الكتاب: شرح السير الكبير
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٣
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق: الدكتور صلاح الدين المنجد
الطبعة:
سنة الطبع: ١٩٦٠ م
المطبعة: مطبعة مصر
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

شرح
كتاب السير الكبير
لمحمد بن الحسن الشيباني
إملاء
محمد بن أحمد السرخسي
الجزء الثالث
تحقيق
الدكتور صلاح الدين المنجد
مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية
1960.
829

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو الجزء الثالث من شرح " السير الكبير " مضينا فيه
على النهج الذي سلكناه في الجزءين الماضيين جاهدين ان نقدم نصا
أقرب ما يكون إلى الصحة غير مثقل بالشروح والآراء الخاصة
وقد اعتمدنا على المخطوطات التي اتخذناها أساسا في الجزء الثاني
وجعلنا مخطوطة الجامعة الأمريكية في بيروت أما.
والله المسؤول ان ينفع به لاتمامه.
القاهرة * صلاح الدين المنجد
831

شرح
كتاب السير الكبير
لمحمد بن الحسن الشيباني
833

91.
با ب النفل لمن يجب إذا جعله الأمير (1) جملة
1471 - وإذا قال الأمير: من خرج من أهل العسكر فأصاب
شيئا فله من ذلك الربع. فهذا اللفظ يتناول كل من له في الغنيمة سهم
أو رضخ من مسلم أو ذمي، رجل أو امرأة، حر أو عبد، صغير
أو بالغ، تاجر أو مقاتل، قاتل قبل هذا أو لم يقاتل.
لان المقصود التحريض على القتال والإصابة، وكل هؤلاء يتحقق
فيهم معنى التحريض.
ألا ترى أنهم يستحقون السهم أو الرضخ من الغنيمة للتحريض؟ والتاجر
وإن لم يقاتل قبل هذا فقد قاتل الآن حين أصاب شيئا وجاء به. فلهذا استحق
النفل من ذلك كله.
1472 - فأما المستأمن فإن كان خرج بغير إذن الإمام فلا شئ
له من ذلك.
لأنه لا حق له في الغنيمة رضخا ولا سهما
وإن كان خرج بإذن الامام فهو بمنزلة الذمي في ذلك
1473 - ولو أن أسيرا من أهل الحرب سمع هذه المقالة من
الأمير فخرج وأصاب شيئا فذلك كله للمسلمين

(1) ق " الامام " وفى الهامش " الأمير. نسخة "
835

لان الأسير فئ لهم، وما أصابه فهو كسبه، وكسب العبد لمولاه
فلهذا كان هو مع ما جاء به فيئا للمسلمين
1474 - ولو كانوا مستأمنين في عسكر المسلمين من أهل تلك
تلك الدار، فلما سمعوا هذه المقالة خرجوا فأصابوا غنائم، فأتوا بها العسكر.
فإن كانوا وصلوا إلى موضع قد أمنوا فيه من المسلمين ثم أصابوا هذا
المال فعادوا واستأمنوا عليها أمانا مستقبلا فذلك كله لهم، لا خمس فيها.
لأنه بوصولهم إلى ذلك الموضع قد انتهى حكم الأمان بيننا وبينهم.
فهم أهل حرب أغاروا على أموال أهل الحرب فملكوها ثم استأمنوا عليها.
1475 - وإن كانوا أصابوا ذلك في موضع قريب من المسلمين
لم يبلغوا فيه مأمنهم فذلك كله للمسلمين إن كانوا خرجوا بغير إذن الإمام
، وإن كانوا خرجوا بإذنه فلهم النفل من ذلك.
لان الأمان بيننا وبينهم باق ما لم يبلغوا إلى مأمنهم، فحكمهم في هذا
كحكم المستأمنين في عسكرنا من أهل دار أخرى.
والذي يوضح الفرق بين الذين خرجوا بإذن الأمير والذين خرجوا
بغير إذنه أنه يجب على الأمير والمسلمين نصرة الخارجين بإذنه من
المستأمنين إذا بلغهم أن العدو أحاطوا بهم، كما يجب نصرة أهل الذمة.
ولا يجب عليهم نصرة الخارجين بغير إذنه. فكذلك في حكم التنفيل
الذين خرجوا بإذنه، بمنزلة أهل الذمة دون الذين خرجوا بغير إذنه.
والله أعلم بالصواب (1).

(1) ق " والله الموفق للصواب " ولا شئ في ب.
836

92.
باب النفل في دخول المطمورة (1). 1476 - وإذا وقف المسلمون على باب مطمورة فيها العدو
. يقاتلون. فقال الأمير: من دخل من باب هذه المطمورة فله نفل مئة
درهم. فاقتحم الباب قوم من المسلمين. فإذا للمطمورة باب آخر دون
ذلك الباب (ص 275) مغلق. وإذا ليس بين البابين أحد. فقاتل عامة
المسلمين على الباب الثاني حتى اقتحموا (2)، فللذين اقتحموا (3) الباب
الأول نفلهم لكل إنسان مئة درهم.
لان الامام أوجب لهم ذلك. فإن كلمة (من) توجب العموم على
أن يتناول كل واحد على سبيل الانفراد.
فإن قال جماعة المسلمين: لا نعطيهم النفل فإنه لم يكن بين البابين أحد،
وقد اجتمعنا على القتال على باب المطمورة.
قيل لهم: إن الأمير حرض الداخلين على دخول الباب الأول بما أوجب
لهم، فكانت الحاجة إلى التنفيل ماسة يومئذ. فإنكم كنتم لا تدرون أن وراء
الباب بابا آخر، وأنه ليس بين البابين أحد.
فإن قيل: هذا لو قال الامام من دخل من هذا الباب. وهو ما صمد

(1) ق " وعن ابن دريد: بنى فلان مطمورة إذا بنى دارا في الأرض أو بيتا.
وهذا الذي أراده محمد رحمه الله في السير. مغرب ".
(2) ب، ه‍، ق " اقتحموها " وفى هامش ق " حتى افتتحوها. نسخة ".
(3) في هامش ق " افتتحوا الباب الأول. نسخة ".
837

لباب بعينه، وإنما قال: من دخل من باب المطمورة. وباب المطمورة
الباب الأقصى.
قلنا: لا كذلك، فإن باب المطمورة عند الأمير والمسلمين حين نفل
كان الباب الأول، وكانوا لا يتجاسرون على الدخول فيه، فالذين دخلوه
بعد التنفيل خاطروا بأنفسهم وأتوا بما أوجب لهم الامام النفل عليه
فإن قيل: ينبغي أن يعطى جماعتهم مئة درهم، فإنه إنما أوجب الامام
ذلك للداخلين.
قلنا: مطلق الكلام محمول على ما يتسارع إلى (1) الافهام، وهو
أن يكون لكل رجل منهم المئة نفلا. فإنه نكر المئة، وذلك دليل على أن
المستحق لكل واحد منهم غير المستحق لصاحبه.
1477 - وكذلك (2) لو قال: من دخل فله رأس - بخلاف
ما لو قال: من دخل فله الربع من الغنيمة - فدخل عشره، فلهم الربع بينهم.
لان هناك عرف ما أوجب للداخلين بالإضافة إلى الغنيمة، والغالب
أن مراده الاشراك بين الداخلين في الجزء المسمى.
ألا ترى أن الداخلين يزيدون على الأربعة عاده، ولا تكون الغنيمة
الا أربعة أرباع؟ فبهذا يتبين أن مراده الاشراك بينهم في الربع وإن كثروا.
1478 - وإن دخل واحد ثم واحد هكذا (ص 191) حتى كملوا
عشره. فالربع بينهم، بمنزله ما لو دخلوا معا.
لأنه أوجب النفل على الدخول من غير أن يتعرض بجمع أو ترتيب.

(1) ب، ق " إليه ".
(2) ب " وكذى ".
838

- 1479 ولكن هذا لكل من دخل قبل أن يتنحى العدو من
الباب. فإذا تنحوا أو علم أنه ليس بين البابين أحد فلا نفل لمن يدخل
بعد ذلك.
لان المقصود هو التحريض على الدخول، وذلك يختص بحال بقاء الخوف.
1480 - وكذلك إن فتح (1) المسلمون الباب وهابوا أن يدخلوا
مخافة كمين خلف الباب، فهذا والأول سواء.
لان المقصود التحريض على الدخول فيتقيد بحال بقاء الخوف.
1481 - وكذلك لو قال: من دخل فله بطريق المطمورة. فدخل
العشرة معا أو على الترتيب حال قيام الخوف.
لأنه عرف البطريق بالإضافة. فعرفنا أن مراده الاشراك بين الداخلين فيه.
1482 - ولو قال: فله بطريق من بطارقتهم. فلكل داخل بطريق.
لان ما أوجبه هناك منكر.
إلا أنه إذا لم يكن في المطمورة إلا بطريقان أو ثلاثة فذلك بينهم
بالسوية لا يعطون شيئا آخر.
لان صحة الايجاب باعتبار المحل، فلا يصح إلا في مقدار الموجود
في المحل.

(1) ص " فتحوا ".
839

1483 - وعلى هذا لو قال: فله جارية من جواريهم. ثم لم يوجد
فيهم إلا ثلاث جوار، فذلك بينهم بالسوية.
لأنه ليس بعضهم بأولى من البعض.
ولا يعطون شيئا آخر.
لان التنفيل لم يوجد فيما سوى الجواري الموجودات (1) فيها.
1484 - بخلاف ما لو قال: فله جارية. ولم يقل من جواريهم. فإن
هناك يعطى، كل داخل جارية أو قيمة جارية وسط من المال الموجود فيها.
لأنه سمى لكل داخل جارية (2) مطلقا. وهذه التسمية توجب الحق
في مالية جارية إما عينها أو قيمتها.
ولكن يتقيد بالمال الموجود في المطمورة. لان المقصود إيصال المنفعة إلى المسلمين. وإنما يتحقق ذلك إذا تقيد
النفل بالمال الموجود فيها.
حتى إذا لم في المطمورة شيئا فلا شئ للداخلين.
لانعدام المحل الذي أوجب الامام حقهم فيه.
وأوضح هذا الفرق بالوصية:

(1) ب " الموجودة.
(2) من قوله: " أو قيمة جارية إلى هنا ساقط من ص. وفى ه‍ لأنه سمى نفل داخل
جارية مطلقا ". نقلنا عبارة ق.
840

فإن من قال أوصيت لفلان بجارية من جواري، فمات وليس له
جوار، لم يكن للموصى له شئ. ولو قال بجارية. أعطى قيمة جارية من
ماله. فإن مات ولا مال له فلا شئ للموصى له. فكذلك حكم التنفيل.
إن لم يوجد في المطمورة شئ وأصابوا غنائم من موضع آخر لم يكن لهم
النفل.
لان ما يقيد من الكلام بمقصود المتكلم بمنزلة ما يتقيد بتنصيص المتكلم
عليه.
1485 - فإن دخل واحد (1) من المسلمين (ص 191) ونادى أنه
ليس خلف هذا الباب أحد. ثم دخل (2) جماعة فالنفل لأول خاصة.
لأنه تقيد بحال بقاء الخوف، وقد زال ذلك حين سمعوا النداء من الأول.
بخلاف ما إذا كانت المطمورة مظلمة ولم يسمعوا من الأول كلاما
حتى دخلوا على إثره قبل أن يستبين لهم شئ
لانهم دخلوا في حال بقاء الخوف، فهم كالداخل أولا في استحقاق
النفل. 1486 - ولو دخل قوم من بابها، وتدلى قوم من فوقها. دلاهم
غيرهم بإذنهم، حتى د خلوا وسطها، فلكل واحد منهم النفل إذا كان
الأمير قال: من دخلها.

(1) ب " داخل ".
(2) ب " دخلت ".
841

لأنه شرط الدخول مطلقا. وقد وجد ذلك من كل واحد منهم،
بخلاف قوله من دخل من باب المطمورة، لان هناك قيد الكلام باشتراط
الدخول من الباب.
ألا ترى أن من قال لزوجته: إن خرجت من هذا الباب. فخرجت
من جانب السطح، لم يقع عليها شئ. بخلاف ما إذا قال: إن خرجت
من الدار.
1487 - فإن كان الذين تدلوا جعلوا أنفسهم في قدور من حديد
ثم أمروا أصحابهم فدلوهم، وكانوا معلقين بين السماء والأرض، يقاتلون
أهل المطمورة، حتى فتح المسلمون الحصن، فلهم النفل.
لانهم انتهوا إلى الموضع الذي كان مقصود الأمير، وهو موضع القتال
والموضع الذي يتحقق معنى الجرأة بالوصول إليه، وينتفع به المسلمون.
وإنما تمكن المسلمون من الفتح باشتغال العدو بالقتال مع الذين تدلوا.
1488 - فإن كانوا دلوهم ذراعا أو ذراعين ثم أخرجوا لم يكن
هذا دخولا.
لانهم ما وصلوا إلى موضع القتال وما انتفع المسلمون بما صنعوا فلا شئ
لهم من النفل.
1489 - ولو انقطعت الحبال حين دلوهم، فوقعوا في الحصن،
أخذوا النفل.
لانهم دلوهم بأمرهم. فكأنهم طرحوا أنفسهم فيها، فيستحقون النفل
لاتيانهم بما شرط عليهم.
842

1490 - فإن كان الذين دلوهم قطعوا الحبال بغير أمرهم، فوقعوا
في المطمورة فقاتلوا حتى فتحوا، لم يكن لهم من النفل شئ.
لانهم ما دخلوها، وإنما ألقوا فيها. فإن القطع إذا كان بغير أمرهم
لا يكون فعل القاطع مضافا إليهم، بخلاف ما إذا كان بأمرهم.
ألا ترى أنهم لو عطبوا في هذا الفصل من وقعتهم ضمن القاطعون
دياتهم. وفى الأول لا يضمنون شيئا. بمنزلة ما لو ألقوا أنفسهم فيها. فكيف
يستقيم أن يجمع لهم بين النفل والديات.
1491 - ولو زلقت رجل أحد من الواقفين (1) فوق المطمورة
وهو يقاتل فوقع فيها فله النفل.
لأنه هو الذي وضع قدمه في ذلك الموضع، وما طرأ على فعله فعل آخر
معتبر. فيكون حصوله فيها مضافا إلى فعله، كأنه دخلها قصدا.
1492 - ولو دفعه إنسان فيها لم يكن له من النفل شئ.
لأنه طرأ على فعله فعل معتبر، فيكون هو ملقى فيها لا داخلا. إلا أن
يكون أمر بعض أصحابه بأن يرمى به فيها. فإن فعل الغير بأمره كفعله بنفسه.
وهذا لان المقصود إظهار الجرأة وذلك يحصل فيما فعل به غيره (ص 277)
بأمره، ولا يحصل إذا فعل به بغير أمره.
1493 - ولو أن أصحابه دلوه فيها، فقطع أهل الحرب الحبال
بالسيوف، فوقع فيها وقاتل حتى فتحت المطمورة فله النفل.
لأنه قد بلغ موضع القتال حيث وصلت السيوف إلى الحبال فقطعوها،
أو إلى القدور فكسروها.

(1) ق " الواقعين " خطأ.
843

1494 - فإن كان في موضع من الهواء أعلى من أن يصل سلاح
العدو إليه فتوهقه أهل الحرب بوهق (1) حتى رموا به في المطمورة لم
يكن له من النفل شئ.
لأنه ملقى في المطمورة بفعل فاعل معتبر، وليس بداخل فيها على وجه
يكون فيه إظهار الجرأة. فلا يستحق النفل.
1495 - ولو أن أهل المطمورة طلبوا الصلح على أن يؤمنوا
الرجال ويأخذوا الأموال والذرية، وأدخلوا الناس (2) من المسلمين.
فنظروا فإذا عدة الرجال خمسون. فأجابوهم إلى ما التمسوا من الصلح.
ثم لما دخلوا وجدوا فيها ألف رجل. فإذا المطمورة أميال (3) في الأرض
إلا أن بابها الذي يخرج أهلها منه إلى الأرض واحد. فهذه مطمورة
واحدة، وجميع من فيها من الرجال آمن لا سبيل عليهم
لان باب المطمورة على وجه الأرض واحد. فتكون مطمورة واحدة
بمنزلة دار على وجه الأرض، فيها حجر ومقاصير، ولكن بابها إلى السكة
واحد. فإنها تكون بمنزلة دار واحدة. ثم قد آمنوا الرجال الذين هم في
المطمورة، وإنما ظنوا قلة عددهم. ولا يبنى الحكم على الظن، وإنما يبنى
على ما صرحوا به. فكانوا جميعا آمنين.

(1) الوهق محركة: الحبل يرمى في أنشوطة فتؤخذ الدابة والانسان (القاموس).
(2) ب " ناسا ".
(3) ه‍ " أمثال أبواب في الأرض " ق " فإذا للمطمورة أبواب في الأرض ولعل هذه الرواية
هي الأصح ".
844

1496 - وإن كان لأقصى المطمورة من الجانب الآخر باب
يخرج إلى أعلى الأرض فهاتان مطمورتان، باختلاف (1) المدخل.
بمنزلة دار على وجه الأرض عظيمة، لكل جانب منها باب، فإنها
تجعل في حكم دارين.
1497 - ثم الأمان أيضا وقع على المطمورة التي تلى المسلمين، فمن
وجد فيها من الرجال فهو آمن، ومن وجد في المطمورة الأخرى من
الرجال فهو فئ.
1498 - فإن قالوا: نحن من المطمورة الأولى لم يلتفت إلى كلامهم.
لانهم وجدوا في غير موضع الأمان، فلا يقبل قولهم فيما يدعون
من الأمان.
إلا أن يعرفوا بأعيانهم.
بمنزلة أهل الذمة إذا دخلوا قرية من قرى أهل الحرب ثم ظفر المسلمون
بها فهم فئ أجمعون إلا من عرف أنه ذمي.
1499 ومن وجد في المطمورة الأولى، فهو آمن.
لأنه وجد في موضع الامن.
إلا من عرف أنه من أهل المطمورة الأخرى.
بمنزلة قوم من أهل الحرب دخلوا قرية من قرى أهل الذمة فلا سبيل

(1) ه‍ " لاختلاف ".
845

للمسلمين على استرقاق واحدا منهم، إلا من عرف بعينه أنه من أهل الحرب.
1500 - ثم إن كان بين المطمورتين حائط وعليه باب يصل.
بعضهم إلى بعض من ذلك الباب، فالحائط هو المفرق بين المطمورتين.
وإن لم يكن هناك حائط فإنما ينظر إلى موضع ينقطع منه وصول
بعضهم إلى بعض، فمن ذلك الموضع تفترق المطمورتان.
وإن لم يكن بينهما حاجز ينقطع منه وصول بعضهم إلى بعض.
فهذه كلها مطمورة واحدة.
بمنزلة مدينة على وجه الأرض لها أبواب. فإن باختلاف الأبواب لا يخرج.
من أن يكون الكل مدينة واحدة.
والمطامير تحت الأرض بمنزلة الأبنية فوقها يدخل في الأمان جميع.
من فيها من الرجال.
والله الموفق.
846

93.
باب من النفل يفضل فيه (1) بعضهم على بعض بالتقدم 1501 - وإذا وقف المسلمون على باب حصن. فقال الأمير:
من دخل منكم أولا فله ثلاثة أرؤس، وللثاني رأسان، للثالث رأس.
فهذا تنفيل صحيح حصل من الامام على وجه النظر، بحسب الجزاء
والعناء. فعناء الداخل أولا (ص 278) أكثر من عناء الثاني، وعناء
الثاني أكثر من عناء الثالث.
1502 فإذا دخل ثلاثة تباعا كان للأول ثلاثة أرؤس،
وللثاني رأسان، وللثالث رأس.
1503 وكذلك لو قال: من دخل منكم فله ثلاثة أرؤس،
وللثاني رأسان، وللثالث رأس.
لان بالعطف بلفظ الثاني والثالث عرفنا أن مراده من أول كلامه من
دخل منكم أول، فكأنه صرح بذلك.
1504 - وكذلك لو قال: أيكم دخل.
لان أي كلمة جمع تتناول كل واحد من المخاطبين على سبيل الانفراد.
بمنزلة كلمة من.

(1) ق " باب النفل الذي يفصل.. "
847

1505 - وإنما يستحق الثاني والثالث النفل إذا دخلوا في
الفصلين في حال بقاء الخوف. فأما من دخل بعد زوال الخوف فلا
شئ له.
1506 - وإن دخل في هذه الفصول الثلاثة (1) جميعا معا بطل
نفل الأول والثاني. وإنما لهم نفل الثالث وهو رأس بينهم أثلاثا.
لان الأول اسم لفرد سابق، والثاني اسم لفرد هو تال للسابق، والثالث
اسم لفرد هو تال للسابق والثاني. هذا هو الحقيقة. ولكن مقصود الامام التنفيل.
بحسب إظهار الجلادة والقوة، وما كان من الجلادة التي تحصل بدخول أول
القوم لا تحصل إذا دخل معه اثنان. فلهذا يبطل نفل الأول. وكذلك ما يحصل
من الجلادة بدخوله بعد واحد لا يحصل بدخوله مع اثنين. فأما ما يحصل
بدخوله بعد اثنين يحصل بدخوله معهما بيقين أو أكثر من ذلك. فلهذا يجب
نفل الثالث
1507 - ثم ليس أحدهم بأن يجعل ثالثا بأولى من صاحبيه، فلهذا
كان نفل الثالث بينهم بالسوية أثلاثا.
فأن قيل: لماذا لا يعطى لكل واحد منهم رأس على أنه ثالث؟
قلنا: لان الامام أوجب للثالث رأسا واحدا. وقد بينا أن اسم الثالث
لا يتناول إلا الفرد، فلا يمكن أن يجعل الايجاب بهذا اللفظ عاما أو متناولا
لهم جميعا. وإنما يتناول أحدهم بغير عينه. ثم المشاركة بينهم في المستحق باعتبار
المعارضة (2) والمساواة في سبب الاستحقاق.

(1) ق " ثلاثة ".
(2) ه‍ " المعاوضة "
848

1508 - ولو دخل اثنان معا ثم ثالث بعدهما بطل نفل الأول.
لأنه لا أول بينهما. ويكون لهما نفل الثاني.
وذلك رأسان.
لان الثاني فيهما يتعين (1)، فجزاء كل واحد منهما في الدخول مع
صاحبه أظهر من جزائه في الدخول بعد صاحبه.
وللثالث رأس.
لأنه دخل بعد اثنين فهو الثالث بعينه.
1509 - ولو دخل اثنان معا، ثم اثنان معا، فللأولين نفل الثاني.
لما قلنا.
ولا شئ للآخرين.
لأنه دخل مع الثالث رابع. والثالث اسم لفرد يدخل بعد اثنين،
ولم يكن واحد منهما بهذه الصفة، لكون صاحبه معه.
1510 - ولو دخل أربعة من القوم معا لم يكن لهم شئ.
لأنه ليس فيهم أول ولا ثان ولا ثالث، فإن الرابع مزاحم لهم.
أرأيت لو دخل عشرون معا، أو دخل العسكر جميعا معا أكانوا
يستحقون شيئا؟

(1) غير منقوطة في الأصل، ب، ه‍ " بيقين "، أثبتنا رواية ق.
م - 2 السير الكبير
849

1511 - ولو دخل أول مرة واحد، ثم اثنان، فالداخل أولا
يستحق نفل الأول.
لأنه فرد سبق بالدخول.
وبطل نفل الثاني.
لأنه لا يأتي في الآخرين.
ولكن لهما نفل الثالث.
لأنا تيقنا أن الثالث فيهما.
1512 - ولو دخل واحد ثم اثنان فلا شئ للآخرين.
لأنه لا ثالث فيهما. فكل واحد منهما رابع مع صاحبه. والامام
ما أوجب للرابع شيئا.
1513 - ولو صمد الأمير لرجل بعينه فقال: لست أطمع في أن
تدخل أولا، ولكن إن دخلت ثانيا فلك رأسان. فدخل أول القوم.
فلا شئ له في القياس.
لان الامام ما أوجب للأول شيئا، وإنما أوجب له التنفيل بشرط أن
يدخل ثانيا. ولم يوجد ذلك الشرط.
وفى الاستحسان له رأسان. لأنا نتيقن أنه صنع ما طلب الامام منه وزيادة في إظهار القوة والجلادة،
فإن ما تقدم من قول الإمام:
850

لست أطمع في أن تدخل أولا.
يتبين أنه لم يكن مراده أن يشترط عليه الدخول ثانيا. وإنما مراده التحريض
على إظهار الجد في القتال. وقد أتى به على أكمل الوجوه.
1514 - وهذا بخلاف ما إذا لم يذكر هذه المقدمة، ولكن قال: إن دخلت ثانيا فلك رأسان فدخل أولا فإنه لا يستحق شيئا.
لان مقصود الامام هاهنا أن يمنعه من أن يدخل أولا إبقاء على نفسه.
فإنه علم أنه يقتحم المهالك، فأراد أن لا يدخل وحده حتى يدخل غيره قبله
أو معه، ليكون أقوى له. فإذا لم يدخل بتلك الصفة لا يستحق النفل
ثم هذا المعنى الذي قلنا محتمل، والمعنى الأول الذي ذكرنا في وجه
الاستحسان محتمل أيضا. ولكن لا يتعين أحد المحتملين إلا بالدليل. وقد وجد
الدليل في الفصل الأول. وهو المقدمة التي جرت، ولم يوجد الدليل في الفصل
الثاني فيبقى الاحتمال، ومع الاحتمال لا يثبت الاستحقاق.
1515 - ولو دخل مع آخر فله رأسان.
لأنه دخل ثانيا كما شرط عليه الأمير.
1516 - ولو دخل ثلاثة هو أحدهم لم يستحق شيئا بإيجاب
النفل له إذا دخل ثانيا، فإن أوجب له نفلا إن دخل ثالثا استحق ذلك.
لأنه ثالث في الدخول إذا دخل مع اثنين، كما هو ثالث إذا دخل بعدهما.
1517 - ولو قال للقوم: من دخل منكم ثانيا فله رأس. فدخل
واحد أولا، لم يستحق شيئا.
851

لأنه أوجب النفل للثاني دون الأول.
فإن قيل: فأين ذهب قولكم (1) إن معنى العناء والقوة في الدخول
أولا أكثر. فإن هذا الرجل قد أتى بأفضل مما كان شرط.
قلنا: نعم، ولكن هذا إنما يعتبر فيما إذا كان الايجاب لشخص بعينه،
فأما إذا كان لغير معين فلا بد من اعتبار الوصف الذي رتب الايجاب عليه.
أرأيت لو استحق هذا النفل لأنه صنع خيرا مما طلب منه، ثم دخل
الثاني بعد ذلك، هل يستحق شيئا؟ فلا يجوز القول بأنه لا يستحق، لأنه أتى
بالوصف الذي أوجب الامام النفل به. وإذا ثبت الاستحقاق له عرفنا أنه
لا شئ للأول، ومثل هذا لا يتحقق فيما إذا كان التنفيل لمعين.
1518 - ولو قال لثلاثة نفر بأعيانهم: من دخل منكم أولا فله
ثلاثة أرؤس. فدخل رجل منهم مع رجل من المسلمين من غير الثلاثة،
فللداخل من الثلاثة ثلاثة أرؤس.
لأنه أوجب له النفل على أن يكون أول الثلاثة دخولا، لا على أن يكون
أول الناس دخولا. وهو أول الثلاثة حين لم يدخل معه صاحباه. فلا يبطل
نفله بدخول قوم معه من غير الثلاثة.
1519 - ولو كان قال: من دخل منكم قبل الناس فله ثلاثة
أرؤس، والمسألة بحالها، لم يكن له شئ.
لأنه شرط أن يكون منفردا بالدخول، سابقا على الناس كلهم.
ولم يوجد حين دخل معه غيره. وفى الأول شرط أن يكون سابقا على صاحبه.
وقد وجد ذلك.

(1) ق " قولهم "، وفى الهامش " قولكم، نسخة ".
852

1520 وكذلك لو دخل اثنان من الثلاثة معا في هذا الفصل
لم يكن لهما شئ.
لأنه أوجب النفل لفرد يسبق الناس كلهم بالدخول ولم يوجد.
1521 ولو قال: من دخل من الشبان أولا فله رأسان، وللثاني
رأس. ومن دخل من الشيوخ أولا فله ثلاثة أرؤس، وللثاني رأسان.
فدخل شاب وشيخ معا كان للشاب رأسان.
لأنه أول شاب دخل. فإن الذي معه ليس بشاب، فعرفناه أنه أول
الشبان دخولا.
وللشيخ ثلاثة أرؤس.
لأنه أول الشيوخ دخولا، والذي معه ليس بشيخ.
1522 ولو دخل شابان وشيخ فللشيخ ثلاثة أرؤس.
لأنه أول شيخ دخل.
وبطل نفل الشاب الأول، (ص 280).
لأنه لا أول فيهما. فصاحب كل واحد منهما يزاحمه.
ولكن لهما نفل الثاني رأس بينهما نصفان.
لان فيهما الثاني.
853

وعلى هذا لو دخل شابان وشيخان معا فللشيخين أيضا نفل الثاني
من الشيوخ.
لان كل واحد منهما مزاحم لصاحبه، فلا يكون فيهما أول شيخ (1)
دخولا.
1523 ولو قال: من دخل من أهل الشام أولا فله كذا.
فدخل رجل من غير أهل الشام، ثم دخل شامي فله النفل.
لأنه أول شامي دخل، وهو الذي شرطه الامام.
إلا أن يكون قال في كلامه أول الناس. فحينئذ لا يستحق شيئا.
لأنه ليس بأول الناس دخولا.
1524 وعلى هذا لو قال: من دخل من الأحرار أولا، أو قال:
من أول الناس. أو قال: من دخل من المسلمين أولا، أو قال: أول
الناس، فهو على ما ذكرنا من الفرق.
ألا ترى أنه لو قال: أول عبد مسلم أشتريه فهو حر، فاشترى نصرانيا،
ثم اشترى مسلما، عتق المسلم.
ولو قال أول عبد مسلم أشتريه أول العبيد، والمسألة بحالها، لم يعتق.
وكذلك لو قال: من دخل من عبيد الأتراك أولا الدار فهو حر، فدخل
هندي ثم دخل تركي، عتق التركي.
ولو قال: أول عبيدي لم يعتق.
وكان الفرق ما ذكرنا.

(1) ب (الشيوخ).
854

1525 - ولو قال: أي فارس دخل أولا فله رأس. فدخل راجل
ثم فارس، كان له النفل.
لأنه أوجب لأول فارس يدخل. وهذا أول فارس.
وإن قال: أول الناس، لم يكن له شئ.
لأنه ليس بأول داخل من الناس، فالراجل الذي دخل قبله من الناس.
1526 - وكذلك لو قال: أي حاسر (1) دخل أول. فدخل دارع (2)
ثم حاسر فله النفل. لأنه أراد أن يجرى الحسر بالتنفيل. وهو أول. حاسر دخل.
بخلاف ما إذا قال: أول الناس. فكذلك لو قال: أي دارع
دخل أولا.
لأنه أراد بهذا القوة في القتال. فإن الدارع يعمل ما لا يعمل الحاسر،
فسواء دخل دارع أو حاسر معا، أو دخل الدارع بعد الحاسر، فللدارع النفل.
إلا أن يكون قال: أول الناس.
1527 - وكذلك لو قال: أي ناشب رمى أول، فرمى نابل
ثم ناشب (3).

(1) ق " حسرة فانحسر أي كشفه فانكشف من باب ضرب. ومنه الحاسر
بخلاف الدارع. مغرب ".
(2) في هامش ق " درع الحديد مؤنث. والدارع ذو الدارع. مغرب ".
(3) في هامش ق " النبل السهام العربية. اسم مفرد اللفظ مجموع المعنى. وجمعه نبال.
والنشاب التركية الواحد نشابة. ورجل نابل وناشب، ذو نبل ونشاب. مغرب ".
855

لان هذا أول ناشب رمى.
إلا أن يكون قال: أول الناس فحينئذ لا شئ لواحد منهما.
1528 - ولو قال: أي فارس دخل أول فله رأس، وأي راجل
دخل أول فله رأس. فدخل فارس وراجل، فلكل واحد منهما رأس،
سواء دخلا معا أو أحدهما قبل صاحبه.
لان أحدهما أول فارس دخل، والآخر أول راجل دخل في الوجهين
جميعا.
1529 - فلو دخل فارسان وراجلان معا لم يكن لهم شئ.
لان الأول اسم لفرد سابق، وليس في الفارسين فرد سابق من الفرسان
ولا في الراجلين من الرجالة.
1530 ولو قال: أي فارس أو راجل دخل أولا، فدخل فارس
وراجل معا، لم يكن لواحد منهما شئ.
لأنه ليس فيهما فرد سابق مطلق. وقوله: أي فارس أو راجل، إنما يتناول
فردا سابقا مطلقا. بخلاف ما تقدم، فأحد الكلامين هناك يتناول فردا سابقا
مقيدا بالفرسان خاصة، والآخر مقيدا بالرجالة خاصة. وعلى هذا مثله
الشامي والخراساني.
1531 ولو قال: لكل من دخل منكم هذا الحصن أول فله
رأس، فدخل خمسة معا. فلكل واحد منهم رأس.
856

لان كلمة كل تجمع الأسماء على أن يتناول كل واحد منهم على الانفراد
فعند ذكره يجعل كل واحد من الداخلين، كأن اللفظ تناوله خاصة، وكأنه
ليس معه غيره. فلكل واحد منهم رأس.
1532 ولو دخلوا متواترين كان للأول النفل خاصة.
لان كل الداخل أولا هو. فإن من دخل بعده ليس بأول حين سبقه غيره
بالدخول، وفى الفصل الأول لم يسبق كل واحد منهم غيره بالدخول، وعلى
اعتبار إفراد كل واحد منهم كما هو موجب كلمة كل يكون كل واحد منهم
أول داخل.
وهذا بخلاف قوله: من دخل منكم أول. فإن هناك إذا دخل
الخمسة معا لم يكن لهم شئ.
لان كلمة من توجب عموم الجنس، ولا توجب أفراد كل واحد
(ص 281) من الداخلين. كأنه ليس معه غيره. وعلى اعتبار معنى العموم
ليس فيهم أول. فأما كلمة كل فتوجب تناول كل واحد على الانفراد،
كأنه ليس معه غيره.
ألا ترى أنه لو قال: كل رجل دخل أول. فدخل خمسة معا، كان
لكل واحد منهم رأس.
وكلمة كل قد توجب العموم أيضا. ولكن لو حملناها على معنى العموم
لم يبق لها فائدة. لان ذلك ثابت بقوله: من دخل. ولا بد من أن يكون لها
زيادة فائدة. وليس ذلك إلا ما قلنا. وهو أنها توجب الجمع في كل داخل
لم يسبقه غيره، على أن يتناول كل واحد على الانفراد. وهذا بخلاف كلمة
857

أي. فإنها لا توجب الجمع، وإنما توجب العموم. فيكون قوله: أي رجل
دخل أول، وقوله: من دخل أولا سواء، حتى إذا دخل خمسة معا لم يكن
لأحد منهم شئ.
1533 - ولو قال: جميع من دخل أول. فدخل خمسة معا. فلهم رأس واحد بينهم على السوية.
لان ما إلحق بكلمة من هاهنا يدل على الجمع دون الافراد، فيصير
باعتباره جميع الداخلين كشخص واحد، فإنهم أول. فلهم رأس واحد
فكلمة كل تقتضي الجمع على سبيل الافراد، فيجعل باعتبارها كأن كل واحد
من الداخلين تناوله الايجاب خاصة.
1534 - ولو قال: من دخل منكم خامسا فله رأس. فدخل خمسة معا. فلهم رأس بينهم أخماسا.
لان الخامس فيهم بيقين، وليس بعضهم بالنفل الذي أوجبه للخامس
بأولى من البعض.
1535 - وإن دخلوا متواترين فالرأس للخامس خاصة.
لأنه مختص بالاسم الذي أوجب النفل له لا مزاحمة معه فيه لمن سبقه
بالدخول.
1536 - وإن دخل ثلاثة ثم اثنان فالرأس بين الاثنين.
لان الخامس فيهما دون الثلاثة.
1537 - وإن دخل ثلاثة ثم ثلاثة لم يكن لأحد منهم شئ.
858

لان كل واحد منهم سادس، داخل بانضمام صاحبيه إليه، وما أوجب
النفل للسادس.
1538 ولو قال: كل من دخل منكم خامسا. فدخل خمسة
متواترين. كان النفل للخامس.
لأنه مختص باسم الخامس حين سبقه أربعة بالدخول.
1539 وإن دخل الخمسة معا فلكل واحد منهم رأس.
لان كلمة كل توجب الجمع على وجه الافراد، فيكون كل واحد
منهم خامسا لوجود الأربعة معه، كما يكون خامسا إن لو دخلوا قبله.
1540 ولو قال: جميع من دخل منكم خامسا. فدخل خمسة
معا. كان لهم رأس واحد.
لأنه ليس في لفظه ما يوجب إفراد كل واحد منهم. فإنما يتناولهم الايجاب
جملة وذلك رأس واحد بينهم، بخلاف كلمة كل.
1541 ولو قال: كل من دخل منكم خامسا فله رأس. فدخل
خمسة معا، ثم خمسة معا، والخوف قائم على حاله، فلكل واحد منهم
رأس حتى يأخذوا عشرة أرؤس. لان معنى هذا الكلام: كل من دخل منكم خامس خمسة، وكل واحد
من الفريق الأول خامس خمسة. وكذلك كل واحد من الفريق الثاني خامس
خمسة. وإنما جعلنا تقدير كلامه هذا لأنه أوجب للخامس، ونحن نعلم أنه
لا يكون إلا في خمسة.
859

1542 - ولو دخل أربعة ثم دخل اثنان معا لم يكن لأحدهم شئ.
لان كل واحد من الآخرين سادس ستة.
1543 - فإن دخل اثنان بعد ذلك معا، ثم دخل واحد فلهذا
الآخر النفل.
لان الأربعة الأولى لا يحتسب لهم إذ لم يوجد بعدهم خامس فيسقط
اعتبار دخولهم، بقى اثنان ثم واحد، فهذا الواحد خامس خمسة، فله النفل.
1544 - ولو دخل أربعة معا في الابتداء ثم خمسة معا، كان
لكل واحد من الخمسة رأس.
لأنه لا يحتسب بالأربعة لما بينا. فإذا (1) سقط اعتبار دخولهم صار
كأن (2) الخمسة دخلوا ابتداء، فكل واحد منهم خامس خمسة.
1545 - ولو قال: كل من دخل منكم عاشرا. فدخل تسعة
معا، أو متواترين. ثم دخل بعدهم اثنان، لم يكن لواحد منهم شئ.
لأنه لا عاشر فيهم. فكل واحد من الآخرين مع أصحابه واحد من أحد عشر، لا من عشرة.
فإن قيل: هذا يستقيم فيما إذا دخل تسعة معا، فأما إذا دخلوا متواترين
(ص 282) فينبغي أن يسقط اعتبار الأول حتى يكون كل واحد من الاثنين
عاشر عشرة كما فعلتم في الأربعة.

(1) ب " ولو ".
(2) ه‍ " كان "
860

قلنا: فعلنا في الأربعة ذلك لان الذي تأخر دخوله وحده فيكون
خامس خمسة. فأما هاهنا فإنما دخل اثنان معا آخرا، وكما يمكن إثبات عاشر
العشرة منهم بإلغاء (1) الأول يمكن إثباته بإلغاء (1) أحدهما، وليس أحد
الجانبين بأولى من الآخر.
1546 - فإن دخل بعد الاثنين ثمانية، فلكل واحد من
الثمانية رأس.
لان التسعة يسقط اعتبارهم حين لم يجئ بعدهم العاشر. بقى اثنان ثم ثمانية
فكل واحد من الثمانية عاشر عشرة.
1547 - ولو دخل بعد الاثنين عشرة معا كان لكل واحد من العشرة رأس.
لأنه يسقط اعتبار الاثنين هاهنا كما يسقط اعتبار تسعة، يبقى دخول
العشرة معا، فيكون كل واحد منهم عاشر عشرة. فيستحق النفل. والله أعلم بالصواب (2).

(1) ه‍ " بإبقاء ".
(2) في هامش الأصل " بلغت القراءة عليه أبقاه الله تعالى ".
861

94.
باب من الاستئجار (1) في أرض الحرب والنفل فيه 1548 - ولو أقام المسلمون على مطمورة في أرض الحرب، فقال
الأمير: كل رجل يحفظ المطمورة الليلة حتى لا يخرج منها العدو فله.
دينار. وأقام عليها مئة رجل حتى أصبحوا. فإن كان الدينار جعله لكل
رجل منهم مما يصيبون من المطمورة فهو نفل صحيح.
لان أهل المطمورة ممتنعون، والحاجة إلى التحريض على حفظهم
بالتنفيل ماسة، وحفظهم حتى لا يهربوا من الجهاد. فلهذا صح التنفيل.
1549 - وإن كان الأمير جعل لهم ذلك من الغنائم التي أصابها
المسلمون فذلك باطل.
لأنه لا يمكن تصحيح ذلك لهم بطريق التنفيل. فإن التنفيل بعد الإصابة
لا يجوز ولا بطريق الاجرة. لان هذا العمل من الجهاد، واستئجار المسلم
على الجهاد باطل.
وهذا لانهم على عمل الجهاد يستحقون السهم من الغنيمة فكيف يستحقون
الاجر مع ذلك؟ ولان الجهاد وإن كان فرضا على الكفاية، فكل من باشره يكون
مؤديا فرضا. والاستئجار على أداء الفرض باطل كالاستئجار على الصلاة.

(1) ق " باب الاستئجار في.. ".
862

1550 - وإن لم يبين الأمير من أي موضع يعطيهم (1) ذلك فهذا
تنفيل صحيح من المطمورة. لان مطلق كلام العاقل محمول على الوجه الذي يصح شرعا لا على الوجه
الذي يكون باطلا شرعا.
1551 - وإن لم يكن في المطمورة مقاتلة، وإنما فيها الذراري
والأموال، والمسألة بحالها، فلكل واحد منهم دينار في الغنيمة هاهنا. لان حفظهم ليس بجهاد هاهنا، وإنما هذا
استئجار على عمل معلوم، ببدل معلوم. فكل من سمع مقالة الأمير وأقام العمل فله الاجر، ومن لم يسمع.
مقالته فلا أجر له.
لأنه ما أقام العمل على وجه الإجارة، ولكن على وجه التبرع حين
لم يسمع بمقالة الأمير.
وإنما هذا نظير قوله: كل من ساق هذه الارماك (2) إلى موضع كذا
فله دينار. فساقها قوم سمعوا مقالته. فلكل رجل منهم أجرة دينار، يبدأ به
من الغنيمة قبل كل نفل وقسمة. وإن ذهبت الغنائم كلها لم يكن للأجراء
على الامام شئ، لأنه استأجرهم على وجه الحكم منه لمنفعة الغانمين، فإنما
أجرهم في الغنيمة، ولم يبق بيده شئ من الغنيمة. والامام فيما يحكم به على
وجه النظر لا يكون ملتزما للعهد، فلا يلزمه إذا شئ من مال نفسه،

(1) ب " يؤتيهم ".
(2) ق " الأموال " وفى هامشها " الارماك. نسخة ". والارماك جمع الجمع للفظ رمكة
(محركة) وهي الفرس والبرذونة تتخذ للنسل (القاموس).
863

ولا يرجع على الغنيمة بشئ لان ولايته عليهم مقيدة بتوفير المنفعة دون الاضرار
بهم، ولأنهم لم يملكوا الغنيمة بعد.
ألا ترى أن للامام أن يقتل الأسارى، وإنما يجب البدل عليهم بالعقد
إذا سلم العمل إليهم. ولم يوجد ذلك حقيقة ولا حكما بالتسليم (ص 283)
إلى ملكهم.
1552 ولو قال الأمير من نصب رماح المسلمين حول العسكر
فله دينار. ففعل ذلك رجل استحق الدينار.
لان هذا ليس من الحرب، ولا مما يجب على ذلك الرجل أن يفعله.
فيجوز استئجار الامام إياه على ذلك بأجر معلوم.
1553 ولو قال: من نصب رمحه فله دينار أجرا له،
لم يجز ذلك.
لان ما يفعله في ملك نفسه لا يكون فيه أجيرا لغيره، ولان نصب رمحه
من عمل الحرب كالطعن به، فلا يستحق الاجر عليه. لخلاف نصب رماح
غيره من المسلمين.
1554 ولو قال: من قتل قتيلا وجاء برأسه فله دينار. فهذا
تنفيل صحيح، ويعطى الدينار من فعل ذلك من الغنائم التي تصاب بعد
هذا، أو من بيت المال إن رأى الامام ذلك. فأما مما أحرز من الغنائم
قبل هذا فلا.
لأنه لا تنفيل بعد الإصابة. فلا يمكنه أن يعطيه الدينار من ذلك نفلا
ولا أجرة، لان قتل أهل الحرب من الجهاد، فلا يستحق المسلم عليه الاجر.
864

1555 وكما يثبت (1) هذا الحكم في حق المقاتلة من المسلمين
فكذلك في حق التجار والعبيد من المسلمين.
لان فعلهم ذلك من الجهاد أيضا، ولهذا يستحق التاجر إذا فعل ذلك
السهم من الغنيمة والعبد الرضخ.
1556 وأما أهل الذمة إذا فعلوا ذلك، وقد استعان بهم الامام
وأوجب لهم مالا معلوما، على عمل من ذلك معلوم فلهم الاجر.
لان فعلهم ليس بجهاد، فإن الجهاد ينال به الثواب، والكافر
ليس بأهل لذلك. والجهاد ما يتقرب العبد به إلى ربه، وهم لا يتقربون
بذلك. بخلاف المسلم.
قال: ألا ترى أن رجلا لو خرج بآخر يجاهد في سبيل الله بديلا
عن إنسان لم يكن له أجر.
لأنه يتقرب إلى الله تعالى. والمتقرب إلى الله تعالى
عامل لنفسه، فكيف يكون له الاجر على غيره. وعند إصابة الغنيمة السهم
يكون له دون من استأجره. فعرفنا أنه عامل لنفسه.
ثم بين أن: الاستئجار على الجهاد بمنزلة الاستئجار على الحج، وعلى الاذان،
والإقامة.
وقد بينا الكلام في الاستئجار على الطاعات في شرح المختصر.

(1) ب. ق " ثبت ".
م - 3 السير الكبير
865

1557 - ولو حاصر المسلمون حصنا، ولأهل الحصن ملاعب
وكنائس خارج منه وليس فيها أحد. فاستأجر الامام على تخريبها
قوما من المسلمين بأجرة معلومة فذلك جائز.
لان تخريب ذلك ليس من عمل الجهاد، وقد حصل في أيدي المسلمين،
ولا تحتاج في التخريب إلى قتال.
1558 - بخلاف ما إذا استأجرهم على تخريب حصن أهله
ممتنعون فيه أو كسر باب.
لان ذلك من عمل الجهاد يحتاج في إقامته إلى القتال.
1559 - ولو أن قوما من أهل الحرب أقبلوا في سفنهم يريدون
المسلمين، فاستأجر الامام قوما من المسلمين من أحرارهم، أو عبيدا
للمسلمين كفارا أو مسلمين، يرمونهم بالمحرقات فلا أجر لهم.
لان هذا من عمل الجهاد، وإنما يعتبر فيه دين المولى لا دين العبد،
لان المسلم يكون مجاهدا بعبيده كما يكون مجاهدا بفرسه.
وإن جعل ذلك نفلا لهم مما يصيبون فهو جائز للحاجة إلى
التحريض.
1560 وكذلك لو استأجر قوما في البر يرمون بالمجانيق
الحصون، وإن استأجر قوما من أهل الذمة على ذلك جاز.
لان عملهم ليس بجهاد لانعدام الأهلية فيهم.
866

1561 ولو استأجر قوما من المسلمين يجذفون (1) بهم في البحر
فهذا جائز.
لان هذا ليس من عمل الجهاد، وهو عمل معلوم يجوز الاستئجار عليه.
ألا ترى أنهم يفعلون ذلك إذا لقوا العدو أو لم يلقوهم، وأن الملاحين
يأخذون الاجر على ذلك وهو حلال لهم.
1562 ولو ظفر المسلمون بغنائم متفرقة وليس معها من يمنعها.
فقال الأمير: من جمعها (1) فله دينار. فهذا جائز.
لأنه ليس من عمل الجهاد، وهو معلوم في نفسه. فيجوز الاستئجار
عليه ببدل معلوم.
1563 ولو استأجر مسلما بعد إحراز الغنيمة ليبيعها، فهذه
إجارة فاسدة (ص 284)، إلا أن يبين المدة فيقول: استأجرتك
عشرة أيام بكذا لتبيع الغنائم.
لان عند بيان المدة، العقد يتناول منافعه. ولهذا استحق الاجر بتسليم
النفس، باع أولم يبع. وذا لم يبين المدة فالمعقود عليه البيع، وهو مجهول،
وقد يتم البيع بكلمة واحدة وقد لا يتم بعشر كلمات. فكذلك لا يتهيأ منه
البيع بدون مساعدة المشترى، فلهذا كان الاستئجار على البيع فاسدا. وليس
هذا فيمن يبيع الغنائم خاصة، ولكن في جميع الباعة الحكم هكذا.

