الكتاب: الثقات
المؤلف: ابن حبان
الجزء: ٢
الوفاة: ٣٥٤
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٣
المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية . بحيدر آباد الدكن الهند
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
ردمك:
ملاحظات:

السلسلة الجديدة من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية 4 / 16 / 4
كتاب الثقات
للامام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم
التميمي البستي
(المتوفى سنة 354 ه‍ = 965 م)
الجزء الثاني
طبع بإعانة وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية
تحت إدارة
السيد شرف الدين احمد مدير دائرة المعارف العثمانية
قاضي المحكمة العليا سابقا
الطبعة الأولى
بمطبعة المجلس دائرة المعارف العثمانية بحيد آباد الدكن الهند
1395 ه‍ = 1975 م.
بسم الله الرحمن الرحيم
السنة السابعة من الهجرة أخبرنا محمد بن حسين بن قتيبة نا بن أبي السرى ثنا عبد الرزاق أنا
معمر عن الزهري عن عبيد الله عن عبد الله عن بن عباس حدثني أبو سفيان
بن حرب من فيه إلى في قال انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا بالشام إذ جئ بكتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى هرقل جاء به دحية الكلبي فدفعه إلى عظم بصرى
فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل هل هنا أحد من قوم هذا الرجل
الذي يزعم أنه نبي قالوا نعم فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على
هرقل فأجلسنا بين يديه فأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه فقال
قل لهم إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فان
كذبني فكذبوه قال أبو سفيان والله لولا مخافة أن يؤثروا عني
1

كذبا لكذبته ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قلت هو فينا
ذو حسب قال فهل كان من آبائه من مالك فقلت لا قال
فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال
من يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال
فهل يزيدون أم ينقصون قال قلت بل يزيدون قال فهل يرتد
أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال
فهل قاتلتموه قال قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت
2

يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل
يغدو قال قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها
قال والله فما أمكني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه
قال فهل قال هذا القول أحد قبله قلت لا ثم قال لترجمانه قل له
إني سألتك عن حسبه فيكم قلت إنه ذو حسب وكذلك الرسل
تبعث في أحساب قومها وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت
أن لا فقلت إن كان في آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه
وسألتك عن أتباعه ضعفاء الناس أم أشرافهم قلت بل ضعفاؤهم
وهم أتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول
ما قال فزعمت أن لا فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على
الناس فيذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد أحد منهم عن
3

دينه بعد أن يدخله سخطه له فزعمت أن لا فكذلك الايمان إذا خالط
بشاشته القلوب وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم
يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه
فزعمت أنكم قاتلتموه فزعمت أن الحرب بينكم وبينه سجال تنالون
منه وينال منكم وكذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة وسألتك
هل يغدو فزعمت أن لا وكذلك الرسل لا تغدو وسألتك هل
قال هذا القول قبله أحد فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول
أحد قبله لقلت رجل يأتم بقول قيل قبله ثم سألتك بما يأمركم
قلت بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف قال إن يكن ما تقول
فيه فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم
4

ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت
عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي فقال ثم دعا بكتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم
سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام أسلم
تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك إثم
الأريسين ويأهل الكتب تعالوا إلى قوله بانا مسلمون فلما
فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغظ وأمر بنا
فأخرجنا فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيظهر
حتى أدخل الله على الاسلام
5

قال في أول هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الملوك وبعث إليهم يدعوهم إلى الله فقيل إنهم لا يقرؤون كتابا
إلا بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة نقش فيه
محمد رسول الله ليختم به الصحف فكان يلبسه تارة في يمينه وتارة
في يساره
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذاقة السهمي إلى
كسرى بكتاب فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى عظيم البحرين إلى
كسرى وبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم
وأمره أن يدفع الكتاب إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى
هرقل وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية وبعث
عمرو بن أمية الضمري إلى أصحم بن أبحر النجاشي وبعث شجاع بن وهب
الأسدي إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق
6

وبعث عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة
فأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك مزق الله ملكه إذا هلك
كسرى فلا كسرى بعده
وأما قيصر فسأل أبا سفيان عما سأل ثم قرأ كتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم خلا بدحية الكلبي وقال إني أعلم أن صاحبكم
نبي مرسل وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ولكن أخاف الروم
على نفسي ولولا ذاك لا تبعته ولكن اذهب إلى ضغاطر الأسقف
فاذكر له أمر صاحبكم وانظر ماذا يقول فجاء دحية وأخبره مما جاء
به من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وبما يدعو إليه فقال ضغاطر
صاحبك والله نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا باسمه ثم دخل
فألقى ثيابا كانت عليه سوداء ولبس ثيابا بيضاء ثم أخذ عصاه وخرج
على الروم وهم في الكنيسة فقال للروم إنه قد أتانا كتاب من أحمد
يدعو فيه إلى الله وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله
فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وضربوه حتى قتلوه فرجع دحية إلى هرقل
وأخبره الخبر قال قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا فضغاطر كان
7

والله أعظم عندهم وأجوز قولا منى
وأما النجاشي فكان كتابه من محمد رسول الله إلى النجاشي
الأصحم ملك الحبشة سلم أنت فاني أحمد إليك الله الملك القدوس
السلا المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر وأشهد أن عيسى روح الله
وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه
من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلى الله
وقد بعثت إليك بن عمى جعفرا ومعه نفر من المسلمين فدع
التجبر فاني أدعوك إلى الله وقد بلغت ونصحت فاقبل نصيحتي
8

والسلام على من اتبع الهدى فقرأ النجاشي الكتاب وكتب جوابه
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي الأصحم أبحر سلام
عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته من الله الذي لا إله إلا هو
الذي هداني إلى الاسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله
فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض أن عيسى لا يزيد
على ما ذكرت فروقا إنه كما قلت ولقد عرفنا ما بعثت به
إلينا وقد قرينا بن عمك وأصحابه وأشهد أنك رسول الله
صلى الله عليه وسلم صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت بن عمك وأسلمت
على يديه لله رب العالمين وبعثت إليك يا نبي أرها بن الأصحم فاني
لا أملك إلا نفسي وإن شئت أن آتيك يا رسول الله فعلت
فاني أشهد أن ما تقوله حق والسلام عليك يا رسول الله فخرج
ابنه في ستين نفسا من الحبشة في سفينة البحر فلما توسطوا ولججوا
أصابتهم شدة وغرقوا كلهم
9

وأما المقوقس فأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع
جوار فيهن مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكذلك سائر الملوك أهدى إليه الهدايا فقبلها رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها
ثم كانت غزوة خيبر
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم إلى خيبر
واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وقدم عينا له ليجيئه بالخبر
وأخرج من نسائه أم سلمة وخرج على الأموال بجيشه فلا يمر بمال
إلا أخذه ويقتل من فيه ويفتتحها حصنا حصنا فأول ما أصاب
73 منها حصن ناعم ثم حصن الصعب بن معاذ ثم حصن القموص
فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حصنهم الوطيح
والسلالم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قوما أو غزا
10

لم يغر عليهم حتى يصبح فان سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع
أذانا أغار فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلهم عمال
خيبر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأو النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم
والجيش قالوا محمد والله والخميس وأدبروا هرابا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة
قوم فساء صباح المنذرين فخرج مرحب اليهودي من الحصن يرتجز
ويطلب البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا فقال محمد
بن سلمة أنا رسول الله فلما دنا أحدهم من صاحبه بادر مرحب
بالسيف فاتقاه محمد بن مسلمة بدرقته فوقع سيفه فيها وعضت به
الدرقة فأمسكت فضربه محمد بن مسلمة فقتله ثم بعث رسول الله
11

صلى الله عليه وسلم رجلا يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحا ثم بعث آخر
يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحا وحمى الحرب بينهم وتقاعسوا فقال
صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله
12

ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار فلما أصبح دعا عليا
وهو أرمد فتفل في عينيه فبرأ ثم قال خذ هذه الراية واقبض بها حتى
يفتح الله عليك فخرج على يهرول والمسلمين خلفه حتى ركز رايته في
رضم من حجارة فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن وقال من أنت
فقال أنا علي بن أبي طالب فقال اليهودي علوتم وما أنزل على موسى
فلم يزل علي يقاتل حتى سقط ترسه من يده ثم تناول بابا صغيرا كان
عند الحصن فأترس به فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه
13

ثم ألقاه من يده فلما أيقن اليهود بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يحقن دماؤهم وأن يسيرهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك فنزلوا على ذلك وقالوا يا محمد إنا نحن أرباب الأموال
الف بها منكم ونحن أعلم
النصف فلما فعل ذلك أهل خيبر سمع بذلك أهل فدك بعث إليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم محيصة بن مسعود فنزلوا على ما نزلت عليه اليهود
بخيبر على أن يسيرهم ويحقن دماؤهم فعاملهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم على مثل معاملة أهل خيبر فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
14

وسلم خالصة وذلك أنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على ألف وثمانمائة سهم وكان الرجال
بها ألفا وأربعمائة والفرس مائتي فرس فقسم للفارس ثلاثة أسهم
سهمين لفرسه وسهما له وللرجل سهما فكان للأفراس أربعمائة ولركابها
ولرجالهم ألف وأربعمائة سهم وكان سهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع عاصم بن عدي ثم أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا
مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك في الصلح وأعطى
محيصة بن مسعود ثلاثين وسقا من شعير وثلاثين وسقا من تمر وقسم
سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب فكانت قسمة
خيبر على ما وصفنا وكانت صفية بنت حي بن أخطب في السبي أخرجوها
15

من حصن القموص فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آنية المشركين فقال اغسلوها
وكلوا فيها وأطعموا وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسل تسعا من
نسأله اللاتي توفى وهن عنده تسعمائة وسق تمر ومن القمح مائة وثمانين
ه وسقا فلما فرغوا من الغنائم وقسمها أكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية
فأمر مناديا فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهياكم عن المتعة
وأمر بالقور أن تكفأ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم
خطيبا فقال لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه
زرع غيره يعنى إتيان الحبائل من السبايا ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة ثيبا من السبي حتى يستبرئها ولا يحل
لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم
ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من غنيمة
المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر
أن يلبس ثوبا من فيئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده ثم اطمأن الناس
وأهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم لرسول الله
16

صلى الله عليه وسلم شاة وأكثرت فيها من السم فلما
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا العظم يخبرني أنه
مسموم ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك فقالت بلغت
من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان ملكا استرحت منه وإن
كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
بشر بن البراء بن معرور يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل
منها قطعة وكان ذلك سبب موته
وقتل من المسلمين بخيبر
ربيعة بن أكثم بن سخبرة وثقف بن عمرو بن سميط ورفاعة بن
مسروح وعبد الله بن الهبيب ومسعود بن قيس بن خلدة ومحمود بن
مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة وأبو الضياح بن ثابت بن النعمان بن
أمية ومبشر بن عبد المنذر بن الزبير بن زيد بن أمية بن سفيان
بن الحارث بن حاط وعروة بن مرة بن سراقة أوس
17

بن القائد وأنيف بن حبيب وثابت بن أثلة وعمارة بن عقبة بن حارثة
بن غفار وبشر بن البراء بن معرور وكان سبب موته أكله من
الشاة المسمومة
وعند فراغ المسلمين من خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من أرض
ه الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما أدري بأي الامرين أنا
أشد فرحا بفتح خيبر أو قدوم جعفر ثم قام إليه فقبل ما بين عينيه
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى وادى القرى فحاصر
أهله ليلى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له أهداه رفاعة
بن زيد الجذامي فبينما هو يضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ أتاه سهم غرب فقتله فقال المسلمون هنيئا له الجنة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن شملته الآن تحترق عليه
في النار وكان غلها من فيئ المسلمين فسمعها رجل من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لي
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدلك الله مثلها في النار
18

ثم أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمي
وقال يا رسول الله إن لنا مالا بمكة فأذن لي فأذن له فقال
يا رسول الله وأن أقول قال فقل قدم الحجاج بمكة وإذا قريش
بثينة البيضاء يستمعون الاخبار وقد بلغهم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد سار إلى خيبر وقد كانوا عرفوا أنها أكثر أرض الحجاز
ريفا ومنعه ورجالا فلما رآه قالوا يا حجاج أخبرنا فإنه قد بلغنا
أن القاطع سار إلى خيبر فقال الحجاج عندي من الخبر ما يسركم
قالوا ما هي يا حجاج فقال هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وأسر
محمد أسرا فقالوا لن نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلونه بين أظهرهم
19

بمن كان قتل من رجالهم فقاموا وساحوا بمكة جاءكم الخبر وهذا
محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فقال الحجاج أعينوني على مالي
بمكة وعلى غرمائي فأنى أقدم خيبر فأصيب من فيئ محمد وأصحابه
قبل أن يسبقني التجاز فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أقبل حتى
ه وقف على جنب الحجاج بن علاط قال يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئتنا
به قال وهل عندك تحفظا لما وضعت عندك قال نعم قال استأخر
عنى حتى ألقاك على خلاء فأنى في جمع مالي كما ترى فانصرف حتى
إذا فرغ الحجاج من جمع ماله وأراد الخروج لقي العباس
فقال أحفظ على حديثي فأنى أخشى الطلب قال أفعل قال والله إني
20

تركت بن أخيك عروسا على ابنة ملكهم صفية بنت حي ولقد افتتح
خيبر فصارت له ولأصحابه قال ما تقول يا حجاج قال أي والله
فاكتم على ثلاثا ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا من
أن أغلب عليه فإذا مضى ثلاث فأظهر أمرك فان الامر والله على
ما تحب ثم خرج الحجاج بماله فلما كان اليوم الثالث من خروجه لبس
العباس حلة وتخلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى طاف بالكعبة فلما رأوه
قالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة قال كلا والذي
حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وأصبح عروسا على ابنة ملكهم وأحرز
أموالهم وما فيها قالوا من جاء بهذا الخبر قال الرجل الذي جاءكم
بما جاءكم به ولقد دخل عليكم وأخذ ماله وانطلق فلحق برسول الله
صلى الله عليه وسلم ليصحبه ويكون معه قالوا يا لعباد الله انفلت
عدو الله والله لو علمنا لكان لنا وله شأن فلم يلبثوا أن جاءهم الخبر
بذلك
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجوعه من خيبر إلى المدينة
21

نزل بعض المنازل ثم قال من يكلؤنا الليلة فقال بلال أنا يا رسول الله
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وناموا وقام بلال يصلي
فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم استند إلى بعيره واستقبل الفجر يرمقه
فغلبته عيناه فلم يوقظهم إلا حر الشمس وكان رسول الله صلى الله
ه عليه وسلم أول أصحابه هبا فقال ماذا صنعت يا بلال فقال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي
أخذ بنفسك قال صدقت ثم اقتاد رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس معه ثم أمر
بلالا فأقام الصلاة فصلى بالناس فلما سلم أقبل على الناس فقال إذا نسيتم
الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فان الله يقول أقم الصلاة لذكرى ثم
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأبو هريرة أسلم
وقدم المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وعليها سباع بن عرفطة
الغفاري فصلى مع سباع الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسمعه يقرأ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا الآية وكان عمرو بن
أمية الضمري خطب أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى النجاشي لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وهم بأرض الحبشة حيث حمل كتاب النبي صلى الله
22

عليه وسلم فزوجها النجاشي من رسول الله صلى الله عليه وسلم على مهر
أربعمائة من عنده وكان الذي زوجها خالد بن سعيد بن العاص وبعثها
النجاشي مع من بقى من المسلمين بأرض الحبشة إلى المدينة في سفينتين
فلما بلغوا الجار ركبوا الظهر حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم عند انصرافه من خيبر ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم
23

ابنته على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول وقدم عمرو بن العاص
زائرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلما عليه من عند النجاشي وكان
قد أسلم بأرض الحبشة ومعه عثمان بن طلحة العبدري وخالد بن الوليد
بن المغيرة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد سرية إلى
بني مرة في ثلاثين رجلا فقتلوا ورجع وحده إلى المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق سرية إلى
نجد ومعه سلمة بن الأكوع
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليث إلى بني الملوح
في رمضان في مائة وثلاثين رجلا فأغاروا عليهم واستاقوا النعم
24

والشاه وجاءوا بها إلى المدينة ونذروا لخروج العدو خلفهم فجاء
السيل وحال الوادي بينهم ورجعوا إلى المدينة بالغنائم
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب سرية في
ثلاثين رجلا إلى أرض هوازن فخرج معه بدليل من بني هلال فكانوا
يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار حتى ملكوا هوازن ونذر القوم
وهربوا ولم يلق عمر كيدا ثم رجع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد إلى جناب
في شوال معه حسيل بن نوبرة فأصابوا نعما وانهزم جمع عيينة بن
حصين إلى المدينة
25

ثم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمر في ذي القعدة
عمرة القضاء لما فاتهم من العام الأول من عمرة الحديبية وعزم أن ينكح
ميمونة فبعث أبا رافع ورجلا من الأنصار من المدينة إلى ميمونة ليخطبها
له ثم أحرم وساق سبعين بدنة في سبعمائة رجل واستعمل على المدينة
ه ناجية بن جندب الأسلمي وتحدثت قريش أن محمدا وأصحابه في عسر
وجهد وحاجة فقدم صلى الله عليه وسلم مكة وعبد الله بن رواحة أخذ
بخطام ناقته يقول
خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقلبه أعرف حق الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله
26

ضربا يزيل الهام عن مقبله ويذهل الخليل عن خليله
واصطفت قريش عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه فلما دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده
اليمنى وقال رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ثم استلم الركن
فخب ثلاثا ومشى أربعا بين الصفا ليرى المشركون أن به قوة ثم حلق ونحر البدن
فكانت البدنة عن عشرة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
ثلاثا وتزوج ميمونة بها وهي حل وهو حرام فأتاه حويطب بن
عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود في نفر من قريش قد وكلته بإخراج
رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وقالوا إنه قد انقضى أجلك
فاخرج عنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة بالمسلمين وخلف
27

أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه بها بسرف فبنى بها وهما حلالان
ثم رجع إلى المدينة
ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من مكة بخمسين رجلا
بن أبي العوجاء السلمي في سرية إلى بنى سليم فلقيهم بنو سليم على
حرة فأصيب أصحابه ونجا هو بنفسه فقدم المدينة
28

السنة الثامنة من الهجرة
حدثنا أحمد بن علي بن المثنى التميمي بالموصل ثنا عبد الواحد بن
غياث ثنا حماد بن سلمة بن قتادة وثابت وحميد عن أنس قال غلا السعر
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سعر لنا
فقال إن الله هو القابض والباسط المسعر الرزاق وإني أرجو أن
ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلة في نفس ولا مال
قال في أول هذه السنة غلا السعر المسلمين فأتوا النبي صلى الله
عليه وسلم يسعر لهم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثم قال
لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
ثم قال لا يسوم الرجل على سوم أخيه ولا حاضر لباد دعو الناس
يرزق بعضهم من بعض
ثم طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة فقعدت
له على طريقة بين المغرب والعشاء ثم قالت يا رسول الله أرجعني فوالله
ما بي حب الرجال لكني أحب أن أحشر في أزواجك ويومي لعائشة
فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلتها سودة
29

بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي
سرية إلى بني ليث في بضعة عشر رجلا فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم
وساق نعمهم ومواشيهم إلى المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر
وعباد لبني الجليد بن بعمان فصدقا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأ بما
جاء به وصدق عمرو بن العاص أموالهم وأخذ الجزية من المجوس
ثم صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن ساوى العبدي
وكتب إليه كتابا مع العلاء بن الحضرمي بسم الله الرحمن الرحيم من
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فانى أحمد إليك الله
الذي لا إله إلا هو أما بعد فان كتابك جاءني ورسلك وأنه من
صلى صلاتنا
ومن أبي فعليه الجزية فصالحهم العلاء بن الحضرمي على أن
30

على المجوس الجزية لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ثم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري سرية
في خمسة عشر رجلا حتى انتهى إلى ذات أطلاح من ناحية الشام
قريبا من مغار وكانوا من قضاعة فوجد بها جمعا كثيرا فدعاهم
إلى الاسلام فأبوا أن يجيبوا وقتلوا أصحاب كعب جميعا ونجا هو بنفسه حتى
قدم المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب سرية إلى
بنى عامر قبل نجد في أربعة وعشرين رجلا فأغار عليهم فجاؤوا نعما
وشاء فكانت سهمانهم بعيرا ونفلهم النبي صلى الله عليه وسلم
بعيرا بعيرا
31

