الكتاب: سير أعلام النبلاء
المؤلف: الذهبي
الجزء: ٢
الوفاة: ٧٤٨
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق: تحقيق وتخريج وتعليق : شعيب الأرنؤوط
الطبعة: التاسعة
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

سير أعلام النبلاء
1

جميع الحقوق محفوظة
لمؤسسة الرسالة
ولا يحق لأية جهة أن تطبع أو نعطي حق الطبع لأحد.
سواء كان مؤسسة رسمية أو إفرادا.
الطبعة التاسعة
1413 ه‍ 1993 م‍
مؤسسة الرسالة بيروت - شارع سوريا - بناية صمدي وصالحة
هاتف: 319039 - 815112 ص. ب: 7460 برقيا، بيوشران
2

سير أعلام النبلاء
تصنيف
الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 ه‍ - 1374 م‍
الجزء الثاني
حقق نصوصه، وخرج أحاديثه، وعلي عليه
شعيب الأرنؤوط
مؤسسة الرسالة
3

بسم الله الرحمن الرحيم
4

بسم الله الرحمن الرحيم
1 - عبادة بن الصامت * (ع)
ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن [عمرو بن
عوف] (1) بن الخزرج، الامام القدوة أبو الوليد الأنصاري، أحد النقباء ليلة
العقبة، ومن أعيان البدريين، سكن بيت المقدس.
حدث عنه أبو أمامة الباهلي، وأنس بن مالك، وأبو مسلم الخولاني
الزاهد، وجبير بن نفير، وجنادة بن أبي أمية، و عبد الرحمن بن عسيلة
الصنابحي، ومحمود بن الربيع، وأبو إدريس الخولاني، وأبو الأشعث
الصنعاني، وابنه الوليد بن عبادة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخالد بن
معدان - ولم يلحقاه، فهو مرسل - وابن زوجته أبو أبي، وكثير بن مرة،
وحطان بن عبد الله الرقاشي، وآخرون.
قال ابن إسحاق في تسمية من شهد العقبة الأولي: عبادة بن الصامت.
شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* مسند أحمد: 5 / 114، طبقات ابن سعد: 3 / 546 و 621، تاريخ خليفة: 168،
التاريخ الكبير: 6 / 92، المعارف: 255، 327، تاريخ الفسوي: 1 / 316، الجرح
والتعديل: 6 / 95، المستدرك: 3 / 354 - 357 الاستبصار: 188 - 189، الاستيعاب:
2 / 807، تاريخ ابن عساكر: عبادة / 8 / 427 / 2، أسد الغابة: 3 / 160، تهذيب الكمال:
655، تاريخ الاسلام: 2 / 118، العبر: 1 / 35، مجمع الزوائد: 9 / 320، تهذيب
التهذيب: 5 / 111 - 112، الإصابة: 5 / 322، خلاصة تذهيب الكمال: 188، كنز
العمال: 13 / 554، شذرات الذهب: 1 / 40 و 62، تهذيب ابن عساكر 7 / 209.
5

محمد بن سابق، حدثنا حشرج بن نباتة، عن موسى بن محمد بن
إبراهيم التيمي: سمع أبا قلابة يقول: حدثني الصنابحي: أن عبادة بن
الصامت حدثه، قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي أصحابك أحب
إليك حتى أحبه؟ قال: " اكتم علي حياتي: أبو بكر الصديق، ثم عمر،
ثم علي ". ثم سكت. فقلت: ثم من يا رسول الله؟ قال: " من موسى أن
يكون إلا الزبير، وطلحة، وسعد، وأبو عبيدة، ومعاذ، وأبو طلحة، وأبو
أيوب، وأنت يا عبادة، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وابن
عوف، وابن عفان; ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان، وصهيب،
وبلال، وعمار (1) ".
قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من
الأنصار: معاذ، وعبادة، وأبي، وأبو أيوب، وأبو الدرداء. فلما كان (2)
عمر، كتب يزيد (3) بن أبي سفيان إليه: إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا
إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم. فقال: أعينوني بثلاثة. فقالوا: هذا
شيخ كبير - لأبي أيوب - وهذا سقيم - لأبي - فخرج الثلاثة إلى الشام. فقال:
ابدؤوا بحمص، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحد إلى دمشق، وآخر إلى
فلسطين (4).

(1) إسناده ضعيف، لضعف موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، ضعفه ابن معين،
وأحمد، وأبو - داود، وأبو - زرعة، وأبو - حاتم، والدارقطني، وقال البخاري: عنده مناكير.
(2) في " تاريخ الاسلام " للمؤلف 2 / 118: فلما استخلف.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ".
(4) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف ".
وإسناده حسن، لكنه مرسل. وأخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 46 في فضائل القرآن:
باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن
ثابت، وأبو زيد، وأبو زيد هذا أحد عمومة أنس. وانظر " فتح الباري " 9 / 47.
6

برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه، أن عبادة
أنكر على معاوية شيئا، فقال: لا أساكنك بأرض، فرحل إلى المدينة، قال
له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره [بفعل معاوية]. فقال [له]: (1) ارحل إلى
مكانك، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك (2).
ابن أبي أويس، عن أبيه، عن الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن
الصامت (3) عن ابن عمه عبادة بن الوليد، قال: كان عبادة بن الصامت مع
معاوية، فأذن يوما، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة
بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية، فقال له عبادة:
إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، على السمع والطاعة في
منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثره علينا، وألا ننازع الامر أهله، وأن نقوم
بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لاثم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا
رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب " (4).

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
(2) رجاله ثقات.
(3) كذا الأصل، ولم أقف له على ترجمة في كتب الجرح والتعديل، وربما يكون محرفا عن
" النعمان " بدل " الوليد " ففي " الجرح والتعديل " 8 / 447: النعمان بن داود بن محمد بن عبادة
ابن الصامت الأنصاري: روى عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، روى عنه أبو نعيم،
سمعت أبي يقول ذلك.
(4) ورجاله ثقات خلا الوليد بن داود بن محمد فإنني لم أعرفه، وأخرج أحمد 5 / 314
و 316، والبخاري 13 / 167 في الاحكام: باب كيف يبايع الناس الامام، والنسائي 7 / 137،
138 في أول البيعة من طريق عبادة بن الوليد، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم (أي ليلة العقبة) على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط المكره، وأن لا ننازع
الامر أهله، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لاثم. وثمة بيعة أخرى،
رواها عبادة، تمت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة، أخرجها البخاري
12 / 74، ومسلم (1709) كلاهما في الحدود: باب الحدود كفارة، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مجلس، فقال: " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس
التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم، فأجره على الله، من أصحاب شيئا من ذلك، فعوقب
به. فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك، فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه،
وإن شاء عذبه " وفي رواية: فتلا علينا آية النساء، وفي رواية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ
على النساء. وانظر " الفتح " 1 / 60، 65، وأما حديث " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم
التراب ": فأخرجه مسلم (3002) في الزهد والرقائق، وأحمد 6 / 5، والترمذي (2393)،
وابن ماجة (3742)، وأبو داود (4804)، من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وأخرجه
احمد 2 / 94 من حديث ابن عمر، وأخرجه أبو أحمد الحاكم في " الكنى " من حديث أنس،
والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو.
قال الخطابي: المداحون: هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة، وجعلوه بضاعة يستأكلون به
الممدوح، ويفتونه، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والامر المحمود، يكون منه ترغيبا
له في أمثاله، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه، فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحا
بما تكلم به من جميل القول فيه، وقد استعمل المقداد الحديث على ظاهره. وحمله على وجهه
في تناول عين التراب بيده، وحثيه في وجه المادح. وقد يتأول أيضا على وجه آخر، وهو أن
يكون معناه: الخيبة والحرمان، أي من تعرض لكم بالثناء والمدح، فلا تعطوه، واحرموه كنى
بالتراب عن الحرمان.
7

يحيى القطان: حدثنا ثور بن يزيد، حدثنا (1) مالك بن شرحبيل،
قال: قال عبادة بن الصامت: ألا تروني لا أقوم إلا رفدا (2)، ولا آكل إلا
مالوق - يعني: لين وسخن - وقد مات صاحبي منذ زمان - يعني ذكره - وما
يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي، وإن لي ما تطلع عليه الشمس، مخافة
أنى يأتي الشيطان، فيحركه، على أنه لاسمع ولا بصر (3).
إسماعيل بن عياش، عن ابن خثيم، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن

(1) تحرفت في المطبوع إلى " بن ".
(2) الرفد: الإعانة، والمعنى: أنه لا يستطيع القيام إلا أن يعان عليه.
(3) رجاله ثقات خلا مالك بن شرحبيل، فإنه لم يوثق، وهو مترجم في " تاريخ البخاري "
7 / 314 و " الجرح والتعديل " 8 / 210.
8

رفاعة، قال: كتب معاوية إلى عثمان: إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي
الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام.
فكتب إليه: أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة.
قال: فدخل على عثمان، فلم يفجأه إلا به وهو معه في الدار، فالتفت
إليه، فقال: يا عبادة ما لنا ولك؟ فقال عبادة بين ظهراني الناس، فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما
تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلوا
بربكم " (1).
يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة،

(1) إسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن عياش في روايته عن غير أهل بلده، وهذا منها،
وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 325 بنحوه من طريق الحكم بن نافع، عن أبي اليمان، عن
إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن خثيم به، وذكره الهيثمي في " المجمع " 5 / 226، وقال:
رواه أحمد بطوله، ولم يقل: عن إسماعيل، عن أبيه، ورواه عبد الله، فزاد عن أبيه، وكذلك
الطبراني، ورجالهما ثقات إلا أن إسماعيل بن عياش رواه عن الحجازيين، وروايته عنهم
ضعيفة.
وأما قوله: سيلي أموركم بعدي... الخ الحديث، فصحيح، أخرجه عبد الله ابن الإمام
أحمد في " زوائد المسند " 5 / 329 من طريق سويد بن سعيد، عن يحيى بن سليم، عن ابن
خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه عبيد، عن عبادة بن الصامت، وأخرجه الحاكم
3 / 356، من طريق عبد الله بن واقد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن
جابر، عن عبادة.
وأخرجه أيضا من طريق سعيد بن منصور، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن إسماعيل بن
عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن عبادة، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أحمد 1 / 399،
400، وابن ماجة (2865) بسند قوي، ولفظه: " سيلي أموركم بعدي رجال يطفؤون السنة،
ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها " فقلت: يا رسول الله: إن أدركتهم، كيف
أفعل؟ قال: " تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لاطاعة لمن عصى الله ".
9

عن أبيه: أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة (1)، وهو بالشام، تحمل
الخمر، فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا، بل خمر يباع لفلان. فأخذ شفرة
من السوق، فقال إليها، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها - وأبو هريرة إذ ذاك
بالشام - فأرسل فلان إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة، أما
بالغدوات، فيغدو إلى السوق يفسد (2) على أهل الذمة متاجرهم، وأما
بالعشي، فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا!
قال: فأتاه أبو هريرة، فقال: يا عبادة، مالك ولمعاوية؟ ذره وما
حمل. فقال: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة، والامر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا يأخذنا في الله لومة لاثم. فسكت أبو
هريرة، وكتب فلان إلى عثمان: إن عبادة قد أفسد علي الشام (3).
الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة: أن عبادة بن الصامت مر
بقرية دمر (4)، فأمر غلامه أن يقطع له سواكا من صفصاف على نهر بردى،
فمضى ليفعل. ثم قال له: ارجع فإنه إن لا يكن بثمن، فإنه ييبس،
فيعود حطبا بثمن.
وعن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن
أبيه، قال: كان عبادة رجلا طوالا جسيما جميلا. مات بالرملة سنة أربع
وثلاثين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

(1) القطارة والقطار: أن تشد الإبل على نسق، واحد خلف واحد.
(2) في الأصل: مفسد.
(3) إسناده محتمل للتحسين.
(4) قرية من غوطة دمشق الغربية تبعد عنها ستة أميال.
10

قال ابن سعد: وسمعت من يقول: إنه بقي حتى توفي زمن معاوية في
خلافته (1).
وقال يحيى بن بكير وجماعة: مات سنة أربع وثلاثين. وقال ضمرة،
عن رجاء بن أبي سلمة، قال: قبر عبادة ببيت المقدس، وقال الهيثم بن
عدي: مات سنة خمس وأربعين رضي الله عنه.
قلت: ساق له بقي في مسنده مئة وأحدا وثمانين حديثا، وله في
البخاري ومسلم ستة، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين (2).
2 - عبد الله بن حذافة * (س)
ابن قيس بن عدي، أبو حذافة السهمي. أحد السابقين. هاجر إلى
الحبشة، ونفذه النبي صلى الله عليه وسلم رسولا إلى كسرى (3). وله رواية يسيرة.

(1) لفظ " الطبقات " 3 / 546: حتى توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالشام.
(2) انظر البخاري 1 / 104 في الايمان: باب خوف المؤمن أن يحبط عمله، و 3 / 33 في
التهجد، و 1 / 60 في الايمان، ومسلم (1709) في الحدود، والبخاري 6 / 342، ومسلم (28
و 29) في الايمان، والبخاري 12 / 330 في التعبير، ومسلم (2264) في الرؤيا. والبخاري
11 / 311 في الرقاق، ومسلم (2683) في الذكر والدعاء، والبخاري 2 / 200 في صفة
الصلاة، ومسلم (394) في الصلاة. ومسلم (1690) في الحدود، و (1587) في المساقاة،
و (2335) في الفضائل.
* مسند أحمد: 3 / 450، طبقات ابن سعد: 4 / 189، طبقات خليفة: 26، تاريخ
خليفة: 142، التاريخ الكبير: 5 / 8، المعارف: 135، تاريخ الفسوي: 1 / 252، الجرح
والتعديل: 5 / 29، المستدرك: 3 / 630 - 631، الاستيعاب: 3 / 888، ابن عساكر: 9 /
55 / 2، أسد الغابة: 3 / 211، تهذيب الكمال: 674، تاريخ الاسلام: 2 / 87، 88،
تهذيب التهذيب: 5 / 185، الإصابة: 6 / 54، خلاصة تذهيب الكمال: 194، كنز العمال:
13 / 490.
(3) أخرج ابن سعد 4 / 189، والبخاري 8 / 96 في المغازي: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
كسرى وقيصر، وأحمد 1 / 243 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن
كيسان قال: قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن ابن عباس أخبره: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم
البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه خرقه، قال الزهري: فدعا عليهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.
11

خرج إلى الشام مجاهدا، فأسر على قيسارية، وحملوه إلى طاغيتهم،
فراوده عن دينه، فلم يفتتن.
حدث عنه سليمان بن يسار، وأبو وائل، ومسعود بن الحكم، وأبو
سلمة بن عبد الرحمن.
قال البخاري: حديثه مرسل. وقال أبو بكر بن البرقي: الذي حفظ عنه
ثلاثة أحاديث ليست بمتصلة.
وقال أبو سعيد بن يونس، وابن مندة: شهد بدرا.
يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة: أن عبد الله بن حذافة قام
يصلي، فجهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا ابن حذافة، لا تسمعني وسمع
الله " (1).
محمد بن عمرو، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، أن أبا سعيد قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، عليهم علقمة بن مجزز، وأنا فيهم، فخرجنا،
حتى إذا كنا ببعض الطريق، استأذنه طائفة. فأذن لهم، وأمر عليهم عبد
الله بن حذافة، وكان من أهل بدر، وكانت فيه دعابة. فبينا نحن في
الطريق، فأوقد القوم نارا يصطلون بها، ويصنعون عليها صنيعا لهم، إذ
قال: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى. قال: فإني أعزم
عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار، فقام ناس، فتحجزوا (2)،

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 190، ورجاله ثقات.
(2) أي: شدوا أوساطهم فعل من يتهيأ.
12

حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها قال: أمسكوا، إنما كنت أضحك معكم.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكروا ذلك له. فقال: " من أمركم
بمعصية فلا تطيعوه " (1).
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ورواه ابن المنكدر عن عمر بن الحكم،
فأرسله.
ثابت البناني، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سلوني ". فقال رجل
من أبي يا رسول الله؟ قال: " أبوك حذافة " (2).

(1) وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 67، وابن ماجة (2863) في الجهاد: باب
في معصية الله، وابن خزيمة، وصححه ابن حبان (1552)، والحاكم 3 / 630، 631، من
طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن الحكم، عن أبي سعيد الخدري، وقال
البوصيري في " الزوائد " ورقة 183: إسناده صحيح، وأشار إليه البخاري في " صحيحه " 8 / 46
في المغازي في الترجمة، فقال: باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي، وعلقمة بن مجزز
المدلجي.
وانظر " الطبقات " 2 / 163، وابن هشام 2 / 640، وشرح المواهب، 3 / 49، 50. وأخرج
البخاري في " صحيحه " 8 / 191 في التفسير، ومسلم (1834) في الامارة: باب وجوب طاعة
الامراء في غير معصية، وأحمد (3124) من حديث ابن عباس في قوله تعالى * (أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، إذ بعثه
النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 1 / 169 في العلم: باب من برك على ركبتيه عند الامام
أو المحدث، و 2 / 17 في المواقيت: باب وقت الظهر عند الزوال، و 13 / 230 في الاعتصام:
باب ما يكره من كثرة السؤال، ومسلم (2359) في الفضائل: باب توقيره صلى الله عليه وسلم من طريق أبي
اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس، فصلى
الظهر، فلما سلم، قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال:
" من أحب أن يسأل عن شئ، فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شئ، إلا أخبرتكم به، ما
دمت في مقامي هذا "، قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول:
" سلوني " فقال أنس: فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: " النار " فقام عبد
الله بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: " أبوك حذافة " قال: ثم أكثر أن يقول:
" سلوني سلوني " فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم
رسولا. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولى،
والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر
كاليوم في الخير والشر ".
13

عبد الله بن معاوية الجمحي: حدثنا عبد العزيز القسملي: حدثنا ضرار
ابن عمرو، عن أبي رافع، قال: وجه عمر جيشا إلى الروم، فأسروا عبد
الله بن حذافة، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب
محمد. فقال: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو
أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما تملك، وجميع ملك العرب، ما
رجعت عن دين محمد طرفة عين. قال: إذا أقتلك. قال: أنت وذاك.
فأمر به، فصلب، وقال للرماة: ارموه قريبا من بدنه، وهو يعرض عليه،
ويأبى، فأنزله. ودعا بقدر، فصب فيها ماء حتى احترقت، ودعا بأسيرين
من المسلمين، فأمر بأحدهما، فألقي فيها، وهو يعرض عليه النصرانية،
وهو يأبى. ثم بكى. فقيل للملك: إنه بكى. فظن أنه قد جزع، فقال:
ردوه. ما أبكاك؟ قال: قلت: هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب،
فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في الله.
فقال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
فقال له عبد الله: وعن جميع الأسارى؟ قال: نعم. فقبل رأسه.
وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره. فقال عمر: حق على كل
مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة، وأنا أبدا. فقبل رأسه (1).

(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقي، وكذا الحافظ في " الإصابة "، وله
شاهد من حديث ابن عباس، موصولا عند ابن عساكر، وابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 212،
وقد ظن الأستاذ الأبياري أن ضرار بن عمرو كما في الأصل تحريف، فأبدله إلى ضرار بن مرة،
فأخطأ في ظنه، وضرار بن عمرو هذا مترجم في " الجرح والتعديل " 4 / 465، " والتاريخ
الكبير " للبخاري 4 / 340.
14

الوليد بن مسلم: حدثنا أبو عمرو، ومالك بن أنس: أن أهل قيسارية
أسروا ابن حذافة، فأمر به ملكهم، فجرب بأشياء صبر عليها. ثم جعلوا له
في بيت معه الخمر ولحم الخنزير ثلاثا لا يأكل، فاطلعوا عليه، فقالوا
للملك: قد انثنى عنقه، فإن أخرجته وإلا مات. فأخرجه، وقال: ما منعك
أن تأكل وتشرب؟
قال: أما إن الضرورة كانت قد أحلتها لي، ولكن كرهت أن أشمتك
بالاسلام. قال: فقبل رأسي، وأخلي لك مئة أسير. قال: أما هذا،
فنعم.
فقبل رأسه، فخلى له مئة، وخلى سبيله.
وقد روى ابن عائذ قصة ابن حذافة فقال: حدثنا الوليد بن محمد: أن
ابن حذافة أسر. فذكر القصة مطولة، وفيها: أطلق له ثلاث مئة أسير،
وأجازه بثلاثين ألف دينار، وثلاثين وصيفة، وثلاثين وصيفا.
ولعل هذا الملك قد أسلم سرا. ويدل على [ذلك] مبالغته في إكرام
ابن حذافة.
وكذا القول في هرقل إذ عرض على قومه الدخول في الدين، فلما
خافهم قال: إنما كنت أختبر شدتكم في دينكم.
فمن أسلم في باطنه هكذا، فيرجى له الخلاص من خلود النار; إذ قد
حصل في باطنه إيمانا ما (1) وإنما يخاف أن يكون قد خضع للاسلام
وللرسول، وأعتقد أنهما حق، مع كون أنه على دين صحيح، فتراه يعظم
للدينين، كما قد فعله كثير من المسلمانية الدواوين (2)، فهذا لا ينفعه

(1) تحرفت في المطبوع إلى " إيمان ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " الدوارين ".
15

الاسلام حتى يتبرأ من الشرك.
مات ابن حذافة في خلافة عثمان رضي الله عنهم.
3 - أبو رافع * (ع)
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. من قبط مصر. يقال: اسمه إبراهيم. وقيل:
أسلم.
كان عبدا للعباس فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم. فلما أن بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام
العباس أعتقه.
روى عدة أحاديث.
روى عنه ولده عبيد الله بن أبي رافع، وحفيده الفضل بن عبيد الله، وأبو
سعيد المقبري، وعمرو بن الشريد، وجماعة كثيرة، وروى عنه: علي
ابن الحسين وما كأنه شافهه.
شهد غزوة أحد، والخندق. وكان ذا علم وفضل.
توفي في خلافة علي. وقيل: توفي بالكوفة سنة أربعين. رضي الله
عنه.
وقيل: إنه أوصى إلى علي، فكان علي يزكي أموال بني أبي رافع وهم أيتام.
قال بكير بن الأشج: أخبرت أنه كان قبطيا.

* مسند أحمد: 6 / 8 و 390، طبقات ابن سعد: 4 / 73 - 75، التاريخ لابن معين: 704،
المعارف: 145، 146، الجرح والتعديل: 2 / 149، معجم الطبراني الكبير: 1 / 286،
المستدرك: 3 / 597، الاستيعاب: 4 / 1656، أسد الغابة 1 / 52، تهذيب الكمال:
1603، تذهيب التهذيب 4 / 212 / 2، تهذيب التهذيب: 12 / 92 - 93، الإصابة: 11 /
128، 129، خلاصة تذهيب الكمال: 449.
16

شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
رجلا على الصدقة، فقال لأبي رافع: انطلق معي فنصيب منها. قلت:
حتى أستأذن رسول الله، فاستأذنته، فقال: " يا أبا رافع، إن مولى القوم من
أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة " (1).
قال سليمان بن يسار: قال أبو رافع: لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل
الأبطح حين خرج من منى، ولكني جئت فنزلت، فجاء فنزل (2).
4 - صحيب بن سنان * (ع)
أبو يحيى النمري. من النمر بن قاسط. ويعرف بالرومي; لأنه أقام
في الروم مدة. وهو من أهل الجزيرة، سبي من قرية نينوى، من أعمال

(1) وأخرجه أحمد: 6 / 8 و 10 و 39، وأبو داود (1650) في الزكاة: باب الصدقة على بني
هاشم. الترمذي (657) في الزكاة: باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته
ومواليه. والنسائي (507) في الزكاة: باب مولى القوم منهم، وقال الترمذي: حديث حسن
صحيح، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان. والحاكم 1 / 204، ووافقه الذهبي، وهو كما
قالوا.
(2) أخرجه مسلم (1313) في الحج: باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة
به، وأبو داود (2009) في المناسك: باب التحصيب، من طرق عن سفيان بن عيينة، عن
صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع.
والأبطح: ما انبطح من الوادي واتسع: يضاف إلى مكة وإلى منى، لان المسافة بينه وبينهما
واحدة وربما كان إلى منى أقرب، ويقال له المحصب والمعرس. وانظر اختلاف العلماء في
النزول بالمحصب في " فتح الباري " 3 / 471.
* مسند أحمد: 4 / 332 و 6 / 15، طبقات ابن سعد: 3 / 226، طبقات خليفة: 19،
62، التاريخ الكبير: 4 / 315، الجرح والتعديل: 4 / 444، معجم الطبراني: 8 / 33،
53، المستدرك: 3 / 397 - 402، الاستيعاب: 5 / 147، ابن عساكر: 8 / 186 / 2، أسد
الغابة: 3 / 36، تهذيب الكمال: 613، تاريخ الاسلام: 2 / 185، 186، العبر: 1 / 44،
مجمع الزوائد: 9 / 305، تهذيب التهذيب: 4 / 438 - 439، الإصابة: 5 / 160، خلاصة
تذهيب الكمال: 175، كنز العمال: 13 / 437، شذرات الذهب: 1 / 47.
سير 2 / 2
17

الموصل. وقد كان أبوه، أو عمه، عاملا لكسرى. ثم إنه جلب إلى
مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التيمي. ويقال: بل هرب، فأتى
مكة، وحالف ابن جدعان.
كان من كبار السابقين البدريين.
حدث عنه بنوه: حبيب، وزياد (1)، وحمزة; وسعيد بن المسيب،
وكعب الحبر، و عبد الرحمن بن أبي ليلى، وآخرون.
روى أحاديث معدودة. خرجوا له في الكتب; وكان فاضلا وافر
الحرمة. له عدة أولاد.
ولما طعن عمر استنابه على الصلاة بالمسلمين إلى أن يتفق أهل
الشورى على إمام. وكان موصوفا بالكرم، والسماحة، رضي الله عنه.
مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين، وكان ممن اعتزل الفتنة،
وأقبل على شأنه. رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن عساكر: صهيب بن سنان بن مالك بن عبد (2) عمرو
ابن عقيل بن عامر، أبو يحيى - ويقال: أبو غسان - النمري الرومي
البدري المهاجري.
روى عنه بنوه، وابن عمر، وجابر، وابن المسيب، وعبيد بن عمير،
وابن أبي ليلى. وبنوه الثمانية: عثمان، وصيفي، وحمزة، وسعد،
وعباد، وحبيب، وصالح، ومحمد.

(1) زياد هو ابن صيفي فهو ابن ابنه لا ابنه.
(2) تحرفت في المطبوع إلى عبيد.
18

وذكره ابن سعد، فسرد نسبه إلى أسلم بن أوس مناة بن النمر بن
قاسط، من ربيعة. حليف عبد الله بن جدعان التيمي القرشي.
وأمه: سلمى بنت قعيد. وكان رجلا أحمر، شديد الحمرة، ليس
بالطويل.
وذكر شباب (1) نسبه إلى النمر، بزيادة آباء، وحذف آخرين. وكذا
فعل أحمد بن البرقي.
عن حمزة بن صحيب عن أبيه قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم: أبا يحيى (2).
عن صيفي بن صهيب [عن أبيه]، قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن
يوحى إليه (3).
وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن أبيه: قال عمار: لقيت صحيبا
على باب دار الأرقم، وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلنا، فعرض علينا
الاسلام: فأسلمنا. ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا، فخرجنا ونحن
مستخفون (4).
روى يونس، عن الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صهيب سابق
الروم " (5).

(1) شباب: لقب خليفة بن خياط، وقد تصحف في المطبوع إلى ابن شهاب، انظر " طبقات
خليفة " (ص 62).
(2) " طبقات ابن سعد " 3 / 227.
(3) هو في " المستدرك " 3 / 400.
(4) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 227) من طريق الواقدي. هو متروك.
(5) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 226 وإسناده ضعيف لارساله.
19

وجاء هذا بإسناد جيد من حديث أبي أمامة وجاء من حديث أنس، وأم
هانئ (1).
قال المجاهد: أول من أظهر الاسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر،
وبلال، وخباب، وصهيب... مختصر (2).
قال أبو عمر بن عبد البر: كان أبو صهيب، أو عمه: عاملا لكسرى
على الأبلة، وكانت منازلهم بأرض الموصل (3)، فأغارت الروم عليهم،
فسبت صهيبا وهو غلام، فنشأ بالروم. ثم اشترته كلب، وباعوه بمكة لعبد
الله بن جدعان، فأعتقه.
وأما أهله فيزعمون أنه هرب من الروم، وقدم مكة (4).
مصعب بن عبد الله، عن أبيه، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن
أسلم، عن أبيه، قال: خرجت مع عمر حتى دخل حائطا لصهيب. فلما رآه
صهيب، قال: يا ناس! يا أناس! فقال عمر: ما له يدعو الناس؟ قلت:
بل هو غلام له يدعى يحنس (5). فقال له عمر: لولا ثلاث خصال فيك يا

(1) أما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني، وحسن إسناده الهيثمي، وأما حديث أنس،
فرواه الطبراني أيضا، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير عمارة بن زاذان، وهو ثقة وفيه
خلاف، وذكره ابن الأثير في " أسد الغابة " 3 / 37 وأما حديث أم هانئ فرواه الطبراني، وفيه كما
قال الهيثمي فائد العطار، وهو متروك " مجمع الزوائد " 9 / 305.
(2) أخرجه ابن سعد من طريق منصور عن مجاهد، وذكره ابن عساكر من طريق ابن أبي
شيبة، وهو في " أسد الغابة " 3 / 380.
(3) زاد في الاستيعاب: في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل.
(4) الاستيعاب: 5 / 149.
(5) قال ابن الأثير في " أسد الغابة " وإنما قال ذلك لعقدة في لسانه.
20

صهيب... الحديث (1).
الواقدي: حدثنا عثمان بن محمد، عن عبد الحكم بن صهيب، عن
عمر بن الحكم، قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول،
وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول، في قوم من المسلمين، حتى
نزلت: * (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) * [النحل:
110] (2).
قال مجاهد: فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه، وأما أبو بكر فمنعه
قومه. وأخذ الآخرون - سمى منهم صهيبا - فألبسوهم أدراع الحديد،
وصهروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ; فأعطوهم ما
سألوا يعني: التلفظ بالكفر فجاء كل رجل قومه بأنطاع فيها الماء،
فألقوهم فيها، إلا بلالا.

(1) وتمامه: ما قدمت عليك أحدا أراك تنتسب عربيا ولسانك أعجمي، وتكتني بأبي يحيى،
وتبذر مالك، فقال: أما تبذيري مالي، فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى، فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى فلن أتركها، وأما انتمائي إلى العرب، فإن الروم سبتني صغيرا،
فأخذت لسانهم، وأنا رجل من النمر بن قاسط.
ورجاله ثقات خلا عبد الله والد مصعب فإنه لم يوثقه غير ابن حبان، وضعفه ابن معين،
وأخرجه بنحوه ابن سعد 3 / 226، 227 من طريق عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن
عقيل، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه..
وانظر " أسد الغابة " 3 / 39، و " الإصابة " 5 / 162، وتهذيب ابن عساكر 6 / 455.
(2) الخبر في " طبقات ابن سعد " 3 / 248، وقد ورد نص الآية فيها، وفي الأصل وفي الإصابة
هكذا * (والذين هاجروا في الله من بعدما فتنوا) * وهي علاوة على كونها خطأ، وصوابها * (من بعد
ما ظلموا) * ليست هي الآية التي نزلت في حق هؤلاء، وإنما هي ما أثبتناه، وما أدري كيف خفي
هذا على المؤلف وغيره، أما السيوطي فقد نقل الخبر في " الدر المنثور " 4 / 132 عن ابن سعد في
بيان سبب نزول الآية التي أثبتناها.
21

الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: * (ومن الناس من يشري
نفسه) * [البقرة: 207] نزلت في صهيب، ونفر من أصحابه، أخذهم أهل
مكة يعذبونهم; ليردوهم إلى الشرك (1).
أحمد في " مسنده ": حدثنا أسباط: حدثنا أشعث، عن كردوس، عن
ابن مسعود، قال: مر الملا من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده
خباب، وصهيب، وبلال، وعمار، فقالوا: أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم
القرآن: * (وأنذر به الذين يخافون) * إلى قوله * (والله أعلم بالظالمين) *
[الانعام: 51، 58] (2).
عوف الأعرابي، عن أبي عثمان: أن صهيبا حين أراد الهجرة، قال له
أهل مكة: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فتغير حالك! قال: أرأيتم إن تركت
مالي، أمخلون أنتم سبيلي؟ قالوا: نعم. فخلع لهم ماله. فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ربح صهيب! ربح صهيب "! (3).
يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا حصين بن حذيفة (4) بن صيفي حدثنا

(1) إسناده ضعيف لضعف الكلبي وأبي صالح، وانظر " طبقات ابن سعد " 3 / 288.
(2) هو في " المسند " 1 / 420، ورجاله ثقات غير كردوس بن عباس التغلبي أو الثعلبي لم
يوثقه غير ابن حبان، وهو مترجم في " التاريخ الكبير " للبخاري 7 / 242، 243 ومع ذلك فقد قال
الهيثمي في " المجمع " 7 / 21 بعد أن نسبه لأحمد والطبراني: ورجال أحمد رجال الصحيح غير
كردوس، وهو ثقة. وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 12 وزاد نسبته إلى ابن جرير وابن
أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في " الحلية ". وسقط من المطبوع لفظة
" به " من الآية.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 227، 228 من طريق هوذة بن خليفة عن عوف، عن أبي عثمان
النهدي قال: " بلغني " ورجاله ثقات.
(4) مترجم في " الجرح والتعديل " 3 / 191، وهو مجهول، وقد تصحف في المطبوع إلى
" حصن ".
22

أبي وعمومتي، عن سعيد بن المسيب، عن صهيب، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة! فإما أن تكون هجر، أو
يثرب (1).
قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد كنت هممت (2) بالخروج
معه، فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد، فقالوا:
قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكيا - فناموا، فذهبت، فلحقني ناس
منهم على بريد. فقلت لهم: أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوني؟ ففعلوا،
فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب (3) تجدوها، وخذوا من فلانة
الحلتين. وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فلما رآني، قال:
" يا أبا يحيى، ربح البيع "! ثلاثا. فقلت: ما أخبرك إلا جبريل.
حماد بن سلمة: حدثنا علي بن زيد، عن ابن المسيب، قال: أقبل
صهيب مهاجرا، واتبعه نفر، فنزل عن راحلته، ونثل كنانته، وقال: لقد
علمتم أني من أرماكم، وأيم الله لا تصلون إلى حتى أرمي بكل سهم معي،
ثم أضربكم بسيفي، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي؟ قالوا
نفعل. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع أبا يحيى! ونزلت: * (ومن
الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) * (4).

(1) ذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 178، ونسبه إلى البيهقي، وسكت عليه، وأخرج
البخاري: 6 / 461 و 12 / 369، من حديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أني
أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب.
(2) سقطت من المطبوع لفظة (كنت) وحرفت هممت إلى همت.
(3) أسكفة الباب: هي خشبة الباب التي يوطأ عليها.
(4) أخرجه ابن سعد في " الطبقات ": 3 / 228. وعلي بن زيد ضعيف.
23

وقال مصعب الزبيري: هرب صهيب من الروم بمال، فنزل مكة،
فعاقد ابن جدعان. وإنما أخذته الروم من نينوى.
عبد الحكيم بن صهيب، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن صهيب،
قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، وقد رمدت في الطريق وجعت، وبين
يديه رطب، فوقعت فيه. فقال عمر: يا رسول الله: ألا ترى صهيبا يأكل
الرطب وهو أرمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي ذلك. قلت: إنما آكل على شق عيني
الصحيحة. فتبسم (1).
ذكر عروة، وموسى بن عقبة وغيرهما: صهيبا فيمن شهد بدرا.
أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي، حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن
صيفي، عن أبيه، عن جده، عن أبي جده، عن صهيب: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحب صهيبا حب الوالدة
لولدها " (2).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائذ بن عمرو أن

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 288 من طريق الواقدي، عن عبد الله بن جعفر، عن
عبد الحكيم بن صهيب، وأخرجه ابن ماجة (3443) في الطب: باب الحمية، من طريق عبد
الرحمن بن عبد الوهاب، عن موسى بن إسماعيل، عن ابن المبارك، عن عبد الحميد بن
صيفي، عن أبيه، عن جده صهيب قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين يديه خبز وتمر. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " ادن فكل " فأخذت آكل من التمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تأكل تمرا وبك رمد "؟ قال
فقلت: إني أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنده حسن، وقال البوصيري في
" الزوائد " 2 / 213: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2) إسناده ضعيف، يوسف بن محمد: قال المؤلف في " ميزان الاعتدال " قال البخاري:
فيه نظر، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في ثقاته، ثم أورد هذا الحديث في جملة
ما أنكر عليه.
24

سلمان، وصهيبا، وبلالا، كانوا قعودا، فمر بهم أبو سفيان، فقالوا: ما
أخذت سيوف الله من عتق عدو الله مأخذها بعد. فقال أبو بكر: أتقولون هذا
لشيخ قريش وسيدها؟ قال: فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا أبا بكر،
لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك ". فرجع إليهم،
فقال: أي إخواننا، لعلكم غضبتم؟ قالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك (1).
عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه، قال:
قال عمر لصهيب: أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك! قال: وما هن؟
قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم! وفيك
سرف في الطعام قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأنا من النمر بن
قاسط، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي. وأما قولك
في سرف الطعام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خيركم من أطعم
الطعام " (2).
وروى محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن
حاطب، عن أبيه: أن عمر قال لصهيب: لولا ثلاث فيك؟ وبعضهم يرويه
بحذف " عن أبيه " وزاد: ولو انفلقت عني (3) روثة لانتسبت إليها.
وحماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم: أن عمر قال لصهيب: لولا ثلاث

(1) أخرجه مسلم (2504) في فضائل الصحابة، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال
رضي الله عنهم.
(2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات ": 3 / 226 وقد تقدم في الصفحة 21 تعليق (1).
(3) تحرفت في المطبوع إلى " عن "
25

خصال. قال: وما هن؟ فوالله ما تزال تعيب شيئا. قال: اكتناؤك وليس لك
ولد; وادعاؤك إلى النمر بن قاسط، وأنت رجل ألكن (1); وأنك لا تمسك
المال.... الحديث. وفيه: واسترضع لي بالأبلة (2)، فهذه من ذاك.
وأما المال، فهل تراني أنفق إلا في حق؟
وروى سالم، عن أبيه: أن عمر قال: إن حدث بي حدث فليصل
بالناس صهيب، ثلاثا، ثم أجمعوا أمركم في اليوم الثالث.
قال الواقدي: مات صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين عن
سبعين سنة. وكذلك قال المدائني وغيره في وفاته.
وقال المدائني: عاش ثلاثا وسبعين سنة.
وقال الفسوي: عاش أربعا وثمانين سنة. رضي الله عنه.
له نحو من ثلاثين حديثا. روى له مسلم منها ثلاثة أحاديث (3).

(1) الألكن: الذي لا يقيم العربية من عجمة في لسانه.
(2) الأبلة: بضم الهمزة والباء واللام المشددة المفتوحة: بلدة بالعراق بينها و بين البصرة
أربعة فراسخ، وهي أقدم من البصرة، لان البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب، وكانت
الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى.
(3) الأول: عنده برقم (181) في الايمان ولفظه: " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله
تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من
النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ".
والثاني: برقم (2999) في الزهد والرقائق، ولفظه: " عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله
خير، وليس ذاك لاحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء
صبر، فكان خيرا له ".
والثالث: برقم (3005) في الزهد والرقائق أيضا، وهو حديث طويل يذكر فيه قصة
أصحاب الأخدود.
26

5 - أبو طلحة الأنصاري * (ع)
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بني أخواله، وأحد أعيان البدريين،
وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة.
واسمه: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي
ابن عمرو بن مالك بن النجار، الخزرجي النجاري.
له أحاديث.
روى عنه ربيبه: أنس بن مالك، وزيد بن خالد الجهني، وابن
عباس، وابنه أبو إسحاق عبد الله بن أبي طلحة.
وكان قد سرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وهو الذي كان لا يرى بابتلاع البرد للصائم بأسا. ويقول: ليس بطعام
ولا شراب (2).

* مسند أحمد: 4 / 28، طبقات ابن سعد: 3 / 504، طبقات خليفة: 88، تاريخ خليفة:
166، التاريخ الكبير: 3 / 381، المعارف: 166، 308، تاريخ الفسوي: 1 / 300،
الجرح والتعديل: 3 / 564، معجم الطبراني: 5 / 91، المستدرك: 3 / 351 - 354،
الاستبصار: 50، الاستيعاب: 2 / 553، ابن عساكر: 6 / 305 / 1، جامع الأصول: 9 /
73 - 77، أسد الغابة: 2 / 289، تهذيب الكمال: 457، تاريخ الاسلام: 2 / 119، العبر:
1 / 35، مجمع الزوائد: 9 / 312، تهذيب التهذيب: 3 / 414 - 415، الإصابة: 4 / 55،
خلاصة تذهيب الكمال: 128، شذرات الذهب: 1 / 40، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6 / 4 -
12.
(1) الطبراني في " الكبير " 5 / 93 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس.
(2) أخرجه أحمد 3 / 279 من طريق عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة
وحميد، عن أنس، قال: مطرنا بردا، وأبو طلحة صائم، فجعل يأكل منه، قيل له: أتأكل
وأنت صائم! فقال: إنما هذا بركة. هذا إسناد صحيح، وهذا اجتهاد من أبي طلحة. والجمهور
على خلافه فقد قال البزاز عقب إخراجه للحديث في مسنده برقم (1022) لا نعلم هذا الفعل إلا
عن أبي طلحة.
27

وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صوت أبي طلحة في الجيش خير
من فئة " (1). ومناقبه كثيرة.
قيل: إنه غزا بحر الروم، فتوفي في السفينة. والأشهر: أنه مات
بالمدينة، وصلى عليه عثمان في سنة أربع وثلاثين. رضي الله عنه.
ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: كان أبو طلحة، ومعاذ، وأبو
عبيدة، يشربون بالشام الطلاء: ما طبخ على الثلث وذهب ثلثاه (2).
قلت: هو الدبس.
وذكر عروة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق: أن أبا طلحة ممن شهد
العقبة وبدرا.

(1) أخرجه أحمد 3 / 203 من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت
عن أنس وإسناده صحيح. وأخرجه ابن سعد، في " الطبقات " 3 / 505 من طريق
سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر أو عن أنس بن مالك بلفظ: " خير من
الف رجل ". وإسناده حسن في الشواهد.
(2) أخرجه أبو مسلم الكجي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة من طريق قتادة، عن
أنس، وإسناده صحيح، والطلاء: بكسر الطاء: هو الدبس شبه بطلاء الإبل وهو القطران الذي
يدهن به، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمطط أشبه طلاء الإبل، وهو في تلك الحالة غالبا لا
يسكر، وأخرج مالك في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري،
أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الأرض
وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا العسل،
قالوا: ما يصلحنا العسل، قال رجل من أهل الأرض، هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا
لا يسكر، فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه ثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه
أصبعه، ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال هذا الطلاء مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه،
وقال عمر: اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم. قال الحافظ في الفتح: 10 / 56 وقد وافق
عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء، وأخرجه النسائي عنهما. وعلي
وأبو أمامة وخالد بن الوليد وغيرهم. أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، ومن التابعين ابن المسيب
وحسن وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور.
28

قال أبو زرعة الدمشقي: إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين
سنة يسرد الصوم (1).
قلت: بل عاش بعده نيفا وعشرين سنة.
قال أحمد بن البرقي: أبو طلحة بدري، نقيب، صلى عليه عثمان،
جاء له نحو عشرين حديثا.
حماد بن سلمة، عن ثابت، وعلي بن زيد، عن أنس: أن أبا طلحة
قال له بنوه: قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فنحن نغزو
عنك. فأبى، فغزا في البحر، فمات (2).
جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم
سليم؟ فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، فإن
تسلم فذلك مهري، لا أسألك غيره. فأسلم، وتزوجها.
قال ثابت: فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم: الاسلام (3).
الطيالسي: حدثنا سليمان بن المغيرة، وحماد، وجعفر بن سليمان،
عن ثابت، عن أنس. قال أبو داود: وحدثناه شيخ سمعه من النضر بن

(1) تاريخ دمشق ص 562 لأبي زرعة.
(2) رجاله ثقات وهو في " المستدرك " 3 / 353 وصححه وأقره الذهبي، وأخرج الطبراني
5 / 94 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت وعلي بن زيد، عن أنس قال: خرج أبو طلحة غازيا
في البحر، فمات في السفينة فلم يجدوا له مكانا يدفنونه فيه، فانتظروا به ستة أيام حتى وجدوا له
بعد سبع مكانا يدفنونه فيه، ولم يغير كما هو. قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 313 ورجاله رجال
الصحيح، وذكره أيضا الهيثمي في " المجمع " عن أنس بنحوه، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله
رجال الصحيح.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (10417) والطيالسي في مسنده (2590) 2 / 159
والطبراني في " الكبير " 5 / 92.
29

أنس: قال مالك - والد أنس - لامرأته: أرى هذا الرجل يحرم الخمر.
فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك. فجاء أبو طلحة يخطب أم سليم،
فقالت: ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، ولا أريد مهرا إلا الاسلام. قال:
فمن لي بذلك؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم. فانطلق يريده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" جاءكم أبو طلحة وغرة الاسلام بين عينيه ".
قال: فتزوجها على ذلك... الحديث بطوله، وكيف مات ابنه منها،
وكتمته، وتصنعت له حتى أصابها، ثم أخبرته وقالت: إن الله كان أعارك
عارية فقبضها، فأحتسب ابنك (1).
قال أنس: قال أبو طلحة: لقد سقط السيف مني يوم بدر، لما غشينا من
النعاس. (2)
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا طلحة صام بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى.
غريب، على شرط مسلم (3).

(1) أخرجه بطوله الطيالسي في مسنده، 2 / 159، 160 والقسم الأخير منه أخرجه البخاري
3 / 135، 137 ومسلم (2144).
(2) أخرجه أحمد 4 / 29 من طريق يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن
النحوي، عن قتادة، عن أنس، وهذا إسناد صحيح.
وأخرج البخاري 8 / 171 في التفسير من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن حسين بن محمد،
عن شيبان، عن قتادة، قال حدثنا أنس أن أبا طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم
أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي، ويسقط وآخذه، وأخرج الترمذي (3007) والنسائي
والحاكم 2 / 297 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس
عن أبي طلحة قال: رفعت
رأسي يوم أحد وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت جحفته من النعاس. وقال الترمذي
حسن صحيح. وانظر " الدر المنثور " 2 / 88.
(3) هو في " المستدرك " 3 / 353 وقال على شرط مسلم، ووافقه الذهبي هناك بينما هنا
استغربه.
30

وبه: أن أبا طلحة قال: لا أتامرن على اثنين، ولا أذمهما (1).
ثابت، عن أنس: أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد، وكان رجلا راميا. وكان رسول الله إذا رمى أبو طلحة، رفع بصره ينظر
أين يقع سهمه. وكان يدفع صدر رسول الله بيده، ويقول: يا رسول الله،
هكذا، لا يصيبك سهم (2).
عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: لما كان يوم أحد، انهزم ناس
عن رسول الله، وأبو طلحة بين يديه مجوبا عليه بحجفة، وكان راميا شديد
النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة. وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل،
فيقول صلى الله عليه وسلم: " أنثرها لأبي طلحة ". ثم يشرف إلى القوم. فيقول أبو طلحة:
يا نبي الله، بأبي أنت، لا تشرف، لا يصيبك سهم، نحري دون نحرك.
قال: فلقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرات (3)، أرى خدم
سوقهما، تنقزان، القرب على متونهما، وتفرغانها في أفواه القوم،
وترجعان، فتملآنها. فلقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثا من
النعاس (4).

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 353 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وقد سقط من المطبوع جملة " ولا أذمهما ".
(2) أخرجه أحمد 3 / 286، 287 وابن سعد 3 / 506 من طريق عفان، عن ثابت، عن أنس
وإسناده صحيح.
(3) المشمرات: من التشمير، وقد تحرفت في المطبوع إلى " لمشمرقاف ".
(4) أخرجه البخاري 7 / 287، 279 في المغازي: باب غزوة أحد. والحجفة: الترس،
ومجوبا: بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة، أي مترسا عليه. وخدم سوقهما،
هي، الخلاخيل، جمع خدمة. تنقزان: تثبان، والنقز: الوثب والقفز، كناية عن سرعة
السير. وجملة " القرب على متونهما " في موضع نصب على الحال، وفي رواية: " تنقلان
القرب " وهي رواية جعفر بن مهران، عن عبد الوارث، أخرجها الإسماعيلي. وقال الخطابي: أحسب الرواية " تزفران " بدل " تنقزان ". والزفر: حمل القرب الثقال، كما في حديث أم سليط
عند البخاري (1 288)، وفيه: قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد.
31

ابن عيينة: حدثنا علي بن زيد، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة " (1).
وكان إذا بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، جثا بين يديه، وقال: نفسي لنفسك
الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء (2).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله:
" لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة ".
الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر - أو أنس - قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف
رجل " (3).
حماد بن سلمه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم حنين: " من قتل قتيلا فله سلبه ". فقتل أبو طلحة
يومئذ عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم (4).
هشام، عن ابن سيرين، عن أنس: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلق،
فناول الحلاق شقه الأيمن، فحلقه، ثم دعا أبا طلحة، فأعطاه إياه، ثم

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 352، 353، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف،
وقد تقدم صفحة 17، تعليق رقم (1).
(2) هو من تمام الحديث الذي في الصفحة السابقة، تعليق رقم (2).
(3) الحاكم 3 / 352، وقد تقدم في الصفحة 28 تعليق رقم (3).
(4) إسناده صحيح، أخرجه أبو داود (2718) في الجهاد: باب في السلب يعطى للقاتل،
والدارمي (2 / 229)، وابن سعد: 3 / 505، وصححه الحاكم 3 / 353 ووافقه الذهبي.
32

ناوله شقه الأيسر، وقال: " احلق " وأعطاه أبا طلحة فقسمه بين الناس (1).
ورواه ابن عون، عن محمد (2)، فأرسله.
قال أنس: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، فقال:
يا رسول الله، إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها
وذخرها، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال: " بخ! ذلك مال
رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " (3).
حميد، عن أنس، قال: كان أبو طلحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يفطر إلا في
سفر أو مرض (4).
قتادة، وحميد، عن أنس: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم،
ويقول: ليس بطعام ولا بشراب، وإنما هو بركة. تفرد به فيه علي بن

(1) أخرجه مسلم (1305) (326) في الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر: وفيه: فأعطاه
أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس.
(2) يعني: ابن سيرين.
(3) أخرجه مالك 2 / 995، 996 في الصدقة: باب الترغيب في الصدقة، والبخاري 3 / 257
في الزكاة: باب الزكاة على الأقارب. وفي الوكالة: باب إذا قال الرجل لو كيله ضعه حيث أراك
الله، وفي الوصايا: باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، وباب: إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو
جائز، وفي تفسير سورة آل عمران: باب (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وفي الأشربة:
باب استعذاب الماء، وأخرجه مسلم (998) في الزكاة: باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين
والزوج، وأبو داود (1689) والترمذي (3000) والنسائي 6 / 231، 232، وقوله بيرحاء، بفتح
الباء وسكون الياء وفتح الراء والمد، وجاء في ضبطه أوجه كثيرة، جمعها ابن الأثير في النهاية
فقال: يروى بفتح الباء وبكسرها، وبفتح الراء وضمها، وبالمد والقصر. وبخ: كلمة يقولها
المتعجب من الشئ، وعند المدح والرضا بالشئ.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 506 من طريق يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، وهذا إسناد
صحيح.
سير 2 / 3
33

جدعان، عن أنس: فأخبرت رسول الله، فقال: " خذ عن عمك " (1).
حماد بن سلمة، عن ثابت وعلي بن زيد، عن أنس: أن أبا طلحة
قرأ: * (انفروا خفافا وثقالا) * [التوبة: 42] فقال: استنفرنا الله، وأمرنا
شيوخنا وشبابنا، جهزوني. فقال بنوه: يرحمك الله! إنك قد غزوت على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، ونحن نغزو عنك الآن.
قال: فغزا البحر، فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها، إلا بعد
سبعة أيام، فلم يتغير (2).
مات سنة أربع وثلاثين. وقال خليفة وحده: سنة اثنتين وثلاثين.
قال لنا الحافظ أبو محمد: حلق النبي صلى الله عليه وسلم شق رأسه فوزعه على الناس،
ثم حلق شقه الآخر، فأعطاه أبا طلحة (3).
قال: وكان جلدا، صيتا، آدم، مربوعا، لا يغير شيبه.
صلى عليه عثمان. وقيل: مات سنة إحدى وخمسين.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نيفا وعشرين حديثا، منها في " الصحيحين "
حديثان. وتفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث (4).

(1) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، وأخرجه البزاز رقم (1021) وقال: خالف قتادة
علي بن زيد في روايته، ثم رواه برقم (1022) من طريق قتادة عن أنس قال: رأيت أبا طلحة
يأكل البرد وهو صائم، وهذا الموقوف على أبي طلحة هو الصحيح، كما تقدم في ص 27 تعليق
رقم (2).
(2) إسناده صحيح، وهو في الطبقات 3 / 507 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد به.
(3) انظر " صحيح مسلم " (1306) (325) و (326) والترمذي (912).
(4) الأول: من المتفق عليه، حديث " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " أخرجه
البخاري 10 / 320 ومسلم (2106).
والثاني: أنه لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي الله أمر بضعة وعشرين رجلا من صناديد قريش
فألقوا في طوي من أطواء بدر... أخرجه البخاري 7 / 234 ومسلم (2875)، وأما ما تفرد به
البخاري فحديث: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد... أخرجه البخاري 8 / 171 وقد
تقدم.
وأما ما انفرد به مسلم فأخرجه في " صحيحه " (161 2) كتاب السلام. ولفظه: قال أبو
طلحة. كنا قعودا بالأفنية، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علينا فقال: " مالكم ولمجالس الصعدات؟
اجتنبوا مجالس الصعدات " فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتذاكر ونتحدث. قال: " إما
لا. فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام ".
34

6 - أبو بردة بن نيار * (ع)
ابن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب بن دهمان البلوي القضاعي
الأنصاري من حلفاء الأوس.
واسمه: هانئ. وهو خال البراء بن عازب (1).
شهد العقبة وبدرا والمشاهد النبوية. وبقي إلى دولة معاوية. وحديثه
في الكتب الستة.
حدث عنه: ابن أخته البراء، وجابر بن عبد الله، وبشير بن يسار،
وغيرهم.

* مسند أحمد: 3 / 466 و 4 / 44، التاريخ لابن معين: 694، طبقات ابن سعد: 3 /
451، طبقات خليفة: 80، تاريخ خليفة: 205، التاريخ الكبير: 8 / 227، المعارف:
149، 326، الجرح والتعديل: 9 / 99 - 100، الاستيعاب: 4 / 1608، أسد الغابة:
5 / 382، تهذيب الكمال: 1578، تهذيب التهذيب: 12 / 19، الإصابة: 11 / 34،
خلاصة تذهيب الكمال: 443.
(1) أخرج أحمد 4 / 295 وأبو داود (4457) والترمذي (1362) وابن ماجة (2607)
والنسائي 6 / 109 بسند حسن عن البراء، قال: لقيت خالي وقد عقد له النبي صلى الله عليه وسلم لواء، فقلت له:
أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، فأمرني أن أضرب
عنقه.
35

وكان أحد الرماة الموصوفين.
وقيل: توفي سنة اثنتين وأربعين.
7 - جبر بن عتيك *
ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف ابن
عمرو بن عوف الأنصاري، أبو عبد الله.
بدري كبير، وقيل: اسمه جابر.
وله أولاد: عتيك، وعبد الله، وأم ثابت.
آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين خباب بن الأرت.
شهد بدرا والمشاهد، وكانت إليه راية بني معاوية بن مالك يوم
الفتح (1).
قال الواقدي، وابن سعد، وخليفة، وابن زبر (2)، وابن مندة: توفي
سنة إحدى وستين.
قيل: عاش إحدى وتسعين سنة.
وفي " الموطأ " عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جده لامه
عتيك بن الحارث، قال أخبرني جابر بن عتيك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود

* طبقات ابن سعد: 3 / 469، الجرح والتعديل: 2 / 532، معجم الطبراني: 2 /
205، الاستبصار: 292 - 293، الاستيعاب: 1 / 222، أسد الغابة: 1 / 317، تهذيب
الكمال: 187، تاريخ الاسلام: 3 / 2، تهذيب التهذيب: 2 / 59 - 60، الإصابة: 2 / 58،
خلاصة تذهيب الكمال: 60.
(1) طبقات ابن سعد 3 / 469.
(2) تصحفت في المطبوع إلى زير.
36

عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب، فاسترجع، وقال: غلبنا عليك (1).
قلت: الصحيح: أن جابر بن عتيك هو صاحب هذا الخير. وصاحب
تاريخ الوفاة، وأن جبرا قديم الوفاة، وأن جابرا، من بني غنم بن سلمة.
والله أعلم.
وعمهما الحارث بن قيس بن هيشة الأوسي (2). بدري جليل، عده
الواقدي، و عبد الله بن محمد بن عمارة. ولم يذكره ابن عقبة، ولا ابن
إسحاق، ولا أبو معشر. بل قال ابن إسحاق، وأبو معشر: جبر بن عتيك
ابن الحارث بن قيس بن هيشة.
8 - الأشعث بن قيس * (ع)
ابن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية
الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة.

(1) حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ رقم (554) في الجنائز: باب النهي عن البكاء
على الميت، وأحمد 5 / 446، وأبو داود (3111) في الجنائز. باب فضل من مات في
الطاعون. والنسائي 4 / 13 في الجنائز: باب النهي عن البكاء على الميت، والطبراني في
" الكبير " (1779)، وصححه ابن حبان (1616) والحاكم 1 / 352 ووافقه الذهبي. وقوله: قد
غلبنا عليك: تقديره: الله تعالى غالب علينا في موتك، وإلا فحياتك محبوبة لدينا لجميل سعيك
في الاسلام والخير.
(2) انظر " الطبقات " لابن سعد 3 / 469.
* مسند أحمد: 5 / 211، طبقات ابن سعد: 6 / 22، تاريخ خليفة: 116 و 193 و 199،
المعارف: 168، 189، 333، 551، 555، 586، الطبري: 3 / 138، 139، 539 و 4 /
561 و 569 و 5 / 51 و 82، معجم الطبراني: 1 / 203، المستدرك: 3 / 522 - 523،
الاستيعاب: 1 / 133، ابن عساكر: 3 / 17 / 2، أسد الغابة: 1 / 118، تهذيب الكمال:
119، العبر: 1 / 42، 46، تهذيب التهذيب: 1 / 359، الإصابة: 1 / 79، خلاصة تذهيب
الكمال: 39.
37

واسم كندة: ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد
ابن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن
قحطان.
ساقه ابن سعد، قال: وقيل له: كندة; لأنه كند أباه النعمة، أي:
كفره.
وكان اسم الأشعث: معدي كرب. وكان أبدا أشعث الرأس; فغلب
عليه.
له صحبة، ورواية.
حدث عنه: الشعبي، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل. وأرسل عنه
إبراهيم النخعي.
وأصيبت عينه يوم اليرموك. وكان أكبر أمراء علي يوم صفين.
منصور، والأعمش، عن أبي وائل، قال لنا الأشعث: في نزلت:
* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * [آل عمران: 77].
خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ألك بينة؟ قلت: لا. قال:
فيحلف؟ قلت: إذا يحلف. فقال: " من حلف على يمين فاجرة ليقتطع
بها مالا، لقي الله وهو عليه غضبان " (1).
قال ابن الكلبي: وفد الأشعث في سبعين من كندة على النبي صلى الله عليه وسلم.
مجالد، عن الشعبي، عن الأشعث، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه البخاري 8 / 159 في التفسير، و 11 / 485، 488 في الايمان: باب (إن الذين
يشترون بعهد الله وأيمانهم..) ومسلم (138) في الايمان: باب وعيد من اقتطع حق مسلم
بيمين فاجرة بالنار، والطبراني في " الكبير " (640) وأحمد 5 / 211 و 212.
38

في وفد كندة، فقال لي: هل لك من ولد؟ قلت: صغير، ولد مخرجي
إليك... الحديث (1).
وعن إبراهيم النخعي، قال: ارتد الأشعث في ناس من كندة،
فحوصر، وأخذ بالأمان، فأخذ الأمان لسبعين، ولم يأخذ لنفسه، فأتي به
الصديق، فقال: إنا قاتلوك، لا أمان لك. فقال: تمن علي وأسلم؟
قال: ففعل. وزوجه أخته.
زاد غيره: فقال لأبي بكر: زوجني أختك، فزوجه فروة بنت أبي
قحافة.
رواه أبو عبيد في " الأموال " (2) فلعل أباها فوض النكاح إلى أبي بكر.
ابن أبي خالد، عن قيس، قال: لما قدم بالأشعث بن قيس أسيرا على
أبي بكر: أطلق وثاقه، وزوجه أخته. فاخترط سيفه، ودخل سوق الإبل،
فجعل لا يرى ناقة ولا جملا إلا عرقبه. وصاح الناس: كفر الأشعث! ثم
طرح سيفه، وقال: والله ما كفرت; ولكن هذا الرجل زوجني أخته; ولو كنا
في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه. يا أهل المدينة، انحروا وكلوا! ويا أهل
الإبل، تعالوا خذوا شرواها (3)!

(1) وتمامه: ولوددت أن لي مكانه شبع القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقل ذاك، فإن فيهم قرة
أعين وأجرا إذا قبضوا، ولئن قلت ذلك، فإنهم لمجبنة ومحزنة ومبخلة " أخرجه أحمد 5 / 211،
والطبراني (646) ومجالد ضعيف، وبه أعله الهيثمي في " المجمع " 8 / 155، ومع ذلك
صححه الحاكم 4 / 239، ووافقه الذهبي من طريق سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن
الأشعث بن قيس...
(2) ص 149 من طريق شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي..
(3) أخرجه الطبراني في " الكبير " (649) وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح غير عبد
المؤمن بن علي وهو ثقة مترجم في " الجرح والتعديل " 6 / 66 وقوله: خذوا شرواها، أي:
مثلها.
39

رواه عبد المؤمن بن علي، عن عبد السلام بن حرب، عنه.
إسماعيل، عن قيس، قال: شهدت جنازة فيها الأشعث، وجرير،
فقدم الأشعث جريرا، وقال: إن هذا لم يرتد، وإني ارتددت (1).
قال أبو عبيدة: كان على ميمنة علي يوم صفين الأشعث.
مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية. قال:
حصل (2) معاوية، في تسعين ألفا فسبق فنزل الفرات، وجاء علي، فمنعهم
معاوية الماء، فبعث علي الأشعث، في ألفين (3) وعلى الماء لمعاوية أبو
الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا قتالا شديدا، وغلب الأشعث على
الماء (4).
الأعمش، عن حيان أبي سعيد التيمي (5)، قال: حذر الأشعث من
الفتن. فقيل له: خرجت مع علي! فقال: ومن لك إمام مثل علي (6)!
وعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل الأشعث على علي في شئ،
فتهدده بالموت، فقال علي: بالموت تهددني! ما أباليه، هاتوا لي جامعة

(1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 1 / 80، ونسبه إلى ابن السكن وغيره.
(2) في تهذيب الكمال: قفل معاوية في تسعين ألفا، وفي تاريخ خليفة: فصل معاوية بن
الشام إلى صفين في سبعين ألفا.
(3) " في الفين " سقطت من المطبوع.
(4) تاريخ خليفة ص 193، وتهذيب الكمال ص 119.
(5) حيان أبي سعيد التيمي مترجم في الجرح والتعديل 3 / 247، وقد تصحف في المطبوع
" التيمي " إلى " البتي ".
(6) أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 59 من طريق عبد الله بن عمر، عن حفص بن
غياث، عن الأعمش به.
40

وقيدا! ثم أومأ إلى أصحابه. قال: فطلبوا إليه فيه. فتركه.
أبو المغيرة الخولاني: حدثنا صفوان بن عمرو; حدثني أبو الصلت
الحضرمي، قال: حلنا بين أهل العراق وبين الماء; فأتانا فارس، ثم
حسر; فإذا هو الأشعث بن قيس، فقال: الله الله يا معاوية في أمه محمد
صلى الله عليه وسلم! هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا
قتلناكم، فمن للبعوث والذراري؟ إن الله يقول: * (وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * [الحجرات: 9]. قال معاوية: فما تريد؟
قال: خلوا بيننا وبين الماء. فقال لأبي الأعور: خل بين إخواننا وبين
الماء (1).
روى الشيباني (2) عن قيس بن محمد بن الأشعث: أن الأشعث كان
عاملا لعثمان على أذربيجان، فحلف مرة على شئ; فكفر عن يمينه
بخمسة عشر ألفا.
إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: كان الأشعث حلف على
يمين، ثم قال: قبحك الله من مال! أما والله ما حلفت إلا على حق، ولكنه
رد على صاحبه، وكان ثلاثين ألفا.
شريك: حدثنا أبو إسحاق، قال: صليت الفجر بمسجد الأشعث،
فلما سلم الامام إذا بين يدي كيس ونعل; فنظرت: فإذا بين يدي كل رجل
كيس ونعل. فقلت: ما هذا؟ قالوا: قدم الأشعث الليلة، فقال: انظروا!

(1) أورده المزي في " تهذيب الكمال " ص 119 عن عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب
" صفين ": حدثني أبي قال: حدثنا أبو المغيرة...
(2) هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني أبو إسحاق الكوفي الثقة وقد تحرف في المطبوع إلى
السلمي.
41

فكل من صلى الغداة في مسجدنا، فاجعلوا بين يديه كيسا وحذاء.
رواه أبو إسرائيل، عن أبي إسحاق، إلا أنه قال: حلة ونعلين (1).
أحمد بن حنبل: حدثنا علي بن ثابت، حدثنا أبو المهاجر، عن ميمون
ابن مهران، قال: أول من مشت معه الرجال، وهو راكب: الأشعث بن
قيس.
روى نحوه أبو المليح، عن ميمون (2).
قال إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: لما توفي
الأشعث بن قيس، أتاهم الحسن بن علي، فأمرهم أن يوضؤوه بالكافور
وضوءا. وكانت بنته تحت الحسن (3).
قالوا: توفي سنة أربعين وزاد بعضهم: بعد علي رضي الله عنه بأربعين
ليلة. ودفن في داره. وقيل: عاش ثلاثا وستين سنة.
وقال محمد بن سعد: مات بالكوفة، والحسن بها حين صالح معاوية.
وهو الذي صلى عليه.
قلت: وكان ابنه محمد بن الأشعث بعده من كبار الامراء وأشرافهم،

(1) أخرجه الطبراني في " الكبير " (650)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 415 وقال:
وفيه أبو إسرائيل الملائي وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) " تهذيب الكمال " 120.
(3) أخرجه الفسوي في تاريخه 1 / 226 من طريق أبي نعيم وأبي قبيصة كلاهما عن سفيان عن
إسماعيل بن أبي خالد.
وأخرجه ابن سعد 6 / 23 من طريق وكيع بن الجراح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم
ابن جابر، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 522 من طريق عبدة بن حميد، حدثني إسماعيل
ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، وقد تحرف حكيم عنده إلى حفص.
42

وهو والد الأمير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي خرج معه الناس،
وعمل مع الحجاج تلك الحروب المشهورة التي لم يسمع بمثلها. بحيث
يقال: إنه عمل معه أحدا وثمانين مصافا (1)، معظمها على الحجاج. ثم في
الآخر خذل ابن الأشعث وانهزم، ثم ظفروا به وهلك.
9 - حاطب بن أبي بلتعة *
عمرو بن عمير بن سلمة، اللخمي المكي، حليف بني أسد بن عبد
العزى بن قصي.
من مشاهير المهاجرين; شهد بدرا والمشاهد.
وكان رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، صاحب مصر.
وكان تاجرا في الطعام، له عبيد. وكان من الرماة الموصوفين.
ذكره الحاكم في " مستدركه " (2) فقال: كان حسن الجسم، خفيف
اللحية، أجنى (3)، إلى القصر ما هو، شثن الأصابع. قاله الواقدي.
روى هارون بن يحيى الحاطبي، قال: حدثني أبو ربيعة، عن عبد

(1) المصاف: جمع مصف، وهو الموقف في الحرب.
* طبقات ابن سعد: 3 / 114، طبقات خليفة: 70، تاريخ خليفة: 166، المعارف:
317، 318، الجرح والتعديل: 3 / 303، معجم الطبراني الكبير: 3 / 205، المستدرك:
3 / 300 - 302، الاستيعاب: 1 / 312، جامع الأصول; 9 / 97، أسد الغابة: 1 / 431،
تاريخ الاسلام: 2 / 85، مجمع الزوائد: 9 / 303، تهذيب التهذيب: 2 / 168،
الإصابة: 2 / 192، شذرات الذهب: 1 / 37.
(2) 3 / 300.
(3) يقال رجل أجنى وأجنا إذا كان في كاهله انحناء على صدره، ولم يبلغ الاحديداب.
وقوله: شثن الأصابع: أي غليظها.
43

الحميد بن أبي أنس، عن صفوان بن سليم، عن أنس، سمع حاطبا يقول:
إنه اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم بأحد، قال: وفي يد علي الترس، والنبي صلى الله عليه وسلم يغسل
وجهه من الماء، فقال حاطب: من فعل هذا؟ قال: عتبة بن أبي وقاص،
هشم وجهي، ودق رباعيتي بحجر! فقلت: إني سمعت صائحا على
الجبل: قتل محمد! فأتيت إليك وكأن قد ذهبت روحي - فأين توجه
عتبة؟ فأشار إلى حيث توجه. فمضيت حتى ظفرت به، فضربته بالسيف،
فطرحت رأسه! فنزلت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه، وجئت به إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، فسلم ذلك إلي، ودعا لي. فقال: رضي الله عنك! مرتين (1). إسناد
مظلم.
الليث، عن أبي الزبير، عن جابر: أن عبدا لحاطب شكا حاطبا فقال:
يا نبي الله، ليدخلن النار! قال: كذبت، لا يدخلها أبدا وقد شهد بدرا
والحديبية. صحيح (2).
إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن
حاطب: أن أباه كتب إلى كفار قريش كتابا. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا
والزبير، فقال: " انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فائتياني به ". فلقياها،
وطلبا الكتاب، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها.
قالت: ألستما مسلمين؟ قالا: بلى، ولكن رسول الله حدثنا أن معك

(1) هارون بن يحيى الحاطبي: قال العقيلي في " الضعفاء " ص: 432: لا يتابع على
حديثه، وأبو ربيعة مجهول، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 300، 301، ولم يتكلم عليه
لا هو ولا الذهبي، بينما الذهبي هنا يقول: إسناد مظلم، وانظر " لسان الميزان " 6 / 183.
(2) أخرجه مسلم (2195) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أهل بدر، والترمذي
(3363) في المناقب: باب في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم 3 / 301.
44

كتابا. فحلته من رأسها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا حتى قرئ عليه
الكتاب، فاعترف. فقال: " ما حملك "؟ قال: كان بمكة قرابتي
وولدي، وكنت غريبا فيكم معشر قريش.
فقال عمر: ائذن لي يا رسول الله في قتله. قال: " لا، إنه قد شهد
بدرا، وإنك لا تدري، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما
شئتم، فإني غافر لكم " (1).
إسناده صالح. وأصله في " الصحيحين " (2).
وقد أتى بعض مواليه إلى عمر بن الخطاب يشكون منه من أجل النفقة
عليهم; فلامه في ذلك.
و عبد الرحمن ولده، ممن ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية.
يروي عنه ولده الفقيه يحيى، وعروة بن الزبير، وغيرهما. توفي سنة
ثمان وستين.
ومات حاطب سنة ثلاثين.

(1) أخرجه الطبراني في " الكبير " (3066). والحاكم في " المستدرك " 3 / 301 - 302،
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 304، وقال: رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "
ورجالهما ثقات.
(2) هو في " البخاري " 7 / 400، 401 في المغازي، باب غزوة أحد، وباب فضل من شهد
بدرا. وفي الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن. وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها، وفي الاستئذان:
باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره، وفي استتابة المرتدين: باب ما جاء
في المتأولين. وأخرجه مسلم (2494) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر. وانظر
فيما قاله العلماء في توجيه: اعملوا ما شئتم إني غافر لكم " فتح الباري " 8 / 487.
45

10 - أبو ذر * (ع)
جندب بن جنادة الغفاري، وقيل: جندب بن سكن. وقيل: برير بن
جنادة. وقيل: برير بن عبد الله.
ونبأني الدمياطي: أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن
- غفار أخي ثعلبة - ابني مليل بن ضمرة، أخي ليث والديل، أولاد بكر،
أخي مرة، والد مدلج بن مرة، ابني عبد مناة بن كنانة.
قلت: أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قيل: كان خامس خمسة في الاسلام. ثم إنه رد إلى بلاد قومه، فأقام
بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، هاجر إليه أبو ذر رضي
الله عنه، ولازمه، وجاهد معه.
وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان.
روى عنه: حذيفة بن أسيد الغفاري، وابن عباس، وأنس بن مالك،
وابن عمر، وجبير بن نفير، وأبو مسلم الخولاني، وزيد بن وهب، وأبو
الأسود الدئلي، وربعي بن حراش، والمعرور بن سويد، وزر بن
حبيش، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ، و عبد الرحمن بن غنم،

* مسند أحمد: 5 / 144، طبقات ابن سعد: 4 / 219 - 237، التاريخ لابن معين:
704، طبقات خليفة: 31، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 2 / 221، المعارف: 2،
67، 152، 195، 252، 253، أنساب الأشراف: 4 / 541 تاريخ الطبري: 4 / 283،
معجم الطبراني الكبير: 2 / 155، المستدرك: 3 / 337 - 346، الاستبصار: 125، حلية
الأولياء: 1 / 156، 170، الاستيعاب: 1 / 169، 177، ابن عساكر: 4 / 7 / 2، جامع
الأصول: 9 / 50 - 59، أسد الغابة: 1 / 357 و 6 / 99، 101، تهذيب الكمال: 1602،
تاريخ الاسلام: 2 / 111، العبر 1 / 33، مجمع الزوائد: 9 / 327، تهذيب التهذيب: 12 /
90 - 91، الإصابة: 11 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 449، كنز العمال: 13 / 311،
شذرات الذهب: 1 / 24 و 56 و 63.
46

والأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، وعبد الله بن الصامت، وأبو عثمان
النهدي، وسويد بن غفلة، وأبو مراوح، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن
المسيب، وخرشة بن الحر، وزيد بن ظبيان، وصعصعة بن معاوية، وأبو
السليل ضريب بن نفير، وعبد الله بن شقيق، وعبد الرحمن بن أبي ليلى،
وعبيد بن عمير، وغضيف بن الحارث، وعاصم بن سفيان، وعبيد بن
الخشخاش، وأبو مسلم الجذمي، وعطاء بن يسار، وموسى بن طلحة،
وأبو الشعثاء المحاربي، ومورق العجلي، ويزيد بن شريك التيمي، وأبو
الأحوص المدني شيخ - للزهري - وأبو أسماء الرحبي، وأبو بصرة
الغفاري، وأبو العالية الرياحي، وابن الحوتكية، وجسرة بنت دجاجة.
فاتته (1) بدر، قاله أبو داود.
وقيل: كان آدم ضخما جسيما، كث اللحية.
وكان رأسا في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوالا بالحق، لا
تأخذه في الله لومة لائم، على حدة فيه.
وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر.
أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي (2)، وأحمد بن هبة الله، قالا:
أخبرنا زين الامناء حسن بن محمد: أخبرنا علي بن الحسن الحافظ: حدثنا
علي بن إبراهيم الحسيني: أخبرنا محمد بن علي بن سلوان: أخبرنا الفضل بن
جعفر التميمي، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي: حدثنا أبو مسهر:

(1) تصحف في المطبوع إلى " فاتنة ".
(2) هو الخضر بن أبي الحسين عبد الرحمن بن الخضر المعمر شمس الدين أبو القاسم الأزدي
الدمشقي، الكاتب، ولد سنة (617) ه‍، قال المؤلف في مشيخته الورقة (44): عني به والده
فأسمعه من أبي المحاسن، وابن البن وزين الامناء، وأبي المجد، وتفرد بأشياء. وكان عريا من
العلم وعزل في آخر عمره من كتابة دار الطعم، مات في ذي الحجة سنة (700) ه‍. وقد
تصحف في المطبوع إلى " الحصر " بالصاد.
47

حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس
الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله
تبارك وتعالى، أنه قال: " يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته
بينكم محرما، فلا تظالموا. يا عبادي، إنكم الذين تخطؤون بالليل
والنهار، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم. يا
عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي،
كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، لو أن أولكم
وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، لم ينقص
ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم، وجنكم،
كانوا على أتقى قلب رجل منكم، لم يزد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو
أن أولكم وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا في صعيد واحد، فسألوني،
فأعطيت كل واحد منهم ما سأل، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما
ينقص البحر أن يغمس المخيط غمسة واحدة. يا عبادي، إنما هي أعمالكم
أحفظها عليكم، فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا
يلومن إلا نفسه ".
قال سعيد: كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
أخرجه مسلم (1).

(1) رقم (2577) في البر والصلة، باب تحريم الظلم، وقد أورده الامام النووي رحمه الله في آخر
كتابه الاذكار من طريق شيخه الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف النابلسي، ثم الدمشقي، عن أبي
طالب عبد الله، وأبي منصور يونس، وأبي القاسم الحسين بن هبة الله، وأبي يعلى حمزة، وأبي
الطاهر إسماعيل، خمستهم عن أبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر، عن الشريف أبي القاسم علي
ابن إبراهيم الحسيني خطيب دمشق، عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان عن أبي
القاسم الفضل بن جعفر، عن أبي بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشمي، عن أبي
مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن الله تبارك وتعالى.. ثم
قال: ورجال إسناده مني إلى أبي ذر كلهم دمشقيون، ودخل أبو ذر رضي الله عنه دمشق، فاجتمع
في هذا الحديث جمل من الفوائد.
منها صحة إسناده ومتنه وعلوه وتسلسله بالدمشقيين رضي الله عنهم، وبارك فيهم. ومنها ما
اشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها ولله
الحمد. روينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: ليس لأهل الشام أشرف من هذا الحديث.
وأخرجه أحمد 5 / 154 و 177، والترمذي (2495) من طريق شهر بن حوشب، عن عبد
الرحمن بن غنم، عن أبي ذر... وأخرجه أحمد 5 / 160 من طريق همام عن قتادة، عن أبي قلابة،
عن أبي أسماء، عن أبي ذر...
48

نقل الواقدي، عن خالد بن حيان، قال: كان أبو ذر، وأبو الدرداء،
في مظلتين من شعر بدمشق (1).
وقال أحمد بن البرقي: أبو ذر اسمه: يزيد بن جنادة.
وقال سعيد بن عبد العزيز: اسمه: برير.
قال أبو قلابة، عن رجل عامري، قال: كنت أعزب عن الماء ومعي
أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، فنعت (2) لي أبو ذر،
فحججت، فدخلت مسجد منى، فعرفته، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة
قطري (3).

(1) ابن سعد 2 / 236.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " فبعث ".
(3) أخرجه أحمد في المسند 5 / 146، والرجل العامري هو عمرو بن بجدان كما جاء مصرحا
به في غير هذه الرواية، ومعروق: قليل اللحم، وقد تحرفت في المسند إلى " معروف "
وقطري: بكسر القاف وإسكان الطاء: ضرب من البرود في حمرة، ولها أعلام فيها بعض
الخشونة.
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: " إن الصعيد الطب طهور ما لم تجد الماء ولو إلى
عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك " وهو حديث صحيح أخرجه عن أبي ذر أبو داود رقم
(332 و 333)، والترمذي (124)، والنسائي 1 / 171، وأحمد 5 / 147، 155، 180،
وصححه الترمذي، وابن حبان رقم (126)، والحاكم 1 / 176، 177. ووافقه الذهبي، وله
شاهد عند البزار من حديث أبي هريرة برقم (310) وإسناده قوي.
سير 2 / 4
49

وقال حميد بن هلال: حدثني الأحنف بن قيس، قال: قدمت
المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي، إذ دخل رجل طوال، آدم
أبيض الرأس واللحية، محلوق، بشبه بعضه بعضا. فاتبعته فقلت: من
هذا؟ قالوا: أبو ذر.
سليمان بن المغيرة، وابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن
الصامت، قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر
الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا
وأحسن. فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك يخالفك إليهم
أنيس، فجاء خالنا، فذكر لنا ما قيل له. فقلت: أما ما مضى من معروفك،
فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقدمنا صرمتنا (1)، فاحتملنا عليها،
وجعل خالنا يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر (2) أنيس عن
صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخير أنيسا (3)، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها
معها.
قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم [بثلاث سنين].
قلت: لمن؟ قال: لله. قلت: أين توجه؟ قال: حيث وجهني الله،
أصلي عشاء إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء (4) حتى تعلوني
الشمس.

(1) في صحيح مسلم، فقربنا صرمتنا، والصرمة: القطعة من الإبل.
(2) نافر: حاكم: يقال: نافرت الرجل منافرة إذا قاضيته، والمنافرة، المحاكمة تكون في
تفضيل أحد الشيئين على الآخر.
(3) في الأصل: فأتيت الكاهن بخبر أنيس، وما أثبتناه من صحيح مسلم.
(4) الخفاء: كساء يطرح على السقاء.
50

فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى
مكة، [فراث علي] (1) ثم جاء. فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة
على دينك، يزعم أنه مرسل. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون:
شاعر، كاهن، ساحر. قال: وكان أنيس أحد الشعراء، فقال: لقد
سمعت قول الكهنة، وما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقوال (2)
الشعراء، فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم
لكاذبون! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر!
فأتيت مكة، فتضعفت (3) رجلا منهم، فقلت: من هذا الذي تدعونه
الصابي؟ فأشار إلي، فقال: الصابئ. قال: فمال علي أهل الوادي بكل
مدرة، وعظم، حتى خررت مغشيا علي. فارتفعت حين ارتفعت كأني
نصب (4) أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها.
ولقد لبثت - يا ابن أخي - ثلاثين، بين ليلة ويوم، مالي طعام إلا ماء
زمزم. فسمنت حتى تكسرت عكني، وما وجدت على كبدي سخفة (5)
جوع.
فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان (6)، جاءت امرأتان تطوفان،

(1) يقال: راث فلان علينا إذا أبطأ.
(2) في صحيح مسلم: على أقراء الشعر وهي طرائقه وأنواعه، واحدها: قرء.
(3) أي نظرت إلى أضعفهم، وفي " الطبقات " فاستضعفت رجلا منهم، وقد تحرفت في
المطبوع إلى " تضيفت ".
(4) النصب: الحجر أو الصنم الذي كانوا ينصبونه في الجاهلية ويذبحون عليه، فيحمر من
كثرة دم القربان والذبائح، أراد أنهم ضربوه حتى أدموه.
(5) سخفة الجوع: رقته وهزاله.
(6) يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة أي: مضيئة لا غيم فيها. فقمرها ظاهر يضيئها.
51

وتدعوان إسافا ونائلة (1)، فأتتا علي في طوافهما. فقلت: أنكحا أحدهما
الآخر. فما تناهتا عن قولهما (2)، فأتتا علي. فقلت: هن (3) مثل الخشبة،
غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا!
فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: ما لكما؟ قالتا:
الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ
الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر، ثم طاف بالبيت، هو
وصاحبه، ثم صلى. وكنت أول من حياه بتحية الاسلام. قال: عليك
ورحمة الله! من أين أنت؟ قلت: من غفار. فأهوى بيده، ووضع أصابعه
على جبهته.
فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده،
فدفعني (4) صاحبه، وكان أعلم به مني.
قال: ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت: منذ ثلاثين من
[بين] ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء
زمزم، فسمنت، وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: " إنها مباركة،
إنها طعام طعم " (5).

(1) إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا.
(2) كذا في الأصل وفي صحيح مسلم، ورواية ابن سعد في الطبقات: " فما ثناهما ذلك عن
قولهما ".
(3) عنى به الذكر، وقوله: لا أكني، أراد أنه أفصح باسمه ولم يكن عنه.
(4) في الطبقات وصحيح مسلم: فقد عني، أي منعني وكفني.
(5) أي: يشبع الانسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام.
52

فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة. فانطلقنا،
ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف. فكان أول طعام أكلته
بها.
وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: " إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا
أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك
فيهم؟ "
قال: فانطلقت، فلقيت أنيسا، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني
أسلمت وصدقت. قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت.
فأسلمت أمنا، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم
إيماء بن رحضة، وكان سيدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله [المدينة]
أسلمنا. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي.
وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله، إخواننا، نسلم على الذي أسلموا
عليه، [فأسلموا].
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غفار، غفر الله لها! وأسلم، سالمها الله ".
أخرجه مسلم (1).
قال أبو جمرة: قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا:
بلى. قال: قال أبو ذر: بلغني أن رجلا بمكة قد خرج، يزعم أنه نبي،
فأرسلت أخي ليكلمه، فقلت: انطلق إلى هذا الرجل، فكلمه. فانطلق
فلقيه، ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله، لقد رأيت رجلا يأمر
بالخير، وينهى عن الشر. قلت: لم تشفني. فأخذت جرابا وعصا، ثم

(1) رقم (2473) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي ذر، رضي الله عنه، وأخرجه ابن
سعد في " الطبقات " 4 / 219، 222، وأحمد 5 / 174.
53

أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء
زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي بن أبي طالب، فقال: هذا رجل
غريب؟ قلت: نعم. قال: انطلق إلى المنزل. فانطلقت معه، لا أسأله
عن شئ، ولا يخبرني!
فلما أصبح الغد، جئت إلى المسجد لا أسأل عنه، وليس أحد يخبرني
عنه بشئ. فمر بي علي، فقال: أما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا.
قال: ما أمرك، وما أقدمك؟ قلت: إن كتمت علي أخبرتك؟ قال: أفعل.
قلت: قد بلغنا أنه قد خرج نبي. قال: أما قد رشدت! هذا وجهي إليه،
فاتبعني وادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك، قمت إلى
الحائط كأني أصلح نعلي! وامض أنت.
فمضى، ومضيت معه، فدخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول
الله، اعرض علي الاسلام. فعرض علي، فأسلمت مكاني. فقال لي: يا
أبا ذر، اكتم هذا الامر، وارجع إلى قومك! فإذا بلغك ظهورنا، فأقبل.
فقلت: والذي بعثك بالحق، لأصرخن بها بين أظهرهم.
فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن
لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ.
فقاموا، فضربت لأموت! فأدركني العباس، فأكب علي، وقال: ويلكم
تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار! فأطلقوا عني. فلما
أصبحت، رجعت، فقلت مثل ما قلت بالأمس. فقالوا: قوموا إلى هذا
الصابئ! فصنع بي كذلك، وأدركني العباس، فأكب علي.
فهذا أول إسلام أبي ذر.
54

أخرجه: البخاري ومسلم من طريق المثنى بن سعيد، عن أبي
جمرة (1).
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا ابن أبي سبرة، عن يحيى بن
شبل، عن خفاف بن إيماء قال: كان أبو ذر رجلا يصيب، وكان شجاعا،
ينفرد وحده يقطع الطريق، ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر
فرسه أو قدميه، كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ، ثم إن الله
قذف في قلبه الاسلام، وسمع مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ يدعو مختفيا،
فأقبل يسأل عنه (2).
وعن أبي معشر السندي: كان أبو ذر يتأله في الجاهلية، ويوحد، ولا
يعبد الأصنام (3).
النضر بن محمد، أخبرنا عكرمة بن عمار: أخبرنا أبو زميل، عن مالك
ابن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: كنت رابع الاسلام، أسلم قبلي
ثلاثة، فأتيت نبي الله، فقلت: سلام عليك يا نبي الله. وأسلمت، فرأيت
الاستبشار في وجهه، فقال: من أنت؟ قلت: جندب، رجل من غفار.
قال: فرأيتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فيهم من يسرق الحاج (4).

(1) البخاري: 6 / 400 و 7 / 132، 134 في المناقب: باب إسلام أبي ذر، ومسلم رقم
(2474) في فضائل الصحابة، وابن سعد في الطبقات 4 / 224، 225.
(2) ابن سعد 4 / 222.
(3) ابن سعد 4 / 222 من طريق الواقدي.
ويتأله: يتنسك ويتعبد.
(4) أخرجه الطبراني برقم (1617) ولفظه بعد قوله: رجل من غفار: فكأنه صلى الله عليه وسلم ارتدع وود
أني كنت من قبيلة غير التي أنا منهم، وذاك أني كنت من قبيلة يسرقون الحاج بمحاجن مم. وأخرجه
الحاكم 3 / 342 إلى قوله: فرأيت الاستبشار في وجهه، وصححه على شرط مسلم، ووافقه
الذهبي.
55

وعن محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير، قال: كان
أبو ذر وعمرو بن عبسة، كل منهما يقول: أنا ربع الاسلام (1).
قال الواقدي: كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر.
وكان يقول: أبطأت في غزوة تبوك، من عجف (2) بعيري.
ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي،
عن ابن مسعود، قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال
يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول:
" دعوه، إن يكن فيه خير، فسيلحقكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله
منه ". حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره.
قال: وتلوم (3) بعير أبي ذر، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه، فجعله على
ظهره، وخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونظر ناظر، فقال: إن هذا لرجل يمشي
على الطريق! فقال رسول الله: " كن أبا ذر ". فلما تأمله القوم، قالوا: هو
والله أبو ذر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت
وحده، ويبعث وحده ".

(1) أخرجه الطبراني (1618) والحاكم 3 / 341، 342 من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن
صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، عن جبير بن
نفير. وصدقة بن عبد الله ضعيف، ضعفه غير واحد، وقال الدارقطني: متروك، ومع ذلك فقد
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 327، وقال: رواه
الطبراني بإسنادين أحدهما متصل الاسناد ورجاله ثقات.
(2) العجف: الهزال.
(3) تلوم: تلبث ومكث.
56

فضرب الدهر من ضربه (1)، وسير أبو ذر إلى الربذة. فلما حضرته
الوفاة، أوصى امرأته وغلامه، فقال: إذا مت فاغسلاني وكفناني، وضعاني
على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر.
فلما مات فعلا به ذلك. فاطلع ركب، فما علموا به حتى كادت
ركائبهم توطأ السرير. فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة،
فقال: ما هذا؟ قيل: جنازة أبي ذر. فاستهل ابن مسعود يبكي، وقال:
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله أبا ذر! يمشي وحده، ويموت وحده،
ويبعث وحده ".
فنزل فوليه بنفسه، حتى أجنه (2).
شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن كليب بن شهاب: سمعت أبا ذر
يقول: ما تؤيسني رقة عظمي، ولا بياض شعري، أن ألقى عيسى ابن
مريم (3).
وعن ابن سيرين: سألت ابن أخت لأبي ذر: ما ترك أبو ذر؟ قال: ترك
أتانين، وحمارا، وأعنزا، وركائب (4).
يحيى بن سعيد الأنصاري: أخبرنا الحارث بن يزيد الحضرمي: أن أبا
ذر سأل رسول الله الامرة، فقال: " إنك ضعيف، وإنها خزي وندامة، إلا

(1) في النهاية: ضرب الدهر من ضربانه، ويروى من ضربه أي مر من مروره وذهب بعضه.
(2) إسناده ضعيف لضعف بريدة بن سفيان فقد ضعفه البخاري والنسائي، وأبو داود، وأحمد،
والدارقطني، وذكره الحافظ في " الإصابة " 11 / 122 عن ابن إسحاق وضعف سنده.
(3) ابن سعد 4 / 230
(4) ابن سعد 4 / 231.
57

من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها " (1).
أبو بكر بن أبي مريم، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف بن الحارث،
عن أبي الدرداء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدى أبا ذر إذا حضر، ويتفقده
إذا غاب (2).
فضيل بن مرزوق، حدثتني جبلة بنت مصفح، عن حاطب: قال أبو
ذر: ما ترك رسول الله شيئا مما صبه جبريل وميكائيل في صدره، إلا قد صبه
في صدري; ولا تركت شيئا مما صبه في صدري إلا قد صببته في صدر مالك
ابن ضمرة (3).
هذا منكر.
عبد الرحمن بن أبي الرجال: أخبرنا عمر مولى غفرة، عن ابن كعب،
عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " أوصاني بخمس: أرحم المساكين
وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم
وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا
بالله " (4)

(1) أخرجه ابن سعد من طريق خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عن
الحارث بن يزيد الحضرمي، وهذا سند منقطع، الحارث لم يسمع من أبي ذر. وأخرجه مسلم
موصولا (1825) في الامارة من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكر بن عمرو،
عن الحارث بن يزيد الحضرمي. عن أبي حجيرة الأكبر عن أبي ذر.
(2) إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم، فإنه كان سرق بيته، فاختلط.
(3) أخرجه الطبراني في " الكبير " (1624) وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 230، وقال: فيه
من لم أعرفهم، وقد تحرف في الأصل " مصفح إلى " مصفى ".
(4) ابن كعب: هو محمد القرظي، وهو في " المسند " 5 / 173، وإسناده ضعيف لضعف عمر
مولى غفره وهو عمر بن عبد الله المدني. وأخرجه أحمد أيضا 5 / 159 من طريق عفان، عن سلام
أبي المنذر، عن محمد بن واسع، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال... وسنده
حسن، وسيورده المصنف في الصفحة 64.
58

الأعمش، عن عثمان بن عمير، عن أبي حرب بن أبي الأسود: سمعت
عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما أقلت الغبراء، ولا
أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر " (1).
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن بلال بن أبي الدرداء، عن
أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثله. وجاء نحوه لجابر، وأبي هريرة.
أبو أمية بن يعلى - وهو واه - عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي
هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن
مريم، فلينظر إلى أبي ذر " (2).
سلام بن مسكين: أخبرنا مالك بن دينار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيكم
يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه؟ " فقال أبو ذر: أنا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
: " ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي
ذر! من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر " (3).

(1) حديث قوي بشواهده أخرجه الترمذي (3801) وابن سعد 4 / 228، والحاكم 3 / 342،
وابن ماجة (156)، وعثمان بن عمير ضعيف، وقد تحرف في " المستدرك " إلى عثمان بن قيس،
وباقي رجاله ثقات، وحديث أبي الدرداء أخرجه ابن سعد 4 / 228، والحاكم 3 / 342، وعلي بن
زيد هو ابن جدعان ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 329، وزاد
نسبته إلى البزار والطبراني، وقال: وفيه علي بن زيد وقد وثق، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات،
وحديث جابر لم أقف عليه.
وحديث أبي هريرة أخرجه ابن سعد 4 / 228، وفي سنده أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف، وباقي
رجاله، ثقات. وفي الباب عن أبي ذر عند الترمذي (3802) وحسنه، والغبراء: الأرض،
والخضراء: السماء.
واللهجة: اللسان والنطق.
(2) إسناده ضعيف لضعف أبي أمية بن يعلى كما قال المصنف، وهو في طبقات ابن سعد
4 / 228.
(3) ابن سعد 4 / 228، ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع.
59

حجاج بن محمد، عن ابن جريج: أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود،
عن أبيه. ثم قال ابن جريج، ورجل عن زاذان، قالا: سئل علي عن أبي
ذر; فقال: وعى علما عجز عنه، وكان شحيحا على دينه، حريصا على
العلم، يكثر السؤال، وعجز عن كشف ما عنده من العلم (1).
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال: أخبرنا عبد الله بن
الصامت، قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من باب لا
يدخل عليه منه - قال: وتخوفنا عثمان عليه - فانتهى إليه، فسلم، ثم ما بدأه
بشئ إلا أن قال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم ولا
أدركهم. ثم استأذنه إلى الربذة (2).
يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن إدريس، عن المسيب بن
نجبة، عن علي، أنه قيل له: حدثنا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، حدثنا عن
أبي ذر. قال: علم العلم، ثم أوكى، فربط عليه رباطا شديدا! (3).
أبو إسحاق، عن هانئ بن هانئ: سمع عليا يقول: أبو ذر وعاء ملئ
علما، أوكى عليه، فلم يخرج منه شئ حتى قبض.
عن أبي سلمة، مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اغفر لأبي ذر وتب
عليه ".
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء

(1) ابن سعد 4 / 232.
(2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 232، ورجاله ثقات.
(3) يحيى بن سلمة بن كهيل متروك.
وأوكى: شد عليه بالوكاء، وهو ما يشد به فم السقاء أو الوعاء.
60

ووزراء، وإني أعطيت أربعة عشر " فسمى فيهم أبا ذر (1).
شريك، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت بحب أربعة، وأخبرني الله تعالى أنه يحبهم "
قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: " علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد
ابن الأسود " (2).
قال شهر بن حوسب: حدثتني أسماء: أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم،
فإذا فرغ من خدمته، أوى إلى المسجد، و [كان] هو بيته. [فدخل النبي
صلى الله عليه وسلم فوجده] منجدلا في المسجد. فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله، حتى استوى
جالسا، فقال: " ألا أراك نائما؟ " قال: فأين أنام، هل لي من بيت غيره؟
فجلس إليه، ثم قال: " كيف أنت إذا أخرجوك منه؟ " قال: الحق بالشام;
فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلا من
أهلها. قال له: " كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ " قال: أرجع إليه;
فيكون بيتي ومنزلي. قال: " فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟ " قال:
آخذ إذا سيفي فأقاتل حتى أموت.
قال: فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " أدلك على خير من ذلك؟ "
قال: بلى، بأبي وأمي يا رسول الله.
قال: " تنقاد لهم حيث قادوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك ".

(1) أخرجه الترمذي (3785) والطبراني في " الكبير " (6049) وفي سنده كثير بن إسماعيل
النواء وهو ضعيف.
(2) أخرجه أحمد 5 / 351، وأبو ربيعة الأيادي، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث.
61

أخرجه أحمد في " مسنده " (1).
وفي المسند: أخبرنا أبو المغيرة: أخبرنا صفوان بن عمرو، عن أبي
اليمان، وأبي المثنى: أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا، وواثقني
سبعا، وأشهد الله علي سبعا: ألا أخاف في الله لومة لائم (2).
أبو اليمان، هو الهوزني (3).
الدغولي (4): أخبرنا أبو جعفر الصائغ بمكة: أخبرنا المقري: أخبرنا
المسعودي: أخبرنا أبو عمر الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر
رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فجلست إليه،
فقال: " أصليت؟ " قلت: لا. قال: " قم فصل " فقمت فصليت، ثم
أتيته، فقال: " يا أبا ذر. استعذ بالله من شياطين الإنس والجن " قلت:
وهل للانس من شياطين؟ قال: " نعم "! ثم قال: " يا أبا ذر، ألا أدلك
على كنز من كنوز الجنة؟ قل: لا حول ولا قوة إلا بالله ". قلت: فما
الصلاة؟ قال: " خير موضوع، فمن شاء أكثر، ومن شاء أقل " قلت: فما
الصيام؟ قال: " فرض مجزئ " قلت: فما الصدقة؟ قال: " أضعاف
مضاعفة، وعند الله مزيد " قلت: فأيها أفضل؟ قال: " جهد من مقل، أو
سر إلى فقير " قلت: فأي ما أنزل الله عليك أعظم؟ قال: " الله لا إله إلا هو
الحي القيوم " قلت: فأي الأنبياء كان أول؟ قال: " آدم " قلت: نبيا كان؟

(1) 6 / 457، والزيادات منه، وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وأخرجه الطبراني
(1623) مختصرا. ومنجدلا: أي ملقى على الجدالة وهي الأرض، ونكته: غمزه.
(2) أخرجه أحمد 5 / 172.
(3) واسمه عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني الحمصي، مترجم في " التهذيب ".
(4) تحرف في المطبوع إلى " الدفولي ".
62

قال: " نعم، مكلم " قلت: فكم المرسلون يا رسول الله؟ قال: ثلاث
مئة وخمسة عشر جما غفيرا " (1).
هشام، عن ابن سيرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: " إذا بلغ البناء
سلعا فاخرج منها - ونحا بيده نحو الشام - ولا أرى أمراءك يدعونك "! قال:
أولا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك؟ قال: " لا " قال: فما تأمرني؟ قال:
" اسمع وأطع، ولو لعبد حبشي ".
فلما كان ذلك، خرج إلى الشام. فكتب معاوية: إنه قد أفسد الشام.
فطلبه عثمان; ثم بعثوا أهله من بعده، فوجدوا عندهم كيسا أو شيئا; فظنوه
دراهم، فقالوا: ما شاء الله! فإذا هي فلوس.
فقال عثمان: كن عندي. قال: لا حاجة لي في دنياكم; ائذن لي حتى
أخرج إلى الربذة. فأذن له; فخرج إليها، وعليها عبد حبشي لعثمان،
فتأخر وقت الصلاة (2) - لما رأى أبا ذر - فقال أبو ذر: تقدم فصل (3).
سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن
أبي ذر، قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وعليه برذعه، أو
قطيفة (4).

(1) أخرجه أحمد 5 / 178 و 179، وإسناده ضعيف، لاختلاط المسعودي واسمه عبد الرحمن بن
عبد الله، وضعف أبي عمر الدمشقي، ولين عبيد بن الخشخاش.
(2) أي: عن الإمامة وقت إقامة الصلاة، وفي " الطبقات " 4 / 227: فخرج إلى الربذة وقد
أقيمت الصلاة، وعليها عبد لعثمان حبشي فتأخر، فقال أبو ذر...
(3) ابن سعد 4 / 226، 227، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وتمامه عنده: فصل فقد أمرت أن
أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي.
(4) إسناده صحيح وهو في طبقات ابن سعد 4 / 228، ومسند أحمد 5 / 164.
63

عفان: أخبرنا سلام أبو المنذر، عن محمد بن واسع، عن عبد الله بن
الصامت، عن أبي ذر، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: " أمرني
بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، وأن لا أسأل
أحدا شيئا، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مرا،
وألا أخاف في الله لومة لائم، وأن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله;
فإنهن من كنز تحت العرش " (1).
الأوزاعي: حدثني أبو كثير، عن أبيه، قال: أتيت أبا ذر وهو جالس
عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل،
فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه، ثم
قال: أرقيب أنت علي! لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار بيده إلى
قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي
لأنفذتها (2).
اسم أبي كثير: مرثد.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي، قال: لم يبق أحد لا يبالي في الله
لومة لائم، غير أبي ذر، ولا نفسي. ثم ضرب بيده على صدره (3).
الجريري، عن يزيد بن الشخير، عن الأحنف، قال: قدمت

(1) أخرجه أحمد 5 / 159، وابن سعد 4 / 229، وسنده حسن، وقد تقدم في الصفحة 58
تعليق (4).
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 160.
والجمرة الوسطى: هي إحدى المواضع الثلاث التي يرمى فيها الحصى بمنى. والصمصامة:
السيف القاطع.
(3) ابن سعد 4 / 231.
64

المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملا من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب،
أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم فقال: بشر الكنازين برضف
يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم، حتى يخرج من
نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا.
فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا
ما قلت لهم. قال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئا; إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
دعاني فقال: يا أبا ذر، فأجبته. فقال: ترى أحدا؟ فنظرت ما علي من
الشمس - وأنا أظنه يبعثني في حاجة - فقلت: أراه، [فقال:] " ما يسرني أن
لي مثله ذهبا، أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير " ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا
يعقلون شيئا!
فقلت: مالك ولاخوانك من قريش، لا تعتريهم ولا تصيب منهم؟
قال: لا وربك، ما أسألهم دنيا، [ولا] أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله
ورسوله (1).
الأسود بن شيبان، عن يزيد بن الشخير، عن أخيه مطرف، عن أبي
ذر، فذكر بعضه (2).

(1) أخرجه البخاري 3 / 218 في الزكاة: باب ما أدي زكاته فليس بكنز، ومسلم (992) في
الزكاة: باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم، كلاهما من طريق الجريري، عن يزيد بن
الشخير، عن الأحنف بن قيس...
والرضف: الحجارة المحماة، الواحدة رضفة، مثل: تمر وتمرة، والنغض: العظم الدقيق
الذي على طرف الكتف، أو على أعلى الكتف، وأصل النغض: الحركة، فسمي ذلك الموضع نغضا
لأنه يتحرك بحركة الانسان.
ويتجلجل: يغوص، ورواية البخاري ومسلم " يتزلزل ": أي يضطرب ويتحرك.
(2) هو في " المسند " 5 / 176، وانظر " الفتح " 3 / 218.
سير 2 / 5
65

موسى بن عبيدة: حدثنا عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوس بن
الحدثان، قال: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد، وأنا جالس،
فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين، تجوز فيهما ثم قرأ:
* (ألهاكم التكاثر) *. واجتمع الناس عليه، فقالوا: حدثنا ما سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " في الإبل صدقتها، وفي
البقر صدقتها، وفي البر صدقته. من جمع دينارا، أو تبرا، أو فضة، لا
يعده لغريم، ولا ينفقه في سبيل الله، كوي به ".
قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الأموال قد
فشت. قال: من أنت، ابن أخي؟ فانتسبت له.
فقال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ: * (والذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) * [التوبة: 35] (1).
موسى - ضعف - رواه عنه الثقات.
ابن لهيعة: حدثنا أبو قبيل: سمعت مالك بن عبد الله الزيادي (2) يحدث
عن أبي ذر، أنه جاء يستأذن على عثمان، فأذن له، وبيده عصا. فقال
عثمان: يا كعب، إن عبد الرحمن توفي، وترك مالا، فما ترى؟ قال: إن

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 3 / 213 وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 233
مختصرا، وزاد نسبته لابن مردويه.
(2) تحرف في المطبوع إلى " الذماري " وقد ذكر الحافظ في " تعجيل المنفعة " في ترجمة مالك بن
عبد الله هذا، أن هذه النسبة محرفة، وأن الصواب " البردادي " بفتح الموحدة وسكون المهملة ودالين
بينهما ألف، وقال: هكذا ضبطه ابن يونس في نسخة الحافظ الحبال المصري، وابن يونس أعلم
بالمصريين من غيره.
66

كان فضل فيه حق الله، فلا بأس عليه. فرفع أبو ذر عصاه، وضرب كعبا
وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما أحب أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه
ويتقبل مني، أذر خلفي منه ستة أواق " أنشدك الله يا عثمان: أسمعته قال
مرارا؟ قال: نعم (1).
قلت: هذا دال على فضل إنفاقه وكراهية جمعه; لا يدل على تحريم.
حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قال: دخلت مع أبي ذر
على عثمان، فلما دخل، حسر عن رأسه وقال: والله، ما أنا منهم يا أمير
المؤمنين - يريد الخوارج. قال ابن شوذب: سيماهم الحلق - قال له
عثمان: صدقت يا أبا ذر! إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة. قال: لا
حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة. قال: نعم، ونأمر لك بنعم من
نعم الصدقة، تغدو عليك وتروح. قال: لا حاجة لي في ذلك، يكفي أبا
ذر صريمته (2).
فلما خرج قال: دونكم معاشر قريش، دنياكم فاعذموها (3)، ودعونا
وربنا.
قال: ودخل عليه وهو يقسم، و عبد الرحمن بن عوف بين يديه، وعنده
كعب، فأقبل عثمان على كعب، فقال: يا أبا إسحاق، ما تقول فيمن جمع

(1) أخرجه أحمد في " المسند " 1 / 63، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، وجهالة مالك بن
عبد الله، وأخرجه ابن عبد الحكم في " فتوح مصر " ص 286 من طريق أبي الأسود النضر بن عبد
الجبار، عن ابن لهيعة.
(2) الصريمة: تصغير الصرمة: وهي القطيع من الإبل والغنم.
(3) أي: خذوها، والعذم: العض والاكل بجفاء، وبابه، ضرب، وقد تحرفت في المطبوع
إلى " فاغنموها ".
67

هذا المال، فكان يتصدق منه ويصل الرحم؟ قال كعب: إني لأرجو له.
فغضب ورفع عليه العصا، وقال: وما تدري يا ابن اليهودية، ليودن صاحب
هذا المال لو كان عقارب في الدنيا تلسع السويداء من قلبه (1).
السري بن يحيى: حدثنا غزوان أبو حاتم، قال: بينا أبو ذر عند باب
عثمان ليؤذن له، إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها
هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل فقال: يا أمير المؤمنين،
ما بال أبي ذر على الباب!
فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية، وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال
عثمان لكعب: أرأيت المال إذا أدي زكاته، هل يخشى على صاحبه فيه
تبعة؟ قال: لا. فقام أبو ذر فضربه بعصا بين أذنيه، ثم قال: يا ابن
اليهودية، تزعم أن ليس عليه حق في ماله، إذ آتي زكاته، والله يقول:
* (ويؤثرون على أنفسهم) * [الحشر: 9].. الآية. ويقول:
* (ويطعمون الطعام على حبه) * [الدهر: 8].
فجعل يذكر نحو هذا من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن
نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى.
وروى عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة
مخافة الاعرابية (2); فكان يحب الوحدة فدخل على عثمان وعنده كعب...
الحديث.

(1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 232، و " الحلية " 1 / 160.
(2) أي: توطن البادية بعد الهجرة، وقد ورد النهي عن ذلك، انظر " مسند أحمد " 1 / 409
و 430 و 465، والنسائي 8 / 147، في الزينة: باب الموتشمات.
68

وفيه: فشج كعبا! فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، أتق
الله واكفف يدك ولسانك.
موسى بن عبيدة: أخبرنا ابن نفيع (1)، عن ابن عباس، قال: استأذن أبو
ذر على عثمان، فتغافلوا عنه ساعة. فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر
بالباب. قال: ائذن له، إن شئت أن تؤذينا وتبرح بنا. فأذنت له. فجلس
على سرير مرمول (2)، فرجف به السرير، وكان عظيما طويلا! فقال
عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر! قال: ما قلت. قال:
إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك وما تأتي به؟! وقد
علمت ما قلت. قال: فكيف إذا قلت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي
عاهدته عليه " وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدته عليه، وعلى
الله تمام النعمة.
وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام
فيلحق بمعاوية. فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال. فكان
معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا
درهم، ولا تبر ولا فضة، إلا شئ ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم.
وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل. فأنفقها.

(1) لم أجد لابن نفيع ترجمة، وقد يكون محرفا عن ابن نويفع، واسمه محمد بن الوليد، فقد
روى الطبراني في " الكبير " (1628): المرفوع من الحديث، من طريق موسى بن عبيدة، عن
محمد بن الوليد، عن ابن عباس، فإن يكنه ففيه انقطاع، لأنه لا يروي عن ابن عباس إلا بواسطة
كريب مولاه فيما ذكروه في ترجمته.
(2) أي: مسوج بالسعف والحبال، ويقال أيضا: سرير مرمول: إذا كان مزينا بالجوهر
ونحوه.
69

فلما صلى معاوية الصبح، دعا رسوله، فقال: اذهب إلى أبي ذر،
فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية، فإني أخطأت. قال: يا بني، قل
له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار. ولكن أنظرنا ثلاثا حتى
نجمع لك دنانيرك.
فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان
لك بالشام حاجة، أو بأهله، فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد وغل صدور
الناس.
فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم (1).
ابن لهيعة، عن عبيد الله بن المغيرة، عن يعلى بن شداد، قال: قال
شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله فيه الشدة، ثم
يخرج إلى قومه، فيسلم عليهم. ثم إن رسول الله يرخص فيه بعد، فلم
يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالامر الشديد (2).
عاصم بن كليب، عن أبي الجويرية، عن زيد بن خالد الجهني،
قال: كنت عند عثمان، إذ جاء أبو ذر، فلما رآه عثمان قال: مرحبا وأهلا
بأخي. فقال أبو ذر: مرحبا وأهلا بأخي، لقد أغلظت علينا في العزيمة،
والله لو عزمت علي أن أحبو لحبوت ما استطعت. إني خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم
نحو حائط بني فلان، فقال لي: " ويحك بعدي "! فبكيت، فقلت: يا
رسول الله، وإني لباق بعدك؟ قال: " نعم، فإذا رأيت البناء على سلع،
فالحق بالمغرب، أرض قضاعة ".

(1) إسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة، وابن نفيع إن كان محمد بن الوليد، فلم يوثقه غير
ابن حبان، وإلا فهو مجهول.
(2) ابن لهيعة: سئ الحفظ، وباقي رجاله ثقات. وهو في " المسند " 4 / 125.
70

قال عثمان: أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال
الناس (1).
وعن أبي ذر: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسمع وأطع لمن كان عليك ".
جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن عبد الله بن سيدان
السلمي، قال: تناجى أبو ذر، وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم
انصرف أبو ذر متبسما، فقالوا: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع،
ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن [ثم استطعت أن أفعل، لفعلت] وأمره أن
يخرج إلى الربذة (2).
ميمون بن مهران، عن عبد الله بن سيدان، عن أبي ذر، قال: لو أمرني
عثمان أن أمشي على رأسي لمشيت (3).
وقال أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، قال: قال أبو ذر
لعثمان: يا أمير المؤمنين، افتح الباب، لا تحسبني من قوم يمرقون من
الدين كما يمرق السهم من الرمية.
يزيد، أخبرنا العوام بن حوشب: حدثني رجل عن شيخين من بني
ثعلبة، قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية،
فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستأذناه بأن نغسل رأسه. فأذن
لنا، واستأنس بنا. فبينما نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق - حسبته

(1) رجاله ثقات، وأبو الجويرية اسمه: حطان بن خفاف الجرمي.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 227، والزيادة منه، وعبد الله بن سيدان، قال البخاري في
" التاريخ " 5 / 110: لا يتابع على حديثه، وأورده ابن أبي حاتم 5 / 68، فلم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، ونقل الذهبي في " ميزانه " عن اللالكائي قوله: مجهول لا حجة فيه.
(3) إسناده ضعيف كسابقه، لضعف عبد الله بن سيدان.
71

قال: من أهل الكوفة - فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل! فهل
أنت ناصب لك راية فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الاسلام، لا
تعرضوا علي ذاكم ولا تذلوا السلطان; فإنه من أذل السلطان، فلا توبة له،
والله لو صلبني على أطول خشبة أو حبل، لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك
خير لي (1).
حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قالت أم ذر: والله ما سير
عثمان أبا ذر - تعني إلى الربذة - ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا بلغ البناء
سلعا، فاخرج منها ".
قال غالب القطان للحسن: يا أبا سعيد، أكان عثمان أخرج أبا ذر؟
قال: معاذ الله.
محمد بن عمرو، عن عراك بن مالك، قال أبو ذر: إني لأقربكم
مجلسا من رسول الله يوم القيامة، إني سمعته يقول: " إن أقربكم مني
مجلسا من خرج من الدنيا كهيئته بما تركته عليه " وإنه والله ما منكم إلا من
تشبث منها بشئ (2).
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا برجل عليه برد، وعلى
غلامه مثله، فقلنا: لو عملتهما حلة لك، واشتريت لغلامك غيره! فقال:
سأحدثكم: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت

(1) أخرجه أحمد 5 / 165، وابن سعد 4 / 227، وفيه جهالة الرجل والشيخين من بني ثعلبة
، وباقي رجاله ثقات.
(2) أخرجه أحمد 5 / 165، والطبراني في " الكبير " (1627)، وابن سعد 4 / 228، 229،
ورجاله ثقات، لكنه منقطع، لان عراك بن مالك كما في " المجمع " 9 / 327: لم يسمع من أبي
ذر، وقد أخرج أبو يعلى معناه من وجه آخر عن أبي ذر متصلا، إلا أن سنده ضعيف، وقوله:
" كهيئته بما " في " المسند " كهيئته يوم ".
72

منها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ساببت فلانا "؟ قلت: نعم. قال:
" ذكرت أمه "؟ قلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه. فقال: " إنك امرؤ
فيه جاهلية " وذكر الحديث - إلى أن قال: " إخوانكم، جعلهم الله تحت
أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه،
ولا يكلفه ما يغلبه " (1).
قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، أنه دخل على أبي ذر بالربذة،
وعنده امرأة له سوداء مشعثة، ليس عليها أثر المجاسد والخلوق. فقال: ألا
تنظرون ما تأمرني به؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيتها مالوا علي بدنياهم،
وإن خليلي عهد إلي: " إن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة " وإنا
أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو [من أن نأتي عليه ونحن
مواقير] (2).
أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، أن أبا ذر كان عطاؤه
أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه، دعا خادمه، فسأله عما يكفيه للسنة،
فاشتراه، ثم اشترى فلوسا بما بقي. وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة
يوكى عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه (3).

(1) أخرجه البخاري: 1 / 80، 81 في الايمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية، و 5 / 126
في العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العبيد إخوانكم، و 10 / 390 في الأدب: باب ما ينهى من
السباب واللعن، ومسلم (1661) في الايمان: باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس،
ولا يكلفه ما لا يطيق، وأحمد 5 / 161، وأبو داود (5157) و (5158). والترمذي (1945).
(2) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 4 / 236، وأحمد 5 / 195 كلاهما عن عفان بن مسلم،
عن همام بن يحيى، عن قتادة به.
(3) رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 230، وأخرجه موصولا
أحمد 5 / 156، 165، و 175، 176، وابن سعد 4 / 229، من طريق همام، عن قتادة، عن
سعيد بن أبي الحسن، عن عبد الله بن الصامت أنه كان مع أبي ذر.. ورجاله ثقات.
73

قال يحيى بن أبي كثير: كان لأبي ذر ثلاثون فرسا يحمل عليها، فكان
يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت
أخذها، فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكنا، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما
هذا! تعمر دارا أذن الله بخرابها، لان تكون رأيتك تتمرغ (1) في عذرة أحب
إلي من أن أكون رأيتك فيما رأيتك فيه.
حسين المعلم، عن ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى لقي أبا ذر،
فجعل أبو موسى يكرمه - وكان أبو موسى قصيرا خفيف اللحم. وكان أبو ذر
رجلا أسود كث الشعر - فيقول أبو ذر: إليك عني! ويقول أبو موسى:
مرحبا بأخي! فيقول: لست بأخيك! إنما كنت أخاك قبل أن تلي (2).
وعن أم طلق قالت: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثا شاحبا، بيده
صوف، قد جعل عودين، وهو يغزل بهما، فلم أر في بيته شيئا، فناولته
شيئا من دقيق وسويق، فقال لي: أما ثوابك، فعلى الله.
وقيل: إن أبا ذر خلف بنتا له، فضمها عثمان إلى عياله.
قال الفلاس، والهيثم بن عدي، وغيرهما: مات سنة اثنتين وثلاثين.
ويقال: مات في ذي الحجة.
ويقال: إن ابن مسعود الذي دفنه، عاش بعده نحوا من عشرة أيام.
رضي الله عنهما.

(1) تحرفت في المطبوع إلى " تهرع ".
(2) ابن سعد 4 / 230، ورجاله ثقات.
74

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر - مع قوة أبي ذر في بدنه وشجاعته - " يا أبا ذر،
إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين،
ولا تولين مال يتيم " (1).
فهذا محمول على ضعف الرأي; فإنه لو ولي ما يتيم، لأنفقه كله في
سبيل الخير، ولترك اليتيم فقيرا. فقد ذكرنا أنه كان لا يستجيز ادخار
النقدين. والذي يتأمر على الناس، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة، وأبو
ذر رضي الله عنه كانت فيه حدة - كما ذكرناه - فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم.
وله مئتا حديث وأحد وثمانون حديثا، اتفقا (2) منها على اثني عشر
حديثا، وانفرد البخاري بحديثين. ومسلم بتسعة عشر (3).
ابن سعد: أخبرنا عفان: أخبرنا وهيب: أخبرنا عبد الله بن عثمان بن

(1) أخرجه مسلم (1826) في الامارة: باب كراهية الامارة بغير ضرورة، وأحمد 5 / 180،
وابن سعد 4 / 231 من طريق عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر،
عن سالم بن أبي سالم الجيشاني، عن أبيه، عن أبي ذر.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " اتفق ".
(3) انظر البخاري: 6 / 393 في مناقب قريش، و 5 / 105 في العتق، و 10 / 238 في
اللباس، و 13 / 350 في التوحيد، و 3 / 394 في الحج، و 6 / 290، 291 في أحاديث الأنبياء،
و 2 / 15 في المواقيت، و 3 / 256 في الزكاة، و 3 / 218، 219 في الزكاة، و 1 / 81 في الايمان،
و 6 / 400 في المناقب، و 7 / 231 في المغازي، ومسلم (61) و (84) و (94) و (159)
و (163) في الايمان، و (250) و (616) في المساجد، و (990) و (992) (35) في
الزكاة، و (1661) (40) في الايمان، و (2474) في الفضائل. وانظر البخاري 10 / 388 في
الأدب، وانظر مسلم (106) و (178) و (190) في الايمان، و (510) في الصلاة، و (553)
و (648) في المساجد، و (720) في صلاة المسافرين، و (1006) و (1067) في الزكاة،
و (1224) في الحج و (1825) (1837) في الامارة، و (2300) و (2473) في الفضائل،
و (2514) و (2543) في فضائل الصحابة، و (2577) و (2625) (143) في البر والصلة،
و (2729) و (2731) في الذكر والدعاء.
75

خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، أن أبا ذر حضره الموت
بالربذة، فبكت امرأته، فقال: وما يبكيك؟ قالت: أبكي أنه لابد من
تغييبك. وليس عندي ثوب يسعك كفنا.
قال: لا تبكي. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وأنا عنده في
نفر، يقول: " ليموتن رجل منكم بفلاة تشهده عصابة من المؤمنين "
فكلهم (1) مات في جماعة وقرية، فلم يبق غيري، وقد أصبحت بالفلاة
أموت، فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، ما كذبت، ولا
كذبت. قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟!
قال: راقبي [الطريق] فبينا هي كذلك، إذ هي بالقوم [تخب بهم
رواحلهم] كأنهم الرخم (2)، فأقبلوا حتى وقفوا عليها. قالوا: مالك؟
قالت: رجل من المسلمين تكفنونه، وتؤجرون فيه. قالوا: ومن هو؟
قالت: أبو ذر. فقدوه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا سياطهم في نحورها
يبتدرونه.
فقال: أبشروا، أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.
سمعته يقول: " ما من امرأين من المسلمين هلك بينهما ولدان [أو ثلاثة]
فاحتسبا وصبرا، فيريان النار أبدا ".
ثم قال: وقد أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم
أكفن إلا فيه. أنشدكم الله: أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو
بريدا.

(1) في " الطبقات " فكل من كان معي في ذلك المجلس.
(2) تخب: تسرع، والرخم، جمع رخمة، وهو: طائر أبقع على شكل النسر خلقة إلا أنه مبقع
بسواد وبياض.
76

فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار قال: أنا صاحبك،
ثوبان في عيبتي (1) من غزل أمي، وأحد ثوبي هذين اللذين علي.
قال: أنت صاحبي، فكفني (2).
ثم قال ابن سعد: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا يحيى بن
سليم، عن ابن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، أنه
لما حضر أبا ذر الموت، بكت امرأته - فذكره وزاد -: فكفنه الأنصاري في
النفر الذين شهدوه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك بن الأشتر.
ابن إسحاق: حدثنا بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي،
عن ابن مسعود، قال: لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة، وأصابه بها قدره،
لم يكن معه إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما: أن اغسلاني وكفناني وضعاني
على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا: هذا أبو ذر، فأعينونا عليه.
فوضعاه، وأقبل ابن مسعود في رهط من العراق عمارا، فلم يرعهم إلا
به، قد كادت الإبل أن تطأه. فقال الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
فاستهل عبد الله يبكي، ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمشي

(1) العيبة: ما تجعل فيه الثياب.
(2) رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا، أخرجه ابن سعد 4 / 232، وأحمد 5 / 166، وذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 331 ونسبه لأحمد وقال: رجاله رجال الصحيح. ورواه ابن الأثير في
" أسد الغابة " 1 / 358 من طريق ابن إسحاق، أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا
عبد الله بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن زوجة أبي ذر... ورواه
ابن سعد 4 / 233، 234 من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، عن يحيى بن سليم، عن عبد الله بن
عثمان بن خثيم عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه مالك بن الحارث... وأخرجه أبو
نعيم في " الحلية " 1 / 169، 170 وابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 172، 175. من طريق
يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه
الأشتر، عن أم ذر.
77

وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك!
ثم نزلوا فواروه، ثم حدثهم عبد الله حديثه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
في مسيره وحده إلى تبوك (1).
وعن عيسى بن عميلة (2): أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمة له، فيبدأ
بجيرانه وأضيافه قبل نفسه (3).
عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال: رأيت أبا ذر يميد على
راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائما، فدنوت وقلت: أنائم
أنت يا أبا ذر؟ قال: لا، بل كنت أصلي (4).
11 - العباس * (ع)
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه، وخرج مع قومه إلى بدر،
فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم. فالله أعلم.

(1) بريدة بن سفيان، ضعيف، وقد تقدم تخريج الحديث في الصفحة (57) ت (2).
(2) كذا الأصل " عميلة " بالعين المهملة، ولم نجد له ترجمة، ويغلب على الظن أنه محرف،
صوابه " عيسى بن نميلة " الفزاري مترجم في " تهذيب الكمال " 1086.
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 235 من طريق الواقدي.
(4) أخرجه ابن سعد 4 / 236 ورجاله ثقات.
* مسند أحمد: 1 / 206، طبقات ابن سعد: 4 / 5 - 33، التاريخ لابن معين: 294،
تاريخ خليفة: 168، التاريخ الكبير: 7 / 2، المعارف: 118، 137، 156، 589، 592،
تاريخ الفسوي: 1 / 295، أنساب الأشراف: 3 / 1 - 42، الجرح والتعديل 6 / 210
المستدرك 3 / 321 - 334، الاستبصار: 164، الاستيعاب: 2 / 810، ابن عساكر:
8 / 452 / 1، صفة الصفوة: 195، تهذيب الكمال: 658، تاريخ الاسلام: 2 / 98،
العبر: 1 / 33، مجمع الزوائد: 9 / 268، تهذيب التهذيب: 5 / 214 - 215، الإصابة:
5 / 328، خلاصة تذهيب الكمال: 189، كنز: العمال: 13 / 502، شذرات الذهب:
1 / 38، تهذيب ابن عساكر: 7 / 229.
78

وليس هو في عداد الطلقاء; فإنه كان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح;
ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب.
وله عدة أحاديث، منها خمسة وثلاثون في مسند بقي وفي (البخاري
ومسلم) حديث، وفي (البخاري) حديث، وفي (مسلم) ثلاثة
أحاديث (1).
روى عنه ابناه: عبد الله، وكثير; والأحنف بن قيس، و عبد الله بن
الحارث بن نوفل، وجابر بن عبد الله، وأم كلثوم بنت العباس، و عبد الله بن
عميرة، وعامر بن سعد، وإسحاق بن عبد الله بن نوفل، ومالك بن أوس بن
الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، وابنه عبيد لله بن العباس، وآخرون.
وقدم الشام مع عمر.
فعن أسلم مولى عمر: أن عمر لما دنا من الشام تنحى ومعه غلامه،
فعمد إلى مركب غلامه فركبه، وعليه فرو مقلوب، وحول غلامه على رحل
نفسه.
وإن العباس لبين يديه على [فرس] عتيق، وكان رجلا جميلا،
فجعلت البطارقة يسلمون عليه، فيشير: لست به، وإنه ذاك.
قال الكلبي: كان العباس شريفا، مهيبا، عاقلا، جميلا، أبيض،
بضا، له ضفيرتان، معتدل القامة.
ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين.
قلت: بل كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم،

(1) انظر البخاري 10 / 489 في الأدب، ومسلم (209) في الايمان، والبخاري 6 / 89 في
الجهاد، ومسلم (34) في الايمان و (491) في الصلاة، و (1775) في الجهاد والسير.
79

وأجهرهم صوتا، مع الحلم الوافر، والسؤدد.
روى مغيرة، عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي
صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله (1).
قال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة
لجائعهم، ومنظرة (2) لجاهلهم.
وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب.
ونديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن
الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان العباس قد أسلم قبل أن
يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (3).

(1) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 270، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح،
وذكره المتقي في " كنز العمال " 13 / 521، ونسبه لابن عساكر وابن النجار.
(2) المنظرة: المرقة وقد تحرفت في المطبوع إلى " أناة "، وفي تهذيب ابن عساكر 7 / 228
" مقطرة "، قال في " اللسان ": وهي الفق وهي خشبة فيها خروق كل خرق على قدر سعة الساق
يدخل فيها أرجل المحبوسين مشتق من قطار الإبل، لان المحبوسين فيها على قطار واحد مضموم
بعضهم إلى بعض، أرجلهم في خروق خشبة مفلوقة على قدر سعة سوقهم.
وفي ذلك يقول إبراهيم بن هرمة:
وكانت لعباس ثلاث نعدها * إذا ما جناب الحي أصبح أشهبا
فسلسلة تنهى المظلوم وجفنة * تباح فيكسوها السنان المزغبا
وحلة عصب ما تزال معدة * لعار ضريك ثوبه قد تهببا
(3) " طبقات ابن سعد 4 / 31، وإسناده واه كما قال المؤلف.
وانظر " المستدرك " 3 / 321، وقال الحافظ في " الإصابة " والصحيح أن العباس أسلم يوم
بدر.
80

إسناده واه.
عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر السلمي، عن أبيه، عن جده، قال:
نظرت إلى العباس يوم بدر، وهو واقف كأنه صنم، وعيناه تذرفان.
فقلت: جزاك الله من ذي رحم شرا! أتقاتل ابن أخيك مع عدوه؟
قال: ما فعل، أقتل؟ قلت: الله أعزله وأنصر من ذلك. قال: ما
تريد إلي؟ قلت: الأسر; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك. قال: ليست
بأول صلته. فأسرته، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
الثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء، أو غيره، قال: جاء رجل من
الأنصار بالعباس، قد أسره، فقال: ليس هذا أسرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" لقد آزرك الله بملك كريم " (2).
ابن إسحاق، عمن سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال: أسر العباس
أبو اليسر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أسرته؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما
رأيته قبل ولا بعد، هيئته كذا. قال: " لقد أعانك عليه ملك كريم " (3).
ثم قال للعباس: " افد نفسك، وابن أخيك عقيلا، ونوفل بن
الحارث، وحليفك عتبة بن جحدم (4) ". فأبى وقال: إني كنت مسلما قبل

(1) انظر " ابن سعد " 4 / 12.
(2) رجاله ثقات.
وقد تحرفت في المطبوع " أسرني " إلى " أسيري ".
(3) الخبر بنحوه عند ابن سعد 4 / 12 من طريق ابن إسحاق حدثني بعض أصحابنا، عن
مقسم أبي القاسم، عن ابن عباس...
(4) في الأصل: " مخدم " وما أثبتناه عن ابن عساكر، وفي " طبقات ابن سعد ": " عتبة بن
عمرو بن جحدم ".
سير 2 / 6
81

ذلك، وإنما استكرهوني. قال: " الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعي
حقا، فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك ".
- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهبا
فقلت (1): يا رسول الله، احسبها لي من فدائي. قال: " لا، ذاك شئ أعطانا
الله منك " قال: فإنه ليس لي مال! قال: " فأين المال الذي وضعته بمكة
عند أم الفضل، وليس معكما أحد غيركما، فقلت: إن أصبت في سفري
فللفضل كذا، لقثم كذا، ولعبد الله كذا؟ "
قال: فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيرها، وإني
لا علم أنك رسول الله (2).
يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله
ابن العباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بعثت قريش (3) إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم. ففدى كل قوم أسيرهم، بما تراضوا. وقال
العباس: يا رسول الله، إني كنت مسلما.
إلى أن قال: وأنزلت: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من
الأسارى (4) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر
لكم) * [الأنفال: 70].
قال: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الاسلام، عشرين عبدا

(1) في " طبقات ابن سعد ": فقال العباس.
(2) ذكره ابن سعد في " الطبقات " 4 / 13، 14 عن ابن إسحاق قال: قال رسول
الله....
(3) في الأصل: قريشا.
(4) الأسارى: جمع أسير، وهي قراءة أبي عمرو وكان أهل الشام في عصر المؤلف يقرؤون
بقراءة أبي عمرو، ومع ذلك، فقد حذف محقق المطبوع ما في الأصل، وأثبت مكانها (الاسرى)
وهي قراءة ما سوى أبي عمرو من القراء السبعة.
82

كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى (1).
قال ابن إسحاق: وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر العباس، افتدى
نفسه بمئة أوقية من ذهب.
وعن ابن عباس، قال: أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسارى في الوثاق،
فبات ساهرا أول الليل، فقيل: يا رسول الله، مالك لا تنام؟ قال: سمعت
أنين عمى في وثاقه. فأطلقوه، فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه
وسلم (2).
إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، قال: أسر العباس رجل، ووعدوه أن
يقتلوه. فقال رسول الله: " إني لم أنم الليلة من أجل العباس; زعمت
الأنصار أنهم قاتلوه ". فقال عمر: أآتيهم يا رسول الله؟ فأتى الأنصار
فقال: أرسلوا العباس. قالوا: إن كان لرسول الله رضى فخذه.
سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: قيل: يا رسول الله بعد ما فرغ
من بدر عليك بالعير ليس دونها شئ. فقال العباس وهو في وثاقه -: لا
يصلح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم؟ قال: لان الله وعدك إحدى الطائفتين،
فقد أعطاك ما وعدك.
هكذا رواه إسرائيل. ورواه عمرو بن ثابت، عن سماك، عن
عكرمة، مرسلا.