(1) في هامش ق " جذف السفينة من باب ضرب حركها بالمجذاف جذفا. مغرب ". وفى ه‍ " يحذفون ".
(2) ب " يجمعها ".
867

1564 وكذلك (1) لو استأجر من يقسم الغنائم بين الغانمين
بأجر معلوم فذلك جائز.
لان القسمة عمل معلوم يتم بالقسام (2)، ويجوز أخذ الأجر عليه.
على ما روى أنه كان لعلى رضي الله عنه قاسم يقسم بالاجر.
ويستوي أن يبين المدة هاهنا أو لم يبين.
لان العمل معلوم بنفسه.
ثم يبدأ بأجره قبل النفل والغنيمة.
لان هذا دين، وقسمة الغنيمة كقسمة الميراث. والنفل فيه كالوصية،
والدين مقدم عليهما.
1565 فإن كان استأجره بأكثر من أجر مثله نظر. فإن
كانت الزيادة يسيرة فذلك جائز. وإلا لم يكن له إلا مقدار أجر مثله.
لان الأمير في هذا التصرف ناضر. فتتقيد ولايته بشرط النظر، كولاية
الأب والوصي في الاستئجار لليتيم.
1566 فإن استرد منه الفضل على أجر مثله، فقال الأجير:
أنا أرجع بذلك على من استأجرني لم يكن له ذلك.
لان الذي استأجره ما عقد العقد لنفسه، وإنما عقد للمسلمين على وجه
الحكم منه. إلا أنه أخطأ في ذلك، فلا يلزمه شئ من العهدة بخلاف الوكيل

(1) ق " ولو استأجره. ".
(2) ه‍ " بالانقسام ".
868

بالاستئجار، فإنه إذا باشر العقد بأكثر من أجر المثل فذلك كله لازم عليه،
ليس على الأمير منه شئ. لأنه صار مخالفا بالمحاباة الفاحشة في الاستئجار
فينفذ العقد عليه خاصة بمنزلة الشراء، وأما الأمير فالعقد لا ينفذ عليه لأنه لا تلحقه
العهدة فيما يحكم به، ونما يشبه الأمير هاهنا القاضي إذا استأجر رجلا يعمل
لليتيم عملا بأجر معلوم، فإذا فيه غبن فاحش، فإنه يعطى الأجير أجر مثله
ويرد ما بقى على اليتيم، ولا شئ على القاضي، لان استئجاره منه كان على
وجه الحكم منه.
1567 ولو قال الأمير والقاضي: فعلنا ذلك ونحن نعلم أنه
لا ينبغي لنا أن نفعله. فجميع الاجر عليهما في ماليهما. قال: لأنهما
تعمدوا الجور فصارا فيه غير حاكمين.
وبهذا اللفظ يستدل من يزعم أن الحاكم ينعزل بالجور. وليس هذا
بمذهب لنا، وقد بينا ذلك فيما أملينا من " شرح الزيادات " في باب التحكيم.
وإنما تأويل ما ذكر هاهنا أن حكمه إنما ينفذ إذا صدر عن دليل شرعي.
وهذا الحكم خلا عن ذلك، فهو بمنزلة القاضي إذا قضى بغير حجة، أو قضى
برأيه مخالفا للنص. لا ينفذ قضاؤه، وهو قاض على حاله. فإذا لم ينفذ قضاؤه
بهذا الطريق نفذ عقده عليه، على ما هو الأصل أن العقد متى وجد نفاذا
على العاقد ينفذ عليه.
وقد ذكرنا في آداب القاضي أن القاضي إذا أخطأ في قضائه فإن كان ذلك
في حقوق العباد، فغرم ذلك على من قضى له، وإن كان ذلك في حدود الله
فخطأه على بيت المال. وإن قال: تعمدت ذلك كان الغرم عليه في ماله.
فكذا ما صنعه الأمير يكون الحكم فيه ذلك.
1568 ولو استأجر الأمير قوما يسوقون الارماك، فساقوها
فعطب منها شئ من سياقهم، أو هلكت في أيديهم. فإن كان
869

ذلك وهم في دار الحرب قبل أن ينتهوا إلى دار الاسلام فلا ضمان عليهم
في شئ من ذلك، سواء تلفت بعملهم أو بغير عملهم.
لانهم لو استهلكوا الغنائم في دار الحرب (ص 285) لم يضمنوها، باعتبار أن الحق لم يتأكد فيها للغانمين بعد.
وإن كان ذلك بعد ما وصلوا إلى دار الاسلام فحالهم كحال الأجير
المشترك.
وقد بينا في " شرح المختصر (1) " أن ما تلف في يد الأجير المشترك
بغير صنعه لم يكن عليه ضمانه في قول أبي حنيفة رحمه الله، سواء تلف بسبب
يتأتى الاحتراز عنه أو لا يتأتى. وعندهما هو ضامن له، إلا أن يتلف بسبب
لا يمكن الاحتراز عنه. وما تلف بجناية يده فهو ضامن له في قول علمائنا
الثلاثة، بمنزلة ما لو استهلكه، فهاهنا أيضا ما عطب بسياقهم أو بتناطحها (2)
فذلك من جناية يد الاجراء، فعليهم ضمان قيمة ذلك.
ولكن إنما يضمنون قيمته في المكان الذي تلف فيه، ويكون لهم الاجر
إلى ذلك الموضع. بخلاف القصار وغيره، فهناك لصاحب المتاع الخيار
إن شاء ضمنه قيمة متاعه غير معمول، ولا أجر له، لان هناك فسخ العقد باعتبار تفرق الصفقة على العاقد ممكن. فإن إيجاب
الضمان على الأجير من وقت القبض بهذا الطريق يتأتى، لأنه لو استهلكه
عند ذلك كان ضامنا. فأما هنا لا يمكن بإيجاب الضمان عليهم باعتبار وقت
التسليم إليهم، لانهم لو استهلكوا عند ذلك، وهم في دار الحرب، لم يضمنوا

(1) في ق " شرح الكافي ".
(2) ص، ب، ه‍ " بتناطحهم "
870

شيئا فلا بد من إبقاء العقد بقدر ما أوفوا من العمل، ليتأتى إيجاب الضمان
عليهم. فلهذا كان الاجر إلى ذلك الموضع.
وكذلك هذا الفرق لهما فيما يتلف بغير صنعهم فيما يتأتى الاحتراز عنه
ولو تلف شئ من ذلك في دار الحرب فلا ضمان عليهم لما قلنا، ولكن على
قول أبي حنيفة إن تلف بغير صنعهم فلهم الاجر بقدر ما أتلفوا من العمل.
لانهم ما صاروا مستردين لما سلموا حين هلك بغير صنعهم.
وإن هلك بصنعهم فلا أجر لهم لانهم صاروا كالمستردين للعمل. ولأنه
لم يسلم للغانمين بعملهم شئ حين لم يجب الضمان عليهم، فلا يجب الاجر أيضا
لهم. بخلاف ما إذا أعطب من فعلهم في دار الاسلام، والضمان قد وجب
عليهم هاهنا، فعرفنا أن العمل قد سلم للغانمين بهذا الطريق.
وأما على قولهما فلا أجر لهم فيما يتلف في دار الحرب بغير صنعهم أيضا،
لأنه فيما يمكن الاحتراز عنه يكون التلف مضافا إليهم حكما، ولهذا لو كان
في دار الاسلام ضمنوا قيمته.
فبهذا الطريق يثبت استرداد ما أقاموا من العمل حكما، فلا يكون لهم
الاجر على ذلك.
وشبه هذا بمن استأجر رجلا في دار الاسلام يحمل له جلود ميتة يدبغها.
فحملها، فعثر في الطريق فسقطت فاحترقت، أو أحرقها الذي حملها بالنار،
لم يكن عليه ضمان. لأنه ليس بمال متقوم، ولا أجر له، لأنه صار مستردا
لعمله بما فعله من الاتلاف، فلا يستوجب الاجر.
فكذلك حكم الغنائم فيما وصفنا إذا تلف في دار الحرب شئ منها (1)،
بصنعه أو بغير صنعه.
1569 - وإن كان أخذ العدو ذلك منهم مجاهرة فلهم الاجر
إلى ذلك المكان
* هامش (1) كذا في ق، وفى هامشها " تلف شئ من ذلك في دار الحرب " نسخة ".
871

لان التلف هاهنا حصل بما لا يتأتى لهم الاحتراز عنه. فلا يكونوا به مستردين
لما أقاموا، إلا أنهم إذا دعوا ذلك فعلى قول أبي حنيفة القول قولهم مع اليمين.
لان أصل قبضهم كان على وجه الأمانة عنده، فكان القول قول الأمين مع اليمين.
وعندما لا يصدقون على ذلك إلا ببينة. لان قبضهم (ص 286) قبض
ضمان (1) (1) عندهما. ولهذا لو تلف بعد الخروج إلى دار الاسلام كانوا ضامنين،
والضامن لا يقبل قوله إلا بحجة، بمنزلة الغاصب.
1570 ولو استأجر أمير العسكر رجلا يحمل رقيقا وسبيا
من الغنيمة، صغارا أو كبارا، على دوابه، إلى مكان معلوم، فحملهم.
فعطبوا في دار الحرب من سياقه أو لا من سياقه، بما يمكن التحرز عنه
أو بما لا يمكن التحرز عنه، فلا ضمان عليه.
1571 وكذلك إن هلكوا في دار الاسلام إذا لم يعلم من جهته
استهلاك أو تضييع أو عنف في سوق الدابة.
بخلاف ما إذا كان المحمول متاعا سوى بني آدم، فهناك يضمن ما عطب
من سياقه في دار الاسلام.
وهذا لأن الضمان الواجب في الآدمي ضمان جناية، وهو ليس من جنس
ضمان العقد. ووجوب الضمان على الأجير المشترك باعتبار العقد، ولا يمكن
اعتبار العقد في ضمان ليس من جنس ضمان العقد. بخلاف ضمان الأمتعة.
ولان المعقود عليه يصير مسلما إلى الراكب إذا كان من بني آدم فيخرج من
ضمان الأجير، بخلاف الأمتعة.
ثم يكون له الاجر إلى الموضع الذي حملهم إليه.
هامش (1) " الضمان "
872

لان المعقود عليه صار مسلما إلى من أمر المستأجر بالتسليم إليه، ولأنه
لما لم يجب الضمان على الأجير عرفنا أنه لم يصر مستردا شيئا.
1572 - وأما إذا عنف في السوق، أو استهلكهم،
فإن فعله في الحرب فلا ضمان عليه.
لعدم تأكد الحق للغانمين.
ولا أجر له.
لأنه صار مستردا لما سلم بما أحدث من فعل الاستهلاك.
والأمير يؤدبه فيما صنع.
لأنه معتد باتلاف ما ثبت حق الغانمين فيه.
فإن فعل ذلك في دار الاسلام فهو ضامن قيمة ما استهلك.
لتأكد الحق فيه بالاحراز.
وله الاجر إلى الموضع الذي حملهم إليه.
لأنه إنما يضمن القيمة في هذا المكان وذلك يقرر تسليمه لا أن يجعله
مستردا.
إلا الرجال من الاسراء فإنه لا ضمان عليه فيهم.
لان الحق فيهم لا يتأكد بالاحراز.
ألا ترى أن للامام أن يقتلهم؟ فكان فعله ذلك في دار الاسلام وفى
دار الحرب سواء، ولا أجر له في حملانهم، لأنه صار مستردا لعمله في
حملهم حتى لم يجب عليه الضمان فيهم.
873

1573 - ولو أن الأمير استأجر قوما مياومة أو مشاهرة
لسوق الارماك فهو جائز.
لأنه عقد العقد على منفعة معلومة ببدل معلوم.
ثم لا ضمان على الأجير هاهنا فيما يعطب من سياقه أو لا من
سياقه في دار الحرب أو في دار الاسلام.
لأنه أجير الواحد (1)، وأجير الوحد لا يضمن ما جنت يده إذا كان
فعله حاصلا على الوجه المعتاد، لان المعقود عليه منافعه.
ألا ترى أنه لو سلم النفس في المدة استوجب الاجر ومنافعه في حكم
العين؟ فلا يعتبر فيه صفة سلامة العمل عن العيب. بخلاف الأجير المشترك.
1574 - فإن (2) عنفوا في في السوق أو استهلكوا في دار الاسلام
كانوا ضامنين.
لوجود التعدي منهم بعد تأكد الحق.
ولهم أجورهم لما مضى.
لأنه تقرر الاجر بتسليم النفس في المدة، فلا يبطل حقهم بوجود التعدي
منهم. وأوضح هذا الفرق فقال: ألا ترى أن للأمير هنا أن نريد عليهم أرماكا بعد أرماك بقدر
هامش (1) في حاشية ه " أجير الوحد، على الإضافة، خلاف الأجير المشترك فيه. من الوحد،
بمعنى الوحيد. ومعناه المستأجر الواحد. المغرب ".
(2) ق " ولو ".
874

ما يطيقون، ولو مات بعضها كان له أن يخلف مكانها مثلها، وفى الأجير
المشترك ليس له أن يفعل شيئا من ذلك.
فبه يتبين أن العقد هناك يتناول العمل، وبقضية المفاوضة (ص 278) تثبت صفة السلامة عن العيب. وهاهنا العقد يتناول المنفعة دون العمل.
1575 - ولو قال الأمير لمسلم حرا أو عبدا: إن قتلت ذلك
الفارس من المشركين فلك على أجر مئة دينار. فقتله، لم يكن له أجر.
لأنه لما صرح بالاجر لا يمكن أن يحمل كلامه على التنفيل. والفعل الذي حرضه عليه جهاد. والاستئجار على الجهاد لا يجوز.
1576 - وإن قال ذلك لرجل من أهل الذمة فكذلك الجواب. في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وأبى يوسف رحمه الله، وفى قول
محمد رحمه الله للذمي الاجر المسمى.
وأصل هذه المسألة أن الاستئجار على القتل لا يجوز عند أبي حنيفة
وأبى يوسف، سواء كان بحق أو بغير حق. حتى لو استأجر ولى الدم رجلا
ليستوفى القصاص في النفس لم يكن له أجر عندهما. وفى قول محمد يجوز
الاستئجار على القتل، لأنه عمل معلوم بقدر الأجير على إقامته. فيجوز
الاستئجار عليه كذبح الشاة، وقطع بعض الأعضاء. فإن الامام لو استأجر
رجلا ليقطع يد السارق أو من له القصاص في الطرف إذا استأجر رجلا ليستوفى
ذلك جاز بالاتفاق.
وبيان ذلك الوصف أن القتل يكون بجز الرقبة، وفى قدرة الأجير
على ذلك لا فرق بين إبانة الرأس من البدن وبين إبانة الطرف من الجملة.
وجه قولهما أن القتل ليس من عمله، لان القتل إنما يحصل بزهوق الروح،
875

وذلك مصان عن محل قدرته، فلا يكون من عمله، بمنزلة حصول الولد،
ونبات الزرع، والإضافة إليه باعتبار أنه يحصل بكسبه لا باعتبار أنه من عمله.
ألا ترى أن فعله الضرب بالسيف، وقد يفعل ذلك ولا يحصل القتل
به؟ وإنما يجوز الاستئجار على منافعه، أو على ما يكون من عمله. وهذا
بخلاف الذبح. لان الاستئجار هناك على ما يحصل به الزكاة، وهو يميز
الطاهر من النجس، وذلك قطع الحلقوم والأوداج، وذلك من عمله. وكذلك
قطع الأطراف، فإنه ليس في ذلك من إزهاق الروح شئ، ولكنه فصل
الجزء من الجملة. وهذا من عمله بمنزلة قطع الحبل والخشبة.
1577 ولو كان الاسراء قتلى، فقال الأمير: من قطع رؤوسهم
فله أجر عشرة دراهم. ففعل ذلك مسلم أو ذمي كان له الاجر.
لان هذا ليس من عمل الجهاد وهو عمل معلوم في محل قدرة الأجير،
فيجوز استئجاره عليه كقطع الخشبة أو الحبل.
1578 ولو نظر الأمير إلى فارس من أهل الحرب فقال لمسلم
حر أو عبد: إن جئتني بسلبه فلك أجر عشرة دنانير، فقتله وجاء بسلبه. وأفلت (1) منه، فلا شئ له.
لأنه استأجره على عمل الجهاد.
1579 وإن قال ذلك لذمي فله الاجر منه.
لان فعله ليس بجهاد.
1580 وكذلك لو قال إن قطعت يده فلك كذا.
هامش (1) في هامش ق " أفلت يعنى نجى الرجل الفارس منه. حصيري ".
876

لان قطع يد الممتنع المقاتل من الجهاد، فلا يستوجب المسلم عليه أجرا،
ويكون عليه للذمي الاجر، لان فعله ليس بجهاد.
1581 ولو أراد قتل الأسارى فاستأجر على ذلك مسلما أو ذميا
فهو على الخلاف الذي ذكرنا في الاستئجار على قتل المقضى عليه بالقصاص.
1582 ولو قال الأمير لقوم من أهل العسكر: احفروا هذا
الموضع من هذا النهر إلى موضع كذا حتى ينبثق (1) الماء فيغرق أهل
هذه المدينة، ولكم أجر مئة دينار. ففعلوا ذلك. فإن كان على ذلك
الموضع قوم من أهل الحرب يقاتلون ويمنعون من ذلك فلا شئ
للاجراء إذا كانوا مسلمين.
لان ما استؤجروا (2) عليه من عمل الجهاد.
وإن كانوا عشرين نفرا: عشرة مسلمين، وعشرة ذميين فلأهل
الذمة نصف الاجر.
لأنه يجعل في حق كل فريق كان الفريق الثاني مثلهم.
هامش (1) في هامش ق " بثق الماء بثقا فتحه بأن خرق الشط أو السكر. وانبثق هو إذا جرى
بنفسه من غير مجر. مغرب ".
" وفى القاموس: السكر سد النهر. وبالكسر الاسم منه، وما سدنه به النهر والمسناة.
جمعه سكور ".
(2) في هامش ق " استأجروا. نسخة ".
877

1583 وإن لم يكن في ذلك الموضع من يقاتل من أهل الحرب
فلهم الاجر المسمى.
لان حفر الأرض (ص 288) ليس من عمل الجهاد، فيستوجب
المسلم الاجر عليه كما يستوجب الذمي. وهو نظير ما تقدم من تخريب الملاعب
والكنائس الخارجة عن الحصن بعد ما صارت في أيدي المسلمين.
1584 وكذلك إن استأجرهم لقطع الأشجار فهو على هذا
التقسيم.
لان ما استؤجروا عليه عينه ليس بجهاد، وإنما يصير في معنى الجهاد
إذا كان هناك من يمنعك عنه حتى يحتاج إلى أن تجاهده في إتمام ذلك العمل،
فإذا لم يكن هناك من ينابذك لم يكن من الجهاد في شئ.
1585 ولو استأجر قوما يرمون بالمنجنيق. فإن كانوا من أهل
الذمة فلهم الاجر، وإن كانوا مسلمين أحرارا أو عبيدا فلا أجر لهم.
لان هذا من عمل الجهاد. فالرمي بالمنجنيق لتخريب الحصن الذي هم فيه
ممتنعون، على الدفع عنه يقاتلون، بمنزلة الرمي بالسهم لإصابة النفوس.
ولا يقال إنهم يرمون في منعة المسلمين، فلا يكون فعلهم جهادا، لانهم وإن
كانوا في منعة المسلمين، فالرمية وقعت في منعة المشركين، وهو المقصود.
فإن قيل: ففي حفر النهر إذا لم يكن هناك من يمنع، يوجد هذا المعنى.
لان الماء يسيل في ذلك الموضع حتى يغرقهم في منعتهم، كما أن ما يرمى من
المنجنيق يذهب حتى يخرب ويقتل في منعتهم.
قلنا: نعم. ولكن المنجنيق والسهم عمل القوم بأيديهم، على معنى أن ما يحصل يكون مضافا إليهم بالمباشرة. وأما الغرق فلا يصير مضافا إلى.
878

حافر النهر بالمباشرة،
وإنما عملهم هناك الحفر فقط. وتبين هذا الفرق في
فعل هو جناية. فإن من وقف في ملك نفسه ورمى سهما إلى إنسان فقتله كان
قاتلا له مباشرة مستوجبا للقصاص. وبمثله من حفر نهرا في ملكه فغلبه الماء
وانبثق على أرض جار له فغرق الزرع، لم يكن على الحافر في ذلك ضمان.
فبهذا تبين الفرق.
والله أعلم بالصواب.
879

95.
باب الأنفال بالأثمان والهبات
1586 - وإذا قال الأمير: من جاء برمكة فهي له بيعا بعشرة
دراهم. فذهب المسلمون وجاؤا بذلك. فإن البيع باطل، لنهى النبي
عليه السلام عن البيع (1) الغرر، وعن بيع ما ليس عند الانسان.
فإن المراد (2) بيع ما ليس في ملكه، والأمير هاهنا باع ما ليس في ملكه
ولا يده (3)، وهو على خطر الحصول في يد المسلمين مجهول في نفسه.
ولو كان معلوما لم يجز البيع فيه، إذا لم يكن عنده، فكيف إذا كان مجهولا؟
1587 - ولكن إن رغب الذي جاء به أن يأخذه بذلك الثمن فعلى الامام أن يستقبل بيعا منه بذلك الثمن
لأنه ذكر ذلك على وجه التنفيل، والقصد تحريض المسلمين على
المجئ بها.
فليس له أن يرجع عن التنفيل، بعد ما أتوا بما شرط عليهم.
ولكن يحصل مقصودهم بطريق صحيح شرعا وهو البيع ابتداء.
هامش (1) ص، ب، ه‍ " بيع الغرر ".
هامش (2) في هامش ق " فالمراد. نسخة ".
(3) ق " باع ما ليس في يده ولا في ملكه " وفى الهامش أثبتت الجملة كما هي أعلاه مع
" نسخة حصر ".
880

1588 وإن لم يرغب فيه الذي جاء به أخذه الأمير منه فجعله
في الغنيمة وليس على الرجل شئ من ثمنه.
لان التنفيل لمراعاة حقه، وذلك ينعدم إذا لم يرض به.
وأصل الثمن لم يكن واجبا عليه بما تقدم من السبب. ولو كان
واجبا كان له الخيار في رده.
لأنه اشترى ما لم يره، فكيف إذا لم يكن البيع صحيحا أصلا.
ثم لا نفل له.
لان التنفيل كان في ضمن البيع فيبطل ببطلانه. بمنزلة الوصية بالمحاباة.
فإنه لما ثبت في ضمن البيع بطل ببطلان البيع بالرد.
1589 وعلى هذا لو قال من جاء برمكة بعناها إياه بعشرة. فهذا
والأول سواء.
لأنه وعد البيع هاهنا. ولكن فيه معنى التنفيل. فعليه أن يفي به إذا
رغب فيه الذي جاء بها.
1590 - ألا ترى أنه لو قال: وهبناها له أو وهبنا له نصفها،
فإنه يلزمه أن يفي لمن جاء بذلك بما وعد له، إلا أنه لا يصير (ص 289)
مالكا لذلك ما لم يجعلها الأمير له، بخلاف ما لو قال: فهي له.
لأنه إذا قال فهي له فهذا تنفيل منفذ، فبنفس الإصابة يصير له.
م 4 السير الكبير
881

1591 وإذا قال: وهبناها له. فهذا تنفيل موعود فعليه الوفاء
بما وعد. ولكن لا يثبت المال قبل أن يهبها منه، حتى لو كانت جارية
وأعتقها لم يجز عتقه، وإن قال: فهي له هبة، أو فهي عليه صدقة، فذلك
لمن جاء بها من غير تمليك جديد من الأمير.
لان قوله: فهي له، تنفيل تام. وقوله هبة يكون تأكيدا لقوله فهي له،
فلا يتغير حكمه.
1592 وإن قال: من جاء بسيف وهبناه له، أو بعناه منه بعشرة
دراهم.
فجاء رجل بذلك، ثم رأى الامام أن لا يسلمه له لشدة حاجة (1)
المسلمين إليه، فلا بأس بأن يمنعه منه. ولكن بشرط أن يعطيه قيمته
إذا كان الموعود هبة، وإذا كان بيعا يعطيه قيمته، لكن يرفع من
ذلك الثمن المشروط عليه.
لان التمليك موعود هاهنا غير منفذ. والامام ناظر للكل. فإذا رأى
بالمسلمين حاجة إلى ذلك. فلو أعطاه المشروط تضرر به المسلمون، ولو أعطاه
القيمة توفر عليه مقصوده وارتفعت حاجة المسلمين من ذلك (2) العين،
فيعتدل النظر من الجانبين بهذا الطريق.
1593 وإن لم يكن بالمسلمين حاجة فليسلمه له على ما شرط.
هامش (1) ق " لا يسلمه له لحاجة المسلمين " وفى الهامش " لشدة حاجة المسلمين. نسخة حصيري ".
(2) ق " تلك ".
882

لان ذلك الشرط كان على وجه التنفيل منه، فعليه الوفاء بذلك، لقوله
عليه السلام " المسلمون عند شروطهم ".
1594 ولو جمعت الغنائم فقال الأمير: من أخذ جبنة فعليه
ثمنها درهم، ومن أخذ شاة فعليه خمسة دراهم، ومن أخذ جارية فهي له
بمئة درهم. فأخذ رجل شاة فذبحها وأكلها، وأخذ آخر جبنة فأكلها،
وأخذ آخر جارية فأعتقها. فعلى كل واحد (1) قيمة ما أخذه.
لان هذا الكلام من الأمير ليس على وجه التنفيل، فإن التنفيل بعد
الإصابة لا يجوز، ولكنه على وجه البيع، وهو فاسد لجهالة المبيع عند العقد.
فكل من أخذ شيئا ولم يستهلكه فللامام أن يسترده منه، لفساد البيع، أو يسلمه
له بذلك الثمن بيعا مستقبلا إن رضى به المشترى. لأنه بأخذه قد تعين، فيجوز
بيعه منه ابتداء، ولكن ابتداء البيع يعتمد التراضي من الجانبين، وإن استهلكها
فعليه ضمان القيمة، كما هو الحكم في المشترى. شراء فاسدا إذا استهلكه المشترى
بعد القبض. ولهذا نفذ العتق في الجارية لأنه قبضها بحكم بيع فاسد فتملكها،
حتى لو باعها جاز البيع وغرم قيمتها. فكذلك إ ذا أعتقها.
فإن قيل: كيف يضمن القيمة وهو لو أكل الجبنة أو ذبح الشاة فأكلها
قبل هذا كان مباحا له؟ ولم يكن عليه ضمان في ذلك. وكذلك لو أتلف الجارية
في دار الحرب لم يكن ضامنا شيئا.
قلنا: لان قبل هذا الكلام لم يتأكد حق الغانمين فيها. فأما بعد هذا
القول فقد تأكد حق الغانمين فيها، لان البيع الفاسد معتبر بالجائز. وبيع الامام
الغنائم في دار الحرب بمنزلة الاحراز في تأكد حق الغانمين فيها.
يوضحه أنه قد تملك المأخوذ هاهنا بالأخذ بجهة العقد، ولهذا لو باعه
جاز بيعه فيه. والتمليك بعقد المعاوضة لا يكون إلا بعوض، وذلك بالقيمة
هامش (1) ق " كل واحد منهم "، ب " كل واحد أخذ ".
883

إذا لم يجب المسمى لفساد البيع، فأما قبل هذا القول فهو لا يتملكه بالأخذ، حتى لو باعه لا يجوز بيعه فيه. فإذا أتلفه لم يجب عليه ضمان (1)، لان حق
الغانمين لم يتأكد قبل الاحراز (ص 290). 1595 - ولو كان الآخذ لم يسمع مقالة الأمير حتى أكل الشاة
لم يضمن شيئا، ولو باعها لم يجز بيعه.
لأنه ما أخذها على وجه البيع حين لم يسمع مقالة الأمير، فكان هو
بمنزلة ما لو أخذها قبل مقالة الأمير. فأما السامع فإنما أخذها على جهة البيع
والملك.
1596 - وهذا بخلاف ما لو قال قبل إحراز الغنيمة: من جاء
بجارية فهي له بيعا بألف درهم. فجاء رجل بجارية فأعتقها، لم يجز عتقه.
لان ذلك البيع لم يكن منعقدا أصلا، لان البيع بدون المحل لا ينعقد
لا جائزا ولا فاسدا. وهاهنا المحل كان موجودا، ولكنه كان مجهولا حين
أوجب البيع، فينعقد البيع بصفة الفساد ويثبت الملك بالقبض.
1597 - ولو قال: من جاء بشاة فهي له بيعا بدرهم. فجاء رجل
بشاة فذبحها وأكلها، لم يكن عليه فيها ضمان.
لان البيع لم يكن منعقدا هاهنا. فكأنه أخذها قبل مقالة الأمير وأكلها،
فلهذا لا يضمن شيئا.
هامش (1) ب، ق " ضمانة ".
884

96.
أبواب (1)
سهمان الخيل والرجالة
1598 - وإذا أصاب المسلمون الغنائم فأحرزوها وأرادوا قسمتها
فعلى قولي أبي حنيفة رضي الله عنه يعطى الفارس سهمين: سهما له وسهما
لفرسه، والراجل سهما. وقال: لا أجعل سهم الفرس أفضل من سهم
الرجل المسلم، وهو قول أهل الكوفة والبصرة.
لان تفضيل البهيمة على الآدمي فيما يستحق بطريق الكرامة لا وجه له.
والاستحقاق باعتبار إرهاب العدو، وذلك بالرجل أظهر منه بالفرس.
ألا ترى أن الفرس لا يقاتل بدون الرجل، والرجل يقاتل بدون الفرس؟ وكذلك مؤنة الرجل قد تزداد على مؤنة الفرس. فالفرس يجترى (2) بالحشيش
وما قيمة له. ومطعوم الآدمي لا يوجد إلا بثمن مع أنه لا يعتبر بالمؤنة.
فإن السهم لا يستحق بالبغل والبعير والحمار. وصاحبه يلتزم مؤنة مثل مؤنة
الفرس أو أكثر، من مؤنة الفرس.
وبهذا تبين (3) أن استحقاق السهم بالفرس ثابت، بخلاف القياس
بالنص. لان الفرس آلة للحرب، وبالآلة لا يستحق السهم. ومجرد حصول
إرهاب العدو به لا يوجب استحقاق السهم به كالفيل. ولكن تركنا القياس
هامش (1) ه‍، ق. ب " باب ".
(2) وكذا في ص، ق. وفى ه‍، ب " يتغذى ".
(3) ق " يتبين ".
885

في الفرس بالسنة، وإنما اتفقت الاخبار على استحقاق سهم واحد بالفرس،
فيترك القياس فيه لكونه متيقنا. وفيما تعارض فيه الأثر يؤخذ بأصل القياس.
وعلى قول أبى يوسف ومحمد، رحمهما الله، للفارس ثلاثة أسهم:
سهم له وسهمان لفرسه. وهو قول أهل الحجاز وأهل الشام.
قال محمد: وليس في هذا تفضيل البهيمة على الآدمي. فإن السهمين
لا يعطيان (1) للفرس، وإنما يعطيان للفارس. فيكون في هذا تفضيل
الفارس على الراجل. وذلك ثابت بالاجماع. ثم هو يستحق أحد
السهمين بالتزام مؤنة فرسه والقيام بتعاهده، والسهم الآخر لقتاله على
فرسه، والسهم الثالث لقتاله ببدنه. وقال: أرجح هذا القول.
لأنه اجتمع عليه فريقان، وقد بينا أنه يرجح بهذا في مسائل الكتاب،
وعلل فيه فقال: لأنه أقوى مما تفرد به فريق واحد.
يعنى طمأنينة القلب إلى اجتمع عليه فريقان أظهر.
وهو نظير ما قال في الاستحقاق إذا أخبر مخبر بنجاسة الماء، وأخبر
اثنان بطهارته، فإنه يؤخذ بقول الاثنين، لان طمأنينة القلب في خبر الاثنين
أظهر.
ثم بين أن الآثار جاءت صحيحة مشهورة لكل قول. وروى
هامش (1) ص، ب، ه‍ " يعطى ". أثبتنا رواية ق: وفى هامش ق: " يعطى. نسخة ".
886

الاخبار بالأسانيد في الكتاب فالحاجة إلى التوفيق والترجيح لكل واحد من الفريقين.
فأما أبو حنيفة رحمه الله فقال: أوفق بين الاخبار فأحمل ما روى
أنه أعطى الفرس سهمين على أن أحد السهمين للفارس لفرسه والآخر
كان من الخمس لحاجته، أو كان نفل له ذلك قبل الإصابة، أو المراد
بذكر الفرس الفارس لعلمنا أنه إنما أعطى الفارس، وعليه حمل حديث
خيبر في قوله " وكانت الرجال ألفا وأربع مئة، والخيل مئتي فرس "
فقال: المراد بالرجال الرجالة وبالخيل الفرسان. قال الله تعالى: (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) (1) أي بفرسانك ورجالتك. ووجه الترجيح أن
السهمين للفارس متيقن به لاتفاق الآثار عليه. وفيما يكون مستحقا.
بخلاف القياس لا يثبت إلا المتيقن به، وهما قالا: المثبت للزيادة من
الاخبار أولى من النافي.
ووجه التوفيق أن المراد بما يروى أنه أعطى الفارس سهمين بيان ما فضل
الفارس به على الراجل، لا بيان جملة ما أعطاه.
ثم ذكر حديث قسمة غنائم خيبر أنها كانت على ثمانية عشر
، وقال في آخر ذلك الحديث: ولم يكن قسمها النبي، إنما كانت فوضى
، وكان الذي قسمها وأرفها عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه. هامش (1) سورة الإسراء، الآية 64.
887

ومعنى قوله فوضى أي متساوية. ومنه اشتقاق المفاوضة. قال
القائل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا (1)
ومعنى قوله أرفها (2) عمر بن الخطاب أي أخرج القرعة ووضعها
على كل سهم.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا سهم للرجل إلا لفرس واحد. وإن
حضر بأفراس. وبه أخذ محمد.
لأنه اجتمع (3) على هذا القول أهل العراق وأهل الحجاز.
فأما أهل الشام فيقولون بسهم لفرسين ويجعل ما وراء ذلك جنيبة. وبه
أخذ أبو يوسف رحمه الله، لان المبارز قد يحتاج إلى فرسين ليقاتل عليهما ولا
يحتاج إلى أكثر من ذلك. وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: لا يقاتل عادة إلا
على فرس واحد فكأن الثاني والثالث غير محتاج إليه عادة.
وهذا نظير اختلافهم في نفقة الخادم أيضا، فإن على قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله القاضي: لا يفرض النفقة إلا لخادم واحد من خدم المرأة.
وعند أبى يوسف يفرض لها نفقة خادمين. وقد بينا ذلك في كتاب النكاح
من " شرح المختصر ".
ثم جاءت الآثار بما يشهد لكل قول على ما رواها في الكتاب
بالأسانيد والتوفيق والترجيح من كل جانب.
هامش (1) البيت للأفوه الأودي العقد الفريد 1 / 308.
(2) في هامش ق " أرفها أي حددها وأعملها. من الأرفة. وهي الحد والعلامة. مغرب ".
(3) ب " أجمع ".
888

على نحو ما ذكرنا في المسألة الأولى.
وذكر
عن مالك بن عبد الله الخثعمي قال: كنت بالمدينة، فقام عثمان بن
عفان رضي الله عنه فقال: هل هاهنا من أهل الشام أحد؟ فقلت نعم
يا أمير المؤمنين. قال: فإذا أتيت معاوية فأمره إن فتح الله عليه أن
يأخذ خمسة أسهم، ثم يكتب في أحدها الله، ثم يقرع (1)، فحيث
ما وقع فليأخذه.
وفى هذا بيان أنه لا ينبغي للأمير أن يتخير إذا ميز الخمس من
الأربعة الأخماس، ولكنه يميز بالقرعة. وقد دل عليه بحديث ابن عمر
رضي الله عنهما قال: كانت الغنائم تجزأ خمسة أجزاء، ثم يسهم عليها،
فما كان للنبي فهو له، ولا يتخير.
فكأن المعنى فيه أن كل أمير مندوب إلى مراعاة قلوب الرعية،
وإلى نفى تهمة الميل والاثرة عن نفسه.
وذلك إنما يحصل باستعمال القرعة عند القسمة. ولهذا تستعمل القرعة (2)
في قسمة الأربعة الأخماس بين العرفاء، ثم يستعمل كل عريف القرعة في القسمة
بين من تحت رايته. فكذلك يستعمل القرعة في تمييز الخمس من الأربعة الأخماس.
هامش (1) ق " يقترع " وفى الهامش " يقرع. نسخة ".
(2) ق " استعمل القرعة " وفى الهامش " تستعمل القرعة. نسخة ".
889

والأصل فيه ما روى (ص 292) أن النبي عليه السلام كان إذا أراد
سفرا أقرع بين نسائه. وقد كان له أن يسافر بمن شاء منهن بغير إقراع
فإنه لا حق للمرأة في القسم عند سفر الزوج. ومع هذا كان يقرع
تطييبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن نفسه. فكذا ينبغي للأمير أن
يفعل في القسمة أيضا.
890

97.
باب سهمان البراذين
1599 قال علماؤنا رحمهم الله البرذون في استحقاق السهم به
كالفرس. وكذا الهجين والمقرف (1) وهو قول أهل العراق وأهل
الحجاز.
فالفرس اسم للفرس العربي. والبرذون للفرس العجمي (2).
والهجين ما يكون الفحل عربيا والام من أفراس العجم.
والمقترف على عكس هذا.
ثم في استحقاق السهم من الغنيمة العربي والعجمي سواء. فكذلك
في الاستحقاق بالخيل. وهذا لان الاستحقاق بالخيل لارهاب العدو به.
قال الله تعالى (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (3)
واسم الخيل يتناول البراذين على ما روى أنه سئل سعيد بن المسيب عن
صدقة البراذين فقال: أو في الخيل صدقة؟ وقال ابن عباس رضي الله عنه
: الفرس والبرذون سواء.
هامش (1) في هامش ق " المقرف وبفتح الراء أيضا. كذا بخط الحصري ". وفى حديث عمر
رضي الله عنه في الكوادن: فما قارف منها العتاق أي قاربها في السرعة. وأقرف الفرس أوتى الهجنة،
فهو مقرف. مغرب ".
(2) ق، ب " فرس العجم ".
(3) سورة الأنفال الآية 60.
891

إذا الاستحقاق بالقتال على الفرس، وأهل العلم بالحرب يقولون:
البرذون أفضل في القتال عند اللقاء من الفرس. فإنه ألين عطفا وأشد متابعة
لصاحبه على ما يريد، وأصبر في القتال. فما يفضلها العراب إلا للطلب
والهرب. ففي كل واحد منهما نوع زيادة فيما هو من أمر القتال، فيستويان،
إذ الاستحقاق بالتزام مؤنة الفرس ومؤنة البرذون لا تكون دون مؤنة الفرس.
1600 - فأما أهل الشام فيقولون: لا سهم للبرذون إلا أن يكون
مقاربا للفرس ويستدلون في ذلك بما روى أن أبا موسى الأشعري (1)
كتب إلى عمر رضي الله عنه:
أما بعد، فإنا أصبنا من خيل القوم خيلا دكا عراضا (2)، فما
يرى أمير المؤمنين في إسهامها؟
فكتب إليه: إن ذلك يسمى البراذين. فانظر، فما كان منها مقاربا للخيل
فأسهمها سهما، وألغ ما سواها.
وهكذا روى عن عمر بن عبد العزيز فإنه قال لعامله: فإن كان
برذونا رائع الجري والمنظر فأسهم له، ولا تسهم لما سوى ذلك.
وأتى خالد بن الوليد رضي الله عنه بهجين. فقال: لئن أستف
التراب أحب إلى من أن أقسم له.
هامش (1) في ه‍ زيادة " رضى الله تعالى عنه "، وكذا في ب " رضي الله عنه ".
(2) في هامش ق " وفى حديث الأشعري: خيلا عراضا دكا، جمع أدك، وهو العريض
الظهر القصير. مغرب " وتحتها:
وفى هامش الأصل " الدك تقارب القوائم، والعراض واسعة الظهر. حواشي ".
892

وعن كلثوم بن الأقمر قال: أغارت الخيل بالشام فأدركت العراب
من يومها، وأدركت الكودان ضحى الغد وعليهم المنذر بن أبي حمصة
الوادعي. فقال: لا أجعل ما أدرك سابقا كما لم يدرك. فكتب بذلك
إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: هبلت الوادعي
أمه (1)! لقد أذكت به، أي أتت به ذكيا.
وفى رواية: لقد أذكرته. أي أتت به ذكرا. فأمضوها على ما قال.
إلا أنا نقول: هذه الآثار تحمل على ما لا يكون صالحا للقتال مما يعد
لحمل الأمتعة عليه دون القتال به
. وقد نقل ذلك مفسرا عن عمر بن عبد العزيز قال: ما كان من فرس
ضرع أو بغل فاجعلوا صاحبه بمنزلة الرجالة.
ثم في حديث المنذر ما يدل على أن الاسهام للبراذين كان معروفا بينهم.
فإن عمر تعجب من صيغة، وما تعجب إلا لأنه لم يكن صنع ذلك قبل هذا.
ثم المنذر كان عاملا فحكم فيما هو مجتهد فيه، وأمضى عمر حكمه لهذا لا لان
رأيه كان موافقا لذلك. ونحن هكذا نقول: إن الحاكم إذا قضى في المجتهد
بشئ فليس لمن بعده من الحكام أن يبطل ذلك.
1601 ثم قال: بعض أهل الشام: يسهم للبرذون سهما
وللفرس سهمين.
وهكذا ذكر قبل ذلك (293) مفسرا في حديث المنذر.
هامش (1) في هامش ق " يقال: فلان هبلته أمه إذا مات. ثم قالوا في دعاء السوء: هبلتك أمك.
ثم استعمل في التعجب كقاتله الله، وتربت يداك. فقول عمر رضي الله عنه: هبلت الوادعي أمه
مدح له وتعجب منه. ألا يرى إلى قوله: لقد أذكرت به. أي جاءت به ذكرا شهما داهية. مغرب ".
893

وقال بعضهم: لا يسهم للبرذون أصلا.
كما ذكره في حديث خالد بن الوليد.
وقال: صاحب البرذون بمنزلة صاحب الحمار والبغلة.
1602 وذكر عن عمر رضي الله عنه قال: إذا جاوز الفرس
الدرب ثم نفق أسهم له.
وبه أخذ علماؤنا فقالوا: معنى إرهاب العدو يحصل بمجاوزة الدرب
فارسا، فإن الدواوين إنما تدون، والأسامي إنما تكتب عند مجاوزة الدرب.
ثم ينتشر الخبر في دار الحرب بأنه جاوز كذا كذا فارس وكذا كذا راجل.
فلحصول معنى الارهاب به يستحق السهم.
ولا يعارض هذا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغنيمة
لمن شهد الوقعة.
لان عندنا من نفق فرسه بعد مجاوزة الدرب فإنما يأخذ الغنيمة إذا شهد الوقعة.
على أن دخول دار الحرب فارسا بمنزلة شهود الوقعة فارسا، ولذلك
جعلنا للمدد شركة مع الجيش في المصاب وإن لم يشهدوا الوقعة.
وهذا لان إعزاز الدين يحصل بدخول دار الحرب على قصد الجهاد.
قال على رضي الله عنه: ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا (1)
هامش في هامش ق " وعقر الدار، بالفتح والضم أصل المقام الذي عليه معول القوم. ومنه
حديث على رضي الله عنه: ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا. مغرب ".
894

1603 ولا يسهم عندنا لصبي ولا لامرأة ولا لعبد ولا لذمي
وإنما يسهم للمقاتلة من أحرار المسلمين، أو لم يقاتلوا. ويرضخ
لمن سواهم إذا قاتلوا، وللنساء إذا خرجن لمداواة الجرحى والطبخ والخبز
للغزاة.
وأهل الشام يقولون يسهم للمرأة والصبي العبد. واستدلوا فيه
بحديث مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم حنين
للنساء والصبيان.
وفى صحة هذا الخبر نظر
والمشهور أن القسمة يومئذ كانت على ألف وثمانماية سهم، فكان الرجال
ألفا وأربع مئة، والخيل مئتي فرس، لم يذكر في ذلك امرأة ولا صبي.
ولو كانوا لكان ينبغي أن يقال: كانت الرجال كذا وكذا، والصبيان
كذا، والنساء كذا، لاستحالة أن يقال ذكرت الخيل ولم تذكر النساء
والصبيان. والدليل على ضعف الحديث ما اشتهر من قول الكبار من الصحابة،
فإن عمر رضي الله عنه كان يقول: ليس للعبد في المغنم نصيب.
1604 وقال ابن عباس: لا يسهم للنساء ولكن يخدين (1)
من الغنائم أي يعطى لهن رضخا.
هكذا رواه سعيد بن المسيب عن رسول الله عليه السلام.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
لا يسهم للعبيد والصبيان.
هامش (1) في هامش ق " الخديا العطية. وأخذيته لغة مغرب ".
895

وعن فضالة بن عبيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يسهم للمملوكين.
وروى أن شقران غلام النبي عليه السلام شهد بدرا معه فلم يسهم
له، واستعمله على الأسارى فجزاه (1) كل رجل من الأسارى، حتى كان
حظه كحظ رجل من الثمانية من بنى هاشم، وقد سماهم في الكتاب.
وعن عمير مولى أبى اللحم قال: شهدت خيبر وأنا مملوك، فلم يسهم لي
رسول الله عليه وسلم وأعطاني من خرثي (2) المتاع.
فبهذا تبين أن المراد بالحديث أنه رضخ لهؤلاء يوم خيبر. وبه نقول
أنه يرضخ لهم. وهذا لانهم أتباع، ولا يسوى بين التبع والمتبوع في الاستحقاق،
بخلاف الخيل فإنه لا يستحق شيئا، وانما المستحق صاحبه، فلا يتحقق فيه
معنى المساواة بين التبع والمتبوع.
وكذلك (ص 294) أهل الذمة أتباع، فإن فعلهم لا يكون جهادا
فيرضخ لهم ولا يسهم، إلا أن عطاء كان يقول: إن خرج الامام بهم كرها
فلهم أجر مثلهم.
وابن سيرين كان يقول: يضع عنهم الجزية. ومرادهم من ذلك بيان
الرضخ أنه يكون بحسب العناء والقتال.
وكان الزهري يقول: يسهم لهم كما يسهم للمسلمين. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزى بأناس من اليهود فجعل
سهمانا مثل سهمان المسلمين. ولأجل هذا الاختلاف قال محمد رحمه الله: هامش (1) في ب " فخذاه " وفى هامش ق " فخداه. نسخة ".
(2) في هامش ق " الخرثى متاع البيت. وعند الفقهاء سقط متاعه. ومنه حديث عمر:
أعطاه من خرثي المتاع، يعنى الشفق منه. هكذا جاء موصولا وهو الردئ من كل شئ. يقال ثوب
شفق أي ردئ رقيق. مغرب ".
896

1605 ولو واليا جعل لهؤلاء السهم كما للمسلمين نفذ حكمه،
حتى لو رفع إلى وال آخر يرى خلافه فعليه أن يمضى ذلك الحكم،
وليس له أن يبطله.
لأنه أمضى الحكم في فصل مجتهد به والحكم في المجتهدات نافذ بالاجماع
ففي إبطاله مخالفة الاجماع وذلك لا يجوز.
1606 ولا يسهم للأجير الذي يستأجره غاز فيخدمه لأنه
أخذ على خروجه مالا فلا يستوجب لهذا الخروج شيئا من الغنيمة.
والأصل فيه ما روى أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استأجر
أجيرا بثلاثة دنانير، فلما طلب سهمه من الغنيمة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: هذه الدنانير حظك في الدنيا والآخرة.
وعن عكرمة أن أجيرا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة.
فلم يسهم له شيئا. وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يسهم
للأجير.
وتأويل هذا أنه إذا قاتل وترك العمل الذي استأجره فإنه لا يستحق
الاجر في ذلك الوقت، فيستحق السهم، وإذا لم يفعل ذلك فهو يستحق الاجر
فلا يستحق (1) السهم، وحاله كحال التاجر في العسكر: إن قاتل استحق
السهم، وإن لم يقاتل لا يستحق السهم. والله أعلم.
هامش (1) في هامش الأصل ".. قراءة عليه حفظه الله تعالى ".
م 5 السير الكبير
897

98.
باب سهمان الخيل في دار الحرب
قد بينا أن من نفق فرسه بعد مجاوزة الدرب فهو يستحق سهم الفرسان.
1607 قال: ألا ترى أنه لو عقر فرسه في القتال أو قتل استحق
سهم الفرسان.
وإن كانت إصابة الغنائم بعد ذلك في حال ما كان هو راجلا.
وكذلك لو أخذ العدو فرسه وأحرزوه.
إذ لو قلنا يحرم سهم الفرس بهذا امتنع الناس من القتال على الخيل
مخافة أن تبطل سهامهم بها.
وإنما ينبغي للامام أن يفعل ما فيه زيادة تحريض للمسلمين. ثم
الاستحقاق بالتزام مؤنة الفرس في دار الحرب على قصد القتال لا بمباشرة
القتال فارسا.
ألا ترى أن قتالهم لو كانت في المغائض (1) أو على أبواب الحصون
أو في السفن، فإن من كان فارسا منهم استحق سهم الفرسان؟ وقد
هامش (1) ه‍، ب، ق " المضايق " وفى هامش ق " المغائض، نسخة حصيري ".
898

أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين للفرسان وكانت (1)
حصونا افتتحوها بالقتال رجالة.
فعرفنا أن المعتبر التزام مؤنة الفرس في دار الحرب لا القتال عليه.
1608 ولو ضن بفرسه فربطه في المعسكر على آرى (2) فقاتل
راجلا استحق سهم الفرسان.
فإذا أصيب فرسه في القتال لان يستحق سهم الفرسان كان أولى.
1609 ولو دخل دار الحرب راجلا ثم اشترى فرسا فقاتل
فارسا لم يستحق سهم الرجالة.
وفى رواية ابن المبارك رحمه الله يستحق سهم الفرسان.
لأنه التزم مؤنة الفرس في دار الحرب للقتال عليه. ولان مجاوزة الدرب
بمنزلة القتال حكما. فإذا كان يستحق به سهم الفرسان فلان يستحق بحقيقة
القتال فارسا كان أولى.
ووجه ظاهر الرواية أن انعقاد (ص 295) سبب الاستحقاق يكون
مجاوزة الدرب، وقد انعقد له سبب استحقاق سهم الراجل، فلا يتغير بعد ذلك.
وهذا لأنه يشق على الامام مراعاة حال كل واحد من الغزاة في كل وقت،
فيجب اعتبار حال مجاوزة الدرب تيسيرا، لان العادة أن عرض الجيش
عند ذلك يكون في حال الدخول والخروج. فمن أثبت فارسا في الديوان
هامش (1) ق " كان " وفى هامشها " كانت. نسخة ".
(2) ق " أرية ". والآرى المعلف. كما في المغرب. وفى هامش ق " الآرية الأخية. وهي
عروة حبل تشد إليها الدابة في محبسها، (فاعول) من تأرى المكان إذا أقام فيه. مغرب ".
899

عند ذلك سهم الفرسان وإن تغير حاله. ومن أثبت في ديوان الرجالة
لا يستحق إلا سهم راجل وإن تغير حاله.
1610 فإن دخل بفرس لا يستطاع القتال عليه لضعف كبر،
أو مهر لم يركب، لم يضرب له بسهم فارس.
لان ما دخل به ليس بصالح للقتال عليه. فعرفنا أنه دخل راجلا،
وحال دون حال من دخل ببغلة أو حمار أو بعير. وقد بينا أنه لا يسهم له
إلا سهم راجل.
1611 فإن كان الفرس مريضا لا يستطاع القتال عليه حين
قتل به فلم يغنم المسلمون غنيمة حتى صح الفرس، ففي القياس له سهم راجل.
لأنه عند مجاوزة الدرب لم يكن معه فرس صالح للقتال عليه، وإنما
صار بعد ذلك حين صح، فيجعل كما لو اشترى فرسا في هذه الحالة،
أو دخل بمهر ثم طال مقامهم (2) حتى صار بحال يركب.
ولكنه استحسن فقال:
1612 يضرب له بسهم فارس في كل غنيمة أصابوها قبل برئه
أو بعد برئه.
لأنه ما دخل بهذا الفرس إلا للقتال عليه، وما التزم مؤنته إلا ذلك.
فإنه كان صالحا للقتال عليه، إلا تعذر ذلك بعارض على شرف الزوال.
فإذا زال صار كأن لم يكن. بخلاف المهر، فإنه ما كان صالحا للقتال عليه،
هامش (1) ق لا يستطيع " وفى هامشها " لا يستطاع. نسخة ".
(2) في هامش ق " وطال المقام. نسخة ".
900

وإنما صار صالحا لذلك ابتداء في دار الحرب، فيكون حاله كحال من اشترى
فرسا في دار الحرب.
والذي يوضح هذا (1) الفرق أن الصغيرة لا تستوجب النفقة على (2)
زوجها، لأنها لا تصلح لخدمة الزوج، والمريضة التي لا يجامع مثلها لا تستوجب
النفقة عليه، لأنها كانت صالحة لخدمته، وإنما تعذر ذلك بعارض على شرف
الزوال. فكذلك الفرس إذا ضلع (3) أو مرض عند مجاوزة الدرب، بخلاف
ما إذا كان ضعفه لكبر، فإن ذلك ليس على شرف الزوال.
1613 ولو أن مسلما دخل دار الحرب فارسا فقتل فرسه
وأخذ أسيرا قبل أن تصاب الغنائم، ثم أصاب الجيش الغنائم فلم
يخرجوها حتى انفلت فلحق بهم، فله سهم الفرسان.
لأنه انعقد له بسبب الاستحقاق معهم عند مجاوزة الدرب، وشاركهم
في إحراز الغنائم بدار 0 الاسلام فيجعل في الحكم.
كأنه لم يفارقهم.
لأنه ابتلى بمفارقتهم بعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن
لم يكن.
1614 - ولو كان خرج ذلك الجيش ودخل جيش آخر فانفلت
إليهم راجلا، ثم أصابوا غنائم بعد ما لحق بهم، فله في ذلك سهم راجل،
ولا يشركهم فيما أصابوا قبل أن يلتحق بهم.
هامش (1) هذا ساقطة من ق.
(2) ق " في زوجها ".
(3) في هامش ق " الضلع بفتحتين الاعوجاج. مغرب ".
901

لأنه ما انعقد له سبب الاستحقاق معهم، وقد تم ذلك السبب الذي
انعقد له بخروج ذلك الجيش إلى دار الاسلام، ولم يكن هو معهم، فبطل
ذلك الاستحقاق. ثم قد انعقد له باللحوق بالجيش الثاني سبب الاستحقاق
الآن ابتداء، فيعتبر حاله في هذا الوقت.
1615 - فإن لحق بهم راجلا استحق سهم الفرسان. بمنزلة من أسلم في دار الحرب والتحق
بالجيش، أو كان تاجرا مستأمنا في دار الحرب فالتحق بالجيش. ولهذا
لا شركة له فيما أصيب قبل ذلك.
لان سبب الاستحقاق ما كان منعقدا له حين أصيب ذلك.
1616 - إلا أن يبتلى المسلمون بقتال فيقاتل (1) معهم عن ذلك،
(ص 296) فحينئذ يستحق الشركة فيهم بسهم راجل إن التحق بهم
راجلا، وبسهم فارس إن التحق بهم فارسا على فرس اشتراه من أهل
الحرب أو وهبوه له.
لان ذلك الفرس له على الخلوص (2) فيكون به فارسا.
1617 - وإن كان أخذ ذلك الفرس من أهل الحرب بغير طيب
أنفسهم فهو راجل، وذلك الفرس يكون فيئا.
لأنه أحرزه بمنعة الجيش، فكان من جملة الغنيمة، ويشاركه فيه الجيش، وهو لا يكون فارسا بفرس هو من الغنيمة.
هامش (1) ه‍، ب " فقاتل ".
(2) ه‍ " على سبيل الخصوص "، ق " على سبيل الخلوص " ووافقت ب الأصل.
902