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى مؤتة ناحية
الشام فأوصاه بمن من المسلمين خيرا وقال إن أصيب زيد فجعفر بن
أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس
وتجهز الناس معه فخرج معه قريبا من ثلاثة آلاف من المسلمين ومضى حتى نزل
ه معان أرض الشام فبلغهم أن هرقل قد نزل ما من أرض البلقاء
في مائة ألف من الروم فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم
فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن التي تكرهون
هي التي
انما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي
إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فقال الناس قد والله
32

صدق بن رواحة ثم رحلوا فلما كانوا بالقرب من بلقاء لقيهم جموع
هرقل من الروم فلما دنا العدو انحاز المسلمون إلى قربة يقال لها مؤتة
فتعبأ لهم المسلمون وجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة
بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار من بني سعد بن
هريم يقال له عبادة بن مالك ك ثم التقى الناس فاقتتلوا قتالا شديدا
فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل
ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى ألحمه القتال فاقتحم عن فرسه السقراء
وعرقبها وقاتل حتى قتل وفيه اثنتان وسبعون ما بين ضربة بالسيف
وطعنة بالرمح ثم أخذ عبد الله بن رواحة الراية وتقدم بها وهو على
فرسه فقاتل حتى قتل وأخذ الراية ثابت بن أقرم وقال يا معشر المسلمين
اصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت قال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس
على خالد بن الوليد فأخذ خالد الراية ودافع القوم وحاشى
33

بهم ثم انصرف بالناس فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جعفر
بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قبل أن يجئ خبرهم
ثم قال صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم
ما يشغلهم وقدم خالد بن الوليد بالمسلمين فتلقاهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم والمسلمون والصبيان يحثون على الجيش التراب ويقولون
أفررتم في سبيل الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليسوا
بالفرارين ولكنهم الكرارون
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات
السلاسل وهم قضاعة وكانت أم العاص بن وائل قضاعية فأراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بذلك فخرج في سراة المهاجرين
34

والأنصار ثم استمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي عبيدة عامر بن الجراح
على المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر فلما اجتمعوا واختلف
أبو عبيدة وعمرو بن العاص في الإمامة فقال المهاجرين أنت أمير أصحابك
وأبو عبيدة أميرنا فأبى عمر بن العاص وقال وقال أنتم لي مدد فقال أبو عبيدة
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي إذا قمتم على أصحابك فتطاوعا
وإنك إن عصيتني لأطيعنك فأطاعه أبو عبيدة بن الجراح وكانوا يصلون
خلف عمرو بن العاص وفيها صلى بهم وهو جنب فلما قدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال عمر لقيت من البرد
شدة وإني لو اغتسلت خشيت الموت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عمر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله ولا تقتلوا
أنفسكم الآية
وفي هذا الشهر كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خزاعة بن
35

بديل وبشر وسروات بنى عمرو يدعوهم إلى الله ويعرض عليهم الاسلام ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سرية إلى غطفان
في ستة عشر رجلا فبيتوهم وأصابوا نعما وشياه ورجعوا إلى المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في
ه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار
جوع شديد أبو عبيدة يعطيهم جفنة جفنة ثم أعطاهم تمرة تمرة
ثم ضرب لهم البحر بدابة يقال لها العنبر فأكلوا منها شهرا ثم أخذ
أبو عبيدة ضلعا فنصبه فمر راكب البعير تحته فلما رجعوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخبروه فقال هو رزق رزقتموه من الله هل عندكم
منه شئ وسمى هذا الجيش جيش الخبط وذلك أنهم جاعوا فكانوا
يأكلون الخبط حتى صارت أشداقهم كأشداق الإبل
36

ثم استشار عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي
أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني قال
إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فحبس عمر أصلها وتصدق بها
لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء والغرباء وما بقي أنفق
في سبيل الله وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها
بالمعروف وأن يعطي طريفا عنه غير متمول فيه
ثم إن بكر بن عبد مناة بن كنانة خرجت على خزاعة وهم على ماء لهم
بأسفل مكة فقاتلوا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال للمسلمين
كأنكم بأبي سفيان قد قدم لتجديد العهد بيننا وكان بديل بن ورقاء
37

بالمدينة فخرج إلى مكة راجعا فلما بلغ عسفان لقيه أبو سفيان وكانت
قريش قد بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتجديد العهد فقال له
أبو سفيان من أين أقبلت يا بديل قال سرت إلى خزاعة قال جزت
بمحمد قال لا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة فدخل على ابنته
ه أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
طوته فقال يا بنيتي ما أدري أرغبت بهذا الفراش عنى أم رغبت
بي عنه قالت هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل
مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم
ثم خرج أبو سفيان حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا
فذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
38

فقال ما أنا بفاعل ثم خرج حتى أتى عمر فكلمه فقال عمر أنا أشفع لكم
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو لم أجد إلا الذرة لجاهدتكم
بهم ثم خرج أبو سفيان حتى دخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها الحسن ابنها يدب فقال
يا علي إنك أمس القوم بي رحما وأقربهم منى قرابة وقد جئت في حاجة
فلا أرجع كما جئت اشفع لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر
ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال هل لك أن تأمرني
ابنك هذا أن يجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر
قالت ما بلغ ذلك ابني أن يجير بين الناس قال يا أبا الحسن
إني أرى الأمور قد اشتدت على ما تنصح لي قال والله ما أعلم شيئا
يغنى عنك ولكن قم فأجر بين الناس والحق بأرضك قال
39

وترى ذلك يغنى عني شيئا قال والله ما أدرى فقام أبو سفيان في
المسجد فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم خرج فلما قدم
على قريش مكة قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته قال فوالله
ما رد على بشئ ثم جئت بن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا
ثم جئت بن الخطاب فوجدته أعدى العدو ثم جئت عليا فوجدته ألين
القوم وقد أشار على برأي صنعته فوالله ما أدرى هل يغنيني شيئا
أم لا قالوا وبما ذا أمرك قال أمرني أن أجير بين الناس ففعلت
قالوا فهل أجاز محمد ذلك قال لا قالوا ويحك والله إن زاد
علي بن أبي طالب على أن لعب بك والله ما يغنى عنك ما فعلت
ثم عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسير إلى مكة وأمرهم
بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش
40

فلما صح ذلك منه ومن المسلمين كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش
يخبر بالذي قد أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه امرأة من
مزينة وجعل لها على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثم فتلت
عليه قرونها ثم خرجت وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بما فعل
حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير
بن العوام وقال أدركا امرأة من مزينة قد كتب معها حاطب بكتاب
إلى قريش يحذرهم ما قدمنا عليه فخرجا حتى أدركاها بالحليفة فاستزلا
والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها على إني أحلف بالله أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما كذب ولا كذبنا إما أن تخرجي الكتاب
وإلا نكشفنك فلما رأت الجد قالت أعرض عنى فأعرض عنها على
فحلت قرون رأسها واستخرجت الكتاب فدفعته إليه فجاء به رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال
41

يا حاطب ما حملك على هذا قال يا رسول الله والله إني لمؤمن بالله
ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم
أصل ولا عشيرة وكان لي بينهم أهل وولد فقال عمر دعني أضرب
عنقه فان الرجل قد نافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك
يا عمر لعل الله قد اطلع يوم بدر إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد
غفرت لكم
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة واستخلف على
المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عبيد بن خلف الغفاري وذلك
لعشر مضين من رمضان فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام المسلمون
ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف من المسلمين ولم يعقد
42

الأولوية ولا نشر الرايات فلما بلغ الكديد والكديد ما بين عسفان
وأمج أفطر وأفطر المسلمون وقد كان عيينة بن
حصن الفزاري لحق رسول الله بالعرج ولحقه الأقرع
بن حابس التميمي في نفر من أصحابها فقال عيينة يا رسول الله والله
ما أرى آلة الحرب ولا تهيئة الاحرام فأين تتوجه قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم حيث شاء الله فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
مر الظهران وقد عميت الاخبار على قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل خرج أبو سفيان بن حرب
وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار وينظرون هل يرون
خبرا أو يسمعون به فقال العباس بن عبد المطلب يا صباح قريش
والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة قبل أن يأتوه فاستأمنوه
إنه لهلاك قريش إلى لآخر الدهر فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله
43

عليه وسلم البيضاء ومضى عليها حتى أتى الأراك وقال هل أجد بعض
الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله
صلى الله عليه سلم ليخرجوا إليه ويستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة فبينما
هو يسير إذ سمع كلام أبي سفيان وهو يقول والله ما رأيت كالليلة
ه نيرانا قط وعسكرا فقال بديل بن ورقاء هذه والله نيران خزاعة
فقال أبو سفيان خزاعة والله الام وأذل من أن تكون هذه نيرانها
وعسكرها فلما عرف العباس صوتهم قال يا أبا حنظلة فعرف
أبو سفيان صوته فقال أبو الفضل قال نعم قال ما لك قال
فداك أبي وأمي ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
44

قال وا صباح قريش قال فما الحيلة فداك أبي وأمي قال العباس
أما والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتي بك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فركب أبو سفيان خلف العباس ورجع
صاحباه إلى مكة فكلما مر العباس بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا
وإذا رأوه قالوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس عليها عمه
فلما مر بنار عمر بن الخطاب قال من هذا وقام إليه فلما رأى أبا سفيان
على عجز الدابة قال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك من
غير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وركض العباس بالبغلة فسبقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتحم
العباس على باب القبة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل
عليه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله هذا أو سفيان قد أمكن الله
منه بغير عقد ولا عهد فدعى أضرب عنقه فقال العباس يا رسول الله
إني قد أجرته ثم جلس العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر
45

عمر في شأن أبى سفيان فقال العباس مهلا يا عمر أما والله لو كان
من رجال بنى عدى بن كعب ما قلت هذا ولكنك قد عرفت أنه من
رجال بنى عبد مناف فقال عمر مهلا يا عباس فوالله لاسلامك
يوم أسلمت أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أنى عرفت
ه أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام
الخطاب فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس إلى
رحلك إذا أصبحت فأتني به فذهب به العباس إلى رحله فبات عنده
فلما أصبح غدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن
لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك
والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا قال ويحك
يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله قال بأبي أنت وأمي
ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فأن في النفس منها شيئا
حتى الآن فقال العباس ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك فتشهد
أبو سفيان شهادة وأسلم فقال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل
46

يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو
آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما أراد
أبو سفيان أن ينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس
احبسه احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله
فيراها فخرج به العباس فحبسه حيث أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال أبو سفيان من هؤلاء
يا عباس فيقول العباس سليم فيقول أبو سفيان ما لي ولسليم
ثم مرت به القبيلة فقال من هؤلاء فقال العباس مزينة قال ما لي
ولمزينة حتى مرت القبائل لا تمر به إلا سأله عنها فإذا أخبره قال
ما لي ولبني فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء
كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المهاجرين والأنصار لا يرى منهم
ألا الحدق من الحديد قال سبحان الله يا عباس من هؤلاء قال هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار قال ولا
حد بها ولا قبل ولا طاقة يا أبا الفضل لقد أصبح ملك بن أخيك
47

الغداة عظيما فقال العباس يا أبا سفيان إنه لنبوة قال نعم فنعم إذا
قال العباس ارحلك إلى قومك فخرج أبو سفيان حتى إذا دخل
مكة صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم
به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة
فأخذت بشار به وقالت اقتلوا الحميت الدسم الأحمش فقال أبو سفيان
لا يغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به من دخل
دار أبى سفيان فهو آمن قالوا قبحك الله وما تغنى دارك قال
ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق
الناس إلى دورهم وإلى المسجد
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا طوى فرق جنوده فبعث
عليا من ثنية المدنيين وبعث الزبير من الثنية التي تطلع على الحجون
48

وبعث خالد بن الوليد من الليط وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق أذاخر أمرهم أن لا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم فبلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن صفوان بن أمية عكرمة بن أبي جهل وعبد الله
بن زمعة وسهيل بن عمرو قد جمعوا جماعة من القريش والأحابيش
بالخندمة ليقاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيهم خالد بن الوليد
بمن معه من المسلمين ناوشوهم فقتل منهم خالد بن الوليد ثلاثة
49

وعشرين رجلا وهو معهم وقتل من المشركين كرز بن جابر الفهري
فمن ههنا اختلف الناس في فتح مكة عنوة كان أم صلحا
فلما بلغ أبا قحافة قدوم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال لابنة له
من أصغر ولده أي بنيتي اظهري بي على ظهر قبيس وكان نظره قد كف
50

إذ ذلك فقال أي بنية ما ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال
تلك الخيل ثم قالت والله قد انتشر السواد فقال والله لقد دفعت
الخيل سرعى إلى بيتي فانحبطت به وتلقته الخيل قبل أن يصل إلى بيته
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر مكة على رأسه
51

مغفر من حديد عليه عمامة سوداء ولم يلق أحد من المسلمين قتالا إلا ما
كان من خالد بن الوليد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل
ستة أنفس من المشركين قبل قدومهم إلى مكة وقال أي موضع رأيتم
هؤلاء فاقتلوهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وعبد الله بن خطل رجل
ه من بني تميم بن غالب والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن
قصي ومقيس بن صبابة الليثي وسارة مولاة كانت لبعض بنى
عبد المطلب فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح ففر إلى عثمان بن عفان
52

وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاستأمنه وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب
وأما بن خطل فتعلق بأستار الكعبة يلوذ بها فقال النبي صلى الله
عليه وسلم اقتلوه فقتله سعيد بن الحريث المخزومي وأبو برزة تحت
الأستار اشتركا في دمه وأما مقيس فقتله نميلة بن عبد الله ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم ونزل
النبي صلى الله عليه وسلم الأيطح وضرب لنفسه فيه قبة وجاءته أم هانئ
بنت أبي طالب فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في جفنه
فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستر بثوب فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح
53

به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إليها فقال مرحبا وأهلا
بأم هانئ ما جاء بك قالت رجلان من أصهاري من بنى مخزوم وقد
أجرتهما وأراد علي قتلهما وكانت أم هانئ تحت هبيرة بن أبي وهب
المخزومي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرنا من أجرت يا أم هانئ
ثم إن عمير بن وهب قال يا رسول الله إن صفوان بن أمية سيد قومه
وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فآمنه قال هو آمن
قال يا رسول الله أعطى شيئا يعرف به أمانك فأعطاه رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل بها مكة فخرج عمير بها حتى أدرك
صفوان بن أمية بجدة وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان
فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك أن تهلكها فهذا أمان من
رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتك به قال ويلك أغرب عنى
قال أي صفوان فداك أبي وأمي أوصل الناس وأبر الناس
وأحلم الناس وخير بن الناس بن عمتك رسول الله صلى الله عليه وسلم عزه
54

عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال صفوان ويلك إني أخاف
على نفسي فأعطاه العمامة وخرج به معه فلما وقف على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذا زعم أنك قد آمنتني
قال صدق قال فاجعلني بالخيار شهرين قال أنت بالخيار أربعة أشهر
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف بالبيت سبعا على
بعيره يستلم الركن بمحجنه ثم طاف بين الصفا والمروة ثم دعا عثمان
بن طلحة الحجبي مفتاح الكعبة وفتحه ثم دخله وصلى فيه ركعتين
بين الأسطوانتين بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ثم خرج فوقف على
بابها وهو يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر
عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو مال يدعى فهو تحت
قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتيل الخطأ مثل
العمد بالسوط والعصا فيه الديا مغلظة مائة ناقة منها أربعون
في بطونها أولادها يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية
55

وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
ان أكرمكم عند الله أتقاكم الآية ثم قال يا أهل مكة ما ترون أنى
فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال
اذهبوا فأنتم الطلقاء فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة
في يده فقال يا رسول الله اجعل الحجابة مع السقاية فلتكن إلينا جميعا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة الحجبي فدعاه
56

فقال هل لك مفتاحك فدفعه إليه
فلما كان الغد من فتح مكة عدت خزاعة على رجل من هذيل
فقتلوه وهو مشرك فقال لم رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال
58

أيها الناس إن الله حرم عليكم خلق السماوات والأرض فهي حرام
إلى يوم القيامة لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك
بها دما ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلك عليها رسوله
وإنها لم تحل لاحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها
لا تحل لاحد بعدي لا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا يحل
ساقطتها إلا لمنشد فقال العباس إلا الإذخر فانا نجعله في بيوتنا وقبورنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر وكانت أم حكيم بنت
الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل وفاختة بنت الوليد تحت صفوان
59

بن أمية فلما أسلمتا قالت أم حكيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته
أن يستأمن عكرمة فآمنه وقد كان خرج إلى اليمن فلحقه باليمن حتى
جاءت به وأسلم عكرمة صفوان فأقرهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم عندهما على النكاح الأول الذي كانا عليه
ه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان في بيته صنم أن
يكسره فكسروا الأصنام كلها وكسر خالد بن الوليد العزى ببطن نخلة
وهدم بيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك العزى لا تعبد أبدا
وكسر عمرو بن العاص سواع ثم قال للسادن كيف
60

رأيت قال أسلمت لله وكسر بن زيد الأشهلي الناة المشلل
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مكة الناس يدعون
إلى الله ولم يأمرهم بقتال وكان بمن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير
بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه سليم مدلج وقبائل من
غيرهم فلما نزلوا بغميصاء وهي من مياه بني جذيمة وكانت بنو جذيمة
قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبد أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه
بن المغيرة كانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهم وأخذوا
أموالهم فلما كان الاسلام بلغ خالد بن الوليد إليهم ورآه القوم
61

أخذوا السلاح فقال لهم خالد ضعوا السلاح فان القوم أسلموا
فوضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوها أمر بهم خالد فكتفوا
ثم عرضهم على السيف فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
رفع يديه إلى السماء وقال اللهم أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال يا علي
اخرج إلى هؤلاء القوم وانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية
تحت قدميك فخرج على حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه به رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم ودي لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى
لم يبق لهم سئ من دم ولا مال إلا وداه وبقيت معه بقية فقال لهم
62

على بقى لكم من دم أو مال لم يود إليكم قالوا لا قال فأنى أعطيكم
هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم
ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
قال أصبت
ثم إن هوزان لما سمعت بجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودخوله مكة اجتمعت مع ثقيف وجشم وسعد بن بكر وكان في
بنى جشم دريد بن الصمة وهو شيخ كبير ليس فيه إلا التيمن برأيه
وبعلمه بالحرب وفى ثقيف قارب بن الأسود بن
مسعود وفى بني بكر سبيع بن الحارث وكان جماع أمر الناس إلى
63

مالك بن عوف فأجمع مالك بالناس على المسير إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فساروا حتى إذا أتوا بأوطاس ومعه الأموال والأبناء والنساء
فقال دريد بن الصمة بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل
لا حزن ولا سهل دهس ما لي أسمع رغاء الإبل ونهاق الحمير وبكاء
الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف بأوطاس مع الناس
أموالهم ونساءهم وأبناءهم فقال أين مالك فقيل هذا مالك فقال
دريد يا مالك إنك أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم له ما بعد
من الأيام
ومالك سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم قال ولم قال
أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فأنقض به
64

فقال وهل يرد القوم شئ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه
ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ما فعلت كعب
وكلاب قال مالك لم يشهد منهم أحد قال غاب الحد والجد
لو كان علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب يا مالك
لا تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا
ارفعهم في متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم ألق الصباء على متون الخيل
فان كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك
ذلك وقد أحرزت مالك وأهلك قال تلك والله لا أفعل
لتطيعنني يا معشر هوازن أو لاتكبن على هذا السيف حتى
65

يخرج من ظهري وكره أن يكون فيها لدريد ذكر ورأى قالوا
أطعناك فقال مالك إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم
ثم شدوا عليهم شد رجل واحد وجاء الخبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فدخل في الناس فأقام
فيهم حتى سمع وعلم من كلام مالك وأمر هوازن ما كان وما اجمعوا
له ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
فأجمع على المسير إلى هوازن
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند صفوان بن أمية
أدراعا فأرسل إليه فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلقى فيها
66

عدونا فقال صفوان أغصبا قال لا بل عارية مضمونة حتى نؤديها
إليك قال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح
وسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفيه حملها صفوان
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة معه ألفان من أهل مكة وعشرة آلاف من أصحاب الذين فتح الله
بهم مكة واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية أميرا
وكان مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة يقصر فيها
الصلاة فبينا الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرون إذا مروا
بسدرة قال أبو قتادة الليثي يا رسول الله اجعل هذه ذات أنواط كما
للكفار ذات أنواط وكان للكفار سدرة يأتونها كل سنة ويعلقون
عليها أسلحتهم ويعكفون عليها ويذبحون عندها فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل اجعل
لنا إلها كما لهم لتركبن سنن من قبلكم
67