(1) إسناده ضعيف لضعف حسين بن عبد الله، وباقي رجاله ثقات، ونسبه السيوطي في " الدر
المنثور " 3 / 205 إلى ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل،
وابن عساكر، وأخرجه الحاكم 3 / 324 بسند حسن من طريق ابن إسحاق، حدثنا يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة... وصححه، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 12، 13 وقد سقط من المطبوع من قوله:
" فأطلقوه... إلى قوله: " وسلم ".
83

إسماعيل بن قيس، عن أبي حازم، عن سهل، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم
من بدر، استأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة، حتى يهاجر منها.
فقال: " اطمئن يا عم، فإنك خاتم المهاجرين، كما أنا خاتم النبيين " (1)
إسناده واه، رواه أبو يعلى، والشاشي (2) في " مسنديهما ". ويروى نحوه
من مراسيل الزهري.
قال ابن سعد (3): الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد
بدرا: فبدأ بالعباس، قال: وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب. وسرد نسبها
إلى ربيعة بن نزار بن معد.
وعن ابن عباس: ولد أبي قبل أصحاب الفيل بثلاث سنين.
وبنوه: الفضل - وهو أكبرهم - و عبد الله البحر (4)، وعبيد الله، وقثم -
ولم يعقب - و عبد الرحمن - توفي بالشام ولم يعقب - ومعبد - استشهد
بإفريقية - وأم حبيب (5): وأمهم: أم الفضل لبابة الهلالية، وفيها يقول ابن يزيد
الهلالي:

(1) إسناده ضعيف جدا، فإن إسماعيل بن قيس، قال فيه البخاري والدارقطني: منكر
الحديث، وقال النسائي وغيره: ضعيف، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه منكر، وأورده
الهيثمي في " المجمع " 9 / 269، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه أبو مصعب إسماعيل بن
قيس وهو متروك. ونسبه المتقي في " الكنز " 3 / 519 إلى الشاشي وابن عساكر.
(2) هو الهيثم بن كليب بن شريح الشاشي محدث ما وراء النهر. ومؤلف " المسند الكبير "
توفي سنة 533 ه‍. ويوجد منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق. " تذكرة الحفاظ " ص 848،
849.
(3) " الطبقات " 4 / 5.
(4) وفي " الطبقات " الحبر.
(5) كذا الأصل " حبيب " وهو كذلك في " مجمع الزوائد " وفي " الطبقات ": وأم حبيبة.
84

ما ولدت نجيبة من فحل * بجبل نعلمه أو سهل
كستة من بطن أم الفضل * أكرم بها من كهلة وكهل
قال الكلبي: ما رأينا ولد أم قط أبعد قبورا من بني العباس.
ومن أولاد العباس: كثير - وكان فقيها - وتمام - وكان من أشد قريش -
وأميمة; وأمهم أم ولد. والحارث بن العباس، وأمه حجيلة بنت (1) جندب
التميمية (2).
فعدتهم عشرة.
الواقدي: أخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي، عن أبي البداح بن عاصم،
عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، عن أبيه، قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقيل:
هو في منزل العباس; فدخلنا عليه، فسلمنا وقلنا: متى نلتقي؟ فقال
العباس: إن معكم من قومكم (3) من هو مخالف لكم، فأخفوا أمركم [حتى
ينصدع هذا الحاج، ونلتقي نحن وأنتم، فنوضح لكم الامر، فتدخلون على
أمر بين]. فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النفر الآخر بأسفل العقبة، وأمرهم ألا
ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غائبا (4).
وعن معاذ بن رفاعة، قال: فخرجوا بعد هدأة يتسللون، وقد سبقهم
إلى ذلك المكان معه عمه العباس وحده.
قال: فأول من تكلم هو، فقال: يا معشر الخزرج، قد دعوتم محمدا
إلى ما دعوتموه، وهو من أعز الناس في عشيرته، يمنعه والله من كان منا على

(1) في الأصل " ابن " وهو خطأ.
(2) " طبقات ابن سعد " 4 / 6، وانظر " المجمع " 9 / 271.
(3) في الأصل " من قومهم ".
(4) " طبقات ابن سعد " 4 / 7، والزيادة منه.
85

قوله ومن لم يكن، وقد أبي محمدا الناس كلهم غيركم; فإن كنتم أهل قوة
وجلد وبصر بالحرب، واستقلال (1) بعداوة العرب قاطبة، فإنها سترميكم عن
قوس واحدة، فارتؤوا رأيكم، وائتمروا أمركم; فإن أحسن الحديث
أصدقه. فاسكتوا. وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام، فقال: نحن أهل
الحرب، ورثناها كابرا عن كابر. نرمي بالنبل حتى تفنى، ثم نطاعن بالرماح
حتى تكسر، ثم نمشي بالسيوف حتى يموت الأعجل منا.
قال: أنتم أصحاب حرب، هل فيكم دروع؟ قالوا: نعم، شاملة.
وقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت، إنا والله لو كان في أنفسنا غير
ما نقول لقلنا، ولكنا نريد الوفاء، والصدق، وبذل المهج دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس آخذ بيده، يؤكد له البيعة (2).
زكريا، عن الشعبي، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس، وكان العباس
ذا رأي، فقال العباس للسبعين: ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة; فإن
عليكم عينا.
فقال أسعد بن زرارة: سل لربك ما شئت، وسل لنفسك
ولأصحابك، ثم أخبرنا بما لنا على الله وعليكم.
قال: " أسألكم لربي [أن تعبدوه]، لا تشركوا به شيئا، وأسألكم
لنفسي وأصحابي أن تؤونا، وتنصرونا، وتمنعونا مما تمنعون منه
أنفسكم ".

(1) في الأصل " واستقلالا ".
(2) ابن سعد 4 / 7، 8 من طريق الواقدي.
86

قالوا: فمالنا [إذا فعلنا ذلك]؟ قال: " الجنة ". قال: فلك
ذلك (1).
ابن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، قال: قال أبو
رافع: كنت غلاما للعباس، وكان الاسلام قد دخلنا، فأسلم العباس، وكان
يهاب قومه; فكان يكتم إسلامه، فخرج إلى بدر، وهو كذلك (2).
إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا أبي، عن ابن عباس بن عبد الله بن
معبد بن عباس، أن جده عباسا قدم هو وأبو هريرة، فقسم لهما النبي صلى الله عليه وسلم في
خيبر.
قال ابن سعد: فقال لي محمد بن عمر: هذا وهم، بل كان العباس
بمكة، إذ قدم الحجاج بن علاط، فأخبر قريشا عن نبي الله بما أحبوا، وساء
العباس، حتى أتاه الحجاج فأخبره بفتح خيبر، ففرح. ثم خرج العباس بعد
ذلك، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطعمه بخيبر مئتي وسق كل سنة، ثم خرج معه
إلى فتح مكة (3).
يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن ربيعة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال رجال يؤذونني في العباس، وإن عم الرجل
صنو أبيه، من آذى العباس فقد آذاني " (4).

(1) ابن سعد 4 / 9، ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع، والزيادة منه.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 10، والحاكم 3 / 323، وحسين بن عبد الله ضعيف، ثم هو مرسل.
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 17، 18.
(4) أخرجه الترمذي (3758) في المناقب: باب مناقب العباس، وقال: هذا حديث حسن
صحيح مع أن يزيد بن أبي زياد ضعيف، لكن في الباب ما يعضده، ويقويه، فعن علي عند
الترمذي (2760) وعن أبي هريرة عنده أيضا (2761) وعن ابن مسعود عند الطبراني، وعن ابن
عباس عند ابن عساكر. والصنو: المثل، يقال لكل نخلتين طلعتا في منبت واحد: هما
صنوان.
87

ورواه خالد الطحان عن يزيد، فأسقط المطلب.
وثبت أن العباس كان يوم حنين، وقت الهزيمة، آخذا بلجام بغلة النبي
صلى الله عليه وسلم، وثبت معه حتى نزل النصر (1).
الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كعب القرظي، عن
العباس، قال: كنا نلقى النفر من قريش، وهم يتحدثون، فيقطعون
حديثهم. فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " والله لا يدخل قلب رجل
الايمان حتى يحبكم لله ولقرابتي " (2).
إسناده منقطع.
إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس، أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه
العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنه [كما لطمه]، فلبسوا
السلاح.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم; فصعد المنبر، فقال: " أيها الناس، أي
أهل الأرض أكرم على الله؟ " قالوا: أنت. قال: " فإن العباس مني وأنا
منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا ".
فجاء القوم فقالوا: نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله.

(1) أخرجه مسلم (1775) في الجهاد: باب في غزوة حنين، وابن هشام 2 / 444، وأحمد
1 / 207، و عبد الرزاق (9741)، والحاكم 3 / 327، 328، كلهم من حديث الزهري، عن
كثير بن عباس، قال: قال ابن عباس...
وانظر " فتح الباري " 8 / 24.
(2) رجاله ثقات إلا أنه منقطع كما قال المصنف.
88

رواه أحمد في " مسنده " (1).
ثور، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل
على العباس وولده كساء، ثم قال: " اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة
ظاهرة وباطنة، لا تغادر ذنبا. اللهم اخلفه في ولده " (2).
إسناده جيد. رواه أبو يعلى في " مسنده ".
إسماعيل بن قيس بن سعد، عن أبي حازم، عن سهل، قال: خرجنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيظ، فقام لبعض حاجته، فقام العباس يستره بكساء
من صوف، فقال: " اللهم استر العباس وولده من النار " (3) له طرق،
وإسماعيل ضعف (4).
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: بعث ابن الحضرمي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ثمانين ألفا من البحرين، فنثرت على حصير، فجاء
النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف، وجاء الناس; فما كان يومئذ عدد ولا وزن، [ما كان إلا
قبضا].
فجاء العباس بخميصة عليه، فأخذ، فذهب يقوم، فلم يستطع، فرفع
رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارفع علي. فتبسم رسول الله حتى خرج
ضاحكه - أو نابه - فقال: أعد في المال طائفة، وقم بما تطيق. ففعل.
قال: فجعل العباس يقول - وهو منطلق - أما إحدى اللتين وعدنا الله،

(1) 1 / 300، وسنده حسن ورواه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 24، وصححه الحاكم
3 / 329، ووافقه الذهبي.
(2) انظر التعليق رقم (1) ص 95.
(3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 326 وصححه فتعقبه الذهبي بقوله: إسماعيل
ضعفوه.
(4) انظر " المجمع " 9 / 269، و " كنز العمال " 3 / 520.
89

فقد أنجزها [يعني قوله]: * (قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله
في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) * [الأنفال: 70].
فهذا خير مما أخذ مني. ولا أدري ما ينصع في الآخرة (1).
أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عمر على الصدقة ساعيا، فمنع ابن جميل، وخالد، والعباس. فقال
رسول الله: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله! وأما خالد،
فإنكم تظلمون خالدا، إنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله; وأما
العباس، فهي علي ومثلها ".
ثم قال: " أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه " (2).
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، قال:
قلت لعمر: أما تذكر إذ شكوت العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أما
علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ " (3).
حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي، أن

(1) أخرجه ابن سعد 4 / 15، 16 والزيادة منه، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا، وأخرجه
بنحوه الحاكم 3 / 329، 330 من طريق سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، عن
أبي موسى الأشعري... وصححه، ووافقه الذهبي، وفيه " ما ينصع بالمغفرة " بدل " في الآخرة "
وعند ابن سعد " في المغفرة ".
(2) أخرجه البخاري 3 / 262، 263 في الزكاة: باب قول الله تعالى: (وفي الرقاب والغارمين
وفي سبيل الله)، ومسلم (983) في الزكاة: باب في تقديم الزكاة ومنعها، وأحمد 2 / 322، وأبو
داود (1623) في الزكاة: باب في تعجيل الزكاة، والنسائي 3 / 33 في الزكاة: باب إعطاء السيد
المال بغير اختيار المصدق.
(3) أخرجه الترمذي (3760) في المناقب، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
90

رسول الله قال: " استوصوا بالعباس خيرا، فإنه عمي وصنو أبي ".
إسناده واه (1).
محمد بن طلحة التيمي، عن أبي سهيل بن مالك، عن سعيد بن
المسيب، عن سعد: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في نقيع الخيل (2)، فأقبل العباس،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا العباس عم نبيكم، أجود قريش كفا، وأوصلها " (3).
رواه عدة عنه.
وثبت من حديث أنس: أن عمر استسقى فقال: اللهم إنا كنا إذا
قحطنا على عهد نبيك توسلنا به; وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس (4).

(1) بل أكثر من واه، فإن حسين بن عبد الله بن ضميرة: كذبه مالك، وقال أبو حاتم:
متروك الحديث كذاب، وقال أحمد: لا يساوي شيئا، وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، وقال
البخاري: منكر الحديث ضعيف.
(2) النقيع: بالنون والقاف (وقد تحرف في المطبوع إلى البقيع بالباء): وهو على عشرين
فرسخا من المدينة، وقدره ميل في ثمانية أميال، حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لخيل المسلمين ترعى فيه. انظر
" الأموال " ص 376، و " المسند " 2 / 91، و 155 و 157، و " مجمع الزوائد " 4 / 158، وسنن
البيهقي 6 / 146.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 328 من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن محمد بن طلحة،
وصححه، ووافقه الذهبي، إلا أنه قال: فيه يعقوب بن محمد الزهري (وهو كثير الوهم) لكنه
ساقه (أي الحاكم) من حديث أحمد بن صالح متابعا، وقد تابعه أيضا علي بن المديني، وأخرجه
أحمد 1 / 185 من طريق علي بن عبد الله، حدثني محمد بن طلحة التيمي من أهل المدينة، حدثني أبو
سهيل نافع بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للعباس. " هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها ". وهذا سند قوي.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 268، وزاد نسبته إلى البزار وأبي يعلى، والطبراني في
" الأوسط " وقال: وفيه محمد بن طلحة التيمي، وثقه غير واحد، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى،
رجال الصحيح.
(4) أخرجه البخاري 2 / 413 في الاستسقاء، باب سؤال الناس الامام الاستسقاء إذا قحطوا،
و 7 / 62 في فضائل الصحابة: باب ذكر العباس، من طريق الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الله
الأنصاري، عن أبي عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم
فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا. قال: فيسقون.
قال الحافظ في " الفتح " وقد بين الزبير بن بكار في " الأنساب " صفة ما دعا به العباس في هذه
الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر، قال.
" اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من
نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث "، فأرخت السماء مثل
الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. وكان ذلك عام الرمادة سنة ثمان عشرة.
91

الزبير بن بكار: حدثنا ساعدة بن عبيد الله، عن داود بن عطاء، عن
زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس،
فقال: اللهم، هذا عم نبيك نتوجه إليك به، فاسقنا. فما برحوا حتى
سقاهم الله. فخطب عمر الناس فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده، فيعظمه
ويفخمه ويبر قسمه; فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس،
واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم.
وقع لنا عاليا في جزء البانياسي. وداود ضعيف (1).
ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحدا ما يجل العباس أو يكرم العباس. إسناده صالح.
ويروى عن عبد الله بن عمرو (2): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 334، ووصف الذهبي داود هناك بأنه متروك، وقد
ترجمه في " الميزان " ونقل عن أحمد قوله: ليس بشئ، وقول البخاري: منكر الحديث.
والبانياسي: نسبة إلى بانياس. بلد من بلاد الغور قريب من فلسطين. وهو أبو عبد الله مالك
ابن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي المتوفى سنة 485 ه‍ في الحريق العظيم الذي وقع ببغداد، في
جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وله سبع وثمانون سنة، مترجم في " المنتظم " 9 / 69، و " العبر "
3 / 308، 309.
(2) سقطت واو " عمرو " من المطبوع.
92

اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم
القيامة في الجنة تجاهين، والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين ".
أخرجه ابن ماجة (1)، وهو موضوع. وفي إسناده: عبد الوهاب
العرضي الكذاب.
ابن أبي فديك: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العامري، عن سهيل،
عن أبيه، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس: " فيكم النبوة
والمملكة ".
هذا في جزء ابن ديزيل (2)، وهو منكر (3).
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الثقة (4) قال: كان العباس إذا مر بعمر أو
بعثمان، وهما راكبان، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله.
وروى ثمامة، عن أنس: قال عمر: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك
محمد صلى الله عليه وسلم، فاسقنا. صحيح (5).

(1) رقم (141) في " المقدمة " قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 11: هذا إسناد ضعيف،
لاتفاقهم على ضعف عبد الوهاب، بل قال فيه أبو داود: يضع الحديث، وقال الحاكم: روى
أحاديث موضوعة، وشيخ إسماعيل كان يدلس.
(2) تصحف في المطبوع إلى " دبريل " وهو الحافظ الرحال أبو إسحاق، إبراهيم بن الحسين
الكسائي الهمداني، قال المؤلف في تذكرة الحفاظ " ص 608: وكان يلقب بسيفنة، وسيفنة:
طائر لا يحط على شجرة إلا أكل ورقها، وكذا كان إبراهيم لا يأتي شيخا إلا وينزفه. توفي سنة
283 ه‍. ونقل توثيقه عن الحاكم.
(3) استنكار المؤلف له من جهة متنه، وسهيل وهو ابن أبي صالح في كلام لا يحتمل تفرده
بمثل هذا الخبر.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " أليفه ".
(5) مر تخريجه في الصفحة 91 تعليق (4) وانظر " طبقات ابن سعد " 4 / 28، 29.
93

وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز وأهله * عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا * إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسول الله فينا تراثه * فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر
أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن عمر مولى غفرة، وعن
محمد بن نفيع. قالوا: لما استخلف عمر، وفتح عليه الفتوح، جاءه مال،
ففضل المهاجرين والأنصار، ففرض لمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة
آلاف، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف، أربعة آلاف; وفرض
للعباس اثني عشر ألفا (1).
سفيان بن حبيب: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي صالح
ذكوان، عن صهيب مولى العباس، قال: رأيت عليا يقبل يد العباس
ورجله، ويقول: يا عم، ارض عني (2).
إسناده حسن، وصهيب لا أعرفه.
عبد الوهاب بن عطاء عن ثور عن مكحول عن سعيد بن المسيب، أنه

(1) انظر " سنن البيهقي " 6 / 394، 350.
(2) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (976) من طريق عبد الرحمن بن المبارك،
عن سفيان بن حبيب، عن شعبة، عن عمرو، عن أبي صالح ذكوان، عن صهيب قال: رأيت
عليا يقبل يد العباس ورجليه. ورجاله ثقات خلا صهبب هذا، فإنه لا يعرف كما قال المؤلف،
وعجب أمره يحسن إسناده مع وجود مجهول في سنده.
94

قال: العباس خير هذه الأمة، وارث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه (1).
سمعه منه يحيى بن أبي طالب. وهو قول منكر.
قال الضحاك بن عثمان الجزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى
غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع، وذلك في آخر الليل، فيناديهم
فيسمعهم. والغابة نحو من تسعة أميال.
قلت: كان تام الشكل، جهوري الصوت جدا، وهو الذي أمره النبي
صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة (2).
قال القاضي أبو محمد بن زبر: حدثنا إسماعيل القاضي، أخبرنا نصر
ابن علي: أخبرنا الأصمعي، قال: كان للعباس راع يرعى له على مسيرة
ثلاثة أميال، فإذا أراد منه شيئا صاح به، فأسمعه حاجته.
ليث: حدثني مجاهد، عن علي بن عبد الله، قال: أعتق العباس عند
موته سبعين مملوكا (3).
علي بن زيد، عن الحسن، قال: وبقي في بيت المال بقية، فقال
العباس لعمر وللناس: أرأيتم لو كان فيكم عم موسى، أكنتم تكرمونه

(1) أخرجه الحاكم 3 / 333، و عبد الوهاب بن عطاء ضعفه أحمد والنسائي، وغيرهما،
ووثقه آخرون، ثم هو مرسل، وفي " ميزان " المؤلف نقلا عن صالح جزرة: أنكروا عليه حديث
ثور في فضل العباس، وما أنكروا عليه غيره، وكان ابن معين يقول: هذا موضوع. فلعل
الخفاف دلسه، فإنه بلفظة.. عن " ثم ذكر الحديث، وهو في سنن الترمذي (3762) من طريق
إبراهيم بن سعيد الجوهري عن عبد الوهاب، عن ثور، عن مكحول، عن حذيفة، عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... وفيه: " اللهم اغفر للعباس وولده مغفره ظاهرة وباطنة لا
تغادر ذنبا، اللهم احفظه في ولده ".
(2) انظر " طبقات ابن سعد " 4 / 18، 19 والصفحة 88 تعليق (1) من هذا الكتاب.
(3) " طبقات ابن سعد " 4 / 30.
95

وتعرفون حقه؟ قالوا: نعم. قال: فأنا عم نبيكم، أحق أن تكرموني.
فكلم عمر الناس. فأعطوه (1).
قلت: لم يزل العباس مشفقا على النبي صلى الله عليه وسلم، محبا له، صابرا على
الأذى، ولما يسلم بعد، بحيث أنه ليلة العقبة عرف، وقام مع ابن أخيه في
الليل، وتوثق له من السبعين، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرها، فأسر;
فأبدى لهم أنه كان أسلم، ثم رجع إلى مكة. فما أدري لماذا أقام بها.
ثم لاذكر له يوم أحد، ولا يوم الخندق، ولا خرج مع أبي سفيان، ولا
قالت له قريش في ذلك شيئا، فيما علمت.
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا قبيل فتح مكة; فلم يتحرر لنا قدومه.
وقد كان عمر أراد أن يأخذ له دارا بالثمن ليدخلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم،
فامتنع، حتى تحاكما إلى أبي بن كعب، والقصة (2) مشهورة، ثم بذلها بلا
ثمن (3).
وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس، فقلعه. فقال
له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه. فأقسم عمر:
لتصعدن على ظهري، ولتضعنه موضعه (4).
ويروى، في خبر منكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الثريا ثم قال: " يا

(1) " طبقات ابن سعد " 4 / 30 وهو مرسل، وعلي بن زيد ضعيف.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " والبقية ".
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 21 من طريق يزيد بن هارون، عن أبي أمية بن يعلى، عن سالم أبي
النضر، وأبو أمية بن يعلى قال المؤلف في " الميزان ": ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا
تحل الرواية عنه إلا للخواص.
(4) أخرجه أحمد 1 / 210، وابن سعد 4 / 20، وسنده حسن.
96

عم، ليملكن من ذريتك عدد نجومها ".
وقد عمل الحافظ أبو القاسم بن عساكر ترجمة العباس في بضع وخمسين
ورقة.
وقد عاش ثمانيا وثمانين سنة. ومات سنة اثنتين وثلاثين، فصلى عليه
عثمان. ودفن بالبقيع. وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل
العباس (1).
وقال خليفة، وغيره: بل مات سنة أربع وثلاثين، وقال المدائني: سنة
ثلاث وثلاثين.
أخبرنا المقداد بن أبي القاسم: أخبرنا عبد العزيز بن الأخضر: أخبرنا
محمد بن عبدا لباقي: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حضورا: أخبرنا عبد
الله بن ماسي: أخبرنا أبو مسلم الكجي: أخبرنا الأنصاري محمد بن عبد
الله: أخبرنا أبي، عن ثمامة، عن أنس: أن عمر خرج يستسقي، وخرج
العباس معه يستسقي، ويقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم
توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك (2).
قال الزبير بن بكار سئل العباس: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال:
هو أكبر مني، وأنا أسن منه، مولده بعد عقلي، أتي إلى أمي، فقيل لها:
ولدت آمنة غلاما. فخرجت بي حين أصبحت آخذه بيدي، حتى دخلنا
عليها، فكأني أنظر إليه يمصع (3) برجليه في عرصته، وجعل النساء يجبذنني

(1) هذا كان في عصر المؤلف " أما الآن، فلم يبق لها أثر.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 413، وابن سعد 4 / 28، 29 من طريق
الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة به وقد تقدم.
(3) يمصع: يتحرك.
سير 2 / 7
97

عليه، ويقلن: قبل أخاك. كذا ذكره بلا إسناد.
أنبأنا طائفة: أخبرنا ابن طبر زد: أخبرنا ابن الحصين: أخبرنا ابن
غيلان: أخبرنا أبو بكر الشافعي: حدثنا محمد بن بشر بن مطر: حدثنا
شيبان: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس:
سمعت العباس يقول: الذي أمر بذبحه إبراهيم: هو إسحاق (1).
وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن حسين بن عبد الله، عن
عكرمة، عن ابن عباس، قال: أسلم العباس بمكة، قبل بدر، وأسلمت أم
الفضل معه حينئذ، وكان مقامه بمكة. إنه كان لا يغبى (2) على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) مبارك بن فضالة، مدلس، وقد عنعن، فالخبر لا يصح، والقول بأن الذبيح هو،
إسحاق، مذهب مؤوف مرغوب عنه، متلقى عن أحبار أهل الكتاب أو صحفهم من غير حجة،
والصواب عند علما الصحابة والتابعين ومن بعدهم، أنه إسماعيل. بل الظاهر من القرآن - كما
يقول الحافظ ابن كثير في " بدايته " 1 / 158، 159 - بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل،
لأنه ذكر قصة الذبيح، ثم قال بعده: (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) ومن جعله حالا، فقد
تكلف، ومستنده أنه إسحاق إنما هو إسرائيليات. وكتابهم فيه تحريف، ولا سيما هاهنا قطعا لا
محيد عنه، فإن عندهم أن الله أمر أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة من المعربة: " بكره إسحاق "
فلفظة: " إسحاق " هاهنا مقحمة مكذوبة مفتراة، لأنه ليس هو الوحيد، ولا البكر، ذاك
إسماعيل، وإنما حملهم على هذا حسد العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وإسحاق والد يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسبون إليه، فأرادوا أن يجروا هذا الشرف
إليهم، فحرفوا كلام الله، وزادوا فيه، وهم قوم بهت، ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من
يشاء. وانظر " زاد المعاد " 1 / 71، 75، بتحقيقنا، فقد توسع ابن القيم في هذا الموضوع،
ووفاه حقه.
(2) أي: لا يخفى: يقال غبي الشئ عن فلان وعليه ومنه غبا وغباوة إذا خفي الشئ عليه فلم
يعرفه، قال الشاعر: في بلدة يغبى بها الخريت
أي: يخفى وفي حديث الصوم " فإن غبي عليكم " أي: خفي، ورواه بعضهم " غبي "
بالتشديد.
98

بمكة خبر يكون إلا كتب به إليه. وكان من هناك من المؤمنين يتقوون به،
ويصيرون إليه، وكان لهم عونا على إسلامهم. ولقد كان يطلب أن يقدم;
فكتب إليه رسول الله: إن مقامك مجاهد حسن، فأقام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إسناده ضعيف (1). ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر،
والظاهر أن إسلامه كان بعد بدر.
قال إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت، عن أبي حازم، عن
سهل، قال: استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة. فكتب إليه: " يا عم،
أقم مكانك; فإن الله يختم بك الهجرة، كما ختم بي النبوة (2) ".
إسماعيل، واه.
وروى عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس مني وأنا منه " إسناده ليس بقوي (3).
وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء.
وبكل حال، لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم من يورث لما ورثه أحد، بعد بنته
وزوجاته، إلا العباس.
وقد صار الملك في ذرية العباس، واستمر ذلك، وتداوله تسعة وثلاثون

(1) بل موضوع، فإن الواقدي متروك، وشيخه ابن أبي سبرة وهو أبو بكر عبد الله بن محمد
ابن أبي سبرة رموه بالوضع كما في " التقريب " وحسين بن عبد الله ضعيف، والخبر في " طبقات
ابن سعد " 4 / 31.
(2) أورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 269، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه أبو
مصعب إسماعيل بن قيس، وهو متروك.
(3) وهو كما قال لضعف عبد الأعلى الثعلبي، وقد تساهل المصنف رحمه الله في " تلخيص
المستدرك " 3 / 325، فوافق الحاكم على تصحيحه، وحسنه الترمذي (3759) فلم يصب.
99

خليفة، إلى وقتنا هذا، وذلك ست مئة عام، أولهم السفاح. وخليفة زماننا
المستكفي له الاسم المنبري، والعقد والحل بيد السلطان الملك الناصر،
أيدهما الله.
وإذا اقتصرنا من مناقب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النبذة، فلنذكر
وفاته:
كانت في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وله ست وثمانون سنة; ولم
يبلغ أحد هذه السن من أولاده، ولا أولادهم، ولا ذريته الخلفاء. وله قبة
عظيمة شاهقة على قبره بالبقيع.
وسنذكر ولده عبد الله بن العباس، الفقيه، مفردا.
جنازة العباس:
عن نملة بن أبي نملة، عن أبيه، قال:
لما مات العباس بعثت بنو هاشم من يؤذن أهل العوالي: رحم الله من
شهد العباس بن عبد المطلب. فحشد الناس (1).
الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يزيد [عن
عبد الرحمن] بن [يزيد بن جارية]، قال: جاء مؤذن بموت العباس بقباء
على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار، فاستقبل قرى الأنصار، حتى انتهى
إلى السافلة، فحشد الناس.
فلما أتي به إلى موضع الجنائز، تضايق، فقدموا به إلى البقيع. فما
رأيت مثل ذلك الخروج قط، وما يقدر أحد يدنو إلى سريره. وازدحموا عند

(1) ابن سعد 4 / 32.
100

اللحد، فبعث عثمان الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم، حتى خلص
بنو هاشم، فنزلوا في حفرته.
ورأيت على سريره برد حبرة قد تقطع من زحامهم (1).
الواقدي: حدثتني عبيدة بنت نابل، عن عائشة بنت سعد، قالت:
جاءنا رسول عثمان، ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة، أن العباس
قد توفي، فنزل أبي وسعيد بن زيد، ونزل أبو هريرة من السمرة; فجاءنا
أبي بعد يوم فقال: ما قدرنا أن ندنوا من سريره من كثرة الناس، غلبنا عليه،
ولقد كنت أحب حمله (2).
وعن عباس بن عبد الله بن معبد، قال: حضر غسله عثمان. وغسله
علي وابن عباس وأخواه: قثم، وعبيد الله. وحدت نساء بني هاشم سنة.
زهير بن معاوية، عن ليث، عن مجاهد، عن [علي بن عبد الله] (3)
ابن عباس: أن العباس أعتق سبعين مملوكا عند موته (4).
وفي " مستدرك " الحاكم، [عن] محمد بن عقبة، عن كريب، عن
ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل العباس إجلال الوالد (5).

(1) ابن سعد 4 / 32 والزيادة منه، وجاء في الأصل، والمطبوع من الطبقات " حارثة " بدل
" جارية " وهو تصحيف.
(2) ابن سعد 4 / 32، وفي الأصل " نائل " بدل " نابل " وما أثبتناه هو الصواب انظر
" الاكمال " 7 / 325.
(3) ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدرك من ابن سعد 4 / 30، وقد تقدم الخبر في
الصفحة 95 بالسند نفسه، وفيه هذه الزيادة التي سقطت هنا.
(4) ابن سعد 4 / 30.
(5) " المستدرك " 3 / 324، 325، ولفظه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجل العباس إجلال الولد
والده خاصة خص الله العباس بها من بين الناس ".
101

ولعبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا: " العباس
مني وأنا منه " (1) عبد الأعلى الثعلبي، لين.
يحيى بن معين: حدثنا عبيد بن أبي قرة حدثنا الليث، عن أبي قبيل،
عن أبي ميسرة مولى العباس، سمع العباس يقول: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: انظر في السماء. فنظرت. فقال: " ما ترى "؟ قلت: الثريا.
فقال: " أما إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك " (2). رواه الحاكم.
وعبيد غير ثقة.
وروى الحاكم: أن زحر (3) بن حصن، عن جده: حميد بن منهب (4):
سمع جده: خريم بن أوس، يقول:
هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، فسمعت العباس يقول:
يا رسول الله، إني أريد أن أمتدحك. قال: " قل لا يفضض الله فاك "
قال:
من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق (5)

(1) ضعيف، وقد تقدم تخريجه ص 99 تعليق (3).
(2) أخرجه أحمد 1 / 209، والحاكم 3 / 326 وسنده ضعيف لضعف عبيد بن أبي قرة،
مترجم في " ميزان " المؤلف، وقد تحرف في المطبوع إلى " ابن المغيرة ".
(3) في الأصل " حر " والتصويب من " الجرح والتعديل " و " الميزان " وقد تحرف في
المطبوع إلى " جزء ".
(4) تحرف في المطبوع إلى " منيب ".
(5) قال ابن الأثير في " النهاية " أي: في الجنة حيث خصف آدم وحواء عليهما من ورق
الجنة.
ومن قبلها: أي من قبل النزول إلى الأرض، والخصف: الضم والجمع.
102

ثم هبطت البلاد لا بشر * أنت ولا مضغة ولا علق (1)
بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق (2)
تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق (3)
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق (4)
وأنت لما ولدت أشرقت ال‍ * أرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي * النور وسبل الرشاد نخترق (5)
قال الحاكم: رواته أعراب، ومثلهم لا يضعفون. قلت: ولكنهم لا
يعرفون.
12 - عمير بن سعد الأنصاري الأوسي الزاهد *
نسيج وحده. له حديث واحد.

(1) في الأصل " نطفة " وما أثبتناه من " المستدرك " وغيره. قال ابن الأثير: أي: لما اهبط
الله آدم إلى الدنيا كنت في صلبه غير بالغ هذه الأشياء.
(2) يعني بنسر: الصنم الذي كان يعبده قوم نوح، وهو المذكور في قوله تعالى (ولا يغوث
ويعوق ونسرا).
(3) الصالب: الصلب. وقوله: إذا مضى عالم بدا طبق: أي: إذا مضى قرن بدا قرن،
وقيل للقرن: طبق، لانهم طبق للأرض، ثم ينقرضون ويأتي طبق آخر.
(4) قال ابن الأثير: النطق: جمع نطاق، وهي أعراض من جبال بعضها فوق بعض، أي:
نواح وأوساط منها شبهت بالنطق التي يشد بها أوساط الناس، ضربه مثلا له في ارتفاعه وتوسطه في
عشيرته، وجعلهم تحته بمنزلة أوساط الجبال، وأراد بيته: شرفه، والمهيمن: نعته، أي:
احتوى شرفك الشاهد على فضلك أعلى مكان من نسب خندف، وهو في الأصل المشي بهرولة،
ثم جعل علما على امرأة إلياس بن مضر، وهي ليلى القضاعية، لما خرجت تهرول خلف بنيها
الثلاثة: عمرو، وعامر، وعمر حين ندلهم إبل، فطلبوها، فأبطؤوا عليها، ثم ضرب مثلا
للنسب العالي في كل شئ، لأنها كانت ذات نسب.
(5) الخبر في " المستدرك " 3 / 326، 327، وأسد الغابة 2 / 129.
* طبقات ابن سعد: 4 / 375 - 376، طبقات خليفة: 157، التاريخ الكبير: 6 / 531،
الجرح والتعديل: 6 / 376، الاستبصار: 281، الاستيعاب: 3 / 1215، ابن عساكر: 13 /
339 / 1، أسد الغابة: 4 / 294، تهذيب الكمال: 1061، تاريخ الاسلام: 2 / 89 و 241،
مجمع الزوائد: 9 / 382، تهذيب التهذيب: 8 / 144 - 145، الإصابة: 7 / 163، خلاصة
تذهيب الكمال: 296، كنز العمال: 13 / 556
103

روى عنه: أبو طلحة الخولاني، وراشد بن سعد، وحبيب بن عبيد.
شهد فتح الشام، وولي دمشق وحمص لعمر.
جماعة، عن حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن أبي طلحة، قال:
أتينا عمير بن سعد - وكان يقال له: نسيج وحده (1) - فقعدنا في داره، فقال:
يا غلام، أورد الخيل. فأوردها فقال: أين الفلانة؟ قال: جربة تقطر دما.
قال: أوردها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا عدوى، ولا طيرة، ولا
هامة " (2).
قال عبد الله بن محمد القداح: صحب عمير بن سعد بن شهيد النبي
صلى الله عليه وسلم، ولم يشهد شيئا من المشاهد.
وهو الذي رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلام الجلاس بن سويد، وكان يتيما في
حجرة.

(1) سيذكره المؤلف بعد قليل عن ابن سيرين: أن عمر هو الذي كان يسميه بذلك لإعجابه
به. وأورده الحافظ ابن حجر في " الإصابة " ونسبه لابن عائذ.
(2) إسناده ضعيف لضعف أبي سنان واسمه عيسى بن سنان الحنفي القسملي، ضعفه أحمد
وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي. ولم يوثقه غير ابن حبان، وتوثيقه لا يعتبر في من لا
يعرف بجرح ولا تعديل، فكيف بمن ضعفه غير واحد من الأئمة.
وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 101، 102، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني باختصار،
وفيه عيسى بن سنان الحنفي وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات.
وقوله في الحديث " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة " صحيح من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري
10 / 205، 206 في الطب: باب لاهامة، ومسلم (2022) في السلام: باب لا عدوى ولا
طيرة.
104

واستعمله عمر على حمص، وكان من الزهاد.
وقال عبد الصمد بن سعيد: كانت ولايته حمص بعد ابن حذيم.
ابن لهيعة، عن يونس، عن الزهري، قال: توفي سعيد بن عامر،
وقام مكانه عمير بن سعد، فكان على الشام هو ومعاوية حتى قتل عمر.
وعن ابن شهاب قال: ثم جمع عثمان الشام لمعاوية، ونزع عميرا.
وروى عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد:
قال لي ابن عمر: ما كان من المسلمين رجل من الصحابة أفضل من
أبيك (1).
وروى هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: كان عمر من عجبه
بعمير بن سعد يسميه نسيج وحده. وبعثه مرة على جيش.
قال المفضل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن
أوس، وعمير بن سعد. استوفى ابن عساكر أخباره، رضي الله عنه.
13 - أبو سفيان *
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن

(1) نقله ابن حجر في " الإصابة " 7 / 164 عن ابن مندة وحسن إسناده وقد تصحف " سعد "
في المطبوع إلى " سعيد ".
* طبقات خليفة: 10، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 4 / 310، المعارف: 73،
74، 125، 344، 345، 553، 575، 586، 588، تاريخ الفسوي: 3 / 167، الجرح
والتعديل: 4 / 426، الاستيعاب: 2 / 714، ابن عساكر: 8 / 119 / 2، جامع الأصول:
9 / 106، أسد الغابة: 3 / 10 و 6 / 148، 149، تهذيب الكمال: 603، تاريخ الاسلام:
2 / 97، العبر: 1 / 31، مجمع الزوائد: 9 / 274، تهذيب التهذيب: 4 / 411 - 412،
الإصابة: 5 / 127، خلاصة تذهيب الكمال: 172، كنز العمال: 13 / 612، شذرات
الذهب: 1 / 30 و 37. تهذيب ابن عساكر: 6 / 390، 409.
105

كلاب. رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق. وله هنات وأمور
صعبة، لكن تداركه الله بالاسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف. ثم بعد
أيام صلح إسلامه.
وكان من دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم، فشهد حنينا،
وأعطاه صهره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنائم مئة من الإبل، وأربعين أوقية من
الدراهم يتألفه بذلك (1). ففرغ عن عبادة " هبل "، ومال إلى الاسلام.
وشهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم
اليرموك. وكان يومئذ قد حسن إن شاء الله إيمانه، فإنه كان يومئذ يحرض
على الجهاد. وكان تحت راية ولده يزيد، فكن يصيح: يا نصر الله
اقترب (2). وكان يقف على الكراديس (3) يذكر، ويقول: الله الله، إنكم
أنصار الاسلام ودارة (4) العرب، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم; اللهم
هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك.

(1) انظر حديث رافع بن خديج في صحيح مسلم (1060) في الزكاة: باب إعطاء المؤلفة
قلوبهم على الاسلام، و " زاد المعاد " 3 / 473، وسيرة ابن هشام، 2 / 492، 493.
(2) قال الحافظ في " الإصابة " 5 / 129: " وروى يعقوب بن سفيان، وابن سعد بإسناد
صحيح عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك، إلا صوت رجل
يقول: يا نصر الله اقترب، قال: فنظرت، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد. وانظر
" تهذيب ابن عساكر " 6 / 408.
(3) الكراديس: كتائب الخيل، واحدها: كردوس، يقال: كردس القائد خيله: أي:
جعلها كتيبة كتيبة.
(4) في " الاستيعاب " ذادة العرب.
106

فإن صح هذا عنه، فإنه يغبط بذلك. ولا ريب أن حديثه عن هرقل (1)
وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إيمانه، ولله الحمد.
وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. وعاش بعده عشرين سنة.
وكان عمر يحترمه; وذلك لأنه كان كبير بني أمية.
وكان حمو النبي صلى الله عليه وسلم. وما مات حتى رأى ولديه: يزيد، ثم معاوية،
أميرين على دمشق.
وكان يحب الرياسة والذكر، وكان له سورة (2) كبيرة في خلافة ابن عمه
عثمان.
توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين. وقيل: سنة اثنتين، وقيل: سنة
ثلاث أو أربع وثلاثين، وله نحو التسعين.
14 - الحكم بن أبي العاص *
ابن أمية الأموي، ابن عم أبي سفيان. يكنى أبا مروان. من مسلمة
الفتح. وله أدنى نصيب من الصحبة.

(1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 1 / 30، 38 في بدء الوحي من طريق أبي اليمان، عن
الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتب بن مسعود، أن
عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش... وهو حديث
طويل، وفيه أن أبا سفيان قال: فما زلت موقتا أنه صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله علي الاسلام.
(2) السورة: المنزلة، قال النابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب
وقد تحرفت في المطبوع إلى " صولة ".
* طبقات ابن سعد: 5 / 447 و 509، التاريخ لابن معين: 124، طبقات خليفة: 197،
تاريخ خليفة: 134، التاريخ الكبير: 2 / 331، المعارف: 194، 353، 576، الجرح
والتعديل: 3 / 120، الاستيعاب: 1 / 358، أسد الغابة: 2 / 37، تاريخ الاسلام: 2 /
95، العبر: 1 / 32، الإصابة: 2 / 271، شذرات الذهب: 1 / 38.
107

قيل: نفاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، لكونه حكاه في مشيته وفي بعض
حركاته، فسبه وطرده، فنزل بوادي و ج (1). ونقم جماعة على أمير المؤمنين
عثمان كونه عطف على عمه الحكم، وآواه وأقدمه المدينة، ووصله بمئة
ألف.
ويروى في سبة أحاديث لم تصح (2).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مالي أريت بني الحكم ينزون على منبري نزو
القردة (3)!
رواه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وفي الباب أحاديث.
قال الشعبي: سمعت ابن الزبير يقول: ورب هذه الكعبة، إن الحكم
ابن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد كان للحكم عشرون ابنا وثمانية بنات.
وقيل: كان يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبعده لذلك.
مات سنة إحدى وثلاثين.

(1) هو وادي الطائف.
(2) ذكر المؤلف طائفة منها في " تاريخه " 2 / 95 وانظر " أسد الغابة " 2 / 37 و " الإصابة "
2 / 271، 272، و " فتح الباري " 13 / 9، و " مجمع الزوائد " 5 / 241.
(3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 5 / 243، 244، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال
الصحيح، غير مصعب بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، وأورده ابن حجر في " المطالب العالية "
4 / 332، ونسبه إلى أبي يعلى، ونقل المحقق عن البوصيري قوله: رواته ثقات.
108

15 - كسرى *
آخر الأكاسرة مطلقا. واسمه: يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي
الفارسي.
انهزم من جيش عمر فاستولوا على العراق، وانهزم هو إلى مرو وولت
أيامه، ثم ثار عليه أمراء دولته وقتلوه سنة ثلاثين. وقيل، بل بيته الترك وقتلوا
خواصه، وهرب هو واختفى في بيت، فغدر به صاحب البيت فقتله، ثم
قتلوه به (1).
16 - خديجة أم المؤمنين * *
وسيدة نساء العالمين في زمانها. أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد
العزى بن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية. أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول
من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها
ورقة (2).

* المعارف: 235، 459، 612، تاريخ الفسوي: 3 / 301، 302، 303، 304،
شذرات الذهب: 1 / 37.
(1) انظر " المعارف " 666، 667 لابن قتيبة.
* * طبقات ابن سعد: 8 / 52 و 1 / 131، 133، المعارف: 59، 70، 132، 144،
150، 219، 311. تاريخ الفسوي: 3 / 253، 255، 256، 257، المستدرك: 3 / 182 -
186، الاستيعاب: 4 / 1817، جامع الأصول: 9 / 120 - 125، أسد الغابة: 7 / 78،
تاريخ الاسلام: 1 / 41، مجمع الزوائد: 9 / 218 - 225، الإصابة: 12 / 123، كنز
العمال: 13 / 690، شذرات الذهب: 1 / 14.
(2) انظر حديث عائشة في البخاري 1 / 21، 26: بدء الوحي، وفيه أن خديجة قالت له
صلى الله عليه وسلم: " كلا والله، ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم،
وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " وفيه " أنها انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل،
وقالت له: اسمع من ابن أخيك، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس
الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني
يومك أنصرك نصرا مؤزرا " وانظر " المستدرك " 3 / 184.
109

ومناقبها جمة. وهي ممن كمل من النساء. كانت عاقلة جليلة دينة
مصونة كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها، ويفضلها على
سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها، بحيث إن عائشة كانت تقول:
ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها (1).
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد،
ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها،
فإنها كانت نعم القرين. وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها.
وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا
نصب (2).
الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة،
عن ابن عباس وابن أبي الزناد، عن هشام وروي عن جبير بن مطعم: أن
عم خديجة، عمرو بن أسد، زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن أباها مات قبل

(1) أخرجه البخاري 7 / 102، 103 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم
خديجة وفضلها، ومسلم (2435) في فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة، والترمذي
(3875) في المناقب.
(2) أخرجه البخاري 7 / 105، ومسلم (2432) من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري
7 / 104 ومسلم ومسلم (2433) من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
وأراد بالبيت: القصر، يقال: هذا بيت فلان، أي: قصره، والقصب في هذا الحديث:
لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقد جاء تفسيره في " كبير الطبراني " من حديث أبي هريرة
ولفظه: " بيت من لؤلؤة مجوفة " والصخب: " اختلاط الأصوات " والنصب: التعب.
110

الفجار (1). ثم قال الواقدي: هذا المجتمع عليه عند أصحابنا، ليس بينهم
اختلاف (2).
الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بنت
ثمان وعشرين سنة (3).
قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة. وأمها
هي فاطمة بنت زائدة العامرية.
كانت خديجة أولا تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، ثم خلف عليها
بعده عتيق بن عابد (4) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم،
فبنى بها وله خمس وعشرون سنة. وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة.
عن عائشة: أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة. وقيل: توفيت

(1) " طبقات ابن سعد " 1 / 132 وهو يوم حرب من أيامهم في الجاهلية كانت بين قريش ومن
معها من كنانة، وبين قيس عيلان. والفجار: بمعنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة، سميت
بذلك، لأنها كانت في الأشهر الحرم، انظر " طبقات ابن سعد " 1 / 126، 128 وفيه أنها كانت
بعد الفيل بعشرين سنة.
(2) " ابن سعد " 1 / 133.
(3) إسناده ضعيف جدا، الكلبي: هو محمد بن السائب متروك، وبعضهم اتهمه بالكذب،
وأبو صالح ضعيف واسمه باذام. وقال الزرقاني في " شرح المواهب " 3 / 220 " تزوجها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولها يومئذ أربعون سنة " كما رواه ابن سعد، واقتصر عليه اليعمري، وقدمه مغلطاي والبرهان
وصحح.
(4) عابد: بالباء الموحدة والدال المهملة، كما ضبطه غير واحد من المحققين، فقد قال
الزبير بن بكار: من كان من ولد عمر بن مخزوم، فهو عابد، ومن كان من ولد أخيه عمران بن
مخزوم، فعائذ كما في " الاكمال " 6 / 1، و " تبصير المنتبه " ص 887، وقد تصحف في
المطبوع إلى " عائذ ".
111

في رمضان، ودفنت بالحجون (1)، عن خمس وستين سنة.
وقال مروان بن معاوية، عن وائل بن داود، عن عبد الله البهي، قال:
قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسام من ثناء عليها
واستغفار لها، فذكرها يوما، فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضك الله من
كبيرة السن! قال: فرأيته غضب غضبا. أسقطت في خلدي (2)، وقلت في
نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء. فلما رأى
النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال: " كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس،
وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني " قالت: فغدا
وراح علي بها شهرا (3).
قال الواقدي: خرجوا من شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين،
فتوفي أبو طالب، وقبله خديجة بشهر وخمسة أيام.
وقال الحاكم: ماتت بعد أبي طالب بثلاثة.
هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على
خديجة، مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وما تزوجني إلا بعد
موتها بثلاث سنين. ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من
قصب (4).

(1) الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها، وقد تحرف في المطبوع " ودفنت " إلى
" وهي ".
(2) الخلد، بالتحريك: البال والقلب والنفس.
(3) إسناده حسن، ونسبه الحافظ في " الإصابة ": 12 / 217، 218 إلى كتاب " الذرية
الطاهرة " للدولابي، وفي " المسند " 6 / 117، 118، من طريق مجالد، عن الشعبي، عن
مسروق، عن عائشة، خبر قريب من هذا، وسيورده المؤلف ص 117.
(4) أخرجه البخاري 7 / 102، 103، ومسلم (2435) وقد تقدم.
112

أبو يعلى في " مسنده " سماعنا: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا
سهل بن زياد - ثقة -: حدثني الأزرق بن قيس، عن عبد الله بن نوفل - أو ابن
بريدة - عن خديجة بنت خويلد، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أطفالي
منك؟ قال: " في الجنة. قالت: فأين أطفالي من أزواجي من
المشركين؟ قال: " في النار ". فقلت: بغير عمل؟ قال: " الله أعلم بما
كانوا عاملين " (1) فيه انقطاع.
محمد بن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة،
يقول: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام
أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها
ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا تصب. متفق على صحته (2).
عبد الله بن جعفر: سمعت عليا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خير
نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران (3).
أحمد: حدثنا محمد بن بشر: حدثنا محمد بن عمرو: حدثنا أبو سلمة
ويحيى بن عبد الرحمن، قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت
حكيم، امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول الله، ألا تزوج؟ قال:

(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع كما قال المصنف.
(2) البخاري 7 / 105، ومسلم (2432).
(3) أخرجه البخاري 7 / 101 في فضائل أصحاب النبي: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة
وفضلها، ومسلم (2430) في فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة أم المؤمنين، والترمذي
(3887) في المناقب. وقوله " خير نسائها " قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور، لكنه
يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا. والمعنى: أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في
عصرها. وأخرج أحمد 1 / 316 و 322، والنسائي بإسناده صحيح فيما قاله الحافظ في " الفتح "
7 / 101 من حديث ابن عباس مرفوعا " أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية "
وصححه الحاكم في " المستدرك " 3 / 185.
سير 2 / 8
113

" ومن "؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك. الحديث
بطوله (1)، وهو مرسل.
قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب
وخديجة. وكانت خديجة وزيرة صدق (2). وهي أقرب إلى قصي من النبي
صلى الله عليه وسلم برجل. وكانت متمولة، فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى
الشام، فخرج مع مولاها ميسرة. فلما قدم باعت خديجة ما جاء به،
فأضعف، فرغبت فيه، فعرضت نفسها عليه، فتزوجها، وأصدقها عشرين
بكرة.
فأولادها منه: القاسم، والطيب، والطاهر، ماتوا رضعا; ورقية،
وزينب، وأم كلثوم، وفاطمة (3).
قالت عائشة: أول ما بدى به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة...
إلى أن قالت: فقال: * (إقرأ باسم ربك الذي خلق) *. قالت: فرجع بها
ترجف بوادره (4) حتى دخل على خديجة، فقال: " زملوني ".. فزملوه
حتى ذهب عنه الروع. فقال: " مالي يا خديجة "؟. وأخرها الخبر وقال:
" قد خشيت على نفسي ". فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك (5) الله

(1) هو في " المسند " 6 / 210، 211، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل كما قال المصنف، أبو
سلمة، هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة
المدني، كلاهما من الطبقة الثانية.
(2) ابن هشام 1 / 426.
(3) انظر " ابن هشام " 1 / 187، 190.
(4) جمع بادرة، وهي لحمة بين المنكب والعنق، وهي رواية البخاري في التفسير،
والتعبير، ورواه في بدء الوحي بلفظ " فؤاده ".
(5) بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة، ثم الياء الساكنة، من الخزي، ولأبي
ذر: " يحزنك " بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة، والنون، من الحزن.
114

أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحلم الكل، وتعين على
نوائب الحق. وانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد، وكان امرأ
تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الخط العربي، وكتب بالعربية من الإنجيل
ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا قد عمي. فقالت: اسمع من ابن أخيك ما
يقول. فقال: يا ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره. فقال: هذا الناموس الذي
أنزل على موسى الحديث (1).
قال الشيخ عز الدين بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم، بإجماع
المسلمين (2).
وقال الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي،
وسعيد بن يحيى: أول من آمن بالله ورسوله خديجة، وأبو بكر، وعلي،
رضي الله عنهم.

(1) وتمامه: ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو
مخرجي هم؟ " قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك
نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي. أخرجه البخاري 8 / 549 في التفسير.
باب تفسير سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق، و 1 / 21، 26 في بدء الوحي، و 12 / 311، 316 في
أول التعبير، وذكر فيه هنا زيادة لا تصح، لأنها من بلاغات الزهري، ونصها " وفتر الوحي فترة
حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا، غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما
أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا،
فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا
أوفى بذروة جبل، تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك ".
(2) " أسد الغابة " 7 / 78 وعز الدين لقبه، واسمه علي بن محمد الجزري توفي سنة 630
ه‍. وهو المؤرخ صاحب " الكامل " وأخوه المحدث أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري
المحدث صاحب " جامع الأصول " و " النهاية في غريب الحديث " المتوفى سنة 606 ه‍. وأخوه
الثالث ضياء الدين أبو الفتح نصر الله الكاتب البليغ صاحب " المثل السائر " المتوفى سنة 637
ه‍.
115

قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم، أنه بلغه عن خديجة
أنها قالت: يا ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ فلما
جاءه، قال: يا خديجة، هذا جبريل. فقالت: اقعد على فخذي.
ففعل. فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحول إلى الفخذ
اليسرى. ففعل. قالت: هل تراه؟ قال: نعم. فألقت خمارها، وحسرت
عن صدرها. فقالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: أبشر، فإنه والله
ملك، وليس بشيطان (1).
قال ابن عبد البر: روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا خديجة،
جبريل يقرئك السلام; وفي بعضها: " يا محمد، اقرأ على خديجة من
ربها السلام " (2).
عن حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خديجة سابقة نساء العالمين إلى
الايمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم " (3) في إسناده لين.
حماد بن سلمة، عن حميد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال:
وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى خشي عليه، حتى تزوج عائشة (4).
معمر، عن قتادة. وأبو جعفر الرازي، عن ثابت، واللفظ لقتادة، عن

(1) ابن هشام 1 / 238، 239، ورجاله ثقات، لكنه منقطع، وأورده ابن الأثير في " أسد
الغابة " 7 / 82، 83 من طريق ابن إسحاق.
(2) أخرجه البخاري 7 / 105 ومسلم (24322) وقد تقدم.
(3) هو في " المستدرك " 3 / 184 من طريق محمد بن جعفر، عن عبد الرحمن بن أبي
الرجال، عن أبي اليقظان عمران بن عبد الله، عن ربيعة السعدي، عن حذيفة.
(4) رجاله ثقات لكنه مرسل، وعزاه الزرقاني في " شرح المواهب " 3 / 227 إلى " طبقات ابن
سعد ".
116

أنس مرفوعا: " حسبك من نساء العالمين أربع " (1).
وقال ثابت، عن أنس: " خير نساء العالمين مريم، وآسية، وخديجة
بنت خويلد، وفاطمة " (2).
الدراوردي، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة، وخديجة،
وامرأة فرعون آسية " (3).
مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ذكر رسول
الله صلى الله عليه وسلم خديجة، فتناولتها، فقلت: عجوز! كذا وكذا، قد أبدلك الله بها
خيرا منها. قال: " ما أبدلني الله خيرا منها، لقد آمنت بي حين كفر
الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها،
وحرمني ولد غيرها " قلت: والله لا أعاتبك فيها بعد اليوم (4).
وروى عروة، عن عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض
الصلاة.
قال الواقدي: توفيت في رمضان ودفنت بالحجون.
وقال قتادة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، وكذا قال عروة.

(1) إسناده صحيح وأخرجه الترمذي (3878) في المناقب، والحاكم 3 / 157، وأحمد
3 / 135.
(2) أخرجه ابن حبان (2222).
(3) رجاله ثقات، وأورده ابن عبد البرقي " الاستيعاب " 12 / 282 من طريق أبي داود
الطيالسي، عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن إبراهيم
ابن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس.
(4) أخرجه أحمد 6 / 117، 118، ومجالد ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وقد تقدم في
الصفحة 112 خبر مطول بمعنى هذا.
117

17 - فاطمة بنت أسد *
ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمية، والدة علي بن أبي طالب.
هي حماة فاطمة.
كانت من المهاجرات الأول. وهي أول هاشمية ولدت هاشميا. قاله
الزبير.
قال ابن عبد البر: روى سعدان بن الوليد السابري، عن عطاء، عن
ابن عباس، قال: لما ماتت فاطمة أم علي ألبسها النبي صلى الله عليه وسلم قميصه،
واضطجع معها في قبرها فقالوا: ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا! فقال:
" إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها. إنما ألبستها قميصي لتكسى
من حلل الجنة، واضطجعت معها ليهون عليها " (1).
18 - فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم * * (ع)
سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية، والجهة المصطفوية،

* التاريخ لابن معين: 739، طبقات ابن سعد: 8 / 222، تاريخ خليفة: 180،
المعارف: 71، 120، 203، المستدرك: 3 / 108، الاستيعاب: 4 / 1891، أسد الغابة:
7 / 217، مجمع الزوائد: 9 / 257، الإصابة: 13 / 77، كنز العمال: 13 / 635.
(1) " الاستيعاب " 13 / 108، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 257، وقال: رواه
الطبراني في " الأوسط " وفيه سعدان بن الوليد السابري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وذكره
صاحب " كنز العمال " 13 / 636، ونسبه لأبي نعيم في المعرفة، والديلمي.
* * مسند أحمد: 6 / 282، طبقات ابن سعد: 8 / 19 - 30، طبقات خليفة: 330، تاريخ
خليفة: 65، 96، المعارف: 141، 142، 158، 200، حلية الأولياء: 2 / 39، 34،
المستدرك: 3 / 151 - 161، الاستيعاب: 4 / 1893، جامع الأصول: 9 / 125، أسد
الغابة: 7 / 220، تهذيب الكمال: 1690، تاريخ الاسلام: 1 / 360، العبر: 1 / 13،
مجمع الزوائد: 9 / 201 - 212، تهذيب التهذيب: 12 / 440 - 442، الإصابة: 13 / 71،
خلاصة تذهيب الكمال: 494، كنز العمال: 13 / 674، شذرات الذهب: 1 / 9 و 10 و 15.
118

أم أبيها (1)، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية، وأم الحسنين.
مولدها قبل المبعث بقليل. وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي
القعدة، أو قبيلة، من سنة اثنتين بعد وقعة بدر.
وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد وقعة أحد (2). فولدت له الحسن،
والحسين، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب.
وروت عن أبيها.
وروى عنها ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس بن مالك،
وغيرهم. وروايتها في الكتب الستة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسر إليها. ومناقبها غزيرة. وكانت
صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله. وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا
الحسن هم بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل، فقال: " والله لا تجتمع
بنت نبي الله وبنت عدو الله، وإنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها،
ويؤذيني ما آذاها (3) " فترك علي الخطبة رعاية لها. فما تزوج عليها ولا

(1) في " الإصابة " 13 / 71، و " أسد الغابة " 7 / 25 وكانت تكنى أم أبيها.
(2) في " الإصابة " 13 / 73: وفي " الصحيحين " عن علي قصة الشارفين لما ذبحهما
حمزة، وكان علي أراد أن يبني بفاطمة.. وهذا يدفع قول من زعم أن تزويجه بها كان بعد أحد،
فإن حمزة قتل بأحد. وانظر حديث علي في البخاري 5 / 35 في الشرب: باب بيع الحطب
والكلا، ومسلم (1979) في أول كتاب الأشربة.
(3) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم،
وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي النكاح: باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والانصاف،
ومسلم (2449) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2069) في
النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والترمذي (3866) في المناقب: باب مناقب
فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، من حديث المسور بن مخرمة.
119

تسرى. فلما توفيت تزوج وتسرى، رضي الله عنهما.
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه، وبكته، وقالت: يا أبتاه! إلى جبريل
ننعاه! يا أبتاه! أجاب ربا دعاه! يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه!
وقالت بعد دفنه: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم! (1).
وقد قال لها في مرضه: إني مقبوض في مرضي هذا. فبكت. وأخبرها
أنها أول أهله لحوقا به، وأنها سيدة نساء هذه الأمة. فضحكت، وكتمت
ذلك. فلما توفي صلى الله عليه وسلم، سألتها عائشة. فحدثتها بما أسر إليها (2).
وقالت عائشة رضي الله عنها: جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها
مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام إليها وقال: " مرحبا بابنتي " (3).
ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر
الصديق. فحدثها أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا نورث، ما تركنا

(1) أخرجه البخاري في " صحيحه " 8 / 113 في آخر المغازي. باب آخر ما تكلم به النبي
صلى الله عليه وسلم. من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، جعل
يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال: ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم،
فلما مات، قالت: يا أبتاه...
(2) أخرجه البخاري 6 / 462 في الأنبياء: باب علامات النبوة في الاسلام، وفي فضائل
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم
ووفاته، وفي الاستئذان: باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر
به، وأخرجه مسلم (2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود
(5217).
(3) قطعة من الحديث المتفق عليه المتقدم دون قوله " فقام إليها " فإنه لأبي داود (5217)
والترمذي (3872) وسنده حسن، وصححه الحاكم 3 / 154، ووافقه الذهبي، ولفظ المتفق
عليه: فلما رآها رحب بها، وقال: مرحبا بابنتي، وأجلسها عن يمينه.
120

صدقة " (1) فوجدت عليه، ثم تعللت (2).
روى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: لما مرضت فاطمة،
أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك.
فقالت: أتحب أن آذن له. قال: نعم.
- قلت: عملت السنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا
بأمره -
قال: فأذنت له. فدخل عليها يترضاها، وقال: والله ما تركت الدار
والمال والاهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت.
قال: ثم ترضاها حتى رضيت (3).
توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، أو نحوها (4). وعاشت أربعا أو
خمسا وعشرين سنة. وأكثر ما قيل: إنها عاشت تسعا وعشرين سنة. والأول

(1) أخرجه البخاري 6 / 139، 141 في فرض الخمس، و 7 / 259 في المغازي باب حديث
بني النضير، و 12 / 4 في أول الفرائض. ومسلم (1759) في الجهاد والسير، باب قول النبي
صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركناه صدقة " من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أن فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه
من المدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث، ما
تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال " وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن حالها التي كانت عليها، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى
فاطمة شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر... الحديث.
(2) تعللت: أي تلهت عنه وتشاغلت.
(3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 27، وإسناده صحيح، لكنه مرسل، وذكره الحافظ
في " الفتح " 6 / 139، ونسبه إلى البيهقي وقال: وهو وإن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي
صحيح.
(4) تقدم في حديث عائشة أنها توفيت بعده صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.
121

أصح. وكانت أصغر من زينب، زوجة أبي العاص بن الربيع; ومن رقية;
زوجة عثمان بن عفان. وقد انقطع نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من قبل فاطمة; لان
أمامة بنت زينب، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في صلاته (1)، تزوجت بعلي
ابن أبي طالب، ثم من بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
الهاشمي، وله رؤية، فجاءها منه أولاد.
قال الزبير بن بكار: انقرض عقب زينب.
وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء، وقال:
" اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا " (2).
أحمد بن حنبل: حدثنا تليد بن سليمان: حدثنا أبو الجحاف، عن
أبي حازم، عن أبي هريرة: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن
والحسين، فقال: " أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم " (3).

(1) أخرج مالك في " الموطأ " 1 / 170 في قصر الصلاة في السفر: باب جامع الصلاة،
والبخاري 1 / 487، 488 في سترة المصلي: باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة،
ومسلم (543) في المساجد: باب جواز حمل الصبيان، من حديث أبي قتادة السلمي: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي، وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاص بن الربيع بن
عبد شمس، فإذا سجد وضعها.
(2) روي من حديث عائشة، وأم سلمة، ووائلة بن الأسقع، فأما حديث عائشة، فأخرجه
مسلم (2424) في فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والحاكم 3 / 147، وأما
حديث أم سلمة فأخرجه " أحمد " 6 / 292 و 298 و 304، والترمذي (3205) في التفسير والطبري
22 / 7 والحاكم 2 / 416 و 3 / 147، وأما حديث واثلة فأخرجه أحمد 4 / 107، والطبري
22 / 716، والحاكم 2 / 416 و 3 / 147، وفي الباب عن غير هؤلاء، انظر تفسير ابن كثير
3 / 483، 485، والدر المنثور 5 / 198، 199.
(3) أخرجه أحمد 2 / 442، والحاكم 3 / 149، وتليد بن سليمان ضعيف وباقي رجاله ثقات.
وذكر له الحاكم شاهدا من طريق أسباط بن نصر، عن السدي، إسماعيل بن عبد الرحمن، عن
صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم، وهذا الشاهد هو في " سنن الترمذي " (3870).
122

رواه الحاكم في " المستدرك ". وفيه من طريق أبان بن تغلب، عن أبي
بشر، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، " لا يبغضنا أهل
البيت أحد، إلا أدخله الله النار " (1).
إسرائيل، عن نيسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن
حذيفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نزل ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل
الجنة ". وروي من وجه آخر عن المنهال، رواهما الحاكم (2).
يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه، وقد أخذت من عنقها سلسلة من
ذهب، فقالت: هذه أهداها لي أبو حسن. فقال: " يا فاطمة، أيسرك أن
يقول الناس: هذه فاطمة بنت محمد وفي يدها سلسلة من نار "! ثم خرج.
فاشترت بالسلسلة غلاما، فأعتقته (3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي
نجى فاطمة من النار " رواه أبو داود (4).

(1) أخرجه الحاكم 3 / 150، وصححه، وأقره الذهبي، وأبو بشر: هو جعفر بن إياس.
(2) 3 / 151، وصححه، وأقره الذهبي، وفي الباب عن أبي هريرة رواه الطبراني فيما ذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 201، وقال: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن مروان الذهلي، ووثقه
ابن حبان، وقد تقدم حديث عائشة المتفق عليه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: " أما ترضين أن
تكوني سيدة أهل الجنة ".
(3) سقط من المطبوع " فأعتقته ".
(4) هو الطيالسي صاحب " المسند " وهو فيه 2 / 354، وكان على المصنف رحمه الله أن يقيده
حتى لا يلتبس بأبي داود السجستاني صاحب السنن، فإنه المتبادر عند الاطلاق، وأخرجه النسائي
8 / 158 في الزينة، والحاكم 3 / 152، 153 من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى
ابن أبي كثير، عن أبي سلام، عن أبي أسماء، عن ثوبان... وأخرجه أحمد 5 / 278، 279 من
طريق همام، والنسائي 8 / 158 من طريق هشام كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني زيد بن
سلام، عن جده أبي سلام، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان. وهذا سند رجاله ثقات إلا أنه قد أعل بالانقطاع، فقد نقل ابن القيم في " تهذيب السنن " 6 / 126 عن ابن القطان قوله: وعلته أن
الناس قالوا: إن رواية يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام منقطعة، على أن يحيى قال: حدثني
زيد بن سلام، وقد قيل: إنه دلس ذلك، ولعله كان أجازه زيد بن سلام، فجعل يقول: حدثنا
زيد. وهذا النوع من التدليس بينه الحافظ ابن حجر في " طبقات المدلسين " فقال: ويلتحق
بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الاخبار عن الإجازة موهما السماع، ولا
يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا. وقال المؤلف في " ميزانه " في ترجمة يحيى بن أبي كثير: وروايته عن
زيد بن سلام منقطعة، لأنها من كتاب وقعت له. ومع كل ما تقدم، فقد صحح الحديث الحاكم،
ووافقه الذهبي، وصححه أيضا الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب " 1 / 557 في باب الترهيب
من منع الزكاة.
وما ذهب إليه الشيخ ناصر الدين الألباني بالاستناد إلى هذا الحديث وغيره مما أورده في " آداب
الزفاف " من تحريم تحلي النساء بالذهب المحلق، وإباحة غير المحلق لهن، فقد خالف بذلك إجماع
المسلمين سلفا وخلفا على إباحة تحلي النساء بالذهب محلقا وغير محلق كالطوق والخاتم والسوار،
والخلخال والقلائد، وقد نقل الاجماع غير واحد من العلماء المحققين كالجصاص الرازي في " أحكام
القرآن " 4 / 477 والقرطبي في " تفسيره " 16 / 71، 72، والنووي في " المجموع " 4 / 442
و 6 / 40، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 10 / 317 - ولا يتسع هذا التعليق لبيان وهاء رأيه هذا
الذي انفرد به، والشبهات التي أثارها حول هذه المسألة، ونحيل القارئ الكريم على كتاب " إباحة
التحلي بالذهب المحلق للنساء " للشيخ الفاضل إسماعيل بن محمد الأنصاري! فقد تكفل بالرد
عليه، وتوهين ما استند إليه من الأحاديث التي يظن أنها تدل على مدعاه، ونقل عن العلماء أن المراد
منها - على فرض صحتها - غير ما ذهب إليه، وأورد نصوصا من الكتاب والسنة الصحيحة تدل على
صحة ما ذهب إليه جماهير السلف والخلف من العلماء، وقد أجاد في كل ذلك وأفاد، فجزاه الله عنا
خير الجزاء.
123

داود بن أبي الفرات، عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس
مرفوعا: " أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة " (1).
أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، أخبرني أبي، عن
الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها

(1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 1 / 293، وصححه الحاكم 2 / 594، ووافقه الذهبي،
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 223، وزاد نسبته إلى أبي يعلى والطبراني، وقال: ورجالهم رجال
الصحيح.
124

الحارث بن هشام، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أعن حسبها تسألني "؟ قال
علي: قد أعلم ما حسبها. ولكن أتأمرني بها؟ فقال: " لا، فاطمة مضغة
مني، ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع " قال: لا آتي شيئا تكرهه. (1)
وقد روى الترمذي في " جامعه " من حديث عائشة أنها قيل لها: أي
الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، من قبل النساء; ومن
الرجال زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما (2).
قلت: ليس إسناده بذاك.
وفي " الجامع " لزيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ولا بنيهما:
" أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم " (3).
وكان لها من البنات: أم كلثوم، زوجة عمر بن الخطاب; وزينب،
زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: قال علي
لامه: أكفي فاطمة الخدمة خارجا، وتكفيك هي العمل في البيت، والعجن
والخبز والطحن (4).
عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " فاطمة

(1) هو في " المستدرك " 3 / 158، وصححه الحاكم على شرط الشيخين بهذه السياقة، وعلق
عليه الذهبي بقوله: هو مرسل قوي.
(2) هو في " سنن الترمذي " (3874) في المناقب، وفي سنده جميع بن عمير التميمي، قال ابن
عدي: هو كما قال البخاري: في أحاديثه نظر، وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد. ومع ذلك فقد
حسن الترمذي حديثه هذا، وصححه الحاكم 3 / 157، ولم يتعقبه الذهبي في مختصره كما فعل هنا.
(3) تقدم تخريجه في الصفحة 122 التعليق (3).
(4) رجاله ثقات.
125

سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران " (1).
علي بن هاشم بن البريد، عن كثير النواء، عن عمران بن حصين: أن
النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة، فقال لها: " كيف تجدينك "؟ قالت:
إني وجعة، وإنه ليزيدني مالي طعام آكله. قال: " يا بنية، أما ترضين أن
تكوني سيدة نساء العالمين "؟ قالت: فأين مريم؟ قال: " تلك سيدة نساء
عالمها، وأنت سيدة نساء (2) عالمك أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا
والآخرة ".
رواه أبو العباس السراج، عن محمد بن الصباح، عن علي. وكثير
واه. وسقط من بينه وبين عمران.
علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد،
ومريم، وآسية " (3).
وروى أبو جعفر الرازي، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه،
ولفظه: " خير نساء العالمين أربع ".
معمر، عن قتادة، عن أنس، مرفوعا: " حسبك من نساء العالمين
أربع "... الحديث. وصحح الترمذي هذا، وهو: " حسبك من نساء
العالمين: مريم، وخديجة، وآسية بنت مزاحم، وفاطمة بنت محمد
صلى الله عليه وسلم (4).

(1) أخرجه الحاكم 3 / 154، وصححه، ووافقه الذهبي.
(2) سقط من المطبوع من قوله " العالمين " إلى هنا.
(3) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 124 التعليق رقم (1) وقد تحرف في المطبوع
" علباء بن أحمر " إلى " عباد بن أحمد ".
(4) حديث صحيح، وقد مر تخريجه في الصفحة 117 التعليق رقم (1).
126

أبو نعيم: حدثنا محمد بن مروان الذهلي: حدثنا أبو حازم: حدثني أبو
هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن ملكا استأذن الله في زيارتي، فبشرني
أن فاطمة سيدة نساء أمتي، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة ".
غريب جدا، والذهلي مقل (1)، ويروى نحو ذلك من حديث أبي هريرة
أيضا.
ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن
عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله
صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قالم إليها، فقبلها، ورحب بها،
وكذلك كانت هي تصنع به (2). ميسرة: صدوق.
الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
ستة أشهر، ودفنت ليلا (3).
قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. قال: وصلى (4) عليها
العباس، ونزل في حفرتها، هو وعلي والفضل.

(1) قال المؤلف عنه في " ميزانه " لا يكاد يعرف، ثم أورد حديثه هذا، وذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 183، ونسبه للطبري، وأعله بجهالة الذهلي. وفي حديث حذيفة الطويل عند
الترمذي (3781) " إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي،
ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " وسنده
حسن.
(2) إسناده حسن، أخرجه أبو داود (5217) في الأدب: باب ما جاء في القيام، والترمذي
(3871) في المناقب. باب مناقب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وصححه الحاكم 3 / 154، ووافقه
الذهبي.
(3) " المستدرك " 3 / 162.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " دخل ".
127

وقال سعد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان
سنة إحدى عشرة. وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها، ودفنت ليلا.
وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: مكثت
فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب.
وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر.
وعن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: كان بين فاطمة وبين أبيها
شهران (1).
وعن أبي جعفر الباقر: أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة. ولدت
وقريش تبني الكعبة.
قال: وغسلها علي.
وذكر المسبحي: أن فاطمة تزوج بها علي بعد عرس عائشة بأربعة أشهر
ونصف، ولفاطمة يومئذ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف.
قتيبة بن سعيد: حدثنا محمد بن موسى: عن عون بن محمد بن علي،
عن أمه أم جعفر. وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر: أن فاطمة قالت
لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة
الثوب، فيصفها (2).
قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد
رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا.

(1) " المستدرك " 3 / 163.
(2) أي: يظهر حجم أعضائها.
128

فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! إذا مت فغسليني أنت وعلي،
ولا يدخلن أحد علي.
فلما توفيت، جاءت عائشة لتدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي.
فشكت إلى أبي بكر. فجاء، فوقف على الباب، فكلم أسماء. فقالت:
هي أمرتني. قال: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف (1).
قال ابن عبد البر: هي أول من غطي نعشها في الاسلام على تلك
الصفة.
إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة
حين مرضت، فاستأذن. فأذنت له. فاعتذر إليها، وكلمها. فرضيت
عنه (2).
روى إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن علي بن فلان بن أبي
رافع، عن أبيه، عن سلمى، قالت: مرضت فاطمة... إلى أن قالت:
اضطجعت على فراشها، واستقبلت القبلة ثم قالت: والله إني مقبوضة
الساعة، وقد اغتسلت، فلا يكشفن لي أحد كنفا، فماتت، وجاء علي،
فأخبرته، فدفنها بغسلها ذلك (3).
هذا منكر.

(1) في سنده جهالة، وهو في " الحلية " 2 / 43 و " المستدرك " 3 / 163، 164 وفيه مخالفة لما في
الصحيح من أن عليا دفنها ليلا، ولم يعلم أبا بكر، فكيف يمكن أن تغسلها زوجه أسماء وهو لا
يعلم، وورع أسماء يمنعها ألا تستأذنه، وانظر سنن الدارقطني 1 / 194، وسنن البيهقي 3 / 396،
و " تلخيص الحبير " 2 / 143.
(2) تقدم تخريجه في الصفحة 121 تعليق (3).
(3) هو في طبقات ابن سعد 8 / 27 وإسناده ضعيف لتدليس ابن إسحاق، ولين علي بن فلان بن
أبي رافع، والأصح كما قال الترمذي عبيد الله بن علي بن أبي رافع، فقد ترجمه الحافظ في
" والتقريب " فيمن اسمه عبيد الله بن علي بن أبي رافع، وقال: ويقال فيه علي بن عبيد الله: لين
الحديث. ورواه بنحوه أحمد في " المسند " 6 / 461 من طريق أبي النضر، عن إبراهيم بن سعد،
عن محمد، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن أم سلمى، وذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 210، 211 عن أحمد، وقال: وفيه من لم أعرفه.
والكنف هنا: الثوب، وقد تصحفت في " الطبقات " وفي المطبوع إلى " كتفا " بالتاء.
129

أبو عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق: حدثتني عائشة،
قالت: كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعنا عنده، لم يغادر منهن واحدة. فجاءت
فاطمة تمشي ما تخطى مشيتها مشية (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآها، رحب
بها، قال: " مرحبا بابنتي ". ثم أقعدها عن يمينه أو عن يساره. ثم
سارها، فبكت; ثم سارها الثانية، فضحكت. فلما قام، قلت لها:
خصك رسول الله بالسر وأنت تبكين، عزمت عليك بمالي عليك من
حق، لما أخبرتني مم ضحكت؟ ومم [بكيت؟] قالت: ما كنت لأفشي سر
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما توفي، قلت لها: عزمت عليك بمالي عليك من حق
لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم، في المرة الأولى حدثني " أن جبريل
كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام في هذه السنة مرتين،
وأني لا أحسب ذلك إلا عند اقتراب أجلي، فاتقي الله واصبري، فنعم
السلف لك أنا ". فبكيت. فلما رأى جزعي، قال: " أما ترضين أن تكوني
سيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء هذه الأمة "؟ قالت: فضحكت.
أخرجه البخاري (2) عن أبي نعيم، عن زكريا، عن فراس. وهو فرد غريب.

(1) تحرفت في المطبوع إلى " مشي ".
(2) 6 / 462 في الأنبياء: باب علامات النبوة في الاسلام، وأخرجه أيضا 11 / 67 في
الاستئذان: باب من ناجى بين يدي الناس، ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به، من طريق
موسى، عن أبي عوانة، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، وأخرجه مسلم
(2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة، من طريق فضيل بن حسين، وزكريا بن أبي
زائدة كلاهما عن فراس، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة.
130

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، أنها قالت لفاطمة:
أرأيت حين أكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكيت، ثم أكببت عليه فضحكت؟
قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه، فبكيت، ثم أخبرني أنني أسرع أهله به
لحوقا، وقال: " أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران "
[فضحكت] (1).
ابن حميد: حدثنا سلمة: حدثنا ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد،
عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة،
إلا أن يكون الذي ولدها (2).
جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه،
قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي (3).
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، حدثته: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة، فسارها، فبكت، ثم سارها، فضحكت، فقلت
لها، فقالت: أخبرني بموته، فبكيت، ثم أخبرني أني أول من يتبعه من
أهله، فضحكت (4).
وروى كهمس، عن ابن بريدة، قال: كمدت فاطمة على أبيها
سبعين من يوم وليلة. فقالت لأسماء: إني لأستحيي أن أخرجه غدا على

(1) سنده حسن، وذكره المتقي في " كنز العمال " 13 / 675، ونسبه لابن أبي شيبة، والزيادة
منه.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 160، 161، وصححه ووافقه الذهبي مع أن فيه تدليس ابن إسحاق
وقد عنعن.
(3) أخرجه الترمذي (3868) والحاكم في " المستدرك " 3 / 155، وصححه ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه أحمد 6 / 240، وإسناده صحيح.
131

الرجال من خلاله جسمي. قالت: أولا نصنع لك شيئا رأيته بالحبشة؟
فصنعت النعش. فقالت: سترك الله كما سترتني (1).
هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزلت
* (إذا جاء نصر الله والفتح) * دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، فقال لها: إنه قد نعيت
إليه نفسه. فبكت. فقال: " لا تبكين فإنك أول أهلي لاحقا بي ".
فضحكت. (2).
إسماعيل القاضي: حدثنا إسحاق الفروي: حدثنا عبد الله بن جعفر
الزهري، عن جعفر بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن
مخرمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما
يبسطها، ويقبضني ما يقبضها " (3).

(1) ذكره السيوطي في " الوسائل إلى معرفة الأوائل " ص 38، ونسبه إلى أبي علي سعيد بن
عثمان بن سعيد بن السكن في " المعرفة " عن عبد الله بن بريدة، قال: " لبثت فاطمة بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم سبعين بين يوم وليلة، فقالت: إني لأستحيي من خلل هذا النعش إذا حملت فيه، فقالت لها امرأة
- لا أدري أسماء بنت عميس أو أم سلمة - إن شئت عملت لك شيئا يعمل بالحبشة، ويحمل فيه
النساء، قالت: أجل فاصنعيه، فصنعت النعش، فلما رأته، قالت: سترك الله. قال: فما زالت
النعوش تصنع بعدها.
(2) هلال بن خباب: قال الحافظ في " التقريب ": صدوق تغير بأخرة، وأورده الهيثمي في
" المجمع " 7 / 144، وقال: رواه الطبراني في حديث طويل... وفي إسناده هلال بن خباب،
قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 217 من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" نعيت إلى نفسي " بأنه مقبوض في تلك السنة. وعطاء بن السائب قد اختلط.
(3) إسحاق الفروي: هو إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة، وهو سئ
الحفظ، ومع ذلك فقد صحح حديثه هذا الحاكم 3 / 154، ووافقه الذهبي.
وشجنة: بضم الشين وكسرها: الرحم المشتبكة.
132

غريب. ورواه عبد العزيز الأويسي، فخالف الفروي.
وروى الحاكم في " مستدركه " ومحمد بن زهير النسوي هذا، عن
أبي سهل بن زياد، عن إسماعيل القاضي.
شعيب، عن الزهري، عن علي بن الحسين، أن المسور أخبره: أن
عليا رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل، فلما سمعت فاطمة، أتت فقالت:
إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد، فقال: " أما بعد: فإني أنكحت
أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وأنا أكره أن
يفتنوها، وإنها والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل واحد "
فترك علي الخطبة (1).
ورواه الوليد بن كثير: حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة، عن
الزهري بنحوه. وفيه: " وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ".
ابن إسحاق، عن ابن قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه: سئل
النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: " فاطمة " (2).
ويروى عن أسامة بإسناد آخر، ولفظه: أي أهل بيتك أحب إليك؟.

وفي " المسند " 4 / 5، والترمذي (3869) من حديث ابن الزبير مرفوعا " إنما فاطمة بضعة
مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها " وصححه الترمذي، والحاكم 3 / 159، وهو كما
قال. وفي المتفق عليه من حديث المسور " فإنما هي بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها ".
(1) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي: باب أصهار النبي صلى الله عليه وسلم. ومسلم
(2449) (96) في فضائل الصحابة، وأبو داود (2069) في النكاح: باب ما يكره أن يجمع بينهن
من النساء.
(2) رجاله ثقات، وابن قسيط: هو يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي. أخرج حديثه الستة.
133

حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يمر ببيت فاطمة ستة أشهر، إذا خرج لصلاة الفجر يقول: " الصلاة يا أهل
بيت محمد، * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) * [الأحزاب 33] " (1).
يونس بن أبي إسحاق، ومنصور بن أبي الأسود، وهذا لفظه: سمعت
أبا داود، سمعت أبا الحمراء، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي
وفاطمة ستة أشهر، فيقول: * (إنما يريد الله....) * الآية [الأحزاب:
33] (2).
ومما ينسب إلى فاطمة ولا يصح:
ماذا على من شم تربة أحمد * ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا
ولها في مسند بقي ثمانية عشر حديثا، منها حديثا، منها حديث واحد متفق
عليه (3).

(1) أخرجه أحمد 3 / 259، وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان، ومع
ذلك، فقد حسنه الترمذي (3206) في التفسير.
(2) أبو داود: هو نفيع بن الحارث النخعي الكوفي القاص الهمذاني الأعمى، قال البخاري:
يتكلمون فيه، وقال يحيى بن معين: ليس بشئ، وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني
وغيره: متروك، وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه، وأبو الحمراء: هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم
وخادمه، واسمه: هلال بن الحارث، أو ابن ظفر. والخبر أخرجه ابن جرير في " تفسيره "
22 / 6، من طريق سفيان بن وكيع، عن أبي نعيم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود،
عن أبي الحمراء.
(3) انظر البخاري 8 / 103، 104 في المغازي: باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ومسلم
(2450) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
134

19 - عائشة أم المؤمنين * (ع)
بنت الامام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن
أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، بن
كعب بن لؤي; القرشية التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة
النبي صلى الله عليه وسلم، أفقه نساء الأمة على الاطلاق.
وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر، بن عبد شمس، بن عتاب
ابن أذينة الكنانية.
هاجر بعائشة أبواها، وتزوجها نبي الله قبل مهاجره بعد وفاة الصديقة
خديجة بنت خويلد، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا، وقيل:
بعامين. ودخل بها في شوال سنة اثنتين، منصرفه عليه الصلاة والسلام من
غزوة بدر، وهي ابنة تسع.
فروت عنه علماء كثيرا طيبا مباركا فيه. وعن أبيها. وعن عمر،
وفاطمة، وسعد، وحمزة بن عمرو الأسلمي، وجد أمة (1) بنت وهب.

* مسند أحمد: 6 / 29، طبقات ابن سعد م: 8 / 58 - 81، التاريخ لابن معين: 73،
738، طبقات خليفة: 333، تاريخ خليفة: 225، المعارف: 134، 176، 208، 550.
تاريخ الفسوي: 3 / 268، المستدرك: 4 / 4 - 14، حلية الأولياء: 2 / 43، الاستيعاب:
4 / 1881، جامع الأصول: 9 / 132، أسد الغابة: 7 / 188، تهذيب الكمال: 1688،
تاريخ الاسلام: 2 / 294، البداية والنهاية: 8 / 91، 94، مجمع الزوائد: 9 / 225 - 244،
تهذيب التهذيب: 12 / 433 - 436، الإصابة: 13 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 493، كنز
العمال: 13 / 693 شذرات الذهب: 1 / 9 و 61 - 63.
(1) بالجيم المعجمة، والدال المهملة، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي لامه، صحابية ها
سابقة وهجرة، وقد تحرف اسمها إلى " حرامة " بالحاء المهملة والراء في الجزء المخصوص بترجمة
السيدة عائشة المستل من السير، المطبوع بدمشق سنة 1945.
135

حدث عنها إبراهيم بن يزيد النخعي مرسلا، وإبراهيم بن يزيد التيمي
كذلك، وإسحاق بن طلحة، وإسحاق بن عمر، والأسود بن يزيد، وأيمن
المكي، وثمامة بن حزن، وجبير بن نفير، وجميع بن عمير. والحارث بن
عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، والحارث بن نوفل، والحسن، وحمزة بن
عبد الله بن عمر، وخالد بن سعد، وخالد بن معدان (1) - وقيل: لم يسمع
منها - وخباب [صاحب] المقصورة، وخبيب بن عبد الله بن الزبير،
وخلاس الهجري، وخيار بن سلمة، وخيثمة بن عبد الرحمن، وذكوان
السمان; ومولاها ذكوان، وربيعة الجرشي - وله صحبة، وزاذان أبو عمر
الكندي، وزرارة بن أوفى، وزر بن حبيش، وزيد بن أسلم، وسالم بن
أبي الجعد - ولم يسمعا منها - وزيد بن خالد الجهني (2)، وسالم بن عبد
الله، وسالم سبلان، والسائب بن يزيد، وسعد بن هشام، وسعيد
المقبري، وسعيد بن العاص، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار،
وسليمان بن بريدة (3)، وشريح بن أرطاة، وشريح بن هاني ء، وشريق
الهوزني، وشقيق أبو وائل، وشهر بن حوشب، وصالح بن ربيعة بن
الهدير، وصعصعة (4) عم الأحنف، وطاووس، وطلحة بن عبد الله
التيمي، وعابس بن ربيعة، وعاصم بن بن حميد السكوني، وعامر بن سعد،
والشعبي، وعباد بن عبد الله بن الزبير، وعبادة بن الوليد، و عبد الله بن
بريدة، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري، وابن الزبير ابن أختها،
وأخوه عروة، و عبد الله بن شداد الليثي، و عبد الله بن شقيق، و عبد الله بن

(1) تحرفت في المطبوع إلى " سعدان ".
(2) تحرف في المطبوع إلى " الجعفي ".
(3) تحرف في المطبوع إلى " يزيد ".
(4) تحرف في المطبوع إلى " مصعب ".
136

شهاب الخولاني، و عبد الله بن عامر بن ربيعة، وابن عمر (1)، وابن
عباس، و عبد الله بن فروخ، و عبد الله بن أبي (2) مليكة، و عبد الله بن عبيد
ابن عمير، وأبوه، و عبد الله بن عكيم، و عبد الله بن أبي قيس، وابنا
أخيها: عبد الله والقاسم، ابنا محمد، و عبد الله بن أبي عتيق محمد، ابن
أخيها عبد الرحمن، و عبد الله بن واقد العمري، ورضيعها عبد الله بن
يزيد، و عبد الله البهي (3)، و عبد الرحمن بن الأسود، و عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام، و عبد الرحمن بن سعيد (4) بن وهب الهمداني، وعبد
الرحمن بن شماسة، و عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي، وعبد
العزيز، والد ابن جريج، وعبيد (5) الله بن عبد الله، وعبيد الله بن
عياض (6)، وعراك - ولم يلقها - وعروة المزني، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء
ابن يسار، وعكرمة، وعلقمة (7)، وعلقمة بن وقاص، وعلي بن الحسين،
وعمرو بن سعيد الأشدق، وعمرو بن شرحبيل، وعمرو بن غالب، وعمرو
ابن ميمون، وعمران بن حطان، وعوف بن الحارث، رضيعها، وعياض
ابن عروة، وعيسى بن طلحة، وغضيف بن الحارث، وفروة بن نوفل،
والقعقاع بن حكيم، وقيس بن أبي حازم، وكثير بن عبيد الكوفي.

(1) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " عمير ".
(2) لفظة " أبي " سقطت من مطبوعة دمشق ولا بد منها.
(3) في مطبوعة دمشق زيادة لفظ " ابن " بين عبد الله والبهي، وهو خطأ.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " سعد ".
(5) تحرفت في المطبوع إلى " عبد ".
(6) تحرف في المطبوع " عبيد " إلى " عبد " و " عياض " إلى عامر.
(7) هو علقمة بن قيس النخعي، وقد أسقطه الأستاذان الأفغاني والأبياري ظنا منهما أن
الاسم مكرر.
137

رضيعها، وكريب، ومالك بن أبي عامر، ومجاهد، ومحمد بن إبراهيم
التيمي - إن كان لقيها - ومحمد بن الأشعث، ومحمد بن زياد الجمحي،
وابن سيرين، ومحمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو جعفر
الباقر - ولم يلقها - ومحمد بن قيس بن مخرمة، ومحمد بن المنتشر، ومحمد
ابن المنكدر - وكأنه مرسل - ومروان العقيلي أبو لبابة (1)، ومسروق، ومصدع
أبو يحيى (2)، ومطرف بن الشخير، ومقسم (3)، مولى ابن عباس،
والمطلب بن عبد الله بن حنطب، ومكحول - ولم يلحقها (4) - وموسى بن
طلحة، وميمون بن أبي شبيب، وميمون بن مهران، ونافع جبير، ونافع
ابن عطاء، ونافع العمري، والنعمان بن بشير، وهمام بن الحارث، وهلال
ابن يساف، ويحيى بن الجزار (5)، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب،
ويحيى بن يعمر، ويزيد بن بابنوس (6)، ويزيد بن الشخير، ويعلى بن
عقبة، ويوسف بن ماهك (7)، وأبو أمامة (8) بن سهل، وأبو بردة بن أبي
موسى، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو الجوزاء (9) الربعي،

(1) في مطبوعة دمشق " واو " بين مروان العقيلي، وبين أبي لبابة، وهو خطأ، فإن أبا لبابة كنية
مروان.
(2) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " ابن ".
(3) سقط من المطبوع لفظة " مقسم ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " يلقها ".
(5) سقطت لفظة " بن " من مطبوعة دمشق.
(6) تحرف في المطبوع إلى " يانبوس ".
(7) تحرف في المطبوع إلى " ناهك ".
(8) تحرف في المطبوع إلى أبي " أسامة ".
(9) تصحف في المطبوع إلى " الحوراء ".
138

وأبو حذيفة الأرحبي، وأبو حفصة، مولاها، وأبو الزبير المكي - وكأنه
مرسل - وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وأبو الشعثاء المحاربي، وأبو الصديق
الناجي، وأبو ظبيان الجنبي، وأبو العالية رفيع الرياحي، وأبو عبد الله
الجدلي (1)، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبو عثمان النهدي، وأبو
عطية الوادعي، وأبو قلابة الجرمي - ولم يلقها - وأبو المليح الهذلي، وأبو
موسى، وأبو هريرة، وأبو نوفل بن أبي عقرب، وأبو يونس مولاها،
وبهية (2) مولاة الصديق، وجسرة بنت دجاجة، وحفصة بنت أخيها عبد
الرحمن، وخيرة والدة الحسن البصري، وذفرة بنت غالب، وزينب بنت
أبي سلمة، وزينب بنت نصر، وزينب السهمية، وسمية البصرية،
وشميسة (3) العتكية، وصفية بنت شيبة، وصفية بنت أبي عبيد، وعائشة
بنت طلحة، وعمرة بنت عبد الرحمن، ومرجانة، والدة علقمة بن أبي
علقمة، ومعاذة العدوية، وأم كلثوم التيمية. أختها، وأم محمد، امرأة والد
علي بن زيد بن جدعان. وطائفة سوى هؤلاء.
مسند عائشة يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث. اتفق لها البخاري
ومسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين،
وانفرد مسلم بتسعة وستين.
وعائشة ممن ولد في الاسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين.
وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين.
وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطي.

(1) تحرف في المطبوع إلى الهلالي ".
(2) تحرف في المطبوع إلى " سهية ".
(3) بالتصغير كما في الأصل، وقد تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " شمسة ".
139

وكانت امرأة بيضاء جميلة. ومن ثم (1) يقال لها: الحميراء. ولم
يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، ولا أحب امرأة حبها. ولا أعلم في أمه محمد
صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقا، امرأة أعلم منها. وذهب بعض العلماء إلى
أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر، وإن كان
للصديقة خديجة شأولا يلحق، وأنا واقف في أيتهما أفضل. نعم جزمت (2)
بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها (3).
هاشم بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة [من] حرير (4)،
فيقول: هذه امرأتك. فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه. فأقول: إن يك
هذا من عند الله يمضه " (5).
وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي، عن
ابن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها

(1) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " ومرة ".
(2) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " خرجت ".
(3) من قوله " نعم جزمت " إلى هنا سقط من المطبوع.
(4) السرقة بفتح السين والراء والقاف: هي القطعة، وفي مطبوعة دمشق " خرقة " وهي عند
ابن حبان كما في " الفتح " 9 / 156.
(5) أخرجه أحمد 6 / 41 و 128 و 161، والبخاري 7 / 175، في مناقب الأنصار: باب تزويج
النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، و 9 / 156 في النكاح: باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، و 12 / 353 في التعبير:
باب كشف المرأة في المنام، وباب ثياب الحرير في المنام، ومسلم (2438) في فضائل الصحابة:
باب فضل عائشة من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
140

في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هذه زوجتك في الدنيا
والآخرة " (1).
حسنه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله. ورواه عبد
الرحمن بن مهدي عنه مرسلا.
بشر بن الوليد القاضي: حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن سليمان (2)
الشيباني، عن علي بن زيد بن جدعان، عن جدته، عن عائشة أنها قالت:
لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل
بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني
بكرا، وما تزوج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته في
بيتي، ولقد حفت الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في
لحافه، وإني لابنة خليفة وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد
خلفت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما.
رواه أبو بكر الآجري، عن أحمد بن يحيى الحلواني (3)، عنه. وإسناده
جيد (4)، وله طريق (5) آخر سيأتي.
وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها وبسودة في وقت
واحد، ثم دخل بسودة، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة في شوال بعد

(1) أخرجه الترمذي (3880) في المناقب: باب فضل عائشة رضي الله عنها، ورجاله ثقات،
وابن أبي حسين: هو عمر بن سعيد بن حسين النوفلي.
(2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " سلمان ".
(3) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " الخولاني ".
(4) كيف وفي سنده علي بن زيد بن جدعان "، وهو ضعيف، وجدته لا تعرف.
(5) أبدلها الأستاذ الأفغاني إلى " طرق " معللا صنيعه بما لا يصح، وانظر صفحة 147 و 190.
141

وقعة بدر. فما تزوج بكرا سواها، وأحبها حبا شديدا كان يتظاهر به، بحيث
إن عمرو بن العاص، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي
صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: " عائشة " قال: فمن
الرجال؟ قال: " أبوها " (1).
وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه السلام ليحب
إلا طيبا. وقد قال: " لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة، لاتخذت أبا بكر
خليلا، ولكن أخوة الاسلام أفضل " فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل
امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حري أن يكون بغيضا
إلى الله ورسوله.
وحبه عليه السلام لعائشة كان أمرا مستفيضا، ألا تراهم كيف كانوا
يتحرون بهداياهم يومها تقربا إلى مرضاته.
قال حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،
قالت:
كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت: فاجتمعن صواحبي
إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد
الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما
كان. فذكرت أم سلمة له ذلك. فسكت، فلم يرد عليها. فعادت الثانية.
فلم يرد عليها. فلما كانت الثالثة قال: " يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة،
فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها ".

(1) أخرجه البخاري 7 / 19 في فضائل أصحاب النبي: باب قول النبي " لو كنت متخذا
خليلا " و 8 / 59 في المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، ومسلم (2384) في فضائل الصحابة:
باب من فضائل أبي بكر.
142

متفق على صحته.
وهذا الجواب منه دال على أن فضل مائته على سائر أمهات المؤمنين
بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الامر من أسباب حبه لها.
إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أخي أبو بكر، عن سليمان بن بلال،
عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين،
فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيه وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر
أزواجه. وكانوا (2) المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا
كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أخرها، حتى
إذا كان في بيت عائشة بعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة. فتكلم (3)
حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس، فيقول: من
أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهد إليه حيث كان من نسائه. فكلمته أم
سلمة بما قلن. فلم يقل لها شيئا. فسألنها. فقالت: ما قال لي شيئا.
فقلن: كلميه. قالت: فكلمته حين دار إليها. فلم يقل [لها] شيئا.
فسألنها. فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن [لها]: كلميه. فدار إليها
فكلمته. فقال لها: " لا تؤذيني في عائشة. فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب

(1) أخرجه البخاري 7 / 84 في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل عائشة، وفي الهبة، باب من
اهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض، من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة،
عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه مختصرا مسلم (2441) في فضائل الصحابة، من طريق عبدة،
عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه مطولا (2442) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن
سعد، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
عن عائشة.. وفيه أن التي أرسلتها فاطمة وليست أم سلمة.
(2) كذا الأصل، وله وجه في العربية، وفي البخاري: و " كان " على الجادة.
(3) في البخاري " فكلم ".
143

امرأة إلا عائشة ". فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن
دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت (1) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول (2):
إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلمته، فقال: " يا بنية، ألا
تحبين ما أحب "؟ قالت: بلى. فرجعت إليهن وأخبرتهن. فقلن: ارجعي
إليه. فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش. فأتته فأغلظت،
وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في ابنة أبي قحافة. فرفعت صوتها
حتى تناولت عائشة، وهي قاعدة، فسبتها (3)، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر
إلى عائشة هل تتكلم. قال: فتكلمت عائشة (4) ترد على زينب حتى
أسكتتها. فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة، وقال: إنها ابنة أبي بكر (5).
فضيلة:
إسماعيل بن جعفر: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن، سمع أنسا
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على
سائر الطعام ".
متفق عليه (6) من طرق عن أبي طوالة (7).

(1) في الأصل " فأرسلوا " والتصويب من " صحيح البخاري ". وفي " جامع الأصول "
9 / 137: " فأرسلنها " وقد غير الأستاذ الأبياري ما في الأصل إلى " فأرسلن " ولم يشر إلى ذلك.
(2) في الأصل: " فقلن " والتصويب من البخاري.
(3) في الأصل: تسبها.
(4) من قوله: هل تتكلم، إلى هنا، سقط من مطبوعة دمشق.
(5) أخرجه البخاري 5 / 151، 152 في الهبة: باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه
دون بعض.
(6) البخاري 7 / 73 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضل عائشة، وفي الأطعمة: باب
الثريد، وباب ذكر الطعام، ومسلم (2446) في فضائل الصحابة: باب فضل عائشة رضي الله
عنها، والترمذي (3887).
(7) هو عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري راويه عن أنس.
144

شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران،
وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر
الطعام " (1).
فضيلة أخرى:
روى الحاكم في " مستدركه " من طريق يوسف بن الماجشون، قال:
حدثني أبي، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عائشة، قالت:
قلت - يا رسول الله، من من (2) أزواجك في الجنة؟ قال: " أما إنك منهن "
قالت: فخيل إلي أن ذاك لأنه لم يتزوج بكرا غيري (3).
موسى - وهو الجهني - عن أبي بكر بن حفص، عن عائشة: أنها
جاءت هي وأبواها، فقالا: إنا نحب أن تدعو لعائشة بدعوة ونحن نسمع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر الصديق مغفرة واجبة
ظاهرة باطنة ". فعجب أبواها. فقال: " أتعجبان، هذه دعوتي لمن شهد
أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ".
أخرجه الحاكم في " مستدركه " من طريق سفيان بن عيينة عن موسى.
وهو غريب جدا (4).

(1) أخرجه البخاري 7 / 82، ومسلم (2431) في فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة،
وقد سقط من مطبوعة دمشق من السند " عن مرة ".
(2) سقطت من مطبوعة دمشق لفظة " من " وهي في الأصل والمستدرك.
(3) هو في " المستدرك " 4 / 13، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(4) كذا قال هنا، وفي تعليقه على " المستدرك " 4 / 11، 12، قال: منكر على جودة إسناده. وسقط من مطبوعة دمشق " عن موسى ".
سير 2 / 10
145

فضيلة أخرى:
شعيب، عن الزهري: حدثني أبو سلمة، أن عائشة قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائش، هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام " قالت:
وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى يا رسول الله (1).
زكريا بن أبي زائدة، عن عامر، عن أبي سلمة، أن عائشة حدثته أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " إن جبريل يقرئك السلام ". فقالت: وعليه السلام
ورحمة الله (1).
وأخرج النسائي من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة نحو الأول (2).
وأخرج النسائي من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة نحو الأول (2).
وفي " مسند أحمد " عن سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن أبي
سلمة، عن عائشة قالت: رأيتك يا رسول الله وأنت قائم تكلم دحية
الكلبي. فقال: " وقد رأيته "؟ قالت: نعم. قال: " فإنه جبريل وهو
يقرئك السلام " قالت: وعليه السلام ورحمة الله، جزاه الله من زائر
ودخيل، فنعم الصاحب، ونعم الدخيل (3).
قال: والدخيل: الضيف. مجالد ليس بقوي.
كثير بن هشام: حدثنا الحكم بن هشام، عن عبد الملك بن عمير،

(1) أخرجه البخاري 7 / 83 في فضل عائشة، وفي بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، و 10 / 479
في الأدب: باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، وفي الاستئذان: باب تسليم الرجال على
النساء، والنساء على الرجال، وباب إذا قال: فلان يقرئك السلام، ومسلم (2447) (91) في
فضائل الصحابة: باب فضائل عائشة رضي الله عنها، وأبو داود (5232) والترمذي (3876).
(2) أخرجه النسائي 7 / 69 في عشرة النساء. باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض.
(3) أخرجه أحمد 6 / 74، 75، و 146، وابن سعد 8 / 67، 68 وسنده ضعيف لضعف مجالد.
146

قال: قالت عائشة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: فضلت عليكن بعشر ولا فخر: كنت
أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وابتكرني ولم يبتكر غيري،
وتزوجني لسبع، وبني بي لتسع، ونزل عذري من السماء، واستأذن النبي
صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه، فقال: " إنه ليشق علي الاختلاف بينكن، فائذن لي أن
أكون عند بعضكن " فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة. قد
اذنا لك. وكان آخر زاده من الدنيا ريقي، أتي بسواك، فقال: انكثيه (1) يا
عائشة. فنكثته، وقبض بين حجري ونحري، ودفن في بيتي (2).
هذا حديث صالح الاسناد، ولكن فيه انقطاع.
فضيلة باهرة لها:
خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو بن العاص: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل (3) قال: فأتيته، فقلت: يا
رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " قال: من الرجال؟
قال: " أبوها ".
قال الترمذي: هذا حديث حسن (4).

(1) في " اللسان " ونكث السواك وغيره ينكثه نكثا، فانتكث، شعثه، وقد قرأ الأستاذ الأفغاني
" الكشيه " فأخطأ، وأغرب في تفسير المعنى.
(2) رجاله ثقات، لكنه منقطع كما قال المصنف رحمه الله.
(3) ذكر ابن سعد في " الطبقات " 2 / 131 أنها وراء وادي القرى، وبينها وبين المدينة عشرة
يام. وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة.
(4) في المطبوع من سنن الترمذي (3885): حسن صحيح، وأخرجه البخاري 7 / 19 في
فضائل أصحاب النبي: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذا خليلا " و 8 / 59 في المغازي: باب
؟؟ ذات السلاسل، ومسلم (2384) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر، وابن
سعد 8 / 67.
147

قلت: قد أخرجه البخاري ومسلم.
ابن المبارك، ويحيى بن سعيد الأموي، عن إسماعيل بن أبي خالد،
عن قيس بن أبي حازم، عن عمرو بن العاص، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من
أحب الناس إليك؟ قال: " عائشة " قال: من الرجال؟ قال: " أبوها ".
هذا حديث صحيح، أخرجه النسائي، والترمذي (1)، وحسنه وغربه.
الترمذي: حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن
حميد، عن أنس قال: قيل: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال:
" عائشة " قيل: من الرجال؟ قال: " أبوها " (2).
قال: هذا حديث حسن غريب.
تزويجها بالنبي صلى الله عليه وسلم:
روى هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم
متوفى خديجة، وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، جاءني نسوة
وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة (3)، فهيأنني وصنعنني (4)، ثم أتين بي
إليه صلى الله عليه وسلم (5).
قال عروة: فمكثت عنده تسع سنين.

(1) رقم (3886).
(2) الترمذي (3890) ورجاله ثقات.
(3) أي: ذات جمة، ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة، وإذا كان إلى شحمة الاذنين:
وفرة.
(4) تصحفت في مطبوعة دمشق إلى " وصبغنني ".
(5) أخرجه أبو داود (9435) في الأدب: باب الأرجوحة، وإسناده صحيح.
148

وأخرج البخاري من قول عروة: أن خديجة توفيت قبل الهجرة بثلاث
سنين، فلبث صلى الله عليه وسلم سنتين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة، وهي بنت ست
سنين (1).
ابن إدريس، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن (2) بن
حاطب، قال: قالت عائشة: لما ماتت خديجة، جاءت خولة بنت حكيم
فقالت: يا رسول الله، ألا تزوج؟ قال: " ومن "؟ قالت: إن شئت بكرا
وإن شئت ثيبا؟ قال: " من البكر ومن الثيب "؟ قالت: أما البكر، فعائشة
ابنة أحب خلق الله إليك، وأما الثيب، فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك
وابتعتك. قال: اذكريهما علي. قالت: فاتيت أم رومان فقلت: يا أم
رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، قالت: ماذا؟ قالت:
رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة. قالت: انتظري، فإن أبا بكر آت. فجاء أبو
بكر، فذكرت ذلك له. فقال: أو تصلح له وهي ابنة أخيه؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أنا أخوه وهو أخي، وابنته تصلح لي ". فقام أبو بكر. فقالت لي أم
رومان: إن المطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه، ووالله ما أخلف وعدا
قط. قالت: فأتى أبو بكر المطعم. فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية؟
قال: فأقبل على امرأته، فقال: ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر، فقالت:
لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تدخله في دينك! فأقبل عليه أبو بكر،
فقال: ما تقول أنت؟ قال: إنها لتقول ما تسمع. فقام أبو بكر وليس في
نفسه من الموعد شئ، فقال لها: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت. فجاء،

(1) أخرجه البخاري 7 / 175 في مناقب الأنصار: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة
وبنائه بها، وتمامه: ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين. وفي خبر عروة إشكال أجاب عنه الحافظ في
" الفتح " 7 / 175، 176 فراجعه.
(2) في مطبوعة دمشق " عن " بدل " بن " وهو خطأ.
149

فملكها. قالت: ثم انطلقت إلى سودة، وأبوها شيخ كبير. وذكرت
الحديث (1).
هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أدخلت على نبي الله وأنا بنت
تسع، جاءني نسوة وأنا العب على أرجوحة وأنا مجممة، فهيأنني،
وصنعنني، ثم أتين بي إليه (2).
هشام، عن أبيه، عنها، أنها قالت: كنت ألعب بالبنات، تعني (3)
اللعب، فيجئ صواحبي، فينقمعن (4) من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج رسول
الله، فيدخلن علي، وكان يسربهن (5) إلي، فيلعبن معي.
وفي لفظ: فكن جوار يأتين يلعبن معي بها، فإذا رأين رسول الله تقمعن
فكان يسربهن إلي (6).
وعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله وأنا ألعب بالبنات (7). فقال:

(1) إسناده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " 7 / 176، وأورده الهيثمي في " المجمع "
9 / 225، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو
حسن الحديث: وانظر " المسند " 6 / 210، 211، وطبقات ابن سعد 8 / 57.
(2) أخرجه أبو داود (4933) و (4935) وسنده صحيح، وقد مر قريبا.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " شتى ".
(4) وفي رواية للبخاري: فيتقمعن، ومعناه: يتغيين منه، ويدخلن وراء الستر.
(5) أي يرسلهن.
(6) أخرجه البخاري: 10 / 437 في الأدب: باب الانبساط إلى الناس، ومسلم (2440) في
فضائل الصحابة: باب فضل عائشة، وأحمد 6 / 234، وابن سعد 8 / 61، والحميدي في " مسنده "
(260). واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن،
وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم القاضي عياض، ونقله عن الجمهور،
وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات....
(7) أي: اللعب.
150

" ما هذا يا عائشة "؟ قلت: خيل سليمان ولها أجنحة. فضحك (1).
الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وإنه
ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي
أنصرف. فاقدروا قدر الجار ية الحديثة السن الحريصة على اللهو.
وفي لفظ معمر، عن الزهري: فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف،
فاقدروا [قدر] الجارية الحديثة السن التي تسمع اللهو.
ولفظ الأوزاعي عن الزهري في هذا الحديث قالت: قدم وفد الحبشة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاموا يلعبون في المسجد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسترني بردائه، وأنا أنظر إليهم حتى أكون أنا التي أسأم (2).

(1) أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في " الطبقات " 8 / 62 من طريق الواقدي، عن خارجة بن
عبد الله، عن يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة... وأخرجه بأطول من هذا أبو داود في
" سننه " (4932) في الأدب: باب في اللعب بالبنات، والنسائي في " عشرة النساء " 1 / 75 من
طريق يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهواتها ستر، فهبت ريح،
فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن
فرسا لها جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا
الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها
أجنحة، قال: فضحك حتى رأيت نواجذه، وإسناده صحيح.
(2) أخرجه البخاري 1 / 457 في المساجد: باب أصحاب الحراب في المسجد، و 2 / 366،
370 في العيدين: باب الحراب والدرق يوم العيد، و 9 / 294 في النكاح: باب نظر المرأة إلى الحبش
ونحوهم من غير ريبة، ومسلم (892) (17) و (18) و (19) و (20) و (21)، وأحمد 6 / 84
و 85 و 166 و 270، والنسائي 3 / 195 في العيدين: باب اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء
لذ لك، والحميدي في " مسنده " (254)، والطحاوي في " مشكل الآثار " 1 / 116. وأخرج
النسائي في " عشرة النساء " ورقة 75 وجه أول من حديث يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب،
أخبرني بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت; دخل الحبش المسجد يلعبون، قال لي: يا حميراء أتحبين أن
تنظري إليهم؟ فقالت: نعم، فقام بالباب وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى
خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " وحسبك " قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا
رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني
منه. إسناده صحيح. كما قال الحافظ في " الفتح " 2 / 355.
151

وفي حديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن عمر وجدهم
يلعبون، فزجرهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعهم فإنهم بنو أرفدة " (1).
الواقدي قال: حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة،
عن عمرة، عن عائشة، قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خلفنا
وخلف بناته، فلما قدم المدينة، بعث إلينا زيد بن حارثة وأبا رافع،
وأعطاهما (2) بعيرين وخمس مئة درهم أخذها من أبي بكر، يشتريان بها ما
نحتاج إليه من الظهر. وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الليثي ببعيرين
أو ثلاثة، وكتب إلى ابنه عبد الله يأمره أن يحمل أهله أم رومان وأنا وأختي
أسماء. فخرجوا، فلما انتهوا إلى قديد، اشترى [زيد] بتلك الدراهم ثلاثة
أبعرة. ثم دخلوا مكة، وصادفوا طلحة يريد الهجرة بآل أبي بكر. فخرجنا
جميعا، وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة وأم أيمن وأسامة،
فاصطحبنا جميعا، حتى إذا كنا بالبيض (3) نفر (4) بعيري وقدامي محفة فيها

(1) أخرجه النسائي 3 / 196، وسنده صحيح، وهو في مسلم (893) دون قوله " فإنهم بنو
أرفدة " وبنو أرفدة بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء جنس من الحبشة يرقصون، قال ابن
الأثير: هو لقب لهم.
(2) في الأصل: وأعطاهم، بزيادة الواو، والتصويب من " طبقات ابن سعد ".
(3) هو من منازل بني كنانة بالحجاز.
(4) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " فقد ".
152

أمي، فجلت أمي تقول: وا بنتاه! وا عروساه! حتى أدرك بعيرنا. فقدمنا،
والمسجد يبنى وذكر الحديث (1).
شأن الإفك
كان في غزوة المريسيع (2) سنة خمس من الهجرة، وعمرها رضي الله
عنها يومئذ اثنتا عشرة سنة.
فروى حماد بن زيد، عن معمر، والنعمان بن راشد، عن الزهري،
عن عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه.
فأقرع بيننا في غزوة المريسيع. فخرج سهمي. فهلك في من هلك (3).
وكذلك ذكر ابن إسحاق والواقدي وغير واحد: أن الإفك كان في غزوة
المريسيع.
يونس، عن ابن شهاب: أخبرني عروة، وابن المسيب، وعلقمة بن
وقاص، وعبيد الله بن عبد الله، عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك
ما قالوا، فبرأها الله تعالى. وكل حدثني بطائفة (4) من حديثها، وبعض
حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 62، والواقدي ضعيف.
(2) هو ماء لبني خزاعة، بينه وبين الفرع (موضع من ناحية المدينة) مسيرة يوم، وتسمى غزوة
بني المصطلق، وهو لقب لجذيمة بن سعد بن عمرو بطن من بني خزاعة.
(3) في البخاري 7 / 333: وقال النعمان بن راشد، عن الزهري: كان حديث الإفك في غزوة
المريسيع، وقال الحافظ: وصله الجوزقي والبيهقي في " الدلائل " من طريق حماد بن زيد، عن
النعمان بن راشد، ومعمر عن الزهري... عن عائشة فذكر قصة الإفك في غزوة المريسيع.
(4) في البخاري ومسلم " طائفة " وما في الأصل رواية أحمد.
153

معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعدما نزل
الحجاب، وأنا أجمل في هودج (1) وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل. فقمت
حينئذ (2)، فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت حاجتي، أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار (3) قد انقطع، فالتمسته، وحبسني
التماسه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي (4)، فاحتملوا هودجي،
فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم
يثقلهن اللحم (5)، إنما يأكلن العلقة (6) من الطعام. فلم يستنكروا خفة
المحمل حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا،
فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا
مجيب. فأممت (7) منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون
إلي. فبينا أنا جالسة غلبتني عيني، فنمت.
وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، من وراء الجيش،
فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين

(1) في البخاري ومسلم والمسند " هودجي ".
(2) في البخاري ومسلم والمسند " حين أذنوا بالرحيل ".
(3) الجزع: خرز يماني، وظفار: قرية باليمن.
(4) هي رواية معمر، وحكى النووي عن أكثر نسخ صحيح مسلم: يرحلون لي، قال: وهو
أجود، وقال غيره: بالباء أجود، لان المراد: وضعها وهي في الهودج، فشبهت الهودج الذي فيه
بالرحل الذي يوضع على البعير.
(5) جملة " خفافا لم يثقلهن اللحم " سقطت من مطبوعة دمشق.
(6) العلقة بضم العين: كل ما يتبلغ به من العيش، وهي من الطعام اليسير منه.
(7) أممت: قصدت، وقد تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " فأقمت ".
154

رآني، وكان يراني قبل الحجاب. فاسترجع، فاستيقظت باسترجاعه حين
عرفت. فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه
كلمة غير استرجاعه، فأناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبتها. فانطلق يقود
بي (1) [الراحلة] حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين (2) في نحر الظهيرة،
فهلك من هلك في، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن
سلول (3).
فقدمنا المدينة، فاشتكيت شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك
ولا أشعر بشئ من ذلك، ويريبني (4) في وجعي أني لا أعرف من رسول الله
صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي، فيسلم، ثم
يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف [فذلك الذي يريبني] ولا أشعر بالشر، حتى
خرجت بعدما نقهت. فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع (5)، وهو متبرزنا.
كنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا،
وأمرنا أمر العرب الأول من التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها
عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف، وأمها ابنة
صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب.
فأقبلت أنا وهي قبل بيتي، قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها،

(1) تصحفت في مطبوعة دمشق إلى " يقودني ".
(2) أي: نازلين في وقت الوغرة: وهي شدة الحر، ونحر الظهيرة: وقت القائلة.
(3) هو رأس المنافقين، كان شديد العداوة لله ورسوله، حسد النبي صلى الله عليه وسلم على ما اتاه الله من
فضله، لأنه كان يتوقع أن تكون له السيادة على أهل المدينة.
(4) يريبني، بفتح أوله من الريب، ويجوز الضم من الرباعي، يقال: رابه، وأرابه: إذا
أوهمه وشككه، وفي البخاري ومسلم و " المسند " وهو يريبني.
(5) المناصع: مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.
155

فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلا شهد بدرا؟
قالت: أي هنتاه (1)، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما ذاك؟ فأخبرتني
الخبر، فازددت مرضا على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي، ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم] ثم قال: كيف
تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ وأنا [حينئذ] أريد أن أستيقن الخبر
من قبلهما. فأذن لي. فجئت أبوي، فقلت: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟
قالت: يا بنية! هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها
لها ضرائر إلا كثرن عليها. فقلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا؟!
فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. فدعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي،
يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامة، فأشار على رسول الله بالذي يعلم من
براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله
هلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء
سواها كثير، واسأل الجارية، تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، (2)
فقال: أي بريرة، هل رأيت من شئ يريبك؟ قالت: لا والذي بعثك
بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه (3) عليها أكثر من أنها جارية حديثة
السن، تنام عن عجين أهلها، فيأتي الداجن، فيأكله.

(1) قال ابن الأثير: أي: يا هذه، وتفتح النون وتسكن، وتضم الهاء الآخرة وتسكن، قال
جوهري: هذه اللفظة تختص بالنداء وقيل: معنى يا هنتاه: أي: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة
معرفة بمكايد الناس وشرورهم.
(2) كون الجارية بريرة هنا، وهم من بعض الرواة نبه عليه ابن القيم، في " زاد المعاد " 3 / 268
؟؟ مؤسسة الرسالة بتحقيقنا، واخذه عنه الزركشي في " الإجابة " ص 48.
(3) أي: عيبه.
156

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال وهو
على المنبر: " يا معشر المسلمين، من يعذرني (1) من رجل قد بلغني (2) أذاه في
أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت
عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ". فقام سعد بن معاذ، فقال:
يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس، ضربت عنقه، وإن كان
من إخواننا من الخزرج، أمرتنا، ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة - وهو
سيد الخزرج، وكان قيل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته (3) الحمية،
فقال [السعد]: كذبت لعمر الله! لا تقتله، ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن
حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك
منافق تجادل عن المنافقين. فتثاور (4) الحيان: الأوس والخزرج، حتى
هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنير. فلم يزل يخفضهم حتى
سكتوا وسكت.
قالت: فبكيت يومي ذلك وليلتي، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم،
فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي
دمع، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي (5). فبينما هما جالسان عندي، وأنا
أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، [فأذنت لها]، فجلست تبكي
معي، فبينما نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم، ثم

(1) أي: من يقوم بعذري إن جازيته على قبيح فعاله، وسوء ما صدر منه، وقيل: معناه: من
ينصرني، والعذير: الناصر.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " يلحق ".
(3) أي: أغضبته، وفي رواية معمر عند مسلم. " اجتهلته "، أي: حملته على الجهل.
(4) أي: تواثبا، وتناهضا للنزاع والعصبية.
(5) في مسلم وأحمد: وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.
157

جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه
في شأني شئ. قالت: فتشهد، ثم قال: " أما بعد، يا عائشة، فإنه قد
بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت
بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب،
تاب الله عليه ". فلما قضى مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة،
فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول
الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت (1) وأنا يومئذ حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني
والله لقد علمت، لقد سمعتم (2) هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم،
وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني
بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقني. والله ما
أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف: * (فصبر جميل والله المستعان على
ما تصفون) * [يوسف: 18]. ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي، وأنا
أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى يبرئني (3) ببراءتي; ولكن والله ما ظننت أن الله
ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في
بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله
بها. قالت: فوالله ما قام (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خرج أحد من أهل البيت،

(1) من قوله: لأمي... إلى هنا سقط من المطبوع.
(2) كذا الأصل، وهي رواية البخاري، وفي مطبوعة دمشق: " أنكم سمعتم " وهي رواية
مسلم وأحمد.
(3) في البخاري ومسلم وأحمد: " مبرئي ".
(4) في البخاري ومسلم وأحمد " ما رام " أي: فارق، من الريم، وليس من الروم بمعنى
الطلب.
158

حتى نزل عليه الوحي; فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه
مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي ينزل
عليه. فلما سري عنه (1) وهو يضحك، كان أول كلمة تكلم بها: " يا
عائشة، أما والله (2) لقد براك الله " فقالت أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا
أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله تعالى: * (إن الذين جاؤوا بالإفك
عصبة منكم) * [النور: 11] العشر الآيات كلها.
فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح
لقرابته وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة.
فأنزلت: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى
والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر
الله لكم) * [النور: 22]. قال: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي.
فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري. فقالت:
أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، وهي التي كانت تساميني (3) من
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب
لها (4)، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك (5).

(1) في رواية البخاري: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سري عنه وهو يضحك.
(2) في البخاري ومسلم والمسند: أما الله عز وجل، فقد برأك.
(3) تساميني: تعاليني، من السمو وهو العلو والارتفاع، أي: تطلب من العلو والرفعة
والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب.
(4) أي: تجادل لها وتتعصب، وتحكي ما قال أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة، وتعلو مرتبة
أختها زينب.
(5) أخرجه بطوله البخاري 5 / 198، 201 في الشهادات: باب تعديل النساء بعضهن بعضا، و 7 / 333، 335 في المغازي: باب حديث الإفك، و 8 / 343، 367 في تفسير سورة النور: باب
* (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات) * وقد توسع الحافظ في شرحه هنا، وأخرجه أحمد 6 / 194،
196، ومسلم (2770) في التوبة: باب حديث الإفك، والترمذي (3179) و عبد الرزاق في
" المصنف " (9748)، وانظر السيرة لابن هشام 2 / 297، 307، البداية لابن كثير 3 / 160،
164، وتفسيره 3 / 268، 272.
159

وهذا الحديث له طرق عن الزهري. ورواه هشام بن عروة، عن أبيه.
قال أبو معشر السندي (1): حدثني أفلح بن عبد الله بن المغيرة، عن
الزهري، قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فذكر حديث الإفك
بطوله، وفيه: أن ذاك في غزوة بني المصطلق (2) وأن سهمها وسهم أم سلمة
خرج.
وروى معمر، عن الزهري، قال: كنت عند الوليد فقال ك الذي تولى
كبره علي. فقلت: لا. حدثني سعيد وعروة وعلقمة وعبيد الله، كلهم سمع
عائشة تقول: إن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي. فقال لي: فما كان
جرمه؟ قلت: سبحان الله! حدثني من قومك أبو سلمة، وأبو بكر بن عبد
الرحمن، أنهما سمعا عائشة تقول: كان مسيئا في أمري (3).
يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن
حزم، عن عمرة، عن عائشة قالت: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة التي نزل

(1) أبو معشر السندي اسمه: نجيح بن عبد الرحمن، مشهور بكنيته، وهو ضعيف، وقد
تحرف في مطبوعة دمشق إلى السدي.
(2) سقطت من مطبوعة دمشق جملة: " في غزوة بني المصطلق ".
(3) أخرجه عبد الرزاق فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 337، وأخرجه البخاري 7 / 336 في
المغازي، من طريق عبد الله بن محمد، عن هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر، عن الزهري،
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 32 وزاد نسبته إلى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه،
والبيهقي في " الدلائل ".
160

بها عذري على الناس، نزل فأمر برجلين وامرأة، ممن كان تكلم بالفاحشة
في عائشة، فجلدوا الحد (1).
قال: وكان رماها ابن أبي، ومسطح، وحسان، وحمنة.
الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: دخل حسان بن
ثابت على عائشة يشبب (2) بأبيات له فيها، فقال:
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (3)
قالت: لست كذاك. فقلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك، وقد أنزل
الله تعالى: * (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) * [النور: 11]. قالت:
وأي عذاب أشد من العمى. ثم قالت: كان يرد عن (4) النبي صلى الله عليه وسلم (5).

(1) إسناده صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف "
برقم (9749)، وأبو داود (4474) وابن ماجة (2567) كلاهما في الحدود: باب حد القذف.
والترمذي (3181) في التفسير وحسنه.
(2) التشبيب: التغزل، يقال: شبب الشاعر بفلانة: إذ ا عرض بحبها وذكر حسنها، والمراد
ترقيق الشعر بذكر النساء، وقد يطلق على إنشاء الشعر وإنشاده، وإن لم يكن فيه غزل، كما وقع
في حديث أم معبد: فلما سمع حسان شعر الهاتف شبب يجاوبه، أي: ابتدأ في جوابه.
(3) تزن: أي: ترمى، وقوله: غرثى، أي خميصة البطن، يريد أنها لا تغتاب أحدا. وهي
استعارة فيها تلميح بقوله تعالى في المغتاب: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا). والغوافل:
جمع غافلة، وهي العفيفة الغافلة عن الشر.
(4) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " على ".
(5) أخرجه البخاري 7 / 338 في المغازي: باب حديث الإفك و 8 / 373، 374، في التفسير،
ومسلم (2488) في فضائل الصحابة: باب فضائل حسان بن ثابت. وكون حسان على ظاهر هذه
الرواية هو الذي تولى كبره مشكل، فقد تقدم أنه عبد الله بن أبي ابن أبي سلول، وهو المعتمد، قال
الحافظ: وقد وقع في رواية أبي حذيفة، عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في " المستخرج ": وهو
ممن تولى كبره، فهذه الرواية أخف إشكالا.
تنبيه: وقع في الأصل خطأ في الآية، فقد جاء فيه " أليم " بدل " عظيم " وأبقاه الأستاذ
الأبياري كما هو ولم يصلحه مع أنه خرج الآية.
161

ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: كان صفوان بن
المعطل قد كثر عليه حسان في شأن عائشة، وقال يعرض به:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد (1)
فاعترضه صفوان ليلة وهو آت من عند أخواله بني ساعدة، فضربه
بالسيف على رأسه، فاستعدوا (2) عليه ثابت بن قيس، فجمع يديه إلى عنقه
بحبل، وقاده إلى دار بني حارثة. فلقيه ابن رواحة، فقال: ما هذا؟ فقال:
ما أعجبك إنه عدا على حسان بالسيف، فوالله ما أراه إلا قد قتله. فقال:
هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت به؟ فقال: لا. فقال: والله لقد
اجترأت، خل سبيله، فسنغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعلمه أمره، فخلى
سبيله، فلما أصبحوا، غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك. فقال: أين
ابن المعطل؟ فقام إليه، فقال: ها أنا ذا يا رسول الله. فقال: ما دعاك إلى ما
صنعت؟ قال: آذاني يا رسول الله، وكثر علي، ولم يرض حتى عرض بي
في الهجاء، فاحتملني الغضب، وها أنا ذا، فما كان علي من حق، فخذني
به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعوا لي حسان بن ثابت " فأتي به. فقال: " يا

(1) أراد بالجلابيب: سفل الناس، وابن الفريعة: كنية حسان، والفريعة أمه، وبيضة
البلد: يضرب مثلا في العزة أو الذلة، والثاني هو المراد هنا.
قال الأزهري في التهذيب 2 / 85: ومعنى قول حسان: إن سفلة الناس عزوا بعد ذلتهم،
وكثروا بعد قلتهم. وابن الفريعة الذي كان ذا ثروة وثراء، فقد أخر عن كريم شرفه وسؤدده،
واستبد بالامر دونه، فهو بمنزلة بيضة البلد التي تبيضها النعامة، ثم تتركها بالفلاة فلا تحضنها،
فتبقى تريكة بالفلاة.
(2) أي: استنصروه واستعانوا به، من العدوي: وهي النصرة والمعونة وفي الأصل: فتعدوا.
162

حسان. أتشوهت (1) على قومي أن هداهم الله للاسلام - يقول: تنفست
عليهم - يا حسان، أحسن فيما أصابك ". قال: هي لك يا رسول الله.
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيرين القبطية. فولدت له عبد الرحمن، وأعطاه أرضا
كانت لأبي طلحة، تصدق بها أبو طلحة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق; وقال حسان في عائشة:
رأيتك - وليغفر لك الله - حرة * من المحصنات غير ذات غوائل
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
وإن الذي قد قيل ليس بلائق * بك ال‍ دهر بل قيل امرئ متماحل (2)
فإن كنت أهجوكم كما بلغوكم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي * لآل رسول الله زين المحافل
وإن لهم عزا يرى الناس دونه * قصارا وطال العز كل التطاول
عقيلة حي من لؤي بن غالب * كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها * وطهرها من كل سوء وباطل (3)
ابن أبي أويس: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت لو أنك

(1) أي: أتنكرت وتقيحت لهم؟ وجعل صلى الله عليه وسلم الأنصار قومه لنصرتهم إياه. وقد تحرفت في
المطبوع إلى: " أتشوفت ".
(2) لائق: لازق، وفي الديوان والسيرة: بلائط، وهو اللازق أيضا.
والمتماحل: المتماكر، ورواية الشطر الثاني في السيرة:
ولكنه قول امرئ بي ما حل.
والماحل: الماكر.
(3) الخيم: الطبع، وانظر الخبر بطوله مع الشعر في سيرة ابن هشام 2 / 304، 306.
163

نزلت واديا فيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرة لم يؤكل منها، فأيهما
كنت ترتع بعيرك؟ قال: " الشجرة التي لم يؤكل منها " قالت: فأنا هي.
تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها (1).
سفيان بن عيينة: عن أبي سعد، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن
أبيه، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ما تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه
جبريل بصورتي، وقال: هذه زوجتك. فتزوجني، وإني لجارية علي
حوف. ولما تزوجني، وقع علي الحياء وإني لصغيرة (2).
تفرد به أبو سعد، وهو سعيد بن المرزبان البقال، لين الحديث.
والحوف: شئ يشد في وسط الصبي ن سيور.
يحيى بن يمان، عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال،
وأعرس بي في شوال. فأي نسائه كان أحظى عنده مني (3).
وكانت العرب تستحب لنسائها أن يدخلن على أزواجهن في شوال.