ألا ترى أنه لا يكون له أن يقاتل على ذلك الفرس؟
1618 - ولو كان ارتد (1) ولحق بالعدو، ثم أسلم ولحق بالعسكر،
فهو بمنزلة الأسير، والذي أسلم في دار الحرب في جميع ما ذكرنا.
1619 - فإن لم ينتهوا إلى العسكر حتى نفقت (2) خيولهم فهم رجالة.
لان حالة اللحوق بالعسكر في حقهم بمنزلة مجاوزة الدرب في حق
من دخل دار الاسلام.
إلا أن يكونوا قد قربوا من العسكر بحيث يكون العسكر ردءا
لهم يغيثونهم إن طلبوا الغياث، ثم نفق الفرس فحينئذ يستحقون سهم
الفرسان.
لانهم وصلوا إلى العسكر فرسانا، فكأنهم خالطوهم. ثم نفقت أفراسهم
بعد ذلك.
1620 - ولو دخل مسلم دار الحرب بأمر (3) الامام فارسا على
إثر العسكر فنفق فرسه ثم أدركهم راجلا يضرب له بسهم فارس.
لأنه دخل دار الحرب غازيا على فرس، فذلك بمنزلة لحوقه بالجيش
في استحقاق أصل الشركة، على ما بينا أن المدد بمنزلة من شهد الوقعة في
استحقاق السهم، فكذلك في صفة الاستحقاق. وهذا مدد حين دخل بإذن
الامام.
هامش (1) ق، ه‍ " ارتد والعياذ بالله ".
(2) نفق الرجل والدابة نفوقا ماتا (القاموس).
(3) ه‍، ب " بإذن ".
903

1621 - فإن كان الامام نهى الناس أن يدخلوا بعد العسكر
والمسألة بحالها فإنما ينظر الآن إلى حاله يوم لحوقهم (1).
لأنه دخل لصا مغيرا، وما دخل غازيا حين دخل بغير إذن الإمام.
ألا ترى أنه لو أصاب وحده شيئا لم يخمس ذلك، بخلاف من دخل
بإذن الامام. وأن هذا لا يشارك الجيش فيما أصابوه قبل أن يلتحق بهم،
بخلاف الأول، فيكون حال هذا كحال الأسير، والذي أسلم في دار الحرب،
في أنه يعتبر حاله وقت اللحوق لأنه صار غازيا حينئذ.
1622 ولو أن التجار في عسكر من المسلمين أو من أهل الذمة
كانوا فرسانا فقاتلوا مع المسلمين فإنما ينظر إلى حالهم حين قاتلوا.
لان سبب الاستحقاق ينعقد لهم ابتداء في هذا الوقت. فإنهم كانوا
تجارا قبل ه 0 ذا لا غزاة. فمن كان من المسلمين في هذه الحالة فارسا استحق
سهم الفرسان، ومن كان من أهل الذمة فارسا استحق الرضخ بحسب ذلك، ومن كان منهم راجلا استحق الرضخ بسبب ذلك.
1623 ولو أسلموا ثم قاتلوا معهم فإنما يعتبر حالهم في صفة
استحقاق السهم حين قاتلوا معهم.
لان حالهم كحال الاسراء والذين أسلموا من أهل الحرب من حيث أن سبب الاستحقاق ينعقد لهم الآن.
1624 ولو لحقوا بالعسكر وهم على دينهم، فجعلوا يقاتلون
هامش (1) ق، ب " يوم لحقهم ".
904

معهم، ثم أسلموا، فمن كان منهم فارسا حين لحقوا بالمسلمين فله سهم
الفرسان، ومن كان منهم راجلا فله سهم الرجالة.
وكذلك لو دخلوا من دار الاسلام مع الجيش للقتال فرسانا
أو رجالة، ثم أسلموا قبل إصابة الغنائم أو بعدها، فمن كان منهم
راجلا حين دخل استحق سهم الرجالة، ومن كان منهم فارسا استحق
سهم الفرسان.
وقد طعنوا في هذين الفصلين وقالوا: قبل الاسلام ما انعقد لهم سبب
استحقاق السهم، لانهم ليسوا بأهل لذلك. وانعقاد السبب بدون أهلية المستحق
لا يكون، فينبغي أن يعتبر حالهم بعد الاسلام لا حال مجاورة الدرب وحال
اللحوق بالجيش (ص 297) إذا كانوا في دار الحرب.
ولكن ما ذكره في الكتاب أصح. لانهم من أهل أن يستحقوا شيئا
من الغنيمة.
ألا ترى أن قبل الاسلام يستحقون الرضخ، وذلك شئ من الغنيمة.
فيه يتبين انعقاد سبب الاستحقاق لهم عند اللحوق بالجيش أو مجاوزة الدرب
على قصد القتال. ثم إذا أسلموا قبل تمام الاستحقاق بإحراز الغنائم بدار الاسلام،
يجعل بمنزلة ما لو كانوا مسلمين عند ابتداء السبب في صفة الاستحقاق،
لان الصفة تتبع الأصل فيبنى عليه.
وعلى هذا ل 0 ودخلوا مددا للجيش بأذن الامام ثم أسلموا قبل أن
يلحقوا الجيش أو بعد ما لحقوهم، قبل الاحراز.
1625 - ولو أن عبدا دخل دار الحرب مع مولاه فارسا يريد
القتال بإذن مولاه، فغنموا غنائم، ثم أعتقه مولاه، ووهب له ذلك
905

الفرس، غنائم بعد ذلك، فإنه يرضخ لمولاه مما غنم المسلمون قبل
أن يعتق العبد، ولا يبلغ بذلك الرضخ سهم فارس، ولا بأس بأن يزاد
على سهم الراجل.
لان العبد في حكم الرضخ كالذمي، ولا يبلغ برضخ الذمي إذا كان
فارسا سهم فارس من المسلمين. لأنه لا يوجد في أهل الذمة مقاتل إلا وفى
المسلمين من هو أقوى منه. فكذلك حال العبد. إلا أنهما يفترقان من حيث
إن المستحق للعبد، وهو الرضخ، لا يتغير بعنقه فيما أصيب قبل ذلك
والمستحق للذمي يتغير حين يستحق السهم في جميع ذلك، لان بإسلام الذمي
لا يتبدل المستحق، فهو المستحق للسهم والرضخ جميعا، فيمكن أن يجعل إسلامه
كالموجود عند ابتداء السبب.
وبعتق العبد يتبدل المستحق، لان الرضخ يكون لمولاه مستحقا بالعبد،
كما يكون السهم مستحقا له بالفرس. وبعد العتق الاستحقاق للعبد. فلا يمكن
أن يجعل العتق كالموجود عند ابتداء السبب، لان ذلك يبطل استحقاق
المولى أصلا.
ولهذا المعنى قلنا يبقى حكم الرضخ فيما أصيب قبل عتقه، وفيما يصاب
بعد العتق يكون للعبد سهم الفرسان، لأنه كان فارسا عند انعقاد أصل السبب،
وإن كان الفرس لغيره، بمنزلة من دخل فارسا على فرس عارية، أو هو
بعد العتق حين وهب له المولى الفرس، بمنزلة من التحق بالعسكر فارسا
من أسير أو تاجر فيستحق سهم الفرسان.
1626 - قال: وكذلك الذمي والمكاتب يدخلان فارسين. ثم
يصيب المسلمون غنائم، ثم يعتق المكاتب ويسلم الذمي، ثم يصيبون
غنائم بعد ذلك، فإنه يرضخ لهما في الغنيمة الأولى رضخ فارسين
ويعطيان بعد العتق والاسلام سهمي فارسي 0 ن.
906

وهذا الجواب غير صحيح في الذمي. فقد أجاب قبل هذا أن له السهم
في جميع ذلك، وهذا مخالف وهو تناقض بين. وإنما يقع مثل هذا
الغلط من الكتاب. ولصحيح في حق الذمي الجواب الأول لما بينا من المعنى.
فأما في حق المكاتب:
فمنهم من يقول: الجواب أيضا غير صحيح. لان المكاتب هو المستحق.
لكسبه دون مولاه، فبعتقه لا يتبدل المستحق بل يكون حاله كحال الذمي
وقد نص عليه بعد هذا في الباب في الموضعين بخلاف العبد.
ومنهم من يقول: بل هو صحيح لان كسب المكاتب دائر بينه وبين
مولاه، لكل واحد منهما فيه حق الملك.
ألا ترى أنه ينقلب حقيقة ملك المولى بعجز المكاتب فيثبت معنى تبدل
المستحق بعتقه من هذا الوجه؟ فلهذا يعتبر الرضخ فيما كان قبل العتق.
وأما بعد العتق فله سهم الفارس (ص 298)، وإن لم يكن الفرس ملكا له
حقيقة حين دخل دار الحرب، لان له ملك اليد في مكاسبه، فلا يكون فرسه دون الفرس المستعار.
1627 ولو جعل راجلا بعد العتق أدى (1) إلى أن يكون
استحقاقه بعد العتق دون استحقاقه قبله.
لان رضخ الفارس قد يزداد على سهم الرجل. ومعلوم أن العتق يزيده
خيرا لا شرا. فعرفنا أنه يستحق سهم الفارس بعد العتق.
1628 ولو كان العبد غير مأذون في القتال، وإنما دخل للخدمة
مع مولاه فقاتل، فلا شئ له في القياس.
لأنه ليس من أهل القتال، وإنما يصير أهلا له عند إذن المولى، فيكون
حاله كحال الحربي المستأمن إن قاتل بإذن الامام استحق الرضخ، وإلا فلا
هامش (1) ه‍، ب " ادعى ".
907

1629 وفى الاستحسان يرضخ له.
لأنه غير محجور عن الاكتساب، وعما يتمحص منفعته، واستحقاق
الرضخ بهذه الصفة. فيكون هو كالمأذون فيه من جهة المولى دلالة.
وهو نظير القياس والاستحسان في العبد المحجور إذا أجر نفسه وسلم
من العمل. ثم بين أن: 1630 - المكاتب لا ينبغي له أن يغزو إلا بإذن مولاه كالقن.
لأنه في الغز يعرض نفسه للخطر، وهو مملوك للمولى، فلا يجوز له
أن يخاطر بنفسه بغير إذنه كالعبد، بخلاف الخروج للتجارة إلى دار الحرب،
فإن ذلك من باب الاكتساب، فيلتحق هو بالحر. وإن شرط عليه مولاه
في الكتابة أن لا يخرج إلى دار الحرب فإن شرطه لغو. وقد بيناه في كتاب
المكاتب.
1631 - فإن قاتل بغير إذن مولاه وأبلى بلاء فإنه يرضخ له على
قدر بلائه، إن كان فارسا أو راجلا.
لان هذا كان اكتسابا للمال، وعند الكتابة يطلق ذلك له. فإذا
ثبت في حق المكاتب فهو كذلك في حق العبد إذا قاتل بغير إذن مولاه.
1632 - ولو أن عبدا دخل دار الحرب مع مولاه فأعتقه ووهب
له فرسا، ثم لحق بالجند، فإنما يعتبر حاله حين لحق بهم.
فإن كان فارسا فله سهم الفرسان، وإن كان راجلا فله سهم
الرجالة فيما يصيبون بعد ما يلحق بهم، ولا شركة له فيما أصابوا قبل ذلك
إلا أن يقاتل معهم.
908

لان سبب الاستحقاق ما انعقد له حين دخل لا على قصد القتال،
وإنما ينعقد له السبب حين يلتحق بالجيش، فيكون حاله كحال التاجر والذي
أسلم في دار الحرب.
1633 - ولو كان مكاتبا حين دخل فأعتقه المولى، أو أدى بدل
الكتابة قبل أن يخرجوا إلى دار الاسلام، فإنما ينظر إلى حاله حين
دخل. فإن كان فارسا استحق سهم الفرسان فيما أصابوا قبل عتقه وبعده.
لان دخوله كان على قصد القتال، سواء أذن له المولى في الغزو أو لم
يأذن. إذ لا خدمة للمولى عليه. وقصده إلى القتال يكون معتبرا في حقه،
فانعقد له السبب بالدخول. وقد كمل حاله قبل تمام الاحراز، فيلتحق
بما لو كان كامل الحال عند الدخول.
وبهذا تبين أن ما ذكر من الجواب قبل هذا في المكاتب غلط من المكاتب.
1634 - فإن لم يعتق حتى قسمت الغنائم أو بيعت، فليس له في
تلك الغنائم إلا الرضخ.
لان الحق تأكد فيها قبل كمال حاله، فإن القسمة والبيع في تأكد الحق
في الغنيمة كالاحراز. ولهذا ينقطع بها شركة المدد. فيكون هذا وما لو عتق
بعد (1) الاحراز بدار الاسلام سواء. والرضخ الواجب يكون له لأنه كسب
المكاتب، فيسلم له بعد العتق.
1635 - وإن خاصمه مولاه في دار الحرب في المكاتبة (ص 299)
يفسخ القاضي الكتابة.
لأنه أخل ببعض النجوم.
هامش (1) ق " قبل الاحراز ".
909

وفى القياس لا يستحق شيئا إن كان دخل بغير إذن مولاه.
لان الكتابة لما انفسخت صارت كأن حاله كحال
العبد الداخل بغير إذن مولاه على قصد القتال. وقد بينا أن هناك في القياس
لا يستحق الرضخ، وفى الاستحسان يستحق ويكون ذلك لمولاه فهذا مثله.
1636 - ولو مات عاجزا أو عن وفاء، فأن كان ذلك قبل قسمة
الغنائم أو الاخراج (1) لم يكن له ولا لمولاه من ذلك شئ، وإن أذيت
كتابته.
لان استحقاق الرضخ لا يكون أقوى من السهم، وموت
الغازي قبل الاحراز والقسمة يبطل سهمه من الغنيمة. فموت المكاتب أولى.
وإن كان ذلك بعد القسمة أو البيع والاخراج (1) فله نصيبه منها.
كما لو مات الحر في هذه الحالة، إلا أنه إذا مات عاجزا كان ذلك لمولاه،
إلا أن يكون وفاء بالمكاتبة، فيقبضه المولى من مكاتبه ويحكم بحريته.
وإن كان مات عن وفاء فذلك لورثته.
فإن قيل: عتقه يستند إلى حال حياته، فعلى هذا ينبغي أن يستحق
السهم. بمنزلة ما لو عتق قبل الاحراز في حياته.
قلنا: على إحدى (2) الطريقين لا يستند عتقه، وإنما يجعل هو حيا حكما
إلى وقت أداء بدل الكتابة. وعلى الطريق الأخرى (3) هذا الاسناد لأجل
هامش (1) ق، ه‍ " الاحراز " وفى هامش ق " الاخراج. نسخة حصيري ".
(2) ق، ب، ه‍ " أحد ".
(3) ق، ب، ه‍ " الآخر ".
910

الضرورة. فلا يظهر فيما وراء ما تحققت فيه الضرورة وهو حكم الكتابة.
فأما استحقاق السهم فليس من ذلك في شئ.
1637 ولو كان عبدا مأذونا له في القتال أو غير مأذون فمات
قبل الاحراز والقسمة فلا شئ لمولاه من ذلك، اعتبارا بموت من له
سهم.
فإن قيل: استحقاق الرضخ هاهنا للمولى بسبب عبده كاستحقاق
السهم للفارس بفرسه. ثم بموت الفرس في دار الحرب لا يبطل سهم الفارس
فكذلك بموت العبد ينبغي أن لا يبطل حق المولى في الرضخ.
قلنا: لا كذلك، ولكن الاستحقاق للعبد هاهنا، ثم يخلفه المولى
في ملك المستحق كما يخلفه في سائر أكسابه. وهذا لان العبد آدمي مخاطب،
وهو من أهل أن ينعقد له سبب الاستحقاق على أن يخلفه مولاه في ملك المستحق.
ألا ترى أنه لو مات العبد بعد مجاوزة الدرب قبل القتال لم يستحق مولاه
الرضخ؟ بخلاف الفرس، وإن كان موته بعد الاحراز والقسمة فرضخه
يكون لمولاه. لان سبب استحقاقه قد تأكد، فلا يبطل بموته، ولكن يخلفه
مولاه فيه كما يخلف الوارث المورث.
1638 وإن باعه مولاه قبل الاحراز فإنه لا يبطل رضخه.
لأنه لم يخرج من أن يكون أهلا للاستحقاق، وإن تحول الملك فيه من
شخص إلى شخص فيكون رضخه لمولاه الأول.
أما إذا باعه بعد الاحراز فظاهر، وأما قبله فلان سبب الاستحقاق
انعقد له في ملك المولى الأول. ويثبت أصل الاستحقاق بالإصابة، فلا يبطل
حق المولى فيه ببيعه كما في سائر أكسابه.
ألا ترى أن المأذون إذا اشترى شيئا بشرط الخيار، ثم باعه مولاه
فإن المشترى يكون للبائع دون المشترى.
911

1639 فإن غنموا غنيمة أخرى بعد ما باعه مولاه فنصيبه من
الغنيمة الثانية للمشترى.
لان الاستحقاق إنما يثبت له عند الإصابة (1) وعند ذلك هو ملك
المشترى فيخلفه المشترى في الملك المستحق.
1640 ولو كان حرا دخل دار الحرب عاقلا ثم صار معتوها
قبل الاحراز فإنه لا يمنع نصيبه من الغنيمة.
لأنها أحرزت (ص 300) وهو حي من أهل الاستحقاق، وإن كان
معتوها. بخلاف ما إذا مات قبل الاحراز.
1641 ولو لم يصر معتوها ولكنه ارتد (2) وخرج مع
المسلمين، فإن أبى أن يسلم حتى قتل فإن نصيبه لورثته المسلمين، يرضخ
له من ذلك رضخا كما يصنع بالذمي.
لان المرتد بمنزلة الكافر الأصلي. وإنما أحرزت الغنائم وهو أهل
لاستحقاق الرضخ دون السهم، لكونه من أهل دارنا.
قال: وهذا يدلك على أن الذمي إذا أسلم، أو عتق المكاتب قبل
إحراز الغنائم أنه يضرب لهما بسهم كامل.
لأنه إنما ينظر إلى حالهما يوم تحرز الغنائم بالدار أو تقسم أو تباع.
وبهذا تبين أيضا أن جوابه الأول في الذمي والمكاتب جميعا غلط كما بينا.
هامش ق " عند إصابته " وفى الهامش " عند الإصابة. نسخة ".
(2) في ق " ارتد والعياذ بالله ".
912

1642 ولو لحق بدار الحرب مرتدا بعد إصابة الغنيمة ثم رجع
مسلما قبل الاحراز أو بعده فليس له من ذلك شئ.
لأنه التحق بحربي الأصل (1)، والحربي إذا أسلم ولحق بالجيش
بعد الاحراز أو قبله ولكن لم يلقوا قتالا بعد ذلك، لم يكن له شركة في المصاب،
فالمرتد مثله. وكيف يستحق الشركة في غنائم المسلمين وقد صار بحال لو أصيب
ماله كان فيئا، ولو أخذ من الغنيمة شيئا فأحرزه ثم أسلم كان له. فعرفنا
أنه صار كحربي الأصل.
1643 ولو لم يلتحق بدار الحرب بعد الردة حتى أحرزت
الغنائم أو قسمت أو بيعت فنصيبه منها ميراث لورثته.
لان حقه قد تأكد فيها، فهو كسائر أمواله. ولحاقه في هذه الحالة
بدار الحرب مرتدا كموته.
1644 - ولو لم يرتد ولكن المشركين أسروه قبل الاحراز ولم
يقتلوه فإنه ينبغي للمسلمين أن يعزلوا نصيبه فيما غنموا قبل أن يؤسر.
لان حقه ثبت فيه، وبالأسر لم يخرج من أن يكون أهلا لتقرر
حقه بالاحراز.
ولا شئ له فيما غنموا (2) بعد ما أسر.
لان المأسور في يد أهل الحرب لا يكون مع الجيش حقيقة، ولا حكما.
فهو لم يشاركهم في إصابة هذا ولا في إحرازه بالدار.
هامش (1) ق، ه‍ " بالحربي الأصل ". واتفقت ص و ب.
(2) في هامش ق " مما غنموا. نسخة ".
م - 6 السير الكبير
913

1645 - فإن لم يدر ما فعلوا به حين أسر قسمت الغنائم ولم يوقف له منها قليل ولا كثير.
لان تمام الاستحقاق إنما يكون بالاخراج (1). والمفقود كالميت
فيما يستحقه ابتداء، حتى إذا مات قريب له لم يرثه، ولم يوقف لأجله شئ.
فهذا مثله.
1646 - وإن قسمت الغنائم ثم جاء بعد ذلك حيا مسلما لم يكن
له شئ.
لان حق الذين قسم بينهم قد تأكد بالقسمة وثبت ملكهم فيها. ومن
ضرورته إبطال الحق الضعيف.
1647 - وإن بيعت الغنائم أو أخرجت وتخلف هو في دار
الحرب لحاجة بعض المسلمين فأسر، فإنه يوقف نصيبه حتى يجئ فيأخذه، أو يظهر موته فيكون لورثته.
لان حقه قد تأكد في المصاب بالاحراز في البيع، فيكون الحكم فيه
ما هو الحكم في مال المفقود.
هامش ه‍ " بالاحراز " وجميع النسخ " بالاخراج ".
914

99.
باب سهمان الخيل في دار الاسلام
والشركة في الغنيمة
1648 - ولو أن جيشا من دار الحرب دخلوا دار الاسلام،
فقاتلهم المسلمون حتى ظفروا بهم، فإنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
هكذا روى عن عمر رضي الله عنه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة.
وهذا لان الاستحقاق بالجهاد، والمجاهد في دار الاسلام من شهد الوقعة خاصة.
بخلاف ما إذا دخل المسلمون دار الحرب، فهناك للمدد شركة في
المصاب وإن لم يشهدوا الوقعة.
لانهم دخلوا دار الحرب على قصد الجهاد وكانوا مجاهدين بذلك.
ولان دار الحرب موضع القتال (ص 301) فكل من حصل في
دار الحرب على قصد القتال يجعل في الحكم كمن شهد الوقعة. ودار الاسلام
ليس بموضع القتال، فإنما المقاتل فيها من شهد الوقعة خاصة. وهو بمنزلة
ما لو وقف في المسجد بالبعد من الامام واقتدى به، فإنه يصح الاقتداء،
لان المسجد مكان الصلاة، فيجعل هو كالواقف خلف الامام، بخلاف
ما إذا كان في الصحراء.
1649 ولو أن عسكرا من المسلمين افتتحوا بلدة وصيروها
دار الاسلام ثم لحق بهم (1) مدد قبل قسمة الغنائم فلا شركة لهم في المصاب.
هامش (1) كذا في ق. وفى هامشها " لحقهم. نسخة ".
915

لان الغنائم بما صنعوا صارت محرزة بدار الاسلام. فكأنهم أخرجوها،
ثم لحقهم مدد. وهذا لان استحقاق الشركة للمدد باعتبار أنهم شاركوهم في
الاحراز، وذلك غير موجود هنا.
1650 وكذلك لو قسموا الغنائم في دار الحرب أو باعوها ثم
أصابهم مدد.
لان بالقسمة والبيع يتأكد الحق كما في الاحراز. وإنما الشركة للمدد
فيما إذا لحقوا بهم في دار الحرب قبل أن يتأكد حقهم فيها، استدلالا بالأثر
المروى عن الصديق رضي الله عنه في أهل النجير (1) باليمن. وقد بينا ذلك
في " السير الصغير ".
1651 ولو أن عسكرا من أهل الحرب دخلوا دار الاسلام
فانتهوا إلى مدينة مثل المصيصة أو الملطية، فخرج قوم من أهلها وقاتلوهم
حتى ظفروا بهم، فالغنيمة لهم دون أهل المدينة. وإن قال أهل المدينة:
قد كنا ردءا لكم، لم يلتفت إلى ذلك.
لانهم ما كانوا مجاهدين، إنما كانوا مستوطنين في مساكنهم. والشركة
في المصاب لمن كان مجاهدا. ولأنهم لم يشاركوهم في الإصابة ولا في الاحراز.
1652 فإن كانوا تسلحوا وركبوا الخيل وأتوا باب المدينة
فتضايق الناس على الباب، فخرج بعضهم في المدينة فهم شركاء في المصاب
هاهنا.
هامش (1) في حاشية ه‍ " النجير أحد حصون حضر موت. ومنه يوم النجير من أيام أبى بكر
الصديق رضي الله عنه. المغرب ".
916

لانهم قد شهدوا الوقعة، وكانوا مجاهدين حين تسلحوا وأتوا باب
المدينة على قصد القتال.
ألا ترى أن القوم يلقون العدو محصرين (1) فلا يلي القتال منهم إلا
قوم قليل، ثم تكون الغنيمة مشتركة بين جماعتهم.
لانهم جميعا شهدوا الوقعة فهذا مثله.
1653 - وإن كان المسلمون بلغوا باب رجل من المسلمين قد
خرج من داره متسلحا فمنعه ذلك الزحام من المضي إلى باب المدينة، فهو
شريكهم في المصاب.
لأنه مجاهد فيما (2) صنع، شاهد للوقعة.
1654 وإن كان واقفا على باب داره، أو في جوف داره فارسا
أو راجلا إذا لم يمنعه من المضي الا الزحام. فإن كان باب داره مفتوحا
كان له سهم من الغنيمة. وإن كان باب داره مغلقا عليه لم يكن له من
الغنيمة نصيب. لان هذا متحصن بمنزله ليس بمتوجه إلى موضع القتال على قصد القتال،
بخلاف ما إذا كان باب داره مفتوحا.
1655 قال: ولو كان لهذا سهم لكان لغيره ممن هو مع امرأته
هامش (1) كذا في الأصل وفى هامشه " مصحرين. نسخة " وفى ب، ه‍ " مضحرين "، وفى ق
" مصحرين "، وفى هامشها " أصحر خرج إلى الصحراء. مغرب ".
(2) ب " بما ".
917

في جوف بيته يجامعها. وبعض هذا قريب من البعض. ولكن إنما
يؤخذ فيه بالاستحسان وما يقع عليه أمور الناس.
1656 وإن كانوا على سور المدينة يرمون أو يصيحون بما فيه
تحريض للمسلمين وإرهاب للمشركين كانوا شركاؤهم في الغنيمة.
لانهم من جملة من شهد الوقعة وجاهد نوعا من الجهاد.
1657 وإن كان الأمير أمرهم بالكينونة على سورها ليمنعوا
العدو من دخول المدينة إن هزموا المسلمين، ونهاهم أن يعينوا المسلمين
بشئ فهم شركاء (1) في الغنيمة أيضا.
لانهم ممن شهدوا الوقعة واشتغلوا بما فيه قوة المسلمين، وهو فراغ
قلوبهم من أن يضفر العدو بمدينتهم.
والأصل فيه ما روى عن النبي عليه السلام (ص 303) أنه أمر
الرماة يوم أحد أن لا يبرحوا مراكزهم.
ولا شك أنهم كانوا من جملة من شهد الوقعة، شركاء في المصاب أن
لو أصابوا الغنائم.
1658 ولو خرج المسلمون إلى باب المدينة وقاتلوهم رجالة، وقد
سرحوا خيولهم في منازلهم، لم يضرب لهم إلا بسهم (3) الرجالة.
هامش (1) ه‍، ق " شركاؤهم ". (2) ه‍ " ما روى أن النبي صلى الله عليه وآله أمر ".
(3) ق " إلا سهام الرجالة " وفى هامشها " بسهم الرجالة. نسخة ".
918

لانهم ما قاتلوا على الأفراس حقيقة ولا حكما، فإسراج الفرس ليس
من عمل القتال في شئ.
1659 - وإن كانوا خرجوا من منازلهم على الخيل ثم نزلوا في
المعركة وقاتلوا رجالة استحقوا سهم الفرسان.
لانهم شهدوا الوقعة فرسانا، وإنما ترجلوا لضيق المكان أو لزيادة
جد منهم (1) في القتال، فلا يحرمون به سهم الفرسان.
1660 - وكذلك من حضر المعركة راجلا ومعه غلام يقود من
فرسه إلى جنبه فإنه يستحق سهم الفرسان.
لأنه مقاتل بفرسه حكما لتمكنه من أخذه من يد الغلام، والقتال عليه.
1661 - ولو حضر فارسا ثم أمر غلامه أن يرد فرسه إلى منزله،
فرده وقاتل راجلا، فله سهم الراجل فقط.
لان الغلام حين رد فرسه فكأنه ما أحضره موضع القتال أصلا.
ألا ترى أنه لو احتاج إلى القتال عليه لم يتمكن منه.
1662 - ولو أن أهل الحرب لم يدنوا من المدينة ولكنهم
عسكروا على أميال منها، فخرج المسلمون إليهم رجالة وفرسانا حتى
هزموا وأصابوا الغنائم، فمن كان منهم فارسا يستحق سهم الفرسان
سواء قاتل راجلا أو فارسا.
هامش (1) ق " خدمتهم " وفى هامشها " جد منهم. نسخة " حصيري ".
919

لأنه لما أحضر فرسه العسكر فقد صار مقاتلا بفرسه حكما.
1663 - وإن باشر القتال راجلا بخلاف الأول فهناك الفرس في
منزلة على آرية، فلا يكون هو مجاهدا به.
لا حقيقة ولا حكما.
1664 - وإن كان المسلمون حين عسكروا بحذائهم تنحى
المشركون عن معسكرهم، فأتبعهم المسلمون حتى لحقوهم فقاتلوهم رجالة،
وخيولهم في المعسكر، فإن كانوا لقوهم في موضع يقدر من في المعسكر
على أن يعينهم، وإن أرادوا أن يبعثوا إلى خيلهم بعثوا إليهم، فهم شركاء
في المصاب، للفارس منهم سهم الفارس.
لانهم جميعا في الحكم قد شهدوا الوقعة لقرب المعسكر من موضع الوقعة.
1665 - وإن كانوا قد تباعدوا من المعسكر فليس لمن في المعسكر
معهم شركة، وليس لأحد منهم سهم الفرسان إلا لمن حضر المعركة
على فرسه.
لانهم ما كانوا متمكنين من القتال على الفرس.
ألا ترى أنهم لو ركبوا الإبل في آثارهم حتى ساروا أياما كانوا رجالة
ولم ينظر إلى ما كان لهم من الخيل في المعسكر؟
لان في دار الاسلام الاستحقاق بشهود الوقعة، فيعتبر في حق من
يستحق. وما يستحق به شهود الوقعة بالحضور حقيقة، أو بأن كانوا بالقرب.
920

منه حكما على وجه لو استغاثوا (1) بهم أمكنهم أن يغيثوهم (2). فيكونون
كالردء لهم. فأما إذا انعدم ذلك لم يكونوا من جملة من شهد الوقعة
1666 - ولو خرجوا إلى عسكرهم فرسانا فنفق فرس بعضهم
كان لهم سهم الفارس.
لأنه حضر المعسكر فارسا فيصير به مجاهدا بفرسه، إذا كان القتال
في ذلك الموضع أو بالقرب منه. وهذا في حق هؤلاء بمنزلة مجاوزة الدرب
فارسا أن لو كان القتال في دار الحرب.
وإن كان خرج إلى العسكر راجلا فلم يلق قتالا حتى أتى بفرسه
(ص 303) أو اشترى فرسا فله سهم الفارس أيضا.
وكذلك لو اصطف الفريقان للقتال وهو راجل ثم أتى بفرسه
أو اشترى فرسا فله سهم الفرسان.
لان المعتبر هنا شهود الوقعة. وحقيقة شهود الوقعة إنما تكون عند القتال.
فحضور المعسكر وإن أقيم مقامه حكما لا يسقط به اعتبار الحقيقة.
1667 - فإن التحم القتال وهو راجل ثم أصاب فرسا بعد ذلك
لم يكن له إلا سهم راجل.
لان شهود الوقعة حقيقة وحكما قد وجد منه وهو راجل، فلا يتغير (3)
حاله بإصابة الفرس بعد ذلك.
هامش (1) مهملة في الأصل. وهي في ق، ه‍ " استعانوا، وفى ب " استغاثوا ".
(2) مهملة في الأصل. وهي في ق، ه‍ " يغيثوهم ".
(3) ق " يعتبر " وفى هامشها " لا يغير. نسخة ".
921

ألا ترى أنه لو قتل بعضهم وأخذ فرسه فقاتل عليه لم يضرب له إلا بسهم
راجل.
1668 - ومن مات من المسلمين أو قتل في حال تشاغلهم بالقتال
قبل أن ينهزم العدو فلا شركة لهم في المصاب.
لان الإصابة لا تتم مع بقاء القتال. فإن المشركين ممتنعون بعد، دافعون عن أموالهم.
1669 - وإن مات أو قتل بعد ما انهزموا ضرب له بسهم
في الغنيمة.
لان القتال في دار الاسلام. فبانهزام العدو يتأكد سبب الاستحقاق
وتصير الغنائم في حكم المحرزة بدار الاسلام. وقد بينا أن من مات بعد الاحراز لا يبطل نصيبه. فهذا مثله
1670 - ولو أصاب مسلم في حال تشاغلهم بالقتال فرسا، هبة
أو شراء فقاتل عليه وغنموا غنيمة ورجعوا إلى عسكرهم لم يضرب له فيها إلا بسهم راجل.
لان المعتبر حال شهود الوقعة. وذلك عند أول القتال. وقد كان راجلا.
1671 - فأن عادوا من الغد (1) للقتال وعاد معهم فارسا وأصابوا
غنيمة ضرب له فيها بسهم فارس.
لان هذه وقعة أخرى غير الأولى، وقد شهدها فارسا. فالأولى قد
انقضت حين كف بعضهم من بعض.
* هامش (1) في هامش ق " من العدو. نسخة صح ".
922

ألا ترى أنه لو أصاب الفرس قبل القتال في المرة الأولى كان له
سهم فارس في المصاب في المرة الأولى، فكذلك في المرة الثانية.
1672 - ولو قاتلوا المشركين فلم يصيبوا شيئا حتى جاء قوم من
المدينة مددا لهم، فرسانا أو رجالة، فقاتلوا معهم، أو وقفوا ردءا لهم،
حتى أصابوا غنيمة شاركوهم فيها. فمن كان فارسا ضرب له بسهم
فارس، ومن كان راجلا ضرب له بسهم راجل.
لانهم شهدوا الوقعة قبل إصابة الغنيمة، فكان حالهم كحال من خرج
مع الجيش (1).
1673 - وكذلك لو انتهوا إلى عسكرهم فأقاموا فيه (2) ولم يأتوا
موضع القتال، أو عسكروا قريبا منهم حيث يقدرون على أن
يغيثوهم (3).
لانهم فارقوا منازلهم على قصد الجهاد، وعلى أن يكونوا مددا للجيش
يقاتلون معهم. فإذا وصلوا إلى موضع لو استغاثوا بهم أغاثوهم قبل إصابة
الغنيمة كانوا ردءا لهم، والردء كالمباشر في استحقاق المصاب.
1674 - وكذلك لو كانوا غنموا غنائم قبل أن يأتوهم وغنائم بعد ما أتوهم.
* هامش (1) ق " كحال من خارج الجيش " وفى هامشها " كحال من خرج مع الجيش. نسخة ميرزا ".
(2) في هامش ق " فيها نسخة ".
(3) مهملة في الأصل. وفى ه‍ " يعينوهم " وفى ق، ب " يغيثوهم " وفى هامش ق " على أن
يعينوهم. نسخة ميرزا ".
923

لان القتال ما دام قائما بين الفريقين فالإصابة لا تتم. إذ المشركون
قاصدون (1) إلى الاستنقاذ من أيدي المسلمين، فإنما تمت الإصابة في الكل
بقوة الذين أتوهم ردءا.
1675 - ولو كانوا حين غنموا غنائم كفوا عن القتال، فأتى كل
فريق عسكره، ثم جاء المدد لم يشاركوهم في شئ من تلك الغنائم.
لان الوقعة التي أصيب فيها تلك الغنائم قد انقضت، فإنما الشركة لمن
شهد الوقعة (ص 304) حقيقة وحكما، ولان الإصابة قد تمت في تلك الغنيمة.
حقيقة بتفريق الفريقين.
وحكما بالاحراز بدار الاسلام.
لانهم إنما يقاتلون العدو في دار الاسلام. ولا شركة للمدد بعد الاحراز
حقيقة وحكما.
1676 - فإن عادوا إلى العدو من الغد وقاتلوهم وأصابوا غنائم،
شاركوهم في الغنيمة الثانية.
لانهم شهدوا الوقعة فيها، وإنما صارت محرزة بمباشرتهم القتال أو قربهم
بأن كانوا ردءا للجيش.
1677 - وإن كانوا حين لقوا العدو من الغد قاتلوهم فانهزم
المسلمون إلى خندقهم، المدد الذين جاءوا حتى هزموا عنهم
المشركين، فقالوا نشارككم في الغنائم الأولى لأنا دفعنا المشركين، عنها
بالقتال لم يلتفت إلى قولهم.
لأنها صارت محرزة بدار الاسلام قبل هذا القتال. والقتال للدفع

(1) في هامش ق " قائمون. نسخة ميرزا ".
924

عن المال في الغنائم المحرزة بالدار، كالقتال للدفع عن ثياب الجيش وأسلحتهم
فلا يكون موجبا لهم الشركة فيها.
1678 - وإن كان المشركون حين هزموا المسلمين أخذوا تلك
الغنائم فاستنقذها منهم المدد فإنهم يردونها إلى أهلها.
لان حقهم كان تأكد فيها بالاحراز بدار الاسلام، والتحقت
بأموالهم (1) فيجب الرد عليهم، ولان المشركين وإن أخذوها لم يحرزوها
بدارهم، فبقيت حقا للأولين كما كانت.
بخلاف ما لو كانت هذه الحادثة في دار الحرب
لان حق الأولين هناك لم يتأكد لانعدام الاحراز. وإحراز أهل الحرب
لها بالأخذ يتم فيبطل حق الأولين عنها ويلتحق بالغنائم التي يصيبونها الآن ابتداءا.
1679 ولو كان العدو في السفن في البحر في أرض الاسلام (2) فركب المسلمون البحر في السفن وحملوا معهم الخيل رجاء أن يخرجوا
إلى البر فيقاتلوهم (3) فالتقوا في البحر فاقتتلوا فأصابوا غنائم، فإنهم
يقسمونها على الخيل والرجالة.
لانهم التزموا مؤنة الفرس لقصد الجهاد عليه، فلا يحرمون سهم الفرسان
بقتالهم رجالة في موضع لم يتمكنوا من القتال على الفرس.
ألا ترى أنهم لو لقوهم في بعض المضايق فترجلوا أو قاتلوا رجالة

(1) ق " بأملاكهم " وفى هامش ق " بأموالهم. نسخة ميرزا ".
(2) ق " دار الاسلام " وفى هامشها " أرض الاسلام. نسخة ".
(3) في هامش ق " فيقابلونهم. نسخة ".
925

استحقوا سهم الفرسان؟ وكذلك لو قاتلوهم على باب حصن رجالة استحقوا
سهم الفرسان لهذا المعنى كذلك هنا.
1680 - فإن كانوا تركوا الخيل (1) على الساحل في أرض (2) الاسلام
وركبوا السفن رجالة، والمسألة بحالها، فإن كانوا تباعدوا من خيولهم، حتى لو كانوا في البر لم يقدروا على أفراسهم إن احتاجوا إلى القتال عليها
لم يكن لهم سهم الفرس (3)، ولم يكن لمن تخلف في المعسكر على الساحل
شركة معهم.
لانهم لو كانوا على البر بهذه الصفة لم يثبت الاستحقاق لمن تخلف في
المعسكر، باعتبار أنهم لم يشهدوا الوقعة فكذلك إذا كانوا في البحر.
1681 - وإن لقوا العدو قريبا من المعسكر حيث
يغيثونهم (4) إن أرادوا غنائمهم (5) فلهم الشركة، ويضرب لأصحاب الخيل
فيها بسهام الخيل.
لانهم شهدوا الوقعة وصاروا بقربهم من موضع القتال كأنهم في موضع
القتال. وإنما انهزم العدو وظفر بهم المسلمون بقوة من كان في المعسكر
فيشاركوهم.
ألا ترى أن المشركين لو كانوا في جزيرة في أرض المسلمين، وبين

(1) ق " فإن كانوا يتركون الخيل " وفى هامشها " تركوا الخيل. نسخة ميرزا ".
(2) ق " دار " وفى هامش ق " أرض. نسخة ".
(3) كذا في الأصل و ب وق وفى ه‍، " الفرسان ". وفى هامش ق " الفرسان. نسخة
ميرزا ".
(4) مهملة في الأصل. أثبتنا رواية ه‍، ق، ب.
(5) كذا في الأصل و ب وق. وفى هامش ق " أغاثتهم. نسخة " وفى ه‍ " غياثهم ".
926

عسكر المسلمين وبينهم شئ يسير مثل عرض الدجلة، فركب المسلمون في
السفن حتى أصابوا غنائم، فإن من في المعسكر يشاركهم فيها إذا رجعوا
إليهم (ص 305)، فكذلك في الأول
1682 - وعلى هذا لو دخل المسلمون غيضة في دار الاسلام مثل
غياض طبرستان، فلم يقدر المسلمون على أن يدخلوها على الخيل،
فدخلوها رجالة، وقاتلوا العدو قريبا من معسكرهم حيث يسمعون صهيل
خيولهم، فإن أهل العسكر شركاؤهم فيما غنموا، ولأصحاب الخيل
سهم الفرسان.
لان الكل، للقرب من موضع القتال، كالحضور في ذلك الموضع.
1683 وإن أمعنوا في الغيضة على إثر العدو حتى اقتتلوا في
موضع لو طلبوا الغياث لم يغثهم أصحابهم فلا شركة لمن في المعسكر معهم
في المصاب.
لانهم لم يشهدوا الوقعة حقيقة ولا حكما لبعدهم من موضع القتال.
1684 وكذلك لو تحصن المسلمون في قلعة في أرض الاسلام،
أو في جبل لا تقدر الخيل على صعود ذلك الموضع، أو تحصنوا في حصن
وجعلوا الماء في الخندق، حتى صار ما حول المدينة شبه (1) البحيرة (2)،

(1) ب " يشبه "، ه‍ " شبيهة " وافقت ق رواية الأصل.
(2) كذا في الأصل و ب. وفى ه‍، ق " البحر ". وفى هامش ق " شبه البحيرة. نسخة
حصيري ".
927

فركبوا السفن حتى انتهوا إلى الحصن، وصعدوا القلعة رجالة حتى
فتحوا القلعة، وأصابوا الغنائم، فإن أهل العسكر شركاؤهم فيها،
لأصحاب الخيل سهم الفرسان.
لان الذين ظفروا إنما ظفروا بقوة أهل العسكر حين كانوا
بالقرب منهم.
1685 إلا أن يكون المعسكر نائيا عن القلعة والحصن بحيث
لا يغيثونهم ولا يكونوا ردءا لهم، فحينئذ لا شركة معهم لأهل العسكر.
لان تمكنهم من الإصابة بقوة أنفسهم لا بقوة من في المعسكر، والإصابة
تتم قبل الرجوع إلى المعسكر هاهنا، وتصير الغنيمة محرزة بدار الاسلام
فلا يشاركونهم فيها.
ألا ترى أنهم لو فعلوا هذا في دار الحرب ثم لم يرجعوا إلى المعسكر،
ولكنهم خرجوا من جانب آخر إلى دار الاسلام، فإن أهل المعسكر لا يشاركهم
فيها، إلا إذا كانوا بالقرب منهم. حين اقتتلوا وأصابوا على وجه لو استغاثوا
بهم أغاثوهم؟ فكذلك إذا كان القتال في دار الاسلام. إلا أن في دار الحرب
من كان من أصحاب السرية خلف فرسه في المعسكر استحق سهم الفرسان،
وإن كانت الإصابة بعد ما بعدوا من المعسكر، بخلاف ما إذا كان القتال
في دار الاسلام، لان هناك سبب الاستحقاق له قد انعقد بمجاورة الدرب
فارسا.
ألا ترى أنه لو نفق فرسه استحق سهم الفرسان؟ فكذلك إذا خلفه
في المعسكر، ولكن هذا المعنى غير معتبر في حق المستحق.
ألا ترى أن من مات من الجند في دار الحرب لم يضرب له بسهم (1).

(1) في هامش ق " سهم. نسخة ".
928

فلهذا لا شركة لمن تخلف في المعسكر. ومن كان من أهل السرية خلف فرسه
في المعسكر استحق السهم به. فأما إذا كان القتال في دار الاسلام فإنما ينعقد
سبب الاستحقاق هاهنا بشهود الوقعة فارسا، وحين كان فرسه بالبعد منه
في موضع لا يتمكن من القتال عليه إن لو احتاج إليه، فهو ما شهد الوقعة
إلا راجلا، فلا يستحق سهم الفارس. والله أعلم (1).
* هامش (1) في الأصل " بلغ قراءة عليه حفظه الله تعالى ".
م - 7 السير الكبير
929

100.
باب دخول المسلمين دار الحرب بالخيل
ومن يسهم له منهم في الغصب والإجارة والعارية والحبس
1686 - قال: قد بينا فيما سبق أنه ينبغي للأمير أن يعرض
الجيش حين دخل دار الحرب فيكتب أصحاب الخيل (306) بأسمائهم،
وأسماء آبائهم، وحلاهم (1)، ويكتب الرجالة كذلك.
لان سبب الاستحقاق ينعقد لهم الآن، وهو محتاج إلى معرفة حال كل
واحد منهم عند ذلك ليتمكن من القضاء بينهم بالحق.
ثم إذا رجعوا إلى ذلك الموضع عرضهم أيضا.
لان القسمة إنما تكون بعد الاحراز بدار الاسلام، فلا بد أن يعرضهم
عند ذلك ليتمكن من القسمة بينهم. وهذا لأنه يشق عليه عرضهم في كل يوم،
فلدفع المشقة يكتفى بالعرض عند انعقاد السبب ابتداء وعند تأكد الحق بالاحراز.
1687 - فمن مر به في العرض الثاني راجلا وقد كان في العرض
الأول فارسا سأله عن فرسه ما حاله. فإن قال: عقر أو نفق أو أخذه
المشركون فالقول قوله مع يمينه.

(1) في ه‍ " وحدهم " وقد انفردت بهذه الرواية.
930

لأنه يتمسك (1) بما عرف ثبوته، وانعقاد سبب الاستحقاق له معلوم،
وأصحابه بقولهم إنه باع فرسه يدعون عليه ما يبطل استحقاقه من معنى (2)
هو عارض وهو منكر. لذلك فالقول قوله مع يمينه، حتى يثبت العارض
المسقط.
1688 - فإن شهد شاهدان من المسلمين أنه باع فرسه (3) قبل
إصابة الغنيمة فقد ثبت بالحجة العارض المسقط لاستحقاقه. والثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة. ولو عايناه أنه باع فرسه قبل إصابة الغنيمة لم
يستحق به السهم.
إلا في رواية شاذة عن أبي حنيفة برواية الحسن. وقد بينا هذا في
" شرح المختصر ".
ويستوي إن كان الشاهدان من أهل العسكر أو من التجار.
لان شركتهم في الغنيمة قبل القسمة شركة عامة. فإنهم لا يملكون (4)
شيئا قبل القسمة. وبمثل هذه الشركة لا تتمكن التهمة في الشهادة، كما في
مال بيت المال.
1689 فإذا حضر الرجل بفرسه ليدخل دار الحرب غازيا
فغصب مسلم فرسه وأدخله دار الحرب، ثم وجد المغصوب منه فرسه
في دار الحرب وأقام عليه البينة فأخذه، ففي القياس ليس له إلا سهم
الرجالة.

(1) ق، ب " متمسك " وفى هامش ق " يتمسك ". نسخة ميرزا.
(2) في هامش ق " بمعنى. نسخة ".
(3) ق " باعه ".
(4) ب " لم يملكوا ".
931

لأنه كان راجلا حين انعقد له سبب الاستحقاق بدخول دار الحرب،
إذا لم يكن في يده فرس يتمكن من القتال عليه إن لو احتاج إليه، وقد أثبت
اسمه في ديوان الرجالة، فلا يتغير حاله بعد ذلك بعود الفرس إلى يده،
وتمكنه من القتال عليه في دار الحرب. بمنزلة ما لو اشترى فرسا.
وفى الاستحسان له سهم الفرسان.
لأنه التزم مؤنة الفرس للقتال عليه، حين خرج من أهله فارسا وقاتل
وهو فارس أيضا، فلا يحرم سهمه بعارض غصب فيما بين ذلك، يزيل تمكنه
من القتال عليه، كما لو مرض فرسه.
أرأيت أنه لو بقى بينه وبين دخول دار الحرب مقدار نصف ميل،
فنزل ليقضى حاجته، فاستوى راجل على فرسه فأدخله دار الحرب، ثم دخل
صاحب الفرس على إثره فأخذه منه، أكان يحرم سهم الفرس بهذا المقدار؟
أرأيت لو أنه عار الفرس حين نزل لقضاء حاجته ودخل دار
الحرب، فاتبعه الرجل فأخذه، أكان يحرم سهم الفرس؟
أرأيت لو أنه حين عار الفرس أخذه مسلم فركبه أو لم يركبه، حتى
دخل دار الحرب، ثم وجد صاحبه فأخذه منه، أكان يحرم سهم الفرس؟
لا يستجيز أحد أن يقول: بهذا القدر يحرم سهم الفرس.
فكذلك الأول، ولكنه إن مر بالذي يعرضهم وهو راجل وأخبره
هذا الخبر لم يصدقه على قوله، وكتبه راجلا، لأنه يعلمه راجلا حقيقة،
وما أخبر به محتمل للصدق والكذب، فلا يدع الحقيقة لأجله.
فإن كتبه راجلا ثم مر به في العرض الثاني وهو فارس، فقال: هذا
الفرس الذي كنت أخبرتك خبره، لم يصدقه بقوله، لأنه يدعى استحقاق

(1) ب " أرأيت لو غاب " ه‍ " أرأيت لو أنه حين غاب " واتفقت ق مع أصلنا.
وفى هامش ق " لو أنه غاب للفرس. نسخة حصيري " وتحتها " وعار الفرس يعير ذهب هنا وهنا
من نشاط أو هام على وجهه لا يثنيه شئ ". مغرب.
932

سهم الفرس بسبب لم يعرف. والاستحقاق بمجرد قوله لا يثبت، فيحتاج
إلى إقامة (ص 307) البينة على ما ادعى من ذلك. وإذا أقام البينة كان الثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة.
1690 - ولو أن الغاضب حين أدخل فرس الغازي دار الحرب
قاتل عليه حتى غنم المسلمون وخرجوا، فإنه يضرب له في الغنيمة بسهم
الفارس.
لأنه التزم مؤنة الفرس للقتال عليه وحقق ذلك بالقتال، فإن مؤنة
المغصوب على الغاصب ما لم يرده.
1691 - ولا فرق في التمكن من القتال حسا بين الفرس
المغصوب والفرس المملوك له.
ثم يرد الفرس إلى صاحبه ويغرم له ما نقص إن كان نقصه شئ.
لان ما استحق من السهم إنما استحقه لقتاله على الفرس، فهو بمنزلة
ما لو أجر المغصوب وأخذ الاجر، فإنه يكون مملوكا له وليس للمغصوب
منه على الاجر سبيل، وإنما له نقصان الفرس إن تمكن فيه نقصان، فهذا مثله
ولا يضرب لصاحب الفرس في الغنيمة إلا بسهم راجل.
لأنه ما كان متمكنا من القتال على الفرس في موضع من دار الحرب،
ولان بالفرس الواحد لا يستحق رجلان كل واحد منهما السهم الكامل،
وقد استحق الغاصب السهم بهذا الفرس، فلا يستحق المالك به شيئا.
1692 - ولو كان غصبه منه بعد ما دخل دار الحرب والمسألة
بحالها، فلصاحب الفرس سهم فارس.
933

لان زوال (1) تمكنه من القتال على الفرس بالغصب بعدما جاوز
الدرب كزوال تمكنه بموت الفرس.
والغاصب لا يضرب له إلا بسهم راجل.
لان المالك لما جعل فارسا بهذا الفرس فغيره لا يكون فارسا به أيضا.
ولأنه لو اشترى فرسا في دار الحرب لم يستحق به سهم الفرسان، فإذا غصب
فرسا أخرى أن لا يستحق به سهم الفرسان أولى.
1693 - ولو غصب الفرس قبل مجاوزة الدرب ثم أصابوا في دار
الحرب غنائم والفرس في يد الغاصب، ثم استحقه المالك، وأصابوا
غنائم بعد ذلك بقتال أو بغير قتال، ففي الغنائم الأولى يضرب للغاصب
بسهم فارس.
لأنه انفصل إلى دار الحرب فارسا، وقاتل حين أصيب تلك الغنائم
وهو فارس، فيستحق سهم الفرسان.
ويضرب فيها لصاحب الفرس بسهم راجل.
لما بينا أنه لا يكون بالفرس الواحد فارسان.
وما أصابوا من الغنائم بعد ما استحق صاحب الفرس فرسه فإنه
يضرب لصاحب الفرس فيه بسهم الفارس.
لأنه استرده قبل الوقعة، فهو قياس ما لو استرده قبل أن يلقوا
قتالا فيما أصيب بعد ذلك، ويضرب للغاصب فيها بسهم راجل لان صاحب

(1) ق " لأنه زال تمكنه " وفى هامشها " لان زوال تمكنه. نسخة حصيري ".
934

الفرس لما كان فارسا في هذه الغنيمة بهذا الفرس لم يكن غيره فارسا بها،
ولان الفرس أخذ من يده بحق مستحق كان سابقا على دخوله دار الحرب.
ولو أخذ بحق مستحق اعترض بعد دخوله بأن باعه يخرج من أن يكون فارسا
فيما يصاب بعد ذلك، فهاهنا أولى.
وكذلك إن لقوا قتالا فقاتل صاحب الفرس عن الغنائم الأولى بعد
ما استرده فرسه، فإنه لا يضرب له فيها إلا بسهم راجل، لان حقه كان ثابتا
في الغنائم الأولى بقدر سهم ر اجل، فهو ما قاتل إلا دفعا عن ذلك الحق، فلا يزداد به حقه (ص 308) ولا يبطل ما كان مستحقا للغاصب من سهم
فرسه.
1694 - ولو كان صاحب الفرس حين جاء يريد دخول دار
الحرب أعار مسلما فرسه وقال: قاتل عليه في دار الحرب. فلما أدخله المستعير دار الحرب بدا للمعير فأخذه منه قبل إصابة الغنيمة (1)
أو بعدها، فلصاحب الفرس في جميع ذلك سهم راجل.
لأنه أزال الفرس عن يده باختياره قبل مجاوزة الدرب، وإنما انعقد
له سبب الاستحقاق عند مجاوزة الدرب وهو راجل، ثم لا يتغير (2) بعد ذلك
باسترداد الفرس، كما لا يتغير بشراء الفرس. وليس هذا نظير ما استحسنا
فيه من فصل الغصب، فإن هناك ما أزال يده باختياره، وبينهما فرق.
ألا ترى أنه لو دخل دار الحرب فارسا ثم أخذ المشركون فرسه استحق
سهم الفرسان؟ ولو باع فرسه لم يستحق سهم الفرسان. وما كان الفرق
إلا بهذا، إن تمكنه في أحد الموضعين زال في أحد الموضعين لا باختياره.
وفى الموضع الآخر أزاله باختياره.