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وادى حنين وانحدر المسلمون
68

في الوادي قرب الصبح وهو واد أجوف وقد كمن المشركون
لهم في شعابه ومفارقه فأعدو للقتال فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينحدر والمسلمون بالوادي إذ اشتدت عليهم الكتائب من المشركين شد
رجل واحد وانهزم المسلمون راجعين لا يعرج أحد وانحاز رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أين أيها الناس هلموا أنا
رسول الله أنا محمد بن عبد الله واحتملت الإبل بعضها بعضا ومع رسول الله
صلى الله عليه وسلم رهط من المهاجرين والأنصار وأهل بيته فلما رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لا يعطفون على سئ قال يا عباس
أصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة فنادى العباس وكان امرأ
جسيما شديد الصوت يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة فأجابوا
لبيك لبيك وكان الرجل من المسلمين يذهب ليثني بعيره فلا يقدر على
ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ثم يأخذ سيفه وترسه ثم يقتحم
عن بعيره فيخلى سبيل بعيره ويؤم الصوت حتى ينتهى إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة
رجل واستقبلوا الناس وقاتلوا وكانت الدعوة أول ما كانت
يا للأنصار ثم جعلت أخيرا فقالوا يا للخروج وكانوا صبرا عند
69

الحرب فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركابه ونظر إلى مجتلد
القوم فقال الآن حمى الوطيس وإذا رجل من هوازن على جمل
أحمر في يده راية سوداء وفى رأسه رمح طويل أمام الناس وهوازن
خلفه فإذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته رفعه لمن وراءه ويتبعونه
فأهوى إليه علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه فأتاه على من
خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه وثبت الأنصار
على الرجل فضربوه ضربة أطن بها قدمه بنصف ساقه واختلف
الناس وكان شعار المهاجرين يومئذ يا بني عبد الرحمن
وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الأوس يا بني عبيد الله
70

وكانت أم سليم بنت ملحان مع زوجها أبى طلحة فالتفت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهي حازمة وسطها ومعها جمل أبى طلحة فقالت
بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتل هؤلاء الذين
ينهزمون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أو يكفي الله يا أم سليم وإنها يومئذ لحبلى بعبد الله بن أبي طلحة
ومعها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أم سليم
قالت خنجر أخذته إن دنا منى أحد من المشركين بعجت بطنه فقال
أبو طلحة يا رسول الله ألا تسمع ما تقوله أم سليم
ورأى أبو قتادة رجلين يقتتلان مسلم ومشرك فإذا رجل من
المشركين يريد أن يعين صاحبه فأتاه أبو قتادة فضرب يده فقطعها فاعتنقه
المشرك بيده الثانية وصدره فقال أبو قتادة والله ما تركني حتى وجدت
ريح الموت فلو لا أن الدم نزفه يقتلني فسقط وضربته فقتلته
71

ثم انهزم المشركون وأخذ المسلمون يكتفون الأسارى فلما وضعت
الحرب أوزارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا
فله سلبه فقال رجل من أهل مكة يا رسول الله لقد قتلت قتيلا
ذا سلب وأجهضني عنه القتال فلا أدرى من سلبه فقال رجل من أهل مكة
يا رسول الله أنا سلبته فأرضه منى عن سلبه فقال أبو بكر الصديق
أيعمد إلى من أسد الله يقاتل عن الله تقاسمه سلبه رد عليه
سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبو بكر رد عليه
سلبه فرد عليه قال أبو قتادة فبعته فاشتريت به مخرفا
في المدينة لأنه أول مال تأثلته في الاسلام
72

وكان على راية الاحلاف من ثقيف يوم حنين قارب بن
الأسود فلما رأى الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وهرب وكان
على راية بنى مالك ذو الخمار فلما أخذها عثمان بن عبد الله وأقامها
للمشركين فقتل عثمان وانحاز المشركون منهزمين إلى الطائف وعسكر
بعضهم بأوطاس
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيول في آثارهم فأدرك
ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة وهو في شجار على راحلته فأخذ
73

بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة فلما أنخه إذا شيخ كبير وإذا هو دريد
ولا يعرفه الغلام فكان ربيعة غلاما قال دريد ما ذا تريد بي
قال أقتلك قال ومن أنت قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي وضربه
ربيعة بسيف فلم يقدر شيئا فقال له دريد بئس ما أسلحتك أمك
خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ثم أضرب وارفع عن
العظام واخفض عن الدماغ فانى كذلك كنت أقتل الرجال ثم إذا
أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة بسيفه
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال فجمعت
بالجعرانة وبعث في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك
الناس بعض من انهزم فساروا يرمون كل من لقوه ورمى أبا عامر
بسهم فقتل وأخذ برايته بعده أبو موسى فقاتلهم ففتح له وهزمهم الله
74

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وفيها مالك
بن عوف وقد عسكر جماعة من المشركين وعلى مقدمة خيل رسول الله
صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
امرأة مقتولة فقال من قتل هذه قال خالد بن الوليد فقال لرجل
أدرك خالدا وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا
امرأة ولا ولدا ولا عسيفا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
الطائف نزل قريبا فلم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطا فضرب
75

معسكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسجده
وحاصرهم بضع عشرة ليلة وأمر بقطع أعنابهم وقاد رجلا من هذيل
من بني ليث وهو أول دم أقيد في الاسلام ثم نصب المنجنيق على
حصنهم حتى فتحه الله عليه وكان في أيامه يقصر الصلاة
وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاختة
بنت عمرو بن عائذ يقال له ماتع مخنث يدخل على نساء رسول الله
صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخالد
بن الوليد يا خالد إن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا
فلا تفلتن منك بادية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدر بثمان فقال
76

رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يفطن لما سمع به ثم قال لنسائه لا
يدخلن عليكن فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة فقال
له سراقة بن جعشم المدلجي يا رسول الله ترد الضالة حوضي فهل فيه
أ جر ان ان سقيتها
حرى أجر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وطأ الحبالى
حتى يضعن وبينما النبي صلى الله عليه وسلم قاعد بالجعرانة ومعه ثوب
77

وقد أظل به معه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ
بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى برجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما
تضمخ بطيب وإذا النبي صلى الله عليه وسلم مخمر الوجه يغط فلما
سرى عنه قال أين الذي سألني عن العمرة آنفا فأتى به فقال أما
الطيب فاغسله عنك وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في
حجتك وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بالجعرانة بين المسلمين
فأصاب كل رجل أربعا من الإبل وأربعين شاة ومن كان فارسا
أخذ سهمه وسهمي فرسه ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرة
من سنام بعيره ثم قال أيها الناس إني ما لي من فيئكم ولا هذه
الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط
78

فان الغلول يكون على أهله نارا وشنارا يوم القيامة فجاءه رجل من الأنصار
بكبة خيوط من شعر قال يا رسول الله أخذت هذه الكبة أخيط
بها بردعة بعير لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما نصيبي منها
فلك فقال أما إذا بلغت هذه فلا حاجة لي فيها
ثم أسلم مالك بن عوف وقال يا رسول الله ابعثني أضيق على
ثقيف فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه من
تلك القبائل ومن تبعه من بنى سليم فكان يقاتل ثقيفا لا يخرج
لهم سرح إلا أغار عليهم
ثم جاء وفد هوازن راغبين في الاسلام بعد أن قسم لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم السبي فأسلموا
ثم أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم تألفا فأعطى
حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل وأعطى الأقرع بن حابس مائة
من الإبل وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل وأعطى حكيم بن
حزام مائة من الإبل وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل وأعطى
79

عباس بن مرداس السلمي شيئا دونهم فقال فيه أبياتا ولم يعط الأنصار
منها شيئا فقال قائل الأنصار ألا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد لقي قومه فانطلق سعد بن عبادة فدخل على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال يا رسول الله الأنصار قد وجدوا في أنفسهم مما مما رأوك
صنعت في هذه العطايا قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال ما أنا
إلا رجل من قومي قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة فخرج سعد
فنادى في قومه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تجتمعوا في هذه
الحظيرة فقاموا سراعا وقام سعد على باب الحظيرة فلم يدخلها إلا رجل
من الأنصار وقد رد أناسا ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذه
الأنصار قد اجتمعت لك فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ة
قال يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم أكثرتم فيها
80

ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله ألم تكونوا عالة فأغناكم الله ألم تكونوا أعداء
فألف الله بينكم قالوا بلا قال أفلا تجيبونني قالوا إليك المن
والفضل قال أما والله لو شئتم لقلتم وصدقتم جئتنا طريدا فآويناك
ومخذولا فنصرناك وعائلا فآسيناك ومكذبا فصدقناك أوجتم في
أنفسكم من لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا ووكلتم إلى
إيمانكم أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله
إلى رحالكم فالذي نفس محمد بيده لو سلك الناس واديا وسلكت
الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ
من الأنصار إن الأنصار كرشي وعيبتي اللهم اغفر للأنصار وأبناء
الأنصار ولأبناء أبناءهم فبكى القوم حتى أخضلوا لحهم وقالوا رضينا بالله
وبرسوله حظا وقسما ونصيبا ثم تفرق الأنصار وفى هذه المقالة قال ذو
الخويصرة يا رسول الله أعدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
شقيت إن لم أعدل ثم علقت الاعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم
81

يسألونه حتى ألجأوه إلى شجرة عظيمة وخطفت رداءه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ردوا على دائي فوالذي نفس محمد بيده لو كانت عدد
هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجوني كذوبا ولا جبانا ولا بخيلا
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا فاعتمر
منها فبات بالجعرانة واستخلف على مكة عتاب بن أسيد أميرا وخلف
معه معاذ بن جبل يفقه الناس ويعلمهم القرآن وكانت هذه العمرة
في ذي القعدة
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة يريد المدينة
فسلك في وادى سرف حتى خرج على سرف ثم على مر الظهران حتى
قدم المدينة في بقية ذي القعدة
82

ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن
سفيان الكلابية فاستعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عذت بعظيم الحقي بأهلك وفارقها
وحج بالناس عتاب بن أسيد
وولد إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماريا القبطية في
ذي الحجة فوقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم منه شئ فجاء جبريل
عليه السلام فقال السلام عليك يا إبراهيم فسرى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتنافست نساء الأنصار فيه أيتهن ترضعه فدفعه
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد وزوجها
بن مبذول فكانت ترضعه وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأسه يوم السابع وتصدق بوزن شعره فضة على المساكين
وعق عنه بكبشين وعاش ستة عشر شهرا
83

السنة التاسعة من الهجرة
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان ثنا محمد بن التوكل
بن أبي السرى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
بن أبي ثورة عن بن عباس قال لم أزل حريصا أن أسأل عمر بن الخطاب
عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما
ان تتوبا إلى الله فقد صنعت قلوبكما فقال عمر واعجبا لك يا بن عباس
ثم قال هي عائشة وحفصة ثم أنشأ يسوق الحديث فقال كنا معشر
قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدناهم قوما تغلبهم نساؤهم
فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم وكان منزلي في بنى أمية بن زيد في
العوالي قال فتغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت
84

أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فانطلقت
فدخلت على حفصة فقلت أتراجعين على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل قال قلت قد خاب
من فعل ذلك منكن وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي هلكت فلا تراجعي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا ذلك ولا يغرنك أن كانت
جارتك أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد
عائشة قال وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره
وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا قال
فنزل صاحبي يوما أتاني عشاء فضرب على بأبي ثم ناداني فخرجت
إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت وماذا أجاءت غسان
قال لابل أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه
فقلت خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا كائبا فلما صلبت
الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي
85

فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا أدرى هو ذا
معتزل في هذه المشربة قال فأتيت غلاما له أسود فقلت استأذن لعمر
فدخل الغلام إلى وقال قد ذكرتك له ولم يقل سيئا فانطلقت
حتى أتيت المسجد فإذا قوم حول النبر جلوس يبكى بعضهم إلى بعض
قال فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر
فدخل ثم خرج إلى وقال قد ذكرتك له فصمت فرجعت ثم جلست
إلى المنبر ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت أستأذن لعمر فدخل
ثم خرج إلى فقال قد ذكرتك له فسكت فوليت مدبرا فإذا الغلام
يدعوني ويقول أدخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكى على رمل حصير قد أثر بجنبه فقلت
أطلقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءك قال فرفع رأسه إلى وقال لا
فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب
النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن
من نسائهم فتغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك
عليها فقالت لي أتنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليلة قال فقلت
قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أتأمن إحداهن أن يغضب الله
عليها لغضب رسوله فإذا هي هلكت قال فتبسم رسول الله صلى الله
86

عليه وسلم فقلت يا رسول الله فدخلت على حفصة فقلت لها لا تراجعي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك
ولا يغرنك أن كانت جارتك أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم منك قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرى فقلت
أستأنس يا رسول الله قال نعم قال فجلست فرفعت رأسي في البيت
فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبه ثلاثة فقلت يا رسول الله
ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع الله على فارس والروم وهم
لا يعبدونه قال فاستوى جالسا ثم قال أوفى شك أنت يا بن الخطاب
أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي
يا رسول الله وكان أقسم أن لا يدخلن عليهن شهرا من شدة موجدته
عليهن حتى عاتبه الله
قال الزهري فأخبرني عروة بن عائشة قالت فلما مضى تسع
وعشرون ليلة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي
فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت
من تسع وعشرون أعدهن فقال إن الشهر تسع وعشرون
ثم قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا أراك أن تعجلي فيه حتى تستأمري
أبويك قالت ثم قرأ على الآية يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن
87

تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله عظيما قالت عائشة قد علم والله
أن أبوي لم يكونا بفراقه فقلت أفي هذا أستأمر أبوي فانى
أريد الله ورسوله والدار الآخرة
قال في أول هذه السنة هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه
شهرا وكان السبب في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح
ذبحا فأمر عائشة أن تقيم بين أزواجه فأرسلت إلى زينب بنت
جحش نصيبها فردته قال زيديها فزادتها ثلاثا كل ذلك ترده فقالت
عائشة قد أقمأت وجهك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتن
أهون على الله من أن تغضبن لا أدخل عليكن شهرا فدخل عليهن
بعد مضى تسع وعشرون يوما
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز في صفر
إلى الحبشة فانصرف ولم يلق كيدا
88

وفى هذه السرية أمر علقمة أصحابه أن يوقدوا نارا عظيما ثم أمرهم
أن يقتحموا فيها فتحرزوا وأبو ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم
من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بلى في ربيع الأول
ونزل على رويفع بن ثابت البلوى
وقدم وفد نبي ثعلبة بن منقذ وفيها وفد سعد هذيم
وقدم الداريون من لخم عشرة أنفس هانئ بن حبيب والفاكه
89

بن النعمان وحبلة بن مالك وأبو هند بن بر وأخوه الطيب بن بر وتميم بن
أوس ونعيم بن أوس ويزيد بن قيس وعروة بن مالك وأخوه مرة
بن مالك وأهدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد حرم الخمر فأمروا بيعها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها
وقدم وفد بنى أسد فقالوا يا رسول الله قدمنا عليك قبل أن
ترسل إلينا رسولا فنزلت هذه الآية يمنون عليك ان أسلموا
وقدم عروة بن مسعود بن معتب الثقفي على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاسلم ثم استأذن أن يرجع إلى قومه فيدعوهم إلى الاسلام فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قاتلوك قال أنا أحب إليهم من أبكار
أولادهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى قومه ودعاهم
إلى الاسلام وأذن بالصبح على غرفة فرماه رجل من بنى ثقيف
90

بسهم فقتله
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان الكلابي
إلى القرطاء سرية فأصابهم بغدير الزج وقد كتب إليهم النبي صلى الله
عليه وسلم كتابا فآبوا ورقعوا كتابهم بأسفل دلوهم
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب سرية إلى
الفلس من بلاد طئ في ربيع فأغار عليهم وسبى منهم نساء فيهن
أخت عدى بن حاتم
ثم نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي للناس في رجب
وقال صلوا على صاحبكم فقام فصلى هو وأصحابه وصفوا خلفه وكبر
عليه أربعا
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ
لغزوة الروم
في شدة الحر وجدب من البلاد حين طالب الثمار وأحبت
91

الظلال وكان رسول اله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى
بغيرها غير غزوة تبوك هذه فإنه أمر التأهب لبعد الشقة وشدة
الزمان وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الغنى على النفقة
والحملان في سبيل الله ورغبهم في ذلك وحمل رجال من أهل الغنى
واحتسبوا وأنفق عثمان بن عفان تفي ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم
من نفقة ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم
البكاؤن وهم سبعة نفر فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانوا أهل حاجة فقال لا أجد ما أحملكم عليه وأعينهم تفيض من
الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن
لهم فاعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذرهم وهم بنو غفار
وقد كان تنفر من المسلمين أبطأ بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك أخو
بنى سلمة ومرارو بن الربيع أخو بنى عمرو بن عوف وهلال بن أمية
أخو بنى واقف وأبو خيثمة أخو بنى سالم وكانوا نفر صدق ولا يتهمون
في إسلامهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وضرب
معسكره على ثنية الوداع ضرب عبد الله بن أبي بن سلول معسكره
أسفل منه وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على
92

أهله وأمره بالإقامة فيهم واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة
أخا بنى غفار فقال المنافقون والله ما خلفه علينا إلا استثقالا له فلما
سمع ذلك على أخذ سلاحه ثم خرج حتى لحق رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو نازل بالجرف وقال يا بنى الله زعم المنافقون أنك
إنما خلفتني استثقالا فقال كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي
فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فرجع على إلى المدينة ومضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر استقى الناس من بترها
فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشربوا من مائها
شيئا ولا تتوضؤوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل
ولا تأكلوا منه شيئا ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله
السحاب فأمطر حتى ارتوى الناس وتوضأوا ثم إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نزل في بعض المنازل فضلت ناقته فخرج أصحابه في طلبها فقال
بعض المنافقين أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم بخبر السماء
وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أعلم
93

إلا ما علمني الله وقد علمني أنها في الوادي بين شعب كذا وكذا
قد حبستها شجرة بزمامها قال فانطلقوا حتى تأتوا بها فذهبوا فجاؤوا
بها ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتخلف عنه الرجل
فيقولون والله يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يكن فيه
خبر فسيلحقه الله بكم حتى قيل له يا رسول الله تخلف أبو ذر
وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم فلما
أبطأ على أبي ذر بعيره أخذ متاعه على ظهره وترك بعيره ثم خرج يتبع
أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله
رجل على الطريق يمشى وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هذا والله أبا ذر فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا ذر يعيش وحده ويموت
وحده ويبعث وحده فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك
فلما أتاها أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة وصالح على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأعطاه الجزية وأتاه جرباء وأذرح فأعطوا الجزية
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وهو عندهم فكتب
94

ليحنة بن رؤبة بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من محمد
النبي صلى الله عليه وسلم ليحنة بن روبة وأهل بلده وسيارته في البر
والبحر فهم في ذمة الله وذمة محمد النبي صلى الله عليه وسلم
ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث
منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وانه طيب للناس ممن اخذه
وانه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريق يردونه من بر وبحر
وكتب جهيم بن الصلت بأمر رسول الله صلى عليه وسلم
وكتب لأهل جرباء وأذرح بسم الله الرحمن الرحيم هذا
كتاب من محمد النبي صلى عليه وسلم لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله
وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافيه طيبة والله كفيل
عليهم بالنصح والاحسان ومن لجأ إليهم من المسلمين وقد كان
خثيمة أحد بنى سالم رجع بعد أن خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم من المدينة إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشين
لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه ماء
وهيأت له فيه طعاما فلما دخل أب وخيثمة قام على باب العرشين
ونظر إلى إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
95

الريح والحر وأبو خيثمة في ظلال باردة وطعام مهيأ وامرأة حسناء في
ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما
حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيأ له زادا ثم قدم ناضحة
فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أبو خيثمة
يسير إذ لحقه عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب
إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ففعل عمير ثم سار أبو خيثمة حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فقالوا يا رسول الله
هو والله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أخبره الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له
بخير ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وبعثه
96