(1) أخرجه البخاري 9 / 104 في النكاح: باب نكاح الابكار، واسم أخي إسماعيل: عبد
الحميد.
(2) هو في " المستدرك " 4 / 9، وصححه، ووافقه الذهبي هناك، أما هنا، فقد ضعفه بأبي
سعد البقال، وهو الحق، فقد قال الفلاس: ضعيف الحديث متروك، وقال أبو زرعة: لين
الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه، وقال النسائي:
ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحافظ في " التقريب ": ضعيف مدلس:
(3) يحيى بن يمان صدوق يخطى كثيرا، لكنه متابع، فقد أخرجه مسلم (1423) في النكاح:
باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه، والدارمي 2 / 145 في النكاح:
باب بناء الرجل بأهله في شوال، وأحمد في " المسند " 6 / 54، 206، وابن سعد 8 / 59، وابن ماجة
(1990) في النكاح: باب متى يستحب البناء بالنساء، والنسائي 6 / 70 في النكاح باب: التزويج في
شوال، من طرق عن سفيان به. وفيه عندهم: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال.
164

وقالت عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها (1).
قلت: وهذا من أعجب شئ (2) أن تغار رضي الله عنها من امرأة عجوز
توفيت قبل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بمديدة، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة
نسوة يشاكنها في النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من الطاف الله بها وبالنبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يتكدر
عيشهما. ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي صلى الله عليه وسلم لها وميله إليها.
فرضي الله عنها وأرضاها.
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: دخلت امرأة
سوداء على النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليها. قالت: فقلت: يا رسول الله، أقبلت
على هذه السوداء هذا الاقبال! فقال: " إنها كانت تدخل على خديجة، وإن
حسن العهد من الايمان " (3).

(1) أخرجه البخاري 7 / 102 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة
وفضلها، ومسلم (2435) في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة، والترمذي (3875).
(2) علق الشوكاني رحمه الله على هذا الموطن فقال: سبب الغيرة ما كانت تسمعه من ثناء رسول
الله صلى الله عليه وسلم على خديجة، وتفخيمه لنشأنها كما سبق في ترجمتها رضي الله عنها، فلا عجب إذن.
(3) رجاله ثقات وهو في المصنف.
وأخرجه أيضا بنحوه الحاكم في " المستدرك " 1 / 15، 16 من طريق صالح بن رستم، عن ابن
أبي مليكة، عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم كيف حالكم؟ كيف
كنتم بعدنا؟ قالت: بخير، بأبي أنت وأم ي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت: يا رسول الله تقبل
على هذه العجوز هذا الاقبال؟ قال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الايمان.
وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، مع أن صالح بن رستم لم يخرج له البخاري إلا
تعليقا، وقد ارتضى المصنف في الميزان مقالة الإمام أحمد فيه: صالح الحديث، فمثله يكون حديثه
؟؟ وانظر " فتح الباري " 10 / 365.
165

أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل (1): أخبرنا الإمام أبو
محمد عبد الله بن أحمد المقدسي سنة ست عشرة وست مئة، أخبرنا هبة الله
ابن الحسن الدقاق، أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن علي بن زكري (2)، حدثنا
علي (3) بن محمد المعدل، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز (4):
حطنا سعدان (5) بن نصر: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن
عون: حدثنا القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: من
زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقد أعظم الفرية على الله تعالى، ولكنه رأى
جبريل مرتين في صورته، وخلقه سادا ما بين الأفق (6).

(1) تحرفت في المطبوع إلى " المعول ".
(2) تحرف في مطبوعة دمشق ودار المعارف إلى " زكريا ".
(3) تحرف في المطبوع إلى " إسماعيل ".
(4) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " الرازي ".
(5) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " معدان ".
(6) وأخرجه أحمد 6 / 241 من طريق ابن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن
مسروق قال: كنت عند عائشة، قال: قلت: أليس الله يقول: * (ولقد رآه بالأفق المبين) * * (ولقد
رآه نزلة أخرى) * قالت: أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما: فقال: إنما ذاك جبريل لم
يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض، سادا عظم خلقه ما
بين السماء والأرض، وأخرجه مسلم (177) في الايمان، باب معنى قوله عز وجل * (ولقد رآه نزلة
أخرى) * من طريق الشعبي به، وأخرجه البخاري 8 / 466، 469 من طريق الشعبي، عن مسروق
قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: " يا أمتاه، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري
(أي: قام من الفزع) مما قلت أين أنت من ثلاث؟ من حدثكهن فقد كذب، ثم قرأت. * (لا
تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) * * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من
وراء حجاب) * ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: * (وما تدري نفس ماذا تكسب
غدا) * ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) *
الآية. ولكن رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين. وأخرجه الترمذي (3278) في التفسير،
من طريق سفيان، عن مجالد، عن الشعبي.
166

هذا حديث صحيح الاسناد.
ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه (1). وهذه المسألة
مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام، فجاءت
من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عيانا في الآخرة، فأمر متيقن
تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.
أبو الحسن المدائني، عن يزيد بن عياض، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، قال: دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده عائشة، وذلك
قبل أن يضرب الحجاب، فقال: من هذه الحميراء يا رسول الله؟ قال:
" هذه عائشة بنت أبي بكر " قال: أفلا أنزل لك عن أجمل النساء؟ قال:
" لا ". فلما خرج، قالت عائشة: من هذا يا رسول الله؟ قال: " هذا
الأحمق المطاع في قومه ".
هذا حديث مرسل، ويزيد متروك (2)، وما أسلم عيينة إلا بعد نزول
الحجاب.
وقد قيل: إن كل حديث فيه: يا حميراء، لم يصح (3). وأوهى ذلك

(1) انظر تفصيل المسألة في زاد المعاد 3 / 36، 37 طبع مؤسسة الرسالة بتحقيقنا، و " فتح
الباري " 8 / 466، 469.
(2) قال المؤلف في ميزانه: قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة،
وقال علي بن المديني، ضعيف، ورماه مالك بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال
الدارقطني: ضعيف.
(3) في هذه الكلية نظر، فقد أخرج النسائي في " عشرة النساء " ورقة 75 / 1 من حديث يونس
ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون،
قال لي: يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني
على عاتقه، فأسندت وجهي أي خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: حسبك، قلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك فقلت: لا تعجل يا
رسول الله، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه،
قال الحافظ في " الفتح " 2 / 355: إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في
هذا، وقال الزركشي في المعتبر 19 / 2، و 20 / 1: وذكر لي شيخنا ابن كثير، عن شيخه أبي
الحجاج المزي أنه كان يقول: كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في سنن
النسائي. قلت: وحديث آخر في النسائي... دخل الحبشة المسجد... وذكر الحديث السابق.
167

تشميس الماء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: " لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث
البرص " (1). فإنه خبر موضوع. والحمراء، في خطاب أهل الحجاز: هي
البيضاء بشقرة، وهذا نادر فيهم، ومنه في الحديث: " رجل أحمر كأنه من
الموالي " (2) يريد القائل أنه في لون الموالي الذين سبوا من نصارى الشام
والروم والعجم.
ثم إن العرب إذا قالت: فلان أبيض، فإنهم يريدون الحنطي اللون
بحلية سوداء، فإن كان في لون أهل الهند، قالوا: أسمر وآدم، وإن كان
في سواد التكرور، قالوا: أسود، وكذا كل من غلب عليه السواد. قالوا:
أسود، أو شديد الأدمة. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " بعثت إلى الأحمر
والأسود " (3). فمعنى ذلك: أن بني آدم لا ينفكون عن أحد الامرين. وكل

(1) أخرجه الدارقطني ص (14) والبيهقي 1 / 6 من طريق خالد بن إسماعيل المخزومي، عن
هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: أسخنت ماء لرسول الله في الشمس ليغتسل به. فقال
لي: " يا حميراء لا تفعلي فإنه يورث البرص " قال الدارقطني: خالد بن إسماعيل متروك، وقال ابن
عدي: يضع الحديث على ثقات المسلمين، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال.
(2) قطعة من حديث مطول أخرجه البخاري 11 / 463 في الايمان: باب ندب من حلف يمينا
فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه، من حديث أيوب، عن أبي قلابة،
والقاسم التميمي، عن زهدم، عن أبي موسى الأشعري.
(3) قطعة من حديث أخرجه مسلم في " صحيحه " رقم (521) في أول المساجد من حديث
جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي
يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طيبة
طهورة ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة، صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة
شهر، وأعطيت الشفاعة " وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد 1 / 250، 301، وعن أبي موسى
الأشعري عنده أيضا 4 / 416، وعن أبي ذر عند الدارمي 2 / 224 وأحمد 5 / 145، 148، 162
168

لون بهذا الاعتبار يدور بين السواد والبياض، الذي هو الحمرة.
أحمد في " مسنده " (1): حدثنا عباد بن عباد، عن هشام، عن أبيه،
عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لها: " إني أعرف غضبك إذا
غضبت ورضاك إذا رضيت " قالت: " وكيف تعرف؟ قال: " إذا غضبت
قلت: يا محمد. وإذا رضيت قلت: يا رسول الله ".
هذا حديث غريب، والمحفوظ ما أخرجا في " الصحيحين " لأبي
أسامة، عن هشام بلفظ: " إني لاعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي
غضبى " قالت: وكيف يا رسول الله؟ قال: " إذا كنت عني راضية، قلت:
لا ورب محمد. وإذا كنت علي غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم " قلت:
أجل والله، ما أهجر إلا اسمك (2).
تابعه علي بن مسهر. وأخرج النسائي حديث علي (3).
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها استعارت قلادة في سفر مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانسلت منها. وكان ذلك المكان يقال له: الصلصل.
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فطلبوها حتى وجدوها. وحضرت الصلاة، ولم

طهورة ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة، صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة
شهر، وأعطيت الشفاعة " وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد 1 / 250، 301، وعن أبي موسى
الأشعري عنده أيضا 4 / 416، وعن أبي ذر عند الدارمي 2 / 224 وأحمد 5 / 145، 148، 162.
(1) 6 / 30، وعباد بن عباد هو ابن حبيب بن المهلب الأزدي العتكي، قال الحافظ في
التقريب: ثقة ربما وهم، أخرج حديثه الجماعة; وباقي رجاله ثقات.
(2) أخرجه البخاري 9 / 285 في النكاح: باب غيرة النساء ووجدهن. ومسلم (2439) في
فضائل الصحابة، باب فضل عائشة.
(3) أي: أن النسائي أخرج حديث علي بن مسهر المتقدم، وقد التبس على الأستاذ الأفغاني
المعنى فغير لفظة " حديث " إلى " حديثا " ثم وصله بما بعده، فقال: وأخرج النسائي حديثا على
هشام بن عروة عن أبيه..
169

يكن معهم ماء، فصلوا بغير وضوء. فأنزل الله آية التيمم. فقال لها أسيد
ابن الحضير: جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله
لك فيه خيرا.
رواه ابن نمير، وعلي بن مسهر عنه (1).
مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات
الجيش، انقطع عقدي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه
وليسوا على ماء. فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه. فقالوا: ما ترى ما
صنعت عائشة، أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء!
قالت: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في
خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي. فنام
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء. فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا.
فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر!
قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته. متفق عليه (2).

(1) رواية ابن نمير أخرجها البخاري 1 / 373 في الطهارة: باب إذا يجد ماء ولا ترابا، وأحمد
6 / 57، والطبري (9640)، ورواية علي بن مسهر نسبها الحافظ في " الفتح " إلى جعفر الفريابي في
كتاب الطهارة له، وأخرجها ابن عبد البر من طريقه. وأخرجه البخاري أيضا 9 / 196 في النكاح:
باب استعارة الثياب للعروس وغيرها، ومسلم (367) (108) وابن ماجة (568) والبيهقي 1 /
214 من طريق أبي أسامة عن هشام، و 10 / 278 في اللباس: باب استعارة القلائد، وأبو داود
(317) من طريق عبدة عن هشام، وأخرجه الحميدي في مسنده (165) من طريق سفيان الثوري
عن هشام والصلصل: قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة.
(2) هو في " الموطأ " 1 / 74 بشرح السيوطي، وأخرجه البخاري 1 / 365 في التيمم و 8 /
205 في التفسير، و 7 / 26 في فضائل الصحابة و 9 / 300 في النكاح، و 12 / 154 في الحدود،
ومسلم (367) في الحيض: باب التيمم. ولفظ " متفق عليه " سقط من مطبوعة دمشق.
170

وفي " مسند أحمد " من طريق محمد بن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد
ابن (1) عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أقبلنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بتربان بلد بينه وبين المدينة بريد وأميال، وهو بلد لإماء
به وذلك من السحر، انسلت قلادة من عنقي، فوقعت، فحبس علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم لإلتماسها حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء. فلقيت من
أبي ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف. وقال: في كل سفر للمسلمين منك
عنا وبلاء. فأنزل الله الرخصة في التيمم، فتيمم القوم، وصلوا.
قالت: يقول أبي حين جاء من الله من الرخصة للمسلمين: والله ما
علمت يا بنية إنك لمباركة! ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من
البركة واليسر (2).
أبو نعيم: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار (3) بن حريث، عن
النعمان بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا عائشة ترفع
صوتها عليه، فقال: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها. ثم خرج أبو بكر، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها،
وقال: " ألم تريني حلت بين الرجل وبينك ". ثم استأذن أبو بكر مرة
أخرى، فسمع تضاحكهما، فقال: أشركاني في سلمكما كما أشركتماني
في حربكما.
أخرجه أبو داود (4) والنسائي من طريق حجاج بن محمد، عن يونس

(1) سقط من المطبوع " عباد بن ".
(2) هو في " المسند " 6 / 272، وإسناده قوي. فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
(3) تحرف في المواطن الأربعة في مطبوعة دمشق إلى العرار.
(4) رقم (4999) في الأدب: باب ما جاء في المزاح، وإسناده قوي.
171

نحوه. لكنه قال: عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن العيزار، عن
النعمان.
ورواه عمرو العنقزي (1) عن يونس، عن أبيه، فأسقط العيزار.
وروى نحوه أحمد في " مسنده " (2) عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي
إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن النعمان.
موسى بن علي بن رباح، سمعت أبي يقول: أخبرني أبو قيس مولى
عمرو، قال: بعثني عبد الله بن عمرو إلى أم سلمة: سلها أكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم؟ فإن قالت: [لا]. فقل: إن عائشة تخبر الناس أنه
كان يقبل وهو صائم. فقالت: لعله أنه لم يكن يتمالك عنها حبا، أما
إياي، فلا (3).
أحمد في " مسنده ": حدثنا عثمان بن عمر: حدثنا يونس الأيلي: حدثنا
أبو شداد، عن مجاهد، عن أسماء بنت عميس، قالت: كنت صاحبة
عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة، فما وجدنا عنده
قرى إلا قدحا من لبن. فشرب منه، ثم ناوله عائشة. فاستحيت الجارية،
فقلنا: لا تردي يد رسول الله، خذي منه. فأخذت منه على حياء،
فشربت. ثم قال: " ناولي صواحبك ". فقلنا: لا نشتهيه. فقال: لا
تجمعن جوعا وكذبا " فقلت: يا رسول الله، إن قالت إحدانا لشئ تشتهيه:

(1) بفتح العين والقاف; بينهما نون ساكنة وبالزاي، وهو عمرو بن محمد العنقزي الكوفي ثقة
من التاسعة، وقد تحرف في مطبوعة دمشق ومطبوعة دار المعارف إلى " العبقي ".
(2) 4 / 271، 272، وإسناده صحيح.
(3) أخرجه أحمد 6 / 296 و 317، وسنده جيد.
172

لا تشتهيه (1) أيعد ذلك كذبا؟ قال: " إن الكذب يكتب، حتى تكتب الكذيبة
كذيبة " (2).
هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من طريق أبي شداد، وليس بالمشهور.
قد روى عنه ابن جريج أيضا. ثم هو خطأ، فإن أسماء، كانت وقت عرس
عائشة بالحبشة مع جعفر بن أبي طالب، ولا نعلم لمجاهد سماعا عن
أسماء، أو لعلها أسماء بنت يزيد، فإنها روت عجز هذا الحديث (3).
زكريا بن أبي زائدة، عن خالد بن سلمة، عن البهي، عن عروة،
قال: قالت عائشة: ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي
غضبى، ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر
ذريعتيها (4)؟ ثم أقبلت علي، فأعرضت عنها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دونك

(1) في المطبوع من " المسند ": لا أشتهيه.
(2) " المسند " 6 / 438.
(3) انظر " المسند " 6 / 452 و 453، وابن ماجة (3298) وفيه شهر بن حوشب، وقد رواه
أحمد أيضا 6 / 458 مطولا من طريق أبي اليمان، أخبرنا شعيب، حدثني عبد الله بن أبي حسين،
حدثني شهر بن حوشب أن أسماء بنت يزيد بن السكن إحدى نساء بني عبد الأشهل دخل عليها
يوما، فقربت إليه طعاما، فقال: لا أشتهيه، فقالت: إني قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم
جئته، فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتي بعس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم،
فخفضت رأسها، واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم،
قالت: فأخذت، فشربت شيئا، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أعطي تربك، قالت أسماء: فقلت: يا
رسول الله، بل خذه، فاشرب منه، ثم ناولنيه من يدك، فأخذ، فشرب منه، ثم ناولنيه،
قالت: فجلست، ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره، وأتبعه بشفتي لأصيب منه مشرب النبي
صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي: ناوليهن، فقلن: لا نشتهيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تجمعن جوعا
وكذبا ".
(4) قال ابن الأثير: الذريعة تصغير الذراع ولحوق الهاء فيها لكونها مؤنثة، ثم ثنتها مصغرة،
وأرادت به ساعديها.
173

فانتصري " فأقبلت عليها حتى رأيت (1) قد يبس ريقها في فمها، فما ترد علي
شيئا. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه (2).
أحمد بن عبيد (3) الله النرسي: حدثنا يحيى الخواص: حدثنا محاضر،
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير
يومي يطلب مني ضجعا (4). فدق، فسمعت الدق، ثم خرجت، ففتحت
له. فقال: " ما كنت تسمعين الدق "؟ قلت: بلى، ولكنني أحببت أن
يعلم النساء إنك أتيتني في غير يومي (5).
هشام بن (6) عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم،
فسبقته ما شاء، حتى إذا رهقني اللحم، سابقني، فسبقني. فقال: " يا
عائشة هذه بتلك " (7).

(1) في " المسند " رأيتها، وفي ابن ماجة: رأيتها وقد يبس.
(2) رجاله ثقات أخرجه أحمد 6 / 93، وابن ماجة (1981)، وقال البوصيري في " الزوائد "
(128): هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، رواه النسائي في عشرة النساء، وفي التفسير عن عبدة
ابن عبد الله وعن محمد بن عبد الله المخرمي، عن المعلى بن منصور، عن يحيى بن زكريا بن أبي
زائدة، كلاهما عن زكريا بن أبي زائدة به.
(3) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " عبد " والنرسي تحرف في مطبوعة دار المعارف إلى " الرسي "
و " محاصر " تصحف في مطبوعة دمشق إلى " محاصر " بالصاد المهملة.
(4) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " منجعا " ثم أغرب الأستاذ المحقق في التعليق.
(5) يحيى الخواص لم أقف له على ترجمة، ومحاضر هو ابن المورع، قال أبو حاتم فيه: ليس
بالمتين، وقال الإمام أحمد: كان مغفلا جدا.
(6) تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " عن ".
(7) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 6 / 39، و 364، وأخرجه الحميدي في مسنده رقم
(261) وأبو داود (2578) في الجهاد: باب في السبق على الرجل. وابن ماجة (1979).
والنسائي في عشرة النساء 74 / 2، وأخرجه أحمد أيضا 6 / 129، 182، 261 و 280 من طريق آخر
عنها.
174

ورواه أبو إسحاق الفزاري (1)، عن هشام، فقال: عن أبيه، وعن أبي
سلمة عنها. أخرجه هكذا أبو داود (2).
أبو سعد البقال (3): عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه: قالت
عائشة: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه جبريل بصورتي، وإني لجارية علي
حوف. فلما تزوجني، ألقى الله على حياء وأنا صغيرة.
الحوف: سيور في الوسط.
مسعر، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العظم فأتعرقه، ثم يأخذه، فيديره حتى يضع فاه على
موضع فمي.
رواه شعبة والناس عن المقدام، أخرجه مسلم (4).
أخبرنا علي بن محمد، ومحمد بن علي، وعلي بن بقاء (5) وأهله فاطمة
الآمدية، وأحمد بن إبراهيم الدباغ، وعبد الدائم الوزان، وعبد الصمد

(1) تحرفت في المطبوع إلى " الفراوي ".
(2) برقم (2578).
(3) هو سعيد بن مرزبان العبسي مولاهم الكوفي الأعور ضعيف، ومع ذلك فقد صححه
الحاكم 4 / 9، ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 227، ونسبه إلى أبي يعلى
والطبراني، وقال: وفيه أبو سعد البقال وهو مدلس. وقد تحرف في مطبوعة دمشق " أبو سعد " إلى
" أبي سعيد ".
(4) رقم (300) في الحيض: باب جواز غسل الحائض، وقد تحرفت " الناس " عند الأفغاني
إلى " إلياس ".
(5) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " معا " وانظر ترجمته في " مشيخة الذهبي " 114 / 1.
175

الزاهد، ومحمد بن هاشم (1) العباسي، ونصر (2) بن أبي الضوء، وزينب
بنت سليمان، وعدة، قالوا: أخبرنا الحسين بن المبارك: أخبرنا عبد الأول
ابن عيسى: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد: أخبرنا عبد الله بن أحمد:
أخبرنا محمد بن يوسف: حدثنا محمد بن إسماعيل: حدثنا أبو نعيم:
حدثنا عبد الواحد بن أيمن: حدثني ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن
عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج، أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة
وحفصة، وكان إذا كان بالليل، سار مع عائشة يتحدث. فقالت حفصة: ألا
تركبين الليلة بعيري، وأركب بعيرك تنظرين وأنظر. فقالت: بلى.
فركبت. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم
سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة. فلما نزلوا، جعلت رجليها بين الإذخر
وتقول: يا رب، سلط علي عقربا أو حية تلدغني، [رسولك] ولا أستطيع أن
أقول له شيئا.
أخرجه مسلم (3)، عن إسحاق، عن أبي نعيم، فوقع لنا بدلا (4) عاليا.
زياد بن أيوب: حدثنا مصعب بن سلام: حدثنا محمد بن سوقة، عن

(1) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " هشام " وقد ترجمه المؤلف في " مشيخته " 158 / 2.
(2) تصحف في مطبوعة دمشق إلى " نضر " وقد ترجمه المؤلف في " مشيخته " 172 / 2 فقال:
نصر الله بن أبي الضوء بن أحمد الحاج أبو الفتح الزبداني ثم الصالحي الفامي البستاني، روى عن
ابن الزبيدي " الجامع الصحيح " رأيت مولده بخطه في سنة ثماني عشرة وست مئة. حدث عنه
النجم بن الخباز وغيره، ومات في رجب سنة ثلاث وسبع مئة.
(3) برقم (2445) في فضائل الصحابة; باب فضل عائشة وأخرجه البخاري 9 / 272، 273
في النكاح: باب القرعة بين النساء، من طري أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الواحد بن
أيمن، عن ابن أبي مليكة به.
(4) البدل في مصطلح الحديث: هو أن يروي المحدث حديثا موجودا في أحد الكتب بإسناد
لنفسه، فيصل في إسناده إلى شيخ شيخ المصنف.
176

عاصم بن كليب، عن أبيه قال: انتهينا إلى علي رضي الله عنه، فذكر
عائشة، فقال: خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث حسن. ومصعب فصالح لا بأس به. وهذا يقوله أمير
المؤمنين في حق عائشة مع ما وقع بينهما، فرضي الله عنهما. ولا ريب أن
عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورهما يوم الجمل، وما
ظنت أن الامر يبلغ ما بلغ. فعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة: إذا
قرأت: * (وقرن في بيوتكن) * [الأحزاب: 33] بكت حتى تبل
خمارها (1).
قال أحمد في " مسنده ": حدثنا يحيى القطان، عن إسماعيل: حدثنا
قيس، قال: لما أقبلت عائشة، فلما بلغت مياه بني عامر ليلا. نبحت
الكلاب. فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحواب. قالت: ما أظنني إلا
أنني راجعة. قال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون،
فيصلح الله ذات بينهم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: " كيف
بإحداكن تنبح عليها كلاب الحواب " (2).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 81 من طريق الواقدي.
(2) إسناده صحيح كما قال المؤلف، وهو في " المسند ": 6 / 52 و 97، وصححه ابن حبان
(1831)، والحاكم 3 / 120، ووافقه الذهبي، وأورده الحافظ في " الفتح " 13 / 45 وقال:
أخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزاز، وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح. وقال
الحافظ ابن كثير في " البداية " 6 / 212 بعد أن ذكره من طريق الإمام أحمد: وهذا إسناد على شرط
الصحيحين ولم يخرجوه.
والحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري
فيما نقله عنه ياقوت في " معجم البلدان " وقال أبو عبيد البكري في " معجم ما استعجم ": ماء قريب
من البصرة على طريق مكة إليها سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية.
سير 2 / 12
177

هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يخرجوه.
عن صالح بن كيسان وغيره: أن عائشة جعلت تقول: إن عثمان قتل
مظلوما، وأنا أدعوكم إلى الطلب بدمه، وإعادة الامر شورى.
هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال للزبير يوم
الجمل: هذه عائشة تملك الملك لقرابتها طلحة، فأنت علام تقاتل قريبك
عليا! فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز، فقتله.
قلت: قد سقت وقعة الجمل ملخصة في مناقب علي، وإن عليا وقف
على خباء عائشة يلومها على مسيرها. فقالت: يا ابن أبي طالب، ملكت
فأسجع (1). فجهزها إلى المدينة، وأعطاها اثني عشر ألفا. فرضي الله عنه
وعنها.
وفي " صحيح البخاري " من طريق أبي (2) حصين، عن عبد الله بن
زياد، عن عمار بن ياسر، سمعه على المنبر يقول: إنها لزوجة نبينا صلى الله عليه وسلم
في الدنيا والآخرة (3). يعني عائشة.
وفي لفظ ثابت: أشهد بالله إنها لزوجته.
شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل: سمع عمارا يقول، حين بعثه علي
إلى الكوفة ليستنفر الناس: إنا لنعمل إنها لزوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة،
ولكن الله ابتلاكم بها، لتتبعوه، أو إياها (4).

(1) أي: قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل سائر.
(2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " ابن ".
(3) أخرجه البخاري 13 / 47 في الفتن، والترمذي (3889) في المناقب.
(4) أخرجه البخاري 7 / 83 في الفضائل: باب فضل عائشة رضي الله عنها.
178

أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن غالب: أن رجلا نال من عائشة عند
عمار، فقال: اغرب مقبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (1).
صححه الترمذي في بعض النسخ، وفي بعض النسخ: هذا حديث
حسن.
وقال الترمذي: حدثنا حميد بن مسعدة (2): حدثنا زياد بن الربيع:
حدثنا خالد بن سلمة المخزومي، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: ما
أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها
منه علما (3).
هذا حديث حسن (4) غريب.
عبد الرحمن بن المبارك: حدثنا زياد بن الربيع: حدثنا خالد بن أبي
سلمة المخزومي، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: ما أشكل علينا..
فذكره.
فأما زياد، فثقة. وخالد صوابه: ابن سلمة احتج به مسلم.
بشر بن المفضل: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن أبي
مليكة: أن ذكوان: أبا عمرو، حدثه قال: جاء ابن عباس رضي الله عنهما
يستأذن على عائشة، وهي في الموت. قال: فجئت وعند رأسها عبد الله بن

(1) أخرجه الترمذي (3888) في المناقب، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 65، والحلية
2 / 44 من طريق أبي إسحاق، عن حميد بن عريب، قال: وقع رجل..
(2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " مسعود ".
(3) أخرجه الترمذي (3883).
(4) في المطبوع من سنن الترمذي، هذا حديث حسن صحيح.
179

أخيها عبد الرحمن، فقلت: هذا ابن عباس يستأذن. قالت: دعني من
ابن عباس، لا حاجة لي به، ولا بتزكيته. فقال عبد الله: يا أمه، إن ابن
عباس من صالحي بنيك، يودعك ويسلم عليك.
قالت: فائذن له إن شئت. قال: فجاء ابن عباس، فلما قعد، قال:
أبشري، فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب، وتلقي محمدا صلى الله عليه وسلم
والأحبة، إلا أن تفارق روحك جسدك.
قالت: أيها، يا ابن عباس! قال: كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعني: إليه ولم يكن يحب إلا طيبا، سقطت قلادتك ليلة الأبواء، وأصبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلقطها، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله * (فتيمموا
صعيدا طيبا) * (1) [النساء 42]. فكان ذلك من سببك، وما أنزل الله بهذه
الأمة من الرخصة. ثم أنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماوات،
فأصبح ليس مسجد من مساجد يذكر فيها الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل
والنهار. قالت: دعني عنك يا ابن عباس، فوالله لوددت أني كنت نسيا
منسيا (2).
يحيى القطان، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس
استأذن على عائشة، وهي مغلوبة، فقالت: أخشى أن يثني علي. فقيل:
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين. قالت: ائذنوا له. فقال:
كيف تجدينك؟ فقالت: بخير إن اتقيت. قال: فأنت بخر إن شاء الله،

(1) في الأصل وطبقات ابن سعد: أن تيمموا، وما أثبتناه من " المسند " و " الحلية ".
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد في " المسند " 1 / 276، 349 وابن سعد 8 / 57 وأبو
نعيم في " الحلية " 2 / 45، من طرق عن عبد الله بن خثيم عن ابن مليكة، عن ذكوان..
بنحوه. وصححه الحاكم 4 / 8، 9 ووافقه الذهبي.
180

زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بكرا غيرك، ونزل عذرك من السماء.
فلما جاء ابن الزبير، قالت له: جاء ابن عباس، وأثنى علي، ووددت
أني كنت نسيا منسيا (1).
وقال القاسم بن محمد: اشتكت عائشة، فجاء ابن عباس، فقال: يا
أم المؤمنين، تقدمين على فرط صدق [على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى] أبي بكر
رضي الله عنه (2).
أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن علوان: أخبرنا ابن قدامة سنة إحدى
عشرة وست مئة: أخبرنا محمد بن البطي: أخبرنا أحمد بن الحسن: أخبرنا
أبو القاسم بن بشران: أخبرنا أبو الفضل بن خزيمة: حدثنا محمد بن أبي
العوام: حدثنا موسى بن داود: حدثنا أبو مسعود الجرار، عن علي بن
الأقمر، قال: كان مسروق إذا حدث عن عائشة، قال: حدثتني الصديقة
بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات، فلم
أكذبها (3).
الأعمش: عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: قلنا له: هل كانت

(1) أخرجه البخاري 8 / 371، 372 في تفسير سورة النور، باب (ولولا إذ سمعتموه
قلتم..).
(2) أخرجه البخاري 7 / 83 في المناقب: باب فضل عائشة. والفرط: هو المتقدم على
القوم في المسير، وفي طلب الماء، فجعل ابن عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر متقدمين عليها في
المقصد، وأضافهما إلى " صدق " وصفا لهما ومدحا كما قال الله تعالى (قدم صدق).
(3) هو في " الحلية " 2 / 44، وقد تحرف البطي في مطبوعة دمشق إلى " اليقطي "
و " الجرار " إلى " الخزاعي " و " الأقمر " إلى " أرقم " وأبو مسعود الجرار اسمه: عبد الأعلى بن
أبي المساور، قال الحافظ في " التقريب ": متروك، وكذبه ابن معين.
181

عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والله، لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر
يسألونها عن الفرائض (1).
أنبأنا ابن قدامة، وابن علان، قالا: أخبرنا حنبل: أخبرنا ابن
الحصين: أخبرنا ابن المذهب: أخبرنا أحمد بن جعفر: حدثنا عبد الله بن
أحمد: حدثني أبي: حدثنا أبو معاوية عبد الله بن معاوية الزبيري، قدم
علينا مكة، قال: حدثنا هشام بن عروة، قال: كان عروة يقول لعائشة: يا
أمتاه، لا أعجب من فقهك; أقول: زوجة نبي الله، وابنة أبي بكر. ولا
أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس; أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم
الناس. ولكن أعجب من علمك بالطب [كيف هو ومن] أين هو، أو ما هو!
قال: فضربت على منكبه، وقالت: أي عرية، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل
وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثم (2).
قرأت على محمد بن قايماز: أخبركم محمد بن قوام: أخبرنا أبو سعيد
الراراني (3): أخبرنا أبو علي الحداد: أخبرنا أبو نعيم: أخبرنا عبد الله بن

(1) أخرجه الدارمي 2 / 342، 343. وابن سعد في " الطبقات " 8 / 66، والحاكم 4 /
11.
(2) أخرجه أحمد 6 / 67 وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 50، وذكره الهيثمي في " المجمع "
9 / 242، ونسبه للبزار وأحمد، والطبراني في الأوسط والكبير، وقال: وفيه عبد الله بن معاوية
الزبيري، قال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجال أحمد والطبراني في الكبير
ثقات.
(3) نسبه إلى راران قرية بإصبهان، وقد تصحف عند الأبياري إلى " الرازاني " وعند الأفغاني
إلى " الداراني " واسمه: خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصوفي، ولد سنة 500 ه‍
وتوفي سنة 596 ه‍. تفرد بعدة أجزاء، مترجم في العبر 4 / 291، 292.
182

جعفر: أخبرنا أحمد بن الفرات; أخبرنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة،
عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أعلم بالطب من عائشة رضي الله عنها. فقلت:
يا خالة، ممن تعلمت الطب؟ قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم
لبعض، فأحفظه.
لبعض، فأحفظه.
سعيد بن سليمان، عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، قال: لقد
صحبت عائشة، فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا
بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا
بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طب، منها. فقلت لها: يا خالة،
الطب، من أين علمته؟ فقالت: كنت أمرض فينعت لي الشئ، ويمرض
المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض، فأحفظه (1).
قال عروة: فلقد ذهب عامة علمها، لم أسأل عنه.
إبراهيم بن المنذر الحزامي (2): حدثنا عمر بن عثمان، عن ابن
شهاب: حدثنا القاسم بن محمد: أن معاوية دخل على عائشة، فكلمها.
قال: فلما قام معاوية، اتكأ على يد مولاها ذكوان، فقال: والله، ما سمعت
قط أبلع من عائشة، ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عمر بن عثمان التيمي، ليس بالثبت.
الزهري من رواية معمر والأوزاعي عنه، وهذا لفظ الأوزاعي عنه
قال: أخبرني عوف بن الطفيل بن الحارث الأزدي وهو ابن أخي عائشة

(1) رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 49 بنحوه من طريق جعفر الفريابي،
عن منجاب بن الحارث، عن علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه...
(2) تصحف في مطبوعة دمشق إلى " الحرامي "
183

لامها: أن عائشة بلغها أن عبد الله بن الزبير كان في دار لها باعتها، فتسخط
عبد الله بيع تلك الدار، فقال: أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها، أو
لأحجرن عليها.
قالت عائشة: أو قال ذلك؟ قالوا: قد كان ذلك. قالت: لله علي ألا
أكلمه، حتى يفرق بيني وبينه الموت.
فطالت هجرتها إياه، فنقصه (1) الله بذلك في أمره كله. فاستشفع بكل
أحد يرى أنه يثقل عليها، فأبت أن تكلمه.
فلما طال ذلك، كلم المسور بن مخرمة، و عبد الرحمن بن الأسود بن
عبد يغوث، أن يشملاه بأرديتهما ثم يستأذنا، فإذا أذنت لهما، قالا:
كلنا؟ حتى يدخلاه على عائشة، ففعلا ذلك. فقالت: نعم كلكم،
فليدخل. ولا تشعر. فدخل معهما ابن الزبير، فكشف الستر، فاعتنقها،
وبكى، وبكت عائشة بكاء كثيرا، وناشدها ابن الزبير الله والرحم، ونشدها
مسور و عبد الرحمن بالله والرحم، وذكرا لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ". فلما أكثروا عليها، كلمته، بعدما
خشي ألا تكلمه. ثم بعثت إلى اليمن بمال، فابتيع لها أربعون رقبة،
فأعتقتها.
قال عوف: ثم سمعتها بعد تذكر نذرها ذلك، فتبكي، حتى تبل
خمارها (2).

(1) غير الأستاذ الأفغاني ما في الأصل إلى " فنغصه " وأشار إلى ذلك في الهامش.
(2) وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 49 بأخصر مما هنا من طريق محمد بن كثير، عن
الأوزاعي، عن الزهري، أخبرني عوف بن الحارث بن الطفيل - وهو ابن أخي عائشة لامها - أن
عائشة باعت رباعها...
184

قال ابن المديني: كذا قال. والصواب عندي: عوف بن الحارث بن
الطفيل (1) بن سخبرة. وكذلك رواه صالح بن كيسان، عن الزهري، وتابعه
معمر.
قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيا
في العامة.
وقال الزهري لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء، لكان علم
عائشة أفضل (2).
قال حفص بن غياث: حدثنا إسماعيل، عن أبي إسحاق، قال: قال
مسروق: لولا بعض الامر، لأقمت المناحة على أم المؤمنين، يعني
عائشة (3).
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: أما إنه لا يحزن عليها إلا من
كانت أمه (4).
القاسم بن عبد الواحد بن أيمن: حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة، عن
جده عروة، عن عائشة، قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية - وكان ألف

(1) وكذلك هو في " التهذيب " والتاريخ الكبير للبخاري 7 / 57، و " الجرح والتعديل " 7 /
14.
(2) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 243، ونسبه للطبراني، وقال: رجاله ثقات، وهو في
" المستدرك " 4 / 11.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 78 ويريد بقوله: بعض الامر: خروجها إلى حرب الجمل.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 78 من طريق هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير،
قال: قدم رجل، فسأله أبي: كيف كان وجد الناس على عائشة؟ فقال: كان فيهم وكان. قال:
اما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه.
185

ألف أوقية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة، كنت لك كأبي زرع لام
زرع " (1).
هكذا في هذه الرواية: ألف ألف أوقية. وإسنادها فيه لين. وأعتقد
لفظة: " ألف " - الواحدة، باطلة - فإنه يكون: أربعين ألف درهم، وفي
ذلك مفخر لرجل تاجر، وقد أنفق ماله في ذات الله.
ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم، فأخذها صحبته أما ألف
الف أوقية، فلا تجتمع إلا (2) لسلطان كبير.
قال الزهري، عن القاسم بن محمد: إن معاوية لما حج، قدم،
فدخل على عائشة، فلم يشهد كلامها إلا ذكوان مولى عائشة. فقالت
لمعاوية: أمنت أن أخبأ لك رجلا يقتلك بأخي محمد؟ قال: صدقت - وفي
رواية أخرى: قال لها: ما كنت لتفعلي - ثم إنها وعظته، وحضته على
الاتباع.
وقال سعيد بن عبد العزيز التنوخي: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر
ألف دينار، هذه رواية منقطعة. والصحيح رواية عروة بن الزبير: أن معاوية

(1) القاسم بن عبد الواحد: لم يوثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه (أي
للمتابعة) قيل له: أيحتج به؟ قال: يحتج بسفيان وشعبة، وقد أورد المؤلف في " ميزانه " هذا
الحديث من طريق الطبراني، وعده من مناكير القاسم، وقد نسب الحافظ في " التهذيب "
الحديث إلى النسائي في ترجمة القاسم وشيخه عمر بن عبد الله بن عروة... وأما قوله صلى الله عليه وسلم
لعائشة: " كنت لك كأبي زرع لام زرع " فهو صحيح، أخرجه البخاري 9 / 220، 240 في
النكاح: باب حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم (2448) في فضائل الصحابة: باب ذكر حديث
أم زرع مطولا، من طريق هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة بن عائشة...
وفيه بعد أن ذكرت المرأة الحادية عشرة أوصاف زوجها... قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
" كنت لك كأبي زرع لام زرع " أي في الألفة والوفاء.
(2) لفظة " إلا " سقطت من مطبوعة دمشق.
186

بعث مرة إلى عائشة بمئة ألف درهم، فوالله ما أمست حتى فرقتها. فقالت لها
مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما؟ فقالت: ألا قلت لي (1).
يحيى بن أبي زائدة، عن حجاج، عن عطاء: أن معاوية بعث إلى
عائشة بقلادة بمئة ألف، فقسمتها بين أمهات المؤمنين.
الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة: أنها تصدقت
بسبعين ألفا; وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها.
أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن أم ذرة،
قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مئة ألف،
فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قالت: هاتي يا
جارية فطوري. فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري لنا
لحما بدرهم؟ قالت: لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت (2).
مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد، قال:
فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، عشرة آلاف، وزاد عائشة
ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
شعبة: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن عائشة كانت
تصوم الدهر (4).

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 2 / 47، والحاكم في " المستدرك " 4 / 13.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 67، وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 47 ورجاله ثقات.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 67، والحاكم في " المستدرك " 4 / 8، وأبو إسحاق: هو السبيعي
عمرو ابن عبد الله، وقد تحرف في مطبوعة دمشق إلى " ابن إسحاق ".
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 68، ورجاله ثقات وأخرجه أيضا 8 / 75 من طريق قبيصة، عن
سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بلفظ: أن عائشة كانت تسرد الصوم. يعني أنها
كانت تصوم الأيام التي لم يرد في حقها النهي عن صومها كالعيدين وأيام التشريق، وأيام الحيض.
187

ابن جريج، عن عطاء، قال: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير،
وهي مجاورة في جوف ثبير قبة لها تركية عليها غشاؤها، وقد رأيت عليها،
وأنا صبي، درعا معصفرا.
وروى سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو: سمع القاسم
يقول: كانت عائشة تلبس الأحمرين: الذهب والمعصفر، وهي
محرمة (1).
وقال ابن أبي مليكة: رأيت عليها درعا مضرجا (2).
وقال معلى بن أسد: حدثنا المعلى بن زياد:، قال: حدثتنا بكرة
بنت عقبة: أنها خلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن
الحناء.
فقالت: شجرة طيبة، وماء طهور، وسألتها عن الحفاف، فقالت لها:
إن كان لك زوج، فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتصنعينهما أحسن مما
هما، فافعلي (3).

(1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 70، 71، وقد تحرف فيه " الذهب "
إلى المذهب، فيصحح من هنا، وأخرجه ابن سعد أيضا 8 / 70 من طريق القعنبي، عن عبد
العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد، قلت: إن ناسا
يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله لقد رأيت
عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتم الذهب، وسنده حسن، وعلقه البخاري في صحيحه:
10 / 277.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 70 وإسناده صحيح.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 70، 71 ورجاله ثقات خلا بكرة بنت عقبة فإنها لا تعرف. وقد
تحرف " معلى " عند الأفغاني إلى " يعلى " والحفاف: إزالة الشعر من الوجه.
188

المعليان، ثقتان (1).
وعن معاذة العدوية، قالت: رأيت على عائشة ملحفة صفراء (2).
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، قال: ربما
روت عائشة القصيدة ستين بيتا وأكثر (3).
مسعر، عن حماد، عن إبراهيم النخعي، قال: قالت عائشة: يا
ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة! (4).
ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي يومي وليلتي، وبين سحري ونحري. ودخل
عبد الرحمن بن أبي بكر، ومعه سواك رطب، فنظر إليه، حتى ظننت أنه
يريده، فأخذته، فمضغته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه، فاستن به
كأحسن ما رأيته مستناقط; ثم ذهب يرفعه إلي، فسقطت يده، فأخذت أدعو
له بدعاء كان يدعو به له جبريل، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به في
مرضه ذاك. فرفع بصره إلى السماء، وقال: " الرفيق الاعلى " وفاضت
نفسه. فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا (5).

(1) تحرفت اللفظتان في مطبوعة دمشق إلى: " المقلتان العينان " وهو تحريف طريف.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 71.
(3) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 72، 73.
(4) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 74، 75. ورجاله لكن إبراهيم لم يثبت
سماعه من عائشة.
(5) أخرجه أحمد 6 / 48، وصححه الحاكم 4 / 7، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد 6 /
274 بنحوه من طريق ابن إسحاق، حدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة.
والسحر: الرئة، والنحر: أعلى الصدر، واستن: استاك.
189

هذا حديث صحيح.
عمر بن سعيد بن أبي حسين: حدثنا ابن أبي مليكة: حدثني أبو عمرو
ذكوان مولى عائشة، قال: قدم درج من العراق، فيه جوهر إلى عمر، فقال
لأصحابه: تدرون ما ثمنه؟ قالوا: لا. ولم يدروا كيف يقسمونه، فقال:
أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة. لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها؟ قالوا: نعم.
فبعث به إليها. فقالت: ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله؟
اللهم، لا تبقني لعطيته لقابل (1).
هذا مرسل.
وأخرج الحاكم في " مستدركه " من طريق يحيى بن سعيد (2) الأموي:
حدثنا أبو العنبس (3) سعيد بن كثير، عن أبيه، قال: حدثتنا عائشة: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة. قالت: فتكلمت أنا. فقال: " أما ترضين أن
تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة " قلت: بلى والله، قال: " فأنت زوجتي
في الدنيا والآخرة " (4).
إسماعيل بن أبي خالد: أخبرنا عبد الرحمن بن الضحاك: أن عبد الله
ابن صفوان أتى عائشة، فقالت: لي خلال تسع، لم تكن لاحد، إلا ما آتي
الله مريم عليها السلام. والله ما أقول هذا فخرا على صواحباتي.

(1) هو في " المستدرك " 4 / 8، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا صح
سماع ذكوان أبي عمرو، ولم يخرجاه، وتعقبه المؤلف بقوله: قلت: فيه إرسال.
والدرج بضم فسكون: السفط وعاء الجوهر.
(2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى " شعبة ".
(3) تصحف في المطبوع إلى " العبيس ".
(4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 10 وصححه، ووافقه الذهبي.
190

فقال ابن صفوان: وماهن؟ قالت: جاء الملك بصورتي إلى رسول
الله، فتزوجني; وتزوجني بكرا; وكان يأتيه الوحي، وأنا وهو في لحاف;
وكنت من أحب الناس إليه; ونزل في آيات، كادت الأمة تهلك فيها;
ورأيت جبريل، ولم يره أحد من نسائه غيري; وقبض في بيتي، لم يله
أحد - غير الملك - إلا أنا. صححه الحاكم (1).
العوام بن حوشب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: * (إن الذين
يرمون المحصنات) *... الآية [النور: 23] قال: نزلت في عائشة
خاصة (2).
علي بن عاصم - وفيه لين -: حدثنا خالد الحذاء، عن ابن سيرين،
عن الأحنف، قال: سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء
بعدهم، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في
عائشة (3).
وقال موسى بن طلحة: ما رأيت أحدا أفصح من عائشة (4).
وفي " المستدرك " بإسناد صالح، عن أم سلمة: أنها لما سمعت
الصرخة على عائشة، قالت: والله لقد كانت أحب الناس إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، إلا أباها (5).

(1) 4 / 10، ووافقه الذهبي. وانظر ص 147 تعليق رقم (2).
(2) أخرجه الحاكم 4 / 10، 11، وصححه ووافقه الذهبي، وأورده السيوطي في " الدر
المنثور " 5 / 35، وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(3) أخرجه الحاكم 4 / 11.
(4) أخرجه الحاكم 4 / 11.
(5) أخرجه الحاكم 4 / 13، 14، وصححه على شرط الشيخين، وعلق عليه الذهبي فقال:
فيه زمعة بن صالح، وما روى له إلا مسلم مقرونا بآخر معه.
191

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثني ابن أبي سبرة، عن
عثمان بن أبي عتيق، عن أبيه، قال: رأيت ليلة ماتت عائشة حمل معها
جريد بالخرق والزيت وأوقد، ورأيت النساء بالبقيع; كأنه عيد (1).
قال محمد بن عمر: حدثنا ابن جريج، عن نافع، قال: شهدت أبا
هريرة صلى على عائشة بالبقيع، وكان خليفة مروان على المدينة، وقد
اعتمر تلك الأيام (2).
قال عروة بن الزبير: دفنت عائشة ليلا (3).
قال هاشم بن عروة، وأحمد بن حنبل، وشباب (4)، وغيرهم: توفيت
سنة سبع وخمسين.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى، والواقدي، وغيرهما: سنة ثمان
وخمسين.
قال الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن موسى بن ميسرة (5)، عن سالم
سبلان: أنها ماتت في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان بعد الوتر.
فأمرت أن تدفن من ليلتها، فاجتمع الأنصار، وحضروا، فلم ير ليلة أكثر

(1) هو في " الطبقات " 8 / 77 والواقدي وشيخه لا يحتج بهما.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 77.
(3) طبقات ابن سعد 8 / 77، وقد سقط من مطبوع الأفغاني من قوله " بالبقيع " إلى قوله
" عائشة ".
(4) هو لقب خليفة بن خياط، وقد قرأ الأستاذ الأفغاني الأصل الذي اعتمده " شعاب "
وقال: إنه تحريف ظاهر، ثم أثبت مكانه " شهاب " فأخطأ في التصويب.
(5) انحرف في المطبوع إلى " قيسرة ".
192

ناسا منها. نزل أهل العوالي، فدفنت بالبقيع (1).
إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، قال: قالت عائشة - وكانت تحدث
نفسها أن تدفن في بيتها، فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا،
ادفنوني مع أزواجه. فدفنت بالبقيع رضي الله عنها (2).
قلت: تعني بالحدث (3): مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة
كلية، وتابت من ذلك: على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير،
كما اجتهد طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار،
رضي الله عن الجميع.
روى إسماعيل بن علية، عن أبي سفيان بن العلاء المازني، عن ابن
أبي عتيق، قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر، فأرونيه. فلما مر بها،
قيل لها: هذا ابن عمر. فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن
مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك - يعني ابن الزبير (4).
وقد قيل: إنها مدفونة بغربي جامع دمشق. وهذا غلط فاحش، لم
تقدم - رضي الله - عنها إلى دمشق أصلا، وإنما هي مدفونة بالبقيع.
ومدة عمرها: ثلاث وستون سنة وأشهر.
ذكر شئ من عالي حديثها:
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي غير مرة: أخبرنا محمد

(1) طبقات ابن سعد 8 / 76، 77، و " المستدرك " 4 / 6.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 74، وصححه الحاكم 4 / 6، ووافقه الذهبي.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " الحديث ".
(4) ذكره الزيلعي في " نصب الراية " 4 / 70، ونسبه لابن عبد البر في " الاستيعاب ".
سير 2 / 13
193

ابن هبة الله بن أبي حامد الدينوري سنة عشرين وست مئة ببغداد: أخبرنا عمي
أبو بكر محمد بن أبي حامد: سنة تسع وثلاثين وخمس مئة، أخبرنا عاصم بن
الحسن العاصمي: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد: حدثنا الحسين بن
إسماعيل المحاملي: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى: حدثنا ابن عيينة،
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة،
دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها.
أخرجه الأئمة الستة (1)، سوى ابن ماجة، عن ابن مثنى. فوافقناهم
بعلو، ولله الحمد.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله (2)، في شعبان سنة اثنتين وتسعين (3)
وست مئة: أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي: أخبرنا تميم بن أبي سعد
الجرجاني: أخبرنا أبو سعد الكنجروذي: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان:
أخبرنا أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن بكار: حدثنا أبو معشر، عن
سعيد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة، لو شئت،
لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك إن حجزته (4) لتساوي الكعبة،

(1) البخاري 3 / 347 في الحج: باب من أين يخرج من مكة، ومسلم (1258) في الحج:
باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، والخروج منها من الثنية السفلى، والترمذي (853) في
الحج: باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وخروجها من أسفلها، وأبو داود (1869)
في الحج: باب دخول مكة. وهو في " المسند " 6 / 40 من طريق سفيان عن هشام، عن أبيه، عن
عائشة..
(2) في مطبوعة دمشق: أخبرنا أبو الفضل، أخبرنا أحمد بن هبة الله وهو خطأ، فأبو الفضل كنية
أحمد بن هبة الله فهما واحد لا اثنان. انظر " المشيخة " ورقة: 11.
(3) تحرف في مطبوعة دمشق إلى سبعين، ولو خطر ببال المحقق أن مولد الذهبي سنة 673 ه‍ لما
وقع له هذا التحريف، لأنه لا يعقل أن يكون سمع من أبي الفضل وهو ابن سنة.
(4) الحجزة: معقد السراويل، وقيل: حيث يثنى طرف الازار.
194

فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت نبيا عبدا، وإن
شئت نبيا ملكا؟ فنظرت إلى جبريل، فأشار إلي: أن ضع نفسك. فقلت:
نبيا عبدا ". فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا، يقول: " آكل كما يأكل
العبد، وأجلس كما يجلس العبد " (1).
هذا حديث حسن غريب، ولا يمكن أن يقع لنا حديث أم المؤمنين أقرب
إسنادا من هذا.
قرأت على ابن عساكر، عن أبي روح: أخبرنا تميم: حدثنا أبو سعد:
أخبرنا ابن حمدان: أخبرنا أبو يعلى: حدثنا أبو معمر إسماعيل بن
إبراهيم، عن علي بن هاشم، عن هشام بن عروة، عن بكر بن وائل، عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة
قط، ولا ضرب خادما له قط، ولا ضرب بيده شيئا، إلا أن يجاهد في سبيل
الله. وما نيل منه شئ فانتقمه من صاحبه، إلا أن تنتهك محارم الله،
فينتقم (2).

(1) إسناده ضعيف لضعف أبي معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، وأخرجه ابن
سعد في " الطبقات " 1 / 381 من طريق هاشم بن القاسم، عن أبي معشر، عن أبي سعيد
المقبري، عن عائشة. والمؤلف رحمه الله، حسنه بشواهده التي أوردها الهيثمي في " المجمع " 9 /
19، 20 وغيره.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2328) في الفضائل: باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام...
وأحمد 6 / 32، و 281 من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة... وأخرج مالك
والبخاري 6 / 419 في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (2327) من طريق الزهري، عن عروة بن
الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما
لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك
حرمة الله عز وجل.
195

أخرجه النسائي، عن أحمد بن علي القاضي، عن أبي معمر. فوقع لنا
بدلا عاليا.
يحيى بن سعيد القطان: حدثنا أبو يونس، حاتم بن أبي صغيرة (1)،
عن ابن أبي مليكة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة رضي الله عنها: أنها
قتلت جانا، فأتيت في منامها: والله لقد قتلت مسلما. قالت: لو كان
مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
فقيل: أو كان يدخل عليك إلا وعليك ثيابك.
فأصبحت فزعة، فأمرت باثني عشر ألف درهم، فجعلتها في سبيل
الله (2).
عفيف بن سالم، عن عبد الله بن المؤمل، عن عبد الله بن أبي
مليكة، عن عائشة بنت طلحة، قالت: كان جان يطلع على عائشة،
فحرجت (3) عليه مرة، بعد مرة، بعد مرة. فأبى إلا أن يظهر، فعدت عليه
بحديدة، فقتلته. فأتيت في منامها، فقيل لها: أقتلت فلانا، وقد شهد
بدرا، وكان لا يطلع عليك، لا حاسرا (4) ولا متجردة، إلا أنه كان يسمع
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذها ما تقدم وما تأخر; فذكرت ذلك لأبيها.
فقال: تصدقي باثني عشر ألفا ديته.

(1) في الأصل: حدثنا يونس، عن حاتم بن أبي صغيرة وهو خطأ، فإن أبا يونس كنية حاتم،
كما في " التهذيب " وفروعه.
(2) رجاله ثقات.
(3) حرجت بالحاء المهملة، أي: قالت له: أنت في حرج وضيق إن عدت إلينا، فلا تلمني إن
عدت إلى أن أضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل. وقد تصحفت في مطبوعة دمشق إلى " فخرجت "
بالحاء المعجمة.
(4) يقال: امرأة حاسر، بغير هاء إذا حسرت عنها ثيابها، وقد أضاف الأستاذان الأفغاني
والأبياري إلى الكلمة تاء التأنيث وهي ليست في الأصل، ولا حاجة إليها.
196

رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن عفيف، وهو ثقة. وابن
المؤمل، فيه ضعف، والاسناد الأول أصح. وما أعلم أحدا اليوم يقول
بوجوب دية في مثل هذا.
قال أبو إسحاق، عن مصعب بن سعد، قال: فرض عمر لأمهات
المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم (1).
عن الشعبي: أن عائشة قالت: رويت للبيد نحوا من ألف بيت، وكان
الشعبي يذكرها، فيتعجب من فقهها وعلمها، ثم يقول: ما ظنكم بأدب
النبوة.
وعن الشعبي قال: قيل لعائشة: يا أم المؤمنين، هذا القرآن تلقيته عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحلال والحرام; وهذا الشعر والنسب والاخبار
سمعتها من أبيك وغيره; فما بال الطب؟ قالت: كانت الوفود تأتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزال الرجل يشكو علة، فيسأله عن دوائها. فيخبره بذلك.
فحفظت ما كان يصفه لهم وفهمته.
هشام بن عروة، عن أبيه: أنها أنشدت بيت لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب (2)

(1) تقدم تخريجه في الصفحة 187 ت (3).
(2) وبعده:
يتأكلون مغالة وملاذة * ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
وهما في ديوانه ص 153 من قصيدة يرثي بها أخاه أربد. والأكناف: الجوانب والنواحي،
والخلف، والخلف: ما جاء من بعد، يقال: هو خلف سوء من أبيه بتسكين اللام، وخلف صدق
من أبيه بتحريكها: إذا قام مقامه. والملاذة مصدر: ملذه ملذا وملاذة، والملوذ: الذي لا يصدق في
مودته.
197

فقالت: رحم الله لبيدا، فكيف لو رأى زماننا هذا!
قال عروة: رحم الله أم المؤمنين؟ فكيف لو أدركت زماننا هذا.
قال هشام: رحم الله أبي، فكيف لو رأى زماننا هذا!
قال كاتبه: سمعناه مسلسلا بهذا القول بإسناد مقارب.
محمد بن وضاح: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن
عصام بن قدامة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثير، وتنجو بعد ما
كادت ".
قال ابن عبد البر: هذا الحديث من أعلام النبوة، وعصام ثقة (1).
وقال أبو حسان الزيادي، عن أبي عاسم العباداني (2)، عن علي بن
زيد، قال: باعت عائشة دارا لها بمئة ألف، ثم قسمت الثمن، فبلغ ذلك
ابن الزبير؟ فقال: قسمت مئة ألف! والله لتنتهين عن بيع رباعها، أو
لأحجرن عليها. فقالت: أهو يحجر علي؟ لله علي نذر إن كلمته أبدا.
فضاقت به الدنيا حتى كلمته! فأعتقت مئة رقبة (3).
قلت: كانت أم المؤمنين من أكرم أهل زمانها; ولها في السخاء
أخبار، وكان ابن الزبير بخلاف ذلك.

(1) وتمام كلامه كما في " الاستيعاب " 13 / 94: وسائر الاسناد أشهر من أن يحتاج لذكره.
وهو حديث صحيح تقدم تخريجه ص 177 ت (3)، ولا يعبأ بقول من طعن فيه، ووهاه،
ونفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستندا إلى شبهة واهية لا تثبت على النقد، فقد حكم بصحته غير واحد
من جهابذة المحدثين ونقاده، وهم القدوة في هذا الباب، والمعول عليهم فيه.
(2) تحرف في مطبوعة دمشق إلى العبادي.
(3) إسناده ضعيف لضعف أبي عاصم وشيخه.
198

حماد بن سلمة: حدثنا هشام بن عروة، عن عوف بن الحارث، عن
رميثة، عن أم سلمة، قالت: كلمني صواحبي أن أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يأمر الناس فيهدون له حيث كان; فإن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة;
وإنا نحب الخير.
فقلت: يا رسول الله، إن صواحبي كلمنني - وذكرت له - فسكت،
فلم يراجعني. فكلمته فيما بعد مرتين أو ثلاثا; كل ذلك يسكت، ثم قال:
لا تؤذيني في عائشة، فإني والله ما نزل الوحي علي، وأنا في ثوب امرأة من
نسائي، غير عائشة " قلت: أعوذ بالله، أن أسوءك في عائشة.
أخرجه النسائي (1).
يحيى بن سعيد الأموي: حدثني أبو العنبس سعيد بن كثير، عن أبيه،
قال: حدثتنا عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة. فتكلمت أنا. فقال:
" أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة "؟ قلت: بلى، والله (2).
وقال الزهري: لو جمع علم الناس كلهم، وأمهات المؤمنين،
لكانت عائشة أوسعهم علما (3).
ابن عيينة، عن موسى الجهني، عن أبي بكر بن حفص، عن عائشة:
أن أبويها قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نحب أن تدعو لعائشة ونحن نسمع. فقال:
" اللهم اغفر لعائشة مغفرة واجبة، ظاهرة باطنة " فعجب أبواها لحسن دعائه

(1) ورجاله ثقات خلا رميثة، فإنه لم يوثقها غير ابن حبان. ومع ذلك فقد صححه الحاكم
4 / 9، 10، ووافقه الذهبي.
(2) سنده قوي، وصححه الحاكم 4 / 10، ووافقه الذهبي.
(3) هو في " المستدرك " 4 / 11.
199

لها. فقال: " أتعجبان؟ هذه دعوتي لمن شهد أن لا إله إلا الله، وأني
رسول الله ".
أخرجه الحاكم (1).
الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق: قالت لي عائشة: رأيتني على
تل، وحولي بقر تنحر. قلت: لئن صدقت رؤياك، لتكونن حولك
ملحمة قالت: أعوذ بالله من شرك، بئس ما قلت. فقلت لها: فلعله إن كان
أمر. قالت: لان أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك. فلما كان
بعد، ذكر عندها: أن عليا رضي الله عنه قتل ذا الثدية. فقالت لي: إذا
أنت قدمت الكوفة، فاكتب لي ناسا ممن شهد ذلك. فقدمت، فوجدت
الناس أشياعا، فكتبت لها من كل شيعة عشرة; فأتيتها بشهادتهم، فقالت:
لعن الله عمرا، فإنه زعم أنه قتله بمصر.
قال الحاكم: هذا على شرط البخاري ومسلم (2).
روى مغيرة بن زياد، عن عطاء، قال: كانت عائشة أفقه الناس
وأعلمهم، وأحسن الناس رأيا في العامة.
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة، عن
حصين، عن أبي وائل: حدثني مسروق: حدثتني أم رومان: قالت: بينا
أنا قاعدة، ولجت علي امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل!

(1) 4 / 11، 12، وعلق عليه الذهبي بقوله: منكر على جودة إسناده. وهذا الحديث قد سقط
كله من مطبوعة دمشق.
(2) " المستدرك " 4 / 13، ووافقه الذهبي على تصحيحه.
200

فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني (1) فيمن حدث الحديث. قالت:
وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا. قالت عائشة: سمع رسول الله؟ قالت:
نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم. فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا
وعليها حمى بنافض، فطرحت عليها ثيابها. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما
شأن هذه "؟ قلت: يا رسول الله، أخذتها الحمى بنافض (2). قال: فلعل
في حديث تحدث به؟ قلت: نعم.
فقعدت، فقالت: والله، لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا
تعذروني; مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه: والله المستعان على ما تصفون.
قالت: وانصرف، ولم يقل شيئا. فأنزل الله عذرها. قالت: بحمد
الله، لا بحمد أحد، ولا بحمدك (3).
صحيح غريب.
20 - أم سلمة أم المؤمنين * (ع)
السيدة المحجبة، الطاهرة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله

(1) تصحف في المطبوع إلى " إنني " أما الأستاذ الأفغاني، فالتبس عليه الأصل، فقرأه " إنني "
وأثبت بدلا منه " إنه "!!
(2) النافض: حمى الرعدة، يقال: أخذته حمى بنافض، وحمى نافض، وحمى نافض.
(3) هو في " صحيح البخاري " 7 / 337 في المغازي: باب حديث الإفك. وفي سند الحديث
إشكال أبداه الخطيب البغدادي، ورده الحافظ في " الفتح " فراجعه.
* مسند أحمد: 6 / 288، التاريخ لابن معين: 742، طبقات ابن سعد: 8 / 86 - 96،
طبقات خليفة: 334، المعارف: 128، 136، الجرح والتعديل: 9 / 464، المستدرك:
4 / 16 - 19، الاستيعاب: 4 / 1920، أسد الغابة: 7 / 340، تهذيب الكمال: 1698،
العبر: 1 / 65، مجمع الزوائد: 9 / 245، تهذيب التهذيب: 12 / 455، الإصابة: 13 /
221، خلاصة تذهيب الكمال: 496، كنز العمال: 13 / 699، شذرات الذهب: 1 / 69.
201

ابن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة، المخزومية، بنت عم خالد بن
الوليد، سيف الله; وبنت عم أبي جهل بن هشام.
من المهاجرات الأول. كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أخيه من الرضاعة: أبي
سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الرجل الصالح.
دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة أربع من الهجرة. وكانت من أجمل النساء
وأشرفهن نسبا.
وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين. عمرت حتى بلغها مقتل
الحسين، الشهيد، فوجمت لذلك، وغشي عليها، وحزنت عليه كثيرا. لم
تلبث بعده إلا يسيرا، وانتقلت إلى الله.
ولها أولاد صحابيون: عمر، وسلمة، وزينب. ولها جملة أحاديث.
روى عنها: سعيد بن المسيب، وشقيق بن سلمة، والأسود بن
يزيد، والشعبي، وأبو صالح السمان (1)، ومجاهد، ونافع بن جبير بن
مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وشهر
ابن حوشب، وابن أبي مليكة، وخلق كثير.
عاشت نحوا من تسعين سنة.
وأبوها: هو زاد الراكب (2)، أحد الأجواد - قيل: اسمه - حذيفة.
وقد وهم من سماها: رملة; تلك أم حبيبة.

(1) تحرف في المطبوع إلى " السماك ".
(2) في " اللسان " وأزواد الركب من قريش: أبو أمية بن المغيرة، والأسود بن عبد المطلب بن
أسد بن عبد العزي، ومسافر بن أبي عمرو بن أمية عم عقبة، كانوا إذا سافروا، فخرج معهم
الناس، فلم يتخذوا زادا معهم ولم يوقدوا، يكفونهم ويغنونهم.
202

وكانت تعد من فقهاء الصحابيات.
الواقدي: حدثنا عمر بن عثمان، عن عبد الملك بن عبيد، عن سعيد
ابن يربوع، عن عمر بن أبي سلمة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي إلى أبي
قطن في المحرم سنة أربع، فغاب تسعا وعشرين ليلة، ثم رجع في صفر،
وجرحه الذي أصابه يوم أحد منتقض; فمات منه، لثمان خلون من جمادى
الآخرة. وحلت أمي في شوال، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلى أن قال: وتوفيت سنة تسع وخمسين في ذي القعدة (1).
ابن سعد: أخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي: حدثنا عبد الواحد بن
زياد: حدثنا عاصم الأحول، عن زياد بن أبي مريم، قالت أم سلمة لأبي
سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة، ثم لم
تزوج، إلا جمع الله بينهما في الجنة. فتعال (2) أعاهدك ألا تزوج بعدي،
ولا أتزوج بعدك. قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم. قال: إذا مت تزوجي.
اللهم ارزق أم سملة بعدي رجلا خيرا مني، لا يحزنها (3) ولا يؤذيها. فلما
مات، قلت: من خير من أبي سلمة؟ فما لبثت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام
على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها، أو ابنها. فقالت: أرد على رسول
الله، أو أتقدم عليه بعيالي. ثم جاء الغد فخطب (4).
عفان: حدثنا حماد: حدثنا ثابت: حدثني ابن عمر بن أبي سلمة،

(1) ابن سعد 8 / 87.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " فقال "، وكذا " تزوج " إلى " تزوجي ".
(3) تصحفت في المطبوع إلى " يخزيها ".
(4) رجاله ثقات وأخرجه ابن سعد 8 / 88، وفيه: ثم جاء الغد، فذكر الخطبة، فقلت مثل
ذلك، ثم قالت لوليها: إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوج، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها.
203

عن أبيه: أن أم سلمة لما انقضت عدتها، خطبها أبو بكر، فردته; ثم
عمر، فردته. فبعث إليها رسول الله. فقالت: مرحبا، أخبر رسول الله أني
غيري، وأني مصبية (1)، وليس أحد من أوليائي شاهدا.
فبعث إليها: " أما قولك: إني مصيبة; فإن الله سيكفيك صبيانك.
وأما قولك: إني غيري، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء; فليس
أحد منهم إلا سيرضى بي ".
قالت: يا عمر، قم فزوج رسول الله.
وقال رسول الله: " أما إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة... "
الحديث (2).
عبد الله بن نمير: حدثنا أبو حيان التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت،
قال: قالت أم سلمة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمني، وبيننا حجاب،
فخطبني، فقلت: وما تريد إلي؟ ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي; إني

(1) غيري: كثيرة الغيرة، ومصبية: ذات صبيان وأولاد صغار.
(2) وتمامه: رحيين وجرتين ووسادة من أدم حشوها ليف. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها،
فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييا كريما يستحيي
فيرجع، فعل ذلك مرارا ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، قال: فأقبل ذات يوم وجاء عمار، وكان
أخاها لامها، فدخل عليها، فانتشطها من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها
رسول الله، فدخل، فجعل يقلب بصره في البيت يقول: " أين زناب؟ ما فعلت زناب؟ " قالت:
جاء عمار، فذهب بها. قال: فبنى رسول الله بأهله، ثم قال: " إن شئت أن أسبع لك سبعت
للنساء ".
أخرجه ابن سعد 8 / 90، وأحمد 6 / 313، 314، و 317، والنسائي 6 / 81، 82 في
النكاح: باب إنكاح الابن لامه، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 13 / 223،
وصححه ابن حبان (1282) والحاكم 4 / 17، ووافقه الذهبي.
204

امرأة قد أدبر من سني، وإني أم أيتام، وأنا شديدة الغيرة، وأنت يا رسول الله
تجمع النساء.
قال: " أما الغيرة، فيذهبها الله. وأما السن، فأنا أكبر منك. وأما
أيتامك; فعلى الله وعلى رسوله " فأذنت، فتزوجني (1).
أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن
ابن الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة. فقالت: في خصال
ثلاث: كبيرة، ومطفل، وغيور... الحديث (2).
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: دخلت أيم العرب على
سيد المسلمين أول العشاء عروسا، وقامت آخر الليل تطحن - يعني: أم
سلمة.
مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد
الرحمن، عن أبيه، قال: لما بنى رسول الله بأم سلمة، قال: " ليس بك
على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وسبعت عندهن - يعني نساءه -
وإن شئت ثلاثا، ودرت؟
قالت: ثلاثا (3).
روح بن عبادة: حدثنا ابن جريج: أخبرني حبيب بن أبي ثابت: أن
عبد الحميد بن عبد الله، والقاسم بن محمد، حدثاه: أنهما سمعا أبا بكر

(1) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وهو في " الطبقات " 8 / 90.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 91، ورجاله ثقات، لكنه مرسل.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 529 في النكاح، باب المقام عند البكر، وهو مرسل،
وأخرجه مسلم في صحيحه (1460) وأبو داود (2122) موصولا بذكر أم سلمة.
205

ابن عبد الرحمن يخبر: أن أم سلمة أخبرته: أنها لما قدمت المدينة
أخبرتهم: أنها بنت أبي أمية، فكذبوها، حتى أنشأ ناس منهم الحج،
فقالوا: أتكتبين إلى أهلك؟ فكتبت معهم، فرجعوا، فصدقوها، وازدادت
عليهم كرامة.
قالت: فلما وضعت زينب، جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبني،
فقلت: ما مثلي ينكح.
قال: فتزوجها، فجعل يأتيها، فيقول: أين زناب؟ حتى جاء عمار
فاختلجها (1) وقال: هذه تمنع رسول الله. وكانت ترضعها.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أين زناب "؟ فقيل: أخذها عمار. فقال:
" إني آتيكم الليلة ".
قالت: فوضعت ثفالي (2)، وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي،
وأخرجت شحما، فعصدته له، ثم بات، ثم أصبح، فقال: " إن بك على
أهلك كرامة، إن شئت، سبعت لك؟ وإن أسبع لك، أسبع لنسائي " (3).
قال مصعب الزبيري: هي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة; فشهد أبو
سلمة بدرا; وولدت له عمر، وسلمة، وزينب، ودرة.
أبو أسامة، عن الأعمش، عن شقيق، عن أم سلمة، قالت: لما توفي
أبو سلمة، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: كيف أقوال؟ قال: " قولي: اللهم

(1) اختلجها: انتزعها.
(2) الثفال: ما وقيت به الرحى من الأرض.
(3) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 93، 94. وأخرجه أحمد 6 / 307 من
طريق عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريح، أخبرني حبيب بن أبي ثابت...
206

اغفر لنا وله، وأعقبني منه عقبى صالحة " فقلتها، فأعقبني الله محمدا
صلى الله عليه وسلم (1).
وروى مسلم في " صحيحه " (2). أن عبد الله بن صفوان دخل على أم
سلمة في خلافة يزيد.
وروى إسماعيل بن نشيط، عن شهر، قال: أتيت أم سلمة أعزيها
بالحسين (3).
ومن فضل أمهات المؤمنين قوله تعالى: * (يا نساء النبي لستن كأحد
من النساء إن اتقيتن) * إلى قوله: * (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة.
وأطعن الله ورسوله. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) *
[الأحزاب: 32، 34].

(1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 6 / 291، و 306، ومسلم (919) في الجنائز: باب ما
يقال عند المريض، وأبو داود (3115) في الجنائز: باب ما يستحب أن يقال عند الميت من
الكلام، والترمذي (977) في الجنائز: باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده،
والنسائي 4 / 4، 5 في الجنائز: باب كثرة الموت، وابن ماجة (1447)
في الجنائز: باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، من طرق، عن
الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حضرتم
المريض أو الميت، فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " قالت: فلما مات أبو سلمة،
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: " قولي اللهم اغفر لي وله،
وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم. وقوله
" أعقبني " أي: بدلني وعوضني منه أي: في مقابلته عقبى حسنة، أي: بدلا صالحا.
(2) رقم (2882) في الفتن وأشراط الساعة: باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت من طريق
عبيد الله بن القبطية، قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة و عبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة
أم المؤمنين، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم "
فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على
نيته.
(3) " المستدرك " 4 / 19.
207

فهذه آيات شريفة في زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال زيد بن الحباب: حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن
عكرمة، عن ابن عباس: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت) *. قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال عكرمة: من شاء باهلته،
أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة (1).
إسحاق السلولي: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبي
إسحاق، عن صلة، عن حذيفة: أنه قال لامرأته: إن سرك أن تكوني
زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في
الدنيا; فلذلك حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده; لأنهن أزواجه
في الجنة (2).
روى عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار: أن أم سلمة أوصت أن
يصلي عليها سعيد بن زيد، أحد العشرة (3).
وهذا منقطع. وقد كان سعيد توفي قبلها بأعوام، فلعلها أوصت في
وقت ثم عوفيت، وتقدمها هو.
وروي، أن أبا هريرة صلى عليها. ولم يثبت. وقد مات قبلها.

(1) إسناده حسن، وهو في تفسير ابن أبي حاتم فيما نقله الحافظ ابن كثير 3 / 483 من طريق
زيد بن الحباب به. وعلق ابن كثير على قول عكرمة، فقال: فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول
دون غيرهن، فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر، فإنه قد وردت
أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك، ثم أورد الأحاديث فراجعه.
والمباهلة: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شئ. فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا.
(2) رجاله ثقات، وأبو إسحاق هو السبيعي، وصلة: هو ابن زفر.
(3) هو في " المستدرك " 4 / 19، عن محارب بن دثار قال: حدثني ابن لسعيد بن زيد أن أم
سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد. خشية أن يصلي عليها مروان بن الحكم.
208

ودفنت بالبقيع.
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا ابن أبي الزناد: عن
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم
سلمة، حزنت حزنا شديدا; لما ذكروا لنا من جمالها، فتلطفت حتى
رأيتها، فرأيتها والله اضعاف ما وصفت لي في الحسن; فذكرت ذلك
لحفصة - وكانتا يدا واحدة - فقالت: لا والله، [إن هذه] إلا الغيرة ما هي
كما تقولين، وإنها لجميلة، فرأيتها بعد، فكانت كما قالت حفصة ولكني
كنت غيري (1).
مسلم الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أ كلثوم، قالت:
لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، قال لها: " إني قد أهديت إلى النجاشي
أواقي من مسك وحلة، وإني أراه قد مات، ولا أرى الهدية إلا سترد، فإن
ردت، فهي لك. قالت: فكان كما قال، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية،
وأعطى سائره أم سلمة والحلة (2).
القعنبي: حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن هشام بن عروة، عن
أبيه: أن رسول الله أمر أم سلمة أن تصلي الصبح بمكة يوم النحر، وكان
يومها، فأحب أن توافيه (3).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 94. ومحمد بن عمرو هو الواقدي لا يحتج به.
(2) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 94 وإسناده ضعيف.
(3) رجاله ثقات، لكنه مرسل، وهو في " الطبقات " 8 / 95، وأخرجه أحمد 6 / 291، من
طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة. وسنده صحيح، وأخرج أبو داود
(1942) في المناسك: باب التعجيل من جمع، من طريق هارون بن عبد الله، عن ابن أبي
فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أرسل
النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم
اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني عندها.
وأخرج النسائي 5 / 272 في الحج: باب الرخصة في رمي جمرة العقبة للنساء قبل طلوع الشمس
من طريق عمرو بن علي، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي،
عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدثتني عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أم المؤمنين أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع، فتأتي جمرة العقبة، فترميها، وتصبح في منزلها.
وكان عطاء يفعله حتى مات.
209

الواقدي، عن ابن جريج، عن نافع، قال: صلى أبو هريرة على أم
سلمة (1).
قلت: الواقدي ليس بمعتمد - والله أعلم - ولا سيما وقد خولف.
وفي " صحيح مسلم ": أن عبد الله بن صفوان دخل على أم سلمة في
خلافة يزيد (2).
وبعضهم أرخ موتها في سنة تسع وخمسين، فوهم أيضا، والظاهر
وفاتها في سنة إحدى وستين، رضي الله عنها.
وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم حين حلت في شوال سنة أربع.
ويبلغ مسندها ثلاث مئة وثمانية وسبعين حديثا (3).
واتفق البخاري، ومسلم لها على ثلاثة عشر. وانفرد البخاري بثلاثة.
ومسلم بثلاثة عشر.

(1) ابن سعد 8 / 96.
(2) تقدم تخريجه ص 207 ت (2).
(3) حديثها في " المسند " 6 / 289 - 324.
210

21 - زينب أم المؤمنين * (ع)
بنت جحش بن رياب، وابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمها: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. وهي أخت حمنة، وأبي
أحمد. من المهاجرات الأول.
كانت عند زيد، مولى النبي صلى الله عليه وسلم. وهي التي يقول الله فيها: * (وإذ
تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله.
وتخفي في نفسك (1) ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. فلما
قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * [الأحزاب: 37].
فزوجها الله تعالى بنبيه بنص كتابه، بلا ولي ولا شاهد. فكانت تفخر
بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من
فوق عرشه (2).

* مسند أحمد: 6 / 324، طبقات ابن سعد: 8 / 101، 115، طبقات خليفة: 332،
تاريخ خليفة: 149، المعارف: 215، 457، 555، تاريخ الفسوي: 2 / 722، و 3 /
233، المستدرك: 4 / 23 25، الاستيعاب: 4 / 1849، أسد الغابة: 7 / 125، تهذيب
الكمال: 1683، تاريخ الاسلام: 2 / 34، العبر: 1 / 5، 24، مجمع الزوائد: 9 / 246
248، تهذيب التهذيب: 12 / 420 421، الإصابة: 12 / 257، خلاصة تذهيب الكمال:
491، كنز العمال: 13 / 700، شذرات الذهب 1 / 10 و 31.
(1) الذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم: هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، وكان يحمله على إخفاء ذلك
خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني
بأمر لا أبلغ في الابطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون
أدعى لقبولهم، وقد أخرج الترمذي من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة قالت:
لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية.
(2) أخرجه البخاري 13 / 347، 348 في التوحيد: باب * (وكان عرشه على الماء) *، من
طريق أنس، قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اتق الله وأمسك عليك
زوجك " قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. وهو في
" طبقات ابن سعد " 8 / 103 من طريق عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن
أنس، قال: نزلت في زينب بنت جحش (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) قال: فكانت تفخر
على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهلكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
211

وفي رواية البخاري: كانت تقول: إن الله أنكحني في السماء (1).
وكانت من سادة النساء، دينا وورعا وجودا ومعروفا، رضي الله عنها.
وحديثها في الكتب الستة.
روى عنها: ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأم المؤمنين أم
حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة، وأرسل عنها القاسم بن محمد.
توفيت في سنة عشرين، وصلى عليها عمر.
محمد بن عمرو: حدثنا يزيد بن خصيفة، عن عبد الله بن رافع، عن
برزة بنت رافع، قالت: أرسل عمر إلى زينب بعطائها، فقالت: غفر الله
لعمر، غيري كان أقوى على قسم هذا. قالوا: كله لك. قالت: سبحان
الله! واستترت منه بثوب وقالت: [صبوه] واطرحوا عليه ثوبا، وأخذت
تفرقه في رحمها، وأيتامها; وأعطتني ما بقي; فوجدناه خمسة وثمانين
درهما. ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد
عامي هذا (2).
أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: لما ماتت بنت جحش أمر عمر

(1) أخرجه البخاري 13 / 384 من حديث أنس قال: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش
وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما، وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تقول: إن الله أنكحني
في السماء.
(2) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 109.
212

مناديا: ألا يخرج معها إلا ذو محرم. فقالت بنت عميس: يا أمير المؤمنين،
ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم؟ فجعلت نعشا وغشته ثوبا.
فقال: ما أحسن هذا وأستره!
فأمر مناديا، فنادى: أن اخرجوا على أمكم.
رواه عارم: حدثنا حماد: حدثنا أيوب (1).
وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أسر عكن لحوقا بي: أطولكن يدا ".
وإنما عنى طول يدها بالمعروف.
قالت عائشة: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا. وكانت زينب تعمل
وتتصدق. والحديث مخرج في مسلم (2).
وروي عن عائشة قالت: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم; ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب، أتقى لله،

(1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 111، لكن سقط من إسناده فيه ابن
عمر، فيستدرك من هنا.
(2) رقم (2453) في فضائل الصحابة: باب من فضائل زينب أم المؤمنين، من طريق عائشة
بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا "
قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا. قالت: فكانت أطولنا يدا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها
وتصدق. وأخرج البخاري 3 / 226 من حديث عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن
للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: " أطولكن يدا " فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة
أطولهن يدا، فعلمنا بعد إنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب
الصدقة، قال ابن الجوزي: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم
ينبه عليه، ولا أصحاب التعاليق، ولا علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره، وقال: لحوق سودة به
من أعلام النبوة. وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم
من طريق عائشة...
213

وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة. رضي الله عنها (1).
وعن عمر: أنه قسم لأمهات المؤمنين في العام اثني عشر ألف درهم
لكل واحدة; إلا جويرية، وصفية، فقرر لكل واحدة نصف ذلك. قاله
الزهري.
ابن جريج، عن عطاء، سمع عبيد بن عمير (2) يقول: سمعت عائشة
تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها
عسلا. فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها، فلتقل: إني أجد منك
ريح مغافير! أكلت مغافير! فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك. قال:
بل شربت عسلا عند زينب، ولن أعود له. فنزل: * (يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل الله لك) * [التحريم: 1]... إلى قوله: * (إن تتوبا) * - يعني:
حفصة، وعائشة. * (وإذ أسر النبي) *: قوله: بل شربت عسلا (3).

(1) أخرجه مسلم (2422) في فضائل الصحابة، من طريق الزهري، أخبرني محمد بن عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة في خبر مطول، وفيه: قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم
صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من
حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة... وأخرجه أحمد 6 / 151 من طريق الزهري عن عروة عن
عائشة بلفظ: ولم أر امرأة خيرا منها، وأكثر صدقة، وأصول للرحم، وأبذل لنفسها في كل شئ
يتقرب به إلى الله عز وجل من زينب ما عدا سورة من غرب حد كان فيها توشك منها الفيئة.
(2) تحرف في المطبوع إلى عمر.
(3) أخرجه البخاري 11 / 499 في الايمان والنذور: باب إذا حرم طعاما. و 9 / 330، 331
في الطلاق: باب (لم تحرم ما أحل الله لك)، ومسلم (1474) في الطلاق: باب وجوب الكفارة
على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق وابن سعد 8 / 107، وأخرجه البخاري 8 / 503 في التفسير
عن عائشة بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، ويمكث عندها،
فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير،
قال: " لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري
بذلك أحدا "
والمغافير: صمغ شبيه بالناطف ينضحه العرفط، فيوضع في ثوب، ثم ينضح بالماء فيشرب،
وله ريح منكرة.
وثمة سبب آخر في نزول الآية، فقد أخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح فيما قاله الحافظ إلى
مسروق قال: حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا يقرب أمته، وقال: هي علي حرام، فنزلت الكفارة
ليمينه، وأمر أن لا يحرم ما أحل الله له، وأخرج الضياء المقدسي في " المختارة " من مسند الهيثم بن
كليب، ثم من طريق جرير بن حازم، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحفصة: " لا تخبري أحدا إن أم إبراهيم علي حرام " قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل
الله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وأخرج الطبراني في عشرة النساء، وابن مردويه من طريق أبي
بكر بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية ببيت
حفصة، فجاءت، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك
فذكر نحوه. وللطبراني من طريق الضحاك، عن ابن عباس قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته
يطأ مارية، فعاتبته فذكر نحوه، قال الحافظ: وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، فيحتمل أن تكون
الآية نزلت في السببين معا. وقد روى النسائي من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس هذه القصة
مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله تعالى
(يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) الآية.
214

؟؟ وعن الأعرج، قال: أطعم رسول الله زينب بنت جحش بخيبر مئة
وسق.
ويروى عن عمرة، عن عائشة، قالت: يرحم الله زينب، لقد نالت في
الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها، ونطق به القرآن. وإن
رسول الله قال لنا: " أسرعكن بي لحوقا أطولكن باعا ". فبشرها بسرعة
لحوقها به، وهي زوجته في الجنة.
قلت: وأختها هي حمنة بنت جحش، التي نالت من عائشة في قصة
الإفك، فطفقت تحامي عن أختها زينب (1). وأما زينب، فعصمها الله
بورعها.
وكانت حمنة زوجة عبد الرحمن بن عوف، ولها هجرة.

(1) انظر " أسد الغابة " 7 / 69، 71.
215

وقيل: بل كانت تحت مصعب بن عمير; فقتل عنها، فتزوجها طلحة،
فولدت له محمدا، وعمران.
وهي التي كانت تستحاض (1)، وكانت أختها أم حبيبة تستحاض
أيضا (2).
وأمهن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أميمة. قال السهيلي فيها: أم حبيب،
والأول أكثر، وقال شيخنا الدمياطي، أم حبيب، واسمها: حبيبة.
وأما ابن عساكر، فعنده: أن أم حبيبة، هي حمنة المستحاضة.
وقال ابن عبد البر: بنات جحش: زينب، وحمنة، وأم حبيبة، كن
يستحضن.
وقال السهيلي: كانت حمنة تحت مصعب; وكانت أم حبيب تحت عبد
الرحمن بن عوف. وفي " الموطأ " وهم، وهو أن زينب كانت تحت عبد
الرحمن، فقيل: هما زينبان.
إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، عن يحيى بن سعيد، عن
عمرة، عن عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه: " يتبعني أطولكن يدا " فكنا إذا
اجتمعنا بعده نمد أيدينا في الجدار، نتطاول; لم نزل نفعله حتى توفيت
زينب، وكانت امرأة قصيرة، لم تكن - رحمها الله أطولنا; فعرفنا أنما أراد
الصدقة.

(1) الاستحاضة: أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتادة، يقال: استحيضت، فهي
مستحاضة. وحديثها مخرج في سنن أبي داود (287) وأحمد 6 / 439، والترمذي (128) وابن ماجة
(627) والدارقطني ص 79، والحاكم 1 / 172، 173، والبيهقي 1 / 338، 339، وحسنه
البخاري، وصححه أحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(2) أخرج حديثها مسلم في " صحيحه " (334) وأبو داود (279) و (288) والنسائي 1 /
83.
216

وكانت صناع اليد، فكانت تدبغ، وتخرز، وتصدق (1).
الواقدي: أخبرنا عبد الله بن عمر، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم:
قالت زينب بنت جحش حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددت كفني; فإن
بعث لي عمر بكفن، فتصدقوا بأحدهما; وإن استطعتم إذ أدليتموني أن
تصدقوا بحقوتي، فافعلوا (2).
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، وهي يومئذ
بنت خمس وعشرين سنة. وكانت صالحة، صوامة، قوامة، بارة، ويقال
لها: أم المساكين.
سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس: أن رسول الله قال لزيد:
" اذكرها علي " قال: فانطلقت، فقلت لها: يا زينب، أبشري، فإن
رسول الله أرسل يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي. فقامت
إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير
إذن (3).
عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، عن عبد الله بن شداد أن رسول الله
قال لعمر: " إن زينب بنت جحش أواهة " قيل: يا رسول الله، ما الأواهة؟
قال: " الخاشعة، المتضرعة "; و * (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) *
[هود: 75] (4).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 108 وسنده قوي، وصححه الحاكم 4 / 25، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 109، والواقدي ضعيف.
(3) أخرجه مسلم (1428) في النكاح: باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب،
والنسائي 6 / 79 في النكاح: باب صلاة المرأة إذا خطبت، واستخارتها ربها، وأحمد 3 / 195.
(4) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، ثم هو مرسل.
217

ولزينب أحد عشر حديثا، اتفقا لها على حديثين (1).
وعن عثمان بن عبد الله الجحشي، قال: باعوا منزل زينب بنت جحش
من الوليد بخمسين ألف درهم، حين هدم المسجد.
22 - زينب أم المؤمنين *
بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية.
فتدعى أيضا: أم المساكين، لكثرة معروفها أيضا.
قتل زوجها عبد الله بن جحش يوم أحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم; ولكن
لم تمكث عنده إلا شهرين، أو أكثر، وتوفيت رضي الله عنها.
وقيل: كانت أولا عند الطفيل بن الحارث. وما روت شيئا.
وقال النسابة علي بن عبد العزيز الجرجاني: كانت عند الطفيل، ثم
خلف عليها أخوه الشهيد: عبيدة بن الحارث المطلبي.
وهي أخت أم المؤمنين ميمونة لامها.
23 - أم حبيبة أم المؤمنين * * (ع)
السيدة المحجبة: رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن

(1) انظر البخاري 3 / 117، في الجنائز: باب إحداد المرأة على غير زوجها، و 13 / 95 في
الفتن; باب يأجوج ومأجوج، ومسلم (1487) في الطلاق، باب وجوب الاحداد في عدة الوفاة
و (2880) في أول الفتن.
* طبقات ابن سعد: 8 / 115 - 116، المعارف: 87، 135، 158، المستدرك: 4 / 33 -
34 ا - لاستيعاب: 4 / 1853، أسد الغابة: 7 / 129، العبر: 1 / 5، مجمع الزوائد: 9 /
248، الإصابة: 12 / 280، شذرات الذهب: 1 / 10.
* * مسند أحمد: 6 / 325 و 425، طبقات ابن سعد: 8 / 96 - 100، التاريخ لابن معين:
736، طبقات خليفة: 332، تاريخ خليفة: 79، 86، المعارف: 136، 344، تاريخ
الفسوي: 3 / 318، الجرح والتعديل: 9 / 461، المستدرك: 4 / 20 - 23، الاستيعاب:
4 / 1843، ابن عساكر: 19 / 205 / 1، أسد الغابة: 7 / 115، تهذيب الكمال: 1682،
تاريخ الاسلام: 2 / 253، مجمع الزوائد: 9 / 249، تهذيب التهذيب: 12 / 419،
الإصابة: 12 / 260، خلاصة تذهيب الكمال: 491، شذرات الذهب: 1 / 54.
218

عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
مسندها خمسة وستون حديثا. واتفق لها البخاري ومسلم على
حديثين، وتفرد مسلم بحديثين (1).
وهي من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا (2)
إليه منها، ولا في نسائه من هي أكثر صداقا منها، ولا من تزوج بها وهي نائية
الدار أبعد منها.
عقد له صلى الله عليه وسلم عليها بالحبشة، وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربع مئة
دينار، وجهزها بأشياء.
روت عدة أحاديث.
حدث عنها، أخواها: الخليفة معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله
ابن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وصفية
بنت شيبة، وزينب بنت أبي سلمة، وشتير بن شكل، وأبو المليح عامر
الهذلي. وآخرون.

(1) انظر البخاري 9 / 137 في النكاح: باب * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * و 9 /
432 في الطلاق: باب الكحل للحادة: ومسلم (1949) في الرضاع: باب تحريم الربيبة وأخت
المرأة، و (1486) في الطلاق: باب وجوب الاحداد، و (728) في صلاة المسافرين: باب فضل
السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، و (1292) في الحج: باب استحباب تقديم دفع
الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " نساء ".
219

وقدمت دمشق زائرة أخاها.
ويقال: قبرها بدمشق. وهذا لا شئ، بل قبرها بالمدينة. وإنما التي
بمقبرة باب الصغير: أم سلمة أسماء بنت يزيد الأنصارية.
قال ابن سعد: ولد أبو سفيان: حنظلة، المقتول يوم بدر; وأم حبيبة،
توفي عنها زوجها الذي هاجر بها إلى الحبشة: عبيد (1) الله بن جحش بن
رياب الأسدي، مرتدا متنصرا.
عقد عليها للنبي صلى الله عليه وسلم بالحبشة سنة ست، وكان الولي عثمان بن
عفان (2). كذا قال.
وعن عثمان الأخنسي: أن أم حبيبة ولدت بمكة، قبل هجرة
الحبشة (3).
وعن أبي جعفر الباقر: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي
يخطب عليه أم حبيبة، فأصدقها من عنده أربع مئة دينار (4).
وعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وآخر، قالا: كان الذي زوجها،
وخطب إليه النجاشي: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية. فكان لها يوم قدم
بها المدينة بضع وثلاثون سنة (5).
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد

(1) تحرفت في المطبوع إلى " عبد ".
(2) انظر " المستدرك " 4 / 20، و " الاستيعاب " 13 / 4.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 97 من طريق الواقدي.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 98، 99، والحاكم 4 / 22 من طريق الواقدي.
(5) أخرجه ابن سعد 8 / 99 من طريق الواقدي.
220

الله، وأن رسول الله تزوجها بالحبشة، زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة
آلاف درهم; وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند
النجاشي (1).
ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، قال: أنكحه إياها بالحبشة
عثمان.
ابن سعد: أخبرنا الواقدي: أخبرنا عبد الله بن عمرو بن زهير، عن
إسماعيل بن عمرو بن سعيد، قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم عبيد الله
زوجي بأسوأ صورة وأشوهها; ففزعت وقلت: تغيرت والله حاله! فإذا هو
يقول حيث أصبح: إني نظرت في الدين، فلم أر دينا خيرا من النصرانية،
وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، وقد رجعت، فأخبرته
بالرؤيا، فلم يحفل بها; وأكب على الخمر، قالت: فأريت قائلا يقول: يا
أم المؤمنين. ففزعت; فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني. وذكرت القصة
بطولها، وهي منكرة (2).
حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس:
* (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) * [الأحزاب: 33]. قال
: نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة (3).
إسناده صالح، وسياق الآيات دال عليه.

(1) إسناده صحيح، أخرجه أبو داود (2107) في النكاح: باب الصداق، والنسائي 6 /
119 في النكاح: باب القسط في الأصدقة، وأحمد 6 / 427.
(2) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 97 و " المستدرك " 4 / 20، 22.
(3) إسناده حسن، وقد تقدم تخريجه ص 208 تعليق رقم (1) وانظر تفسير ابن كثير 3 / 483.
221

وقيل: إن أم حبيبة لما جاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤكد عقد الهدنة، دخل
عليها، فمنعته أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمكان الشرك (1).
وأما ما ورد من طلب أبي سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بأم حبيبة، فما
صح. ولكن الحديث في مسلم (2). وحمله الشارحون على التماس تجديد
العقد.
وقيل: بل طلب منه أن يزوجه بابنته الأخرى، واسمها عزة فوهم راوي
الحديث، وقال: أم حبيبة (3).
وقد كان لام حبيبة حرمة وجلالة، ولا سيما في دولة أخيها; ولمكانه منها
قيل له: خال المؤمنين.
قال الواقدي، وأبو عبيد، والفسوي: ماتت أم حبيبة سنة أربع
وأربعين. وقال المفضل الغلابي: سنة اثنتين وأربعين.
وشذ أحمد بن زهير. فقال: توفيت قبل معاوية بسنة.
الواقدي: أخبرنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون،
قال: لما بلغ أبا سفيان نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته، قال: ذاك الفحل، لا يقرع
أنفه (4).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 99، 100 من طريق الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري.
(2) رقم (2501) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي سفيان بن حرب، وقد أعله غير
واحد من الأئمة، وفصل القول فيه ابن القيم في " جلاء الافهام ": 185، 195 ثم قال:
فالصواب أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط، والله أعلم.
(3) لكن يرد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم وأجابه إلى ما سأل، فلو كان المسؤول أن يزوجه أختها
لقال: إنها لا تحل لي، كما قال ذلك لام حبيبة، وقد كان مكان " عزة " بياض في الأصل،
استدركناه من " جلاء الافهام ".
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 99، والحاكم 4 / 22، وقوله: ذاك الفحل لا يقرع أنفه، أي أنه
كفء كريم لا يرد.
222

الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: لما قدم أبو
سفيان المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة.
فلم يقبل عليه. فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على
فراش النبي صلى الله عليه وسلم، طوته دونه. فقال: يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني،
أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك.
فقال: يا بنية، لقد أصابك بعدي شر (1).
قال عطاء: أخبرني ابن شوال: أن أم حبيبة أخبرته: أن رسول الله أمرها
أن تنفر من جمع بليل (2).
الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل،
عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها،
فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان
من ذلك. فقلت: غفر الله لك ذلك كله وحللك من ذلك، فقالت: سررتني
سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك (3).
24 - أم أيمن * (ق)
الحبشية، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاضنته. ورثها من أبيه، ثم أعتقها

(1) " طبقات ابن سعد " 8 / 99، 100
(2) أخرجه مسلم (1292) في الحج: باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن
من مزدلفة إلى منى قبل زحمة الناس، وابن سعد 8 / 100.
وجمع: علم للمزدلفة وابن شوال هو سالم مولى أم حبيبة.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 100، والحاكم 4 / 22، 23.
* مسند أحمد: 6 / 421، طبقات ابن سعد: 8 / 223 - 227، طبقات خليفة: 331،
المعارف: 144، 145، 150، 164، 239، الجرح والتعديل: 9 / 461، المستدرك: 4 /
63، 64، الاستيعاب: 4 / 1793، أسد الغابة: 7 / 37، تهذيب الكمال: 1678، العبر: 1 / 13، 59، مجمع الزوائد: 9 / 258، تهذيب التهذيب: 12 / 459 - 460، الإصابة:
13 / 177، خلاصة تذهيب الكمال: 497، شذرات الذهب: 1 / 15.
223

عندما تزوج بخديجة.
وكانت من المهاجرات الأول.
اسمها: بركة. وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، فولدت له:
أيمن. ولأيمن هجرة وجهاد، استشهد يوم حنين. ثم تزوجها زيد بن حارثة
ليالي بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روي بإسناد واه مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لام أيمن: " يا أمه "
ويقول: " هذه بقية أهل بيتي " (1).
جرير بن حازم: حدثنا عثمان بن القاسم، قال: لما هاجرت أم أيمن
أمست بالمنصرف دون الروحاء، فعطشت [وليس معها ماء] وهي صائمة،
وجهدت، فدلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فشربت،
وكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في
الهواجر فما عطشت (2).
قال فضيل بن مرزوق، عن سفيان بن عقبة، قال: كانت أم أيمن
تلطف النبي صلى الله عليه وسلم وتقوم عليه. فقال: " من سره أن يتزوج امرأة من أهل
الجنة، فليتزوج أم أيمن ".

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 223، والحاكم 4 / 63 من طريق الواقدي.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 224 وعنه الحافظ في " الإصابة " 13 / 178، ورجاله ثقات
لكنه منقطع. وقد تحرفت في المطبوع " فدلي " إلى " فنزل ".
224

قال: فتزوجها زيد (1).
أبو نعيم: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس: جاءت أم أيمن،
فقالت: يا رسول الله، احملني. قال: " أحملك على ولد الناقة " قالت:
إنه لا يطيقني، [ولا أريده] قال: " لا أحملك إلا عليه ". يعني:
يمازحها (2).
الواقدي، عن عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث: أن أم أيمن قالت
يوم حنين: سبت الله أقدامكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اسكتي، فإنك عسراء
اللسان " (3).
وقال أبو جعفر الباقر: دخلت أم أيمن على النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: سلام لا
عليكم. فرخص لها أن تقول: السلام (4).
معتمر بن سليمان، عن أبيه: حدثنا أنس: إن الرجل كان يجعل للنبي
صلى الله عليه وسلم من ماله النخلات، حتى فتحت قريظة والنضير، فجعل يرد. وإن أهلي
أمرتني أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أهله أعطوه. [أو بعضه]، وكان النبي
أعطى ذاك أم أيمن، فسألته فأعطانيهن. فجاءت أم أيمن، فجعلت الثوب
في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله، لا يعطيكهن، وقد أعطانيهن. فقال

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 224 من طريق عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق.
وتلطف: أي تتحفه وتكرمه وتبر به. ورجاله ثقات لكنه منقطع.
(2) إسناده ضعيف لضعف أبي معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، ثم هو
مرسل. وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 224 وتمامه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول
إلا حقا، والإبل كلها ولد الناقة.
(3) ابن سعد 8 / 225.
(4) ابن سعد 8 / 224.
سير 2 / 15
225

النبي صلى الله عليه وسلم: " لك كذا " وتقول: كلا والله... وذكر الحديث (1).
الوليد: حدثنا عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري: حدثني حرملة،
مولى أسامة بن زيد: أنه بينا هو جالس مع ابن عمر، إذ دخل الحجاج بن
أيمن، فصلى صلاة لم يتم ركوعها، ولا سجودها. فدعاه ابن عمر،
وقال: أتحسب أنك قد صليت؟ إنك لم تصل، [فعد لصلاتك] فلما
ولى! قال ابن عمر: من هذا؟ فقلت: الحجاج بن أيمن [بن أم أيمن].
فقال: لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأحبه (2).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أم أيمن بكت حين مات
النبي صلى الله عليه وسلم. قيل لها: أتبكين؟ قالت: والله، لقد علمت أنه سيموت;
ولكني إنما أبكي على الوحي إذ انقطع عنا من السماء (3).
وروى قيس بن مسلم، عن طارق قال: لما قتل عمر، بكت أم أيمن،

(1) إسناده صحيح، وهو في طبقات ابن سعد 8 / 225، وتمامه: أو كالذي قالت. ويقول:
لك كذا، الذي أعطاها، حسبت أنه قال: عشرة أمثاله، أو قريبا من عشرة أمثاله، أو كما قال.
وأخرجه البخاري 7 / 316 في المغازي: باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني
قريظة، ومسلم (1771) (71) في الجهاد والسير: باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم،
كلاهما من طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس رضي الله عنه.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 225 من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد به،
ورجاله ثقات، والزيادتان منه.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 226 وإسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2454) في فضائل الصحابة،
وابن ماجة (1635) في الجنائز، وأبو نعيم في " الحلية " 2 / 68، ثلاثتهم من طريق سليمان بن
المغيرة بن ثابت، عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:
انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت،
فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند
الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء.
226

وقالت: اليوم وهى الاسلام. وبكت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم (1).
قال الواقدي: ماتت في خلافة عثمان.
ولها في مسند بقي: خمسة أحاديث.
25 - حفصة أم المؤمنين * (ع)
الستر الرفيع، بنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب.
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها من خنيس بن حذافة السهمي (2)، أحد
المهاجرين، في سنة ثلاث من الهجرة.
قالت عائشة: هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين. فعلى هذا يكون
دخول النبي صلى الله عليه وسلم بها ولها نحو من عشرين سنة.
روت عنه عدة أحاديث.
روى عنها: أخوها ابن عمر، وهي أسن منه بست سنين; وحارثة بن

(1) إسناده صحيح وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 226.
* مسند أحمد: 6 / 283، طبقات ابن سعد: 8 / 81 - 86، طبقات خليفة: 334، تاريخ
خليفة: 66، المعارف: 135، 158، 184، 550، المستدرك: 4 / 14 - 15، الاستيعاب:
4 / 1811، أسد الغابة: 7 / 65، تهذيب الكمال: 1680، تاريخ الإسلام: 2 / 220،
العبر: 1 / 5، 50، مجمع الزوائد: 9 / 244، تهذيب التهذيب: 12 / 411 - 412،
الإصابة: 12 / 197، خلاصة تذهيب الكمال: 490، كنز العمال: 13 / 697، شذرات
الذهب: 1 / 10 و 16.
(2) كان من السابقين الأولين إلى الاسلام، هاجر إلى أرض الحبشة، وعاد إلى المدينة،
وشهد بدرا واحدا، وأصابه بأحد جراحة فمات رضي الله عنه.
227

وهب، وشتير بن شكل (1)، والمطلب بن أبي وداعة، و عبد الله بن
صفوان الجمحي، وطائفة.
وكانت لما تأيمت، عرضها أبوها على أبي بكر، فلم يجبه بشئ;
وعرضها على عثمان، فقال: بدا لي ألا أتزوج اليوم. فوجد عليهما،
وانكسر، وشكا حاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: " يتزوج حفصة من هو خير من
عثمان; ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة " ثم خطبها، فزوجه عمر (2).
وزوج رسول الله عثمان بابنته رقية بعد وفاة أختها.
ولما أن زوجها عمر، لقيه أبو بكر، فاعتذر، وقال: لا تجد علي، فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان قد ذكر حفصة; فلم أكن لأفشي سره، ولو تركها،
لتزوجتها (3).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، طلق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل عليه
السلام له بذلك، وقال: " إنها صوامة، قوامة، وهي زوجتك في
الجنة " (4).

(1) هو شتير بن شكل العبسي أبو عيسى الكوفي ثقة من الطبقة الثالثة، أخرج حديثه مسلم
وأصحاب السنن، وقد زاد الأستاذ الأبياري واوا بين شتير وشكل، فأخطأ، فإن شكلا هو والد
شتير وهو صحابي من رهط حذيفة بن اليمان، حديثه في الكوفيين.
(2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 82 والبخاري 9 / 152، 153 في النكاح: باب
عرض الانسان بنته أو أخته على أهل الخير.
(3) أخرجه البخاري 9 / 152، 153 وهو قطعة من الحديث السابق.
(4) حديث صحيح، أخرجه أبو داود (2283) وابن ماجة (2016) من حديث عمر " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ".
وأخرجه النسائي 6 / 213 من حديث ابن عمر وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم في
" المستدرك " 4 / 15 من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، أنبأنا أبو عمران
الجوني، عن قيس بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان
ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال لي جبريل
عليه السلام " راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة " ورجاله ثقات، غير
قيس بن زيد فإنه تابعي صغير مجهول، وفي المتن وهم سيذكر ص 231 ت (1) وفي الباب عن
أنس عند الحاكم 4 / 15، وفي سنده الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات،
وذكره الهيثمي وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه جماعة لم أعرفهم، وعن عمار بن ياسر
عند البزاز والطبراني كما في " المجمع " 9 / 244.
228

إسناده صالح. يرويه موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة
ابن عامر الجهني.
وحفصة، وعائشة هما اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم; فأنزل الله فيهما:
* (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه
وجبريل) *... الآية (1) [التحريم: 4].
موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة، قال: طلق رسول الله
صلى الله عليه وسلم حفصة; فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله
بعمر وابنته. فنزل جبريل من الغد، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يأمرك أن تراجع
حفصة رحمة لعمر (2). رضي الله عنهما.
توفيت حفصة سنة إحدى وأربعين عام الجماعة.
وقيل: توفيت سنة خمس وأربعين بالمدينة، وصلى عليها والي
المدينة مروان. قاله الواقدي، عن معمر، عن الزهري، عن سالم (3).

(1) أخرجه البخاري 8 / 504 في التفسير: باب * (تبتغي مرضاة أزواجك) *. ومسلم (1474)
في الطلاق: باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته.
(2) أخرجه الطبراني في " الكبير " وقد تقدم قريبا.
(3) ابن سعد 8 / 86.
229

ومسندها في كتاب بقي بن مخلد ستون حديثا.
اتفق لها الشيخان على أربعة أحاديث. وانفرد مسلم بستة أحاديث (1).
ويروى عن عمر: أن حفصة ولدت إذ قريش تبني البيت (2).
وقيل: بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة ثلاث.
قال الواقدي: حدثني علي بن مسلم، عن أبيه: رأيت مروان فيمن
حمل سرير حفصة; وحملها أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها (3).
حماد بن سلمة: أخبرنا أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد: أن
النبي صلى الله عليه وسلم، طلق حفصة; فدخل عليها خالاها: قدامة، وعثمان;
فبكت، وقالت: والله ما طلقني عن شبع. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " قال

(1) ما اتفقا عليه هو في " البخاري " 2 / 83، 84 في الاذان: باب الاذان بعد الفجر. ومسلم
(723) في صلاة المسافرين: باب استحباب ركعتي سنة الفجر. والبخاري 4 / 29 في الحج:
باب ما يقتل المحرم من الدواب، ومسلم (1200) في الحج: باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من
الدواب في الحل والحرم، والبخاري 3 / 342 في الحج: باب التمتع والقران والافراد بالحج
وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، ومسلم (1229) في الحج: باب بيان أن القارن لا يتحلل
إلا في وقت تحلل الحج المفرد، وما انفرد به مسلم هو عنده (733) في صلاة المسافرين
و (1107) في الصيام، و (1490) (63) في الطلاق و (2883) في الفتن و (2932) في
الفتن.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 81، والحاكم 4 / 14، 15 من طريق الواقدي.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 86، والحاكم 4 / 15.
230

لي جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة، قوامة، وإنها زوجتك في
الجنة " (1).
وروى نحوه من كلام جبريل الحسن بن أبي جعفر، عن ثابت، عن
أنس، مرفوعا (2).
26 - صفية أم المؤمنين * (ع)
بنت حيي بن أخطب بن سعية، من سبط اللاوي بن نبي الله إسرائيل بن
إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام. ثم من ذرية رسول الله هارون عليه
السلام.
تزوجها قبل إسلامها: سلام بن أبي الحقيق، ثم خلف عليها كنانة بن
أبي الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، فقتل كنانة يوم خيبر عنها، وسبيت،
وصارت في سهم دحية الكلبي; فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم عنها; وأنها لا ينبغي أن

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 84، والحاكم 4 / 15 والطبراني كما في " المجمع " 9 / 245،
وقيس بن زيد تابعي صغير مجهول، وباقي رجاله ثقات، وقول الهيثمي في " المجمع ": ورجاله
رجال الصحيح، وهم منه، وقد تحرف في المطبوع زيد إلى يزيد. ثم إن في المتن وهما فإن عثمان
وهو ابن مظعون مات قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، لأنه مات قبل أحد بلا خلاف، وزوج
حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم مات أحد، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد.
(2) هو في " المستدرك " 4 / 15، وإسناده ضعيف لضعف الحسن بن أبي جعفر وهو
الجفري، لكن الحديث صحيح بشواهده كما تقدم.
* مسند أحمد: 6 / 336، طبقات ابن سعد: 8 / 120 - 129، تاريخ خليفة: 82، 83،
86، المعارف: 138، 215، المستدرك: 4 / 28 - 29، الاستيعاب: 4 / 1871، جامع
الأصول: 9 / 143، أسد الغابة: 7 / 169، تهذيب الكمال: 1686، تاريخ الاسلام: 2 /
228، العبر: 1 / 8، 56، مجمع الزوائد: 9 / 250، تهذيب التهذيب: 12 / 429،
الإصابة: 13 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 492، كنز العمال: 13 / 637، 704، شذرات
الذهب: 1 / 12 و 56.
231

تكون إلا لك. فأخذها من دحية، وعوضه عنها سبعة أرؤس (1).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما طهرت، تزوجها، وجعل عتقها صداقها (2).
حدث عنها: علي بن الحسين، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث،
وكنانة مولاها، وآخرون.
وكانت شريفة عاقلة، ذات حسب، وجمال، ودين. رضي الله عنها.
قال أبو عمر بن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن
الخطاب، فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود. فبعث عمر
يسألها. فقالت: أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة; وأما
اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على

(1) أخرجه أحمد 3 / 123 و 246، ومسلم (1365) (87) في النكاح: باب فضيلة إعتاقه
أمة ثم يتزوجها، وأبو داود (2997) في الخراج والامارة: باب ما جاء في سهم الصفي، وابن
سعد 8 / 122 كلهم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البنائي، عن أنس بن مالك، وأخرجه
مسلم (1365) (84) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: جمع السبي (يعني
بخيبر) فجاءه دحية فقال: يا رسول الله! أعطني جارية من السبي، فقال: " أذهب فخذ جارية "
فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله: أعطيت دحية صفية بنت
حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك. قال: " ادعوه بها ". قال: فجاء بها، فلما نظر إليها
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خذ جارية من السبي غيرها " قال: وأعتقها وتزوجها.
وأخرجه البخاري 7 / 360 في المغازي: باب غزوة خيبر من طريق حماد بن زيد، عن
ثابت عن أنس وفيه: وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم.
(2) أخرجه من حديث أنس " البخاري " 7 / 360 في المغازي: باب غزوة خيبر و 9 / 111 في
النكاح: باب من جعل عتق الأمة صداقها، و (205) في النكاح: باب الوليمة ولو بشاة، ومسلم
(1365) (85) في النكاح: باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها. وأبو داود (2054)، والترمذي
(1115) والنسائي 6 / 114. و عبد الرزاق 7 / 269.
232

ما صنعت؟ قالت: الشيطان: قالت: فاذهبي، فأنت حرة (1).
وقد مر في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بها، وصنعتها له أم سليم،
وركبها وراءه على البعير، وحجبها، وأولم عليها، وأن البعير تعس بهما،
فوقعا، وسلمهما الله تعالى (2).
وفي جامع أبي عيسى، من طريق هاشم بن سعيد الكوفي: حدثنا
كنانة: حدثتنا صفية بنت حيي، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد
بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت له ذلك، فقال: " ألا قلت: وكيف
تكونان خيرا مني، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى ". وكان
بلغها، أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها، نحن أزواجه،
وبنات عمه (3).
قال ثابت البناني: حدثني سمية - أو شميسة عن صفية بنت حيي:
أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فبرك بصفية جملها; فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكي، وهو ينهاها، فنزل

(1) " الاستيعاب " 13 / 65.
(2) انظر " طبقات ابن سعد " 8 / 122، 123 و " صحيح مسلم " (1365) (87) في النكاح،
وقوله: تعس أي عثر. ورواية مسلم: " فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله وندرت " أي
سقطا.
(3) أخرجه الترمذي (3892) في المناقب، والحاكم 4 / 29، وإسناده ضعيف لضعف
هاشم بن سعيد الكوفي، وباقي رجاله ثقات، لكن يشهد له حديث أنس عند أحمد 3 / 135،
136، والترمذي (3894) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس قال: بلغ
صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما
يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لابنة نبي، وإن عمك
لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصة. وإسناده صحيح.
233

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس; فلما كان عند الرواح، قال لزينب بنت جحش:
" أفقري أختك جملا " - وكانت من أكثرهن ظهرا - فقالت: أنا أفقر
يهوديتك!
فغضب صلى الله عليه وسلم، فلم يكلمها، حتى رجع إلى المدينة، ومحرم وصفر; فلم
يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه.
فلما كان ربيع الأول دخل عليها; فلما رأته، قالت: يا رسول الله، ما
أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبؤها من رسول الله، فقالت: هي لك.
قال: فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضي
عن أهله (1).
الحسين بن الحسن: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مالك بن
مالك، عن صفية بنت حيي، قالت: قلت: يا رسول الله، ليس من
نسائك أحد إلا ولها عشيرة; فإن حدث بك حدث، فإلى من ألجأ؟ قال:
" إلي علي " (2) رضي الله عنه.
هذا غريب.

(1) أخرجه أحمد في " المسند " 6 / 337، 338. وشمسية أو سمية لا تعرف، وبقية رجاله
ثقات، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 126، 127، من طريق عفان بن مسلم، عن
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شميسة عن عائشة بنحوه، وقوله: أفقري أختك، أي:
أعيريها إياه للركوب، ومنه حديث جابر أنه اشترى منه بعيرا وأفقره ظهره إلى المدينة، مأخوذ من
ركوب فقار الظهر، وهو خرزاته، والواحدة فقارة.
(2) إسناده ضعيف جدا، الحسين بن الحسن هو الأشقر الكوفي، قال البخاري: فيه نظر،
وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي والدارقطني: ليس
بالقوي، ومالك بن مالك: قال البخاري في التاريخ الكبير 7 / 311 بعد أن أورد حديثه هذا: ولا
يعرف مالك إلا بهذا الحديث الواحد، ولم يتابع عليه، وترجمه المؤلف في " ميزانه " وقال: لا
يدرى من هو.
234

قيل: توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: توفيت سنة خمسين (1).
وكانت صفية ذات حلم، ووقار.
معن، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن نبي الله في وجعه
الذي توفي فيه، قالت صفية بنت حيي: والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك
بي. فغمزها أزواجه; فأبصرهن. فقال: " مضمضن ". قلن: من أي
شئ؟ قال: " من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة " (2).
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: قالت صفية: رأيت
كأني، وهذا الذي يزعم أن الله أرسله، وملك يسترنا بجناحيه. قال: فردوا
عليها رؤياها، وقالوا لها في ذلك قولا شديدا (3).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفية من
دحية بسبعة أرؤس، ودفعها إلى أم سليم، حتى تهيئها، وتصنعها، وتعتد
عندها. فكانت وليمته: السمن، والأقط، والتمر; وفحصت الأرض
أفاحيص، فجعل فيها الأنطاع، ثم جعل ذلك فيها (4).

(1) والثاني هو الصحيح لان علي بن الحسين قد سمع منها حديث زيارتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في
اعتكافه في المسجد، وهو مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم. وقد صرح بسماعه منها هذا
الحديث في رواية ابن حبان. وعلي بن الحسين إنما ولد بعد سنة أربعين أو نحوها. انظر " فتح
الباري " 4 / 240.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 128، ورجاله ثقات، لكنه مرسل.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 122. ورجاله ثقات، لكنه مرسل.
(4) أخرجه مسلم (1365) (87) وقد تقدم تخريبه في ص 232 رقم (1). والأقط: لبن
مجفف يابس مستحجر يطبخ به. وقوله: فحصت الأرض أفاحيص، أي: كشف التراب من
أعلاها، وحفرت شيئا يسيرا لتجعل الأنطاع وهي البسط المتخذة من الجلود - في المحفور،
ويصب فيها السمن فيثبت ولا يخرج من جوانبها.
235

عبد العزيز بن المختار، عن يحيى بن أبي إسحاق، قال لي أنس:
أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته، فعثرت الناقة،
فصرع، وصرعت، فاقتحم أبو طلحة عن راحلته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم; فقال:
يا نبي الله، هل ضرك شئ؟ قال: " لا، عليك بالمرأة ". فألقى أبو طلحة
ثوبه على وجهه، وقصد نحوها، فنبذ الثوب عليها، فقامت، فشدها على
راحلته; فركبت، وركب النبي صلى الله عليه وسلم (1).
ابن جريج، عن زياد بن إسماعيل، عن سليمان بن عتيق، عن جابر:
أن صفية لما أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسطاطه، حضرنا، فقال: " قوموا عن
أمكم " فلما كان العشي حضرنا، ونحن نرى أن ثم قسما. فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة، فقال: " كلوا
من وليمة أمكم (2).
زياد ضعيف.
أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن ابن
عمر، قال: لما اجتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية، رأى عائشة متنقبة في وسط
النساء، فعرفها، فأدركها، فأخذ بثوبها، فقال: " يا شقيراء، كيف

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات 8 / 124، وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري 6 / 134
من طريق علي، عن بشر بن المفضل، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس، وأخرجه مسلم
(1365) (88) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 124، وأحمد 3 / 333، وإسناده ضعيف لضعف زياد بن
إسماعيل، فإنه وإن أخرج له مسلم سيئ الحفظ، وراويه عنه ابن جريج مدلس وقد عنعن. وقول
الهيثمي في " المجمع " 9 / 251 بعد أن نسبه لأحمد: ورجاله رجال الصحيح، لا يعني أن السند
صحيح، فإن ابن جريج يخرج له الشيخان إلا ما صرح فيه بالسماع.
236

رأيت "؟ قالت: رأيت يهودية بين يهوديات (1).
وعن عطاء بن يسار، قال: لما قدم رسول الله من خيبر، ومعه
صفية، أنزلها. فسمع بجمالها نساء الأنصار، فجئن ينظرن إليها، وكانت
عائشة متنقبة حتى دخلت، فعرفها. فلما خرجت، خرج، فقال: " كيف
رأيت "؟ قالت: رأيت يهودية. قال: " لا تقولي هذا، قد أسلمت " (2).
مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن ابن المسيب، قال: قدمت صفية،
وفي أذنيها خرصة من ذهب، فوهبت لفاطمة منه، ولنساء معها (3).
الحسن بن موسى الأشيب: حدثنا زهير: حدثنا كنانة، قال: كنت أقود
بصفية لترد عن عثمان، فلقيها الأشتر، فضرب وجه بغلتها حتى مالت;
فقالت: ذروني، لا يفضحني هذا! ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل
عثمان، تنقل عليه الماء والطعام (4).
الواقدي: حدثنا محمد بن موسى، عن عمارة بن المهاجر، عن آمنة
بنت قيس الغفارية، قالت: أنا إحدى النساء اللائي زففن صفية يوم دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعتها تقول: ما بلغت سبع عشرة سنة يوم دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 125، 126، ورجاله ثقات. لكنه منقطع بين عبد الرحمن وابن
عمر.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 126، وفيه على إرساله الواقدي.
(3) ابن سعد 8 / 127، ورجاله ثقات، والخرصة: جمع خرص: وهو الحلقة الصغيرة من
الذهب، وهو من حلي الاذن.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 128 ورجاله ثقات.
(5) ابن سعد 8 / 129، والمستدرك 4 / 29.
237

وقبرها بالبقيع.
وقد أوصت بثلثها لأخ لها يهودي، وكان ثلاثين ألفا (1).
ورد لها من الحديث عشرة أحاديث، منها واحد متفق عليه (2).
27 - ميمونة أم المؤمنين * (ع)
بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال
ابن عامر بن صعصعة، الهلالية.
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت أم الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن
الوليد، وخالة ابن عباس.

(1) ابن سعد 8 / 128 من طريق الواقدي ونصه: ورثت صفية مئة ألف درهم بقيمة أرض
وعرض، فأوصت لابن أختها وهو يهودي بثلثها.
(2) أخرجه البخاري 4 / 240، 241 في الاعتكاف: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى
باب المسجد. ومسلم (2175) في السلام: باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خاليا بامرأة وكانت
زوجته أو ومحرما له أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به، كلاهما من طريق الزهري،
أخبرني علي بن الحسين رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت
تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد، عند باب أم سلمة، مر رجلان
من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: " على رسلكما إنما هي صفية بنت
حيي " فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يبلغ من ابن
آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ".
* مسند أحمد: 6 / 329، طبقات ابن سعد: 8 / 132 - 140، طبقات خليفة: 338،
تاريخ خليفة: 86، 218، المعارف: 137، 344، المستدرك: 4 / 30 - 33، الاستيعاب:
4 / 1914، أسد الغابة: 7 / 272، تهذيب الكمال: 1697، تاريخ الاسلام: 2 / 324،
العبر / 8، 45، 57، مجمع الزوائد: 9 / 249، تهذيب التهذيب: 12 / 453،
الإصابة: 13 / 138، خلاصة تذهيب الكمال: 496، كنز العمال: 13 / 708، شذرات
الذهب: 1 / 12 و 58.
238

تزوجها أولا مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الاسلام، ففارقها. وتزوجها
أبورهم بن عبد العزي، فمات. فتزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم في وقت فراغه من
عمرة القضاء سنة سبع في ذي القعدة. وبنى بها بسرف أظنه المكان
المعروف بأبي عروة.
وكانت من سادات النساء. روت عدة أحاديث.
حدث عنها ابن عباس، وابن أختها الآخر: عبد الله بن شداد بن الهاد،
وعبيد بن السباق، [و عبد الرحمن بن السائب الهلالي] (1) وابن أختها
الرابع: يزيد بن الأصم، وكريب مولى ابن عباس، ومولاها سليمان بن
يسار، وأخوه: عطاء بن يسار. وآخرون.
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثني إبراهيم بن محمد بن
موسى، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن علي بن عبد الله بن عباس،
قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى مكة عام القضية (2)، بعث أوس بن
خولي وأبا رافع إلى العباس; فزوجه بميمونة، فأضلا بعيريهما; فأقاما أياما
ببطن رابغ، حتى أدركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقديد، وقد ضما بعيريهما، فسارا
معه، حتى قدم مكة. فأرسل إلى العباس، فذكر ذلك له، وجعلت ميمونة
أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم - كذا قال. وصوابه: إلى العباس - فخطبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فزوجها إياه (3).

(1) زيادة لابد منها، لان عبد الرحمن بن السائب هو ابن أختها الثالث، وليس عبيد بن
السباق.
(2) أي: عام عمرة القضية أو القضاء، وذلك في سنة سبع للهجرة، وقد دخل صلى الله عليه وسلم مكة، ثم
خرج بعد إكمال عمرته. وسميت عمرة القضية، لأنه قاضى فيها قريشا. وانظر " زاد المعاد "
2 / 90 - 92.
(3) " طبقات ابن سعد ": 8 / 132.
239

وروي عن عكرمة، عن ابن عباس: أنها جعلت أمرها - لما خطبها
النبي صلى الله عليه وسلم - إلى العباس; فزوجها (1).
مالك، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع،
ورجلا من الأنصار، فزوجاه ميمونة، قبل أن يخرج من المدينة (2).
قال عبد الكريم الجزري، عن ميمون بن مهران: دخلت على صفية
بنت شيبة، عجوز كبيرة، فسألتها: أتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهو محرم،
قالت: لا، والله لقد تزوجها وإنهما لحلالان (3).
أيوب، عن يزيد بن الأصم، قال: خطبها، وهو حلال، وبنى بها،
وهو حلال (4).
جرير بن حازم: حدثنا أبو فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن أبي رافع
أن رسول الله تزوج ميمونة حلالا، وبنى بها حلالا بسرف (5).

(1) " طبقات ابن سعد ": 8 / 133.
(2) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 348 في الحج، وابن سعد في " الطبقات " 8 / 133،
وإسناده صحيح، لكنه مرسل، وسيذكره المصنف موصولا من طريق آخر قريبا.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 133 من طريق عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو،
عن عبد الكريم الجزري... ورجاله ثقات.
(4) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1411) في النكاح: باب تحريم نكاح المجرم وكراهة
خطبته، وابن ماجة (1964) والبيهقي 5 / 66 عن يزيد بن الأصم حدثتني ميمونة بنت الحارث أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس.
وأخرجه أبو داود (1843) بلفظ " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلال بسرف " وأخرجه
أحمد 6 / 333 و 335، والترمذي (845) والبيهقي 5 / 66 بلفظ " تزوجها وهو حلال، وبنى بها
حلالا، وماتت بسرف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها ".
(5) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 133، والحاكم في " المستدرك " 4 / 31، وصححه
ووافقه الذهبي من طريق جرير بن حازم، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن
ميمونة.
240

حماد بن زيد، عن مطر الرواق (1)، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار،
عن أبي رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا، وكنت الرسول
بينهما (2).
الواقدي: حدثنا معمر، عن الزهري، عن يزيد بن الأصم، عن ابن
عباس، قال: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حلال (3).
هذا منكر. والواقدي متروك. والثابت عن ابن عباس خلافه.
فقال ابن جريج، عن عطاء، عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، وهو
محرم (4).
وقال أيوب وهشام، عن عكرمة، عنه كذلك (5).
وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عنه مثله (6).
وعمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عنه نحوه (7).
فهذا متواتر عنه.