(1) ه‍ " الغنائم ".
(2) في هامش ق " فلا يتغير. نسخة ".
935

1695 - وأما المستعير فله سهم الفارس (1) فيما أصيب قبل رده
الفرس على المعير.
لان سبب الاستحقاق بمجاوزة الدرب انعقد له وهو فارس، والإصابة
وجدت وهو فارس أيضا، وقد قررنا هذا في الغاصب ففي المستعير أولى.
1696 وأما ما أصيب بعد رد الفرس فله في ذلك سهم راجل.
لان الفرس أخذ منه بحق مستحق سابقا (2) على دخوله دار الحرب،
وذلك يخرجه من أن يكون فارسا فيما يصاب بعد ذلك.
1697 ولو نفق الفرس عند المستعير ضرب له في الغنائم كلها
بسهم فرس.
لأنه كان فارسا حين انعقدت له السبب، ثم لم يؤخذ منه بحق حتى نفق
في يده، فيكون هو كالمالك في ذلك.
1698 وإن أخذه المشركون من يده فأحرزوه، ثم أخذه
المسلمون فردوه عليه، فإنه يعود إلى يده، كما كان. حتى إذا أصابوا
غنائم ثم أن يرده على المعير كان له سهم الفرسان في ذلك. وإن
رده إلى المعير ثم أصيبت الغنائم بعد ذلك فله سهم راجل، وذلك
بمنزلة ما لو لم يأخذه المشركون أصلا.
1699 - ولو كان صاحب الفرس دخل بالفرس أرض الحرب

(1) ق، ه‍ " الفرسان ".
(2) كذا في ب والأصل. وفى ق، ه‍ " سابق ".
936

ثم أعار غيره، فلم يزل معه يقاتل عليه حتى نفق وقد أصاب المسلمون
غنائم قبل ذلك وبعده، فلصاحب الفرس في ذلك كله سهم فارس.
لأنه دخل دار الحرب ملتزما مؤنة الفرس للقتال عليه، فإن بإعارته
الفرس من غيره للقتال بعدما دخل دار الحرب لا يخرج من أن يكون قصده
القتال على الفرس، بخلاف ما إذا باعه، فإنه يتبين بالبيع أن قصده كان
التجارة لا القتال عليه. وإذا ثبت أن للمعير سهم الفارس في جميع ذلك ثبت
أن للمستعير سهم الرجالة، لأنه لا يكون بالفرس الواحد فارسان (1)، ولان
استعارة الفرس في دار الحرب لا تكون فوق شراء الفرس.
1700 ولو لم يدخل صاحب الفرس دار الحرب حتى أعاد رجلا
فرسه ليركبه من غير أن يقاتل عليه، فركبه حتى دخل أرض الحرب،
ثم رده على صاحبه، فصاحب الفرس في ذلك كله فارس.
لأنه دخل دار الحرب وهو متمكن (ص 309) من القتال على الفرس.
إن لو احتاج إليه، فإنه يسترده من المستعير متى شاء. وقد استرده وقاتل
فارسا فيستحق سهم الفرسان.
والمستعير راجل في ذلك كله
لأنه ما كان متمكنا من القتال على الفرس عند مجاوزة الدرب، فإنه
استعاره للركوب لا للقتال عليه. بخلاف الأول، فإن هناك إذا قاتل حتى
أصيبت الغنائم قبل الرد استحق سهم الفرسان، لكونه متمكنا من القتال
على الفرس.
وبهذا يتضح الفرق أيضا في حق المعير. فإن في الفصل الأول المستعير

(1) ه‍ " فارسا " خطأ.
937

لما كان فارسا بهذا الفرس عرفنا أن المعير ليس فارسا به. وفى الفصل الثاني
وهو الإعارة للركوب، المستعير لم يصر فارسا به في استحقاق السهم، فجعلنا
المعير فارسا به لتمكنه من أخذه متى شاء.
1701 ولو كان المستعير حين دخل دار الحرب ادعى أن
الفرس له وجحد حق صاحبه، وقاتل على الفرس حتى أصيبت الغنائم،
ثم أقام المعير البينة وأخذ فرسه، فصاحب الفرس فارس في ذلك كله.
لان المستعير بالجحود صار غاصبا، وإنما جحد في دار الحرب فكان
هذا بمنزلة ما لو غصب الفرس من صاحبه في دار الحرب ابتداء. وقد بينا
أن صاحب الفرس بهذا الغصب لا يخرج من أن يكون فارسا والغاصب
به لا يصير فارسا، فكذلك ههنا (1).
1702 ولو كان صاحب الفرس آجره من رجل أياما ليركبه
حين يدخل دار الحرب، وانقضت الإجارة قبل إصابة الغنائم أو بعدها،
فصاحب الفرس راجل في جميعها.
لأنه حين دخل دار الحرب لم يكن متمكنا من القتال على الفرس،
فقد أوجب للمستأجر فيه حقا مستحقا، وبه فارق الإعارة.
1703 فإذا استرده بعد انقضاء المدة كان في حكم المشترى
للفرس الآن، فلا يصير به فارسا. والمستأجر راجل أيضا في
جميع الغنائم.

(1) ب " هنا ".
938

لأنه ما استأجره للقتال عليه، وإنما استأجره للركوب. فلم يصر به
متمكنا من القتال على الفرس أن لو احتاج إليه، فهو بمنزلة ما لو استأجره
ليحمل عليه ثقله.
1704 ولو كان استأجره شهرا أو أكثر ليركبه ويقاتل
عليه، والمسألة بحالها، فصاحب الفرس راجل في جميع ما يصاب إلى
أن يخرجوا إلى دار الاسلام.
لما بينا أنه دخل دار الحرب، ولغيره حق مستحق في فرسه، فلا يكون
هو متمكنا من القتال عليه.
1705 وأما المستأجر فهو فارس فيما أصيب قبل انقضاء
الإجارة.
لأنه دخل دار الحرب على فرس هو متمكن من القتال عليه حقيقة
وحكما، وأصيبت الغنائم في حال بقاء تمكنه.
1706 فأما ما أصيب بعد انقضاء مدة الإجارة فليس له فيها
إلا سهم راجل.
لان الفرس أخذ من يده بعد انقضاء المدة بحق مستحق كان سابقا على
دخوله دار الحرب، فيخرج من أن يكون فارسا به.
1707 ولو كان صاحب الفرس دخل به أرض الحرب فأصابوا
غنائم، ثم آجره من رجل للركوب أو للقتال عليه مدة معلومة،
وأصابوا غنائم، ثم استرده بعد انقضاء المدة، فأصابوا غنائم أيضا،
فإن المستأجر راجل في جميع ذلك.
939

لان استئجاره الفرس بعد دخول دار الحرب لا يكون أقوى من شرائه.
1708 وأما صاحب الفرس فهو فارس فيما أصيب قبل أن
يؤاجر فرسه.
لأنه دخل الدار فارسا، وأصيبت تلك الغنائم، وهو فارس أيضا.
فاستحق سهم الفرسان. ثم إجارة الفرس بعد ذلك لا تكون أقوى من بيعه.
1709 - وهو فارس أيضا فيما أصيب (ص 311) بعد انقضاء
المدة.
لان بالإجارة لم يخرج الفرس من ملكه، وقد باشر القتال عليه فارسا
كما انعقد له سبب الاستحقاق حين جاوز الدرب.
1710 فأما فيما أصيب في مدة الإجارة فهو راجل.
لان الفرس أخذ منه بحق أوجبه للغير باختياره، وقد زال به تمكنه
من القتال عليه، فيجعل كأنه باعه فيما أصيب في هذه المدة، إذ الإجارة
كالبيع في إزالة تمكنه من القتال عليه.
1711 وكذلك إن لقوا قتالا بعد انقضاء المدة فقاتل فارسا
عن ذلك المصاب.
لان له فيها سهم راجل، وإنما قاتل دفعا عن سهمه فلهذا لا يزداد حقه
في تلك الغنائم بهذا القتال.
1712 وإذا غصب مسلم من مسلم فرسا ولم يكن من قصد
صاحبه أن يدخل دار الحرب بالفرس، فأدخله الغاصب دار الحرب،
940

ثم بدا للمغصوب منه فأتبعه وأخذ الفرس منه، وقد كانوا أصابوا
غنائم قبل أن يأخذ فرسه، وأصابوا بعد ذلك، فصاحب الفرس
راجل في جميع ذلك.
لأنه دخل دار الحرب راجلا ثم استرداده الفرس في دار الحرب بمنزلة
شرائه، وهذا بخلاف المستحسن المذكور في أول الباب فإن هناك كان
ملتزما مؤنة الفرس لأجل القتال عليه حتى دنا من دار الحرب، ثم أخذه
الغاصب بغير اختياره، فإذا استرده منه جعل ما اعترض كأن لم يكن،
وهاهنا ما كان ملتزما مؤنة الفرس للقتال عليه قبل أن يدخل دار الحرب
ولا عند دخوله دار الحرب، فلم يكن فارسا به أصلا، وإنما صار ملتزما
مؤنته للقتال عليه حين استرده في دار الحرب فكأنه اشتراه الآن.
1713 وأما الغاصب فهو فارس فيما أصيب قبل استرداد (1)
الفرس منه.
لأنه دخل الدار فارسا وأصيبت هذه الغنائم وهو فارس فثبت له فيها
سهم الفرسان.
ثم لا يتغير ذلك باستحقاق الفرس من يده، وهو راجل فيما أصيب
بعد ذلك.
لان الفرس أخذ منه بحق.
1714 وكذلك لو كان صاحب الفرس أعاره إياه ليقاتل عليه،
ثم بدا له فغزا (2) بنفسه، فلما التقيا في دار الحرب استرد الفرس منه،
فهذا كالأول في جميع ما ذكرنا.

(1) ه‍ " " استرداده ". (2) ب " وغزا ".
941

لان صاحب الفرس دخل دار الحرب راجلا، فيكون راجلا إلى
أن يخرج. وهذا لأنه حين دخل الغزو لم يكن الفرس في يده أصلا، ولا كان
هو ملتزما مؤنته. فإن مؤنة المستعار على المستعير حتى يرده على صاحبه.
1715 ولو كان أعاره إياه للركوب لا للقتال عليه، والمسألة
بحالها، فهذا والأول في حق صاحب الفرس سواء. وأما المستعير
فهو راجل في جميع الغنائم هاهنا. لأنه ما كان متمكنا من القتال على هذا الفرس، فقد استعاره للركوب
لا للقتال عليه.
1716 فإن غدر بصاحبه حين دخل دار الحرب فقاتل عليه
فهو راجل أيضا.
لأنه صار غاصبا للفرس بالقتال عليه، بعدما دخل دار الحرب. وقد
بينا أن من غصب فرسا بعد ما دخل دار الحرب وقاتل عليه لم يستحق به
سهم الفرسان.
1717 وأما صاحب الفرس فهو راجل في جميع الغنائم.
لان الإعارة للركوب والإعارة للقتال قبل قصد الغزو في حقه سواء.
فإنه في الموضعين لم يصر ملتزما مؤنة الفرس للقتال عليه إلا بعد دخول دار
الحرب. فلهذا لا يكون له إلا سهم راجل في جميع ذلك. ولأنه حين قصد
الغزو ما كان يدرى أنه يصيب فرسه أو لا يصيبه (1).
وإنما استحسنا فيما إذا حضر ليدخل دار الحرب غازيا ثم أعاره غيره
ليركبه (ص 312) فجعلناه فارسا إذا استرده منه بعد ما دخل دار الحرب،

(1) ق " أو لا يصيب فرسه ".
942

وجعلنا هذا بمنزلة ما لو مر بؤاجل لا يقدر على المشي فحمله على فرسه أميالا،
حتى دخلوا دار الحرب، ثم أنزله وأخذ فرسه، فلا إشكال في هذا الفصل
أنه يكون هو فارسا. فكذلك فيما يكون في معناه.
1718 ولو كان آجره ليركبه ولا يقاتل عليه، أو يقاتل،
والمسألة بحالها فصاحب الفرس راجل في جميع الغنائم.
لأنا قد بينا فيما إذا كان حضر يريد الدخول للقتال ثم أجر فرسه حتى
أدخله المستأجر دار الحرب، أن صاحب الفرس يكون راجلا في جميع الغنائم.
فهاهنا أولى، لأنه ما بدا له قصد الغزو إلا والفرس في يد المستأجر بحق مستحق.
1719 - وأما المستأجر فإن استأجره للركوب فكذلك
الجواب. وإن كان استأجره للقتال عليه فهو فارس فيما يصاب قبل
انقضاء مدة الإجارة، راجل فيما يصاب بعد ذلك.
لان الفرس أخذ منه بحق مستحق.
1720 - إلا أن يكون منع الفرس من صاحبه بعد انقضاء المدة
أو جحده إياه فحينئذ هو فارس في جميع الغنائم، وكذلك المستعير.
لأنهما دخلا فارسين، فكانا فارسين حتى يؤخذ الفرس منهما بحق.
وهذا لأنهما صارا غاصبين بالمنع. وقد بينا أن ابتداء سبب الاستحقاق ينعقد
له بالفرس المغصوب إذا قاتل عليه، فلان يبقى له ما كان منعقدا من السبب
بالفرس المغصوب كان أولى، فإن حالة البقاء أسهل من حالة الابتداء.
1721 - ولو أن رجلا آجر فرسا يغزو عليه على أن يكون سهم
الفرس لصاحب الفرس، إجارة فاسدة.
943

لان ما يصاب مجهول الجنس والقدر وإنما السهم للغازي على الفرس
لا للفرس، فهو إنما استأجر الفرس ببدل مجهول جهالة فاحشة.
ثم الإجارة الفاسدة تعتبر بالجائزة في الحكم، فيكون سهم
الفرس للمستأجر، ولصاحب الفرس أجر مثله بالغا ما بلغ.
لان المستأجر استوفى المعقود عليه بحكم عقد فاسد.
1722 وكذلك لو كان أعاره إياه بهذا الشرط.
لان هذا اشتراط الاجر عليه، وعند اشتراط الاجر لا فرق بين لفظ
الإجارة ولفظ الإعارة.
1723 ولم لم يصيبوا شيئا حتى خرجوا كان على المستأجر
مثله أيضا.
لأنه استوفى المعقود عليه بحكم إجارة فاسدة، فيلزمه أجر المثل أصاب
شيئا أو لم يصب. وهو بمنزلة المضارب في المضاربة الفاسدة إذا عمل، فإنه
استوجب أجر المثل، حصل الربح أو لم يحصل.
1724 ولو استأجر رجلا يغزو عنه مدة معلومة بأجر مسمى
أو لم يذكر المدة وقال: هذه الغزوة إلى حيث يبلغ المسلمون. فهذا
العقد باطل.
لما بينا أن الجهاد من باب العبادات، فإنه سنام الدين. والاستئجار
على الطاعات باطل. وهو إن كان فرض كفاية فمن باشره يكون مؤديا
فرضا عليه، والاستئجار على أداء الفرض باطل.
944

ثم السهم للأجير، شرطه المستأجر لنفسه أو لم يشترط.
لان الاستئجار لما بطل صار كأن لم يكن، فيكون السهم للغازي.
1725 وإن كان أخذ الأجر من المستأجر رده عليه.
لان العقد باطل، وبالعقد الباطل لا يجب الاجر أصلا. ولأنه في الغزو
كان عاملا لنفسه، فلا يستوجب الاجر على غيره.
1726 وإن كان دفع إليه سلاحه وفرسه فعلى الأجير أجر مثل
فرسه وأجر مثل سلاحه بالغا ما بلغ، إن كان الشرط بينهما أن السهم
للمستأجر.
لأنه شرط لنفسه بإزاء منفعة الدابة والسلاح عوضا مجهولا، وقد استوفى
الأجير تلك المنفعة (ص 312) بعقد فاسد، فعليه أجر المثل.
1727 وإن كان المستأجر لم يشترط (1) السهم لنفسه فليس
على الأجير من أجر السلاح والدابة شئ.
لان المستأجر ما شرط لنفسه عوضا ماليا، فيكون هو معير الفرس
والسلاح منه، أو باذلا ليقاتل به في سبيل الله، فلا يستوجب أجرا على من
استعمله في القتال.
1728 ولو استأجر فرسا ليركبه ويقاتل عليه مدة معلومة،
أو استأجر غلاما ليخدمه في دار الحرب مدة معلومة ببدل معلوم،
فهو جائز سواء سمى لكل يوم أجرا على حدة أو لم يسم.

(1) ب " يشرط ".
945

لان المعقود عليه معلوم ببيان المدة، والبدل معلوم، وليس في هذا
العقد من معنى الطاعة وإقامة الفرض، فيصح الاستئجار.
1729 وإن لم يبين المدة ولكن قال: أستأجره لغزاتي هذه
حتى أرجع إلى موضع كذا، فهذا (1) فاسد.
لان المعقود عليه مجهول، فإنه لا يدرى إلى أين يبلغ (2) المسلمون،
ويطول مقامهم أو يقصر.
1730 ولو استوفى المنفعة على هذا الشرط فله أجر المثل على المستأجر.
لان العقد هاهنا منعقد لوجود (3) المعقود عليه، لكنه فاسد للغرور
والجهالة، فيستوجب أجر المثل بالغا ما بلغ، لان الاجر وإن كان مسمى
فصاحب الدابة يقول: أنا ما رضيت بهذا المسمى إلى الموضع الذي انتهيتم
إليه، وقد كان عندي أنكم ترجعون قبل الوصول إلى ذلك الموضع، فلهذا
يستحق أجر المثل بالغا ما بلغ.
1731 ولو أن رجلا في يده أفراس حبس في سبيل الله فأعطى
أقواما منها أفراسا يغزون عليها في سبيل الله، والذي في يده كان القيم
في ذلك يعطى من شاء ويأخذ ممن شاء. فلما دخلوا دار الحرب أخذها
منهم ودفعها إلى غيرهم، وقد كان المسلمون أصابوا غنائم قبل أن يأخذوها

(1) ه‍ " فهو ".
(2) في هامش ق " بلغ المسلمون. نسخة ".
(3) ه‍ " بوجود ".
946

وغنائم بعد ذلك. فلهم سهم الفرسان فيما أصيب قبل أخذ الأفراس
منهم، ولهم سهم الرجالة فيما أصيب بعد ذلك.
والمراد بالأفراس الحبس الموقوفة للجهاد. وذلك جائز. أما على أصل (1)
محمد فظاهر، لأنه يجيز الوقف في المنقولات. وعلى أصل أبى يوسف كذلك
فيما فيه عرف ظاهر، كثياب الجنازة والآلات التي يغسل بها الموتى، فكذلك
يجوز في الأفراس التي يقاتل عليها في سبيل الله.
والأصل فيه ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه حين قبض، كان في
يده ثلاث مئة فرس مكتوب على أفخاذها: حبس (2) في سبيل الله.
ثم الغازي على مثل هذا الفرس قد دخل دار الحرب وهو متمكن
من القتال على الفرس، ودام تمكنه إلى أن أصيبت الغنائم، فيستحق
سهم الفرس (3) بمنزلة المستعير.
ثم أخذ الفرس منه بعد ذلك بحق مستحق، فلا يبقى فارسا فيما يصاب
بعد ذلك كالمستعير. ويستوي إن كان القيم هو الذي يسترده منه في دار
الحرب أو الواقف.
ثم لا يصير (4) الواقف ولا القيم به فارسا.
لأنه إنما استرده في دار الحرب، وهذا لا يكون أقوى في حقه من
شراء الفرس، فكذلك إن دفعه إلى راجل آخر لم يصر به فارسا كما لو
اشتراه في دار الحرب.

(1) ب " قول ".
(2) ق، ه‍ " حبيس ".
(3) ق، ه‍ " الفرسان ".
(4) في هامش ق " ولا يصير. نسخة ".
947

1732 ولو أن رجلا في يده خيل حبس آجرها ليقاتل عليها
في سبيل الله وهي له أو ليست له، فقد أساء فيما صنع.
لان من جعلها حبسا فقد جعلها لله خالصا. بمنزلة من جعل أرضه
مسجدا فلا يجوز التصرف فيها بالإجارة لاكتساب المال بعد ذلك. ولان صاحبها (1) إنما أعدها لاكتساب (ص 313) الاجر في الآخرة بالقتال
عليها في سبيل الله، فاكتساب القيم المال بها في الدنيا يكون تغييرا للشرط.
1733 وقال الله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه
على الذين يبدلونه (2)).
فإن قاتل عليها المستأجرون فلهم سهام الفرسان.
لانهم حصلوا في دار الحرب فرسانا وتمكنوا من القتال عليها. واستحقاق
سهم الفرس به، ويكون عليهم أجور الخيل لانهم استوفوا المنفعة التي تناولها
العقد، وحالهم كحال من استأجر الخيل من الغاصب، لان القيم أو الواقف
فيما صنع لا يكون أسوأ حالا من الغاصب، والغاصب يستوجب الاجر
إذا استوفى المستأجر المنفعة بعقده. وينبغي للذي آجرها أن يتصدق بأجرها
ولا يأكله، لأنه اكتسبه بسبب (3) خبيث، فإنه ممنوع من هذه الإجارة لحق
الشرع، وسبيل مثله التصدق به.
1734 وإن عطبت تحت بعض من استأجرها، أو عقرها
العدو، ضمن الذي آجرها قيمة الفرس، إن شاء الوالي ذلك، وإن شاء
ضمن المستأجر القيمة.

(1) في هامش ق " صاحب الخيل. نسخة " وهي كذا في ه‍.
(2) سورة البقرة، الآية 181.
(3) ب " بمال "، ه‍ " بكسب ".
948

لان كل واحد منهما متعد، بمنزلة الغاصب يؤاجر المغصوب، فيتلف
في استعمال المستأجر.
1735 فإن ضمن المستأجر رجع بالقيمة على الاجر.
لأنه صار مغرورا من جهته بسبب عقد ضمان.
وإن ضمن الآجر لم يرجع على المستأجر بشئ ثم يشترى بهذه
القيمة فرسا مكانه فيجعل حبيسا.
لأنه قام مقام الأول، فإن القيمة إنما تسمى قيمة لقيامها مقام العين.
والعين كان حبيسا في سبيل الله، فيجعل بدله بتلك الصفة أيضا. كما لو قتل
وغرم القاتل القيمة. وإنما يصير البدل بتلك الصفة إذا اشترى به الفرس
فجعل حبيسا.
لان الفرس والسلاح لا يكون حبيسا حتى يخرجه صاحبه من يده.
لان هذا بمنزلة الوقف، والتسليم إلى المتولي شرط لتمام الوقف في قول
محمد رحمه الله وهو قول ابن أبي ليلى.
1736 فإذا سلمه إلى القيم لم يكن له أن يرجع فيه، وإن كان اشترط الذي جعله حبيسا أن التدبير فيه إليه بعد موت القيم، أو يكون
هو القيم فيه حتى يموت فذلك جائز.
لان التسليم شرط لاتمام الوقف، وقد وجد. فالعود إلى يده بعد ذلك
لا يضر.
واستدل على جواز الحبس في الكراع والسلاح بما بلغه عن علي وابن
مسعود والشعبي والنخعي رضى (1) الله عليهم إنما أجازوا ذلك.

(1) ب " رضوان ".
949

1737 فإن أعطى رجلا فرسا حبيسا يغزو عليه فدخل دار
الحرب، وأصابوا غنائم، ثم أخذ الفرس منه، ثم أصابوا غنائم بعد
ذلك، فإنما يضرب له في الغنيمة الأولى بسهم الفارس، وفى الغنيمة
الثانية بسهم الراجل.
لان الفرس أخذ منه بحق.
1738 وأما القيم إذا لم يكن في يده فرس آخر حين دخل
دار الحرب فإنه يضرب له بسهم راجل في جميع الغنائم.
لأنه دخل الدار راجلا، فلا يصير فارسا بعد ذلك بأخذ الفرس من
يد الغازي، كما لا يصير فارسا بشراء فرس.
950

101.
باب ما يبطل فيه سهم الفارس
في دار الحرب وما لا يبطل
1739 (ص 315) رجل وهب لرجل فرسا في دار الاسلام،
فقبضه الموهوب له ودخل به مع العسكر دار الحرب، فأصابوا غنائم،
ثم أراد الواهب أن يرجع في فرسه فله ذلك.
لان الموهوب قائم عند الموهوب له على حاله، ولم يصل إلى الواهب
عوض من جهته، فيثبت له حق الرجوع فيه، لتمكن الخلل في مقصوده.
1740 - فإن رجع فيه ثم أصابوا غنائم بعد ذلك، وقد كان
الواهب دخل الدار راجلا فالواهب راجل في الغنائم كلها.
لأنه انفصل إلى دار الحرب راجلا، ولا معتبر بتحصيل الفرس في
دار الحرب في استحقاق السهم به.
1741 - وأما الموهوب له فهو فارس في الغنائم الأولى.
لأنه انفصل فارسا وأصيبت تلك الغنائم وهو فارس.
وهو راجل في الغنائم الأخرى.
لان الفرس أخذ من يده بحق مستحق. فإن حق الواهب ثابت في الرجوع
شرعا ما لم يتصل إليه العوض.

(1) ب " به ".
951

فإن قيل: قد (1) انفصل هو على فرس مملوك له، ثم أزيل ملكه
في دار الحرب لا باختياره، فينبغي أن لا يخرج به من أن يكون فارسا،
كما لو أخذه أهل الحرب فأحرزوه.
قلنا: إنما أخذ الفرس منه بحق مستحق شرعا. وذلك الحق كان سابقا
على دخوله دار الحرب، فيخرج من أن يكون متمكنا من القتال على الفرس
مطلقا، وإنما كان تمكنه من القتال مقيدا بما قبل رجوع الواهب.
1742 - ولهذا لو رجع الواهب قبل أن يصيبوا شيئا لم يكن
الموهوب له فارسا بعد رجوعه، وكذلك إذا رجع بعد ما أصيب بعض
الغنائم.
1743 - ولو جعل هو فارسا بهذا المقدار أدى إلى القول بأن
من كان معه عشرة أفراس فوهب من كل رجل من الرجالة فرسا
حتى دخلوا عليها دار الحرب ثم استرد الأفراس منهم أن يكونوا فرسانا
بذلك القدر مما يصيبون. وهذا بعيد. فإن من قال بهذا البعد لم يجد
بدا من أن يقول إذا أعاد الأفراس منهم ثم استردها في دار الحرب:
كانوا فرسانا أيضا، إذ في كل واحد من الموضعين عند الانفصال
كانوا متمكنين من القتال على الأفراس، إلى أن يرجع فيها صاحبها.
وعلى هذا لو اشترى فرسا شراء فاسدا فقبضه ودخل عليه دار الحرب.
لان حق البائع في الاسترداد ثابت لفساد البيع، كحق الواهب في
الرجوع، بل أظهر. فالبائع هاهنا مأمور بالاسترداد شرعا، والواهب منهي

(1) ب، ق " فقد ".
952

من الرجوع ندبا. ثم هناك بالاسترداد يخرج الموهوب له من أن يكون فارسا
فيما يصاب بعد ذلك فهاهنا أولى. 1744 ولو كان البيع صحيحا ثم استحق الفرس من يد المشترى
في دار الحرب بالحجة فهذا بمنزلة البيع الفاسد.
لأنه أخذ منه بحق مستحق كان ثابتا قبل دخوله دار الحرب، ولأنه
تبين بالاستحقاق أنه كان غاصبا للفرس، فإذا استرده المغصوب منه يخرج
هو من أن يكون فارسا به.
1745 وكذلك رجلان اشترى أحدهما من صاحبه فرسا ببغل
وتقاضا، فلما دخلا الحرب وجد العيب بأحدهما، فرد بالعيب
بقضاء أو بغير قضاء. فما كانوا غنموا قبل التراد يضرب فيه لمشتري
الفرس سهم الفرس سواء كان هو الراد أو المردود عليه. وما أصيب
بعد التراد (1) يضرب له (ص 316) فيه بسهم راجل.
لأنه إن كان هو الراد فقد أزال الملك عن فرسه (2) باختياره.
1746 - وإن كان هو المردود عليه فقد أخذ الفرس من يده
بحق. فأما مشترى البغل فهو راجل في الغنيمتين جميعا.
لأنه دخل دار الحرب راجلا.
1747 - وعلى هذا لو تقايلا البيع، أو كان أحدهما لم ير

(1) ص، ه‍ " الرد " أثبتنا رواية ب، ق.
(2) ص، ق " أزال الفرس عن ملكه " وفى هامشها " أزال الملك عن فرسه. نسخة ".
953

ما اشترى فرده بخيار الرؤية، أو كان مشترى الفرس قبض الفرس
ولم يسلم البغل حتى هلك عنده فرد الفرس في دار الحرب بعد ما أصاب
بعض الغنائم.
لان ملكه أزيل بسبب مستحق، فيخرج به من أن يكون فارسا
فيما يصاب (1) به بعد ذلك.
1748 - ولو رهن في دار الاسلام فرسا من رجل بدين له عليه،
ثم دخلا دار الحرب مع العسكر، فقضى الراهن المرتهن ماله وأخذ
الفرس فقاتل عليه، فهما راجلان: أما المرتهن فلأنه لم يكن متمكنا
من القتال على الفرس المرهون، فلا يكون هو فارسا به. وأما الراهن
فلأنه لم يكن متمكنا من القتال على فرسه حين دخل دار الحرب.
لان عقد الرهن يوجب ملك اليد للمرتهن، حتى لا يتمكن
الراهن من إثبات يده على المرهون، ما لم يقض دينه.
1749 - ولو كان إنما رهن الفرس في دار الحرب بعد إصابة
بعض الغنائم ثم أصيبت غنيمة أخرى، ثم قضى الدين واسترد الفرس،
ثم أصيبت غنيمة أخرى، فهو فارس في الغنيمة الأولى والآخرة،
راجل في الغنيمة الوسطى.
لأنه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختباره، مع قيام ملكه،
فيكون بمنزلة ما لو آجره في دار الحرب. وقد بينا الإجارة في هذا الفصل

(1) كذا في ق، وفى الهامش " ما أصابه. نسخة ".
954

وقررنا المعنى فيه، فالرهن قياسه، لان كل واحد من العقدين يوجب
استحقاق اليد على صاحب الفرس مع قيام ملكه.
1750 - ولو باع فرسه في دار الحرب بعد إصابة (1) بعض
الغنائم، ثم أصيبت غنيمة أخرى، ثم وجد المشترى به عيبا ورده
بقضاء أو بغير قضاء، ثم أصيبت غنيمة أخرى، فصاحب الفرس
فارس في الغنيمة الأولى والأخرى، راجل في الغنيمة الوسطى.
لأنه أزال تمكنه من القتال عليه بإخراجه من ملكه. فسواء عاد إليه
بسبب هو فسخ من كل وجه أو بسبب هو فسخ في حقه بيع جديد في حق
غيره لا يتبين به أنه كان متمكنا من القتال عليه حين أصيبت الغنيمة الوسطى.
فإن قيل: كان ينبغي أن يكون راجلا في الغنيمة الثالثة أيضا. لان
بالبيع يتبين أن التزامه مؤنة الفرس كان لقد التجارة لا لقصد القتال عليه.
فبعد ذلك وإن عاد الفرس إلى يده يجعل كالمشتري للفرس الآن ابتداءا.
ولو دخل دار الحرب راجلا ثم اشترى فرسا لم يستحق سهم الفرسان.
قلنا: بيعه الفرس في دار الحرب محتمل يجوز أن يكون لقصد التجارة
ويجوز أن يكون لقصد استبدال هذا الفرس بفرس آخر يكون أقوى منه
في القتال عليه. فما انعقد له من سبب الاستحقاق لا يبطل بهذا المحتمل،
وإنما يبطل بما هو متيقن به، وهو زوال تمكنه من القتال على الفرس. وإنما
وجد ذلك في الغنيمة الوسطى خاصة.
وعلى هذا قال: 1751 لو لم يرد عليه ذلك الفرس ولكن اشترى فرسا آخر
مكانه أو وهب له فرس آخر، والمسألة بحالها فإنه لا يكون راجلا
إلا في الغنيمة الوسطى.

(1) في هامش ق " بعد ما أصاب. نسخة ".
955

لأنها (ص 317) أصيبت وهو لم يكن متمكنا من القتال على الفرس
يومئذ.
فأما في الغنيمة الأولى والآخرة فهو فارس.
لأنه كان متمكنا من القتال على الفرس
حين أصيبت بعد ما انعقد له
سبب الاستحقاق بالانفصال إلى دار الحرب فارسا.
1752 وكذلك إن قاتل المشركون المسلمين على الغنيمة الوسطى
ليستردوها فقاتل هو معهم على الفرس الثاني.
لأنه قاتل وله فيها نصيب، وهو سهم الراجل، فلا يزداد بهذا القتال
حقه فيها.
1753 وكذلك لو كان الفرس الذي اشترى (1) دون الذي باعه
إلا أنه بحيث يقاتل عليه.
لأنه لو دخل على هذا دار الحرب في الابتداء استحق سهم الفرسان،
وحالة البقاء أسهل. فإذا جاز أن ينعقد له سبب الاستحقاق بهذا الفرس
فالبقاء به يكون أجوز.
1754 - ولو كان رجلان لكل واحد منهما فرس فتبادلا، أو باع
كل واحد منهما صاحبه فرسا بدراهم، فهما فارسان على حالهما.
لان كل واحد منهما دخل دار الحرب فارسا، ودام تمكنه من القتال
على الفرس. إما بما باعه أو اشتراه.

(1) ق " اشتراه " وفى الهامش " اشترى. نسخة ".
956

1755 - ولو دخل دار الحرب فارسا فقتل مسلم فرسه وضمن
له قيمته فلم يشتر بها صاحب الفرس فرسا حتى أصابوا غنائم، فصاحب
الفرس فارس في جميع ذلك.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له، وما أزال الفرس عن ملكه بعد ذلك
باختياره وإنما تلف بغير صنع من جهته. فهو كما لو مات. فإن قيل:
حين ضمن المتلف قيمته فقد ملكه بما استوفى من القيمة، فلماذا لا يجعل
هذا كبيعه منه؟ قلنا: هو ما قصد التمليك منه، وإنما قصد دفع الخسران عن نفسه
باسترداد القيمة منه، بعد تعذر استرداد العين. إلا أن من شرط تقرر ملكه
في القيمة انعدام ملكه في الأصل لكيلا يجتمع البدلان في ملك واحد. فكان
التمليك ثابتا بطريق الضرورة لا باعتبار قصد أو فعل كان من جهة
صاحب الفرس، فلا يبطل به حقه. وعلى هذا لو قتله مسلم ثم فر فلم يقدر
عليه، أو غصبه منه مسلم فغيبه وضمن له قيمته، أو هرب عليه فأخرجه
إلى دار الاسلام فهو بمنزلة الأول في جميع ما ذكرناه.
1756 ولو كان الغاصب غيبه فقضى القاضي عليه بقيمته،
ثم ظهر الفرس في يده، وقد كانوا أصابوا غنائم قبل غصب الفرس
وبعده، وبعد ما ظهر الفرس، فما كان من غنيمة قبل غصب الفرس
وبعده، قبل أن يضمن الغاصب القيمة فالمغصوب منه في ذلك فارس.
لان ملكه بالغصب لم يزل، وإنما زال تمكنه من القتال عليه لا باختياره.
وما أصيب بعد ما ضمن الغاصب القيمة قبل أن يظهر الفرس
أو بعده فللمغصوب منه في ذلك كله سهم راجل.
957

لان زوال تمكنه من القتال عليه في هذه الحالة كان باختياره، وقد كان متمكنا من أن يتلوم ولا يعجل بتضمين القيمة لعل فرسه يظهر فيأخذه،
فإذا لم ذلك، ولكنه طلب القيمة وقضى له بها، فقد صار في حكم
البائع لفرسه. فيجعل (1) زوال تمكنه من القتال على فرسه (2) مضافا إلى اختياره.
أرأيت لو غصبه إنسان ساعة من نهار فضمنه قيمته، ثم ظهر الفرس
لكان هذا فارسا بعد هذا. وقد أخرجه من ملكه باختياره، إلا أن يكون
حين استوفى القيمة اشترى بها فرسا آخر قبل إصابة الغنائم، فحينئذ هو يكون
فارسا في جميع ذلك، لقيام تمكنه من القتال على الفرس.
1757 - (ص 318) ولو دخل دار الحرب فارسا فأصابوا
غنائم، ثم باع فرسه واستأجر فرسا وقاتل عليه فأصابوا غنائم أيضا (3)،
فهو فارس في الغنائم الأولى راجل في الغنائم الثانية.
لان سبب الاستحقاق إنما انعقد له بفرس مملوك له، والمستأجر لا يكون
مملوكا له، فلا يصلح أن يكون قائما مقام الأول في إبقاء سبب الاستحقاق
المنعقد بالفرس الأول، ولا ينعقد به سبب آخر ابتداء، لأنه حصل في
دار الحرب.
1758 - وكذلك لو استعار فرسا.
فإنه مثل الاستئجار أو دونه.
1759 - فأما إذا وهب له فرس، أو تصدق به عليه وقبضه
فهو فارس في جميع الغنائم.

(1) فوق هذه الكلمة في ق " فجعل. نسخة ".
(2) ق " الفرس " وفوقها " فرسه. نسخة ".
(3) إلى جانب هذه الكلمة في هامش الأصل " بلغ قراءة عليه أبقاه الله.. ".
958

لان الموهوب مملوك له، فيصلح أن يكون قائما مقام الأول في إبقاء
ما انعقد به من سبب الاستحقاق.
يوضحه أن باستئجار الفرس و (1) الاستعارة لا يتبين أنه لم يكن مقصوده
التجارة بالتزام مؤنة الفرس الأول، وبالشراء يتبين أنه لم يكن مقصوده ذلك،
فيمكن إقامة المشترى مقام ما باع. ثم يجعل الموهوب كالمشتري، لان كل
واحد من السببين يثبت له الملك في غير الفرس.
1760 - ولو كان في الابتداء دخل على فرس مستأجر، فأصابوا
غنائم، ثم انقضت الإجارة فأخذه صاحبه، ثم أصابوا غنائم،
ثم استأجر فرسا آخر فقاتل عليه، فأصابوا غنائم، فهو فارس في الغنائم
الأولى والأخيرة، راجل في الغنيمة الوسطى.
لان سبب الاستحقاق انعقد له باعتبار فرس هو متمكن من القتال
عليه، من غير أن يكون مالكا لعينه. والثاني مثل الأول في هذا، فيقوم
مقامه في إبقاء ذلك الاستحقاق به، كما قام المشترى مقام الفرس الذي كان
مملوكا له. وإنما لا يستحق سهم الفارس فيما أصيب في حال لم يكن هو متمكنا
من القتال على الفرس، وهو الغنيمة الوسطى فقط.
ثم لا فرق في هذا المعنى بين أن ينتهى العقد بمضي المدة
أو ينتقض بموت المؤاجر، أو بتقايل الإجارة في المدة.
1761 - ولو كان استعار فرسا والمسألة بحالها لم يكن له إلا سهم
راجل فيما أصيب بعد ذلك.

(1) ب " أو ".
959

لان الاستعارة دون الاستئجار في الاستحقاق. فإن بالاستئجار يثبت له
استحقاق المنفعة وبالاستعارة لا يثبت، فلا يمكن إبقاء ما انعقد له من السبب
باعتبار الفرس من المستأجر بهذا الفرس المستعار.
1762 ولو كان اشترى فرسا حين انقضت الإجارة، أو وهب
له فهو فارس في جميع الغنائم.
لأنه لو استأجر كان فارسا، فإذا اشترى أو وهب له كان أولى.
إذ قد وجد في الثاني المعنى الذي لأجله انعقد له سبب الاستحقاق وزيادة.
1763 - ولو كان الفرس في يده حين دخل دار الحرب عارية
وأصابوا غنائم، ثم استرده المعير فأصابوا غنائم، ثم استعار فرسا
آخر ليقاتل عليه فأصابوا غنائم، فإن كان الذي أعاره الفرس ممن
يستحق السهم بسبب الفرس الذي أعار فقد بينا أنه لا يبطل استحقاقه
الغنيمة الأولى خاصة.
1764 - وإن كان المعير معه خيل كثير وهو يستحق سهم
الفرس بغير هذا الفرس، فللمستعير سهم الفرس في الغنائم الأولى
والأخيرة، وله سهم راجل في الغنيمة الوسطى.
لان الثاني مثل الأول الذي انعقد له سبب الاستحقاق باعتباره،
فيجعل ذلك السبب باقيا ببقاء ما هو مثله، كما يجعل باقيا ببقاء عينه.
960

ألا ترى أنه لو استعار ذلك (ص 319) الفرس بعينه ثانيا وقاتل عليه
كان فارسا؟
1765 - وكذلك لو أنه اشترى فرسا أو وهب له أو استأجره.
لان الثاني فوق الأول في المعنى الذي انعقد به سبب الاستحقاق له،
فيبقى ذلك الاستحقاق باعتباره.
ويستوي إن كان الذي استأجره فرسا، كان صاحبه به فارسا
أو لم يكن.
لان بالإجارة يخرج صاحبه من أن يكون فارسا به، بخلاف الإعارة،
وهذا لان بالإجارة يزول تمكن صاحبه من القتال عليه، بما أوجب من الحق
للمستأجر، وبالاعارة، لا يزول ذلك.
ألا ترى لو أنه آجر نفسه للخدمة مدة معلومة في دار الحرب لم يكن له
سهم؟ ولو أعان غازيا وخدمه في دار الحرب لا يبطل به سهمه، فكذلك
الحكم في سهم فرسه. 1766 ولو اشترى في دار الاسلام فرسا ولم يقبضه، حتى دخلا
دار الحرب، ثم نقد الثمن وقبض الفرس، فكل واحد منهما راجل
في جميع الغنائم.
أما البائع فلان الفرس زال من ملكه قبل أن يدخل دار الحرب،
فهو قد دخل وليس له فرس. وأما المشترى فلأنه دخل وهو غير متمكن
من القتال على فرسه، لكونه محبوسا عند البائع بالثمن، بمنزلة المرهون.
وإنما صار متمكنا حين نقد الثمن في دار الحرب ابتداء، فكأنه اشترى الفرس
الآن.
م 9 السير الكبير
961

1767 ولو كان فقد الثمن قبل أن يدخل دار الحرب ولم يقبض
الفرس حتى دخل أو كان الثمن إلى أجل، ففي القياس المشترى راجل
فيما أصيب من الغنائم.
لان القتال على الفرس تصرف. وملك التصرف يحصل للمشترى عند
القبض ابتداء، وإنما ملك القتال عليه في دار الحرب بعد ما قبضه.
يوضحه أن الفرس في ضمان ملك البائع، وإن كان المشترى قد نقده
الثمن بدليل أنه لو هلك يهلك على ملكه، والبائع إذا وجد الثمن زيوفا فرده
يكون له أن يحبسه إلى استيفاء الثمن، فعرفنا أن المشترى حين دخل دار الحرب
لم يكن متمكنا من القتال عليه مطلقا، فلا يستحق سهم الفارس، كما قبل
نقد الثمن
وفى الاستحسان للمشترى سهم الفرس.
لان انعقاد سبب الاستحقاق له باعتبار تمكنه من القتال على الفرس
عند مجاوزة الدرب، وهذا ثابت باعتبار ملكه وخلوه عن حق الغير وتمكنه
من الاخذ متى شاء بإبقرار البائع له بذلك، وقد تقرر هذا التمكن بقبضه،
فيستحق سهم الفرس به، كما لو أعار فرسه غيره للركوب أو أودعه (1) منه.
1768 ولو دخل مسلمان دار الحرب بفرس مشترك بينهما
يقاتل عليه هذا مرة وهذا مرة، فهما راجلان في الغنائم كلها.
لان كل واحد منهما لا يتمكن من القتال عليه بغير إذن صاحبه،
فلا يكون فارسا باعتباره.
1769 فإن كان أحدهما أجره من صاحبه أو أعاده منه في دار
الاسلام فالمستعير والمستأجر فارس به.

(1) ب " وادعه ".
962

لأنه انفصل وهو متمكن من القتال عليه.
إلا أن يأخذ المعير حصته أو تنقضي الإجارة، فحينئذ يكون
هو راجلا فيما يصاب بعد ذلك.
لأنه زال تمكنه من القتال عليه بحق مستحق كان سابقا على
دخوله دار الحرب.
1770 - ولو دخلا بفرسين بينهما نصفين، وطيب كل واحد
منهما لصاحبه في دار الحرب أن يقاتل على فرس منهما بعينه أو بغير
عينه، فهما راجلان.
لان كل واحد منهما انفصل وهو غير متمكن من القتال على الفرس،
وإنما صار متمكنا من ذلك بسبب حادث في دار الحرب، وهو أن صاحبه
طيب له ذلك، وذلك لا ينفعه شيئا.
1771 - ولو كان طيب كل واحد منهما لصاحبه قبل دخول دار
الحرب فهما فارسان، إلى أن يرجع كل واحد منهما عما أذن لصاحبه فيه.
لان كل واحد منهما انفصل وهو متمكن من القتال على الفرس،
فينعقد له سبب الاستحقاق به ما بقى تمكنه. فإذا أرجعا عن ذلك فقد زال
التمكن، فيكون كل واحد منهما راجلا بعد ذلك.
1772 - وكذلك إذا تهايئا على الركوب قبل دخول دار الحرب.
فإن المهايأة قسمة المنفعة.
وقد بينا الخلاف في التهايئ على ركوب الدابتين في كتاب الصلح
من شرح المختصر.
963

ولا خلاف أن أحدهما إذا طلب ذلك وأبى صاحبه فإنه لا يجبر
كل واحد منهما على المهايأة على الركوب للقتال.
لان اعتبار المعادلة في غير ممكن، فلا يجرى فيه الاجبار.
ولكن إن اجتمعا عليه فلهما ذلك بوجود التراضي منهما، ويجبران
على التهايئ على الركوب لغير الحرب عند محمد رحمه الله.
لان اعتبار المعادلة فيه ممكن. فإذا طلب أحدهما أجبر الآخر عليه
اعتبارا لقسمة المنفعة بقسمة العين.
ثم لا يستحق واحد منهما بذلك سهم فارس.
لان واحدا منهما (1) لا يصير متمكنا من القتال على الفرس بالمهايأة
على الركوب.
1773 - ولو كان كل واحد منهما أذن لصاحبه في ركوب أي
الفرسين شاء ولم يدفع إلى صاحبه فرسا بعينه، فكل واحد منهما
راجل، سواء كان هذا الاذن منهما في دار الاسلام أو في دار الحرب.
لان إعارة نصيبه من صاحبه لا تتم بمجرد الاذن ما لم يسلم إليه.
1774 - ولو دخل مسلم دار الحرب بأفراس فباعها كلها
إلا واحدا منها لم يحرم سهم الفارس.
لأنه متمكن من القتال على الفرس بما بقى عنده، ولأنه تبين بما صنع

(1) ق، ه‍ " لان كل واحد منهما " وفى هامش ق " لان واحدا منهما. نسخة حصيري ".
964

أنه قصد التجارة فيما باع، فيسقط اعتبار ذلك في استحقاق السهم به،
ويجعل في الحكم كأنه حين دخل لم يكن معه إلا هذا الفرس. وهذا لان
ما زاد على الواحد فضل هو غير محتاج إليه، وإنما يبنى حكم الاستحقاق ثبوتا،
وبقاء على ما يحتاج إليه خاصة.
ألا ترى أنه لو رجع بعض الشهود لم ينتقض نصاب الشهادة برجوع
من رجع. فإن القاضي لا يمنع من القضاء بالشهادة لهذا المعنى. ولو كان
بعد القضاء لم يجب شئ من الضمان على الراجعين.
1775 - ولو نفق منها واحد أو عقر في دار الحرب ثم باع بقية
خيله فهو فارس أيضا.
لأنه لو نفق بعد بيع البعض بقى فارسا باعتباره، فكذلك قبله. وهذا
لان ما باع صار كأن لم يكن. فكأنه دخل بفرس واحد، ثم نفق قبل القتال
عليه أو بعده، وهو يستحق سهم الفرسان في هذا.
1776 - ولو دخل مراهق دار الحرب فارسا أو راجلا فأصابوا
غنائم فله الرضخ على التفسير الذي قلنا. فإن لم يخرجوا إلى دار الاسلام
ولم يقسموا الغنائم حتى بلغ الغلام ضرب له بسهم فارس إن كان فارسا،
وبسهم راجل إن كان راجلا، سواء لقوا قتالا بعد ذلك أو لم يلقوا.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له حين جاوز الدرب، ثم قبل تمام
الاستحقاق كمل حاله، فيجعل ما اعترض كالمقترن بأصل السبب في استحقاقه
السهم الكامل، بمنزلة الذمي إذا أسلم. وقد بيناه فيما مضى.
أشار هاهنا إلى حرف آخر فقال:
965

1777 - من العلماء من يقول يسهم له وإن لم يبلغ. وللذمي
وإن لم يسلم. فاختلافهم في استحقاق السهم الكامل قبل البلوغ
والاسلام يكون اتفاقا منهم على استحقاق ذلك إذا كان بالغا مسلما
عند تمام الاستحقاق.
والله أعلم.
966

102.
باب مما يختلف فيه صاحب الفرس
وصاحب المقاسم فيما يجب للفرس
1778 - ولو أن غازيا باع فرسه في دار الحرب فله سهم الفرسان
فيما أصيب قبل بيعه، وفيما أصيب بعد البيع له سهم الرجالة.
فإن قال الذي يلي المقاسم: إنما بعت فرسك قبل الإصابة، وقال
(ص 322) الغازي: ما بعته إلا بعد الإصابة. فالقول قول الذي يلي
المقاسم. وكان ينبغي أن يكون القول قول الغازي.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له بمجاوزة الدرب. ولان البيع حادث،
فأنما يحال بحدوثه على أقرب الأوقات، ما لم يثبت سبق التاريخ بالحجة
ولكنه قال: سبب الحرمان قد ثبت بإقراره، وهو بيع الفرس، فلا يثبت له
الاستحقاق بعد ذلك إلا بحجة.
1779 - ألا ترى أن مسلما لو مات وله أخ مسلم، فجاء ابنه
مرتدا، وزعم أنه ارتد بعد موت أبيه، فالميراث له وقال الأخ: إنما
ارتد في حياته. فالقول قول الأخ. وإن كان يدعى تاريخا سابقا في ردته.
لان سبب حرمانه ظاهر، فلا يثبت استحقاقه بعد ذلك إلا بحجة.
967

1780 - وكذلك لو (1) كان ابنه نصرانيا فزعم (2) أنه أسلم
قبل موت أبيه.
لان سبب حرمانه وهو المخالفة في الدين معلوم، فلا يثبت الاستحقاق
إلا بحجة.
يوضحه أن سبب الاستحقاق التزام مؤنة الفرس عند مجاوزة الدرب
على قصد القتال، وبالبيع في دار الحرب قد صار ذلك محتملا فلا يثبت
استحقاقه إلا بترجح جانب القصد إلى القتال. وهو يعلم أنه باعه بعد القتال
وإصابة الغنائم. فما لم يثبت ذلك بالبينة لا يثبت سبب استحقاقه.
1781 - فأما الإحالة بالبيع على أقرب الأوقات فهو نوع من
الظاهر، وبالظاهر يدفع الاستحقاق، ولا يثبت الاستحقاق.
1782 - وإن أقام البينة من الجند على أنه باعه بعد الإصابة قبلت
بينته لخلوها عن التهمة.
1783 - وإن شهد بذلك شاهد واحد فالحجة لا تتم بشهادته.
فإن قال المشهود له: أشارك هذا الفارس الذي شهد لي في نصيبه لاقراره
لم يكن له ذلك.
لأنه لم يكن لواحد منهما ملك في شئ من الغنيمة قبل القسمة. وإقرار من ردت شهادته إنما يعتبر إذا صادف ملكه أو كان أقر بملك للغير فيه (3)
ولم يوجد ذلك هاهنا فلهذا لا يشاركه في نصيبه.