إلى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة وكان
ملكا عليهم وكان نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد
إنك ستجده يصيد بقر الوحش فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من
حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته
فباتت البقر تحك قرونها بباب القصر فقالت له امرأة هل رأيت
مثل هذا قط قال لا والله فمن يترك هذا قال لا أحد فنزل
أكيدر دومة وأمر بفرسه فأسرج وركب في نفر من أهل بيته ومعه
أخوه حسان فلما خرجوا بمطاردهم تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه
وسلم معهم خالد بن الوليد فقتلوا أخاه حسانا وقد كان عليه قباء من
ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد وبعث به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المسلمون
يلمسونه بأيديهم ويعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتعجبون من هذا والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة
أحسن من هذا ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله ورجع
97

إلى قريته وافتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك فقال مما فعل
كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة يا رسول الله حبسه برداه
والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل بئس والله ما قلت والله
يا رسول الله ما علمنا منه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة
ليلة يقصر الصلاة ولم يجاوزها ثم انصرف قافلا إلى المدينة وكان في
الطريق ماء يخرج من وشل ما يروى الراكب والراكبين والثلاثة
بواد يقال له المشقق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا إلى
ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى أتيه فلما أتاه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وضع يده فيها ينصب في يده ما شاء الله أن ينصب
ثم مجه فيه ودعا الله بما شاء الله أن يدعو فانخرق من الماء فشرب الناس واستقوا
حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم
أو بقى منكم لتسمهن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه
98

وذاك الماء فوارة تبوك اليوم
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بعض النازل ومات
عبد الله بن البجادين فحفروا له ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه وهو يقول أدليا لي أخاكما
فأدلوه إليه فلما هيأه لشقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه فقال عبد الله بن
مسعود يا ليتني كنت صاحب الحفرة
وكان المسلمون يقولون لا جهاد بعد اليوم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا ينقطع الجهاد حتى ينزل عيسى بن مريم
عليه السلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة
مساجد في منازله معروقة إلى اليوم فأولها مسجد بثينة
مدران ومسجد بذات الزراب ومسجد بالأخضر ومسجد بذات
الخطمي ومسجد بذات البتراء ومسجد بالشق ومسجد بذي الجيفة
99

ومسجد بالصدر ومسجد وادى القرى ومسجد الرقعة ومسجد بذي مروة
ومسجد بالفيفاء ومسجد بذي خشب
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان إذا قدم من
سفر بدأ في المسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك
جاء المخلفون فيهم كعب بن مالك ومراوة بن الربيع وهلال بن أمية
وغيرهم فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منهم على نيتهم ويكل سرائرهم
إلى الله حتى جاء كعب بن مالك فسلم عليه فتبسم رسول الله صلى الله
عليه وسلم تبسم المغضب ثم قال له تعال فجاء كعب بن مالك يمشى حتى
جلس بين يديه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما خلفك ألم تكن
ابتعت ظهرك قال بلى يا رسول الله والله لو جلست عند غيرك من
أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدك وإن
لي لسانا ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كاذبا لترضين به
عنى وليوشكن الله أن يسخطك على ولئن حدثتك حديثا صادقا تجد على فيه
وإني لأرجو عقبى الله فيه لا والله ما كان لي عذر ووالله ما كنت قط
100

أقوى وأيسر منى حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أما هذا فقد صدقت قم قم حتى يقضى الله فيك فقام وثار معه
رجال من بنى سلمة واتبعوه وقالوا ما علمناك كنت أذنبت ذنبا
قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما أعتذر إليه المخلفون وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله
صلى الله عليه وسلم لك وجعلوا ينوبونه حتى أراد أن يرجع
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكذب نفسه ثم قال لهم هل لقي
هذا أحد غيري قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت وقال لهما مثل
ما قال لك قال ومن هما قالوا مرارة بن الربيع وهلال بن
أمية الواقفي
ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام هؤلاء الثلاثة فأما
مرارة وهلال فقعدا في بيوتهما وأما كعب بن مالك فكان أشب القوم
وأجلدهم وكان يخرج ويشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف في الأسواق
ولا يكلمه أحد ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وهو في
مجلسه بعد الصلاة ويقول في نفسه هل حرك شفتيه يرد السلام على
أم لا ثم يصلى قريبا منه ويسارقه النظر فإذا أقبل كعب على صلاته
101

نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا التفت نحوه أعرض عنه
حتى طال ذلك عليه من جفوة المسلمين
ثم مر كعب تسور جدار أبى قتادة وهو بن عمه وأحب الناس
إليه فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فقال له يا أبا قتادة أنشدك الله
هل تعلم أنى أحب الله ورسوله فسكت فعاد ينشده فسكت فعاد ينشده
فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عينا كعب ووثب قنسور الجدار ثم غدا
إلى السوق فبينا هو يمشى وإذا نبطي من نبط الشام يسأل عنه
ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة وهو يقول من يدل على كعب بن مالك
فجعل الناس يشيرون إليه جاء كعبا فدفع إليه كتابا من مالك غسان
في سرقة حرير فيه أما بعد فإنه بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله
بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فلما قرأ كعب الكتاب قال
وهذا من البلاء أيضا قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من
أهل الشرك ثم عمد بالكتاب إلى تنور فسجره به ثم أقام عليه
ذلك حتى إذا مضى أربعون ليلة أتاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك
فقال كعب أطلقها أم ماذا قال بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل
102

إلى مرارة وهلال بمثل ذلك فقال كعب لامرأته الحقي بأهلك
فكوني عندهم حتى يقضى الله في هذا الامر ما هو قاض وجاءت امرأة
هلال بن أمية فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع
لا خادم له أفتكره أن أخدمه قال لا ولكن يقربنك قالت والله
يا رسول الله ما به من حركة والله ما زال يبكى منذ كان من
أمره ما كان إلى يومه هذا والله لقد تخوفت على بصره فلبثوا بعد ذلك
عشر ليال حتى كمل خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسلمين عن كلامهم فصلى كعب بن مالك الصبح على ظهر بيت من بيوته
على الحال التي ذكر الله منه ضاقت عليه الأرض برحبها وضاقت عليه
نفسه إذ سمع صوت صارخ أوفى على سلعه يقول بأعلى صوته يا كعب بن
مالك فخر كعب لله ساجدا وعرف أنه قد جاء الفرج وأخبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عليهم حين صلى الصبح
ثم جاء كعبا الصارخ بالبشرى فنزع ثوبيه فكساهما إياه ببشارته واستعار
ثوبين فلبسهما ثم انطلق يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاه الناس
يتهنأونه بالتوبة ويقولون ليهنك توبة الله عليك حتى دخل المسجد
103

ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إليه طلحة بن
عبيد الله فحياه وهنأه فلما سلم كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق بالسرور أبشر بخير
يوم مر عليك منذ ولدتك أمك فقال كعب أمن عندك يا رسول الله
أم من عند الله قال بل من عند الله ثم جلس بين يديه فقال
يا رسول الله إن من توبي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك مالك فهو
خير لك فقال إني ممسك سهمي الذي بخيبر ثم قال يا رسول الله
إن الله قد نجاني بالصدق فان توبتي إلى الله أن لا أحدث إلا صدقا
ما بقيت فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تاب الله على
النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله ان الله هو التواب الرحيم
ثم لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عويمر بن الحارث بن
عجلان وهو الذي يقال له عاصم وبين امرأته بعد العصر في المسجد
104

في شعبان وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
لو أن أحدنا رأى امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر
عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فلم يجبه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما كان بعد ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول إن الذي قد سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله هذه
الآيات والذين يرمون أزواجهم حتى ختم الآيات فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم عاصما فتلا عليه ووعظه وذكره وأخبره أن
عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال عاصم لا والذي بعثك
ما كذبت عليها ثم دعا بامرأته فوعظها وذكرها أن عذاب الدنيا أهون
من عذاب الآخرة قالت لا والذي بعثك بالحق فبدأ بعاصم فشهد
أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين وأمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده على فيه
عند الخامسة وقال احذر فإنها موجبة ثم ثنى بامرأته فشهدت أربع
شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كانت
من الصادقين ثم فرق بينهما وألحق الولد بالام
وماتت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وغسلتها
صفية بنت عبد المطلب ونزل في حفرتها على والفضل وأسامة
105

وورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير
في رمضان مقرين بالاسلام فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب
جوابهم وبعثه مع عمرو بن حزم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل
ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد فقد رفع رسولكم
وأعطيتم من المغانم خمس الله وما كتب الله على المؤمنين من العشر في
العقار وما سقت السماء إذا كان سيحا أو بعلا ففيه العشر إذا بلغ خمسة
أو سق وما سقى بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أو سق
وفى كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين
فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض فان لم توجد
بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فان زادت
واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين
فان زادت واحدة على خمس وأربعين ففيها حقه طروقة الجمل إلى
106

أن تبلغ ستين فان زادت على الستين واحدة ففيها جذعة إلى أن
تبلغ خمسا وسبعين فان زادت واحدة على خمس وسبعون ففيها
ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين فان زادت واحدة على التسعين
ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة فما زاد على عشرين
ومائة ففي كل أربعين بين لبون وفى كل خمسين حقة طروقة
الجمل وفى كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة وفى كل
أربعين باقورة بقرة وفى كل أربعين شاة سائمة شاة إلى
أن تبلغ عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان
إلى أن تبلغ مائتين فان زادت واحدة فثلاث إلى أن تبلغ ثلاثمائة
فان زادت ففي كل مائة شاة شاة ولا تؤخذ بالصدقة بهرمة ولا عجفاء
ولا ذات عوار ولا تيس الغنم ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق
بين مجتمع خشية الصدقة وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية
ففي كل أربعين درهما درهم وليس فيما دون خمس أواق شئ وفى
كل أربعين دينارا دينارا وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته إنما
107

هي الزكاة يزكى بها أنفعهم في فقراء المؤمنين وفى سبيل الله وليس
في رقيق ولا مزرعة ولا عمالها شئ إذا كانت تؤدى صدقتها من العشر
وليس في عبد المسلم ولا فرسه شئ وإن أكبر الكبائر عند الله
يوم القيامة الاشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله
يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمى المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا
وأكل مال اليتيم وإن العمرة هي الحج الصغر ولا يمس القرآن
إلا طاهر ولا طلاق قبل إملاك ولا عتاق يبتاع ولا يصلين
أحد منكم في ثوب واحد ليس على منكبيه شئ ولا يحتبين في ثوب واحد
ليس بين فرجه وبين السماء شئ ولا يصلين أحدكم في ثوب واحد
وشقة باد ولا يصلين أحد منكم عاقصا شعره وإن من اعتبط
مؤمنا قتلا عن بينة فهو قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وإن في
النفس الدية مائة من الإبل وفى الانف إذا أوعب جدعه الدية وفى اللسان
الدية وفى المأمومة ثلث الدية وفى البيضتين الدية
وفى الذكر الدية وفى المأمومة ثلث الدية وفى الجائفة ثلث الدية
108

وفى الرجل الواحدة نصف الدية وفى الصلب الدية وفى العينين
الدية وفى المنقلة خمسة عشر من الإبل وفى السن خمس من
الإبل وفى الموضحة خمس من الإبل وإن الرجل يقل بالمرأة وعلى
أهل الذهب ألف دينار فقرئ الكتاب على أهل اليمن
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الغداة ثم أقبل على الناس بوجهه فقال
يا معشر المهاجرين والأنصار أيكم ينتدب إلى اليمن فقام عمر بن الخطاب
فقال أنا يا رسول الله فسكت عنه ثم قال يا معشر المهاجرين والأنصار
أيكم ينتدب إلى اليمن فقام معاذ بن جبل فقال أنا يا رسول الله فقال
يا معاذ أنت لها يا بلال ائتني بعمامتي فأتاه بعمامته فعمم بها رأسه
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار يشيعون
معاذا وهو راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى إلى جانب راحلته
ثم قال يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وترك
الخيانة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وخفض الجناح وحفظ
109

الجار ولين الكلام ورد السلام والتفقه في القرآن والجزع من الحساب
وحب الآخرة على الدنيا يا معاذ لا تفسد أرضا ولا تشتم مسلما
ولا تصدق كاذبا ولا تكذب صادقا ولا تعص إماما وإنك تقدم على قوم
من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم
أن الله قد فرض عليهم خمس صلوت في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا ذلك
فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم
فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس
يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لها يا معاذ
إذا أحدثت ذنبا فأحدث له توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية يا معاذ يسر
ولا تعسر واذكر الله عند كل حجر ومدر يشهد لك يوم القيامة
يا معاذ عد المريض وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء وجالس
المساكين والفقراء وأنصف الناس من نفسك وقل الحق حيث كان
ولا يأخذك في الله لومة لائم والقنى على الحال التي فارقتني عليها فقال
معاذ بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد حملتني أمرا عظيما فادع الله لي على
ما قلدتني عليه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودعه
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأصحابه ثم أردفه
110

بأبي موسى الأشعري فلما قدم صنعاء منبرها فحمد الله وأثنى عليه
ثم قرأ عليهم عهد ثم نزل فأتاه صناديد صنعاء فقالوا يا معاذ هذا
نزل قد هيأناه لك وهذا منزل قد فرغناه لك قال بهذا أوصاني حبيبي
أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تأخذني بالله لومة لائم
وخلع رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل من ماله
لغرمائه حيث اشتدوا عليه وبعثه إلى اليمن وقال لعل الله يجيرك
وقدم وفد كلاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر
نفر فيهم لبيد بن ربيعة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية مع جماعة من العرب
ليس فيهم من المهاجرين أحد ولا من الأنصار إلى بنى تميم فأغار عليهم
وسبى منهم النساء والولدان وأخذ منهم عشرين رجلا فقدم بهم المدينة
111

فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان منبرا فقام عليه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد حسانا بروح القدس فقال
القوم شاعرهم أشعر من شاعرنا وخطيبهم أخطب من خطيبنا
وقدم وفد الطائف ونزلوا دار المغيرة بن شعبة وطلبوا الصلح
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص أن يكتب لهم
كتاب الصلح
ومرض عبد الله بن أبي سلول في ليال بقين من شوال ومات
في ذي القعدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فلما مات جاء
ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطني قميصك
أكفنه فيه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وأتى قبره فصلى
عليه فنزلت الآية ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره
وقدم وفد بنى فزارة وهم بضعة عشر رجلا فيهم خارجة
بن حصن
112

وقدم وفد بنى عذرة ثلاثة عشر رجلا ونزلوا على المقداد
بن عمرو
وفرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبا بكر يحج بالناس من المدينة في ثلاثمائة نفس
وبعث معه عشرين بدنة مفتولة قلائدها ففتلها عائشة بيدها وقلدها
وأشعرها وساق أبو بكر لنفسه خمس بدنات وحج معه عبد الرحمن بن
عوف فلما بلغ العرج وثوب بالصبح سمع أبو بكر خلفه رغوة وأراد
أن يكبر الصلاة فوقف عن التكبير وقال هذه رغوة ناقة رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجدعاء لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج
فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي فإذا علي عليها
فقال أبو بكر أمير أم رسول فقال لا بل رسول الله صلى الله
عليه وسلم ببراءة أقرأها على الناس في مواقف الحج فقدموا مكة
فقرأ على الناس سورة براءة حتى ختمها فلما كان يوم عرفة قام أبو بكر
فخطب الناس وعرفهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأها على الناس
حتى ختمها فلما كان يوم النحر خطب أبو بكر الناس وحدثهم عن إفاضتهم
113

ونحرهم ومناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها
لينبذ إلى كل حق حقه وذي عهد عهده وأن
لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فلما كان
يوم النفر الأول قام أبو بكر وخطب الناس وحدثهم كيف ينفرون
وكيف يرمون فعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على
الناس براءة حتى ختمها ثم رجعوا إلى المدينة
السنة العاشرة للهجرة
حدثنا محمد بن إسحاق عن خزيمة ثنا محمد بن بشار ثنا أبو
عامر ثنا قرة بن خالد عن أبي جمرة الضبعي قال قلت لابن عباس
إن لي جرة ينيذ لي فيها أطلت الجلوس مع القوم خشيت أن
114

أفتضح من حلاوته قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى قالوا يا رسول الله
إن بيننا وبينك المشركين من مضر وإنا لا نصل إليك إلا في
أشهر الحرم فحدثنا جمل من الامر إذا أخذنا به دخلنا الجنة وندعو إليه من
وراءنا فقال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الايمان بالله وهل تدرون
ما الايمان بالله فقالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن الخمس
من المغنم وأنهاكم عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت
قال في أول هذه السنة قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما دنو من المدينة تركوا رواحلهم وبادروا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ونزل عبد الله بن الأشبح العبدي فعقل راحلته ونزع ثيابه
فلبسها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة سألوه عما ذكرنا
115

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بنى عبد
المدان في شهر ربيع الأول وهم بنو الحارث بن كعب وأسلموا وأخذ
الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم عاملا على
نجران فخرج وأقام عندهم يعلمهم السنة ومعالم الاسلام إلى أن توفى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على نجران
وقدم عدى بن حاتم الطائي ومعه صليب من ذهب فقال النبي
صلى الله عليه وسلم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
وقدم بعده وفد طئ فيهم زيد الخيل وهو رأسهم
ثم قدم جرير بن عبد الملك البجلي فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى هدم ذي الخلصة فهدمها
116

ثم قدم وفد الأزد رأسهم صرد بن عبد الله في بضعة عشر رجلا
وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جرش فافتتحها وكان عاملا
للنبي صلى الله عليه وسلم
وولد محمد بن عمرو بن حزم بنجران فكتب عمرو إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك وأخبره أنه سماه محمد وكناه أبا سليمان
وقدم وفد سلامان وهم سبعة نفر رأسهم حبيب السلاماني
وقدم وفد بنى حنيفة فيهم مسيلمة فقال محمد إن جعلت لي
الامر بعدك آمنت بك وصدقتك وفى بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم
جريدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذه الجريدة ما أعطيتكها
ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله إني لأراك الذي
أريت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت
في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحى إلى في المنام أن
انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين أحدهما العنسي ولآخر
117

مسيلمة صاحب اليمامة
وقدم وفد غسان ووفد عبس ووفد كندة ووفد محارب
ووفد خولان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليه الوفود
لبس أحسن ثيابه وأمر أحبابه بذلك
وقدم وفد مراد رأسهم فروة بن مسيك المرادي واستعمله رسول الله
صلى الله عليه وسلم على مراد ومذحج وبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم خالد بن الوليد على الصدقات إليهم وكتب لهم كتابا بذلك
ودخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
جالس وحده فقال يا أبا ذر إن للمسجد تحية قال وما تحيته
يا رسول الله قال ركعتان فقام فركعهما ثم قال إنك أمرتني
بالصلاة فما الصلاة قال خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر
فقال يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله قال إيمان بالله وجهاد
في سبيله قال فأي المؤمنين أكملهم ايمانا قال أحسنهم خلقا قال
118

فأي المسلمين أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده قال فأي
الهجرة أفضل قال من هجر السوء قال فأي الليل أفضل قال جوف
الليل الغاير قال فأي الصلاة أفضل قال طول القنوت قال فأي
الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قال فأي الجهاد
أفضل قال من عقر جواده وأهريق دمه قال فأي الصدقة أفضل
قال جهد من مقل إلى فقير في سر قال فما الصوم أفضل قال فرض
مجزى وعند الله أفضل قال قال آية الكرسي قال يا رسول الله كم النبيون قال مائة ألف
وأربعة وعشرون ألف نبي قال كم المرسلون منهم قال ثلاثمائة وثلاثة
عشر جما غفيرا قال من كان أول الأنبياء قال آدم قال وكان من
الأنبياء مرسلا قال نعم خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه
ثم سواه وكله قبلا قال يا أبا ذر أربعة من الأنبياء
سريانيون آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من
خط بالقلم ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك
محمد وأول الأنبياء آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأول نبي
من الأنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وبينهما ألف نبي
119

قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنزل الله من كتاب قال مائة كتاب وأربعة
كتب أنزل على شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة
وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر
صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قال يا رسول الله
فما كانت صحف إبراهيم قال كانت أمثالا كلها أيها الملك المسلط
المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكن
بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم فأنى لا أراها ولو كانت من كافر وعلى
العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات ساعة
يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها في
صنع الله عز وجل وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال فان هذه
الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وعلى العاقل
أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فإنه من حسب
كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وعلى العاقل أن يكون طالبا
لثلاث مرمة لمعاش وتزود لمعاد وتلذذ في غير محرم وقال
120

يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها عجبت لمن
أيقن بالموت ثم يفرح وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب وعجبت
لمن أيقن بالحسان غدا ثم لا يعمل قال هل أنزل الله عليك
شيئا مما كان في صحف إبراهيم وموسى قال يا أبا ذر تقرأ
قد أفلح من تزكى وذكر أسم ربه فصلى قال يا رسول الله
أوصني قال أوصيك بتقوى الله فإنه زين لأمرك قال زدني قال عليك
بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك
وإياك والضحك فإنه يميت القلوب ويذهب نور الوجه قال زدني
قال أحب المساكين ومجالستهم قال زدني قال قل الحق ولو كان مرا
قال زدني قال لا تخف في الله لومة لائم قال زدني قال ليحجزنك
عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي ثم قال يا أبا ذر
كفى للمرء غيا أن يكون فيه خصال يعرف من الناس ما يجهل من نفسه
ويتجسس لهم ما هو فيه ويؤذى جليسه فيما لا يعنيه يا أبا ذر لا عقل
كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق
121

ثم بعث على رضي الله تعالى عنه سرية إلى اليمن في شهر
رمضان قال يا رسول الله كيف أصنع قال إذا نزلت بساحتهم
فلا تقاتلهم حتى يقاتلونك فان قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم
قتيلا فلا تقاتلوهم حتى تروهم أناة فإذا أتيتهم
فقل لهم هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة فتردونها على
فقرائكم فان قالوا نعم فلا تبغ منهم غير ذلك ولإن يهدي الله على
يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس
ونزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستوي القاعدون
من المؤمنين والمجاهدون فجاء عبد الله بن أم مكتوم فقال يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي
ما ترى قد ذهب بصري قال زيد بن ثابت فثقلت فخذه على فخذي
حتى خشيت أن ترضها ثم قال غير أولى الضرر
وقدم العاقب والسيد من نجران فكتب لهم رسول الله صلى الله
122

عليه وسلم كتابا صالحهم عليه فهو في أيديهم إلى اليوم وقالا
يا رسول الله أبعث علينا رجلا أمينا نعطه ما سألتنا فقال النبي صلى الله
عليه وسلم لأبعثن لكم رجل أمينا حق أمين فاستشرف لها الناس فبعث
أبا عبيدة عامر بن الجراح ومات أبو عامر الراهب عند هرقل فاختلف
كنانة بن عبد يا ليل وعلقمة بن علانة في ميراثه فقضى برسول الله
صلى الله عليه وسلم لكنانة بن عبد يا ليل
وقدم الأشعث بن قيس وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قومه فبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي
إلى البحرين ليأخذ منهم الصدقات
وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا مع أصحابه إذ طلع عليهم
رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر
ولا يعرفه منهم أحد حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فوضع
123

ركبته إلى ركبته ووضع كفه على فخذه ثم قال يا محمد أخبرني
عن الاسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلا قال صدقت فعجب المسلمون منه يسأله ويصدقه ثم قال
أخبرني عن الايمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال صدقت قال أخبرني
عن الاحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه
فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم بها
من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن
ترى الحفاة العراة يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحج حجة الوداع فأذن
في الناس أنه خارج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم
برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى ذا الحليفة فولدت أسماء بنت
124

عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف
أصنع قال اغتسلي واستثفري بثوب أخرى ثم صلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد وأمر ببدنة أن تشعر وسلت عنها الدم
ثم ركب القصواء فلما استوت به ناقته على البيداء أهل وإن بين يديه وخلفه
وعن يمينه ويساره من الناس ما بين راكب وماش ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فأهل لبيك اللهم لبيك لا شريك لك
لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس معه
فمنهم من أهل مفردة ومنهم من أهل قارنا حتى قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة من الثنية فلما دخل مكة توضأ إلى الصلاة ثم دخل من باب
بنى شيبة فلما أتى الحجر استلمه ورمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى
مقام إبراهيم فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وجعل المقام
بينه وبين البيت وصلى ركعتين قرأ فيهما قل هو الله أحد وقل
يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من البا إلى الصفا
فلما رقى على لصفا والمروة من شعائر الله وقال أبدأ
بما بدأ الله فلما رقى عليها ة رأى البيت استقبل القبلة قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله
وحده أنجز وعده وهزم الأحزاب وحده قال ذلك ثلاث
مرات فلما نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي
125

خب حتى إذا صعد مشى فلما أتى المروة صعد عليها وفعل عليها
ما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طواف على المروة فقال لو استقبلت
ما استدبرت لم اسق الهدى ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى
فليحل وليجعلها عمرة فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله
لعامنا هذا أو للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه وقال
دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل للأبد
وقدم على من اليمن فوجد فاطمة قد لبست ثياب صبع واكتحلت
فأنكر ذلك عليها فقالت أبى أمرني بهذا ثم قال النبي صلى الله عليه
وسلم لعلي بم فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به
رسولك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان معي الهدى فلا تحل
فكان الهدى الذي قدم به علي بن أبي طالب من اليمن والذي أتى به
النبي صلى الله عليه وسلم مائه فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله
عليه وسلم ومن كان معه هدى
واعتل سعد بن أبي وقاص فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فبكى سعد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك
فقال خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن
126

خولة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للهم اشف سعدا ثلاثا فقال
يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وأنعما ومورثتي بنت واحدة
أفأوصي بمالي كله قال لا قال فالنصف قال لا قال الثلث
قال الثلث والثلث كثير إنك إن صدقت مالك صدقة وإن نفقتك
على عيالك صدقة وما تأكل امرأتك من طعامك صدقة وأن تدع
أهلك بخير خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس اللهم أمض
لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة
يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة
فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهل الناس بالحج فصلى
بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم مكث قليلا حتى طلعت
الشمس وأمر بقبة له فضربت له بنمرة ثم سار رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما
كانت قريش تصنع في الجاهلية فجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
جاء عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا
زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فلما أتى بطن الوادي
خطب الناس وقال في خطبته إن دماءكم وأموالكم لكم حرام كحرمة
127

يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شئ من أمر الجاهلية
تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة فاتقوا الله في النساء فإنكم
أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن
لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا
غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت
فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى
فماذا أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال
بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء اللهم اشهد ثم أذن وأقام فصلى الظهر
ثم أقام فصلى العصر ولم صل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف
فجعل بطن القصواء إلى الصخرة وجعل جبل الشاة بين يديه واستقبل
القبلة فلم يزل واقفا والمسلمون معه حتى غربت الشمس وذهبت
الصفرة قليلا ثم أردف أسامة بن زيد خلفه ودفع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد شفق للقصواء الزمام ويقول بيده اليمنى
أيها الناس السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد
فلما أتى المزدلفة صلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح
بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له
الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل
128

القبلة ودعا وكبر وهلل ثم لم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل
أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس حتى أتى محسر فسلك
الطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى فلما أتى الجمرة رماها بسبع
حصيات يكبر مع كل حصاة رماها من بطن الوادي بمثل حصى الخذف
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ثم أعطى فنحر
ما غبر منها وأشركه في هديه وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في
قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله
صلى الله عليه وسلم القصواء فأتى البيت فطاف طواف الزيارة ثم قال
يا بنى عبد المطلب انزعوا فلولا أن يغلبكم الناس لنزعت منكم فناولوه
دلوا من زمزم فشرب منه ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى وصلى
الظهر بها ثم أقام بها أيام منى ثم ودع البيت وخرج إلى المدينة حتى
دخلها والمسلمون معه فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم
وبعض صفر (0)
ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو يعلى حدثنا أحمد بن جميل المروزي ثنا عبد الله بن المبارك
129

أنا معمر عن يونس عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أن المسلمين
بينما هم في صلاة الفجر يوم الاثنين وأبو بكر يصلى لهم لم يفجأهم إلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف
في صلاتهم ثم تبسم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة وهم المسلمون
أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه
فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقضوا صلاتكم ثم دخل
الحجرة وأرخى الستر بينه وبينهم وتوفى في ذلك اليوم
قال أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك
يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر وهو في بيت ميمونة حتى أغمي عليه
من شدة الوجع فاجتمع عنده نسوة من أزواجه والعباس بن عبد المطلب
وأم سلمة وأسماء بنت عميس الخثعمية وهي أم عبد الله بن
جعفر وأم الفضل بنت الحارث وهي أخت ميمونة فتشاوروا في رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين أغمي عليه فلدوه وهو مغمر فلما أفاق قال من
فعل بي هذا قالوا يا رسول الله عمك العباس قال هذا عمل
130

نساء جئن من ههنا وأشار إلى أرض الحبشة فقالوا يا رسول الله
أشفقن أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما كان الله ليعذبني بذلك الداء ثم قال لا يبقين أحد في الدار إلا لد
إلا العباس
فلما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم العلة استأذنت عائشة أزواجه
أن تمرضه في بيتها فأذن لها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس وعلى حتى دخل بيت عائشة
فلما دخل بيتها اشتد وجعه فقال أهريقوا على من سبع قرب لم تحلل
أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسوه في مخضب لحفصة ثم صب
عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إليهن بيده أنن قد فعلتن ثم
قال ضعوا لي في المخضب ماء ففعلوا فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق
قال ضعوا لي في المخضب ماء ففعلوا ثم ذهب لينوء فأغمي
عليه فأفاق وقال أصلى الناس يعد فقالوا لا يا رسول الله وهم
ينتظرونك والناس عكفون ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي
بهم العشاء الآخرة فقال مروا أبا بكر أن يصلى بالناس فقالت عائشة
يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وإنه إذا قام مقامك بكى فقال
مروا أبا بكر يصلى بالناس ثم أرسل إلى أبى بكر فأتاه الرسول فقال
131

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلى بالناس فقال أبو بكر
يا عمر صل بالناس فقال أنت أحق إنما أرسل إليك رسول الله صلى الله
عليه وسلم فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام
ثم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج لصلاة
الظهر بين العباس وعلى وقال لهما أجلساني عن يساره فكان أبو بكر
يصلى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس والناس يصلون
بصلاة أبى بكر ثم وجد خفة صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى خلف أبى بكر
قاعدا في ثوب واحد ثم قام وهو عاصب رأسه بخرقة حتى صعد المنبر
ثم قال والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ثم قال
إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة فلم يفطن لقوله إلا
أبو بكر فذرفت عيناه وبكى وقال بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا
وأنفسنا وأموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمن الناس
على في بدنه ودينه وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت
أبا بكر خليلا ولكن إخوة الاسلام سدوا كل خوخة في المسجد
إلا خوخة أبى بكر ثم نزل ودخل البيت وهي آخر خطبة خطبها
رسول الله صلى الله عليه وسلم
132

فلما كان يوم الاثنين كشف الستارة من حجرة عائشة والناس
صفوف خلف أبى بكر وكأن وجهه ورقة مصحف فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم أن مكانكم وألقى السجف وتوفى آخر
ذلك اليوم وكان ذلك اليوم لاثنتي عشرة خلون من شهر ربيع الأول
وكان مقامه بالمدينة عشر حجج سواء وكانت عائشة تقول
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري
وكان أحدنا يدعو بدعاء إذا مرض فذهبت أعوذ فرفع رأسه إلى السماء
وقال في الرفيق الاعلى ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفى يده جريدة
خضراء رطبة فنظر إليه فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها
ثم دفعتها إليه فاستن بها ثم ناولنيها وسقطت من يده فجمع الله بين
ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة
وكان أبو بكر في ناحية المدينة فجاء فدخل على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو مسجى فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجعل يقبله ويبكي ويقول بأبي وأمي طبت حيا وطبت ميتا
فلما خرج ومر بعمر بن الخطاب وعمر يقول ما مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل المنافقين ويخزيهم وكانوا قد
133

رفعوا رؤوسهم لما رأوا أبا بكر فقال أبو بكر أيها الرجل أربع على
نفسك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ألم تسمع الله يقول
انك ميت وانهم ميتون وقال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن
مت فهم الخالدون ثم أتى أبو بكر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه فان إلهكم قد مات وإن
كان إلهكم الذي في السماء فان إلهكم لم يمت ثم تلا وما محمد الا رسول
قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم حتى ختم
الآية وقد استيقن المؤمنون بموت محمد صلى الله عليه وسلم
وقد كان لعبد المطلب بن هاشم من الأولاد ستة عشر ولدا عشرة
ذكور منهم تسعة عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد والد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وست من الإناث عمات رسول الله صلى الله
عليه وسلم
فأما أولاد عبد المطلب الذكور منهم عبد الله بن عبد المطلب والد
رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير بن عبد المطلب وأبو طالب بن
عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب وضرار بن عبد المطلب وحمزة
بن عبد المطلب والمقوم بن عبد المطلب وأبو لهب بن عبد المطلب
والحارث بن عبد المطلب والغيداق بن عبد المطلب
134

فأما عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن له ولد غير
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ذكر ولا أنثى وتوفى قبل أن يولد
رسول صلى الله عليه وسلم
وأما الزبير بن عبد المطلب فكنيت أبو الطاهر من أجلة القريش
وفرسانها من المبارزين وكان متعالما يقول الشعر فيجيد
وأما أبو طالب بن عبد المطلب فان اسمه عبد مناف وكان هو و
عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم لام واحدة وكان أبو طالب
وصى عبد المطلب لابنه في ماله بعده وفى حفظ رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبعهده على من كان يتعهده عبد المطلب في حياته ومات أبو طالب
قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين
وأربعة أشهر
وأما العباس فكنيته أبو الفضل وكان إليه السقاية وزمزم في
الجاهلية فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دفعها إليه يوم الفتح
وجعلها إليه ومات العباس بن عبد المطلب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة
عثمان بن عفان
وأما ضرار فإنه كان يقول الشعر ويجيده ومات قبل الاسلام
ولا عقب له
135

وأما حمزة فكنيته أبو يعلى وقد قيل أبو عمارة واستشهد
يوم أحد قتلة وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم في شوال سنة ثلاث
من الهجرة وكان حمزة أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين
وأما المقوم فكان من رجالات قريش وأشدائها هلك قبل
الاسلام ولم يعقب
وأما أبو لهب فان اسمه عبد العزى وكنيته أبو عتبة وإنما كنى
أبا لهب لجماله وكان أحول يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين
عمومته ويظهر له حسده إلى أن مات عليه
وأما الحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب اسمه كنيته وهو ممن
شهد حفر زمزم مع عبد المطلب قديما
وأما الغيداق فإنه كان من أسد قريش وأجلادها مات قبل
الوحي ولم يعقب
وأما بنات عبد المطلب فان إحداهن عاتكة بنت عبد المطلب وأميمة
بنت عبد المطلب والبيضاء وهي أم حكيم وأروى بنت عبد المطلب
وصفية بنت عبد المطلب وبرة بنت عبد المطلب
وأما عاتكة فإنها كانت عند أبي أمية بن المغيرة المخزومي
136

وأما أميمة فإنها كانت عند جحش بن رئاب الأسدي
وأما البضاء فإنها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس
وأما صفية فكانت عند العوام بن خويلد بن أسد
وأما برة فإنها كانت عند عبد الأسد بن هلال المخزومي
وأما أروى فكانت عند عمير بن عبد مناف بن قصي
ولم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفية وهي
والدة الزبير بن العوام وتوفيت صفية في خلافة عمر بن الخطاب فهذا
ما يجب أن يعلم من ذكر عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويلم تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن
كلاب بن مرة بمكة قبل الوحي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بن خمس
وعشرين سنة وكانت خديجة قبله تحت عتيق بن عائذ بن عبد الله بن
عمر بن مخزوم وولد له منها أولاده إلا إبراهيم وتوفيت خديجة بمكة
قبل الهجرة
137

ثم تزوج بعد موت خديجة سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس
بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأمها الشموس
بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي
بن النجار خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمها وقدان بن
عبد شمس وكانت قبل ذلك تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن
عمرو من بنى عامر بن لؤي وكانت امرأة ثقيلة ثبطة وهي التي
وهبت يومها لعائشة وقالت لا أريد مثل ما تريد النساء وتوفيت
سودة سنة خمسين
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر بن أبي
قحافة الصديق في شوال وهي بنت ست وبنى بها وبنت تسع
بعد الهجرة وتوفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت
من رمضان سنة سبع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة ودفنت
بالبقيع ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب
في شعبان أمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن
138

جمح وكانت قبل ذلك تحت خنيس بن حذافة بن قيس وذلك في سنة
ثلاث من الهجرة وتوفيت حفصة بنت عمر سنة خمس وأربعين
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة في شهر رمضان
زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال
بن عامر بن صعصعة التي يقال لها أم المساكين وكانت قبله
تحت الطفيل بن الحارث وهي أول من لحقت بالنبي صلى الله عليه
وسلم من نسائه
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة
أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة خمس زينب
بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن
دودان بن أسد بن خزيمة وكانت قبل ذلك عند زيد بن حارثة مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت زينب هذه سنة عشرين
ثم اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب في
سنة سبع وهي من بني إسرائيل وكانت قبله عند كنانة بن أبي الحقيق
سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطفاها وكانت ممن اصطفاها
139

وأعتقها وتزوج بها وماتت صفية بنت حيي سنة خمسين
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذه السنة أم حبيبة
بنت أبي سفيان بن حرب وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش وكانت
بأرض الحبشة مع زوجها مهاجرة فمات زوجها عبيد الله بن جحش
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي
ليخطبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وليها في تلك الناحية إذ كان
سلطانا ولم يكن ولى بتلك الناحية والسلطان ولى من لا ولى له وكان
الذي تولى الخطبة عليها والسعي في أمرها سعيد بن العاص وكان
وليها حينئذ بالبعد فخرجت أم حبيبة مع جعفر بن أبي طالب من أرض
الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتت أم حبيبة سنة
أربع وأربعين
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن
بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن عامر بن صعصعة وكانت
قبله تحت أبى رهم بن عبد العزى من بنى عامر بن لؤي وماتت ميمونة سنة
ثمان وثمانين وهي خالة عبد الله بن عباس لان أم عباس أم الفضل
140

أخت ميمونة
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي
ضرار المصطلقية وكانت قبله عند صفوان بن تميم سباها رسول الله
صلى الله عليه وسلم في غزوة بنى المصطلق فصارت لثابت بن قيس بن
الشماس فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقها وتوفيت
جويرية في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين فصلى عليها مروان
بن الحكم
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان
الجونية ولم يدخل بها ثم طلقها وردها إلى أهلها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة بنت يزيد الكلابية
وطلقها قبل أن يدخل بها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان
الكلابية فاستعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم تعوذت بعظيم فالحقي بأهلك
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو القرظية
141

فرأى بها بياضا قدر الدرهم ثم طلقها ولم يدخل بها فماتت بعد ذلك
بأربعة أشهر
وقد أعطى المقوقس ملك الإسكندرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم
جارية يقال لها مارية القبطية فأولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم
إبراهيم ابنه
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا يوم خرج وعنده
تسع نسوة عائشة بنت أبي بكر الصديق وحفصة بنت عمر بن الخطاب
وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن
حرب وزينب بنت جحش بن رئاب وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة و
وميمونة بنت الحارث بن حزن وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار
وصفية بنت حيي بن أخطب
وأما أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كلهم من خديجة
بنت خويلد بن أسد إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية
وأما أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولهم عبد الله
وهو أكبرهم والطاهر والطيب والقاسم وقد قيل إن عبد الله هو الطاهر
وهو أول مولود ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالت قريش
صار محمد أبتر لان ابنه توفى أنزل الله إن شانئك هو الأبتر
142

وبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وأم كلثوم ورقية
وفاطمة فأما زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبى العاص بن الربيع فولدت
له أمامة بنت أبي العاص وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلى وهو رافعها على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا قام رفعها وماتت
أمامة ولم تعقب
وأما رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عند عتبة
بن أبي لهب
وأما أم كلثوم فكانت عند عتيبة بن أبي لهب فلما نزلت تبت يدا
أبى لهب أمرهما أبوهما أن يفارقاهما وحينئذ لم يحرم الله تزويج المسلمين
من نساء المشركين ولا حرم على المسلمات أن يتزوجهن المشركون
ثم حرم الله ذلك على المسلمين والمسلمات
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية بنته عثمان بن عفان
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وخرجت معه إلى أرض
الحبشة وولدت له هناك عبد الله بن عثمان وبه يكنى عثمان ثم توفيت
143