(1) تحرف في المطبوع وكذا في " الطبقات " إلى " مطرف ".
(2) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 6 / 393، والترمذي (841)، والدارمي 2 / 38، وابن
سعد 8 / 134، والبيهقي 5 / 66، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1272).
(3) " طبقات ابن سعد " 8 / 134، 135.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 135، وأخرجه البخاري 4 / 45، والنسائي 5 / 192 من طريق أبي
المغيرة، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس.
(5) أخرجه ابن سعد 8 / 135، 136، والترمذي (843) والبخاري 7 / 392 وأبو داود
(1848) والنسائي 5 / 191، والطحاوي 2 / 269.
(6) أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " 2 / 269، وابن سعد 8 / 136.
(7) أخرجه ابن سعد 8 / 136، والبخاري 9 / 142، والترمذي (844) ومسلم (1410)
والنسائي 5 / 191، وابن ماجة (1965) والدارمي 2 / 37.
سير 2 / 16
241

والأنصاري، عن حبيب بن الشهيد: سمع ميمون بن مهران، عنه
مثله (1).
وروى زكريا بن أبي زائدة، و عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي:
أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة، وهو محرم (2).
جرير، عن منصور، عن مجاهد - مرسلا - مثله (3).
رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن ابن عباس - مرفوعا - مثله.
وفيه: وكان ابن عباس لا يرى بذلك بأسا (4).
وبعض من رأى صحة خبر ابن عباس، عد الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وجود هذا الباب ابن سعد، ثم قال: أخبرنا أبو نعيم: حدثنا جعفر بن
برقان، عن ميمون، قال: كنت جالسا عند عطاء، فجاءه رجل فقال: هل
يتزوج المحرم؟ قال: ما حرم الله النكاح منذ أحله. فقلت: إن عمر بن
عبد العزيز كتب إلي - وميمون يومئذ على الجزيرة -: أن سل يزيد بن
الأصم: أكان تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم [يوم تزوج] ميمونة حلالا، أو حراما؟
فقال يزيد: تزوجها، وهو حلال.
وكانت ميمونة خالة يزيد (5).
الواقدي: حدثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن عكرمة: أن ميمونة

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 135.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 136.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 136.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 135، والطحاوي 2 / 269.
(5) أخرجه ابن سعد 8 / 134، وإسناده صحيح، وتمامه عنده: قال عطاء: ما كنا نأخذ هذا
إلا عن ميمونة، وكنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم.
242

وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم (1).
قال مجاهد: كان اسمها برة، فسماها رسول الله: ميمونة (2).
وروى بكير بن الأشج، عن عبيد الله الخولاني: أنه رأى ميمونة تصلي
في درع سابغ، لا إزار عليها (3).
حماد بن زيد، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم: أن ميمونة حلقت
رأسها في إحرامها، فماتت، ورأسها محمم (4).
كثير بن هشام: حدثنا جعفر بن برقان: حدثنا يزيد بن الأصم، قال:
تلقيت عائشة، وهي مقبلة من مكة، أنا وابن أختها ولد لطلحة، وقد كنا
وقعنا في حائط بالمدينة [فأصبنا منه] فبلغها ذلك; فأقبلت على ابن أختها
تلومه; ثم وعظتني موعظة بليغة، ثم قالت: أما علمت أن الله ساقك حتى

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 137.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 137 من طريق الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي، حدثنا
سفيان، عن منصور، عن مجاهد، وأخرجه الحاكم 4 / 30 من طريق كريب عن ابن عباس قال:
كان اسم خالتي ميمونة: برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وصححه ووافقه الذهبي.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 138 وإسناده صحيح.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 138، وإسناده صحيح، وأبو فزارة: هو راشد بن كيسان العبسي.
وقوله: ورأسها محمم: أي مسود بسبب نبات الشعر بعد الحلق، وفي حديث أنس: كان إذا
حمم رأسه بمكة خرج واعتمر، أي اسود بعد الحلق بنبات شعره. وقد تصحف في المطبوع و
" الطبقات " إلى " مجمم " ولعل ميمونة لم يبلغها رضي الله عنها أن المرأة لا تحلق رأسها في الحج
بل تقصر، فقد أخرج الترمذي (914) والنسائي 8 / 130 من طريق محمد بن موسى الحرشي،
عن أبي داود الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها، وفي الباب عن عائشة وعثمان، وأخرج أبو داود (1948)
من حديث ابن عباس مرفوعا " ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير " وحسن إسناده
الحافظ في " التخليص " 4 / 261.
243

جعلك في بيت نبيه; ذهبت والله ميمونة، ورمي بحبلك على غاربك! أما
إنها كانت من أتقانا لله، وأوصلنا للرحم (1)!
وبه أنبأنا يزيد: أن [ذا] قرابة لميمونة دخل عليها، فوجدت منه ريح
شراب، فقالت: لئن لم تخرج إلى المسلمين، فيجلدوك، لا تدخل علي
أبدا (2).
إبراهيم بن عقبة، عن كريب: بعثني ابن عباس أقود بعير ميمونة، فلم
أزل أسمعها تهل، حتى رمت الجمرة (3).
أبو نعيم: حدثنا عقبة بن وهب: أخبرنا يزيد بن الأصم: رأيت ميمونة
تحلق رأسها (4).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 138، والحاكم 4 / 32، وإسناده حسن، وما بين الحاصرتين
منهما.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 139، وسنده حسن كسابقه.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 139، وإسناده صحيح.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 139، وتمامه: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عقبة: لم؟ فقال:
أراها تبتل. وعقبة بن وهب ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: صالح، وقال علي
وسفيان: ما كان يدري ما هذا الامر يعني الحديث، ولا كان شأنه، وقال مهنا عن أحمد: لا
أعرفه، وقال ابن عدي: ليس بمعروف. وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 249، وفيه
" تبتذل " بدل " تبتل " وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عقبة بن وهب وهو ثقة.
قلت: وإذا سلمنا بصحته، فلا حجة فيه، لثبوت النهي عنه صلى الله عليه وسلم عن حلق المرأة رأسها، أما
التقصير، فمباح لهن، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " (320) في الحيض: باب القدر
المستحب من الماء في غسل الجنابة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على
عائشة أنا وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت
وبيننا وبينها ستر، وأفرغت على رأسها ثلاثا، قال: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن
حتى تكون كالوفرة. أي: يأخذن من شعر رؤوسهن، يخففن من شعورهن حتى تكون كالوفرة،
وهي من الشعر: ما كان إلى الاذنين، ولا يجاوزهما.
244

جرير بن حازم، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، قال: دفنا
ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت حلقت
في الحج. نزلت في قبرها، أنا وابن عباس (1).
وعن عطاء: توفيت ميمونة بسرف، فخرجت مع ابن عباس إليها،
فقال: إذا رفعتم نعشها، فلا تزلزلوها، ولا تزعزعوها (2).
وقيل: توفيت بمكة، فحملت على الأعناق بأمر ابن عباس إلى
سرف، وقال: ارفقوا بها; فإنها أمكم (3).
قال الواقدي: ماتت في خلافة يزيد سنة إحدى وستين، ولها ثمانون
سنة.
قلت: لم تبق إلى هذا الوقت، فقد ماتت قبل عائشة. وقد مر قول
عائشة: ذهبت ميمونة...
وقال خليفة: توفيت سنة إحدى وخمسين. رضي الله عنها.
روي لها سبعة أحاديث في " الصحيحين "، وانفرد لها البخاري
بحديث. ومسلم بخمسة (4). وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثا.

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 139، 140، والحاكم 4 / 31، وصححه وأقره الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 140 من طريق الواقدي، وأخرجه الحاكم 4 / 33 من طريق آخر،
وصححه، ووافقه الذهبي.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 140 من طريق الواقدي.
(4) انظر البخاري 1 / 345، و 320 و 331 و 270 و 364 و 410 و 5 / 161 و 4 / 207، ومسلم
(294) و (317) و (337) و (356) و (513) و (270) و (999) و (1124).
245

28 - زينب بنت رسول الله *
صلى الله عليه وسلم وأكبر أخواتها من المهاجرات السيدات (1).
تزوجها في حياة أمها ابن خالتها أبو العاص; فولدت له: أمامة التي
تزوج بها علي بن أبي طالب بعد فاطمة، وولدت له: علي بن أبي العاص،
الذي يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه وراءه يوم الفتح، وأظنه مات صبيا (2).
وذكر ابن سعد: أن أبا العاص تزوج بزينب قبل النبوة (3). وهذا بعيد.
أسلمت زينب، وهاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين.
فروي عن عائشة، بإسناد واه: أن أبا العاص شهد بدرا مشركا، فأسره
عبد الله بن جبير الأنصاري; فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم، جاء في
فداء أبي العاص أخوه عمرو، وبعثت معه زينب بقلادة لها من جزع
ظفار - أدخلتها بها خديجة - في فداء زوجها; فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
القلادة عرفها، ورق لها، وقال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم "؟
قالوا: نعم. فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه، ففعل (4).

* طبقات ابن سعد: 8 / 30 - 36، تاريخ خليفة: 92، التاريخ الصغير: 1 / 7،
المعارف: 72، 127، 140، 141، 142، تاريخ الفسوي: 3 / 270، المستدرك: 4 / 42 -
46، الاستيعاب: 4 / 1853، أسد الغابة: 7 / 130، العبر: 1 / 10، مجمع الزوائد: 9 /
212 - 216، الإصابة: 12 / 273.
(1) " المستدرك " 4 / 42، ومجمع الزوائد " 9 / 212.
(2) " مجمع الزوائد " 9 / 212، و " أسد الغابة " 7 / 130.
(3) " طبقات ابن سعد " 8 / 30، 31.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 31 من طريق الواقدي، وأخرجه الحاكم 4 / 44، 45 من طريق ابن
إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
لما بعث أهل مكة في فداء أساراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بقلادة،
وكانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة
شديدة، قال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها " وصححه، ووافقه
الذهبي، وهو كما قالا فإن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث.
246

وقيل: هاجرت مع أبيها، ولم يصح.
البزاز: حدثنا سهل بن بحر: حدثنا الحسن بن الربيع: حدثنا ابن
المبارك، عن ابن لهيعة: أخبرنا بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار،
عن أبي هريرة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، وكنت فيهم، فقال: " إن
لقيتم هبار بن الأسود، ونافع بن عبد عمرو، فأحرقوهما "، وكانا نخسا
بزينب بنت رسول الله حين خرجت، فلم تزل ضبنة (1) حتى ماتت.
ثم قال: " إن لقيتموهما، فاقتلوهما; فإنه لا ينبغي لاحد أن يعذب
بعذاب الله " (2).

(1) أي: زمنة، من الضبنة وهي الزمانة، وهي المرض الدائم.
(2) إسناده قوي، فإن راويه عن ابن لهيعة ابن المبارك، وقد سمع منه قبل احتراق كتبه،
وذكره الحافظ في " الإصابة " 10 / 233، ونسبه إلى محمد بن عثمان بن أبي شيبة في " تاريخه "
ورواه ابن إسحاق في " المغازي " ونقله عنه ابن هشام 1 / 657 حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن
بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار عن أبي إسحاق الدوسي، عن أبي هريرة، وأبو إسحاق
الدوسي مجهول، وأخرجه البخاري 6 / 104 في الجهاد: باب لا يعذب بعذاب الله، والترمذي
(1571) في السير، من طريق قتيبة، عن الليث، عن بكير، عن سليمان بن يسار، عن أبي
هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث، فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا، فأحرقوهما بالنار،
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: " إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا
يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما ". وانظر سيرة ابن هشام 1 / 654 " والمستدرك "
4 / 43، و " مجمع الزوائد " 9 / 212، 213، والتاريخ الصغير 1 / 7، 8 للبخاري. وأما هبار بن
الأسود، فقد أسلم، ففي سنن سعيد بن منصور عن ابن عيينة، عن ابن نجيح.. فلم تصبه
السرية، وأصابه الاسلام، فهاجر، فذكر قصة إسلامه.
قال الحافظ في " الفتح " 6 / 105: وله حديث عند الطبراني، وآخر عند ابن مندة، وذكر
البخاري في " تاريخه " لسليمان بن يسار عنه رواية في قصة جرت له مع عمر في الحج، وعاش هبار إلى خلافة معاوية. انظر " الإصابة " 10 / 235، 236. وقال الحافظ: ولم أقف لرفيقه على
ذكر في الصحابة، فلعله مات قبل أن يسلم.
247

ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس
الصبح، فلما قام في الصلاة، نادت زينب: إني قد أجرت أبا العاص بن
الربيع، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: " ما علمت بهذا; وإنه يجير على
الناس أدناهم " (1).
قال الشعبي: أسلمت زينب، وهاجرت، ثم أسلم بعد ذلك، وما
فرق بينهما (2).
وكذا قال قتادة، وقال: ثم أنزلت " براءة " بعد. فإذا أسلمت امرأة قبل
زوجها; فلا سبيل له عليها، إلا بخطبة (3).
وروى حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي
صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد، ومهر جديد (4).

(1) أخرجه ابن هشام في السيرة 1 / 157، 158، وابن سعد 8 / 32 عن ابن إسحاق، حدثني
يزيد بن رومان.. وأخرجه الحاكم 4 / 45. من طريق ابن وهب، أنبأنا ابن لهيعة، عن موسى بن
جبير الأنصاري، عن عمران بن مالك الغفاري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة،
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أبو العاص بن الربيع أن خذي لي أمانا من
أبيك، فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها والنبي صلى الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس فقالت: أيها
الناس: إني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني قد أجرت أبا العاص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة
قال: " أيها الناس، إنه لا علم لي بهذا حتى سمعتموه ألا وإنه يجير على المسلمين
أدناهم ". ورجاله ثقات.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 32.
(3) طبقات ابن سعد 8 / 32.
(4) أخرجه أحمد (6938) والترمذي (1142) وابن سعد 8 / 32، وابن ماجة (2010)
والدارقطني ص 396، والبيهقي 7 / 188 كلهم من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه، عن جده. وهذا إسناد ضعيف، لان الحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه، قال
الإمام أحمد: هذا حديث ضعيف أو واه ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، إنما سمعه من
محمد بن عبيد العرزمي، والعرزمي حديثه لا يساوي شيئا، والحديث الصحيح الذي روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول. يريد الحديث الآتي.
248

وقال ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن
عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بعد سنين بنكاحها الأول،
ولم يحدث صداقا (1).
وعن محمد بن إبراهيم التيمي، قال: خرج أبو العاص إلى الشام في
عير لقريش; فانتدب لها زيد في سبعين ومئة راكب; فلقوا العير في سنة
ست، فأخذوها، وأسروا أناسا، منهم أبو العاص. فدخل على زينب
سحرا، فأجارته، ثم سألت أباها، أن يرد عليه متاعه. ففعل، وأمرها ألا
يقربها ما دام مشركا. فرجع إلى مكة، فأدى إلى كل ذي حق حقه; ثم رجع
مسلما مهاجرا في المحرم سنة سبع، فرد عليه زينب بذاك النكاح الأول (2).

(1) أخرجه ابن هشام 1 / 658، 659 وأحمد (1876) و (2369) و (3290) وابن سعد:
8 / 33، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143) وابن ماجة (2009)، وعبد الرزاق
(12644)، والدارقطني ص 396، والحاكم: 3 / 638، 639 و 4 / 46، كلهم من طريق ابن
إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، ورجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق
بالتحديث، إلا أن داود بن الحصين حديثه عن عكرمة فيه شئ، لكن للحديث شواهد مرسلة
صحيحة عن عامر الشعبي، وقتادة، وعكرمة بن خالد، أخرجها ابن سعد في " الطبقات "
8 / 32، و عبد الرزاق في " المصنف " (12647) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 2 / 149،
فيقوى بها ويصح.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 33. من طريق الواقدي.
249

الزهري، عن أنس: رأيت على زينب بنت رسول الله برد سيراء من
حرير (1).
توفيت في أول سنة ثمان (2).
عاصم الأحول، عن حفصة، عن أم عطية، قالت: لما ماتت زينب
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " اغسلنها وترا، ثلاثا، أو خمسا; واجعلن في
الآخرة كافورا أو شيئا من كافور; فإذا غسلتنها، فأعلمنني " فلما غسلناها،
أعطانا حقوه، فقال: " أشعرنها إياه " (3).
29 - رقية بنت رسول الله *
صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة.

(1) إسناده صحيح أخرجه ابن سعد 8 / 33، 34، من طريق سعيد بن منصور، عن عبد الله
ابن المبارك عن معمر عن الزهري، عن أنس، وصححه الحاكم 4 / 45، 46، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 34، من طريق الواقدي.
(3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 8 / 34، ومسلم (939) (40) من طريق عاصم
الأحول، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 222 في الجنائز:
باب غسل الميت، والبخاري 3 / 102، 105 في الجنائز: باب غسل الميت و (1254) و
(1258) و (1260)، ومسلم (939) وأبو داود (3142) والنسائي 4 / 28، 29، وابن ماجة
(1458) كلهم من طريق أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية. وأخرجه
البخاري برقم (167) و (1255) و (1256) و (1263) والترمذي (990) من طريق حفصة بنت
سيرين، عن أم عطية.
والحقو: الازار، وجمعها: حقي وأحق وأحقاء، والأصل في الحقو: معقد الازار،
وسمي الازار حقوا، لأنه يشد على الحقو، وقوله: " أشعرنها إياه " يريد: اجعلنه شعارا لها،
وهو الثوب الذي يلي جسدها، فالشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوق الشعار، ومنه قوله
صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه للأنصار: " أنتم شعار والناس دثار ".
* طبقات ابن سعد: 8 / 36، 37، تاريخ خليفة: 65، المعارف: 125، 141، 142،
153، 158، 185، 192، 198، 203، تاريخ الفسوي: 3 / 159 و 162، 163،
المستدرك: 4 / 46 - 48، الاستيعاب: 4 / 1839، أسد الغابة: 7 / 113، مجمع الزوائد:
9 / 216، الإصابة: 12 / 257، شذرات الذهب: 1 / 9 و 57.
250

قال ابن سعد: تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة.
كذا قال، وصوابه: قبل الهجرة.
فلما أنزلت * (تبت يدا أبي لهب) *، قال أبوه: رأسي من رأسك حرام،
إن لم تطلق بنته. ففارقها قبل الدخول.
وأسلمت مع أمها، وأخواتها. ثم تزوجها عثمان (1).
قال ابن سعد: هاجرت معه إلى الحبشة، الهجرتين جميعا.
قال عليه السلام: " إنهما لأول من هاجر إلى الله بعد لوط ".
وولدت من عثمان عبد الله، وبه كان يكنى، وبلغ ست سنين، فنقره
ديك في وجهه، فطمر وجهه، فمات.
ثم هاجرت إلى المدينة بعد عثمان، ومرضت قبيل بدر، فخلف النبي
صلى الله عليه وسلم عليها عثمان; فتوفيت، والمسلمون ببدر (2).
فأما رواية ابن سعد: أخبرنا عفان: حدثنا حماد: أخبرنا علي بن زيد،
عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: لما ماتت رقية بنت رسول
الله، قال: " الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون " فبكت النساء عليها; فجعل
عمر يضربهن بسوطه. فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: " دعهن يبكين "، ثم

(1) طبقات ابن سعد 8 / 36.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 36، وطمر وجهه: ورم. وذكر الحافظ في " الإصابة " 12 / 258
المرفوع بلفظ " والذي نفسي بيده إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط " ونسبه لابن مندة، وقال:
سنده واه.
251

قال: " ابكين، وإياكن ونعيق الشيطان; فإنه مهما يكن من القلب والعين
فمن الله والرحمة، ومهما يكن من اليد واللسان فمن الشيطان "، فقعدت
فاطمة على شفير القبر إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تبكي; فجعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدمع عن عينها بطرف ثوبه (1).
قلت: هذا منكر.
وقال ابن سعد: ذكرته لمحمد بن عمر، فقال: الثبت عندنا من جميع
الرواية: أن رقية توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر. فلعل هذا في غير رقية، أو
لعله أتى قبرها بعد بدر زائرا (2).
30 - أم كلثوم بنت رسول الله *
صلى الله عليه وسلم، البضعة الرابعة النبوية.
يقال، تزوجها عتيبة بن أبي لهب، ثم فارقها.
وأسلمت، وهاجرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم. فلما توفيت أختها رقية تزوج بها
عثمان - وهي بكر - في ربيع الأول سنة ثلاث، فلم تلد له (3).

(1) طبقات ابن سعد: 8 / 37.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 37.
* طبقات ابن سعد: 8 / 37 - 39، تاريخ خليفة: 66، المعارف: 126، 141، 142،
158، 173، 192، تاريخ الفسوي: 3 / 159، المستدرك: 4 / 48 - 49، الاستيعاب: 4 /
1952، أسد الغابة: 7 / 384، العبر: 1 / 5، 10، مجمع الزوائد: 9 / 216، الإصابة:
13 / 275، شذرات الذهب: 1 / 10 و 13 و 16 و 17.
(3) ابن سعد 8 / 38، و " المستدرك " 4 / 49، و " مجمع الزوائد " 9 / 217.
252

وتوفيت في شعبان سنة تسع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كن عشرا لزوجتهن
عثمان " حكاه ابن سعد (1).
وروى صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أنس: أنه رأى على
أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء (2). الواقد: حدثنا فليح، عن هلال بن أسامة، عن أنس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
جالسا على قبرها - يعني أم كلثوم - وعيناه تدمعان. فقال: " فيكم أحد لم
يقارف الليلة "؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: " انزل " (3).
[زوجاته صلى الله عليه وسلم]
قال الزهري: تزوج نبي الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة عربية محصنات.

(1) 8 / 38.
(2) إسناده ضعيف، لضعف صالح بن أبي الأخضر، لكن متنه صحيح، فقد أخرجه
البخاري في " صحيحه " 10 / 252 في اللباس: باب الحرير للنساء من طريق أبي اليمان، عن
شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد
حرير سيراء، وأخرجه أبو داود (2058) والنسائي 8 / 197، وابن ماجة (3598) وابن سعد
8 / 38، والحاكم 4 / 49 من طرق عن الزهري، عن أنس...
وقوله " حلة سيراء " هو بكسر السين وفتح الياء: نوع من البرود فيه خطوط يخالطه حرير وهو
على الإضافة وله أمثال كحلة سندس، وحلة حرير، وحلة خز.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 38 والواقدي ضعيف، وأخرجه البخاري 3 / 126، 127، 167،
والحاكم 4 / 47، وأحمد 3 / 126، و 228، من طريق فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن
أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر،
قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال: " هل منكم رجل لم يقارف الليلة "؟ فقال أبو طلحة:
أنا، قال: فأنزل، قال: فنزل في قبرها، وأخرجه الحاكم 4 / 47 من طريق حماد بن سلمة بن
ثابت، عن أنس فسماها رقية، والصواب أنها أم كلثوم، وقد وهم حماد في تسميتها فقط. كما
قال الحافظ. وقوله: لم يقارف أي: لم يجامع أهله تلك الليلة.
253

وعن قتادة قال: تزوج خمس عشرة امرأة: ست من قريش. وواحدة
من حلفاء قريش، وسبعة من نساء العرب. وواحدة من بني إسرائيل.
قال أبو عبيد: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ثماني عشرة امرأة: سبع من
قريش، وواحدة من حلفائهم. وتسع من سائر العرب. وواحدة من نساء
بني إسرائيل.
فأولهن: خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم أم سلمة، ثم حفصة;
ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية، ثم أم حبيبة، ثم صفية، ثم ميمونة،
ثم فاطمة بنت شريح. ثم تزوج زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم
أسماء بنت النعمان، ثم قتيلة أخت الأشعث، ثم سنا بنت أسماء
السلمية (1).
31 - العالية *
قال الزهري: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية، امرأة من بني بكر بن
كلاب (2).
ولأبي معاوية، عن جميل بن زيد - واه - عن زيد بن كعب بن عجرة،
عن أبيه، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية، من بني غفار; فأدخلت،
فرأى بكشحها بياضا، فقال: " البسي ثيابك، والحقي بأهلك " وأمر لها
بالصداق (3).

(1) في الأصل أسماء بنت سنا، والتصويب مما سيأتي.
* المستدرك: 4 / 34، الاستيعاب: 1881، أسد الغابة: 7 / 188، الإصابة: 13 / 38،
كنز العمال: 13 / 707.
(2) " المستدرك " 4 / 34.
(3) " المستدرك " 4 / 34.
254

32 - أسماء *
قيل: هي أسماء بنت كعب الجونية. كذا سماها ابن إسحاق،
وقال: لم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى طلقها.
وقال الزهري: تزوج أخت بني الجون الكندي، فاستعاذت منه.
فقال: " لقد عذت معاذا، الحقي بأهلك " (1).
وقيل: بل هي أسماء بنت النعمان الغفارية.
وعن قتادة، قال: وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل اليمن: أسماء بنت
النعمان الغفارية; فلما دخل بها، دعاها. فقالت: تعال أنت، فطلقها،
وتزوج أم شريك (2).
33 - أم شريك * *
امرأة أنصارية. النجارية.

* المستدرك: 4 / 34، أسد الغابة: 7 / 16، الإصابة: 12 / 121.
(1) في البخاري 9 / 311 من طريق الأوزاعي قال: سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: " لقد عذت بعظيم، الحقي
بأهلك " وانظر سنن ابن ماجة (2037) و " المستدرك " 4 / 35.
(2) " المستدرك " 4 / 34.
* * مسند أحمد: 6 / 441، 462، التاريخ لابن معين: 742، طبقات ابن سعد: 8 /
154 - 157، طبقات خليفة، 335، الجرح والتعديل: 9 / 464، المستدرك.: 4 / 34،
الاستيعاب: 4 / 1943، أسد الغابة: 7 / 351، تهذيب الكمال: 1703، تاريخ الاسلام:
2 / 330، تهذيب التهذيب: 12 / 472، الإصابة: 13 / 235، خلاصة تذهيب الكمال:
498.
255

عن قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني أحب أن أتزوج في الأنصار;
ثم إني أكره غيرتهن ". قال: فلم يدخل بها (1).
نعم وروى عروة بن الزبير، عن أم شريك: أنها كانت فيمن وهبت
نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
34 - سناء *
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وزعم حفص بن النضر السلمي، وعبد
القاهر بن السري: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سناء بنت أسماء بن الصلت
السلمية; فماتت قبل أن يدخل بها (2).
وقيل: سناء بنت سفيان الكلابية.
35 - الكلابية * *
قال الواقدي: قال بعضهم: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان.
وقيل: عمرة بنت زيد.
وقيل: هي العالية بنت ظبيان.

(1) " المستدرك " 4 / 34، 35.
* الاستيعاب: 4 / 1865، أسد الغابة: 7 / 153، الإصابة: 12 / 317.
(2) " المستدرك " 4 / 35، وقد تحرف فيه أبو عبيد إلى أبي عبيدة. وانظر " طبقات ابن سعد "
8 / 149.
* * طبقات ابن سعد: 8 / 220 - 221، تاريخ خليفة: 92، المعارف: 140، المستدرك:
4 / 35 - 37، الاستيعاب: 4 / 1899، أسد الغابة: 7 / 228، الإصابة: 13 / 81.
256

وقيل: سناء بنت سفيان.
وقال بعضهم: هي كلابية واحدة; وإنما اختلف في اسمها.
وقال بعضهم: بل كن جماعة.
نقل ذلك الحاكم في أمهات المؤمنين من " مستدركه " (1).
ابن أخي الزهري، عن عمه، عن عروة، عن عائشة، قالت: تزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلابية، فلما دخلت عليه، ودنا منها، قالت: إني أعوذ
بالله منك. قال: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك " (2).
وقال ابن إسحاق: تزوج عمرة بنت زيد الكلابية، وما دخل بها.
وقال ابن شهاب: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية بنت ظبيان; فنكحها ابن
عم لها; فولدت له (3).
وقيل: الكلابية: عمرة بنت حزن، التي تعوذت.
36 - الكندية *
قال عبد الله بن محمد بن عقيل: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من كندة.
وهي الشقية التي سألته أن يفارقها، ويردها إلى قومها، ففعل (4).

(1) 4 / 35.
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 35 ورجاله ثقات، وانظر " الفتح " 9 / 311.
(3) ذكره صاحب " كنز العمال " 13 / 707، ونسبه لعبد الرزاق.
* المستدرك: 4 / 35 - 37، الاستيعاب: 4 / 1785، أسد الغابة: 7 / 16، الإصابة:
11 / 121.
(4) " المستدرك " 4 / 36.
257

رواه عنه عبيد الله بن عمرو.
وروى الواقدي: حدثنا محمد بن يعقوب بن عتبة، عن عبد الواحد بن
أبي عون: أن النعمان بن أبي الجون الكندي قدم مسلما، فقال: يا رسول
الله، ألا أزوجك أجمل أيم في العرب، وقد رغبت فيك؟ فتزوجها على
اثنتي عشرة أوقية ونش (1). فقال: لا تقصر بها في المهر. قال: " ما
أصدقت أحدا فوق هذا ".
فبعث معه أبا أسيد. فلما قدما عليها، جلست، وأذنت له، فقال أبو أسيد:
إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يراهن الرجال، فتحملت مع الظعينة (2) على جمل
في محفة; فأقبلت بها حتى أنزلتها في بني ساعدة. فدخل عليها النساء،
فرحبن بها، ثم خرجن، فذكرن جمالها، وشاع ذلك. فدخل عليها داخل
من النساء، فقيل لها: إنك ملكة، فإن كنت تريدين أن تحظي عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقولي: أعوذ بالله منك! فإنه يرغب فيك (3).
وعن ابن أبي عون قال: فتزوج الكندية في سنة تسع من ربيع الأول.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن
الوليد كتب إليه يسأله: هل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أخت الأشعث؟ فقال: ما

(1) الأوقية: أربعون درهما، والنش: عشرون درهما.
(2) الظعينة: المرأة في الهودج. والمحفة: مركب كالهودج إلا أنه لا يقبب.
(3) " ابن سعد " 8 / 143، 144، و " المستدرك " 4 / 36، كلاهما من طريق الواقدي، وهو
ضعيف.
258

تزوجها قط، ولا تزوج كندية إلا بنت الجون، فملكها. فلما أتي بها، نظر
إليها، فطلقها، ولم يبن بها (1).
عن أبي أسيد الساعدي، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت
النعمان الجونية فأرسلني، فجئت بها. فقالت حفصة لعائشة: اخضبيها
أنت، وأنا أمشطها. ففعلتا. ثم قالت لها إحداهما: إنه يعجبه أن تقول
المرأة: أعوذ بالله منك! فلما دخلت عليه، وأرخى الستر، مد يده إليها.
فقالت: أعوذ بالله منك! فقال بكمه على وجهه، فاستتر. وقال:
" عذت بمعاذ " وخرج، فقال: " يا أبا أسيد، ألحقها بأهلها،
ومتعها برازقيين ". يعني كرباسين.
فكانت تقول: ادعوني الشقية (2).
إسناده واه. وقد ذكره الحاكم في " مستدركه ".

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 148، والحاكم 4 / 37.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 145، 146، والحاكم في " المستدرك " 4 / 37 من طريق هشام ابن
محمد، عن ابن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه... وهشام بن محمد متروك،
وأخرج البخاري في " صحيحه " 9 / 311، 312 من طريق أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن
الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى
انطلقنا إلى حائط يقال له: الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" اجلسوا ها هنا " ودخل وقد أتي بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن
شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " هبي نفسك لي " قالت:
وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله
منك، فقال: " قد عذت بمعاذ " ثم خرج علينا، فقال: " يا أبا أسيد اكسها رازقيين، وألحقها
بأهلها " والرازقي: ثوب، والكرباس هو القطن، يريد ثوبا من قطن.
259

وعن زهير بن معاوية: قال: فماتت كمدا (1).
وعن الكلبي، قال: خلف على أسماء بنت النعمان المهاجر بن أبي
أمية. فهم عمر أن يعاقبهما. فقالت: والله ما ضرب علي حجابا، ولا
سميت بأم المؤمنين. فكف عنها (2).
37 - قتيلة *
يقال: هي أخت الأشعث بن قيس.
قال أبو عبيدة: تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه وفد كندة سنة عشر،
فتوفي قبل أن يقدم عليه (3).
ويقال: إنها ارتدت (4). فالله أعلم.
38 - خولة * *
عمارة بن راشد، حدثنا علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن خولة بنت
حكيم.

(1) " ابن سعد " 8 / 146، 147، و " المستدرك " 4 / 37، وفي السند هشام بن محمد وهو
متروك.
(2) " ابن سعد " 8 / 147، و " المستدرك " 4 / 37، وسنده تالف.
* طبقات ابن سعد: 8 / 147، المستدرك: 4 / 38، الاستيعاب: 4 / 1903، أسد
الغابة: 7 / 240، الإصابة: 13 / 103.
(3) " المستدرك " 4 / 38.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 147 من طريق هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، عن أبي
صالح، عن ابن عباس وهذا سند واه بمرة.
* * مسند أحمد: 6 / 377 و 409، طبقات ابن سعد: 8 / 158، المعارف: 140،
الاستيعاب: 4 / 1832، أسد الغابة: 7 / 93، تهذيب الكمال: 1681، مجمع الزوائد: 9 /
259، تهذيب التهذيب: 12 / 415، الإصابة: 12 / 234، خلاصة تذهيب الكمال: 490.
260

وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها; فأرجأها فيمن أرجأ من نسائه (1).
39 جويرية أم المؤمنين * (ع)
بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية.
سبيت يوم غزوة المر يسيع في السنة الخامسة وكان اسمها: برة،
فغير (2).
وكانت من أجمل النساء.
أتت النبي تطلب منه إعانة في فكاك نفسها، فقال: " أو خير من ذلك؟
أتزوجك " فأسلمت، وتزوج بها; وأطلق لها الأسارى من قومها (3).
وكان أبوها سيدا مطاعا.
حدث عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد.
وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدي، وآخرون.

(1) انظر " فتح الباري " 8 / 404، و " مجمع الزوائد " 9 / 259، و " الدر المنثور "
5 / 210.
* مسند أحمد: 6 / 324 و 449، طبقات ابن سعد: 8 / 116 - 120، طبقات خليفة:
342، تاريخ خليفة: 224، المعارف: 138، 139، تاريخ الفسوي: 3 / 322، المستدرك:
4 / 25 - 28، الاستيعاب: 4 / 1804، أسد الغابة: 7 / 56، تهذيب الكمال: 1679،
تاريخ الاسلام: 2 / 275، العبر: 1 / 7، 61، مجمع الزوائد: 9 / 250، تهذيب التهذيب:
12 / 407، الإصابة: 12 / 182، خلاصة تذهيب الكمال: 489، كنز العمال: 13 / 706،
شذارت الذهب: 1 / 61.
(2) أخرجه مسلم في " صحيحه " (2140) من طريق سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن
مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله
صلى الله عليه وسلم اسمها إلى جويرية. وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 118، و " المسند " 6 / 429، 430.
(3) صحيح وسيأتي تخريجه قريبا.
261

عن عائشة، قالت: كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة (1); لا يراها أحد إلا
أخذت بنفسه. الحديث بطوله (2).
زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم
جويرية، واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق.
وكانت من ملك اليمين، فأعتقها، وتزوجها (3).
قال ابن سعد وغيره: بنو المصطلق من خزاعة. وكان زوجها، قبل أن
يسلم، ابن عمها [مسافع بن] صفوان ابن أبي الشفر (4).

(1) أي: شديدة الملاحة وهو من أبنية المبالغة، قال الزمخشري: وفعال مبالغة في فعيل
نحو كريم وكرام، وكبير وكبار، وفعال مشددا أبلغ منه.
(2) أخرجه ابن هشام في " السيرة " 2 / 294، 295، عن ابن إسحاق ومن طريقه أحمد
6 / 277 حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لما قسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو
لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم نستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي،
فكرهتها وعرفت أنه سيرى فيها صلى الله عليه وسلم ما رأيت، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت
الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم
لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي،
وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله. قال: " قد فعلت "، قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق لتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق، فما
أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها.
وإسناده صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 117 من طريق الواقدي.
(4) انظر " المستدرك " 4 / 26 وابن سعد 8 / 116، و " الإصابة " 12 / 184.
262

وقد تقدم أبوها الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم (1).
وعن جويرية، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا بنت عشرين سنة.
توفيت أم المؤمنين جويرية في سنة خمسين (2). وقيل: توفيت سنة ست
وخمسين، رضي الله عنها (3).
جاء لها سبعة أحاديث: منها عند البخاري حديث. وعند مسلم
حديثان (4).
أيوب، عن أبي قلابة، قال: أتى والد جويرية فقال: إن بنتي لا يسبى
مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أرأيت إن خيرناها ". فأتاها
أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك، فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد
اخترته، قال: قد والله فضحتنا (5).
زكريا، عن الشعبي، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية،
واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق (6).
همام، وغيره، عن قتادة، عن أبي أيوب الهجري، عن جويرية بنت

(1) انظر " أسد الغابة " 1 / 400، و " الإصابة " 2 / 160.
(2) ابن سعد 8 / 120.
(3) تاريخ خليفة: 224.
(4) انظر البخاري 4 / 203، ومسلم (1073) و (2726).
(5) إسناده صحيح، لكنه مرسل، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 118.
(6) إسناده صحيح لكنه مرسل أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (13118) وابن سعد
8 / 118، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 250، وقال: رواه الطبراني مرسلا، ورجاله رجال
الصحيح.
263

الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم جمعة، وهي صائمة، فقال لها:
" أصمت أمس "؟ قالت: لا. قال: " أتريدين أن تصومي غدا "؟ قالت:
لا. قال: " فأفطري " (1).
رواه شعبة، وله علة غير مؤثرة، رواه سعيد، عن قتادة، عن ابن
المسيب، عن عبد الله بن عمرو (2).
شعبة وجماعة، عن محمد بن عبد الرحمن، مولى آل طلحة: سمعت
كريبا، عن ابن عباس، عن جويرية، قالت: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة
وأنا أسبح; ثم انطلق لحاجته; ثم رجع قريبا من نصف النهار، فقال:
" أما زلت قاعدة "؟ قلت: نعم. قال: " ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن
عدتهن، أو وزن بهن وزنتهن - يعني جميع ما سبحت -: سبحان الله عدد
خلقه، ثلاث مرات، سبحان الله زنة عشره، ثلاث مرات، سبحان الله رضا
نفسه، ثلاث مرات، سبحان الله مداد كلماته، ثلاث مرات (3).
يونس، عن ابن إسحاق: حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير، عن

(1) أخرجه البخاري 4 / 203 في الصوم: باب صوم يوم الجمعة، وأبو داود (2422) في
الصوم، وأحمد 6 / 430 وابن سعد 8 / 119، وله شاهد من حديث جنادة بن أبي أمية عند
النسائي. وإسناده صحيح.
(2) أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (957) وقال الحافظ في " الفتح ": اتفق شعبة وهمام
عن قتادة على هذا الاسناد (يريد إسناد البخاري) وخالفهما سعيد بن أبي عروبة، فقال: عن
قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على
جويرية...
أخرجه النسائي وصححه ابن حبان، والراجح طريق شعبة لمتابعة همام وحماد بن سلمة له،
وكذا حماد بن الجعد...
(3) إسناده صحيح، أخرجه مسلم في " صحيحه " (2726) في الذكر والدعاء: باب
التسبيح أول النهار وعند النوم، وابن سعد 1 / 119، وأحمد 6 / 324، 327 و 429، 430.
264

عروة، عن عائشة، قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق،
وقعت جويرية في سهم رجل، فكاتبته، وكانت حلوة ملاحة، لا يراها أحد
إلا أخذت بنفسه. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه; فكرهتها - يعني
لحسنها -. فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث، سيد قومه،
وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت، فأعني.
فقال: " أو خير من ذلك: أودي عنك، وأتزوجك "؟ فقالت: نعم.
ففعل. فبلغ الناس، فقالوا: أصهار رسول الله! فأرسلوا ما كان في أيديهم
من بني المصطلق. فلقد أعتق بها مئة أهل بيت. فما أعلم امرأة كانت أعظم
بركة على قومها منها (1).
40 - سودة أم المؤمنين * (خ، د، س)
بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية.
وهي أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وانفردت به نحوا من
ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بعائشة.
وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة. وكانت أولا عند السكران بن عمرو،
أخي سهيل بن عمرو العامري (2).

(1) إسناده صحيح، وقد تقدم تخريجه في الصفحة 262 تعليق (2).
* طبقات ابن سعد: 8 / 52 - 58، طبقات خليفة: 335، المعارف: 133، 284،
442، الاستيعاب: 4 / 1867، جامع الأصول: 9 / 145، أسد الغابة: 7 / 157، تهذيب
الكمال: 1685، تاريخ الاسلام: 2 / 66، مجمع الزوائد: 9 / 246 - 248، تهذيب
التهذيب: 12 / 426 - 427، الإصابة: 12 / 323، خلاصة تذهيب الكمال: 492، شذرات
الذهب: 1 / 34 و 60.
(2) ذكره في " المجمع " 9 / 246، وقال: رواه الطبراني، وفيه القاسم بن عبد الله بن مهدي
وهو ضعيف، وقد وثق وبقية رجاله ثقات. وانظر " أسد الغابة " 2 / 412، و " الإصابة "
4 / 216، 217.
265

وهي التي وهبت يومها لعائشة; رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قد
فركت، رضي الله عنها (1).
لها أحاديث. وخرج لها البخاري.
حدث عنها: ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري.
توفيت في آخر خلافة عمر بالمدينة.
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي
أن أكون في مسلاخها من سودة، من امرأة، فيها حدة، فلما كبرت جعلت
يومها من النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (2).

(1) أخرج البخاري 9 / 274 في النكاح: باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، من
حديث عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم
سودة، وأخرجه أيضا 5 / 161 في الهبة، وزاد في آخره: تبتغي بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأخرجه ملم (1463) عن عائشة وفيه:... فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة،
قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة، وأخرجه أبو داود (2135) من طريق أحمد بن
يونس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت عائشة يا
ابن أختي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا. وكان قل
فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول
الله، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، قالت نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي
أشباهها أراه قال * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) *.
وتابعه ابن سعد 8 / 53 عن الواقدي، عن ابن أبي الزناد في وصله، ورواه سعيد بن منصور
عن ابن أبي الزناد مرسلا لم يذكر عن عائشة، وعند الترمذي (3040) من حديث ابن عباس
موصولا نحوه، وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك قال الحافظ: فتواردت هذه الروايات
على أنها خشيت الطلاق فوهبت. وفركت: أي قل ميلها للرجال.
(2) أخرجه مسلم (1463) في الرضاع: باب جواز هبتها نوبتها لضرتها. وقولها " في
مسلاخها " كأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها.
266

وروى الواقدي، عن ابن أخي الزهري، عن أبيه، قال: تزوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم بسودة في رمضان سنة عشر من النبوة، وهاجر بها. وماتت بالمدينة
في شوال سنة أربع وخمسين (1).
وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا. وروى عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أن سودة رضي الله
عنها توفيت زمن عمر (2).
قال ابن سعد: أسلمت سودة وزوجها; فهاجرا إلى الحبشة (3).
وعن بكير بن الأشج: أن السكران قدم من الحبشة بسودة، فتوفي
عنها. فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: أمري إليك. قال: " مري رجلا من
قومك يزوجك " فأمرت حاطب بن عمرو العامري، فزوجها، وهو مهاجري
بدري (4).
هشام الدستوائي: حدثنا القاسم بن أبي بزة (5): أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى
سودة بطلاقها. فجلست على طريقه، فقالت: أنشدك بالذي أنزل عليك

(1) ابن سعد 8 / 53 و 55.
(2) أخرجه البخاري في " تاريخه " 1 / 49، 50 من طريق يحيى بن سليمان، عن ابن وهب،
عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال. ورجاله ثقات.
(3) ابن سعد 8 / 52.
(4) ابن سعد 8 / 53 من طريق الواقدي.
(5) هو القاسم بن أبي بزة، بفتح الموحدة وتشديد الزاي، المكي مولى بني مخزوم القارئ
الثقة، من الطبقة الخامسة، وحديثه هذا مرسل، ومع وضوح الاسم في الأصل وفي الطبقات،
وفي الفتح 9 / 274 فقد غيره الأستاذ الأبياري إلى القاسم، عن أبي برزة، وكتب في الهامش:
القاسم هو ابن عوف الشيباني ويروي عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم،
وأشار إلى ما في الأصل، وزعم أنه تحريف.
267

كتابه، لم طلقتني؟ الموجدة؟ قال: " لا " قالت: فأنشدك الله لما
راجعتني; فلا حاجة لي في الرجال; ولكني أحب أن أبعث في نسائك.
فراجعها. قالت: فإني قد جعلت يومي لعائشة (1).
الأعمش، عن إبراهيم، قالت سودة: يا رسول الله، صليت خلفك
البارحة; فركعت بي، حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم. فضحك.
وكانت تضحكه الأحيان بالشئ (2).
صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع: " هذه ثم ظهور الحصر " (3).
قال صالح: فكانت سودة تقول: لا أحج بعدها.
وقالت عائشة: استأذنت سودة ليلة المزدلفة، أن تدفع قبل حطمة
الناس - وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة فأذن لها (4).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 54، وسنده صحيح، لكنه مرسل، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلقها كما
تقدم.
(2) ابن سعد 8 / 54.
(3) ظهور الحصر: منصوب على تقدير: ثم الزمن، والحصر: جمع حصير: وهو ما يفرش
في البيوت، والمراد أن يلزمن بيوتهن ولا يخرجن منها. والحديث أخرجه ابن سعد في
" الطبقات " 8 / 55، وأحمد 2 / 446 و 6 / 324، وسنده قوي، فإن صالحا مولى التوأمة، وإن
كان قد اختلط بأخرة، فإن راويه عنه عند أحمد هو ابن أبي ذئب، وهو ممن سمع منه قديما، وفي
الباب ما يشهد له، أخرجه أحمد 5 / 218، وأبو داود (1722) في أول الحج من طريق عبد
العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن واقد بن أبي واقد الليثي، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لنسائه في حجته: " هذه ثم ظهور الحصر " وسنده حسن في الشواهد.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 55، 56 والبخاري 3 / 423، ومسلم (1290)، وأحمد 6 / 164،
والنسائي 5 / 266، وتمامه: فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا
بدفعه، فلان أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلي من مفروح به.
والحطمة: بفتح الحاء، وسكون الطاء: الزحمة، أي: قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم
بعضا.
268

حماد بن زيد، عن هشام، عن ابن سيرين: أن عمر بعث إلى سودة
بغرارة دراهم. فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم. قالت: في الغرارة مثل
التمر; يا جارية: بلغيني القنع، ففرقتها (1).
يروى لسودة خمسة أحاديث: منها في الصحيحين: حديث واحد عن
البخاري.
الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن
عمرة، عن عائشة، قالت: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعث زيدا، وبعث
معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين، وخمس مئة درهم. فخرجنا جميعا.
وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة، وبأم كلثوم، وبسودة بنت زمعة، وبأم أيمن،
وأسامة ابنه (2).
41 - صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم *
بنت عبد المطلب، الهاشمية. وهي شقيقة حمزة. وأم حواري النبي
صلى الله عليه وسلم: الزبير. وأمها من بني زهرة.

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 56 ورجاله ثقات، وقد تحرف في المطبوع من الطبقات محمد بن
سيرين إلى محمد بن عمر.
والقنع: الطبق.
(2) ابن سعد 1 / 237، 238.
* طبقات ابن سعد: 8 / 41، طبقات خليفة: 331، تاريخ خليفة: 147، المعارف:
128، 219، 220، المستدرك: 4 / 50 - 51، الاستيعاب: 4 / 1873، أسد الغابة: 7 /
173، مجمع الزوائد: 9 / 255، تاريخ الاسلام: 2 / 38، كنز العمال: 13 / 631،
الإصابة: 13 / 18.
269

تزوجها الحارث، أخو أبي سفيان بن حرب; فتوفي عنها.
وتزوجها العوام. أخو سيدة النساء خديجة بنت خويلد، فولدت له:
الزبير، [والسائب] (1) وعبد الكعبة (2).
والصحيح: أنه ما أسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم سواها.
ولقد وجدت على مصرع أخيها حمزة، وصبرت، واحتسبت.
وهي من المهاجرات الأول، وما أعلم هل أسلمت مع حمزة أخيها أو
مع الزبير ولدها؟
وقد كانت يوم الخندق في حصن حسان بن ثابت. قالت: وكان حسان
معنا في الذرية (3). فمر بالحصن يهودي، فجعل يطيف بالحصن
والمسلمون في نحور عدوهم.
ثم ساقت الحديث، وأنها نزلت، وقتلت اليهودي بعمود (4).
فروى هشام، عن أبيه، عنها، قالت: أنا أول امرأة قتلت رجلا: كان
حسان معنا، فمر بنا يهودي، فجعل يطيف بالحصن; فقلت لحسان: إن
هذا لا آمنه أن يدل على عورتنا; فقم فاقتله.
قال: يغفر الله لك! لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. فاحتجزت،

(1) السائب: صحابي شهد بدرا والخندق وغيرهما، واستشهد باليمامة، ولا عقب له كما في
" الإصابة " 4 / 115.
(2) انظر " الاستيعاب " 13 / 66، وابن سعد 8 / 41.
(3) في " الطبقات " 8 / 41: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لقتال عدوه رفع النساء والصبيان
في أطم حسان لأنه كان من أحصن آطام المدينة.
(4) انظر " سيرة ابن هشام " 2 / 228.
270

وأخذت عمودا، ونزلت، فضربته، [حتى] قتلته (1).
توفيت صفية في سنة عشرين، ودفنت بالبقيع. ولها بضع وسبعون
سنة.
وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما نزلت:
* (وأنذر عشيرتك الأقربين) * [الشعراء: 214] قام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا
فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا
أملك لكم من الله شيئا; سلوني من مالي ما شئتم " (2).
ذكر أولاد صفية رضي الله عنها
ولدت صفية: الزبير، والسائب، وعبد الكعبة، بني العوام.
وهي القائلة تندب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عين جودي بدمعة وسهود * واندبي خير هالك مفقود
واندبي المصطفى بحزن شديد * خالط القلب فهو كالمعمود
كدت أقضي الحياة لما أتاه * قدر خط في كتاب مجيد
فلقد كان بالعباد رؤوفا * ولهم رحمة، وخير رشيد
رضي الله عنه حيا، وميتا * وجزاه الجنان يوم الخلود
فهذا مما أورد لصفية. فالله أعلم بصحته.

(1) أخرجه الحاكم 4 / 51 من طريق يونس بن بكير عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن صفيه
بنت عبد المطلب، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عروة لم يدرك صفية. وأورده
الهيثمي في " المجمع " 6 / 134، وقال: رواه الطبراني ورجاله إلى عروة، رجال الصحيح،
ولكنه مرسل. واحتجزت: شدت وسطها.
(2) أخرجه مسلم (205) في الايمان: باب قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) *
وأحمد 6 / 187، والنسائي 6 / 250، والترمذي (2310) و (3184).
271

أختها: 42 - أروى عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم *
تزوجها عمير بن وهب، فولدت له: طليبا. ثم خلف عليها أرطاة،
فولدت له: فاطمة. ثم أسلمت أروى، وهاجرت. وأسلم ولدها طليب في
دار الأرقم.
روى هذا ابن سعد (1). ولم يسمع لها بذكر بعد، ولا وجدنا لها رواية.
وأختها:
43 - عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم * *
بنت عبد المطلب. أسلمت، وهاجرت.
وهي صاحبة تلك الرؤيا في مهلك أهل بدر. وتلك الرؤيا ثبطت أخاها
أبا لهب عن شهود بدر (2).
ولم نسمع لها بذكر في غير الرؤيا.

* ابن هشام: 1 / 173، طبقات ابن سعد: 8 / 42 - 43، المعارف: 119، 129،
المستدرك: 4 / 52، الاستيعاب: 4 / 1778، أسد الغابة: 7 / 7، الإصابة: 12 / 109 ت
33.
(1) 8 / 42.
* * طبقات ابن سعد: 8 / 43 - 45، طبقات خليفة: 331، المعارف: 118، 119،
128، الاستيعاب: 4 / 1880، أسد الغابة: 7 / 185، مجمع الزوائد: 9 / 255، الإصابة:
13 / 35.
(2) ابن سعد 8 / 43، 44، و " مجمع الزوائد " 6 / 69، 70، وسيرة ابن هشام 1 / 607،
608.
272

44 - البيضاء عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم *
أم حكيم، بنت عبد المطلب، ما أظنها أدركت نبوة المصطفى.
تزوجها كريز بن ربيعة العبشمي، فولدت له: عامرا، والد الأمير عبد
الله; وأروى والدة الشهيد عثمان.
ثم خلف عليها: عقبة بن أبي معيط، فولدت له: الوليد، وخالدا، وأم
كلثوم (1). وللثلاثة صحبة.
45 - برة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم * * *
بنت عبد المطلب. والدة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي البدري.
ثم خلف عليها أبورهم بن عبد العزي العامري، فولدت له: باب سبرة،
أحد البدريين (2).
لم تدرك المبعث، وإنما ذكرتها استطرادا.
46 - أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم * * *
بنت عبد المطلب، والدة عبد الله، وأم المؤمنين زينب، وعبيد الله،

* طبقات ابن سعد: 8 / 45، تاريخ خليفة: 156، المعارف: 118، 119، 128،
191، 320، الاستيعاب: 12، 192.
(1) ابن سعد 8 / 45.
* * طبقات ابن سعد: 8 / 45، طبقات خليفة: 109، المعارف: 119، 128،
الاستيعاب 12 / 193.
(2) ابن سعد 8 / 45.
* * * طبقات ابن سعد: 8 / 45 - 46، المعارف: 118، 119، 128، 136، 231،
الإصابة: 12 / 138.
سير 2 / 18
273

وأبي أحمد عبد، وحمنة، أولاد جحش بن رياب الأسدي، حليف
قريش.
أسلمت، وهاجرت.
قال ابن سعد: أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وسقا من تمر خيبر (1).
وقيل: إنها أميمة بنت ربيعة، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحارث بن عبد
المطلب، الهاشمية - أعني التي أسلمت، وأطعمت من تمر خيبر.
والظاهر أن أميمة الكبرى، العمة، ما هاجرت، ولا أدركت الاسلام.
فالله أعلم.
لم يهتم (2) بذكر إسلامها إلا الواقدي، وروى في ذلك قصة. فالله
أعلم.
47 - ضباعة * (د، س، ق)
بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف،
الهاشمية.
من المهاجرات.
وكانت تحت المقداد بن الأسود، فولدت له: [عبد الله، و] كريمة.

(1) طبقات ابن سعد 8 / 46.
(2) تحرف في المطبوع إلى " يتم ".
* مسند أحمد: 6 / 419 و 360، طبقات ابن سعد: 8 / 46، طبقات خليفة: 331،
المعارف: 120، 262، المستدرك: 4 / 65، الاستيعاب: 4 / 1874، أسد الغابة: 7 /
178، تهذيب الكمال: 1687، تاريخ الاسلام: 2 / 229، تهذيب التهذيب: 12 / 432،
الإصابة: 13 / 26، خلاصة تذهيب الكمال: 493.
274

لها أحاديث يسيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عنها: ابنتها كريمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير،
و عبد الرحمن الأعرج، وأنس بن مالك.
وحدث عنها من القدماء: ابن عباس، وجابر.
وقتل ولدها عبد الله بن المقداد يوم الجمل مع أم المؤمنين عائشة (1).
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم
على ضباعة بنت الزبير، فقالت: إني أريد الحج، وأنا شاكية. فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " (2).
بقيت ضباعة إلى بعد عام أربعين، فيما أرى، رضي الله عنها.
48 - درة *
بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي لهب بن عبد المطلب الهاشمية.
من المهاجرات.

(1) " المستدرك " 4 / 65، وابن سعد 8 / 46.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 9 / 114 في النكاح: باب الأكفاء في الدين، ومسلم
(1207) في الحج: باب جواز اشتراط المحرم بعذر المرض ونحوه، وأحمد 6 / 164،
والنسائي 5 / 168. وفي الباب عن ابن عباس عند مسلم (1208) وأبي داود (1776) وأحمد
1 / 337، والترمذي (941) والنسائي 5 / 168، والدارمي 2 / 35، وابن ماجة (2938).
* مسند أحمد: 6 / 431، طبقات ابن سعد: 8 / 50، طبقات خليفة: 330،
الاستيعاب: 4 / 1835، أسد الغابة:: 7 / 103، مجمع الزوائد: 9 / 257، الإصابة:
12 / 245.
275

لها حديث واحد، في " المسند " من رواية ابن ابن عمها الحارث بن
نوفل (1).
وقيل: تزوج بها دحية الكلبي (2).
49 - أم كلثوم * (خ، م، د، ت، س)
بنت عقبة بن أبي معيط: أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد
مناف بن قصي، الأموي.
من المهاجرات.
أسلمت بمكة، وبايعت. ولم يتهيأ لها هجرة إلى سنة سبع. وكان
خروجها زمن صلح الحديبية، فخرج في إثرها أخواها: الوليد وعمارة.
فما زالا حتى قدما المدينة، فقالا: يا محمد، ف لنا بشرطنا. فقالت:
أتردني يا رسول الله إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي، وحال النساء في
الضعف ما قد علمت؟ فأنزل الله تعالى: * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات

(1) أخرجه أحمد 6 / 432 من طريق شريك، عن سماك، عن عبد الله بن عميرة، عن زوج
درة بنت أبي لهب (الحارث بن نوفل)، عن درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو
على المنبر، فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " خير الناس أقرؤهم وأتقاهم
وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم " وشريك سيئ الحفظ، وعبد الله بن
عميرة مجهول.
(2) ابن سعد 8 / 50.
* طبقات ابن سعد: 8 / 230 - 232، طبقات خليفة: 332، تاريخ خليفة: 86،
المعارف لابن قتيبة: 237، المستدرك: 4 / 66، الاستيعاب: 4 / 1953، أسد الغابة: 7 /
386، تهذيب الكمال: 1704، تاريخ الاسلام: 2 / 254، تهذيب التهذيب: 12 / 477 -
478، الإصابة: 13 / 278، خلاصة تذهيب الكمال: 499، كنز العمال: 13 / 626.
276

فامتحنوهن) * الآيتين [الممتحنة: 10، 11]،
فكان يقول: " آلله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والاسلام! ما
خرجتن لزوج ولا مال؟ ". فإذا قلن ذلك، لم يرجعهن إلى الكفار (1).
ولم يكن لام كلثوم بمكة زوج فتزوجها زيد بن حارثة، ثم طلقها،
فتزوجها عبد الرحمن بن عوف; فولدت له: إبراهيم، وحميدا. فلما توفي
عنها، تزوجها عمرو بن العاص; فتوفيت عنده (2).
روت عشرة أحاديث في مسند بقي بن مخلد.
لها في " الصحيحين " حديث واحد (3).
روى عنها ابناها: حميد، وإبراهيم، وبسرة بنت صفوان.
توفيت في خلافة علي رضي الله عنه.
روى لها الجماعة، سوى ابن ماجة. وساق أخبارها ابن سعد وغيره.

(1) طبقات ابن سعد 8 / 230، وأخرج البخاري في " صحيحه " 5 / 228، 229 في أول
الشروط من حديث الزهري عن عروة، سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وفيه: وجاءت المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عاتق، فجاء أهلها يسألونه النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم، فلم
يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) *
إلى قوله * (ولاهم يحلون لهن) * قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه
الآية * (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) * إلى * (غفور رحيم) *.
قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط منهن، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد بايعتك " كلاما
يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، وما بايعهن إلا بقوله.
وانظر " ابن كثير " 4 / 350.
(2) " المستدرك " 4 / 66، 67.
(3) هو في البخاري 5 / 220، ومسلم (2650) في البر والصلة.
277

50 أم عمارة * (4)
نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول.
الفاضلة المجاهدة الأنصارية الخزرجية النجارية المازنية المدنية.
كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين. وكان أخوها عبد
الرحمن، من البكائين.
شهدت أم عمارة ليلة العقبة، وشهدت أحدا، والحديبية، ويوم حنين،
ويوم اليمامة. وجاهدت، وفعلت الأفاعيل.
روي لها أحاديث. وقطعت يدها في الجهاد.
وقال الواقدي: شهدت أحدا، مع زوجها غزية بن عمرو، ومع
ولديها (1).
خرجت تسقي، ومعها شن، وقاتلت، وأبلت بلاء حسنا. وجرحت
اثني عشر جرحا (2).
وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته، وكانت قد شهدت
أحدا، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لمقام نسيبة بنت كعب اليوم

* مسند أحمد: 6 / 439، طبقات ابن سعد: 8 / 410412، طبقات خليفة: 339،
الاستبصار: 82، الاستيعاب: 4 / 1948، أسد الغابة: 7 / 280، تهذيب الكمال: 1703،
تهذيب التهذيب: 12 / 474، الإصابة: 13 / 151، خلاصة تذهيب الكمال: 499، كنز
العمال: 13 / 625.
(1) أي: ولديها من زوجها الأول زيد بن عاصم بن عمرو، وهما: عبد الله وحبيب. أما
ولداها من غزية، فهما تميم وخولة، كما في " الطبقات " 8 / 412.
(2) ابن سعد 8 / 412. والشن: القربة الخلق.
278

خير من مقام فلان وفلان ".
وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على
وسطها، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا; و [كانت تقول]: إني لأنظر إلى
ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها. وكان أعظم جراحها، فداوته سنة. ثم
نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى حمراء الأسد (1). فشدت عليها ثيابها، فما
استطاعت من نزف الدم. رضي الله عنها ورحمها (2).
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا عبد الجبار بن عمارة، عن
عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة; وأنا وابناي وزوجي بين يديه
نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلا
موليا ومعه ترس، فقال: ألق ترسك إلى من يقاتل. فألقاه، فأخذته.
فجعلت أترس به عن رسول الله. وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل;
لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، إن شاء الله.
فيقبل رجل على فرس، فيضربني، وترست له، فلم يصنع شيئا،
وولي; فأضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح:
يا ابن أم عمارة، أمك! أمك! قالت: فعاونني عليه، حتى أوردته
شعوب (3).

(1) موضع على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت الحليفة. وانظر " زاد
المعاد " 3 / 242، 243 بتحقيقنا.
(2) ابن سعد 8 / 413.
(3) شعوب: من أسماء المنية، والخبر في " الطبقات " 8 / 413، 414.
279

قال: أخبرنا محمد بن عمر: حدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن
يحيى، عن أمه، عن عبد الله بن زيد، قال: جرحت يومئذ جرحا، وجعل
الدم لا يرقأ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعصب جرحك ".
فتقبل أمي إلي، ومعها عصائب في حقوها; فربطت جرحي، والنبي
صلى الله عليه وسلم واقف، فقال: انهض بني، فضارب القوم! وجعل يقول: " من يطيق
ما تطيقين يا أم عمارة "!
فأقبل الذي ضرب ابني، فقال رسول الله: هذا ضارب ابنك. قالت:
فأعترض له، فأضرب ساقه، فبرك.
فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى رأيت نواجذه، وقال: " استقدت يا
أم عمارة "!
ثم أقبلنا نعله بالسلاح، حتى أتينا على نفسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" الحمد لله الذي ظفرك " (1).
أخبرنا محمد بن عمر: حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الرحمن بن عبد
الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله: سمعت عبد الله بن زيد بن
عاصم يقول: شهدت أحدا، فلما تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دنوت منه أنا
وأمي، نذب عنه. فقال: " ابن أم عمارة؟ " قلت: نعم. قال: " ارم "
فرميت بين يديه رجلا بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس.
فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه; وجعلت أعلوه بالحجارة، والنبي صلى الله عليه وسلم
يبتسم.

(1) ابن سعد 8 / 414. والحقو: معقد الازار، واستقدت: اقتصصت من القود وهو
القصاص، ونعله: نتابع ضربه بالسلاح، من العلل: وهو الشرب بعد الشرب تباعا.
280

ونظر إلى جرح أمي على عاتقها، فقال: " أمك أمك! أعصب
جرحها! اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ".
قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا (1).
وعن موسى بن ضمرة بن سعيد، عن أبيه، قال: أتي عمر بن الخطاب
بمروط فيها مرط جيد; فبعث به إلى أم عمارة (2).
شعبة، عن حبيب بن زيد الأنصاري، عن امرأة، عن أم عمارة،
قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقربنا إليه طعاما، وكان بعض من عنده
صائما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أكل عند الصائم الطعام، صلت عليه
الملائكة " (3).
وعن محمد بن يحيى بن حبان، قال: جرحت أم عمارة [بأحد اثني
عشر جرحا]، وقطعت يدها يوم اليمامة; [وجرحت يوم اليمامة سوى يدها
أحد عشر جرحا]. فقدمت المدينة وبها الجراحة، فلقد رئي أبو بكر رضي
الله عنه، وهو خليفة، يأتيها يسأل عنها (4).
وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطعه مسلمة.

(1) ابن سعد 8 / 414، 415.
(2) ابن سعد 8 / 415 من طريق الواقدي، والمرط: كساء من خز أو صوف أو كتان.
(3) رجاله ثقات عدا المرأة التي روت عن مولاتها أم عمارة واسمها ليلى لم يوثقها غير ابن
حبان على عادته في توثيق المجاهيل.
والحديث أخرجه ابن سعد 8 / 415، 416، وأحمد 6 / 439، والترمذي (785)، وابن
ماجة (1748) والدارمي 2 / 17، وابن حبان (953).
(4) ابن سعد 8 / 416.
281

وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني، الذي حكى وضوء رسول الله
صلى الله عليه وسلم (1)، قتل يوم الحرة (2); وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه.
انفرد أبو أحمد الحاكم، وابن مندة بأنه شهد بدرا.
قال ابن عبد البر: بل شهد أحدا.
قلت: نعم الصحيح أنه لم يشهد بدرا. والله أعلم.
51 أسماء بنت عميس * (ع)
ابن معبد (3)، بن الحارث الخثعمية. أم عبد الله.

(1) أخرجه البخاري 1 / 226 في الوضوء: باب الوضوء مرة مرة، وباب مسح الرأس كله،
ومسلم (235) و (236) في الطهارة: باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ومالك 1 / 18، وأبو داود (118)
و (119) و (120) والترمذي (35) و (47) والنسائي 1 / 71 و 72.
(2) الحرة: كل أرض ذات حجارة سود، وأكثر الحرار حول مدينة الرسول. والحرة المرادة
هنا حرة وأقم، وهي الشرقية من حرتي المدينة كانت فيها الوقعة فنسبت إليها. وسببها: أن أكابر
أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد بن معاوية وخرجوا عليه لسوء سيرته، فجهز لحربهم جيشا عليه مسلم
ابن عقبة المري، فالتقوا بظاهر المدينة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 63 ه‍. وانهزم أهل
المدينة، وقتل جهرا ظلما في الحرب وصبرا أفاضل المسلمين وبقية الصحابة، وخيار المسلمين
من جلة التابعين.
انظر " عبر المؤلف " 1 / 67، 68. وهذه الوقعة من أكبر مصائب الاسلام وخرومه.
* مسند أحمد: 6 / 452، طبقات ابن سعد: 8 / 280، 285، المعارف: 171، 173،
210، 282، 555، الاستيعاب: 4 / 1784، أسد الغابة: 7 / 14، تهذيب الكمال: 1677،
تذهيب التهذيب: 4 / 2 / 256، تاريخ الاسلام: 2 / 273، مجمع الزوائد: 9 / 260، تهذيب
التهذيب: 12 / 398 399، الإصابة: 12 / 116، خلاصة تذهيب الكمال: 488، شذرات
الذهب: 1 / 15 و 48.
(3) في الأصل و " أسد الغابة " معبد بالباء، وضبطه الحافظ في " الإصابة " 12 / 116 بدون
الباء فقال: " معد " بوزن سعد أوله ميم، وهو المثبت في " طبقات ابن سعد " 8 / 280، و
" جمهرة أنساب العرب ": 390، و " الاستيعاب " 4 / 1784.
282

من المهاجرات الأول.
قيل: أسلمت قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم (1). وهاجر بها
زوجها جعفر الطيار إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد الله، ومحمدا،
وعونا.
فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، واستشهد يوم مؤتة، تزوج بها
أبو بكر الصديق; فولدت له: محمدا، وقت الاحرام، فحجت حجة
الوداع، ثم توفي الصديق، فغسلته (2).
وتزوج بها علي بن أبي طالب.
سفيان بن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: قدمت أسماء من
الحبشة، فقال لها عمر: يا حبشية، سبقناكم بالهجرة.
فقالت: لعمري، لقد صدقت: كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم
جائعكم، ويعلم جاهلكم; وكنا البعداء الطرداء. أما والله لأذكرن ذلك
لرسول الله. فأتته. فقال: " للناس هجرة واحدة، ولكم هجرتان " (3).

(1) هو الأرقم بن أبي الأرقم، وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون
فيها في الاسلام، وفيها دعا الناس إلى الاسلام، فأسلم فيها قوم كثير، انظر " المستدرك "
3 / 502، 503.
(2) ابن سعد 8 / 282، وخبر أنها غسلت زوجها أبا بكر أخرجه مالك 1 / 223، وعنه عبد
الرزاق (6123) من طريق عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين
توفي... وأخرج عبد الرزاق (6117) من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أن
امرأة أبي بكر غسلته حين توفي أوصى بذلك.
(3) هو في " طبقات ابن سعد " 8 / 281، وأخرجه بأطول مما هنا البخاري 7 / 371، 372 في
المغازي: باب غزوة خيبر، ومسلم (2503) في فضائل الصحابة: باب من فضائل جعفر بن
أبي طالب وأسماء بنت عميس من طريق محمد بن العلاء، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله،
عن أبي بردة، عن أبي موسى..
283

عبد الله بن نمير، عن الأجلح، عن عامر، قال: قالت أسماء بنت
عميس: يا رسول الله، إن هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين. قال:
" كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي،
وهاجرتم إلي " (1).
قال الشعبي: أول من أشار ينعش المرأة يعني المكبة أسماء،
رأت النصارى يصنعونه بالحبشة (2).
الحكم بن عتيبة (3)، عن عبد الله بن شداد، عن أسماء بنت عميس،
قالت:
لما أصيب جعفر، قال: " تسلبي (4) ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت " (5).

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 281.
(2) ابن سعد 8 / 281.
(3) تصحف في المطبوع إلى عيينة.
(4) قال في " النهاية ": أي البسي ثوب الحداد وهو السلاب، والجمع: سلب، وتسلبت
المرأة: إذا لبسته، وقيل: هو ثوب أسود تغطي به المحد رأسها. وقد تحرف في " المطبوع "
إلى " تسلي " وفي " الطبقات " و " صحيح ابن حبان " بلفظ " تسلمي " قال الحافظ في " الفتح "
9 / 429: وأغرب ابن حبان فساق الحديث بلفظ " تسلمي " بالميم بدل الموحدة، وفسره بأنه
أمرها بالتسليم لأمر الله، ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث، بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء
الامر أشد، فلذلك قيدها بالثلاث. هذا معنى كلامه، فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها، وقد
وقع في رواية البيهقي وغيره: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتسلب ثلاثا. فتبين خطؤه.
(5) إسناده قوي كما قال الحافظ في " الفتح " 9 / 429، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 282
وأخرجه أحمد في " المسند " 6 / 396 بلفظ " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر
فقال: " لا تحدي بعد يومك هذا " وأخرجه أيضا 6 / 438 ولفظه " البسي ثوب الحداد ثلاثا، ثم
اصنعي ما شئت " ونقل الحافظ في " الفتح " عن شيخه الحافظ العراقي في شرح الترمذي قوله:
ظاهر هذا الحديث أنه لا يجب الاحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث، لان أسماء بنت عميس
كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وهي والدة أولاده عبد الله ومحمد وعون وغيرهم، قال: بل
ظاهر النهي أن الاحداد لا يجوز، وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة،
وقد أجمعوا على خلافه.
284

قال ابن المسيب: نفست (1) أسماء بنت عميس بمحمد بذي الحليفة،
وهم يريدون حجة الوداع; فأمرها أبو بكر أن تغتسل، ثم تهل بالحج (2).
الثوري، عن عبد الكريم، عن سعيد بن المسيب، قال: نفست
بذي الحليفة، فهم أبو بكر بردها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " مرها،
فلتغتسل، ثم تهل بالحج " (3).
وروى القاسم بن محمد، عن أسماء نحوا منه.
ابن سعد: أخبرنا يزيد: أخبرنا ابن أبي خالد، عن قيس، قال:
دخلت مع أبي بكر رضي الله عنه وكان أبيض، خفيف اللحم، فرأيت
يدي أسماء موشومة.
زاد خالد الطحان، عن إسماعيل، عن قيس: تذب عن أبي بكر (4).

(1) قال الخطابي: أصل هذه الكلمة من النفس وهو الدم إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من
الحيض والنفاس، فقالوا في الحيض: نفست بفتح النون، وفي الولادة بضمها. قال الحافظ:
وهذا قول كثير من أهل اللغة، لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعي قال: يقال ونفست المرأة في
الحيض والولادة بضم النون فيهما.
(2) إسناده صحيح، أخرجه أبن سعد 8 / 282.
ومحمد: هو ابن أبي بكر، وذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وهي
ميقات أهل المدينة.
(3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 8 / 282، ورواية القاسم بن محمد عن أسماء أخرجها
ابن سعد 8 / 283 وأحمد 6 / 369، ومسلم في " صحيحه " (1218) في حديث جابر بن عبد الله
الطويل الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه " حتى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت
عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: " اغتسلي واستثفري
بثوب، وأحرمي ".
(4) " الطبقات " 8 / 283.
285

قال سعد بن إبراهيم قاضي المدينة: أوصي أبو بكر أن تغسله أسماء.
قال قتادة: فغسلته بنت عميس، امرأته (1)
وقيل: عزم عليها لما أفطرت، وقال: هو أقوى لك. فذكرت يمينه في
آخر النهار، فدعت بماء، فشربت، وقالت: والله لا أتبعه اليوم حنثا (2).
مالك، عن عبد الله بن أبي بكر: أن أسماء غسلت أبا بكر; فسألت
من حضر من المهاجرين، وقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد،
فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا (3).
روى أبو إسحاق، عن مصعب بن سعد: أن عمر فرض الأعطية;
ففرض لأسماء بنت عميس ألف درهم (4).
قال الواقدي: ثم تزوجت عليا; فولدت له: يحيى، وعونا (5).
زكريا بن أبي زائدة: سمعت عامرا يقول: تزوج علي أسماء بنت
عميس، فتفاخر ابناها: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر، فقال كل
منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك.
قال: فقال لها علي: اقضي بينهما. قالت: ما رأيت شابا من العرب
خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر.

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 283، وانظر التعليق (2) من الصفحة 283.
(2) ابن سعد 8 / 284.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 222، 223، بشرح السيوطي، وابن سعد 8 / 284،
وعبد الرزاق (6123).
(4) ابن سعد 8 / 284.
(5) ابن سعد 8 / 285.
286

فقال علي: ما تركت لنا شيئا; ولو قلت غير الذي قلت لمقتك.
قالت: إن ثلاثة أنت أخسهم خيار (1).
ابن عيينة، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال علي رضي الله عنه:
كذبتكم من النساء الحارقة (2) فما ثبتت منهن امرأة إلا أسماء بنت عميس.
قلت: لأسماء حديث في سنن الأربعة.
حدث عنها: ابنها عبد الله بن جعفر. وابن أختها عبد الله بن شداد.
وسعيد بن المسيب. وعروة، والشعبي، والقاسم بن محمد. وآخرون.
عاشت بعد علي.
52 أسماء بنت أبي بكر * (ع)
عبد الله بن أبي قحافة عثمان.
أم عبد الله القرشية التيمية، المكية، ثم المدنية.

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 285 ورجاله ثقات.
(2) كذب هاهنا إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير القياس،
والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، وقيل: الضيفة الفرج، وقيل: النكاح على الجنب من
حارقة الورك: وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع، انظر " الفائق "
و " النهاية " و " اللسان ": حرق. والخبر أخرجه ابن سعد 8 / 285، وإسناده صحيح.
* مسند أحمد: 6 / 344، طبقات ابن سعد: 8 / 249 255، طبقات خليفة: 333، تاريخ
خليفة: 269، المعارف: 172، 173، 200، 221، تاريخ الفسوي: 1 / 224،
المستدرك: 4 / 64 65، الاستيعاب: 4 / 1781، ابن عساكر: 19 / 190 / 1، جامع
الأصول: 9 / 145، أسد الغابة 7 / 9، تهذيب الكمال: 1676، تذهيب التهذيب:
4 / 2 / 256، تاريخ الاسلام: 3 / 133، العبر: 1 / 82، مجمع الزوائد: 9 / 260، تهذيب
التهذيب: 12 / 398، الإصابة: 12 / 114، خلاصة تذهيب الكمال، 488، كنز العمال:
13 / 627، شذرات الذهب: 1 / 44 و 80.
287

والدة الخليفة عبد الله بن الزبير، وأخت أم المؤمنين عائشة، وآخر
المهاجرات وفاة.
روت عدة أحاديث. وعمرت دهرا. وتعرف بذات النطاقين.
وأمها: هي قتيلة بنت عبد العزى العامرية.
حدث عنها ابناها: عبد الله، وعروة، وحفيدها عبد الله بن عروة،
وحفيده عباد بن عبد الله، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وصفية بنت
شيبة، ومحمد بن المنكدر، ووهب بن كيسان، وأبو نوفل معاوية بن أبي
عقرب، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير،
ومولاها عبد الله بن كيسان، وابن أبي مليكة، ونافلتها (1) عباد بن حمزة بن
عبد الله بن الزبير; وعدة.
وكانت أسن من عائشة ببضع عشرة سنة.
هاجرت حاملا بعبد الله. وقيل: لم يسقط لها سن.
وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير.
وهي، وأبوها، وجدها وابنها ابن الزبر، أربعتهم، صحابيون.
أخبرنا أحمد بن هبة الله: أنبأنا المؤيد الطوسي: أخبرنا أبو عبد الله
الفراوي: أخبرنا عبد الغافر الفارسي، أخبرنا ابن عمروية، أخبرنا إبراهيم
ابن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا نافع بن عمر، عن
ابن أبي مليكة، قال: قالت أسماء بنت أبي بكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني

(1) النافلة: ولد الولد، وعباد: هو ابن ابن ابنها.
288

على الحوض أنظر من يرد علي منكم " (1).
شعبة، عن مسلم القري (2)، قال: دخلنا على أم ابن الزبير; فإذا هي
امرأة ضخمة عمياء نسألها عن متعة الحج. فقالت: قد رخص رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيها (3).
قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر.
هشام بن عروة، عن أبيه، وفاطمة بنت المنذر، عن أسماء، قالت:
صنعت سفرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي حين أراد أن يهاجر; فلم أجد لسفرته ولا
لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبي: ما أجد إلا نطاقي، قال: شقيه باثنين،
فاربطي بهما; قال: فلذلك سميت: ذات النطاقين (4).
ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد (5)، عن أبيه، عن أسماء، قالت:

(1) أخرجه مسلم (2293) في الفضائل: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، وأخرجه
البخاري 11 / 415 في الرقائق: باب في الحوض و 13 / 3 في أول الفتن من طريق نافع بن عمر،
عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي
منكم، وسيؤخذ ناس من دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا
بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ".
(2) القري: بضم القاف وتشديد الراء: نسبة إلى قرة بطن من عبد القيس، وهو مسلم بن
مخراق العبدي القري البصري، وهو من رجال مسلم، وقد تحرف في الأصل إلى " العرني " وفي
المطبوع إلى " القرشي ".
(3) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 6 / 348 من طريق روح بن عبادة، عن شعبة..
(4) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 250، والبخاري: 7 / 193، 194 في
المناقب: باب الهجرة، وأحمد 6 / 346 من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن
عروة..
(5) في الأصل " معاذ " وهو تحريف.
سير 2 / 19
289

لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حمل أبو بكر معه جميع ماله خمسة آلاف، أو
ستة آلاف فأتاني جدي أبو قحافة وقد عمي، فقال: إن هذا قد فجعكم
بماله ونفسه. فقلت: كلا، قد ترك لنا خيرا كثيرا.
فعمدت إلى أحجار، فجعلتهن في كوة البيت، وغطيت عليها بثوب،
ثم أخذت بيده، ووضعتها على الثوب، فقلت: هذا تركه لنا. فقال: أما
إذ ترك لكم هذا، فنعم (1).
ابن إسحاق: حدثت عن أسماء، قالت: أتى أبو جهل في نفر،
فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك؟ قلت: لا أدري والله أين هو؟
فرفع أبو جهل يده، ولطم خدي لطمة خر منها قرطي. ثم انصرفوا.
فمضت ثلاث لا ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم; إذ أقبل رجل من الجن
يسمعون صوته بأعلى مكة، يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد (2)
قال ابن أبي مليكة: كانت أسماء تصدع، فتضع يدها على رأسها،
وتقول: بذنبي، وما يغفره الله أكثر (3).
وروى عروة عنها، قالت: تزوجني الزبير، وماله شئ غير فرسه;
فكنت أسوسه وأعلفه، وأدق لناضحه النوى (4)، وأستقي، وأعجن، وكنت

(1) إسناده صحيح، وأخرجه ابن هشام في " السيرة " 1 / 488 عن ابن إسحاق.
(2) ابن هشام 1 / 487. وقوله: قالا خيمتي أم معبد، أي نزلا فيها عند القائلة، وأم معبد:
هي عاتكة بنت خالد، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته على خيمتها هو وأبو بكر ومولى أبي بكر
عامر بن فهيرة.
(3) ابن سعد 8 / 251.
(4) الناضح: البعير يستقى عليها، والنوى: عجم التمر كانوا يدقونه ويعلفونه دوابهم.
290

أنقل النوى من أرض الزبير، التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رأسي وهي
على ثلثي فرسخ فجئت يوما، والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه نفر، فدعاني، فقال: إخ، إخ، لحملني خلفه; فاستحييت،
وذكرت الزبير، وغيرته.
قالت: فمضى.
فلما أتيت، أخبرت الزبير. فقال: والله، لحملك النوى كان أشد
علي من ركوبك معه! قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم، فكفتني
سياسة الفرس، فكأنما أعتقني (1).
وعن ابن الزبير، قال: نزلت هذه الآية في أسماء; وكانت أمها يقال
لها: قتيلة، جاءتها بهدايا; فلم تقبلها، حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت:
* (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) * [الممتحنة: 8] (2).
وفي " الصحيح ": قالت أسماء: يا رسول الله، إن أمي قدمت، وهي
راغبة، أفأصلها؟ قال: " نعم، صلي أمك " (3).
عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام، أن عروة، قال:

(1) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 250، وأخرجه أحمد 6 / 347، و 352
والبخاري 9 / 281، 282، ومسلم (2182).
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 252، وأحمد 4 / 4، وابن جرير 28 / 66 من طريق عبد الله بن
المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، ومصعب بن ثابت لين
الحديث، وباقي رجاله ثقات.
(3) أخرجه البخاري 6 / 201 في الجزية، و 10 / 347 في الأدب: باب صلة المرأة أمها، و
5 / 171 في الهبة: باب الهدية للمشركين، ومسلم (1003) (50) في الزكاة، وأبو داود
(1668) وأحمد 6 / 344 و 347 و 355.
291

ضرب الزبير أسماء، فصاحت بعبد الله ابنها، فأقبل. فلما رآه، قال:
أمك طالق إن دخلت. فقال: أتجعل أمي عرضة ليمينك! فاقتحم،
وخلصها. قال: فبانت منه (1).
حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة: أن الزبير طلق أسماء; فأخذ
عروة، وهو يومئذ صغير (2).
أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر، قال: كانت أسماء بنت أبي
بكر سخية النفس (3).
هشام بن عروة، عن القاسم بن محمد: سمعت ابن الزبير يقول: ما
رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء; وجودهما مختلف: أما عائشة،
فكانت تجمع الشئ إلى الشئ، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه،
وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئا لغد (4).
قال مصعب بن سعد: فرض عمر للمهاجرات: ألفا ألفا، منهن: أم
عبد، وأسماء (5).
هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر: أن أسماء كانت تمرض
المرضة، فتعتق كل مملوك لها (6).

(1) ذكره المؤلف في " تاريخ الاسلام " 3 / 134 عن إبراهيم بن المنذر بهذا الاسناد، وذكره
ابن الأثير في " أسد الغابة " 7 / 10 بدون سند، وبصيغة التمريض.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 253 ورجاله ثقات، لكنه منقطع.
(3) ابن سعد 8 / 252، وأسامة: هو ابن زيد الليثي مولاهم المدني.
(4) رجاله ثقات، وذكره المؤلف في " تاريخه " 3 / 135 عن علي بن مسهر بهذا الاسناد.
(5) أخرجه ابن سعد 8 / 253.
(6) أخرجه ابن سعد 8 / 251، 252.
292

قال الواقدي: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك
عن أسماء بنت أبي بكر، وأخذت عن أبيها.
معن بن عيسى: حدثنا شعيب بن طلحة، عن أبيه: قالت أسماء
لابنها: يا بني عش كريما، ومت كريما، لا يأخذك القوم أسيرا (1).
قال هشام بن عروة: كثر اللصوص بالمدينة; فاتخذت أسماء خنجرا
زمن سعيد بن العاص: كانت تجعله تحت رأسها (2).
قال عروة: دخلت أنا وأخي، قبل أن يقتل، على أمنا بعشر ليال،
وهي وجعة، فقال عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة. قال: إن في
الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتى; فلا تفعل، وضحكت،
وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت، حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن
تقتل فأحتسبك; وإما أن تظفر فتقر عيني. إياك أن تعرض على خطة فلا
توافق، فتقبلها كراهية الموت (3).
قال: وإنما عنى أخي أن يقتل، فيحزنها ذلك.
وكانت بنت مئة سنة.

(1) شعيب بن طلحة مختلف فيه، قال ابن معين: لا أعرفه، وقال أبو حاتم: لا بأس به،
ونقل الحافظ الضياء عن الدارقطني قوله فيه: متروك، وقال معن: لا يكاد يعرف. وذكره ابن
حبان في " الثقات ".
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 253، ولفظه: أن أسماء بنت أبي بكر اتخذت خنجرا زمن سعيد بن
العاص للصوص، وكانوا قد استعروا بالمدينة، فكانت تجعله تحت رأسها. وأخرجه الحاكم في
" المستدرك " 4 / 64، وزاد فيه: فقيل لها: ما تصنعين بهذا؟ قالت: إن دخل علي لص بعجت
بطنه، وكانت عمياء، وقد تحرفت في الأصل " زمن " إلى " روى ".
(3) ذكره المؤلف في " تاريخ الاسلام " 3 / 135.
293

ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه، قال: لما قتل الحجاج بن
الزبير، دخل على أسماء وقال لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين وصاني بك،
فهل لك من حجة؟ قالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس
الثنية، وما لي من حاجة; ولكن أحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" يخرج في ثقيف كذاب، ومبير "، فأما الكذاب، فقد رأيناه تعني
المختار وأما المبير، فأنت.
فقال لها: مبير المنافقين (1).
أحمد بن يونس: حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي، عن أبيه،
قال: دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث وهو مصلوب فجاءت أمه
عجوز طويلة عمياء، فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل؟ فقال:
المنافق؟ قالت: والله، ما كان منافقا، كان صواما قواما برا. قال:
انصرفي يا عجوز، فقد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت منذ سمعت
رسول الله يقول: " في ثقيف كذاب، ومبير.. " الحديث (2).
ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه، قالت: قيل لابن عمر:
إن أسماء في ناحية المسجد وذلك حين صلب ابن الزبير فمال إليها،
فقال: إن هذه الجثث ليست بشئ، وإنما الأرواح عند الله; فاتقي الله
واصبري.

(1) أبو المحياة: هو يحيى بن يعلى بن حرملة التيمي الكوفي، ثقة، أخرج حديثه مسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأمه لا تعرف. وانظر الخبر الآتي.
(2) رجاله ثقات غير والد يحيى، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 9 / 302،
فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 115، ونسبه لابن السكن بهذا
الاسناد، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 260 مختصرا، ونسبه للطبراني، وضعفه بيحيى بن
يعلى، فأخطأ لان يحيى أبا المحياة، ثقة من رجال مسلم.
294

فقالت: وما يمنعني، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا
بني إسرائيل (1).
أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: دخلت على أسماء بعد ما أصيب ابن
الزبير، فقالت: بلغني أن هذا صلب عبد الله; اللهم لا تمتني حتى أوتى
به، فأحنطه وأكفنه.
فأتيت به بعد، فجعلت تحنطه بيدها، وتكفنه، بعد ما ذهب
بصرها.
ومن وجه آخر عن ابن أبي مليكة: وصلت عليه; وما أتت عليه جمعة
إلا ماتت.
شريك، عن الركين بن الربيع، قال: دخلت على أسماء بنت أبي
بكر، وقد كبرت، وهي تصلي، وامرأة تقول لها: قومي، اقعدي، افعلي
، من الكبر (2).
قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها بليال. وكان قتله لسبع عشرة خلت من
جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين (3).

(1) رجاله ثقات، منصور: هو ابن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدي الحجبي ثقة
من رجال الشيخين، وأمه صفية بنت شعبة لها رؤية، وأخرج حديثها الستة، وذكره المؤلف في
" تاريخ الاسلام " 3 / 136 من طريق حميد بن زنجويه، عن ابن أبي عباد، عن سفيان بهذا
الاسناد. وقولها: " وقد أهدي رأس يحيى.. " تشير إلى ما كان من " هيروديان " ابن أخ
" هيرودس " حاكم فلسطين، حين أراد عمها أن يتزوجها وكان هذا الزواج محرما وكان يحيى
لا يرضاه، وكانت البنت وأمها ترضيانه، فطلبت البنت برأس يحيى في طبق. ففعل العم ذلك
لها. (قصص الأنبياء ص 369).
(2) ابن سعد 8 / 252.
(3) ابن سعد 8 / 255، و " المستدرك " 4 / 65.
295

قلت: كانت خامة المهاجرين والمهاجرات.
إسحاق الأزرق، عن عوف الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي: أن
الحجاج دخل على أسماء، فقال ك إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله
أذاقه من عذاب أليم. قالت: كذبت! كان برا بوالدته، صواما، قواما،
ولكن قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه سيخرج من ثقيف كذابان: الآخر
منهما شر من الأول، وهو مبير (1) ".
مسندها ثمانية وخمسون حديثا.
اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثا. وانفرد البخاري
بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.
53 أسماء بنت يزيد بن السكن * (4)
أم عامر، وأم سملة. الأنصارية الأشهلية. بنت عمة معاذ بن جبل.

(1) إسناده قوي كما قال المؤلف في " تاريخ الاسلام " 3 / 136، وأخرجه ابن سعد 8 / 254،
وأحمد 6 / 351 وأخرج مسلم في " صحيحه " (2545) في فضائل الصحابة: باب ذكر كذاب
ثقيف ومبيرها من طريق الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب.. أن الحجاج لما قتل
ابن الزبير وصلبه ثم أنزله عن جذعه، وألقاه في قبور اليهود، أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر،
فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لا بعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت،
وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فانطلق حتى دخل عليها، فقال:
كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني
أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا، والله ذات النطاقين! أما أحدهما فكنت أرفع به طعام
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر من الدواب. وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا " أن في ثقيف كذابا ومبيرا " فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا
إياه. قال فقام عنها ولم يراجعها.
* مسند أحمد: 6 / 452، طبقات خليفة: 340، الاستبصار: 218، 219، الاستيعاب:
4 / 1787، ابن عساكر: 19 / 197 / 1، أسد الغابة: 7 / 18، تهذيب الكمال: 1677، تذهيب
التهذيب: 4 / 2 / 257، تاريخ الاسلام: 2 / 385، مجمع الزوائد: 9 / 260، تهذيب
التهذيب: 12 / 399 400، الإصابة: 1 / 2124، خلاصة تذهيب الكمال: 488.
296

من المبايعات المجاهدات.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة أحاديث.
وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم.
سكنت دمشق، وقبر أم سلمة، الذي بمقبرة الباب الصغير، هو قبرها،
إن شاء الله.
حدث عنها: مولاها مهاجر، وشهر بن حوشب، ومجاهد، وإسحاق
ابن راشد، وابن أختها محمود بن عمرو; وآخرون.
قال عبد بن حميد: أسماء بنت يزيد، هي أم سلمة الأنصارية.
قلت: وقيل: إنها حضرت بيعة الرضوان، وبايعت يومئذ.
روى محمد بن مهاجر، وأخوه عمرو، عن أبيهما، عن أسماء بنت
يزيد، بنت عم معاذ بن جبل كذا قال، ولا يستقيم ذلك; لان أسماء من
بني عبد الأشهل، ومعاذا من بني سلمة قالت: قتلت يوم اليرموك تسعة (1)
قلت: عاشت إلى دولة يزيد بن معاوية.
54 بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة * (س)
لها حديث عند النسائي.

(1) وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 260، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
* طبقات ابن سعد: 8 / 256 261، المستدرك: 4 / 71 72، الاستيعاب: 4 / 1795،
أسد الغابة: 7 / 39، تهذيب الكمال: 1678، تهذيب التهذيب: 12 / 403، الإصابة:
12 / 157، خلاصة تذهيب الكمال: 489.
297

روى عنها: عبد الملك بن مروان; وغيره.
قد تكلم على حديثها ابن خزيمة وغيره بفوائد جمة.
روى عبد الواحد بن أيمن: حدثنا أبي، قال: دخلت على عائشة،
فقلت: يا أم المؤمنين، إني كنت لعتبة بن أبي لهب، وإن بنيه وامرأته
باعوني، واشترطوا الولاء، فمولى من أنا؟ فقالت: يا بني، دخلت علي
بريرة وهي مكاتبة، فقالت: اشتريني. قلت: نعم. فقالت: إنهم لا
يبيعونني حتى يشترطوا ولائي. فقلت: لا حاجة لي فيك.
فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بلغه، فقال: " ما بال بريرة "؟
فأخبرته. فقال: " اشتريها فأعتقيها، ودعيهم فيشترطون ما شاؤوا "
فاشتريتها فأعتقتها، فقال ك " الولاء لمن أعتق، ولو اشترطوا مئة مرة " (1).
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم في شأن بريرة حين أعتقها، واشترط أهلها الولاء، فقال: " ما بال أقوام
يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! من اشترط شرطا ليس في كتاب الله،
فهو باطل، وإن اشترط مئة مرة، فشرط الله أحق وأوثق " (2).
وروى نحوه القاسم بن محمد، والأسود بن يزيد، وعمرة، ومجاهد،
عن عائشة (3).

(1) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 256، 257، وأخرجه البخاري في
" صحيحه " 5 / 144 في العتق: باب إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني فاشتراه لذلك.
(2) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 257.
(3) حديث القاسم بن محمد عنها، أخرجه مسلم (1504) (10) و (11) و (12) و (14)
والدارمي 2 / 169، وابن سعد 8 / 258، وحديث الأسود عنها أخرجه البخاري 3 / 281 في الزكاة،
و 9 / 367 في الطلاق، و 11 / 520 في الكفارات، و 12 / 35 في الفرائض، والنسائي 5 / 170 في
الزكاة، والترمذي (1256) في البيوع، والدارمي 2 / 169، وحديث عمرة عنها أخرجه مالك
3 / 9، والبخاري 5 / 143 في العتق، وحديث مجاهد عنها أخرجه مالك في " الموطأ " 3 / 9 بشرح
السيوطي، والبخاري 5 / 138 و 12 / 41، ومسلم (1504) (5).
298

ويرويه نافع، عن ابن عمر (1).
عروة، عن عائشة، قالت: جاءتني بريرة تستعين في كتابتها، ولم تكن
قضت شيئا. فقلت: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك
ويكون ولاؤك لي، فعلت؟
فذكرت بريرة ذلك لهم. فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب،
فلتفعل. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: " ابتاعي فاعتقي; فإنما
الولاء لمن أعتق ". ثم قام فقال: " ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في
كتاب الله! من اشترط شرطا ليس في كتاب الله. فليس له، وإن شرط مئة
شرط، شرط الله أحق وأوثق " (2).
وفي لفظ في " الصحيح ". قالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، كل
عام أوقية، فأعينيني.
وفي لفظ: قام في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه. وفيه: " قضاء الله
أحق، وشرط الله أوثق; وإنما الولاء لمن أعتق ".
وفي لفظ: " ما بال أقوام يقول أحدهم: أعتق يا فلان، ولي الولاء ".
وفي رواية: دخلت وعليها خمس أواق في خمس سنين; فقالت لها

(1) أخرجه مالك في الموطأ 3 / 9، والبخاري 4 / 315، في البيوع، ومسلم (1504)
في العتق.
(2) أخرجه البخاري 4 / 310 في البيوع، و 5 / 135 و 137 في المكاتب، و 138، 239،
ومسلم (1504) (6) و (7) و (8) ومالك 3 / 9، والترمذي (2124) وأبو داود (3929) و
(3930)، والنسائي 7 / 305. وانظر روايات الحديث في " جامع الأصول " 8 / 94، 98.
299

عائشة ونفست فيها (1): أرأيت إن عددت لهم عدة واحدة، أيبيعك أهلك،
فأعتقك؟
وفي لفظ، أنه قال لعائشة: " لا يمنعك ذلك ". وفيه: قال: أما بعد.
وفي رواية: عتقت وهي عند مغيث بن جحش، فخيرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال: " إن قربك فلا خيار لك ".
وفي رواية: جعل عدتها عدة المطلقة الحرة.
وفي لفظ: جاءتني ورسول الله جالس، فقالت لي ما رد أهلها. فقلت:
لا ها الله (2)، ورفعت صوتي. فقال: " خذيها واشترطي ".
وفي لفظ: " إذا أعتقت، فأنت أولى بأمرك ما لم يطأك، وما أحب أن
تفعلي " قالت: لا حاجة لي به.
وفي حديث القاسم، عن عائشة: كان في بريرة ثلاث سنن: عتقت
فخيرت في زوجها; وقال النبي صلى الله عليه وسلم، والبرمة على النار تفور بلحم، فقرب
إليه من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة؟ قالوا: بلى، ذلك لحم تصدق به
على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة. قال: " هو عليها صدقة، ولنا
هدية ".
وفي رواية: وخيرت في زوجها وهو حر. ثم قال: لا أدري (3).
وفي لفظ: كانت تحت عبد. فقال: أنت أملك لنفسك، إن شئت
أقمت معه ".

(1) نفست في الشئ: إذا رغبت فيه، وآثرته، وحرصت على تحصيله.
(2) هذا من ألفاظ القسم كأنه قال: لا والله، فيجعلون الهاء مكان الواو.
(3) انظر صحيح مسلم (1504) (12) و " الطبقات " 8 / 258.
300

حديث الأسود، عن عائشة: أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق:
وفيه: فخيرها من زوجها. فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده.
فاختارت نفسها.
وفي لفظ الحكم: وكان حرا (1).
فقال البخاري: قول الأسود منقطع (2). وفي رواية: بلحم بقر. قلنا: تصدق به على بريرة.
حديث عمرة، عن عائشة: إن بريرة جاءت تسعين; فقالت لها: إن
أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة، فأعتقك؟ (3).
حديث نافع، عن ابن عمر: أن عائشة ساومت بريرة، فخرج النبي إلى
الصلاة; فلما جاء، قالت: إنهم لا يبيعونها إلا أن يشترطوا الولاء. قال:
" إنما الولاء لمن أعتق " (4).

(1) البخاري 12 / 34، وفيه أنه قال بعد قول الحكم: وقول الحكم مرسل، ثم روى حديث
عائشة في الباب الذي يليه وهو: باب ميراث السائبة، من طريق الأسود، وفي آخره: قال:
الأسود: وكان زوجها حرا. وقال البخاري عقبه: قول الأسود منقطع.
(2) البخاري 12 / 35، وتمامه: وقول ابن عباس: ورأيته عبدا أصح، قال الحافظ في
" الفتح " 12 / 34: أي لم يصله بذكر عائشة فيه. وقول ابن عباس أصح، قال الحافظ في
" الفتح " 12 / 34: أي لم يصله بذكر عائشة فيه. وقول ابن عباس أصح، لأنه ذكر أنه رآه، وقد
صح أنه حضر القصة وشاهدها، فيترجح قوله على قول من لم يشهدها، فإن الأسود لم يدخل
المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستفاد من تعبير البخاري قول الأسود منقطع، جواز إطلاق
المنقطع في موضع المرسل، خلافا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه
من أثناء السند واحد إلا في صورة سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يسمى عندهم
المرسل.
(3) أخرجه مالك 3 / 9، والبخاري 5 / 138.
(4) أخرجه مالك 3 / 9، والبخاري 5 / 138 و 12 / 41، ومسلم (1504) (5).
301

همام: حدثنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان
عبدا أسود، يسمى: مغيثا; فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيها أربع قضيات: أن مواليها
اشترطوا الولاء، فقضى أن الولاء لمن أعتق; وخيرت فاختارت نفسها،
فأمر النبي أن تعتد. فكنت أراه يتبعها في سكك المدينة، يعصر عينيه
عليها.
قال: وتصدق عليها بصدقة، فأهدت منها إلى عائشة، فذكر ذلك للنبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: " هو عليها صدقة ولنا هدية " (1).
روى نحوا منه: ربيعة الآي، عن القاسم، عن عائشة.
داود بن أبي هند، عن الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: قد أعتق
بضعك معك فاختاري " (2).
أيوب السختياني، عن ابن سيرين: أن رسول الله خير بريرة.
فكلمها فيه. فقالت: يا رسول الله، أشئ واجب؟ قال: " لا إنما أشفع
له " (3).

(1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 275، 258، و " المسند " 1 / 281 و 361،
سنن أبي داود (2232).
(2) ابن سعد 8 / 259، ورجاله ثقات، لكنه مرسل.
(3) ابن سعد 8 / 259، ورجاله ثقات، لكنه مرسل، وأخرج البخاري في " صحيحه "
9 / 359 في الطلاق: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة من طريق محمد بن سلام، عن عبد
الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال
له: مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس:
" يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو
راجعته " قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: " إنما أنا أشفع " قالت: فلا حاجة لي فيه.
302

شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: أتي رسول الله بلحم، فقيل:
تصدق به على بريرة، قال: " هو لها صدقة وهو لنا هدية " (1).
أيوب، عن عكرمة، قال: ذكر زوج بريرة عند ابن عباس، فقال:
ذاك مغيث، عبد بني فلان، قد رأيته يبكي خلفها يتبعها في الطريق (2).
وروى حماد بن زيد، عن أيوب، قال: لا أعلم أهل المدينة ومكة
يختلفون أنه عبد (3).
ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن
عائشة، قالت: كان زوج بريرة يوم خيرت حرا (4).
عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد: أن زوج بريرة
كان عبدا (5).
قلت: بريرة لما أعتقتها عائشة - وقت باعوها - كان ذلك وابن عباس
بالمدينة; وإنما قدمها بعد عام الفتح.
فأما الجارية التي في حديث الإفك، التي سئلت عما تعلم من عائشة،
فأخرى غير بريرة (6).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال للعباس: " يا عم، ألا تعجب من بغض

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 259، وإسناده صحيح.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 260 وإسناده صحيح.
(3) ابن سعد 8 / 260.
(4) أخرجه ابن سعد 8 / 260 وقد تقدم أنه من قول الأسود وليس من قول عائشة.
(5) أخرجه ابن سعد 8 / 261، وإسناده صحيح، وانظر " فتح الباري " 9 / 360، 361.
(6) انظر الصفحة 156 من هذا الجزء تعليق (2).
303

بريرة مغيثا وحبه لها! " (1).
55 - أم سليم الغميصاء * (خ، م، د، ت، س)
ويقال: الرميصاء. ويقال: سهلة. ويقال: أنيفة. ويقال: رميثة.
بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جند بن عامر بن غنم بن
عدي بن النجار; الأنصارية الخزرجية.
أم خادم النبي صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك.
فمات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل
الأنصاري، فولدت له: أبا عمير، و عبد الله.
شهدت: حنينا، واحدا. من أفاضل النساء.
قال محمد بن سيرين: كانت أم سليم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ومعها
خنجر (2).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم
حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر! فقالت: يا
رسول الله، إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه (3).

(1) أخرجه البخاري 9 / 359، وقد تقدم بتمامه في الصفحة 302 تعليق (3).
* مسند أحمد: 6 / 376 و 430، طبقات ابن سعد: 8 / 424، طبقات خليفة: 339،
المعارف: 271، 308، الجرح والتعديل: 9 / 464، الاستبصار: 36 - 37، الاستيعاب:
4 / 1847، جامع الأصول: 9 / 151، أسد الغابة 7 / 345، تهذيب الكمال: 1703، مجمع
الزوائد: 9 / 261، تهذيب التهذيب: 12 / 471، الإصابة: 12 / 265 و 13 / 226، خلاصة
تذهيب الكمال: 498.
(2) ابن سعد 8 / 425.
(3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 425.
304

همان بن يحيى، عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم: أنها
آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فجاء أبو أنس، وكان غائبا، فقال:
أصبوت؟ فقالت: ما صبوت، ولكني آمنت!
وجعلت تلقن أنسا: قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدا رسول
الله ففعل. فيقول لها أبوه: لا تفسدي علي ابني. فتقول: إني لا أفسده!
فخرج مالك، [فلقيه] عدوله، فقتله. فقالت: لا جرم، لا أفطم
أنسا حتى يدع الثدي; ولا أتزوج حتى يأمرني أنس.
فخطبها أبو طلحة، وهو يومئذ مشرك، فأبت (1).
خالد بن مخلد: حدثنا محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن
أبي طلحة، عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إني قد
آمنت; فإن تابعتني تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنت عليه. فتزوجته أم
سليم، وكان صداقها الاسلام (2).
سليمان بن المغيرة: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 425، 426، وتمامه: فقالت له يوما فيما تقول: أرأيت حجرا تعبده
لا يضرك ولا ينفعك أو خشبة تأتي بها النجار، فينجرها لك: هل يضرك؟ هل ينفعك؟ قال:
فوقع في قلبه الذي قالت، قال: فأتاها فقال: لقد وقع في قلبي الذي قلت، وآمن. قالت: فإني
أتزوجك ولا آخذ منك صداقا غيره.
(2) رجاله ثقات خلا خالد بن مخلد وهو القطواني، فقد قال الحافظ في " التقريب ":
صدوق له أفراد: وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 426، وأخرجه النسائي 6 / 114 في النكاح:
باب التزويج على الاسلام من طريق قتيبة، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي
طلحة عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الاسلام، أسلمت أم سليم
قبل أبي طلحة فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت، نكحتك، فأسلم، فكان
صداق ما بينهما. وهذا سند صحيح.
سير 2 / 20
305

سليم، فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركا! أما تعلم يا أبا طلحة أن
آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت؟ قال:
فانصرف وفي قلبه ذلك، ثم أتاها وقال: الذي عرضت علي قد قبلت.
قال: فما كان لها مهر إلا الاسلام (1).
مسلم بن إبراهيم: أخبرنا ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي:
حدثني الجارود: حدثنا أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم،
فتتحفه بالشئ تصنعه له، وأخ لي أصغر مني يكنى أبا عمير، فزارنا يوما،
فقال: مالي أرى أبا عمير خاثر النفس؟ قالت: ماتت صعوة [له كان يلعب
بها]. فجعل النبي يمسح رأسه، ويقول: " يا أبا عمير، ما فعل
النغير؟ " (2).
همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن أنس، قال: لم يكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيتا غير بيت أم سليم. فقيل له. فقال: " إني أرحمها، قتل

(1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 426، 427، وذكره بنحوه الحافظ في
" الإصابة " 13 / 226، 227، عن مسند أحمد من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت،
وإسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس... وقال: ولهذا الحديث طرق متعددة. وأخرج
النسائي 6 / 114 من طريق جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم
سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل
لي أن أتزوجك، فإن تسلم، فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. قال
ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم الاسلام، فدخل بها فولدت له.
(2) إسناده صحيح أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 8 / 427، وأخرجه مختصرا البخاري
10 / 436 و 480، 481 وابن ماجة (3720) من طريقين، وأحمد 3 / 119 عن أبي التياح، عن
أنس، وأخرجه أبو داود (4969) عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن ثابت
عن أنس. والصعوة: طائر أصغر من العصفور، والنغير: تصغير نغر وهو فرخ العصفور.
306

أخوها معي " (1).
قلت: أخوها، هو حرام بن ملحان، الشهيد الذي قال يوم بئر
معونة (2): فزت ورب الكعبة، لما طعن من ورائه، فطلعت الحربة من
صدره. رضي الله عنه.
أيوب، عن ابن سيرين، عن أم سليم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل
في بيتي، وكنت أبسط له نطعا، فيقيل عليه، فيعرق، فكنت آخذ سكا
فأعجنه بعرقه.
قال ابن سيرين: فاستوهبت من أم سليم من ذلك السك، فوهبت لي
منه.
قال أيوب: فاستوهبت من محمد من ذلك السك، فوهب لي منه; فإنه
عندي الآن.
قال: ولما مات محمد حنط بذلك السك (3).

(1) إسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد 8 / 428، والبخاري 6 / 37، ومسلم (2455) من
طريق همام بهذا الاسناد.
(2) بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، وكان حرام بن ملحان فيمن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
أبي براء إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الاسلام، فقتلهم عامر بن الطفيل. انظر سيرة ابن هشام
2 / 184، 189. وقول ابن ملحان: " فزت ورب الكعبة " أخرجه البخاري 7 / 297، 299،
ومسلم (677) ص 1511، وأحمد 3 / 137 و 210 و 270 و 289.
(3) إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " 8 / 428، وأخرجه إلى قولها: فأعجنه
بعرقه، البخاري 11 / 59 في الاستئذان: باب من زار قوما فقال عندهم، من طريق قتيبة عن
الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس، وأخرجه مسلم (2331) وأحمد 3 / 136 من طريق
سليمان التيمي، عن ثابت، عن أنس، ومن طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة، عن أنس، و (2332) من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن أم
سليم، وأخرجه أحمد 3 / 287 من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس.
307

رواه ابن سعد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو،
عنه.
ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبيد الله، عن عبد
الكريم، عن البراء بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (1) في بيت أم سليم على نطع،
فعرق، فاستيقظ، وهي تمسح العرق، فقال: " ما تصنعين "؟ قالت: آخذ
هذه البركة التي تخرج منك (2).
ابن جريج، عن عبد الكريم بن مالك: أخبرني البراء بن [بنت]
أنس، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل أم سليم، وقربة معلقة، فشرب
منها قائما، فقامت إلى في السقاء، فقطعته.
رواه عبيد الله بن عمرو، فزاد: وأمسكته عندها (3).
عفان: حدثنا حماد: أخبرنا ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن
يحلق رأسه بمنى، أخذ أبو طلحة شق شعره، فجاء به إلى أم سليم، فكانت
تجعله في سكها.
قالت: وكان يقيل عندي على نطع، وكان معراقا صلى الله عليه وسلم، فجعلت أسلت
العرق في قارورة. فاستيقظ، فقال: " ما تجعلين "؟ قلت: أريد أن أدوف

(1) قال من القيلولة: وهي النوم في الظهيرة عند اشتداد الحر.
(2) إسناده منقطع، والبراء بن زيد لم يوثقه غير ابن حبان، وهو في " الطبقات " وهو ابن بنت
أنس بن مالك كما هو مبين في السند الآتي.
(3) أخرجه ابن سعد 8 / 428، والترمذي في " الشمائل " رقم (215). وفي الباب ما يقويه
عن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فشرب من قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها فقطعته.
أخرجه الترمذي (1893) وابن ماجة (3422) وإسناده صحيح.
قال النووي في " رياضه ": 339: وإنما قطعتها لتحفظ موضع فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتبرك
به، وتصونه عن الابتذال.
308

بعرقك طيبي (1).
حميد الطويل: عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم، فأتته بسمن
وتمر. فقال: إني صائم. ثم قام، فصلى، ودعا لام سليم ولأهل بيتها،
فقالت: إن لي خويصة قال: " ما هي "؟ قالت: خادمك أنس، فما ترك
خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، وبعثت معي بمكتل من رطب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم (2).
وروى ثابت، عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة،
فسمعت خشفة بين يدي; فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان (3).

(1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 428، 429، و " المسند " 3 / 287.
والمعراق: كثير العرق، وأدوف: أخلط.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 429 من طريق محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري بهذا الاسناد،
وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري 4 / 198، 199 في الصوم: باب من زار قوما فلم يفطر
عندهم، من طريق محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث بهذا الاسناد، وأخرجه أحمد
3 / 108 من طريق ابن أبي عدي، و 188 من طريق عبيدة بن حميد، كلاهما عن حميد، عن
أنس، وأخرجه أيضا 3 / 248 من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت وسليمان التيمي، عن
أنس.
وقوله: خويصة: قال الحافظ: بتشديد الصاد وتخفيفها تصغير خاصة، وهو مما اغتفر فيه
التقاء الساكنين.
(3) إسناده صحيح وهو في " الطبقات " 8 / 430، ومسلم (2456) وأخرجه البخاري
7 / 34، ومسلم (2457) من طريقين، عن عبد العزيز بن الماجشون، عن محمد بن المنكدر
، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي
طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال ".
والخشفة: الحسن والحركة، وقيل هو الصوت ليس بالشديد، ومعنى الحديث هنا: ما
يسمع من حس وقع القدم.
309

وروى عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: ولدت
أمي، فبعثت بالولد معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا أخي. فأخذه،
فمضغ له تمرة فحنكه بها (1).
قال حميد: قال أنس: ثقل ابن لام سليم، فخرج أبو طلحة إلى
المسجد، فتوفي الغلام. فهيأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروه.
فرجع، وقد سيرت له عشاءه، فتعشى، ثم أصاب من أهله. فلما كان من
آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية،
فمنعوها، وطلبت منهم، فشق عليهم. فقال: ما أنصفوا. قالت: فإن
ابنك كان عارية من الله، فقبضه. فاسترجع، وحمد الله.
فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه، قال: " بارك الله لكما في
ليلتكما ".
فحملت بعبد الله بن أبي طلحة، فولدت ليلا، فأرسلت به معي،
وأخذت تمرات عجوة، فانتهيت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يهنأ أبا عر له.
ويسمها، فقلت: يا رسول الله، ولدت أم سليم الليلة.
فمضغ بعض التمرات بريقه، فأوجره إياه، فتلمظ الصبي، فقال:

(1) أخرجه ابن سعد 8 / 431 من طريق خالد بن مخلد، عن محمد بن موسى بهذا الاسناد،
وتمامه: فتلمظ الصبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حب الأنصار للتمر " وأخرجه مسلم (2144) في
الآداب، من طريق عبد الأعلى بن حماد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس قال: ذهبت
بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا
له، فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم، فناولته تمرات، فألقاهن في فيه، فلاكهن، ثم فغرفا
الصبي، فمجه في فيه، فجعل الصبي يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حب الأنصار التمر " وسماه
عبد الله.
ويتلمظ: يحرك لسانه يتتبع ما في فيه من آثار التمر استطابة له، وتلذذا به.
310

" حب الأنصار التمر " فقلت: سمه يا رسول الله. قال: " هو عبد الله " (1)
سمعه الأنصاري، و عبد الله بن بكر، منه.
وروى سعيد بن مسروق الثوري، عن عباية بن رفاعة، قال: كانت أم
أنس تحت أبي طلحة. فذكر نحوه. وفيه: فقال رسول الله: " اللهم بارك
لهما في ليلتهما ".
قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين، كلهم قد ختم
القرآن (2). رواه أبو الأحرص عنه.
روت: أربعة عشر حديثا. اتفقا لها على حديث، وانفرد البخاري
بحديث، ومسلم بحديثين (3).
56 - أم هاني * (ع)
السيدة الفاضلة أم هاني بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، أبي طالب عبد مناف بن

(1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 8 / 431، 432 من طريق محمد بن عبد الله
الأنصاري و عبد الله بن بكر السهمي، عن حميد به. وأخرجه البخاري 9 / 509 في أول العقيقة من
طريق مطر بن الفضل، حدثنا يزيد بن هارون، عن عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين، عن
أنس بن مالك.... وأخرجه مسلم (2144) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي طلحة،
من طريق محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا بهز، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن
أنس، وأخرجه أحمد 3 / 196 من طريق بهز بهذا الاسناد. وأخرجه أيضا 3 / 105، 106 من
طريق ابن أبي عدي عن حميد، ويزيد بن هارون عن حميد، عن أنس، وأخرجه أيضا 3 / 287،
288 من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس.
(2) أخرجه ابن سعد 8 / 434 من طريق سعيد بن منصور، عن أبي الأحوص بهذا الاسناد.
ورجاله ثقات.
(3) انظر البخاري 1 / 331، 332 ومسلم (311) و (2332) والبخاري 11 / 117 ومسلم
(2480).
* مسند أحمد: 6 / 340 و 423، طبقات ابن سعد: 8 / 47، طبقات خليفة: 330،
المعارف: 36، 120، 203، 479، الجرح والتعديل: 9 / 467، المستدرك: 4 / 52،
الاستبصار: 359، الاستيعاب: 4 / 1963، أسد الغابة: 7 / 213 و 404، تهذيب الكمال
1690، تاريخ الاسلام: 2 / 332، تهذيب التهذيب: 12 / 481، الإصابة: 13 / 300،
خلاصة تذهيب الكمال: 500.
311

عبد المطلب بن هاشم. الهاشمية المكية.
أخت: علي، وجعفر.
اسمها: فاختة. وقيل: هند. تأخر إسلامها.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلها يوم الفتح، فصلى عندها ثمان ركعات
ضحى (1).
روت أحاديث.
حدث عنها: حفيدها جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكريب مولى
ابن عباس، و عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي
رباح، وعروة بن الزبير; وآخرون.
كانت تحت هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، فهرب يوم الفتح إلى
نجران. أولدها: عمرو بن هبيرة، وجعدة، وهانئا، ويوسف.
وأسلمت يوم الفتح.
قال ابن إسحاق: لما بلغ هبيرة إسلامها، قال أبياتا منها.

(1) أخرجه البخاري 3 / 43 في التطوع: باب صلاة الضحى في السفر، وفي تقصير الصلاة:
باب من تطوع في الصلاة في غير دبر الصلاة وقبلها، وفي المغازي: باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم
الفتح، ومسلم (336) في صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة الضحى، والترمذي (474)
وأبو داود (1291).
312

وعاذله هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضل ضلالها (1)
وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأوذى وهل يؤذيني إلا زوالها (2)
فإن كنت قد تابعت دين محمد * وقطعت الأرحام منك حبالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها (3)
قلت: لم يذكر أحد أن هبيرة أسلم.
عاشت أم هانئ إلى بعد سنة خمسين.
القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله: أن أبا مرة
مولى أم هانئ أخبره: أنه سمع أم هانئ تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره بثوب، فسلمت. فقال: " من
هذه "؟ قلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: " مرحبا بأم هانئ ".
فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد.
فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي - تعني عليا - أنه قاتل رجلا قد أجرته:
فلان ابن هبيرة. فقال: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ " وذلك ضحى (4).

(1) الأبيات في " سيرة ابن هشام " 2 / 420، و " أسد الغابة " 7 / 404، 405، والثالث
والرابع في " الاشتقاق " لابن دريد: 152، ونسب قريش: 39.
(2) رواية الشطر الثاني في " السيرة ".
سأردى وهل يردين إلا زيالها.
وزيالها: ذهابها.
(3) السحيق: البعيد، والهضبة: الكدية العالية، والململمة: المستديرة، والغبراء: التي
علاها الغبار، ويبس: يابسة.
(4) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 1 / 152 في قصر الصلاة: باب صلاة الضحى،
والبخاري 6 / 195، 196 في الجهاد: باب أمان النساء وجوارهن، ومسلم (336) (82) في
صلاة المسافرين وقصرها: باب استحباب صلاة الصحي.
وقولها: " فلان ابن هبيرة " قيل: هو جعدة بن هبيرة، ورده ابن عبد البر بأنه ابنها، فلا
تحتاج إلى إجارته لصغر سنه والحكم بإسلامه، ولا يعرف لهبيرة ابن من غير أم هانئ. قال الحافظ
ابن حجر: والذي يظهر لي أن في الرواية حذفا أو تحريفا أي: فلان ابن عم هبيرة أو قريب هبيرة،
فسقط لفظ " عم " أو تغير لفظ " قريب " بلفظ " ابن " قال: وقد سمى ابن هشام في سيرته وغيره
الذي أجارته: الحارث بن هشام، و عبد الله بن أبي ربيعة، وهما مخزوميان، فيصح أن يكون كل
منهما ابن عم هبيرة، لأنه مخزومي.
313

قال الدغولي: كان ابنها جعدة بن هبيرة، قد ولاه علي بن أبي طالب
خراسان، وهو ابن أخته.
وقيل: إن أم هانئ لما بانت عن هبيرة بإسلامها، خطبها رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة مصبية (1). فسكت عنها.
بلغ مسندها: ستة وأربعين حديثا. لها من ذلك حديث واحد
أخرجاه (2).
57 - أم الفضل * (ع)
بنت الحارث بن حزن بن بجير، الهلالية، الحرة الجليلة. زوجة
العباس، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأم أولاده الرجال الستة النجباء.
اسمها: لبابة. وهي أخت أم المؤمنين ميمونة، وخالة خالد بن الوليد،
وأخت أسماء بنت عميس لامها.

(1) مصبية: ذات صبيان يحتاجون إلى رعاية تأخذ قسما كبيرا من وقتها، فلا تستطيع الوفاء
بحقوق الزوج، وفي " المستدرك " 4 / 53: لكني امرأة مصبية، فأكره أن يؤذوك.
(2) وهو الحديث المتقدم.
* مسند أحمد: 6 / 338، التاريخ لابن معين: 738، طبقات خليفة: 338، المعارف:
121، 137، 156، الاستيعاب: 4 / 1907، أسد الغابة: 7 / 253، تهذيب الكمال:
1696، تهذيب التهذيب: 12 / 449، الإصابة: 13 / 112، 266، خلاصة تذهيب الكمال:
495.
314

قديمة الاسلام; فكان ابنها عبد الله يقول: كنت أنا وأمي من
المستضعفين من النساء والولدان. أخرجه البخاري (1).
فهذا يؤذن بأنهما أسلما قبل العباس، وعجزا من الهجرة.
وكانت أم الفضل من علية النساء، تحول بها العباس بعد الفتح إلى
المدينة.
وروت أحاديث.
حدث عنها: ولداها: عبد الله، وتمام، وأنس بن مالك، و عبد الله
ابن الحارث; وغيرهم.
خرجوا لها في الكتب الستة.
أحسبها توفيت في خلافة عثمان.
ولها في مسند بقي بن مخلد: ثلاثون حديثا. أعني بالمكرر. واتفق
البخاري ومسلم لها على حديث واحد، وآخر عند البخاري، وثالث عند
مسلم (2).
وقيل: لم يسلم - من النساء - أحد قبلها. يعني: بعد خديجة.

(1) 8 / 192 في تفسير سورة النساء: باب: * (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله...) *
وأخرجه البخاري أيضا عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس تلا * (إلا المستضعفين من الرجال والنساء
والولدان) *. قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله.
(2) انظر " البخاري " 4 / 206، 207، ومسلم (1123)، والبخاري 2 / 204، ومسلم
(462) و (1451).
315

58 - أم حرام * (خ، م، د، س، ق)
بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن
عدي بن النجار. الأنصارية النجارية المدنية.
أخت أم سليم. وخالة أنس بن مالك. وزوجة عبادة بن الصامت.
حديثها في جميع الدواوين، سوى جامع أبي عيسى. كانت من علية
النساء.
حدث عنها: أنس بن مالك; وغيره.
سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دخل علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ما هو إلا أنا وأمي وخالتي أم حرام، فقال: " قوموا فلأصل بكم "
فصلى بنا في غير وقت صلاة (1).
يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس،
قال: حدثتني أم حرام بنت ملحان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في بيتها يوما،
فاستيقظ، وهو يضحك. فقلت: يا رسول الله: ما أضحكك؟
قال: " عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر، كالملوك

* مسند أحمد: 6 / 361 و 433، طبقات ابن سعد: 8 / 434 - 436، التاريخ لابن معين:
741، تاريخ خليفة: 160، الجرح والتعديل: 9 / 461، الاستبصار: 40، 41، 42،
الاستيعاب: 4 / 1931، ابن عساكر: 19 / 296 / 1، جامع الأصول: 9 / 147، أسد الغابة:
7 / 317، تهذيب الكمال: 1700، تاريخ الاسلام: 2 / 78، العبر: 1 / 29، مجمع الزوائد:
9 / 263، تهذيب التهذيب: 12 / 462، الإصابة: 13 / 193، خلاصة تذهيب الكمال:
497، شذرات الذهب: 1 / 36.
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (660) في المساجد: باب جواز
الجماعة في النافلة من طريق زهير بن حرب، عن هاشم بن القاسم بهذا الاسناد.
316

على الأسرة " قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: " أنت
من الأولين ".
فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا بها في البحر، فحملها معه. فلما
رجعوا قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها، فدقت عنقها، فماتت رضي الله
عنها (1).
قلت: يقال هذه غزوة قبرس (2) في خلافة عثمان.
وحديثها له طرق في " الصحيحين ".
وبلغني أن قبرها تزوره الفرنج.

(1) أخرجه البخاري 12 / 345، 346 في التعبير: باب رؤيا النهار، ومسلم (1912) في
الامارة: باب فضل الغزو في البحر، وأبو داود (2490)، والترمذي (1645)، والنسائي
6 / 40، وابن ماجة (2776)، والدارمي 2 / 210، وابن سعد 8 / 435 عن أنس بن مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن
الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم
استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا
علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة،
قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو
يضحك، قالت: فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في
سبيل الله كما قال في الأولى. قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال:
أنت من الأولين. فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين
خرجت من البحر، فهلكت.
وأخرجه أحمد 6 / 423 من مسند أم حرام.
(2) هي الجزيرة المعروفة اليوم باسم قبرص، وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان،
ومعه أبو ذر، وأبو الدرداء، وغيرهما من الصحابة، وذلك سنة سبع وعشرين.
317

59 - أم عطية الأنصارية * (ع)
اسمها: نسيبة بنت الحارث. وقيل: نسيبة بنت كعب.
من فقهاء الصحابة. لها عدة أحاديث.
وهي التي غسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم زينب (1).
حدث عنها: محمد بن سيرين، وأخته حفصة بنت سيرين، وأم
شراحيل، وعلي بن الأقمر، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن عبد
الرحمن; وعدة. عاشت إلى حدود سنة سبعين.
وهي القائلة: نهينا عن اتباع الجنازة، ولم يعزم علينا (2).
حديثها مخرج في الكتب الستة.

* مسند أحمد: 6 / 407، التاريخ لابن معين: 742، الجرح والتعديل: 9 / 465،
الاستبصار: 355، الاستيعاب: 4 / 1947، أسد الغابة: 7 / 280، تهذيب الكمال: 1698،
تاريخ الاسلام: 3 / 101، تهذيب التهذيب: 12 / 455، الإصابة: 13 / 253، خلاصة تذهيب
الكمال: 496.
(1) تقدم تخريج حديثها في الصفحة (250) التعليق رقم (3) من هذا الجزء.
(2) أخرجه البخاري 3 / 115 في الجنائز: باب اتباع النساء للجنازة، ومسلم (938) في
الجنائز: باب نهي النساء عن اتباع الجنائز. وقولها: " ولم يعزم علينا " أي: لم يؤكد علينا في
المنع، كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير
تحريم. وقال القرطبي: ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم.
ومال مالك إلى الجواز، وهو قول أهل المدينة. ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة 3 / 395،
من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة، فرأى عمر
امرأة، فصاح بها، فقال: " دعها يا عمر.. ". وأخرجه ابن ماجة (1581)، والنسائي من
هذا الوجه، ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سلمة بن الأزرق، عن أبي
هريرة، ورجاله ثقات كما قال البوصيري وابن حجر.
318

60 فاطمة بنت قيس الفهرية * (ع)
إحدى المهاجرات. وأخت الضحاك.
كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، فطلقها،
فخطبها معاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم، فنصحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار
عليها بأسامة بن زيد، فتزوجت به (1).
وهي التي روت حديث السكنى والنفقة للمطلقة بتة (2).
وهي التي روت قصة الجساسة (3).
حدث عنها: الشعبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام، وآخرون.
توفيت في خلافة معاوية. وحديثها في الدواوين كلها.

* مسند أحمد: 6 / 373، 411، التاريخ لابن معين: 739، طبقات خليفة: 335،
المستدرك: 4 / 55 56، الاستيعاب: 4 / 1901، أسد الغابة: 7 / 230، تهذيب الكمال:
1692، تاريخ الاسلام: 2 / 310، تهذيب التهذيب: 12 / 443 444، الإصابة: 13 / 85،
خلاصة تذهيب الكمال: 494.
(1) أخرجه مسلم (1480) في الطلاق: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، وأبو داود (2284)
في الطلاق: باب في نفقة المبتوتة، والترمذي (1135) في النكاح: باب ما جاء أن لا يخطب
الرجل على خطبة أخيه، ومالك 2 / 98، 99.
(2) هو قطعة من الحديث المتقدم، وانظر البخاري 9 / 421، 422.
(3) أخرجه بطوله مسلم (2942) في الفتن وأشراط الساعة: باب قصة الجساسة.
319

فصل في بقية كبراء الصحابة
61 عثمان بن حنيف * (ت، س، ق)
ابن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن
حنش بن عوف بن عمرو بن عوف. الأنصاري الأوسي القبائي.
أخو سهل بن حنيف. ووالد: عبد الله، وحارثة، والبراء، ومحمد،
وعبد الله.
وأم سهل من جلة الأنصار.
ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي مجلز: أن عمر وجه عثمان بن
حنيف على خراج السواد، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم. وأمره أن
يمسح السواد، عامره وغامره (1)، ولا يمسح سبخة. ولا تلا، ولا أجمة،
ولا مستنقع ماء.
فمسح كل شئ دون جبل حلوان (2) إلى أرض العرب، وهو أسفل
الفرات. وكتب إلى عمر: إني وجدت كل شئ بلغه الماء، غامرا وعامرا،

* مسند أحمد: 4 / 138، طبقات خليفة: 86، 135، تاريخ خليفة: 227، التاريخ
الكبير: 1 / 209 210، المعارف: 209208، تاريخ الفسوي: 1 / 273، الجرح
والتعديل: 4 / 146، معجم الطبراني: 10 / 9، الاستبصار: 321، الاستيعاب: 3 / 1033،
أسد الغابة: 3 / 577، تهذيب الكمال: 909، تاريخ الاسلام: 2 / 232، مجمع الزوائد:
9 / 371، تهذيب التهذيب: 7 / 112 113، الإصابة: 6 / 386، خلاصة تذهيب الكمال:
259.
(1) الغامر من الأرض: ما لم يزرع.
(2) حلوان: في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد.
320

ستة وثلاثين ألف جريب (1). وكان ذراع عمر الذي ذرع به السواد ذراعا
وقبضة والايهام مضجعة
وكتب إليه: أن افرض الخراج على كل جريب، عامر أو غامر، درهما
وقفيزا (2، وافرض على الكرم، على كل جريب عشرة دراهم، وأطعمهم
النخل والشجر، وقال: هذا قوة لهم على عمارة بلادهم.
وفرض على الموسر ثمانية وأربعين درهما، وعلى من دون ذلك أربعة
وعشرين درهما، وعلى من لم يجد شيئا اثني عشر درهما، ورفع عنهم الرق
بالخراج الذي وضعه في رقابهم.
فحمل من خرج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ثمانون ألف ألف
درهم، ثم حمل من قابل مئة وعشرون ألف ألف درهم. فلم يزل على
ذلك (3).
حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون، قال: جئت فإذا عمر
واقف على حذيفة، وعثمان بن حنيف، وهو يقول: تخافان أن تكونا
حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قال عثمان: لو شئت لأضعفت على أرضي.
وقال حذيفة: لقد حملت الأرض شيئا هي له مطيقة. فجعل يقول: انظرا ما

(1) الجريب: قطعة من الأرض تقدر بعشرة آلاف ذراع، ونقل عن قدامة الكاتب: أن الأشل: ستون
ذراعا، وضرب الأشل في نفسه يسمى جريبا، فيكون ذلك ثلاثة آلاف وست مئة ذراع " المصباح المنير ".
(2) القفيز: مكيال كانوا يكتالون به.
(3) رجاله ثقات إلا أن أبا مجلز واسمه لاحق بن حميد لم يدرك عمر، فحديثه عنه
مرسل. ورواه ابن أبي شيبة 3 / 217 بنحوه مختصرا من طريق أبي أسامة، عن سعيد بهذا
الاسناد. ورواه أبو عبيد في " الأموال " ص 86 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد
ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي مجلز.
سير 2 / 21
321

لديكما، والله لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن. فما أتت عليه
رابعة حتى أصيب (1).
قال ابن سعد: قتل عثمان، وفارق ابن كريز (2) البصرة، فبعث علي
عليها عثمان بن حنيف واليا; فلم يزل حتى قدم عليه طلحة والزبير، فقاتلهما
ومعه حكيم بن جبلة العبدي. ثم توادعوا، حتى يقدم علي.
ثم كانت ليلة ذات ريح وظلمة، فأقبل أصحاب طلحة، فقتلوا حرس
عثمان بن حنيف ودخلوا عليه، فنتفوا لحيته وجفون عينيه، وقالوا: لولا
العهد لقتلناك. فقال: إن أخي وال لعلي على المدينة، ولو قتلتموني لقتل
من بالمدينة من أقارب طلحة والزبير.
ثم سجن. وأخذوا بيت المال.
وكان يكنى: أبا عبد الله. توفي في خلافة معاوية. وله عقب.
ولعثمان حديث لبن في " مسند أحمد " (3).

(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 7 / 49 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب قصة البيعة
والاتفاق على عثمان بن عفان.
(2) هو عبد الله بن عامر بن كريز ابن خال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، ولي البصرة
لعثمان بعد أبي موسى الأشعري سنة تسع وعشرين.
(3) 4 / 138 وفيه حديثان: الأول حديث الأعمى الذي رد بصره بالدعاء الذي علمه إياه صلى الله عليه وسلم،
وقد فعل ما أمره به، وهو حديث صحيح، أخرجه أيضا الترمذي (3578)، وابن ماجة
(1385)، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم 1 / 313، ووافقه المؤلف على
تصحيحه، فما أظن أنه يعنيه هنا.
وأما الحديث الثاني، فهو من طريق ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد، عن البراء بن
عثمان الأنصاري، عن هانئ بن معاوية الصدفي حدثه، قال: حججت زمان عثمان بن عفان،
فجلست في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل يحدثهم قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فأقبل
رجل، فصلى في هذا العمود، فعجل قبل أن يتم صلاته، ثم خرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن
هذا لو مات، لمات وليس من الدين على شئ، إن الرجل ليخفف صلاته، ويتمها ". قال:
فسألت عن الرجل: من هو؟ فقيل: عثمان بن حنيف الأنصاري. وإسناده ضعيف لضعف ابن
لهيعة، والراء بن عثمان لم يوثق. وهو في معجم الطبراني (8310)، وتاريخ الفسوي
1 / 273.
322

62 خباب بن الأرت * (ع)
ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة، من
تميم. أبو يحيى التميمي.
من نجباء السابقين. له عدة أحاديث. وقيل: كنيته أبو عبد الله. شهد
بدرا، والمشاهد.
حدث عنه: مسروق، وأبو وائل، وأبو معمر، وقيس بن أبي حازم،
وعلقمة بن قيس; وعدة.
قيل: مات في خلافة عمر، وصلى عليه عمر. وليس هذا بشئ، بل
مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وصلى عليه علي.
وقيل: عاش ثلاثا وسبعين سنة.