(1) ب " وكذلك إن كان ". وفى هامش ق " وإذا كان ابنه. نسخة ".
(2) ب " وزعم ".
(3) ه‍ " بملك الغير له " ق " بملك الغير فيه " ووافقت ب أصلنا.
968

1784 - وإن قال الفارس: نفق فرسي أو عقر. وقال الذي يلي
المقاسم: أراك بعته. فالقول قول الفارس، وله سهم الفرسان.
لان سبب الاستحقاق له معلوم. وما يبطل حقه وهو بيع الفرس
مختلف فيه: صاحب المقاسم يدعيه والغازي ينكره. فالقول قوله مع يمينه.
بمنزلة ما لو ادعى الأخ المسلم (1) على الابن أنه ارتد في حياة أبيه ثم أسلم
بعد موته، وقال الابن: ما ارتدت قط. فإنه يكون القول قول الابن،
والميراث له.
1785 - فإن قال: دخلت بفرس فنفق. وقال صاحب المقاسم:
ما أدخلت بفرس أم لا؟ فهو راجل حتى يعلم أنه دخل بفرس.
لان الغازي هاهنا يدعى سبب استحقاق سهم الفرس، وهو غير معلوم،
فلا يستحق شيئا إلا بحجة. بمنزلة ما لو ادعت امرأة ميراث ميت وزعمت أنه
كان تزوجها في حياته، لم تصدق إلا بحجة.
1786 - وإن علم صاحب المقاسم والمسلمون أنه كان فارسا،
وإنه استهلك فرسه بعد إصابة بعض الغنائم ببيع أو هبة ولكنهم
لا يدرون ما أصابوا قبل استهلاكه، ولا ما أصابوا بعده، فله في ذلك
سهم راجل، إلا ما علم أن إصابته كان قبل استهلاكه.
لان السبب المبطل لحقه هاهنا عن البعض معلوم، فلا يعطى إلا القدر
المتيقن به. ولان كل جزء من المصاب يحتمل أن يكون مصابا بعد استهلاكه،

(1) ه‍ " ادعى أخ المسلم " وفى هامش ق " ادعى أخ المسلم. نسخة ". وقد توافقت ه‍ ب
وق والأصل.
969

ويحتمل (ص 322) أن يكون قبله، وبالاحتمال لا يثبت الاستحقاق. وصار
كل جزء هاهنا كجميع المصاب في مسألة أول الباب.
ولا يمين على صاحب المقاسم في شئ من هذا.
لأنه ليس بخصم، إنما هو بمنزلة الحاكم.
1787 - وإن كان باع فرسه واشترى فرسا آخر فقد بينا أنه
فارس في كل مصاب، إلا ما كان بعد بيعه الفرس قبل شرائه (1)
الفرس الثاني.
فإن اختلفوا في ذلك لم يضرب له إلا بسهم راجل في جميع ذلك
لبقاء الاحتمال في كل جزء من المصاب أنه كان بعد بيعه الفرس الأول
قبل أن يشترى الفرس الثاني، ومع الاحتمال لا يثبت حقه
إلا بحجة.
ولانا علمنا أنه كان راجلا في دار الحرب في وقت، فلا يستحق سهم
الفرسان، ما لم يعلم أن الإصابة كانت في غير ذلك الوقت. بمنزلة الابن
الذي علم أنه كان نصرانيا في وقت فجاء مسلما بعد موت الأب، وزعم أنه
كان أسلم في حياته، لم يصدق إلا بحجة. وكذلك لو علم أن الابن كان مرتدا
في وقت فقال: أسلمت قبل موت الأب. وقال الأخ: أسلمت بعد موته.
فإنه لا يستحق (2) الميراث ما لم يثبت بالبينة إسلامه قبل موت أبيه.
1788 - ولو أقر أنه بادل فرسه بهذا الفرس الذي في يده،

(1) ب " شرائه ".
(2) ق " فلا يستحق الميراث " وفى هامشها " فإنه لا يستحق الميراث. نسخة ".
970

وقال صاحب المقاسم: أظنك بعت فرسك ثم اشتريت هذا الفرس.
فالقول قول الغازي مع يمينه.
لأنه لم يعلم كونه راجلا في دار الحرب في وقت من الأوقات. فقد بينا
أن مبادلة الفرس بفرس آخر لا تجعله في حكم الراجل. فصاحب المقاسم هاهنا
يدعى السبب المبطل لحقه، وهو منكر. فالقول قوله مع يمينه. بخلاف الأول.
1789 - ومن لحق بالجيش من تاجر، أو حربي أسلم في دار
الحرب، أو عبد كان يخدم مولاه فأعتقه، فقد بينا أن له الشركة
فيما يصاب بعد ما التحق (1) بهم، ولا شركة فيما أصيب قبل ذلك.
إلا أن يلقوا قتالا فيه، فيقاتل دفعا عن ذلك. فإن لم يعلم ما أصابوا قبل
أن يلحق بهم، ولا ما أصابوا بعد ما لحق بهم، ولم يلقوا قتالا بعد
الإصابة فلا شئ له، ما لم يقم البينة على شئ أنه قد أصيب بعد
ما لحق بهم.
لان الاحتمال قائم في كل جزء من المصاب، وبالاحتمال لا يثبت
الاستحقاق ابتداء.
1790 - فإن شهد له بذلك من لا تجوز شهادته فأراد أن يشارك
الشاهد فيما أصاب لم يكن له ذلك.
لما بينا أنهم لم يشهدوا بملك له في شئ.

(1) ب " ر لمتحق ".
971

ألا ترى أنه لو قبلت شهادتهم لم يملك شيئا قبل قسمة الغنائم؟ وحق
الاشتراك ينبني على الملك فيما هو خاص.
ألا ترى أن جيشا لو اقتسموا غنائم، ثم ادعى رجل أنه كان معهم
فأقر بذلك بعض الجيش لم يشارك المقر له المقر في نصيبه؟ وهذا مما لا يشكل.
فإنه لو علم أنه كان مع الجيش لم يكن له سبيل على ما أصاب كل واحد منهم
استحسانا، ولكن إن بقيت من الغنيمة بقية. أعطاه الامام نصيبه من ذلك،
وإن لم يبق أعطاه عوض نصيبه من بيت المال. فإذا لم يعلم (1) كان أولى.
وهذا نوع استحسان، باعتبار أن الغرم مقابل بالغنم. ولو بقى شئ تتعذر
قسمته بين الغانمين يجعل في بيت المال. فكذلك إذا ظهر سهو يجعل ذلك
على بيت المال.
1891 وكذلك لو ادعى هذا الرجل أن المسلمين لقوا قتالا بعد
ما لحق بهم، وأنه قاتل دفعا عن المصاب معهم، وقد علم المسلمون
(ص 323) أنهم لقوا قتالا بعد الإصابة ولكن لا يدرون أن ذلك
القتال كان قبل أن يلحق بهم هذا الرجل أو بعده فلا شركة له معهم،
حتى تقوم البينة من المسلمين على ما يدعى من ذلك.
لان سبب استحقاقه هاهنا المقاتلة معهم دفعا عن المصاب، وذلك
لا يظهر بقوله، فلا بد من إقامة البينة عليه.

(1) ق " فإذا لم يحكم " وفى الهامش " " فإذا لم يعلم. نسخة صح ". وفى ب " فإن لم يعلم ".
972

103.
باب دفع الفرس باشتراط السهم
وإعادته وإيداعه في دار الحرب
1892 قال: وإذا دخل الغازي في دار الحرب فارسا، ثم دفع
فرسه إلى رجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه فهو جائز.
لأنه شرط موافق لحكم الشرع. وقد بينا أن إعادة الفرس في دار
الحرب لا يبطل استحقاقه، وأنه لو لم يشترط هذا كان له سهم الفرس له
والشرط لا يزيده إلا وكادة.
1893 ولو كان شرط أن سهم الفرس وسهم الراجل الذي
قاتل عليه كله لصاحب الفرس فهذا فاسد.
لأنه شرط لنفسه ما هو حق الذي يقاتل على فرسه. فيكون هذا إجارة
منه لفرسه بما شرط عليه. وهذه إجارة فاسدة لجهالة البدل المشروط عليه.
فيكون له أجر مثله على الذي قاتل عليه، ولا سهم للفرس هاهنا.
أما الذي قاتل عليه فإنه استأجر في دار الحرب إجارة فاسدة، ولو
استأجره إجارة صحيحة أو اشتراه لم يستحق به شيئا فهذا أولى.
وأما صاحب الفرس فلأنه لو أجره إجارة صحيحة بطل به حقه كما لو باعه
في دار الحرب، فكذلك إذا آجره إجارة فاسدة. لان العقد الفاسد معتبر
بالجائز في الحكم، ولأنه استحق عوضا من منفعة فرسه وهو أجر،
المثل،
فلا يستحق به السهم مع ذلك.
973

1894 - ولو كان مع صاحب الفرس فرس غير هذا فله سهم
فارس باعتبار الفرس الآخر سواء بقى في يده أو نفق.
لان الذي آجره بهذه الصفة صار كأن لم يكن.
1895 - ولو لم يدخلوا دار الحرب حتى أعطى فرسه رجلا على
أن يكون سهم الفرس لصاحبه، فإن سهم الفرس هاهنا للذي أدخله
دار الحرب.
لان سبب الاستحقاق قد انعقد له وهو الانفصال فارسا.
فيكون صاحب الفرس مؤاجرا فرسه ببذل مجهول فيستوجب
عليه أجر المثل، وليس له من سهم الفرس شئ.
لأنه انفصل راجلا. فإن كان معه فرسان فصنع هذا بأحدهما والمسألة
بحالها فله سهم الفارس باعتبار فرسه الذي بقى له. وأما سهم الفرس الآخر
فهو للذي قاتل عليه، ولصاحب الفرس عليه أجر المثل (1) في قول محمد،
وهو قياس قول أبي حنيفة، لان من أصلهما أن الغازي لا يستحق السهم
إلا بفرس واحد. وإن قاد (2) بأفراس فكان في هذا الشرط معنى إجارة
الفرس كما بينا.
فأما في قياس قول من يقول بسهم لفرسين، وهو قول أبى يوسف،
فينبغي أن يكون الشرط صحيحا والسهم كله لصاحب الفرس، لأنه بدون
هذا الشرط كان يستحق سهم الفرسين، فالشرط لا يزيده إلا وكادة.

(1) ب، ق " مثله ".
(2) ق " جاز " وفى الهامش " قاد. نسخة ".
974

1896 - ولكن هذا إذا كان الاعطاء بهذا الشرط في دار
الحرب. فأما إذا كان في دار الاسلام فسهم الفرس للذي قاتل عليه،
ولصاحب الفرس عليه أجر مثله في الوجهين.
لأنه ما انعقد لصاحب الفرس سبب استحقاق السهم بهذا في دار
الاسلام، وإنما انعقد ذلك لمن كان فارسا به (ص 324) عند الانفصال،
فيكون معنى الإجارة متقررا بينهما هاهنا.
1897 - وإن كان لكل واحد من الرجلين (1) فرس غير
الفرس الذي أعطى أحدهما صاحبه (2) بهذا الشرط.
ففي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: لا يسهم لهذا الفرس،
ولا شئ لصاحبه على من أخذه منه.
لان كل واحد منهما فارس عند الانفصال بالفرس الآخر، دون
هذا الفرس. وأما في قول أبى يوسف فللذي قاتل على الفرس سهم فرسين
لأنه انفصل إلى دار الحرب ومعه فرسان، فيكون لصاحب الفرس عليه أجر
مثله، باعتبار الشرط الذي جرى بينهما في دار الاسلام.
1898 - وإذا أودع المسلم فرسه في دار الحرب مسلما أو ذميا،
ثم خرج راجلا في سرية فأصابوا غنائم ورجعوا إلى العسكر،
أو خرجوا من جانب آخر إلى دار الاسلام، فصاحب الفرس فارس
في ذلك في الوجهين.

(1) ه‍ " الراجلين ".
(2) ب، ه‍ " لصاحبه ".
975

لان سبب استحقاق سهم الفرس قد انعقد له، ثم يبطل ذلك بإيداعه
إياه من رجل معه في المعسكر لبقاء تمكنه من الاخذ بعد الايداع وقد قررنا
هذا في الإعارة.
فهو بمنزلة ما لو تركه مع غلامه في المعسكر. فكما لا يبطل هناك
سهمه لا يبطل هاهنا.
ألا ترى أن العدو لو حضروا العسكر فخرج إليهم راجلا وهو محتاج
إلى فرسه، ولكن تركه إبقاء عليه، كان له سهم الفرس؟ فكذلك إذا خرج
في سرية وتركه في المعسكر عند بعض أصحابه ليقوم عليه ويسمنه وهو محتاج
إلى ذلك أو غير محتاج.
1899 - ولو كان الامام نفل للفرسان من السرية نفلا فليس
لهذا الرجل من النفل شئ.
لأنه قصد بالتنفيل تحريضهم على إخراج الأفراس معهم إلى الموضع
الذي وجههم إليه، فمن ترك فرسه في المعسكر لا يدخل في هذا التنفيل،
حتى لو خرج القوم كلهم رجالة وتركوا الأفراس في المعسكر لم يكن لهم من
نفل الفرسان شئ لهذا المعنى.
1900 ولو مر عسكر المسلمين بحصن من حصونهم ممتنعين
من أهل الاسلام، فأودع مسلم فرسه من رجل كان ساكنا في الحصن
مسلما مستأمنا أو ذميا أو أسيرا أو حربيا، بينه وبينه قرابة، ثم
قاتل راجلا وهو بالقرب من باب الحصن أو بالبعد منه، فليس له
فيما يصاب إلا سهم راجل.
976

لأنه صار مضيعا فرسه حين جعله في منعة أهل الحرب، فهو بمنزلة
ما لو استهلك فرسه، وهذا لأنه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختياره.
فان أهل الحرب إذا منعوه منه لا يتمكن من إثبات يده على الفرس بقوته،
ولا بقوة الامام، إذ لا ولاية له على من هو في منعة أهل الحرب، بخلاف
ما سبق. فهناك (1) إنما جعل الفرس في يد مسلم من أهل العسكر، وهو
متمكن من الاسترداد منه متى شاء، فلا يزول به تمكنه من القتال عليه.
1901 - فإن رجع إليهم بعد إصابة الغنائم وأخذ فرسه لم يكن
له فيها إلا سهم راجل سواء لقوا قتالا بعد ذلك أو لم يلقوا. أما إذا لم
يلقوا قتالا فلا إشكال، وحاله كحال من باع فرسه ثم اشترى فرسا بعد
إصابة الغنيمة. وأما إذا لقوا قتالا فلان له في المصاب سهم راجل. وإنما
قاتل دفعا عن ذلك، فلا يزداد به سهمه.
1902 وكذلك لو دخل مدينة من مدائنهم بأمان مع فرسه،
فأصابوا غنائم، ثم خرج إلى المعسكر بعد ذلك، فلا نصيب له في تلك
الغنيمة.
لأنه خرج من أن يكون مقاتلا حين دخل في منعتهم بأمان فلا يكون
هو ممن شهد الوقعة (ص 325) حقيقة ولا حكما. ولكن
حاله كحال من كان (2) من المسلمين مستأمنا في هذه المدينة، فخرج
والتحق بالعسكر، فلا شركة له فيما أصيب قبل ذلك، إلا أن ها هنا

(1) ه‍ " فإن هناك " وفى هامش ق " فإن هناك. نسخة ".
(2) ق " كحال من هو من المسلمين ".
م - 10 السير الكبير
977

إن لقى المسلمون قتالا فقاتل معهم دفعا كان له سهم الفارس فيما أصيب
قبل ذلك.
لأنه ما كان مستحقا لشئ من هذا (1) المصاب حتى قتاله دفعا
عن ذلك، فيثبت الحق له بهذا القتال، وإنما التحق بهم فارسا فيستحق سهم
الفرسان، بخلاف ما سبق.
1903 ولو كان أسر على فرسه والمسألة بحالها كان له سهم
الفارس، سواء التحق بهم فارسا أو راجلا.
لأنه انعقد له سبب الاستحقاق معهم بدخول دار الحرب للقتال،
ثم لم يعترض بعد ذلك ما يبطله، فإنه أسر بغير اختياره، ولم يخرج به من
أن يكون محاربا.
ألا ترى له قتلهم وأخذ أموالهم إن قدر على ذلك، بخلاف
الأول، فهناك ترك القتال معهم باختياره.
ألا ترى أنه لا يحل له قتلهم ولا أخذ أموالهم ما دام مستأمنا فيهم.
1904 ولو كان الأمير بعث إليهم رسولا في بعض حوائج
المسلمين، فلما دخل الرسول إليهم بأمان أصاب المسلمون غنائم بعد
ذلك، ثم خرج الرسول، فإنه يستحق سهم الفرسان معهم إن كان
فارسا، سواء خرج إليهم فارسا أو راجلا.
لان الرسول لم يترك المحاربة معهم، وإنما أتاهم ليدبر أمر الحرب،
فهو بمنزلة من يكون في المعسكر، بخلاف المستأمن إليهم لحاجة نفسه.

(1) في هامش ق " من هذه المصاب. نسخة ".
978

ألا ترى أن الرسول من الجانبين يكون آمنا من غير استئمان لاعتبار
هذا المعنى؟ ولان الرسول إنما أتاهم لمنفعة المسلمين، فمن يكون ساعيا فيما ترجع
منفعته إلى المسلمين لا يكون مفارقا لهم حكما، والمستأمن ما أتاهم لمنفعة المسلمين
بل لمنفعة له خاصة، فيصير به مفارقا للعسكر حكما.
والأصل في هذا الباب ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسهم لطلحة بن عبيد (1) الله من غنائم بدر. وقد كان وجهه إلى ناحية
الشام لمنفعة المسلمين ولم يكن حاضرا عند القتال (2).
وروى أنه بعث محيصة الأنصاري إلى أهل فدك، وهو محاصر
خيبر، ففتحها وهو غايب، ثم جاء فضرب له سهم.
فعرفنا أن من كان سعيه (3) في توفير المنفعة على المسلمين فهو في الحكم
كأنه معهم.
1905 ولو أن رجلين من المسلمين أو من أهل الذمة دخلا
يريدان القتال فقاتلا مع المسلمين، فلم يصيبوا شيئا حتى استأمنا إلى
المشركين، ثم رجعا إلى العسكر. بآخرين لا يريدان قتالا، فأصاب
المسلمون غنائم، لم يكن لهم فيها شئ (4).
لأنهما حين استأمنا إلى أهل الحرب فقد تركا المحاربة معهم، ويكون
حالهما بعد ذلك كحال من كان تاجرا فيهم بأمان والتحق بالعسكر على قصد

(1) ق " طلحة بن عبيد ".
(2) ق " لم يكن حاضرا للقتال " وفى هامشها ".. عند القتال. نسخة ".
(3) في هامش ق " من كان في سعيه توفير المنفعة. نسخة ".
(4) في هامش ق " شركة. نسخة ".
979

القتال. وإذا ثبت هذا فيما إذا رجعنا إلى العسكر لا قصد القتال ثبت
فيما إذا كانا مستأمنين في دار الحرب بطريق الأولى.
إلا ترى أنهما لو لم يستأمنا إليهم ولكنهما تركا القتال واشتغلا بالتجارة
في المعسكر، وتبين ذلك للمسلمين، ثم أصاب المسلمون الغنائم بعد ذلك
لم يكن لهما شركة فيها. فبعد الاستئمان إليهم أحرى أن لا يكونا لهم شركة.
1906 ولو دخل مسلم فارسا مع الجيش وليس له اسم في
الديوان، فلما أصابوا غنائم قال: دخلت للقتال متطوعا. وقال المسلمون:
دخلت تاجرا فالقول قوله مع يمينه.
لان المسلم محارب للمشركين في الأصل. فإن مخالفته إياهم في الدين
والدار تحمله على المحاربة معهم، فما لم يظهر منه خلاف ذلك يكون هو محاربا،
والمسلمون بقولهم: دخلت تاجرا يدعون عليه سبب الحرمان، وهو منكر،
فالقول قوله مع يمينه. (ص 326).
1907 وإن كان الداخل ذميا أو عبدا أو صبيا أو امرأة
والمسألة بحالها فلا شئ لأحد منهم، ما لم يعلم أنه دخل للقتال، وأن
المرأة دخلت لمداواة الجرحى.
لان هؤلاء باعتبار الأصل غير مقاتلين. فليس للمرأة الصبى بينة
صالحة للمحاربة. والعبد محجور عن القتال لحق مولاه. والذمي موافق لهم
في الاعتقاد، وذلك يمنعه من المحاربة معهم. فما لم يعلم بالحجة قصدهم إلى
المحاربة أو مباشرة المحاربة لا يكون لهم في المصاب شئ، بخلاف ما سبق.
1908 والدليل على الفرق أن من لا يعلم حاله من أهل الحرب
980

إذا كان رجلا بالغا يباح قتله. وإنما يباح لكونه محاربا، ومن كان
صبيا منهم أو امرأة لا يباح قتله ما لم يوجد منه (1) مباشرة القتال.
يوضحه أن من كان (2) مقاتلا في الأصل يستحق السهم، وهؤلاء
لا يستحقون السهم، إلا الرضخ. وإن قاتلوا فعرفنا أنهم ليسوا مقاتلين
في الأصل.
909 ولو أن فارسا في دار الحرب أعار فرسه بعض التجار،
أو رسولا أرسله الأمير إلى الخليفة، فركب المستعير وانطلق إلى دار
الاسلام، فأصاب أهل العسكر غنائم بعد ذلك فإن كان المستعير
خرج إلى دار الاسلام قبل إصابة تلك الغنائم فليس للمعير فيها
إلا سهم راجل.
لأنه جعل (3) فرسه في دار الاسلام باختياره، فيزول به تمكنه من
القتال عليه حقيقة وحكما، ويبعد أن يكون هو في دار الحرب فارسا بفرس
له في دار الاسلام.
ألا ترى أنه لو رد الفرس مع غلامه إلى دار الاسلام فأتى به أهله لم يكن
هو فارسا به، فكذلك ما سبق. 1910 وإن كان المستعير لم يخرج إلى دار الاسلام فهو فارس
فيما أصيب.

(1) ق " منهم " وفى الهامش " منه. نسخة ".
(2) ق " يكون " وفى الهامش " كان. نسخة ".
(3) ه‍ " حصل ".
981

لان سبب استحقاق سهم الفرس قد انعقد له بالانفصال إلى دار الحرب
على قصد القتال عليه، فما بقى فرسه في دار الحرب يبقى ذلك الاستحقاق،
وإن لم يكن متمكنا من القتال عليه حقيقة لبعده منه.
ألا ترى أنه لو أعاره في المعسكر ثم خرج في سرية (1) راجلا وبعد
من المعسكر كان له سهم الفارس في المصاب؟ وإن لم يرجع إليهم. فكذلك
ما سبق.
أرأيت لو بدا للمستعير فرجع إلى العسكر قبل أن يخرج إلى دار الاسلام،
فرد الفرس عليه، أما كان له سهم الفرسان فيما أصيب قبل رجوعه؟ وهو
فارس في جميع ذلك؟
وهذا لان دار الحرب في حكم موضع واحد فيما يبتنى عليه استحقاق
الغنيمة. ولهذا يشارك المدد الجيش والعسكر أصحاب السرية في المصاب إذا
التقوا في دار الحرب. فها هنا ما دام فرسه في دار الحرب يجعل في الحكم كأنه
حاضر معه بخلاف ما بعد إخراجه إلى دار الاسلام، وهو نظير المسجد في
حكم صحة الاقتداء بالامام، وإن لم تكن الصفوف متصلة مع الموضع الذي
هو خارج المسجد.
1911 ولو عاد (2) المستعير بالفرس إلى المعسكر بعد ما خرج
إلى دار الاسلام فللمعير سهم الفارس فيما أصيب بعد دخول المستعير دار
الحرب، كما أن له سهم الفارس فيما أصيب قبل خروج المستعير من دار
الحرب. وأما فيما أصيب بعد خروج المستعير إلى دار الاسلام فله سهم
الرجالة خاصة.
للمعنى الذي بينا.
(1) ق " سريته ".
(2) في هامش ق " أعاد، نسخة ".
982

فإذا لم يعلم متى كانت الإصابة وقد علم أن الفرس وصل إلى دار
الاسلام فليس للمعير إلا سهم الراجل.
لما بينا أن كل جزء فيه احتمال أن يكون إصابته بعد ما حصل الفرس
في دار الاسلام فلا يعطى إلا قدر المتيقن به.
1912 وإن قال صاحب الفرس: لم يخرج الفرس من دار
الحرب. وصدقه المستعير (ص 327) في ذلك أو كذبه فالقول قوله.
لان سبب استحقاقه معلوم، وما يبطله وهو حصول الفرس في دار الاسلام غير معلوم، بل هو منكر. لذلك فالقول قوله، وكما لا يصدق
صاحب المقاسم عليه فيما يبطل حقه لا يصدق المستعير إذا كذبه، لان قول
المستعير ليس بحجة عليه، وإن كان الفرس عنده، وبدون الحجة لا يثبت
سبب الحرمان.
وأما المستعير فهو يكون فارسا بهذا الفرس في شئ من الغنائم
سواء حصل في دار الاسلام أو لم يحصل.
لأنه استعاره للركوب لا للقتال عليه، فلا يكون هو متمكنا من القتال
عليه أصلا.
1913 - ولو كان الفرس نفق في يد المستعير، فإن كان قبل أن
يخرج إلى دار الاسلام فالمعير فارس في الغنائم كلها.
لان موته في يد المستعير في دار الحرب كموته في يد المعير، فإن بالإعارة
لا يصير مبطلا استحقاقه بالفرس.
983

1914 - وإن كان نفق في دار الاسلام فهو فارس في كل غنيمة
أصيبت قبل إخراج الفرس إلى دار الاسلام.
لان حصول الفرس في دار الاسلام باختياره مانع من استحقاق السهم
به، غير مبطل لما استحقه قبل ذلك. فإنما يكون هو راجلا فيما يصاب
بعد خروجه إلى دار الاسلام.
1915 - وإن كان نفق بعد ما رده المستعير إلى دار الحرب فهو
فارس فيما يصاب بعد ما رده إلى دار الحرب.
لزوال المانع.
وموت الفرس في يد المستعير كموته في يد المعير.
ولو مات بعد ما سلمه إلى المعير كان هو فارسا، إلا فيما أصيب
حال كون الفرس في دار الاسلام فهذا مثله.
1916 - وأما بيان سهم المستعير فنقول: إن بعث رسولا
إلى دار الاسلام فله السهم فيما أصيب قبل خروجه إلى دار الاسلام،
عاد إلى دار الحرب أو لم يعد.
لأنه وإن بعد من العسكر فهو في دار الحرب، وإنما ذهب لمنفعة
العسكر فيجعل في الحكم كأنه معهم، سواء عاد إليهم أو لم يعد.
1917 - وما أصيب بعد ما دخل دار الاسلام فإن عاد هو إلى
984

دار الحرب قبل أن يقتسموا أو يبيعوا (1) فهو شريكهم فيها، بمنزلة
المدد، وإن لم يعد أو عاد بعد ما اقتسموها أو باعوها لم يكن له
شركة فيها.
لأنه بعدما حصل في دار الاسلام التحق هو بمن لم يدخل دار الحرب
قبل هذا في الشركة فيما يصاب، وكيف يكون له الشركة في ذلك وهو عند
امرأته وولده في منزله حيث أصيب ذلك؟
1918 - وإن لم يكن رسولا فله سهمه فيما أصيب حال كونه مع
الجيش أو بالقرب منهم، أو بعد ما خرج إلى دار الاسلام
فلا سهم له في ذلك إذا لم يعد إليهم.
لأنه فارقهم لا لمنفعة ترجع إليهم فيخرج به من أن يكون شاهدا للوقعة
معهم حكما كما لو اشتغل بالتجارة وترك القتال. إلا أن يعود إليهم قبل
القسمة والبيع
فحينئذ يكون هو بمنزلة المدد يشاركهم في جميع ذلك.
وهكذا كان القياس في الرسول، ولكنا استحسنا باعتبار أن الرسول
إنما بعد عنهم في أمر ترجع منفعته إليهم، وهو نظير الاستحسان الذي قلنا (2)

(1) ق، ه‍ " يقتسموها أو يبيعوها "، ووافقت ب الأصل.
(2) في هامش ق " ذكرنا " نسخة.
985

فيما إذا دخل منعة أهل الحرب رسولا أو مستأمنا إليهم لحاجة نفسه، فالفرق
الذي ذكرنا هناك هو الفرق بين الفصلين هاهنا.
1919 - ولو أودع الغازي فرسه بعض من في منعة أهل الحرب.
فقد بينا أنه يصير مضيعا بما صنع، فلا يضرب له فيما يصاب بعد
ذلك إلا بسهم راجل. كما لو باع (ص 328) فرسه.
وإن غنم المسلمون فرسه فردوه عليه قبل القسمة بغير شئ،
أو باعه الامام فأخذه من المشترى بالثمن، ثم غنموا غنائم بعد ذلك فهو
فارس فيما أصيب (1) بعد عود الفرس إليه، راجل فيما أصيب قبل ذلك.
بمنزلة ما لو اشترى فرسا ابتداءا.
لأنه بما صنع في الابتداء صار مبطلا استحقاقه حين أزال تمكنه من
القتال على الفرس، فما لم يعد الفرس إلى يده لا يعود تمكنه من القتال عليه.
1920 ولو كان لم يودع الفرس أحدا ولكنه غنمه المشركون،
والمسألة بحالها، فهو فارس فيما يصاب بعد ذلك.
لأنه ما زال تمكنه باختياره، فهو بمنزلة ما لو نفق الفرس في يده.
1921 - وكذلك إن أبى أن يأخذه بالثمن من يد المشترى من
العدو، فهو فارس حكما فيما يصاب بعد ذلك.
لأنه لا يتوصل إليه إلا بالثمن، وهو غير مجبر على إعطاء الثمن.

(1) ب " فيما يصاب ". وفى هامش ق " فيما يصاب. نسخة ".
986

بمنزلة ما لو نفق فرسه فلم يشتر فرسا آخر في دار الحرب، مع تمكنه منه.
1922 - ولو أعار فرسه مسلما ليخرج به إلى دار الاسلام،
وأمره أن يسلمه إلى أهله، فأخرجه المستعير، ثم ركبه راجعا إلى دار
الحرب، فالمعير راجل في كل غنيمة أصيبت، والمستعير في دار الاسلام
أو بعد ما رجع إليهم قبل أن يعود للفرس إلى يده.
أما ما أصيب والفرس في دار الاسلام فقد بينا الحكم فيه.
وأما في المصاب بعد الرجوع فلان المستعير يستحق سهم الفرسان
باعتبار هذا الفرس.
لأنه مدد التحق بالجيش على فرس مغصوب، فإنه بالرد صار غاصبا
ضامنا ما لم يسلمه إلى صاحبه.
1923 - وإذا كان المستعير فارسا به فالمعير لا يكون فارسا به.
وفيما أصيب بعد ما أخذ المعير فرسه فالمستعير راجل.
لان الفرس أخذ منه بحق مستحق. والمعير فارس لأنه عاد تمكنه من
القتال عليه، كما لو اشترى فرسا آخر.
1924 - ولو لم يرده المستعير إلى دار الحرب حتى ظهر عليه
المشركون في دار الاسلام فأحرزوه، فالمعير راجل فيما يصاب بعد
حصول الفرس في دار الاسلام وبعد إحراز أهل الحرب إياه.
987

لانهم أحرزوه لأنفسهم، فلا يعود تمكنهم من القتال عليه.
1925 - إلا أن يأخذه المسلمون في الغنيمة فيردونه عليه قبل
القسمة بغير شئ أو بعد البيع (1) بالثمن، فحينئذ يكون هو فارسا
فيما يصاب بعد ذلك.
لأنه عاد تمكنه من القتال عليه.
كما كان قبل أن يبعث به إلى دار الاسلام.
1926 - ولو كان الغازي خلف فرسه في دار الاسلام ودخل مع
الجيش راجلا، ثم أحرز المشركون فرسه بدارهم، ثم ظهر المسلمون على
الفرس فردوه عليه فهو راجل.
لان سبب الاستحقاق انعقد له بالانفصال وهو راجل، فلا يتغير
بعد ذلك بوصول الفرس إلى يده في دار الحرب.
كما لو اشترى فرسا ابتداء، بخلاف الأول، فهناك انعقد له
السبب وهو فارس، ثم اعترض مانع باختياره فزال به تمكنه من
القتال على الفرس، فإذا ارتفع ذلك المانع صار كأن لم يكن.
1927 وكذلك لو أنه دخل راجلا، ثم كتب إلى أهله حتى
بعثوا إليه فرسه، فهو راجل في جميع الغنائم بمنزلة ما لو اشترى
فرسا آخر.

(1) ق " بعد القسمة " وفى هامشها " بعد البيع. نسخة ".
988

وهذا لان التمكن من القتال على الفرس لا يصلح أن يكون مغيرا لما انعقد
من السبب، ويصلح أن يكون مقررا له رافعا للمانع الذي كان يمنع ظهور
الحكم بعد انعقاد السبب.
1928 ولو كان دخل فارسا ثم رد فرسه إلى دار الاسلام
واشترى فرسا آخر فله سهم الفرسان (ص 329) في جميع الغنائم.
لأنه كان متمكنا من القتال على الفرس بعد ما انعقد له سبب الاستحقاق.
1929 وإن وقعت المنازعة بينه وبين صاحب المقاسم فقال:
هو ما وصل فرسي إلى دار الاسلام حتى اشتريت هذا الفرس. وقال
صاحب المقاسم: لا أدرى لعله كان وصل فرسك إلى دار الاسلام قبل
أن تشترى هذا الفرس فأصبنا (1) غنائم، فالقول فيه قول الغازي
مع يمينه.
لأنه ما لم يصل فرسه إلى دار الاسلام لا يصير هو في الحكم الراجل.
1930 وصاحب المقاسم يدعى عليه شيئا يصير به في حكم
الراجل، وهو منكر لذلك، فالقول قوله مع يمينه، بمنزلة ما لو باع
فرسه واشترى فرسا ثم قال: اشتريت هذا الفرس قبل أن أبيع فرسي،
أو بادلت بفرسي هذا الفرس، فإنه يكون القول قوله مع يمينه.
لأنه لم يقر بكونه راجلا في دار الحرب في شئ من الأحوال، فهو
منكر ما يدعى عليه من سبب الحرمان.

(1) ه‍ " فأصابوا ".
989

1931 ولو دخل مع العسكر راجلا فأصابوا غنائم ثم رجع
وحده إلى دار الاسلام فركب فرسه وكر إلى العسكر راجعا فهو
فارس في جميع ما أصيب، إلا في غنيمة أصيبت قبل خروجه إلى دار
الاسلام، فأنه راجل في تلك الغنيمة.
لأنه استحق سهم الرجالة في تلك الغنيمة بالدخول الثاني.
وإن صار هو مددا للجيش ملتحق بهم.
لان التحاق المدد بالجيش لا يكون أقوى من القتال وقد بينا أن من له
سهم الرجالة في غنيمة فقاتل عليها فارسا لا يستحق سهم الفرسان.
1932 - وإذا قاتل فارسا عن غنيمة لا حق له فيها استحق سهم
الفرسان، فكذلك (1) حكم التحاقه بالجيش. فإنه لاحق له فيما أصيب
بعد خروجه، فيستحق بهذا الالتحاق سهم الفرسان في ذلك، وفيما أصيب قبل الخروج كان له سهم الرجالة، فلا يتغير ذلك.
وعلى هذا الأصل قال:
1933 لو دخل معه رجل من المسلمين فارسا فإن لهذا الثاني
سهم الفارس في جميع الغنائم.
لأنه ما كان له حق فيها قبل أن يلتحق بالجيش. فإذا التحق بهم فارسا

(1) في هامش ق " فكذا. نسخة ".
990

استحق سهم الفرسان في جميع ذلك بخلاف الأول على ما قررنا، وهذا لان
الأول عاد ليحرز ما هو شريك فيه، والثاني جاء ليحرز ما لم يكن له فيه
شركة، وإنما يصير هو شريكا الآن ابتداء، فيراعى في صفة الشركة حاله الآن،
1934 ولو أعار الغازي فرسه في دار الحرب مسلما ليخرج إلى
دار الاسلام فيقضى حاجته ثم يرده إليه، فلما دخل المستعير دار
الاسلام لم يقدر على الرجوع إلى دار الحرب، فدفعه إلى غيره ليبلغه
صاحبه في دار الحرب. فجاء به الرجل فدفعه إليه. فإن كان الذي جاء به
بعض من في عيال المستعير فلا ضمان عليه ولا على الذي جاء به.
لان يد من في عياله كيده في الحفظ، فكذلك في الرد.
1935 ولو رد بنفسه كان المعير فارسا في جميع الغنائم، إلا فيما
أصيب حال كون الفرس في دار الاسلام.
فهذا مثله.
1936 وإن لم يكن المدفوع إليه من (1) عيال المستعير فالمعير
راجل في كل ما أصيب بعد خروج الفرس إلى دار الاسلام إلى أن
يعود إلى يده.
لان الذي جاء به الآن غاصب للفرس، فلا تكون يده عليه في دار
الحرب كيد المعير.

(1) ق " في ". وفى هامشها " من. نسخة ".
991

ألا ترى أنه لو نفق الفرس في يد الذي جاء به كان للمعير الخيار
إن شاء ضمن المستعير ولا يرجع هو على أحد بشئ وإن شاء ضمن الذي
جاء به ويرجع هو بما ضمن على المستعير وعلل فقال:
لأنه بمنزلة الوديعة له في يده.
فهذا تنصيص على أنه ليس للمستعير أن يودع.
وإذا فعله صار ضامنا، بخلاف الإعارة.
فإن للمستعير أن يعير فيما لا يتفاوت الناس في الانتفاع به. وقد بينا
اختلاف المشايخ في هذا الفصل في " شرح الجامع الصغير "، وقررنا الفرق
بين الإعارة والايداع في حق المستعير.
1937 وأما الذي جاء به ليرده على صاحبه فهو راجل في جميع
الغنائم وإن كان القتال حين دخل. وكان ينبغي أن يكون فارسا باعتبار أنه ضامن للفرس كالغاصب
ولكن قال هو ما أدخل الفرس ليغزو عليه، ولكن أدخله ليرده
على صاحبه. ولأن الضمان غير مستقر عليه.
ألا ترى أنه يرجع على المستعير إذا ضمنه فكيف يصير هو فارسا بفرس
لو لحقه فيه ضمان يرجع به إلى غيره.
ألا ترى أن من كان راجلا من الغزاة إذا أودعه رجل فرسا فأدخله
مع نفسه دار الحرب لم يكن هو فارسا به فكذلك هذا.
992

1938 ولو كان المستعير أعاره هذا الداخل (1) ليقاتل عليه
والمسألة بحالها، فالداخل فارس في كل غنيمة، إلا فيما أصيب قبل
خروج الفرس إلى الاسلام.
لان الداخل الآن ضامن للفرس ضمانا يستقر عليه ولا يرجع به على أحد
فيكون هو في حكم الغاصب، وإنما دخل فارسا ليقاتل على الفرس. فكان
ينبغي على هذا أن يكون فارسا في كل غنيمة، إلا أن فيما أصيب قبل حصول
الفرس في دار الاسلام للمستعير سهم الفارس بسبب هذا الفرس، فلا يستحق
الغاصب فيه سهم الفارس أيضا بهذا الفرس لاستحالة أن يستحق رجلان
كل واحد منهما السهم بفرس واحد.
1939 - وأما المستعير فلا شئ له في الغنائم إلا فيما أصيب قبل
أن يبعد هو من العسكر، فإن له في ذلك سهم راجل.
لأنه كان دخل مع الجيش راجلا.
وفيما سوى ذلك لاحق له.
لأنه لم يعد إلى العسكر ولم يشاركهم في الإصابة ولا في الاحراز حقيقة
ولا حكما.
1940 - ولو أراد الأمير أن يرسله رسولا إلى دار الاسلام في
شئ من أمر المسلمين، فسأل فارسا أن يعطيه فرسه ففعل ذلك صاحب

(1) ص، " هذا الراجل "، ق " هذا الرجل ".
م - 11 السير الكبير
993

الفرس طائعا، ثم أصابوا غنائم والفرس في دار الاسلام، فالمعير راجل
في تلك الغنائم رجع إليه فرسه أو لم يرجع.
لأنه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختياره.
1941 - وإن أبى أن يعطيه الفرس ولم يجد الامام بدا من أن
يأخذ الفرس منه فيدفعه إلى الرسول لضرورة جاءت للمسلمين. فلا بأس
بأن يأخذه منه كرها.
لأنه نصب ناطرا، وعند الضرورة يجوز له أن يأخذ مال الغير بشرط
الضمان كمن أصابه مخمصة.
ثم المعير يكون فارسا في جميع الغنائم هاهنا.
لأنه ما زال تمكنه من القتال على الفرس باختياره، وإنما أخذ الفرس
منه بغير اختياره، فلا يصير هو مضيعا للفرس.
بمنزلة ما لو أخذه المشركون، بل أولى.
لان هناك لا منفعة للمسلمين في ذلك الاخذ، وها هنا لهم منفعة في ذلك.
فإذا لم يسقط هناك سهمه وإن زال تمكنه فهاهنا أولى أن لا يسقط سهمه.
والله الموفق.
994

104.
باب من يرضخ له
من الأدلاء وغيرهم
1942 - وإذا دخل العسكر دار الحرب ومعهم قوم من أهل
الذمة يدلونهم على الطريق ولا يقاتلون معهم، فإنه ينبغي للامام أن
يرضخ لهم من الغنيمة ولا يسهم له كسهام الخيل. ولا كسهام الرجالة،
لانهم غير مجاهدين حكما، ولا مقاتلين مع المسلمين حسا، ولكنهم
جاءوا لأمر (1) فيه منفعة للمسلمين، وهو الدلالة على الطريق، فيرضخ
لهم من مال المسلمين بحسب عملهم، ليرغبوا في مثله في كل وقت،
حتى إذا كانت في دلالتهم منفعة عظيمة للمسلمين فلا بأس بأن يرضخ
لهم على قدر ما يرى، وإن كان أكثر من سهام الفرسان والرجالة.
لان سبب استحقاقهم هاهنا ليس من جنس السبب في حق المقاتلين،
ولكنه منفعة أخرى، فإنما يرضخ لهم بحسب ما يكون من المنفعة بدلالتهم.
1943 - وإن كان جعل لهم على (ص 331) الدلالة نفلا مسمى
من الغنيمة فلا بأس بذلك أيضا.

(1) ب " ولكن جاءوا لأمر " وأشار في هامش ق إلى أنها رواية نسخة أخرى.
995

لان التنفيل في الأصل للتحريض على ما فيه منفعة للمسلمين.
1944 - فإن أصابوا غنائم بدأ بنفلهم قبل الميراث.
لان النفل في الغنائم كالوصية في التركة يبدأ بها قبل الميراث.
1945 - وإن لم يصيبوا شيئا إلا قدر النفل فذلك سالم لهم.
لأنه مقدم في جميع الغنيمة (1) بمنزلة الدين في التركة.
1946 - وإن لم يصيبوا شيئا أصلا فلا شئ لهم.
لانعدام حقهم، كما لا شئ للغريم والموصى له إذا لم توجد التركة أصلا
1947 - فإن خرجوا في غزاة أخرى وسموا لهم أيضا نفلا على
الدلالة، وأصابوا غنائم، أعطوهم من ذلك النفل الآخر دون الأول.
لان استحقاقهم بالتسمية الثانية، فأما الأولى فقد بطلت الغنائم لانعدام
محلها حين رجعوا قبل أن يصيبوا شيئا.
1948 - إلا أن يكونوا شرطوا لهم أن يعطوهم مما يغنمون النفل
الأول والثاني، فحينئذ يجب الوفاء بذلك.
لان في هذا الشرط تنصيصا على تسمية الكل، فيستحقون جميع ذلك
بهذه التسمية. كما لو لم يكن الأول.
1949 - وفيما يستحقه الذمي والحربي والمستأمن بطريق التنفيل

(1) في هامش ق " على جميع. نسخة ".
996

على الدلالة لا فرق بين أن يذهب معهم وبين أن يدلهم بخبره من غير
أن يذهب معهم إذا وجدوا الامر على ما قال.
لأنه سمى ذلك على الدلالة، والدلالة بالخبر تتحقق.
1950 - إلا أنه إذا لم يذهب معهم فليس ينبغي للامام أن
يعطيهم رضخا ولا نفلا مما أصيب قبل دلالته.
لأنه لا نفل مما أصيب من الغنائم قبل التنفيل، وإنما يجوز إعطاء الاجر
من ذلك، وبالدلالة بالخبر من غير ذهاب لا يستحق الاجر.
1951 - فإن رضى المسلمون بأن يعطيه ذلك أعطاه من أنصابهم
دون الخمس.
لان رضاهم يعتبر في حقهم لا في حق أرباب الخمس.
1952 - وإن استأجره (1) الامام على أن يدله على موضع كذا
فدله بخبره ولم يذهب معه فلا أجر له.
لما بينا أن استحقاق الاجر بالعمل لا بمجرد الكلام، وهو لم يعمل
للمسلمين شيئا، إنما أخبرهم بخبر.
1953 - فإن أصابوا غنائم في ذلك المكان فرأى الامام أن
يرضخ له للدلالة فلا بأس بذلك. بمنزلة ما لو دل عليه من غير اشتراط
الاجر.

(1) ه‍ " استأجر ".
997

وقد بينا أن هناك للامام أن يرضخ له مما أصاب بدلالته قدر ما يرى،
فهذا مثله.
1954 - فإن كان الإمام قال له: اذهب معنا إلى موضع كذا،
ولك من الاجر كذا، فذهب معهم فله الاجر المسمى.
لأنه وفى بالعمل المشروط عليه.
ثم يعطيه الامام أجره مما أصابوا بعد دلالته أو قبل دلالته،
بخلاف النفل والرضخ.
فإن الاستحقاق هاهنا بعقد لازم وهو عقد الإجارة، فلا يختص به
بعض المصاب دون البعض كما لو استأجر قوما لسوق الغنم والرماك.
فأما استحقاق الرضخ والنفل باعتبار منفعة المسلمين فيتعين له
المصاب بدلالته وعمله.
لان ذلك منفعة عمله.
1955 وإن لم يصيبوا شيئا من الغنائم فإنه ينبغي للامام أن
يعطى الأجير أجره من بيت المال.
لأنه في هذا الاستئجار كان ناظرا للمسلمين، وهو لا يلحقه العهدة
فيما يباشر من العقود للمسلمين، ولكنه يرجع به في مال المسلمين وهو مال
بيت المال.
1956 ولو استأجر مسلما أو ذميا أو حربيا ليدخل معهم دار
998

الحرب فيدلهم على الطريق فقد بينا أن الإجارة فاسدة على هذا،
بخلاف التنفيل.
لان في الإجارة لابد من بيان مقدار المعقود (ص 332) عليه،
وإذا لم يسم له مكانا فالمعقود عليه لم يصر معلوما. وفى التنفيل لا حاجة إلى
إعلام المقدار فيما سمى النفل للتحريض عليه.
1957 ثم إذا ذهب معهم على الإجارة الفاسدة فلا سهم له في
الغنيمة وإن كان مسلما.
لأنه لم يدخل على قصد القتال.
ولكن له أجر مثله لا يجاوز به ما سمى.
لأنه أقام العمل المشروط عليه، وقد وجد منه الرضى بالمسمى،
فلا يزاد على ذلك، وإن كان أجر مثله أكثر منه.
1958 ولو أن الأجير من أهل الذمة أو المستأمنين لم يدلهم
على الموضع الذي طلبوا منه ولكن هجم بهم على العدو فلا أجر له.
سواء ذهب معهم أو لم يذهب.
لأنه ما أتى بالعمل المشروط عليه.
1959 وليس للامام أن يقتله وإن تعمد ذلك.
لان المسلم لو فعل هذا لم يكن به ناقضا لايمانه، فكذلك إذا فعله صاحب
العهد لا يصير ناقضا لأمانه.
999

ولكن للامام أن يؤدبه بقدر ما يرى، إن رأى أنه تعمد ذلك،
كما يؤدب المسلم على مثله.
لأنه قصد إلحاق الضرر بالمسلمين.
1960 إلا أن يكون الحربي المستأمن إنما آمنوه على شرط
ذلك، ولم يكن آمنا قبل ذلك. فحينئذ للامام أن يقتله.
لا باعتبار أنه ناقض للأمان، ولكن لان الأمان كان معلقا بالشروط،
فيكون معدوما قبل الشرط.
1961 وإن جعل الامام للدليل نفلا من غنيمة وقد أصابها
المسلمون على أن يذهب إلى موضع كذا، حتى يدله، ففعل ذلك،
فلا بأس بأن يعطيه ذلك بغير رضى المسلمين.
لان هذا بمنزلة الإجارة، وقد استأجره على عمل معلوم ببدل معلوم،
فيعطيه ذلك من الغنيمة. لأنه استأجر لمنفعة المسلمين.
1962 ولو دله بخبر ولم يذهب معه، فليس له أن يعطيه
فيما أصيب قبل الدلالة شيئا، إلا برضى المسلمين، وعند وجود الرضى
يعطيه ذلك من أنصبائهم دون الخمس.
لأنه لا يستحق الاجر إلا على مجرد الخبر من غير أن يذهب معهم.
1963 ولو بعث الأمير بشيرا إلى الخليفة ليخبره بما صنع
1000

بالعدو بعد ما أصابوا الغنائم، فليس له أن يعطى البشير إلا سهمه من
الغنيمة، فارسا كان أو راجلا.
لان الغنيمة قد صارت مستحقة للغانمين، فلا ينبغي للامام أن يعطى
منها أحدا شيئا بغير رضى المسلمين.
1964 والأصل فيه حديث الكبة، فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لذلك الرجل: أما نصيبي منها فهو لك. فحين تحرز
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يجعل له الكبة من الشعر مع
حاجته إلى ذلك وسؤاله إياه، وكان لا يمنع أحدا شيئا سأله، عرفنا أن
ذلك لا يجوز لأحد بعده، إلا أن البشير إن كان محتاجا فلا بأس للامام
أن يعطيه من الخمس شيئا لحاجته.
لان الخمس مصروف إلى المحتاجين، وهو محتاج. وقد كان يجوز له
إن يدفعه من غير أن يرسله بشيرا فبعد إرساله أولى.
1965 فإن رضى المسلمون بما يعطى الامام البشراء، فإن كانوا
أهل حاجة فلا بأس بأن يعطيهم ذلك من جميع الغنيمة، وإن كانوا
أغنياء أعطاهم ذلك من الأربعة الأخماس دون الخمس.
لان رضاهم إنما يعتبر في نصيبهم دون الخمس.
1966 وإن كانوا محتاجين فقد كان له أن يعطيهم (1) من الخمس
بغير رضا الغانمين، ورضاهم معتبر في نصيبهم أيضا.