رقية عند عثمان بن عفان مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر
ودفنت بالمدينة وذلك أن عثمان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في التخلف عند خروجه إلى بدر لمرض ابنته رقية وتوفيت رقية يوم قدوم
زيد بن حارثة العقيلي من قبل يوم بدر
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ابنته أم كلثوم
فماتت ولم تلد
وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة علي بن أبي طالب
بالمدينة فولدت من على الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب
ليس لعلي من فاطمة إلا الخمس
فأما أم كلثوم فزوجها على من عمر فولدت لعمر زيدا ورقية
وأما زيد فأتاه حجر فقتله وأما رقية بنت عمر فولدت لإبراهيم بن
نعيم بن عبد الله النحام جارية فتوفيت ولم تعقب
وأما زينب بنت على فولدت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب جعفرا
وكان يكنى به الأكبر وأم كلثوم وأم عبد الله
وكان ولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات حتى
144

توفى عدى بن حاتم على قومه ومالك بن نويرة على بنى الحنظلة
وقيس بن عاصم على بنى منقر والزبرقان بن بدر على بنى سعد
وكعب بن مالك بن أبي القيس على أسلم وغفار وجهينة والضحاك بن
سفيان على بنى كلاب وعمرو بن العاص على عمان والمهاجر بن أبي
أمية على صنعاء وزياد بن لبيد على حضرموت
ذكر وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي يخبر بإسناد ليس له في
القلب وقع ثنا سفيان بن وكيع بن الجراح ثنا جميع بن عمر بن
عبد الرحمن العجلي أملاه علينا من كتابه ثنا رجل من بنى تميم من ولد
أبى هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله عن بن لأبي هالة عن الحسن بن علي
قال سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا من حديث
النبي صلى الله عليه وسلم وأنا اشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به
فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه
تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم
الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره
شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب
145

سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقي العرنين له نور يعلوه
يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم أشنب
مفلج الأسنان دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة
معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر
بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة
والسرة بشعر يجرى كالخط عرى اليدين والبطن مما سوى ذلك
أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب
الراحة شثن الكفين والقدمين سائر أو سائل شك بن سعيد
الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال
زال قلعا يخطو تكيفا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما
ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى
الأرض أكثر من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه
يبدأ من لقي بالسلام
قال قلت صف لي منطقه فقال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة طويل السكت
146

لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم
بجوامع الكلم فضل لا فضول ولا تقصير دمث ليس بالجافى ولا بالمهين
يعظم النعمة وإن دقت لا يذم شيئا غير أنه لا يذم ذواقا ولا يمدحه
ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا نوزع الحق لم يعرفه أحد ولم يقم
لغضبه شئ حتى ينتصر لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار
أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها فضرب
براحته اليمنى باطن كفه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا
فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام
قال الحسن فكتمها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبق إليه وسأله
عما سألته
قال الحسين فسألت أبى عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك كان إذا أوى إلى
منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء جزء لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه
ثم جزأ جزءا بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر
عنهم شيئا وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأذنه
147

وقسمه على قدر فضلهم في الديم فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين
ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم وإلا معه
من مسألتهم يلائمهم ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد منكم
الغائب وأبلغوا في حاجة من لا يستطيع إبلاغها فان من أبلغ سلطانا
حاجة من لا يستطيع ابلاغها يثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده
إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يفترقون
إلا عن ذواق ويخرجون أذلة
قال فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه قال كان يخزن
لسانه إلا فيما يعنيه ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم القوم ويوليه
عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يظهر على أحد بسره
ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه
ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الامر غير مختلف لا يغفل
مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكل حال عنده عتاد ولا يقصر عن الحق
ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة
148

وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة
قال فسألته عن مجلسه فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر لا يوطن الأماكن وينهى
عن إيطانها وإذا جلس إلى قوم جلس حيث انتهى المجلس ويأمر
بذلك ويعطى كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم
عليه منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابرة حتى يكون هو المتصرف
ومن سأله عن حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع
الناس منه بسطة وخلقة فصار للناس أبا وصاروا في الحق عنده
سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع يه الأصوات
ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثى فلتأته متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى
متواضعين يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذوي
الحاجة ويحفظون الغريب
قال فسألته عن سيرته في جلسائه فقال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ
ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح يتغافل عما لا يشتهى
149

ولا يؤنس معه ولا يخيب فئة قد نزه نفسه من ثلاث كان
لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا
ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت
تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم صمتوا له حتى يفرغ
جل حديثه عندهم حديث أوليهم يضحك مما يضحكون منه يتعجب
مما يعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه حتى أن كان
أصحابه يستجلبونهم ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه
ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه
حتى يجوره فيقطعه بنهي أو قيام
قال وسألته كيف كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال كان سكوته على أربعة على الحلم والحذر والتقدير والتفكر
فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس وأما تفكره ففيما
يبقى ويفنى وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه
وجمع له الحذر في أربعة أخذه بالحسن ليقتدى به وتركه القبيح ليتناهى
عنه وإجهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام فيما يجمع لهم فيه
150

خير الدنيا والآخرة
قال أبو حاتم قد ذكر جمل ما يحتاج إليه من مولد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومبعثه وأيامه وهجرته إلى أن قبضه الله إلى جنته
ثم إنا ذاكرون بعده الخلفاء الأربعة بأيامهم وجمل ما يحتاج إليه من
أخبارهم ليكون ذلك طريقا للمتأسين بهم إذ المصطفى صلى الله عليه وسلم
أمر بذلك الحديث حيث قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
من بعدي وعضوا عليها بالنواجد وإياكم ومحدثات الأمور
فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة جعلنا الله وإياكم من
المتبعين لسنته المبادرين إلى لزوم طاعته إنه الفعال لما يريد بكم
آخر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ويتلوه
كتاب الخلفاء إن شاء الله تعالى
استخلاف أبى بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله تعالى عنه
قال الشيخ أبو حاتم محمد بن حبان أبو أحمد النميمي واسمه عبد الله
ولقبه عتيق واسم أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد
بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
وأم أبى بكر أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب أخو عمرو بن
151

كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن لؤي بن غالب
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان ثنا محمد بن المتوكل
ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
عن بن عباس قال كنت عند عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر
بن الخطاب فلما كان في آخر حجة حجها عمر أتاني عبد الرحمن بن عوف
في منزلي عشاء فقال لو شهدت أمير المؤمنين اليوم وجاءه رجل وقال
يا أمير المؤمنين إني سمعت فلانا يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعت
فلانا فقال عمر إني لقائم العشية في الناس ومحذرهم هؤلاء الرهط الذين
يريدون أن يغتصبوا المسلمين أمرهم فقلت يا أمير المؤمنين إن الموسم
يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم الذين يغلبون على مجلسك وإني
أخشى أن تقول فيهم اليوم مقالة لا يعونها ولا يضعونها مواضعها وأن
يطيروا بها كل مطير ولكن أمهل يا أمير المؤمنين حتى تقدم المدينة فإنها
دار السنة ودار الهجرة فتخلص بالمهاجرين والأنصار وتقول ما قلت
متمكنا فيعون مقالتك ويضعونها مواضعها قال عمر أما والله لأقومن
به في أول مقام أقومه بالمدينة قال بن عباس فلما قدمنا المدينة وجاء
يوم الجمعة هجرت لما حدثني عبد الرحمن بن عوف فوجدت سعيد بن زيد
بن نفيل قد سبقني بالهجرة جالسا إلى جنب المنبر فجلست إلى جنبه تمس
ركبتي ركبته فلما زالت الشمس خرج علينا عمر فقلت وهو مقبل أما والله
152

ليقولن اليوم أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالة لم يقل عليه أحد
قبله قال فغضب سعيد بن زيد فقال وأي مقال يقول لم يقل قبله
فلما ارتقى عمر المنبر أخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ من أذانه قام عمر
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فانى أريد أن أقول
مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدرى لعلها بين يدي أجلى فمن عقلها
ووعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن
خشي أن لا يعيها فانى لا أحل لاحد أن يكذب على إن الله بعث محمدا
صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان مما
أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها فرجم رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجمنا بعده وإني خائف أن يطول بالناس زمان
فيقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله
ألا وإن الرجم على من أحصن إذا زنى وقامت عليه البينة أو كان الحمل
أو الاعتراف ثم إنا قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن ابائكم ثم إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى
بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن فلانا
منكم يقول لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلانا فلا يغتر امرؤ
أن يقول إن بيعة أبى بكر كانت فلتة فد كانت كذلك ألا وإن الله
وقى شرها ودفع عن الاسلام والمسلمين ضرها وليس فيكم من
تقطع إليه الأعناق مثل أبى بكر وإنه كان من خيرنا حين توفى
153

رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عليا والزبير ومن تبعهما تخلفوا
عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار في سقيفة بنى ساعدة واجتمع
المهاجرون إلى أبى بكر فقلت يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من
الأنصار فانطلقنا نؤمهم فلقين رجلين صالحين من الأنصار شهدا بدرا
فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين قلنا نريد إخوتنا هؤلاء الأنصار
قالا فرجعوا فأمضوا أمركم بينكم فقلت والله لنأتينهم فأتيناهم فإذا هم
مجتمعون في سقيفة بني ساعدة بين أظهرهم رجل مزمل قلت من هذا قالوا
سعد بن عبادة قال قلت ما شأنه قالوا وجع فقام خطيب الأنصار
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة
الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط منا وقد دفت إلينا دافة منكم وإذا هم
يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا بأمر دوننا وقد كنت
زورت في نفسي مقالة أريد أن أقوم بها بين يدي أبى بكر وكنت
أدارئ من أبى بكر بعض الحد وكان أوقر منى وأحلم فلما أردت الكلام
قال على رسلك فكرهت أن أغضبه فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه
ووالله ما ترك كلمة قد كنت زورتها إلا جاء بها أو بأحسن منها في
بديهته ثم قال أما بعد وأما ما ذكرتم فيكم من خير يا معشر الأنصار
154

فأنتم له أهل ولم تعرف العرب هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش هم
أوسط العرب دارا ونسبا ولقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا
أيهما شئتم وأخذ بيدي ويد أبى عبيدة بن الجراح فوالله ما كرهت
مما قال شيئا غير هذه الكلمة كنت لان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني
ذلك إلى ثم أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فلما
قضى أبو بكر مقالته قام رجل من الأنصار فقال أنا جذيلها المحكك
وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وإلا أجلنا
الحرب فيما بيننا وبينكم خدعة قال معمر فقال قتادة قال عمر فإنه
لا يصلح سيفان في غمد ولكن منا الامراء ومنكم الوزراء قال معمر
عن الزهري في حديثه فارتفعت الأصوات بيننا وكثر اللغط حتى
أشفقت الاختلاف فقلت يا أبا بكر ابسط يدك أبايعك فبسط يده
فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار قال ونزونا على سعد بن
عبادة حتى قال قائل منهم قتلتم سعدا قال قلت قتل الله
سعدا وأنا والله ما رأينا فيما حضرنا أمرا كان أقوى من مبايعة أبى بكر
155

خشينا أن فارقنا القوم أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نتابعهم على ما لا نرضى
وإما أن نخالفهم فيكون فسادا فلا يغرن امرأ يقول كانت بيعة أبى بكر
فلتة وقد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها وليس فيكم من يقطع
إليه الأعناق مثل أبى بكر فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين
فإنه لا يبايع هو ولا الذي بايعه بعده قال الزهري وأخبرني عروة
أن الرجلين الذين لقياهما من الأنصار عويم بن ساعدة ومعن بن عدي
والذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب الحباب
بن المنذر
قال أبو حاتم نظر المسلمون إلى أعظم أركان الدين وعماد الاسلام
للمؤمنين فوجدوها الصلاة المفروضة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولى أبا بكر إقامتها في الأوقات المعلومات فرضي المسلمون للمسلمين
ما رضى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه طائعين في سائر الأركان
وبايعوه في السر والاعلان
فلما كان اليوم الثاني قام عمر بن الخطاب على المنبر فتكلم قبل
أبى بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني قد قلت لكم
بالأمس مقالة ما كانت إلا منى وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت
156

عهدا عده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأمرنا بقول يكون آخرنا
وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله فان اعتصمتم به
هداكم الله لما كان قد هدى به أهله وإن الله قد جمع أمركم على خيركم
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا
إليه فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد
أيها الناس فانى قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني
وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوى
عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوى فيكم ضعيف عندي حتى
آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم
بالبلاء ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني
ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا
إلى صلاتكم يرحمكم الله
فلما فرغ الناس من بيعة أبى بكر وهو يوم الثلاثاء أقبلوا على جهازه
صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في غسله فقالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما
اختلفوا ألقى الله عليهم السبات حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره
157

ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرى من هو أن اغسلوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا فغسلوه وعليه قميصه فأسنده
على إلى صدره فكان العباس والفضل والقثم يقلبونه وكان أسامة
بن زيد وشقران مولياه يصبان عليه الماء وعلى يغسله ويدلكه من
ورائه لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول بأبي
أنت وأمي ما أطيبك حيا وميتا ولم ير من رسول الله صلى الله عليه
وسلم شئ مما يرى من الميت ثم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ثلاثة أبواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها
إدراجا ثم دخل الناس يصلون عليه أرسالا بدأ به الرجال حتى إذا
فرغوا أدخل النساء ثم أدخل الصبيان ثم أدخل العبيد ولم يؤم الناس
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وكان أبو عبيدة بن الجراح
يحفر كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل يحفر كحفر أهل المدينة
وكان يلحد فدعا العباس بن عبد المطلب رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى
أبى عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبى طلحة فقال اللهم
خر لرسولك فوجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون اختلفوا في دفنه فقائل يقول
ندفنه في مسجده وقائل يقول ندفنه مع أصحابه فقال أبو بكر سمعت
158

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض
فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفى عليه فحفر أبو طلحة
تحته ثم دفن صلى الله عليه وسلم ليلة الأربعاء حين زاغت الشمس ونزل
في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس
وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرح تحته
قطيفة وكان آخرهم عهدا به قثم بن العباس وكان المغيرة بن شعبة
يقول لا بل أنا وكان يحكى قصة
ثم قام أبو بكر في الناس خطيبا بعد خطبته الأولى فقال الحمد لله
ا حمده وأومن بوحدانيته وأستعينه على أمركم كله سره وعلانيته ونعوذ بالله
مما يأتي به الليل والنهار وترتكب عليه السر والجهار وأشهد أن لا إله
إلا الله حافظا ونصيرا وأن محمدا عبده ورسوله بالحق بشيرا ونذيرا
قدام الساعة فمن أطاعه رشد ومن عصاه هلك وشرد فعليكم
أيها الناس بتقوى الله فان أكيس الكيس التقوى وإن أحمق الحمق
الفجور فاتبعوا كتاب الله واقبلوا نصيحته واقتدوا بسنة رسوله وخذوا
شريعته فان الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهو الحكيم
159

العليم وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا الآية واحذروا ا
الخطايا التي لكل بني آدم فيها نصيب ة وتزودوا للآخرة فان المصير
إليها قريب ولكن خيركم من اتبع طاعة الله واجتنب معصيته فاحذروا
يوما لا ينفع فيه من حميم ولا شفيع ولا حميم يطاع وليعمل عامل
ما استطاع من عمل يقربه إلى ربه واعملوا من قبل أن لا تقدروا
على العمل وإن الله لو شاء خلقكم سدى ولكن جعلكم أئمة هدى فاتبعوا
ما أمركم الله به واجتنبوا ما نهاكم عنه واعملوا الخير فان قليله كثير
نام مبارك واتقوا الله حق تقاته واحذروا ما حذركم في كتابه
وتوقوا معصيته خشية من عقابه فليس فيها رغبة لاحد واستعفوا
عما حرم الله وأمر باجتنابه وإياكم والمحقرات فإنها تقرب إلى الموجبات
واعملوا قبل أن لا تعملوا وتوبوا من الخطايا التي لا يغسلها إلا الله
برحمته وصلوا على نبيكم كما أمركم ربكم ثم قال أيها الناس إن الذي
رأيتم منى لم يكن على حرص على ولايتكم ولكني خفت الفتنة
والاختلاف فدخلت فيها وهأنذا وقد رجع الامر إلى أحسنه وكفى الله
تلك الثائرة وهذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم من الناس وأنا أجيبكم
على ذلك وأكون كأحدكم فأجابه الناس رضينا بك قسما وحظا
إذ أنت ثاني اثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر اللهم
صل على محمد والسلام على محمد ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نستعينك
160

ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يكفرك
ثم نزل واستقام له الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبايعه الناس ورضوا به وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا شرذمة مع علي بن أبي طالب تخلفوا عن بيعته
وكان أسامة بن زيد يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أغير صباحا على أهل أنني ثم أمر أبو بكر أن يبعثوا بعث أسامة بن
زيد فقال له الناس إن العرب قد انتقضت عليك وإنك لا تصنع
بتفرق المسلمين عنك شيئا قال والذي نفس أبى بكر بيده لو ظننت
أن السباع أكلتني بهذه القية لأنفذت هذا البعث الذي أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بانفاذه ثم قال أبو بكر لأسامة إن تخلف معي عمر
بن الخطاب فافعل فأذن له أسامة فتخلف عمر مع أبي بكر ومضى
أسامة حتى أوطأهم ثم رجع فسمع به المسلمون فخرجوا مسرورين
بقدومه ولواءه معقود حتى دخل المسجد فصلى ركعتين ثم دخل بيته
ولواءه معقود ويقال إنه لم يحل اللواء حتى توفى ووضعه
في بيته
161

ثم كتب أبو بكر الصديق كتابا إلى معاذ بن جبل يخبره بموت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه مع عمار بن ياسر وقد كان معاذ
أتى اليمن فينا هو ذات ليلة على فراشه إذا هو بهاتف يهتف عند رأسه
يا معاذ كيف يهنئك العيش ومحمد في سكرات الموت فوقف فزعا
ما ظن إلا أن القيامة قد قامت فلما رأى السماء مصحية والنجوم ظاهرة
استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم نودي الليلة الثانية يا معاذ كيف
يهنئك العيش ومحمد بين أطباق الثرى فجعل معاذ يده على رأسه وجعل
يتردد في سكك صنعاء وينادى بأعلى صوته يا أهل اليمن ذروني
لا حاجة لي في جواركم فما شر الأيام يوم جئتكم وفارقت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فخرج الشبان من الرجال والعواتق من النساء وقالوا
يا معاذ ما الذي دهاك فلم يلتفت إليهم وأتى منزله وشد على راحلته
وأخذ جرابا فيه سويق وإداوة من ماء ثم قال لا أنزل عن ناقتي هذه
إن شاء الله إلا لوقت صلاة حتى آتي المدينة فبينا هو على ثلاثة مراحل
من المدينة إذ لقيه عمار فعرفه بالبعير قال اعلم يا معاذ أن محمدا
قد ذاق الموت وفارق الدنيا فقال معاذ يا أيها الهاتف في هذا الليل القار
من أنت يرحمك الله قال أنا عمار بن ياسر قال وأين تريد قال
هذا كتاب أبى بكر إلى معاذ يعلمه أن محمدا قد مات وفارق الدنيا
قال معاذ فإلى من المهتدى والمشتكى فمن لليتامى والأرامل والضعفاء
162

ثم سار ورجع عمار معه وجعل يقول نشدتك بالله كيف أصحاب محمد
قال تركتهم كغنم بلا راع قال كيف تركت المدينة قال تركتها
وهي أضيق على أهلها من الخاتم فلما كان قريبا من المدينة سمعت عجوزا
وهي تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت يا عبد الله
لو رأيت ابنته فاطمة وهي تبكي وتقول يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
يا أبتاه انقطع عنا أخبار السماء ولا ينزل الوحي إلينا من عند الله
أبدا فدخل معاذ المدينة ليلا وأتى باب عائشة فدق عليها الباب فقالت
من هذا الذي يطرق بنا ليلا قال أنا معاذ بن جبل ففتحت الباب فقال
يا عائشة كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شدة وجعه
قالت يا معاذ لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفار مرة
ويحمار أخرى يرفع يدا ويضع أخرى لما هنأك العيش طول أيام الدنيا
فبكى معاذ حتى خشي أن يكون الشيطان قد استفزه ثم استعاذ بالله من
الشيطان الرجيم وأتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ثم ظهر طليحة في أرض بنى أسد ومالت فزارة فيها عيينة بن
حصن بن بدر مرتدين عن الاسلام وبايعه بنو عامر على مثل ذلك
وتربصوا ينظرون الوقعة بين المسلمين وبين بنى أسد وفزارة وقد كان
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم على الصدقات قد جمعوا
163