* مسند أحمد: 5 / 108 و 6 / 395، طبقات ابن سعد: 3 / 164، طبقات خليفة: 17،
126، تاريخ خليفة: 192، التاريخ الكبير: 3 / 215، المعارف: 316، 317، تاريخ
الفسوي: 3 / 167، الجرح والتعديل: 3 / 395، معجم الطبراني الكبير: 4 / 61،
الاستيعاب: 2 / 437، أسد الغابة: 2 / 114، تهذيب الكمال: 373، تاريخ الاسلام:
2 / 175، العبر: 1 / 43، مجمع الزوائد: 9 / 298، تهذيب التهذيب: 3 / 133 134،
الإصابة: 3 / 76، خلاصة تذهيب الكمال: 104. كنز العمال: 13 / 375، شذرات الذهب:
1 / 47.
323

نعم، الذي مات سنة تسع عشرة وصلى عليه عمر: هو خباب مولى
عتبة بن غزوان، صحابي مهاجري أيضا.
قال منصور، عن مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو
بكر، وخباب، وبلال، وصهيب، وعمار.
وأما ابن إسحاق، فذكر إسلام خباب بعد تسعة عشر إنسانا، وأنه كمل
العشرين.
الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكندي، قال: قال عمر
لخباب: ادنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار. قال: فجعل
يريه بظهره شيئا من آثار تعذيب قريش له (1).
أبو الضحى، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت قينا بمكة،
فعملت للعاص بن وائل سيفا، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى
تكفر بمحمد. فقلت: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث. فقال:
إذا بعثت كان لي مال (2)، فسوف أقضيك. فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنزلت: * (أفرأيت الذي كفر بآياتنا) * [مريم: 78] (3).
لخباب بالمكرر اثنان وثلاثون حديثا. ومنها: ثلاثة في

(1) أخرجه ابن سعد 3 / 165، وابن ماجة (153) في المقدمة، وإسناده صحيح كما قال
البوصيري في " الزوائد ": 12.
(2) في البخاري وابن سعد: وإني لمبعوث من بعد الموت، فسوف أقضيك.
(3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 3 / 164، والبخاري 8 / 327.
324

" الصحيحين " وانفرد له البخاري بحديثين; ومسلم بحديث (1).
63 سهل بن حنيف * (ع)
أبو ثابت، الأنصاري الأوسي العوفي.
والد أبي أمامة بن سهل. وأخو عثمان بن حنيف. شهد بدرا،
والمشاهد.
حدث عنه ابناه: أبو أمامة، وعبد الله; وعبيد بن السباق، وأبو
وائل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو; وآخرون.
وكان من أمراء علي رضي الله عنه.
مات بالكوفة، في سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي.
وحديثه في الكتب الستة (2).

(1) انظر البخاري 3 / 113 و 7 / 177 و 198 و 273 و 298 و 11 / 237، ومسلم (940).
والبخاري 10 / 108، 109 و 11 / 212 و 13 / 189، ومسلم (2681). والبخاري 4 / 267 و
5 / 55 و 8 / 327، ومسلم (2795). وانظر مسلم (619)، والبخاري 2 / 204 و 7 / 126.
* مسند أحمد: 3 / 485، طبقات ابن سعد: 6 / 15 و 3 / 471، طبقات خليفة: 85، 135،
تاريخ خليفة: 198، التاريخ الكبير: 4 / 97، المعارف: 291، تاريخ الفسوي: 1 / 220،
معجم الطبراني: 6 / 86، المستدرك: 3 / 408، 412، الاستبصار: 320، الاستيعاب:
2 / 662، أسد الغابة: 2 / 470، تهذيب الكمال: 557، تهذيب التهذيب: 4 / 251،
الإصابة: 4 / 273، خلاصة تذهيب الكمال: 157، كنز العمال: 13 / 430، شذرات
الذهب: 1 / 48.
(2) انظر البخاري 3 / 144، و 12 / 269، و 6 / 201، و 10 / 465، ومسلم (961)، و
(1068)، و (1785) و (2251) و (1375) و (1909).
325

الحاكم في " مستدركه "، من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا
عثمان بن حكيم: حدثتنا الرباب جدتي، عن سهل بن حنيف: اغتسلت في
سيل، فخرجت محموما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مروا أبا ثابت فليتصدق " (1).
مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل، قال ك رأى عامر بن
ربيعة سهل بن حنيف، فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة! فلبط
بسهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل؟ والله
ما يرفع رأسه! قال: " هل تتهمون به أحدا "؟ قالوا: نتهم عامر بن
ربيعة. فدعاه، فتغيظ عليه، وقال: " علام يقتل أحدكم أخاه! ألا
بركت! اغتسل له ".
فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة
إزاره، في قدح، ثم صب عليه. فراح سهل مع الناس ما به بأس (2).
أبو صالح: حدثني أبو شريح: أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل
يحدث عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تشددوا على
أنفسكم; فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون

(1) أخرجه الحاكم 3 / 408، 409، وأخرجه أيضا 4 / 413، وأبو داود (3888)، وأحمد
3 / 486 من طريق عبد الواحد بن زياد بهذا الاسناد. وفيه عندهم " يتعوذ " بدل " فليتصدق "،
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي المؤلف، مع أن الرباب جدة عثمان لا تعرف.
(2) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 2 / 938، 939، وأخرجه أحمد 3 / 486، 487،
وابن ماجة (3509) في الطب: باب العين. وصححه ابن حبان (1424). والمخبأة: الجارية
التي في خدرها لم تتزوج بعد، لان صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت. ولبط: صرع. وداخلة
الازار: طرفه الداخل الذي يلي الجسد، ويلي الجانب الأيمن من الرجل إذا ائتزر، لان المؤتزر
إنما يبدأ بجانبه الأيمن، فذلك الطرف يباشره جسده، وهو الذي يغسل، وقيل: هو الورك،
وقيل: أراد به مذاكيره، فكنى بالداخلة، كما كنى عن الفرج بالسراويل.
326

بقاياهم في الصوامع والديارات " (1).
إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن عبد الله بن معقل، قال: صلى
علي على سهل بن حنيف; فكبر ستا (2).
رواه الأعمش، عن يزيد، عن ابن معقل، فقال: كبر خمسا، ثم
التفت إلينا، فقال: إنه بدري (3).

(1) أبو صالح: هو عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث، سئ الحفظ، وباقي رجاله
ثقات، وأخرجه أبو داود (4904) في الأدب: باب في الحسد، من طريق أحمد بن صالح،
عن عبد الله بن وهب، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أن سهل بن أبي أمامة حدثه:
أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فإذا
هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم، قال أبي: يرحمك الله
أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شئ تنفلته؟ قال: إنها المكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما
أخطأت إلا شيئا سهوت عنه. فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا تشدوا على أنفسكم
فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد بقاياهم في الصوامع
والديارات * (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناه عليهم) *.
ثم غدا من الغد، فقال: ألا تركب لتنظر ولتعتبر؟ قال: نعم. فركبوا جميعا، فإذا هم بديار
باد أهلها، وانقضوا، وفنوا، خاوية على عروشها، فقال: أتعرف هذه الديار؟ فقلت: ما
أعرفني بها وأهلها، هذه ديار قوم أهلكهم البغي والحسد، إن الحسد يطفئ نور الحسنات،
والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني والكف والقدم والجسد واللسان، والفرج يصدق ذلك
أو يكذبه.
وسعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ذكره ابن حبان في " الثقات "، وروى عنه اثنان،
وباقي رجاله ثقات، وذكره ابن كثير في " تفسيره " 4 / 316 من طريق أبي يعلى، عن أحمد بن
عيسى بهذا الاسناد.
(2) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 3 / 472، وأخرجه عبد الرزاق (6403)،
والطحاوي 1 / 287، والحاكم 3 / 409، والبيهقي 4 / 36، وفيه عندهم: ثم التفت إلينا، فقال ك
إنه بدري.
(3) ابن سعد 3 / 473.
327

قال ابن سعد: سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم بن ثعلبة بن عمرو
ابن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش بن عوف بن عمرو بن عوف;
أبو سعد، وأبو عبد الله.
وله من الولد: أبو أمامة أسعد، وعثمان، وسعد. وعقبه اليوم
بالمدينة، وببغداد.
قال: وقالوا: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سهل وبين علي.
شهد بدرا، وثبت يوم أحد. وبايع على الموت، وجعل ينضح بالنبل
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله: " نبلوا سهلا فإنه سهل " (1).
قال الزهري: لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير أحدا من
الأنصار إلا سهل بن حنيف، وأبا دجانة. كانا فقيرين.
الأعمش، عن يزيد بن زياد مدني عن عبد الله بن معقل، قال:
كبر علي رضي الله عنه، في سلطانه كله أربعا أربعا على الجنازة، إلا على
سهل بن حنيف، فإنه كبر عليه خمسا، ثم التفت إليهم، فقال: إنه
بدري (2).

(1) ابن سعد 3 / 471. وينضح: يرمي ويرشق، ونبلوا: ناولوه النبل ليرمي.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 473 من طريق أبي معاوية الضرير، ويزيد بن زياد وصفه بالمدني
كما هنا، وهو ثقة من رجال التهذيب، ولكنه لم يذكر في شيوخ الأعمش، ولا في تلامذة عبد الله
ابن معقل، ويغلب على الظن أن ما في الطبقات خطأ، والصواب يزيد بن أبي زياد، فقد روى
الحديث ابن أبي شيبة 3 / 301 من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن
عبد الله بن معقل، إلا أنه قال: " فإنه كبر عليه ستا "، وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف "
(6399) من طريق ابن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، قال: سمعت عبد الله بن معقل يقول:
" صلى علي على سهل بن حنيف، فكبر ستا " ويزيد بن زياد هذا هو الهاشمي مولاهم الكوفي.
قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف كبر، فتغير، صار يتلقن. وأخرج الطحاوي 1 / 287،
والدارقطني 1 / 191، والبيهقي 4 / 37، وابن أبي شيبة 3 / 303، عن عبد خير، قال: كان علي
يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا، وعلى سائر المسلمين أربعا ".
وإسناده صحيح.
328

أبو نعيم: حدثنا أبو جناب: سمعت عمير بن سعيد يقول: صلى علي
على سهل، فكبر خمسا. فقالوا: ما هذا؟ فقال: لأهل بدر فضل على
غيرهم; فأردت أن أعلمكم فضله (1).
عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل علي بسيفه
على فاطمة وهي تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خذيه، فلقد
أحسنت به القتال! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن كنت أحسنت فلقد أحسن سهل بن
حنيف " (2)!
وروي نحوه مرسلا.
64 خوات بن جبير * (بخ)
ابن النعمان بن أمية بن البرك، وهو امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن
عوف، الأنصاري الأوسي.

(1) أخرجه ابن سعد 3 / 473. وأبو جناب: هو يحيى بن أبي حية الكلبي، ضعفوه لكثرة
تدليسه، لكنه هنا صرح بالسماع، وباقي رجاله ثقات.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 409، 410 وصححه، ثم قال: سمعت أبا علي الحافظ يقول: لم
نكتبه موصولا إلا عن أبي يعقوب المنجنيقي بإسناده، والمشهور من حديث ابن عيينة، عن عمرو
ابن دينار، عن عكرمة مرسلا، وإنما يعرف هذا المتن من حديث أبي معشر، عن أيوب بن أبي
أمامة بن سهل، عن أبيه، عن جده. ثم ذكره.
* طبقات ابن سعد: 3 / 477، طبقات خليفة: 86، التاريخ الكبير: 3 / 216 217،
المعارف: 159، 327، الجرح والتعديل: 3 / 392، معجم الطبراني الكبير: 4 / 240،
الاستبصار: 324323، الاستيعاب 2 / 455، أسد الغابة: 2 / 148، تهذيب الكمال: 385،
العبر: 1 / 46، مجمع الزوائد: 9 / 401، تهذيب التهذيب: 3 / 171، الإصابة: 3 / 158،
خلاصة تذهيب الكمال: 108، شذرات الذهب: 1 / 48.
329

أخو عبد الله بن جبير العقبي البدري، الذي كان أمير الرماة يوم أحد.
ويكنى خوات: أبا صالح.
قال قيس بن أبي حذيفة: كنيته: أبو عبد الله.
قال ابن سعد: قالوا: وكان خوات بن جبير صاحب ذات النحيين (1) في
الجاهلية، ثم أسلم فحسن إسلامه (2).
الواقدي: أخبرني عبد الملك بن أبي سليمان، عن خوات بن صالح،
عن أبيه. وأخبرنا ابن أبي سبرة، عن المسور بن رفاعة، عن عبد الله بن
مكنف: أن خوات بن جبير خرج إلى بدر، فلما كان بالروحاء أصابه نصيل
حجر، فكسر، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وضرب له بسهمه وأجره;
فكان كمن شهدها (3).
قالوا: مات خوات بالمدينة سنة أربعين، وهو ابن أربع وسبعين سنة.
وكان يخضب، وكان ربعة من الرجال (4).

(1) النحي: الزق فيه السمن، وذات النحيين: امرأة من تيم الله بن ثعلبة، كانت تبيع
السمن في الجاهلية، فأتى خوات بن جبير يبتاع منها سمنا، فساومها، فحلت نحيا مملوءا،
فقال: أمسكيه حتى أنظر غيره، ثم حل آخر، وقال لها: أمسكيه. فلما شغل يديها، ساورها
حتى قضى ما أراد وهرب، وقال في ذلك شعرا أنظره في " جمهرة الأمثال " 2 / 322، واللسان:
نحى.
(2) ابن سعد 3 / 477.
(3) ابن سعد 3 / 477، وفيه: أصاب ساقه نصيل حجر. والنصيل: حجر طويل رقيق كهيئة
الصفيحة المحددة، وجمعه: النصل.
(4) ابن سعد 3 / 477، 478، والربعة: هو المربوع الخلق، لا بالطويل ولا بالقصير.
330

أخوه:
65 عبد الله بن جبير *
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا واحدا.
واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الرماة، وهم خمسون رجلا;
وأمرهم فوقفوا على عينين (1)! فاستشهد يومئذ ومثل به. قتل عكرمة بن أبي
جهل (2).
66 قتادة بن النعمان * * (ع)
ابن زيد بن عامر. الأمير المجاهد. أبو عمر الأنصاري الظفري
البدري.

* طبقات ابن سعد: 3 / 475، طبقات خليفة: 281، تاريخ خليفة: 67 التاريخ الكبير:
5 / 60 61، المعارف: 159، 327، الجرح والتعديل 5 / 27، الاستبصار: 322، الاستيعاب:
3 / 877، أسد الغابة: 3 / 194، تهذيب الكمال: 669، تهذيب التهذيب: 5 / 168، الإصابة
6 / 33، خلاصة تذهيب الكمال: 193.
(1) قال ياقوت: هو هضبة جبل أحد بالمدينة، ويقال: جبلان عند أحد، ويقال ليوم أحد:
يوم عينين. وفي صحيح البخاري 7 / 283 في المغازي في حديث وحشي بن حرب قال: فلما
خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد "، أي: من ناحية أحد، ويقال: فلان حيال
كذا، أي: مقابله، وهو تفسير من بعض رواته، والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد أن
قريشا كانوا نزلوا عنده. قال ابن إسحاق: نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير
الوادي مقابل المدينة.
(2) انظر " طبقات ابن سعد " 3 / 475، والبخاري 7 / 269، 272 في المغازي: باب غزوة
أحد.
* * مسند أحمد: 4 / 15 و 6 / 384، طبقات ابن سعد: 1 / 187 و 2 / 190 و 3 / 452 453،
طبقات خليفة: 81، 96، تاريخ خليفة: 153، التاريخ الكبير: 7 / 184 185، تاريخ
الفسوي: 1 / 320، الجرح والتعديل: 7 / 132، المستدرك 3 / 295 296، الاستبصار:
254 257، الاستيعاب: 3 / 1274، تاريخ ابن عساكر: 14 / 200 / 2، أسد الغابة:
4 / 389، تهذيب الكمال: 1123، تاريخ الاسلام: 2 / 50، العبر: 1 / 27، مجمع الزوائد:
9 / 318، تهذيب التهذيب: 8 / 357 358، الإصابة: 8 / 138، خلاصة تذهيب الكمال:
315، كنز العمال: 13 / 574، شذرات الذهب: 1 / 34.
331

من نجباء الصحابة. وهو أخو أبي سعيد الخدري لامه.
وهو الذي وقعت عينه على خده يوم أحد، فأتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فغمزها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، فردها; فكانت أصح عينيه (1).
له أحاديث.
روى عنه: أخوه أبو سعيد، وابنه عمر، ومحمود بن لبيد; وغيرهم.
وكان على مقدمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما سار إلى الشام،
وكان من الرماة المعدودين.

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 1 / 187، 188 من طريق علي بن محمد، عن أبي
معشر، عن زيد بن أسلم، وغيره. وأخرجه ابن هشام 2 / 82، وابن سعد أيضا 3 / 453 من طريق
ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وهو مرسل.
وأخرج الدارقطني، وابن شاهين، من طريق عبد الرحمن بن يحيى العذري، عن مالك،
عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم
أحد، فوقعت على وجنته، فردها النبي صلى الله عليه وسلم أصح عينيه. وعبد الرحمن بن يحيى العذري: قال:
العقيلي: مجهول لا يقيم الحديث من جهته. وأخرجه الدارقطني والبيهقي في الدلائل، من
طريق عياض بن عبد الله بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة: أن عينه ذهبت يوم
أحد، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فردها، فاستقامت.
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة فيما ذكره ابن كثير 2 / 447 من حديث يحيى الحماني، حدثنا
عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن
النعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، فدعاه، فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيب.
ورجاله ثقات خلا عمر بن قتادة، فإنه لم يوثقه سوى ابن حبان، ولم يرو عنه سوى ابنه عاصم.
332

عاش خمسا وستين سنة.
توفي في سنة ثلاث وعشرين بالمدينة، ونزل عمر يومئذ في قبره.
عبد الرحمن بن الغسيل: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، [عن أبيه]
، عن جده: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته; فأراد
القوم أن يقطعوها، فقالوا: نأتي نبي الله نستشيره. فجاء، فأخبره الخبر.
فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فرفع حدقته حتى وضعها موضعها، ثم غمزها
براحته وقال: " الله اكسه جمالا " فمات، وما يدري من لقيه أي عينيه
أصيبت (1).
قال ابن سعد: بنو ظفر: من الأوس. وقيل: يكنى: أبا عبد الله.
وقال الواقدي: شهد العقبة مع السبعين. وكذا قال ابن عقبة، وأبو
معشر.
ولم يذكره ابن إسحاق فيمن شهد العقبة. رضي الله عنه.
67 عامر بن ربيعة * (ع)
ابن كعب بن مالك. أبو عبد الله العنزي، عنز بن وائل. من حلفاء آل
عمر بن الخطاب; العدوي.

(1) تقدم تخريجه في التعليق السابق، فانظره.
* مسند أحمد: 3 / 444، طبقات ابن سعد: 3 / 281، تاريخ خليفة: 168، التاريخ
الكبير: 6 / 455، المعارف: 87، تاريخ الفسوي: 3 / 380، الجرح والتعديل: 6 / 320،
المستدرك: 3 / 357 - 359، الاستيعاب: 2 / 790، ابن عساكر: 8 / 337 / 2، أسد الغابة:
3 / 121، تهذيب الكمال: 642; العبر: 1 / 35، مجمع الزوائد: 9 / 301، تهذيب
التهذيب: 5 / 62 - 63، الإصابة: 5 / 277، خلاصة تذهيب الكمال: 184.
333

من السابقين الأولين. أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين، وشهد
بدرا.
قال ابن إسحاق:: أول من قدم المدينة مهاجرا: أبو سلمة بن عبد
الأسد، وبعده، عامر بن ربيعة (1).
له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر.
حدث عنه: ولده عبد الله، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو أمامه بن
سهل; وغيرهم.
وكان الخطاب قد تبناه. وكان معه لواء عمر لما قدم الجابية (2).
قال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام. وكان لزم
بيته، فلم يعشر الناس إلا بجنازته قد أخرجت. (3)
روى يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أن
أباه رئي في المنام حين طعنوا على عثمان، فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك
من الفتنة.
توفي عامر سنة خمس وثلاثين، قبل مقتل عثمان بيسير.
جعفر بن عون: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن

(1) ابن سعد 1 / 226، و " المستدرك " 3 / 357.
(2) قرية في الشام من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران إذا وقف الأسنان في
الصنمين، واستقبل الشمال، ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا.
وفيها خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خطبته المشهورة لما قدم الشام، وباب الجابية
الذي بدمشق منسوب إليها.
(3) " المستدرك " 3 / 358.
334

ربيعة، قال: لما طعنوا على عثمان، صلى أبي في الليل، ودعا، فقال:
اللهم قني من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك، فما أخرج، ولا
أصبح، إلا بجنازته (1).
68 - أبو الدرداء * (ع)
الامام القدوة. قاضي دمشق، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الدرداء
عويمر بن زيد بن قيس، ويقال: عويمر بن عامر، ويقال: ابن عبد
الله. وقيل: ابن ثعلبة بن عبد الله - الأنصاري الخزرجي.
حكيم هذه الأمة. وسيد القراء بدمشق.
وقال ابن أبي حاتم: هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس (2) بن أمية بن
عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج.
قال: ويقال: اسمه عامر بن مالك.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.

(1) " المستدرك " 3 / 358.
* مسند أحمد: 5 / 94 و 6 / 440، 445، طبقات ابن سعد: 7 / 391، 393، طبقات
خليفة: 95، 303، التاريخ الكبير: 7 / 76 - 77، المعارف: 259، 268، الجرح
والتعديل: 7 / 26 - 28، المستدرك: 3 / 336 - 337، الاستبصار: 125 - 127، الاستيعاب:
4 / 1646، تاريخ ابن عساكر: 13 / 366 / 1، أسد الغابة: 6 / 97، تهذيب الكمال: 1068 -
تاريخ الاسلام: 2 / 107، العبر: 1 / 33، تذكرة الحفاظ: 1 / 24، معرفة القراء: 38، مجمع
الزوائد: 9 / 367، طبقات القراء: 1 / 606، 607، تهذيب التهذيب: 8 / 175 - 177،
الإصابة: 7 / 182، خلاصة تذهيب الكمال، 298 - 299، كنز العمال: 13 / 550 - 553،
شذرات الذهب: 1 / 39 و 44.
(2) غير الأستاذ الأبياري ما في الأصل إلى قيس بن زيد عائشة، مع أن ما في الأصل هو بعينه
في " الجرح والتعديل " 7 / 6.
335

وهو معدود فيمن تلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغنا أبدا أنه قرأ على غيره.
وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتصدر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان، وقبل ذلك.
روى عنه: أنس بن مالك، وفضالة بن عبيد، وابن عباس، وأبو
أمامة، و عبد الله بن عمرو بن العاص; وغيرهم من جلة الصحابة، وجبير
ابن نفير، وزيد بن وهب، وأبو إدريس الخولاني، وعلقمة بن قيس،
وقبيصة بن ذؤيب، وزوجته أم الدرداء العالمة، وابنه بلال بن أبي الدرداء،
وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، ومعدان بن أبي طلحة، وأبو عبد
الرحمن السلمي، وخالد بن معدان، و عبد الله بن عامر اليحصبي (1).
وقيل: إنه قرأ عليه القرآن ولحقه; فإن صح، فعله قرأ عليه بعض
القرآن وهو صبي.
وقرأ عليه عطية بن قيس، وأم الدرداء.
وقال أبو عمرو الداني: عرض عليه القرآن: خليد بن سعد، وراشد
ابن سعد، وخالد بن معدان، وابن عامر. كذا قال الداني. وولي القضاء
بدمشق، في دولة عثمان. فهو أول من ذكر لنا من قضاتها. وداره بباب
البريد. ثم صارت في دولة السلطان صلاح الدين تعرف بدار الغزي (2).

(1) هو إمام أهل الشام في القراءة، وإليه انتهت مشيخة الأقراء فيها، وهو أحد القراء السبعة
المشهورين الثقات، توفي سنة 118 ه‍.
(2) انظر " تاريخ دمشق " لابن عساكر، المجلدة الثانية: 138 طبعة المجمع العلمي
بدمشق. وأخرج أبو زرعة في " تاريخه " (142) و (215) حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر
قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: عمر أمر أبا الدرداء على القضاء - يعني بدمشق - وكان
القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب.
336

ويروى له مئة وتسعة وسبعون حديثا.
واتفقا له على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثمانية.
روى سعيد بن عبد العزيز، عن مغيث بن سمي: أن أبا الدرداء،
عويمر بن عامر من بني الحارث بن الخزرج.
وقال ابن إسحاق مرة: هو عويمر بن ثعلبة.
مات قبل عثمان بثلاث سنين (1).
وقال البخاري: سألت رجلا من ولد أبي الدرداء، فقال: اسمه عامر
ابن مالك. ولقبه: عويمر (2).
وقال أبو مسهر: هو عويمر بن ثعلبة. وقال أحمد، وابن أبي شيبة،
وعدة: عويمر بن عامر (3).
وآخر من زعم أنه رأى أبا الدرداء، شيخ عاش إلى دولة الرشيد، فقال أبو
إبراهيم الترجماني: حدثنا إسحاق أبو الحارث، قال: رأيت أبا الدرداء أقنى
أشهل يخضب بالصفرة (4).
روى الأعمش، عن خيثمة: قال أبو الدرداء: كنت تاجرا قبل
المبعث، فلما جاء الاسلام، جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا،

(1) تاريخ ابن عساكر 13 / 367 / 1، وفي " تاريخ دمشق " لأبي زرعة (202) و (2115) من
طريق سعيد بن عبد العزيز عن الأوزاعي قال: مات أبو الدرداء وكعب الأحبار في خلافة عثمان
لسنتين من خلافته.
(2) تاريخ البخاري " 7 / 76.
(3) " تاريخ ابن عساكر " 13 / 367 / 1.
(4) " المستدرك " 3 / 337، وفيه " أبو إسحاق الأجرب " بدل " إسحاق أبو الحارث "،
وتاريخ ابن عساكر 13 / 369 / 1.
سير 2 / 22
337

فتركت التجارة، ولزمت العبادة (1).
قلت: الأفضل جمع الامرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله، هو طريق
جماعة من السلف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك،
فبعضهم يقوى على الجمع، كالصديق، و عبد الرحمن بن عوف، وكما
كان ابن المبارك; وبعضهم يعجز، ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى
في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس; وكل سائغ. ولكن لا بد من النهضة
بحقوق الزوجة والعيال.
قال سعيد بن عبد العزيز: أسلم أبو الدرداء يوم بدر، ثم شهد أحدا،
وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن يرد من على الجبل، فردهم وحده. وكان قد
تأخر إسلامه قليلا (2).
قال شريح بن عبيد الحمصي: لما هزم أصحاب رسول الله يوم أحد،
كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله في الناس، فلما أظلهم
المشركون من فوقهم، قال [رسول الله]: " اللهم، ليس لهم أن يعلونا "
فثاب إليه ناس، وانتدبوا، وفيهم عويمر أبو الدرداء، حتى أدحضوهم عن
مكانهم، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء. فقال رسول الله: " نعم
الفارس عويمر " (3)!

(1) أخرجه " ابن سعد " 7 / 391، عن أبي معاوية الضرير بهذا الاسناد، وذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 367، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وهو في " تاريخ ابن
عساكر " 13 / 37 / 1.
(2) ابن عساكر 13 / 370 / 1.
(3) ابن عساكر 13 / 370 / 1، وهو مرسل، فإن شريح بن عبيد لم يدرك أبا الدرداء،
وانتدبوا: أسرعوا، وأدحضوهم: أزالوهم. وانظر ابن سعد 7 / 392، و " المستدرك "
3 / 337.
338

وقال: " حكيم أمتي عويمر "!
هذا رواه يحيى البابلتي: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح (1).
ثابت البناني، وثمامة، عن أنس: مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآن
غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد (2).
وقال زكريا، وابن أبي خالد، عن الشعبي: جمع القرآن على عهد
رسول الله ستة، وهم من الأنصار: معاذ، وأبو الدرداء، وزيد، وأبو
زيد، وأبي، وسعد بن عبيد (3).
وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان، حين توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم (4).

(1) هو مرسل كسابقه.
(2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 9 / 47، 48 في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في تاريخه أيضا 7 / 706، وابن عساكر 13 / 370 / 2. وأبو زيد هذا: هو
أحد عمومة أنس كما جاء مصرحا به في هذا الحديث. وذكر علي ابن المديني أن اسمه أوس،
وعن يحيى بن معين: هو ثابت بن زيد، وقيل: هو سعد بن عبيد بن النعمان، وبذلك جزم
الطبراني عن شيخه أبي بكر بن صدقة، وقال: وهو الذي كان يقال له: القارئ، وكان على
القادسية، واستشهد بها، وهو والد عمير بن سعد، وعن الواقدي: هو قيس بن السكن بن قيس
ابن زعوراء بن حرام الأنصاري النجاري، ويرجحه قول أنس: أحد عمومتي، فإنه من قبيلة بني
حرام، والقصر في هذا الحديث إضافي لا حقيقي، فقد حفظ القرآن جميعه الجم الغفير من
الصحابة رضي الله عنهم سرد منهم الحافظ في " الفتح " 9 / 47، 48 فراجعه.
(3) " ابن عساكر " 13 / 370 / 2 وأخرجه ابن سعد 2 / 355 من طريق محمد بن يزيد
الواسطي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، ورجاله ثقات، وسنده صحيح مع إرساله،
وانظر ترجمة " سعد بن عبيد " في " الإصابة " 4 / 154.
(4) أخرجه ابن سعد 2 / 355.
339

إسماعيل، عن الشعبي، قال: كان ابن مسعود قد أخذ بضعا وسبعين
سورة، يعني من النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم بقيته من مجمع، ولم يجمع أحد من
الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان (1).
قال أبو الزاهرية: كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاما (2)، وكان
يعبد صنما، فدخل ابن رواحة، ومحمد بن مسلمة بيته، فكسرا صنمه،
فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن
نفسك، فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه،
ونفعها!
فقال أبو الدرداء: أعدي لي ماء في المغتسل. فاغتسل، ولبس حلته،
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم; فنظر إليه ابن رواحة مقبلا، فقال: يا رسول الله،
هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا؟ فقال: " إنما جاء ليسلم، إن
ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم " (3).
روى من قوله: " وكان يعبد... " إلى آخره " معاوية بن صالح، عن
أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير.
وروى منه، أبو صالح، عن معاوية عن أبي الزاهرية، عن جبير، عن

(1) أخرجه " ابن سعد " 2 / 355.
(2) أخرجه أبو زرعة في " تاريخه " (204) من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن
صالح، عن أبي الزاهرية، وأبو الزاهرية: هو حدير بن كريب الحمصي صدوق من الثالثة، مات
على رأس المئة.
(3) أخرجه: ابن عساكر 13 / 369 / 2، وانظر " المستدرك " 3 / 336، 337.
340

أبي الدرداء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء،
فأسلم " (1).
وروى أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز: أن أبا الدرداء أسلم يوم
بدر، وشهد أحدا. وفرض له عمر في أربع مئة - يعني في الشهر - ألحقه في
البدريين.
وقال الواقدي: قيل: لم يشهد أحدا.
سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول: كانت الصحابة يقولون: أرحمنا
بنا أبو بكر; وأنطقنا بالحق عمر; وأميننا أبو عبيدة; وأعلمنا بالحرام
والحلال معاذ; وأقرأنا أبي، ورجل عنده علم ابن مسعود، وتبعهم عويمر
أبو الدرداء بالعقل (2).
وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو
الدرداء (3).
وروى عون بن أبي جحيفة، عن أبيه: أن رسول الله آخى بين سلمان
وأبي الدرداء; فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما
شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار.
فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعاما. فقال له سلمان: كل.
قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك لتفطرن. فأكل معه. ثم بات
عنده، فلما كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال:

(1) ابن عساكر 13 / 369 / 2.
(2) ابن عساكر 13 / 371 / 1.
(3) تاريخ البخاري 7 / 77، وابن عساكر 13 / 371 / 2.
341

إن لجسدك عليك حقا. ولربك عليك حقا. ولأهلك عليك حقا; صم،
وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه.
فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت; فقاما، فتوضأ، ثم
ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره
سلمان. فقال له: " يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقا، مثل ما قال لك
سلمان " (1).
البابلتي: حدثنا الأوزاعي: حدثنا حسان بن عطية، قال: قال أبو
الدرداء: لو أنسيت آية لم أجد أحدا يذكرنيها إلا رجلا ببرك الغماد، رحلت
إليه (2).
الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء، قال: سلوني،
فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلا عظيما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم (3).
ربيعة القصير، عن أبي إدريس، عن يزيد بن عميرة، قال: لما
حضرت معاذا الوفاة، قالوا: أوصنا. فقال: العلم والايمان مكانهما، من
ابتغاهما وجدهما. - قالهما ثلاثا - فالتمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي

(1) صحيح، أخرجه البخاري 4 / 182، 184 في الصوم: باب من أقسم على أخيه ليفطر في
التطوع، وفي الأدب: باب صنع الطعام والتكلف للضيف، من طريق محمد بن بشار، عن
جعفر بن عون، عن أبي العميس عتبة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه - وهو في سنن الترمذي
(2415) وتاريخ ابن عساكر 13 / 371 / 2. وقوله " متبذلة " أي: لابسة ثياب البذلة وهي المهنة.
وزنا ومعنى.
(2) أخرجه ابن عساكر 13 / 372 / 2، وبرك الغماد: موضع بناحية اليمن، وقيل: هو موضع
في أقاصي أرض هجر.
(3) ابن عساكر 13 / 372 / 2.
342

الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، و عبد الله بن سلام، الذي كان يهوديا
فأسلم (1).
وعن ابن مسعود: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق. وآخر بالشام -
يعني أبا الدرداء - وهو يحتاج إلى الذي بالعراق - يعني نفسه - وهما يحتاجان
إلى الذي بالمدينة - يعني عليا رضي الله عنه (2).
إسناده ضعيف.
ابن وهب: أخبرني يحيى بن عبد الله، عن عبد الرحمن الحجري،
قال: قال أبو ذر لأبي الدرداء: ما حملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم
منك يا أبا الدرداء (3).
منصور، عن رجل، عن مسروق، قال: وجدت علم الصحابة انتهى
إلى ستة: عمر، وعلي، وأبي، وزيد، وأبي الدرداء، وابن مسعود; ثم
انتهى علمهم إلى علي، و عبد الله (4).
وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين.
فيقال: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء (5).

(1) ابن عساكر 13 / 373 / 1.
(2) ابن عساكر 13 / 373 / 1.
(3) ابن عساكر 13 / 373 / 2، والورقاء: الغبراء، أراد بها الأرض، والخضراء: السماء.
(4) ابن عساكر 13 / 373 / 2، وأخرجه ابن سعد 2 / 351 من طريق الفضل بن دكين، عن
القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق. وإسناده صحيح.
(5) أخرجه ابن سعد 2 / 350 من طريق قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان، عن ثور بن يزيد
الكلاعي، عن خالد بن معدان، ورجاله ثقات، وهو في تاريخ ابن عساكر 13 / 384 / 1.
343

وروى سعد بن إسحاق، عن محمد بن كعب، قال: جمع القرآن
خمسة: معاذ، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأبي، وأبو أيوب.
فلما كان زمن عمر، كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد
كثروا، وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم.
فأعني برجال يعلمونهم، فدعا عمر الخمسة; فقال: إن إخوانكم قد
استعانوني من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعينوني يرحمكم الله
بثلاثة منكم إن أحببتم، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا.
فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم -
لأبي - فخرج معاذ، وعبادة وأبو الدرداء.
فقال عمر: ابدؤوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوه
مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك، فوجهوا إليه طائفة من الناس،
فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى
فلسطين. قال: فقدموا حمص فكانوا بها; حتى إذا رضوا من الناس أقام بها
عبادة بن الصامت; وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين،
فمات في طاعون عمواس. ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين وبها مات. ولم
يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات (1).

(1) أخرجه ابن سعد 2 / 356، 357 من طريق أبي بكر عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس،
عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن محمد بن كعب القرظي،..
ورجاله ثقات، وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 41، 42 من طريق إسماعيل بن أبي
أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، بهذا الاسناد، وهو في تاريخ ابن عساكر
13 / 384 / 2.
وعمواس: قرية على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وطاعون عمواس كان
في سنة 18 ه‍، وفيه استشهد أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم
" العبر " 1 / 21، 22. ونتساهم: نتقارع من القرعة. ويلقن: يفهم، من لقن الشئ يلقنه
لقنا، وكذلك الكلام، وتلقنه: فهمه، ولقنه إياه: فهمه.
344

الأحوص بن حكيم: عن راشد بن سعد، قال: بلغ عمر أن أبا
الدرداء، ابتنى كنيفا بحمص. فكتب إليه: يا عويمر، أما كانت لك كفاية
فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا، وقد أذن الله بخرابها. فإذا أتاك كتابي،
فانتقل إلى دمشق (1).
مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: كان أبو الدرداء، إذا قضى بين
اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر إليهما، فقال: ارجعا إلي، أعيدا علي
قضيتكما (2).
معمر، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال:
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلام عليك. أما بعد، فإن العبد إذا
عمل بمعصية الله، أبغضه الله; فإذا أبغضه الله، بغضه إلى عباده (3).
وقال أبو وائل، عن أبي الدرداء: إني لآمركم بالامر وما أفعله، ولكن
لعل الله يأجرني فيه.
شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر قال لابن مسعود،
وأبي ذر، وأبي الدرداء: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأحسبه
حبسهم بالمدينة حتى أصيب (4).

(1) ابن عساكر 13 / 385 / 2.
(2) ابن عساكر 13 / 385 / 2.
(3) ابن عساكر 13 / 374 / 1 و 385 / 2.
(4) تاريخ ابن عساكر، 13 / 376 / 1، وأخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (1479) من
طريق عبد الله بن صالح المصري عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، دون قوله " وأحسبه
حبسهم بالمدينة حتى أصيب " ورجاله ثقات.
345

سعيد بن عبد العزيز، عن مسلم بن مشكم: قال لي أبو الدرداء:
اعدد من في مجلسنا. قال: فجاؤوا ألفا وست مئة ونيفا. فكانوا يقرؤون
ويتسابقون عشره عشرة، فإذا صلى الصبح، انفتل وقرأ جزءا; فيحدقون به
يسمعون ألفاظه. وكان ابن عامر مقدما فيهم (1).
وقال هشام بن عمار: حدثنا يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، قال: كان
أبو الدرداء يصلي، ثم يقرئ ويقرأ، حتى إذا أراد القيام، قال لأصحابه:
هل من وليمة أو عقيقة (2) نشهدها؟ فإن قالوا: نعم، وإلا قال: اللهم، إني
أشهدك أني صائم. وهو الذي سن هذه الحلق للقراءة.
قال القاسم بن عبد الرحمن: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم (3).
أبو الضحى، عن مسروق، قال: شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،
فوجدت علمهم انتهى إلى عمر، وعلي، و عبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء،
وزيد بن ثابت (4).
وعن يزيد بن معاوية، قال: إن أبا الدرداء من العلماء الفقهاء، الذين
يشفون من الداء (5).

(1) رجاله ثقات.
(2) العقيقة: هي الشاة التي تذبح عن الولد في اليوم السابع من ولادته.
(3) ابن عساكر 13 / 373 / 2.
(4) أخرجه ابن سعد 2 / 351، وإسناده صحيح، وأبو الضحى: هو مسلم بن صبيح، وقد
تقدم تخريجه في الصفحة 343 ت 4، وقوله: شاممت. يقال: شاممت فلانا: إذا قاربته
وعرفت ما عنده بالاختبار والكشف.
(5) ابن عساكر 13 / 373 / 2.
346

وقال الليث، عن رجل عن آخر: رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم، ومعه من الاتباع مثل السلطان: فمن سائل عن فريضة، ومن سائل
عن حساب، وسائل عن حديث، وسائل عن معضلة، وسائل عن شعر.
قال ربيعة بن يزيد القصير: كان أبو الدرداء إذا حدث عن رسول الله
قال: اللهم إن لا هكذا، وإلا فكشكله (1).
منصور، عن سالم بن أبي الجعد، قال أبو الدرداء: مالي أرى
علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون! تعلموا، فإن العالم والمتعلم
شريكان في الاجر (2).
وعن أبي الدرداء، من وجه مرسل: لن تكون عالما حتى تكون
متعلما، ولا تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا; إن أخوف ما أخاف
إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت (3)؟
جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال أبو الدرداء: ويل للذي
لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات (7).

(1) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (1474) من طريق عبد الله بن صالح المصري،
عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد قال: كان أبو الدرداء إذا تحدث قال: اللهم إن لا
هكذا، فكشكله، وأخرجه أبو خيثمة رقم (105) في: كتاب العلم، من طريق معن، عن
معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء، وأخرجه ابن سعد 7 / 392 من طريق
الواقدي عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء أنه كان إذا حدث الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إن لم يكن هكذا، فشبهه، فشكله.
(2) ابن عساكر 13 / 375 / 2.
(3) أخرجه ابن سعد 2 / 375 من طريق جعفر بن برقان أن أبا الدرداء قال:... وهو في
تاريخ ابن عساكر 13 / 377 / 1.
(4) ابن عساكر 13 / 377 / 1.
347

ابن عجلان، عن عون بن عبد الله: قلت لام الدرداء: أي عبادة أبي
الدرداء كانت أكثر؟ قالت: التفكر والاعتبار (1).
وعن أبي الدرداء: تفكر ساعة خير من قيام ليلة (2).
عمرو بن واقد، عن ابن حلبس: قيل لأبي الدرداء - وكان لا يفتر من
الذكر -: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مئة ألف، إلا أن تخطئ
الأصابع (3).
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: بينا أبو
الدرداء يوقد تحت قدر له، إذ سمعت في القدر صوتا ينشج، كهيئة صوت
الصبي، ثم انكفأت القدر، ثم رجعت إلى مكانها، لم ينصب منها شئ.
فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا
أبوك! فقال له سلمان: أما إنك لو سكت، لسمعت من آيات ربك
الكبرى (4).
الأوزاعي، عن بلال بن سعد، أن أبا الدرداء قال: أعوذ بالله من تفرقة
القلب. قيل: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يجعل لي في كل واد مال (5).

(1) ابن عساكر 13 / 377.
(2) أخرجه ابن سعد 7 / 392 من طريق أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن عمرو بن
مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء. وهو في " تاريخ ابن عساكر "
13 / 377 / 2.
(3) ابن عساكر 13 / 377 / 2.
(4) ابن عساكر 13 / 378 / 2، 379 / 1.
(5) ابن عساكر 13 / 379 / 1.
348

روي عن أبي الدرداء، قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ
الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى
أطايب الثمر (1).
الأعمش، عن غيلان، عن يعلى بن الوليد، قال: لقيت أبا الدرداء،
فقلت: ما تحب لمن تحب؟ قال: الموت. قلت: فإن لم يمت؟ قال:
يقل ماله وولده (2).
قال معاوية بن قرة: قال أبو الدرداء: ثلاثة أحبهن، ويكرههن الناس:
الفقر، والمرض، والموت. أحب الفقر تواضعا لربي، والموت اشتياقا
لربي، والمرض تكفيرا لخطيئتي (3).
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه: أن أبا الدرداء أوجعت
عينه حتى ذهبت، فقيل له: لو دعوت الله؟ فقال: ما فرغت بعد من دعائه
لذنوبي; فكيف أدعو لعيني (4)؟
حريز بن عثمان: حدثنا راشد بن سعد، قال: جاء رجل إلى أبي

(1) ابن عساكر 13 / 380 / 1.
(2) أخرجه ابن سعد 7 / 393 من طريق أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن غيلان بن
بشير، عن يعلى بن الوليد، عن أبي الدرداء، وهو في تاريخ ابن عساكر 13 / 380 / 2. ولا إخال
هذا يصح عن أبي الدرداء. فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القدوة دعا لأنس - وكان يحبه بإطالة العمر وكثرة
المال والولد.
(3) أخرجه ابن سعد 7 / 392 من طريق عمرو بن مرة قال: سمعت شيخا يحدث، عن أبي
الدرداء، وإسناده ضعيف، لجهالة الواسطة بين عمرو بن مرة وأبي الدرداء. وهو في " ابن
عساكر " 13 / 380، 381 / 1 وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأكمل والأفضل والواجب الاتباع، فقد كان
صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفقر، وينهى عن تمني الموت، ويسأل الله العافية.
(4) ابن عساكر 13 / 381 / 2.
349

الدرداء فقال: أوصني. قال: أذكر الله في السراء يذكرك في الضراء; وإذا
ذكرت الموتى، فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شئ من
الدنيا، فانظر إلى ما يصير (1).
إبراهيم النخعي، عن همام بن الحارث: كان أبو الدرداء يقرئ رجلا
أعجميا: * (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) * [الدخان: 43] فقال: " طعام
اليتيم " فرد عليه; فلم يقدر أن يقولها. فقال: قل: طعام الفاجر. فأقرأه
" طعام الفاجر ".
منصور، عن عبد الله بن مرة، أن أبا الدرداء قال: ا عبد الله كأنك تراه
وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلا يغنيك خير
من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى، وأن الاثم لا ينسى (2).
شيبان، عن عاصم، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء: إياك ودغوات
المظلوم; فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار (3).
وروى لقمان بن عامر، أن أبا الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون
ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم
فضول أموال ينظرون إليها، وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها
برآء (4).
وعنه، قال: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند

(1) ابن عساكر 13 / 381 / 2، وقوله: " وإذا أشرفت نفسك على شئ " أي تطلعت إليه.
(2) ابن عساكر 13 / 382 / 1.
(3) ابن عساكر 13 / 382 / 1.
(4) ابن عساكر 13 / 383 / 2.
350

الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم حينئذ. ما أنصفنا إخواننا الأغنياء: يحبوننا
على الدين، ويعادوننا على الدنيا (1).
رواه صفوان بن عمرو الحمصي، عن عبد الرحمن بن جبير.
وروى صفوان، عن ابن جبير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرس، مر
بالسبي على أبي الدرداء، فبكى، فقلت له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي
أعز الله فيه الاسلام وأهله؟ قال: يا جبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ
عصوا الله، فلقوا ما ترى. ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه (2).
بقية، عن حبيب بن عمر، عن أبي عبد الصمد، عن أم الدرداء،
قالت: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت: إني أخاف أن
يحمقك الناس. فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدث بحديث إلا تبسم.
أخرجه أحمد في " المسند " (3).
عكرمة بن عمار، عن أبي قدامة محمد بن عبيد، عن أم الدرداء،
قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث منه خليل في الله. يدعو لهم في
الصلاة، فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب.
إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغب أن تدعو لي
الملائكة (4).

(1) ابن عساكر 13 / 383 / 2.
(2) ابن عساكر 13 / 389 / 1.
(3) 5 / 199، وبقية مدلس وقد عنعن، وحبيب بن عمر ضعيف. وهو في " تاريخ ابن
عساكر " 13 / 389 / 2.
(4) ابن عساكر 13 / 389 / 2.
351

وقال أبو الزاهرية: قال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا
لتلعنهم (1).
قالت أم الدرداء: لما احتضر أبو الدرداء، جعل يقول: من يعمل لمثل
يومي هذا؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق: أخبرنا الفتح بن عبد السلام،
أخبرنا محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن علي، ومحمد بن أحمد
الطرائقي: قالوا: أخبرنا محمد بن أحمد بن المسلمة: أخبرنا عبيد الله
ابن عبد الرحمن: أخبرنا جعفر الفريابي: حدثنا محمد بن عائذ: حدثنا
الهيثم بن حميد: حدثنا الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مزيد، قال: ذكر
الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء فقال نوف البكالي (2): إني لغير الدجال
أخوف مني من الدجال. فقال أبو الدرداء: وما هو؟ قال: أخاف أن أستلب
إيماني وأنا لا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا ابن الكندية! وهل في

(1) ابن عساكر 13 / 391 / 2، وعلقه البخاري في " صحيحه " 10 / 437 في الأدب: باب
المداراة مع الناس، قال الحافظ: وهذا الأثر وصله ابن أبي الدنيا، وإبراهيم الحربي في " غريب
الحديث "، والدينوري في " المجالسة " من طريق أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي
الحديث "، والدينوري في " المجالسة " من طريق أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي
الدرداء، فذكر مثله، وزاد: ونضحك إليهم، وذكره بلفظ اللعن، ولم يذكر الدينوري في إسناده
جبير بن نفير، ورويناه في فوائد أبي بكر بن المقري من طريق كامل أبي العلاء، عن أبي صالح،
عن أبي الدرداء قال: إنا لنكشر أقواما فذكر مثله، وهو منقطع، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " من
طريق خلف بن حوشب قال: قال أبو الدرداء فذكره، وهو منقطع أيضا.
والكشر: ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك، والاسم: الكشرة، كالعشرة.
(2) نوف البكالي: هو ابن امرأة كعب الأحبار وقع ذكره في " الصحيحين " في حديث سعيد
ابن جبير عن ابن عباس، عن أبي بن كعب في قصة موسى مع الخضر، وذكره ابن حبان في
الثقات، وقال: كان راوية للقصص، ذكره البخاري في " الأوسط " في فصل من مات ما بين
التسعين أي المئة. وقد التبس أمره على الأستاذ الأبياري، فحذفه، وأثبت مكانه " ابن
الكندية ".
352

الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف؟ ثم قال: وثلاثون، وعشرون،
وعشرة، وخمسة. ثم قال: وثلاثة. كل ذلك يقول: ثكلتك أمك! والذي
نفسي بيده ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه، أو انتزع منه فيفقده. والذي
نفسي بيده ما الايمان إلا كالقميص يتقمصه مرة ويضعه أخرى.
قال الواقدي، وأبو مسهر، وابن نمير: مات أبو الدرداء سنة اثنتين
وثلاثين (1).
وعن خالد بن معدان، قال: مات سنة إحدى وثلاثين (2).
فهذا خطأ، لان الثوري روى عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن
حريث بن ظهير، قال: لما جاء نعي يعني ابن مسعود إلى أب ي الدرداء،
قال: أما إنه لم يخلف بعده مثله! ووفاة عبد الله في سنة 32.
وروى إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبيد الله الأشعري، قال: مات
أبو الدرداء قبل مقتل عثمان، رضي الله عنهما (3).
وقيل: الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل،
ولكل عشرة منهم ملقن، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما، فإذا أحكم
الرجل منهم، تحول إلى أبي الدرداء يعني يعرض عليه.
وعن أبي الدرداء، قال: من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده.

(1) ابن سعد 7 / 393، وابن عساكر 13 / 392 / 2.
(2) ابن عساكر 13 / 392 / 2.
(3) وانظر " تاريخ دمشق " 1 / 220 و 2 / 689 لأبي زرعة.
سير 2 / 23
353

69 عياض بن غنم *
ابن زهير بن أبي شداد، أبو سعد الفهري.
ممن بايع بيعة الرضوان. واستخلفه قرابته أبو عبيدة بن الجراح، لما
احتضر، على الشام (1).
حدث عنه: جبير بن نفير; وغيره.
وكان خيرا صالحا زاهدا سخيا. وهو الذي افتتح الجزيرة صلحا. أقره
عمر على الشام. فعاش بعد نحوا من عامين.
وقيل: عاش ستين سنة، ومات في سنة عشرين بالشام (2).
قال ابن سعد: شهد الحديبية، وكان أحد الامراء الخمسة يوم
اليرموك (3).

* طبقات خليفة: 28، 300، تاريخ خليفة: 147، التاريخ الكبير: 7 / 18 19، تاريخ
الفسوي: 3 / 307، المستدرك: 3 / 289 291، الاستبصار: 298، الاستيعاب:
3 / 1235، تاريخ ابن عساكر: 13 / 407 / 2، أسد الغابة: 4 / 327، تاريخ الاسلام: 2 / 36،
العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد: 9 / 404، الإصابة: 7 / 189، شذرات الذهب: 1 / 31.
(1) " تاريخ دمشق " لأبي زرعة (192) وابن سعد 7 / 398، والحاكم 3 / 290، و " مجمع
الزوائد " 9 / 404.
(2) ابن سعد 7 / 398، و " المستدرك " 3 / 290.
(3) اليرموك: واد في حوزان جنوب دمشق في طرف الغور، ووقعة اليرموك كانت بين
المسلمين والروم، تم فيها النصر والغلب للمسلمين، وقد اختلفوا في السنة التي كانت فيها هذه
الوقعة، فقد نقل الحافظ ابن عساكر عن يزيد بن أبي عبيدة، والوليد، وابن لهيعة، والليث،
وأبي معشر أنها كانت في سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق، وقال ابن إسحاق: كانت في رجب
سنة خمس عشرة، وقال خليفة بن خياط: قال ابن الكلبي: كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. قال ابن عساكر: وهذا هو المحفوظ، وأما ما قاله سيف من
أنها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة، فلم يتابع عليه. والامراء: هم أبو عبيدة، وشرحبيل بن
حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص.
354

روى عنه: عياض بن عمرو الأشعري.
قلت: فأما عياض بن زهير الفهري، فبدري كبير. وهو عم عياض بن
غنم. يكنى أيضا: أبا سعد، لا رواية له، توفي زمن عثمان في سنة
ثلاثين، رضي الله عنهما.
70 سلمة بن سلامة *
ابن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل، أبو عوف الأشهلي، ابن
عمة محمد بن مسلمة.
شهد العقبتين، وبدرا وأحدا، والمشاهد (1).
وله حديث في " مسند " الإمام أحمد من رواية محمود بن لبيد عنه (2).

* مسند أحمد: 3 / 467، طبقات ابن سعد: 3 / 439، طبقات خليفة: 77، تاريخ خليفة:
207، التاريخ الكبير: 4 / 68 69، المعارف: 263، تاريخ الفسوي: 1 / 334،
المستدرك: 3 / 417 419، الاستبصار: 2222، الاستيعاب: 2 / 641، أسد الغابة:
2 / 428، تاريخ الاسلام: 2 / 227، الإصابة: 4 / 230.
(1) ابن سعد 3 / 440.
(2) في الأصل: محمود بن الربيع عنه وهو تحريف، وهو في " المسند " 3 / 467 من طريق
ابن إسحاق حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد
الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر، قال: كان لنا جار من يهود في بني
عبد الأشهل، وقال: فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، فوقف على مجلس عبد
الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا، علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر
البعث، والقيامة، والحساب، والميزان، والجنة، والنار، فقال: ذلك لقوم أهل شرك
أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم. إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي
يحلف به، لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا، يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به
عليه، وأن ينجو من تلك النار غدا، قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو
هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا
فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث
الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: يولك يا فلان،
ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال بلى، وليس به. وإسناده قوي، فقد صرح فيه ابن إسحاق
بالتحديث.
355

قيل: توفي سنة أربع وثلاثين.
وقال ابن سعد. مات سنة خمس وأربعين، وهو ابن سبعين سنة. ودفن
بالمدينة. وقد انقرض عقبه (1).
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي سبرة بن أبي رهم العامري. وقيل: بينه
وبين الزبير بن العوام.
71 النعمان بن مقرن *
أبو حكيم; وقيل: أبو عمرو المزني; الأمير. صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم.

(1) ابن سعد 3 / 440.
* مسند أحمد: 5 / 444، التاريخ لابن معين: 608، طبقات ابن سعد: 6 / 18، طبقات
خليفة: 38، 128، 177، تاريخ خليفة: 149، التاريخ الكبير: 8 / 75، المعارف: 75،
183، 299، الجرح والتعديل: 8 / 444، المستدرك: 3 / 292 295، الاستيعاب:
4 / 1505، أسد الغابة: 5 / 342، تهذيب الكمال: 1418، تاريخ الاسلام: 2 / 44، العبر:
1 / 25، تهذيب التهذيب: 10 / 456، الإصابة: 10 / 170، خلاصة تذهيب الكمال: 403،
شذرات الذهب: 1 / 32.
356

كان إليه لواء قومه يوم فتح مكة. ثم كان أمير الجيش الذين افتتحوا
نهاوند (1). فاستشهد يومئذ (2).
وكان مجاب الدعوة، فنعاه عمر على المنبر إلى المسلمين، وبكى.
حدث عنه: ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيضم،
وجبير بن حية الثقفي.
وكا مقتله في سنة إحدى وعشرين، يوم جمعة، رضي الله عنه (3).
زائدة: حدثنا عاصم بن كليب الجرمي: حدثني أبي: أنه أبطأ على
عمر خبر نهاوند وابن مقرن، وأنه كان يستنصر، وأن الناس كانوا، مما
يرون من استنصاره، ليس همهم إلا نهاوند وابن مقرن; فجاء إليهم أعرابي
مهاجر; فلما بلغ البقيع، قال: ما أتاكم عن نهاوند؟ قالوا: وما ذاك؟
قال: لا شئ. فأرسل إليه عمر، فأتاه، فقال: أقبلت بأهلي مهاجرا حتى
وردنا مكان كذا وكذا، فلما صدرنا إذا نحن براكب على جمل أحمر، ما
رأيت مثله، فقلت: يا عبد الله، من أين أقبلت؟ قال: من العراق. قلت:
ما خبر الناس؟ قال: اقتتل الناس بنهاوند، ففتحها الله، وقتل ابن مقرن;
والله ما أدري أي الناس هو؟ ولا ما نهاوند؟ فقال: أتدري أي يوم ذاك من
الجمعة؟ قال: لا. قال عمر: لكني أدري! عد منازلك. قال: نزلنا مكان
كذا، ثم ارتحلنا، فنزلنا منزل كذا، حتى عد. فقال عمر: ذاك يوم كذا
وكذا من الجمعة; لعلك تكون لقيت بريدا من برد الجن، فإن لهم بردا.

(1) نهاوند: مدينة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، كان فتحها سنة 21 ه‍ في خلافة عمر
رضي الله عنه. انظر " تاريخ الاسلام " 2 / 39، 42 للمؤلف.
(2) ابن سعد 6 / 18، و " الاستيعاب " 10 / 319، و " الإصابة " 10 / 170.
(3) " أسد الغابة " 5 / 343، و " المستدرك " 3 / 292.
357

فلبث ما لبث، ثم جاء البشير: بأنهم التقوا ذلك اليوم (1).
بنو عفراء:
72 معاذ بن الحارث *
ابن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن
النجار، الأنصاري النجاري.
أخو عوف، ورافع، ورفاعة.
وأمهم عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك
ابن النجار. كان شهد بدرا.
وله من الولد: عبيد الله، والحارث، وعوف، وسلمى، وإبراهيم،
وعائشة، وسارة.
قال الواقدي: يروى أن معاذا هذا، ورافع بن مالك الزرقي، أول من
أسلم من الأنصار بمكة. وأمر الستة أثبت (2).
وشهد معاذ العقبتين جميعا، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معمر بن
الحارث الجمحي، أحد البدريين (3).

(1) رجال السند المذكور هنا ثقات، وزائدة: هو ابن قدامة الثقفي.
* طبقات ابن سعد: 3 / 491، طبقات خليفة: 90، تاريخ خليفة: 202، المستدرك:
3 / 521، الاستيعاب: 3 / 1407، أسد الغابة: 5 / 197، تهذيب الكمال: 1338، تهذيب
التهذيب: 10 / 188، الإصابة: 9 / 221، خلاصة تذهيب الكمال: 380، شذرات الذهب:
1 / 71.
(2) " طبقات ابن سعد " 3 / 491، 492، و " أسد الغابة " 5 / 198، و " الاستيعاب "
10 / 118.
(3) ابن سعد 3 / 492.
358

ومات معاذ بعد مقتل عثمان، وله عقب (1).
73 معوذ بن الحارث *
ابن رفاعة ابن عفراء. وهو والد الربيع بنت معوذ، وأختها عميرة.
شهد العقبة مع السبعين، عند ابن إسحاق فقط.
وهو الذي قيل: إنه ضرب أبا جهل، هو وأخوه عوف، حتى أثخناه.
وعطف هو عليهما، فقتلهما، ثم وقع صريعا، ثم ذفف عليه (2) ابن
مسعود.
وكان معوذ وعوف (3) قد وقفا يومئذ في الصف بجنب عبد الرحمن بن
عوف، وقالا له: يا عم، أتعرف أبا جهل؟ فإنه بلغنا أنه يؤذي رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فدلاهما عليه، فشدا معا عليه.
74 عوف بن الحارث * *
ابن رفاعة، ابن عفراء.

(1) ابن سعد 3 / 492، و " الاستيعاب " 10 / 118.
* طبقات ابن سعد: 3 / 492، طبقات خليفة: 90، تاريخ خليفة: 61، المعارف:
597، الاستبصار: 66، الاستيعاب: 4 / 1442، أسد الغابة: 5 / 240، الإصابة: 9 / 265.
(2) ذفف عليه: أجهز عليه، والخبر في " ابن سعد " 3 / 492.
(3) في " ابن هشام " 1 / 634، 635: معاذ بن عمرو بن الجموع ومعوذ بن عفراء، وفي
" المسند " 3 / 115 و 129 و 236، و " البخاري " 7 / 229، ومسلم (1800) من حديث أنس:
ابنا عفراء، ولم يسميا، وفي البخاري 6 / 177 من حديث عبد الرحمن بن عوف: وكانا معاذ ابن
عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموع، وسيذكر المؤلف بعد قليل أن هذه الرواية أصح.
* * طبقات ابن سعد: 3 / 492، طبقات خليفة: 90، تاريخ خليفة: 61، الجرح
والتعديل: 7 / 14، الاستبصار: 64، الاستيعاب: 3 / 1225، أسد الغابة: 4 / 311،
الإصابة: 7 / 177.
359

شهد العقبة. وبعضهم عده أحد الستة النفر الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولا (1).
شهد بدرا واستشهد.
وأخوهم الرابع:
75 رفاعة *
بدري تفرد بذكره ابن إسحاق، فقال الواقدي: ليس ذلك عندنا بثبت.
ولعوف عقب.
قال جرير بن حازم: سمعت محمد بن سيرين يقول في قتل أبي جهل:
أقعصه ابنا عفراء، وذفف عليه ابن مسعود (2).
قال جرير بن حازم: سمعت محمد بن سيرين يقول في قتل أبي جهل:
أقعصه ابنا عفراء، وذفف عليه ابن مسعود (2).
وفي رواية صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن
جده: أن اللذين سألاه، وقتلا أبا جهل: معاذ بن عمرو بن الجموع;
ومعاذ ابن عفراء (3). وهو أصح.

(1) ابن سعد 3 / 492، 493.
* العبر: 1 / 41.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 493 عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، يقال: ضربه،
فأقعصه: إذا قتله مكانه، والإقعاص: أن تضرب الشئ أو ترميه، فيموت مكانه.
(3) أخرجه البخاري 6 / 175، 176 في الخمس: باب من لم يخمس الأسلاب، من طريق
مسدد، عن يوسف بن الماجشون بهذا الاسناد.
360

76 حذيفة بن اليمان * (ع)
من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وهو صاحب المان * (ع)
من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وهو صاحب السر (1).
واسم اليمان: حسل ويقال: حسيل ابن جابر العبسي اليماني، أبو
عبد الله. حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين.
حدث عنه: أبو وائل; وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وربعي بن
حراش، وصلة بن زفر، وثعلبة بن زهدم، وأبو العالية الرياحي، وعبد
الرحمن بن أبي ليلى، ومسلم بن نذير، وأبو إدريس الخولاني، وقيس بن
عباد، وأبو البختري الطائي، ونعيم بن أبي هند، وهمام بن الحارث;
وخلق سواهم ز
له في الصحيحين اثنا عشر حديثا، وفي البخاري ثمانية، وفي مسلم
سبعة عشر حديثا.

* مسند أحمد: 5 / 382، طبقات ابن سعد: 6 / 15 و 7 / 317، التاريخ لابن معين:
104، طبقات خليفة: 48، 130، تاريخ خليفة: 182، التاريخ الكبير: 3 / 95، تاريخ
الفسوي: 3 / 311، الجرح والتعديل: 3 / 256، معجم الطبراني الكبير: 3 / 178،
المستدرك: 3 / 379 381، الاستبصار: 233 235، حلية الأولياء: 1 / 270 283،
الاستيعاب: 1 / 334، ابن عساكر: 4 / 145 / 1، أسد الغابة: 1 / 468، تهذيب الكمال:
241، تاريخ الاسلام: 2 / 152، العبر: 1 / 26، 37، مجمع الزوائد: 9 / 325، طبقات
القراء: 1 / 203، تهذيب التهذيب: 2 / 219 220، الإصابة: 2 / 223، خلاصة تذهيب
الكمال: 74، كنز العمال: 13 / 343، شذرات الذهب: 1 / 32 و 44، تهذيب ابن عساكر:
4 / 96، 106.
(1) أي: صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعمله أحد غيره، والمراد بالسر: ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم
من أحوال المنافقين. انظر البخاري 7 / 71 و 73 في المناقب: باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله
عنهما، و " المسند " 6 / 449.
361

وكان والده " حسل " قد أصاب دما في قومه، فهرب إلى المدينة،
وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان " لحلفه لليمانية، وهم
الأنصار (1).
شهد هو وابنه حذيفة أحدا، فاستشهد يومئذ. قتله بعض الصحابة
غلطا، ولم يعرفه; لان الجيش يختفون في لامة الحرب، ويسترون
وجوههم; فإن لم يكن لهم علامة بينة، وإلا ربما قتل الأخ أخاه، ولا
يشعر.
ولما شدوا على اليمان يومئذ بقي حذيفة يصيح: أبي! أبي! يا قوم!
فراح خطأ. فتصدق حذيفة عليهم بديته (2).
قال الواقدي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حذيفة وعمار. وكذا قال ابن
إسحاق.
إسرائيل، عن أبي (3) إسحاق، عن رجل، عن حذيفة: أنه أقبل هو

(1) " المستدرك " " 3 / 380، والإصابة " 2 / 223، و " تاريخ الاسلام " 2 / 152 للمؤلف.
(2) أخرجه البخاري 7 / 297، وابن سعد 2 / 45، كلاهما من طريق أبي أسامة حماد بن
أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان يوم أحد هزم
المشركون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي
وأخراهم، فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله أبي أبي. قالت: فوالله ما
احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير
حتى لحق بالله عز وجل. وفي رواية ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام 2 / 87، 88 من طريق عاصم
ابن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد: فقال حذيفة: قتلتم أبي! قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا،
فقال حذيفة: يغفر الله لكم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين،
فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا.
(3) تحرفت في المطبوع إلى (ابن).
362

وأبوه، فلقيهم أبو جهل، قال: إلى أين؟ قالا: حاجة لنا. قال: ما جئتم
إلا لتمدوا محمدا. فأخذوا عليهما موثقا ألا يكثرا عليهم. فأتيا رسول الله،
فأخبراه (1).
ابن جريج: أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود; قال:
وعن رجل، عن زاذان: أن عليا سئل عن حذيفة، فقال: علم المنافقين،
وسأل عن المعضلات; فإن تسألوه تجدوه بها عالما (2).
أبو عوانة، عن سليمان، عن ثابت أبي المقدام، عن أبي يحيى،
قال: سأل رجل حذيفة، وأنا عنده، فقال: ما النفاق؟ قال: أن تتكلم
بالاسلام ولا تعمل به.
سلام بن مسكين، عن ابن سيرين: أن عمر كتب في عهد حذيفة على
المدائن: اسمعوا له وأطيعوا، وأعطوه ما سألكم. فخرج من عند عمر على
حمار موكف، تحته زاده. فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف، وعرق
من لحم (3).

(1) إسناده ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق وحذيفة.
(2) رجاله ثقات، وفي " المستدرك " 3 / 381 من طريق الأعمش، عن عمرو بن مرة
وإسماعيل، عن قيس قال: سئل علي رضي الله عنه عن ابن مسعود، فقال: قرأ القرآن، ثم وقف
عند شبهاته، فأحل حلاله، وحرم حرامه، وسئل عن عمار، فقال: مؤمن نسي، وإذا ذكر ذكر،
وسئل عن حذيفة، فقال: كان أعلم الناس بالمنافقين.
(3) " حلية الأولياء 1 / 277 من طريق هناد، عن وكيع، عن سلام بن مسكين عن ابن
سيرين، ورواه ابن سعد 7 / 317 عن طلحة بن مصرف، عن وكيع، والفضل بن دكين عن مالك
ابن مغول، وهو في " أسد الغابة " 1 / 469، وذكره صاحب " كنز العمال " 13 / 343 ونسبه إلى ابن
سعد وابن عساكر. وموكف: أي قد وضع عليه الأكاف، وهو بمنزلة السرج للحصان،
والدهاقين: رؤساء القرى، أو التجار.
363

ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي
بعد عثمان بأربعين ليلة.
قال حذيفة: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي، فأخذنا
كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدا! فقلنا: ما نريد إلا المدينة;
فأخذوا العهد علينا: لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأخبرنا النبي
صلى الله عليه وسلم. فقال: " نفي بعهدهم، وتستعين الله عليهم " (1).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن
الكائنة في الأمة (2).
وقد ناشده عمر: أأنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحدا
بعدك (3).
وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ليجس له خبر
العدو (4). وعلى يده فتح الدينور (5) عنوة. ومناقبه تطول. رضي الله عنه.
أبو إسحاق، عن مسلم بن نذير، عن حذيفة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1778) في الجهاد: باب الوفاء بالعهد من طريق أبي بكر
ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفة وهو في
" المسند " 5 / 395، وانظر " المستدرك " 3 / 379، والطبراني رقم (3000) و (3001.
(2) انظر " البخاري " 13 / 40، 41 في الفتن، ومسلم (144) والترمذي (2259).
(3) نسبه في " الكنز " 13 / 344 إلى رستة.
(4) أخرجه مسلم (1788) في الجهاد: باب غزوة الأحزاب، والطبراني في " الكبير "
(3002) وابن سعد 2 / 69، وأبو نعيم 1 / 354.
(5) " أسد الغابة " 1 / 486، ودينور: مدينة من أهم مدن الجبال قرب قرميسين، بينها وبين
همذان نيف وعشرون فرسخا.
364

بعضلة ساقي فقال: " الائتزار هاهنا، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت، فلاحق
للازار فيما أسفل من الكعبين ".
وفي لفظ: " فلا حق للازار في الكعبين " (1).
عقيل، ويونس، عن الزهري: أخبرني أبو إدريس: سمع حذيفة
يقول: والله إني لاعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة (2).
قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله
عن الشر، مخافة أن يدركني (3).
الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قام فينا رسول الله مقاما،
فحدثنا بما هو كائن إلى قيام الساعة، فحفظه من حفظه، ونسيه من
نسيه (4).

(1) إسناده قوي، مسلم بن نذير قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وروى
عنه أكثر من اثنين، وباقي رجاله ثقات. وأخرجه أحمد 5 / 382 و 396 و 400، من طري
سفيان وشعبة، عن أبي إسحاق، وأخرجه الترمذي (1783) وابن ماجة (3572) من طريق أبي
الأحوص عن أبي إسحاق، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه مسلم (2891) في الفتن، وأحمد 5 / 388 و 407.
(3) أخرجه البخاري 6 / 453، 454 في علامات النبوة، ولفظه بتمامه. كان الناس يسألون
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله: إنا كنا
في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد
هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف
منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم
إليها قذفوه فيها: قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا،
قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم
جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت
وأنت على ذلك.
(4) أخرجه البخاري 11 / 433 في القدر: باب * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) *، ومسلم
(2891) (23).
365

قلت: قد كان صلى الله عليه وسلم يرتل كلامه ويفسره; فلعله قال في مجلسه ذلك ما
يكتب في جزء; فذكر أكبر الكوائن، ولو ذكر أكثر ما هو كائن في الوجود،
لما تهيأ أن يقوله في سنة، بل ولا في أعوام، ففكر في هذا.
مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين، وقد شاخ.
قال ابن سيرين: بعث عمر حذيفة على المدائن، فقرأ عهده عليهم،
فقالوا: سل ما شئت قال: طعاما آكله، وعلف حماري هذا ما دمت فيكم
من تبن.
فأقام فيهم، ما شاء الله; ثم كتب إليه عمر: أقدم.
فلما بلغ عمر قدومه، كمن له على الطريق; فلما رآه على الحال التي
خرج عليها، أتاه فالتزمه، وقال: أنت أخي، وأنا أخوك (1).
مالك بن مغول، عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار سادلا
رجليه، وبيده عرق ورغيف (2).
سعيد بن مسروق الثوري، عن عكرمة: هو ركوب الأنبياء، يسدل
رجليه من جانب.
أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: كان حذيفة يجي كل
جمعة من المدائن إلى الكوفة. قال أبو بكر: فقلت له: يمكن هذا؟ قال:
كانت له بغلة فارهة.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي: حدثنا عبد الجبار بن

(1) ذكره في " كنز العمال " 13 / 343، ونسبه إلى ابن سعد، وابن عساكر.
(2) ابن سعد 7 / 317، و " حلية الأولياء " 1 / 277.
366

العباس، عن أبي عاصم الغطفاني، قال: كان حذيفة لا يزال يحدث
الحديث، يستفظعونه، فقيل له: يوشك أن تحدثنا: أنه يكون فينا مسخ!
قال: نعم! ليكونن فيكم مسخ: قردة وخنازير.
أبو وائل، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتبوا لي من تلفظ
بالاسلام من الناس " فكتبنا له ألفا وخمس مئة (1).
سفيان، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أمه:
قالت: كان في خاتم حذيفة: كركيان، بينهما: الحمد لله (2).
عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن موسى، عن أمه، قالت: كان
خاتم حذيفة من ذهب فيه فص ياقوت أسمانجونه; فيه: كركيان متقابلان;
بينهما: الحمد لله (3).
حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد، عن الحسن، عن جندب: أن

(1) أخرجه أبو بكر الشافعي في " فوائده " 8 / 91 / 2 من طريق إسحاق الحربي، حدثنا أبو
حذيفة، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل. وأخرجه مسلم (149) في الايمان، وأحمد
5 / 384، وابن ماجة (4029) من طرق، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن
حذيفة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: " احصوا لي كم يلفظ الاسلام " قال: فقلنا: يا رسول
الله أتخاف علينا ونحن ما بين الست مئة إلى السبع مئة؟ قال: " إنكم لا تدرون، لعلكم أن تبتلوا "
قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلى إلا سرا.
(2) موسى بن عبد الله بن يزيد هو الأنصاري الخطمي ثقة من رجال مسلم، وأمه: هي بنت
حذيفة مجهولة. وفي مصنف عبد الرزاق (19470) عن معمر بن قتادة، عن أنس أو أبي موسى
الأشعري: كان نقش خاتمه كركي له رأسان. والكركي: طائر.
(3) أم موسى لا تعرف. والنهي عن لبس الذهب للرجال ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة،
وابن عمر، وعلي رضي الله عنهم، انظر البخاري 10 / 266، ومسلم (2089) والبخاري
11 / 266، ومسلم (2091) و (2078).
367

حذيفة قال: ما كلام أتكلم به، يرد عني عشرين سوطا، إلا كنت متكلما
به.
خالد، عن أبي قلابة، عن حذيفة، قال: إني لاشتري ديني بعضه
ببعض، مخافة أن يذهب كله (1).
أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس، عن بلا لب بن يحيى، قال: بلغني أن
حذيفة كان يقول: ما أدرك هذا الامر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض
دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله، إني لادخل على أحدهم
وليس أحد إلا فيه محاسن ومساوئ فأذكر من محاسنه، وأعرض عما سوى
ذلك، وربما دعاني أحدهم إلى الغداء، فأقول: إني صائم، ولست
بصائم.
جماعة، عن الحسن، قال: لما حضر حذيفة الموت، قال: حبيب
جاء على فاقة; لا أفلح من ندم! أليس بعدي ما أعلم! الحمد لله الذي سبق
بي الفتنة! قادتها وعلوجها (2).
شعبة: أخبرنا عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، قال: قلت
لأبي مسعود الأنصاري: ماذا قال حذيفة عند موته؟ قال: لما كان عند
السحر، قال: أعوذ بالله من صباح إلى النار. ثلاثا. ثم قال: اشتروا لي
ثوبين أبيضين; فإنهما لن يتركا علي إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما، أو
أسلبهما سلبا قبيحا (3).

(1) " حلية الأولياء " 1 / 279.
(2) ذكره في " الكنز " 13 / 346، ونسبه إلى ابن عساكر.
(3) " المستدرك " 3 / 381.
368

شعبة أيضا، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال:
ابتاعوا لي كفنا. فجاؤوا بحلة ثمنها ثلاث مئة، فقال: لا، اشتروا لي
ثوبين أبيضين.
وعن جزي بن بكير، قال: لما قتل عثمان، فزعنا إلى حذيفة، فدخلنا
عليه.
قال ابن سعد: مات حذيفة بالمدائن بعد عثمان (1) وله عقب، وقد شهد
أخوه صفوان بن اليمان أحدا.
77 محمد بن سلمة * (ع)
ابن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة. أبو عبد الله وقيل: أبو عبد
الرحمن، وأبو سعيد الأنصاري الأوسي. من نجباء الصحابة. شهد بدرا
والمشاهد.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه مرة على المدينة. وكان رضي الله عنه
ممن اعتزل الفتنة. ولا حضر الجمل، ولا صفين; بل اتخذ سيفا من
خشب، وتحول إلى الربذة، فأقام بها مديدة (2).

(1) ابن سعد 7 / 317.
* مسند أحمد: 3 / 493 و 4 / 225، طبقات ابن سعد: 3 / 443، 445، طبقات خليفة:
80، 140، تاريخ خليفة: 206، التاريخ الكبير: 1 / 239 تاريخ الفسوي: 1 / 307،
الجرح والتعديل: 8 / 71، المستدرك: 3 / 433، الاستبصار: 242. 241، الاستيعاب:
3 / 1377، تاريخ ابن عساكر: 15 / 477 / 1، أسد الغابة: 5 / 112، تهذيب الكمال: 1271،
تاريخ الاسلام: 2 / 245، العبر: 1 / 52، مجمع الزوائد: 9 / 319، تهذيب التهذيب:
9 / 454، الإصابة: 9 / 131، خلاصة تذهيب الكمال: 359، شذرات الذهب: 1 / 45 و 53.
(2) " أسد الغابة " 5 / 112 و " الاستيعاب " 10 / 46، و " الإصابة " 9 / 132.
سير 2 / 24
369

روى جماعة أحاديث.
روى عنه: المسور بن مخرمة، وسهل بن أبي حثمة، وقبيصة بن
ذؤيب، وعبد الرحمن الأعرج، وعروة بن الزبير، وأبو بردة بن أبي
موسى، وابنه محمود بن محمد.
وهو حارثي، من حلفاء بني عبد الأشهل.
وكان رجلا طوالا أسمر معتدلا أصلع وقورا.
قد استعمله عمر على زكاة جهينة. وقد كان عمر إذا شكي إليه عامل،
نفذ محمدا إليهم ليكشف أمره.
خلف من الولد عشرة بنين; وست بنات. رضي الله عنه.
وقيل: اسم جده خالد بن عدي بن مجدعة.
وقدم للجابية، فكان على مقدمة جيش عمر.
عباد بن موسى السعدي: حدثنا يونس، عن الحسن، عن محمد بن
مسلمة، قال: مررت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، واضعا يده على يد
رجل، فذهبت. فقال: " ما منعك أن تسلم "؟ قلت: يا رسول الله،
فعلت بهذا الرجل شيئا ما فعلته بأحد، فكرهت أن أقطع عليك حديثك، من
كان يا رسول الله؟ قال: " جبريل، وقال لي: هذا محمد بن مسلمة لم
يسلم، أما إنه لو سلم رددنا عليه السلام ". قلت: فما قال لك يا رسول
الله؟ قال: " ما زال يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه يأمرني فأورثه " (1).

(1) عباد بن موسى السعدي لم يوثقه غير ابن حبان، والحسن وهو البصري لم يسمع من محمد
ابن مسلمة. لكن حديث " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " صحيح من حديث
عائشة وابن عمر، أخرجه البخاري 10 / 369 و 370، ومسلم (2624) و (2625).
370

قال ابن سعد: أسلم محمد بن مسلمة على يد مصعب بن عمير، قبل
إسلام سعد بن معاذ. قال: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة،
واستخلفه على المدينة عام تبوك (1).
حماد بن سلمة، عن ابن جدعان، عن أبي بردة، قال: مررنا
بالربذة، فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس،
فأمرت ونهيت؟ فقال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " يا محمد، ستكون فرقة وفتنة
واختلاف، فاكسر سيفك، واقطع وترك، واجلس في بيتك ". ففعلت ما
أمرني (2).
شعبة، عن أشعث، عن أبي بردة، عن ضبيعة (3): قال حذيفة: إني
لأعرف رجلا لا تضره الفتنة. قال: فإذا فسطاط لما أتينا المدينة، وإذا محمد
ابن مسلمة (4).
قال ابن يونس: شهد محمد فتح مصر، وكان فيمن طلع الحصن مع
الزبير. قال عباية بن رفاعة: كان محمد بن مسلمة، أسود طويلا عظيما.

(1) ابن سعد 3 / 443، و " المستدرك " 3 / 433. وتبوك: موضع بين وادي القرى والشام،
وبه كانت الغزوة، انظر خبرها في ابن هشام 2 / 515، 537، وابن سعد 2 / 165، 168، وابن
سيد الناس 2 / 215، و " زاد المعاد " 3 / 536، 537، طبع مؤسسة الرسالة بتحقيقنا.
(2) ابن جدعان: هو علي بن زيد وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 3 / 493.
(3) هو ضبيعة بن الحصين الثعلبي، ويقال: ثعلبة بن ضبيعة، لم يوثقه غير ابن حبان.
(4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 433 وصححه، ووافقه الذهبي، ولفظه: قال
حذيفة: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة، فإذا فسطاط مضروب، وإذا محمد بن
مسلمة الأنصاري; فسألناه، فقال: لا نشتمل على شئ من أمصارهم حتى ينجلي الامر على ما
انجلى. وأخرجه ابن سعد 3 / 444، 445 من طريق عفان بن مسلم، عن أبي عوانة، عن أشعث
ابن سليم عن أبي بردة، عن ضبيعة بن حصين الثعلبي، عن حذيفة.
371

وفي الصحاح، من حديث جابر: مقتل كعب بن الأشرف على يد
محمد بن مسلمة (1).
ابن المبارك: أخبرنا ابن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى، قال: أتى
عمر مشربة (2) بني حارثة، فوجد محمد بن مسلمة، فقال: يا محمد، كيف
تراني؟ قال: أراك كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، قويا على
جمع المال، عفيفا عنه، عدلا في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل
السهم في الثقات. قال: الحمد لله، الذي جعلني في قوم إذا ملت
عدلوني (3).
ابن عيينة، عن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة، قال:
بلغ عمر أن سعدا اتخذ قصرا، وقال: انقطع الصويت. فأرسل عمر محمد
ابن مسلمة وكان عمر إذا أحب أن يؤتى بالامر كما يريد، بعثه فأتى
الكوفة، فقدح، وأحرق الباب على سعد. فجاء سعدا، فقال: إنه بلغ
عمر أنك قلت: انقطع الصويت. فحلف أنه لم يقله (4).
هشام، عن ابن سيرين، عن حذيفة، قال: ما من أحد إلا وأن ا أخاف
عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " لا تضره الفتنة " (5).

(1) انظر صحيح البخاري 7 / 259 وما بعدها، ومسلم (1801)، وابن سعد 2 / 32، 33،
و " المستدرك " 3 / 334.
(2) المشربة: أرض لينة لا يزال فيها نبت أخضر ريان.
(3) رجاله ثقات، لكنه منقطع موسى بن أبي عيسى هو الحناط ثقة من رجال مسلم، لم
يدرك عمر.
(4) ذكره الحافظ في " الإصابة " 9 / 133 وقال: قال ابن المبارك في " الزهد ": أنبأنا ابن عيينة،
عن عمرو بن سعيد، عن عباية بن رفاعة.
(5) رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة " 9 / 132، وقال: أخرجه البغوي وغيره.
372

الفسوي في " تاريخه ": حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا يحيى بن
سعيد، عن موسى بن وردان، عن أبيه، عن جابر، قال: قدم معاوية ومعه
أهل الشام، فبلغ رجلا شقيا من أهل الأردن صنيع محمد بن مسلمة جلوسه
عن علي ومعاوية فاقتحم عليه المنزل، فقتله. فأرسل معاوية إلى كعب بن
مالك: ما تقول في محمد بن مسلمة؟ (1).
قال يحيى بن بكير، وإبراهيم بن المنذر، وابن نمير وشباب،
وجماعة: مات محمد بن مسلمة في صفر سنة ثلاث وأربعين (2).
يزيد بن هارون: أخبرنا هشام، عن الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى
محمد بن مسلمة سيفا، فقال: " قاتل به المشركين; فإذا رأيت المسلمين
قد أقبل بعضهم على بعض، فاضرب به أحدا حتى تقطعه، ثم اجلس في
بيتك حتى تأتيك يد خاطئة، أو منية قاضية " (3).
وروي نحوه من مراسيل زيد بن أسلم.
عاش ابن مسلمة سبعا وسبعين سنة.

(1) رجاله موثوقون خلا وردان والد موسى: فإني لم أجد له ترجمة، ففي " التهذيب " وفروعه
أن موسى بن وردان يروي عن جابر بدون واسطة، وهذا الخبر لم يرد في المطبوع من " تاريخ
الفسوي " وأورده المصنف في " تاريخه " 2 / 246.
(2) انظر " مجمع الزوائد " 9 / 319، 320.
(3) ذكره الحافظ في " الإصابة " 9 / 132 عن ابن شاهين من طريق هشام، عن الحسن وأخرجه
أحمد 4 / 225 من طريق زيد بن الحباب، عن سهل بن أبي الصلت، عن الحسن، ورجاله ثقات،
إلا أن الحسن لم يسمع من محمد بن مسلمة، فهو منقطع.
373

78 عثمان بن أبي العاص * (م، 4)
الأمير الفاضل المؤتمن. أبو عبد الله الثقفي الطائفي.
قدم في وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع. فأسلموا، وأمره عليهم
لا رأى من عقله وحرصه على الخير والدين. وكان أصغر الوفد سنا (1).
ثم أقره أبو بكر على الطائف، ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان
والبحرين، ثم قدمه على جيش، فافتتح توج، ومصرها، وسكن
البصرة (2).

* مسند أحمد: 4 / 21، 216، طبقات ابن سعد: 5 / 508، طبقات خليفة: 53، 182،
197، تاريخ خليفة: 149، 152، التاريخ الكبير: 6 / 212، المعارف: 268،
555، تاريخ الفسوي: 1 / 273، معجم الطبراني: 9 / 30، 53، المستدرك: 3 / 618،
الاستيعاب: 3 / 1035، أسد الغابة: 3 / 579، تهذيب الكمال: 913، تاريخ الاسلام:
2 / 305، مجمع الزوائد: 9 / 370، تهذيب التهذيب: 7 / 128 129، الإصابة: 6 / 388،
خلاصة تذهيب الكمال: 260، شذرات الذهب: 1 / 36.
(1) ابن سعد 5 / 508، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 371 مطولا، وقال: رواه الطبراني
ورجاله رجال الصحيح غير حكيم بن عباد وقد وثق، وفي " التقريب " صدوق. وقد
جعله الرسول صلى الله عليه وسلم إمام قومه حين طلب ذلك منه، فقال له: " أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم؟
واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " أخرجه أبو داود (531) والنسائي 2 / 23، وأحمد 4 / 217 من
طرق، عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن
عثمان بن أبي العاص. وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وهو في " صحيح أبي عوانة " من طريق
آخر، وأخرج مسلم (468) من طريق موسى بن طلحة، عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " أم قومك، فمن أم قوما فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم
الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده، فليصل كيف شاء " وانظر " طبقات ابن
سعد " 5 / 508.
(2) ابن سعد 5 / 509; و " الإصابة " 6 / 388.
وتوج: مدينة بفارس، وكان فتحها سنة 21، انظر " أسد الغابة " 5 / 508.
374

ذكره الحسن البصري، فقال: ما رأيت أحدا أفضل منه!
قلت: له أحاديث في " صحيح مسلم " (1) وفي السنن.
وكانت أمه قد شهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه: سعيد بن المسيب، ونافع بن جبير بن مطعم، ويزيد،
ومطرف: ابنا عبد الله بن الشخير، وموسى بن طلحة، وآخرون.
سالم بن نوح، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي
العاص: أنه بعث غلمانا له تجارا; فلما جاؤوا، قال: ما جئتم به؟ قالوا:
جئنا بتجارة يربح الدرهم عشرة. قال: وما هي؟ قالوا: خمر. قال:
خمر! وقد نهينا عن شربها وبيعها. فجعل يفتح أفواه الزقاق، ويصبها (2).
يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، فذكره
نحوه.
توفي رضي الله عنه سنة إحدى وخمسين.
79 عبد الله بن زيد * (4)
ابن عبد ربه ثعلبة، الأنصاري الخزرجي المدني البدري. من سادة

(1) انظر الأحاديث برقم (468) و (2202) و (2203).
(2) إسناده حسن، سالم بن نوح صدوق له أوهام، وباقي رجاله ثقات.
* مسند أحمد: 4 / 42، طبقات ابن سعد: 3 / 536 537، التاريخ لابن معين: 309،
تاريخ الفسوي: 1 / 260، الجرح والتعديل: 5 / 57، المستدرك: 2 / 335، أسد الغابة:
3 / 247، تهذيب الكمال: 684، العبر: 1 / 33، تهذيب التهذيب: 5 / 223، 224،
الإصابة: 6 / 90، خلاصة تذهيب الكمال: 198.
375

الصحابة. شهد العقبة وبدرا. وهو الذي أري الاذان (1)، وكان ذلك في
السنة الأولى من الهجرة. له أحاديث بسيرة، وحديثه في السنن الأربعة.
وقيل: إن ذكر " ثعلبة " في نسبة خطأ.
حدث عنه، سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ولم
يلقه ومحمد بن عبد الله ولده.
توفي سنة اثنتين وثلاثين.
إسحاق الفروي: حدثنا عبد الله بن عمر العمري، عن بشر بن محمد
ابن عبد الله بن زيد، قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز، فقلت: يا
أمير المؤمنين، أنا ابن صاحب العقبة وبدر، وابن الذي أري النداء. فقال
عمر: يا أهل الشام:
هذي المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (2)

(1) أخرجه أبو داود (499)، وأحمد 4 / 43، وابن ماجة (708)، والبيهقي 1 / 390، 391
من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن
عبد ربه عن أبيه وإسناده قوي، وصححه ابن حبان (287) والبخاري فيما نقله عنه الترمذي في
" العلل " وفي هذه الرواية إفراد الإقامة، وسيذكره المصنف من طريق آخر صحيح، وفيه " تثنية
الإقامة " كالاذان.
(2) البيت من قصيدة لأبي الصلت والدأمية بن أبي الصلت، يمدح بها سيف بن ذي يزن،
مطلعها:
ليطلب الوتر أم ثال ابن ذي يزن * ريم في البحر للأعداء أحوالا
عن ابن إسحاق فيما ذكره عنه ابن هشام 1 / 66، ومعجم البلدان: غمدان، وتاريخ
الطبري، 2 / 147، 148، والشعر والشعراء ص 282. وهو في " الأغاني " 5 / 15 للنابغة
الجعدي من قصيدة مطلعها:
إما تري ظلل الأيام قد حسرت * عني وشمرت ذيلا كان ذيالا ورجح ابن هشام صاحب السيرة انه للنابغة. * والقعب: القدح الضخم، وشيبا: خلطا.
376

الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال:
حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن زيد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا
رسول الله إني رأيت في المنام كان رجلا قام على جذم حائط، فأذن مثنى،
وأقام مثنى; وقعد قعدة، وعليه بردان أخضران (1).
فأما:
80 عبد الله بن زيد المازني النجاري * (ع)
صاحب حديث الوضوء (2); فمن فضلاء الصحابة. يعرف: بابن أم
عمارة. وهو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب، أحد بني مازن بن النجار.

(1) إسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 1 / 23، والطحاوي: 79، 80،
والبيهقي 1 / 240 من طريق وكيع بهذا الاسناد: وقال ابن حزم في " المحلى " 2 / 158: وهذا إسناد
في غاية الصحة من إسناد الكوفيين، وقال ابن دقيق العيد: رجاله رجال الصحيح، وهو متصل على
مذهب الجماعة في عدالة الصحابة، وإن جهالة أسمائهم لا تضر.
وقوله: " على جذم حائط " أي: على أصل حائط.
* مسند أحمد: 4 / 38، طبقات ابن سعد: 5 / 531، التاريخ لابن معين: 308، طبقات
خليفة: 92، تاريخ خليفة: 248، تاريخ الفسوي: 1 / 260، 261، الجرح والتعديل:
5 / 57، المستدرك: 3 / 520، الاستبصار: 81، الاستيعاب: 3 / 913، أسد الغابة:
3 / 250، تهذيب الكمال: 684، تاريخ الاسلام: 3 / 29، العبر: 1 / 68، تهذيب التهذيب:
5 / 223، الإصابة: 6 / 91، خلاصة تذهيب الكمال: 198، شذرات الذهب: 1 / 71.
(2) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 18، والبخاري 1 / 251، 252، ومسلم (235) من طريق
عمرو بن يحيى المازني عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري قال: قيل له: توضأ لنا
وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا بإناء. فأكفأ منها على يديه، فغسلهما ثلاثا. ثم أدخل يده
فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة. ففعل ذلك ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها
فغسل وجهه ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين، مرتين مرتين. ثم أدخل يده
فاستخرجها فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر. ثم غسل رجليه إلى الكعبين. ثم قال: هكذا كان
وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
377

ذكر ابن مندة، فقط: أنه بدري (1).
وقال أبو عمر بن عبد البر وغيره: بل هو أحدي (2). وهو الذي قتل
مسيلمة بالسيف، مع رمية وحشي له بحربته (3). وهو عم عباد بن تميم.
قيل: إنه قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين (4).
81 حارثة بن النعمان *
ابن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الخزرجي
النجاري. ويقال: ابن رافع، بدل: ابن نفع.
وله من الولد: عبد الله، وعبد الرحمن، وسودة، وعمرة، وأم كلثوم.
يكنى: أبا عبد الله.
شهد بدرا، والمشاهد، ولا نعلم له رواية، وكان دينا خيرا، برأ
بأمه.
وعنه قال: رأيت جبريل من الدهر مرتين: يوم الصورين (5) حين

(1) ذكره الحاكم في " المستدرك "، وعلق عليه المصنف بقوله هذا خطأ.
(2) " الاستيعاب " 2 / 312 و " أسد الغابة " 3 / 250.
(3) " المستدرك " 3 / 520، و " الإصابة " 6 / 92.
(4) " طبقات خليفة " 92، و " المستدرك " 3 / 520، و " الإصابة " 6 / 92.
* مسند أحمد: 5 / 433، طبقات ابن سعد: 3 / 487، طبقات خليفة: 90، التاريخ
الكبير: 3 / 93، معجم الطبراني: 3 / 256، المستدرك: 3 / 208، الاستبصار: 59
60، الاستيعاب: 1 / 306، أسد الغابة: 1 / 429، تاريخ الاسلام: 2 / 215، مجمع
الزوائد: 9 / 313، الإصابة: 2 / 190.
(5) الصوران: موضع بالمدينة بالبقيع. وفي " سيرة ابن هشام " 2 / 234: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة.
378

خرج رسول الله إلى بني قريظة، مر بنا في صورة دحية، فأمرنا بلبس
السلاح; ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين، مررت وهو يكلم النبي
صلى الله عليه وسلم، فلم أسلم. فقال جبريل: من هذا يا محمد؟ قال: حارثة بن
النعمان. فقال: أما إنه من المئة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم
في الجنة، ولو سلم لرددنا عليه (1).
وروي بإسناده منقطع: أن حارثة كف، فجعل خيطا من مصلاه إلى
حجرته، ووضع عنده مكتلا فيه تمر وغيره; فكان إذا سلم مسكين،
أعطاه منه، ثم أخذ على الخيط حتى يأتي إلى باب الحجرة، فيناول
المسكين. فيقول أهله: نحن نكفيك. فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " مناولة المسكين تقي ميتة السوء " (2).

(1) ابن سعد 3 / 488 بدون سند، وفي الباب عند الطبراني برقم (3225) من طريق محمد بن
عمران بن أب ي ليلى، حدثني أبي عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
وعمران بن محمد لم يوثقه غير ابن حبان، وأبوه سئ الحفظ، ومع ذلك فقد ذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 314، ونسبه للطبراني والبزاز، وقال: وإسناده حسن، رجاله كلهم وثقوا وفي
بعضهم خلاف.
وأخرج أحمد 5 / 433، والطبراني (3226) من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري،
أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن حارثة بن النعمان قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه
جبريل عليه السلام جالس في المقاعد (مكان) فسلمت عليه، ثم أجزت، فلما انصرفت ورجع
النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: " هل رأيت الذي كان معي "؟ قلت: نعم، قال: " فإنه جبريل وقد رد عليك
السلام " وإسناده صحيح، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 313، ونسبه إلى أحمد والطبراني،
وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 488، والطبراني 3 / 258 من طريق إسماعيل بن أبي فديك، قال:
حدثني محمد بن عثمان، عن أبيه أن حارثة بن النعمان.
قال الهيثمي في " المجمع " 3 / 112: وفيه من لم أعرفه.
379

قال الواقدي: كانت له منازل قرب منازل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان كلما أحدث
رسول الله أهلا تحول له حارثة عن منزل، حتى قال: " لقد استحييت من
حارثة، مما يتحول لنا عن منازله " (1).
وبقي إلى خلافة معاوية.
ومن ذريته: المحدث أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
حارثة بن النعمان الأنصاري، ولد عمرة الفقيهة (2).
وهو أعني حارثة الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة،
فسمعت قراءة، فقلت: من هذا؟ قيل: حارثة "!. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" كذا كم البر " وكان برا بأمه، رضي الله عنه (3).
82 أبو موسى الأشعري * (ع)
عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، الامام الكبير.

(1) ابن سعد 3 / 488.
(2) ابن سعد 3 / 488. وعمرة: هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري المدنية،
أكثرت عن عائشة، روى حديثها الستة.
(3) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20119) ومن طريقه أحمد 6 / 151، 152، و 166،
167، عن عمرة، عن عائشة، وهذا إسناد صحيح، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 313،
وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه الحميدي في " مسنده " برقم
(285) من طريق سفيان عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، وصححه الحاكم 3 / 208،
ووافقه الذهبي، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 2 / 190 إلى النسائي من طريق الزهري، عن عروة،
عن عائشة، وقال: إسناده صحيح.
* مسند أحمد: 4 / 391، طبقات ابن سعد: 2 / 344 345 و 4 / 105 و 6 / 16، التاريخ
لابن معين: 326، طبقات خليفة: 68، 132، 182، تاريخ خليفة: 178 وغيرها، التاريخ
الكبير: 5 / 22 23، المعارف: 49، 102، 121، 182، 194، 590 تاريخ الفسوي: 1 /
267 270، أخبار القضاة: 1 / 283، 287، الجرح والتعديل: 5 / 138، المستدرك: 3 /
464 الاستيعاب: 3 / 979، تاريخ ابن عساكر: 422 543، جامع الأصول: 9 / 79، أسد
الغابة: 3 / 367، تهذيب الكمال: 724، تاريخ الاسلام: 2 / 255، العبر: 1 / 52،
معرفة القراء: 37، مجمع الزوائد: 9 / 358، طبقات القراء: 1 / 442 443، تهذيب
التهذيب: 5 / 249، الإصابة: 6 / 194، خلاصة تذهيب الكمال: 210، كنز العمال:
13 / 606، شذرات الذهب: 1 / 29 30 35 36 40 46 47 53 62 63.
380

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرى.
حدث عنه: بريدة بن الحصيب، وأبو أمامة الباهلي، وأبو سعيد
الخدري، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وسعيد بن المسيب،
والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب، وأبو عثمان
النهدي، وأبو عبد الرحمن النهدي، ومرة الطيب، وربعي بن حراش،
وزهدم بن مضرب، وخلق سواهم.
وهو معدود فيمن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم. أقرأ أهل البصرة، وفقههم في
الدين. قرأ عليه حطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي.
ففي " الصحيحين "، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا
كريما " (1).
وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذا على زبيد، وعدن (2). وولي إمرة الكوفة

(1) أخرجه البخاري 8 / 35 في المغازي: باب غزوة أوطاس، ومسلم (2498) في الفضائل،
وانظر ابن عساكر: 445 مصورة المجمع العلمي بدمشق.
(2) أخرجه البخاري 6 / 113 في الجهاد: باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب،
و 8 / 50 في المغازي: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، و 10 / 435 في الأدب:
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " يسروا ولا تعسروا "، و 13 / 143 في الاحكام: باب أمر الوالي إذا وجه أمير بن
إلى موضع أن يتطاوعا. ومسلم (1733) في الجهاد: باب في الامر بالتيسير وترك التنفير من طرق عن شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا
موسى إلى اليمن، فقال: " يسرا ولا تعسرا. وبشرا ولا تنفرا. وتطاوعا ولا تختلفا ".
381

لعمر، وإمرة البصرة. وقدم (1) ليالي فتح خيبر، وغزا، وجاهد مع النبي
صلى الله عليه وسلم، وحمل عنه علما كثيرا.
قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف، حاجب معاوية: أن أبا
موسى الأشعري قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج
معاوية من الليل ليستمع قراءته (2).
قال أبو عبيد: أم أبي موسى هي ظبية بنت وهب; كانت أسلمت،
وماتت بالمدينة (3).
وقال ابن سعد: حدثنا الهيثم بن عدي، قال: أسلم أبو موسى بمكة،
وهاجر إلى الحبشة. وأول مشاهده خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين (4).
قال أبو أحمد الحاكم: أسلم بمكة، ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح
خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم. ولي البصرة لعمر وعثمان; وولي
الكوفة، وبهامات (5).

(1) يريد قدومه من الحبشة مع من كان هاجر إليها كما سيأتي قريبا.
(2) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (238) واقتبسه منه ابن عساكر: 431.
(3) ابن عساكر: 434.
(4) ابن سعد 6 / 16، وكونه ممن شهد خيبر فيه نظر، فقد جاء في صحيح البخاري 7 / 317
قول أبي موسى: فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وزاد في رواية: فأسهم لنا ولم يسهم لاحد
غاب عن فتح خيبر منها شيئا! إلا لمن شهدها معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، فإنه
قسم لهم معهم، وانظر الخبر الآتي.
(5) ذكره ابن عساكر: 435، 436.
382

وقال ابن مندة: افتتح أصبهان زمن عمر (1).
وقال العجلي: بعثه عمر أميرا على البصرة; فأقرأهم وفقههم، وهو فتح
تستر. ولم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتا منه (2).
قال حسين المعلم: سمعت ابن بريدة يقول: كان الأشعري قصيرا،
أثط، خفيف الجسم (3).
وأما الواقدي فقال: حدثنا خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن أبي جهم،
قال: ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة، ولا حلف له في قريش، وقد كان
أسلم بمكة، ورجع إلى أرضه; حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على
رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
وذكره موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة (5).
وروى أبو بردة، عن أبي موسى، قال: خرجنا من اليمن في بضع
وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة: أنا، وأبو رهم، وأبو عامر.
فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي، وعنده جعفر وأصحابه; فأقبلنا حين افتتحت

(1) ابن عساكر: 436.
(2) ابن عساكر: 439. وتستر: مدينة بخوزستان.
(3) ابن سعد 4 / 115، وابن عساكر 446، والأثط: هو القليل شعر اللحية، وقيل: هو
الخفيف اللحية من العارضين.
(4) ابن سعد 4 / 105، وابن عساكر: 446.
(5) الصواب أن موسى بن عقبة لم يذكره فيمن هاجر إلى الحبشة كما سيذكره في الصفحة 400
وكذلك هو في ابن عساكر: 446، 447، وقال ابن حجر في " الإصابة " 6 / 194: وكان هو
سكن الرملة، وحالف سعيد بن العاص، ثم أسلم، وهاجر إلى الحبشة، وقيل: بل رجع إلى
بلاد قومه، ولم يهاجر إلى الحبشة، هذا قول الأكثر فإن موسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي لم
يذكروه في مهاجرة الحبشة.
383

خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي،
وهاجرتم إلي " (1).
وفي رواية: أنا، وأخواي: أبورهم، وأبو بردة، أنا أصغرهم.
أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق: حدثنا يحيى بن أيوب، عن حميد،
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقدم عليكم غدا قوم هم أرق قلوبا
للاسلام منكم " فقدم الأشعريون; فلما دنوا جعلوا يرتجزون:
غدا نلقى الأحبة * محمدا وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحديث المصافحة (2).
شعبة، عن سماك، عن عياض الأشعري، قال: لما نزلت:
* (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * [المائدة: 57]. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " هم قومك يا أبا موسى، وأومأ إليه " (3).
صححه الحاكم. والأظهر: أن لعياص بن عمرو صحبة، ولكن رواه
جماعة عن شعبة أيضا (ح)، وعبد الله بن إدريس، عن أبيه، كلاهما عن
سماك، عن عياض، عن أبي موسى.
بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حنين، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقي دريد بن

(1) أخرجه ابن سعد 4 / 106، والبخاري 7 / 371، 372، ومسلم (2502) وأحمد 4 /
395 و 412.
(2) إسناده صحيح، أخرجه أحمد 3 / 155 و 223، وابن عساكر: 456، وأخرجه أحمد
3 / 105 و 182 و 251 و 262، وابن سعد 4 / 106 من طرق عن حميد، عن أنس.
(3) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 4 / 107، وصححه الحاكم 2 / 313، ووافقه
الذهبي، وهو في تاريخ ابن عساكر: 456، 457.
384

الصمة، فقتل دريد، وهزم اله أصحابه; فرمى رجل أبا عامر في ركبته
بسهم، فأثبته (1). فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار إليه. فقصدت له،
فلحقته، فلما رآني، ولى ذاهبا. فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست
عربيا؟ ألا تثبت؟ قال: فكف، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا ضربتين،
فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك. قال:
فانزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: يا ابن أخي، انطلق إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقره مني السلام، وقل له: يستغفر لي. واستخلفني أبو
عامر على الناس، فمكث يسيرا، ثم مات. فلما قدمنا، وأخبرت النبي
صلى الله عليه وسلم، توضأ، ثم رفع يديه، ثم قال: " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر "، حتى
رأيت بياض إبطيه. ثم قال: " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك "
فقلت: ولي يا رسول الله؟ فقال: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه،
وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما " (2).
وبه، عن أبي موسى، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة (3)،
فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ قال: " أبشر ". قال: قد
أكثرت من البشرى. فأقبل رسول الله علي وعلى بلال، فقال: " إن هذا قد
رد البشرى فاقبلا أنتما " فقالا: قبلنا يا رسول الله. فدعا بقدح، فغسل يديه

(1) من قوله " بريد " إلى هنا، سقط من المطبوع.
(2) أخرجه ابن عساكر: 462 من طريق أبي يعلى، عن أبي كريب، عن أبي أسامة بهذا
الاسناد، وأخرجه البخاري 8 / 34 في المغازي: باب غزوة أوطاس، ومسلم (2498) في
فضائل الصحابة، كلاهما من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، عن أبي أسامة بهذا الاسناد.
وأوطاس: واد في ديار هوازن، وهو غير وادي حنين.
(3) الجعرانة: بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب. وقال الفاكهي: بينها وبين مكة
بريد، وقال الباجي: ثمانية عشر ميلا.
385

ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال: (اشربا منه، وأفرغا على رؤوسكما
ونحوركما) ففعلا! فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن فضلا لأمكما.
فأفضلا لها منه (1).
مالك بن مغول وغيره، عن ابن بريدة عن أبيه، قال: خرجت ليلة من
المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم، وإذا رجل يصلي، فقال
لي: (يا بريدة، أتراه يرائي)؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (بل هو
مؤمن منيب، لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود). فأتيته، فإذا هو أبو
موسى، فأخبرته (2).
أنبؤونا عن أحمد بن محمد اللبان وغيره: أن أبا علي الحداد
أخبرهم: أخبرنا أبو نعيم: أخبرنا ابن فارس: حدثنا محمد بن عاصم:
حدثنا زيد بن الحباب، عن مالك بن مغول: حدثنا ابن بريدة، عن أبيه
قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، وأنا على باب المسجد، فأخذ
بيدي، فأدخلني المسجد، فإذا رجل يصلي يدعو، فيقول: اللهم، إني
أسألك، بأني أشهد أنك الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد،
ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
قال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به
أعطى، وإذا دعي به أجاب). وإذا رجل يقرأ، فقال: (لقد أعطي هذا
مزمارا من مزامير آل داود). قلت: يا رسول الله، أخبره؟ قال:
(نعم)، فأخبرته. فقال لي: لا تزال لي صديقا. وإذا هو أبو موسى (3).

(1) أخرجه البخاري 8 / 37، ومسلم (2497)، وابن عساكر: 466، 467.
(2) أخرجه مسلم (793) وابن عساكر: 469، 470، وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 358،
359.
(3) أخرجه ابن عساكر 472، 473 من طريق أبي نعيم بهذا الاسناد، وأخرجه أحمد 5 / 349
386

رواه حسين بن واقد، عن ابن بريدة، مختصرا.
وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لقد أعطي
أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود " (1).
خالد بن نافع: حدثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مرا به، وهو يقرأ في بيته، فاستمعا لقراءته، فلما
أصبح، أخبرته النبي صلى الله عليه وسلم; فقال: لو أعلم بمكانك لحبرته لك تحبيرا (2).
خالد، ضعف.

من طريق عثمان بن عمر، عن مالك، عن ابن بريدة، عن أبيه، وإسناده صحيح. وأورده
البغوي في " شرح السنة " 5 / 37 من طريق عثمان بن عمرو الضبي، عن عمرو بن مرزوق، عن
مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه. وأخرجه مختصرا أبو داود (1493) وأحمد
5 / 360، والترمذي (3471) والنسائي 3 / 52، وابن ماجة (3875) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا
يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم
يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فقال: " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي
به أجاب " وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2383) والحاكم 1 / 504، وأقره الذهبي.
(1) صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 107، وأحمد 2 / 450، وابن ماجة (1341) من طريق
يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو بهذا الاسناد، وأخرجه النسائي 2 / 180، وأحمد 2 /
369، وابن عساكر: 478، من طريقين، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
(2) أخرجه ابن عساكر: 477، من طريق أبي يعلى، عن شريح بن يونس بهذا الاسناد،
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 359، 360، وقال: رواه الطبراني ورجاله على شرط الصحيح
غير خالد بن نافع الأشعري، ووثقه ابن حبان، وضعفه جماعة. وأخرجه الحاكم في
" المستدرك " 3 / 466 من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، عن محرز بن هشام الكوفي، عن
خالد بن نافع به، وصححه، ووافقه الذهبي المؤلف: بينما هنا أعله بخالد كما ترى.
والتحبير: التحسين.
387

حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا موسى قرأ ليلة، فقمن
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته. فلما أصبح، أخبر بذلك. فقال: لو
علمت، لحبرت تحبيرا، ولشوقت تشويقا (1).
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: أتينا عليا،
فسألناه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال: عن أيهم تسألوني؟ قلنا: عن ابن
مسعود. قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى به علما. قلنا: أبو
موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه. قلنا: حذيفة؟ قال:
أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا: سلمان؟ قال: أدرك العلم
الأول، والعلم الآخر; بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: أبو
ذر؟ قال: وعى علما عجز عنه. فسئل عن نفسه. قال: كنت إذا سألت
أعطيت، وإذا سكت ابتديت (2).
أبو إسحاق: سمع الأسود بن يزيد، قال: لم أر بالكوفة أعلم من علي
وأبي موسى (3).
وقال مسروق: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن
مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى (4).

(1) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 108 من طريق يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم
كلاهما عن حماد به، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 481.
(2) رجاله ثقات، أخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 540 من طريق عمر بن حفص بن
غياث، عن أبيه، عن الأعمش بهذا الاسناد.
(3) ابن عساكر: 499.
(4) أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " رقم (1922) من طريق محمد بن أبي عمر، عن
سفيان بن عيينة، عن مطرف، عن الشعبي، عن مسروق. وهذا سند صحيح، وهو في " تاريخ
ابن عساكر ": 500.
388

وقال الشعبي: يؤخذ العلم عن ستة: عمر، وعبد الله، وزيد، يشبه
علمهم بعضه بعضا، وكان علي، وأبي، وأبو موسى يشبه علمهم بعضه
بعضا، يقتبس بعضهم من بعض (1).
وقال داود، عن الشعبي: قضاة الأمة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو
موسى (2).
أسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم، قال: لم يكن يفتى في المسجد
زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير هؤلاء: عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى (3).
قال أبو بردة: قال: إني تعلمت المعجم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت
كتابتي مثل العقاب (4).
أيوب، عن محمد، قال عمر: بالشام أربعون رجلا، ما منهم رجل
كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم. فجاء رهط، فيهم أبو موسى.
قال: إني أرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم. قال: فلا
ترسلني. قال: إن بها جهادا ورباطا. فأرسله إلى البصرة (5).
قال الحسن البصري: ما قدمها راكب خير لأهلها من أبي موسى.
قال ابن شوذب: كان أبو موسى إذا صلى الصبح، استقبل الصفوف
رجلا رجلا يقرئهم. ودخل البصرة على جمل أورق، وعليه خرج لما

(1) ابن عساكر: 501.
(2) ابن عساكر: 501.
(3) ابن عساكر: 502.
(4) ابن عساكر: 502.
(5) رجاله ثقات، وهو في ابن سعد 4 / 109 من طريق عارم، عن حماد بن زيد بهذا
الاسناد، وأخرجه ابن عساكر عن ابن سعد: 503.
389

عزل (1).
قتادة، عن أنس: بعثني الأشعري إلى عمر، فقال لي: كيف تركت
الأشعري؟ قلت: تركته يعلم الناس القرآن. فقال: أما إنه كيس! ولا
تسمعها إياه (2).
قال أبو بردة: كتبت عن أبي أحاديث، ففطن بي، فمحاها، وقال:
خذ كما أخذنا (3).
أبو هلال، عن قتادة، قال: بلغ أبا موسى أن ناسا يمنعهم من الجمعة
أن ليس لهم ثياب، فخرج على النساء في عباءة (4).
قال الزهري: استخلف عثمان، فنزع أبا موسى عن البصرة، وأمر
عليها عبد الله بن عامر بن كريز (5).
قال خليفة: ولي أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة بعد المغيرة، فلما
افتتح الأهواز استخلف عمران بن حصين بالبصرة (6). ويقال: افتتحها
صلحا فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف، وأربع مئة ألف.

(1) ابن عساكر: 504.
(2) رجاله ثقات، أخرجه ابن سعد 4 / 108 من طريق حماد بن أسامة، ووهب بن جرير،
كلاهما عن هشام الدستوائي عن قتادة، عن أنس. وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 506 507.
(3) ابن عساكر: 512.
(4) ابن سعد 4 / 112، 113، وابن عساكر: 512.
(5) ابن عساكر: 513 و 522.
(6) " تاريخ خليفة ": 135، 136، واقتبسه منه ابن عساكر: 513، 514.
390

وقيل: في سنة ثمان عشرة، افتتح أبو موسى الرها وسميساط وما والاها
عنوة (1).
زهير بن معاوية: حدثنا حميد: حدثنا أنس: أن الهرمزان نزل على
حكم عمر من تستر، فبعث به أبو موسى معي إلى أمير المؤمنين; فقدمت
به. فقال له عمر: تكلم، لا بأس عليك. فاستحياه ثم أسلم، وفرض
له (2).
قال ابن إسحاق: سار أبو موسى من نهاوند، ففتح أصبهان سنة ثلاث
وعشرين (3).
مجالد، عن الشعبي قال: كتب عمر في وصيته: ألا يقر لي عامل أكثر
من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين (4).
حميد بن هلال، عن أبي بردة: سمعن أبي يقسم: ما خرج حين نزع
عن البصرة إلا بست مئة درهم (5).
الزهري، عن أبي سلمة: كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى، ربما
قال له، ذكرنا يا أبا موسى. فيقرأ (6).

(1) " تاريخ خليفة ": 139، وابن عساكر: 514.
(2) ابن عساكر: 515. واستحياه: استبقاه، ولم يقتله. قال تعالى: * (ويستحيون
نساءكم) *.
(3) ابن عساكر: 517.
(4) ابن عساكر: 522.
(5) ابن عساكر: 523.
(6) ابن سعد 4 / 109 من طريق عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة.
وهو في ابن عساكر: 526 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة،
ورجاله ثقات.
391

وفي رواية تفرد بها رشدين بن سعد: فيقرأ، ويتلاحن (1).
وقال ثابت، عن أنس: قدمنا البصرة مع أبي موسى، فقام من الليل
يتهجد، فلما أصبح، قيل له: أصلح الله الأمير! لو رأيت إلى نسوتك
وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك! فقال: لو علمت لزينت كتاب الله
بصوتي، ولحبرته تحبيرا (2).
قال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزمارا ولا طنبورا ولا صنجا أحسن
من صوت أبي موسى الأشعري; إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة، من
حسن صوته (3).
هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عيينة، عن لقيط، عن أبي
بردة، عن أبي موسى، قال: غزونا في البحر، فسرنا; حتى إذا كنا في لجة
البحر، سمعنا مناديا ينادي: يا أهل السفينة، قفوا أخبركم. فقمت،
فنظرت يمينا وشمالا، فلم أر شيئا. حتى نادى سبع مرار. فقلت: ألا ترى
في أي مكان نحن، إنا لا نستطيع أن نقف. فقال: ألا أخبرك بقضاء قضى
الله على نفسه: إنه من عطش نفسه لله في يوم حار، كان حقا على الله أن
يرويه يوم القيامة. قال: وكان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلا

(1) التلاحن: التطريب، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 526، ورشدين بن سعد
ضعيف.
(2) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 2 / 344، 345 من طريق عفان عن حماد بهذا
الاسناد، وأخرجه ابن عساكر: 526، 527، من طريق علي بن الجعد، عن أبي معاوية،
عن ثابت، عن أنس.
(3) ابن عساكر: 527 من طريق الإمام أحمد، عن المعتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان.
392

صائما (1).
ورواه ابن المبارك في " الزهد ": حدثنا حماد بن سلمة، عن
واصل.
الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: خرجنا مع أبي
موسى في غزاة، فجننا الليل في بستان خرب; فقام أبو موسى يصلي، وقرأ
قراءة حسنة، وقال: الله م، أنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن
تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام (2).
وروى صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه، قال: اجتهد الأشعري قبل
موته اجتهادا شديدا، فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل
إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها; والذي بقي من
أجلي أقل من ذلك (3).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن أبا موسى كان له سراويل
يلبسه مخافة أن يتكشف (4).
الأعمش، عن شقيق، قال: كنا مع حذيفة جلوسا، فدخل عبد الله

(1) أخرجه ابن عساكر: 531، 532 من طرق، عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن بكار
ابن قتيبة، عن روح بن عبادة عن هشام بن حسان بهذا الاسناد، ورجاله ثقات خلا لقيط وهو
أبو المغيرة فإنه لا يعرف بجرح ولا تعديل، ولم يرو عنه غير واصل مولى أبي عيينة كما في
" الجرح والتعديل " 7 / 177. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 467، من طريق حماد بن
يحيى، عن عبد الله بن المؤمل، عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا موسى على
سرية البحر. وقال: صحيح الاسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن المؤمل ضعيف.
(2) ابن عساكر: 532، 533.
(3) ابن عساكر: 534.
(4) ابن عساكر: 535، 536.
393

وأبو موسى المسجد فقال: أحدهما منافق، ثم قال: إن أشبه الناس هديا
ودلا وسمتا برسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (1).
قلت: ما أدري ما وجه هذا القول، سمعه عبد الله بن نمير منه، ثم
يقول الأعمش: حدثناهم، بغضب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فاتخذوه دينا (2).
قال عبد الله بن إدريس: كان الأعمش به ديانة من خشيته (3).
قلت: رمي الأعمش بيسير تشيع فما أدري.
ولا رب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى رضي الله عنه، لكونه ما قاتل
مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه، عزله، وعزل معاوية، وأشار
بابن عمر; فما انتظم من ذلك حال.
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثنا عيسى بن علقمة، عن
داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: قلت لعلي يوم

(1) رجاله ثقات: وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 771 من طريق محمد بن عبد الله بن
نمير، حدثني أبي، عن الأعمش، عن شقيق، واقتبسه ابن عساكر: 538. فإن صح هذا عن
حذيفة ولا إخاله يصح، فإنه قد أخطأ في حق هذا الصحابي الجليل الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم هو
ومعاذا على اليمن، وولي للخليفتين عمر وعثمان، وشهد له فضلاء الصحابة بوفور عقله،
واستقامة سيرته، وورعه وفضله، على أن قول الأعمش الذي سيورده المصنف يفهم منه أن
حذيفة إنما قال ذلك في حالة الغضب التي يقول فيها الانسان كلاما لا يعتقد أحقيته إذا روجع،
حين يسكت عنه الغضب، ولا يتعلق بما يقال في مثل هذه الحالة إلا الذين في قلوبهم مرض.
(2) في الأصل: فغضب وهو تحريف، أخرجه الفسوي في " تاريخه " عن عبد الله بن نمير
قال: سمعت الأعمش يقول:..
واقتبسه ابن عساكر: 538.
(3) ابن عساكر: 539.
394

الحكمين: لا تحكم الأشعري; فإن معه رجلا، حذرا مرسا قارحا (1).
فلزني (2) إلى جنبه، فلا يحل عقدة إلا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلا حللتها.
قال: يا ابن عباس، ما أصنع؟ إنما أوتى من أصحابي، قد شعفت نيتهم،
وكلوا. هذا الأشعث يقول: لا يكون فيها مضريان أبدا، حتى يكون
أخذهما يمان. قال ابن عباس: فعذرته، وعرفت أنه مضطهد (3).
وعن عكرمة، قال: حكم معاوية عمرا; فقال الأحنف لعلي: حكم
ابن عباس، فإنه رجل مجرب. قال: أفعل. فأبت اليمانية، وقالوا: حتى
يكون منا رجل. فجاء ابن عباس إلى علي، فقال: علام تحكم أبا
موسى، لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا; وهو يرجو ما نحن فيه;
فتدخله الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذلك! فإذا أبيت أن
تجعلني مع عمرو، فاجعل الأحنف بن قيس; فإنه مجرب من العرب،
وهو قرن لعمرو. فقال: نعم. فأبت اليمانية أيضا. فلما غلب، جعل أبا
موسى (4).
قال أبو صالح السمان: قال علي: يا أبا موسى، احكم ولو على حز

(1) المرس: الشديد الذي مارس الأمور وجربها، والقارح من الخيل: الذي استتم
الخامسة، ودخل في السادسة، ونبت نابه، وليس بعد القروح نبات سن ولا سقوط سن، يشبه به
الرجل المجرب.
(2) لزني إلى جنبه: أي: ألزمني إياه.
(3) إسناده ضعيف لضعف محمد بن عمر هو الواقدي. وهو في " الطبقات " واقتبسه منه ابن
عساكر: 540.
(4) أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي، عن علي بن عمرو بن عطاء، عن أبيه، عن
عكرمة..
والواقدي متروك، وأخرجه ابن عساكر: 539، 540 من طريقه.
395

عنقي (1).
زيد بن الحباب: حدثنا سليمان بن المغيرة البكري، عن أبي بردة،
عن أبي موسى: أن معاوية كتب إليه: أما عبد: فإن عمرو بن العاص قد
بايعني على ما أريد، وأقسم بالله، لئن بايعتني على الذي بايعني، لاستعملن
أحد ابنيك على الكوفة، والآخر على البصرة; ولا يغلق دونك باب، ولا
تقضى دونك حاجة. وقد كتبت إليك بخطي، فاكتب إلي بخط يدك.
فكتب إليه: أما بعد: فإنك كتبت إلي في جسيم أمر الأمة، فماذا أقول
لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك.
قال أبو بردة: فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني بابا، ولا كانت لي
حاجة إلا قضيت (2).
قلت: قد كان أبو موسى صواما قواما ربانيا زاهدا عابدا، ممن جمع
العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الامارة، ولا اغتر بالدنيا.
ومن عواليه
أخبرنا الفقيهان: يحيى بن أبي منصور، وعبد الرحمن بن محمد
كتابة، قالا: أخبرنا عمر بن محمد: أخبرنا هبة الله بن محمد: أخبرنا
محمد بن محمد بن غيلان: أخبرنا أبو بكر الشافعي: حدثنا إبراهيم بن عبد

(1) ابن عساكر: 541 من طريق الفضل بن غسان الغلابي، عن يحيى بن معين، عن ابن
نمير، عن الأعمش، عن أبي صالح السمان..
(2) أخرجه ابن عساكر: 541، 542 من طريق الحسين بن علي الكسائي، الهمداني، عن
يحيى بن سليمان الحنفي بهذا الاسناد، وأخرجه ابن سعد 4 / 111، 112 من طريق عفان بن
مسلم، وعمرو بن عاصم الكلابي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثلاثتهم عن سليمان بن
المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة.. وهذا سند صحيح.
396

الله البصري، حدثنا الأنصاري، حدثنا سليمان، (ح) وبه إلى الشافعي:
حدثنا محمد بن مسلمة، واللفظ له: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سليمان
التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان القوم يصعدون ثنية أو عقبة; فإذا صعد
الرجل قال: لا إله إلا الله، والله أكبر أحسبه قال: بأعلى صوته ورسول
الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يعترضها في الجبل، فقال: " أيها الناس، إنكم لا
تنادون أصم ولا غائبا ". ثم قال: يا عبد الله بن قيس أو يا أبا موسى ألا
أدلك على كلمة من كنوز الجنة "؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: " قل:
لا حول ولا قوة إلا بالله " (1).
قد مر أن أبا موسى توفي سنة اثنتين وأربعين.
وقال أبو أحمد الحاكم: توفي سنة اثنتين وقيل: سنة (2) ثلاث وأربعين.
وقال أبو نعيم، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وقعنب بن
المحرر (3): توفي سنة أربع وأربعين.
وأما الواقدي، فقال: مات سنة اثنتين وخمسين. وقال المدائني: سنة
ثلاث وخمسين، بعد المغيرة.

(1) إسناده صحيح، وهو في " تاريخ ابن عساكر ": 429 من طريق أبي بكر الشافعي، عن
محمد بن مسلمة بهذا الاسناد. وأخرجه من طرق عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى:
البخاري 7 / 363 في المغازي و 11 / 159 و 180 في الدعوات، و 437، 438 في القدر،
ومسلم (2704) في الذكر والدعاء، وأحمد 4 / 402 و 403 و 407 و 417، 418 و 419، وأبو
داود (1526) و (1527)، والترمذي (3374) وابن ماجة (3824).
(2) سقط من المطبوع " اثنتين. وقيل: سنة ".
(3) سقط من المطبوع بن المحرر ".
397

وقد ذكرت في طبقات القراء: توفي أبو موسى في ذي الحجة سنة أربع
وأربعين، على الصحيح.
ابن سعد: أخبرنا يزيد، وعفان، قالا: حدثنا حماد، عن ثابت،
عن أنس: أن أبا موسى كان حلو الصوت. فقام ليلة يصلي، فسمع أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم، فقمن يستمعن. فلما أصبح، قيل له: إن النساء سمعنك.
قال: لو علمت لحبرتكن تحبيرا، ولشوقتكن تشويقا (1).
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كان عمر إذا رأى أبا موسى، قال:
ذكرنا يا أبا موسى. فيقرأ عنده (2).
شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة: قال عمر لأبي موسى: شوقنا
إلى ربنا. فقرأ. فقالوا: الصلاة. فقال: أو لسنا في صلاة (3)!
روى حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: حدثتني أمي، قالت:
خرج أبو موسى حين نزع عن البصرة، ما معه إلا ست مئة درهم عطاء
لعياله (4).
روى الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، قال: ما كنا نشبه كلام أبي
موسى إلا بالجزار الذي ما يخطئ المفصل (5).

(1) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 4 / 108، واقتبسه ابن عساكر: 481.
(2) ابن سعد 4 / 109، وابن عساكر: 526.
(3) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 109 عن عمرو بن الهيثم بهذا الاسناد.
(4) ابن سعد 4 / 111.
(5) إسناده صحيح وهو في ابن سعد 4 / 111، وابن عساكر: 502، والخريت تحرف في
المطبوع إلى: " الحريث " وأبو لبيد اسمه لمازة بن زبار.
398

عن بعضهم: أن أبا موسى أتى معاوية، وهو بالنخيلة، وعليه عمامة
سوداء وجبة سوداء، ومعه عصا سوداء (1).
ثابت، عن أنس قال: كان أبو موسى إذا نام، لبس تبانا، مخافة أن
تنكشف عورته (2).
منصور بن المعتمر، عن أبي عمرو الشيباني، قال: قال أبو موسى:
لان يمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إلي من أن يمتلئ من ريح امرأة (3).
ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن قزعة، عن عبد الرحمن ابن مولى أم
برثن، قال: قدم أبو موسى الأشعري وزياد على عمر رضي الله عنه، فرأى
في يد زياد خاتما من ذهب، فقال: اتخذتم حلق الذهب، فقال أبو موسى:
أما أنا فخاتمي من حديد. فقال عمر: ذاك أنتن، أو أخبث، من كان متختما
فليتختم بخاتم من فضة (4).
قال ابن بريدة: كان أبو موسى أثط قصيرا خفيف اللحم. رضي الله
عنه (5).
وله في مسند بقي ثلاث مئة وستون حديثا.
وقع له في " الصحيحين " تسعة وأربعون حديثا، وتفرد البخاري بأربعة

(1) ابن سعد 4 / 113، والنخيلة: موضع قرب الكوفة على سمت الشام.
(2) ابن سعد 4 / 111. وقد تحرفت كلمة تبانا فيه وفي المطبوع إلى " ثيابا ".
(3) رجاله ثقات: أبو عمرو الشيباني: هو سعيد بن إياس، ثقة مخضرم أخرج حديثه
الستة، وهو في " الطبقات " 4 / 114.
(4) ابن سعد 4 / 114 ورجاله ثقات، عبد الرحمن بن مولى أم برثن هو ابن آدم من رجال
التهذيب، أخرج حديثه مسلم.
(5) ابن سعد 4 / 115.
399

أحاديث، ومسلم بخمسة عشر حديثا. وكان إماما ربانيا.
جود ترجمته ابن سعد وابن عساكر.
قال الواقدي وغيره: قدم أبو موسى مكة وحالف أبا أحيحة الأموي.
وأسلم بمكة، وهاجر إلى الحبشة (1).
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبيه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي، فبعثت ريش عمرا وعمارة بن
الوليد، وجمعوا له هدية (2).
ولم يذكره ابن عقبة، وابن إسحاق، وأبو معشر، فمن هاجر إلى
الحبشة.
قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال لي أبي: لو رأيتنا
ونحن نخرج مع نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء، لوجدت منا ريح الضأن، من
لباسنا الصوف (3).
قال حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: حدثتني أمي، قالت:
خرج أبوك حين نزع عن البصرة، وما معه إلا ست مئة درهم، عطاء
عياله (4).

(1) ابن سعد 4 / 105.
(2) ابن سعد 4 / 105 ورجاله ثقات.
(3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 4 / 108 من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن
سعيد بهذا الاسناد، وأخرجه أبو داود (4033) والترمذي (2479) وابن ماجة (3562)، وأحمد
4 / 419 من طرق عن قتادة به، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، ومعناه: أنه كان ثيابهم
الصوف، فإذا أصابهم المطر يجئ من ثيابهم ريح الضأن.
(4) ابن سعد 4 / 111، وقد تقدم في الصفحة 398.
400

سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: دخلت
على معاوية حين أصابته قرحته، فقال: هلم يا ابن أخي، فنظرت، فإذا هو
قد سبرت (1) يعني: قرحته فقلت: ليس عليك بأس. إذ دخل ابنه
يزيد، فقال له معاوية: إن وليت، فاستوص بهذا; فإن أباه كان أخا لي، أو
خليلا، غير أني قد رأيت في القتال ما لم ير (2).
وقال أبو بردة: قال أبي: ائتني بكل شئ كتبته، فمحاه، ثم قال:
احفظ كما حفظت (3).
ابن عون، عن الحسن، قال: كان الحكمان: أبا موسى، وعمرا;
وكان أحدهما يبتغي الدنيا، والآخر يبتغي الآخرة (4).
حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي مجلز: أن أبا موسى قال: إني
لاغتسل في البيت المظلم، فأحنى ظهري حياء من ربي (5).
زهير بن معاوية، عن عبد الملك بن عمير، قال: رأيت أبا موسى
داخلا من هذا الباب، وعليه مقطع، ومطرف حيري (6).

(1) السبر: مصدر سبر الجرح يسبره ويسبره سبرا: نظر مقداره وقاسه ليغرف غوره.
(2) رجاله ثقات وأخرجه ابن سعد 4 / 112 من طريقين، عن سليمان بن المغيرة بهذا
الاسناد.
(3) رجاله ثقات وهو في ابن سعد 4 / 112 وابن عساكر: 511.
(4) رجاله ثقات، وهو في " الطبقات " 4 / 113 من طريق معاذ بن معاذ بهذا الاسناد، وابن
عون: هو عبد الله بن عون أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل أخرج حديثه أصحاب الكتب
الستة.
(5) ابن سعد 4 / 113، 114.
(6) ابن سعد 4 / 114، والمطرف: رداء من خز مربع له أعلام، وحيري: نسبة إلى الحيرة:
مدينة على ثلاثة أميال من الكوفة. والمقطع من الثياب: كل ما يفصل ويخاط من قميص وجباب
وسراويلات وغيها، وما لا يقطع منها كالأردية والأزر والمطارف.
سير 2 / 26
401

عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" اللهم اجعل عبيدا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة ". فقتل يوم
أوطاس. فقتل أبو موسى قاتله.
الجريري، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى، قال: أعمقوا لي
قبري (1).
83 أبو أيوب الأنصاري * (ع)
الخزرجي النجاري البدري. السيد الكبير. الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم
بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة، وبنى
المسجد الشريف.
اسمه: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبه بن عبد عمرو (2) بن عوف بن غنم
ابن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج.