(1) ه‍ " يعطى ".
1001

1967 فإذا قدم البشراء (1) على الخليفة فرأى أن يعطيهم جائزة
من بيت المال على وجه النظر والاجتهاد فلا بأس بذلك.
لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيز الرسل والوفود الذين
ينزلون عليه.
وهذا لان بيت المال معد لنوائب المسلمين، والصرف إلى ما فيه منفعة
المسلمين، بخلاف الغنيمة فإنها مستحقة للغانمين.
ألا ترى أنه يقسم الغنيمة بين الغانمين ولا يقسم مال بيت المال بين
الأغنياء من المسلمين ولكنه يعده (ص 333) لنوائب المسلمين؟
1968 وكذلك لو أتى أمير العسكر رسول من ملك أهل
الحرب، فليس ينبغي أن يجيزه بشئ من الغنيمة إلا برضى المسلمين.
لأنه إذا لم يجز له أن يخص بعض المسلمين بشئ منها فلان لا يجوز له
أن يخص حربيا بذلك كان أولى.
1969 فإن رضى المسلمون بذلك أجازه من أنصبائهم
دون الخمس.
لأنه لا حق للحربي دون الخمس، ورضاهم إنما يعتبر في نصيبهم خاصة.
1970 فإن أجاز الأمير البشراء (2) والرسل من الغنيمة على وجه

(1) ه‍ " البشير ".
(2) ه‍ " البشير ".
1002

الاجتهاد، ثم رفع ذلك إلى قاض من قضاة المسلمين فإنه ينفذ ما صنع،
وإن كان رأيه مخالفا لذلك.
لان هذا مما يختلف فيه الفقهاء، وقد أمضاه باجتهاده، فلا يبطله حد
بعد ذلك. وقد قررنا هذا في التنفيل بعد الإصابة.
واستدل عليه أيضا بما لو جعل الأمير للمقاتلين من أسلاب القتلى
من غير تنفيل، ثم رفع ذلك إلى من يرى خلاف رأيه فإنه لا يبطل
شيئا مما فعله.
لأنه أمضى باجتهاده فصلا مختلفا فيه.
ألا ترى أنه فيما هو أهم من ذلك وهو حرمة الفرج ينفذ قضاء القاضي
باجتهاده، فليس لأحد أن يبطله بعد ذلك، وإن كان مخالفا لرأيه، حتى
إذا قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة، فإن عمر وابن مسعود
رضي الله عنهما قالا: يقع به تطليقة رجعية. وقال على رضي الله عنه:
ثلاث تطليقات. فإن قضى قاض بأحد القضاءين ثم رفع إلى من يرى خلاف
ذلك لم يبطل قضاؤه، لأنه حصل في محل مختلف فيه، وإبطال القضاء في
المجتهدات يكون قضاء، بخلاف الاجماع فيكون باطلا. وإذا ثبت هذا في
تحريم الفرج مع كونه مبنيا على الاستقصاء ثبت في النفل بطريق الأولى.
والله أعلم.
1003

105.
باب كيفية قسمة الغنيمة (1) وبيان من يستحقها
ممن جاء بعد الإصابة
1971 وإذا وقع القتال في دار الاسلام بين المسلمين وأهل
الحرب فالغنيمة لمن شهد الوقعة، ولا شئ لمن جاء بعد الفراغ
من القتال.
لان بنفس الإصابة تصير محرزة بدار الاسلام، فمن يلحق بعد ذلك
مددا فهو لم يشارك الجيش في الإصابة ولا في الاحراز.
1972 وكذلك (2) لو فتح المسلمون أرضا من أرض العدو حتى
صارت في أيديهم وهرب أهلها عنها.
لأنها صارت دار الاسلام بظهور أحكام الاسلام فيها، فتصير الغنائم
محرزة بدار الاسلام قبل لحوق المدد.
1973 وكذلك لو أصابوا غنائم فأخرجوها إلى دار الاسلام
ثم لحقهم مدد.

(1) ه‍ " الغنائم ". وفى هامش ق " الغنايم. نسخة ".
(2) في هامش ق " وكذا لو فتح. نسخة ".
1004

لان بالاحراز باليد قد تأكد حقهم فيها، ولهذا لو مات بعظهم كان
نصيبهم ميراثا.
1974 فأما إذا أصابوا الغنائم في دار الحرب ثم لحقهم مدد
قبل الاحراز وقبل القسمة والبيع فإنهم يشاركونهم في المصاب عندنا
لان الحق لا يتأكد بنفس الاخذ، فإن سبب ثبوت الحق القهر،
وهو موجود من وجه دون وجه، لانهم قاهرون يدا مقهورون دارا.
ألا ترى أنهم لا يتمكنون من القرار في تلك البقعة وتصييرها (1)
دار الاسلام، فإنما تم السبب بقوة المدد، وكانوا شركاؤهم ولهذا قلنا من
مات منهم في هذه الحالة لا يورث نصيبه وهو قول على رضي الله عنه.
لان الإرث في المتروك بعد الوفاة، والحق الضعيف لا يبقى بعد موته
ليكون متروكا عنه.
وعلى قول عمر رضي الله عنه (ص 334) يورث نصيبه.
لان وارثه يخلفه فيما كان حقا مستحقا له، ثم استدل على هذه الجملة
بالآثار منها:
ما روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث عكرمة بن أبي
جهل في خمس مئة نفر مددا لأبي أمية وزياد بن لبيد البياضي.
فأدركوهم حين افتتحوا النجير فأشركهم (2) في الغنيمة.

(1) في هامش ق " ذلك الموضع وتصييره. نسخة حصير ".
(2) ب " فأشرك بينهم ".
1005

وبه يستدل من يقول من أهل الشام أن للمدد شركة وإن أدركوهم
بعد الفتح.
ولكنا نقول: النجير هذا اسم قرية وهي كانت تابعة للبلدة، فما لم
تفتح البلدة لا تصير القرية دار الاسلام. أو يحتمل أنهم أدركوا على أثر
الفتح قبل إظهار حكم الاسلام فيها.
وفى مثل هذا تثبت الشركة عندنا. فأما بعد تمام الفتح فلا.
على ما روى عن طارق بن شهاب قال: لما فتحت ماه دينار (1)
أمد أهل الكوفة بأناس عليهم عمار. فأراد أن يشاركوهم في الغنيمة. فقال رجل من بنى عطارد: أيها العبد الأجدع (2)! أتريد أن تشاركنا
في غنائمنا؟ فقال: خير أذني سبب.
وإنما قال ذلك لان إحدى أذنيه قطعت في الجهاد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
فكتب فيه إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: إن الغنيمة
بين من شهد الوقعة.
وإنما قال ذلك لان ماه دينار صارت دار الاسلام بإجراء أحكام
الاسلام فيها.

(1) في هامش ق " هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله. وكذا ذكره غيره.
وذكر في أسماء المواضع ماه دانيال. حصيري ". قلت: وماه دينار. هي الاسم القديم لمدينة نهاوند.
(2) في هامش ق: " أي مقطوع الاذن. يقال في الدعاء: أجدع الله مسامعك. أي قطع
آذانك. حصيري ".
1006

ألا ترى إلى ما روى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي
وقاص: من وافاك من الجند ما لم تتفقأ القتلى فأشركه في الغنيمة.
أي ما لم يتشقق القتلى بتطاول الزمان، أو معناه ما لم يتميز قتلى
المشركين من قتلى المسلمين بالدفن. وفى بعض الروايات ما لم تتقفا
القتلى، أي تجعلهم على قفاك بالانصراف إلى دار الاسلام. والأشهر
هو الأول فإن الفقأ عبارة عن التمييز والتشقق ومنه سمى الفقيه.
لأنه يميز الصحيح من السقيم. ومنه قول الشاعر: تفقأ فوقه القلع السواري * * * وجن الخازباز به جنونا (1)
وذكر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أسهم لجعفر بن علي بن أبي طالب ولمن معه من أهل السفينتين والدوسيين، فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو مع سهمان
أهل خيبر. وإنما قدموا بعد فتح خيبر. ولكن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كلم المسلمون في حقوقهم أن يدخلوا فسلموا. فأسهم لهم.
هكذا روى مفسرا. وفى هذا بيان أن من لحق بعد الفتح لم يكن
له شركة
لأنه لو كان شريكا ما احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن
يسترضي المسلمين إلى أن يسهم لهم.

(1) البيت لابن أحمر، أورده صاحب اللسان 1: 118، والخازباز صوت الذباب، سمى
الذباب به، وتفقأت السحابة عن مائها تشققت.
1007

وروى أن أبان بن سعيد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على
سرية من المدينة قبل نجد، فقدموا عليه بخيبر بعد الفتح. فقال أبان:
أقسم لنا يا رسول الله. فقال: اجلس يا أبان. ولم يقسم لهم.
ففي هذا دليل على أن من أدرك بعد الفتح لم يكن له شركة إلا أن
يكون رسولا بعثه الامام في بعض حوائج أهل العسكر.
وقد بينا في الحكم كالحاضر معهم.
وقد روى أنه أسهم لمحيصة وأصحابه من غنائم خيبر.
لأنه كان أرسلهم إلى فدك حين كان محاصرا أهل خيبر فرجعوا إليه
بعد الفتح.
فأسهم لهم في الشق والنطاة، وأطعمهم طعمة سوى ذلك.
من الخمس في الكتيبة جارية عليهم.
وقيل في ذلك تأويل آخر وهو أن غنائم أهل خيبر كانت عدة من الله
تعالى لأهل الحديبية كما قال الله تعالى (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) (1).
فكل من كان من أهل الحديبية أسهم له رسول الله صلى الله
عليه وسلم من غنائم خيبر من شهد فتحها ومن لم يشهد.
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان بن عفان

(1) سورة الفتح 48 الآية 20.
1008

رضي الله عنه من غنائم بدر، وكان تخلف في المدينة (ص 335) على ابنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ليمرضها (1).
وأسهم لطلحة بن عبيد الله ولسعيد بن زيد، وكان بعثهما نحو
الشام، يتجسسان أخبار عير قريش.
وأسهم لخمسة من الأنصار وقد سماهم في الكتاب (2) وقد كان
ردهم إلى المدينة لخبر بلغه عن المنافقين.
وفى تأويل ذلك وجوه.
أحدها:
أن المدينة يومئذ ما كان لها حكم دار الاسلام بعد خروج رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها، لكثرة اليهود والمنافقين بها. فكانوا جميعا
في دار الحرب مشغولين بما فيه منفعة المسلمين، وبما فيه فراغ قلب رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل إن غنائم بدر كان الامر فيها مفوضا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يعطى من شاء ويحرم من شاء كما قال تعالى (قل الأنفال لله
والرسول) (3) فلهذا أسهم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أن المنهزمين يوم حنين قد كانوا بلغوا إلى مكة،

(1) ق " لتمرضها " وفى هامشها " لمرضها. نسخة " ه‍ " يمرضها ".
(2) قوله وقد سماهم هو من السرخسي. وفى هامش ق: " إلى لبابة الذي استعمله على المدينة
ورده من الروحاء وثعلبه بن حاطب وعاصم بن عدي وخوات بن جبير والحارث ين
صمة. وذكر في هذا الخبر أن خوات بن جبير كسر. ومعناه أنه سقط من دابته فانكسر
فمات. حصيري ".
(3) سورة الأنفال 8، الآية 1
1009

ثم جاءت النصرة، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم.
وأن حرب حنين كان بعد فتح مكة، فقد وصلوا إلى دار الاسلام
ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم.
فبهذا تبين أن للمدد شركة مع الجيش إذا أدركوا قبل إحراز الغنيمة
بدار الاسلام.
1975 قال: ولا ينبغي للامام أن يقسم الغنائم ولا يبيعها حتى
يخرجها إلى دار الاسلام.
لان بالقسمة تنقطع الشركة في حق (1) المدد، فيكون فيها تقليل رغبة
المدد في اللحوق بالجيش، وفيها تعريض المسلمين لوقوع الدبرة عليهم بأن
يتفرقوا ويشتغل كل واحد منهم بحمل نصيبه، فيكون عليهم العدو. ثم القسمة
والبيع تصرف، والتصرف إنما يكون بعد تأكد الحق بتمام السبب (2) وذلك
لا يكون إلا بعد الاحراز بالدار.
1976 وإن قسمها في دار الحرب جاز.
لأنه أمضى فصلا مختلفا فيه باجتهاده.
ثم استدل بحديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم
قسم غنائم بدر بالمدينة مع غنائم أهل نخلة وكانت تلك غنيمة أصيبت

(1) ق " لان بالقسمة تنقطع شركة المدد " وفى هامشها " تنقطع الشركة في حق المدد. نسخة "
(2) في هامش ق " والقسمة في الملك الذي ليس بمتأكد لا يجوز. كما لو اشترى نصف دار
فقاسمه قبل القبض لا يجوز. حصيري ".
1010

قبل بدر، فوقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى إلى بدر،
ثم رجع فقسم الغنيمتين بالمدينة جملة.
وفى رواية قال: قسمها بسبر (1) وهي شعب بمضيق الصفراء.
فإن كانت القسمة بالمدينة فهو دليل ظاهر لما قلنا. وإن كانت بسبر
فقد بينا أن دار الاسلام يومئذ كانت الموضع الذي فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه.
لأنه ما كان للمسلمين يومئذ سوى ذلك. فأما غنائم خيبر فإنه
لم يقسمها حتى أتى الجعرانة (2).
وروى أنهم طالبوه بالقسمة حتى ألجأوه إلى سمرة فتعلق بها رداؤه
ثم جذبوا رداءه فتخرق. فقال: اتركوا إلي ردائي، فوالله لو كانت
هذه العضاة (3) إبلا وبقرا وغنما لقسمتها بينكم، ثم لا تجدوني جبانا
ولا بخيلا.
فقد أخر القسمة مع كثرة سؤالهم حتى انتهى إلى دار الاسلام.
فإن جعرانة قرية من قرى مكة وقد صارت مفتوحة بفتح مكة.
ففي هذا بيان أنها لا تقسم في دار الحرب.

(1) في هامش ق " في الحديث: قسم الخمس بشبر شعب بالصفراء. ويروى بالبشير.
والصواب بسبر بكسر السين وفتح الباء، سماعا من مشايخ الصفراء حين نزلت بهم مجتازا إلى مدينة
الرسول صلى الله عليه وسلم. مغرب ".
(2) في هامش ق " الجعرانة مرحلة بمكة. حصر " وذكر الخطابي الجعرانة والحديبية بالتخفيف
وغيره بالتشديد. من خط الحصيري. ه‍.
(3) في هامش ق " العضاة شجر أم غيلان. وكل شجر عظيم له شوك. الواحدة عظمة
بالتاء. نهاية "
1011

ثم بين أن: 1977 من شهد الوقعة فهو شريك في الغنيمة، قاتل أو لم
يقاتل، مريضا كان أو صحيحا.
والأصل فيه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قال:
يا رسول الله! أرأيت الرجل يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه،
أيكون نصيبه مثل نصيب غيره؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن أم سعد.
وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم (1).
ونظير هذا ما روى عن (ص 336) النبي صلى الله عليه وسلم فيما يؤثر
عن ربه: لولا الصبيان الرضع والشيوخ الركع لصببت عليكم العذاب صبا.
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أطيب كسب
المؤمن سهمه في سبيل الله تعالى، وصفقة (2) يده، وما تعطيه الأرض.

(1) في هامش ق " قيل معناه: هل تنصرون إلا بدعوة ضعفائكم. وقيل معناه: إلا بكثرة
ضعفائكم، لان منعهم يتقوى بها وبكثرة ضعفائكم. فإن الواحد القوى أو الثلاثة إذا خرجوا
سرية وحدهم لا يبالي بهم ولا يكون لهم منعة، فإذا انضم الضعفاء إلى الأقوياء، وكثروا. وتقوت منعتهم
ونصروا. والذي عليه الاخبار التي أوردها في الكتاب وحديث غنائم بدر أن النبي عليه السلام
قسمها بينهم، وهم كانوا على ثلاثة فرق كما ذكر في الكتاب. وذكر قول فريق منهم أنهم قالوا:
نحن ظلعنا العدو حتى أجهدناهم. نقل من خط الامام الحصري رحمه الله تعالى ".
(2) في هامش ق: " والصفقة من التصفيق. وهو ضرب إحدى اليدين على الأخرى،
فقال لذلك التصفيق والتصفيح. وإنما سمى التجارة صفقة يد لان البائع يضرب على البيع. ثم التجارة
محمودة إذا كانت خالية عن الخيانة. لما روى عن عمر أنه قال: لئن أضرب في الأرض أبتغي من
فضل الله أحب من أن أجاهد في سبيل الله. فقيل يا أمير المؤمنين! ولم قلت؟ قال: لان الله تعالى
يقول في كتابه (وآخرون يضربون في الأرض. الآية) فقدم بالذكر من كان يضرب في الأرض
لابتغاء فضل الله تعالى. من خط الامام الحصري رحمه الله ".
1012

في هذا دليل على أنه ينبغي للغازي أن يظهر الرغبة في سهمه غنيا كان أو فقيرا
قل سهمه أو كثر، فإنه أطيب كسبه، على معنى أنه مصاب بطريق فيه إعلاء
كلمة الله تعالى وإعزاز الدين. وذلك أشرف جهات إصابة المال. والمراد
بصفقة يده التجارة، ولكنها بشرط أداء الأمانة ومراعاة حدود الشرع.
وما تعطيه الأرض المراد الزراعة، فهي تجارة على ما قال عليه السلام:
" الزارع يتاجر ربه
" 1978 وإذا أراد الامام قسمة الغنائم ينبغي أن يجعل عليها
رجلا من المسلمين عدلا وصيا عالما بالأمور مجربا لها. فإذا ميز الخمس
جعل على الخمس أيضا رجلا أمينا حافظا كاتبا عالما.
لأنه يعجز بنفسه على مباشرة القسمة لكثرة أشغاله فيستعين بغيره ويختار
لذلك من يكون أقدر على ما هو المقصود من الحفظ والقسمة وذلك بأن يكون
مستجمعا للشرائط التي قالها.
والأصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل محمية
ابن جزء الزبيدي على خمس بنى المصطلق. وكانت تجمع إليه الأخماس (1)،
وكانت الصدقات على حدة لها أهل، وللفئ أهل، وكان يعطى من
الصدقة اليتيم والضعيف والمسكين. فإذا احتلم اليتيم ووجب عليه
الجهاد نقل إلى الفئ، وإن كره الجاد لم يعط من الصدقة شيئا، وأمر
بأن يكسب لنفسه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع سائلا شيئا فأتاه

(1) في هامش ق " يجمع الأخماس. نسخة " وهي كذا في ه‍.
1013

رجلان يسألانه عن خمس بنى المصطلق فقال: إن شئتما أعطيتكما منه
ولا حظ فيه لغنى ولا لقوى مكتسب.
ثم روى أن عبيدة السلماني كان يقسم أعطيات قومه، ففضل
بين رجلين درهم فقال: اقترعا أيكما يأخذه. فقام إليه رجل فساره.
فقال: أتأمرهما أيهما يذهب بنصيب صاحبه. فقال: اذهبا فاشتريا به
شيئا بينكما فاقتسماه.
وبه نقول أنه لا يجوز الاقراع في تعيين المستحق، وأن المشترك
إذا كان بحيث لا يحتمل القسمة بنفسه فإما أن يمسكه الشريكان مشتركا
بينهما نصفان أو يشتريا به شيئا فيقسمانه نصفين. وكذلك إذا لم يعلم
أنه لأيهما فإنه يجعل بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق.
وذكر عن الأحنف بن قيس قال: كنا بباب عمر رضي الله عنه
فمرت جارية فتخشخش (1) لها القوم أي تحركوا وأوسعوا لها. فقالوا:
لعلها من أمهات أولاد أمير المؤمنين. فقالت: إني لا أحل لأمير، إني
من خمس مال الله تعالى. فقلنا فيما بيننا: ما يحل لأمير المؤمنين من مال
الله تعالى الحديث.. إلى أن قال عمر رضي الله عنه: إني أستحل من مال
الله تعالى حلتين حلة بالشتاء وحلة بالصيف. وظهري الذي أحج عليه

(1) في هامش ق " التخشخش التحرك الذي معه الصوت. قال القائل:
تخشخش أبدان الحديد عليهم
كما خشخشت ببني الحصار جنوب
وقوله: أبدان الحديد يريد به الدروع. حصيري ".
1014

وأعتمر، وقوت أهلي، وقوتي قوت أهل رجل من قريش، لا وكس
ولا شطط، ثم أنا شريك المسلمين بعد.
ففي هذا دليل على أن الامام إنما يأخذ مقدار الكفاية من مال المسلمين،
ثم هو يساويهم فيما سوى ذلك.
لأنه بمنزلة الوصي في مال اليتيم وقال تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف
ومن (ص 337) كان فقيرا فليأكل بالمعروف) (1).
1979 - ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذوي
القربى بخيبر بين بنى هاشم وبنى عبد المطلب، حتى كلمه عثمان بن
عفان وجبير بن مطعم.
وقد بينا تمام ذلك في السير الصغير.
والذي زاد هاهنا.
أن النبي صلى الله عليه وآله قال لهما: إن بني المطلب كانوا دخلوا
معنا الشعب (2) وكانوا معنا في الجاهلية لم يفارقونا وإنما بنو المطلب
وبنو هاشم شئ واحد.
ففي هذا تنصيص على أن المراد قرب النصرة بالانضمام إليه في حال ما هجره
الناس لأقرب القرابة.

(1) سورة النساء 3 الآية 6
(2) في هامش ق " ومعنى دخول الشعب أن كفار مكة هجروا رسول الله صلى الله عليه وآله
والذين أسلموا عن مجالستهم ومكالمتهم. فساعد بنو المطلب على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونزلوا معه من مكة حيث نزل، وإن كانوا كفارا، ولم يساعدوا سائر الكفرة، إلا أبو جهل،
فإنه ساعد الكفرة. فلهذا قال عليه السلام في بني المطلب. حصيري ".
1015

وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله استشار جبريل عليه السلام
في ذلك، فأشار عليه أن يقسمه بين بنى هاشم وبين بني المطلب.
وذكر عن مجاهد قال: كان خمس الخمس لذوي القربى (1). لانهم
كانوا لا يأكلون الصدقة. والأول أصح.
لان حرمة الصدقة عليهم كان بطريق الاكرام لهم فما كانوا يحتاجون (2)
إلى عوض ذلك، ثم حرمة الصدقة في حق بنى هاشم خاصة. وقد أعطى
رسول الله صلى الله عليه وآله بني المطلب أيضا، فعرفنا أن السبب قرب
النصرة لما بيناه، والله أعلم.

(1) في هامش ق " قال: فهذا يدل على صحة ما رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن سهم
ذوي القربى ساقط في حق الأغنياء منهم، غير ساقط في حق الفقراء. حصيري ".
(2) في هامش ق " احتاجوا. نسخة ".
1016

106.
باب ما يستعمل في دار الحرب ويؤكل ويشرب (1)
1980 - وإن (2) أصاب المسلمون غنائم في دار الحرب فليس
ينبغي لواحد منهم أن ينتفع من ذلك بشئ إلا المأكول والمشروب،
لهم ولدوابهم. ولا بأس بأن يذبحوا البقر والغنم ليأكلوا بغير خمس.
لان حاجتهم إلى الطعام والعلف حاجة ماسة، ولا يمكنهم أن يستصحبوا
ذلك من دار الاسلام، ولا يجدونها في دار الحرب بشراء، وما يأخذون يكون
غنيمة.
فلأجل الحاجة يصير ذلك مستثنى من شركة، فيبقى على أصل
الإباحة كما كان قبل الإصابة.
وهو نظير شركة المفاوضة، فإنه يستثنى منها ما يشترى كل واحد منهما
من الطعام والكسوة لنفسه وعياله، حتى يختص بذلك العلم بوقوع الحاجة
إلى ذلك في مدة الشركة.
والأصل فيه حديث عمر رضي الله عنه حيث كتب إلى عامله
جواب كتابه أن دع الناس يأكلوا ويعلفوا، فمن باع شيئا من ذلك
فقد وجب فيه خمس الله وسهام المسلمين.
وروى هذا المعنى عن فضالة بن عبيد وبه نأخذ.

(1) في هامش الأصل: " أبواب ما يجوز فعله في الغنائم ".
(2) ب " إذا ".
1017

فنقول إنما يباح التناول من ذلك للحاجة دون التجارة، فما يدخل تحت
التجارة بالبيع يكون بدله كسائر الغنائم، فلا ينبغي لأحد أن يخص نفسه بذلك.
وذكر حديث سلمان حين أتاه غلامه بسلة يوم نهاوند. فقال:
هاتها، فإن كان مالا دفعناه إلى هؤلاء، وإن كان طعاما أكلناه. فإذا
فيها أرغفة حواري وجبنة وسكين. فجعل سلمان يطرح لأصحابه من
ذلك الخبز ويقطع لهم من جبنه فيأكلون، ويخبرهم كيف يصنع الجبن.
1981 ثم ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه أنه رخص في
الاكل. وقال: فإن خرجوا بشئ منه تصدقوا به.
والمراد إنما يتصدقون إذا قسمت الغنائم، فأما قبل القسمة فيرد ذلك
في المغنم، لان قبل القسمة يتيسر إيصاله إلى مستحقه بالالقاء في الغنيمة وبعد
القسمة يتعذر ذلك، فيكون سبيله التصدق به كاللقطة.
إلا أن يكون محتاجا فيأكله، وإن أكله وهو غنى تصدق بقيمته
كما هو الحكم في اللقطة (ص 338) وقد روى ذلك عن ابن عمر
رضي الله عنه.
1982 وذكر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ردوا الخيط والمخيط. وكلوا
واعلفوا ولا تحملوا.
ففيه دليل على أن ما سوى المأكول والمشروب يكون غنيمة لا يحل
لأحد أن يختص بشئ منه. فأما المأكول والمشروب فمستثنى في حكم الاكل
1018

خاصة لا في حكم الحمل والتصرف فيه. ولهذا قال سليمان بن يسار: بيع
الطعام إذا خرج من أرض العدو
من الغلول إن لم يرد ثمنه في الغنيمة.
وذكر عن ابن أبي أوفى قال: لم يخمس الطعام يوم خيبر، وكان
الرجل يأخذ منه ما شاء.
ففي هذا دليل أنه مستثنى من أصل شركة الغنيمة، حتى لا يجب فيه
الخمس، ويستوي في ذلك ما يكثر وجوده في ذلك الموضع وما يعز وجوده
فيه، بخلاف ما يقول بعض أهل الشام. أن هذه الإباحة تختص بطعام يكون
في ذلك الموضع حتى يكون تافها، فأما ما ينقل من موضع آخر إليه فهو من
أعز الأموال في ذلك الموضع.
واعتمادنا فيه على حديث مكحول أن رجلا نحر جزورا بأرض الروم،
ثم نادى في الناس: هلموا إلى هذا اللحم فخذوا منه. فقال مكحول لرجل من
غسان: ألا تقوم فتأتينا من لحم هذا الجزور؟ فقال: إنها نهبي (1)، أي لم
تخمس. فقال مكحول: إنه لا نهبي في المأذون فيه.
ومعلوم أن الإبل مما لا يكون بأرض الروم، وقد جوز نحرها والاكل منها.
فدل أن الاكل (2) في ذلك سواء.
وعن مكحول قال: كل ما حمل من أرض العدو مما لا قيمة له

(1) في هامش ق " النهبة والنهبى الشئ المنتهب. مغرب ".
(2) ه‍ " ان الكل " وفى هامش ق " أن الكل. نسخة ".
1019

هناك فحمله في حاجة نفسه فهو له. وهذا عندنا صحيح فيما لا قيمة له في
دارنا أيضا، فعليه أن يرده في الغنيمة.
لان بمجرد النقل من مكان إلى مكان لم تتبدل العين وإنما تمكن من
إخراجه بقوة المسلمين. فهو من جملة الغنائم.
وكأن مكحولا جعل النقل محدثا صفة التقوم فيه، بمنزلة الصنعة
حتى قال: فما اقتطعت من شجر العدو فعملته (1) قدحا أو مرزبة (2)
أو مزادة فلا بأس به، وما وجدت من ذلك معمولا فرده في الغنيمة.
وبهذا نأخذ.
فإن المعمول مال متقوم بصنعته، وقبل العمل لا يكون مالا متقوما.
فإذا صيره مالا متقوما بصنعته فهو له خاصة، بمنزلة من اتخذ الكوز من
تراب غيره، لكنا نفرق بين الصنعة والنقل، لان بالصنعة تتبدل العين.
فيكون المتقوم شيئا آخر، هو حادث بصنعته، فأما بالنفل فلا تتبدل العين.
1983 - ثم روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إياكم وربا الغلول. وفسر ذلك بأن يركب دابة من الفئ، حتى إذا أعجفها
ردها في المغنم، أو يلبس ثوبا حتى إذا خلق رده في المغنم، أو ينكح
الجارية قبل أن تحيض.

(1) ق " فعملت ".
(2) في هامش ق " المرزبة بتخفيف الباء. والأرزبة بالتشديد ما يكسر به المدر، والهراوة
والعصا. حصيري ".
1020

وبهذا نأخذ. فإنه ليس له أن يختص بشئ من هذه الأعيان قبل القسمة،
فكذلك بمنافعها.
وبالجزء الذي يفوت من عينها لتمكن النقصان باستعماله.
1984 وذكر عن أبي الدرداء قال: لا بأس بما أصابت السرية
من الطعام أن يرجعوا به إلى أهلهم فيأكلون ويهدون ما لم يبيعوا.
فكأنه جعل الاهداء من جملة الحاجة. كالاكل ولسنا نأخذ بها. فإن
الاكل من أصول الحوائج (ص 339) تتحقق فيه الضرورة، والاهداء ليس من أصول الحوائج، فهو كسائر التصرفات.
1985 وذكر أن البراء بن مالك أخذ سيفا مما أصابوا يوم
الزارة وقاتل به.
وبه نأخذ عند الحاجة، بأن ينكسر سلاحه. فأما إذا أراد الابقاء على
سلاحه والقتال بسلاح أخذه من العدو فهو من ربا الغلول.
لان ما أخذه يكون غنيمة، ولكن عند الضرورة لا بأس بأن يستعمله
عند الضرورة في القتال.
إلا ترى أنه لو ضربه المشرك بسيف فأخذه من يده وضربه به لم يكن
به بأس.
1986 قال: ولا بأس بأن يوقح (1) ويدهن رأسه
من المغنم.

(1) التوقيح: تصليب الحافر بالشحم المذاب (القاموس).
1021

وإنما أراد أنه بفعل ذلك بما يؤكل من الزيت والسمن، فإن له أن
يختص بذلك العين أكلا فكذلك له أن يختص به انتفاعا بوجه آخر.
فأما سوى ذلك من الادهان كالبنفسج والزنبق والخيري فليس
له أن يدهن بشئ من ذلك.
لان هذا مما لا يؤكل.
ألا ترى أنه لو وجد غالية أو بانا لم يكن له أن يستعمل هذا. لان هذا
مما لا يؤكل. وأما الزيت ونحوه فلا بأس بأن يأكله أو يستصبح به في السراج
فكذلك لا بأس بأن يدهن به.
1987 وذكر أن رجلا من المسلمين وجد يوم خيبر دراهم في
خربة، فأخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس. وبهذا نأخذ.
فإن واحدا من الغانمين إذا وجد في دار الحرب ركازا أو معدنا فهو
غنيمة، لأنه ما توصل إلى ذلك المكان واستخراج ذلك المال إلا بقوة المسلمين.
1988 فإن نهى الامام الجيش أن يأكلوا من البقر أو الغنم
أو غيرهما وأقسم عليهم أن لا يفعلوا ذلك حتى يقسم فعليهم طاعته،
ولا يحل لهم أن يتعرضوا لشئ منه.
لان الامام مجتهد، فيما يأخذ عليهم الميثاق (1) به، وبتنصيصه ينعدم
معنى الاستثناء في هذا المال من شركة الغنيمة، فيكون حكمه كحكم سائر
الغنائم.

(1) ه‍ " من الميثاق ".
1022

1989 إلا أنه ينبغي للامام أن ينظر لهم. فإذا عرف حاجتهم
إلى ذلك أخذ منه الخمس وقسم ما بقى، ليتناول كل واحد منهم من
نصيبه. فإن الحاجة إلى ذلك قد تحققت، وعند الضرورة تجوز القسمة
في دار الحرب.
والله أعلم.
1023

107.
باب قتل الأسارى والمن عليهم
1990 قال: الامام بالخيار في الرجال من أسارى المشركين بين
أن يقتلهم وبين أن يخمسهم ويقسم بين من أصابهم. وكان الحسن
رضي الله عنه يكره قتل الأسير إلا في الحرب ليهيب به العدو. وحماد
ابن أبي سليمان رحمه الله كان يكره قتل الأسير بعد ما وضعت الحرب
أوزارها (1).
وجه قولهما إن إباحة القتل لدفع محاربتهم. قال الله تعالى (فإن قاتلوكم
فاقتلوهم) (2) وقد اندفع ذلك بالقتل وانقضاء الحرب. فليس في القتل
بعد ذلك إلا إبطال حق المسلمين بعد ما ثبت في رقابهم حق وذلك لا يجوز.
واستدلوا على ذلك بما روى أن عبد الله بن عامر بعث إلى ابن عمر
رضي الله عنهما بأسير ليقتله فقال: أما والله مصرورا (3) فلا أقتله.
يعنى: بعد ما شددتموه وأسرتموه فلا أقتله.

(1) في هامش ق " وقوله حتى تضع الحرب أوزارها أي حملها. فالوزر هو الحمل. وإنما
جعل الاثم وزرا لأنه حمل على صاحبه. وإنما يريد هنا حتى تضع الحرب ما يحملونه عليهم من السلاح
ويمتنعون عن القتال. قال قائلهم:
وأعددت للحرب أوزارها * * * رماحا طوالا وخيلا ذكورا
ففسر قوله أوزارها بكلامه الأخير. حصيري ".
(2) سورة البقرة 2، الآية 191.
(3) في هامش ق " أي موثوقا مربوطا. حصيري ".
1024

وقال الله تعالى (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، حتى إذا
أثخنتموهم، الآية) (1) وإنما أمرنا بالقتال إلى غاية الأسر، ثم جعل الحكم بعد
ذلك المن أو الفداء.
ودليلنا على جواز القتل بعد الأسر قصة بنى قريضة. فقد قتلهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأسر، وبعد ما وضعت الحرب
أوزارها. وقتل رسول الله (ص 340) صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي
معيط والنضر بن الحارث بالأثيل (2) وكان من أسارى بدر. وقتل عمر
ين الخطاب رضي الله عنه معبد بن وهب وقد كان أسره أبو بردة بن
نيار (3) يوم بدر فسمعه يقول: يا عمر أتحسبون أنكم غلبتم، كلا واللات
والعزى. فقال: أتقول هذا وأنت أسير في أيدينا. ثم أخذه من
أبى بردة وضرب عنقه.
ولان الامن عن القتل إنما يثبت بالأمان أو بالايمان، وبالأسر لا يثبت
شئ من ذلك، فبقى مباح الدم على ما كان قبل الأسر. وهو بالأسر لم يخرج
من أن يكون محاربا، ولكنه عجز عن المحاربة لكونه مقهورا في أيدينا مع
قيام السبب الذي يحمله على ذلك وهو المخالفة في الدين.
فيجوز قتله كالمرتد المقهور في أيدينا، وقوله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء (4)) فمنسوخ.

(1) سورة محمد 47، الآية 4.
(2) في هامش ق " الأثل شجر يشبه الطرفاء، وبتصغيره سمى الموضع الذي قتل فيه
النضر صبرا. مغرب ".
(3) في هامش ق " أبى الدينار. نسخة " وهو خطأ.
(4) سورة محمد 47، الآية 4.
1025

هكذا نقل عن السدى أنه نسخة قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) (1).
1991 وتأويل حديث ابن عمر أنه كره قتله مشدود اليدين، لا أن يقال تحرز عن قتله بعد ما أسر. ونحن هكذا نقول: الأولى أن
لا يقتل مشدود اليدين إذا كان لا يخاف أن يهرب أو يقتل بعض
المسلمين، ثم يستوي في ذلك ما بعد الاحراز بدار الاسلام وما قبله.
لانعدام السبب الموجب لحرمة دمائهم.
فإن الحق لا يتأكد للمسلمين في الأسارى بعد الاحراز بالدار.
ألا ترى أن للامام أن يجعلهم أحرار الأصل بأن يمن عليهم برقابهم
وأراضيهم ويضع الجزية عليهم والخراج على أراضيهم، كما فعل عمر رضي الله عنه
بالسواد.
1992 وإذا لم يتأكد الحق فيهم كان الحكم فيه بعد الاحراز
كالحكم قبله، والامام ناظر للمسلمين، فإن رأى الصواب في قسمتهم
قسمهم، وإن رأى الصواب في قتلهم قتلهم.
لدفع فتنتهم.
قال الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) (2). ومن أسلم منهم
حرم قتله لقوله تعالى: (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين). وقد

(1) سورة التوبة 9 الآية 5.
(2) سورة البقرة 2 الآية 193.
1026

خرج بالاسلام من أن يكون ظالما، وقال عليه السلام: فإذا قالوها فقد
عصموا منى دمائهم وأموالهم. ولكنه يقسم بين المسلمين.
لان الاسلام يؤمنه من القتل، ولكن لا يبطل الحق الثابت فيه للمسلمين.
وقد كان الامام مخيرا بين القتل والقسمة فإذا تعذر أحدهما بالاسلام وتعين الآخر.
1993 وأيما مسلم قتل أسيرا قبل أن يسلم أو يباع أو يقسم
فلا شئ عليه.
لأنه أراق دما مباحا فهو كمن قتل مرتدا أو مقضيا عليه بالرجم.
ولكن يكره له ذلك.
لأنه إن كان الأسير غيره فهو بالقتل يفوت عليه يده فيه، وذلك ممنوع.
بحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لا يتعاطى أحدكم أسير صاحبه إذا أخذه قبله فيقتله. ولكن مع هذا
لا شئ عليه.
لأنه أزال يده عما ليس بمال متقوم لحقه. فهو كمن أراق خمرا على مسلم
وهو يمسكه للتخليل.
1994 وإن كان هو الذي أسره فهو في القتل يفتات (1) على
رأى الامام، ويبطل الخيار الثابت له. وذلك مكروه، وقال عليه السلام:
ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه.

(1) في حاشية ه‍ " الافتيات الاستبداد بالرأي. مغرب ".
1027

1995 إلا أن يعالجه الأسير ويقصد الانفلات من يده حتى
يعجزه عن أن يأتي به الامام، فحينئذ لا بأس بأن يقتله، قد فعل ذلك
غير واحد من الصحابة.
1996 وإن أسلم في يده فهو آمن من القتل. هكذا قال عمر
رضي الله عنه: إذا أسلم الأسير في أيدي المسلمين (1) فقد أمن من القتل
وهو رقيق.
1997 فإن قسم الامام الأسارى أو باعهم حرمت دماؤهم.
(ص 341).
لأنه آمنهم بما صنع، فإنه ملكهم من الذين وقعوا في سهامهم، والملك
يكون محترما بحرمة المالك.
1998 فمن قتلهم بعد ذلك خطا فعليه قيمة من قتل.
والكفارة، كما هو الحكم في قتل غيرهم من عبيد المسلمين، بخلاف
ما قبل القسمة والبيع.
فهناك الملك لم يثبت لمن في يده الأسير، فإذا قتله غيره لا يلزمه شئ،
وإن كره ذلك لحرمة يد المسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر:
لا تخبروا سعدا بقتل أخيه فيقتل كل أسير في أيديكم.
1999 وذكر عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: ردت الغنائم

(1) ق " المؤمنين " وفى هامشها " المسلمين. نسخة ".
1028

في المغنم يوم بدر، وأقرت الأسارى في أيدي من أسرهم، والأسلاب
في أيدي من قتلهم.
وإنما فعل ذلك لان التنفيل كان قد سبق من النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله: " من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أسر أسيرا فهو له " فأما إذا لم يسبق
التنفيل من الأمير بذلك فكل ذلك مردود في المغنم (1).
2000 وإن رأى الامام قتل الأسارى فينبغي له أن لا يعذبهم
بالعطش والجوع ولكنه يقتلهم قتلا كريما.
يعنى لا ينبغي أن يمثل بهم. فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن المثلة ولو بالكلب العقور (2).
وقال عليه السلام في بني قريظة بعد ما احترق النهار في يوم
صائف " لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح. قيلوهم حتى
يبردوا (3) ". فقتلوهم حتى أبردوا، ثم راحوا ببقيتهم فقتلوهم. وقد كان
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأحمال التمر فنثرت بين أيديهم،
فكانوا يكدمونها كدم الحمر (4).

(1) في هامش ق " الغنيمة. نسخة ".
(2) في هامش ق " وحسن القتلة أن لا يضر بهم ولكنه يذبحهم كما يذبح البهيمة. حصيري "
(3) في هامش ق " أي يدخلوا في وقت البرد، كما يقال حتى يصبح وحتى يمسي أي يدخل
وقت الصباح والمساء. حصيري ".
(4) في حاشية ه‍ " الكدم العض بمقدم الأسنان كما يكدم الحمار. المغرب ".
1029

2001 - قال: وليس ينبغي للامام أن يمن على القتيل فيتركه
ولا يقتله ولا يقسمه.
لأنه لو أراد إبطال حق المسلمين عنه بأن يختص به أحدهم لم يكن له
ذلك. فإذا أراد إبطال حق جميع المسلمين بالمن عليه أولى أن يكون ممنوعا منه.
وهذا لان في المن عليه تمكينه من أن يعود حربا للمسلمين بعد الظهور
عليه وذلك لا يحل.
2002 - وقد بينا أن حكم المن الثابت بقوله تعالى: (فأما منا بعد وإما فداء). قد انتسخ بقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين). والذي روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم من على أبى عزة الجمحي يوم بدر. فقد كان
ذلك قبل انتساخ حكم المن.
ألا ترى أنه لما وقع أسيرا يوم أحد وطلب من رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يمن عليه أبى وقال: لا تحدث العرب بأني خدعت محمدا مرتين.
ثم أمر به فقتل.
وذكر محمد رحمه الله للحديث تأويلا آخر وهو:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقاتل عبدة الأوثان من العرب.
وأولئك ما كان يجرى عليهم حكم السبي، وإنما من على بعض الاسراء
لأنه ليس فيه إبطال حق ثابت للمسلمين في رقابهم. ونحن نقول به في
مثلهم من المرتدين وعبدة الأوثان من العرب الذين لا يقبل منهم إلا
السيف أو الاسلام، فإنهم إن أسلموا كانوا أحرارا، وإن أبوا قتلوا.
1030

2003 وإن رأى الامام النظر للمسلمين في المن عليهم على بعض
الأسارى فلا بأس بذلك أيضا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من
على ثمامة بن أثال الحنفي حين أسره المسلمون وربطوه بسارية من
سوار المسجد. فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما وراءك
يا ثمامة؟ فقال: إن عاقبت عاقبت ذا ذنب، وإن مننت مننت على
شاكر، وإن أردت المال فعندي من المال ما شئت فمن عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص 342) بشرط أن يقع الميرة عن
أهل مكة. ففعل ذلك حتى قحطوا.
والدليل عليه أن له أن يمن على الرقاب تبعا للأراضي، لان فيه منفعة
للمسلمين من حيث الجزية والخراج. فعرفنا أنه يجوز ذلك عند المنفعة للمسلمين.
وذكر
عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة حنين فنزلنا منزلا للمقيل، ثم دعاني رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فجئته وعنده رجل جالس. فقال عليه السلام: إن هذا جاء
وأنا نائم، فسل سيفي ثم قال: يا محمد: من يمنعك (1) اليوم؟ فقلت:
الله. ثم قال: يا محمد! من يمنعك منى اليوم؟ فقلت: الله. ثم شام (2)

(1) ب " عنى ".
(2) ه‍ " سل " وقد انفردت بهذه الرواية. وفى هامش ق: يقال: شمت السيف إذا
سللته. ويقال: شمته أي أغمدته. وهو من حروف الأضداد. ولكن المراد في الخبر أنه غمد،
لأنه قال في أوله: فسل سيفي.. حصيري "
1031

السيف. وها هو جالس. فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا
ولا عاقبة.
وتأويل ذلك أنه حين سقط السيف من يده وتبين له الحق أسلم. فلهذا
فلهذا لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إنما تمكن منه النبي صلى الله عليه
وسلم بتأييد إلهي لا بقوة المسلمين. فرأى أن يمن عليه رجاء أن يسلم.
2004 - وإذا قال الأمير: من أخذ أسيرا فهو له. فوجد الأسير
في يد رجلين كل واحد منهما يدعيه، فهو بينهما نصفان.
لاستوائهما في سبب الاستحقاق.
إلا أن يكون عقره أحدهما بعينه، وأخذه الآخر، فإنه إن كان
عقر عقرا لا يقدر معه على البراح فهو للذي عقره.
لأنه صار مأخوذا بفعله.
وإن كان يقدر معه على الفرار فهو للذي أخذه.
لأنه لم يصر مأخوذا بفعل الأول.
ونظيره الصيد إذا رماه إنسان فأثخنه ثم أخذه آخر.
وروى حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رميت يوم
بدر سهيل بن عمرو، فانقطع نساه (1) ثم اتبعت أثر الدم حتى وجدته
في يد مالك بن الدخشم وقد جز ناصيته، فاختصمنا فيه إلى رسول الله

(1) ه‍ " فساءه " خطأ، وفى هامش ق " النساء مقصور مثل العصا. وهو عرق الفخذ ".
1032

صلى الله عليه وسلم، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منا.
وإنما أخذه منهما لما بينا أن غنائم بدر كانت مخالفة لسائر الغنائم من
حيث إن الامر فيها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطى من شاء ويحرم
من شاء.
وذكر عن يحيى بن أبي كثير:
2005 - قال: قلت للحسن البصري: أرأيت رجلا من المسلمين
اشترى أسيرا من المسلمين أيصلح له أن يربح فيه؟ قال: لا.
وبه نأخذ. فإن المسلم وإن وقع أسيرا فهو حر على حاله، ومن
اشتراه من العدو لا يملكه، فكيف يربح عليه؟ ولكن إن اشتراه
بغير أمره فهو متطوع فيما أدى من فدائه، فعليه أن يخلى سبيله. وإن
اشتراه بأمره فإنه يرجع عليه بالثمن الذي اشتراه به. وهذا استحسان.
وفى القياس لا يرجع عليه إلا أن يشترط ذلك نصا.
لان مجرد الامر متنوع (1)، قد يكون لطلب الاحسان والاخذ بمكارم
الأخلاق، وقد يكون للاستقراض، ولكنه عين جهة الاستقراض للعادة
الظاهرة فيه، بمنزلة من أمر غيره أن ينفق على عياله من مال نفسه. ثم يصير
هذا رواية في فصل اختلف فيه وهو فيه المشايخ، وهو أن السلطان إذا صادر رجلا
فأمر ذلك الرجل غيره أن يؤدى المال فقد قال هناك بعض مشايخنا: لا يثبت
له حق الرجوع إلا بالشرط، لان المال ما كان واجبا على الآمر، وإنما كان
مظلوما فيه، ومن دفع ظلما عن غيره بسؤاله لم يرجع عليه بشئ، ولكن

(1) في هامش ق " متبوع نسخة ".
1033

الأصح أن يرجع عليه، فإن أهل الحرب ظالمون في حبس الأسير أيضا.
ومن اشتراه منهم فقد دفع ظلمهم عنه، ومع ذلك يثبت له حق الرجوع عليه
إذا كان بأمره.
وذكر عن بشر بن غالب:
2006 - قال: سئل الحسين بن علي رضي الله عنهما: متى يجب
السهم (ص 343) للمولود؟ قال: إذا استهل.
يريد به نصيبه من الميراث. فإنه إنما يستحق ذلك إذا انفصل حيا،
وإنما يعلم ذلك بالاستهلال.
2007 - وسئل عن فكاك الأسير فقال: على الأرض التي
يقاتل عنها.
يعنى من خراج تلك الأرض، لأنه قبل الأسر كان يذب عن أهل
تلك الأرض، فهم أولى بفكاكه، ليكون الغرم بمقابلة الغنم، وإنما يفك
من الخراج لأنه معد لنوائب المسلمين وسد خلة المحتاجين منه. وهذا من
جملة ذلك.
2008 - وسئل عن الشرب قائما، فحلب ناقة ثم شرب قائما.
وإنما قصد البيان بفعله أنه لا بأس بذلك. وقد اقتدى فيه بأبيه على
رضي الله عنه، فإنه حين بلغه عن قوم أنهم يكرهون الشرب قائما توضأ
في رحبة المسجد بالكوفة ثم أخذ الاناء وشرب فضلة فيها قائما. وكان قصده من ذلك رد قولهم في كراهة شرب الماء قائما.
2009 - وذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى بأسير
1034

يوم صفين، فقال: لا تقتلني. قال لا أقتلك صبرا، إني أخاف الله رب
العالمين. وجعل سلاحه للذي جاء به.
وإنما جعل ذلك ليتقوى به على العدو، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها
رده على صاحبه إن كان حيا، وعلى ورثته إن كان ميتا. وهو أيضا تأويل
ما نقل عن الشعبي رضي الله عنه لم يغنم من أموال أهل
الجمل إلا الكراع والسلاح (1). أي دفع ذلك إلى أصحابه ليتقووا به على عدوهم
من غير أن يملكهم ذلك، فإن مال المسلم لا يصير غنيمة للمسلمين حال.
ألا ترى أنه لم يخمس شيئا من ذلك وأنهم لما طالبوه القسمة بينهم
قال: فمن يأخذ منكم عائشة؟ وإنما قال ذلك على وجه الانكار عليهم. فعرفنا
أنه إنما دفع السلاح إلى من دفع لحاجته، حتى يقاتل به ثم يرده على صاحبه
بعد ما وضعت الحرب أوزارها.
2010 - وإذا وقع الظهور على قوم من مشركي العرب فقد بينا
أنه لا يقبل من رجالهم إلا السيف أو الاسلام. فأما نساؤهم وصبيانهم
فهم فئ لا يجبرون على الاسلام لقوله عليه السلام: اقتلوا شيوخ
المشركين واستحييوا شرخهم.
والمراد بالاستحياء الاسترقاق قال الله تعالى (ويستحيون نساءكم) (2)
والمراد بالشرخ النساء والصبيان.
ثم قد بينا أن حالهم كحال المرتدين، والنساء والذراري من المرتدين
بعدما صاروا أهل حرب يسترقون، بخلاف الرجال إلا أن أولئك يجبرون

(1) في هامش ق " وبهذا الحديث أخذ بعض الروافض بغنم أموال الخوارج. قال محمد
رحمه الله: ولو عده على غنيمة يخمسه كما يخمس الغنيمة ويغنم غير ذلك من الأموال. حصيري ".
(2) سورة البقرة 2 آية 49.
1035

على الاسلام، لان حكم الاسلام قد لزمهم. فأما عبدة الأوثان من العرب
فلم يسبق منهم الاقرار بالاسلام، فلهذا لا يجبر على الاسلام من استرق
من ذراريهم.
2011 ثم كل من يجوز استرقاقه من الرجال يجوز أخذ الجزية
منه بعقد الذمة، كأهل الكتاب وعبدة الأوثان من العجم.
ومن لا يجوز استرقاقه لا يجوز أخذ الجزية منه كالمرتدين وعبدة
الأوثان من العرب.
لان في كل واحد منهما إبقاء الكافر بمنفعة تحصل للمسلمين من حيث
المال.
والأصل فيه حديثان:
أحدهما: حديث الزهري قال: لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل من أحد من أهل الأوثان من العرب الجزية إلا الاسلام
أو القتل.
والثاني حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال يوم حنين: لو ثبت على أحد من العرب ولاء أو رق لثبت
اليوم، ولكن إنما هو القتل أو الفداء.
وقد بينا أن حكم الفداء قد انتسخ، فبقى القتل إلا أن يسلم.
1036

2012 وإذا وقع السبي في سهم رجل من المسلمين فأخرج مالا
كان معه لم يعلم به فينبغي للذي وقع في سهمه (ص 344) أن يرده
في الغنيمة.
لان الأمير إنما ملكه بالقسمة رقبة الأسير لا ما معه من المال، فإن
ذلك لم يكن معلوما له وهو مأمور بالعدل في القسمة. وإنما يتحقق العدل
إذا كانت القسمة لا تتناول إلا ما كان معلوما له.
2013 فإن تفرق الغانمون وذلك السبي مما لا يحتمل القسمة
لقلته فليتصدق به على المساكين.
لأنه عجز عن إيصاله إلى صاحبه، فيكون بمنزلة اللقطة في يده
يتصدق (1) به.
هكذا نقل عن مكحول:
أنه قال لمن ابتلى بذلك: ما أرى وجها من أن يتصدق به.
والذي روى أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أعطى ذلك من
وقع الأسير في يده.
فتأويله إنما أعطاه لأنه لم يعلم أن ذلك لم يكن معلوما للذي قسم الغنيمة
بين الغانمين. وإنما حسب أن الذي قسم أعطاه ذلك بنصيبه مع الأسير الذي
أعطاه إياه.