ما كان على الناس منها فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأما عدى بن حاتم فتمسك بالاسلام وبقى في يده الصدقات وكذلك
الزبرقان بن بدر وأما مالك بن نويرة فأرسل ما في يده وقال لقومه
قد هلك هذا الرجل فشأنكم بأموالكم وقد كانت طئ وبنو سعد كلمهما
عدى بن حاتم والزبرقان بن بدر فقالا وهما كانا أحزم رأيا وأفضل
في الاسلام رغبة من مالك بن نويرة لقومهما لا تعجلوا فإنه ليكونن
لهذا الامر قائم فان كان ذلك كذلك ألقاكم ولم تبدلوا دينكم ولم تعزلوا
أمركم وإن كان الذي تطلبون فلعمري إن ذلك أموالكم بأيديكم
لا يغلبنكم عليها أحد غيركم وسكناهم بذلك حتى أتاهم خبر الناس
واجتماعهم على أبى بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعة المسلمين
إياه فبعثا ما بأيديهم من الصدقة إلى أبى بكر فلم يزل أبو بكر يعرف
فضلهما على من سواهما من المسلمين
وجاء العباس وفاطمة إلى أبى بكر يلتمسان ميراثهما من النبي صلى الله
عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال
لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث
ما تركناه صدقة إنما يأكل محمد من هذا المال وإني والله لا أدع
أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته فيه فهجرته
164

فاطمة ولم تكلمه حتى ماتت
ثم جهز أبو بكر الجيش ليقاتل من كفر من العرب فترك إعطاء
الصدقات وارتد عن الاسلام فقال له عمر كيف تقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى
دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر والله لأقاتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة والذي نفس أبى بكر بيده لو منعوني عقالا
أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه
حتى آخذها قال عمر فلما رأيت شرح صدر أبى بكر لقتالهم علمت
أنه الحق فأمر أبو بكر على الناس خالد بن الوليد وأمر ثابت بن قيس
بن شماس على الناس الأنصار وجمع أمر الناس إلى خالد بن الوليد
ثم أمرهم أن يسيروا وسار معهم مشيعا حتى نزل ذا القصة من المدينة
على بريد وأميال فضرب معسكره وعبأ جيشه ثم تقدم إلى خالد بن الوليد
وقال إذا عشيتم دار من دور الناس فسمعتم أذانا للصلاة فأمسكوا عنها
حتى تسألوهم ما الذي يعلمون وإن لم تسمعوا الاذان فشنوا الغارة
واقتلوا وحرقوا ثم أمر خالد بن الوليد أن يصمد لطليحة وهو على
165

ماء من مياه بنى أسد وكان طليحة يدعى النبوة وينسج للناس الأكاذيب
والأباطيل ويزعم أن جبريل يأتيه وكان يقول للناس أيها الناس
إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا واذكروا الله
قعودا وقياما وجعل يعيب الصلاة ويقول إن الصريح تحت الرغوة
وكان أول ما ابتلى من الناس طليحة أنه أصلب هو وأصحابه العطش في
منزلهم فيه فقال طليحة فيما شجع لهم من أباطيله اركبوا علالا
يعنى فرسا واضربوا أميالا تجدوا قلالا ففعلوا فوجدوا ماء فافتتن
الاعراب به ثم قال أبو بكر لخالد بن الوليد لآتيك من ناحية خيبر إن شاء الله
فيمن بقى من المسلمين وأراد بذلك أبو بكر أن يبلغ الخبر الناس
بخروجه إليهم ثم ودع خالدا ورجع إلى المدينة ومضى خالد بالناس
وكانت بنو فزارة وأسد يقولون والله لا نبايع أبا الفصيل يعنون
أبا بكر وكانت طئ على إسلامها لم تزل عنه مع عدى بن حاتم ومكنف
بن زيد الخيل فكانا يكالبانها ويقولان لبني فزارة والله لا نزال
نقاتلكم إن شاء الله فلما قرب خالد بن الوليد من القوم وبعث عكاشة
166

بن محصن وثابت بن أقرم أخا بنى العجلان طليعة أمامه وخرج طليحة
بن خويلد المتنبئ وأخوه سلمة بن خويلد أيضا طليعة لمن وراءهما فالتقيا
عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم فانفرد طليحة بعكاشة وسلمة بن
خويلد بثابت فأما سلمة فلم يلبث ثابتا أن قتله ثم صرخ طليحة
وقال يا سلمة أعني على الرجل فإنه قاتلي فاكتنفا عكاشة حتى قتلاه
وكرا راجعين إلى من وراءهما فلما وصل خالد والمسلمون إلى ثابت
بن أقرم وعكاشة بن محصن وهما قتيلان عظم ذلك على المسلمين
وراءهم ثم مضى خالد حتى نزل على طئ في خللهم سلمى فضرب
معسكره وانضم إليه من كان من المسلمين في تلك القبائل ثم تهيأ للقتال
وسار إلى طليحة وهو على مائه والتقى معه طليحة في سبعمائة رجل
من بنى فزارة فاقتتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كساء له بفناء بيت له
من شعر يتنبأ ويسجع فهز عيينة بن حصن الحرب وشد القتال
ثم كر على طليحة فقال هل جاءك جبريل بعد قال لا فرجع عيينة
وقاتل حتى إذا هزته الحرب كر عليه ثانيا وقال لا أبا لك هل جاءك
جبريل بعد قال نعم قال فماذا قال لك قال قال لي إن لك
167

رحى كرحاه وحديثا لا تنساه قال عيينة أظن الله أنه قد علم أنه
سيكون لك حديث لا تنساه يا بنى فزارة هكذا فانصرفوا فهذا والله
كذاب فانصرف وانصرفت معه فزارة وانهزم الناس وكان طليحة
قد أعد فرسا له عنده وهيأ بعيرا لامرأته النوار ثم اجتمعت إليه فزارة
وهم مبارزون فقالوا ما تأمرنا فلما سمع منهم ذلك استوى على فرسه
وحمل امرأته على البعير ثم نجا بها وقال لهم من استطاع منكم أن
يفعل كما فعلت وينجو بأهله فليفعل ثم سلك الحوشية حتى لحق بالشام
وانصرفت فزارة وقتل منهم من قتل ثم دخلت القبائل في الاسلام
على ما كانوا عليه من قبل
فلما فرغ خالد من بيعتهم أوثق عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة
بن سلمة وبعث بهما إلى أبى بكر فلما قدما عليه قال قرة يا خليفة
رسول الله إني كنت مسلما وإن عند عمرو بن العاص من إسلامي
شهادة قد مر بي فأكرمته وقربته وكان عمرو بن العاص هو الذي
جاء بخبر الاعراب وذلك أن عمرا كان على عمان فلما أقبل راجعا
إلى المدينة مر بهوازن وقد انتقضوا وفيهم سيدهم قرة بن هبيرة فنزل عليه
عمرو بن العاص فنحر له وأقراه وأكرمه فلما أراد عمرو الرحيل
خلى به قرة بن هبيرة وقال يا عمرو إنكم معشر قريش إن أنتم كففتم
168

عن أموال الناس وتركتموها لهم يريد الصدقات فقمن ان يسمع
لكم الناس ويطيعوا فان أنتم أبيتم إلا أخذ أموالهم فإني والله ما أرى
العرب مقرة بذلك لكم ولا صابرة عليه حتى تنازعكم أمركم ويطلبوا
ما في أيديكم فقال عمرو بن العاص أبالعرب تخوفنا موعدك أقسم الله
لأوطئنه عليك الخيل ثم مضى عمرو حتى قدم المدينة على أبى بكر وأخبره
الخبر قبل خروج خالد إليهم فتجاوز أبو بكر عن قرة بن هبيرة وعيينة بن
حصن وحقن لهما دماءهما
ولما فرغ خالد بن الوليد من بيعة بنى عامر وبنى أسد قال إن الخليفة
قد عهد إلى أن أسير إلى أرض بنى غانم فسار حتى نزل بأرضهم وبث
فيها السرايا فلم يلق بها جمعا وأتى بمالك بن نويرة في رهط من بنى تميم
وبنى خنظلة فأمر بهم فضربت أعناقهم وتزوج مكانه أم تميم امرأة
مالك بن نويرة فشهد أبو قتادة لمالك بن نويرة بالاسلام عند أبي بكر
ثم رجع خالد يؤم المدينة فلما قدمها دخل المسجد وعليه درع معتجرا
بعمامة وعليه قباء عليه صدأ الحديد قد غرز في عمامته أسهما فقام إليه
عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال أقتلت امرأ
مسلما مالك بن نويرة ثم تزوجت امرأته والله لنرجمنك بأحجارك وخالد
169

بن الوليد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأى أبى بكر على مثل
رأى عمر حتى دخل على أبى بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه أنه
لم يعلم فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان منه في حربه تلك فخرج
خالد من عنده وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلى بن أم شملة فعرف
أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه فقام فدخل بيته
ثم ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبيها بستة
أشهر فدفنها على ليلا ولم يؤذن به أبا بكر ولا عمر وكان لعلي جهة
من الناس حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي
فلما رأى انصراف الناس ضرع على إلى مصالحة أبى بكر فأرسل إلى
أبى بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من
شدته فقال عمر لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر والله لآتينهم
وحدي وما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر وحده حتى دخل
على على وقد جمع بنى هاشم عنده فقام على وحمد الله وأثنى عليه بما هو
أهله ثم قال أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة
عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الامر حقا
170

فاستبددت به علينا ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحقهم ولم يزل على يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر فلما صمت على
تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد والله
لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي وإني
والله ما أعلم في هذه الأمور التي كانت بيني وبين على إلا الخير
ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركنا
صدقة إنما يأكل آل محمد من هذه المال قوتا وإني والله لا أدع أمرا
صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته إن شاء الله ثم قال
موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر
عليا ببعض ما اعتذر به ثم قام على فعظم من حق أبى بكر وذكر
فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبى بكر فبايعه وأقبل الناس على على فقالوا
أصبت وأحسنت
ثم توفى عبد الله بن أبي بكر الصديق وكان أصابه سهم بالطائف
مع النبي صلى الله عليه وسلم رماه بن محجن ثم دمل الجرح فمات في شوال
بعد الظهر ونزل حفرته عبد الرحمن بن أبي بكر وعمر بن الخطاب
وطلحة بن عبيد الله ودخل عمر على أبى بكر وهو آخذ بلسانه ينصنصه
171

فقال له عمر يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله فقال
أبو بكر هذا أوردني الموارد
فلما دخل شهر ذي الحجة حج عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة
واشترى مولاه أسلم في حجته تلك ثم رجع إلى المدينة
ثم وجه أبو بكر خالد بن الوليد إلى اليمامة وكان مسيلمة قد تنبأ بها
في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمره ضعيفا ثم وفد إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه فشهد رجال بن عنفوة لأهل
اليمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشركه في الامر فعظم
فتنة عليهم
وخرج خالد بن الوليد بالمهاجرين والأنصار حتى إذا دنا من اليمامة
نزل واديا من أوديتهم فأصاب في ذلك الوادي مجاعة بن مرارة في عشرين
رجلا منهم كانوا خرجوا يطلبون رجلا من بنى تميم وكان أصاب لهم
دما في الجاهلية فلم يقدروا عليه فباتوا بذلك الوادي فلم ينبههم إلا خيل
المسلمين قد وقفت عليهم فقالوا من القوم فقالوا بنو حنيفة قال
فلا أنعم لكم علينا ثم نزلوا فاستوثقوا منهم فلما أصبح دعاهم خالد
بن الوليد فقال يا بنى حنيفة ما تقولون فقالوا منا نبئ ومنكم نبئ
172

فعرضهم خالد على السيف حتى بقى سارية بن عامر ومجاعة بن مرارة
فقال له سارية يا أيها الرجل إن كنت تريد هذه القرية فاستبق هذا
الرجل وأوثق مجاعة في الحديد ودفعه إلى أم تميم امرأته وقال استوصى
به خيرا وضرب عنق سارية بن عامر ثم سار بالمسلمين حتى نزل على
كثيب مشرف على اليمامة وضرب معسكره هناك وخرج أهل اليمامة
مع مسيلمة وتصاف الناس وكان خالد جالسا على سريره ومجاعة مكبل
عنده والناس على مصافهم إذ رأى بارقة في بنى حنيفة فقال خالد أبشروا
يا معشر المسلمين قد كفاكم الله عدوكم واختلف القوم فكر مجاعة إليه
وهو مكبل فقال كلا والله إنها الهندوانية خشوا من تحطمها فأبرزوها
للشمس لتلين لهم فكان كما قال فلما التقى الناس كان أول من خرج
رجال بن عنفوة فقتل واقتتل المسلمون قتالا شديدا حتى انهزم المسلمون
وخلص أصحاب مسيلمة إلى الرحال ودخلوا فسطاط خالد بن الوليد
وفيه مجاعة مكبلا عند أم تميم امرأة خالد فحمل عليها رجل بالسيف
فقال مجاعة أنا لها جار فنعمت الحرة عليكم بالرجال فرحبلوا الفسطاط
بالسيف ثم إن المسلمين تداعوا فقال ثابت بن قيس
173

بن شماس بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع
هؤلاء المسلمون ثم أخذ سيفه حتى جالد به حتى قتل ورأى زيد بن
الخطاب انكشاف المسلمين عن رحالهم فتقدم فقاتل حتى قتل وقام
البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان البراء فيما يقال إذا حضر البأس
أخذه انتفاض حتى يقعد عليه الرجال ثم يبول في سراويله فإذا بال
صار مثل السبع فلما رأى ما صنع المسلمون من الانكشاف وما رأى
من أهل اليمامة أخذه الذي كان يأخذه حتى قعد عليه الرجال فلما بال
وثب فقال أين يا معشر المسلمين أنا البراء بن مالك هلموا إلى فاجتمع
عنده جماعة من المسلمين فقاتل القوم قتالا شديدا حتى خلصوا إلى محكم
اليمامة وهو محكم بن الطفيل فلما بلغه القتال قال يا معشر بنى حنيفة
الآن والله تستحقب الكرائم غير راضيات وينكحن غير حظيات فما
كان عندكم من حسب فأخرجوه ثم تقدم فقاتل قتالا شديدا فرماه
عبد الرحمن بن أبي بكر بسهم فوضعه في نحره فقتله وزحف المسلمون حتى
ألجأوهم إلى الحديقة وفيها مسيلمة فقال البراء بن مالك يا معشر المسلمين
ارموني عليهم في الحديقة فقال الناس لا تفعل يا براء فقال والله
174

أفعل فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحم فقاتلهم حتى فتحها الله
للمسلمين ودخل عليهم المسلمون وقتل مسيلمة اشترك وحشي بن حرب
مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار في قتله فرماه وحشي بحربته
وضربه الأنصاري بسيفه فكان وحشي يقول ربك أعلم أينا قتله
قلت خير الناس وشر الناس
فلما فرغ المسلمون من مسيلمة وأتى خالدا الخبر فخرج بمجاعة
في الحديد يرسف معه ليدله على مسيلمة وكان يكشف القتلى حتى
مر بمحكم بن الطفيل وكان رجلا جسيما وسيما فقال خالد هذا صاحبكم
فقال مجاعة لا هذا والله خير منه وأكرم هذا محكم اليمامة ثم دخلوا
الحديقة وقلبا القتلى فإذا رويجل أصيفر أخينس فقال مجاعة انه والله
ما جاءك إلا سرعان الناس في الحصون قال ويلك
ما تقول قال والله إن ذلك لحق فهلم أصالحك على قومي فصالحه
خالد بن الوليد على الصفراء والبيضاء والحلقة ونصف السبي
ثم قال لمجاعة امض إلى القوم فاعرض ما صنعت فانطلق إليهم ثم قال
للنساء البسن الحديد ثم أشرفن على الحصون ثم انتهى إلى خالد قال
إنهم لم يرضوا على مصالحتك عليه ولكن إن شئت شيئا صنعت وعرضت
على القوم قال ما هو قال تأخذ ربع السبي ربعا قال خالد
175

قد فعلت قال قد صالحتك فلما فرغا دخلوا الحصن فإذا ليس رجل
واحد رماهم إلا النساء والصبيان فقال خالد لمجاعة خدعتني
قال قومي
ثم بعث أبو بكر إلى خالد بن الوليد بسلمة بن سلامة بن وقش
يأمره أن لا يستبقى من بنى حنيفة رجلا قد أنبت فأتاه سلمة وقد فرغ
خالد من الصلح
ثم إن خالدا قد بعث وفدا من بنى حنيفة إلى أبى بكر فقدموا عليه
فقال أبو بكر ويحكم ما هذا الرجل الذي استنزل منكم ما استنزل
قالوا يا خليفة رسول الله قد كان الذي بلغك وكان امرأ
لم يبارك الله له ولا لعشيرته فيه قال أبو بكر على ذلك ما دعاكم
إليه قالوا كان يقول يا ضفدع نقي لا الشراب تمنعين ولا
الماء تكدرين لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن
قريشا قوم يعتدون فقال أبو بكر سبحان الله سبحان الله
فلما فرغ خالد من الصلح نزل واديا من أودية اليمامة فبينما هو قاعد
176

إذ دخل عليه رجل من بنى حنيفة يقال له سلمة بن عمير فقال لمجاعة
استأذن لي على الأمير فان لي إليه حاجة فأتى عليه مجاعة ثم قال
مجاعة إني والله لا أعرف الشر في وجهه ثم نظر فإذا هو مشتمل
على السيف فقال ما لك لعنك الله أردت أن تستأصل بنى حنيفة والله
لئن قتلته ما ترك في بنى حنيفة صغير ولا كبير إلا قتل فانقلب الرجل ومعه
سيفه فوقع في حائط من حوائط اليمامة وحبس به المسلمون فدخلوا
خلف الحائط فقتل
وكان من استشهد من المسلمين يوم اليمامة من قريش ممن يحضرنا
ذكرهم أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولى أبى حذيفة وشجاع بن
وهب بن ربيعة ومالك بن عمرو ويزيد بن قيس وصفوان بن أمية
بن عمرو وأخوه مالك بن أمية والطفيل بن عمرو الدوسي وجبير بن
مالك وأمه بحينة ويزيد بن أوس وحيى بن حارثة والوليد بن عبد
شمس بن المغيرة وحكيم بن حزام بن أبي وهب وزيد بن الخطاب
بن نفيل وعبد الله بن عمرو بن بجرة وعبد الله بن الحارث بن قيس
وأبو قيس بن الحارث وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى وعبد الله
177

بن سهل بن عمرو وسليط بن سليط بن عمرو وعمرو بن أوس بن سعد
بن أبي سرح وربيعة بن أبي خرشة ومنقذ بن عمرو بن عطية وعبد الله
بن الحارث بن رحضة
واستشهد من الأنصار يوم اليمامة ثابت بن قيس بن شماس وعباد
بن بشر بن وقش ورافع بن سهل وعبد الله بن عتيك وحاجب
بن زيد وسهل بن عدي ومالك بن أوس ومعن موليان لهم وفروة
بن العباس وكليب بن تميم وعامر بن ثابت وبشر بن عبد الله وعبد الله
بن عبد الله بن أبي بن سلول وعبد الله بن عتبان وثابت بن هزال وأسيد
بن يربوع وأوس بن ورقة وسعد بن حارثة بن لوذان وسماك
بن خرشة أبو دجانة وسعد بن حمار وعقبة بن عامر بن نابي
وضمرة بن عياض وعبد الله بن أنيس ومسعود بن سنان وحبيب
بن زيد وأبو حبة بن غزية بن عمرو وعمارة بن حزم بن زيد
178

ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد رمى بسهم فمات في الطريق وثابت
بن خالد بن عمرو بن خنساء وفروة بن النعمان بن الحارث وعائذ بن
ماعص الزرقي وحبيب بن عمرو بن محصن
ثم انصرف خالد بن الوليد بالمسلمين حتى قدم المدينة على أبى بكر
وارتدت ربيعة بالبحرين فيمن ارتد من العرب إلا الجارود بن عمرو
بن خنش بن معلى فإنه ثبت على الاسلام فيمن تبعه من قومه
وقالت ربيعة بعضها لبعض نرد الملك إلى المنذر بن ساوى وكان
المنذر ملكهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي فأسلم المنذر وأقام العلاء بها
إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فملك ربيعة المنذر بن النعمان
بن المنذر بن ساوى وجمع جمعهم على الارتداد فلما بلغ أبا بكر خبرهم
بعث إليهم العلاء بن الحضرمي وأمره بثمامة بن أثال الحنفي وكان
قد أسلم ثمامة وأسلم بنو سحيم معه فلما مر العلاء بثمامة بن أثال معه من
اتبعه من قومه من بنى سحيم وسارت ربيعة إليهم فحاصروهم بجواثا
179

