فذلك في خمس
صلوات خمسون ومئة باللسان، وألف وخمس مئة في الميزان، وإذا أوى
إلى فراشه، سبح ثلاثا وثلاثين، وحمد ثلاثا وثلاثين، وكبر أربعا وثلاثين،
فذلك مئة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين
وخمس مئة سيئة؟! " (1)
وأنبأنيه بعلو أربع درج، أحمد بن سلامة وغيره، عن ابن كليب، أخبرنا
علي بن بيان، حدثنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن
عرفة نحوه.

(1) إسناده صحيح، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود (5065)،
والترمذي (3410)، والنسائي 3 / 74، 75 بنحوه، وإسناده صحيح. وقال الترمذي: حديث
حسن صحيح.
551

164 - أحمد بن أبي سريج * (خ، د، س)
عمر بن الصباح الحافظ العالم، أبو جعفر الرازي.
تلا على الكسائي.
قرأ عليه العباس بن الفضل الرازي.
وسمع من: أبي معاوية، وابن علية، وشعيب بن حرب، ووكيع.
وعنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: صدوق. والبخاري في
" صحيحه " وأبو داود، والنسائي، وأبو بكر بن أبي داود، وآخرون.
وقال النسائي: ثقة.
قلت: توفي سنة بضع وأربعين ومئتين. وكان من أبناء الثمانين.
165 - علي بن خشرم * * (م، ت، س)
ابن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال، الامام الحافظ الصدوق، أبو
الحسن المروزي، ابن أخت بشر الحافي.
سمعه أبو رجاء محمد بن حمدويه، يقول: ولدت سنة ستين ومئة.
سمع عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهشيم بن بشير، وعيسى بن
يونس، وأبا بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، والفضل
ابن موسى السيناني، وأبا تميلة، ووكيعا، وطبقتهم.

* الجرح والتعديل 2 / 56، وفيات الأعيان 1 / 66، 67، تهذيب الكمال، ورقة: 27،
طبقات الشافعية 2 / 25، غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 63، تهذيب التهذيب 1 / 44،
خلاصة تذهيب الكمال: 6.
* * الجرح والتعديل 6 / 184، تهذيب الكمال، ورقة: 968، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1،
تهذيب التهذيب 7 / 316، 317، خلاصة تذهيب الكمال: 273.
552

حدث عنه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، وأبو بكر بن
أبي داود، ومحمد بن يوسف الفربري، ووقع لنا روايته عنه في تعلية
حديث موسى والخضر، فقال: حدثناه علي بن خشرم، حدثنا ابن عيينة،
فذكره. لكن ليس هذا في كل النسخ بالصحيح. وممن حدث عنه محمد بن
معاذ الماليني، وأبو علي بن رزين الباشاني، ومحمد بن المنذر شكر (1)،
ومحمد بن عقيل البلخي، وأبو حامد أحمد بن حمدون الأعمشي، وعدد
كثير.
وانتهى إليه علو الاسناد بما وراء النهر، وبمرو، وهراة.
قال أبو رجاء: سمعته يقول: صمت ثمانية وثمانين رمضانا. قال:
ومات في رمضان سنة سبع وخمسين ومئتين.
166 - أحمد بن بكار * (س)
ابن أبي ميمونة زيد، الأموي، مولاهم الحراني الحافظ، أبو عبد
الرحمن.
روى عن: أبي معاوية، ومخلد بن يزيد، وابن فضيل، ومحمد بن
سلمة، ووكيع، وعدة.
وعنه: النسائي، والباغندي، وأبو عروبة، وجماعة.
قال النسائي: لا بأس به.

(1) هو الحافظ الثقة الرحال، أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي، ولقبه
شكر. مات بهراة سنة 303، انظر ترجمته في " طبقات الحفاظ " ص: 315، و " التذكرة ":
748، 749، وسترد ترجمته في هذا الكتاب.
* تهذيب الكمال، ورقة: 18، تذهيب التهذيب 1 / 8 / 2، تهذيب التهذيب 1 / 19،
خلاصة تذهيب الكمال: 4.
553

قلت: امتنع من الاخذ عن يعلى بن الأشدق، لأنه سمعه يفحش في
خطابه.
توفي سنة 244 في صفر.
167 - الخطمي * (م، ت، س، ق)
الامام الحافظ الثقة القاضي، أبو موسى إسحاق بن موسى بن عبد الله
ابن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري المدني الفقيه، نزيل سامراء،
ثم قاضي نيسابور.
سمع سفيان بن عيينة، وعبد السلام بن حرب، ومعن بن عيسى
القزاز، وجماعة.
حدث عنه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وبقي بن
مخلد، وجعفر الفريابي، وابنه موسى بن إسحاق، وأبو بكر بن خزيمة،
وآخرون.
وكان من أئمة السنة. أطنب أبو حاتم في الثناء عليه.
وقال النسائي وغيره: ثقة.
ويروي الترمذي عنه كثيرا، ويقول: حدثنا الأنصاري. وله حديث
ينفرد به.

* الجرح والتعديل 2 / 235، تاريخ بغداد 6 / 355، 356، تهذيب الكمال، ورقة:
90، 91، تذكرة الحفاظ 2 / 513، العبر 1 / 442، تذهيب التهذيب 1 / 58، الوافي بالوفيات
8 / 427، البداية والنهاية 10 / 346، تهذيب التهذيب 1 / 251، طبقات الحفاظ: 223،
224، خلاصة تذهيب الكمال: 30، شذرات الذهب 2 / 105، غاية النهاية في طبقات القراء
1 / 158.
554

وقال النسائي: حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا
مالك، عن عبد الله بن إدريس، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه
قال: بعث عمر إلى ابن مسعود، وإلى أبي الدرداء، وأبي مسعود، فقال:
ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فحبسهم بالمدينة حتى
استشهد.
هذا حديث غريب.
وكذلك رواه عبد الله بن ناجية وغيره، عن إسحاق الخطمي.
قيل إنه مات بجوسية - بليدة من أعمال حمص - في سنة أربع وأربعين
ومئتين.
وكان ولده موسى بن إسحاق من كبار أئمة الدين.
نجز بعونه تعالى وتوفيقه الجزء الحادي عشر
ويليه الجزء الثاني عشر
وأوله: ترجمة يحيى بن أكثم
555