(1) في هامش ق: " ومن اشترى عبدا وله مال لم يملك المشترى ماله إلا بالشرط. وهذا
إذا اكتسب في ملك البائع المبايع له. حصيري ".
1037

2014 وذكر أن رجلا اشترى جارية من المغنم، فلما رأت
أنها قد خلصت له أخرجت حليا كان معها. فقال الرجل: ما أدرى
هذا. وأتى سعد بن أبي وقاص فأخبره. فقال: اجعله في غنائم المسلمين.
وانطلق آخر يغتسل، فأمر الماء التراب عن لبنة من ذهب،
فأتى سعدا فأخبره، فقال اجعلها في غنائم المسلمين. وبه نأخذ.
فإن المال الذي مع الأسير كان غنيمة، وبيع الأمير إنما تناول الرقبة
دون المال، فيبقى المال غنيمة.
2015 ومن وجد في دار الحرب كنزا وقد دخل مع الجيش،
فإن ذلك يكون غنيمة.
لأنه ما تمكن من ذلك المال إلا بقوة (1) المسلمين.
2016 وإذا وقعت الجارية من السبي في سهم رجل فقالت:
أنا جارية ذمية سباني أهل الحرب ثم أخذني المسلمون. ولا يعلم ذلك
إلا بقولها لم يقبل قولها.
لأنها صارت رقيقة حين سبيت من أرض العدو، فلا يقبل قولها
في إسقاط الرق عنها.
ولا بأس بأن يطأها مولاها بالملك ويبيعها حتى تقوم البينة
العادلة على ما قالت.

(1) ب " بقوة الجيش " وفى هامش ق " بقوة الجيش. نسخة.
1038

لان كل مسلم مأمور باتباع الظاهر، ما لم يتبين غير ذلك بالحجة.
وذكر عن الحسن رضي الله عنه.
أنه قال للسائل في هذه الحادثة: لا تقع عليها وبعها. فإنما كره
مواقعتها على طريق التنزه.
لا لأنه لم يرها حلالا له. ألا ترى أنه أمره ببيعها، ولو رآها حرة كما زعمت ما أمر ببيعها.
2017 - وإذا ظهر الامام على أرض من أرض المشركين فهو
بالخيار إن شاء خمسها وخمس أهلها وقسم أربعة أخماس ذلك بين من
أصابها، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بخيبر. وإن فعل
ذلك كانت الأراضي أرض عشر.
لان المسلم لا يبتدئ بتوظيف الخراج عليه، وإنما يوضع عليه العشر
لان فيه معنى الصدقة.
وإن شاء تركها وأهلها يؤدون منها الخراج، كما فعل عمر
رضي الله عنه بأرض السواد وأرض الشام. وما خالفه في ذلك إلا نفر
يسير ولم يحمدوا على خلافة حتى دعا عليهم فقال: اللهم اكفني بلالا
وأصحابه. فما حال الحول وفيهم عين تطرف.
يعنى ماتوا في الطاعون. وقد بينا تمام هذا في السير الصغير.
2018 - وذكر أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي
1039

وقاض: أما بعد، فقد بلغني كتابك يذكر أن الناس قد سألوا أن
تقسيم بينهم غنائمهم. فانظر ما أجلب الناس عليك من كراع أو سلاح
فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرض والأنهار لعمالها.
وبه نأخذ. وإنما أصيب قبل الفتح والظهور.
وقد تحقق انفصاله عن أهل الأرض وخروجه من أيديهم، فيجب
قسمة ذلك بين الغانمين.
ولا يبطل ذلك بفتح الأرض والمن على أهلها.
قال: وانظر أن لا توله والدة عن ولدها.
أي لا تفرق بين الصغير ووالدته. وبنحو هذا جاء الأثر عن النبي
صلى الله عليه وسلم (ص 345) حين رأى جارية والهة في الغنيمة فقال:
ما حالها؟ فقال: بيع ولدها. قال: لا توله والدة بولدها.
قال: ولا تمس امرأة حتى يطيب رحمها.
أي حتى يستبريها. وهو نظير ما جاء في الأثر: ولا الحبالى حتى
يستبرئن بحيضة.
قال: ولا تتخذ أحدا من المشركين كاتبا على المسلمين، فإنهم
يأخذون الرشوة في دينهم، ولا رشوة في دين الله. وبه نأخذ (1).

(1) في هامش ق " وقد أخبر أنهم يأخذون الرشوة في دينهم كما قال الله تعالى: (
وأكلهم أموال الناس بالباطل) وهي الرشوة. قال الشيخ: إن عمر رضي الله عنه لم يزيف الكاتب الكافر
بكفره، وإنما زيفه بأخذ الرشوة، حتى إن الكاتب الكافر الذي لا يرتشي يكون خيرا من الكاتب
الذي يرتشي وإن كان مسلما. إليه يشير عمر رضي الله عنه. حصيري ".
1040

فإن الوالي ممنوع من أن يتخذ كاتبا من غير المسلمين لقوله تعالى:
(لا تتخذوا بطانة من دونكم) (1)
ثم قال: ولا عشر على مسلم ولا صاحب ذمة، إنما العشور
على أهل الحرب إذا استأذنوا أن يتجروا في أرضنا.
وفى هذا نظر، فقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله أن يأخذوا
من أهل الذمة نصف العشر. فإن صح هذا الحديث فالمراد أنه ليس على أهل
الذمة العشر الكامل في أموال التجارة إذا مروا به على العاشر، وإنما ذلك
على أهل الحرب خاصة. فأما أهل الذمة فعليهم نصف العشر.
2019 - وذكر عن مجاهد قال: أيما مدينة فتحت فأسلم أهلها قبل أن تقسم فهم أحرار.
وتأويل ذلك فيما إذا كانوا مرتدين أو عبدة الأوثان من العرب،
أو كان رأى الامام أن يدعهم في أرضهم يؤدون الخراج. فأما إذا رأى الامام
أن يقسمهم وأرضهم فهم عبيد، لما بينا أنهم أسلموا بعد تمام القهر، وذلك
يؤمنهم من القتل ولا يبطل حق المسلمين عن رقابهم.
والله أعلم بالصواب.

(1) سورة آل عمران 3، آية 118.
م - 14 السير الكبير
1041

108.
باب ما يحمل عليه الفئ وما يركبه الرجل من الدواب
وما يجوز فعله بالغنائم في دار الحرب من القسمة وغير ذلك
قال رضي الله عنه: 2020 - قد بينا أنه لا ينبغي للامام أن يقسم الغنائم في دار
الحرب ولا يبيعها، وإن كان لو فعل ذلك نفذ منه، إلا أن يحتاج
المسلمون إليها. فعند الحاجة تقسم الثياب والسلاح بينهم بعد
رفع الخمس.
لان ما يشبه القسمة يجوز له أن يفعله قبل الإصابة عند الحاجة، وهو
التنفيل، فالقسمة بعد الإصابة عند الحاجة أجوز. ولأنه إنما لا يقسم مراعاة
لحق المدد، كيلا تقل رغبتهم في اللحوق بالجيش، وعند الحاجة مراعاة
جانب الذين هم معهم أولى.
2021 - فأما الرقيق فلا تحقق الحاجة إلى قسمتهم في دار
الحرب فلا يتأكد الحق فيهم أيضا، حتى حل للامام قتلهم. فلا ينبغي
له أن يقسمهم قبل الاحراز بالدار.
2022 فإن لم يكن معه ظهر يحمل عليه الغنائم نظر: فإن كانت
في الغنائم دواب فليحمل عليها الغنائم، وإن لم يكن وكان مع عامة
الجيش فضل حمولة حمل الغنائم عليها.
1042

لان الغنائم حقهم والدواب كذلك لهم، ففي الحمل عليها مرعاة النظر
لهم، فلا يمنع ذلك لأجل الخمس. فإنه تبع لحق الغانمين، على معنى أنه
يستحق بإصابتهم. وثبوت الحكم في البيع كثبوته في الأصل.
وإن كانت فضل الحمولة مع خواص منهم فإن طابت أنفسهم بأن
تحمل الغنائم عليها فعل، وإن أبوا لم يكرههم على ذلك.
لان الدواب للخاص منهم، والغنيمة لعامتهم، فاعتبار جانب
غير صاحب الدابة يمنعه من حملها على دابته بغير رضاه، وليس حق البعض
تبع لحق البعض.
ألا ترى أنه لو أراد أن يحمل بعضهم على دواب البعض لم يكن له ذلك
بغير رضاهم، فكذلك حكم حمل الغنائم.
2023 ثم إذا أبوا فينبغي أن يقسم ذلك بينهم، حتى يتولى
كل واحد منهم حمل نصيبه بالطريق الذي يمكنه.
لان الحاجة قد تحققت إذ لو لم يقسم في هذه الحالة احتاج إلى تركها
وفيه إبطال حقهم عنها أصلا.
2024 وإن كان بحضرته تجار يشترون ذلك فلا بأس بأن
يبيعها منهم.
لأنه لما جاز له القسمة في هذه الحالة (ص 346) جاز البيع، فإن
كل واحد منهما له تصرف يبتنى على تأكد الحق.
ثم بعد البيع يقسم الثمن بين الغانمين، ولا يؤخر ذلك إلى الخروج
من دار الحرب.

(1) ه‍ " الخواص ".
1043

لان بنفوذ البيع يتأكد حق الغانمين وتنقطع شركة المدد معهم في الثمن،
فلا معنى لتأخر القسمة بعد ذلك. كما بعد الاحراز بدار الاسلام.
2025 وإن رأى الامام أن يستأجر الحمولة من أصحابها تاجر
معلوم فذلك صحيح، ويكون الاجر من الغنائم يبدأ به قبل الخمس.
لان في هذا الاستئجار منفعة للغانمين، فهو كالاستئجار لسوق الغنم
والرماك.
وحق أصحاب الحمولة في ذلك لا يمنع من صحة الاستئجار.
لأنه لا ملك لهم فيها قبل الاحراز والقسمة، وشركة الملك هو الذي
يمنع من صحة الاستئجار لا شركة الحق كما في مال بيت المال.
ويستوي في ذلك إن رضى به أصحاب الحمولة أو أبوا إذا كان
بهم غنى عن تلك الحمولة.
لانهم بهذا الاباء قصدوا التعنت. فإن في هذا الاستئجار منفعة لهم،
من حيث أنه يحصل لهم الاجرة بمقابلة منفعة لا تبقى لهم بدون هذا الاستئجار،
وفيه منفعة للغانمين أيضا. فكانوا متعنتين في الاباء والقاضي لا يلتفت
إلى إباء المتعنت. ولان ابتداء الاستئجار وبقاء الإجارة عند تحقق الحاجة
صحيح من غير الأمير، فمن الأمير أولى.
وبيانه في استئجار السفينة مدة معلومة، إذا انتهت المدة أو مات صاحب
السفينة والسفينة في لجة البحر. وكذلك استئجار الأوعية لحمل المائع فيها
مدة معلومة إذا انتهت المدة وهم في المفازة. وكذلك إذا استأجر دابة لحمل
أمتعة من موضع إلى موضع مدة معلومة فانتهت المدة وهم في المفازة، أو مات
صاحب الدابة، فإنه يبتدأ في العقد بعد انتهاء المدة، ويبقى بعد الموت (1)

(1) قوله " بعد الموت " ساقط من ق.
1044

في هذه المواضع بأجر المثل، وبالمسمى في حالة البقاء. وكان ذلك لأجل الحاجة.
فكذلك في الغنائم إذا تحققت الحاجة إلى حملها.
2026 إلا أن يكون الامام يقدر على حمل الغنيمة بغير إجبار
منه لأصحاب فضل الحمولة، فحينئذ لا يتعرض لحمولتهم.
لان لحاجة لم تتحقق. وقال عليه السلام: " لا يحل مال امرئ مسلم
إلا بطيب نفس منه ".
2027 وإن كانت الغنيمة سبيا يقدر على أن يمشيهم فعل ذلك،
ولم يجبر أصحاب الحمولة.
لأنه ليس في هذا أكثر من أن السبي يلحقهم تعب في المشي، ولأجل
ذلك لا يجوز له إجبار أصحاب الحمولة على ما لا تطيب به نفوسهم.
2028 وإن لم يقدر على ذلك ولم يكن مع أحد فضل حمولة
فإنه ينبغي له أن يحرق بالنار ما يحترق من غير الحيوان، وما لا يحترق
كالحديد يدفنه (1) في موضع لا يطلع عليه أهل الحرب. ومن كان
من رجال السبي يضرب أعناقهم، وما كان من النساء والصبيان خلى
سبيلهم في موضع يعلم أنهم يضيعون فيه. وما كان من حيوان ذبحه ذبحا
ثم أحرقه بالنار. ولا ينبغي له أن يحرق شيئا من ذلك وفيه الروح.
لان ذلك مثلة، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يعذب بالنار
إلا ربها ". والحاصل أنه بعد ما وقع في يده شئ فالواجب عليه شيئان:

(1) في هامش ق " وذكر في موضع آخر: يكسر الحديد ثم يدفن، حتى إن وجدوه
لا ينتفعون به. حصيري ".
1045

أحدهما: قطع منفعة المشركين عن ذلك أصلا.
والآخر: إيصال المنفعة للمسلمين. فإن قدر عليهما فليأت بهما، وإن عجز عن أحدهما فليأت بالآخر. وها هنا قد عجز عن أحدهما وهو قادر
على الآخر، وهو قطع منفعتهم عنها لكيلا يتقووا بها على المسلمين بحال.
ولأنه مأمور بأن يفعل ما فيه الكبت والغيظ للعدو. وفى جميع ما قلنا
تحقيق معنى الغيظ والكبت لهم. ثم لا يكون هو متلفا للصبيان وللنساء بتركهم
في مضيعة، ولكن يكون ممتنعا (ص 347) من الاحسان إليهم بالنقل إلى
العمران. وترك الاحسان لا يكون إساءة.
ألا ترى أن من مر بامرأة أو صبي في مفازة وهو يقدر على نقله إلى
العمران فلم يفعل لم يكن ضامنا شيئا من بدله، وكذلك يصنع (1) بما قام
على المسلمين من دوابهم وبما ثقل عليهم من متاعهم.
2029 - وإذا اشترى الرجل دابة في دار الاسلام وغزا عليها،
فوجد بها عيبا في دار الحرب، فإن كان البائع معه في العسكر خاصمه
حتى يردها عليه.
لأنه صار مظلوما من جهته بتدليس العيب، فله أن ينتصف منه.
وإن لم يكن حاضرا فإنه ينبغي له أن لا يركبها، ولكن يسوقها
معه حتى يخرجها فيردها.
لان الركوب بعد العلم بالعيب يكون رضى منه بها، فليتحرز من ذلك
2030 - إلا أن يركبها ليسقيها أو ليسوقها إلى معلفها، أو حمل
عليها علفها، فإن هذا لا يكون رضى منه بالعيب.

(1) ه‍ " يضيع " خطأ.
1046

لأنه لا يتمكن من ردها إلا بأن يسقيها ويعلفها، فربما لا تنقاد له في ذلك
ما لم يركبها، فلا يكون ذلك دليل الرضى منه. وأما الركوب لحاجة نفسه
أو لحمل أمتعه عليها فدليل الرضا منه، من حيث إنه انتفاع بملكه، فيكون
ذلك آية رضاه بتقرر ملكه.
2031 - ويستوي في ذلك إن لم يجد دابة أخرى أو وجدها.
لان العذر الذي له غير معتبر فيما يرجع إلى حق البائع، والركوب
لحاجته دليل الرضا، فيكون بمنزلة التصريح بالرضا.
2032 - فإن أتى الامام وأخبره خبرها فقال له الامام: اركبها
فركبها بأمره، لم يستطع ردها أيضا.
لأنه هو الذي التمس ذلك من الامام، وقد كان متمكنا منه قبل أمره،
فلا يتغير الحكم باعتباره أمره بعد أن يركبها طائعا.
2033 - فإن أكرهه الامام على ذلك حين خاف الهلاك عليه،
فإن نقصها ركوبه فكذلك الجواب بمنزلة ما لو تعيبت في يده بآفة
سماوية وإن لم ينقصها ركوبه فله أن يردها بالعيب.
لان عند الاكراه (1) ينعدم الفعل من المكره، ويصير آلة له، إن كان
الاكراه بالقتل. وإن كان بالحبس والقيد ينعدم به الرضا. وإنما كان لا يستطيع
ردها بعد الركوب لوجود دليل الرضا. فإذا انعدم ذلك في الركوب مكرها
يتمكن من ردها.

(1) ق " بالاكراه ". وفى هامشها " عند الاكراه. نسخة ".
1047

2034 - وإن لم يكرهه ولكن قال: اركبها وأنت على
ردك لها (1). فركبها، لزمته. وكان هذا القول من الأمير باطلا.
لأنه فتوى بخلاف حكم الشريعة، وليس بقضاء من جهته.
لان القضاء مستدع مقضيا له ومقضيا عليه.
2035 - فإذا رفعها إلى قاض بعد ذلك فردها بالعيب على طريق
الاجتهاد لما قال له الأمير ذلك، ثم رفعت إلى قاض آخر يرى ما صنع
الأول خطأ فإنه يمضى قضاء الأول ولا يرده.
لان القضاء الأول حصل في موضع الاجتهاد. فإن ظاهر النصوص
الموجبة لطاعة الأمير تخرج ركوبه من أن يكون رضا بالعيب.
2036 - وكذلك التنصيص من الأمير بقوله: وأنت على
ردك. يسقط اعتبار دليل الرضا بالعيب منه عند الركوب.
لان الدليل إنما يعتبر إذا لم يوجد التنصيص بخلافه.
2037 - ثم إذا تعذر ردها فإن كان ذلك لوجود دليل الرضا منه
لم يرجع بحصة العيب من الثمن، وإن كان لنقصان دخلها، بأن كان
ركبها مكرها فإنه يرجع بحصة العيب من الثمن، إلا أن يرضى
البائع بالرد عليه.
وهذا لان دليل الرضا كصريحه (2)، ولو أكره على الرضا بالعيب
صريحا لم يسقط به حقه بالرد. فكذلك إذا أكره على ما يكون دليل الرضا.

(1) ق " وأنت على رد ذلك " (2) ق " كتصريحه ".
1048

فإذا انعدم الرضا بقى اعتبار النقصان، فكان ذلك حصل بغير صنيع أحد،
وذلك يمكنه من الرجوع (ص 348) بنقصان العيب، إلا أن يرضى البائع
بالرد عليه.
2038 وإذا أصاب المسلمون غنائم فكان فيها مصحف
لا يدرى أن المكتوب فيه توراة أو إنجيل أو زبور أو كفر، فليس
ينبغي للأمير أن يبيع ذلك من المشركين، مخافة أن يضلوا به فيكون
هو المسبب لفتنتهم وإصرارهم على الكفر، وذلك لا رخصة فيه،
وكذلك لا يبيع من مسلم.
لأنه لا يأمن أن يبيع ذلك منهم أيضا فيضلوا بسببه.
وكذلك لا يقسم بين الغانمين.
لأنه لا يأمن على من وقع في سهمه أن يبيعه من المشركين فيضلوا بسببه.
ولا ينبغي له أن يحرق بالنار ذلك أيضا.
لان من الجائز أن يكون فيه شئ من ذكر الله تعالى، ومما هو كلام
الله، وفى إحراقه بالنار من الاستخفاف ما لا يخفى.
والذي يروى أن عثمان رضي الله عنه فعل ذلك بالمصاحف المختلفة
حين أراد جمع الناس على مصحف واحد لا يكاد يصح. فالذي ظهر منه
من تعظيم الحرمة لكتاب الله تعالى والمداومة على تلاوته آناء الليل والنهار
دليل على أنه لا أصل لذلك الحديث.
1049

ولكنه ينظر في ذلك. فإن كان لورقه قيمة محى الكتاب
وجعل الورق في الغنيمة. وإن لم يكن لورقه قيمة فليغسل ورقه بالماء
حتى يذهب الكتاب ثم يحرقه بعد ذلك إن أحب.
لأنه لا كتاب فيه وربما يكون في إحراقه بعد غسله المكتوب فيه
معنى الغيظ لهم، وهم المشركون، فلا بأس بأن يفعله.
ولا ينبغي له أن يدفن شيئا من ذلك قبل محو الكتاب.
لأنه لا يأمن أن يطلبه المشركون فيستخرجونه، ويأخذون بما فيه
فيزيدهم ذلك ظلالا إلى ظلالهم.
وفى هذا التعليل إشارة إلى أنه إذا كان يأمن ذلك فلا بأس بأن يدفنه،
فيكون دليلا لقول من يقول من أصحابنا فيما إذا انقطع أوراق المصحف: إنه
لا بأس بدفنه في مكان طاهر. والغسل بالماء أحسن الوجوه فيه على ما ذكره.
وإن أراد شراؤه رجل ثقة من المسلمين يؤمن عليه أن لا يبيعه (1)
من المشركين فلا بأس بأن يبيعه منه الامام.
لأنه مال متقوم. ولهذا لو باعه جاز بيعه، إلا أن كراهة بيعه لخوف
الفتنة، وذلك ينعدم هاهنا. فهو نظير بيع العصير ممن يعلم أنه لا يتخذه خمرا.
قال مشايخنا: وكذلك الجواب فيما يجده المسلم من كتب الباطنة وأهل
الأهواء المضلة فإنه يمنع من بيع ذلك مخافة أن يقع في يد أهل الضلالة فيفتتنوا
به، وإنما يفعل به ما ذكرناه في هذا الموضع.

(1) ه‍ ق ب " أن يبيه ".
1050

2039 ولو وجدوا في الغنائم صليبا من ذهب أو فضة
أو تماثيل، أو دراهم، أو دنانير فيها التماثيل، فإنه ينبغي للامام أن
يكسر ذلك كله فيجعله تبرا.
لأنه لو قسمه أو باعه كذلك، ربما يبيعه من يقع في سهمه من بعض
المشركين بأن يزيدوا له من ثمنه رغبة منهم في لباسه، أو في أن يعيدوه.
فليتحرز عن ذلك بكسر الصليب والتماثيل.
والذي يروى أن معاوية بعث بها لتباع بأرض الهند. فقد استعظم ذلك
مسروق على ما ذكره محمد في كتاب الاكراه ثم قد بينا تأويل ذلك الحديث
في شرح المختصر.
فأما الدراهم والدنانير فلا بأس بقسمتها وبيعها قبل أن تكسر.
لان هذا مما يلبس، ولكنه يبتدل في المعاملات.
ألا ترى أن المسلمين يتبايعون بدراهم الأعاجم فيها التماثيل بالتيجان،
ولا يمنع أحد عن المعاملة بذلك. وإنما يكره هذا فيما يلبس أو يعبد من دون
الله من الصليب ونحوها.
2040 وحكم هذه الأشياء كحكم ما لو أصابوا برابط وغيرها
من المعارف. فهناك ينبغي له أن يكسرها ثم يبيعها أو يقسمها حطبا.
قال: إلا أن يبيعها قبل أن يكسرها ممن هو ثقة من المسلمين
لا يعلم أنه يرغب فيها للحطب لا للاستعمال على وجه لا يحل فحينئذ
لا بأس بذلك.
لأنه مال منتفع به، فيجوز بيعه للانتفاع به بطريق مباح شرعا.
1051

2041 وما وجدوا في الغنائم من كلب صيد أو فهد أو بازي
فلا بأس بقسمة ذلك بين المسلمين (1).
لأنه مال متقوم يجوز الانتفاع به بطريق مباح شرعا. ولهذا جوز
علماؤنا رحمهم الله ببيعه.
واستدل عليه بحديث إبراهيم (2) قال: رخص رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأهل البيت القاصي (3) في الكلب يتخذونه.
يعنى للحرس.
ثم شبه الكلب بالهرة. وبيع الهرة جائز.
لأنه منتفع به، وإن كان لا يحل أكله فالكلب المنتفع به مثله.
2042 ومن وجد من الغزاة في دار الحرب فهدا أو بازيا
أو صقرا غير مملوك لأحد فأخرجه إلى دار الاسلام فإنه يجعل ذلك
في الغنيمة.
لان هذا مال متقوم بعد إخراجه، وهو لم يتوصل إلى المكان الذي أخذ
ذلك فيه إلا بقوة المسلمين فعليه أن يجعل ذلك في الغنائم.
بمنزلة ما لو أخذه من بعض المشركين.
نظيره ما تقدم فيما إذا وجد كنزا أو معدنا في دار الحرب واستخرج
منه مالا.

(1) في هامش ق " بين الغانمين. نسخة ".
(2) في حاشية ه‍ " هو إبراهيم النخعي سيد فقهاء الكوفة، وشيخ شيخ الامام الأعظم ".
(3) في هامش ق " البيوت التي تكون بعيدة عن المصر. حصيري ".
1052

2043 وكذلك لو استخرج من البحر لؤلؤا أو عنبرا
في موضع من دار الحرب، فإنه يرد ذلك كله في الغنيمة.
لأنه ما توصل إلى ذلك إلا بقوة المسلمين.
2044 وكذلك إن أصاب سمكا في ذلك الموضع.
إلا أنه لا بأس بأن يتناول السمك ويطعم أصحابه، كما هو الحكم في
طعام الغنيمة.
2045 وكذلك لو اصطاد بكلب أو فهد أو بازي من الغنيمة،
فإن ما يصاد به يكون من جملة الغنيمة.
إلا أنه لا بأس بأن يتناوله كسائر الأطعمة.
2046 - وأهل الشام يفرقون بين ما يكون من ذلك مملوكا للعدو
يأخذه منهم، وبين ما لا يكون مملوكا. فيقولون فيما لا يكون مملوكا:
هو سالم له. لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: الصيد لمن أخذه.
ولان الغنيمة اسم لمال مصاب بطريق فيه إعلاء كلمة الله وإعزاز
الدين، وذلك فيما يتملك على المشركين بطريق القهر. أما ما يؤخذ من المال
المباح الذي هو تافه بين الناس فإنه لا يكون غنيمة. وبهذا الحرف يفرقون
بين هذه الأشياء وبين ما ليس بتافه كالذهب والفضة والعنبر واللؤلؤ.
ألا ترى أن ما يوجد في دار الاسلام مما يكون تافها كالصيد والحطب
والحشيش لا يجب فيه الخمس، وما لا يكون تافها كالذهب والفضة
المستخرجة من المعادن يجب فيها الخمس. وكذلك اللؤلؤ والعنبر على قولهم
بخلاف السمك.
1053

إلا انا نقول: ما أصيب في دار الحرب بقوة الجيش فإنه يكون
من جملة الغنيمة: وفى هذا يستوي ما كان مملوكا لهم وما لم يكن
مملوكا لهم.
لان دار الحرب موضع ولايتهم، وفى إصابة ذلك في موضع ولايتهم
معنى المغايظة لهم. فإذا حصلت تلك الإصابة بمنعة الجيش يكون حكمها
حكم الغنيمة.
ألا ترى أن الغزاة لو استخرجوا من بعض جبالهم الياقوت والزبرجد
فإنه يكون ذلك غنيمة، وإن كان المسلم لو وجد شيئا من ذلك في جبال أرض
الاسلام لم يكن فيه خمس، على ما قاله عليه السلام: " ليس في الحجر زكاة "
وهذا كله حجر، إلا أن بعض الأحجار أضوأ من بعض. فعرفنا أن ما يوجد
من ذلك في دار الحرب فيخرج بقوة الجيش لا يكون قياس ما يوجد في
دار الاسلام.
2047 - ولو أراد الغازي أن يصطاد بكلب أو فهد أو بازي
من الغنيمة فذلك مكروه له.
لأنه انتفاع بما هو من الغنيمة من غير حاجة، فهو بمنزلة ركوب الدابة
ولبس الثوب من الغنيمة.
فإن أرسله فذهب ولم يعد إليه فلا ضمان عليه فيه.
لان أكثر ما فيه أنه بالارسال مستهلك له، ومن استهلك شيئا من الغنائم
في دار الحرب لم يضمن.
ولكنه يؤدب على ذلك إن فعله بغير إذن الأمير.
فهذا مثله.
1054

2048 - ولو وجد (ص 350) في الغنائم فرس مكتوب عليه:
حبيس في سبيل الله تعالى. فإن كانوا إنما وجدوا ذلك في عسكر
المسلمين أو بالقرب منه بحيث يكون أغلب الرأي فيه أنه للمسلمين
فهو بمنزلة اللقطة، فالسبيل فيه. بمنزلة ما لو وجد ذلك
بدار الاسلام. ولا يكون حبيسا بما عليه من السمة. لان السمة ليست بحجة حكيمة. ألا ترى أنه لا يستحق بها الملك
ولا اليد.
وإن وجدوا ذلك في موضع هو في يد أهل الحرب مما يكون
غالب الرأي فيه أنه للمشركين فإن هذا غنيمة كسائر الغنائم.
لان بهذه السمة لا يثبت استحقاق شئ في الحكم. فوجودها كعدمها،
فيحتمل أن يكون المشركون فعلوا ذلك ليلبسوا على المسلمين إذا خرج
بعضهم إلى المعسكر عينا يتجسس أخبار المسلمين، والمحتمل لا يكون حجة.
والدليل عليه أن مثل هذا الفرس لو كان في يد مسلم يبيعه لم يمنع من
بيعه، باعتبار هذه السمة، فبهذا يتبين أن السمة لا تكون حجة في الاحكام.
ولكن لو شهد قوم من المسلمين أنه من الخيل الحبس (1)، وقد
حضر صاحبه الذي كان في يده، فإن الامام يرده إليه قبل القسمة،
وبعد القسمة، بغير شئ.

(1) ه‍، ب والأصل " الحبيس " وكلها خطأ. والصواب ما في ق، وهو ما أثبتناه.
وفى هامش ق " الحبس بضمتين جمع حبيس. وهو كل ما وقفته لوجه الله تعالى حيوانا كان أو أرضا
أو دارا. مغرب ".
1055

لان على قول من يجيز الوقف الفرس الحبيس، كالواقف في الحكم، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يمتلكه المشركون بالاحراز ولا المسلمون
بالأخذ منهم، فيجب رده على القيم الذي كان في يده، وتعويض (1) من
وقع في سهمه قيمته من بيت المال، ورد الثمن على المشترى إن كان باعه
الامام. ويكون الحكم فيه كالحكم في المدبر يأسره المشركون ثم يصيبه المسلمون.
فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فالحكم في هذا كالحكم في غيره
من أفراس المسلمين يحرزها المشركون.
لان عنده هذا محل للتمليك (2) بالإرث والبيع، فيكون محل التمليك (2)
بالاغتنام أيضا.
2049 وإذا قسم الامام الغنائم في دار الاسلام وعزل الخمس،
ثم أغار العدو على ما عزله للخمس فأحرزوه، ثم ظهر عليه المسلمون،
فإن عرف ذلك قبل القسمة رد في الخمس كما كان.
لان حق أرباب الخمس تأكد في الخمس، كما أن حق الغانمين قد
تأكد في الأربعة أخماس.
وإن كان لم يعرف ذلك حتى قسم بين الغانمين فهو سالم لهم.
لان الامام لو أخذه لأرباب الخمس ثم علم أنه من الخمس فإن كان
باعه بقسمته أو أكثر فهو سالم للمشترى.

(1) ه‍ " ويعوض ". (2) ق، ب " التمليك ".
1056

لأنه لو أخذه من يده أخذه بالثمن، ولا فائدة لأرباب الخمس.
وإن كان باعه بأقل من قيمته فله أن يأخذه بالثمن.
لان الاخذ هاهنا مفيد لأرباب الخمس، فإنه يعطى الثمن من الخمس
ويجعل ما بقى مقسوما بينهم.
2051 وما وجد المسلمون من متاع على ساحل البحر أو وجدوا
سفينة قد ضربتها الريح فرمت بها على الساحل، وفيها أمتعة، فإن
كان ذلك الموضع الذي وجد فيه من أرض الحرب فهو فئ يخمس،
سواء كان ذلك المتاع مما يتخذه المسلمون أو المشركون.
لانهم إنما توصلوا إلى ذلك الموضع بقوة الجيش، فيكون المصاب
غنيمة، وبأن كان ذلك من متاع المسلمين لا يخرج به من أن يكون غنيمة.
كما لو وجدوا ذلك في حصن من حصونهم.
وهذا لأنه يتوهم أن يكونوا اشتروا ذلك من تجار المسلمين، أو أخذوه
من المسلمين قهرا، أو أحرزوه.
2052 وإن وجدوا ذلك في موضع من الساحل هو من أرض
أهل الاسلام فالحكم فيه ما هو الحكم في اللقطة. ويستوي إن
كان ذلك كمن متاع يتخذه المسلمون أو المشركين، إلا أن يكون
(ص 351) أكثر الرأي فيه أنه كان للعدو، فحينئذ يخمس، وما بقى
يكون للغانمين.
لان ما يوجد على ظاهر ذلك الموضع بمنزلة ما يوجد في باطنه.
م 15 السير الكبير
1057

2053 ولو استخرجوا كنزا من موضع هو من دار الحرب
يكون حكمه حكم الغنيمة.
2054 وإن استخرجوا ذلك من موضع من دار الاسلام،
يجب الخمس فيه، ويكون ما بقى لمن أصابه، سواء كان الموجود من
دراهم الأعاجم أو غير ذلك، إلا أن يكون أكبر الرأي أن ذلك من
وضع (1) أهل الحرب.
وهذا لان البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف فيه على الحقيقة،
وغالب الرأي، بمنزلة اليقين فيما لا يمكن إثباته بحجة أخرى.
2055 فإذا دخل لمسلمون دار الحرب فدلوا على قبور الكفار،
فيها الأموال والسلاح قد دفنت معهم، فلا بأس بأن يحفروا تلك
القبور ويستخرجوا ما فيها. وهذه عادة بعض أهل الحرب أنهم
يدفنون الابطال (2) منهم بأسلحتهم وأعيان أموالهم. ثم في استخراج
ذلك منفعة للمسلمين، فإنهم يتقوون بتلك الأسلحة على قتالهم. وحرمة
قبورهم لا تكون فوق حرمة بيوتهم. فإذا جاز الهجوم عليهم في بيوتهم
لاخذ ما فيها من الأموال فكذلك يجوز حفر قبورهم.
وهذا لان هذه الأموال ضائعة، والموضع الذي تدفن فيه الأموال يكون
كنزا لا قبرا، وبه فارق ما لو أرادوا حفر القبور لنبش أكفان الموتى،
لان ذلك ليس بمال ضائع، بل هو مصروف إلى حاجة الميت.

(1) ب " موضع " (2) في هامش ق " ورجل بطل محركة، وكشداد، بين البطالة والبطول شجاع تبطل جراحته
فلا يكترث لها، أو تبطل عنده دماء الاقران. جمعه أبطال. حصيري ".
1058

ثم من استخرج شيئا من هذه الأموال فهو غنيمة يخمس.
لأنه ما يوصل إليها إلا بقوة العسكر.
2056 وما وجدوا من متاع المشركين أو المسلمين شيئا قد سقط
منهم، مثل السوط والحذاء والحبل، فإنه لا يحل لمن كان غنيا أن ينتفع
بشئ من ذلك، ولكنه إن كان من متاع المشركين فهو غنيمة.
وإن كان من متاع المسلمين فهو بمنزلة اللقطة، فإن كان محتاجا إلى
ذلك انتفع به، وهو ضامن لما نقصه إذا جاء صاحبه، بمنزلة ما لو وجد
ذلك في دار الاسلام.
فإن قيل. فقد جاءت الرخصة في السوط ونحو ذلك، كما في حديث
ابن معبد الضمني (1) على ما رواه في كتاب اللقطة.
قلنا: تأويل ذلك في السوط المنكسر ونحوه مما لا قيمة له، ولا يطلبه
صاحبه بعد ما سقط منه، وربما ألقاه واستبدل به. فأما إذا كان شيئا له قيمة
ويعلم أن صاحبه ما ألقاه بل سقط عنه، وهو في طلبه، فحكمه حكم اللقطة،
اعتبار القليل بالكثير.
ألا ترى إلى ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ردوا الخيط والمخيط. فقيل له: إن فلانا أخذ قبالين (2) من شعر. فقال:
قبالين من نار. وإذا كان هذا الحكم في الغنيمة فما ظنك في مال المسلمين؟
وقد أشار في الكتاب إلى أن له مخالفا في المسألة، وهم بعض أهل الشام.
فإنهم يرخصون في السوط ونحوه. ثم بين فساد مذهبهم فقال:

(1) ه‍ " في حديث الصبى بن معبد التغلبي "، ق " الصبى بن معبد " وصححت في الهامش
" ابن معبد الضبي "، ب " أبى معبد الضبي ".
(2) في هامش ق ", قبال الثعل، ككتاب زمام بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
قاموس ".
1059

أرأيت لو كان سوطا يساوى عشرة دراهم أكان يجوز له أن يتملكه،
وهو بحيث لو سرقه من صاحبه قطعت يده فيه.
أرأيت لو كان عشرون سوطا بهذه الصفة؟
فعرفنا أن الذي لا بأس بأن ينتفع به هو ما ليس بمتقوم، ولا يطلبه صاحبه، مثل النوى وقشور الرمان وبعر الإبل وجلد الشاة الميتة وما أشبه ذلك. فأما
ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة في يده.
2057 والدابة العجفاء التي يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها
إنسان فأخرجها فعليه ردها، ولا يجعل ذلك بمنزلة السوط يلقيه
صاحبه.
والقياس في الكل واحد، إلا أنا استحسنا في السوط لان صاحبه ألقاه
رغبة عنه. فقد كان قادرا على حمله، وما ترك الدابة رغبة عنها وإنما تركها
لعجزه عن إخراجها فلا يزول ملكه عنها بذلك.
أرأيت لو كانت جارية مريضة تركها لعجزه عن إخراجها فأخذها
إنسان وأحسن إليها حتى برأت من مرضها كان يحل له أن يطأها من غير
سبب من أسباب الملك له فيها؟ فلهذا وشبهه أخذنا في الحيوان بالقياس.
2058 ولو ادعى الذي في يده الدابة على صاحبها: إنك قلت
حين خليت سببها: من أخذها فهي له. وجحد ذلك صاحبها. فالقول
قوله مع يمينه.
لان دعواه هذا السبب عليه كدعواه منه.
1060

فإن أقام البينة أو نكل صاحبها عن اليمين سلمت الدابة للذي
أخذها. سواء كان حاضرا حين قال صاحبها هذه المقالة أو لم يكن.
للحديث الذي روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهدايا:
من شاء فليقتطع. وقد تقدم بيان هذا الجنس من المسائل. وبعد صحة الهبة
لما صلحت في يد الموهوب له وسمنت فليس للواهب أن يرجع فيها. لان
الزيادة المتصلة تمنع الرجوع في الهبة.
1061

109.
باب قسمة الغنائم التي يقع فيها الخطأ (1)
2059 وإذا رأى صاحب المقاسم أن يقسم الأجناس المختلفة
بين الغانمين فيعطى كل واحد منهم جنسا بنصيبه فذلك جائز، بعد أن
يعتبر المعادلة في المالية.
لان حق الغانمين في المالية دون العين.
ألا ترى أن له أن يبيع الكل ويقسم الثمن بينهم، وفى القسمة بهذه الصفة
اعتبار معنى المعادلة فيما هو حقهم.
2060 وهذا بخلاف قسمة المال المشترك الموروث والمشترى،
فإن هناك عند اختلاف الجنس لا يجيز القاضي الشركاء على القسمة
جملة واحدة.
لان الشركة هناك ثابتة في العين.
ألا ترى أنه لو أراد أن يبيع العين ويقسم الثمن لم يكن له ذلك دون
رضاهم.
يوضحه أن الملك هناك ثابت لكل واحد منهم في كل جنس (2)،
ولهذا لو عتق بعضهم نفذ عتقه في نصيبه، فيتحقق معنى المعاوضة في قسمة
الأجناس جملة واحدة.

(1) في هامش الأصل " بلغ قراءة عليه أبقاه الله تعالى ".
(2) في ه‍ وحدها ". أن الملك هناك ثابت في العين ويقسم الثمن بينهم لكل واحد منهم
في كل جنس ".
1062

2061 وهاهنا لا ملك للغانمين قبل القسمة. ولهذا لو أعتق
بعضهم شيئا من الرقيق لم ينفذ عتقه، ولو استولد جارية لم تصر أم
ولد له. ولا يثبت النسب منه، ولكن سقط الحد بشبهة فكانت
القسمة هاهنا تمليكا من كل وحد منهم ما يعطيه بحقه ابتداء،
فيستوي فيه الجنس الواحد والأجناس المختلفة.
فإن وقعت جارية منها في سهم رجل، فأقامت البينة أنها حرة
ذمية قد سباها المشركون، فإن كان شهودها من أهل الذمة
لم تقبل شهادتهم.
لان الشهادة تقوم على المسلم في إبطال ملكه.
وإن كان شهودها مسلمين قبلت الشهادة وقضى بأنها حرة.
ثم في القياس يرجع المستحق عليه على الجند فيأخذ منهم حصته
مما أخذوا، كما في قسمة الميراث إذا استحق نصيب بعض الشركاء، ولكنه
استحسن وقال:
الامام يعوض الذي وقعت في سهمه قيمتها من بيت مال المسلمين
ولا ينتقض بتلك القسمة.
وكذلك لو قامت البينة أنها مدبرة لمسلم أو أم ولد له.
وهذا لأنه يتعذر رجوعه عليهم بحصته لكثرتهم وتفرقهم في القبائل،
والمتعذر كالممتنع. ثم دفع الضرر عن المستحق عليه واجب، وذلك في أن
يعوض له قيمتها من بيت المال، لان هذا من نوائب المسلمين. ولأنه لو بقى
1063

شئ من الغنيمة مما يتعذر قسمته (ص 353) فإنه يوضع ذلك في بيت المال،
فكذلك إذا لحقه غرم يجعل ذلك على بيت المال. لان الغرم مقابل بالغنم (1).
ولان هذا خطأ من الامام فيما عمل فيه للمسلمين، فيكون في بيت مال المسلمين.
2062 وكذلك إن استحقت جاريتان أو ثلاثة أو نحو ذلك،
مما لا يكون فيه ضرر بين في بيت المال.
وكذلك لو أغفل رجلا أو رجلين عند القسمة فهذا وما لو استحق
نصيبهم سواء.
فأما إذا قامت البينة على ألف رأس أو أكثر أنهم من أهل
الذمة وقضى بحريتهم، فإن القاضي لا يعوض المستحق عليهم من بيت
المال، ولكن يقول لهم: ائتوني بمن قدرتم عليه من الجند حتى أردكم
عليهم بحصصكم من الغنيمة.
لأنه كما دفع الضرر عن المستحق عليهم يجب دفع الضرر عن
عامة المسلمين، وفى التزام التعويض من بيت المال، عند كثرة المستحق،
إضرار بالمسلمين في بيت مالهم. وربما يأتي ذلك على جميع مال بيت مال
المسلمين (2) أو يزيد على ذلك. فلهذا أخذ بالاستحسان (3) إذا قل المستحق،
وعاد إلى القياس إذا كثر المستحق.
2063 - وأي رجل جاءوا به قد أخذ من الغنيمة شيئا أعطاهم
بحصتهم مما في يده، وأعطى أيضا نصيبهم من الخمس إن لم يقسم

(1) ه‍ " للغنم ".
(2) ه‍ " بيت المال ".
(3) ه‍، ق " أخذنا بالاستحسان "، ووافقت ب الأصل.
1064

ذلك بين المساكين، وإن كان قسم أعطاهم ذلك من أموال الصدقات.
فإن لم يكن في بيت المال من أموال الصدقات شئ كان ذلك دينا فيما
يأتيه من ذلك.
لان حقهم كان ثابتا فيما دفعه للخمس وفيما دفعه إلى غيرهم، فلا يسقط
حقهم عن ذلك إلا بسلامة نصيبهم لهم من محل آخر وقد تبين أنه لم يسلم.
2064 - فإن جاءوا بقوم كثير ممن أخذوا الغنائم وقالوا للأمير:
أجمع ما في أيديهم فاقسمه بيننا وبينهم بالسوية لأنا وإياهم شرعا (1)
سواء، لم يفعل ذلك، ولكن ينظر إلى حصتهم مما في أيدي الذين
أحضروهم فيعطيهم ذلك القدر.
لان التمليك من الامام بالقسمة قد صح من كل واحد منهم، فلا يبطل
ذلك إلا في قدر ما يتيقن بالسبب المبطل فيه، وذلك مقدار حصتهم من ذلك،
وما وراء ذلك من حقهم في يد سائر الغانمين، فما لم يحضروهم لا يقضى لهم به.
2065 - وهذا بخلاف ما إذا كان المقسوم بينهم جنسا واحدا
من المكيل والموزون، فإن هناك يقسم ما في يد (2) الذين أحضروهم
بين جماعتهم، كأن الغنيمة (3) لم تكن إلا ذلك، وكأنهم الغانمون خاصة.
لان القسمة في المكيل والموزون تمييز محض.
ألا ترى أنه ينفرد به بعض الشركاء، وأن (4) تلك القسمة بين المشترين

(1) في هامش ق " الناس في هذا شرع ويحرك أي سواه. قاموس ".
(2) ه‍ " أيدي ".
(3) ه‍ " القسمة " خطأ.
(4) ه‍ " ولان ".
1065

لا تمنع كل واحد منهم من بيع نصيبه مرابحة، فالذين لم يقدر عليهم قد أخذوا
مقدار حقهم وزيادة، فتجعل الزيادة كالتساوي. فأما في العروض والأجناس
المختلفة فيتمكن معنى المعارضة في القسمة.
ألا ترى أنه لا ينفرد به بعض الشركاء، وأنه ليس لواحد من المشترين
بعد القسمة أن يبيع نصيبه مرابحة على قدر ما غرم فيه من الثمن؟ فلهذا يعتبر
مقدار نصيب المستحق عليهم فيما في يد الذين أحضروهم في الأصل، فيردهم
عليهم بذلك القدر.
2066 - قال:
ألا ترى أن رجلا لو مات عن ثلاثة أعبد وثلاث بنين، فقسم
القاضي العبيد بينهم، وأخذ كل واحد منهم عبدا، ثم استحق نصيب
أحدهم، أو ظهرت حريته، فوجد (ص 354) أحد صاحبيه لم يأخذ
مما في يده إلا قدر نصيبه في الأصل، وهو الثلث من العبد الذي
في يده.
ولو كان الموزون بينهم مكيلا أو موزونا والمسألة بحالها فإنه يأخذ
منه نصف ما في يده.
والفرق بينهما ما ذكرنا. فإذا كان هذا الحكم في القسمة التي تبتنى
على الملك وهي لا تتضمن التمليك ابتداء ففي القسمة التي تبتنى على الحق وفيها
تمليك العين ابتداء أولى.
2067 - ولو سمع بهذا الاستحقاق بقية الجند الذين أخذوا
الرقيق فهم في سعة من بيع ما في أيديهم، وجماع الأمة التي أصابت
1066

كل واحد منهم، ما لم يقض الحاكم عليه لمن استحق نصيبه بحصته
مما في يده.
لأنه تملكها بالقسمة بتمليك الامام ابتداء منه فلا يبطل ملكه في شئ
منها ما لم يقض القاضي بإبطال ذلك التمليك عليه. وهذا بخلاف الميراث،
فإن هناك لا يحل لمن لم يستحق نصيبه أن يطأها ولا يبيعها بعد ما استحق
نصيب أحدهم، لان هناك القسمة كانت تمييزا للملك لا تمليكا ابتداء، ويمكن
فيها معنى المعاوضة، بحيث أن ما أخذ كل واحد منهم أخذ بعضه بنصيبه فيها
وبعضه عوضا عن نصيبه فيما أخذه صاحبه.
2068 - فإذا ثبت بالبينة حرية الأصل أو الاستحقاق
في نصيب أحدهم، فقد بطلت تلك القسمة وعاد الحكم فيها كما كان
قبل القسمة. فلهذا لا يحل له وطؤها ولا بيع نصيب شريكه منها.
وحقيقة هذا الفرق تتبين بما قدمنا أنه لا ملك للغانمين قبل القسمة،
حتى لو أعتق بعضهم لا ينفذ عتقه، ولو استولد لم يصح استيلاده،
فعرفنا أن الملك يثبت بالقسمة ابتداء، وفى الموروث الملك ثابت للشركاء
حتى ينفذ العتق والاستيلاد فيه من بعضهم قبل القسمة. فإذا بطلت
القسمة بالاستحقاق كان المستحق عليه مالكا لنصيبه مما في يد صاحبه،
قبل قضاء القاضي، كما كان قبل القسمة، وفى الغنيمة المستحق عليه بعد
بطلان القسمة لا يملك شيئا مما في يده قبل قضاء القاضي، كأن لم يكن
مالكا قبل القسمة.
1067

يوضحه أن في الغنيمة لو رأى الامام أن لا تبطل القسمة وأن يعوض
المستحق عليه قيمة نصيبه من بيت المال كان له ذلك.
وفى الميراث لو أراد القاضي أن يفعل ذلك لم يتمكن منه، وكان للمستحق
عليه أن يرجع بنصيبه فيما أخذه شريكه، شاء الحاكم أو أبى.
2069 - ولو أن المولى لقسمة الغنائم عزل الخمس والأربعة
الأخماس ولم يعط أحدا شيئا حتى سرق الخمس أو هلك، أو سرقت
الأخماس الأربعة (1) فإنه يستقبل القسمة فيما بقى ويجعل ما هلك
كأن لم يكن.
لان القسمة لا تتم بتمييزه البعض من البعض قبل التسليم، فالواحد
لا يكون مقاسما مع نفسه، وإنما تتم القسمة بين اثنين. فلهذا كان هلاك
ما هلك قبل التمييز وبعده سواء.
2070 - ولو أعطى المساكين الخمس ثم سرقت الأخماس الأربعة
فقد سلم للمساكين ما أخذوا، ولم يكن للغانمين أن يرجعوا عليهم
بشئ، وكذلك لو بدأ بالأخماس الأربعة فقسمها بين الجند ثم سرق
الخمس لم يرجع على الغانمين بشئ.
لان القسمة قد تمت هنا بينه (2) وبين أرباب الخمس بدفع نصيبهم
إليهم، على اعتبار أنه كالوكيل من جهة الغزاة، وبينه وبين الغانمين، إذا سلم
نصيبهم إليهم، على اعتبار (ص 355) أنه كالوكيل للمساكين فإنه يصلح

(1) ه‍ " الأربعة الأخماس ".
(2) ه‍ " بينهم ".
1068

للنيابة من الجانبين، وهو بمنزلة ما لو أوصى الرجل بثلث ماله للمساكين
فقسم القاضي وأعطى الثلثين للورثة، ثم ضاع الثلث في يده، أو أعطى
المساكين الثلث ثم ضاع نصيب الورثة في يده، فإن القسمة تكون ماضية، ولا رجوع لأحد الفريقين على الآخر بشئ، باعتبار أن القاضي كالنائب
عن الذين بقى نصيبهم في يده، فوصول نصيبهم إلى نائبهم بمنزلة وصوله
إليهم، فيكون هلاكه بعد ذلك عليهم.
2071 - وكذلك لو كان قسم الأخماس الأربعة وجزأها على سهام
الخيل والرجالة ولكن لم يعط أحدا شيئا حتى ضاع بعض ما عزل،
فإن القسمة تنتقص ويقسم ما بقى بينهم قسمة مستقبلة.
فالقسمة لا تتم.
لأنه لا يكون مقاسما بنفسه عليهم، ولكن ما هلك يهلك من نصيب
جماعتهم وما بقى يبقى لجماعتهم.
2072 - ولو كان أعطى الرجالة سهامهم، وبقيت سهام الخيل،
ولم يعط المساكين الخمس أيضا، ثم ضاعت سهام الخيل جاز للرجالة
ما أخذوا.
لان القسمة في حقهم تمت على اعتبار أن الامام نائب عن أصحاب الخيل.
2073 - ثم ينبغي له أن يقسم ما في يده من الخمس على حق
أرباب الخمس وعلى سهام الخيل.
لان القسمة لم تتم فيما بين أرباب الخمس وأصحاب الخيل حين لم يعط
واحدا من الفريقين نصيبه، فما يتوى يتوى عليهم، وما يبقى لهم.
1069

2074 - وكذلك لو كان الذي ضاع ما عزله للخمس، فإنه يقسم
ما عزله لأصحاب الخيل بينهم وبين أرباب الخمس على مقدار حقهم،
ولا يرجع على الرجالة بشئ.
لان القسمة قد تمت في حقهم حين قبضوا نصيبهم، وفرق بين هذه
المسائل وبين ما إذا استحق نصيب البعض لحرية أو غير ذلك على ما بينا.
ووجه الفرق أن بالاستحقاق يتبين أن القاسم أخطأ، وأن القسمة كانت
فاسدة. وأما هاهنا فبهلاك البعض لم يتبين خطأ القاسم، فلهذا كانت القسمة
باقية في نصيب من تمت القسمة في حقه. والله أعلم.
1070

110.
باب أثمان الغنائم التي يبرئ الامام منها أهلها
2075 - قال: قد بينا أن الامام لو قسم الغنائم في دار الحرب
أو باعها ثم لحقهم مدد لم يشاركوهم فيها.
لان بالقسمة قد ثبت الملك لكل واحد منهم في نصيبه، فلو ثبت للمدد
شركة لثبت بطريق الغنيمة، فالمسلم لا يثبت له الحق في ملك المسلم بطريق
الغنيمة.
وكذلك بالبيع قد ثبت الملك للمشترى، فتعذر إثبات الشركة
للمدد في المبيع، ولا يثبت لهم الشركة في الثمن أيضا، سواء قبض من
المشترى أو لم يقبض.
لان وجوب الثمن للغانمين بالبيع.
والشركة في الغنيمة لا فيما صار مستحقا لهم بالعقد.
ولان العقد يقتضى تقابل البدلين في الملك، وكما يثبت الملك للمشترى
في المبيع يثبت للغانمين في الثمن. فكان ذلك أقوى في قطع الشركة من تأكد
حقهم بالاحراز. ولان الامام نائب عنهم في البيع، فكأنهم باعوه بأنفسهم،
ونفوذ البيع من جهتهم آية تأكد حقهم فيه، فكأنه قسمها بينهم، وباع كل
واحد منهم نصيبه.
2076 - فلو أن المشترين لم ينقدوا الثمن وقبضوا ما اشتروا، ثم
لحقهم المشركون، وقد علم الأمير أنه لا طاقة للمسلمين (ص 356)
1071

بهم فأمر مناديا فنادى: من اشترى منا شيئا فليطرحه. وتجمعوا
حتى تبلغوا مأمنكم من دار الاسلام ففعلوا ذلك، ثم طالبهم الأمير (1)
بالثمن بعد ما خرجوا، فقالوا: قد طرحنا ما اشترينا بأمرك، فلا ثمن
لك علينا. أو قالوا: اضمن لنا قيمته. فإن كانوا طرحوا ذلك طائعين
فلا شئ لهم على الأمير، وعليهم ما التزموا من الثمن.
لان حكم البيع في المبيع قد انتهى بالتسليم والتحق بسائر أملاكهم،
فهم قوم أتلفوا ملكهم طوعا. والأمير أشار عليهم بمشورة، فلا يوجب ذلك
غرما لهم عليه، ولا يسقط به الثمن الذي تقرر دينا في ذمتهم.
2077 - وإن كان أكرههم على ذلك بوعيد متلف نظر الخليفة
في ذلك، فإن علم أنه فعل ذلك نظرا لهم لم يضمن لهم شيئا مما طرحوا.
لأنه كان مأمورا من جهته بالنظر لهم. وقد فعل. ولأنه أكرههم
على ما بحق عليهم فعله شرعا، فإن المسلم مأمور عند الضرورة بأن يجعل ماله
وقاية لنفسه، وهو ما أمرهم إلا بذلك، والمكره بحق يكون محسنا، وما على قيمة ما طرحوا.
لأنه ما كان متعديا فيما أكرههم عليه مخالفا لأمر الخليفة، فكانوا
بمنزلة الآلة له بعد تحقق الاكراه، فكأنه أخذ المال وطرحه، فيضمن
لهم قيمته.