(1) ابن سعد 4 / 116، ورجاله ثقات.
* مسند أحمد: 5 / 113، طبقات ابن سعد: 3 / 484 485، التاريخ لابن معين: 144،
طبقات خليفة: 89، 303، تاريخ خليفة: 211، التاريخ الكبير: 3 / 136، 137،
المعارف: 274، تاريخ الفسوي: 1 / 312، الجرح والتعديل: 3 / 331، معجم الطبراني
الكبر: 4 / 138، المستدرك: 3 / 457، الاستبصار: 69 70، الاستيعاب: 2 / 424،
تاريخ ابن عساكر: 5 / 213 / 2، أسد الغابة 2 / 94، تهذيب الكمال: 357، تاريخ الاسلام
2 / 327، العبر: 1 / 56، مجمع الزوائد: 9 / 323، تهذيب التهذيب: 3 / 90 91،
الإصابة: 3 / 56، خلاصة تذهيب الكمال: 100 و 101، كنز العمال: 13 / 614، شذرات
الذهب: 1 / 57.
(2) في " الطبقات " 3 / 484، و " أسد الغابة " 2 / 94: ابن عبد بن عوف. وفي
" التهذيب " 357: ابن عبد عوف، ويقال: ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم، ويقال: ابن عبد
عوف بن جشم بن غنم.
402

حدث عنه: جابر بن سمة، والبراء بن عازب. والمقدام بن معد
يكرب، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب،
وموسى بن طلحة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يزيد الليثي، وأفلح
مولاه، وأبو رهم السماعي (1)، وأبو سلمة بن عبد الرحمن; وعبد الرحمن
ابن أبي ليلى، وقرثع الضبي. ومحمد بن كعب، والقاسم أبو عبد
الرحمن; وآخرون.
وله عدة أحاديث، ففي " مسند بقي " له مئة وخمسة وخمسون حديثا;
فمنها في البخاري ومسلم: سبعة. وفي البخاري حديث، وفي مسلم
خمسة أحاديث.
حرملة: حدثنا ابن وهب، أخبرنا حياة، أخبرنا الوليد بن أبي الوليد،
حدثا أيوب بن خالد بن أب ي أيوب الأنصاري، عن أبيه عن جده:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " اكتم الخطبة، ثم توضأ، ثم صل ما كتب
الله لك، ثم احمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم، تقدر ولا أقدر، وتعلم
ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. فإن رأيت لي في فلانة تسميها خيرا في
ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وإن كان غيرها خيرا لي منها، فأمض لي
أو: قال: اقدرها لي " (2).

(1) ويقال: " السمعي "، وقد تحرف في المطبوع إلى السباعي " واسمه: أحزاب بن
أسيد.
(2) وأخرجه ابن حبان (685)، والحاكم 1 / 314 و 2 / 165، والطبراني (3901)،
والبيهقي 7 / 147، 148، وأحمد 5 / 423، كلهم من طريق الوليد بن أبي الوليد، عن أيوب بن
خالد بن أبي أيوب الأنصاري، عن أبيه، عن جده. وأيوب بن خالد: هو أيوب بن خالد بن
صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري، عن أبيه، عن جده. وأيوب بن خالد: هو أيوب بن خالد بن
صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري، وأبو أيوب جده لامه عمرة، قال الحافظ في " التقريب ":
لين، وأبوه خالد لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد صححه ابن حبان والحاكم، ووافقه
المصنف على التصحيح، وذكره الحافظ في " الفتح " شاهدا لحديث جابر في الاستخارة،
المخرج في الصحيح 11 / 155، 158، فهو حسن لغيره.
403

وفي سيره ابن عباس: أنه كان أميرا على البصرة لعلي، وأن أبا أيوب
الأنصاري وفد عليه، فبالغ في إكرامه، وقال: لأجزينك على إنزالك النبي
صلى الله عليه وسلم عندك، فوصله بكل ما في المنزل، فبلغ ذلك أربعين ألفا (1).
الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أشياخه، عن أبي أيوب، أنه قال:
ادفنوني تحت أقدامكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات لا يشرك
بالله شيئا دخل الجنة " (2).
ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: شهد أبو أيوب بدرا، ثم لم
يتخلف عن غزاة إلا عاما، استعمل على الجيش شاب، فقعد، ثم جعل
يتلهف، ويقول: ما علي من استعمل علي. فمرض، وعلى الجيش يزيد
ابن معاوية، فأتاه يعوده، فقال: حاجتك؟ قال: نعم، إذا أنا مت،
فاركب بي، ثم تبيغ بي في ارض العدو ما وجدت مساغا; فإذا لم تجد
مساغا، فادفني، ثم ارجع.
فلما مات، ركب به، ثم سار به، ثم دفنه. وكان يقول: قال الله:

(1) سيرده في ص 410 بإسناده، وفيها تخريجه. تعليق رقم (4).
(2) أبو ظبيان: هو حصين بن جندب بن الحارث الجنبي الكوفي، ثقة، حديثه في الكتب
الستة، وهو في " معجم الطبراني " (4042) من طريق جرير بهذا الاسناد، وأخرجه أحمد 5 /
419 من طريق ابن نمير، عن الأعمش، قال: سمعت أبا ظبيان ويعلى حدثنا الأعمش، عن أبي
ظبيان، عن أبي أيوب، ورواه الطبراني (4041) من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن
زائدة، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي أيوب، وهو في " تاريخ دمشق " لأبي زرعة
(102). ومتن الحديث روي عن غير أبي أيوب، فقد أخرجه البخاري 3 / 89، ومسلم (92)
من حديث ابن مسعود، وأخرجه مسلم (93) من حديث جابر بن عبد الله، وأخرجه البخاري 3 /
88، ومسلم (94) من حديث أبي ذر.
404

* (انفروا خفاقا وثقالا) * [التوبة: 41] لا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا (1).
وروى همام، عن عاصم بن بهدلة، عن رجل: أن أبا أيوب قال
ليزيد: أقرئ الناس مني السلام; ولينطلقوا [بي] وليبعدوا ما استطاعوا.
قال: ففعلوا (2).
قال الواقدي: توفي عام غزا يزيد في خلافة أبيه القسطنطينية. فلقد
بلغني: أن الروم يتعاهدون قبره، ويرمونه، ويستسقون به. وذكره عروة
والجماعة في البدريين (3).
وقال ابن إسحاق: شهد العقبة الثانية (4).
قال محمد بن سيرين: النجار: سمي بذلك; لأنه اختتن بقدوم (5).
وعن ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي أيوب ومصعب بن عمير.
شهد أبو أيوب المشاهد كلها (6).

(1) أخرجه ابن سعد 3 / 485، من طريق إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، ورجاله ثقات.
ومحمد: هو ابن سيرين، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 46، وقوله: " ثم تبيغ " كذا
الأصل، وقد أثبت فوق الكلمة " صح "، يقال: تبيغ به الدم، أي: تردد فيه الدم، وتبيغ الماء
إذا تردد فتحير في مجراه مرة كذا ومرة كذا وفي " الطبقات "، و " النهاية " و " أسد الغابة "
و " تهذيب ابن عساكر ": " ثم سغ "، وفسره ابن الأثير، فقال: أي: ادخل فيها ما وجدت
مدخلا، وساغت به الأرض، أي: ساخت، وساغ الشراب في الحلق يسوق، أي: دخل
سهلا.
(2) ابن سعد 3 / 485، وأحمد 5 / 416.
(3) ابن سعد 3 / 485، وتهذيب ابن عساكر 5 / 46، وانظر " تاريخ دمشق " 1 / 188 و
226 لأبي زرعة.
(4) تهذيب ابن عساكر 5 / 40.
(5) القدوم: الفأس التي ينحت بها الخشب، وفي تهذيب ابن عساكر 5 / 40: إنما سمي
النجار، لأنه نجر وجه رجل بقدوم.
(6) ابن سعد 3 / 484، وتهذيب ابن عساكر 5 / 40.
405

وقال أحمد بن البرقي: جاء له نحو من خمسين حديثا.
قال ابن يونس: قدم مصر في البحر سنة ست وأربعين (1).
وقال أبو زرعة النصري: قدم دمشق زمن معاوية (2).
وقال الخطيب: شهد حرب الخوارج مع علي (3).
جعفر بن جسر بن فرقد: أخبرنا أبي: حدثنا عبد الرحمن بن حرملة،
عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، قال: قال أهل المدينة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم: ادخل المدينة راشد مهديا. فدخلها، وخرج الناس ينظرون إليه،
كلما مر على قوم، قالوا: يا رسول الله، ها هنا. فقال: " دعوها، فإنها
مأمورة " يعني الناقة حتى بركت على باب أبي أيوب (4).
يزيد بن أب ي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي رهم: أن أبا أيوب
حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بيتنا الأسفل، وكنت في الغرفة، فأهريق
ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء، ونزلت فقلت: يا
رسول الله، لا ينبغي أن نكون فوقك، انتقل إلى الغرفة. فأمر بمتاعه فنقل
ومتاعه قليل قلت: يا رسول الله، كنت ترسل بالطعام، فأنظر، فإذا رأيت
أثر أصابعك، وضعت فيه يدي (5).

(1) تهذيب ابن عساكر 5 / 40.
(2) وهو في تهذيب ابن عساكر 5 / 40.
(3) تهذيب ابن عساكر 5 / 40.
(4) إسناده ضعيف لضعف جعفر بن جسر وأبيه، وقد تحرف " جسر " في المطبوع إلى
" جبير "، والخبر في " الكامل " لابن عدي 60 / 1 في ترجمة جسر بن فرقد، ونقله عنه ابن
عساكر كما في " تهذيبه " 5 / 40 وانظر " زاد المعاد " 1 / 101، 102 طبع مؤسسة الرسالة.
(5) إسناده صحيح. أبو الخير: هو مرثد بن عبد الله اليزني ثقة فقيه، وأبو رهم: هو أحزاب بن
أسيد مختلف في صحبته، وصحح الحافظ في " التقريب " أنه مخضرم، وأخرجه أحمد في
المسند " 5 / 420 من طريق يونس بن محمد المؤدب، عن الليث بن سعد بهذا الاسناد،
وأخرجه الطبراني برقم (3878) من طريق الليث به، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 3 / 56 إلى أبي
بكر بن أبي شيبة وابن أبي عاصم. وأخرجه الحاكم 3 / 460، 461 من طريق ابن إسحاق:
حدثني يزيد بن حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي أمامة الباهلي، عن أبي
أيوب، وقال: هذا حديث على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وهو في " معج الطبراني " برقم
(3855) من طريق محمد بن إسحاق به، وأخرجه بنحوه مسلم في " صحيحه " (2053) في
الأشربة: باب إباحة أكل الثوم، من طريق عاصم بن عبد الله بن الحارث، عن أفلح مولى أبي
أيوب، عن أبي أيوب.
406

بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي
أيوب، قال: أقرعت الأنصار أيهم يؤوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرعهم أبو
أيوب. فكان إذا أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعام، أهدي لأبي أيوب. فدخل أبو
أيوب يوما، فإذا قصعة فيها بصل، فلم يأكل منها، وقال: " إنه يغشاني ما لا
يغشاكم " (1).
الصنعاني: حدثنا محمد بن سابق: حدثنا حشرج بن نباتة، عن
إسحاق بن إبراهيم: سمع أبا قلابة يقول: حدثني أبو عبد الله الصنابحي،
أن عبادة بن الصامت حدثه، قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي
أصحابك أحب إليك؟ قال: " اكتم علي حياتي "؟ قلت: نعم. قال:
" أبو بكر، ثم عمر، ثم علي " ثم سكت. فقلت: ثم من؟ قال: " من
عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير، وطلحة وسعد، وأبو عبيدة، ومعاذ،

(1) أخرجه أحمد 5 / 414، والطبراني برقم (4091) من طريقين عن بقية بن الوليد، عن
بحير بن سعد بهذا الاسناد، ورجاله ثقات، إلا أن بقية بن الوليد مدلس، وقد عنعن، وقوله:
" فلم يأكل منها " أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظ " المسند " بعد قوله: " فيها بصل " فقال: ما هذا؟
فقالوا: أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاطلع أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما
منعك من هذه القصعة؟ قال: " رأيت فيها بصلا "، قال: ولا يحل لنا البصل؟ قال: " بلى،
فكلوه ولكن يغشاني ما لا يغشاكم ".
407

وأبو طلحة، وأبو أيوب، وأنت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وابن
مسعود، وابن عفان، وابن عوف; ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان،
وصهيب، وبلال، وسالم مولى أبي حذيفة; هؤلاء خاصتي ". هذا حديث
منكر. رواه الهيثم الشاشي (1) في " مسنده ".
الواقدي: حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن ربح، عن أبي هريرة،
قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية، بات أبو أيوب على باب النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما أصبح، فرأى رسول الله، كبر، ومع أبي أيوب السيف، فقال: يا
رسول الله، كانت جارية حديثه عهد بعرس، وكنت قتلت أباها وأخاها
وزوجها; فلم آمنها عليك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له خيرا (2).
غريب جدا، وله شويهد من حديث عيسى بن المختار، وابن أبي
ليلى، عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس، فذكر قريبا منه.
وأبو بكر بن أبي شيبة ح حدثنا عمر بن أبي بكر، عن عبد الله بن أبي
عبيدة، عن أبيه، عن مقسم، عن جابر، بنحوه.
وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، نحوه.
عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، قال: أعرست،
فدعا أبي الناس، فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر. فجاء أبو
أيوب، فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر. فقال: يا عبد الله، تسترون
الجدر؟ فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن

(1) تحرف في " المطبوع " إلى " الشابشتي " وأورد الخبر ابن عساكر كما في " تهذيبه " 5 /
41.
(2) ابن سعد 8 / 126، وتهذيب ابن عساكر 5 / 41، 42.
408

تغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك. لا أدخل لكم بيتا، ولا آكل لكم
طعاما (1)!
غريب، رواه النفيلي عن ابن علية، عنه.
ابن أبي ذئب، عن عبد العزيز بن عباس، عن محمد بن كعب،
قال: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال: ما يحملك على هذا؟ قال:
إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات، فإن وافقته، وافقناك، وإن
ألفته، خالفناك (2).
مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه،
قال: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل
مزاح، فكان يقول لصاحب طعامنا: جزاك الله خيرا يغضب. فقال: اقلبوه له.
فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.
فقال له المزاح: جزاك الله شرا وعرا، فضحك، وقال: ما تدع
مزاحك (3).

(1) إسناده قوي، وأخرجه الطبراني (3853) من طريق معاذ بن المثنى، عن مسدد، عن بشر
ابن المفضل بهذا الاسناد، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 5 / 218 / 2، وقوله: " بجنادي
أخضر ": قال في " النهاية ": هو جنس من الأنماط أو الثياب يستر بها الجدران.
(2) وأخرجه الطبراني برقم (3993) من طريق أحمد بن عمرو الخلال، عن يعقوب بن
حميد، عن عبد الله بن رجاء بهذا الاسناد، ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في " المجمع " 2 /
68.
(3) إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. والعر: القبح
والمساوئ، وقد تحرفت في الطبراني المطبوع إلى " عسر "، والخبر أخرجه الطبراني برقم
(4076) من طريق بشر بن موسى، عن أبي عبد الرحمن المقرئ، عن عبد الرحمن بن زياد بن
أنعم، وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 185 عن الطبراني، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 /
43، 44.
409

ذكر خليفة: أن عليا استعمل أبا أيوب على المدينة (1).
وقال الحاكم: لم يشهد أبو أيوب مع علي صفين.
الأعمش، عن أبي ظبيان: أن أبا أيوب غزا زمن معاوية، فلما
احتضر، قال: إذا صاففتم العدو، فادفنوني تحت أقدامكم (2).
ابن فضيل: حدثنا إبراهيم الهجري، عن أبي صادق قال: قدم أبو
أيوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد جزرا معي. فسلمت، وقلت: يا
أبا أيوب، قد أكرمك الله بصحبة نبيه، وبنزوله عليك; فمالي أراك تستقبل
الناس تقاتلهم بسيفك؟ قال: إن رسول الله عهد إلينا أن نقاتل مع علي
الناكثين، فقد قاتلناهم; والقاسطين، فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية،
والمارقين، فلم أرهم بعد (3). هذا خبر واه.
إسحاق بن سليمان الرازي: حدثنا أبو سنان، عن حبيب بن أبي
ثابت: أن أبا أيوب قدم على ابن عباس البصرة، ففرغ له بيته، وقال:
لاصنعن بك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، كم عليك؟ قال: عشرون ألفا
فأعطاه أربعين ألفا، وعشرين مملوكا، ومتاع البيت (4).

(1) تهذيب ابن عساكر 5 / 44.
(2) الطبراني 4 / 139 و 204، وتهذيب ابن عساكر 5 / 45 وقوله " صاففتم " أي: رتبتم
صفوفكم في مقابل صفوف العدو.
(3) إسناده ضعيف لضعف إبراهيم الهجري، وهو إبراهيم بن مسلم العبدي من رجال
" التهذيب "، والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 44.
(4) أخرجه الطبراني برقم (3877) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، عن أبي كريب
بهذا الاسناد، ورجاله ثقات، إلا أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من أبي أيوب، وأخرجه الحاكم
3 / 461، 462، وصححه، ووافقه الذهبي. وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 323، و " أسد
الغابة " 2 / 96.
410

ابن عون: حدثنا محمد، وحدثنا عمر بن كثير بن أفلح، وهذا
حديثه، قال: قدم أبو أيوب على معاوية، فأجلسه معه على السرير،
وحادثه، وقال: يا أبا أيوب، من قتل صاحب الفرس البلقاء التي جعلت
تجول يوم كذا وكذا؟ قال: أنا; إذ أنت وأبوك على الجمل الأحمر معكما
لواء الكفر. فنكس معاوية، وتنمر أهل الشام، وتكلموا. فقال معاوية:
مه! وقال: ما نحن [عن] هذا سألناك (1).
أبو إسحاق الفزاري، عن إبراهيم بن كثير: سمعت عمارة بن
غزية، قال: دخل أبو أيوب على معاوية، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،
سمعته يقول: " يا معشر الأنصار، إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا ".
فبلغت معاوية؟ فصدقه، فقال: ما أجرأه! لا أكلمه أبدا، ولا يؤويني
وإياه سقف. وخرج من فوره إلى الغزو، فمرض; فعاده يزيد بن معاوية،
وهو على الجيش، فقال: هل لك من حاجة؟ قال: ما ازددت عنك وعن
أبيك إلا غنى; إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو.. الحديث (2).
الأعمش، عن أبي ظبيان، قال: أغزى أبو أيوب، فمرض، فقال:
إذا مت فاحملوني، فإذا صاففتم العدو، فارموني تحت أقدامكم. أما إني
سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: " من مات لا

(1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 44، 45.
(2) تهذيب ابن عساكر 5 / 45، وفيه انقطاع. ومتن الحديث ثابت من حديث أنس بن
مالك، أخرجه البخاري 7 / 89 في مناقب الأنصاري: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار:
" اصبروا "، ومسلم (1845) في الامارة، من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن
شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أسيد بن حضير رضي الله عنه، أن رجلا من الأنصار
قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: " ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا
حتى تلقوني على الحوض " والأثرة، بفتح الهمزة والثاء الاسم من أثر يؤثر إيثارا: إذا أعطى أراد
أنه يستأثر عليكم في أمور الدنيا، ويفضل عليكم غيركم في نصيبه من الفئ.
411

يشرك بالله شيئا دخل الجنة " (1). إسناده قوي.
جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه قال: أتيت مصر، فرأيت
الناس قد قفلوا من غزوهم، فأخبروني أنهم لما كانوا عند انقضاء مغزاهم
حيث يراهم العدو، حضر أبا أيوب الموت; فدعا الصحابة والناس، فقال:
إذا قبضت، فلتركب الخيل، ثم سيروا حتى تلقوا العدو، فيردوكم،
فاحفروا لي، وادفنوني، ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا
يعرف، فإذا رجعتم، فأخبروا الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني: " أنه لا
يدخل النار أحد يقول: لا إله إلا الله " (2).
قال الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنة
خمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل
القسطنطينية على بابها، ثم قفل (3).
وعن الأصمعي، عن أبيه: أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني
عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة
شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نبش، لأضرب
بناقوس في بلاد العرب. فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا (4).
قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد،
ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره،

(1) تقدم تخريجه في الصفحة 404 تعليق رقم (2)، وانظر ابن سعد 3 / 484، 485.
(2) إسناده ضعيف لضعف قابوس بن أبي ظبيان، لكنه في معنى ما قبله، وقد ذكره ابن عساكر
كما في " تهذيبه " 5 / 45، 46، من طريق المحاملي.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 46.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 46.
412

ويستسقون به (1).
وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيى بن بكير: سنة اثنتين
وخمسين.
84 عبد الله بن سلام * (ع)
ابن الحارث. الامام الحبر، المشهود له بالجنة. أبو الحارث
الإسرائيلي، حليف الأنصار. من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن معقل، وعبد
الله بن حنظلة بن الغسيل، وابناه: يوسف ومحمد، وبشر بن شغاف،
وأبو سعيد المقرئ، وأبو بردة بن أبي موسى، وقيس بن عباد، وأبو سلمة
ابن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، وزرارة بن أوفى، وآخرون.

(1) ابن سعد 3 / 485 من طريق الواقدي، وهو ضعيف كما تقدم غير مرة، والاستسقاء بأهل
الصلاح، إنما يكون في حياتهم لا بعد موتهم، كما فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فقد
روى البخاري في " صحيحه " 2 / 410 في الاستسقاء: باب سؤال الناس الامام الاستسقاء، من
طريق أنس; أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا، استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال:
اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، فيسقون. وقد
بين الزبير بن بكار في " الأنساب " صفة ما دعا به العباس فيما نقله عنه الحافظ: " اللهم إنه لم
ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه
أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث ".
* مسند أحمد: 5 / 450، طبقات ابن سعد: 2 / 352 353، التاريخ لابن معين: 311،
طبقات خليفة: 8، تاريخ خليفة: 56، 206، التاريخ الكبير: 5 / 18 19، تاريخ
الفسوي: 1 / 264، الجرح والتعديل: 5 / 62، المستدرك: 3 / 413، الاستبصار: 193،
الاستيعاب: 3 / 921، جامع الأصول: 9 / 81، أسد الغابة: 3 / 264، تاريخ الاسلام:
2 / 230، العبر: 1 / 51، مجمع الزوائد: 9 / 326، تهذيب التهذيب: 5 / 249،
الإصابة: 6 / 108، خلاصة تذهيب الكمال: 200 تهذيب الكمال: 691.
413

وكان فيما بلغنا: ممن شهد فتح بيت المقدس. نقله الواقدي.
قال محمد بن سعد: اسمه: الحصين، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله (1).
وروى قيس بن الربيع وهو ضعيف عن عاصم، عن الشعبي، قال:
أسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين. فهذا قول شاذ مردود
بما في " الصحيح "، من أنه أسلم وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقدومه.
قال ابن سعد: هو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام. وهو
حليف القواقلة (2).
قال: وله إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو من أحبار
اليهود.
قال عوف الأعرابي: حدثنا زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام،
قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس عليه، وكنت فيمن انجفل،
فلما رأيته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شي ء سمعته
يقول: " يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام،
وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " (3).
وروى حميد، عن أنس: أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه

(1) " المستدرك " 3 / 413.
(2) في " القاموس ": والقوقل: اسم أبي بطن من الأنصار، لأنه كان إذا أتاه إنسان يستجير
به أو بيثرب، قال له: قوقل في هذا الجبل، وقد أمنت; أي: ارتق، وهم القواقلة.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 451، والترمذي (2487)، وابن ماجة (1334)
و (3251)، والدارمي 1 / 340، كلهم من طريق عوف بن أبي جميلة، عن زرارة ابن أوفى، عن
عبد الله بن سلام، وصححه الحاكم 3 / 13، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أبي هريرة
عند الحاكم 4 / 129. وقوله: " انجفل الناس عليه " أي: ذهبوا مسرعين نحوه.
414

إلى المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي. ما أول أشراط
الساعة؟ وما أول من يأكل أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟
فقال: " أخبرني بهن جبريل آنفا " قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة.
قال: " أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى
المغرب، وأما أول ما يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وأما الشبه، فإذا
سبق ماء الرجل، نزع إليه الولد. وإذا سبق ماء المرأة، نزع إليها " قال:
أشهد أنك رسول الله.
وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت; وإنهم لا يعلموا بإسلامي
بهتوني، فأرسل إليهم، فسلهم عني.
فأرسل إليهم. فقال: " أي رجل ابن سلام فيكم "؟ قالوا: حبرنا،
وابن حبرنا; وعالمنا، وابن عالمنا. قال: " أرأيتم إن أسلم، تسلمون؟
قالوا: أعاذه الله من ذلك. قال: فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا
الله; وأن محمدا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا; وجاهلنا وابن
جاهلنا. فقال: يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت (1).
عبد الوارث: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، قال: أقبل نبي
الله إلى المدينة. فقالوا: جاء نبي الله. فاستشرفوا ينظرون، وسمع ابن
سلام وهو في نخل يخترف فعجل قبل أن يضع التي يخترف فيها، فسمع
من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله. فلما خلا نبي الله، جاء، فقال: أشهد

(1) أخرجه البخاري 62 / 61 في أول الأنبياء، و 7 / 212 في مناقب الأنصار، و 8 / 125،
126 في التفسير، من طرق عن حميد، عن أنس.
وقوله: " بهت " بضم الباء والهاء ويجوز إسكانها ك جمع بهيت، كقضيب وقضب، وقليب
وقلب: وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب.
415

أنك رسول الله، وأنك جئت بحق. ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن
سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فسلهم عني [قبل أن يعلموا أني قد
أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في]، فأرسل
إليهم فجاؤوا، فقال: يا معشر اليهود، ويلكم! اتقوا الله، فوالله إنكم
لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق. فأسلموا ". قالوا: ما
نعلمه. قال: " فأي رجل فيكم ابن سلام " قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا،
وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: " أفرأيتم إن أسلم "؟ قالوا: حاشى لله، ما
كان ليسلم. فقال: " اخرج عليهم ". فخرج عليهم، وقال: ويلكم اتقوا
الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا. قالوا: كذبت. فأخرجهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ابن إسحاق، ن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن
عكرمة، عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في ابن سلام وثعلبة بن
سعية، وأسد بن عبيد: * (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) * (2)..
الآيتين [آل عمران: 113 و 114]

(1) أخرجه البخاري 7 / 195، 198 في الهجرة، من طريق محمد بن سلام، عن عبد
الصمد بن عبد الوارث بهذا الاسناد. وقوله: " يخترف " أي يجتني من الثمار ويصرم.
(2) أخرجه الطبري في " تفسيره " (7644) و (7645) من طريقين عن ابن إسحاق بهذا
الاسناد، ومحمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت لم يوثقه غير ابن حبان، وقال المؤلف: لا
يعرف، وهذا السبب هو المشهور عند كثير من المفسرين، وقال ابن أبي نجيح كما في الطبري
(7648): زعم الحسن بن أبي يزيد العجلي، عن ابن مسعود في قوله تعالى: * (ليسوا سواء من
أهل الكتاب أمة قائمة) * قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي. قال
الحافظ ابن كثير في " تفسيره " 1 / 397: يؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد في
" مسنده ": حدثنا أبو النضر، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا شيبان، عن عاصم، عن زر،
عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس
ينتظرون الصلاة، فقال: " أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم "
قال: فنزلت هذه الآيات * (ليسوا سواء من أهل الكتاب) * إلى قوله: * (والله عليم بالمتقين) *. وسنده حسن.
416

مالك، عن سالم أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه: قال: ما
سمعت رسول الله يقول لاحد: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام،
وفيه نزلت: * (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) * [الأحقاف:
10] (1).
حماد: حدثنا عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " يدخل من هذا الفج رجل من أهل الجنة ". فجاء
ابن سلام (2).
وجاء من غير وجه: أنه رأى رؤيا، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له:

(1) أخرجه مالك في الموطأ، ورواه البخاري 7 / 97 في المناقب: باب مناقب عبد الله بن
سلام، ومسلم (2483) في الفضائل، من حديث مالك به، وقد استظهر الحافظ ابن حجر في
" فتح الباري " أن قوله: " وفيه نزلت.. " مدرج، وقد وقع في رواية ابن وهب عند الدارقطني
التصريح بأنه من قول مالك. وقال ابن كثير 4 / 165: وهذا الشاهد اسم جنس، يعم عبد الله بن
سلام رضي الله عنه وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه،
وهذا كقوله تبارك وتعالى: * (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله
مسلمين) *، وقال: * (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا
ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) *.
قال مسروق والشعبي: ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله
إلا بالمدينة، رواه عنهما ابن جرير 26 / 9، واختاره.
(2) إسناده حسن من أجل عاصم بن بهدلة، وهو في " المسند " 1 / 169 و 183، ولفظه
بتمامه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة من ثريد، فأكل، ففضل منه فضلة، فقال: " يدخل من هذا
الفج رجل من أهل الجنة، يأكل هذه الفضلة " قال سعد: وقد كنت تركت أخي عمير بن أبي
وقاص يتهيأ لان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فطمعت أن يكون هو، فجاء عبد الله بن سلام، فأكلها.
وصححه الحاكم 3 / 416، ووافقه الذهبي.
سير 2 / 27
417

" تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى " (1). إسنادها قوي.
قال ابن سعد: أخبرنا حماد بن عمرو: حدثنا زيد بن رفيع، عن
معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة: أنه لما احتضر معاذ، قعد يزيد عند
رأسه يبكي. فقال: ما يبكيك؟ قال: أبكي لما فاتني من العلم. قال: إن
العلم كما هو لم يذهب، فاطلبه عند أربعة. فسماهم، وفيهم: عبد الله
ابن سلام، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: " هو عاشر عشرة في الجنة " (2).
البخاري في " تاريخه " حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن
صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة
الزبيدي، قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت، قيل له: أوصنا يا أبا عبد
الرحمن. قال: التمسوا العلم عند أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود،
وعبد الله بن سلام الذي أسلم; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه
عاشر عشرة في الجنة " (3).
* (ومن عنده علم الكتاب) *، قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام (4).
قال إبراهيم بن أبي يحيى: حدثنا معاذ بن عبد الرحمن، عن يوسف بن
عبد الله بن سلام، عن أبيه: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد قرأت

(1) أخرجه البخاري 12 / 353 في التعبير: باب التعليق بالعروة والحلقة، من طريقين، عن
ابن عون، عن محمد بن سيرين، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد الله بن سلام، وسيذكر المؤلف
نصه بتمامه قريبا.
(2) ابن سعد 2 / 352، 353.
(3) " التاريخ الصغير " 1 / 73، وأخرجه الترمذي (3804) في المناقب، من طريق
قتيبة، عن الليث، عن معاوية بن صالح بهذا الاسناد، وهذا سند قوي، وصححه الحاكم 3 /
416، ووافقه الذهبي، وذكره الحافظ في " الإصابة " 6 / 109 عن " التاريخ الصغير "، وجود
إسناده. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(4) تفسير مجاهد 1 / 331.
418

القرآن والتوراة. فقال: " اقرأ بهذا ليلة، وبهذا ليلة ". إسناده ضعيف (1).
فإن صح، ففيه رخصة في التكرار على التوراة التي لم تبدل، فأما
اليوم، فلا رخصة في ذلك; لجواز التبديل على جميع نسخ التوراة
الموجودة، ونحن نعظم التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام،
ونؤمن بها. فأما هذه الصحف التي بأيدي هؤلاء الضلال، فما ندري ما هي
أصلا. ونقف، فلا نعاملها بتعظيم ولا بإهانة، بل نقول: آمنا بالله وملائكته
وكتبه ورسله. ويكفينا في ذلك الايمان المجمل، ولله الحمد.
عكرمة بن عمار، عن محمد بن القاسم، قال: زعم عبد الله بن
حنظلة أن عبد الله بن سلام مر في السوق، عليه حزمة من حطب. فقيل له: أليس أغناك الله؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكبر. سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من
كبير " (2).

(1) لان إبراهيم بن أبي يحيى وهو الأسلمي المدني متروك الحديث، وبعضهم اتهمه،
فالحديث ضعيف جدا، بل يكاد يكون موضوعا، فإنه مخالف لحديث جابر بن عبد الله أن عمر
أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال:
" أمتهوكون (أي متحيرون) كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان
موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي " وهو حديث حسن، أخرجه أحمد 3 / 338 و 378، وله شاهد من
حديث عبد الله بن شداد عند أحمد 3 / 470، 471، وآخر من حديث عمر عند أبي يعلى. انظر
" مجمع الزوائد " 1 / 173، 174.
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 416، من طريق سالم بن إبراهيم صاحب
المصاحف، عن عكرمة بن عمار به، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: سالم واه. قلت:
الحديث المرفوع دون القصة صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه عنه مسلم
(91)، وأبو داود (4091)، والترمذي (1999) بلفظ: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه
مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة؟ " قال: " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس ".
419

اتفقوا على أن ابن سلام توفي سنة ثلاث وأربعين.
وقد ساق الحافظ ابن عساكر ترجمته في بضع عشرة ورقة.
الواقدي: عن أبي معشر، عن المقبري، وآخر: أن ابن سلام كان
اسمه الحصين، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله (1).
يزيد بن هارون، وجماعة، قالوا: حدثنا حميد، عن أنس: أن عبد
الله بن سلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة.. الحديث. وفيه: قالوا:
شرنا، وابن شرنا. ونحو ذلك.
قال: يقول عبد الله: يا رسول الله، هذا الذي كنت أخاف (2).
حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد عن أنس، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم،
فأتاه ابن سلام، فقال: سائلك عن أشياء لا يعملها إلا نبي، فإن أخبرتني
بها، آمنت بك.. الحديث (3).
هوذة: حدثنا عوف، عن الحسن، قال عبد الله بن سلام: قال أشهد
أن اليهود يجدونك عندهم في التوراة. ثم أرسل إلى فلان، وفلان نفر
سماهم فقال: " ما عبد الله بن سلام فيكم؟ وما أبوه؟ " قالوا: سيدنا،
وابن سيدنا، وعالمنا، وابن عالمنا. قال: " أرأيتم إن أسلم، أتسلمون "؟
قالوا: إنه لا يسلم. فدعاه، فخرج عليهم، وتشهد. فقالوا: يا عبد
الله، ما كنا نخشاك على هذا! وخرجوا.
وأنزل الله: * (هل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به، وشهد شاد

(1) هو في " المستدرك " 4 / 414 وقد مر أول الترجمة.
(2) إسناده صحيح، وقد تقدم.
(3) إسناده صحيح، وقد تقدم.
420

من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) * [الأحقاف: 10] (1).
إسحاق الأزرق: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن قيس بن
عباد، قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع،
فقال القوم: هذا من أهل الجنة. فصلى ركعتين، فأوجز فيهما. فلما
خرج، اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه، فحدثته; فلما استأنس،
قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا وكذا. قال: سبحان الله! ما
ينبغي لاحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك: إني رأيت رؤيا، فقصصتها على
النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في
الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه.
فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقيل: استمسك بالعروة. فاستيقظت وإنها
لفي يدي. فلما أصحبت، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصصتها عليه. فقال:
" أما الروضة، فروضة الاسلام، وأما العمود، فعمود الاسلام، وأما
العروة; فهي العروة الوثقى; أنت على الاسلام حتى تموت ". قال: وهو
عبد الله بن سلام (2).
حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن
خرشة بن الحر، قال: قدمت المدينة، فجلست إلى شيخة في المسجد،
فجاء شيخ يتوكأ على عصا له، فقال رجل: هذا رجل من أهل الجنة. فقام
خلف سارية، فصلى ركعتين، فقمت إليه، فقلت: زعم هؤلاء أنك من

(1) رجاله ثقات، إلا أن الحسن وهو البصري لم يسمع من عبد الله بن سلام، وهو في " جامع
البيان " 26 / 11 من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن عوف، عن الحسن.
(2) وأخرجه البخاري 7 / 98 في المناقب، ومسلم (2484)، وأحمد 5 / 452، من طرق
عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن قيس بن عباد.
421

أهل الجنة، فقال: الجنة لله يدخلها من يشاء، إني رأيت على عهد رسول
الله رؤيا: رأيت كان رجلا أتاني، فقال: انطلق. فسلك بي في منهج
عظيم. فبينا أنا أمشي، إذ عرض لي طريق عن شمالي، فأردت أن
أسلكها، فقال: إنك لست من أهلها. ثم عرضت لي طريق عن يميني،
فسلكتها، حتى انتهيت إلى جبل زلق، فأخذ بيدي، فرحل بي، فإذا أنا
على ذروته; فلم أتقار، ولم أتماسك. وإذا عمود من حديد، في أعلاه
عروة من ذهب، فأخذ بيدي، فرحل بي، حتى أخذت بالعروة، فقال لي:
استمسك بالعروة. فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " رأيت خيرا.
أما المنهج العظيم، فالمحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك،
فطريق أهل النار، ولست من أهلها، وأما التي عن يمينك، فطريق أهل
الجنة. وأما الجبل الزلق، فمنزل الشهداء، وأما العروة، فعروة الاسلام،
فاستمسك بها حتى تموت " وهو عبد الله بن سلام (1).
جرير. عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة، قال:
كنت جالسا في حلقة، فيهم ابن سلام يحدثهم; فلما قام، قالوا: من سره
أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا. فتبعته فسألته..
فذكر الحديث بطوله (2)، وهو صحيح.
وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام: أنه شهد فتح نهاوند.

(1) إسناده حسن من أجل عاصم، وأخرجه أحمد 5 / 452، 453، وابن ماجة (3920) من
طريق حماد بن سلمة بهذا الاسناد، وشيخة جمع شيخ، وأتقار: أستقر.
(2) أخرجه مسلم (2484) من طريق قتيبة وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن جرير بهذا
الاسناد، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 414 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن
سعيد بإسناد مسلم.
422

قال أيوب، عن ابن سيرين، قال: نبئت أن عبد الله بن سلام قال: إن
أدركني، وليس لي ركوب (1)، فاحملوني، حتى تضعوني بين الصفين.
يعني قبال الأعماق.
محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال:
كان عبد الله بن سلام إذا دخل المسجد، سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:
اللهم افتح لنا أبواب رحمتك. وإذا خرج، سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وتعوذ من
الشيطان (2).
حفص بن غياث، عن أشعث، عن أبي بردة بن أبي موسى، قال:
أتيت المدينة، فإذا عبد الله بن سلام جالس في حلقة متخشعا عليه سيماء
الخير، فقال: يا أخي. جئت ونحن نريد القيام. فأذنت له، أو قلت: إذا
شئت. فقام، فاتبعته، فقال: من أنت؟ قلت: أنا ابن أخيك; أنا أبو بردة
ابن أبي موسى. فرحب بي، وسألني، وسقاني سويقا، ثم قال: إنكم
بأرض الريف، وإنكم تسالفون الدهاقين، فيهدون لكم حملان ألقت

(1) الركوب: كل دابة تركب.
(2) محمد بن مصعب: هو ابن صدقة القرقساني سئ الحفظ، ثم هو مرسل، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم
في هذا الباب ما أخرجه أبو داود (465)، وابن ماجة (772) من حديث أبي حميد، أو أبي
أسيد: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لنا أبواب
رحمتك ". وإسناده صحيح، وأخرجه مسلم (713) عنهما بلفظ: " إذا دخل أحدكم
المسجد " فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألك من
فلك " وأخرج ابن ماجة (773) وابن السني (85) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا
دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا
خرج، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا
خرج، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم " وإسناده صحيح.
كما قال صاحب " الزوائد " ورقة 52، وصححه ابن خزيمة (452) وابن حبان (321)
والحاكم 1 / 207، ووافقه الذهبي.
423

والدواخل; فلا تقربوها، فإنها نار (1).
قد مر موت عبد الله في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة. وأرخه جماعة.
أخبرنا عمر بن محمد العمري، وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن
عمر: أخبرنا أبو الوقت السجزي، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا
أبو محمد بن حمويه، أخبرنا عيسى بن عمر، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن
الدارمي، أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير،
عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام، قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله، لعملنا.
فأنزل الله: * (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم،
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * [الصف: 1 و 2] حتى ختمها (2).
قال: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، قال أبو سلمة: فقرأها
علينا عبد الله بن سلام، قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة، فقرأها علينا يحيى،

(1) رجال إسناده ثقات، وأشعث: هو ابن عبد الله بن جابر الحداني، وقد نسب الحافظ ابن
حجر هذا الخبر في " الإصابة " 6 / 110 إلى ابن عساكر. وأخرجه البخاري في " صحيحه " 7 /
98 في المناقب من طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال:
أتيت المدينة، فلقيت عبد الله بن سلام، فقال: " ألا تجئ، فأطعمك سويقا وتمرا، وتدخل في
بيت (أي: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فيه) ثم قال: إنك بأرض الربا فيها فاش إذا كان لك على رجل حق،
فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت (علف الدواب) فلا تأخذه، فإنه ربا. قال
الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام، وإلا فالفقهاء على أنه إنما يكون
ربا إذا شرطه، نعم الورع تركه، تسالفون: من السلف وهو القرض، والحملان: ما يحمل عليه
من الدواب في الهبة خاصة والدواخل: جمع دوخلة: زبيل من خوص يجعل فيه التمر والرطب.
(2) محمد بن كثير وهو ابن أبي عطاء الثقفي كثير الغلط، لكنه قد توبع كما سيأت ي، وباقي
رجاله ثقات، وهو في " مسند الدارمي " 2 / 200، وكذلك أخرجه الترمذي (3309) من طريق
محمد بن كثير، عن الأوزاعي. وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 452 من طريق يعمر، عن
عبد الله بن المبارك، أخبرنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني هلال بن أبي ميمونة، أن عطاء بن يسار، حدثه: أن عبد الله بن سلام حدثه، أو قال: حدثني أبو سلمة عن عبد
الرحمن، عن عبد الله بن سلام. وهذا سند صحيح، صرح فيه يحيى بن أبي كثير بالتحديث.
وأخرجه الحاكم 2 / 486، 487 من طريق الوليد بن مزيد، وأبي إسحاق الفزاري، كلاهما عن
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سلام.
وصححه، ووافقه الذهبي.
424

فقرأها علينا الأوزاعي، فقرأها علينا محمد، فقرأها علينا الدارمي، فقرأها
علينا عيسى، فقرأها علينا ابن حمويه، فقرأها علينا الداوودي، فقرأها علينا
أبو الوقت، فقرأها علينا عبد الله بن عمر.
قلت: فقرأها علينا شيوخنا (1).
صفوان بن عمرو الحمصي: حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه،
عن عوف بن مالك، قال: انطلق نبي الله، وأنا معه حتى دخلنا كنيسة
اليهود، فقال: " أروني يا معشر يهود اثني عشر رجلا يشهدون أن محمدا
رسول الله، يحط الله عنكم الغضب " فأسكتوا. ثم أعاد عليهم، فلم يجبه
أحد.
قال: " فوالله، لأنا الحاشر، وأنا العاقب (2)، وأنا المصطفى، آمنتم
أو كذبتم ". فلما كاد يخرج، قال رجل: كما أنت يا محمد. أي رجل
تعلمونني فيكم؟ قالوا: ما فينا أعلم منك. قال: فإني أشهد بالله أنه نبي الله

(1) قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 212: هو من أصح
مسلسل يروى في الدنيا، قل أن وقع في المسلسلات مثله في مزيد علوه. قلت: والحديث
المسلسل: ما توارد فيه الرواة على وصف لهم قولا أو فعلا أو وصفا. انظر " فتح المغيث " 3 /
53، 58.
(2) الحاشر: الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره، والعاقب: آخر الأنبياء.
425

الذي تجدونه في التوراة. فقالوا: كذبت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" كذبتم "!
قال: فخرجنا ونحن ثلاثة. وأنزلت: * (أرأيتم إن كان من عند الله
وكفرتم به، وشهد شاهد..) * [الأحقاف: 10] الآية (1).
وفي الصحيح نحوه من حديث أنس بن مالك، وهو عبد الله. يعني ابن
سلام.
85 زيد بن ثابت * (ع)
ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن
مالك بن النجار بن ثعلبة.
الامام الكبير، شيخ المقرئين، والفرضيين (2)، مفتي المدينة أبو

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 415، 416، وصححه، ووافقه الذهبي. ورواية
أنس أخرجها البخاري 7 / 195، 198 في الهجرة. وقد تقدمت في الصفحة 416، التعليق رقم (1)
فانظره.
* مسند أحمد: 5 / 181، طبقات ابن سعد: 2 / 358، طبقات خليفة: 89، تاريخ
خليفة: 99، 207، 223، التاريخ الكبير: 3 / 380 381، المعارف: 260، 355،
447، تاريخ الفسوي: 1 / 300، 483، أخبار القضاة: 1 / 197، الجرح والتعديل: 3 /
558، معجم الطبراني الكبير: 5 / 111، المستدرك: 3 / 421 و 423، الاستبصار: 71
73، الاستيعاب: 2 / 537، ابن عساكر: 6 / 278 / 1، أسد الغابة: 2 / 278، تهذيب
الكمال: 452، تاريخ الاسلام: 2 / 123، العبر: 1 / 53 معرفة القراء: 35، مجمع
الزوائد: 9 / 345، طبقات القراء 1 / 296، تهذيب التهذيب 3 / 399 الإصابة: 4 / 41،
خلاصة تذهيب الكمال: 127، كنز العمال: 13 / 393، شذرات الذهب: 1 / 54 و 62.
(2) القرضي: هو الذي يعرف الفرائض، وهو العلم بقسمة المواريث، ونعته المؤلف بذلك
لقوله صلى الله عليه وسلم: " أفرض أمتي زيد بن ثابت " وسيذكره المؤلف في ترجمته.
426

سعيد، وأبو خارجة. الخزرجي، النجاري الأنصاري. كاتب الوحي،
رضي الله عنه.
حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن صاحبيه. وقرأ عليه القرآن بعضه أو كله،
ومناقبه جمة.
حدث عنه: أبو هريرة، وابن عباس، وقرآ عليه، وابن عمر، وأبو
سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو أمامة بن سهل،
وعبد الله بن يزيد الخطمي، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب،
وقبيصة بن ذؤيب; وابناه: الفقيه خارجة، وسليمان، وأبان بن
عثمان، وعطاء بن يسار وأخوه سليمان بن يسار، وعبيد بن السباق،
والقاسم بن محمد، وعروة، وحجر المدري (1) وطاووس، وبسر بن
سعيد; وخلق كثير.
وتلا عليه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغير واحد.
وكان من حملة الحجة، وكان عمر بن الخطاب يستخلفه إذا حج على
المدينة.
وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك. وقد قتل أبوه قبل الهجرة يوم
بعاث (2)، فربي زيد يتيما. وكان أحد الأذكياء. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم

(1) نسبة إلى مدر كجبل: بلد باليمن، وقد سقط من المطبوع: " عروة وحجر المدري ".
(2) هو موضع على ليلتين من المدينة المنورة، وفيه كانت الوقيعة واليوم المنسوب إليه بين
الأوس والخزرج. وأخرج البخاري 7 / 85 في أول مناقب الأنصار، من طريق عبيد بن
إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم،
وجرحوا، فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم للاسلام.
427

زيد، وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم خط اليهود; ليقرأ
له كتبهم. قال: " فإني لا آمنهم ".
قال ابن سعد: ولد زيد بن ثابت: سعيدا، وبه كان يكنى، وأمه أم
جميل.
وولد لزيد: خارجة، وسليمان، ويحيى، وعمارة، وإسماعيل،
وأسعد، وعبادة، وإسحاق، وحسنة، وعمرة، وأم إسحاق، وأم كلثوم،
وأم هؤلاء: أم سعد ابنة سعد بن الربيع، أحد البدريين.
وولد له: إبراهيم، ومحمد، وعبد الرحمن، وأم حسن، من عمرة
بنت معاذ بن أنس. وولد له: زيد، وعبد الرحمن، وعبيد الله، وأم
كلثوم; لام ولد. وسليط، وعمران، والحارث وثابت، وصفية،
وقريبة، وأم محمد; لام ولد.
قال البخاري ومسلم والنسائي: زيد: يكنى أبا سعيد. ويقال: أبو
خارجة.
وقال محمد بن أحمد المقدمي: له كنيتان.
روى خارجة عن أبيه، قال: قدم النبي عليه السلام المدينة، وأنا ابن
إحدى عشرة سنة. وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم كتابه يهود. قال: وكنت
أكتب، فأقرأ إذا كتبوا إليه.
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه، قال: أتي بي النبي
صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، وقد
قرأ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة. فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم; فأعجبه
ذلك، وقال: " يا زيد، تعلم لي كتاب يهود; فإني والله ما آمنهم على
428

كتابي ".
قال: فتعلمته. فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، وكنت أكتب
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم (1).
الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قال زيد: قال لي رسول الله: " أتحسن
السريانية "؟ قالت: لا. قال: " فتعلمها " فتعلمتها في سبعة عشر
يوما (2).
الوليد بن أبي الوليد: حدثنا سليمان بن خارجة بن زيد، عن أبيه، عن
جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي، بعث إلي،
فكتبته (3).
يرويه الليث عنه.
أبو إسحاق، عن البراء، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادع لي زيدا، وقل

(1) إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعلقه البخاري في " صحيحه " 13 /
161 في الاحكام: باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد، ووصله ابن سعد 2 / 358،
359، والبخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 380، 381، وأبو داود (3645)، والترمذي
(2716)، وأحمد 5 / 186، والطبراني (4856) و (4857)، كلهم من طريق عبد الرحمن
ابن أبي الزناد بهذا الاسناد، وصححه الحاكم 1 / 75.
(2) إسناده صحيح. أخرجه أحمد 5 / 182، والفسوي 1 / 483، 484، والحاكم 3 /
422، والطبراني (4928) من طريق جرير، وأخرجه ابن سعد 2 / 358، والطبراني (4927)
من طريق يحيى بن عيسى الرملي، كلاهما عن الأعمش بهذا الاسناد.
(3) أخرجه الطبراني (4882) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بهذا الاسناد.
وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح، ولين الوليد بن أبي الوليد، وشيخ سليمان بن خارجة
لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع " 9 / 17: إسناده حسن.
429

له: يجئ بالكتف والدواة " قال: فقال: " اكتب * (لا يستوي
القاعدون) * [النساء: 84] وذكر الحديث (1).
أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن زينب بنت عبد الرحمن الشعرية،
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن زينب، وعبد المعز الهروي، قالا: أخبرنا
زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أخرنا أبو أحمد الحاكم،
أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي هو ابن الجعد أخبرنا ابن أبي
ذئب، عن شرحبيل يعني: ابن سعد قال: كنت مع زيد بن ثابت
بالأسواف (2)، فأجد طيرا; فدخل زيد، قال: فدفعوا في يدي، وفروا،
فأخذ الطير، فأرسله، ثم ضرب في قفاي، وقال: لا أم لك! ألم تعلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها (3).

(1) وتمامه: * (من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) * وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم.
فقال: يا رسول الله، أنا ضرير، فنزلت مكانها: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي
الضرر والمجاهدون في سبيل الله) *. أخرجه البخاري 8 / 196 و 9 / 19.
(2) الأسواف بالفاء وقد تصحف في المطبوع إلى " الأسواق ": موضع ببعض أطراف
المدينة بين الحرتين. وفي " الموطأ " 3 / 87 عن رجل، قال: دخل علي زيد بن ثابت وأنا
بالأسواف، قد اصطدت نهسا (طائر يشبه الصرد)، فأخذه من يدي، وأرسله.
(3) أخرجه أحمد 5 / 181 و 192، والطبراني (4910) والبيهقي 5 / 199، وشرحبيل بن
سعد: نقل المؤلف في " ميزانه " تضعيفه عن ابن معين ومالك وأبي زرعة والدارقطني والنسائي
وابن عدي. وقال ابن سعد: بقي حتى اختلط واحتاج، ليس يحتج به. لكن الحديث يتقوى بما
رواه مالك 2 / 889، والبخاري 4 / 77، ومسلم (1372) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " ما
بين لابتيها حرام "، ولمسلم (1363) من حديث سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني أحرم ما بين
لابتي المدينة أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها ". واللابة: هي الحرة. والمدينة المنورة بين
حرتين شرقية وغربية تكتنفانها، والحرة: هي الأرض ذات الحجارة السوداء، كأنها أحرقت
بالنار. ومعنى ذلك: اللابتان وما بينهما. وانظر في حكم حرم المدينة، واختلاف العلماء في
ذلك، " شرح السنة " 7 / 307، 313.
430

شرحبيل فيه لين ما.
وقال عبيد بن السباق، حدثني زيد، أن أبا بكر قال له: إنك رجل
شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن
فاجمعه.
فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم!
قال: هو والله خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر
أبي بكر وعمر. فكنت أتتبع القرآن أجمعه من القاع والأكتاف والعسب
وصدور الرجال (1).
قال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة، كلهم من
الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد (2).
خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أفرض
أمتي زيد بن ثابت " (3).
وجاء نحوه من حديث ابن عمر.

(1) أخرجه البخاري 9 / 8، 11 في فضائل القرآن: باب جمع القرآن، وأحمد 5 / 188،
189 والفسوي 1 / 485، والطبراني (4901)، وابن أبي داود في " المصاحف ": 6، 9.
والعسب جمع عسيب: وهو جريد النخل إذا نحي عنه خوصه. وكانوا يكتبون في تلك الأشياء،
لقلة القراطيس عندهم يومئذ.
(2) أخرجه البخاري 9 / 46 في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من
طريق حفص بن عمر، عن همام، عن قتادة، عن أنس.
(3) إسناده صحيح، وهو في " الطبقات " 2 / 359 من طريق عفان بن مسلم، عن وهيب
بهذا الاسناد.
431

مندل بن علي، عن ابن جريج، عن محمد بن كعب: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أفرض أمتي زيد بن ثابت ".
وقال الترمذي (1): حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا حميد بن عبد
الرحمن، عن داود العطار، عن معمر، عن قتادة، عن أنس: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ". الحديث، وفيه: " وأفرضهم زيد بن
ثابت ".
هذا غريب، وحديث الحذاء صححه الترمذي.
قلت: بتقدير صحة " أفرضهم زيد، وأقرأهم أبي " لا يدل على تحتم
تقليده في الفرائض، كما لا يتعين تقليد أبي في قراءته، وما انفرد به.
روى عاصم، عن الشعبي، قال: غلب زيد الناس على اثنتين:
الفرائض والقرآن (2).
ويروى عن زيد، قال: أجازني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وكساني
قبطية (3).

(1) في سننه برقم (3790)، وهذا الاسناد ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، لكن رواه
الترمذي أيضا (3791) من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، وقال: حديث حسن
صحيح، وهو كما قال. وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 479، 480، من طريق سفيان،
عن خالد الحذاء وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس، وصححه ابن حبان (2218)، والحاكم
3 / 422، ووافقه الذهبي. ونصه بتمامه: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله
عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت،
وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن
الجراح ".
(2) " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 449.
(3) القبطية: ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، كأنه منسوب إلى القبط من أهل مصر،
والحديث أخرجه الطبراني برقم (4743) من طريق يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا إسماعيل
ابن قيس، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت. وإسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد: نقل في
" الميزان " عن البخاري والدارقطني قولهما فيه: منكر الحديث، وضعفه النسائي وغيره. وقال
ابن عدي: عامة ما يرويه منكر.
432

وعنه، قال: أجزت في الخندق، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست
سنين (1).
داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: لما توفي
رسول الله، قام خطباء الأنصار، فتكلموا، وقالوا: رجل منا، ورجل
منكم. فقام زيد بن ثابت، فقال: إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن
أنصاره; وإنما يكون الامام من المهاجرين ونحن أنصاره.
فقال أبو بكر: جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، لو
قلتم غير هذا ما صالحناكم (2).
هذا إسناد صحيح، رواه الطيالسي في " مسنده "، عن وهيب، عنه.
روى الشعبي، عن مسروق، قال: كان أصحاب الفتوى من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد، وأبي، وأبو
موسى (3).

(1) " المستدرك " 3 / 421، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 449 من طريق الواقدي. وكانت
وقعة بعاث قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.
(2) " مسند الطيالسي " 2 / 169. وأخرجه أحمد 5 / 122، والطبراني برقم (4785)،
وأورده الهيثمي في " المجمع " 6 / 183، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(3) " تاريخ الفسوي " 1 / 481، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 449 و " تاريخ دمشق " برقم
(1922) لأبي زرعة. وإسناده صحيح.
سير 2 / 28
433

مجالد، عن الشعبي، قال: القضاة أربعة: عمر، وعلي، وزيد،
وابن مسعود (1).
وعن القاسم بن محمد: كان عمر يستخلف زيدا في كل سفر (2).
وعن سالم: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد بن ثابت، فقلت: مات
عالم الناس اليوم! فقال ابن عمر: يرحمه الله، فقد كان عالم الناس في
خلافة عمر وحبرها. فرقهم عمر في البلدان، ونهاهم أن يفتوا برأيهم،
وحبش زيد بن ثابت بالمدينة يفتي أهلها (3).
وعن سليمان بن يسار، قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا
في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء (4).
وعن يعقوب بن عتبة: أن عمر استخلف زيدا، وكتب إليه من الشام:
إلى زيد بن ثابت، من عمر.
قال خارجة بن زيد: كان عمر يستخلف أبي، فقلما رجع إلا أقطعه
حديقة من نخل (5).

(1) " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 450.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 450، وفي " طبقات ابن سعد " 2 / 359، من طريق عفان بن
مسلم، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحجاج بن أرطاة، عن نافع، قال: استعمل عمر بن
الخطاب زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقا.
(3) أخرجه ابن سعد 2 / 359 من طريق الواقدي.
(4) ابن سعد 2 / 359 من طريق الواقدي، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 450.
(5) أخرجه وكيع في " أخبار القضاة " 1 / 108 من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، عن
الهيثم بن خارجة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، قال: كان
عمر بن الخطاب كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شئ من الاسفار، وقلما رجع من
سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل. ورجاله ثقات. وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 /
450.
434

الواقدي: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن الزهري، قال: قال ثعلبه
ابن أبي مالك: سمعت عثمان يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ غضب
إذ لم أوله نسخ المصاحف! هلا غضب على أبي بكر وعمر إذ عزلاه عن
ذلك، ووليا زيدا، فاتبعت فعلهما (1).
مغيرة، عن الشعبي قال: تنازع أبي وعمر في جداد نخل. فبكى أبي،
ثم قال: أفي سلطانك يا عمر؟ قال: اجعل بيني وبينك رجلا. قال أبي:
زيد. فانطلقا، حتى دخلا عليه، فتحاكما إليه. فقال: بينتك يا أبي؟
قال: ما لي بينة. قال: فأعف أمير المؤمنين من اليمين. فقال عمر: لا
تعف أمير المؤمنين من اليمين إن رأيتها عليه (2).
وتابعه سيار، عن الشعبي.
عبد الواحد بن زياد: حدثنا حجاج، عن نافع، قال: استعمل عمر
زيدا على القضاء، وفرض له رزقا (3).
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، وآخر، قالا: لما حصر
عثمان، أتاه زيد بن ثابت، فدخل عليه الدار. فقال له عثمان: أنت خارج
[الدار] أنفع لي منك ها هنا; فذب عني. فخرج، فكان يذب الناس،
ويقول لهم فيه; حتى رجح أناس من الأنصار. وجعل يقول: يا للأنصار،
كونوا أنصارا لله مرتين انصروه والله إن دمه لحرام.

(1) الواقدي متروك، فالخبر لا يصح.
(2) " أخبار القضاة " 1 / 108، 109 لوكيع، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 450، وجداد
النخل: صرامه، وهو قطع ثمرها.
(3) ابن سعد 2 / 359، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 450، وحجاج: هو ابن أرطاة.
435

فجاء أبو حية المازني مع ناس من الأنصار، فقال: ما يصلح معك
أمر. فكان بينهما كلام، وأخذ بتلبيب زيد، هو وأناس معه. فمر به ناس
من الأنصار، فلما رأوهم، أرسلوه، وقال رجل منهم لأبي حية: أتصنع هذا
برجل لو مات الليلة ما دريت ما ميراثك من أبيك (1)!
قال الزهري: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان، لهلك علم
الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما.
أخرجه الدارمي (2).
وقال جعفر بن برقان: سمعت الزهري يقول: لولا أن زيد بن ثابت
كتب الفرائض، لرأيت أنها ستذهب من الناس (3).
وروى سعيد بن عامر، عن حميد بن الأسود، قال: قال مالك: كان
إمام الناس عندنا، بعد عمر، زيد بن ثابت. وكان إمام الناس عندنا، بعد
زيد، ابن عمر (4).
قال أحمد بن عبد الله العجلي: الناس على قراءة زيد، وعلى فرض
زيد.

(1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 451، والواقدي متروك. وقوله: " أخذ بتلبيبه " يقال:
لببه: أخذ بتلبيبه وتلابيبه: إذا جمعت ثيابه عند نحره وصدره ثم جررته، وكذلك إذا جعلت في
عنقه حبلا وثوبا، وأمسكته به.
(2) 2 / 314، من طريق محمد بن عيسى، عن يوسف بن الماجشون، عن الزهري. وهو
في " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 451.
(3) " تاريخ الفسوي " 1 / 486.
(4) " تاريخ الفسوي " 1 / 486 و 2 / 265، 266.
436

وعن ابن عباس، قال: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
أن زيد بن ثابت، من الراسخين في العلم (1).
الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله; أنه كان يقول في
أخوات لأب وأم، وإخوة وأخوات لأب: للأخوات للأب والام الثلثان، فما
بقي، فللذكور دون الإناث.
فقدم مسروق المدينة، فسمع قول زيد فيها، فأعجبه. فقال له بعض
أصحابه: أتترك قول عبد الله؟ فقال: أتيت المدينة، فوجدت زيد بن ثابت
من الراسخين في العلم. يعني: كان زيد يشرك بين الباقين (2).
محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، أن ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت.
فأخذ له بركابه، فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: إنا هكذا
نفعل بعلمائنا وكبرائنا (3).

(1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 451 ونسبه الحافظ في " الإصابة " 4 / 43 إلى البغوي، وقد
تحرف " المحفوظون " في المطبوع إلى " الحافظون "، وأخرج أبو زرعة في " تاريخ دمشق "
برقم (1944)، من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبي شهاب الحناط، عن الأعمش،
عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قدمت المدينة، فوجدت زيد بن ثابت من
الراسخين في العلم. وإسناده صحيح.
(2) إسناده صحيح، وهو في " التهذيب ابن عساكر " 5 / 451. وقوله: " يشرك بين
الباقين ": أي: يسوي بينهم في القسمة.
(3) إسناده حسن، أخرجه ابن سعد 2 / 360، من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري بهذا
الاسناد، وصححه الحاكم 3 / 423، وأقره الذهبي، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 451،
452. وأخرجه الطبراني (4746) من طريق علي بن عبد العزيز، عن أبي نعيم رزين الرماني.
عن الشعبي أن زيد بن ثابت..، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 345، وقال: رجاله
رجال الصحيح غير رزين الرماني وهو ثقة. وأخرجه الحاكم 3 / 428 من طريق ابن جريج، عن
عمرو بن دينار.. وأورده الحافظ في " الإصابة " 4 / 42، 43 من طريق الشعبي، ونسبه
ليعقوب الفسوي، وصحح إسناده.
437

قال علي بن المديني: لم يكن من الصحابة أحد له أصحاب حفظوا
عنه، وقاموا بقوله في الفقه، إلا ثلاثة: زيد، وعبد الله، وابن عباس (1).
شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: بلغنا أن زيد بن ثابت كان يقول إذا
سئل عن الامر: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم. حدث فيه بالذي يعلم. وإن
قالوا: لم يكن. قال: فذروه حتى يكون (2).
موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: كان زيد بن ثابت إذا سأله
رجل عن شئ، قال: الله! كان هذا؟ فإن قال: نعم، تكلم فيه، وإلا
لم يتكلم.
الثوري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي: أن مروان دعا زيد بن
ثابت، وأجلس له قوما خلف ستر، فأخذ يسأله، وهم يكتبون; ففطن
زيد، فقال: يا مروان، أغدرا، إنما أقول برأيي (3).
رواه إبراهيم بن حميد الرؤاسي، عن ابن أبي خالد، نحوه،
" وزاد ": فمحوه.
هشام، عن ابن سيرين، قال: حج بنا أبو الوليد، ونحن ولد سيرين
سبعة; فمر بنا على المدينة، فأدخلنا على زيد بن ثابت، فقال: هؤلاء
بنو سيرين. فقال زيد: هؤلاء لام، وهذان لام، وهذان لام. قال: فما

(1) " تهذيب ابن عساكر ": 5 / 452.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 452.
(3) أخرجه ابن سعد 2 / 361 من طريقين عن سفيان به. وأخرجه الطبراني (4871) من
طريق أحمد بن شوذب الواسطي، حدثنا القاسم بن أبي الزناد، عن أخيه، عن أبيه، عن خارجة
ابن زيد بن ثابت أن مروان...
438

أخطأ. وكان محمد، ومعبد، ويحيى لام (1).
وروى الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قال: كان زيد بن ثابت من أفكه
الناس في أهله، وأزمته عند القوم (2).
هشام، عن ابن سيرين، قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة،
فاستقبل الناس راجعين، فدخل دارا، فقيل له. فقال: إنه من لا يستحيي
من الناس لا يستحيي من الله.
حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، قال: لما مات زيد بن ثابت،
قال أبو هريرة: مات حبر الأمة! ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه
خلفا (3).
حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: لما مات زيد، جلسنا

(1) أخرجه الفسوي في " تاريخه " 2 / 58 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بهذا
الاسناد، ورجاله ثقات، وهو في " تاريخ بغداد " 5 / 332، 333 من طريق الفسوي. وأخرجه
ابن سعد في " الطبقات " 7 / 193 من طريق يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن أبي سليمان،
عن أنس بن سيرين، قال: دخل علينا زيد بن ثابت ونحن ستة إخوة فيهم محمد، فقال: إن
شئتم أخبرتكم من أخو كل واحد لامه: هذا وهذا لام، وهذا وهذا لام، وهذا وهذا لام، فما أخطأ
شيئا.
(2) في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 453: وقال ثابت بن عبيد: ما رأيت رجلا كان أفكه في بيته
ولا أحلم إذا جلس مع أصحابه من زيد، وكان عمر بن الخطاب يقول: ينبغي للرجل أن يكون في
أهله مثل الصبي، فإذا التمس ما عنده كان رجلا وقوله: " وأزمته " أي: من أرزنهم وأوقرهم،
والزميت: الحليم الساكن القليل الكلام.
(3) أخرجه ابن سعد 2 / 362، والطبراني (4750) من طريق عارم، عن حماد بن زيد،
عن يحيى بن سعيد، والحاكم 3 / 427، 428 من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد،
عن يحيى بن سعيد، ورجاله ثقات. إلا أن يحيى بن سعيد لم يسمع من أبي هريرة.
439

إلى ابن عباس في ظل، فقال: هكذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم
كثير (1).
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: لما مات زيد بن
ثابت، وصلى عليه مروان، ونزل نساء العوالي (2).
وجاء نساء الأنصار;
فجعل خارجة يذكرهن الله: لا تبكين عليه. فقلن: لا نسمع منك،
ولنبكين عليه ثلاثا، وغلبنه (3).
قال الواقدي: وأرسل مروان بجزر، فنحرت، وأطعموا الناس.
وفيه يقول حسان بن ثابت:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه * ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت (4)
وقال جرير بن حازم: حدثنا قيس بن سعد، عن مكحول: أن عبادة
ابن الصامت دعا نبطيا يمسك دابته عند بيت المقدس، فأبي. فضربه،
فشجه. فاستعدى عليه عمر. فقال: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟ قال:
أمرته، فأبي; وأنا في حدة، فضربته. فقال: اجلس للقصاص. فقال زيد
ابن ثابت: أتقيد لعبدك من أخيك؟ فترك عمر القود، وقضى عليه بالدية (5).

(1) أخرجه ابن سعد 2 / 361، 362، والحاكم 3 / 428، والطبراني برقم (4749)
والفسوي 2 / 485 من طرق عن حماد بن سلمة به. ورجاله ثقات.
(2) العوالي: موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 453.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 453.
والمثاني: القرآن، وسمي بذلك، لان القصص تثنى فيه.
(5) رجاله ثقات، وأخرجه البيهقي 8 / 32 من طريق عبد الله بن وهب، عن جرير، به.
440

ومن جلالة زيد: أن الصديق اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في
صحف، وجمعه من أفواه الرجال، ومن الأكتاف والرقاع، واحتفظوا بتلك
الصحف مدة، فكانت عند الصديق; ثم تسلمها الفاروق، ثم كانت بعد
عند أم المؤمنين حفصة، إلى أن ندب عثمان زيد بن ثابت ونفرا من قريش
إلى كتاب هذا المصحف العثماني الذي به الآن في الأرض أزيد من ألفي ألف
نسخة. ولم يبق بأيدي الأمة قرآن سواه; ولله الحمد.
وقد اختلفوا في وفاة زيد رضي الله عنه على أقوال: فقال الواقدي، وهو
إمام المؤرخين: مات سنة خمس وأربعين، عن ست وخمسين سنة، وتبعه
على وفاته يحيى بن بكير، وشباب، ومحمد بن عبد الله بن نمير.
وقال أبو عبيد: مات سنة خمس وأربعين. ثم قال: وسنة ست
وخمسين أثبت.
وقال أحمد بن حنبل، وعمرو بن علي: سنة إحدى وخمسين.
وقال المدائني، والهيثم، ويحيى بن معين: سنة خمس وخمسين.
وقال أبو الزناد: سنة خمس وأربعين. فالله أعلم.
حفص، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، قال: لم أخالف عليا في
شئ من قراءته، وكنت أجمع حروف علي، فألقى بها زيدا في المواسم
بالمدينة. فما اختلفا إلا في " التابوت " كان زيد يقرأ بالهاء، وعلي
بالتاء (1).

(1) حفص: هو ابن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي، صاحب عاصم، وهو إمام في
القراءة، متروك في الحديث، وفي الباب عن سويد بن غفلة قال: سمعت علي بن أبي طالب
يقول: اتقوا الله أيها الناس وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف، فوالله ما حرقها إلا
على ملا منا أصحاب محمد جميعا. وفيه أن عثمان أرسل إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص،
فقال: ليكتب أحدكما ويملي الآخر، فإذا اختلفتم في شئ فارفعاه إلي، فما اختلفنا في شئ من
كتاب الله إلا في حرف واحد في سورة البقرة، قال سعيد " التابوت " وقال زيد " التابوه " فرفعناه
إلى عثمان، فقال: اكتبوه " التابوت " قال علي: " ولو وليت الذي ولي عثمان، لصنعت مثل الذي
صنع " ذكره البغوي في " شرح السنة " 4 / 524، 525، ووراه ابن أبي داود في " المصاحف ":
22، 23، وإسناده صحيح، كما قال الحافظ في " الفتح " 9 / 16.
وروى الترمذي (3104) حديث جمع القرآن، من طريق الزهري، عن أنس، وفيه: قال
الزهري: فاختلفوا يومئذ في " التابوت " و " التابوه "، فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد:
التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش.
441

86 تميم الداري * (م، 4)
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو رقية، تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن
جذيمة (1) اللخمي، الفلسطيني.
والدار: بطن من لخم، ولخم: فخذ من يعرب بن قحطان.
وفد تميم الداري سنة تسع، فأسلم، فحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر
بقصة الجساسة في أمر الدجال (2).
ولتميم عدة أحاديث. وكان عابدا; تلاء لكتاب الله.

* مسند أحمد: 4 / 102، طبقات ابن سعد: 7 / 408، التاريخ لابن معين: 66، طبقات
خليفة: 70، 305، تاريخ خليفة: 341، التاريخ الكبير: 2 / 150 151، المعارف:
102، 168، الجرح والتعديل: 2 / 440، معجم الطبراني الكبير: 2 / 37، الاستيعاب:
2 / 58، ابن عساكر: 3 / 264 / 1، أسد الغابة: 1 / 256، تهذيب الكمال: 171، تاريخ
الاسلام: 2 / 188، مجمع الزوائد: 9 / 392، تهذيب التهذيب: 1 / 511، الإصابة: 1 /
304، خلاصة تذهيب الكمال: 55، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 347 361.
(1) " جمهرة انساب العرب " ص 422، و " الاستيعاب " 2 / 58، و " أسد الغابة " 1 /
256. ونقل ابن الأثير عن ابن مندة وأبي نعيم: أنه تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن خزيمة.
(2) وهي الدابة التي راما في جزيرة البحر، وسميت بذلك لأنها تجس الاخبار للدجال،
والقصة أخرجها مسلم (2942) في الفتن وأشراط الساعة: باب قصة الجساسة، وأحمد 6 /
373، 374، والطبراني.
442

حدث عنه: ابن عباس. وابن موهب عبد الله، وأنس بن مالك، وكثير
ابن مرة، وعطاء بن يزيد الليثي، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب;
وآخرون.
قال ابن سعد: لم يزل بالمدينة حتى تحول بعد قتل عثمان إلى
الشام (1).
قال البخاري: هو أخو أبي هند الداري (2). قال ابن سعد: كان وفد
الداريين عشرة، فيهم: تميم (3).
قال ابن جريج: قال عكرمة: لما أسلم تميم، قال: يا رسول الله، إن
الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم. قال: " هي
لك "، وكتب له بها.
قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر، فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه (4)،
وذكر الليث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " ليس لك أن تبيع ".
قال: فهي في أيدي أهله إلى اليوم (5).
قال الواقدي: ليس للنبي صلى الله عليه وسلم قطيعة سوى: حبرى، وبيت عينون.

(1) " الطبقات " 7 / 408، 409.
(2) " تاريخ البخاري " 2 / 151، وابن سعد 7 / 422.
(3) ابن سعد 1 / 343، وابن عساكر 3 / 354.
(4) أخرجه أبو عبيد في " الأموال ": 349، من طريق حجاج بن محمد المصيصي، عن ابن
جريج. وهو منقطع.
(5) أخرجه أبو عبيد: 350 من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث.
443

أقطعهما تميما وأخاه نعيما (1).
وفي " الصحيح "، من حديث ابن عباس، قال: خرج سهمي مع
تميم الداري، وعدي بن بداء; فمات بأرض كفر; فقدما بتركته، ففقدوا
جاما من فضة، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم; ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل:
اشتريناه من تميم وعدي.
فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما;
وأن الجام لصاحبهم. وفيهم نزلت آية: * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم
الموت) * [المائدة: 110] (2).
قال قتادة: * (ومن عنده علم الكتاب) * [الرعد: 45]، قال:
سلمان، وابن سلام، وتميم الداري (3).

(1) ابن سعد 1 / 267، و 7 / 408، و " الأموال ": 349، 350. وحبري ويقال لها:
حبرون: قال ياقوت: هي القرية التي فيها قبر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام بالبيت
المقدس. وقد غلب على اسمها الخليل. وعينون: من قرى بيت المقدس.
(2) أخرجه البخاري 5 / 308 في الوصايا: باب قول الله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا
شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) *، والترمذي (3062)، وأبو داود (3606)، واستدل
بهذا الحديث من ذهب إلى جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر خاصة، يروى
ذلك عن أبي موسى الأشعري، وهو قول شريح وإبراهيم النخعي، وبه قال الأوزاعي والإمام أحمد
. انظر " شرح المفردات " ص 333.
(3) أخرجه ابن جرير 13 / 177 من طريق محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن
قتادة. وقال ابن كثير 2 / 521 بعد أن ذكر قول قتادة وغيره: والصحيح في هذا أن (ومن عنده)
اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ي كتبهم المتقدمة من
بشارات الأنبياء به، كما قال تعالى: * (ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون
الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في
التوراة والإنجيل) *. وقال تعالى: * (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) * وأمثال
ذلك مما فيه الاخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة.
444

وروى قرة، عن ابن سيرين، قال: جمع القرآن على عهد رسول
الله: أبي، وعثمان، وزيد، وتميم الداري (1).
وروى أبو قلابة، عن أبي المهلب: كان تميم يختم القرآن في
سبع (2).
وروى عاصم الأحول، عن ابن سيرين: أن تميما الداري، كان يقرأ
القرآن في ركعة (3).
وروى أبو الضحى، عن مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا
مقام أخيك تميم الداري: صلى ليلة حتى أصبح أو كاد، يقرأ آية يرددها،
ويبكي: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا
وعملوا الصالحات) * [الجائية: 20] (4).
أبو نباتة يونس بن يحيى، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه: أن تميما
الداري نام ليلة لم يقم يتهجد، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة [للذي
صنع] (5).

(1) أخرجه ابن سعد 2 / 355 من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرة بن خالد، عن ابن
سيرين، ورجاله ثقات.
(2) طبقات ابن سعد 3 / 500 من طريق عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا أيوب، عن
أبي قلابة، عن أبي المهلب. وإسناده صحيح.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 359.
(4) رجاله ثقات، أخرجه الطبراني برقم (1250) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن
غندر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة بهذا الاسناد. ونسبه في " الإصابة " 1 / 305 إلى البغوي في
" الجعديات ".
(5) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 359، ونسبه لابن أبي الدنيا.
445

سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل قال: أتيت تميما
الداري، فحدثنا. فقلت: كم جزؤك؟ قال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم
القرآن، ثم يصبح، فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة [فوالذي نفسي
بيده] لان أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلة، ثم
أصبح، فأخبر به. فلما أغضبني، قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم من بقي منكم لجدير أن تسكتوا، فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم.
فلما رآني قد غضبت، لان، وقال: ألا أحدثك يا ابن أخي؟: أرأيت
إن كنت أنا مؤمنا قويا، وأنت مؤمن ضعيف; فتحمل قوتي على ضعفك،
فلا تستطيع، فتنبت. أو رأيت إن كنت أنت مؤمنا قويا، وأنا مؤمن ضعيف
[حين أحمل قوتك على ضعفي، فلا أستطيع، فأنبت]. ولكن خذ من
نفسك لدينك، ومن دينك لنفسك، حتى يستقيم لك الامر على عبادة
تطيقها (1).
حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن
حرمل، قال: قدمت المدينة، فلبثت في المسجد ثلاثا لا أطعم، فأتيت
عمر، فقلت: تائب من قبل أن تقدر عليه. [قال: من أنت؟ قلت.
معاوية بن حرمل]. قال: اذهب إلى خير المؤمنين، فأنزل عليه.
قال: وكان تميم الداري [إذا صلى]، ضرب بيديه على يمينه
وشماله، فذهب برجلين. فصليت إلى جنبه، فأخذني، فأتينا بطعام. فبينا
نحن ذات ليلة، إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم، فقال: قم إلى

(1) " تهذيب ابن عساكر " 3 / 359، وأورده المؤلف في " تاريخ الاسلام " 2 / 189،
190، والزيادة منه، وقال: رواه ابن المبارك في " الزهد " عن الجريري.
446

هذه النار. فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا! وما أنا!
فلم يزل به حتى قام معه، وتبعتهما. فانطلقا إلى النار. فجعل تميم
يحوشها بيده حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها. فجعل عمر يقول:
ليس من رأى كمن لم ير! قالها ثلاثا.
سمعها عفان من حماد، وابن حرمل لا يعرف (1).
قتادة، عن ابن سيرين. وقتادة أيضا، عن أنس: أن تميما الداري
اشترى رداء بألف درهم، يخرج فيه إلى الصلاة (2).
وروى حماد، عن ثابت: أن تميما أخذ حلة بألف، يلبسها في الليلة
التي ترجى فيها ليلة القدر (3).
وروى الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: أول من قص تميم
الداري، استأذن عمر، فأذن له، فقص قائما.
أسامة بن زيد، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن: أن تميما
استأذن عمر في القصص سنين، ويأبى عليه; فلما أكثر عليه، قال: ما
تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن، وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر. قال
عمر: ذاك الربح. ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة.

(1) هذا ما قاله المؤلف هنا وفي " تاريخه " 2 / 189، 190، أما الحافظ ابن حجر فقد ذكره
في " الإصابة " 10 / 35 في القسم الثالث، فقال: معاوية بن حرمل الحنفي صهر مسيلمة
الكذاب، له إدراك. وكان مع مسيلمة في الردة، ثم قدم على عمر تائبا، ثم أورد هذا الخبر من
طريق البغوي، عن الجريري.
(2) أخرجه الطبراني (1248) من طريق أبي كريب، عن وكيع، عن همام، عن قتادة، عن
ابن سيرين. قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 135: ورجاله رجال الصحيح.
(3) " تهذيب ابن عساكر ": 3 / 360.
447

فكان يفعل ذلك. فلما كان عثمان، استزاده، فزاده يوما آخر (1).
خالد بن عبد الله، عن بيان، عن وبرة، قال: رأى عمر تميما الداري
يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه. فقال له تميم: يا عمر،
تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: يا تميم، ليس كل
الناس يعلم ما تعلم (2).
وأخرج ابن ماجة بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد، قال: أول من أسرج
في المساجد ميم الداري (3).
يقال: وجد على بلاطة قبر تميم الداري: مات سنة أربعين. وحديثه
يبلغ ثمانية عشر حديثا. منها في " صحيح مسلم " (4) حديث واحد.

(1) " تهذيب ابن عساكر ": 3 / 360، وانظر الطبراني (1249)، وأخرج أبو زرعة في
" تاريخ دمشق " برقم (1915)، من طريق حياة بن شريح، عن بقية بن الوليد، عن الزبيدي،
عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر، وكان
أول من قص تميم الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائما، فأذن له عمر،
رحمة الله عليه.
(2) وأخرجه الطبراني (1281) من طريق آخر، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو
ضعيف.
(3) أخرجه ابن ماجة (760) في المساجد، وأخرجه الطبراني (1247) من حديث أبي
هريرة. وفي سنده عندهما خالد بن إياس متفق على ضعفه.
(4) برقم (2942)، وقد تقدم تخريجه ص 442 ت (2).
448

87 - أبو قتادة الأنصاري السلمي * (ع)
فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد أحدا، والحديبية. وله عدة أحاديث.
اسمه الحارث بن ربعي، على الصحيح، وقيل: اسمه: النعمان،
وقيل: عمرو.
حدث عنه أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار،
وعلي بن رباح، و عبد الله بن رباح الأنصاري. و عبد الله بن معبد الزماني،
وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومعبد بن كعب بن
مالك، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، ومولاه نافع; وآخرون.
روى إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
" خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع " (1).
الواقدي: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أمه، عن أبيه،

* مسند أحمد: 4 / 383 و 5 / 295، طبقات ابن سعد: 6 / 15، التاريخ لابن معين:
720، تاريخ خليفة: 99، 105، 201، 223، التاريخ الكبير: 2 / 258 - 259، الجرح
والتعديل: 3 / 74، معج الطبراني الكبير: 3 / 270، المستدرك: 3 / 480، الاستبصار:
146 - 148، الاستيعاب: 4 / 1731، ابن عساكر: في باريس 218 / 2، جامع الأصول:
9 / 77 - 78، أسد الغابة: 6 / 250، تهذيب الكمال: 1637، تاريخ الاسلام: 2 / 188،
191، العبر: 1 / 60، تهذيب التهذيب: 12 / 204 - 205، الإصابة: 11 / 302، خلاصة
تذهيب الكمال: 457، كنز العمال: 13 / 617.
(1) أخرجه الطبراني (3270) من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن عكرمة بن عمار بهذا
الاسناد، وسنده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 52، 53، ومسلم (1807) في حديث مطول في
غزوة ذي قرد من طرق، عن عكرمة بن عمار به.
سير 2 / 29
449

قال: قال أبو قتادة: إني لأغسل رأسي، قد غسلت أحد شقيه، إذ سمعت
فرسي جروة تصهل، وتبحث بحافرها. فقلت: هذه حرب قد حضرت.
فقمت، ولم أغسل شق رأسي الآخر، فركبت، وعلي بردة، فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح: الفزع! الفزع!
قال: فأدرك المقداد، فسايرته ساعة، ثم تقدمه فرسي، وكا أجود من
فرسه. وأخبرني المقداد بقتل مسعدة محرزا - يعني ابن نضلة - فقلت
للمقداد: إما أن أموت، أو أقتل قاتل محرز.
فضرب فرسه، فلحقه أبو قتادة، فوقف له مسعدة، فنزل أبو قتادة
فقتله، وجنب فرسه معه.
قال: فلما مر الناس، تلاحقوا، ونظروا إلى بردي، فعرفوها،
وقالوا: أبو قتادة قتل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكنه قتيل أبي قتادة عليه
برده، فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه ".
قال: فلما أدركني، قال: " اللهم بارك له في شعره وبشره، أفلح
وجهك! قتلت مسعدة "؟ قلت: نعم. قال: " فما هذا الذي بوجهك "؟
قلت: سهم رميت به; قال: " فادن مني ". فبصق عليه، فما ضرب علي
قط ولا قاح.
فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة; وكأنه ابن خمس عشرة سنة.
قال: وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه (1).

(1) الخبر في " مغازي الواقدي " 2 / 544، 545. وانظر " المعجم الصغير " 2 / 152
للطبراني، و " المستدرك " 3 / 480، و " الاستيعاب " 12 / 89، 90، و " الإصابة " 11 /
303.
450

مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير، عن أبي محمد مولى
أبي قتادة، عن أبي قتادة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما
التقينا، رأيت رجلا قد علا المسلمين، فاستدرت له من ورائه، فضربته
بالسيف على حبل عاتقه، ضربة قطعت منها الدرع، فأقبل علي، وضمني
ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أرسلني، ومات. إلى أن قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل قتيلا له بينة، فله سلبه " فقمت، فقلت: من
يشهد لي؟ وقصصت عليه، فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك
القتيل عندي. فارضه منه. فقال أبو بكر: لا ها الله، إذا لا يعمد إلى أسد
من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صدق "
فأعطانيه، فبعت الدرع، وابتعت به مخرفا في بني سلمة; فإنه لأول مال
تأثلته في الاسلام (1).
قال ابن سعد: كانت سرية أبي قتادة إلى حضرة، وهي بنجد، سنة
ثمان، وكان في خمسة عشر رجلا، فغنموا مئتي بعير والفي شاة، وسبوا
سبيا. ثم سرية أبي قتادة إلى بطن إضم بعد شهر (2).
الدراوردي، عن أسيد بن أبي أسيد، عن أبيه: قلت لأبي قتادة: مالك
لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه الناس؟ فقال: سمعت رسول

(1) هو في " الموطأ " 2 / 10، 12 في الجهاد: باب ما جاء في السلب والنفل، وأخرجه
البخاري 4 / 271 في البيوع و 6 / 177 في الجهاد: باب من لم يخمس الأسلاب، و 8 /
29، 33 في المغازي: باب غزوة حنين، و 13 / 140، ومسلم (1751)، وأبو داود (2717)،
والترمذي (1562). وقوله: " على حبل عاتقه ": حسل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرداء
من المنكب. المخرف: البستان: سمي بذلك لأنه يخترف منه الثمر، أي: يجتنى. وتأثلته:
أي اقتنيته وتأصلته، وأثلة كل شئ: أصله. وقوله: " لا ها الله " أي: لا والله، فالهاء هنا بمنزلة
الواو.
(2) ابن سعد 2 / 133، وإضم: بين مكة واليمامة.
451

الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كذب علي فليشهد لجنبه مضجعا من النار (1) ".
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، ويمسح الأرض بيده.
سمعه قتيبة منه.
شعبة، عن أبي مسلمة (2)، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أخبرني من
هو خير مني - أبو قتادة -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: " تقتلك الفئة
الباغية " (3).
ابن سعد: حدثنا أبو الوليد: حدثنا عكرمة بن عمار: حدثني عبد الله
ابن عبيد بن عمير: أن عمر بعث أبا قتادة، فقتل ملك فارس بيده، وعليه
منطقة قيمتها خمسة عشر ألفا، فنفلها إياه عمر (4).
قال خليفة: استعمل علي على مكة أبا قتادة الأنصاري، ثم عزله بقثم
ابن العباس (5).
معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن معاوية قدم المدينة، فلقيه
أبو قتادة، فقال: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما
منعكم؟ قالوا: لم يكن لنا دواب. قال: فأين النواضح؟ (6). قال أبو

(1) ذكره السيوطي في " الجامع الصغير "، ونسبه لابن عدي، وهو حديث متواتر، رواه أكثر
من سبعين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر تخريجها في " الجامع الصغير ".
(2) اسمه: سعيد بن يزيد بن سلمة الأزدي، ثقة، أخرج حديثه الستة، وقد تحرف في
" المطبوع " إلى " أبي سلمة ".
(3) أخرجه مسلم (2915) في الفتن وأشراط الساعة، وأحمد 5 / 306.
(4) رجاله ثقات.
(5) " تاريخ خليفة ": 201.
(6) النواضح: الإبل يستقى عليها. الواحد: ناضح.
452

قتادة: عقرناها في طلب أبيك يوم بدر; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: " إنكم
ستلقون بعدي أثرة ". قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر.
قال: فاصبروا (1).
وروي، أن عليا كبر على أبي قتادة سبعا. فقال أبو بكر البيهقي: هذا
غلط; فإن أبا قتادة تأخر عن علي (2).
وقال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلاف أنه
توفي بالمدينة.
قال: وروى أهل الكوفة أنه توفي بها، وأن عليا صلى عليه.
قال يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، والمدائني، وسعيد بن عفير، وابن
بكير، وشباب، وابن نمير: مات أبو قتادة سنة أربع وخمسين.
معمر،
عن قتادة، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: كنا مع

(1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19909)، وأخرجه أحمد 5 / 304 من طريق عبد
الرزاق مختصرا. و عبد الله بن محمد: قال الحافظ في " التقريب ": صدوق في حديثه لين،
ويقال: تغير بأخرة. وقوله: " ستلقون بعدي أثرة " أي: انه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في
نصيبه من الفئ.
(2) ذكر ذلك في " السنن الكبرى " 4 / 36، وتعقبه ابن التركماني، فقال في حديث علي انه
صلى على أبي قتادة، فكبر سبعا: رجلا ثقات، وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في " مصنفه "،
فرواه عن عبد الله بن نمير ووكيع، قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن
يزيد أن عليا.... وقال أبو عمر في " الاستيعاب ": روي من وجوه عن موسى بن عبد الله بن
يزيد الأنصاري والشعبي أنهما قالا: صلى علي على أبي قتادة، فكبر عليه سبعا. قال الشعبي.
وكان بدريا، وقال: قال الحسن بن عثمان: مات أبو قتادة سنة أربعين، وقال الكلاباذي: قال
ابن سعد: أخبرنا الهيثم بن عدي، قال: توفي بالكوفة وعلي بها، وهو صلى عليه، وقد قدمنا في
باب كيفية الجلوس في التشهد الأول والثاني أن هذا القول هو الصحيح، وأن من قال: توفي سنة
أربع وخمسين، فليس بصحيح.
453

رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، إذ تأخر عن الراحلة، فدعمته بيدي، حتى
استيقظ، فقال: " اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظني منذ الليلة، ما أرانا إلا قد
شققنا عليك (1) ".
قال ابن سعد: أبو قتادة بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد
ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة.
قال: وقد اختلف علينا في اسمه: فقال ابن إسحاق: الحارث; وقال
ابن عمارة والواقدي: النعمان. وقيل: عمرو.
وله أولاد، وهم: عبد الله، و عبد الرحمن وثابت، وعبيد، وأم
البنين، وأم أبان.
شهد أحدا والخندق.
أيوب، عن محمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أبي قتادة، فقيل:
يترجل; ثم أرسل إليه، فقيل: يترجل; ثم أرسل إليه، فقيل:
يترجل. فقال: " احلقوا رأسه ".
فجاء، فقال: يا رسول الله، دعني هذه المرة، فوالله لأعتبنك (2)، فكان
أول ما لقي قتل رأس المشركين مسعدة.

(1) أخرجه الطبراني (3271) من طري عبد الرزاق، عن معمر بهذا الاسناد، وسنده
صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 302 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قتادة...،
وأخرجه مطولا مسلم (861) في المساجد: باب قضاء الصلاة الفائتة، من طريق سليمان بن
المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة.
وقوله: فدعمته: أي: أقمت ميله من النوم، وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها.
(2) أعتبه: ترك ما يجد عليه من أجله، ورجع إلى ما يرضيه عنه بعد إسخاطه عليه.
والحديث مرسل.
454

معن القزاز: حدثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن سيرين، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا قتادة يصلي، ويتقي شعره، فأراد أن يجزه، فقال: يا
رسول الله، إن تركته، لأرضينك. فتركه. فأغار مسعدة الفزاري على
سرح أهل المدينة. فركب أبو قتادة، فقتله، وغشاه ببردته (1).
حماد بن سلمة: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل كافرا فله سلبه ". فقال أبو قتادة: يا رسول
الله، إني ضربت رجلا على حبل عاتقه وعليه درع له، فأجهضت عنه. فقال
رجل: أنا أخذتها، فأرضه منها، وأعطنيها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل
شيئا إلا أعطاه أو سكت فسكت. فقال عمر: لا يفيئها الله على أسد من
أسده، ويعطيكها. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " صدق عمر " (2).
وروى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن
أبي محمد، مولى أبي قتادة: أن أبا قتادة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام
حنين.. الحديث بنحو منه. وفيه: فقال أبو بكر: لا ها الله! إذا لا يعمد
إلى أسد من أسد الله، فيعطيك سلبه، فأعطاني الدرع، فبعته. قال:
فابتعت به مخرفا; فإنه لأول مال تأثلته (3).
الواقدي: حدثنا أسامة بن زيد الليثي، عن الأعرج، عن عبد الله بن
أبي قتادة، عن أبيه، قال: لما كان يوم حنين، قتلت رجلا، فجاء رجل

(1) مرسل كسابقه.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 190 و 279 من طريق بهز بن أسد، وعفان،
كلاهما عن حماد بن سلمة بهذا الاسناد. وقوله " أجهضت عنه " أي: غلبت عليه، وأزلت عنه،
حتى أخذ مني.
(3) هو في " الموطأ " 2 / 10، 12 وقد تقدم تخريجه ص 451 ت 1.
455

فنزع عنه درعه، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم; فقضى لي بها، فبعتها بسبع
أواقي من حاطب بن أبي بلتعة.
قال قتادة: كان أبو قتادة يلبس الخز (1).
قال الواقدي: لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل بلدنا اختلافا أن أبا قتادة
توفي بالمدينة (2).
ابن نمير: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن يزيد
الخطمي، قال: صلى علي على أبي قتادة، فكبر عليه سبعا (3).
88 عمرو بن عبسة * (م، 4)
ابن خالد بن حذيفة، الامام الأمير، أبو نجيح السلمي البجلي، أحد
السابقين، ومن كان يقال هو: ربع الاسلام.
روى أحاديث.

(1) وروى الطبراني في " الكبير " (3273) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يونس،
عن عمار بن أبي عمار قال: رأيت زيد بن ثابت وابن عباس، وأبا هريرة، وأبا قتادة يلبسون
مطارف الخز. قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 145: ورجاله رجال الصحيح.
(2) " المستدرك " 3 / 480.
(3) رجاله ثقات. وهو في " المصنف " 3 / 304 لابن أبي شيبة من طريق ابن نمير ووكيع
كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن موسى بن عبد الله بن يزيد...
* مسند أحمد: 4 / 111، 384، 385، التاريخ لابن معين: 449، طبقات ابن سعد:
4 / 214، طبقات خليفة: 49، 302، المعارف: 290، الجرح والتعديل: 6 / 241،
المستدرك: 3 / 616، الاستيعاب: 3 / 1192، ابن عساكر: 13 / 283 / 2، جامع
الأصول: 9 / 116، أسد الغابة: 4 / 251، تهذيب الكمال: 1041، تهذيب التهذيب: 8 /
69، الإصابة: 7 / 127، خلاصة تذهيب الكمال: 291.
456

روى عنه أبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد، وجبير بن نفير، وكثير
ابن مرة، وضمرة بن حبيب، والصنابحي، وعدي بن أرطاة، وحبيب بن
عبيد; وعدة.
وقيل: إن ابن مسعود روى عنه.
وكان من أمراء الجيش يوم وقعة اليرموك.
قال عمرو بن أبي سلمة التنيسي: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن نصر
ابن علقمة، عن أخيه، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير، قال: كان أبو ذر
الغفاري، وعمرو بن عبسة، كلاهما يقول: لقد رأيتني ربع الاسلام مع
رسول الله، لم يسلم قبلي إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال كلاهما حتى
لا يدرى متى أسلم الآخر (1).
نزل عمرو حمص باتفاق. ويقال: شهد بدرا، وما تابع أحد عبد
الصمد بن سعيد، وأحمد بن محمد بن عيسى على ذا (2).
وبنو بجيلة رهط من سليم (3).

(1) أخرجه الطبراني برقم (1618)، والحاكم 3 / 341، 342، وصححه ووافقه الذهبي مع
أن صدقة بن عبد الله وهو السمين ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي ومسلم
والدارقطني، وغيرهم. وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 327، وقال: رواه الطبراني باسنادين
أحدهما متصل الاسناد ورجاله ثقات! وأظنه لا يريد هذا الاسناد، بل الذي سيأتي في الصفحة
459 ت 1، فقد عزاه الحافظ إلى الطبراني كما ستقف عليه.
(2) أي على كونه شهد بدرا، ولفظ الإصابة " 7 / 127: وزعم أحمد بن محمد بن
عيسى البغدادي في ذكر من نزل حمص من الصحابة عمرو بن عبسة من المهاجرين الأولين شهد
بدرا. كذا قال، وتبعه عبد الصمد بن سعيد... قال ابن عساكر: كذا قالا، ولم يتابعا على
شهوده بدرا.
(3) تحرف في المطبوع إلى " سلم ".
457

عكرمة بن عمار: حدثنا شداد أبو عمار، ويحيى بن أبي كثير، عن أبي
أمامة وقد لقي شداد أبا أمامة قال: قال عمرو بن عبسة: قدمت مكة،
إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حراء (1) عليه قومه، فتلطفت (2)، حتى دخلت عليه،
فلت: ما أنت؟ قال: " نبي "، قلت: وما نبي؟ قال: " أرسلني الله "
قلت: بما أرسلك؟ قال: " بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد
الله ". قلت: من معك على هذا؟ قال: " حر وعبد " قال: ومعه أبو
بكر، وبلال فقلت: إني متبعك. قال: " إنك لا تستطيع ذاك يومك
هذا; ألا ترى حالي! فإذا سمعت بي قد ظهرت، فائتني ".
فذهبت إلى أهلي، وجعلت أتخبر الاخبار، حتى قدم على أهل يثرب;
فقدمت المدينة، فأتيته.. وذكر الحديث (3).

(1) أي: غضاب، ذوو هم وغم قد انتقصهم أمره، وعيل صبرهم به حتى أثر في أجسامهم
من قولهم: حرى الشئ يحري: إذا نقص، وبعضهم يرويه: جرآء جمع جرئ، من الجراءة
وهي الاقدام والتسلط. انظر " النهاية " جرأ وحرى.
(2) في الأصل: " فأتطلب " وما أثبته من صحيح مسلم.
(3) وتمامه كما في مسلم (832) في صلاة المسافرين: باب إسلام عمرو بن عبسة، قال:
فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الاخبار،
وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم علي نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة، فقلت: ما
فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا
ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله: أتعرفني؟ قال: " نعم. أنت
الذي لقيتني بمكة؟ " قال: فقلت بلى. قلت: يا نبي الله، أخبرني عما علمك اله وأجهله،
أخبرني عن الصلاة، قال: " صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى
ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع، بين قرني الشيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار. ثم صل، فإن
الصلاة مشهودة محضورة. حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر
جهنم. فإذا أقبل الفئ فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة. حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن
الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفار " قال:
فقلت: يا نبي الله، فالوضوء؟ حدثني عنه. قال: " ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض
ويستنشق، فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثم يغسل يديه إلى
المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من
أطراف شعره مع الماء. ثم يغسل قدميه إلى الكعبين. إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء.
فإن هو قام فصلى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا
انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه " فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة: انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا
الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة
أن أكذب على الله، ولا على رسول الله، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، أو مرتين، أو
ثلاثا. (حتى عد سبع مرات) ما حدثت به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك. وأخرجه أحمد 4 /
122، وابن سعد 4 / 215، 217.
458

أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، وضمرة بن
حبيب، وآخر: سمعوا أبا أمامة: سمع عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وهو نازل بعكاظ، فقلت: من معك؟ قال: " أبو بكر وبلال "
فأسلمت. فلقد رأيتني ربع الاسلام (1).
لم يؤرخوا موته.
حريز: حدثا سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعكاظ، فقلت: من تبعك؟ قال: " حر، وعبد; انطلق حتى
يمكن الله لرسوله " (2).
معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال:
أسلمت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " الحق بقومك " ثم أتيته قبل الفتح (3).

(1) إسناده حسن، أخرجه ابن سعد من طريق معن بن عيسى بهذا الاسناد، وأورده الحافظ
في " الإصابة " 7 / 128 ونسبه للطبراني وأبي نعيم في " دلائل النبوة ".
(2) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 4 / 385، وابن سعد 4 / 215 من طريقين عن حريز بن
عثمان، وقد تصحف عند ابن سعد إلى " جرير بن عثمان ".
(3) إسناده حسن.
459

الواقدي: حدثنا حجاج بن صفوان، عن ابن أبي حسين، عن شهر،
عن عمرو بن عبسة، قال: رغبت عن آلهة قومي، فلقيت يهوديا من أهل
تيماء، فقلت: إني ممن يعبد الحجارة، فيترك الحي، فينزل الرجل،
فيأتي بأربعة حجارة، فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلها يعبده.
فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن الأصنام، فإذا رأيته، فاتبعه،
فإنه يأتي بأفضل دين.
إلى أن قال: فأتيت مكة، فوجدته مستخفيا، ووجدت قريشا عليه
أشداء.. وذكر الحديث بطوله (1).
لعله مات بعد سنة ستين. فالله أعلم.
89 شداد بن أوس * (ع)
ابن ثابت بن المنذر بن حرام. أبو يعلى، وأبو عبد الرحمن،
الأنصاري، النجاري، الخزرجي. أحد بني مغالة وهم بنو عمرو بن مالك
ابن النجار.
وشداد، هو ابن أخي حسان بن ثابت، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

(1) هو في " الطبقات " 4 / 217، 218.
* مسند أحمد: 4 / 122، طبقات ابن سعد: 7 / 401، طبقات خليفة: 88، 303، تاريخ
خليفة: 227، التاريخ الكبير: 4 / 224، المعارف: 312، تاريخ الفسوي: 1 / 356، 2 /
320، 719، الجرح والتعديل: 4 / 328، المستدرك: 3 / 506، الاستبصار: 54، حلية
الأولياء: 1 / 264، الاستيعاب: 2 / 694، أسد الغابة: 2 / 507، تهذيب الكمال 574،
تاريخ الاسلام: 2 / 291، العبر: 1 / 62، تهذيب التهذيب: 4 / 315، الإصابة: 5 /
52، خلاصة تذهيب الكمال: 164، شذرات الذهب: 1 / 64، تهذيب ابن عساكر: 6 /
290.
(2) ابن سعد 7 / 401.
460

من فضلاء الصحابة، وعلمائهم. نزل بيت المقدس.
حدث عنه ابنه يعلى; وأبو إدريس الخولاني، وأبو أسماء الرحبي،
وأبو الأشعث الصنعاني، وعبد الرحمن بن غنم، وجبير بن نفير، وكثير بن
مرة، وبشير بن كعب، وآخرون.
قال عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، سمع عبد الرحمن بن غنم
يقول: لما دخلنا مسجد الجابية (1)، أنا وأبو الدرداء، لقينا عبادة بن
الصامت، فأخذ بشماله يميني، وبيمينه شمال أبي الدرداء، فقال: إن طال
بكما عمر أحدكما أو كلاكما، فيوشك (2) أن تريا الرجل من ثبج (3) المسلمين
قد قرأ القرآن، أعاده وأبداه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ونزل عند
منازله، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار
الميت (4).
فبينا نحن كذلك، إذ طلع علينا شداد بن أوس، وعوف بن مالك،
فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس، لما
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشهوة الخفية والشرك. فقال عبادة،
وأبو الدرداء: اللهم غفرا، أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد
يئس أن يعبد في جزيرة العرب. فأما الشهوة الخفية، فقد عرفناها، فهي
شهوات الدنيا، من نسائها وشهواتها; فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا
شداد؟

(1) قرية من أعمال دمشق سبق تعريفها في الصفحة 334 ت 2.
(2) في " المسند ": فتوشكان.
(3) الثبج: الوسط:
(4) قال ابن الأثير في " النهاية " اي: لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من القرآن، كما
لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه.
461

قال: أرأيتكم لو أريتم أحدا يصلي لرجل، أو يصوم له، أو يتصدق
له، أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " من صلى يرائي، فقد أشرك، ومن صام يرائي، فقد أشرك، ومن
تصدق يرائي، فقد أشرك! "
فقال عوف: أولا يعمد الله إلى ما ابتغي فيه وجهه من ذلك العمل كله،
فيقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه؟ قال شداد: فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن الله، قال: " أنا خير قسيم، فمن أشرك بي شيئا،
فإن جسده وعمله، قليله وكثيره، لشريكه الذي أشرك به. أنا عنه
غني " (1).
شداد، كناه مسلم، وأحمد، والنسائي: أبا يعلى.
ابن جوصاء (2): حدثني محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو
ابن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري: حدثنا أبي، حدثنا أبي، عن
أبيه، عن جده، قال: كنية شداد بن أوس: أبو يعلى.
وكان له خمسة أولاد، منهم بنته خزرج، تزوجت في الأزد. وكان
أكبرهم يعلى، ثم محمد، ثم عبد الوهاب، والمنذر.
فمات شداد، وخلف عبد الوهاب، والمنذر، صغيرين، وأعقبوا،
سوى يعلى.

(1) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وهو في " المسند " 4 / 125، 126، و " حلية
الأولياء " 1 / 268، 269، وأخرجه الطبراني مختصرا (7139)، وانظر " المجمع " 10 /
221.
(2) ابن جوصا بالجيم المعجمة، وقد تصحف في المطبوع إلى خوصا بالخاء: وهو الامام
الحافظ النبيل محدث الشام أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا الدمشقي.
462

ونسأ لابنته نسل إلى سنة ثلاثين ومئة.
وكانت الرجفة التي كانت بالشام في هذه السنة. وكان أشدها ببيت
المقدس، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم ووقع منزل شداد
عليهم، وسلم محمد، وقد ذهبت رجله تحت الردم (1).
وكانت النعل (2) زوجا، خلفها شداد عند ولده، فصارت إلى محمد بن
شداد; فلما أن رأت أخته خزرج ما نزل به وبأهله، جاءت، فأخذت فرد
النعلين وقالت: يا أخي، ليس لك نسل، وقد رزقت ولدا، وهذه مكرمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن تشرك فيها ولدي، فأخذتها منه.
وكان ذلك في أول أوان الرجفة، فمكثت النعل عندها حتى أدرك أولادها
فلما جاء المهدي إلى بيت المقدس، أتوه بها، وعرفوه نسبها من شداد،
فعرف ذلك، وقبله، وأجاز كل واحد منهما بألف دينار، وأمر لكل واحد
منهما بضيعة، وبعث إلى محمد بن شداد، فأتي به يحمل لزمانته (3)، فسأله
عن خبر النعل، فصدق مقالة الرجلين، فقال له المهدي: ائتني بالأخرى.
فبكى، وناشده، الله، فرق له، وخلاها عنده.
معان بن رفاعة، عن أبي يزيد الغوثي، عمن حدثه، عن أبي الدرداء،
قال: إن لكل أمة فقيها، وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس (4).
لم يصح.

(1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 290.
(2) أي: نعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) " تاريخ الاسلام " 5 / 39، 40، و " تهذيب ابن عساكر " 6 / 290، 291.
والزمانة: العاهة.
(4) " حلية الأولياء " 1 / 265. و " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291.
463

وقال سفيان بن عيينة، قال أبو الدرداء: إن شداد بن أوس أوتي علما
وحلما (1).
وقال سعيد بن عبد العزيز: فصل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين:
ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب (2).
عن شداد أبي عمار، عن شداد بن أوس، وكان بدريا. فذكر حديثا.
وقال البخاري: شداد له صحبة. قال: وقال بعضهم: شهد بدرا.
ولم يصح (3).
وقال ابن سعد: نزل فلسطين. وله عقب، مات سنة ثمان وخمسين،
وهو ابن خمس وسبعين سنة. وكانت له عبادة واجتهاد (4).
وقال أحمد بن البرقي: كان أبوه أوس بن ثابت بدريا، واستشهد يوم
أحد (5).
ابن سعد: أخبرني من سمع ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان،
قال: لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت،
وشداد بن أوس (6).

(1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، وروى ابن أبي خيثمة كما في " الإصابة 5 / 52 من
حديث عبادة بن الصامت قال: شداد بن أوس من الذين أوتوا العلم والحلم، ومن الناس من أوتي
أحدهما.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، ونسبه الحافظ في " الإصابة " 5 / 52 إلى أبي زرعة.
(3) " التاريخ الكبير " 4 / 224.
(4) " ابن سعد " 7 / 401.
(5) " الإصابة " 5 / 52.
(6) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، وقد تحرف فيه " معدان " إلى " سعدان ".
464

قال المفصل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وعمير بن
سعد، وشداد بن أوس.
علي بن المديني: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن رجل، عن
مطرف بن الشخير، عن رجل أحسبه من بني مجاشع قال: انطلقنا نؤم
البيت، فإذا نحن بأخبية بينها فسطاط; فقلت لصاحبي: عليك بصاحب
الفسطاط، فإنه سيد القوم. فلما انتهينا إلى باب الفسطاط، سلمنا. فرد
السلام. ثم خرج إلينا شيخ. فلما رأيناه، هبناه مهابة لم نهبها والدا قط ولا
سلطانا. فقال: ما أنتما؟ قلنا: فتية تؤم البيت. قال: وأنا قد حدثتني
نفسي بذلك، وسأصحبكم، ثم نادى. فخرج إليه من تلك الأخبية شباب!
فجمعهم، ثم خطبهم، وقال: إني ذكرت بيت ربي، ولا أراني إلا زائره.
فجعلوا ينتحبون عليه بكاء. فالتفت إلى شاب منهم. فقلت: من هذا
الشيخ؟ قال: شداد بن أوس، كان أميرا، فلما أن قتل عثمان، اعتزلهم.
قال: ثم دعا لنا بسويق، فجعل يبس (1) لنا، ويطعمنا ويسقينا.
ثم خرجنا معه; فلما علونا في الأرض، قال لغلام له: اصنع لنا طعاما
يقطع عنا الجوع يصغره كلمة قالها; فضحكنا. فقال: ما أراني إلا
مفارقكما. قلنا: رحمك الله، إنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة، فلما
تكلمت، لم نتمالك أن ضحكنا. فقال: أزودكما حديثا كان رسول الله
يعلمنا في السفر والحضر. فأملى علينا، وكتبناه:
" اللهم، إني أسألك الثبات في الامر، وأسألك عزيمة الرشد،
وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك يقينا صادقا، وقلبا

(1) يقال: بس السويق والدقيق وغيرهما يبسه بسا: خلطه بسمن أو زيت، وهي البسيسة.
سير 2 / 30
465

سليما، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما
تعلم، إنك أنت علام الغيوب " (1).
وروي الدعاء بإسناد آخر.
قتيبة: حدثنا فرج بن فضالة، عن أسد بن وداعة، عن شداد بن أوس:
أنه كان إذا دخل الفراش، يتقلب على فراشه، لا يأتيه النوم فيقول:
اللهم، إن النار أذهبت مني النوم. فيقوم، فيصلي حتى يصبح (2).
رواه جماعة، عن فج، عن أسد.
قال سلام بن مسكين: حدثنا قتادة: أن شداد بن أوس خطب، فقال:
أيها الناس، إن الدنيا أجل حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة
أجل مستأخر، يحكم فيها ملك قادر. ألا وإن الخير كله بحذافيره في
الجنة; وإن الشر كله بحذافيره في النار (3).
اتفقوا على موته كما قلنا في سنة ثمان وخمسين; إلا ما يروى عن بعض

(1) في سنده مجهولان، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 6 / 291، 292. وأخرج الدعاء منه
الترمذي (3407) في الدعوات: باب سؤال الثبات في الامر من طريق أبي العلاء يزيد بن الشخير
عن رجل من بني حنظلة عن شداد بن أوس، ورواه النسائي 3 / 54 في السهو: باب الدعاء بعد
الذكر، وأحمد 4 / 125 بإسقاط الواسطة بين ابن الشخير وشداد بن أوس، ففي الأول مجهول،
وفي الثاني انقطاع، فهو ضعيف، وأخرجه أحمد 4 / 123 " من طريق روح بن عبادة، حدثنا
الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: كان شداد.. ورجاله ثقات. لكنه منقطع بين حسان بن
عطية وشداد.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 264 من طريق إبراهيم بن عبد الله، عن محمد بن
إسحاق بهذا الاسناد، وفرج بن فضالة ضعيف، وهو في " أسد الغابة " 2 / 507، و " تهذيب
ابن عساكر " 6 / 293.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 293، وهو في الحلية " 1 / 264 من طريق آخر.
466

أهل بيته: أنه في سنة أربع وستين.
خرجوا له في الكتب الستة.
وعدد أحاديثه في " مسند قي " خمسون حديثا. أعني بالمكرر.
90 عقبة بن عامر الجهني * (ع)
الامام. المقرئ أبو عبس ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو،
ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو الأسد المصري، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه: أبو الخير مرثد اليزني، وجبير بن نفير، وسعيد بن
المسيب، وأبو إدريس الخولاني، وعلي بن رباح، وأبو عمران أسلم
الجيبي، وعبد الرحمن بن شماسة، ومشرح بن هاعان، وأبو عشانة حي
ابن يؤمن. وأبو قبيل المعافري، وبعجة الجهني، وخلق
سواهم.
وكان عالما مقرئا فصيحا فقيها فرضيا شاعرا كبير الشأن. وهو كان
البريد إلى عمر بفتح دمشق. وله دار بخط باب توما (1).
علي بن رباح، عن عقبة، قال: خرجت من الشام يوم الجمعة،
ودخلت المدينة يوم الجمعة. فقال لي عمر: هل نزعت خفيك؟ قلت: لا.

* مسند أحمد: 4 / 143 201، التاريخ لابن معين: 409، طبقات ابن سعد: 4 /
343، 344، طبقات خليفة: 121، 292، تاريخ خليفة: 197، 225، التاريخ الكبير: 6 /
430، المعارف: 279، الجرح والتعديل: 6 / 313، المستدرك: 3 / 467، الاستيعاب:
3 / 1073، ابن عساكر: 11 / 348 / 1، أسد الغابة: 4 / 53، تهذيب الكمال: 947،
تاريخ الاسلام: 2 / 306، العبر ك 1 / 62، تهذيب التهذيب: 7 / 242 - 244، الإصابة:
7 / 21، خلاصة تذهيب الكمال: 269، كنز العمال: 13 / 495، شذرات الذهب: 1 /
64.
(1) هو أحد أبواب مدينة دمشق من الجانب الشرقي.
467

قال: أصبت السنة (1).
قال ابن سعد: شهد صفين مع معاوية (2).
وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها. وولي الجند بمصر
لمعاوية، ثم عزله بعد ثلاث سنين، وأغزاه البحر. وكان يخضب
بالسواد.
وقبره بالمقطم. مات سنة ثمان وخمسين.
وعن عقبة، قال: بايعت رسول الله على الهجرة، وأقمت معه (3).
وقال عقبة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة (4)، وكنت من
أصحاب الصفة. وكان عقبة من الرماة المذكورين.
وعن أبي عبد الرحمن الحبلي: أن عقبة كان من أحسن الناس صوتا
بالقرآن. فقال له عمر: اعرض علي. فقرأ. فبكى عمر.
ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة بن عامر: وكان من
رفعاء (5) أصحاب محمد.
قلت: ولي إمرة مصر. وكان يخضب بالسواد.

(1) أخرجه البيهقي في " سننه " 2 / 380 من طريق الحاكم عن أبي العباس محمد بن
يعقوب، عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني، عن بشر بن بكر، عن موسى بن علي بهذا
الاسناد.
(2) ابن سعد 4 / 344.
(3) ابن سعد 4 / 343، 344.
(4) الصفة: موضع مظلل في مسجد المدينة كان يأوي إليه فقرأ المهاجرين ومن لم يكن له
منزل يسكنه.
(5) تصحفت في المطبوع إلى " رفقاء " والخبر أخرجه مسلم (814) في صلاة المسافرين:
باب فضل قراءة المعوذتين عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألم تر آيات أنزلت الليلة
لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ".
468

مات سنة ثمان وخمسين (1).
له في " مسند بقي " خمسة وخمسون حديثا.
91 بريدة بن الحصيب * (ع)
ابن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد. أبو عبد الله وقيل: أبو
سهل، وأبو ساسان، وأبو الحصيب الأسلمي.
قيل: إنه أسلم عام الهجرة، إذ مر به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا. وشهد غزوة
خيبر، والفتح، وكان معه اللواء (2). واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقة قومه.
وكان يحمل لواء الأمير أسامة حين غزا أرض البلقاء، إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
له جملة أحاديث، نزل مرو، ونشر العلم بها.
حدث عنه ابناه: سليمان، وعبد الله، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله
ابن مولة، والشعبي، وأبو المليح الهذلي. وطائفة.
وسكن البصرة مدة. ثم غزا خراسان زمن عثمان، فحكى عنه من سمعه
يقول وراء نهر جيحون:

(1) قال الحافظ في " الإصابة " 7 / 22: مات في أول خلافة معاوية على الصحيح.
* مسند أحمد: 5 / 346، طبقات ابن سعد 4 / 241 - 243 و 7 / 365، التاريخ لابن
معين: 57، طبقات خليفة: 109، تاريخ خليفة: 251، التاريخ الكبير: 2 / 141،
المعارف: 300، الجرح والتعديل: 2 / 424، معجم الطبراني: 3 / 2، 8، أسد الغابة:
1 / 209، تاريخ الاسلام: 2 / 386، العبر: 1 / 66، مجمع الزوائد: 9 / 398، الإصابة:
1 / 241، شذرات الذهب: 1 / 70.
(2) " أسد الغابة " 1 / 209، و " ابن سعد " 4 / 242.
469

لا عيش إلا طراد الخيل بالخيل (1).
قال عاصم الأحول: قال مورق: أوصى بريدة أن يوضع في قبره
جريدتان. وكان مات بخراسان، فلم توجدا إلا في جوالق حمار (2).
وروى مقاتل بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: شهدت
خيبر، وكنت فيمن صعد الثلمة، فقاتلت حتى رثي مكاني، وعلي ثوب
أحمر، فما أعلم أني ركبت في الاسلام ذنبا أعظم علي منه أي:
الشهرة (3).
قلت: بلى، جهال زماننا يعدون اليوم مثل هذا العل من أعظم
الجهاد; وبكل حال فالأعمال بالنيات، ولعل بريدة رضي الله عنه بإزرائه
على نفسه، يصير له عمله ذلك طاعة وجهادا! وكذلك يقع في العمل
الصالح، ربما افتخر به الغر ونوه به، فيتحول إلى ديوان الرياء. قال الله
تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * [الفرقان:
23].
وكان بريدة من أمراء عمر بن الخطاب في نوبة سرغ (4).
وقال ابن سعد، وأبو عبيد: مات بريدة سنة ثلاث وستين.
وقال آخر: توفي سنة اثنتين وستين. وهذا أقوى.

(1) ابن سعد 4 / 243، و 7 / 365.
(2) أخرجه ابن سعد 7 / 117 من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم
الأحول، قال: قال مورق وهذا سند صحيح، وعلقه البخاري في " صحيحه " 3 / 177 بصيغة
الجزم.
(3) ذكره المؤلف في " تاريخ الاسلام " 2 / 386 عن بكير بن معروف بهذا الاسناد.
(4) سرغ: أول الحجاز وآخر الشام، من منازل حاج الشام.
470

روي لبريدة نحو من مئة وخمسين حديثا.
92 عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق * (ع)
شقيق أم المؤمنين عائشة.
حضر بدرا مع المشركين; ثم إنه أسلم وهاجر قب الفتح. وأما جده أبو
قحافة فتأخر إسلامه إلى يوم الفتح (1).
وكان هذا أسن أولاد الصديق. وكان من الرماة المذكورين والشجعان.
قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم.

* مسند أحمد: 1 / 197، طبقات خليفة: 18، 189، تاريخ خليفة: 219، التاريخ
الكبير: 5 / 242، المعارف: 173، 174، 233، 592، تاريخ الفسوي: 1 / 213،
285، المستدرك: 3 / 473، الاستيعاب: 2 / 825، أسد الغابة: 3 / 466، تهذيب
الكمال: 778، تاريخ الاسلام: 2 / 303 - 304، العبر: 1 / 58، تهذيب التهذيب: 6 /
146 - 147، الإصابة: 6 / 295، خلاصة تذهيب الكمال: 224، شذرات الذهب: 1 /
59.
(1) أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (20179) ومسلم (2102) في اللباس والزينة من
حديث جابر بن عبد الله قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد " والثغامة: نبات له ثمر أبيض يشبه بياض
الشيب. وأخرج ابن إسحاق في " المغازي " قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير،
عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى، قال أبو قحافة
لابنة له من أصغر ولده: أي بنية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا. قال: تلك الخيل،
قالت: وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا، قال: ذلك يا بنية الوازع، يعني الذي
يأمر الخيل ويتقدم إليها. ثم قالت: قد والله انتشر السواد، فقال: قد والله دفعت الخيل فأسرعي
بي إلى البيت، فانحطت به فتلقاه الخيل قبل أن يصل بيته، وفي عنق الجارية طوق لها من ورق
فتلقاها رجل فاقتطعه من عنقها، قالت: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد، أتاه أبو بكر
رضي الله عنه بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا
آتيه "؟ قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه، فأجلسه بين يديه،
ثم مسح صدره، ثم قال له: أسلم، فأسلم. قالت: ودخل به أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة " 6 / 389، وصححه ابن حبان (1700).
471

له أحاديث نحو الثمانية. اتفق الشيخان على ثلاثة منها (1).
روى عنه ابناه: عبد الله، وحفصة، وابن أخيه القاسم بن محمد، وأبو
عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن أوس الثقفي، وابن
أبي مليكة. وآخرون.
وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يعمر أخته عائشة من
التنعيم (2).
له ترجمة في " تاريخ دمشق ".
توفي في سنة ثلاث وخمسين.
هكذا ورخوه. ولا يستقيم; فإن في " صحيح مسلم ": أنه دخل على
عائشة يوم موت سعد، فتوضأ. فقالت له: أسبغ الوضوء. سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ويل للأعقاب من النار " (3).
وقد هوي ابنة الجودي، وتغزل فيها بقوله:
تذكرت ليلى والسماوة دونها * فما لابنة الجودي ليلى وماليا

(1) انظر صحيح البخاري 3 / 483 في الحج: باب عمرة التنعيم و 2 / 61 في الصلاة: باب
السمر مع الأهل والضيف، و 5 / 170 في الهبة، و 6 / 460 في الأطعمة: باب من أكل حتى
شبع، ومسلم (1212) و (2056) و (2057).
(2) التنعيم: موضع بين مكة وسرف على فرسخين من مكة. والحديث في " الموطأ " 1 /
361، والبخاري 3 / 330 في الحج: باب التلبية إذا انحدر من الوادي، ومسلم (1211) في
الحج: باب بيان وجوه الاحرام من طريق ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة.
(3) أخرجه مسلم (240) في الطهارة: باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما، من طرق عن
ابن وهب، عن خرمة بن بكير، عن أبيه، عن سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر..
472

وأنى تعاطي قلبه حارثية * تدمن بصرى أو تحل الجوابيا
وأنى تلاقيها بلى ولعلها * إن الناس حجوا قابلا أن توافيا (1)
فقال عمر لأمير عسكره: إن ظفرت بهذه عنوة، فادفعها إلى ابن أبي
بكر. فظفر بها، فدفعها إليه. فأعجب بها، وآثرها على نسائه، حتى
شكونه إلى عائشة، فقالت له: لقد أفرطت. فقال: والله، إني لأرشف من
ثناياها حب الرمان. فأصابها وجع، فسقطت أسنانها; فجفاها، حتى
شكته إلى عائشة. فكلمته. قال: فجهزها إلى أهلها. وكانت من بنات
الملوك.
قال ابن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بالصفاح (2)، وحمل، فدفن
بمكة.
وقد صح في مسلم في الوضوء: أن عبد الرحمن خرج إلى جنازة سعد
ابن أبي وقاص. فهذا يدل على أنه عاش بعد سعد (3).

(1) الأبيات في " نسب قريش " 276، و " الأغاني ": 17 / 358، و " الإصابة " في ترجمة
ليلى بنت الجودي وقوله: " تدمن بصرى " أي: تغشاها وتلزمها.
(2) الصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة. لكن في حديث
الترمذي (1055) من طريق عبد الله بن أبي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي
(وهو جبل بأسفل مكة على ستة أميال منها) فحمل إلى مكة، ورجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن
جريج وهو مدلس، ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (6535) ولفظه: قال ابن جريج: سمعت
ابن أبي مليكة يقول: قالت عائشة: لو حضرت عبد الرحمن تعني أخاها ما دفن إلا حيث مات
وكان مات بالحبشي، ودفن بأعلى مكة. وفيه التصريح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه، وتابعه عليه
أيوب السختياني عند عبد الرزاق أيضا (6539) فالسند صحيح.
(3) تقدم تخريجه، انظر ص 472 ت (3).
473

93 الحكم بن عمرو الغفاري * (خ، 4)
الأمير، أخو رافع بن عمرو، وهما، من بني ثعيلة (1)، وثعيلة أخو
غفار.
نزل الحكم البصرة. وله صحبة ورواية، وفضل وصلاح، ورأي وإقدام.
حدث عنه: أبو الشعثاء جابر بن زيد، والحسن البصري ومحمد بن
سيرين، وسوادة بن عاصم; وآخرون.
روايته في الكتب، سوى صحيح البخاري (2).
روى هشام، عن الحسن: أن زياد بن أبيه بعث الحكم بن عمرو على

* مسند أحمد: 4 / 212 و 5 / 66، طبقات ابن سعد: 7 / 28، التاريخ لابن معين:
126، طبقات خليفة: 175، 321، تاريخ خليفة: 211، التاريخ الكبير: 2 / 328 329،
تاريخ الفسوي: 3 / 25، الجرح والتعديل: 3 / 119، معجم الطبراني: 3 / 233،
المستدرك: 3 / 441، الاستيعاب: 1 / 356، أسد الغابة: 2 / 40، تهذيب الكمال:
317، تاريخ الاسلام: 2 / 220، مجمع الزوائد: 9 / 410، تهذيب التهذيب: 2 / 436 437، الإصابة: 2 / 273، خلاصة تذهيب الكمال: 89.
(1) كذا الأصل بالثاء والعين المهملة، وفي " تهذيب الكمال " " نعيلة " بالنون والعين.
المهملة، وقد كتب فوقها كلمة صح، وكذلك هو في " طبقات ابن سعد " و " أسد الغابة "
و " المستدرك " وقيده الحافظ ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة رافع أخي الحكم بنون ومعجمة
مصغرا " نعيلة " وفي " طبقات خليفة " و " الإصابة " و " جمهرة أنساب العرب " و " الطبراني ":
" ثعلبة ".
(2) هذا وهم بن المؤلف، والصواب: سوى مسلم، كما في الرمز الذي بجانب الاسم.
وحديثه في البخاري 9 / 564 في الذبائح: باب لحوم الحمر الانسية من طريق علي بن عبد الله،
حدثنا سفيان، قال عمرو بن دينار: قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر
الأهلية، فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة...
474

خراسان، فغنموا، فكتب إليه: [أما بعد:، فإن أمير المؤمنين كتب إلي أن
أصطفي له الصفراء والبيضاء] لا تقسم [بين الناس] ذهبا ولا فضة. فكتب
إليه الحكم: أقسم بالله، لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد،
فاتقى الله، يجعل له من بينهما مخرجا. والسلام (1). [ثم قال للناس:
اغدوا على فيئكم، فاقسموه]
ويروى: أن عمر نظر إلى الحكم بن عمرو، وقد خضب بصفرة،
فقال: هذا خضاب الايمان (2).
معتمر بن سليمان: حدثنا أبي، عن أبي حاجب، قال: كنت عند
الحكم الغفاري، إذ جاءه رسول علي رضي الله عنه، فقال: إن أمير
المؤمنين يقول: إنك أحق من أعاننا. قال: إني سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول:
" إذا كان الامر هكذا اتخذ سيفا من خشب " (3).
أبو إسحاق الفزاري، عن هشام، عن الحسن، قال: بعث زياد
الحكم، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب زياد: إن أمير المؤمنين أمر أن تصطفى
له الصفراء والبيضاء.
فكتب إليه: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين. وأمر
مناديا، فنادى: أن اغدوا على فيئكم. فقسمه بينهم.

(1) أخرجه ابن سعد 7 / 28، 29 من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا هشام بن
حسان، عن الحسن... وما بين حاصرتين منه. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 422،
443 من طريق أبي إسحاق الفزاري، وسيذكره المؤلف قريبا.
(2) " مسند أحمد " 5 / 67.
(3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 442 من طريق محمد بن أبي السري بهذا الاسناد،
ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن أبي السري كثير الأوهام.
475

فوجه معاوية من قيده، وحبسه. فمات، فدفن في قيوده، وقال:
إني مخاصم (1).
حماد بن سلمة: حدثنا حميد، ويونس، عن الحسن: أن زيادا،
استعمل الحكم بن عمرو، فلقيه عمران بن حصين، فقال: أما تذكر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه الذي قال له أميره: وقع في النار، فقام ليقع فيها،
فأدركه، فأمسكه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو وقع فيها، لدخل النار، لاطاعة
لمخلوق في معصية الله ".
قال الحكم: بلى. قال: إنما أردت أن أذكرك هذا الحديث (2).
جميل بن عبيد الطائي: حدثنا أبو المعلى، عن الحسن، قال: قال
الحكم بن عمرو: يا طاعون، خذني إليك. فقيل له: لم تقول هذا؟ وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت " قال: أبادر ستا: بيع الحكم،
وكثرة الشرط، وإمارة الصبيان، وسفك الدماء، وقطيعة الرحم، ونشأ
يكونون في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير (3).

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 442، والطبراني (3158)، قال الهيثمي في
" المجمع " 7 / 311: وفيه من لم أعرفه. وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 247 مختصرا ثم
قال: والصحيح أنه لما ورد عليه كتاب زياد بالعقاب، دعا على نفسه فمات. وسيذكره المؤلف
قريبا.
(2) صحيح، أخرجه الحاكم 3 / 423، وقال: حديث صحيح الاسناد، ووافقه الذهبي،
وأخرجه أحمد 5 / 66، والطيالسي 2 / 166، والطبراني (3150) و (3159) و (3160) وله
شاهد من حديث النواس بن سمعان عند البغوي في " شرح السنة " (2455)، وسنده حسن في
الشواهد.
(3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 443، والطبراني (3162)، وأبو المعلى لا
يعرف، لكن له شاهد في المرفوع من حديث عابس الغفاري عند أحمد 3 / 494 بلفظ: " بادروا بالاعمال ستا. " وسنده ضعيف، وآخر من حديث عوف بن مالك عند أحمد أيضا 6 / 22
و 23، وسنده ضعيف، فيتقوى بهذه الشواهد لا سيما وأن لحديث عابس طريقا آخر، انظر
" الإصابة " 5 / 265 ترجمة عابس الغفاري. و " نشأ " بفتح الشين جمع ناشئ، كخادم وخدم:
يريد: جماعة أحداثا.
476

قال أحمد بن سيار: كان سبب موت والي خراسان الحكم، أنه دعا
على نفسه وهو بمرو، لكتاب ورد إليه من زيدا. ومات قبله بريدة الأسلمي،
فدفنا جميعا (1).
قال خليفة: مات بخراسان واليا سنة إحدى وخمسين (2).
وقال الواقدي: سنة خمسين. رضي الله عنه (3).
أخوه
94 رافع بن عمرو الغفاري * (م، د، ت، ق)
الكناني. له صحبة. وحديثان.
نزل البصرة.
حدث عنه عبد الله بن الصامت; وغيره.
خرج له مسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، وابن ماجة.

(1) " المستدرك " 3 / 442.
(2) " طبقات خليفة " 32.
(3) نقله الحاكم عنه في " المستدرك " 3 / 442، وهو كذلك في " طبقات خليفة " في
الصفحة 175 و 321، وفي " تاريخه " 211.
* طبقات خليفة: 32، 175، التاريخ الكبير: 3 / 302، الجرح والتعديل: 3 / 479،
معجم الطبراني الكبير: 5 / 6، المستدرك: 3 / 443، الاستيعاب: 2 / 482، أسد الغابة:
2 / 194، تهذيب الكمال: 402، تهذيب التهذيب: 3 / 231، الإصابة: 3 / 241، خلاصة
تذهيب الكمال: 114.
477

له حديث في نعت الخوارج.
وقال معتمر (1) بن سليمان: حدثني ابن [أبي] الحكم، عن عمه
رافع، قال: كنت أرمي نخلا للأنصار، وأنا غلام. فرآني النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: " يا غلام، لم ترمي النخل؟ قلت: آكل. قال: " كل ما يسقط " ثم
مسح رأسي، وقال: " اللهم، أشبع بطنه " (2).
ويروى نحوه عن رافع بإسناد آخر. ذكره الحاكم في " مستدركه " (3).
وقال خليفة: مات بالبصرة سنة خمسين.
أما:
95 رافع بن عمرو المزني البصري * (د، س)
أخو عائذ، فآخر. ولهما صحبة.

(1) تحرف في المطبوع إلى " معمر ".
(2) إسناده ضعيف لجهالة ابن أبي الحكم، وهو في " المستدرك " 3 / 444، وأخرجه أبو
داود (2622) في الجهاد: باب من قال: إنه يأكل مما سقط، وابن ماجة (2299) في التجارات،
والطبراني (4459) من طرق، عن المعتمر بن سليمان، عن ابن أبي الحكم الغفاري، عن
جدته، عن عم أبيها بن عمرو، وقيل: عن معتمر، عن ابن أبي الحكم الغفاري، قال: حدثتني
جدتي عن عم أبي رافع.
(3) أخرج الحاكم 4443، من طريق الفضل بن موسى، حدثنا صالح بن أبي جبير (وقد
تحرف في المطبوع إلى جعفر)، عن أبيه، عن رافع بن عمرو الغفاري. وأخرجه الترمذي أيضا
(1288) في البيوع من هذا الطريق، وصالح بن أبي جبير وأبوه لم يوثقهما غير ابن حبان، ومع
ذلك فقد صححه الترمذي.
* مسند أحمد: 3 / 426 و 5 / 31 و 65، التاريخ الكبير: 3 / 302، الجرح والتعديل:
3 / 479، معجم الطبراني: 5 / 54، الاستيعاب: 2 / 482، أسد الغابة: 2 / 94،
تهذيب الكمال: 402، تهذيب التهذيب: 3 / 231، الإصابة: 3 / 242، خلاصة تذهيب
الكمال: 114.
478

روى لهذا أبو داود، والنسائي (1).
يروي عنه عمرو بن سليم المزني.
ذكرته للتمييز.
96 الأرقم بن أبي الأرقم *
ابن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي.
صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. من السابقين الأولين. اسم أبيه عبد مناف.
كان الأرقم أحد من شهد بدرا. وقد استخفى النبي صلى الله عليه وسلم في داره، وهي
عند الصفا. وكان من عقلاء قريش. عاش إلى دولة معاوية.
أبو مصعب الزهري: حدثنا يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم، عن
عمه عبد الله، وأهل بيته، عن جده، عن الأرقم: أنه تجهز يريد بيت
المقدس; فلما فرغ من جهازه، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يودعه، فقال: " ما
يخرجك؟ حاجة أو تجارة؟ قال: لا والله يا نبي الله، ولكن أردت الصلاة في
بيت المقدس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الصلاة في مسجدي خير من ألف صلاة

(1) وحديثه في أبي داود (1956) في المناسك: باب أي وقت يخطب يوم النحر. قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي رضي الله عنه
يعبر عنه، والناس بين قاعد وقائم.
* مسند أحمد: 3 / 417، طبقات ابن سعد 3 / 242، طبقات خليفة: 21، التاريخ
الكبير: 2 / 46، الجرح والتعديل: 2 / 3309 310، معجم الطبراني: 1 / 284،
المستدرك: 3 / 502، الاستبصار: 117، الاستيعاب: 1 / 131، أسد الغابة: 1 / 74،
تاريخ الاسلام: 2 / 213، العبر: 1 / 61، الإصابة: 1 / 40، كنز العمال: 13 / 269،
شذرات الذهب: 1 / 61.
479

فيما سواه، إلا المسجد الحرام " فجلس الأرقم، ولم يخرج (1).
وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الأرقم يوم بدر سيفا (2).
واستعمله على الصدقة.
وقد وهم أحمد بن زهير في قوله: إن أباه أبا الأرقم أسلم.
وغلط أبو حاتم، إذ قال: إن عبد الله بن الأرقم هو ابن هذا، ذاك
زهري ولي بيت المال لعثمان; وهذا مخزومي.
قيل: الأرقم عاش بضعا وثمانين سنة.
توفي بالمدينة. وصلى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته إليه (3).
وقال عثمان بن الأرقم: توفي أبي سنة ثلاث وخمسين، وله ثلاث
وثمانون سنة (4).
له رواية في " مسند أحمد بن حنبل " (5).

(1) يحيى بن عمران لم يوثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم: شيخ مدني مجهول، وعبد الله
ابن عثمان لا يعرف. وهو في " المسند " وأخرجه الطبراني في " الكبير " (907)، والحاكم 3 /
504، من طريق العطاف بن خالد المخزومي، عن عثمان بن عبد الله بن الأرقم، عن جده
الأرقم... وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 504 من طريق أبي مصعب الزهري، عن يحيى بن عمران بن
عثمان، عن جده، عن أبيه الأرقم، وصححه، ووافقه الذهبي، مع أن يحيى بن عمران لم يوثقه
غير ابن حبان.
(3) " المستدرك " 3 / 503.
(4) " الإصابة " 1 / 41 نقلا عن ابن مندة.
(5) 3 / 417.
480

97 أبو حميد الساعدي * (ع)
الأنصاري المدني. قيل: اسمه عبد الرحمن. وقيل: المنذر بن
سعد.
من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عنه جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعمرو بن سليم
الزرقي، وعباس بن سهل بن سعد، وخارجة بن زيد، ومحمد بن عمرو
ابن عطاء; وغيرهم.
توفي سنة ستين. وقيل: توفي سنة بضع وخمسين.
وله حديث في وصفه هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وقع له في " مسند بقي " ستة وعشرون حديثا.

* مسند أحمد: 5 / 423، طبقات خليفة: 98، تاريخ خليفة: 227، الجرح والتعديل:
5 / 237، الاستبصار: 105، الاستيعاب: 4 / 1633، أسد الغابة: 3 / 453، تهذيب
الكمال: 1599، تاريخ الاسلام: 2 / 330، العبر: 1 / 65، تهذيب التهذيب: 6 / 184،
186، الإصابة: 11 / 89، خلاصة تذهيب الكمال: 448، شذرات الذهب: 1 / 65.
(1) أخرجه البخاري 2 / 252، 255 في صفة الصلاة: باب سنة الجلوس للتشهد، عن
محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر، جعل
يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه، استوى حتى
يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع
رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس
في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته ".
سير 2 / 31
481

98 عبد الله بن الأرقم * (4)
ابن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، القرشي الزهري
الكاتب.
من مسلمة الفتح. وكان ممن حسن إسلامه. وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم
كتب لأبي بكر، ولعمر (1).
وولاه عمر بيت المال، وولي بيت المال أيضا، لعثمان مدة (2). وكان
من جلة الصحابة وصلحائهم.
قال مالك: إنه أجازه عثمان رضي الله عنه وهو على بيت المال بثلاثين
ألفا، فأبى أن يقبلها (3).
وروي عن عمرو بن دينار: أنها كانت ثلاث مئة ألف درهم، فلم
يقبلها، وقال: إنما عملت لله تعالى، وإنما أجري على الله.
وروي عن عمر أنه قال لعبد الله بن الأرقم: لو كانت لك سابقة، ما

* مسند أحمد: 3 / 483 و 4 / 35، طبقات خليفة: 16، تاريخ خليفة: 156، 179،
التاريخ الكبير: 5 / 32 33، المعارف: 151، تاريخ الفسوي: 1 / 244، الجرح
والتعديل: 5 / 1، المستدرك: 3 / 334، الاستيعاب: 3 / 865، أسد الغابة: 3 / 172،
تهذيب الكمال: 665، تاريخ الاسلام: 2 / 298، مجمع الزوائد: 9 / 370، تهذيب
التهذيب: 5 / 146 147، الإصابة: 6 / 4، خلاصة تذهيب الكمال: 191، كنز العمال:
13 / 448.
(1) " المستدرك 3 / 335، وتاريخ خليفة: 156.
(2) " المستدرك " 3 / 335، و " أسد الغابة " 3 / 173، و " تاريخ خليفة ": 179.
(3) " أسد الغابة " 3 / 173، و " الإصابة " 6 / 5.
482

قدمت عليك أحدا! وكان يقول: ما رأيت أخشى لله من عبد الله بن
الأرقم (1).
وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (2)، عن أبيه، قال: والله ما رأيت
رجلا قط كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم!
قلت: له حديث في " السنن " روى عنه عروة وغيره.
99 عبد الله بن مغفل * (ع)
ابن عبد نهم بن عفيف المزني. صحابي جليل من أهل بيعة
الرضوان (3)، تأخر.
وكان يقول: إني لممن رفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أغصان الشجرة

(1) " الإصابة " 6 / 5، وقال: أخرجه البغوي من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار.
(2) تحرف في المطبوع إلى " عبد الله بن عتيبة ".
* مسند أحمد: 4 / 85 و 5 / 54، 272، التاريخ لابن معين: 333، طبقات خليفة:
37، 76، تاريخ خليفة: 146. المعارف: 297، تاريخ الفسوي: 1 / 256، المستدرك:
3 / 578، الاستيعاب: 3 / 996، أسد الغابة: 3 / 398، تهذيب الكمال: 745، تاريخ
الاسلام: 2 / 1، تهذيب التهذيب: 6 / 42، الإصابة: 6 / 223، خلاصة تذهيب الكمال:
215 و 216، شذرات الذهب: 1 / 65.
(3) وهي غزوة الحديبية، وكانت سنة في ذي القعدة، والحديبية: قرية متوسطة ليست
بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، وهي على تسعة
أميال من مكة. انظر خبرها في ابن هشام 2 / 308، 323، وابن سعد 2 / 95، 105،
والبخاري 7 / 338، 351. وأخرج البخاري 8 / 450 في التفسير: باب قوله: * (إذ يبايعونك
تحت الشجرة) * من طريق شعبة، عن قتادة، قال: سمعت عقبة بن صهبان، عن عبد الله بن
مغفل المزني ممن شهد الشجرة: نهى النبي عن الخذف.
483

يومئذ (1).
سكن المدينة، ثم البصرة، وله عدة أحاديث.
حدث عنه الحسن البصري، ومطرف بن الشخير، وابن بريدة،
وسعيد بن جبير، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، وثابت البناني;
وغيرهم.
وقال أبو داود: لم يسمع منه سعيد بن جبير.
قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم
إلينا عمر بن الخطاب يفقهون الناس (2).
قلت: توفي سنة ستين.
وكان أبوه من الصحابة، فتوفي عام الفتح في الطريق.
وقيل: كان عبد الله من البكائين (3).
قال عوف الأعرابي، عن خزاعي بن (4) زياد المزني، قال: أري عبد الله

(1) الذي في " المسند " 5 / 54: عن عبد الله بن مغفل: إني لآخذ بغصن من أغصان
الشجرة أظل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يبايعونه، فقالوا: نبايعك على الموت؟ قال: " لا، ولكن لا
تفروا " وأما ما ذكره المؤلف، فأخرجه أحمد 5 / 25، ومسلم (1858) عن معقل بن يسار لا عن
عبد الله بن مغفل قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من
أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مئة، لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألا نفر.
لفظ مسلم.
(2) " أسد الغابة " 3 / 399.
(3) البكاؤون: هم الذين وصفهم الله تعالى بقوله: * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم
قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون) *. انظر
" المسند " 5 / 45، و " طبقات ابن سعد " 2 / 165، و " الإصابة " 6 / 223.
(4) لفظ " خزاعي بن " سقط بن المطبوع.
484

ابن مغفل رضي الله عنه، أن الساعة قد قامت، وأن الناس حشروا، وثم
مكان من جازه، فقد نجا، وعليه عارض، فقال لي قائل: أتريد أن تنجو
وعندك ما عندك؟ فاستيقظت فزعا.
قال: فأيقظ أهله، وعنده عيبة مملوءة دنانير، ففرقها كلها.
كنيته: أبو سعيد. وقيل: أبو زياد.
100 خزيمة بن ثابت * (م، 4)
ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة، الفقيه، أبو عمارة الأنصاري الخطمي
المدني، ذو الشهادتين.
قيل: إنه بدري. والصواب: أنه شهد أحدا وما بعدها. وله أحاديث.
وكان من كبار جيش علي، فاستشهد معه يوم صفين.
حدث عنه: ابنه عمارة، وأبو عبد الله الجدلي، وعمرو بن ميمون
الأودي، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص; وجماعة.
قتل رضي الله عنه سنة سبع وثلاثين، وكان حامل راية بني خطمة.
وشهد مؤتة.

* مسند أحمد: 5 / 213، طبقات ابن سعد: 4 / 378، طبقات خليفة: 83، 135،
التاريخ الكبير: 3 / 205 206، المعارف: 149، تاريخ الفسوي: 1 / 380، الجرح
والتعديل: 3 / 381 382، معجم الطبراني الكبير: 4 / 94، المستدرك: 3 / 396،
الاستبصار: 267 268، الاستيعاب: 2 / 448، أسد الغابة: 2 / 133، تهذيب الكمال:
375، مجمع الزوائد: 9 / 320، تهذيب التهذيب: 3 / 140 141، الإصابة: 3 / 93،
خلاصة تذهيب الكمال: 104، كنز العمال: 13 / 379، شذرات الذهب: 1 / 45.
485

فقال الواقدي: حدثنا بكير بن مسمار (1) عن عمارة بن خزيمة، عن
أبيه، قال: حضرت مؤتة، فبارزت رجلا، فأصبته، وعليه بيضة فيها
ياقوتة، فلم يكن همي إلا الياقوتة، فأخذتها. فلما انكشفنا، وانهزمنا،
رجعت بها إلى المدينة، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فنفلنيها، فبعتها زمن عمر
بمئة دينار (2).
وقال خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: لما كتبنا المصاحف، فقدت آية
كنت سمعتها من رسول الله رسول الله، فوجدتها عند خزيمة بن ثابت: * (من
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا عليه) * قال: وكان خزيمة يدعى: ذا
الشهادتين، أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين (3).

(1) تحرف في المطبوع إلى " سنمار ".
(2) هو في مغازي الواقدي 2 / 769، وقد أخطأ محقق الكتاب مارسدن جونس، فأبدل لفظ
" خزيمة " ب‍ " غزية " مع أنه في الأصل الذي اعتمده " خزيمة " على الصواب.
(3) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20416) من طريق معمر، عن الزهري، ومن
طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني (3712) و (4841)، وأخرجه البخاري 8 / 398 في تفسير
سورة الأحزاب، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.
وأما قصة إجازة النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين، فأخرجها أبو داود (3607) في الأقضية:
باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به، من طريق محمد بن يحيى بن
فارس، عن الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة، أن عمه حدثه
وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن
فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي،
فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن
كنت مبتاعا هذا الفرس، وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي، فقال: " أوليس قد
ابتعته منك "؟ فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بلى قد ابتعته منك " فطفق
الأعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم
على خزيمة، فقال: " بم تشهد "؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة
خزيمة بشهادة رجلين. وإسناده صحيح.
486

قال قتادة، عن أنس، قال: افتخر الحيان من الأنصار، فقالت
الأوس: منا غسيل الملائكة: حنظلة بن الراهب; ومنا من اهتز له العرش:
سعد، ومنا من حمته الدبر (1): عاصم بن أبي الألقح; ومنا من أجيزت
شهادته بشهادتين: خزيمة بن ثابت (2).
وروى أبو معشر، عن محمد بن عمارة بن خزيمة، قال: ما زال جدي
كافا سلاحه حتى قتل عمار، فسل سيفه، وقاتل حتى قتل (3).
101 عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني * (ع)
ممن شهد فتح مكة. وله جماعة أحاديث.
في كنيته أقوال: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، وأبو محمد،
وأبو عمرو، وأبو حماد.
وكان من نبلاء الصحابة.

(1) الدير: النحل والزنابير.
(2) نسبه الحافظ في " الإصابة " 3 / 94 إلى أبي يعلى.
(3) أخرجه أحمد 5 / 214 من طريق يونس وخلف بن الوليد، كلاهما عن أبي معشر. وهو
في " المستدرك " 3 / 397 من طريق محمد بن بكار، عن أبي معشر.
واسم أبي معشر: نجيح بن عبد الرحمن السندي، وهو ضعيف.
* مسند أحمد: 6 / 22، الاستيعاب: 3 / 1226، طبقات خليفة: 47، 302، تاريخ
خليفة: 269، التاريخ الكبير: 7 / 56، المعارف: 315، الجرح والتعديل: 7 / 13 14،
المستدرك: 3 / 546، الاستبصار: 126، الاستيعاب: 3 / 1226، أسد الغابة: 4 / 312
313، تهذيب الكمال: 1066، العبر: 1 / 81، تهذيب التهذيب: 8 / 168، الإصابة:
7 / 179، خلاصة تذهيب الكمال: 298، شذرات الذهب: 1 / 79.
487

حدث عنه: أبو هريرة، وأبو مسلم الخولاني وماتا قبله بمدة وجبير
ابن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم،
وشريح بن عبيد، والشعبي، وسالم أبو النضر، وسليم بن عامر. وشداد
أبو عمار.
وشهد غزوة مؤتة. وقال: رافقني مددي (1) من أهل اليمن، ليس معه
غير سيفه الحديث بطوله وفيه، قوله صلى الله عليه وسلم: " هل أنتم تاركو لي
أمرائي "؟ (2).
وقال ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم،
قال: حدثني الحبيب الأمين، أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين:
عوف بن مالك، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة، أو ثمانية، أو تسعة;

(1) نسبة إلى المدد.
(2) أخرجه أحمد 6 / 26، و 27 و 28 من طريقين، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن
ابن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: خرجت مع من خرج مع زيد
ابن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن، ليس معه غير سيفه، فنحر
رجل من المسلمين جزورا، فسأله المددي طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق،
ومضينا، فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب، وسلاح
مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي،
فعرقب فرسه، فخر، وعلاه فقتله، وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين، بعث إليه
خالد بن الوليد، فأخذ منه السلب، قال عوف: فأتيته، فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته، قلت: لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي أن يرد عليه قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصصت عليه قصة
المددي وما فعله خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا خالد، ما حملك على ما صنعت "؟ قال: يا
رسول الله، استكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا خالد، ما حملك على ما صنعت "؟ قال: يا
رسول الله، استكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا خالد، رد عليه ما أخذت منه ". قال عوف:
دونك يا خالد، ألم أف لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما ذاك "؟ فأخبرته، فغضب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا خالد، لا ترده عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم، وعليهم
كدره ".
488

فقال: " ألا تبايعون "؟.. الحديث (1).
قال الواقدي: كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك (2).
بسر (3) بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني: حدثني عوف: أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في خيمة من أدم، فتوضأ وضوءا مكيثا. قلت: يا
رسول الله، أدخل؟ قال: " نعم ". قلت: كلي؟ قال: " كلك " ثم
قال: " يا عوف، اعدد ستا بين يدي الساعة.. " وذكر الحديث (4).

(1) وتمامه: " ألا تبايعون رسول الله " وكنا حديث عهد بيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول
الله، ثم قال: " ألا تبايعون رسول الله "؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: " ألا
تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟
قال: " على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا وأسر كلمة
خفية: ولا تسألوا الناس شيئا ". فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل
أحدا يناوله إياه. أخرجه مسلم في " صحيحه " (1043) في الزكاة: باب كراهة المسألة للناس،
من طريقين عن مروان بن محمد الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن
أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني، عن عوف بن مالك الأشجعي.
(2) ابن سعد 4 / 281، و " المستدرك " 3 / 546.
(3) تصحف في المطبوع إلى " بشر ".
(4) وتمامه: " موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم
استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا
دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت
كل غاية اثنا عشر ألفا ". أخرجه البخاري في " صحيحه " دون قصة الدخول 6 / 198، 199،
في الجهاد: باب ما يحذر من الغدر، من طريق الحميدي، حدثنا الوليد بن مسم، حدثنا عبد
الله بن العلاء بن زبر، قال: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس، قال: سمعت عوف
ابن مالك.
وأخرج قصة الدخول أبو داود (5000) في الأدب، من طريق مؤمل بن الفضل، حدثنا الوليد
ابن مسلم، عن عبد الله بن العلاء، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن عوف بن
مالك.. وأخرجه ابن ماجة (4042) بتمامه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن الوليد بن مسلم به. وانظر " المسند " 6 / 22 و 25 و 27، و " المستدرك " 3 / 546، 547. وقوله:
" وتوضأ وضوءا مكيثا ": أي: بطيئا متأنيا غير مستعجل، والمكث والمكث: الإقامة مع
الانتظار، والتلبث في المكان. وقد تصحف في المطبوع إلى " مكينا ".
489

ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف، قال: عرس
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوسد كل إنسان منا ذراع راحلته! فانتبهت في بعض
الليل; فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته، فأفزعني ذلك; فانطلقت
ألتمسه; فإذا معاذ وأبو موسى يلتمسانه، فبينا نحن على ذلك، إذ سمعنا
هزيزا بأعلى الوادي كهزيز الرحى! قال: فأخبرناه بما كان من أمرنا. فقال:
" أتاني الليلة آت من ربي فخيرني بين الشفاعة، وبين أن يدخل نصف
أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة ".
فقلت: أنشدك الله، والصحبة يا نبي الله، لما جعلتنا من أهل
شفاعتك؟ قال: " فإنكم من أهل شفاعتي " (1).
جعفر بن برقان: حدثنا ثابت بن الحجاج الكلابي، قال: شتونا في
حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك، فأدركنا رمضان، فقال
عوف:.. فذكر حديثا.
قال الواقدي، وخليفة، وأبو عبيد: مات عوف سنة ثلاث وسبعين.

(1) إسناده صحيح. وأخرجه أحمد 6 / 28 من طريق بهز، عن أبي عوانة، حدثنا قتادة،
عن أبي المليح، عن عوف بن مالك. وصححه ابن حبان (2592) و (2593)، وأخرجه مختصرا
الترمذي (2441) من طريق هناد، عن عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي
المليح، عن عوف بن مالك.
وعرس: التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. والهزير: الصوت:
490

102 معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي * (ع)
من المهاجرين، ومن حلفاء بني عبد شمس.
وكان أمينا على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استعمله أبو بكر على الفي ء،
وولي بيت المال لعمر.
روى حديثين.
وذكر أبو عبد الله بن مندة وحدة أنه شهد بدرا. ولا يصح هذا.
روى عنه: حفيده إياس بن الحارث بن معيقيب، وأبو سلمة بن عبد
الرحمن.
وله هجرة إلى الحبشة. وقيل: إنه قدم مع جعفر ليالي خيبر. وكان
مبتلى بالجذام.
ابن سعد: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم: حدثنا ابن إسحاق: حدثني
عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: أمرني يحيى بن الحكم على
جرش، فقدمتها، فحدثوني أن عبد الله بن جعفر حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لصاحب هذا الوجع الجذاع: اتقوه كما يتقى السبع; إذا هبط واديا
فاهبطوا غيره ".

* مسند أحمد: 3 / 426 و 5 / 425، التاريخ لابن معين: 578، طبقات ابن سعد: 4 /
116، طبقات خليفة: 13، 123، تاريخ خليفة: 199، 202، المعارف: 316، 584،
الاستيعاب: 4 / 1478، أسد الغابة: 5 / 240، تهذيب الكمال: 1358، العبر: 1 / 47،
تهذيب التهذيب: 10 / 254، الإصابة: 9 / 266، خلاصة تذهيب الكمال: 397، شذرات
الذهب: 1 / 48.
491

فقدمت المدينة، فسألت عبد الله بن جعفر. فقال: كذبوا، والله; ما
حدثتهم هذا! ولقد رأيت عمر بن الخطاب يؤتى بالاناء فيه الماء، فيعطيه
معيقيبا وكان رجلا قد أسرع فيه ذاك الداء فيشرب منه، ويناوله عمر،
فيضع فمه موضع فمه، حتى يشرب منه; فعرفت أنه يفعله فرارا من
العدوي (1).
وكان يطلب الطب من كل من سمع له بطب، حتى قدم عليه رجلان من
أهل اليمن، فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فقالا: أما
شئ يذهبه، فلا نقدر عليه; ولكنا سنداويه دواء يوقفه، فلا يزيد. فقال
عمر: عافية عظيمة. فقالا: هل تنبت أرضك الحنظل؟ قال: نعم.
قالا: فاجمع لنا منه، فأمر، فجمع له ملء مكتلين عظيمين.
فشقا كل واحدة نصفين; ثم أضجعا معيقيبا، وأخذ كل واحد منهما
برجل، ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة، حتى إذا محقت، أخذا
أخرى، حتى إذا رأيا معيقيبا يتنخمه أخضر مرا أرسلاه.
ثم قالا لعمر: لا يزيد وجعه بعد هذا أبدا. قال: فوالله، ما زال
معيقيب متماسكا، لا يزيد وجعه، حتى مات (2).
صالح بن كيسان: قال أبو زناد: حدثني خارجة بن زيد: أن عمر
دعاهم لغدائه، فهابوا، وكان فيهم معيقيب وكان به جذام فأكل معيقيب

(1) لفظ " الطبقات " المطبوع: فعرفت أنما يصنع عمر ذلك فرارا من أن يدخله شئ من
العدوي.
(2) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 117، 118. وسنده قوي. وجرش: من مخاليف
اليمن من جهة مكة. والمكتل: الزبيل الكبير.
492

معهم. فقال له عمر: كل مما يليك ومن شقك; فلو كان غيرك ما آكلني في
صحفة، ولكان بيني وبينه قيد رمح (1).
وروى الواقدي، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة نحوه (2).
عاش معيقيب إلى خلافة عثمان.
وقيل: عاش إلى سنة أربعين، رضي الله عنه.
والفرار من المجذوم، وترك مؤاكلته جائز، لكن ليكن ذلك بحيث لا
يكاد يشعر المجذوم; فإن ذلك يحزنه. ومن واكله ثقة بالله وتوكلا عليه
فهو مؤمن (3).
103 أبو مسعود البدري * (ع)

(1) أخرجه ابن سعد 4 / 118، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن
أبيه بهذا الاسناد، ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين خارجة وعمر.
(2) ابن سعد 4 / 118.
(3) هو لا شك مؤمن، ولكنه مخطئ، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " وفر من المجذوم فرارك من
الأسد " وهو في الصحيح وغيره. وأما الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه في
القصعة، فحديث ضعيف لا ينبغي الاخذ به ولا التعويل عليه. أخرجه أبو داوود (3925)
والترمذي (1818)، وابن ماجة (3542)، وفي سنده المفضل بن فضالة بن أبي أمية، وهو
ضعيف، وقد عدوا هذا الحديث من مناكيره.
* مسند أحمد: 4 / 118 و 5 / 272، التاريخ لابن معين: 410، طبقات ابن سعد: 6 /
16، طبقات خليفة: 96، 136، تاريخ خليفة: 202، التاريخ الكبير: 6 / 429، الجرح
والتعديل: 6 / 313، الاستبصار: 130، الاستيعاب: 3 / 1047، ابن عساكر: 11 /
354 / 1، أسد الغابة: 4 / 57 و 6 / 286، تهذيب الكمال: 948، العبر: 1 / 46، تهذيب
التهذيب: 7 / 247 249، الإصابة: 7 / 24، خلاصة تذهيب الكمال: 269.
493

ولم شهد بدرا على الصحيح (1)، وإنما نزل ماء ببدر، فشهر بذلك.
وكان ممن شهد بيعة العقبة. وكان شابا من أقران جابر في السن.
روى أحاديث كثيرة. وهو معدود في علماء الصحابة. نزل الكوفة.
واسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة، الأنصاري.
وقيل: يسيرة بن عسيرة بضمهما بن عطية بن خدارة (2) بن عوف بن
الحارث بن الخزرج.
حدث عنه ولده بشير، وأوس بن ضمعج، وعلقمة، وأبو وائل، وقيس
ابن أبي حازم، وربعي بن حراش، وعبد الرحمن بن يزيد، وعمرو بن
ميمون، والشعبي; وعدة.
قال الواقدي: شهد العقبة، ولم يشهد بدرا.
وقال الدارقطني: جده نسيرة، بنون، فخولف.
وقال موسى بن عقبة: إنما نزل بموضع يقال له: بدر.
وروى شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: لم يكن بدريا، وقال
الحكم: كان بدريا (3).

(1) وجزم البخاري بأنه شهدها، واستدل بأحاديث أخرجها في " صحيحه "، في بعضها
التصريح بأنه شهدها.
(2) خدارة: بالخاء المعجمة كما في الأصل و " الاشتقاق " و " جمهرة ابن حزم " و " أسد
الغابة " و " الإصابة " وفي " سيرة ابن هشام " 1 / 692 جدارة بالجيم المعجمة. قال السهيلي
في " الروض الأنف ": وغير ابن إسحاق يقول في جدارة: خدارة، بالخاء المضمومة.
(3) سقط من المطبوع من قوله: وروى شعبة. إلى هنا.
494

وروى شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سليمان، غمن لا يتهم:
أنه سمع أبا مسعود الأنصاري، وكان قد شهد بدرا.
وقال حبيب، عن ابن سيرين: قال عمر لأبي مسعود: نبئت أنك
تفتي الناس، ولست بأمير! فول حارها من تولى قارها (1). يدل على أن
مذهب عمر أن يمنع الامام من أفتى بلا إذن.
وقال خليفة: استعمل علي لما حارب معاوية على الكوفة أبا
مسعود (2).
وكذا نقل مجالد، عن الشعبي، قال: فكان يقول: ما أود أن تظهر
إحدى الطائفتين على الأخرى. قيل: فمه. قال: يكون بينهم صلح.
فلما قدم علي، أخبر بقوله: فقال: اعتزل عملنا. قال: وممه.
قال: إنا وجدناك لا تعقل عقله. قال: أما أنا، فقد بقي من عقلي أن الآخر
شر.
حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، قال أبو مسعود: كنت رجلا
عزيز النفس، حمي الانف، لا يستقل مني أحد شيئا، سلطان ولا عيره;
فأصبح أمرائي يخبرونني بين أن أقيم على ما أرغم أنفي وقبح وجهي; وبين
أن آخذ سيفي، فأضرب، فأدخل النار (3).
وقال بشير بن عمرو: قلنا لأبي مسعود: أوصنا. قال: عليكم

(1) القار: من القر: البرد، قال ابن الأثير: جعل الحر كناية عن الشر والشدة، والبرد كناية
عن الخير والهين، أراد: ول شرها من تعولي خيرها، وول شديدها من تولى هينها.
(2) تاريخ خليفة: 202.
(3) رجاله ثقات.
495

بالجماعة فإن الله لن يجمع الأمة على ضلالة; حتى يستريح بر، أو يستراح
من فاجر.
قال خليفة: مات أبو مسعود قبل الأربعين (1). وقال ابن قانع: سنة تسع
وثلاثين. وقال المدائني وغيره: سنة أربعين.
وقيل: له وفادة على معاوية.
وعن خيثمة بن عبد الرحمن، قال: لما خرج علي، استخلف أبا
مسعود على الكوفة، وتخبأ رجال لم يخرجوا مع علي; فقال أبو مسعود على
المنبر: أيها الناس، من كان تخبأ، فليظهر; فلعمري لئن كان إلى
الكثرة; إن أصحابنا لكثير، وما نعده قبحا أن يلتقي هذان الجبلان غدا من
المسلمين، فيقتل هؤلاء هؤلاء; وهؤلاء هؤلاء. حتى إذا لم يبق إلا
رجرجة (2) من هؤلاء وهؤلاء; ظهرت إحدى الطائفتين. ولكن نعد قبحا أن
يأتي الله بأمر من عنده، يحقن به دماءهم، ويصلح به ذات بينهم.
قال يحيى القطان: مات أبو مسعود أيام قتل علي بالكوفة.
وقال الواقدي: مات بالمدينة في خلافة معاوية (3).
104 أسامة بن زيد * (ع)
ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، المولى الأمير
الكبير.

(1) طبقات خليفة: 96.
(2) الرجرية: رذالة الناس ورعاعهم الذين لا عقول لهم.
(3) ابن سعد 6 / 16.
* مسند أحمد: 5 / 199، طبقات ابن سعد: 4 / 61 72، التاريخ لابن معين: 22،
طبقات خليفة: 6 / 297، تاريخ خليفة: 100، 226، التاريخ الكبير: 2 / 20، المعارف
لابن قتيبة: 144 145، 164، 166، تاريخ الفسوي: 1 / 304، الجرح والتعديل: 2 /
283، معجم الطبراني الكبير: 1 / 120 144، المستدرك: 3 / 596، الاستبصار: 34،
87، الاستيعاب: 1 / 75، ابن عساكر: 2 / 341 / 1، أسد الغابة: 1 / 79، تهذيب
الكمال: 78، تهذيب التهذيب: 1 / 50، تاريخ الاسلام: 2 / 270، العبر: 1 / 59،
مجمع الزوائد: 9 / 286، تهذيب التهذيب: 1 / 208، الإصابة: 1 / 54، خلاصة تذهيب
الكمال: 26، كنز العمال: 13 / 270، تهذيب ابن عساكر: 2 / 394، 402.
496

حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاه، وابن مولاه.
أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، وقيل: أبو يزيد.
استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على جيش لغزو الشام، وفي الجيش عمر والكبار;
فلم يسر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم; فبادر الصديق ببعثهم، فأغاروا على
أبنى، من ناحية البلقاء. وقيل: إنه شهد يوم مؤتة مع والده. وقد سكن
المزة (1) مدة; ثم رجع إلى المدينة، فمات بها. وقيل: مات بوادي
القرى.
حدث عنه أبو هريرة، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي،
وعروة بن الزبير، وأبو سلمة، وأبو سعيد المقبري، وعامر بن سعد، وأبو
ظبيان، وعطاء بن أبي رباح، وعدة، وابناه: حسن، ومحمد.
ثبت عن أسامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن، فيقول:
" اللهم، إني أحبهما، فأحبهما " (2).

(1) المزة: قرية في جنوب غربي دمشق، تبعد عنها ثلاثة أميال تقريبا، وقد اتصلت الآن
بدمشق وأصبحت منطقة سكنية.
(2) أخرجه البخاري 7 / 70 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق موسى بن إسماعيل،
عن المعتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد.. وهو في " المسند " 5 /
210، وابن سعد 4 / 62.
سير 2 / 32
497

قلت: هو كان أكبر من الحسن بأزيد من عشر سنين.
وكان شديد السواد، خفيف الروح، شاطرا، شجاعا. رباه النبي
صلى الله عليه وسلم، وأحبه كثيرا.
وهو ابن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم: أم أيمن وكان أبوه أبيض. وقد فرح له
رسول الله بقول مجزز المدلجي: إن هذه الاقدام بعضها من بعض (1).
أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه: أخبرني أسامة بن زيد:
أن عليا قال: يا رسول الله، أي أهلك أحب إليك؟ قال: " فاطمة ".
قال: إنما أسألك عن الرجال؟ قال: " من أنعم الله عليه، وأنعمت عليه:
أسامة بن زيد ". قال: ثم من؟ قال: " ثم أنت " (2).
وروى مغيرة، عن الشعبي: أن عائشة قالت: ما ينبغي لاحد أن يبغض
أسامة، بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان يحب الله ورسوله،
فليحب أسامة " (3).

(1) أخرجه البخاري 7 / 69 في المناقب: باب مناقب زيد بن حارثة، و 12 / 48 في
الفرائض، ومسلم (1459) من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل علي
قائف، والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: " إن هذه الاقدام
بعضها ن بعض " قال: فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه، فأخبر به عائشة. وهو في " المسند " 6 /
82 و 226، وسنن أبي داود (2267)، والنسائي 6 / 184، والترمذي (2129)، وابن ماجة
(2349)، وابن سعد 4 / 63.
قال أبو داود: نقل أحمد بن صالح عن أهل النبس أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب
أسامة، لأنه كان أسود شديد السواد، وكان أبوه زيد أبيض من القطن، فلما قال القائف، ما قال
مع اختلاف اللون، سر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك.
(2) أخرجه الترمذي (3819)، والطبراني (369)، والحاكم 3 / 596، وضعفه المؤلف في
" مختصره "، فقال: عمر بن أبي سلمة ضعيف.
(3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 286، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
498

وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يجترى على
رسول الله يكلمه فيها إلا أسامة، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
موسى بن عقبة، وغيره، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أحب الناس إلي أسامة، ما حاشا فاطمة ولا غيرها " (2).
قال زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: فرض عمر لأسامة ثلاثة آلاف
وخمس مئة، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف. فقال: لم فضلته علي،
فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لان أباه كان أحب إلى رسول الله من
أبيك، وهو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك; فآثرت حب رسول الله على
حبي (3).
حسنه الترمذي.
قال ابن عمر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، فطعنوا في إمارته; فقال:

(1) أخرجه البخاري 6 / 377 في أحاديث الأنبياء، و 12 / 77 في الفرائض، ومسلم
(1688) في الحدود، والترمذي (1430)، وأبو داود (4373) والدارمي 2 / 173، وابن ماجة
(2547)، والنسائي 8 / 73، وابن سعد 4 / 69، 70، كلهم من طريق الليث، عن ابن
شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا:
من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه
أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشفع في حد من حدود الله "؟ ثم قام، فاختطب، فقال: " أيها
الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم
الضعيف، أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها ".
(2) رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني برقم (372)، والحاكم 3 / 596، من طرق عن حماد
ابن سلمة بهذا الاسناد، وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 286،
ونسبه إلى أبي يعلى، وقال: رجاله رجال الصحيح. ولفظه: " وإنه لأحب الناس إلى كلهم "،
وكان ابن عمر يقول: حاشا فاطمة.
(3) أخرجه الترمذي (3813) وإسناده ضعيف، وانظر " طبقات ابن سعد " 4 / 70.
499

" إن يطعنوا في إمارته، فقد طعنوا في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقا
للامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي
بعده " (1).
قلت: لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الجيش، كان عمره ثماني عشرة
سنة.
ابن سعد: حدثنا يزيد: حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة،
عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره، فجاء
غلام أسود أفطس. فقال أهل اليمن: إنما جلسنا لهذا! فلذلك ارتدوا.
يغني أيام الردة (2).
قال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين: سعد، وابن عمر، وأسامة
ابن زيد، ومحمد بن مسلمة.
قلت: انتفع أسامة من يوم النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول له: " كيف (3) بلا إليه إلا

(1) أخرجه البخاري 7 / 69 في المناقب: باب مناقب زيد، و 382 في المغازي: باب
غزوة زيد بن حارثة، و 8 / 115 في المغازي، و 11 / 455 في الايمان والنذور، ومسلم
(2426) (63) (64)، وابن سعد 4 / 65، وأحمد 2 / 20، والترمذي (3816).
(2) رجاله ثقات. ويزيد: هو ابن هارون. والخبر في " طبقات ابن سعد " 4 / 63،
وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 2 / 20 من طريق عياش بن عباس، عن عيسى بن
موسى، عن محمد بن إياس بن الكبير، عن أسامة بن زيد.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " كف "، والحديث أخرجه مسلم (97) في الايمان: باب
تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، وفيه أن أسامة بن زيد قتل رجلا من المشركين بعدما
قال: لا إلا إلا الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم قتلته "؟ قال: يا رسول الله; أوجع في
المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا
إلا إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقتلته "؟ قال: نعم، قال: " فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا
جاءت يوم القيامة "؟ قال: يا رسول الله، استغفر لي.. وانظر البخاري 7 / 398 في
المغازي: باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، ومسلم (96).
500

الله يا أسامة " فكف يده، ولزم منزله، فأحسن.
عائشة، قالت: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسح مخاط أسامة، فقلت:
دعني حتى أكون أنا التي أفعل. فقال: " يا عائشة، أحبيه، فإني
أحبه " (1).
قلت: كان سنه في سنها.
مجالد، عن الشعبي، عن عائشة: أمرني رسول الله أن أغسل وجه
أسامة وهو صبي. قالت: وما ولدت، ولا أعرف كيف يغسل الصبيان،
فاخذه، فأغسله غسلا ليس بذاك. قالت: فأخذه فجعل يغسل وجهه،
ويقول: " لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية،
لحليتك وأعطيتك " (2).
وفي " المسند " عن البهي، عن عائشة: قال رسول الله: " لو كان
أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه " (3).
ومن غير وجه، عن عمر: أنه لم يلق أسامة قط إلا قال: السلام عليك
أيها الأمير ورحمة الله! وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير (4).

(1) أخرجه الترمذي (3818) في المناقب، من طريق الفضل بن موسى، عن طلحة بن
يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، وهذا سنده حسن.
(2) مجالد: هو ابن سعيد بن عمير الهمداني، ليس بالقوي. وأورده ابن عساكر كما في
" تهذيبه " 2 / 318، ونسبه إلى أبي يعلى.
(3) أخرجه أحمد 6 / 139 و 222، وابن ماجة (1976)، وابن سعد 4 / 61، 62، كلهم
من طريق شريك القاضي، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة.
وشريك القاضي: سي الحفظ، وفي سماع البهي من عائشة كلام.
(4) تهذيب ابن عساكر " 2 / 398.
501

جرير بن حازم: حدثنا ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد
الله بن عبد الله، قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعا عند باب حجرة عائشة
رافعا عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به مروان، فقال:
أتصلي عند قبر! وقال له قولا قبيحا. فقال: يا مروان، إنك فاحش
متفحش، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يبغض الفاحش
المتفحش " (1).
وقال قيس بن أبي حازم: إن رسول الله حين بلغه أن الراية صارت إلى
خالد، قال: " فهلا إلى رجل قتل أبوه "؟ يعني أسامة.
إبراهيم بن طهمان، عن عتبة بن عبد الله، عن أبي بكر بن عبد الله بن
أبي جهم (2)، قال ك دخلت على فاطمة بنت قيس، وقد طلقها
زوجها.. الحديث فلما حلت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل ذكرك
أحد "؟ قالت: نعم، معاوية وأبو الجهم. فقال: " أما أبو الجهم فشديد
الخلق، وأما معاوية فصعلوك، لامال له. ولكن أنكحك أسامة "؟
فقلت: أسامة! تهاونا بأمر أسامة ثم قلت: سمعا وطاعة لله ولرسوله.
فزوجنيه، فكرمني الله بأبي زيد، وشرفني الله، ورفعني به (3).
وروى معناه مالك، عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة عنها (4).

(1) رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني برقم (405) وصححه ابن حبان (1974).
(2) في الأصل: " أبو جهيم "، وهو خطأ.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1480) (49) من طريق إسحاق بن
منصور، عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن أبي بكر بن أبي الجهم. وأبو زيد: كنية
أسامة.
(4) " الموطأ " 2 / 580، 581 في الطلاق: باب ما جاء في نفقة المطلقة، وأخرجه مسلم
(1480) في الطلاق: باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، وأبو داود (2284) في الطلاق: باب في نفقة
المبتوتة، والشافعي في " الرسالة " فقرة (856)، وقد تحرف في المطبوع " بن يزيد عن أبي
سلمة " إلى " بن يزيد بن أبي سلمة "، جعلهما واحدا، وهما اثنان.
502

قال عروة بن الزبير: قال أبو بكر: والله لان تخطفني الطير أحب إلي
من أن أبدا بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبعث أسامة، واستأذنه في عمر أن
يتركه عنده.
قال: فلما بلغوا الشام، أصابتهم ضبابة شديدة، فسترتهم، حتى
أغاروا، وأصابوا حاجتهم. فقدم على هرقل موت النبي صلى الله عليه وسلم، وإغارة أسامة
على أرضه في آن واحد. فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأن
أغاروا على أرضنا (1)!
ابن إسحاق، عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة،
عن أبيه، قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هبطت، وهبط الناس المدينة،
فدخلت عليه، وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يضع يديه علي، ثم
يرفعهما; فأعرف أنه يدعو لي (2).
أحمد في " مسنده ": حدثنا حجاج: أخبرنا شريك، عن العباس
ابن ذريح، عن البهي، عن عائشة: أن أسامة عثر بأسكفة الباب، فشج في
جبهته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمصه، ثم يمجه، وقال: " لو كان أسامة جارية
لكسوته وحليته، حتى أنفقه " (3).

(1) كذا الأصل، وفي " تهذيب ابن عساكر " 2 / 397: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم أن
أغاروا على أرضنا. وفي " طبقات ابن سعد " ما بالى هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على
أرضنا.
(2) أخرجه أحمد 5 / 201، والطبراني (377) وسنده قوي، فقد صرح
ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد.
(3) أخرجه أحمد 6 / 222، وابن ماجة (1976)، وابن سعد 4 / 61، 62، وقد تقدم في
501 ت 3.
503

شريك، عن أبي إسحاق، عن جبلة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم
يغز، أعطى سلاحه عليا أو أسامة (1).
الزبير بن بكار،: حدثنا محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض،
قال: أهدى حكيم بن حزام للنبي صلى الله عليه وسلم في الهدنة حلة ذي يزن، اشتراها
بثلاث مئة دينار. فردها، وقال: " لا أقبل هدية مشرك ". فباعها حكيم.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من اشتراها له. فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآه حكيم فيها،
قال:
ما ينظر الحكام بالفصل بعدما بدا سابق ذو غرة وحجول (2)
فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ز
فرآها عليه حكيم، فقال: بخ بخ يا أسامة! عليك حلة ذي يزن!
فقال له رسول الله: " قل له: وما يمنعني وأنا خير منه، وأبي خير من
أبيه " (3).
معمر، عن الزهري، قال: لقي علي أسامة بن زيد، فقال: ما كنا
نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة، فلم [لا] تدخل معنا؟ قال: يا أبا حسن، إنك
والله لو أخذت بمشفر الأسد، لأخذت بمشفره الآخر معك، حتى نهلك
جميعا، أو نحيا جميعا; فأما هذا الامر الذي أنت فيه، فوالله لا أدخل فيه

(1) " تهذيب ابن عساكر " 2 / 399.
(2) الغرة: البياض يكون في وجه الفرس، والحجول: جمع حجل، وهو البياض يكون في
قوائم الفرس.
(3) سنده على انقطاعه تالف، يزيد بن عياض: قال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال
يحيى: ليس بثقة. وقال علي: ضعيف. ورماه مالك بالكذب. وقال النسائي وغيره: متروك.
وقال الدارقطني: ضعيف.
504

أبدا.
روى نحوه عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن حرملة مولى أسامة
قال: بعثني أسامة إلى علي.. فذكر نحوه (1).
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن العدل: أخبرنا عبد الله بن أحمد
الفقيه: أخبرنا محمد بن عبدا لباقي: أخبرنا علي بن الحسين البزار: أخبرنا
أبو علي بن شاذان: أخبرنا أبو سهل بن زياد: حدثنا أحمد بن عبد الجبار:
حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أسامة بن
محمد بن أسامة، عن أبيه، عن جده أسامة بن زيد، قال: أدركت رجلا أنا
ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السيف، قال: لا إله إلا الله. فلم
ننزع عنه، حتى قتلناه. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرناه خبره. فقال:
" يا أسامة، من لك بلا إله إلا الله "؟ فقلنا: م يا رسول الله، إنما قالها تعوذا
من القتل. قال: " من لك يا أسامة بلا إله إلا الله "؟
فما زال يرددها، حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن، وأني
أسلمت يومئذ، ولم أقتله.
فقلت: إني أعطي الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله،
أبدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بعدي يا أسامة "؟ قال: بعدك (2).

(1) انظر ابن سعد 4 / 71، والبخاري 13 / 58، في الفتن.
(2) محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ترجمه ابن أبي حاتم 7 / 205، فقال: روى عن
أبيه، روى عنه محمد بن إسحاق فيما رواه يونس بن بكير، وخالفه غيره، فقال: ابن إسحاق عن
أسامة بن محمد: سمعت أبي يقول ذلك. وقد ترجمه أيضا 1 / 258 فيمن اسمه أسامة، وباقي
رجال الاسناد ثقات. والحديث أخرجه بنحوه البخاري 7 / 398، و 12 / 171، من طريق
هشيم، أخبرنا حصين، أخبرنا أبو ظبيان، قال: سمعت أسامة بن زيد.. وأخرجه مسلم (96)
من طرق عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أسامة بن زيد.
505

رواه شيخ آخر، عن أحمد بن عبد الجبار: فزاد فيه: قال: أدركته
يعني مرداس بن نهيك أنا ورجل; فلما شهرنا عليه السيف، قال: أشهد
أن لا إله إلا الله.
هشام الدستوائي: حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني عمر بن الحكم
ابن ثوبان، أن مولى قدامة بن مظعون حدثه: أن مولى أسامة قال: كان
أسامة يركب إلى مال له بوادي القرى، فيصوم الاثنين والخميس في الطريق.
فقلت له: تصوم الاثنين والخميس في السفر، وقد كبرت وضعفت، أو
رققت! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس، وقال: " إن
أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس " (1).
يونس بن بكير: حدثنا ابن إسحاق، عن [ابن] ابن أسامة بن زيد،
عن جده أسامة، قال: كنت أصوم شهرا من السنة، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: " أين أنت عن شوال "!
فكان أسامة إذا أفطر، أصبح الغد صائما من شوال، حتى يتم على

(1) حديث صحيح بشواهده وطرقه، أخرجه ابن سعد 4 / 71، وأحمد 5 / 204، 205،
208، وأخرجه أبو داود (2436) في الصوم، من طريق موسى بن إسماعيل، عن أبان، عن
يحيى، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن مولى قدامة بن مظعون، عن مولى أسامة بن زيد.
ومولى قدامة ومولى أسامة مجهولان، وأخرجه ابن خزيمة (2119) من طريق أبي بكر بن عياش،
عن عمر بن محمد، عن شرحبيل بن سعد، عن أسامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين
والخميس، ويقول: " إن هذين اليومين تعرض فيهما الأعمال ". وفي الباب عن أبي هريرة عند
الترمذي (747) بلفظ: " تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا
صائم ". وفي سنده محمد بن رفاعة لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، فهو حسن بما
قبله. وأخرج مسلم (2565) (36) في البر والصلة، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا
عبدا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا ".
506

آخره (1).
ابن أبي الدنيا: أخبرنا عمرو بن بكير، عن أبي عبد الرحمن الطائي،
قال: قدم أسامة على معاوية، فأجلسه معه، وألطفه، فمد رجله. فقال
معاوية: يرحم الله أم أيمن، كأني أنظر إلى ظنبوب ساقها بمكة، كأنه
طنبوب نعامة خرجاء. فقال: فعل الله بك يا معاوية، هي والله خير
منك! قال: يقول معاوية: اللهم غفرا (2).
الظنوب: هو العظم الظاهر. والخرجاء: فيها بياض وسواد.
له في " مسند بقي " مئة وثمانية عشر حديثا، منها في البخاري ومسلم
خمسة عشر. وفي البخاري حديث. وفي مسلم حديثان (3).
قال الزهري: مات أسامة بالجرف (4).
وعن المقبري، قال: شهدت جنازة أسامة، فقال ابن عمر: عجلوا
بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس (5).
قال ابن سعد: مات في آخر خلافة معاوية (6).

(1) ابن ابن أسامة وهو محمد لا يعرف، والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 2 / 401.
(2) تهذيب ابن عساكر 2 / 401.
(3) انظر البخاري بشرح الفتح: 7 / 398، و 13 / 303، و 3 / 417، 418، 413، 414
و 360، و 4 / 318، و 10 / 104، و 150، 153، و 11 / 361، و 9 / 118، و 13 /
10 و 43، و 6 / 238 ومسلم: (96) و (923) و (1280) و (1286) و (1330) و (1351) و (1443)
و (1596) و (1614) و (1798) و (2218) و (2451) و (2736) و (2740) و (2885) و (2989).
(4) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. وانظر ابن سعد 4 / 72.
(5) " تهذيب ابن عساكر " 2 / 402.
(6) ابن سعد 4 / 72.
507

105 عمران بن حصين * (ع)
ابن عبيد بن خلف. القدوة الامام، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو نجيد
الخزاعي.
أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في وقت، سنة سبع. وله عدة أحاديث.
وولي قضاء البصرة، وكان عمر بعثه إلى أهل البصرة (1) ليفقههم; فكان
الحسن يحلف: ما قدم عليهم البصرة خير لهم من عمران بن الحصين.
حدث عنه مطرف بن عبد الله بن الشخير، وأبو رجاء العطاردي،
وزهدم الجرمي. وزرارة بن أوفى، والحسن، وابن سيرين، وعبد الله بن
بريدة، والشعبي، وعطاء مولى عمران بن حصين، والحكم بن الأعرج;
وعدة.
قال زرارة: رأيت عمران بن حصين يلبس الخز (2).
وقال مطرف بن عبد الله: قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثا
عسى الله أن ينفعك به: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة، ولم ينه
عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وأنه كمان يسلم علي يعني

* مسند أحمد: 4 / 426، التاريخ لابن معين: 436، طبقات ابن سعد: 4 / 287،
طبقات خليفة: 106، 187، تاريخ خليفة: 218، التاريخ الكبير: 6 / 408، المعارف:
309، أخبار القضاة: 1 / 291 و 292، الجرح والتعديل: 6 / 296، المستدرك: 3 / 470،
الاستيعاب: 3 / 1208، أسد الغابة: 4 / 281، تهذيب الكمال: 1057، تاريخ الاسلام:
2 / 306، العبر: 1 / 57، مجمع الزوائد: 9 / 381، تهذيب التهذيب: 8 / 125 126،
الإصابة: 7 / 155، خلاصة تذهيب الكمال: 295، شذرات الذهب: 1 / 62.
(1) جملة " إلى أهل البصرة " سقطت من المطبوع.
(2) انظر " طبقات ابن سعد " 4 / 291.
508

الملائكة قال: فلما اكتويت، أمسك ذلك; فلما تركته، عاد إلي (1).
وقد غزا عمران مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة. وكان ينزل ببلاد قومه، ويتردد
إلى المدينة.
قال أبو خشينة، عن الحكم بن الأعرج، عن عمران بن حصين، قال:
ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وروى هشام، عن محمد، قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على
عمران بن حصين (3).
قال قتادة: بلغني أن عمران قال: [وددت] أني رماد [تذروني
الرياح] (4).
قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة، ولم يحارب مع علي.
أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة: قال لي عمران بن
حصين: الزم مسجدك. قلت: فإن دخل علي؟ قال: الزم بيتك. قلت:
فإن دخل علي؟ قال: لو دخل علي رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد

(1) أخرجه مسلم (1226) (167) في الحج: باب جواز التمتع، وأحمد 4 / 427، وابن
سعد 4 / 290.
(2) رجاله ثقات، وأبو خشينة اسمه: حاجب بن عمر الثقفي، وهو في " المسند " 4 /
439، و " طبقات ابن سعد " 4 / 287، وصححه الحاكم 3 / 472، ووافقه الذهبي، وذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 381، ونسبه للطبراني من طريق آخر، قال: فيه عمر بن سهل
المازني، وثقه ابن حبان، وقال: ربما خالف، وضعفه العقيلي، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3) ابن سعد 4 / 287 ورجاله ثقات، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 381، وقال:
رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
(4) ابن سعد 4 / 287 والزيادة منه.
509

حل لي أن أقتله (1).
ثابت البناني: عن مطرف، عن عمران، قال: اكتوينا، فما أفلحن،
ولا أنجحن يعني المكاوي (2)
قتادة، عن مطرف: قال لي عمران في مرضه: إنه قد كان يسلم علي،
فإن عشت، فاكتم علي (3).
حميد بن هلال، عن مطرف، قلت لعمران: ما يمنعني من عيادتك إلا
ما أرى من حالك. قال: فلا تفعل، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله (4).
يزيد بن هارون: أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران، عن أبيه أن
عمران قضى على رجل بقضية، فقال: والله، قضيت علي بجور، وما
ألوت. قال: وكيف؟ قال: شهد علي بزور. قال: فهو في مالي، ووالله
لا أجلس مجلسي هذا أبدا (5).
وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل.

(1) رجاله ثقات، وهو في " الطبقات " 4 / 288. وفي الأصل: " حميد بن قتادة " بدل
" حميد بن هلال " وما أثبتناه هو الصواب.
(2) إسناده صحيح، أخرجه ابن سعد 4 / 288، 289، وأبو داود (3865)، والترمذي
(2049)، وابن ماجة (3490)، وأخرجه أحمد 4 / 427 من طريق شعبة، عن قتادة، عن
الحسن، عن عمران بن حصين. وأخرجه أيضا 4 / 446، من طريق حماد، عن أبي التياح،
عن مطرف، عن عمران. وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي.
(3) " المستدرك " 3 / 472، وانظرت 1 في الصفحة 509.
(4) ابن سعد 4 / 290، ورجاله ثقات.
(5) رجاله ثقات، وذكره المؤلف في " تاريخه " 2 / 307، وزاد فيه قوله: " ما قضيت
عليك " قبل " فهو في مالي ". وانظر " الطبقات " 4 / 287.
510

عن أبي رجاء، قال: خرج علينا عمران في مطرف خز لم نره قط،
فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن ترى
عليه " (1).
قال ابن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك
يعرض عليه الكي، فيأبى; حتى كان قبل موته بسنتين، فاكتوى (2).
عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: كان عمران ينهى عن الكي،
فابتلي، فاكتوى، فكان يعج (3)!
قال مطرف: قال لي عمران: أشعرت أن التسليم عاد إلي؟ قال: ثم
لم يلبث إلا يسيرا حتى مات (4).
ابن علية، عن مسلمة بن علقمة، عن الحسن: أن عمران بن حصين
أوصى لأمهات أولاده بوصايا، وقال: من صرخت علي، فلا وصية لها.
توفي عمران سنة اثنتين وخمسين. رضي الله عنه.
مسنده: مئة وثمانون حديثا.

(1) أخرجه أحمد 4 / 438، وابن سعد 4 / 291، من طريق شعبة، عن الفضيل بن
فضالة، عن أبي رجاء العطاردي عمران بن ملحان، عن عمران بن حصين. وهذا سند صحيح،
وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند الترمذي (2819)، وسنده
حسن، وآخر من حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 311.
(2) ابن سعد 4 / 288. والسقي: ماء أصفر يقع في البطن، يقال: سقى بطنه يسقي سقيا.
(3) تحرف في المطبوع " عمران " إلى " عمر ". ويعج: يضج ويرفع صوته، وتتمة الخبر
كما في " الطبقات " 4 / 289: فيقول: " لقد اكتويت كية بنار، ما أبرأت من ألم، ولا شفت من
سقم ".
(4) ابن سعد 4 / 289.
511

اتفق الشيخان له على تسعة أحاديث (1) وانفرد البخاري بأربعة أحاديث
ومسلم بتسعة.
106 حسان بن ثابت * (ع)
ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك
ابن النجار. سيد الشعراء المؤمنين، المؤيد بروح القدس. أبو الوليد;
ويقال: أبو الحسام. الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، ابن الفريعة.
شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
حدث عنه ابنه عبد الرحمن، والبراء بن عازب، وسعيد بن المسيب،
وأبو سلمة، وآخرون. وحديثه قليل.
قال ابن سعد: عاش ستين في الجاهلية، وستين في الاسلام.
قال ابن سعد: عن الواقدي: لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا. كان
يجبن. وأمة الفريعة بنت خنيس.
قال مسلم: كنيته أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو الوليد.
وقال ابن مندة: حدث عنه عمر، وعائشة، وأبو هريرة.

(1) في الأصل بياض بين " على " و " انفرد "، وما أثبتناه عن " ذخائر المواريث " 3 / 69،
73 للنابلسي.
* مسند أحمد: 3 / 422 و 5 / 222، التاريخ لابن معين: 107، طبقات خليفة: 88، تاريخ
خليفة: 202، التاريخ الكبير: 3 / 29، المعارف: 2، 128، 143، 197، 132، تاريخ
الفسوي: 1 / 235، الجرح والتعديل: 3 / 233، الأغاني: 4 / 134 169، معجم الطبراني:
4 / 44، المستدرك: 3 / 486، الاستبصار: 51 53، الاستيعاب: 1 / 341، ابن عساكر:
4 / 179 / 1، أسد الغابة: 2 / 5، تهذيب الكمال: 251، تاريخ الاسلام: 2 / 277، العبر:
1 / 59، مجمع الزوائد: 9 / 377، تهذيب التهذيب: 2 / 247 248، الإصابة: 2 / 237،
خلاصة تذهيب الكمال: 75، شذرات الذهب: 1 / 41 و 60.
512

قال ابن إسحاق: سألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: ابن كم كان
حسان وقت الهجرة؟ قال: ابن ستين سنة، وهاجر رسول الله ابن ثلاث
وخمسين.
الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان حسان في حلقة فيهم أبو
هريرة، فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" أجب عني، أيدك الله بروح القدس "؟ فقال: اللهم نعم (1).
وروى عدي بن ثابت، عن البراء: أن رسول الله قال لحسان:
" اهجهم وهاجهم وجبريل معك " (2).
وقال سعيد بن المسيب: مر عمر بحسان، وهو ينشد الشعر في
المسجد، فلحظه. فقال حسان: قد كنت أنشد فيه، وفيه خير منك.
قال: صدقت (3).
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان حسان
يضع له النبي صلى الله عليه وسلم منبرا في المسجد، يقوم عليه قائما ينافح عن رسول الله

(1) أخرجه البخاري 6 / 221 في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، ومسلم (2485) في
الفضائل، وأحمد 5 / 222، 223، والنسائي 2 / 48 في الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في
المسجد، والطبراني (3588) و (3589)، كلهم من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 10 / 453 في الأدب: باب هجاء المشركين، ومسلم (2485)
(152) من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا
هريرة.
(2) أخرجه البخاري 6 / 221 في بدء الخلق، و 7 / 321 في المغازي، و 10 / 453 في
الأدب، ومسلم (2486)، وأحمد 4 / 299 كلهم من طريق شعبة، عن عدي بن ثابت، عن
البراء.
(3) أخرجه البخاري 6 / 221، ومسلم (2485)، وأبو داود (5013)، والنسائي 2 / 48،
وأحمد 5 / 222، 223، والطبراني (3585) و (3586).
سير 2 / 33
513

صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يقول: " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه أبو داود والترمذي (1).
مجالد، عن عامر، عن جابر، قال: لما كان يوم الأحزاب، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: " من يحمي أعراض المسلمين "؟ قال كعب بن مالك: أنا. وقال ابن
رواحة: أنا. وقال حسان: أنا. قال: " نعم، اهجهم أنت، وسيعينك
عليهم روح القدس " (2).
وعن عروة، قال: سببت ابن فريعة عند عائشة، فقالت: يا ابن
أخي، أقسمت عليك لما كففت عنه; فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
عمر بن حوشب، عن عطاء بن أبي رباح، سمعه يقول: دخل حسان
على عائشة، بعدما عمي، فوضعت له وسادة، فدخل أخوها عبد الرحمن،
فقال: أجلستيه على وسادة، وقد قال ما قال؟ يريد: مقالته نوبة الإفك
فقالت: إنه تعني أنه كان يجيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشفي صدره من
أعدائه وقد عمي، وإني لأرجو ألا يعذب في الآخرة (4).
وروي عن عائشة قالت: قدم رسول الله المدينة، فهجته قريش،
وهجوا معه الأنصار. فقال لحسان: " اهجهم، وإني أخاف أن تصيبني
معهم بهجو بني عمي ".

(1) هو في سنن أبي داود (5015)، والترمذي (2846) كلاهما في الأدب، وأخرجه أحمد
6 / 72، وصححه الحاكم 3 / 487، ووافقه الذهبي.
(2) " الأغاني " 16 / 232، و " تهذيب ابن عساكر " 4 / 129. ومجالد ليس بالقوي.
(3) أخرجه البخاري 7 / 338، ومسلم (2487).
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 129.
514

قال: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، ولي مقول يفري ما لا
تفريه الحربة. ثم أخرج لسانه، فضرب به أنفه، كأنه لسان شجاع بطرفه
شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه (1).
يحيى ابن أيوب: حدثنا عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم
التيمي، عن أبي سلمة: أن حسان قال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم
بلساني هذا. ثم أطلع لسانه، كأنه لسان حية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لي فيهم نسبا، فائت أبا بكر، فإنه أعلم
قريش بأنسابها، فيخلص لك نسبي ". قال: والذي بعثك بالحق
لأسلنك منهم ونسبك سل الشعرة من العجين. فهجاهم. فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لقد شيت واشتفيت " (2).
محمد بن السائب بن بركة، عن أمه: أنها طافت مع عائشة، ومعها
نسوة، فوقعن في حسان، فقالت: لا تسبوه، قد أصابه ما قال الله:
* (أولئك لهم عذاب أليم) * وقد عمي، والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة
بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:
هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء (3)

(1) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 130. والشجاع: الحية الذكر.
(2) رجاله ثقات. وأخرجه الطبراني (3582) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن
أيوب بهذا الاسناد. وأخرجه بنحوه مسلم (2490) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن
غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة.
(3) الخبر مع الشعر في " الأغاني " 4 / 163، من طريق عمر بن شبة، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن محمد بن السائب، عن أمه. وأخرجه أيضا من طريق الحسن بن علي، عن
أحمد بن زهير، عن إبراهيم بن المنذر، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن السائب بن بركة؟
عن أمه. وأبو سفيان بن الحارث: هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم
في الجاهلية، فلما بعث عاداه، وهجاه، ثم أسلم عام الفتح، وشهد حنينا. وقوله: " فشركما
لخيركما الفداء ". قال السهيلي: وفي ظاهر اللفظ بشاعة، لان المعروف أن لا يقال: هو شرهما
إلا وفي كليهما شر. ولكن سيبويه قال في " كتابه ": تقول: مررت برجل شر منك: إذا نقص
عن أن يكون مثله، وهذا يدلع الشناعة، ونحو منه قوله صلى الله عليه وسلم: " شر صفوف الرجال آخرها "
يريد: نقصان حظهم عن حظ الأول.
515

عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " اهج قريشا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل ".
وسمعته يقول: " هجاهم حسان، فشفى ".
قال حسان: هجوت محمدا.. فذكر أبياته، ومنها:
ثكلت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء (1)
ينازعن الأعنة مصعدات * على أكتافها الأسل الظماء (2)
تظل جيادها متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء (3)
فإن أعرضتم عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم * يعز الله فيه من يشاء

(1) هذه رواية مسلم والطبراني، وفي الديوان:
عدمنا خيلنا إن لم تروها...
والنقع: الغبار. وكداء: الثنية التي في أصلها مقبرة مكة.
(2) رواية الديوان: يبارين الأسنة مصغيات... ومباراتها الأسنة: هو أن يضجع الرجل
رمحه، فكأن الفرس يركض ليسبق السنان. والمصغيات: الموائل المنحرفات للطعن،
والأسل: الرماح.
(3) متمطرات: خارجات من جمهور الخيل من سرعتها، وتلطمهن: تضرب النساء
وجوههن لتردهن.
والخمر: جمع خمار: ما تغطي به المرأة رأسها، ونقل ابن " دريد " في " الجمهرة " أن
الخليل كان يروي البيت:
تظل جيادنا متمطرات * تظلمهن بالخمز النساء
وينكر " تلطمهن "، ويجعله بمعني: تنفض النساء بخمرهن ما عليهن من غبار، من
الطلم: وهو ضربك خبزة الملة بيدك لتنفض ما عليها من الرماد.
516

وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد سيرت جندا * هم الأنصار عرضتها اللقاء (1)
يلاقوا كل يوم من معد * سبابا أو قتالا أو هجاء (2)
فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء (3)
أبو الضحى، عن مسروق، قال: كنت عند عائشة، فدخل حسان
بعد ما عمي فقال:
حصان رزان بما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت: لكن أنت لست كذاك. فقلت لها: تأذنين له، وقد قال الله:
* (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) * [النور: 11]؟ فقالت وأي

(1) أي: همتها ودأبها لقاء الفرسان، من قولهم: بعير عرضة للسفر، أي: قوي عليه،
وفلان عرضة للشر، أي: قوي عليه.
(2) كذا رواية الأصل، وعند الطبراني (3582): تلاقي، وفيه على هذا إقواء، ورواية
مسلم والديوان.
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
وقوله: لنا، أي: معشر الأنصار.
(3) الخبر مع الشعر أخرجه مسلم (2490)، والطبراني (3582)، والأبيات في " ديوان
حسان " 1 / 17، 18، و " سيرة ابن هشام " 2 / 421، 424، والسهيلي 2 / 280، وابن سيد
الناس 2 / 181، و " تهذيب ابن عساكر " 4 / 130، 131.
517

عذاب أشد من العمى.
وقالت: إنه كان ينافح، أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وعن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حسان: " لا يحبه إلا مؤمن، ولا
يبغضه إلا منافق ".
هذا حديث منكر، من " مسند الروياني "، من رواية أبي ثمامة
مجهول عن عمر بن إسماعيل مجهول عن هشام بن عروة. وله
شويهد، رواه الواقدي، عن سعيد بن أبي زيد الأنصاري، عن رجل، عن
أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، سمع حمزة بن عبد الله بن عمر، سمع
عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " حسان حجاز بين المؤمنين
والمنافقين، لا يحبه منافق، ولا يبغضه مؤمن ".
فهذا اللفظ أشبه. ويبقى قسم ثالث، وهو حبه، سكت عنه.
حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: قيل
لابن عباس: قدم حسان اللعين! فقال ابن عباس: ما هو بلعين، قد جاهد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ولسانه (2).
قلت: هذا دال على أنه غزا.
عبدة بن سليمان، عن أبي حيان التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت،
قال: أنشد حسان النبي صلى الله عليه وسلم:

(1) أخرجه البخاري 7 / 338، و 8 / 374، ومسلم (2488).
(2) أخرجه أبو الفرج في " الأغاني " 4 / 145، 146 من طريق عمر بن شبة، عن أبي داود،
ومن طريق أحمد بن الجعد، عن محمد بن بكار بهذا الاسناد. وهو في " تهذيب ابن عساكر "
4 / 131.
518

شهدت بإذن الله أن محمدا * رسول الذي فوق السماوات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما * له عمل من ربه متقبل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم * يقول بذات الله فيهم ويعدل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وأنا " (1).
هذا مرسل.
وروى أبو غسان النهدي: حدثنا عمر بن زياد، عن عبد الملك بن
عمير: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشده حسان. فذكرها وزاد:
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم
نبي أتى من عند ذي العرش مرسل (2)
قال ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، وعبد الله بن حزم: إن حسان لما
قال هذه الأبيات:
منع النوم بالعشاء الهموم * وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه * سقم فهو داخل مكتوم
يا لقوم هل يقتل المرء مثلي * واهن البطش والعظام سؤوم
شأنها العطر والفراش ويعلو * ها لجين ولؤلؤ منظوم
لو يدب الحولي من ولد الذر * عليها لأندبتها الكلوم

(1) الأغاني 4 / 151، 152 وأبو يحيى هو زكريا عليه السلام. وأخو الأحقاف: هو هود
عليه السلام.
(2) هذا البيت والثلاثة قبله في ديوانه: 186.
519

لم تفقها شمس النهار بشئ * غير أن الشباب ليس يدوم
زاد بعضهم:
رب حلم أضاعه عدم ألما * ل وجهل غطى عليه النعيم (1)
[نادى بأعلى صوته على أطمة فارع: يا بني قيلة، فلما اجتمعوا،
قالوا: مالك ويلك؟ قال: قلت قصيدة لم يقل أحد من العرب مثلها، ثم
أنشدها لهم، فقالوا: ألهذا جمعتنا؟ فقال: وهل يصبر من به وحر
الصدر] (2).
الأصمعي وغيره، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد،
قال: كان الغناء يكون في العريسات، ولا يحضره شئ من السفه كاليوم،
كان في بني نبيط مدعاة كان فيها حسان بن ثابت وابنه وقد عمي وجاريتان
تنشدان:
انظر خليلي بباب جلق هل * تؤنس دون البلقاء من أحد (3)
أجمال شعثاء إذ ظعن من ال‍ * محبس بين الكثبان والسند (4)
فجعل حسان يبكي وهذا شعره، وابنه يقول للجارية: زيدي، وفيه:

(1) في الأصل:
رب ظلم أطاعه عدم ألما * ل وجهل غطى عليه النعيم
وما أثبتنا هو رواية الديوان: 25 وسيرة ابن هشام 2 / 150.
(2) ما بين الحاصرتين وهو جواب لما سقط من الأصل، واستدركته من " تهذيب ابن
عساكر " 4 / 136، وأما ابن هشام في السيرة فقال: قال حسان هذه القصيدة ليلا، فدعا قومه
فقال لهم: خشيت أن يدركني أجلي قبل أن أصبح فلا ترووها عني.
(3) في الديوان: 66 انظر خليلي ببطن جلق.
(4) كذا الأصل، ورواية الشطر في الديوان: جمال شعثاء قد هبطن.
520

يحملن حور العيون ترفل في الريط * حسان الوجوه كالبرد (1)
من دون بصرى وخلفها جبل الثلج * عليه السحاب كالقدد
والبدن إذ قربت لمنحرها * حلفة بر اليمين مجتهد
ما حلت عن عهد ما علمت ولا * أحببت حبي إياك من أحد (2)
أهوى حديث الندمان في وضح الفجر * وصوت المسامر الغرد (3)
فطرب حسان، وبكى.
قال ابن الكلبي: كان حسان لسنا شجاعا; فأصابته علة أحدثت فيه
الجبن (4).
قال سليمان بن يسار (5): رأيت حسان له ناصية قد سدلها بين عينيه.
إسحاق الفروي، وآخر، عن أم عروة بنت جعفر بن الزبير بن العوام،
عن أبيها، عن جدها، قال: لما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه يوم أحد (6)،
خلفهن في فارع (7)، وفيهن صفية بنت عبد المطلب، وخلف فيهن

(1) رواية البيت في الديوان:
يحملن حوا حور المدامع في الريط * وبيض الوجوه كالبرد.
(2) رواية الديوان: ما حلت عن خير ما عهدت ولا.
(3) الأبيات في ديوانه: 66، 67، و " تهذيب ابن عساكر " 4 / 126، 127،
(4) " تهذيب ابن عساكر " 4 / 143.
(5) تصحف في المطبوع إلى " بشار " والخبر في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 143.
(6) سينبه المصنف أن قوله يوم أحد وهم، وأن الصواب الخندق; كما رواه ابن إسحاق.
(7) فارع: حصن حسان.
521

حسان; فأقبل رجل من المشركين ليدخل عليهن. فقالت صفية لحسان:
عليك الرجل. فجبن، وأبى عليها. فتناولت السيف، فضربت به المشرك
حتى قتلته. فأخبر بذلك; فضرب لها بسهم.
وزاد الفروي فيه: أنه قال: لو كان ذاك في، لكنت مع رسول
الله.
قالت: فقطعت رأسه، وقلت لحسان: قم، فاطرحه على اليهود،
وهم تحت الحصن. قال: والله ما ذاك في. فأخذت رأسه، فرميت به
عليهم. فقالوا: قد علمنا والله إن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا، ليس معهم
أحد. فتفرقوا (1).
فقوله: " يوم أحد " وهم.
وروى نحوه ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد، عن أبيه، وفيه:
فقالت لحسان: قم فاسلبه، فإني امرأة وهو رجل. فقال: ما لي بسلبه يا
بنت عبد المطلب من حاجة (2).
وروى يونس بن بكير، عن هشام، عن أبيه، عن صفية، مثله (3).
قال ابن إسحاق: توفي حسان سنة أربع وخمسين.

(1) أم عروة لا تعرف، وأبوها جعفر ذكره ابن أبي حاتم: 2 / 478 ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا.
(2) أخرجه ابن هشام 2 / 228. وهو في " الأغاني " 4 / 164، 165، " وتهذيب ابن
عساكر " 4 / 143.
(3) أخرجه الحاكم 4 / 51 ورجاله ثقات. لكنه مرسل، وانظر ص 271 ت 1 من هذا
الكتاب، و " ابن سعد " 8 / 41.
522

وأما الهيثم بن عدي، والمدائني فقالا: توفي سنة أربعين.
قلت: له وفادة على جبلة بن الأيهم، وعلى معاوية.
قال ابن سعد: توفي زمن معاوية.
107 كعب بن مالك * (ع)
ابن أبي كعب، عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب
ابن سلمة الأنصاري، الخزرجي العقبي الأحدي.
شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا، فتاب الله
عليهم.
شهد العقبة، وله عدة أحاديث تبلغ الثلاثين. اتفقا على ثلاثة منها،
وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين (1).
روى عنه بنوه: عبد الله، وعبيد الله، و عبد الرحمن، ومحمد
[ومعبد]، بنو كعب; وجابر، وابن عباس، وأبو أمامة، وعمر بن
الحكم، وعمر بن كثير بن أفلح; وآخرون; وحفيده عبد الرحمن بن عبد
الله.

* مسند أحمد: 3 / 454 و 6 / 38، طبقات خليفة: 103، تاريخ خليفة: 202، التاريخ
الكبير: 7 / 219 - 220، تاريخ الفسوي: 1 / 318 - 319، الجرح والتعديل: 7 / 160،
الأغاني: 16 / 226 - 240، المستدرك: 3 / 440، الاستبصار: 160 - 161، الاستيعاب:
3 / 1323، تاريخ ابن عساكر: 14 / 286 / 1، أسد الغابة: 4 / 487، تهذيب الكمال: 1147،
تاريخ الاسلام: 2 / 243، العبر: 1 / 56، تهذيب التهذيب: 8 / 440 - 441، الإصابة:
8 / 304، خلاصة تذهيب الكمال: 321، كنز العمال: 13 / 581، شذرات الذهب: 1 / 56.
(1) انظر " البخاري " 1 / 459 و 5 / 53 و 8 / 86، 93، ومسلم (1558) و (2769)
و (2810) و (716) و (1142) و (2032).
523

وقيل: كانت كنيته في الجاهلية: أبا بشير.
وقال ابن أبي حاتم: كان كعب من أهل الصفة. وذهب بصره في
خلافة معاوية (1).
وقد ذكره عروة في السبعين الذين شهدوا العقبة.
وروى صدقة بن سابق، عن ابن إسحاق، قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين طلحة بن عبيد الله، وكعب بن مالك.
وقيل: بل آخى بين كعب والزبير.
حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى
بين الزبير وكعب بن مالك، فارتث (2) كعب يوم أحد، فجاء به الزبير،
يقوده، ولو مات يومئذ، لورثه الزبير; فأنزل الله: * (وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله) * [الأنفال: 75] (3).
وعن كعب: لما انكشفنا يوم أحد، كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وبشرت به المؤمنين حيا سويا، وأنا في الشعب. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كعبا بلامته - وكانت صفراء - فلبسها كعب، وقاتل يومئذ قتالا شديدا، حتى
جرح سبعة عشر جرحا (4).

(1) " الجرح والتعديل " 7 / 160، 161.
(2) الارتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف، قد أثخنته الجراح.
(3) رجاله ثقات، وأورده ابن كثير بنحوه 3 / 468 من طريق ابن أبي حاتم عن أبيه، عن
أحمد بن أبي بكر المصعبي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
الزبير بن العوام... وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 207 وزاد نسبته إلى ابن سعد
والحاكم وابن مردويه.
(4) " سيرة ابن هشام " 2 / 43، والمستدرك 3 / 441.
524

قال ابن سيرين: كان شعراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسان بن
ثابت، و عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك.
قال عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه: أنه قال: يا رسول الله، قد أنزل
الله في الشعراء ما أنزل. قال: " إن المجاهد، مجاهد بسيفه ولسانه;
والذي نفسي بيده [لكأنما] ترمونهم به نضح النبل " (1).
قال ابن سيرين: أما كعب، فكان يذكر الحرب، يقول: فعلنا
ونفعل، ويتهددهم. وأما حسان، فكان يذكر عيوبهم وأيامهم. وأما ابن
رواحة، فكان يعيرهم بالكفر.
وقد أسلمت دوس فرقا من بيت قاله كعب:
نخيرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن دوسا أو ثقيفا (2)
عن ابن المنكدر، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك:
" ما نسي ربك لك - وما كان ربك نسيا - بيتا قلته ". قال: ما هو؟ قال:
" أنشده يا أبا بكر "، فقال:

(1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (20500) وعنه أحمد 6 / 387 من طريق معمر، عن
الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه وهذا سند صحيح.
(2) " أسد الغابة " 4 / 484، و " الإصابة " 8 / 305، وقوله: " نخيرها " الضمير يعود إلى
السيوف في البيت قبله وهو:
قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا
أي: نعطيها الخيرة، ولو نطقت، لاختارت أن نحارب دوسا أو ثقيفا. وهما من قصيدة
أوردها ابن هشام في " السيرة " 2 / 479، 480 قالها كعب حين فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، وأجمع
المسير إلى الطائف.
525

زعمت سخينة أن ستغلب ربها * وليغلبن مغالب الغلاب (1)
عن الهيثم، والمدائني: أن كعبا مات سنة أربعين.
وروى الواقدي: أنه مات سنة خمسين.
وعن الهيثم بن عدي أيضا: أنه توفي سنة إحدى وخمسين.
وقصة توبة الثلاثة في الصحيح (2)، وشعره منه في السيرة.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزبير وبين كعب بن مالك (3).
قال الزبير: فلقد رأيت كعبا أصابته الجراحة بأحد، فقلت: لو مات،
فانقلع عن الدنيا، لورثته; حتى نزلت: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) * [الأنفال: 75] فصارت [المواريث بعد للارحام
والقرابات، وانقطعت] حين نزلت * (وأولوا الأرحام) * (4) [تلك المواريث
بالمواخاة].

(1) السخينة: طعام من دقيق وسمن أو دقيق وتمر أغلظ من الحساء، وكانت قريش تكثر من
أكلها، فعيرت بها حتى لقبوا " سخينة " والخبر أورده صاحب " كنز العمال " 13 / 581، ونسبه
لابن مندة، وابن عساكر.
(2) انظر البخاري 8 / 86، 93 في المغازي، ومسلم (2769) في التوبة: باب حديث كعب
ابن مالك.
(3) بن سعد 3 / 102، وأخرجه أيضا من طريق عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن
بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وبين كعب بن
مالك.
(4) في الأصل بياض بين كلمة " فصارت " وكلمة " حين "، واستدركناه من ابن سعد فيما
ذكره السيوطي في " أسباب النزول " ص 377، وأخرج ابن أبي حاتم فيما ذكره ابن كثير 3 / 468
من طريق أبيه، عن أحمد بن أبي بكر المصعبي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: " أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر
قريش والأنصار * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * وذلك أنا معشر قريش، لما
قدمنا المدينة، قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الاخوان، فواخيناهم
ووارثناهم....... وفيه: فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا، ما ورثه غيري، حتى أنزل الله
تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار، فرجعنا إلى مواريثنا " وإسناده حسن. وأخرج ابن
عساكر في " تاريخه " 14 / 288 / 2 من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا عبد الأعلى النرسي،
حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير بن العوام
وكعب بن مالك، فارتث كعب يوم أحد، فجاء به الزبير يقود راحلته بزمانها، ولو مات كعب
يومئذ، لورثه الزبير، فأنزل الله عز وجل: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *
526

وفي رواية ابن إسحاق: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين كعب وطلحة.
وقد أنشد كعب عليا قوله في عثمان رضي الله عنهم:
فكف يديه ثم أغلق بابه * وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لمن في داره لا تقاتلوا * عفا الله عن كل امرى لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم ال‍ * عداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر عنهم * وولى كإدبار النعام الجوافل
فقال علي: استأثر عثمان، فأساء الأثره، وجزعتم أنتم، فأسأتم
الجزع (1).
الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه: سمعت
كعبا يقول: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة; حتى كانت تبوك، إلا
بدرا. وما أحب أني شهدتها، وفاتتني بيعتي ليلة العقبة (2)، وقلما أراد رسول

(1) انظر " الأغاني " 6 / 233، 234.
(2) في البخاري ومسلم: ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة حين تواثقنا على
الاسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها.
527

الله صلى الله عليه وسلم غزوة إلا ورى بغيرها. فأراد في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبة
وكنت أيسر ما كنت، وأنا في ذلك أصغو (1) إلى الظلال وطيب الثمار; فلم أزل
كذلك، حتى خرج. فقلت: أنطلق غدا، فأشتري جهازي، ثم ألحق
بهم. فانطلقت إلى السوق، فعسر علي، فرجعت، فقلت: أرجع غدا.
فلم أزل حتى التبس بي الذنب، وتخليت، فجعلت أمشي في أسواق
المدينة، فيحزنني أني لا أرى إلا مغموصا (2) عليه في النفق أو ضعيفا. وكان
جميع من تخلف عن رسول الله بضعة وثمانين رجلا.
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، ذكرني، وقال: " ما فعل كعب "؟ فقال رجل
من قومي: خلفه يا نبي الله برداه والنظر في عطفيه. فقال معاذ: بئس ما
قلت! والله ما نعلم إلا خيرا.
إلى أن قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم، تبسم تبسم المغضب، وقال: " ألم
تكن ابتعت ظهرك "؟ قلت: بلى. قال: " فما خلفك "؟ قلت: والله لو
بين يدي أحد غيرك جلست، لخرجت من سخطه علي بعذر، لقد أوتيت
جدلا; ولكن قد علمت يا نبي الله أني أخبرك اليوم بقول تجد علي فيه، وهو
حق; فإني أرجو فيه عقبى الله.
إلى أن قال: والله ما كنت قط أيسر ولا أخف حاذا (3) مني حين تخلفت
عنك؟ فقال: " أما هذا فقد صدقكم، قم حتى يقضي الله فيك " فقمت.

(1) أصغو: أميل.
(2) بالغين المعجمة، والصاد المهملة، أي: مطعونا عليه في دينه، متهما بالنفاق. وقيل:
معناه: مستحقرا، تقول: غمصت فلانا: إذا استحقرته.
(2) الحاذ: الحال.
528

إلى أن قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة (1).
فجعلت أخرج إلى السوق، فلا يكلمني أحد، وتنكر لنا الناس، حتى ما
هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان والأرض. وكنت أطوف، وآتي
المسجد، فأدخل، وآتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم عليه، فأقول: هل حرك
شفتيه بالسلام!
واستكان صاحباي (2)، فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان
رؤوسهما! فبينا أنا أطوف في السوق إذا بنصراني جاء بطعام، يقول: من
يدل على كعب؟ فدلوه علي! فأتاني بصحيفة من ملك غسان. فإذا فيها:
أما بعد: فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك; ولست بدار مضيعة ولا
هوان، فالحق بنا نواسك. فسجرت لها التنور، وأحرقتها.
إلى أن قال: إذ سمعت نداء من ذروة سلع (3): أبشر يا كعب بن
مالك. فخررت ساجدا. ثم جاء رجل على فرس يبشرني، فكان الصوت
أسرع من فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة، ولبست غيرهما.
ونزلت توبتنا على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل. فقالت أم سلمة: يا نبي الله،
ألا نبشر كعبا؟ قال: " إذا يحطمكم الناس، ويمنعونكم النوم ".
قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس في المسجد وحوله
المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، فقال: أبشر يا كعب بخير يوم أتى

(1) أيها الثلاثة: مبني على الضم في محل نصب على الاختصاص، أي، متخصصين بذلك
دون بقية الناس.
(2) وهما مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي.
(3) سلع: جبل بالمدينة.
529

عليك. ثم تلا عليهم: * (لقد تاب الله على النبي) * [التوبة: 118].
الآيات.
وفينا نزلت أيضا: * (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * [التوبة: 120].
فقلت: يا نبي الله، إن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا، وأن أنخلع من
مالي كله صدقة. فقال: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك...
الحديث ".
وفي لفظ: فقام إلي طلحة يهرول، حتى صافحني وهنأني. فكان لا
ينساها لطلحة (1).
108 - جرير بن عبد الله * (ع)
ابن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن حشم بن عوف، الأمير النبيل
الجميل. أبو عمرو - وقيل: أبو عبد الله - البجلي القسري، وقسر: من
قحطان.
من أعيان الصحابة.

(1) أخرجه البخاري 8 / 86 في المغازي، وهو عند البخاري في مواضع متعددة انظر رقم
(2757) و (2947) و (2948) و (2949) و (2950) و (3088) و (3556) و (3889) و (3951)
و (4418) و (4673) و (4676) و (4677) و (4678) و (6255) و (6690) و (7225) وأخرجه
مسلم (2769) في التوبة: باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، وأحمد 6 / 387 و 390،
وابن هشام 2 / 531.
* مسند أحمد: 4 / 357، طبقات ابن سعد: 6 / 22، طبقات خليفة: 116، 138، تاريخ
خليفة: 218، التاريخ الكبير: 2 / 211، المعارف: 292، 293، 586، 592، الجرح
والتعديل: 2 / 502، معجم الطبراني الكبير: 2 / 326، المستدرك: 3 / 464، الاستيعاب:
1 / 337، جامع الأصول: 9 / 85، أسد الغابة: 1 / 333، تهذيب الكمال: 191، تاريخ
الاسلام: 2 / 274، العبر: 1 / 57، تهذيب التهذيب: 2 / 73 - 75، الإصابة: 2 / 76،
خلاصة تذهيب الكمال: 61، شذرات الذهب: 1 / 57 و 58.
530

حدث عنه: أنس، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل، والشعبي، وهمام
ابن الحارث; وأولاده الأربعة: المنذر، وعبيد الله، وإبراهيم - لم يدركه -
وأيوب، وشهر بن حوشب، وزياد بن علاقة، وحفيده أبو زرعة بن
عمرو بن جرير، وأبو إسحاق السبيعي; وجماعة.
وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.
أحمد: حدثنا إسحاق الأزرق: حدثنا يونس، عن المغيرة بن شبل،
قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة، أنخت راحلتي، وحللت عيبتي،
ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد; فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب; فرماني
الناس بالحدق. فقلت لجليسي: يا عيد الله، هل ذكر رسول الله من أمري
شيئا؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر; بينما هو يخطب، إذ عرض له في
خطبته، فقال: " إنه سيدخل عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن; ألا وإن
على وجهه مسحة ملك ". قال: فحمدت الله (1).
قلت: كان بديع الحسن، كامل الجمال.
ابن عيينة: حدثنا إسماعيل، عن قيس: سمعت جرير بن عبد الله
يقول: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي، وقال: " يطلع عليكم من
هذا الباب رجل من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك " (2).

(1) إسناده قوي، ويونس: هو ابن أبي إسحاق السبيعي، وهو في " المسند " 4 / 364،
وأخرجه أيضا 4 / 359، 360 من طريق أبي قطن، عن يونس، وأخرجه الطبراني برقم (2483)
من طريق علي بن عبد العزيز، عن أبي نعيم، عن يونس.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه الحميدي في " مسنده " رقم (800) وأخرج القسم الأول منه
البخاري 7 / 99، ومسلم (2475) من طريق بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن
عبد الله قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، وما رآني إلا ضحك. وأخرج القسم الأخير منه
الطبراني (2258) من طريق سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد.. وأخرجه الترمذي
(3821) من طريق زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد.
531

سوار بن مصعب، عن مجالد، عن الشعبي. عن عدي بن حاتم،
قال: لما دخل - يعني جريرا - على النبي صلى الله عليه وسلم، ألقى له وسادة، فجلس على
الأرض. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا "
فأسلم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه " (1).
الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: قدم جرير
البجلي المدينة في رمضان سنة عشر، ومعه من قومه خمسون ومئة. فقال
رسول الله: " يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ". فطلع جرير
على راحلته، ومعه قومه. فأسلموا (2).
أبو العباس السراج: حدثنا أبو بكر بن خلف: حدثنا يزيد بن نصر -
بصري ثقة -: حدثنا حفص بن غياث، عن معبد بن خالد بن أنس بن
مالك، عن أبيه، عن جده: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل جرير بن عبد الله،
فضن الناس بمجالسهم، فلم يوسع له أحد; فرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة
كانت معه حباه بها; وقال: دونكها يا أبا عمرو، فاجلس عليها. فتلقاها
بصدره ونحره، وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني. فقال النبي

(1) سوار بن مصعب - وهو الهمداني الكوفي - قال ابن معين: ليس بشئ، وقال البخاري:
منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال أبو داود: ليس بثقة. ومجالد ليس بالقوي،
لكن للحديث شواهد ضعيفة يرتقي بها إلى الحسن، منها عن ابن عمر عند ابن ماجة (3712) وعن
جرير عند البزار وابن خزيمة والطبراني (2266) و (2355) وابن عدي، وعن أبي هريرة عند
البزار، وعن معاد وأبي قتادة عند ابن عدي، وعن جابر عند الحاكم، وعن ابن عباس عند
الطبراني.
(2) إسناده ضعيف لضعف الواقدي.
532

صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " (1).
ورواه جعفر بن أحمد بن بسام، عن أبي صفوان المدني، عن حفص
بهذا.
وروى نحوه مسلم بن إبراهيم عن عون بن عمرو، عن الجريري،
عن ابن بريدة، عن يحيى بن معمر، عن جرير.
وروى إبراهيم النخعي، عن همام: أنه رأى جريرا بال، ثم توضأ،
ومسح على خفيه. فسألته. فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
ثم قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا; لان جريرا من آخر من أسلم (2).
ابن أبي خالد، عن قيس، عن جرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " ألا
تريحني من ذي الخلصة - بيت خثعم ". وكان يسمى: الكعبة اليمانية.
قال: فخربناه، أو حرقناه حتى تركناه كالجمل الأجرب. وبعث إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يبشره، فبرك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
قال: وقلت: يا رسول الله، إني رجل لا أثبت على الخيل. فوضع يده
على وجهي - وفي لفظ يحيى القطان: فوضع يده في صدري - وقال:
" اللهم، اجعله هاديا مهديا ".
وفيه: فانطلقت في خمسين ومئة فارس من أحمس (3).
أبو غسان النهدي: حدثنا سليمان بن إبراهيم بن جرير، عن أبان بن

(1) إسناده ضعيف لجهالة معبد بن خالد وأبيه.
(2) أخرجه البخاري 1 / 415 في الصلاة: باب الصلاة في الخفاف، ومسلم (272) في
الطهارة: باب المسح على الخفين، وأبو داود (154)، والنسائي 1 / 81، والترمذي (93).
(3) أخرجه أحمد 4 / 360 و 362 و 365، والبخاري 7 / 99 في المناقب: باب ذكر جرير
ابن عبد الله البجلي، ومسلم (2476) في فضائل الصحابة: باب من فضائل جرير بن عبد الله.
533

عبد الله البجلي، عن أبي بكر بن حفص، عن علي بن أبي طالب، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جرير منا أهل البيت، ظهرا لبطن - قالها ثلاثا " (1).
هذا منكر. وصوابه من قول علي.
الزيادي، وغيره، قالا: حدثنا خالد بن عمرو الأموي: حدثنا مالك بن
مغول، عن أبي زرعة، عن جرير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيه وفود
العرب، فيبعث إلي، فألبس حلتي، ثم أجئ، فيباهي بي (2)
وروي عن جرير: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنك امرؤ قد حسن الله
خلقك، فحسن خلقك ".
وعن عيسى بن يزيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجب من عقل جرير وجماله.
خالد بن عبد الله، عن بيان، عن قيس، عن جرير، قال: رآني عمر بن
الخطاب متجردا، فناداني: خذ رداءك، خذ رداءك. فأخذت ردائي; ثم
أقبلت إلى القوم، فقلت: ماله؟ قالوا: لما رآك متجردا، قال: ما أرى
أحدا من الناس صور صورة هذا، إلا ما ذكر من يوسف عليه السلام (3).
عمر بن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن بيان، عن قيس، عن
جرير: أنه مشى في إزار بين يدي عمر، فقال: خذ رداءك. وقال للقوم: ما

(1) أخرجه الطبراني (2211)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 373، وقال: وأبو بكر
ابن حفص لم يدرك عليا، وسليمان بن إبراهيم بن جرير لم أجد من وثقه، وبقية رجاله ثقات.
(2) إسناده ضعيف جدا أو باطل، فإن خالد بن عمرو الأموي رماه ابن معين بالكذب، ونسبه
غير واحد إلى الوضع. وقال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم:
متروك الحديث.
(3) رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة " 2 / 77، ونسبه إلى البغوي.
534

رأيت رجلا أحسن من هذا إلا ما بلغنا من صورة يوسف (1).
أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير: حدثني إبراهيم بن جرير: أن
عمر قال: جرير يوسف هذه الأمة (2).
مغيرة، عن الشعبي، عن جرير، قال: كنت عند عمر، فتنفس
رجل - يعني: أحدث - فقال عمر: عزمت على صاحب هذه، لما قام،
فتوضأ. فقال جرير: اعزم علينا جميعا. فقال: عزمت علي وعليكم، لما
قمنا. فتوضأنا، ثم صلينا (3).
ورواه يحيى القطان، عن مجالد، عن الشعبي - وله طرق - وزاد
بعضهم - فقال عمر: يرحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم
السيد كنت في الاسلام.
مجالد، عن الشعبي: كان على ميمنة سعد بن أبي وقاص يوم القادسية
جرير بن عبد الله.
قال ابن عساكر: سكن جرير الكوفة، ثم سكن قرقيسياء (4)، وقدم
رسولا من علي إلى معاوية (5).
الزبير بن بكار: حدثني محمد بن يحيى: حدثني عمران بن عبد

(1) عمر بن إسماعيل قال الحافظ في " التقريب ": متروك.
(2) رجاله ثقات.
(3) ذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 142، 143.
(4) قال ياقوت: بلد على نهر الخابور، قرب رحبة مالك بن طوق، وعندها مصب الخابور
في الفرات.
(5) " الإصابة " 2 / 77.
535

العزيز الزهري، قال: بلغني أن جريرا قال: بعثني علي إلى معاوية يأمره
بالمبايعة، فخرجت لا أرى أحدا سبقني إليه; فإذا هو يخطب، والناس
يبكون حول قميص عثمان وهو معلق في رمح (1).
قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: لم يزل جرير معتزلا لعلي ومعاوية
بالجزيرة ونواحيها، حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك بن قيس على
الكوفة (2).
أبو نعيم، والفريابي: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي: حدثني إبراهيم
ابن جرير عن أبيه، قال: بعث علي إلي ابن عباس، والأشعث وأنا
بقرقيسياء - فقالا: أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول: نعم ما رأيت من
مفارقتك معاوية، وإني أنزلك بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أنزلكها. فقال
جرير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى اليمن أقاتلهم حتى يقولوا: لا إله إلا
الله، فإذا قالوا، حرمت دماؤهم وأموالهم. فلا أقاتل من يقول: لا إله إلا
الله (3).
قال الهيثم بن عدي: ذهبت عين جرير بهمدان، إذ وليها لعثمان.
قال الهيثم، وخليفة، ومحمد بن مثنى: توفي جرير سنة إحدى
وخمسين.
وقال ابن الكلبي: مات سنة أربع وخمسين.

(1) عمران بن عبد العزيز: قال يحيى القطان والبخاري: منكر الحديث.
(2) ابن سعد 6 / 22.
(3) أبان بن عبد الله في حفظه لين، وإبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه.
536

ومسند جرير نحو من مئة حديث، بالمكرر. اتفق له الشيخان على
ثمانية أحاديث وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بستة.
109 - أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري * (م، 4)
السلمي المدني البدري العقبي. الذي أسر العباس - رضي الله عنهما -
يوم بدر.
شهد العقبة، وله عشرون سنة.
وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر. ومناقبه كثيرة.
حدث عنه: صيفي، مولى أبي أيوب; وعبادة بن الوليد الصامتي،
وموسى بن طلحة، وحنظلة بن قيس; وغيرهم.
له أحاديث قليلة.
وقيل: كان دحداحا قصيرا مدملكا (1) ذا بطن.
وقد شهد صفين مع علي، وكان من بقايا البدريين.
مات بالمدينة في سنة خمس وخمسين (2).

* مسند أحمد: 3 / 427، طبقات ابن سعد: 3 / 581، طبقات خليفة: 102، تاريخ
خليفة: 223، التاريخ الكبير: 7 / 220 - 221، المعارف: 155، 327، تاريخ الفسوي:
1 / 319، الجرح والتعديل: 7 / 160، المستدرك: 3 / 505، الاستبصار: 163 - 164،
الاستيعاب: 3 / 1322، تاريخ ابن عساكر: 14 / 277 / 2، أسد الغابة: 4 / 484، تهذيب
الكمال: 1146، تاريخ الاسلام: 2 / 339، العبر: 1 / 61، مجمع الزوائد: 9 / 316،
تهذيب التهذيب: 8 / 437 - 438، الإصابة: 8 / 301، خلاصة تذهيب الكمال: 321،
شذرات الذهب: 1 / 61.
(1) الدحداح: القصير السمين، والمدملك: المفتول المعصوب.
(2) ابن سعد 3 / 581، و " المستدرك " 3 / 505.
537

وبعضهم يقول: هو آخر من مات ممن شهد بدرا. فالله أعلم.
خرج له مسلم (1)، دون البخاري.
110 - أبو أسيد الساعدي * (ع)
من كبراء الأنصار. شهد بدرا، والمشاهد.
واسمه: مالك بن ربيعة بن البدن (2). له أحاديث.
وقد ذهب بصره في أواخر عمره.
حدث عنه بنوه: المنذر، وحمزة، والزبير; وعباس بن سهل بن
سعد، و عبد الملك بن سعيد، وأنس بن مالك، وأبو سلمة بن عبد
الرحمن، ومولاه علي بن عبيد الساعدي; وطائفة.
مات سنة أربعين. وهو قول ابن سعد، وخليفة.
وقال المدائني: توفي سنة ستين - وهذا بعيد. وأشذ منه قول أبي القاسم
ابن مندة: سنة خمس وستين - وقال أبو حفص الفلاس: مات سنة ثلاثين.

(1) انظر الحديث رقم (3006) و (3007).
* مسند أحمد: 3 / 496، التاريخ لابن معين: 692، طبقات ابن سعد: 3 / 557 - 558،
طبقات خليفة: 97، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 7 / 299، المعارف: 272،
588، تاريخ الفسوي: 1 / 344، المستدرك: 3 / 515، الاستبصار: 106، الاستيعاب:
3 / 1531، أسد الغابة: 5 / 23، تهذيب الكمال: 1298، تاريخ الاسلام: 2 / 85، العبر:
1 / 46، تهذيب التهذيب: 10 / 15 - 16، الإصابة: 9 / 47، خلاصة تذهيب الكمال: 367.
(2) بفتح الباء والدال كما ضبطه في " التقريب " وبدن من ولد بكر بن وائل. قال ابن دريد
في " الاشتقاق " ص 340: اشتقاقه من شيئين: إما من الدرع القصيرة، وذكر بعض أهل التفسير
في قوله عز وجل: * (فاليوم ننجيك ببدنك) * أي: بدرعك. قال: والبدن: الوعل المسن.
538

قال ابن سعد: وكانت مع أبي أسيد راية بني ساعدة يوم الفتح (1).
وعن عباس بن سهل بن سعد، قال رأيت أبا أسيد، بعد أن ذهب
بصرة، قصيرا، دحداحا، أبيض الرأس واللحية، كثير الشعر. مات سنة
ستين (2).
وروى ابن عجلان، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: رأيت أبا أسيد
يحفي شاربه كأخي الحلق (3).
وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبد الله، قال: رأيت أبا هريرة،
وأبا أسيد، وأبا قتادة، وابن عمر، يمرون بنا، ونحن في الكتاب، فنجد
منهم ريح العبير. وهو الخلوق يصفرون به لحاهم (4).
وقد كان أبو أسيد له خاتم من ذهب (5). فكأنه لم يبلغه التحريم.
وقيل: إنه عاش ثمانيا وسبعين سنة، رحمه الله. وله عقب بالمدينة،
وبغداد (6).
وقع له في " مسند بقي " ثمانية وعشرون حديثا.
وشهد بدرا ابن عمه مالك بن مسعود بن البدن.

(1) ابن سعد 3 / 558.
(2) ابن سعد 3 / 558، و " المستدرك " 3 / 516.
(3) ابن سعد 3 / 558.
(4) ابن سعد 3 / 558، وإسناده صحيح، وعثمان بن عبد الله: هو ابن سراقة القرشي
العدوي المدني، أمه زينب بنت عمر بن الخطاب، من رجال البخاري، وقد تصحف في ابن
سعد إلى عثمان بن عبيد الله.
(5) في " الفتح " 10 / 267: أخرج ابن أبي شيبة من طريق حمزة بن أبي أسيد: نزعنا من
يدي أبي أسيد خاتما من ذهب.
(6) ابن سعد 3 / 558.
539

حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار: أصيب أبو
أسيد ببصره قبل قتل عثمان، فقال: الحمد لله، الذي لما أراد الفتنة في
عباده، كف بصري عنها (1).
111 حويطب بن عبد العزى القرشي * (خ، م، س)
العامري، المعمر. من الصحابة الذين أسلموا يوم الفتح.
يروي عن عبد الله بن السعدي، عن عمر، حديث العمالة (2).
رواه عنه السائب بن يزيد الصحابي. ولا نعلم حويطبا يروي سواه.

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 515، 516 من طريق علي بن حمشاد العدل، حدثنا
علي بن عبد العزيز، حدثنا عازم أبو النعمان، بهذا الاسناد.
* طبقات ابن سعد: 5 / 454، التاريخ لابن معين: 140، طبقات خليفة: 27، تاريخ
خليفة: 223، التاريخ الكبير: 3 / 127، المعارف: 311، 312، 342، الجرح
والتعديل: 3 / 314، المستدرك: 3 / 492، الاستيعاب: 1 / 399، تاريخ ابن عساكر:
5 / 19 /، أسد الغابة: 2 / 75، تهذيب الكمال: 349، تاريخ الاسلام: 2 / 278، تهذيب
التهذيب: 3 / 66، 67، الإصابة: 2 / 304، خلاصة تذهيب الكمال: 99.
(2) أخرجه البخاري في " صحيحه " 13 / 133 في الاحكام: باب رزق الحاكم والعالمين
عليها، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد بن أخت نمر
أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته، فقال
له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت:
بلى، فقال عمر: ما تريد إلى ذلك؟ فقلت: إن لي أفراسا وأعبدا، وأنا بخير، وأريد أن تكون
عمالتي صدقة على المسلمين. قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت، وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر
إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف
ولا سائل، فخذ، وإلا فلا تتبعه نفسك ". ومن لطائف هذا الاسناد أن الزهري رواه عن أربعة من
الصحابة في نسق: السائب وحويطب وابن السعدي وعمر.
540

وهو أحد الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب حدود حرم الله (1)، وأحد من
دفن عثمان ليلا.
وقد باع من معاوية دارا له بالمدينة بأربعين ألف دينار. فيما بلغنا (2).
وكان حميد الاسلام (3).
عاش مئة وعشرين سنة. مات سنة أربع وخمسين. وقيل: سنة اثنتين
وخمسين.
وله ترجمة في " تاريخ ابن عساكر " (4).
وسار إلى الشام مجاهدا. وقد حضر بدرا، فقال: رأيت الملائكة تقتل
وتأسر، فقلت: هذا رجل ممنوع (5).
واستقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أربعين ألفا، وأعطاني من غنائم
حنين مئة من الإبل (6).
رواه الواقدي.

(1) في تاريخ الاسلام 2 / 278: وهو أحد النفر الذين أمرهم عمر رضي الله عنه بتجديد
أنصاب الحرم. وذكره في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 18 عن الزبير بن بكار. وأنصاب الحرم:
حدوده، وحد الحرم من طريق الغرب التنعيم ثلاثة أميال، ومن طريق العراق تسعة أميال، ومن
طريق اليمن سبعة أميال، ومن طريق الطائف عشرون ميلا.
(2) " المستدرك " 3 / 493، و " الإصابة " 2 / 305.
(3) ذكره في " تهذيب ابن عساكر " 5 / 20 من قول الشافعي.
(4) في المجلد الخامس: 190.
(5) أي: مكلوء ومحفوظ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر في " المستدرك " 3 / 492 من طريق
الواقدي.
(6) " المستدرك " 3 / 493 عن الواقدي. وكان حويطب من المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ليتألفهم، ويتألف قومهم.
541

112 سعيد بن يربوع القرشي * (د)
شيخ بني مخزوم. من مسلمة الفتح.
عاش أيضا مئة وعشرين سنة. وكذلك حكيم بن حزام، وحسان بن
ثابت.
عند سعيد حديث، أخرجه أبو داود (1)، رواه عنه ابنه عبد الرحمن.
وقد تألفه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين بعيرا من غنائم حنين (2).
وكان ممن يجدد أنصاب الحرم.
أضر بأخرة. وتوفي سنة أربع وخمسين.
113 مخرمة بن نوفل *
ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. أبو المسور القرشي الزهري

* التاريخ لابن معين: 209، طبقات خليفة: 21، 278، تاريخ خليفة: 223،
المعارف: 313، معجم الطبراني الكبير: 6 / 79، الجرح والتعديل: 4 / 72، المستدرك:
3 / 490، الاستيعاب: 2 / 627، ابن عساكر: 7 / 182 / 2، أسد الغابة: 2 / 401،
تهذيب الكمال: 511، تاريخ الاسلام: 2 / 289، العبر: 1 / 59، تهذيب التهذيب: 4 /
60 61، الإصابة: 4 / 200، خلاصة تذهيب الكمال: 144، شذرات الذهب: 1 / 60.
(1) برقم (2684) في الجهاد: باب قتل الأسير، ولا يعرض عليه الاسلام، من طريق محمد
ابن العلاء، حدثنا زيد بن حبان، أخبرنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع
المخزومي، حدثني جدي، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: " أربعة لا أؤمنهم في
حل ولا حرم " فسماهم، قال: وقينتين كانتا لمقيس، فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى،
فأسلمت.
(2) ابن سعد 2 / 153.
* * التاريخ لابن معين: 554، طبقات خليفة: 15، تاريخ خليفة: 223، التاريخ
الكبير: 8 / 15، المعارف: 313، 329، 430، الجرح والتعديل: 8 / 362، المستدرك: 3 / 489، الاستيعاب: 3 / 1380، تاريخ ابن عساكر: 16 / 155، أسد الغابة: 5 / 125،
تاريخ الاسلام: 2 / 316، العبر: 1 / 60، الإصابة: 9 / 146، شذرات الذهب: 1 / 60.
542

الصحابي، من الطلقاء، وكان كبير بني زهرة.
كساه النبي صلى الله عليه وسلم حلة فاخرة (1) باعها بأربعين أوقية. وكان من المؤلفة
قلوبهم.
أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المدني، عن عائشة، قالت: جاء
مخرمة بن نوفل، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم به، قال: " بئس أخو العشيرة ".
فلما دخل، بش به. قالت: فلما خرج، كلمته في ذلك فقال: " [يا
عائشة] أعهدتني فحاشا، إن شر الناس من يتقى شره " (2).
بقي مخرمة إلى بعد الخمسين; فمات في سنة أربع وخمسين. وله مئة
عام وخمسة عشر عاما.

(1) أخرجه البخاري 5 / 164 في الهبة: باب كيف يقبض العبد والمتاع، و 10 / 229 في
اللباس: باب القباء، ومسلم (1058) في الزكاة: باب إعطاء من سأل بفحش غلظة، وأبو داود
(4028)، والترمذي (2818)، والنسائي 8 / 205، وأحمد 4 / 328.
(2) أبو عامر الخزاز: اسمه: صالح بن رستم، وهو كثير الخطأ، مع أنه من رجال مسلم. وذكره
في " أسد الغابة " 5 / 126، من طريق النضر بن شميل: حدثنا أبو عامر الخزاز، وأورده الحافظ
في " الفتح " 10 / 379، ونسبه إلى عبد الغني بن سعيد في " المبهمات "، وإلى الخطيب في
" تاريخه ". وأخرجه دون تسمية من قدم عليه صلى الله عليه وسلم مالك في " الموطأ " والبخاري 10 / 378،
379 في الأدب: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفاحشا، ومسلم (2591) في البر والصلة:
باب مداراة من يتقى فحشه، وأبو داود (4791)، والترمذي (1996)، وأحمد 6 / 38، كلهم من
طريق محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة أن رجلا استأذن.. وقد قال غير واحد من
أهل العلم: إنه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. وكان يقال له: الأحمق المطاع رجا
النبي صلى الله عليه وسلم بإقباله عليه وتألفه ليسلم قومه، لأنه رئيسهم، وقال بعضهم: إنه مخرمة بن نوفل،
واستدلوا بالرواية التي ذكرها المؤلف.
543

وكان والده نوفل ابن عم آمنة وهب بن عبد مناف الزهرية، والدة
النبي صلى الله عليه وسلم. فلهذا أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبش به، وخلع عليه حلة مثمنة.
وكان ولده المسور بن مخرمة من صغار الصحابة، ومن أشراف قريش
وعلمائهم.
114 أبو الغادية الصحابي *
من مزينة. وقيل: من جهينة.
من وجوه العرب، وفرسان أهل الشام. يقال: شهد الحديبية.
وله أحاديث مسنده. وروى له الإمام أحمد في " المسند " (1).
حدث عنه: ابنه سعد، وكلثوم بن جبر، وحيان بن حجر، وخالد بن
معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن.
قال البخاري، وغيره: له صحبة.
روى حماد بن سلمة، عن كلثوم بن جبر، عن أبي غادية، قال:
سمعت عمارا يشتم عثمان، فتوعدته بالقتل، فرأيته يوم صفين يحمل على
الناس، فطعنته فقتلته. وأخبر عمرو بن العاص، فقال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " قاتل عمار وسالبه في النار " (2)
إسناده فيه انقطاع.

* مسند أحمد: 4 / 76 و 5 / 68، التاريخ لابن معين: 719، طبقات خليفة: 120،
المعارف: 257، الاستيعاب: 4 / 1725، أسد الغابة: 6 / 237، تاريخ الاسلام: 2 /
254، الإصابة: 11 / 289، كنز العمال: 13 / 617.
(1) انظر " المسند " 4 / 76، و 5 / 68.
(2) وانظر " المسند " 4 / 76 و 198.
544

قال عثمان بن أبي العاتكة: رمى العدو الناس بالنفط، فقال معاوية:
أما إذ فعلوها، فافعلوا. فكانوا يترامون بها. فتهيا رومي لرمي سفينة أبي
الغادية في طنجير (1). فرماه أبو الغادية بسهم، فقتله. وخر الطنحير في
سفينتهم، فاحترقت بأهلها. كانوا ثلاث مئة. فكان يقال: رمية سهم أبي
الغادية قتلت ثلاث مئة نفس.
لم أجد لأبي الغادية وفاة.
115 صفوان بن المعطل *
ابن رحضة بن المؤمل. أبو عمرو السلمي، ثم الذكواني، المذكور
بالبراءة من الإفك.
وفي قصة الإفك، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " ما علمت إلا خيرا ".
وكان يسير في ساقة الجيش، فمر، فرأى سواد إنسان، فقرب، فإذا هو
بأم المؤمنين عائشة، قد ذهبت لحاجتها، فانقطع لها عقد، فردت تفتش
عليه، وحمل الناس، فحملوا هودجها يظنونها فيه، وكانت صغيرة، لها اثنا
عشر عاما، وساروا، فردت إلى المنزلة، فلم تلق أحدا، فقعدت،

(1) الطنجير: قدر نحاسي معرب، وفارسيته: باتيل.
* مسند أحمد: 5 / 312، طبقات خليفه: 51، 181، 381، تاريخ خليفة: 226،
التاريخ الكبير: 4 / 305، تاريخ الفسوي: 1 / 309، الجرح والتعديل
4 / 420، معجم الطبراني 8 / 61، 63، المستدرك: 3 / 518، الاستيعاب: 2 / 725،
ابن عساكر: 8 / 174 / 1، أسد الغابة: 3 / 30، تاريخ الاسلام: 2 / 27، العبر: 1 /
23، مجمع الزوائد: 9 / 363، الإصابة: 5 / 152، كنز العمال: 13 / 436، تهذيب ابن
عساكر: 6 / 440.
سير 2 / 35
545

وقالت: سوف يفقدونني. فلما جاء صفوان، رآها، وكان يراها قبل
الحجاب، وكان الحجاب قد نزل من نحو سنة. فقال: إنا لله وإنا إليه
راجعون! لم ينطق بغيرها. وأناخ بعيره، وركبها، وسار يقود بها، حتى
لحق الناس نازلين في المضحي، فتكلم أهل الإفك، وجهلوا، حتى
أنزل الله الآيات في براءتها (1). ولله الحمد.
وقال صفوان: إن كشفت كنف أنثى قط (2).
وقد روي له حديثان.
حدث عنه: سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسعيد
المقبري، وسلام أبو عيسى. وروايتهم عنه مرسلة، لم يلحقوه فيما أرى،
إن كان مات سنة تسع عشرة.
قال ابن سعد: أسلم صفوان بن المعطل قبل المريسيع (3). وكان على
ساقة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: مات بسميساط (4) في آخر خلافة معاوية،
حدثني بذلك محمد بن عمر.
وقال خليفة: مات بناحية سميساط من الجزيرة، وقبره هناك.

(1) حديث الإفك تقدم تخريجه في الصفحة (159) ت (5) في ترجمة السيدة عائشة.
(2) " إن " بمعنى " ما " والخبر في البخاري 7 / 335 و 8 / 385، ومسلم (2770) (57)
وانظر " الإصابة " 5 / 153.
(3) المريسيع: ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع موضع من ناحية المدينة مسيرة يوم،
كانت به غزوة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني المصطلق سنة خمس، وتسمى غزوة بني المصطلق. انظر
" سيرة ابن هشام " 2 / 213.
(4) هي مدينة على شاطئ الفرات في غربيه في طرف بلاد الروم.
546

القواريري، وعلي بن حجر: حدثنا عبد الله بن جعفر المديني: أخبرنا
محمد بن يوسف، عن عبد الله بن الفضل، عن أبي بكر بن عبد الرحمن،
عن صفوان بن المعطل السلمي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر،
فرمقت صلاته ليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام، فلما كان نصف
الليل، استنبه، فتلا العشر من آخر آل عمران، ثم نام، ثم قام، ثم
تسوك، ثم توضأ، وصلى ركعتين، فلا أدري: أقيامه أم ركوعه أم
سجوده كان أطول; ثم انصرف، فنام، ثم استيقظ، فتلا ذلك العشر، ثم
تسوك، وتوضأ، وصلى ركعتين.
قال: فلم يزل يفعل كما فعل أول مرة; حتى صلى إحدى عشرة
ركعة (1).
وبإسناد غير متصل في " تاريخ دمشق ": أن صفوان بن المعطل حمل
بداريا (2) على رجل من الروم عليه حلية الأعاجم، فطعنه، فصرعه،
فصاحت امرأته، وأقبلت نحوه، فقال صفوان:
ولقد شهدت الخيل يسطع نقعها * ما بين داريا دمشق إلى نوى
فطعنت ذا حلي فصاحت عرسه * يا ابن المعطل ما تريد بما أرى
فأجبتها اني سأترك بعلها * بالدير منعفر المضاحك بالثرى
وإذا عليه حلية فشهرتها * إني كذلك مولع بذوي الحلى (3)

(1) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن جعفر المديني والد علي، وهو في " المسند " 5
312، والطبراني (7343)
(2) داريا: من قرى دمشق جنوب غربيها تبعد عنها أربعة أميال تقريبا.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 440، 441، و " الإصابة " 5 / 153، 154.
547

وفي مسند الهيثم بن كليب، من طريق عامر بن صالح بن رستم عن أبيه
عن الحسن عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
شكي صفوان بن المعطل إلى رسول الله، قال: وكان يقول هذا
الشعر.
فقال: " دعوا صفوان، فإنه خبيث اللسان طيب القلب " (1).
وفيه، عن سعد، قال: وكنا في مسير لنا، ومعنا تمر، فجاءني صفوان
ابن المعطل، فقال: أطعمني من ذلك التمر. قلت: إنما هو تمر قليل،
ولست آمن أن يدعو به أظنه: أراد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نزلوا، فأكلوا، أكلت
معهم. قال: أطعمني، فقد أصابني الجهد. فلم يزل بي حتى أخذ
السيف، فعقر الراحلة. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قولوا لصفوان:
فليذهب ".
فلما نزلوا، لم يبت تلك الليلة، يطوف في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى
أتى عليا، فقال: أين أذهب؟ أذهب إلى الكفر! فدخل علي على رسول
الله، فقال: إن هذا لم يدعنا نبيت هذه الليلة، قال: أين يذهب؟ إلى
الكفر؟ قال: " قولوا لصفوان، فليلحق " (2).
روى نحوه القواريري، عن سليم بن أخضر، عن ابن عون، عن
الحسن، عن صاحب زاد النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.
عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك حمد الله، ثم قال:

(1) عامر بن صالح بن رستم سيئ الحفظ، والحسن مدلس، وقد عنعن، وذكره في
" المجمع " 9 / 364، ونسبه للطبراني، وهو في " تهذيب ابن عساكر " 6 / 441، 442.
(2) ذكره في " كنز العمال " 13 / 436، ونسبه للهيثم بن كليب الشاشي وابن عساكر.
548

" أما بعد: أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وأيم الله إن علمت على أهلي
من سوء قط، وأبنوهم بمن والله إن علمت عليه سوءا قط " (1).
ابن يونس: أخبرنا يونس، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن صفوان
ابن المعطل، قال: ضرب حسان بن ثابت بالسيف في هجاء هجاه به، فأتى
حسان النبي صلى الله عليه وسلم، فاستعداه عليه. فلم يقده منه، وعقل له جرحه، وقال:
" إنك قلت قولا سيئا ".
رواه معمر، فلم يذكر ابن المسيب.
قلت: الذي قاله حسان:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد (2)
فغضب صفوان، وقال: يعرض بي! ووقف له ليلة، حتى مر حسان،
فيضربه بالسيف ضربة كشط جلدة رأسه. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم حسان، ورفق به،
حتى عفا; فأعطاه صلى الله عليه وسلم سيرين أخت مارية لعفوه، فولدت له ابنه عبد
الرحمن.
وقد روي: أن صفوان شكته زوجته أنه ينام حتى تطلع الشمس. فسأله

(1) تقدم تخريجه ص 159 ت 5، وقوله: أبنوا، أي: اتهموا وعابوا.
(2) الجلابيب: السفلة، وابن الفريعة: حسان، والفريعة أمه، وبيضة البلد، أي:
وحيدا، تشبيها له ببيضه النعامة التي تتركها في الفلاة، فلا تحضنها وتبقى تريكة.
549

النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال: إنا أهل بيت معروفون بذلك (1).
فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على
ساقة الجيش: فلعله آخر باسمه.
قال الواقدي: مات صفوان بن المعطل سنة ستين بسميساط.
وقال خليفة: مات بالجزيرة. وكان على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان
شاعرا.
وقال ابن إسحاق: قتل في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة، قال: وكان
أحد الامراء يومئذ.
قلت: فهذا تباين كثير في تاريخ موته، فالظاهر أنهما اثنان. والله
أعلم.
116 دحية الكلبي * (د)
ابن خليفة بن فروة بن فضالة: الكلبي القضاعي. صاحب النبي صلى الله عليه وسلم،

(1) أخرجه أبو داود (2459) في الصوم: باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها، وأحمد 3 / 80
من طريق عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد
الخدري قال: جاءت امرأة صفوان بن المعطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن
زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى
تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله أما قولها يضربني
إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين فقد نهيتها، قال: فقال " لو كانت سورة واحدة لكفت
الناس " وأما قولها يفطرني فإنها تصوم، وأنا رجل شاب فلا أصبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يومئذ: " لا تصومن امرأة إلا بإذن زوجها "، قال: وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس
فانا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: " فإذا استيقظت
فصل ". ورجاله ثقات، وقال الحافظ في " الإصابة " 5 / 153: وإسناده صحيح.
* مسند أحمد: 4 / 311، طبقات ابن سعد: 4 / 294، تاريخ خليفة: 79، التاريخ
الكبير: 3 / 254، الجرح والتعديل: 3 / 439، معجم الطبراني الكبير: 4 /
265، الاستيعاب: 2 / 461، ابن عساكر: 6 / 24 / 2، أسد الغابة: 2 / 158، تهذيب
الكمال: 396، تاريخ الاسلام: 2 / 222، مجمع الزوائد: 9 / 378، تهذيب التهذيب:
3 / 206 207، الإصابة: 3 / 191، خلاصة تذهيب الكمال: 112، تهذيب ابن عساكر:
5 / 221.
550

ورسوله بكتابه إلى عظيم بصرى ليوصله إلى هرقل.
روى أحاديث.
حدث عنه: منصور بن سعيد الكلبي (1)، ومحمد بن كعب القرظي،
وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعامر الشعبي، وخالد بن يزيد بن معاوية.
وقد شهد اليرموك، وكان على كردوس (2)، وسكن المزة (3).
أحمد: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا عمر من آل حذيفة عن
الشعبي، عن دحية الكلبي: قلت: يا رسول الله، ألا أحمل لك حمارا على
فرس، فينتج لك بغلة تركبها؟ قال: " إنما يفعل ذلك الذين لا
يعلمون " (4).
رواه عيسى بن يونس، عن عمر، عن الشعبي مرسلا: أن حذيفة قال
ذلك.
قال ابن سعد: أسلم دحية قبل بدر ولم يشهدها. وكان يشبه بجبريل.
بقي إلى زمن معاوية.

(1) سقط من المطبوع " منصور بن ".
(2) الكردوس: الكتيبة.
(3) المزة: قرية من قرى دمشق تقع في الجنوب الغربي منها.
(4) هو في " المسند "؟ / 311، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 221.
551

وقال دحيم: ذريته بالبقاع.
وقيد ابن ماكولا في أجداده " الخرج (1) وهو العظيم البطن.
الهيثم بن عدي، عن الكلبي، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه،
عن دحية: قدمت من الشام، فأهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاكهة يابسة من فستق،
ولوز، وكعك.. الحديث (2).
إسناده واه.
وعن جابر الجعفي، عن الشعبي، عن دحية الكلبي، قال: أهديت
لرسول الله جبة صوف وخفين. فلبسهما حتى تخرقا (3).
جابر واه.
وعن سلمة بن كهيل، عن عبد الله بن شداد، عن دحية، قال: بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم معي بكتاب إلى قيصر; فقمت بالباب، فقلت: أنا رسول
رسول الله، ففزعوا لذلك. فدخل عليه الآذن، فأدخلت، وأعطيته
الكتاب. " من محمد رسول الله، إلى قيصر صاحب الروم ".
فإذا ابن أخ له، أحمر أزرق، قد نخر، ثم قال: لم لم يكتب ويبدأ
بك! لا تقرأ كتابه اليوم. فقال لهم: اخرجوا.
فدعا الأسقف وكانوا يصدرون عن رأيه فلما قرئ عليه الكتاب،

(1) " الاكمال " 3 / 142، 143، وفيه: وإنما سمي الخرج لعظم لحمه.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 222.
(3) " تهذيب ابن عساكر 5 / 222، وهو في " معجم الطبراني " (4200) وفيه عنبسة بن
سعيد راويه عن جابر الجعفي لا يعرف، وجابر واه.
552

قال: هو والله رسول الله الذي بشرنا به عيسى وموسى. قال: فأي شئ
ترى؟ قال: أرى أن نتبعه. قال قيصر: وأنا أعلم ما تقول، ولكن لا
أستطيع أن أتبعه، يذهب ملكي، ويقتلني الروم (1).
رواه اثنان، عن يحيى بن سلمة، عن أبيه.
عبد الله بن أبي يحيى، عن مجاهد. قال: بعث رسول الله دحية سرية
وحده (2).
معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي، قالت أم
سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث رجلا، فلما قام، قال: " يا أم سلمة، من
هذا "؟ فقلت: دحية الكلبي، فلم أعلم أنه جبريل حتى سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ما كان بيننا.
فقلت لأبي عثمان: من حدثك بهذا؟ قال: أسامة (3).
عفير بن معدان، عن قتادة، عن أنس: أنه النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يأتيني
جبريل في صورة دحية، وكان دحية جميلا (4).

(1) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 222، وفي سنده يحيى بن سلمة بن كهيل وهو متروك كما في
" التقريب " وهو في " معجم الطبراني " برقم (4198)، وذكره في " المجمع " 5 / 306 وأعله
بيحيى الحماني راويه عن يحيى بن سلمة فقصر.
(2) وأخرجه ابن سعد 4 / 250، 251 من طريق وكيع، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 223.
(4) عفير بن معدان ضعيف، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 378، وقال: رواه
الطبراني في " الأوسط "، وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف، ورواية يحيى بن يعمر عن ابن عمر
أخرجها أحمد 2 / 107 من طريق عفان، عن حماد بن سلمة، عن إسحاق بن سويد، عن يحيى
ابن يعمر، عن ابن عمر وهذا سند صحيح، وأورده الحافظ في " الإصابة " 3 / 191 عن النسائي،
وصحح إسناده.
553

روى نحوه يحيى بن يعمر، عن ابن عمر.
قال عبد الله بن صالح العجلي، قال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل
الناس جرير بن عبد الله البجلي؟ فقال: بال أجمل الناس من نزل جبريل
على صورته يعني دحية (1).
ويروى حديث منكر: أن دحية أسلم زمن أبي بكر (2).
قال أبو محمد بن قتيبة في حديث ابن عباس. كان دحية إذا قدم، لم تبق
معصر إلا خرجت تنظر إليه (3).
المعصر: التي دنا حيضها، كما قيل للغلام: مراهق، أي راهق
الاحتلام.
ولا ريب أن دحية كان أجمل الصحابة الموجودين بالمدينة، وهو
معروف، فلذا كان جبريل ربما نزل في صورته.
فأما جرير، فإنما وفد إلى المدينة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بقليل.
ومن الموصوفين بالحسن: الفضل بن عباس (4)، وقدم المدينة بعد الفتح.