(1) ب " الامام ".
1072

والثمن واجب على المشترين في الوجهين.
لأنه تقرر ذلك دينا في ذمتهم، وإتلاف البيع بعد تقرر الثمن وانتهاء
العقد لا يسقط الثمن، سواء حصل بفعل المشترى أو بفعل البائع.
2079 - ولو كان قال: ليطرح كل واحد منكم ما اشترى منى
وهو برئ من الثمن. أو على أنه برئ من الثمن، أو إن طرحه فقد
أبرأته من الثمن، فطرحوا طائعين أو مكرهين، فالثمن واجب عليهم
لان هذه الزيادة من الأمير باطل (1) فإنه ليس له ولاية الابراء عن
الثمن فيما باعه للغانمين. أما عند أبي يوسف رحمه الله فظاهر، لأنه بمنزلة
الأب والوصي أو الوكيل في ذلك. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فلأنه
مما لا يلتزم العهدة في هذا التصرف، لأنه بمنزلة الحكم منه، فيكون كالرسول
في البيع لا يملك الابراء من الثمن.
2080 - وكذلك لو كانوا في السفينة فاحتاجوا إلى أن يخففوها،
فأمرهم بالطرح في الماء، فهو كالأول في جميع ما ذكرنا.
2081 - وكذلك لو كان بائع الأطعمة في السفينة متصرفا لنفسه
ثم ناداهم: من طرح شيئا مما اشتراه منى في الماء فهو برئ من ثمنه (2)،
أو اطرحوا على أنكم برءاء من الثمن، فهذا باطل، وعليهم الثمن له.
وكان ينبغي أن لا يجب الثمن هنا.
لأنه كان مالكا للابراء عن الثمن. ولكن نقول: إنه علق الابراء بالشرط،
والابراء لا يحتمل التعليق بالشرط كالعقد.

(1) ه‍ " باطله ". (2) ب، ق " الثمن ".
م - 16 السير الكبير
1073

2082 - ولو قال لهم رجل آخر: اطرحوا على أن على ثمنه،
أو قيمته لكم، لم يصح ذلك ولم يلزمه شئ. وكذلك إذا قال البائع ذلك.
وهذا لان المبيع قد صار في ملكهم وضمانهم، فمن يناديهم (1) بالطرح
بعد ذلك يكون مشيرا عليهم بما يفعلونه في ملكهم، وذلك لا يكون سببا
في الضمان عليه، إذ فعل المرء في ملك نفسه لا ينتقل إلى من أشار عليه فيبقى
الابراء أو العقد متعلقا بالشرط، وذلك باطل، وبهذا الطريق يتضح الكلام
في بيع الأمير الغنيمة
2083 - ولو كان الأمير أمر المنادى فنادى أيها أيها الناس إنا قد
أقلنا المشترين العقد فيما اشتروا منا فمن كان اشترى شيئا فيطرحه،
ففعلوا ذلك، لم يكن عليهم من الثمن شئ.
لأنه أقالهم البيع، وذلك صحيح منه، كأصل البيع.
ألا ترى أن الأب والوصي يصح منهما الإقالة فيما باعه لليتيم كما يصح
أصل البيع، وبعد صحة الإقالة لا يبقى الثمن على المشترى، ثم البيع عاد كما كان
غنيمة، وقد طرحوه بأمر الأمير، فكأنه طرحه بنفسه، فلا يجب عليهم
شئ بسببه، وهو بمنزلة ما لو اشترى ثوب رجل فقال له البائع: قد أقلتك
البيع، فاقطعه لي قميصا، ففعل ذلك، أو كان المشترى طعاما فقال:
قد أقلتك البيع فيه فتصدق به عنى على هؤلاء المساكين، ففعل ذلك. فإن
الإقالة تكون صحيحة، وعلى البائع رد الثمن وهذا لان الإقالة معتبرة بأصل
العقد.
ولو قال: قد اشتريت منك هذا الطعام بكذا فتصدق به عنى، أو هذا
الثوب بكذا فاقطعه لي قميصا، ففعل الرجل ذلك كان البيع صحيحا بينهما،
وعلى الآمر الثمن، فكذلك الإقالة.

(1) ب " ناداهم ".
1074

أرأيت لو أن المشترين وجدوا عيبا بالمبيع فقبل الأمير منهم بغير قضاء
لم يكن ذلك صحيحا، والرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء يكون بمنزلة الإقالة
فيه، فتبين أنه يصح الإقالة منه في حق الغانمين، وهذا لان حقهم
قد تأكد في الثمن، ولكن لم يتعين ملكهم قبل القسمة، وذلك لا ينفى ولاية
التصرف للأمير كما في الغنائم المحرزة بالدار، وكما في مال الخراج إذا أخذ
الامام في ذلك ثيابا أو باعها، ثم رأى أن يقبل المشترى العقد فيها صحة الإقالة
منه، فكذلك ما سبق.
2084 وإن لم يطرحوا ذلك حين سمعوا النداء حتى إذا ساروا
منقلة (1) أو منقلتين عملوا عملا آخر مما يستدل به على قطع المجلس
طرحوا ذلك فعليهم الثمن.
لان الإقالة معتبرة بأصل البيع، وكما أن إيجاب البيع يبطل بالتفرق
قبل القبول فكذلك إيجاب الإقالة، وقبول الإقالة منهم هاهنا يكون بالطرح،
فإذا لم يفعلوا ذلك في المجلس لم تثبت الإقالة وبقى الثمن عليهم.
2085 وإن ادعى المشترون أنهم طرحوا كما سمعوا ولا يعلم
ذلك إلا بقولهم لم يصدقوا على ذلك إلا ببينة.
لانهم ادعوا ما يسقط الثمن عنهم بعد تقرر السبب الموجب، فهو
كما لو ادعوا قبول الإقالة في المجلس، البائع منكر لذلك، فلا يقبل قولهم
إلا بحجة.
2086 ولو كان أمر المنادين حتى قال: من طرح منكم المتاع
الذي اشترى منه فقد أقلته البيع فيه. فهذا في القياس لا يصح.

في هامش ق " والمنقلة كمرحلة السفر زنة ومعنى. قاموس ".
1075

لأنه تعليق الإقالة بالشرط.
وفى الاستحسان هو صحيح.
لان المقصود تحقيق الإقالة والحث لهم على الطرح.
2087 وكذا لو قال: أقلتكم على أن تطرحوه، أو اطرحوا على
الإقالة منكم لي، وكذا غير الأمير من باع متاعه فهو على قياس الأمير.
وهو نظير القياس والاستحسان في أصل البيع إذا قال: إن أديت إلى
كذا درهما ثمن الثوب فقد بعته منك، فأدى الثمن في المجلس، فإنه يكون ذلك
بيعا صحيحا استحسانا، فكذلك الإقالة.
2088 ولو كان سمع النداء من المنادى بعض الناس، ثم أخبروا
بذلك من لم يسمع النداء فهذا وما لو سمعوا جميعا من المنادى سواء.
لان الأمير أذن بتبليغ كلامه إلى من لم يسمع دلالة لكل من سمع،
كما أنه أذن للمنادي في ذلك أيضا، وهذا بخلاف ما لو كان البائع تاجرا
باع متاعه في السفينة فإن هناك إذا لم يسمع كلامه في إيجاب الإقالة بعض
المشترين وأخبره بذلك من سمع فطرح معهم فإنه يجب عليه الثمن، لان المبلغ
لم يرسله البائع ولم يأمره بالتبليغ صريحا ودلالة، فصار كأنه لم يسمع أصلا
فأما الأمير فإنه أذن في التبليغ دلالة لان مبنى كلام الأمير فيما يخاطب به
رعيته على الانتشار والاستفاضة، ومثل هذا لا يوجد في كلام التاجر الذي
يتصرف لنفسه. ثم الإقالة تعتبر بالعقد.
ولو قال التاجر: قد بعت عبدي هذا من فلان بكذا. فبلعه من سمع
منه ذلك الكلام من غير أن يجعله رسولا إليه، فقبل لم ينعقد البيع به. ولو قال: فأبلغه يا فلان. فذهب فأبلغه كان ذلك بيعا صحيحا إذا قبله.
1076

وكذلك لو ذهب رجل آخر فأبلغه، لأنه حين قال: فأبلغه يا فلان
فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ إليه، فكل من بلغه فقبل البيع، كان البيع
صحيحا، وإذا ثبت هذا في العقد فكذلك في الإقالة. وبه يتضح فصل الأمير
حين أمر المنادى به، لأنه قد صرح بالامر بالتبليغ للمنادي، فتبليغه وتبليغ
غيره بعد ذلك سواء.
2089 وكذلك لو قال الأمير بنفسه: قد أقلتكم البيع فاطرحوا
ما اشتريتم منى وليبلغ شاهدكم غائبكم. فهذا والأول سواء.
لأنه نص على الامر بالتبليغ، فعبارة كل مبلغ تكون بمنزلة عبارته.
2090 ولو كان الأمير لم يذكر هذه الزيادة ففي القياس لا يبرأ
من الثمن إلا من سمع مقالة الأمير، كما في حق البائع لنفسه، ولكنه
استحسن فقال: هم برءاء من الثمن إذا طرحوا حين بلغهم مقالة الأمير.
لما بينا أن مبنى كلام الأمير على الانتشار والظهور عادة، والعادة تعتبر
في تقييد مطلق الكلام. فكان هذا والتصريح بقوله: فليبلغ شاهدكم غائبكم
سواء، والله أعلم.
1077

111.
باب قسمة الخمس من الأربعة الأخماس (1)
2091 ولو أن الأمير في دار الحرب عزل الخمس من الأربعة
الأخماس ولم يدفع إلى أحد شيئا حتى أتاهم جيش آخر مدد أقلهم الشركة.
لما بينا أن الأمير لا يقاسم نفسه، وأن الملك لا يثبت لأحد في شئ
بهذا العزل.
ألا ترى أنه لو سرق المعزول للخمس كان الباقي مشتركا بين الغانمين
وأرباب الخمس أخماسا، بمنزلة ما لو سرق البعض قبل العزل.
وإذا ثبت أن هذا لم يكن قسمة فقد ظهر أن المدد لحقوهم (2) قبل
القسمة والبيع، وكانوا شركاء الجيش في الأخماس الأربعة.
2092 - ولو كان الأمير أعطى الخمس المساكين، ولم يقسم
الأخماس الأربعة بين الجند حتى لحقهم المدد، فلا شركة لهم مع الجيش
في الأخماس الأربعة هاهنا.
لان القسمة قد تحققت بتسليم الخمس، إلى أرباب الخمس، وقد ثبت
الملك لهم.
ألا ترى أن الأخماس الأربعة لو هلكت بعد ذلك لم يكن على الغانمين
رجوع على أرباب الخمس بشئ.

(1) في هامش الأصل بخط مخالف " الأبواب المتفرقة ".
(2) في هامش ق " لحقهم. نسخة ".
1078

وقد بينا أنه لا شركة للمدد بعد القسمة.
فإن قيل: شركة المدد إنما تثبت (1) في الأخماس الأربعة دون الخمس،
ولم توجد القسمة فيما هو محل حقهم فكيف تنقطع شركتهم بقسمة وقعت
لا في محل حقهم؟ قلنا: لا كذلك، فإن القسمة لا يتصور وقوعها من أحد الجانبين
دون الآخر، فمن ضرورة تقرر القسمة في المصروف إلى أرباب الخمس
ثبوت حكم القسمة في الأخماس الأربعة.
يوضحه أن المدد لو استحقوا الشركة فإنما يستحقون ذلك بطريق الغنيمة.
وإذا صار نصيبهم كالغنيمة ابتداء فلا بد من إيجاب الخمس فيها، إذ الخمس
يجب في كل ما يصاب بطريق الغنيمة وهذا لا وجه له هاهنا، ثم أدنى درجات
هذه القسمة (ص 359) هاهنا أن تجعل الأخماس الأربعة بمنزلة التنفيل
لأنه لا يمكن إيجاب الخمس فيما يجعل للمدد من ذلك فيكون بمنزلة النفل (2)
2093 - ولو أن الأمير نفل سرية بعض ما أصابوا، ثم لحقهم
المدد بعد الإصابة لم يكن له شركة مع السرية في النفل، وكذلك هاهنا،
لا يكون للمدد شركة في الأخماس الأربعة إذا لحقوهم بعد ما صرف الخمس
إلى أربابها.
2094 - وكذلك لو كان الأمير قسم الأخماس الأربعة بين أهلها
ولم يقسم الخمس حتى لحق المدد، أو كان أخذ بعض القوم سهامهم وبقى
الخمس وسهام بعضهم، فلا شركة للمدد لثبوت حكم القسمة بما
صنعة الأمير.

(1) ه‍ " يثبت ".
(2) ه‍ " التنفيل ".
1079

2095 - ولو لم يصنع شيئا من ذلك ولكنه عجل لرجل أو رجلين
نصيبهما من الغنيمة، ثم لحقهم جيش آخر شركوهم في المصاب.
2096 - ولو عجل ذلك لأناس كثيرة لم يشركهم المدد بعد ذلك،
والقياس في الفصلين واحد.
أنه لا شركة للمدد فقد وجد منه نوع قسمة، ولكنه فرق بين القليل
والكثير على طريقة الاستحسان، وهو نظير ما سبق، إذا ظهر الاستحقاق
في نصيب واحد أو اثنين لم تبطل القسمة، ويعوض المستحق عليه قيمة نصيبه
من بيت المال، بخلاف ما إذا استحق نصيب جماعة منهم، فلما فصل بين
القليل والكثير في بعض القسمة بالاستحقاق فكذلك في ابتداء القسمة يفصل
بين أن يعجل لنفر يسير نصيبهم أو لجمع كثير، فلا يجعل تعجيله للواحد
والمثنى قسمة، لان الشركة في الغنيمة شركة عامة فلا يتغير ذلك بما صنعه
مع واحد أو اثنين، وإنما يتغير إذا صنع ذلك في حق جمع عظيم منهم، لتحقق
معنى العموم فيما صنعه.
أرأيت لو أعطى نصيب الفرسان وبقيت الرجالة، أو أعطى نصيب
أكثر الجند وبقى في يده نصيب مئة رجل أو نحو ذلك، أكان للمدد شركة
إذا لحقوا بعد ذلك؟ هذا مما لا يقول به أحد.
2097 ولو أن المدد دخلوا دار الحرب قبل القسمة، ولكنهم لم يصلوا إلى الجيش حتى قسم الامام بين الغانمين، فلا شركة للمدد إذا
لحقوهم بعد ذلك. لان ثبوت الشركة للمدد عند اللحوق بالجيش.
ألا ترى أنهم لو دخلوا دار الحرب ولم يلحقوا بهم حين خرجوا من
جانب آخر إلى دار الاسلام لم يكن للمدد معهم شركة، فعرفنا أن المعتبر
1080

حال لحوقهم بهم لا حال دخولهم دار الحرب، وعند اللحوق بهم إنما يستحقون
الشركة في الغنيمة في ملك الغانمين، وقد تعين الملك بالقسمة هاهنا قبل
أن يلحقوا بهم.
2098 ولو كانوا نزلوا قريبا منهم قبل القسمة حتى يكونوا
عونا (1) لهم إن احتاجوا إليهم إلا أنهم لم يخالطوهم فهم شركاؤهم فيها.
لان ثبوت الشركة للمدد في الغنيمة باعتبار أن الجيش يتقوون بهم،
وفى هذا المعنى لا فرق بين ما إذا خالطوهم وبين ما إذا نزلوا بالقرب منهم.
2099 فإن قسم الامام الغنيمة بين أهل العسكر الأول بعد
ذلك ولم يعطى العسكر الثاني من ذلك شيئا، ثم رفع العسكر الثاني
الامر إلى الخليفة فإنه يمضى ما صنع الأول.
لان ثبوت الشركة للمدد مع الجيش إذا لم يشهدوا الوقعة مختلف فيه
بين العلماء، والأمير الأول فيما يصنع من القسمة بمنزلة الحاكم، وحكم
الحاكم في المجتهد نافذ إذا رفع إلى حاكم آخر يرى خلافه لم ينقصه، فكذلك
ما صنعه الأمير هاهنا.
2100 ولو كان الأمير باع الغنائم في دار الحرب وشرط المشترون
الخيار لأنفسهم، أو كانوا لم يرو فردوا بخيار الرؤية (ص 360) أو بخيار
الشرط، أو ردوا ذلك بعيب قبل القبض أو بعده، ثم لحقهم المدد لم
يكن لهم شركة في تلك الغنيمة.
لان البيع فيها قد نفذ ولزم من الأمير.

(1) ب " وغوثا ".
1081

ألا ترى أن الملك ثبت للمشترين مع خيار الرؤية والعيب عندهم جميعا،
ومع خيار الشرط عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وعند أبي حنيفة
رحمه الله: المشترون إن لم يملكوا فقد صاروا أحق بالتصرف فيها بحكم الشراء (1).
فيتبين بهذا أنها خرجت من أن تكون غنيمة والتحقت بسائر أملاك المسلمين، فلا يكون للمدد فيها شركة بعد ذلك.
ألا ترى أنهم لو لحقوا بهم، والمشترون على خيارهم لم ينقضوا البيع،
لم يكن لهم شركة في الثمن إذا تم البيع؟ فكذلك لا يكون لهم شركة في المبيع إذا
نقض البيع وصاروا عوده إلى يد الامام، ينقض البيع ببعض هذه الأسباب،
يمنزلة العود بالإقالة إذا التمس ذلك المشترون منه.
2101 ولو قسم الأمير الخمس وأعطى للمساكين، ثم رأى أن
يبيع الأخماس الأربعة ويقسم ثمنها فذلك جائز منه.
لان القسمة وإن تحققت بين الغزاة وأرباب الخمس فالملك لم يثبت للغزاة
في نصيبهم قبل القسمة بينهم.
ألا ترى أنهم لو باعوا ذلك لم يجز (2) بيعهم، وما لم يثبت الملك لهم
كانت ولاية الامام في البيع وقسمة الثمن باقية.
ألا ترى أنه لو قسم الأخماس الأربعة بينهم ثم باع الخمس كان ذلك
جائز منه؟ فكذلك الأول.
2102 ولو كان الامام شرط الخيار لنفسه في البيع ثلاثة أيام،
ثم لحقهم المدد بعد نقض البيع أو قبله، فهم شركاء الجيش في المبيع إن
انتقض البيع في الثمن، وفى الثمن إن تم البيع.

(1) ب " المشترى ".
(2) ق " لا يجوز " وفى هامشها " لم يجز. نسخة ".
1082

لان الملك لا يثبت للمشترى ما خيار الشرط للبائع، فكذلك (1) لا يثبت
لهم حق التصرف في المبيع فلم يخرج به من أن يكون باقيا على حكم الغنيمة،
بخلاف الأول. وهذا لان البيع بشرط الخيار للبائع في حق الحكم كالمتعلق
بالشرط، والمتعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط، وإنما يثبت حكم
البيع ابتداء عن إسقاط الخيار، ولهذا لو كان المشترى أعتق قبل ذلك لم ينفذ
عتقه، فيكون (2) هو كالبائع ابتداء بعد ما لحقهم المدد.
2103 ولو أن الأمير عزل الخمس وأعطاه المساكين ولم يقسم
الأخماس الأربعة حتى أعتق رجل جارية من الغنيمة أو استولدها لم
يصح شئ من ذلك منه.
لان الملك لم يثبت بهذه القسمة للغانمين، وبدون الملك في المحل لا يثبت
الاستيلاء والاعتاق (3) وبأن لا يكون للمدد شركة إذا لحقوا في هذه الحالة،
فإن ذلك لا يدل على ثبوت الملك لهم، كما يعد الاحراز بالدار قبل القسمة،
فإن الملك لا يثبت لهم حتى لا ينفذ العتق والاستيلاد.
2104 وإن كان لو لحقهم المدد لم يشاركوهم، ولهذا وجب
العقر على الوطئ هاهنا.
لان بما صنع الامام صارت هذه كالغنائم المحرزة بالدار في تأكد الحق
فيها، وقد سقط الحد عن الواطئ للشبهة، فيجب العقر، وتكون الجارية
مع ولدها في الغنيمة تقسم بينهم. ولان الأخماس الأربعة في هذه الحالة بمنزلة النفل، والاستيلاد والاعتاق
من بعض أصحاب النفل لا يكون صحيحا.

(1) ق " ولذلك " وفوقها " وكذا " وفى هامشها " فكذلك ". نسخة ".
(2) " ق فهو " وفى هامشها " فيكون. نسخة حصيري ".
(3) ق " العتق " وفى هامشها " الاعتاق. نسخة ".
1083

وإن لم يكن للمدد منهم شركة فكذلك هذا.
2105 وإن كان الأمير قسم الأخماس الأربعة بين العرفاء (1) وأهل الرايات، ثم أعتق بعضهم عبدا، فقد بينا أن عتقه ينفذ هاهنا
استحسانا، فيكون الحكم فيه كالحكم في العبد المشترك يعتقه بعضهم.
وعلى هذا الأصل لو مات بعض الغانمين بعد ما أعطى الأمير الخمس
للمساكين فإن نصيبه يصير ميراثا.
لان نفوذ (ص 361) القسمة فيما يرجع إلى تأكد الحق بمنزلة البيع
أو الاحراز بالدار والارث يجرى في الحق المتأكد كما يجرى في الملك.
2106 وكذلك (2) لو ظهر المشركون على الأخماس الأربعة
وأحرزوها بالدار، ثم ظهر جيش آخر عليها بعد ذلك، فإن وجدها
الجيش الأول قبل القسمة فهم أحق بها بغير شئ، وإن وجدها بعد
القسمة فلا سبيل لهم عليها، كما هو الحكم في الغنائم المحرزة بالدار
قبل القسمة.
وهذا لان الجيش الثاني ملكوها بالقسمة، والجيش الأول ما كانوا
يملكونها، فلا يثبت لهم حق الاخذ مجانا ولا بالقيمة، لان ذلك لا يفيدهم
شيئا. فأما قبل القسمة فالجيش الثاني لا يملكونها، وإن تأكد حقهم فيها
بالاحراز، وقد كان حق الأولين متأكدا فيها فيترجحون (3) بالسبق.

(1) في هامش ق " العرافة بالكسر الرياسة، والعريف السيد لأنه عارف بأحوال من يسودهم
ويسوسهم. معرب ".
(2) ه‍ " ولذلك ".
(3) ق " فيترجح " وفى الهامش " فيترجحون. نسخة ".
1084

2107 - وإن كان حضور الجيش الأول بعد قسمة الأمير الخمس
بين المساكين فهم أحق بالأخماس الأربعة.
لأنها لم تصر ملكا للجيش الثاني بهذه القسمة.
ولا سبيل لهم على ما أخذه المساكين.
لأنها قد صارت ملكا لهم.
2108 - ولو كان الأمير قسم الأخماس الأربعة بين الجند الثاني
وبقى الخمس فالجيش الأول يأخذون الخمس بغير شئ، ولا سبيل لهم
على الأخماس الأربعة.
لثبوت الملك فيها للجند (1) الثاني.
وإن لم يفعل شيئا من ذلك ولكن باع الغنايم كلها قبل الاحراز
أو بعده ثم حضر الجيش الأول فلا سبيل لهم عليها.
لأنها بالبيع صارت ملكا للمشترين، فنفذ فيها عتقهم، وليس للأولين
ولاية إبطال الملك المتعين لمكان ملك حق كان لهم فيها ولم يصر ملكا بعد.
2109 - ولو كان الامام خمسها وقسمها بين أهل الرايات وبين
الاشخاص من الجند الأول، ثم ظهر المشركون عليها وأحرزوها، ثم
استنقذها من أيديهم جيش آخر فأخرجوها، وحضر أصحابها

(1) ق " للجيش الثاني " وفى الهامش " الجند الثاني. نسخة ".
1085

الأولون، فإن حضروا قبل القسمة أخذوها بغير شئ، وإن حضروا
بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن شاءوا.
لان الملك كان ثبت لهم بالقسمة بين الاشخاص أو بين أهل الرايات،
حتى كان ينفذ تصرفهم فيها والاستيلاء الوارد عليها بعد ذلك بمنزلة الاستيلاء
الوارد على سائر أملاكهم.
والله أعلم بالصواب.
1086

112.
باب العيب يوجد في بعض الغنيمة بعد القسمة أو قبلها
2110 وإذا عزل الأمير الخمس على حدة والأخماس الأربعة
على حدة، وعدل في القسمة، ثم وجد ببعض الرقيق الذين جعلهم في
أحد القسمين عيبا قبل دفع نصيب كل فريق إليهم، فإن كان ذلك
عيبا يسيرا أمضى القسمة على حالها.
لان قسمة الغنائم مبنية على التوسع، والعيب اليسير فيما بنى على التوسع
غير معتبر، كما في الصداق وبدل الخلع.
ألا ترى أنه لو وجد هذا العيب بعد تمام القسمة لم يلتفت إليه؟ فكذلك
إذا وجده قبل تمام القسمة. قلنا: لا يمتنع لأجله إتمام القسمة.
2111 وإن كان ذلك عيبا فاحشا وجده ببعضهم، أو عيوبا
كثيرة غير فاحشة وجدها بجماعة الرقيق، بحيث إذا جمعت كانت بمنزلة
العيب الفاحش فإنه لا ينقض القسمة أيضا، ولكن ينظر إلى هذا
النقصان فيجمعه ثم يزيد عليه من القسم الآخر حتى تحصل المعادلة.
لان العيب الفاحش معتبر لما في اعتباره من الفائدة فيما بنى على التوسع
(ص 362)، وفيما بنى على الضيق (1)، إلا أنه لا حاجة به إلى نقض
ما باشره من عمل القسمة. والمقصود هو المعادلة، وذلك يحصل بالزيادة

(1) ق، ب " التضييق " ه‍ " التضيق ".
1087

من أحد القسمين في القسم الآخر، فلا ينبغي أن ينقض ما صنعه من غير حاجة.
فإن قيل: القسمة لا تقع قبل التسليم، فينبغي أن يؤمر بالاستئناف
على وجه يعتدل فيه النظر من الجانبين.
قلنا: ما أتى به من العزل هو من عمل القسمة وإن لم يتم، فبظهور
العيب الفاحش تبين أنه أقام بعض العمل دون البعض، فإنما يشتغل بمباشرة
ما لم يأت به من العمل لا بنقض ما قد أتى به.
2112 وكذلك لو وجد بعض الرقيق الذين جعلهم للخمس
حرا مسلما أو ذميا، أو أم ولد مسلم، فإنه لا ينقض ما صنع من
القسمة، ولكنه يأخذ من الأخماس الأربعة مقدار أربعة أخماس هذا
الذي وجده حرا.
لان المعادلة بذلك تحصل.
وفى هذا الجواب نظر. فإن خمس هذا الذي وجده حرا من نصيب
أرباب الخمس، وأربعة أخماسه من نصيب الغانمين كما كان قبل القسمة،
إذ القسمة لا تؤثر فيه. فأما إذا أخذ أربعة أخماس قيمته مما بقى وجعله لأرباب
الخمس يزداد (1) نصيبهم، لا أن يحصل به المعادلة.
ولكنا نقول: هو حين جعل هذا في حصة أرباب الخمس فقد جعل
خمسه لأرباب الخمس، باعتبار أصل حقهم وأربعة أخماسه لهم عوضا عما سلمه
للغانمين من نصيب أرباب الخمس فيما دفعه إليهم، فإنما يكون له الرجوع
عند استحقاق المعوض بالعوض.
2113 وكذلك إن كان وجد هذا بعد إتمام القسمة بتسليم
أربعة الأخماس إلى الغانمين وقسمته بينهم، أو وجد ذلك بعد ما قسم الخمس

(1) ه‍ " يزيد ".
1088

بين أهله دون الأخماس الأربعة، فإنه لا ينقض القسمة، ولكنه يرجع
بقدر ما يحصل به المعادلة عند الكثرة، وعند القلة يصير إلى التعويض
من مال بيت المال إن كان وقع ذلك في قسم (1) الغانمين، ثم إن شاء
أعطى ذلك من كان دفع إليه وإن شاء أعطاه مسكينا آخر.
لان بظهور الحرية فيه تبين أنه لم يصح دفعه فيما دفعه إليه، فيبقى رأيه
في اختيار المصرف في ذلك القدر، كما لو لم يدفعه إلى أحد، وكذلك في
الرجوع بنقصان العيب الفاحش، فالرأي إليه في أن يصرفه إلى ذلك المسكين
أو غيره. وما بعد هذا إلى آخر الباب معاد كله

(1) في هامش ق " سهم. نسخة ".
م 17 السير الكبير
1089

113.
باب ما يجوز لصاحب المقاسم أن يأخذ لنفسه
وما لا يجوز وما يكون قبضا في البيع وما لا يكون
2114 وإذا باع المولى للقسمة الغنائم في دار الحرب أو في دار
الاسلام، بأقل من قيمتها، فإن كان النقصان بقدر ما يتغابن الناس فيه
فبيعه جائز، وإن كان مما لا يتغابن الناس فيه فبيعه مردود.
لان فعل المولى كفعل الامام بنفسه، والمعنى في الكل واحد، وهو أن
الغنيمة حق الغانمين، ونفوذ البيع فيه من غير رضاهم باعتبار النظر لهم في ذلك،
والبيع بالغبن الفاحش لا يتحقق فيه معنى النظر، لان ذلك مما لا يستطاع الامتناع منه عادة.
ألا ترى أن الأب والوصي يملكان بيع المال (ص 363) الصغير بالغبن
اليسير ولا يملكان ذلك بالغبن الفاحش.
فإن قيل: لمن باشر البيع في الغنيمة نصيب وله ولاية البيع في نصيبه
مطلقا، فينبغي أن ينفذ بيعه فيه على كل حال.
قلنا: لا ملك له في شئ منه قبل القسمة.
ألا ترى أنه لا ينفذ بيعه في شئ إذا لم يوله الامام ذلك؟ فعرفنا أن
تنفيذ بيعه في الكل باعتبار معنى النظر.
يوضحه أن المحاباة الفاحشة ممن لا يملك الهبة بمنزلة الهبة، وهو لو وهب
شيئا من ذلك لم تصح هبته في الكل.
1090

فكذلك إذا باع بغبن فاحش.
واستدل عليه بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
فإنه حين افتتح العراق باع من المسور بن مخرمة (1) طستا بألف
درهم، فباعها المسور بألفي درهم. فقال له سعد: لا تتهمني، ورد
الطست. فإني أخشى أن يسمع ذلك عمر رضي الله عنه فيرى أنى قد
حابيتك. فرده. ثم ذكر ذلك لعمر رضي الله عنه فقال: الحمد لله الذي
جعل رعيتي تخافني في آفاق الأرض. وما زادني على ذلك شيئا. ولو كان
هذا البيع جائزا لأمر عمر رضي الله عنه برد الطست عليه.
2115 فإن اشترى المولى شيئا من الغنيمة لنفسه بأقل من
قيمته، أو أكثر فإن ذلك لا يجوز.
لأنه لا يكون مشتريا من نفسه ولا بائعا منها. فإن الواحد لا يتولى العقد
من الجانبين لما فيه من تضاد الاحكام.
من أصحابنا من يقول هذا الجواب قول محمد رحمه الله. فأما على قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله فينبغي أن يجوز ذلك إذا اشتراه بأكثر من قيمته،
على وجه يكون فيه منفعة ظاهرة للغانمين، بمنزلة الوصي يشترى من مال اليتيم
لنفسه. والأصح أنه قولهم جميعا، لان بيعه هذا بمنزلة الحكم، ولهذا لا يلزمه
العهدة في ذلك، فيكون هذا قضاء منه لنفسه، والانسان لا يكون قاضيا
في حق نفسه عندهم جميعا. ولولا هذا المعنى لكان ينبغي أن يجوز البيع عندهم

(1) في هامش ق " ابن أخت عبد الرحمن بن عوف. ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به
المدينة في ذي الحجة سنة ثمان. وهو أصغر من ابن الزبير. المسور بكسر الميم وسكون المهملة
وفتح الواو. ومخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء. جامع الأصول ".
1091

جميعا، وإن لم يكن فيه منفعة ظاهرة، لان الوصي إنما لا يبيع من نفسه لان
العهدة تلحقه فيؤدى إلى تضاد (1) الاحكام، وذلك لا يجوز.
2116 فإن كان المشترى جارية وأشهد أنه يأخذها لنفسه
بثمن قد سماه فحبلت منه وولدت ردت في الغنيمة مع عقرها.
لان البيع كان باطلا وقد سقط الحد للشبهة فعليه العقر. 2117 وفى القياس الولد مردود في الغنيمة أيضا ولا يثبت
نسبه منه.
كما لو كان فعل هذا قبل الشراء لنفسه.
2118 ولكنه استحسن فجعل الولد حرا بالقيمة ثابت
النسب منه.
ولكنه استحسن فجعل الولد حرا بالقيمة ثابت
النسب منه.
لأجل الغرور الثابت باعتبار الظاهر، أو لقياس الشبه من حيث إنه يجعل
هو في هذا التصرف، بمنزلة الأب فيما يشترى من مال وله لنفسه، فإن
ولاية البيع لكل واحد منهما باعتبار النظر للمولى عليه، وهذا القدر يكفي
لاثبات حكم الغرور، فلهذا كان ابنه حرا بالقيمة.
2119 فيجعل ذلك كله في الغنيمة إن لم يقسمها، وإن كان
قسمها وقسم الثمن الذي غرم مع ذلك فإن الامام يعطيه الثمن من قيمة
الولد الذي غرم، ومن العقر.

(1) في هامش ق " تناقض. نسخة ".
1092

لان ذلك دين عليه للغانمين والثمن الذي في الغنيمة لبطلان البيع، فيجعل
أحدهما قصاصا بالآخر.
2120 وإن لم يكن في ذلك وفاء بالثمن باع الجارية فأوفاه بقية
الثمن، ثم أخذ ما بقى فجعله في بيت المال (1).
لان هذا من جملة الغنيمة وقد تعذر قسمته بين الغانمين لتفرقهم.
ثم بين الحلية للمولى (ص 364) إذا أراد أن يشترى شيئا لنفسه.
2121 فقال: ينبغي أن يبيع ذلك ممن يثق به بأقصى ثمنه ويسلمه
إليه، ثم يشتريه منه لنفسه بعد ما يقبض الثمن منه، كله إن أراد أن
يشتريه بأقل من ذلك الثمن، وإن أراد أن يشتريه بمثل ذلك الثمن أو
أكثر فلا حاجة إلى قبض الثمن.
لان حاله في هذا كحال القاضي فيما يريد أن يشتريه لنفسه من مال اليتيم.
ثم استدل على أنه لا يملك الشراء من نفسه لنفسه بحديث عثمان رضي الله عنه.
فإن إبلا من إبل الصدقة أتى بها عثمان فأعجبته، فأقامها في السوق
حتى بلغت أقصى ثمنها، ثم أخذها بذلك. فأتى الناس عبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه وأخبروه بما صنع. فأتاه وقال له: هل رأيت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه صنع من ذلك شيئا؟ وأمره برد ذلك.
وكان هذا أول ما عيب رضي الله عنه. فإذا كان هذا يرد على
مثل عثمان فعلى غيره ممن يلي المقاسم أولى.

(1) ب " بيت مال المسلمين ".
1093

2122 ولو أن المولى للقسمة جزءها وبين نصيب كل رجل،
وأقرع عليها فخرج نصيبه فيما خرج جاز قبض المولى لنصيب نفسه،
وإن هوى الذي ولى القسمة، كما يجوز القبض من غيره في نصيب نفسه.
لأنه لا يكون متهما في تمييز نصيب نفسه بالقرعة، وإنما تتمكن التهمة
فيما يخص به نفسه، لا فيما تستوى نفسه فيه بغيره. وقد بينا هذا في التنفيل.
يوضح الفرق بين القسمة والبيع أن القسمة بهذه الصفة لا تتم به وحده،
بل به وبالمسلمين، فإنهم يقبضون أنصباءهم كما يقبض هو نصيبه، ولا تتم
القسمة إلا بالقبض. فإذا كان تمام القسمة بهم جميعا كان مستقيما. فأما البيع
لو صح كان تمامه به وحده، والبيع لا يتم بالواحد مباشرة من الجانبين.
ألا ترى أن أحد الورثة لو قسم التركة برضاء سائر الورثة، وقبض كل
وحد منهم نصيبه بعد الاقراع جاز؟ وبمثله لو اشترى أحد الورثة نصيب
سائر الورثة من التركة من نفسه برضاهم لم يجز ذلك، فكذلك حال المولى
للقسمة في الغنيمة.
2123 ولو أن المولى لبيع الغنائم جعل رمكا في حظيرة ثم باع
رمكة بعينه وقبض الثمن وقال للمشترى: ادخل الحظيرة فاقبضها، فقد
خليت بينك وبينها. فدخل الرجل وعالجها، فانفلتت منه، وخرجت
من باب الحظيرة، فيطالبه المشترى برد الثمن.
لأنه لم يقبضها. فالأصل في جنس هذه المسائل أن قبض المعقود عليه
يكون من المشترى، تارة بالتمكن منه بعد تخلية البائع بينه وبينها، وتارة يكون
بمباشرة التسليم إليه. ففي التخلية يعتبر التمكن من إثبات (1) اليد عليه ليصير

(1) ق " تقرير اليد.
1094

قابضا وفى مباشرة التسليم إليه لا يعتبر التمكن من تقرير اليد فيه، لان هذا
تسليم حقيقة، وحقيقة الشئ تثبت بوجوده. والأول تسليم من طريق الحكم
فيستدعى التمكن من قبضه.
2124 إذا عرفنا هذا فنقول: إذا كانت الرمكة في الحظيرة
بحيث يقدر المشترى على أخذها إلا أن ذلك ربما يصعب عليه إلا
بتوهيق أو نحوه وكانت لا تقدر أن تخرج من الحظيرة قبل فتح الباب
فهذا قبض من المشترى.
لتمام التسليم من البائع بالتخلية. فإنه صار متمكنا من قبضها.
2125 وإن كانت بحيث لا يقدر على أخذها، أو كانت في
موضع تقدر أن تنفلت منه ولا يضبطها فليس هذا بقبض (ص 364)
من المشترى. لان التخلية لم توجد حكما فإنها تمكين من القبض والتمكين لا يتحقق
بدون التمكن.
2126 وإن كان المشترى لا يقدر على أخذها وحده ويقدر على
ذلك إن كان معه أعوان فكذلك الجواب.
لأنه ما صار متمكنا من قبضها. فإن تمكن الانسان من شئ عند وجود
أعوان له على ذلك لا يكون دليلا على تمكنه منه بنفسه.
ألا ترى أنه قد يتمكن من نقل الخشبة الثقيلة بأعوان يعينونه على ذلك
ولا يدل ذلك على تمكنه منه بنفسه؟ وكذلك إن كان يقدر على أخذها وحده
ولو كان معه حبل وإنما انفلتت لأنه لم يكن معه حبل فهذا لا يكون قبضا
1095

لان تمكنه من الشئ بوجود آلته لا يدل على أنه متمكن منه مع انعدام
تلك الآلة.
2127 فإن كان يقدر على أخذها بغير حبل ولا عون، أو
بحبل ومعه حبل، أو بعون ومعه عون، وقد خلى بينه وبينها، فالثمن
لازم عليه.
لأنه قد تمكن من قبضها، فإذا لم يفعل حتى انفلتت كان مضيعا لها
بعد القبض فتهلك من ماله.
2128 وإن كانت الرمكة في يد البائع هو ممسك لها فقال
المشترى: هاك الرمكة، فوضعها في يده فهي من مال المشترى.
لأنه أثبتت يده عليها حقيقة حين وضعها في يده، وتقرر الثمن على المشترى
باعتبار أصل القبض دون استدامته والمستحق على البائع بالعقد التسليم إلى
المشترى لابقاء يده فيها.
2129 فإن كانت في يد البائع على حالها ويد المشترى جميعا،
والبائع يقول: قد خليت بينك وبينها، ولست أمسكها منعا منى لها،
إنما أمسكها حتى تضبطها، فانفلتت فهذا أيضا قبض من المشترى.
لان البائع قد أثبت يده عليها، وهو في استدامة يد نفسه معين للمشترى
على تقرير يده عليها، لا مانع لها منه، فلا يمنع ذلك صحة قبض المشترى.
فإن قيل: كانت الرمكة في يد البائع، فبقاء يده فيها تمنع ثبوت اليد
للغير، بمنزلة المغصوبة، فإنه ما بقى يد المالك عليها لا تدخل في ضمان الغاصب.
قلنا بقاء يد عليها يمنع يد الغير على طريق المنازعة والمقاتلة، فأما
1096

على طريق التمكين إياه فلا، ثم وجوب الضمان في الغصب إنما يكون بتفويت
يد المالك لا بمجرد إثبات اليد لنفسه، وهاهنا دخول المبيع في ضمان المشترى
باعتبار ثبوت يده عليه، ولهذا يدخل في ضمان المشترى بالتخلية قبل النقل
في حكم البيع ولا تدخل في ضمانه بالتخلية في حكم العصب حتى لو هلك قبل
النقل ثم جاء مستحق لم يكن له أن يضمن المشترى شيئا.
2130 وإن كانت الرمكة في يد البائع ولم تصل إلى يد المشترى
فقال البائع: قد خليت بينك وبينها فاقبضها فإني أمسكها لك فانفلتت.
لم يكن هذا قبضا من المشترى، وإن كان يقدر على أخذها وضبطها.
لان للبائع فيها يدا حقيقة، ولا ينسخ حكم ذلك اليد إلا ما هو مثلها،
وتمكن المشترى من قبضها بالتخلية لا يكون مثل حقيقة يد البائع فيها.
2131 وهذا بخلاف ما إذا وضع البائع المبيع بين يدي
المشترى بأن كان نائيا (1) فوضعها بين يديه، وقال: خليت بينك
وبينها. ثم هلكت.
لان هناك لم يبق للبائع عليها يد حقيقة، وقد صار المشترى متمكنا من
قبضها، حتى إذا كان البائع يمسكها بيده وقال (ص 366) للمشترى:
خليت بينك وبينها فاقبضها، فإنه لا يصير قابضا، إلا أن تصل إلى يد المشترى، فحينئذ تكون يده فيها حقيقة معارضة ليد البائع، فيجعل قابضا لذلك.
2132 - ولو كان البائع وضع الثوب بالبعد من المشترى وناداه
أن قد خليت بينك وبينه فاقبضه فإنه لم يصر قابضا حتى يقرب منه
فيصير بحيث تصل يده إليه.

(1) كذا في الأصل وه‍ " بأن كان نائيا ". وفى ب ق " بأن كانت ثيابا ".
1097

لان هذا تسليم بطريق التمكين، فلا يتحقق بدون التمكن، وتمكنه
من القبض لا يكون إلا بعد أن يقرب منه، فقبل ذلك وجود التخلية كعدمها.
2133 ولو أن المولى باع جميع الرمك التي في الحظيرة وخلى
بينه وبينها، وهي لا تقدر على الخروج إلا بعد فتح الباب، ففتح
الباب ليأخذ بعضها، فغلبته وخرجت من الحظيرة فالثمن لازم
للمشترى، سواء كان يقدر على أخذها إذا دخل الحظيرة أو لا يقدر
على ذلك.
لأنها كانت محرزة بالباب المسدود، وقد تناول البيع كلها، ثم صار
المشترى بفتح الباب مستهلكا لها، واستهلاك المشترى للمعقود عليه بمنزلة
القبض منه. ومن أصحابنا من يقول: هذا قول محمد رحمه الله. فإن فتح
الباب عنده استهلاك بطريق المتسبب حتى قال: إذا فتح باب الاصطبل
فندت الدابة من ساعتها فهو ضامن من قيمتها لما ذكرنا.
فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله ينبغي أن لا يجب الثمن على المشترى. لأنه لا يجعل فتح الباب استهلاكا،
وإنما يحيل بهلاك الدابة على الفعل الموجود
منها، ولهذا لا يضمن به ملك الغير. والأصح أن هذا قولهم جميعا، لان
أبا حنيفة رحمه الله يجعل فعله تسببا، ولكن في حكم الضمان يقول: قد طرأ
على ذلك التسبب فعل معتبر. لان فعل الدابة يعتبر في إزالة السبب الموجب
للضمان وإن كان لا يعتبر في إيجاب الضمان.
ألا ترى أن من ساق دابة في الطريق فجالت يمنة أو يسرة، والسائق
ليس معها، فأصابت شيئا لم يكن السائق ضامنا لها؟ باعتبار ما أحدثت الدابة
من السير باختيارها، لا على نهج سوق السائق. وإذا ثبت أن فتح الباب
كان تسببا منه لاتلاف الدابة فقد تقرر عليه الثمن بحكم العقد، ثم فعل الدابة
لا يصلح مزيلا لذلك فيبقى ضامنا للثمن.
1098

2134 - وإن كان الذي فتح الباب رجلا آخر فإن كان المشترى
قد صار بحال لو دخل الحظيرة واجتهد تمكن من قبضها فعليه الثمن،
وإن كان لا يقدر على ذلك لو فتح الباب لم يكن عليه الثمن.
لأنه لم يوجد منه الاتلاف تسببا ولا مباشرة، فإنما يعتبر لتقرر الثمن
عليه تمكنه من قبضها بتخلية البائع بينه وبينها قبل فتح الباب.
ألا ترى أن البائع لو كان هو الذي فتح الباب ولم يكن المشترى متمكنا
من قبض شئ منها لم يكن عليه من الثمن شئ؟ فكذلك إذا فتح الباب أجنبي
آخر. وهو نظير ما لو باع طيرا يطير في بيت عظيم وخلى بينه وبين البيت،
فإن كان المشترى هو الذي فتح الباب فطار كان عليه من الثمن، وإن فتح غيره
الباب أو فتحت الريح الباب فخرج الطير لم يكن عليه من الثمن شئ، إذ
لم يكن متمكنا من أخذها. فكذلك الرمك. وبعض هذا قريب من بعض.
وإنما يؤخذ بالاستحسان في كل فصل.
2135 - ولو أن المولى باع الغنائم ولم يقبض الثمن، فسأله
الامام أن (ص 367) يضمن الثمن عن المشترى ففعل ذلك، فهو جائز.
وهذا بخلاف الوكيل بالبيع إذا ضمن الثمن للموكل عن المشترى.
لان الوكيل في حقوق العقد كالعاقد لنفسه، ولهذا لو ظهر الاستحقاق
أو العيب كانت الخصومة معه. فإذا ضمن الثمن عن المشترى فهو إنما يضمن
لنفسه عن غيره في الحكم، وذلك لا يجوز.
2136 - فأما المولى فهو نايب محض في هذا العقد ليس عليه
من حقوق العقد شئ، بمنزلة الرسول، فيكون هو في ضمان الثمن عن
1099

المشترى كغيره من الأجانب إن ضمن بأمره رجع عليه إذ أدى، وإن
ضمن بغيره أمره لم يرجع عليه بشئ إذا أدى.
والدليل على الفرق أن المولى لو أبرأ المشترى عن الثمن هاهنا لم يصح
إبراؤه، والوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى على الثمن صح إبراؤه في حق
المشترى. وإن كان يصير ضامنا مثله للموكل.
ثم المولى في هذا البيع بمنزلة القاضي في بيع مال اليتيم. والوكيل بمنزلة
الوصي في بيع مال اليتيم. ولو أن قاضيا باع مال اليتيم ثم عزل واستقضى
آخر، فضمن القاضي الأول للقاضي الثاني الثمن عن المشترى، أو كبر اليتيم
فضمن له القاضي الأول ذلك، وهو قاض على حاله، كان ضمانه جائزا.
ولو كان الوصي هو الذي باع مال اليتيم، ثم ضمن الثمن للقاضي
عن المشترى أو لليتيم بعدما كبر فإن ضمانه يكون باطلا. وكذلك الوالد إن كان
هو الذي باع ثم ضمن الثمن.
والفرق ما ذكرنا أن الأب والوصي يلزمهما العهدة، ويكون خصومة
المشترى في العيب والاستحقاق معهما، والقاضي لا يلزمه العهدة، ولا يكون
للمشترى معه خصومة في شئ من ذلك. وأمين القاضي بمنزلة القاضي في
أنه لا تلحقه العهدة، فيصح ضمانه عن الثمن عن المشترى. فكذلك المولى
يبيع الذي وقع الحق له، ليأخذ منه الثمن. وفى العيب الامام ينصب للمشترى
خصما إن شاء ذلك المولى، وإن شاء غيره، حتى إذا ثبت حق المشترى رجع
بالثمن في غنائم المسلمين، إن كانت لم تقسم، وإن قسمت غرم ذلك للمشترى
من بيت المال، وليس على الذي باشر البيع عهدة في شئ من ذلك. ولهذا
صح ضمانه للثمن.
والله أعلم
1100