(1) ذكره الحافظ في " الإصابة " 3 / 191، ونسبه للعجلي في " تاريخه " ويؤخذ من تمثل
جبريل عليه السلام بصورة دحية للنبي صلى الله عليه وسلم مشروعية مراعاة حسن الوجه في البريد والرسول،
ويؤيده ما رواه البزاز في " مسنده " (1985) من طريق قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أبردتم إلي بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم " ورجاله
ثقات، وله شاهد عند البزار أيضا (1986) يتقوى به من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إذا بعثتم إلي رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم " وسنده حسن في الشواهد.
(2) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 223، ورده أيضا ابن عساكر بأن في إسناده الحسين بن عيسى
الحنفي وهو أخو سليم القارئ، وهو صاحب مناكير.
(2) " الإصابة " 3 / 191، و " تهذيب ابن عساكر " 5 / 223.
(4) كما ثبت ذلك في البخاري 11 / 8 في الاستئذان، من حديث ابن عباس في قصة
الخثعمية، وفيه: وكان الفضل رجلا وضيئا.
554

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجمل قريش، وكان ريحانته
الحسن بن علي يشبهه.
الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن منصور الكلبي: أن دحية خرج
من المزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم
أفطر، وأفطر معه ناس، وكره الفطر آخرون; فلما رجع إلى قريته، قال:
والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه: إن قوما رغبوا عن هدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم،
اقبضني إليك.
أخرجه أبو داود (1).
وصح أن صفية وقعت يوم خيبر في سهم دحية، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم منه،
وعوضه بسبعة أرؤس (2).
قال خليفة بن خياط: في سنة خمس بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية إلى قيصر (3).
قلت: كذا قال. وإنما كان ذلك بعد الحديبية في زمن الصلح، كما

(1) رقم (2413) في الصوم: باب قدر مسيرة ما يفطر فيه، وأخرجه أحمد 6 / 398،
والطبراني (4197) ومنصور الكلبي لم يوثقه غير العجلي، وباقي رجاله ثقات، وفي الباب ما يشهد
له ويقويه، فعن أنس عند الترمذي (799) و (800) والدارقطني 1 / 241، والبيهقي 4 / 246،
وسنده قوي، وحسنه الترمذي وغيره، وعن أبي بصرة الغفاري عند أحمد 6 / 398، وأبي داود
(2412) والبيهقي 4 / 246، وسنده حسن في الشواهد.
(2) تقدم تخريجه في الصفحة 232 ت 1.
(3) المذكور في " تاريخ خليفة ": 79 بعد سنة ست، والضمير في " وفيها " يعود إليها،
لكن الذي يقوي قول المصنف أن الحافظ ابن حجر في " الفتح " 1 / 35 قال: ووقع في تاريخ
خليفة أن إرسال الكتاب إلى هرقل كان سنة خمس، وغلطه، ورجح أنه في آخر سنة ست لتصريح
أبي سفيان بأن ذلك كان في مدة الهدنة، والهدنة كانت في آخر سنة ست اتفاقا.
555

ذكره أبو سفيان في الحديث الطويل الذي في " الصحيح " (1).
ولدحية، في " مسند بقي "، ثلاثة أحاديث غرائب.
117 أبو جهم بن حذيفة القرشي *
العدوي، المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا بهذه الخميصة،
وائتوني بأنبجانية أبي جهم " (2).
قيل: اسمه: عبيد. وهو من مسلمة الفتح.
وكان ممن بنى البيت في الجاهلية، ثم عمر حتى بنى فيه مع ابن
الزبير. وبين العمارتين أزيد من ثمانين سنة. وكان علامة بالنسب، أحضر

(1) البخاري 1 / 30، 41. وفيه: دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعث به دحية إلى عظيم
بصرى.
* طبقات ابن سعد: 5 / 451، التاريخ لابن معين: 700، تاريخ خليفة: 227،
الاستيعاب: 4 / 1623، أسد الغابة: 6 / 57، تاريخ الاسلام: 2 / 330، الإصابة: 11 /
66.
(2) أخرجه البخاري 1 / 406، 407 في الصلاة: باب إذا صلى في ثوب له أعلام، وفي
صفة الصلاة: باب الالتفات في الصلاة، وفي اللباس: باب الأكسية والخمائص، ومسلم
(565) (62) في المساجد: باب كراهية الصلاة في ثوب له أعلام، وأبو داود (914) والنسائي
2 / 72، وأحمد 6 / 37 و 199، وابن ماجة (3550) من حديث عائشة النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة
لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف، قال: اذهبوا بخميصتي هذه، وأئتوني
بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي.
والخميصة: كساء مربع من صوف له علمان، والانبجانية: كساء يتخذ من الصوف وله خمل
ولا علم له، وهي من أدون الثياب الغليظة. وإنما خصه بإرسال الخميصة، لأنه كان أهداها للنبي
صلى الله عليه وسلم، وطلب الانبجانية منه لئلا يؤثر رد الهدية في قلبه.
556

يوم الحكمين. وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مرة مصدقا (1). ولا رواية له.
وكان قوي النفس. سر بمصاب عمر; لكونه أخافه، وكف من بسط
لسانه، رضي الله عنه.
وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس، إذ خطبها: " أما أبو
جهم، فإنه ضراب للنساء، وأما معاوية فصعلوك " (2).
ولما وفد على معاوية، أقعده معه على السرير، ووصله بمئة ألف،
فاستقلها.
118 عمير بن سعد * (ت)
ابن شهيد بن قيس بن النعمان بن عمرو، الأنصاري الأوسي، العبد
الصالح الأمير، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه: أبو طلحة الخولاني، وراشد بن سعد، وحبيب بن عبيد.
وكان ممن شهد فتح دمشق مع أبي عبيدة.
وولي دمشق وحمص لعمر.
في " مسند أبي يعلى ": حدثنا إبراهيم بن الحجاج: حدثنا حماد
ابن سلمة، عن أبي سنان، عن أبي طلحة الخولاني، قال: أتينا عمير بن

(1) المصدق: هو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أهلها.
(2) تقدم تخريجه، انظر ص 502 ت 3، والضراب: الكثير الضرب، والصعلوك: الفقير
الذي لا مال له.
* تقدمت ترجمته في الصفحة 103 من هذا الجزء بأخصر مما هنا.
557

سعد في نفر من أهل فلسطين، وكان يقال له: نسيج وحده، فقعدنا له على
دكان له عظيم في داره، فقال: يا غلام، أورد الخيل وفي الدار تور (1) من
حجارة قال: فأوردها. فقال: أين فلانة؟ قال: هي جربة، تقطر دما.
قال: أوردها. فقال أحد القوم: إذا تجرب الخيل كلها! قال: فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا عدوى، ولا طيره، ولا هامة. ألم تر إلى
البعير يكون بالصحراء، ثم يصبح وفي كركرته أو في مراقه نكتة لم
تكن. فمن أعدى الأول "؟ (2).
وكذلك رواه حجاج بن منهال، والتبوذكي، عن حماد.
قال عبد الله بن محمد القداح: عمير بن سعد، لم يشهد شيئا من
المشاهد. وهو الذي رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلام الجلاس بن سويد، وكان يتيما
في حجره. واستعمله عمير على حمص، وكان من الزهاد.
وقد وهم ابن سعد، فقال: هو عمير بن سعد بن عبيد (3).
وقال ابن أبي حاتم: عمير بن سعد بن شهيد الأنصاري، له صحبة;
روى عنه أبو طلحة الخولاني. مرسل، قاله أبي (4).

(1) التور: إناء من صفر أو حجارة كالإجانة، وقد تحرف في المطبوع إلى " قور ".
(2) إسناده ضعيف لضعف أبي سنان وهو عيسى بن سنان الحنفي. وقد تقدم تخريجه في
الصفحة 104 ت 2.
والكركرة: زور البعير الذي إذا برك، أصاب الأرض وهي باتئة عن جسمه، والمراق:
الأرفاغ.
(3) ابن سعد 4 / 374، وقد تابعه ابن الأثير وابن عبد البر، وابن حجر فقالوا " ابن عبيد "
بدل " ابن شهيد ".
(4) " الجرح والتعديل " 6 / 376، لكن سقط منه " ابن شهيد ".
558

وقال عبد الصمد بن سعيد: كانت ولايته حمص بعد سعيد بن عامر بن
حذيم.
ابن لهيعة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: توفي سعيد بن عامر،
وقام مكانه عمير بن سعد.
وقال الزهري: فكان على الشام معاوية، وعمير بن سعد، ثم
استخلف عثمان، فجمع الشام لمعاوية. ولما توفي أبو عبيدة، استخلف
ابن عمه عياض بن غنم، فأقره عمر، فمات عياض (1) فولي سعيد المذكور.
قال صفوان بن عمرو: خطب معاوية على منبر حمص، وهو أمير على
الشام كله، فقال: والله ما علمت يا أهل حمص إن الله ليسعدكم بالأمراء
الصالحين: أول من ولي عليكم عياض بن غنم، وكان خيرا مني; ثم ولي
عليكم سعيد بن عامر، وكان خيرا مني، ثم ولي عليكم (2) عمير، ولنعم
العمير كان; ثم ها أنا ذا قد وليتكم، فستعلمون.
ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمير
ابن سعد، قال لي ابن عمر: ما كان من المسلمين رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم أفضل من أبيك (3).
وروى هشام، عن ابن سيرين: كان عمير بن سعد يعجب عمر; فكان

(1) سقط من المطبوع جملة " فأقره عمر فمات عياض ".
(2) سقط من المطبوع من قوله سعيد بن عامر إلى هنا.
(3) عبد الرحمن بن عمير ترجمه ابن أبي حاتم 5 / 272، فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا،
وقال: وكان واليا على فلسطين. وانظر ص 105 ت 1.
559

(1) من عجبه به يسميه: نسيج وحده.
وبعثه مرة على جيش من قبل الشام، فوفد، فقال: يا أمير المؤمنين،
إن بيننا وبين عدونا مدينة يقال لها: عرب السوس (1) تطلع عدونا على عوراتنا
، ويفعلون ويفعلون. فقال عمر: خيرهم بين أن ينتقلوا من مدينتهم،
ونعطيهم مكان كل شاة شاتين; ومكان كل بقرة بقرتين; ومكان كل شئ
شيئين; فإن فعلوا، فأعطهم ذلك، وإن أبوا فانبذ (2) إليهم على سواء; ثم
أجلهم سنة.
فقال: اكتب لي يا أمير المؤمنين عهدك بذلك. فعرض عمير عليهم،
فأبوا. فأجلهم سنة، ثم نابذهم.
فقيل لعمر: إن عميرا قد خرب عرب السوس، وفعل. فتغيظ عليه.
فلما قدم، علاه بالدرة، وقال: خربت عرب السوس! وهو ساكت. فلما
دخل عمر بيته، استأذن عليه، فدخل، وأقرأه عهده. فقال عمر: غفر الله
لك.
عرب السوس: خراب اليوم، وهي خلف درب الحدث (3).
عبد الملك بن هارون بن عنترة: حدثنا أبي، عن جدي: أن عمير بن

(1) في معجم ياقوت: عربسوس: بلد من نواحي الثغور قرب المصيصة.
(2) مقتبس من قوله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * أي: إن
كان بينك وبين قوم هدنة، فخفت منهم نقضا للعهد، فلا تبادر إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك
قد نقضت ما بينك وبينهم، فيكونوا معك في علم النقض والعود إلى الحرب مستوين.
(3) الحدث: قلعة بين ملطيه وسميساط ومرعش من الثغور، ويقال لها الحمراء، لان تربتها
جميعا حمراء، وهي على جبل يقال له الأحيدب وقد ذكرها المتنبي في قصيدته التي يمدح بها سيف
الدولة، إثر وقعة كانت بينه وبين الدمستق تم فيها الغلب لسيف الدولة يقول فيها:
560

سعد، بعثه عمر على حمص; فمكث حولا لا يأتيه خبره. فكتب إليه: أقبل
بما جبيت من الفئ. فأخذ جرابه وقصعته، وعلق إدواته، وأخذ عنزته (1)،
وأقبل راجلا. فدخل المدينة، وقد شحب، واغبر، وطال شعره. فقال:
السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: ما شأنك؟ قال: ألست صحيح
البدن، معي الدنيا! فظن عمر أنه جاء بمال، فقال: جئت تمشي؟ قال
نعم. قال: أما كان أحد يتبرع لك بدابة؟ قال: ما فعلوا، ولا سألتهم.
قال: بئس المسلمون! قال: يا عمر، إن الله قد نهاك عن الغيبة. فقال:
ما صنعت؟ قال: الذي جبيته وضعته مواضعه، ولو نالك منه شئ، لأتيتك
به. قال: جددوا لعمير عهدا. قال: لا عملت لك ولا لاحد، قلت
لنصراني: أخزاك الله.
وذهب إلى منزله على أميال من المدينة. فقال عمر: أراه خائنا; فبعث
رجلا بمئة دينار، وقال: انزل بعمير كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شئ،
فأقبل; وإن رأيت حالا شديدة; فادفع إليه هذه المئة. فانطلق، فرآه يفلي
قميصه. فسلم. فقال له عمير: انزل. فنزل. فساءله، وقال: كيف أمير
المؤمنين؟ قال: ضرب ابنا له على فاحشة، فمات.
فنزل به ثلاثا، ليس إلا قرص شعير يخصونه به، ويطوون. ثم قال:
إنك قد أجعتنا. فأخرج الدنانير، فدفعها إليه. فصاح، وقال: لا حاجة لي

هل الحدث الحمراء تعرف لونها * وتعلم أي الساقيين الغمائم
سقتها الغمام الغر قبل نزوله * فلما دنا منها سقتها الجماجم
ويقول:
نثرتهم فوق الأحيدب كله * كما نثرت فوق العروس الدراهم
(1) العنزة: عصا في قدر نصف الرمح أو أكبر يتوكأ عليها.
سير 2 / 36
561

بها، ردها عليه. قالت المرأة: إن احتجت إليها، وإلا ضعها مواضعها.
فقال: ما لي شئ أجعلها فيه. فشقت المرأة من درعها، فأعطته خرقة،
فجعلها فيها; ثم خرج يقسمها بين أبناء الشهداء.
وأتى الرجل عمر; فقال: ما فعل بالذهب؟ قال: لا أدري. فكتب
إليه عمر يطلبه. فجاء، فقال: ما صنعت الدنانير؟ قال: وما سؤالك؟
قدمتها لنفسي. فأمر له بطعام وثوبين. فقال: لا حاجة لي في الطعام; وأما
الثوبان، فإن أم فلان عارية. فأخذهما، ورجع.
فلم يلبث أن مات.. وذكر سائر القصة (1).
وروى نحوها كاتب الليث، عن سعيد بن عبد العزيز: بلغه عن الحسن
البصري: أن عمر.. فذكرها.
وروى أبو حذيفة في " المبتدأ " نحوا منها، عن شيخ، عن آخر.
ويقال: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن
سعد.
119 صفوان بن أمية * (م، 4)
ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب

(1) في ميزان المؤلف: عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه. قال الدارقطني: هما
ضعيفان، وقال أحمد: عبد الملك ضعيف، وقال يحيى: كذاب، وقال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: متروك،
ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث.
والسند الثاني الذي ذكره المؤلف فيه انقطاع، وكاتب الليث سئ الحفظ، وأورده المؤلف في
" تاريخ الاسلام " 2 / 241، 242، وقال: بعد أن ذكر قسما كبيرا منه: وذكر حديثا طويلا
منكرا.
* مسند أحمد: 3 / 400 و 6 / 464، طبقات ابن سعد: 5 / 449، طبقات خليفة: 24،
278، تاريخ خليفة: 111، 205، التاريخ الكبير: 4 / 304، المعارف: 342، تاريخ
الفسوي: 1 / 309، الجرح والتعديل: 4 / 421، المستدرك: 3 / 428، الاستبصار:
93، الاستيعاب: 2 / 718، ابن عساكر: 8 / 159 / 1، أسد الغابة: 3 / 23، تهذيب
الكمال: 608، تاريخ الاسلام: 2 / 228، العبر: 1 / 50، تهذيب التهذيب: 4 / 424
425، الإصابة: 5 / 145، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب: 1 / 52،
تهذيب ابن عساكر: 6 / 429.
562

ابن لؤي بن غالب، القرشي الجمحي المكي.
أسلم بعد الفتح، وروى أحاديث، وحسن إسلامه، وشهد اليرموك
أميرا على كردوس.
ويقال: إنه وفد على معاوية، وأقطعه زقاق صفوان.
حدث عنه: ابن عبد الله، وابن أخته حميد. وسعيد بن المسيب.
وطاووس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعطاء بن أبي رباح; وجماعة.
وكان من كبراء قريش. قتل أبوه مع أبي جهل.
مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان: أن
صفوان يعني جده قيل له: من لم يهاجر، هلك. فقدم المدينة، فنام في
المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق، فأخذه. فأخذ صفوان السارق،
فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به أن يقطع. فقال صفوان: إني لم أرد
هذا، هو عليه صدقة، قال: فهلا قبل أن تأتيني به (1).

(1) " الموطأ " 3 / 49 في الحدود: باب ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان، ورجاله
ثقات، لكنه مرسل، قال ابن عبد البر: هكذا رواه جمهور أصحاب مالك مرسلا، ورواه أبو
عاصم النبيل عن مالك، عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن جده، ولم يقل: عن
جده، أحد غير أبي عاصم، ورواه شبابة بن سوار عن مالك، عن الزهري، عن عبد الله بن
صفوان، عن أبيه، وأخرجه أحمد 3 / 401 من طريق روح، عن محمد بن أبي حفصة، عن
الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن أبيه; أن صفوان، وهذا سند متصل رجاله ثقات. ثم
أخرجه 6 / 465 من الطريق ذاته إلا أنه أسقط " عن أبيه ".
563

محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن صفوان بن عبد الله، عن
أبيه، قال: يعني: أباه: أتيت، فقلت: يا رسول الله، من لم يهاجر،
هلك؟ قال: " لا، يا أبا وهب، فارجع إلى أباطح مكة " (1).
قلت: ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية " (2).
وخرج الترمذي من حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد: " اللهم العن أبا سفيان! اللهم العن الحارث بن هشام! اللهم العن
صفوان بن أمية! "
فنزلت: * (ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم) * [آل عمران:
127]. فتاب عليهم، فأسلموا، فحسن إسلامهم (3).
قلت: أحسنهم إسلاما الحارث.
وروى الزهري، عن بعض آل عمر، عن عمر: أنه لما كان يوم
الفتح، أرسل رسول الله إلى صفوان بن أمية، وأبي سفيان، والحارث بن

(1) أخرجه أحمد 3 / 401 و 6 / 465 من طريق روح بهذا الاسناد، ورجاله ثقات.
(2) أخرجه البخاري 6 / 3 في أول كتاب الجهاد، ومسلم (1353) من حديث ابن عباس.
(3) أخرجه الترمذي (3004) في التفسير، وفي سنده: عمر بن حمزة وهو ضعيف، مع أنه
من رجال مسلم.
وهو في " المسند " (5674) والطبري (7819) وأخرجه البخاري في " صحيحه " 7 / 281 من
طريق عبد الله بن المبارك، عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن سالم بن عبد الله يقول: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت
* (ليس لك من الامر شئ) * إلى قوله * (فإنهم ظالمون) * ورواه البخاري أيضا 7 / 281 و 8 /
170، و 13 / 263، 264 من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري قال: حدثني
سالم، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر
يقول: اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعدما يقول: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد، فأنزل
الله * (ليس لك من الامر شئ) * إلى قوله * (فإنهم ظالمون) *.
564

هشام. قال عمر: فقلت: لئن أمكنني الله منهم، لأعرفنهم. حتى قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم، كما قال يوسف لاخوته: * (لا تثريب عليكم
اليوم يغفر الله لكم) * [يوسف: 92]. فانفضخت حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
مالك، عن ابن شهاب: بلغه أن نساءكن أسلمن، وأزواجهن كفار،
منهن بنت الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم
الفتح، وهرب هو. فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه بردائه أمانا لصفوان،
ودعاه إلى الاسلام وأن يقدم، فإن رضي أمرا; وإلا سيره شهرين.
فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، ناداه على رؤوس الناس: يا محمد، هذا
جاءني بردائك، ودعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت، وإلا سيرتني
شهرين. فقال: " انزل أبا وهب " فقال: لا والله حتى تبين لي. قال: لك
تسيير أربعة أشهر.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين; فأرسل إلى صفوان يستعيره
أداة وسلاحا كان عنده. فقال: طوعا أو كرها؟ قال: " لا، بل طوعا ".
ثم خرج معه كافرا، فشهد حنينا والطائف كافرا، وامرأته مسلمة; فلم
يفرق بينهما حتى أسلم، واستقرت عنده بذلك النكاح (2).
وفي " مغازي ابن عقبة ": فر صفوان عامدا للبحر، وأقبل عمير بن
وهب بن خلف، إلى رسول الله، فسأله أمانا لصفوان، وقال: قد هرب،

(1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 431، 432.
(2) أخرجه مالك 2 / 75، 76 في النكاح: باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله، وهو
من بلاغات مالك التي لا يعلم اتصاله من وجه صحيح، قال ابن عبد البر: وهو حديث مشهور
معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير، وكذلك الشعبي.
565

وأخشى أن يهلك، وإنك قد أمنت الأحمر والأسود. قال: " أدرك ابن
عمك فهو آمن " (1).
وعن ابن الزبير: أن صفوان أعار النبي صلى الله عليه وسلم مئة درع بأداتها، فأمره
رسول الله بحملها إلى حنين، إلى أن رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة (2).
فبينا هو يسير ينظر إلى الغنائم، ومعه صفوان، فجعل ينظر إلى شعب
ملاى نعما وشاء ورعاء; فأدام النظر، ورسول الله يرمقه، فقال: " أبا
وهب، يعجبك هذا "؟ قال: نعم. قال: " هو لك " فقال: ما طابت نفس
أحد بمثل هذا، إلا نفس نبي! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده
ورسوله (3).
وروى الواقدي، عن رجاله: أن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض من صفوان بن أمية
بمكة خمسين ألفا، فأقرضه.
شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن أمية بن
صفوان، عن أبيه، أن النبي استعار منه أدرعا، فهلك بعضها. فقال: " إن
شئت، غرمتها لك "؟ قال: لا، أنا أرغب في الاسلام من ذلك (4).

(1) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 432.
(2) الجعرانة: ماء بين الطائف ومكة، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة
حنين، وهي من الحل وقد أحرم منها صلى الله عليه وسلم.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 430، 431 من طريق الواقدي، و " الإصابة " 5 / 145.
(4) شريك: سئ الحفظ، وأخرجه أحمد 3 / 401، و 6 / 465، وأبو داود (3562)
والحاكم 2 / 47، والبيهقي 6 / 89 كلهم من طريق شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية
ابن صفوان بن أمية، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين، فقال: أغصب يا
محمد؟ فقال: " لا بل عارية مضمونة " وأخرجه الحاكم أيضا 3 / 48، والبيهقي 6 / 89 من
طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد المسير إلى حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، فسأله
أدراعا، مئة درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟، فقال: " بل عارية مضمونة
حتى نؤديها إليك " قال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وهو كما قالا
فالحديث صحيح.
566

الزهري، عن ابن المسيب، عن صفوان، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم،
فأعطاني، فما زال يعطيني، حتى إنه لأحب الخلق إلي (1).
وعن أبي الزناد، قال: اصطف سبعة يطعمون الطعام، وينادون إليه
كل يوم: عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة،
وآباؤه.
وقيل: كان إلى صفوان الأزلام في الجاهلية، وكان سيد بني جمح (2).
وقال أبو عبيدة: قالوا: إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية، إلى أن
صار له قنطار من الذهب، وكذلك أبوه (3).
قال الهيثم، والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين.
120 أبو ثعلبة الخشني * (ع)
صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) أخرجه مسلم (2313) في الفضائل، وأحمد 6 / 465، وابن سعد 5 / 449، والترمذي
(666).
(2) " الإصابة " 5 / 145، والأزلام: السهام التي كان أهل الجاهلية يستقسمون بها، قال
الأزهري: كانت لقريش مكتوب عليها أمر ونهي، وافعل ولا تفعل، قد زلمت وسويت،
ووضعت في الكعبة يقوم بها سدنة البيت، فإذا أراد رجل سفرا أو نكاحا، أتى السادن، فقال:
أخرج لي زلما، فيخرجه، وينظر إليه، فإذا خرج قدح الامر، مضى على ما عزم عليه، وإن
خرج قدح النهي، قعد عما أراده.
(3) " تهذيب ابن عساكر " 6 / 434.
* مسند أحمد: 4 / 106، 193، طبقات ابن سعد: 7 / 416، طبقات خليفة: 305،
الاستبصار: 339، الاستيعاب: 4 / 1618، ابن عساكر: 19 / 1 / 2، أسد الغابة: 6 /
44، تهذيب الكمال: 1589، تهذيب التهذيب: 4 / 2 / 205، تاريخ الاسلام: 3 / 217،
العبر: 1 / 85، تهذيب التهذيب: 12 / 49 51، الإصابة: 11 / 54، خلاصة تذهيب
الكمال: 446، كنز العمال: 13 / 615، شذرات الذهب: 1 / 82.
567

روى عدة أحاديث. وله عن معاذ بن جبل، وأبي عبيدة.
حدث عنه: أبو إدريس الخولاني، وجبير بن نفير. وأبو رجاء
العطاردي، وأبو أسماء الرحبي، وسعيد بن المسيب، وأبو الزاهرية،
ومكحول إن كان سمع منه وعمير بن هانئ; وآخرون.
نزل الشام. وقيل: سكن داريا. وقيل: قرية البلاط (1) وله بها ذرية.
اختلف في اسمه فقيل: جرهم بن ناشم. قاله أحمد بن حنبل، وابن
معين، وابن المديني، وابن سعد، وأبو بكر بن زنجويه.
وقال سعيد بن عبد العزيز: جرثوم بن لاشر.
وقال هشام بن عمار: جرثوم بن عمرو.
وقال ابن سميع: اسمه: جرثوم.
وقال الحافظ عبد الغني الأزدي (2): جرثوم بن ناشر.
وقال البخاري: اسمه: جرهم. ويقال: جرثوم بن ناشم. ويقال:
ابن ناشب. ويقال: ابن عمرو.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: اسمه: لاشر بن حمير، واعتمده
الدولابي.

(1) البلاط: قرية في غوطة دمشق الشرقية ولا تزال إلى الآن عامرة.
(2) تحرف في المطبوع إلى عبد الرحمن الأزدي.
568

وقال بقية بن الوليد: لاشومة بن جرثومة.
وقال خليفة بن خياط: اسمه: لاشق بن جرهم. قال: ويقال:
جرثومة بن ناشج. ويقال: جرهم.
وقال البردنجي في " الأسماء المفردة ": اسمه: جرثومة.
وقيل غير ذلك، ولا يكاد يعرف إلا بكنيته.
وقال الدارقطني وغيره: هو من أهل بيعة الرضوان. وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم
يوم خيبر، وأرسله إلى قومه، وأخوه عمرو بن جرهم، [أسلم] على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم (1).
أحمد في " مسنده ": حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن أيوب،
عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول
الله، اكتب لي بأرض كذا وكذا بالشام لم يظهر عليها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ
فقال: " ألا تسمعون ما يقول هذا "؟ فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده،
لنظهرن عليها. فكتب له بها (2).
ورواه أبو عبيد في " الأموال ": حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي
قلابة: أن أبا ثعلبة قال. فذكر نحوه، ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن
أيوب، نحوه.
عمر بن عبد الواحد الدمشقي، عن ابن جابر، عن إسماعيل بن عبيد
الله، قال: بينا أبو ثعلبة الخشني، وكعب جالسين; إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا

(1) انظر " الإصابة " 7 / 276، ترجمة عمرو بن ثعلبة الخشني.
(2) إسناده صحيح وهو في " المسند " 4 / 193، 194، و " المصنف " (8503)
و " الأموال ": 349 لأبي عبيد.
569

إسحاق، ما من عبد تفرغ لعبادة الله إلا كفاه الله مؤونة الدنيا.
قال كعب: فإن في كتاب الله المنزل: من جعل الهموم هما واحدا،
فجعله في طاعة الله، كفاه الله ما همه; وضمن السماوات والأرض، فكان
رزقه على الله وعمله لنفسه. ومن فرق همومه، فجعل في كل واد هما; لم
يبال الله في أيها هلك.
قلت: من التفرغ للعبادة السعي في السبب، ولا سيما لمن له عيال،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل ما أكل الرجل من كسب يمينه " (1).
أما من يعجز عن السبب، لضعف، أو لقلة حيلة، فقد جعل الله له
حظا في الزكاة.
ابن أبي عاصم: حدثنا عمرو بن عثمان: حدثنا أبي: حدثنا خالد بن
محمد الكندي وهو والد أحمد بن خالد الوهبي: سمع أبا الزاهرية:
سمعت أبا ثعلبة يقول: إني لأرجو ألا يخنقني الله كما أراكم تخنقون.
فبينا هو يصلي في جوف الليل، قبض، وهو ساجد. فرأت بنته أن
أباها قد مات، فاستيقظت فزعة، فنادت أمها: أين أبي؟ قالت: في

(1) أخرجه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " من حديث ابن عمر بلفظ " أفضل الكسب
عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور " ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في " المجمع " 4 / 61، وفي
الباب عن رافع بن خديج عند أحمد 4 / 141، والحاكم 2 / 10 بلفظ: " أطيب الكسب عمل
الرجل بيده، وكل بيع مبرور " وسنده حسن في الشواهد، وعن عائشة عند النسائي 7 / 240،
241 بلفظ: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " وأخرجه الترمذي (1358)
وابن ماجة (2137) وأبو داود (3528) وأخرج البخاري 4 / 259 من حديث المقدام رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل
عن عمل يده ".
570

مصلاه. فنادته، فلم يجبها، فأنبهته، فوجدته ميتا (1).
قال أبو حسان الزيادي، وأبو عبيد: توفي سنة خمس وسبعين.
121 عبد الرحمن بن سمرة * (ع)
ابن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أبو سعيد
القرشي العبشمي الأمير.
كذا نسبه هشام بن الكلبي، وابن معين، والبخاري، وأبو عبيد،
وجماعة.
وزاد في نسبه الزبير بن بكار، وعمه مصعب، فقالا ابن سمرة بن
حبيب بن ربيعة بن عبد شمس.
أسلم عبد الرحمن يوم الفتح، وكان أحد الاشراف.
نزل البصرة، وغزا سجستان أميرا على الجيش.
وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الرحمن، لا تسأل

(1) ذكره في " الإصابة " 11 / 56.
* مسند أحمد: 5 / 61، التاريخ لابن معين: 349، طبقات خليفة: 11، 174، تاريخ
خليفة: 211، التاريخ الكبير: 5 / 242 243، المعارف: 304، 556، تاريخ الفسوي:
1 / 283، الجرح والتعديل: 5 / 238، المستدرك: 3 / 444، الاستيعاب: 2 / 835، ابن
عساكر: 9 / 481 / 1، أسد الغابة: 3 / 454، تهذيب الكمال: 793، تاريخ الاسلام: 2 /
231، العبر: 1 / 55، تهذيب التهذيب: 6 / 190 191، الإصابة: 6 / 284، خلاصة
تذهيب الكمال: 228، شذرات الذهب: 1 / 53 و 54 و 56.
571

الامارة " (1).
حدث عنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي
ليلى. وحيان بن عمير، وابن سيرين، والحسن، وأخوه سعيد بن أبي
الحسن، وحميد بن هلال.
وقيل: كان اسمه عبد كلال، فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وله في " مسند بقي " أربعة عشر حديثا.
مات بالبصرة سنة خمسين. وقيل: توفي سنة إحدى وخمسين.
122 وائل بن حجر بن سعد * (م، 4)
أبو هنيدة الحضرمي، أحد الاشراف. كان سيد قومه. له وفادة وصحبة
ورواية.
ونزل العراق. فلما دخل معاوية الكوفة، أتاه، وبايع.

(1) وتمامه " فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها،
وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك " أخرجه
أحمد 5 / 63 والبخاري 13 / 110 في الاحكام: باب من سأل الامارة وكل إليها، و 11 / 452 في
الايمان و 523، ومسلم (1652) في الايمان، وفي الامارة 3 / 1456: باب النهي عن طلب
الامارة والحرص عليها، من طريق الحسن البصري حدثنا عبد الرحمن بن سمرة.. وأخرجه
أبو داود (3277)، والنسائي 7 / 10 في النذور: باب الكفارة قبل الحنث، والترمذي (1529)
وقال: حسن صحيح.
* مسند أحمد: 4 / 315، و 6 / 398، طبقات خليفة: 73، 133، التاريخ الكبير: 8 /
175 - 176، الجرح والتعديل: 9 / 42، الاستيعاب: 4 / 1562، تاريخ ابن عساكر: 17 /
363 / 1، أسد الغابة: 5 / 435، تهذيب الكمال: 1458، مجمع الزوائد: 9 / 373،
تهذيب التهذيب: 11 / 108 - 109، الإصابة: 10 / 294، خلاصة تذهيب الكمال: 415.
572

حدث عنه: ابناه: علقمة (1)، وعبد الجبار; ووائل بن علقمة،
وكليب بن شهاب; وآخرون.

(1) سماع علقمة من أبيه ثابت، فإنه قد صرح بالتحديث في غير ما حديث عنه خلافا لما قاله
الحافظ في " التقريب "، فقد أخرج النسائي في " سننه " 2 / 194: باب رفع اليدين عند الرفع
من الركوع: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن قيس بن سليم
العنبري، قال: حدثني عقمة بن وائل، قال: حدثني أبي قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده وهكذا، وأشار
قيس إلى نحو الاذنين. وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري في " جزء رفع اليدين " حدثنا أبو نعيم
الفضل بن دكين، أنبأنا قيس بن سليم العنبري قال: سمعت علقمة بن وائل بن حجر، حدثني
أبي.. وأخرج مسلم في " صحيحه " (401) في الصلاة: باب وضع يده اليمنى على اليسرى
بعد تكبيرة الاحرام تحت صدره فوق سرته: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا همام،
حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه
عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة.. وأخرج مسلم
(1680) في القسامة: باب صحة الاقرار: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا
أبو يونس، عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه قال: إني لقاعد..
وقد قال الترمذي في " سننه " بعد أن أخرج حديث علقمة بن وائل، عن أبيه.. (1454)
في الحدود: باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنى: هذا حديث حسن غريب صحيح،
وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من
أبيه.
ونص البخاري في " التاريخ الكبير " 7 / 41 على أن علقمة بن وائل سمع أباه. وما جاء في
" نصب الراية " عن الترمذي في " علله الكبير " قال: سألت محمد بن إسماعيل: هل سمع
علقمة من أبيه؟ فقال: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، فإنه وهم وإن صح النقل عنه، فإن
البخاري رحمه الله قال ذلك في حق أخيه عبد الجبار كما في " التاريخ الكبير " 6 / 106، 107،
والترمذي نفسه يقول عقب الحديث الذي أخرجه في " سننه " (1453): وسمعت محمدا يقول:
عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه ولا أدركه يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر. ونقل أبو داود
عن ابن معين كما في " تهذيب التهذيب " أن عبد الجبار مات أبوه وهو حمل.
وقال السمعاني في " الأنساب " أبو محمد عبد الجبار بن وائل بن حجر الكندي يروي عن
أمه، وعن أبيه وهو أخو علقمة ومن زعم أنه سمع أباه، فقد وهم، لان وائل بن حجر مات وأمه
حامل به وضعته بعده بستة أشهر. قلت: وكون عبد الجبار ولد بعد موت أبيه فيه نظر أيضا، فقد أخرج أبو داود (723) في الصلاة: باب رفع اليدين في الصلاة، والطحاوي 1 / 151 من طريق
محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي،
قال: فحدثني علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا كبر
رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، وأدخل يديه في ثوبه، قال: فإذا أراد أن يرفع
رأسه من الركوع، رفع يديه ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضا
رفع يديه حتى فرغ من صلاته، وإسناده صحيح.
573

ويقال: كان على راية قومه يوم صفين مع علي.
وروى سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: أنه وفد على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقطعه أرضا، وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليعرفه
بها.
قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك. قلت: إنك لا تكون من أرداف
الملوك. قال: أعطني نعلك. فقلت: انتعل ظل الناقة.
قال: فلما استخلف، أتيته; فأقعدني معه على السرير، فذكرني
الحديث.
فقلت في نفسي: ليتني كنت حملته بين يدي (1).
قلت: روى له الجماعة، سوى البخاري.
123 أبو واقد الليثي * (ع)
صاحب النبي صلى الله عليه وسلم سماه البخاري وغيره: الحارث بن عوف.

(1) إسناده حسن من أجل سماك بن حرب وهو في " المسند " 6 / 399 من طريق حجاج،
عن شعبة، عن سماك بن حرب به.
* مسند أحمد: 5 / 217، التاريخ لابن معين: 731، طبقات خليفة: 29، التاريخ
الكبير: 2 / 58، الجرح والتعديل: 3 / 82، معجم الطبراني: 3 / 274، المستدرك: 3 /
531، الاستيعاب: 4 / 1774، أسد الغابة: 6 / 325، تهذيب الكمال: 1656، تاريخ
الاسلام: 3 / 106، تهذيب التهذيب: 12 / 270 271، الإصابة: 12 / 88، خلاصة
تذهيب الكمال: 462، شذرات الذهب: 1 / 76.
574

وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم (1): شهد بدرا.
وله عدة أحاديث.
وحدث أيضا عن أبي بكر، وعمر.
وشهد الفتح، وسكن مكة.
حدث عنه: عطاء بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبر،
وعبيد الله بن عتبة، وبسر بن سعيد، وأبو مرة، مولى عقيل.
عداده في أهل المدينة. وعاش خمسا وسبعين، فيما قيل.
والظاهر أنه عاش نحوا من ثمانين سنة; إن كان شهد بدرا. فالله أعلم.
قال يونس بن كبير، عن محمد بن إسحاق: حدثني أبي، عن رجل من
مازن، عن أبي واقد، قال: إني لاتبع رجلا من المشركين يوم بدر، فوقع
رأسه قبل أن يصلى إليه سيفي، فعرفت أن غيري قتله (2).
إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سنان (3) بن أبي سنان الدؤلي:
أن أبا واقد الليثي أسلم يوم الفتح.
قلت: على هذا يكون أبو واقد صحابيين.

(1) جملة " وقال البخاري وأبو أحمد الحاكم " سقطت من المطبوع.
(2) الرجل من مازن مجهول، وبقية رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 89
عن مغازي ابن إسحاق.
(3) تحرف في المطبوع إلى " سيار ".
575

قال يحيى بن بكير، والفلاس؟ توفي أبو واقد الليثي سنة ثمان وستين.
وقال الواقدي: توفي سنة خمس وستين.
قلت: حديثه في الكتب الستة.
124 معقل بن يسار * (ع)
المزني البصري رضي الله عنه. من أهل بيعة الرضوان.
له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن النعمان بن مقرن.
حدث عنه: عمران بن حصين مع تقدمه والحسن البصري، وأبو
المليح بن أسامة، ومعاوية بن قرة المزني، وعلقمة بن عبد الله المزني،
وآخرون.
قال محمد بن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه.
مات بالبصرة في آخر معاوية.
125 معقل بن سنان الأشجعي * * (4)
له صحبة، ورواية. حمل لواء أشجع يوم الفتح. وهو راوي قصة

* مسند أحمد: 5 / 25، طبقات خليفة: 37، 176، تاريخ خليفة: 251، التاريخ
الكبير: 7 / 391، المعارف: 75، 297، تاريخ الفسوي: 1 / 310، الجرح والتعديل: 8 /
285، المستدرك: 3 / 577، الاستيعاب: 3 / 1432، أسد الغابة: 5 / 232، تهذيب
الكمال: 1352، تاريخ الاسلام: 2 / 317، مجمع الزوائد: 9 / 379، تهذيب التهذيب:
10 / 235 - 236، الإصابة: 9 / 259، خلاصة تذهيب الكمال: 383.
* * مسند أحمد: 3 / 474، 480 طبقات ابن سعد: 4 / 282، تاريخ خليفة: 250،
التاريخ الكبير: 7 / 391، المعارف: 298، تاريخ الفسوي: 1 / 310، الجرح والتعديل:
3 / 1431، تاريخ ابن عساكر: 17 / 6 / 2، أسد الغابة: 5 / 230، تهذيب الكمال:
1352، العبر: 1 / 68 تهذيب التهذيب: 10 / 233 - 234، الإصابة: 9 / 256، خلاصة
تذهيب الكمال: 383، شذرات الذهب: 1 / 71.
576

بروع (1).
حدث عنه: مسروق، وعلقمة، والأسود، وسالم بن عبد الله،
والحسن البصري; وغيرهم.
وكان يكون بالكوفة، فوفد على يزيد، فرأى منه أمورا منكرة، فسار
إلى المدينة، وخلع يزيد.
وكان من كبار أهل الحرة.
قيل: كنيته: أبو سنان، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو
محمد، وقيل: أبو يزيد.
أسر، فذبح صبرا يوم الحرة رضي الله عنه، وله نيف وسبعون سنة. قتل
في سنة ثلاث وستين.

(1) أخرج أحمد (4099) و (4100) و (4276) وأبو داود (2114) و (2115) و (2116)
والنسائي 6 / 121، 123 في النكاح: باب إباحة التزوج بغير صداق، والترمذي (1145) في
الرضاع: باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، وابن ماجة (1891)
في النكاح من طريق الشعبي عن مسروق، عن عبد الله في رجل تزوج امرأة، فمات عنها، ولم
يدخل بها، ولم يفرض لها الصداق، فقال: لها الصداق كاملا، وعليها العدة، ولها الميراث.
فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق. وإسناده صحيح،
وفي رواية: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا، مثل الذي قضيت به، ففرح بها
ابن مسعود.
وصححه الترمذي، وابن حبان (1263) و (1264) والحاكم 2 / 180 ووافقه الذهبي، وفي
القاموس: بروع كجرول، ولا يكسر، وتعقبه الشارح بقوله: وقد جزم أكثر المحدثين بصحة
الكسر، ورووه هكذا سماعا.
سير 2 / 37
577

126 أبو هريرة * (ع)
الامام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو هريرة
الدوسي اليماني. سيد الحفاظ الاثبات.
اختلف في اسمه على أقوال جمة; أرجحها: عبد الرحمن بن صخر.
وقيل: ابن غنم. وقيل: كان اسمه: عبد شمس، وعبد الله. وقيل:
سكين. وقيل: عامر. وقيل: برير. وقيل: عبد بن غنم. وقيل:
عمرو. وقيل: سعيد.
وكذا في اسم أبيه أقوال.
قال هشام بن الكلبي: هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن
عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن
دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد
الله بن مالك بن نصر بن الأزد.
وهذا بعينه قاله خليفة بن خياط في نسبه; لكنه قال: " عتاب " في
" عيان "، وقال: " منبه " في " هنية ".

* مسند أحمد: 2 / 228 و 5 / 114، طبقات ابن سعد: 2 / 362 - 364 و 4 / 325
341، طبقات خليفة: 114، تاريخ خليفة: 225، 227، المعارف: 277، 278، 285،
تاريخ الفسوي: 1 / 486 و 3 / 160، 161، 162، أخبار القضاة: 1 / 111، 112،
المستدرك: 3 / 506 514، الاستبصار: 291، الاستيعاب: 4 / 1768، حلية الأولياء:
1 / 376 385، ابن عساكر: 19 / 105 / 1، جامع الأصول: 9 / 95، أسد الغابة: 6 /
318، تهذيب الكمال: 1654، تاريخ الإسلام: 2 / 333، 339، العبر: 1 / 63، معرفة
القراء: 40، البداية والنهاية: 8 / 103، 115، مجمع الزوائد: 9 / 361، طبقات القراء:
1 / 371، 372، تهذيب التهذيب: 12 / 262 267، الإصابة: 12 / 63، خلاصة تذهيب
الكمال: 462، شذرات الذهب: 1 / 63.
578

ويقال: كان في الجاهلية اسمه: عبد شمس، أبو الأسود; فسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله; وكناه: أبا هريرة.
والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية. قال: وجدتها، فأخذتها في
كمي; فكنيت بذلك.
قال الطبراني: وأمه رضي الله عنها، هي: ميمونة بنت صبيح.
حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا طيبا مباركا فيه لم يلحق في كثرته وعن
أبي، وأبي بكر، وعمر، وأسامة، وعائشة، والفضل، وبصرة بن أبي
بصرة، وكعب الحبر.
حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين; فقيل: بلغ عدد أصحابه
ثمان مئة، فاقتصر صاحب " التهذيب "، فذكر من له رواية عنه في كتب
الأئمة الستة، وهم:
إبراهيم بن إسماعيل، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وإبراهيم بن عبد
الله بن قارظ الزهري ويقال: عبد الله بن إبراهيم وإسحاق مولى زائدة،
وأسود بن هلال، وأغر بن سليك، والأغر أبو مسلم، وأنس بن حكيم،
وأنس بن مالك، وأوس بن خالد.
وبسر بن سعيد، وبشير بن نهيك، وبشير بن كعب، وبعجة بن عبد
الله الجهني، وبكير بن فيروز.
وثابت بن عياض (1)، وثابت بن قيس الزرقي، وثور بن عفير.
وجابر بن عبد الله، وجبر بن عبيدة، وجعفر بن عياض، وجمهان

(1) تحرف في المطبوع إلى " عباس ".
579

الأسلمي، والجلاس.
والحارث بن مخلد، وحريث بن قبيصة، والحسن البصري، وحصين
ابن اللجلاج ويقال: خالد. ويقال: قعقاع وحصين بن مصعب،
وحفص بن عاصم بن عمر، وحفص بن عبد الله بن أنس، والحكم بن
ميناء، وحكيم بن سعد، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وحميد بن عبد
الرحمن، وحميد بن مالك، وحنظلة بن علي، وحيان بن بسطام، والد
سليم.
وخالد بن عبد الله، وخالد بن غلاق، وخباب صاحب المقصورة،
وخلاس، وخيثمة بن عبد الرحمن.
وذهيل بن عوف.
وربيعة الجرشي، ورميح الجذامي.
وزرارة بن أوفى، وزفر بن صعصعة بخلف وزياد بن ثويب، وزياد
ابن رياح، وزياد بن قيس، وزياد الطائي، وزيد بن أسلم مرسل وزيد
ابن أبي عتاب.
وسالم العمري، وسالم بن أبي الجعد، وسالم أبو الغيث، وسالم
مولى النصريين (1)، وسحيم الزهري، وسعد بن هشام، وسعيد بن
الحارث، وسعيد بن أبي الحسن، وسعيد بن حيان، وسعيد المقبري،
وسعيد بن سمعان، وسعيد بن عمرو بن الأشدق، وسعيد بن مرجانة،
وسعيد بن المسيب، وسعيد بن أبي هند، وسعيد بن يسار، وسلمان (2)

(1) تصحف في المطبوع إلى " البصرين ".
(2) تحرف في المطبوع إلى " سليمان ".
580

الأغر، وسلمة بن الأزرق، وسلمة الليثي، وسليمان بن حبيب
المحاربي، وسليمان بن سنان، وسليمان بن يسار، وسنان بن أبي
سنان.
وشتير وقيل: سمير بن نهار، وشداد أبو عمار، وشريح بن هانئ،
وشفي بن ماتع، وشقيق بن سلمة، وشهر بن حوشب.
وصالح بن درهم، وصالح بن أبي صالح، وصالح مولى التوأمة،
وصعصعة بن مالك، وصهيب العتواري.
والضحاك بن شرحبيل، والضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم،
وضمضم بن جوس (1).
وطارق بن محاسن (2)، وطاووس اليماني.
وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وعامر بن سعد البجلي، وعامر
الشعبي، وعباد أخو سعيد المقبري، وعباس الجشمي، وعبد الله بن
ثعلبة بن صعير، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث، وعبد الله بن رافع مولى
أم سلمة، وأبو سلمة عبد الله بن رافع الحضرمي، وعبد الله بن رباح
الأنصاري، وعبد الله بن سعد مولى عائشة، وعبد الله بن أبي سليمان،
وعبد الله بن شقيق، وعبد الله بن ضمرة، وابن عباس، وابن ابن عمر عبيد
الله وقيل: عبد الله وعبد الله بن عبد الرحمن الدوسي، وعبد الله بن عتبة

(1) تصحف في المطبوع إلى جوش بالشين المعجمة، فقد التبست على المحقق علامة
الاهمال المثبتة فوق السين هكذا كقلامة الظفر مضجعة على قفاها، فظنها النقط الثلاث التي تثبت
فوق الشين، فكتبها " جوش ".
(2) وقيل: مخاشن، بمعجمتين وضم أوله.
581

الهذلي، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري، وعبد الله بن فروخ، وعبد الله
ابن يامين، وعبد الحميد بن سالم، وعبد الرحمن بن آدم، وعبد الرحمن بن
أذينة، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن حجيرة، وعبد
الرحمن بن أبي حدرد، وعبد الرحمن بن خالد بن ميسرة، وعبد الرحمن بن
سعد مولى الأسود، وعبد الرحمن بن سعد المقعد، وعبد الرحمن بن
الصامت، وابن الهضهاض، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وعبد
الرحمن بن أبي عمرة، وعبد الرحمن بن غنم، وعبد الرحمن بن أبي
كريمة، والد السدي، وعبد الرحمن بن مهران، مولى أبي هريرة، وعبد
الرحمن بن أبي نعم البجلي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الرحمن
ابن يعقوب الحرقي، وعبد العزيز بن مروان، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد
الرحمن بخلف وعبد الملك بن يسار، وعبيد الله بن أبي رافع النبوي،
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبيد الله بن عبد الله بن موهب، وعبيد بن
حنين، وعبيد بن سلمان، وعبيد بن أبي عبيد، وعبيد بن عمير
الليثي، وعبيدة بن سفيان، وعثمان بن أبي عبيد، وعبيد بن عمير
الليثي، وعبيدة بن سفيان، وعثمان بن أبي سودة، وعثمان بن شماس
بخلف وعثمان بن عبد الله بن موهب، وعجلان، والد محمد، وعجلان،
مولى المشمعل، وعراك بن مالك، وعروة بن الزبير، وعروة بن تميم،
وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي علقمة، وعطاء بن أبي مسلم
الخراساني ولم يدركه وعطاء بن مينا، وعطاء بن يزيد، وعطاء بن
يسار، وعطاء مولى ابن أبي أحمد، وعطاء مولى أم صبية، وعطاء
الزيات إن صح وعكرمة بن خالد وما أظنه لحقه وعكرمة العباسي،
وعلقمة بن بجالة، وعلي بن الحسين، وعلي بن رباح، وعلي بن شماخ
إن صح وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، وعمارة وقيل: عمرو
ابن أكيمة الليثي، وعمر بن الحكم بن ثوبان، وعمر بن الحكم بن رافع،
582

وعمر بن خلدة قاضي المدينة، وعمرو بن دينار، وعمرو بن أبي
سفيان، وعمرو بن سليم الزرقي، وعمرو بن عاصم بن سفيان بن عبد
الله الثقفي، وعمرو بن عمير، وعمرو بن قهيد، وعمرو بن ميمون
الأودي، وعمير بن الأسود العنسي، وعمير بن هانئ العنسي، وعنبسة
ابن سعيد بن العاص، وعوف بن الحارث، رضيع عائشة، والعلاء بن
زياد العدوي، وعيسى بن طلحة.
والقاسم بن محمد، وقبيصة بن ذؤيب، وقسامة بن زهير، والقعقاع
ابن حكيم ولم يلقه وقيس بن أبي حازم.
وكثير بن مرة، وكعب المدني، وكليب بن شهاب، وكميل بن زياد،
وكنانة، مولى صفية.
ومالك بن أبي عامر الأصبحي، ومجاهد، والمحرر بن أبي هريرة،
ومحمد بن إياس بن البكير، ومحمد بن ثابت، ومحمد بن زياد، ومحمد
ابن سيرين، ومحمد بن شرحبيل، ومحمد بن أبي عائشة، ومحمد بن
عباد بن جعفر، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ومحمد بن عبد
الرحمن بن أبي ذباب، ومحمد بن عمار القرظ، ومحمد بن عمرو بن
عطاء بخلف ومحمد بن عمير، ومحمد بن قيس بن مخرمة، ومحمد بن
كعب القرظي، ومحمد بن مسلم الزهري ولم يلحقه ومحمد بن
المنكدر، ومروان بن الحكم، ومضارب بن حزن، والمطلب بن عبد الله
ابن حنطب، والمطوس ويقال: أبو المطوس ومعبد بن عبد الله بن هشام
والد زهرة، والمغيرة بن أبي بردة، ومكحول ولم يره والمنذر أبو نضرة
العبدي، وموسى بن طلحة، وموسى بن وردان، وموسى بن يسار،
وميمون بن مهران، ومينا، مولى عبد الرحمن بن عوف.
583

ونافع بن جبير، ونافع بن عباس، مولى أبي قتادة، ونافع بن أبي
نافع، مولى أبي أحمد، ونافع العمري، والنضر بن سفيان، ونعيم
المجمر. وهمام بن منبه، وهلال بن أبي هلال، والهيثم بن أبي سنان.
وواثلة بن الأسقع، والوليد بن رباح.
وواثلة بن الأسقع، والوليد بن رباح.
ويحيى بن جعدة، ويزيد بن الأصم، ويحيى بن أبي صالح، ويحيى
ابن النضر الأنصاري، ويحيى بن يعمر، ويزيد بن رومان ولم يلحقه
ويزيد بن عبد الله بن الشخير، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ويزيد بن
عبد الرحمن الأودي والد إدريس ويزيد بن هرمز. ويزيد، مولى
المنبعث، ويعلى بن عقبة، ويعلى بن مرة، ويوسف بن ماهك.
وأبو إدريس الخولاني، وأبو إسحاق مولى بني هاشم، وأبو أمامة بن
سهل، وأبو أيوب المراغي، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة (1)، وأبو
بكر بن عبد الرحمن، وأبو تميمة الهجيمي، وأبو ثور الأزدي، وأبو جعفر
المدني فإن كان الباقر فمرسل وأبو الجوزاء الربعي، وأبو حازم
الأشجعي، وأبو الحكم البجلي، وأبو الحكم مولى بني ليث، وأبو حميد
فيقال: هو عبد الرحمن بن سعد المقعد وأبو حي المؤذن، وأبو خالد
البجلي، والد إسماعيل، وأبو خالد الوالبي، وأبو خالد، مولى آل جعدة،
وأبو رافع الصائغ، وأبو الربيع المدني، وأبو رزين الأسدي، وأبو زرعة
البجلي، وأبو زيد، وأبو السائب، مولى هشام بن زهرة، وأبو سعد الخير
حمصي. ويقال: أبو سعيد وأبو سعيد بن أبي المعلى، وأبو سعيد
الأزدي (2)، وأبو سعيد المقبري. وأبو سعيد، مولى ابن عامر، وأبو سفيان

(1) تحرف في المطبوع إلى " خيثمة ".
(2) سقط من المطبوع وأبو سعيد الأزدي ".
584

مولى ابن أبي أحمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو السليل القيسي (1)،
وأبو الشعثاء المحاربي، وأبو صالح الأشعري، وأبو صالح الحنفي، وأبو
صالح الخوزي، وأبو صالح السمان، وأبو صالح، مولى ضباعة، وأبو
الصلت، وأبو الضحاك، وأبو العالية الرياحي، وأبو عبد الله الدوسي، وأبو
عبد الله القراظ، وأبو عبد الله، مولى الجندعيين، وأبو عبد العزيز، وأبو
عبد الملك، مولى أم مسكين. وأبو عبيد، مولى ابن أزهر، وأبو عثمان
التبان، وأبو عثمان النهدي، وأبو عثمان الطنبذي، وأبو عثمان آخر، وأبو
قلابة الجرمي مرسل وأبو كباش العيشي (2)، وأبو كثير السحيمي، وأبو
المتوكل الناجي، وأبو مدلة، مولى عائشة، وأبو مرة، مولى عقيل، وأبو
مريم الأنصاري، وأبو مزاحم مدني وأبو مزرد، وأبو المهزم البصري،
وأبو ميمونة مدني وأبو هاشم الدوسي، وأبو الوليد، مولى عمرو بن
حريث، وأبو يحيى، مولى آل جعدة، وأبو يحيى الأسلمي، هو وأبو يونس
مولى أبي هريرة.
وابن حسنة (3) الجهني، وابن سيلان، وابن مكرز شامي وابن وثيمة
النصري.
وكريمة بنت الحسحاس، وأم الدرداء الصغرى.

(1) هو ضريب بن نفير القيسي الجريري ثقة من رجال مسلم وقد تحرف في المطبوع إلى
" العبسي ".
(2) تصحف في المطبوع إلى " العبسي " وأبو كباش هذا هو راوي حديث " نعمت الأضحية
الجذع من الضأن " عن أبي هريرة، أخرجه الترمذي (1499).
(3) تحرف في المطبوع إلى " جهينة ".
585

قال البخاري: روى عنه، ثمان مئة أو أكثر.
وقال غيره: كان مقدمه وإسلامه في أول سنة سبع، عام خيبر.
وقال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة، وله بها دار، فتصدق بها على
مواليه، فباعوها من عمرو بن مربع (1).
وقال عبد الرحمن بن لبينة (2) رأيت أبا هريرة رجلا آدم، بعيد ما بين
المنكبين، أفرق الثنيتين، ذا ضفيرتين.
وقال ابن سيرين: كان أبو هريرة أبيض لينا، لحيته حمراء.
وقد حدث بدمشق، فروى محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن
إسماعيل بن عبيد الله، عن كريمة بنت الحسحاس: قالت: سمعت أبا
هريرة في بيت أم الدرداء يقول: " ثلاث هن كفر: النياحة، وشق الجيب،
والطعن في النسب " (3).

(1) ابن عساكر 19 / 108 / 2.
(2) لبينة بالنون: وهو عبد الرحمن بن نافع بن لبينة مترجم في " الجرح والتعديل " 5 /
294، وقد تصحف فيه إلى " لبينة ".
(3) هو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 105 / 2، ومحمد بن كثير هو الصنعاني كثير الخطأ،
وباقي رجاله ثقات، وأخرج مسلم في " صحيحه " (67) في الايمان: باب إطلاق اسم الكفر على
الطعن في النسب والنياحة من حديث أبي هريرة مرفوعا: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن
في النسب، والنياحة على الميت " والنياحة: رفع صوت بالندب، والندب: تعداد شمائل الميت
بأن يقول: وا كهفاه وا جبلاه، وهو حرام وإن لم يكن معه بكاء.
وأخرج البخاري 3 / 123 في الجنائز، ومسلم (103) في الايمان من حديث ابن مسعود
مرفوعا " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ".
وأخرج مسلم في " صحيحه " (934) من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا " أربع في أمتي
من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم،
والنياحة ".
586

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عبد شمس، قواه ابن
خزيمة، وقال: هذه دلالة أن اسمه كان عبد شمس.
وهو أحسن إسنادا من حديث سفيان بن حسين، عن الزهري، إلا أن
يكون له اسمان قبل.
عمر بن علي: حدثنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرر،
قال: كان اسم أبي: عبد عمرو بن عبد غنم (1).
وقال الذهلي: هذا أوقع الروايات عندي على القلب. واعتمده
النسائي (2).
أبو إسماعيل المؤدب: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة: واسمه عبد الرحمن بن صخر (3).
أبو معشر نجيح، عن محمد بن قيس، قال: كان أبو هريرة يقول: لا
تكنوني أبا هريرة; كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا هر، فقال: " ثكلتك أمك! أبا
هر " والذكر خير من الأنثى (4).
وعن كثير ين زيد، عن الوليد بن رباح، أن أبا هريرة كان يقول: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يدعوني أبا هر (5).
روح بن عبادة: حدثنا أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع: قلت لأبي

(1) ابن عساكر 19 / 107 / 1.
(2) ابن عساكر 19 / 107 / 1.
(3) ابن عساكر 19 / 107 / 2.
(4) ابن عساكر 19 / 109 / 2.
(5) " المستدرك " 3 / 506. وابن عساكر 19 / 109 / 2.
587

هريرة: لم كنوك أبا هريرة؟ قال: أما تفرق مني؟ قلت: بلى، إني
لأهابك; قال: كنت أرعى غنما لأهلي، فكانت لي هريرة ألعب بها،
فكنوني بها (1).
وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن لبينة الطائفي،
أنه وصف لي أبا هريرة، فقال: كان رجلا آدم، بعيد المنكبين، أفرق
الثنيتين، ذا ضفيرتين (2).
وقال قرة بن خالد: قلت لابن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشنا؟
قال: بل كان لينا، وكان أبيض، لحيته حمراء، يخضب (3).
وروى أبو العالية، عن أبي هريرة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " ممن أنت "؟
قلت: من دوس. قال: " ما كنت أرى أن في دوس أحدا فيه خير " (4).
وقال أبو هريرة: شهدت خيبر. هذه رواية ابن المسيب (5).
وروى عنه قيس بن أبي حازم: جئت يوم خيبر بعد ما فرغوا من
القتال (6).

(1) إسناده حسن، وأخرجه الترمذي (3840) في المناقب، وابن سعد 4 / 329، وابن
عساكر 19 / 109 / 1 من حديث عبد الله بن رافع، وحسنه الترمذي، والحافظ في " الإصابة " في
ترجمة أبي هريرة من طريق يونس بن بكير، عن أبي إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي، عن
أبي هريرة...
(2) ابن عساكر 19 / 110 / 1.
(3) ابن عساكر 19 / 110 / 1.
(4) ابن عساكر 19 / 109 / 2 و 110 / 1، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 103 عن أبي
داود الطيالسي وغير واحد، عن أبي خلدة خالد بن دينار، عن أبي العالية. ورجاله ثقات.
(5) ابن عساكر 19 / 110 / 1.
(6) ابن عساكر 19 / 110 / 1، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 103 عن عبد الرزاق.
588

الدراوردي: حدثنا خثيم بن عراك، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وقدمت المدينة مهاجرا، فصليت الصبح خلف
سباع بن عرفطة كان استخلفه فقرأ في السجدة الأولى بسورة مريم; وفي
الآخرة: * (ويل للمطففين) *.
فقلت: ويل لأبي! قل رجل كان بأرض الأزد، إلا وكان له مكيالان:
مكيال لنفسه; وآخر يبخس به الناس (1).
وقال ابن أبي خالد: حدثنا قيس: قال لنا أبو هريرة: صحبت رسول
الله ثلاث سنين (2).
وأما حميد بن عبد الرحمن الحميري، فقال: صحب أربع سنين (3).

(1) إسناده قوي، وأخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 3 / 160 من طريق سعيد بن أبي
مريم، عن الدراوردي، ونقله عنه ابن كثير في " البداية " 8 / 104، وأخرجه ابن سعد في
" الطبقات " 4 / 327، 328 من طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي، عن وهيب، وحدثنا خثيم
ابن عراك بن مالك، عن أبيه، عن نفر من قومه، وفي " الإصابة " (3074) في ترجمة سباع بن
عرفطة الغفاري: روى ابن خزيمة، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 18، والطحاوي من
طريق خثيم بن عراك، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد
استخلف على المدينة سباع بن عرفطة، فشهدنا معه الصبح، وجهرنا، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
وانظر " الفتح " 7 / 356، وأخرج البزار فيما ذكره صاحب " المجمع " 7 / 135 من حديث أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل سباع بن عرفطة على المدينة، فقرأ: (ويل للمطففين) فقلت:
هلك فلان، له صاعان: صاع يعطي به وصاع يأخذ به. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح
غير إسماعيل بن مسعود المجدري وهو ثقة.
(2) أخرجه أحمد 2 / 475 من طريق يحيى، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن
أبي هريرة. وأخرجه يعقوب بن سفيان 3 / 161 عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن
إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم.... وأخرجه أيضا عن الحميدي، عن
سفيان، عن إسماعيل، عن قيس...
(3) أخرجه يعقوب بن سفيان 3 / 161 عن سعيد بن منصور، عن أبي عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميدي حدثهم قال: لقيت رجلا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحبه أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات "
4 / 327 من طريق يعقوب بن إسحاق، وسعيد بن منصور، عن أبي عوانة، عن داود بن عبد الله
الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: صحب أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين.
589

وهذا أصح. فمن فتوح خيبر إلى الوفاة أربعة أعوام وليال.
وقد جاع أبو هريرة، واحتاج، ولزم المسجد.
ولما هاجر، كان معه مملوك له، فهرب منه (1).
قال ابن سيرين: قال أبو هريرة: لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من
الجوع، حتى يقولوا: مجنون (2)!
هشام، عن محمد، قال: كنا عند أبي هريرة، فتمخط، فمسح
بردائه، وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان! لقد رأيتني،
وإني لاخر فيما بين منزل عائشة والمنبر مغشيا علي من الجوع، فيمر
الرجل، فيجلس على صدري، فأرفع رأسي فأقول: ليس الذي ترى، إنما
هو الجوع (3).

(1) أخرجه البخاري 5 / 117 في العتق: باب إذا قال لعبده: هو لله، ونوى العتق والاشهاد
بالعتق، من طريق عبيد الله بن سعيد، عن أبي أسامة، عن إسماعيل بن أبي حازم، عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:
يا ليلة من طولها وعنائها * على أنها من دارة الكفر نجت
قال: وأبق مني غلام لي في الطريق، قال: فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فبينا أنا
عنده، إذ طلع الغلام، فقال لي: يا أبا هريرة، هذا غلامك، فقلت: هو حر لوجه الله،
فأعتقته. وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 325، 326.
(2) " حلية الأولياء " 1 / 378.
(3) أخرجه البخاري 13 / 258 في الاعتصام: باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل
العلم...، والترمذي (2367) في الزهد: باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن
سعد في " الطبقات " 4 / 327.
590

قلت: كان يظنه من يراه مصروعا، فيجلس فوقه ليرقيه، أو نحو
ذلك.
عطاء بن السائب، عن عامر، عن أبي هريرة، قال: كنت في
الصفة، فبعث إلينا رسول الله بتمر عجوة; فكنا نقرن التمرتين من الجوع;
وكان أحدنا إذا قرن، يقول لصاحبه: قد قرنت، فاقرنوا (1).
عمر بن ذر: حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة، قال: والله; إن كنت
لأعتمد على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من
الجوع; ولقد قعدت على طريقهم، فمر بي أبو بكر، فسألته عن آية في
كتاب الله ما أسأله إلا ليستتبعني فمر، ولم يفعل، فمر عمر، فكذلك،
حتى مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف ما في وجهي من الجوع، فقال: " أبو
هريرة "؟، قلت: لبيك يا رسول الله. فدخلت معه البيت، فوجد لبنا في
قدح، فقال: " من أين لكم هذا "؟ قيل: أرسل به إليك فلان. فقال: " يا
أبا هريرة، انطلق إلى أهل الصفة (2)، فادعهم " وكان أهل الصفة أضياف
الاسلام، لا أهل ولا مال إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة، أرسل بها إليهم،
ولم يصب منها شيئا، وإذا جاءته هدية، أصاب منها وأشركهم فيها،

(1) أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1350) من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن جرير،
عن عطاء بن السائب، عن أبي هريرة. وعطاء بن السائب قد اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد
الاختلاط، وذكره الحافظ في الفتح 9 / 494 في الأطعمة عن ابن حبان، وسكت عليه، وهو في
" تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 111 / 1.
(2) الصفة: كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يكون فيها فقراء المهاجرين، ومن لا
منزل له منهم، وأهلها منسوبون إليها.
وكان أهل الصفة يقومون بفروض عظيمة، منها تلقي القرآن والسنة، فكانت الصفة مدرسة
الاسلام، ومنها حراسة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الاستعداد لتنفيذ أوامره وحاجاته في طلب من يريد طلبه
من المسلمين وغير ذلك، وكانوا قائمين بهذه الفروض عن المسلمين.
591

فساءني إرساله إياي، فقلت: كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة
أتقوى بها، وما هذا اللبن في أهل الصفة!
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم، فأقبلوا مجيبين، فلما
جلسوا، قال: " خذ يا أبا هريرة، فأعطهم ". فجعلت أعطي الرجل،
فيشرب حتى يروى، حتى أتيت على جميعهم; وناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فرفع رأسه إلي متبسما، وقال: " بقيت أنا وأنت ". قلت: صدقت يا
رسول الله. قال: " فاشرب ". فشربت. فقال: " اشرب "، فشربت.
فما زال يقول: اشرب، فأشرب; حتى قلت: والذي بعثك بالحق، ما
أجد له مساغا. فأخذ، فشرب من الفضلة (1).
القعنبي: حدثنا محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:
خرجت يوما من بتي إلى المسجد، فوجدت نفرا، فقالوا: ما أخرجك؟
قلت: الجوع. فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع.
فقمنا، فدخلنا على رسول الله، فقال: " ما جاء بكم هذه الساعة "؟
فأخبرناه; فدعا بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين. فقال: " كلوا
هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانكم يومكم
هذا ".
فأكلت تمرة، وخبأت الأخرى، فقال: " يا أبا هريرة، لم رفعتها "؟

(1) أخرجه البخاري 11 / 241، 246 في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، وأحمد 2 / 515، والترمذي (2477) في صفة القيامة: باب (36) من طريق عمر بن
ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة. وهو في تاريخ ابن عساكر 19 / 111.
592

قلت: لأمي. قال: " كلها، فسنعطيك لها تمرتين " (1).
عكرمة بن عمار: حدثنا أبو كثير السحيمي واسمه: يزيد بن عبد
الرحمن: حدثني أبو هريرة، قال: والله، ما خلق الله مؤمنا يسمع بي إلا
أحبني. قلت: وما علمك بذلك؟ قال: إن أمي كانت مشركة، وكنت
أدعوها إلى الاسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوما; فأسمعتني في رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما أكره. فأتيت رسول الله، وأنا أبكي، فأخبرته، وسألته أن يدعو
لها. فقال " اللهم اهد أم أبي هريرة ". فخرجت أعدو أبشرها،
فأتيت، فإذا الباب مجاف، وسمعت خضخضة الماء، وسمعت حسي،
فقالت: كما أنت، ثم فتحت، وقد لبست درعها، وعجلت من خمارها،
فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
قال: فرجعت إلى رسول الله، أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن;
فأخبرته، وقلت: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين. فقال:
" اللهم، حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم
إليهما " (2).
إسناده حسن.
الجريري، عن أبي نضرة، عن الطفاوي، قال: نزلت على أبي هريرة
بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أشد تشميرا ولا

(1) رجاله ثقات خلا والد محمد بن هلال فقد وثقه ابن حبان، وروى عنه ابنه محمد وخالد
ابن سعيد بن أبي مريم، ومع ذلك فقد قال الذهبي: لا يعرف، وهو في طبقات ابن سعد 4 /
328، 329. وابن عساكر في " تاريخه " 19 / 111 / 2.
(2) أخرجه أحمد 2 / 219، 220، ومسلم (2491) في فضائل الصحابة، وسنده حسن كما
قال المصنف من أجل عكرمة بن عمار. وهو في تاريخ دمشق 19 / 112 / 2.
سير 2 / 38
593

أقوم على ضيف، من أبي هريرة.
فدخلت عليه ذات يوم، وهو على سريره، ومعه كيس فيه نوى أو
حصى أسفل منه سوداء، فيسبح، ويلقي إليها، فإذا فرغ منها، ألقى
إليها بالكيس; فأوعته فيه، ثم ناولته; فيعيد ذلك (1).
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العلاء بن الحضرمي، وبعث معه أبا هريرة
مؤذنا (2).
وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة.
قال محمد بن المثنى الزمن: حدثنا أبو بكر الحنفي: حدثنا عبد الله بن
أبي يحيى: سمعت سعيد بن أبي هند، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك "؟ قلت: أسألك
أن تعلمني. مما علمك الله. فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني
وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها; فحدثني، حتى إذا استوعبت
حديثه، قال: " أجمعها فصرها إليك " فأصبحت؟ أسقط حرفا مما
حدثني (3).
ابن شهاب، عن سعيد، وأبي سلمة: أن أبا هريرة قال: إنكم
تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وتقولون: ما

(1) أخرجه أحمد 2 / 540، 541، وأبو داود (2174) في النكاح: باب ما يكره من ذكر
الرجل ما يكون من إصابته من أهله. وأخرجه ابن عساكر 19 / 113 / 1. وإسناده ضعيف لجهالة
الطفاوي فإنه لا يعرف، وقد أخطأ مؤلف " دفاع عن أبي هريرة " فصححه ص 63.
(2) ابن عساكر 19 / 113 / 2.
(3) رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 381، وهو في تاريخ ابن عساكر 19 /
113 / 2، والنمرة: شملة فيها خطوط بيض وسود.
594

للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم
الصفق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم; وكنت
أمرا مسكينا من مساكين الصفة، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني،
فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث
يحدثه يوما: " إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع
إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول ".
فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى مقالته، جمعتها إلى صدري. فما
نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شئ (1).
الزهري أيضا عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: تزعمون أني أكثر
الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله الموعد إني كنت امرأ مسكينا، أصحب
رسول الله على ملء بطني، وإنه حدثنا يوما، وقال: " من يبسط ثوبه حتى
أقضي مقالتي، ثم قبضه إليه، لم ينس شيئا سمع مني أبدا " ففعلت.
فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت شيئا سمعته منه (2).
والحديثان صحيحان محفوظان (3).

(1) أخرجه البخاري 4 / 247 في البيوع: باب ما جاء في قول الله عز وجل: (فإذا قضيت
الصلاة فانتشروا في الأرض) من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي
هريرة، وأخرجه مسلم (2492) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي هريرة من طريق
الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 330، وابن
عساكر 19 / 114.
والصفق في البيع: صوت وقع يد البائع على يد المشتري عند عقد التبايع.
(2) أخرجه البخاري 1 / 190 و 5 / 21 و 13 / 271، ومسلم (2294) من طريق الزهري،
عن الأعرج، عن أبي هريرة.
(3) وقال: الحافظ في " الفتح " 1 / 104 بعد أن ذكر الاسنادين: والاسنادان جميعا محفوظان
صححهما الشيخان.
595

قرأت على ابن عساكر، عن أبي روح: أخبرنا محمد بن إسماعيل:
أخبرنا أبو مضر محلم بن إسماعيل: أخبرنا الخليل بن أحمد: حدثنا
السراج: حدثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي
عمرو، عن المقبري، عن أبي هريرة، قلت: يا رسول الله، من أسعد
الناس بشفاعتك؟ قال: " لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألني عن هذا الحديث
أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث: إن أسعد الناس
بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من نفسه (1) ".
أبو الأحوص، عن زيد العمي، عن أبي الصديق، عن أبي سعيد
الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبو هريرة وعاء من العلم " (2).
ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما، فبثثته في الناس; وأما الآخر، فلو بثثته،
لقطع هذا البلعوم (3).

(1) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 373، والبخاري 1 / 173 في العلم: باب الحرص
على الحديث و 11 / 385 في الرقاق من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد
المقبري، عن أبي هريرة، وهو في " طبقات ابن سعد " 4 / 330، و " تاريخ دمشق " لابن
عساكر 19 / 115 / 2 وقوله " خالصا " قال الحافظ: احتراز من المنافق ومعنى " أفعل " في قوله:
" أسعد " الفعل لا أنها أفعل التفضيل، أي: سعيد الناس، كقوله تعالى: * (وأحسن مقيلا) *.
ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابها وأن كل أحد يحصل له سعد بشفاعته، لكن المؤمن
المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لأراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض
الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار
بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة
بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها، فظن الاشتراك في السعادة بالشفاعة، وأن
أسعدهم بها المؤمن المخلص.
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " وزيد العمي ضعيف.
(3) أخرجه البخاري 1 / 192، 193 في العلم: باب حفظ العلم من طريق إسماعيل بن أبي
أويس، عن أبي بكر عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وهو
في " تاريخ دمشق " 19 / 16 / 1. وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها
تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم. وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على
نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن
معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة.
وقال ابن المنير: جعل بعضهم هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة
ظاهرا وباطنا، وذلك الباطل، إنما حاصله الانحلال من الدين، وإنما أراد أبو هريرة بقوله:
قطع، أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن
الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها.
596

الأعمش، عن أبي صالح، قال: كان أبو هريرة من أحفظ
الصحابة (1).
محمد بن راشد، عن مكحول، قال: كان أبو هريرة يقول: رب كيس
عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني: من العلم (2).
قلت: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في
الأصول، أو الفروع; أو المدح والذم; أما حديث يتعلق بحل أو حرام،
فلا يحل كتمانه بوجه; فإنه من البينات والهدى. وفي " صحيح
البخاري ": قول الإمام علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون،
ودعوا ما ينكرون; أتحبون أن يكذب الله ورسوله (3)! وكذا لو بث أبو هريرة

(1) تاريخ دمشق 19 / 116 / 2.
(2) تاريخ دمشق 19 / 116 / 2.
(3) أخرجه البخاري 1 / 199 في العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا
يفهموا، دون قوله: " ودعوا ما ينكرون " وهي عند آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له. قال
الحافظ في " الفتح ": وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن
مسعود: ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة
صحيحه 1 / 11.
597

ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقتل. ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر
الحديث الفلاني إحياء للسنة، فله ما نوى وله أجر وإن غلط في اجتهاده.
روى عوف الأعرابي، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن أحد
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا من أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن
مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كله فأبي، وقال:
ارو كما روينا.
فلما أبى عليه، تغفله مروان، وأقعد له كاتبا ثقفا، ودعاه، فجعل أبو
هريرة يحدثه، ويكتب ذاك الكاتب، حتى استفرغ حديثه أجمع.
ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع؟ قال: وقد فعلت!
قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي، فقرؤوه. فقال أبو هريرة: أما إنكم قد
حفظتم، وإن تطعني، تمحه. قال: فمحاه (1).
سمعه هوذة بن خليفة منه.
حماد بن زيد: حدثني عمرو بن عبيد الأنصاري: حدثني أبو
الزعيزعة كاتب مروان: أن مروان أرسل إلى أبي هريرة، فجعل يسأله،
وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأس الحول، دعا به،
فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا
نقض، ولا قدم ولا أخر (2).
قلت: هكذا فليكن الحفظ.

(1) رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 509، 510، وابن عساكر 19 /
116 / 2.
(2) أبو الزعيزعة لا يعرف، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 3 / 510، وأقره الذهبي، وهو في
تاريخ دمشق 19 / 116 / 2.
598

قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره (1).
الوليد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، قال: تواعد
الناس ليلة إلى قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقال فيهم أبو هريرة
يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أصبح (2).
كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن شقيق، قال: قال أبو هريرة: لا
أعرف أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه مني (3).
سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام:
سمعت أبا هريرة يقول: ما أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا مني عنه،
إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب (4).

(1) تاريخ دمشق 19 / 117 / 1.
(2) تاريخ دمشق 19 / 117 / 1.
(3) تاريخ دمشق 19 / 117 / 1.
(4) أخرجه البخاري 1 / 184 في العلم: باب كتابة العلم. وعمرو: هو ابن دينار المكي.
وهو في تاريخ ابن عساكر 19 / 117 / 1. وهذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان يجزم بأنه ليس
في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن
عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة. وقد قال العلماء: إن السبب فيه
من جهات، أحدها: أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقلت الرواية
عنه.
ثانيها: أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن
يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات،
ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمان مئة نفس من
التابعين.
ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بأن لا ينسى ما يحدثه به.
رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها
ويحدث منها، فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين.
599

الطيالسي: حدثنا عمران القطان، عن بكر بن عبد الله، عن أبي
رافع، عن أبي هريرة: أنه لقي كعبا، فجعل يحدثه، ويسأله; فقال
كعب: ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة (1).
حماد بن شعيب، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس بن
مخرمة: أن رجلا جاء إلى زيد بن ثابت، فسأله عن شئ، فقال: عليك
بأبي هريرة; فإنه بينا أنا وهو وفلان في المسجد ندعو، خرج علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم; فجلس، وقال: " عودوا إلى ما كنتم ". قال زيد: فدعوت أنا
وصاحبي، ورسول الله يؤمن. ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم، إني
أسألك مثل سألاك، وأسألك علما لا ينسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" آمين ".
فقلنا: ونحن نسأل الله علما لا ينسى. فقال: " سبقكما بها
الدوسي ".
أخرجه الحاكم في " مستدركه " (2) لكن حماد ضعيف.
سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن
يزيد: سمع عمر يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1) إسناده ضعيف، وعمران القطان: هو ابن داور العمي البصري، ضعفه يحيى بن معين
وأبو داود والنسائي، ولم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه
(يعني للمتابعة) وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 117 / 2.
(2) 3 / 508 وصححه، وتعقبه المؤلف في " مختصره " فقال: حماد ضعيف. وفي
" ميزان " المؤلف: حماد بن شعيب الحماني الكوفي عن أبي الزبير وغيره: ضعفه ابن معين
وغيره، وقال يحيى مرة: لا يكتب حديثه، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف،
وقال ابن عدي: أكثر حديثه مما لا يتابع عليه، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 115 / 2 من
طريق الفضل بن العلاء، عن إسماعيل بن أبي أمية.
600

أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث، أو لألحقنك
بأرض القردة (1).
يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان: أن أبا هريرة كان يقول: إني
لأحدث أحاديث، لو تكلمت بها في زمن عمر، لشج رأسي (2).
قلت: هكذا هو كان عمر رضي الله عنه يقول: أقلوا الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث; وهذا
مذهب لعمر ولغيره.
فبالله عليك، إذا كان الاكثار من الحديث في دولة عمر، كانوا يمنعون
منه، مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد، بل هو غض لم يشب; فما

(1) أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1475) من طريق محمد بن زرعة الرعيني، حدثنا
مروان بن محمد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن
يزيد، سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
لألحقنك بأرض دوس، وقال لكعب: لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة. وهذا إسناد
صحيح، محمد بن زرعة قال أبو زرعة في " تاريخه " 1 / 286: ثقة حافظ من أصحاب الوليد بن
مسلم مات سنة ست عشرة ومئتين، ومروان بن محمد هو الطاطري: ثقة كما في " التقريب " وباقي
السند من رجال الصحيح. وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 106 من طريق أبي زرعة، وقد
تصحف فيه إسماعيل بن عبيد الله إلى عبد الله، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 117 / 2. قال
ابن كثير بعد أن أورد الخبر: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها
الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر
من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك.
(2) أورده ابن كثير في " البداية " عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب، ورجاله ثقات، إلا أنه
منقطع، لان ابن عجلان لم يسمع من أبي هريرة. وفي " المصنف " (20496) أخبرنا عبد
الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: قال أبو هريرة لما ولي عمر، قال: أقلوا الرواية عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما يعمل به، قال: ثم يقول أبو هريرة: أفإن كنت محدثكم بهذه الأحاديث
وعمر حي؟ أما والله إذا لألفيت المخفقة ستباشر ظهري.
601

ظنك بالاكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد، وكثرة
الوهم والغلط، فبالحري أن نزجر القوم عنه; فيا ليتهم يقتصرون على رواية
الغريب والضعيف، بل يروون والله الموضوعات والأباطيل،
والمستحيل في الأصول والفروع، والملاحم والزهد; نسأل الله العافية.
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه، وغر المؤمنين، فهذا ظالم لنفسه،
جان على السنن والآثار، يستتاب من ذلك; فإن أناب وأقصر، وإلا فهو
فاسق; كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع. وإن هو لم يعلم، فليتورع،
وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته (1). نسأل الله العافية; فلقد عم
البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم
المسلمون; فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام.
قال محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا محمد بن عيسى: أخبرنا يزيد بن
يوسف، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة، قال: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; حتى قبض عمر

(1) قال محدث الديار الشامية في عصره العلامة الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله ورضي
عنه فيما نقله عنه الشيخ العلامة محمود ياسين في مجلة الهداية الاسلامية 8 / 264: لا يجوز
إسناد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين،
فمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق
عليه حديث: " من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار "، فليحذر الخطباء والكتاب
والمدرسون والوعاظ من إسناد حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ مشهور
من حفاظ الحديث، وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا الحديث معزوا إلى الكتاب الذي نقلوا
منه، كالترمذي، والنسائي مثلا، وبذلك يخرجون من العهدة، أما الذين يحملون بأيديهم
الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث الشريف ككثير من كتب الأخلاق والوعظ المنتشرة
بالأيدي، فلا يكفي عزو الحديث إليها، ولا يخرج القارئ من الوزر.
602

رضي الله عنه، كنا نخاف السياط (1).
خالد بن عبد الله: حدثنا يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي
هريرة، قال: بلغ عمر حديثي. فأرسل إلي، فقال: كنت معنا يوم كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت فلان؟ قلت: نعم، وقد علمت لأي شئ سألتني.
قال: ولم سألتك؟ قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يومئذ: " من كذب علي
متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار " قال: أما لا، فاذهب فحدث.
يحيى: ضعيف (2).
عبد الواحد بن زياد، وغيره: حدثنا عاصم بن كليب: حدثنا أبي:
سمع أبا هريرة، وكان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدة من النار " (3).
مغيرة، عن الشعبي، قال: حدث أبو هريرة، فرد عليه سعد حديثا;
فوقع بينهما كلام، حتى أرتجت الأبواب بينهما (4).
هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن ابن
عمر، أنه قال: يا أبا هريرة، كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا

(1) إسناده ضعيف لضعف يزيد بن يوسف، وهو الرحبي الصنعاني: صنعاء دمشق، وشيخه
فيه وهو صالح بن أبي الأخضر ضعيف أيضا. وأخرجه ابن عساكر في " تاريخه " 19 / 117 / 2.
(2) بل متروك كما قال الحافظ في " التقريب " وأبوه عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي لم
يوثقه غير ابن حبان، وأخرجه ابن عساكر 19 / 117 / 2.
(3) إسناده قوي، وهو في " المسند " 2 / 413، و " تاريخ ابن عساكر " 19 / 118 / 1.
(4) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 118 / 1.
603

بحديثه (1).
وعن نافع: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة، فبقي يكثر الترحم
عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله على المسلمين.
في إسنادها الواقدي (2).
محمد بن كناسة الأسدي، عن إسحاق بن سعيد، عن أبيه، قال:
دخل أبو هريرة على عائشة; فقالت له: أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله!
قال: إي والله يا أماه; ما كانت تشغلني عنه المرأة، ولا المكحلة، ولا
الدهن. قالت: لعله (3).
ورواه بشر بن الوليد، عن إسحاق، وفيه: ولكني أرى ذلك شغلك

(1) رجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الترمذي (3836) في المناقب، وحسنه، وهو في
" تاريخ ابن عساكر " 19 / 118 / 2، وذكره الحافظ في " الإصابة " ونسبه للبغوي، وجود
إسناده، وأخرجه أحمد في " المسند " 2 / 3 مطولا، وفيه أن ابن عمر قد اعترض على أبي هريرة
حين حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " من تبع جنازة، فصلى عليها، فله قيراط، فإن شهد
دفنها، فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد " فلما استوثق ابن عمر منه بتصديق عائشة رضي الله عنها
له، وتأييدها لرواية، اطمأن لروايته، وأيقن بصدقه، وقال له: " أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه ".
(2) وقد اتفقوا على ضعفه وعدم الاعتداد بروايته.
(3) رجاله ثقات، وذكره الحافظ في " الإصابة "، ونسبه لابن سعد وجود إسناده، وهو في
" تاريخ ابن عساكر " 19 / 120 / 1، وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 108 من طريق أبي
القاسم البغوي عن بشر بن الوليد الكندي، عن إسحاق بن سعيد، عن سعيد.... ورواه
الحاكم في " المستدرك " 3 / 509 من طريق خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن
أبيه، عن عائشة أنها دعت أبا هريرة، فقالت له: يا أبا هريرة، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك
تحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل سمعت إلا ما سمعنا؟ وهل رأيت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه، إنه
كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما كان
يشغلني عنه شئ. وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ووافقه الذهبي المؤلف.
604

عما استكثرت من حديثي. قالت: لعله (1).
ولما أرادوا أن يدفنوا الحسن في الحجرة النبوية، وقع خصام.
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر: حدثنا كثير بن زيد، عن
الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت وال، وإن
الوالي لغيرك، فدعه - يعني: حين أرادوا دفن الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ولكنك تدخل فيما لا يعنيك; إنما تريد بها إرضاء من هو غائب عنك -
يعني: معاوية.
فأقبل عليه مروان مغضبا، وقال: يا أبا هريرة، إن الناس قد قالوا:
أكثر الحديث عن رسول الله! وإنما قدم قبل وفاته بيسير!
فقال: قدمت - والله ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على
الثلاثين سنة سنوات; وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه،
وأخدمه، وأغزو وأحج معه، وأصلي خلفه; فكنت - والله أعلم الناس
بحديثه (2).
ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي أنس مالك بن أبي
عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد،
أرأيت هذا اليماني - يعني: أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم
يقل؟

(1) أخرجه ابن عساكر 19 / 120 / 1.
(2) محمد بن عمر هو الواقدي، متفق على ضعفه، والخبر في " الطبقات " ونقله عنه ابن
كثير في " البداية " 8 / 108.
605

قال: أما أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشك، سأحدثك عن
ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي
النهار، وكان مسكينا، ضيفا على باب رسول الله، يده مع يده، فلا نشك
أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله ما لم
يقل (1).
شعبة، عن أشعث بن سليم، عن أبيه، قال: أتيت المدينة، فإذا أبو
أيوب يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: وأنت صاحب رسول
الله! قال: إنه قد سمع; وأن أحدث عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب إلي
من أن أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: اتقوا الله، وتحفظوا من
الحديث; فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة; فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم; فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث
رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن
أبيه، عن زياد بن مينا، قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد،

(1) رجاله ثقات. ومالك بن أبي عامر هو جد مالك بن أنس الفقيه، وأخرجه الترمذي
(3837) من طريق ابن إسحاق به، وحسنه هو، والحافظ في " الفتح " وصححه الحاكم 3 /
511، 512، ووافقه الذهبي، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 121 / 1، وأورده ابن كثير في
" البداية " 8 / 109، من طريق علي بن المديني، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن
إسحاق. وقد تقدم ذكره في الجزء الأول من هذا الكتاب في ترجمة طلحة ص 24.
(2) " تاريخ ابن عساكر " 19 / 121 / 1، و " المستدرك " 3 / 512.
(3) أورده ابن كثير في " البداية " 8 / 109 من طريق مسلم بن الحجاج، عن عبد الله بن عبد
الرحمن الدارمي، عن مروان بن محمد بن حسان الدمشقي، عن الليث بن سعد، عن بكير بن
الأشج... وهذا سند صحيح. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 121 / 2.
606

وأبو هريرة، وجابر، مع أشباه لهم، يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا (1).
قال: وهؤلاء الخمسة، إليهم صارت الفتوى.
الشافعي: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن الأشج،
عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري: أنه كان جالسا مع ابن الزبير، فجاء
محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجل طلق ثلاثا قبل الدخول. فبعثه
إلى أبي هريرة، وابن عباس - وكانا عند عائشة - فذهب، فسألهما.
فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة; فقد جاءتك معضلة.
فقال: الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها. وقال ابن عباس مثله (2).
وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة، فيحدث، ثم يقول: يا
صاحبة الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئا؟
فلما قضت صلاتها، لم تنكر ما رواه; لكن قالت: لم يكن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردكم (3).

(1) طبقات ابن سعد 2 / 372.
(2) إسناده صحيح، وهو في " مسند الشافعي " 2 / 375، و " الموطأ " (1198).
(3) أخرجه مسلم (2493) في فضائل الصحابة من طريق ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه
أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني
ذلك، وكنت أسبح (أصلي نافلة) فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وأخرجه أبو داود (3655)، واختصره الترمذي
(3643)، وفي البخاري 6 / 422 في المناقب: وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أنه
قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: ألا يعجبك أبا فلان جاء فجلس إلى جانب
حجري.... وقول عائشة: ولو أدركته لرددت عليه، أي: لأنكرت عليه، وبينت له أن
الترتيل في الحديث أولى من السرد. قال الحافظ: واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية،
كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد أن
أقتصر، فتزدحم القوافي على في. وانظر " تاريخ ابن عساكر " 19 / 119 / 2.
607

وكذلك قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئا؟ فقال:
لا، ولكنه اجترأ، وجبنا (1).
فقال أبو هريرة: فما ذنبي، إن كنت حفظت ونسوا!
قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلس (2).
قلت: تدليس الصحابة كثير، ولا عيب فيه; فإن تدليسهم عن صاحب
أكبر منهم; والصحابة كلهم عدول (3).
شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث
أبي هريرة.
وروى حسين بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم نحوه (4).

(1) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 510 وذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 76 عن
فوائد المزكي تخريج الدارقطني، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، وذكر قول أبي هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا.
(2) ذكره ابن عساكر 19 / 122 / 1. قال الحافظ ابن كثير في " البداية " 8 / 109: وكأن
شعبة يشير بهذا إلى حديثه: " من أصبح جنبا فلا صيام له " فإنه لما حوقق عليه، قال: أخبرنيه
مخبر، ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) قال ابن حبان في مقدمة " صحيحه " 1 / 122: وإنما قبلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا، وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع
الخبر عن صحابي آخر، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه، لانهم رضي الله
عنم أجمعين - وقد فعل - كلهم أئمة سادة قادة عدول، نزه الله عز وجل أقدار أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أن يلزق بهم الوهن.
(4) " تاريخ ابن عساكر " 19 / 122 / 1، و " أصول السرخسي " 1 / 341، وفي كتاب
" العلل " ص 140 لأحمد: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صيرفيا في
الحديث أجيؤه بالحديث، قال: فكتب مما أخذته عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كانوا
يتركون أشياء من أحاديث أبي هريرة. وقد انتصر الحافظ ابن عساكر لأبي هريرة، ورد هذا الذي
قاله إبراهيم النخعي، وصرح الحافظ ابن كثير بأن صنيع الكوفيين مردود، والجمهور على
خلافهم.
608

الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: ما كانوا يأخذون من حديث
أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار (1).
قلت: هذا لا شئ، بل احتج المسلمون قديما وحديثا بحديثه;
لحفظه وجلالته وإتقانه وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه،
ويقول: أفت يا أبا هريرة.
وأصح الأحاديث ما جاء عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن
أبي هريرة.
وما جاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وما جاء عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي
هريرة.
وأين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه.
حماد بن زيد، عن عباس الجريري: سمعت أبا عثمان النهدي،
قال: تضيفت أبا هريرة سبعا; فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل
أثلاثا: يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا.
قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أصوم من أول الشهر ثلاثا (2).
ابن سعد: حدثنا يحيى بن عباد: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام

(1) " تاريخ ابن عساكر " 19 / 122 / 1.
(2) رجاله ثقات. عباس الجريري: هو عباس بن فروخ: ثقة، روى له الجماعة. وأبو
عثمان النهدي: اسمه عبد الرحمن بن مل: ثقة ثبت عابد. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 /
382، وابن عساكر في " تاريخه " 19 / 122 / 2، وذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 77،
ونسبه لأحمد في " الزهد "، وصحح إسناده. ويعتقبون: يتناوبون.
سير 2 / 39
609

ابن سعيد بن زيد الأنصاري، عن شرحبيل: أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين
والخميس (1).
عبد العزيز بن المختار، عن خالد، عن عكرمة: أن أبا هريرة كان
يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يقول: أسبح بقدر ديني (2).
ورواه عبد الوارث، عن خالد.
أخبرنا أحمد بن هبة الله: عن المؤيد الطوسي: أخبرنا هبة الله
السندي: أخبرنا سعيد بن محمد: أخبرنا زاهر بن أحمد: أخبرنا أبو
إسحاق الهاشمي: أخبرنا أبو مصعب الزهري: حدثنا مالك، عن محمد
ابن عمرو بن حلحلة، عن حميد بن مالك بن خثيم، قال: كنت جالسا
عند أبي هريرة في أرضه بالعقيق، فأتاه قوم، فنزلوا عنده. قال حميد:
فقال: اذهب إلى أمي، فقل: إن ابنك يقرئك السلام، ويقول: أطعمينا
شيئا. قال: فوضعت ثلاثة أقراص في الصحفة، وشيئا من زيت وملح
ووضعتها على رأسي; فحملتها إليهم.
فلما وضعته بين أيديهم; كبر أبو هريرة، وقال: الحمد لله الذي
أشبعنا من الخبز، بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين: التمر والماء.
فلم يصيب القوم من الطعام شيئا. فلما انصرفوا، قال: يا ابن أخي،
أحسن إلى غنمك، وامسح عنها الرعام، وأطب مراحها، وصل في
ناحيتها; فإنها من دواب الجنة. والذي نفسي بيده، يوشك أن يأتي على

(1) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 122 / 2.
(2) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 122 / 2، وقد تصحف في المطبوع " ديني " إلى
" ذنبي ".
610

الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان (1).
أخرجه البخاري في كتاب " الأدب " عن ابن أبي أويس، عن مالك.
ووثق النسائي حميدا.
هشيم، عن يعلى بن عطاء عن ميمون بن ميسرة، قال: كانت لأبي
هريرة صيحتان في كل يوم: أول النهار وآخره. يقول: ذهب الليل، وجاء
النهار، وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من
النار (2).
جعفر بن برقان: حدثنا الوليد بن زوران: حدثني عبد الوهاب
المدني، قال: بلغني أن رجلا دخل على معاوية، فقال: مررت بالمدينة،
فإذا أبو هريرة جالس في المسجد، حوله حلقة يحدثهم، فقال: حدثني
خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم. ثم استعبر، فبكى. ثم عاد، فقال: حدثني خليلي
صلى الله عليه وسلم نبي الله أبو القاسم. ثم استعبر، فبكى. ثم قام (3).
ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة: أنه صلى بالناس يوما،
فلما سلم، رفع صوته، فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل
أبا هريرة إماما; بعد أن كان أجيرا لابنة غزوان على شبع بطنه، وحمولة
رجله (4).

(1) هو في " الموطأ " رقم (1802) 4 / 313، 314 بشرح الزرقاني، وإسناده صحيح،
وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (572) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك،
والرعام: مخاط رقيق يجري من أنوف الغنم. وأطب مراحها: نظفه. والثلة: جماعة الغنم،
قليلة كانت أو كثيرة، وقيل: الثلة: الكثير منها.
(2) أخرجه ابن عساكر 19 / 122 / 2.
(3) " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 123 / 1.
(4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 379، وابن عساكر 19 / 123 / 1.
611

ابن علية، عن الجريري، عن مضارب بن حزن، قال: بينا أنا أسير
تحت الليل، إذا رجل يكبر، فألحقه بعيري. فقلت: من هذا؟ قال: أبو
هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكر. قلت: على مه؟ قال: كنت
أجيرا لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي، وطعام بطني، وكانوا إذا ركبوا، سقت
بهم، وإذا نزلوا، خدمتهم، فزوجنيها الله! فهي امرأتي (1).
معمر، عن أيوب، عن محمد: أن عمر استعمل أبا هريرة على
البحرين، فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو
الله، وعدو كتابه؟
فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه; ولكني عدو من
عاداهما.
قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيل نتجت، وغلة رقيق لي،
وأعطية تتابعت.
فنظروا، فوجدوه كما قال:
فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليوليه، فأبى. فقال: تكره العمل وقد
طلب العمل من كان خيرا منك: يوسف عليه السلام! فقال: يوسف نبي ابن
نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخشى ثلاثا واثنتين. قال: فهلا
قلت: خمسا؟ قال: أخشى أن أقول بغير حلم، وأقضي بغير حلم، وأن
يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي (2).

(1) رجاله ثقات، وأخرجه أبو نعيم 1 / 380، وابن عساكر 19 / 123 / 1.
عقبة رجلي: أي: نوبة ركوبه.
(2) رجاله ثقات. وذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 113 عن عبد الرزاق، عن معمر، عن
أيوب، عن ابن سيرين أن..، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 335 من طريق هوذة بن
خليفة، و عبد الوهاب بن عطاء، ويحيى بن خليف بن عقبة، وبكار بن محمد، قالوا: حدثنا
عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وأخرجه أيضا من طريق عمرو بن
الهيثم، قال: حدثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وأبو هلال الراسبي:
صدوق فيه لين، وبقية رجاله ثقات، فهو صحيح بما قبله. وأخرجه البلاذري في " فتوح
البلدان " ص 93 من طريق شيبان بن فروخ، عن أبي هلال الراسبي، عن محمد بن سيرين، عن
أبي هريرة، وأخرجه أيضا من طريق القاسم بن سلام، وروح بن عبد المؤمن، عن يعقوب بن
إسحاق الحضرمي، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وإسناده
صحيح. وانظر ابن عساكر 19 / 124 / 2. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 380، 381،
من طريق أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة.
612

رواه سعد بن الصلت، عن يحيى بن العلاء، عن أيوب، متصلا بأبي
هريرة.
أخبرني إبراهيم بن يوسف: أخبرنا ابن رواحة: أخبرنا السلفي: أخبرنا
ابن البسري (1): أخبرنا عبد الله بن يحيى: أخبرنا إسماعيل الصفار: حدثنا
الرمادي: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن محمد بن زياد، قال:
كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة; فإذا غضب عليه، بعث مروان،
وعزله، قال: فلم يلبث أن نزع مروان، وبعث أبا هريرة; فقال لغلام
أسود: قف على الباب، فلا تمنع إلا مروان، ففعل الغلام، ودخل
الناس، ومنع مروان. ثم جاء نوبة، فدخل، وقال: حجبنا عنك،
فقال: إن أحق من لا أنكر (2) هذا لانت (3).

(1) البسري بالباء: منسوب إلى بيع البسر، وقد تحرف في المطبوع إلى " السري " واسمه:
الحسين بن علي بن أحمد بن محمد بن البندار البغدادي، توفي سنة 497 ه‍ " العبر " 3 / 346،
347.
(2) في " تاريخ الاسلام " 2 / 388: من لا ينكر.
(3) رجاله ثقات، وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 125 / 1.
613

رواه الحافظ أبو القاسم في " تاريخه " عن السلفي إجازة.
قلت: كان أبو هريرة طيب الأخلاق. ربما ناب في المدينة عن مروان
أيضا (1).
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، قال: كان مروان ربما
استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حمارا ببرذعة، وفي رأسه خلبة من
ليف، فيسير، فيلقى الرجل، فيقول: الطريق! قد جاء الأمير.
وربما أتى الصبيان، وهم يلعبون بالليل لعبة الاعراب. فلا يشعرون،
حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون. وربما
دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العراق للأمير. فأنظر، فإذا هو ثريدة
بزيت (2).
عمرو بن الحارث، عن يزيد بن زياد القرظي: حدثني ثعلبة بن أبي
مالك القرظي، قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب، وهو
يومئذ خليفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للأمير (3).

(1) أخرج مسلم في " صحيحه " (877)، من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا
سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع، قال: استخلف مروان أبا هريرة على
المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة
الآخرة: * (إذا جاءك المنافقون) * قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت
بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرأ بهما يوم الجمعة.
(2) رجاله ثقات، وأبو رافع اسمه نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة، ثقة ثبت، أخرج
حديثه الجماعة، وهو في " تاريخ دمشق " 19 / 125 / 1. والخلبة: واحد الخلب: الحبل
الرقيق الصلب من الليف والقطن وغيرهما. وفي " تاريخ الاسلام ": وخطامه ليف. والعراق:
العظم الذي أخذ عنه معظم اللحم، أو الغدرة من اللحم.
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 384 من طريق ابن وهب، عن عمرو بن
الحارث... ورجاله ثقات. وهو في " تاريخ ابن عساكر " 19 / 125 / 1.
614

يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: كان أبو هريرة إذا أعطاه
معاوية، سكت، فإذا أمسك عنه، تكلم (1).
هشام بن عروة، عن رجل، عن أبي هريرة، قال: درهم يكون من
هذا - وكأنه يمسح العرق عن جبينه - أتصدق به، أحب إلي من مئة ألف،
ومئة ألف، ومئة ألف، من مال فلان (2).
وقال حزم القطعي: سمعت الحسن يقول: كان أبو هريرة إذا مرت به
جنازة، قال: اغدوا فإنا رائحون; وروحوا فإنا غادون (3).
يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: - فذكر
حديث بسط ثوبه - قال: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثت به (4).
أبو هلال، عن الحسن: قال أبو هريرة: لو حدثتكم بكل ما في
كيسي، لرميتموني بالبعر، ثم قال الحسن: صدق، والله، لو حدثهم أن

(1) ذكره ابن كثير في " البداية " 8 / 114 عن الإمام أحمد; قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد
الجبار، حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب. وهو في " تاريخ دمشق "
19 / 125 / 2.
(2) " تاريخ دمشق " 19 / 125 / 2.
(3) " تاريخ دمشق " 19 / 126 / 2، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 383، من طريق
عبد الرزاق، عن معمر، قال: بلغني عن أبي هريرة أنه كان إذا مر بجنازة، قال: روحي، فإنا
غادون، أو اغدي، فإنا رائحون.
(4) إسناده صحيح. يونس هو ابن يزيد الأيلي، وهو في " صحيح مسلم " (2492) في
فضائل الصحابة، من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن
ابن المسيب، أن أبا هريرة قال: يقولون... وانظر " صحيح البخاري " 1 / 190، 191 في
العلم: باب حفظ العلم، و 4 / 246، 247 في أول البيوع، و 13 / 271، 272 في
الاعتصام.
615

بيت الله يهدم، أو يحرق، ما صدقوه (1).
الفضل بن العلاء: حدثنا إسماعيل بن أمية: أخبرني محمد بن قيس
[ابن مخرمة]: أن رجلا أتى زيد بن ثابت، فسأله عن شئ، فقال: عليك
بأبي هريرة; فإني بينما أنا وهو وفلان في المسجد، خرج علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ونحن ندعو، ونذكر ربنا. فجلس إلينا، فسكتنا. فقال: " عودوا
للذي كنتم فيه ". فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة. فجعل رسول الله
يؤمن. ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم، إني أسألك ما سألك صاحباي
هذا، وأسألك علما لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " آمين ".
فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علما لا ينسى! قال: سبقكما
الغلام الدوسي " (2).
تفرد به [الفضل بن] العلاء، وهو صدوق.
هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن ابن
عمر: أنه مر بأبي هريرة - وهو يحدث - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من تبع
جنازة، فله قيراط ". فقال: انظر ما تحدث عن رسول الله! فقام أبو
هريرة، فأخذ بيده إلى عائشة، فقال لها: أنشدك بالله، هل سمعت رسول
الله يقول: " من تبع جنازة... " الحديث - فقالت: اللهم نعم.

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4 / 331 من طريق سليمان بن حرب، عن أبي هلال
الراسبي، عن الحسن.
(2) " تاريخ دمشق " 19 / 115 / 1 / 2 وتقدم في ص 600 من طريق حماد بن شعيب، عن
إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 508.
وصححه، وتعقبه الذهبي المؤلف بقوله: حماد بن شعيب ضعيف. قلت: لكنه لم ينفرد به،
فقد تابعه الفضل بن العلاء، وهو صدوق مما قال المؤلف وانظر ص 628 ت 5.
616

فقال أبو هريرة: لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا
صفق في الأسواق; وإنما كنت أطلب من رسول الله كلمة يعلمنيها; أو أكلة
يطعمنيها.
فقال ابن عمر: كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه.
رواته ثقات (1).
ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: أنه
قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بضعة عشر رجلا; ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم; ثم يحدثهم بالحديث،
فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مرارا.
قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري في " تاريخه " (2).
همام بن يحيى: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن عمر قال
لأبي هريرة: كيف وجدت الامارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني، وقد

(1) تاريخ دمشق " 19 / 118 / 2، وهو في " المسند " 2 / 2، 3، وصححه الحاكم
3 / 511، ووافقه الذهبي المؤلف. والودي: بفتح الواو، وكسر الدال، وتشديد الياء: صغار
النخل، الواحدة: ودية. والصفق: المرة من التصفيق، والمراد هنا: التبايع، لان المتبايعين
يضع أحدهما يده على يد الآخر، يريد أبو هريرة: أنه لم يشغله عن حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زرع
ولا تجارة.
(2) 1 / 186، 187 في ترجمة محمد بن عمارة بن حزم الأنصاري، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، وكذلك ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 8 / 45، فقال: روى عن أبي
هريرة، روى عنه أبو الزناد، سمعت أبي يقول ذلك. وهو في " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 /
116 / 2.
617

أحببتها. وأتاه بأربع مئة ألف من البحرين. فقال: ما جئت به لنفسك؟
قال: عشرين ألفا. قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر. قال: انظر
رأس مالك ورزقك، فخذه، واجعل الآخر في بيت المال (1).
وكان أبو هريرة يجهر في صلاته: " ببسم الله الرحمن الرحيم " (2).
قال الحافظ أبو سعد السمعاني: سمعت أبا المعمر المبارك بن
أحمد: سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت الفقيه
أبا إسحاق الفيروزآبادي: سمعت القاضي أبا الطيب يقول: كنا في مجلس
النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة
المصراة (3); فطالب بالدليل، حتى استدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها.

(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع: إسحاق بن عبد الله لم يدرك عمر. وقد تحرف " همام " في
المطبوع إلى " هشام "، وهو في " الطبقات " 4 / 335، 336.
(2) لكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يجهر بها، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان، انظر " فتح
الباري " 2 / 188، والترمذي (246)، ومسلم (399)، وأحمد 3 / 264، و " شرح معاني
الآثار " 1 / 119، والدارقطني ص 119، والنسائي 2 / 135، وابن خزيمة (498)، وروى
أحمد 4 / 85، والترمذي (244)، والنسائي 2 / 135، عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني
أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: أي بني إياك والحدث، قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت صليت،
فقل: الحمد لله رب العالمين.
(3) المصراة: الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها، أي: يجمع ويحبس، ثم
تباع، فيظنها المشتري كثيرة اللبن، فيزيد في ثمنها، فإذا حلبها مرتين أو ثلاثا، وقف على
التصرية والغرور. وحديث أبي هريرة الوارد فيها: هو في " الموطأ " 2 / 683، 684 في البيوع:
باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة. وأخرجه البخاري 4 / 309 عن عبد الله بن يوسف،
ومسلم (1515) (11) عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان،
عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد
ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من
تمر "، أي: يردها بعيب التصرية، ويرد معها صاعا من تمر مكان ما حلب من اللبن، وهو قول
مالك والشافعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور.
618

فقال وكان حنفيا: أبو هريرة غير مقبول الحديث (1).
فما استتم كلامه، حتى سقط عليه حية عظيمة من سقف الجامع،
فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها، وهي تتبعه.
فقيل له: تب، تب. فقال: تبت. فغابت الحية، فلم ير لها أثر.
إسنادها أئمة.
وأبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول عليه السلام وأدائه
بحروفه. وقد أدى حديث المصراة بألفاظه، فوجب علينا العمل به، وهو
أصل برأسه.
وقد ولي أبو هريرة البحرين لعمر، وأفتى بها في مسألة المطلقة طلقة ثم

(1) في " أصول السرخسي " 1 / 341: ما وافق القياس من رواية أبي هريرة، فهو معمول
به، وما خالف القياس، فإن تلقته الأمة بالقبول، فهو معمول به، وإلا فالقياس الصحيح شرعا
مقدم على روايته فيما ينسد باب الرأي فيه. وقال فخر الاسلام: راوي الخبر إما فقيه أو غير فقيه
لكن عرف بالرواية، أو غير فقيه لم يعرف إلا بحديث أو حديثين. فخبر الفقيه مقبول يجب
العمل به وإن خالف القياس، وخبر غير الفقيه المعروف بالرواية أيضا مقبول يترك به القياس، إلا
إذا خالف جميع الأقيسة، وانسد باب الرأي بالكلية، وهو مختار الامام عيسى بن أبان، والقاضي
أبي زيد، وذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي إلى أنه كالأول. وقال بعضهم وهو بصدد البحث في
خبر أبي هريرة في " المصراة ": إن أبا هريرة غير فقيه، والحديث مخالف للأقيسة بأسرها: وفي
قولهم: " أبو هريرة غير فقيه "، نظر ظاهر، فإنه رضي الله عنه فقيه مجتهد لا شك في فقاهته،
فقد كان يفتي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان يعارض ابن عباس وفتواه، كما جاء في الخبر
الصحيح أنه خالف ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، حيث حكم ابن عباس بأبعد
الأجلين، وحكم هو بوضع الحمل.
وأبو حنيفة رحمه الله عمل بحديث أبي هريرة: " من أكل ناسيا فليتم صومه " مع أن القياس
عنده أنه يفطر، فترك القياس لخبر أبي هريرة.
وانظر ما كتبه العلامة محمد بخيت المطيعي في حاشيته " سلم الوصول " 3 / 767، 769.
619

يتزوج بها آخر ثم بعد الدخول فارقها، فتزوجها الأول. هل تبقى عنده
على طلقتين كما هو قول عمر وغيره من الصحابة ومالك والشافعي، وأحمد
في المشهور عنه أو تلغى تلك التطليقة، وتكون عنده على الثلاث، كما هو
قول ابن عباس وابن عمر وأبي حنيفة، ورواية عن عمر، بناء على أن
إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث، كما هدمت إصابته لها الثلاث.
فالأول مبني على أن إصابة الزوج الثاني، إنما هي غاية التحريم الثابت
بالطلاق الثلاث; فهو الذي يرتفع، والمطلقة دون الثلاث لم تحرم، فلا
ترفع الإصابة منها شيئا. وبهذا أفتى أبو هريرة. فقال له عمر: لو أفتيت
بغيره، لأوجعتك ضربا.
وكذلك أفتى أبو هريرة في دقاق المسائل مع مثل ابن عباس، وقد عمل
الصحابة فمن بعدهم بحديث أبي هريرة في مسائل كثيرة تخالف القياس،
كما عملوا كلهم بحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا تنكح المرأة على
عمتا، ولا خالتها " (1).
وعمل أبو حنيفة والشافعي وغيرهما بحديثه: " أن من أكل ناسيا، فليتم
صومه " (2). مع أن القياس عند أبي حنيفة: أنه يفطر، فترك القياس لخبر أبي
هريرة.

(1) أخرجه مالك 2 / 532 في النكاح: باب ما لا يجمع بينه من النساء، والبخاري 9 / 138
و 139 في النكاح: باب لا تنكح المرأة على عمتها، ومسلم (1408) في النكاح: باب تحريم
الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح.
(2) أخرجه البخاري 4 / 134، 135 في الصوم: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا،
ومسلم (1155) في الصيام: باب أكل الناسي وشبه وجماعه لا يفطر، من طريق هشام
القردوسي، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نسي وهو صائم فأكل أو
شرب، فليتم صومه، فإنما أطعه الله وسقاه "، وأخرجه الترمذي (721)، وأبو داود (2398)، وأخرج الدارقطني ص 237، والحاكم 1 / 430، والبيهقي 4 / 229 من حديث محمد بن عبد الله
الأنصاري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أفطر
في رمضان ناسيا، فلا قضاء عليه ولا كفارة " وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (906).
620

وهذا مالك عمل بحديث أبي هريرة في غسل الإناء سبعا من ولوغ
الكلب (1). مع أن القياس عنده: أنه لا يغسل لطهارته عنده.
بل قد ترك أبو حنيفة القياس لما هو دون حديث أبي هريرة في مسألة
القهقهة، لذاك الخبر المرسل (2).
وقد كان أبو هريرة وثيق الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث.
بقي بن مخلد: حدثنا أبو كامل: حدثنا عبد الوارث: سمعت محمد
ابن المنكدر يحدث عن أبي هريرة، قال: إذا كان أحدكم جالسا في الشمس
فقلصت عنه، فليتحول عن مجلسه (3).

(1) أخرجه مالك 1 / 34 في الطهارة: باب جامع الوضوء، والبخاري 1 / 239، 240 في
الوضوء: باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، ومسلم (279) (90) في الطهارة:
باب حكم ولوغ الكلب.
(2) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (3761) عن معمر، عن قتادة، عن أبي العالية
الرياحي " أن أعمى تردى في بئر، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، فضحك بعض من كان يصلي مع
النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة "، وإسناده على إرساله
صحيح، وأخرجه عبد الرزاق أيضا (3760) عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن
أبي العالية. وانظر " نصب الراية " 1 / 47، 53.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 2 / 383، من طريق عفان، حدثنا عبد الوارث، حدثنا
محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة.. وأخرجه أبو داود (4822)، والحميدي في " مسنده "
(1138) من طريق سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، قال: أخبرني من سمع أبا هريرة
يقول: قال أبو القاسم... والأول أصح بإسقاط الرجل المبهم، فإن ابن المنكدر سمع من أبي
هريرة، فالسند متصل.
621

بقي: حدثنا طالوت بن عباد: حدثنا أبو هلال: حدثنا ابن سيرين،
عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو آمن بي عشرة من أحبار يهود،
لآمن بي كل يهودي على الأرض " (1).
إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي هريرة، قال: لما قدمت
على النبي صلى الله عليه وسلم، قلت في الطريق:
يا ليلة من طولها وعنائها * على أنها من دارة الكفر نجت
قال: وأبق لي غلام; فلما قدمت، وبايعت، إذ طلع الغلام. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا غلامك يا أبا هريرة "؟ قلت: هو حر لوجه الله.
فأعتقته (2).
وروى أيوب، عن ابن سيرين: أن أبا هريرة قال لبنته: لا تلبسي
الذهب; فإني أخشى عليك اللهب (3).

(1) وأخرجه البخاري 7 / 214 في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم: باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم
المدينة من طريق مسلم بن إبراهيم، حدثنا قرة، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " لو آمن بي عشرة من اليهود، لآمن بي اليهود ". قال العلماء: المراد لو أسلم عشرة من
رؤسائهم.
(2) أخرجه أحمد 2 / 286، والبخاري 5 / 117 في العتق: باب إذا قال لعبده: هو لله،
ونوى العتق، وابن سعد 4 / 325 من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة. وفي الشطر الأول من البيت خرم في التفعيلة
الأولى، كأن تمامه " ويا ليلة " أو " فيا ليلة " قال الزجاج: من علل الطويل الخرم: وهو حذف فاء
" فعولن ".
(3) إسناده صحيح، وهو في " المصنف " (19938)، وقوله هذا محمول على سبيل الورع أو
لدفع الخيلاء والفخر أو غير ذلك، لان النبي صلى الله عليه وسلم أباح للنساء لبس أنواع الحلي من الذهب كالطوق
والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد، وهو مما لا خلاف فيه بين المسلمين كما ذكر غير
واحد من العلماء كالجصاص والكيا الهراسي في " أحكام القرآن "، والبيهقي في
" السنن الكبرى "، والنووي في " المجموع "، وابن حجر في " فتح الباري "، وابن حجر الهيثمي
في " الزواجر "، والسندي في " حاشيته على النسائي ".
ورد الشيخ ناصر الدين الألباني في " آداب الزفاف " ص 149 الاجماع على جواز تحلي النساء
بالذهب مطلقا بقول أبي هريرة هذا رد متهافت في غاية السقوط، لان المفهوم من قول أبي هريرة
حرمة الذهب على النساء مطلقا محلقا أو غير محلق، بينما يرى الشيخ ناصر التفرقة بين ما هو
محلق فيحرم، وما هو غير محلق، فيباح.
622

الزهري: عن سالم: سمع أبا هريرة يقول: سألني قوم محرمون عن
محلين أهدوا لهم صيدا، فأمرتهم بأكله. ثم لقيت عمر بن الخطاب،
فأخبرته. فقال: لو أفتيتهم بغير هذا، لأوجعتك (1).
زيد بن الحباب، عن عبد الواحد بن موسى: أخبرنا نعيم (2) بن
المحرر بن أبي هريرة، عن جده: أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة، لا ينام
حتى يسبح به.
شبابة بن سوار: حدثنا عاصم بن محمد، عن أبيه: رأيت أبا هريرة
يخرج يوم الجمعة، فيقبض على رمانتي المنبر قائما، ويقول: حدثنا أبو
القاسم صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق. فلا يزال يحدث حتى يسمع فتح باب
المقصورة لخروج الإمامة، فيجلس (3).
أخبرني أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام: أخبرنا محمد
ابن علي، ومحمد بن أحمد، ومحمد بن عمر القاضي، قالوا: أخبرنا أبو
جعفر بن المسلمة: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن: أخبرنا جعفر بن
محمد الفريابي: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس،

(1) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " (787) في الحج: باب ما يجوز للمحرم أكله من
الصيد.
(2) كذا الأصل، وفي " تذكرة الحفاظ " 1 / 35: أبو نعيم. ولم أقف له على ترجمة.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 512، وصححه، ووافقه الذهبي المؤلف.
623

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ويل للعرب من شر قد
اقترب. فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي
كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل. المتمسك منهم على دينه
كالقابض على خبط الشوك أو جمر الغضى " (1).
أبو يونس هذا: اسمه: سليم بن جبير، من موالي أبي هريرة;
صدوق; وهذا أعلى شئ يقع لنا من حديث أبي هريرة.
أخبرنا أحمد بن سلام، والخضر بن حمويه إجازة، عن أبي الفرج بن
كليب: أخبرنا ابن بيان: أخبرنا محمد بن مخلد: أخبرنا إسماعيل
الصفار: حدثنا الحسن بن عرفة: حدثنا عمار بن محمد، عن الصلت بن
قويد الحنفي: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم
الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء " (2).
الصلت هذا، كناه النسائي: أبا الأحمر، وقال: لا أدري كيف هو؟
ثم ذكر له هذا الحديث، وقال: قاله أحمد بن علي يعني المروزي:
حدثنا عبد الله بن عون الخراز، عن عمار.

(1) ابن لهيعة سئ الحفظ، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 2 / 390، 391 من طريق
يحيى بن إسحاق، عن ابن لهيعة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة. وخبط الشوك: ما يسقط
منه، والغضى: نوع من الشجر، وهو من أجود الوقود عند العرب.
وأخرج أبو داود (4249) من طريق محمد بن يحيى بن فارس، عن عبيد الله بن موسى، عن
شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ويل للعرب
من شر قد اقترب، أفلح من كف يده " وإسناده صحيح.
(2) الجماء: التي لا قرنين لها، والحديث في " المسند " 2 / 442 من طريق عمار بن
محمد، عن الصلت بن قويد، عن أبي هريرة. قال الحافظ في " تعجيل المنفعة ": 130:
الصلت بن قويد الحنفي: عن أبي هريرة، وعنه عمار بن محمد، وعلي بن ثابت، وثقة ابن
حبان، وقال النسائي: حديثه منكر.
624

قلت: ويروي عنه علي بن ثابت الجزري.
وقال بعضهم: الصلت، عن أبي الأحمر، عن أبي هريرة (1)
قال يحيى بن معين: الصلت بن قويد، يحدث عن أبي هريرة: حدثني
عنه عمار بن محمد، وعلي بن ثابت الجزري.
ابن المبارك، عن وهيب بن الورد، عن سلم (2) بن بشير أن أبا هررة
بكى في مرضه: فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكى على دنياكم هذه، ولكن
على بعد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود، ومهبطه على جنة أو
نار، فلا أدري أيهما يؤخذ بي (3).
مالك، عن المقبري، قال: دخل مروان على أبي هريرة في شكواه،
فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال: اللهم، إني أحب لقاءك، فأحب
لقائي.
قال: فما بلغ مروان أصحاب القطا، حتى مات (4).
الواقدي: حدثنا ثابت بن قيس، عن ثابت بن مسحل، قال: كتب

(1) قال الحافظ في " تعجيل المنفعة ": وهي أي: أبي الأحمر زيادة في السند، وأبو
أحمر كنية الصلت، نبه عليه العلائي.
(2) في الأصل: سلمة، وهو تحريف، وسلم بن بشير هذا ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح
والتعديل " 4 / 266، فقال: سلم بن بشير بن جحل (وقد تصحف في الطبقات إلى حجل):
روى عن عكرمة، ورجل عن أبي هريرة، روى عنه عبد الوهاب بن الورد، وأبو عوانة، وعبد
الوهاب الخفاف.. ونقل عن ابن معين قوله: لا بأس به.
(3) في " الطبقات " 4 / 339: فلا أدري إلى أيهما يسلك بي. وهو في " الحلية "
1 / 383.
(4) " طبقات ابن سعد " 4 / 339، و " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 128 / 1. وفي
" الطبقات ": فما بلغ مروان وسط السوق حتى مات.
سير 2 / 40
625

الوليد إلى معاوية بموت أبي هريرة. فكتب إليه: انظر من ترك، فأعطهم
عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم; فإنه كان ممن نصر عثمان، وكان معه
في الدار (1).
قال عمير بن هانئ العنسي: قال أبو هريرة: اللهم، لا تدركني سنة
ستين (2). فتوفي فيها، أو قبلها بسنة.
قال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة. وله بالمدينة دار، تصدق بها على
مواليه. ومات سنة تسع وخمسين. وله ثمان وسبعون سنة. وهو صلى على
عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، قال: وهو صلى على أم سلمة في
شوال سنة تسع وخمسين (3).
قلت: الصحيح خلاف هذا.
وروى سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة: أن عائشة، وأبا هريرة
ماتا سنة سبع وخمسين، قبل معاوية بسنتين.
تابعه يحيى بن بكير، وابن المديني، وخليفة، والمدائني،
والفلاس (4).

(1) " طبقات ابن سعد " 4 / 340، و " المستدرك " 3 / 508.
(2) رجاله ثقات. وذكره الحافظ في " الفتح " 13 / 8 في شرحه لحديث أبي هريرة المرفوع:
" هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش "، ونسبه لابن أبي شيبة بلفظ: " إن أبا هريرة كان يمشي
في السوق، ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان " وقال: وفي هذا إشارة إلى أن
أول الأغيلمة كان في سنة ستين، وهو كذلك، فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها، وبقي إلى سنة
64، فمات، ثم ولي ولده معاوية، ومات بعد أشهر.
(3) " طبقات ابن سعد " 4 / 340، 341.
(4) قال الحافظ في " الإصابة " 12 / 79: وهو المعتمد.
626

وقال أبو معشر، وضمرة، وعبد الرحمن بن مغراء، والهيثم،
وغيرهم: سنة ثمان وخمسين.
وقال ابن إسحاق، وأبو عمر الضرير، وأبو عبيد، ومحمد بن عبد الله
ابن نمير: سنة تسع. كالواقدي.
وقيل: صلى على أبي هريرة الأمير الوليد بن عتبة بعد العصر، وشيعه
ابن عمر، وأبو سعيد، ودفن بالبقيع (1).
وقد ذكرته في " طبقات القراء "، وأنه قرأ على أبي بن كعب.
أخذ عنه: الأعرج، وأبو جعفر، وطائفة.
وذكرته في " تذكرة الحفاظ ". فهو رأس في القرآن، وفي السنة، وفي
الفقه.
قال أبو القاسم النحاس: سمعت أبا بكر بن أبي داود، يقول: رأيت
في النوم وأنا بسجستان أصنف حديث أبي هريرة أبا هريرة كث اللحية،
أسمر، عليه ثياب غلاظ، فقلت له: إني أحبك. فقال: أنا أول صاحب
حديث كان في الدنيا.
في " الكنى " لأبي أحمد (2): أبو بكير إبراهيم، عن رجل: أن أبا
هريرة رضي الله عنه كان إذا استثقل رجلا، قال: اللهم اغفر له، وأرحنا

(1) " طبقات ابن سعد " 4 / 339، 340.
(2) كتاب " الكنى " لأبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحاكم النيسابوري، شيخ،
صاحب، " المستدرك "، وقد اختصره المؤلف، وزاد عليه، وسماه " المقتنى في سرد المكتنى "
ومنه نسخة في " المكتبة الأحمدية " بحلب برقم (328)، وأخرى في " مكتبة فيض الله "
باستنابول برقم (1531)، وثالثة في مكتبة الأوقاف ببغداد، برقم 1 / 972 مجاميع.
627

منه. حدث بهذا بشر بن المفضل، عن محمد صاحب الساج، عن أبي
بكير: قال ابن سيرين: تمخط أبو هريرة، وعليه ثوب كتان، فقال: بخ
بخ! أبو هريرة يتمخط في الكتان! لقد رأيتني أخر فيما بين منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجئ الرجل يظن بي جنونا (1).
شعبة، عن محمد بن زياد: رأيت على أبي هريرة كساء خز (2).
قال أبو هريرة: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا (3).
قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن خباب بن عروة: رأيت أبا
هريرة، وعليه عمامة سوداء (4).
وفي " سنن النسائي ": أن أبا هريرة، دعا لنفسه: اللهم، إني أسألك
علما لا ينسى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " آمين " (5).
قال الداني: عرض أو هريرة القرآن على أبي بن كعب.
قرأ عليه: الأعرج.
قال سليمان بن مسلم بن جماز (6): سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة

(1) صحيح، وقد تقدم في الصفحة 590 التعليق رقم (3).
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 333 من طريق الفضل بن دكين، عن شعبة، وإسناده صحيح.
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 379.
(4) أخرجه ابن سعد 4 / 333 من طريق الفضل بن دكين، عن قيس بن الربيع.
(5) ذكره الحافظ في " الإصابة " 12 / 74، ونسبه إلى النسائي في العلم من كتاب
" السنن "، وجود إسناده. وانظر ص 616 ت (2).
(6) جماز: بالجيم والزاي مع تشديد الميم: أبو الربيع الزهري مولاهم المدني مقرئ
المدينة بعد نافع، مات بعد السبعين ومئة.
628

أبي هريرة في * (إذا الشمس كورت) * يحزنها شبه الرثاء.
معمر، عن أيوب، عن محمد: أن أبا هريرة قال لابنته: لا تلبسي
الذهب; فإني أخشى عليك اللهب (1).
هذا صحيح عن أبي هريرة. وكأنه كان يذهب إلى تحريم الذهب على
النساء أيضا. أو أن المرأة إذا كانت تختال في لبس الذهب، وتفخر، فإنه
يحرم; كما فيمن جر ثوبه خيلاء.
معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي بن
كعب، قال: كان أبو هريرة جريئا على النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله عن أشياء لا نسأله
عنها (2).
وعن ابن عمر، قال: يا أبا هريرة، كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأعلمنا بحديثه (3).
قال ابن حزم في كتاب " الاحكام في أصول الاحكام ": المتوسطون
فيما روي عنهم من الفتاوى: عثمان، أبو هريرة، عبد الله بن عمرو بن
العاص، أم سلمة، أنس، أبو سعيد، أبو موسى، عبد الله بن الزبير،
سعد بن أبي وقاص، سلمان، جابر، معاذ، أبو بكر الصديق.
فهم ثلاثة عشر فقط، يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء
صغير.

(1) تقدم تخريجه في الصفحة 622 تعليق رقم (3).
(2) معاذ وأبوه لا يعرفان.
(3) هو في " سنن الترمذي " (3836)، و " تاريخ دمشق " لابن عساكر 19 / 118 / 2،
وقد مر.
629

ويضاف إليهم: الزبير: طلحة، عبد الرحمن، عمران بن حصين،
أبو بكرة الثقفي، عبادة بن الصامت، معاوية.
ثم باقي الصحابة مقلون في الفتيا، لا يروى عن الواحد إلا المسألة
والمسألتان.
ثم سرد ابن حزم عدة من الصحابة، منهم: أبو عبيدة، وأبو الدرداء،
وأبو ذر، وجرير، وحسان.
مزود أبي هريرة.
حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية،
عن أبي هريرة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: ادع لي فيهن يا
رسول الله بالبركة. فقبضهن، ثم دعا فيهن بالبركة، ثم قال: " خذهن
فاجعلهن في مزود; فإذا أردت أن تأخذ منهن; فأدخل يدك، فخذ، ولا
تنثرهن نثرا ".
فقال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله، وكنا نأكل
ونطعم; وكان المزود معلقا بحقوي، لا يفارق حقوي; فلما قتل عثمان،
انقطع (1).
قال الترمذي: حسن غريب.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا أبو محمد بن قدامة: أخبرنا
أبو الفضل الطوسي، وشهدة، وتجني (2) الوهبانية، قالوا: أخبرنا طراد

(1) هو في " المسند " 2 / 352، و " جامع الترمذي " (3839)، وحسنه، وهو كما قال.
والوسق: مكيلة معلومة عندهم، يقال: هو حمل بعير، وهو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
والحقو: معقد الازار.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " مجنى ".
630

الزينبي: أخبرنا هلال الحفار: حدثنا ابن عياش: حدثنا حفص بن
عمرو: حدثنا سهل بن زياد أبو زياد، حدثنا أيوب السختياني، عن
محمد، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصابهم عوز
من الطعام، فقال: " يا أبا هريرة، عندك شئ "؟ قلت: شئ من تمر في
مزود لي. قال: " جئ به ". فجئت بالمزود، فقال: " هات نطعا "،
فجئت بالنطع، فبسطه. فأدخل يده، فقبض على التمر، فإذا هو إحدى
وعشرون تمرة. قال: ثم قال: " بسم الله ". فجعل يضع كل تمرة
ويسمي; حتى أتى على التمر، فقال به هكذا; فجمعه; فقال: " ادعوا
فلانا وأصحابه "، فأكلوا حتى شعبوا، وخرجوا; ثم قال: " ادعوا فلانا
وأصحابه "، فأكلوا، وشبعوا، وخرجوا ثم قال: ادعوا فلانا
وأصحابه "، فأكلوا، وشبعوا، وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي:
" اقعد ". فقعدت، فأكلت; وفضل تمر، فأخذه، فأدخله في المزود;
فقال: " يا أبا هريرة، إذا أردت شيئا، فأدخل يدك، فخذ، ولا تكفأ فيكفأ
عليك " (1).
قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي، فأخذت منه خمسين وسقا
في سبيل الله عز وجل. فكان معلقا خلف رحلي; فوقع في زمان عثمان بن
عفان، فذهب.

(1) وأورده ابن كثير في " البداية " 6 / 117، عن البيهقي، من طريق حفص بن عمرو، عن
سهل بن زياد أبي زياد، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. ورواه
البيهقي أيضا من طريقين، عن سهل بن أسلم العدوي، عن يزيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن
أبي هريرة بنحوه. وأخرج الإمام أحمد 2 / 324، من طريق أبي عامر، حدثنا إسماعيل بن
مسلم، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة، قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من تمر، فجعلته
في مكتل، فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشام، حيث
أغاروا بالمدينة.
631

هذا حديث غريب، تفرد به سهل، وهو صالح إن شاء الله. وهو في
أمالي ابن شمعون، عن أحمد بن محمد بن سلم، عن حفص الربالي (1).
مسنده: خمسة آلاف وثلاث مئة وأربعة وسبعون حديثا.
المتفق في البخاري ومسلم منها ثلاث مئة وستة وعشرون. وانفرد
البخاري بثلاثة وتسعين حديثا، ومسلم بثمانية وتسعين حديثا.

(1) بفتح الراء وتخفيف الموحدة: وهو حفص بن عمرو المذكور في السند، ثقة عابد، من
رجال " التهذيب ".
632

جاء في آخر المجلد الثالث من الأصل الذي اعتمدناه ما نصه:
تم الجزء الثالث من كتاب سير أعلام النبلاء للشيخ الامام الناقد البارع
شيخ المحدثين شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي أمتع الله بحياته، ونفع المسلمين ببركته، ويتلوه في الجزء
الرابع: ترجمة أبي بكرة الثقفي مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الفراغ من نسخه ليلة الجمعة مستهل شهر شعبان المبارك سنة
تسع وثلاثين وسبع مئة.
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
تسليما.
سيبقى الخط بعدي في الكتاب * وتبلى اليد مني في التراب
فيا ليت الذي يقرا كتابي * دعا لي بالخلاص من الحساب
كتبت هذه النسخة المباركة من نسخة بخط المصنف الشيخ الامام
الأوحد الحجة إمام المحدثين مؤرخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله
محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. فسح الله في مدته، ونفع المسلمين
ببركته، بمحمد وآله وعترته.
سير 2 / 41
633