حصن بالبحرين وأصاب المسلمون شهدا شديدا من الجوع حتى كادوا
أن يهلكوا فخرج عبد الله بن حذف ليلة من الليالي يتجسس أخبارهم ويجئ
المسلمين بالخبر فأتى الحصن واحتال في دخوله فوجدهم سكارى فرجع
فأخبر المسلمين أن القوم سكارى لا عناء بهم فبيتهم العلاء بن الحضرمي
فيمن معه من المسلمين وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فتح الله على المسلمين
حصنهم وقسم العلاء بن الحضرمي الغنيمة بالبحرين وجمع بها صلاة الجمعة
وخرج الأسود بن كعب العنسي في كندة فباع الناس
والمهاجر بن أبي أمية أميرها وسمعت كندة بذلك واتفقت أيضا مع
من اتبع الأسود على نصره وكان على حضرموت زياد بن لبيد البياضي
فلما رأى ذلك منهم بيتهم بالليل وقتل منهم أربعة من الملوك في محاجرهم
جمدا ومحوصا ومشرحا وأبضعة ثم كتب المهاجر بن أبي أمية إلى
أبى بكر يخبره بانتقاض الناس ويستم منه فبعث أبو بكر عكرمة بن أبي
جهل في حبيش معه إلى المدينة وكانت قطعة من كندة ثبتت على
الاسلام مع زياد بن لبيد وقطعة مع المهاجر بن أبي أمية وزياد
180

بن أبي لبيد بالحرب فلما اشتد عليهم الحصار نزل إليهم الأشعث بن قيس
وسألهم الأمان على دمه وأهله وماله وحتى يقدموه على أبى بكر فيرى
فيه رأيه وأن يفتح النجير ففعلوا ذلك وفتح النجير واستنزلوا
من فيه من الملوك وضربت أعناقهم واستوثقوا من الأشعث بن قيس
وبعثوا به إلى أبى بكر مع السبي وقتل الأسود بن كعب العنسي في
بيته فلما قدم الأشعث على أبى بكر قال أبو بكر فما تأمرني أن أصنع
فيك فإنك فعلت ما علمت قال الأشعث تمن على وتفكني من الحديد
وتزوجني أختك فانى قد راجعت وأسلمت قال أبو بكر قد فعلت
فزوجه أخته فروة بنت أبي قحافة
ثم قدم أهل البحرين على أبى بكر يفتدون سباياهم أربعمائة
فخطب أبو بكر الناس فقال أيها الناس ردوا على الناس سباياهم لا يحل
لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغيب عنه منهم أحد ثم جاء جابر
بن عبد الله أبا بكر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن جاءنا
مال من البحرين أعطيناك هكذا وهكذا فحرز له أبو بكر هكذا خمسمائة
درهم فأعطاه من مال البحرين ألفا وخمسمائة درهم ثم اعتمر أبو بكر
في رجب وخرج هو و عبد الرحمن بن صبيحة على راحلتين واستخلف
181

على المدينة عمر بن الخطاب وقدما مكة ضحوة وخرج منها قبل الليل ومات
أبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب وتزوج عمر بن الخطاب
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
ثم خرج أبو بكر سنة اثنتي عشرة واستخلف على المدينة عثمان بن
عفان وخرج لليلتين بقيتا من ذي القعدة وأحرم من ذي الحليفة
وقدم مكة لسبع خلون من ذي الحجة وكان قد ساق معه عشر بدنات
فخطبهم قبل التروية بيوم في مسجد الحرام وأمرهم بتقوى الله ونهاهم عن
معصيته وعظم عليهم حرمة الاسلام وأمرهم بالقصد في مسيرهم والترفق
وتلا عليهم آيات من القرآن ثم قال من استطاع منكم أن يصلى الظهر بمنى
غدا فليفعل ثم حج لهم ونحر البدن ورمى الجمار ماشيا ذاهبا وجائيا
ومات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة وكان يسمى جرو البطحاء
وأوصى إلى الزبير بن العوام فزوج الزبير ابنته علي بن أبي طالب
ثم قفل أبو بكر من الحج إلى المدينة فلما قدمها كتب إلى خالد بن
الوليد يريد العراق وقد قيل إنه قد قدم المدينة ثم خرج إلى العراق فلما
بلغ خالد بن الوليد إلى قريات من السواد يقال لهن بأنقياء
باروسما وأليبس صالح أهلها وكان الذي صالحه عليها بن صلوبا
182

فقبل منهم الجزية وكتب له كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من
خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي ومنزله بشاطئ الفرات أنك آمن
بأمان الله ممن حقن دمه بإعطاء الجزية وقد أعطيت عن نفسك ومن
كان في قريتك ألف درهم فقبلناها ورضى من معي من المسلمين بها
عنك فلك ذمة الله وذمة محمد صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين على
ذلك وشهد هشام بن الوليد ثم أقبل خالد حتى نزل الحيرة وكان
عليها قبيصة بن إياس بن حية الطائي أمير الكسرى فخرج إليه بأشرافهم
فقال لهم خالد أدعوكم إلى الله وإلى الاسلام فان أجبتم إليه فأنتم
من المسلمين لكم ما لهم وعليكم ما عليهم وإن أبيتم فالجزية فان أبيتم
الجزية فقد أتيتكم بأقوام أحرص على الموت منكم على الحياة
جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم فقال له قبيصة بن إياس ما لنا
بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك الجزية فصالحهم على
تسعين ألف درهم كل سنة فكانت أول جزية وقعت بالعراق هذه والتي
صالح عليها بن صلوبا
وبعث أبو بكر بعد قفوله من الحج الجنود إلى الشام فبعث عمرو
183

بن العاص إلى فلسطين فأخذ طريق المعرقة على أيلة وبعث يزيد بن أبي
سفيان وعبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة إلى الشام وأمرهم
أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشام وبعث خالد
بن سعيد بن العاص على ربع من الأرباع فلم يزل عمر بن الخطاب
بأبي بكر حتى عزله وأمر مكانه بن أبي سفيان وخرج أبو بكر مع
يزيد بن أبي سفيان يوصيه ويزيد راكب قال أيه الأمير إما أن تركب
وإما أن أنزل فقال ما أنت بنازل ولا أنا براكب أليست خطاي هذه
في سبيل الله ثم قال يا يزيد إنكم ستقدمون بلادا فإذا أكلتم
الطعام فسموا الله على أولها واحمدوه على آخرها وستجدون قوما حبسوا
أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم وستجدون أقواما
قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد يعنى الشمامسة فاضربوا تلك
الأعناق ولا تقتلن كبيرا هرما ولا امرأة ولا وليدا ولا تعقرن
بهيمة إلا لنفع ولا تخربن عمرانا ولا تقطعن بحرا إلا لنفع ولا تغل
184

ولا تغدر ولا تخن ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز أقرئك
السلام وأستودعك الله ثم انصرف أبو بكر ومضى يزيد بن أبي سفيان
وتبعه شرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة بن الجراح فردا فردا ونزل
عمرو بن العاص في قصره بغمر العربات ونزل الروم بثنية جلق
بأعلى فلسطين في سبعين ألفا عليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه فكتب
عمرو بن العاص إلى أبى بكر يذكر له أمر الروم ويستمده فكتب أبو بكر
إلى خالد بن الوليد وهو يأمره أن يمد أهل الشام فيمن معه من أهل
القوة ويستخلف على ضعفة الناس رجلا منهم فلما أتاه كتاب
أبى بكر قال خالد هذا عمل الأعيسر بن أم شملة يعنى عمر بن
الخطاب حسدني أن يكون فتح العراق على يدي فسار خالد بأهل القوة
من الناس ورد الضعفاء والنساء إلى المدينة وأمر عليهم عمير بن
سعد الأنصاري واستخلف على من أسلم بالعراق من ربيعة
185

وغيرهم المثنى بن حارثة الشيباني فلما بلغ خالد بمن معه عين التمر أغار
على أهلها فأصاب منهم ورابط حصنا بها فيه مقاتلة لكسرى حتى
استنزلهم وضرب أعناقهم وسبى منهم سبايا كثيرة وكان من تلك
السبايا أبو عمرة والد عبد الاعلى بن أبي عمرة ويسار جد محمد
بن إسحاق وحمران بن أبان مولى عثمان وأبو عبيد مولى المعلى
وخير مولى أبى داود الأنصاري وأبو عبد الله مولى زهرة
فأراد خالد المسير والتمس دليلا فدل على رافع بن عميرة الطائي
فقال له خالد انطلق بالناس فقال له رافع إنك لا تطيق ذلك بالجنود
والأثقال والله إن الراكب المفرد ليخافها على نفسه وما يسلكها
إلا مغررا إنها لخمس ليال جياد ولا يصاب فيها ماء مع مضلتها
قال له خالد ويحك ألا بد لي منها إنه قد أتاني من الأمير عزمة
بذلك فمر بأمرك فقال رافع استكثروا من الماء من استطاع
منكم أن يصر أذن ناقته على ماء فليفعل فإنها المهالك إلا ما
دفع الله فتأهب المسلمون وسار خالد بمن معه فلما بلغوا آخر يوم
186

من المفازة قال خالد لرافع بن عميرة ويحك يا رافع ما عندك قال
أدركت الري إن شاء الله فلما دنا من العلمين قال رافع للناس انظروا
هل ترون شجيرة من عوسج كعقدة الرجل فلم يروا شيئا فقال إنا لله
وإنا إليه راجعون هلكتم والله إذا وهلكت انظروا فاطلبوها
فطلبوا فوجدوها قد قطعت وبقى منها بقية فلما رآها المسلمون
كبروا وكبر رافع بن عميرة ثم قال احفروا في أصلها فحفروا
فاستخرجوا عينا فشربوا حتى روى الناس ثم اتصل بعد ذلك لخالد
المنازل فقال رافع فوالله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة وردتها
مع أبي وأنا غلام فلما بلغ لخالد والمسلمون إلى سوى أغار على أهله
وهم بهراء قبيل الصبح وإذا جماعة منهم يشربون الخمر في جفنة لهم قد
اجتمعوا عليها ومغنيهم يقول
إلا عللاني قبل جيش أبى بكر لعل منايانا قريب ولا ندري
فقتلهم خالد بن الوليد وقتل مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة ثم سار
خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط حتى نزل على قناة بصرى وعليها
187

أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وخرج
خالد بن سعيد بن العاص بمرج الصفر في يوم مطير يستمطر فيه
فتعاوى عليه أعلاج الروم فقتلوه واجتمع خالد بن الوليد وشرحبيل
بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان معهم حتى صالحته بصرى على الجزية
وفتحها الله للمسلمين فكانت تلك أول مدينة فتحت بالشام ثم ساروا جميعا
إلى فلسطين مددا لعمرو بن العاص وعمرو مقيم بالعربات من غور فلسطين
وسمع الروم باجتماع المسلمين لعمرو بن العاص فانكشفوا عن جلق
إلى أجنادين وأجنادين بلد بين الرملة وبيت جبرين من أرض
فلسطين وسار المسلمون إلى أجنادين وكان الامراء أربعة
والناس أرباعا إلا عمرو بن العاص كان يزعم أنه جميعهم
فلما اجتمعت العساكر وتدانت بعث صاحب الروم رجلا
عربيا ليأتي بخبر المسلمين فخرج الرجل ودخل مع المسلمين
188

وأقام فيهم يوما وليلة لا ينكر ثم أتى الروم فقالوا له ما وراءك
فقال أما بالليل فرهبان وأما بالنهار ففرسان ولو سرق بن ملكهم
قطعوا يده ولو زنى رجموه لإقامة الحق فيهم
ثم تزاحف الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فقال صاحبهم لهم
لفوا رأسي في ثوب قالوا له ولم قال يوم موقف البئيس لا
أحب أن أراه ما رأيت في الدنيا أشد منه وكانت الهزيمة على
الروم فلقد قتل صاحبهم وإنه لملفف في ثوبه وكان لليلتين بقيتا من
جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة فقتل بأجنادين من المسلمين نعيم بن
عبد الله النحام وهشام بن العاصي بن وائل وعمرو
بن عكرمة والطفيل بن عمرو الدوسي وعبد الله بن عمرو حليف
لهم وجندب بن عمرو بن حمسة الدوسي وضرار بن
189

الأزور وطليب بن عمرو بن وهب ومسلمة بن هشام بن المغيرة
وجار بن سفيان بن الأسود والحارث بن الحارث والحجاج بن
الحارث وقيس بن صخر ونعيم بن عامر
استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله
بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن
معد بن عدنان أبو حفص العدوى وأم عمر حنتمة بنت هشام
بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت أبى جهل بن هشام
حدثنا محمد بن القاسم الدقاق بالمصيصة ثنا يوسف بن سعيد بن
مسلم ثنا هارون بن زياد الحنائي ثنا الحارث بن عمير عن حميد عن أنس
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي
أبى كر وعمر
190

قال أبو حاتم فلما حانت منية أبى بكر رحمة الله عليه أغتسل
قبلها يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوما باردا فحم
خمسة عشر يوما حتى قطعته العلة عن حضور الصلاة وكان يأمر عمر
بن الخطاب أن يصلى بالناس وكان الناس يعودونه وهو في منزله الذي
أقطع له النبي صلى الله عليه وسلم وسلو وجاه دار عثمان بن عفان اليوم
فبينا هو في ليلة من الليالي عند نسائه أسماء بنت عميس وحبيبة بنت
خارجة بن زيد بن أبي زهير وبناته أسماء وعائشة وابنه عبد الرحمن بن أبي
بكر إذ قالت عائشة أتريد أن تعهد إلى الناس عهدا قال نعم
قالت فبين للناس حتى يعرفوا الوالي بعدك قال نعم قالت
عائشة إن أولى الناس بهذا الامر بعدك عمر وقال عبد الرحمن بن أبي
بكر إن قريشا تحب ولاية عثمان بن عفان وتبغض ولاية عمر لغلظه
فقال أبو بكر نعم الوالي عمر وهو بخير له أن يلي أمر أمة محمد
أما إنه لا يقوى عليهم غيره إن عمر رآني لينا فاشتد ولو كان واليا للان
لأهل اللين واشتد على هل الريب فلما أصبح دعا نفرا من المهاجرين
والأنصار يستشيرهم في عمر منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن
عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقال لعبد الرحمن بن عوف
191

يا أبا محمد أخبرني عن عمر فقال يا خليفة رسول الله هو
والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة فقال
لعبد الرحمن بن عوف ذلك لأنه رآني لينا فاشتد ولو آل إليه الامر
لترك كثيرا مما هو عليه اليوم إني إذا غضبت على الرجل أراني الرضا عنه
وإذا لنت له أراني الشدة عليه لا تذكر يا أبا محمد مما ذكرت لك
شيئا قال نعم ثم دعا عثمان بن عفان فقال يا أبا عبد الله
أخبرني عن عمر فقال أنت أخبر به فقال أبو بكر فعلى ذلك قال
إن علمي أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله قال يرحمك الله
يا أبا عبد الله لا تذكر مما ذكرت لك شيئا قال أفعل فقال له
أبو بكر لو تركته ما عدوتك وما أدرى لعلي تاركه
والخيرة له أن لا يلي أمركم ولوددت أنى خلو من أمركم وأنى كنت
فيمن مضى من سلفكم ثم قال لعثمان اكتب هذا ما عهد عليه أبو بكر بن أبي
قحافة إلى المسلمين أما بعد ثم أغمي عليه فذهب عنه
فكتب عثمان أما بعد فقد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم الكم
خيرا ثم أفاق أبو بكر فقال اقرأ على فقرأ عليه ذكر عمر فكبر
أبو بكر فقال جزاك الله عن الاسلام خيرا ثم رفع أبو بكر يديه
192

فقال اللهم وليته بغير أمر نبيك ولم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت
عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به وقد حضر من
أمري ما قد حضر فاجتهدت لهم الراء فوليت عليهم خيرهم لهم وأقواهم
عليهم وأحرصهم على رشدهم ولم أرد محاماة عمر فاجعله من خلفائك
الراشدين يتبع هدى بنى الرحمة وهدى الصالحين بعده وأصلح له رعيته
وكتب بهذا العهد إلى الشام إلى المسلمين إلى أمراء الأجناد أن قد وليت
عليكم خيركم ولم آل لنفسي ولا للمسلمين خيرا
وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس ثم نادى عمر بن الخطاب
فقال له إني مستخلفك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا عمر إن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار وحقا في النهار
لا يقبله في الليل وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة يا عمر
إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله
عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه غير الحق أن يكون ثقيلا يا عمر
193

إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل
وحق لميزان لا يوضع فيه غير الباطل أن يكون خفيفا يا عمر إنما
نزلت آية الرخاء مع آية الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون
المؤمن راغبا راهبا فلا ترغب رغبة فتتمنى على الله فيها ما ليس لك
ولا ترهب رهبة تلقى فيها يديك يا عمر إنما ذكر الله أهل النار
بأسوأ أعمالهم ردا عليهم ما كان من خير فإذا ذكرتهم قلت لأرجو
أن لا أكون منهم وإنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه
تجاوز لهم عما كان من سئ فإذا ذكرتهم قلت أي عمل من أعمالهم
أعمل فان حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من
الحاضر من الموت ولست بمعجزه
وتوفى أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليلة الاثنين لسبع عشرة خلت من
جمادى الآخرة وله يوم مات اثنتان وستون سنة وكانت خلافته
سنتين وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوما وكان مرضه خمس عشرة
194

ليلة وغسلته أسماء بنت عميس وكفن في ثلاثة أثواب ونزل
في قبره عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن
بن أبي بكر ودفن ليلا بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد
بن عمر أن ينزل قبر أبى بكر مع أبيه فقال له عمر قد كفيت وكان
أبو قحافة بمكة فسمع الهائعة فقال ما هذا فقيل مات ابنك
فقال رزء جليل فإلى من عهد قالوا لعمر قال صاحبه وورثه
أبو قحافة السدس وكان من عمال أبى بكر يوم توفى عتاب بن أسيد
على مكة وعثمان بن أبي العاص على الطائف والعلاء بن الحضرمي
على البحرين ويعلى بن أمية على خولان ومهاجر بن أبي أمية
على صنعاء وزياد بن لبيد على حضرموت وعمرو بن العاص على
فلسطين وعلى الشام أربعة نفر من الأجناد خالد بن الوليد
وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان ومات
أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي دفن
فيه أبو بكر
195

ثم قام عمر بن الخطاب في الناس خطيبا وهي أول خطبة خطبها
بعد ما استخلف فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس
إني لا أعلمكم من نفسي شيئا تجهلونه أنا عمر بن الخطاب وقد علمتم من
هيئتي وشأني وإن بلاء الله عندي في الأمور كلها حسن وقد فارقني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنى راض بحمد الله لم يجد على
في شئ من خلقي وأنا أسعد الناس بذلك إن شاء الله وقمت
لخليفته من بعده بحق الطاعة وأحسنت له المؤازرة ولم أحرص على
القيام عليكم كالذي حرص على ولكن خليفتكم المتوفى أوصى إلى
بالخلافة عليكم برضى منكم وآلوه الهمة ذلكم وإياكم ولولا الذي
أرجو أن يأجرني الله في قيامي عليكم لم أقم عليكم ولنحيته عن نفسي
ووليته غيري وقد كنت أرى فيكم أمورا على عهد نبيكم صلى الله
عليه وسلم كدت أكرهها ويسؤني منكم فقد رأيتم تشددي فيها والامر
الذي أمر به من فوقي أريد طاعة الله وإقامة الدين فأطعتكم قد علمتم
أو من علم ذلك منكم أنى قد كنت أفعل ذلك وليس لي عليكم من
سلطان وأكن أهن في شئ منه وقد ولاني الله اليوم أمركم ولقد
علمت أنى أنفع بحضرتكم لكم فانى أسأل الله ربي أن يعينني عليه
196

وأن يحرسني عند ما بقى كما حرسني عند غيره وأن يلقنني العقل في
قسمكم كالذي أمر به ثم إني مسلم وعبد من عبيده ضعيف إلا ما
أعان الله ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا
إن شاء الله وإنما العظمة لله ليس للعباد منها شئ فلا يقولن
أحد منكم إن عمر بن الخطاب تغير لما ولى أمر المسلمين فمن ظلمته
مظلمة فانى أعطيه الحق من نفسي وأتقدم عليكم وأبين لكم أمري
أيما رجل كانت له حاجة إلى أمير المؤمنين أو ظلم بمظلمة أو عتب علنيا
في حق فليؤذني فإنما أنا امرؤ منكم ولم يحملني سلطاني الذي أنا عليه
أن أتعظم عليكم وأغلق بأبي دونكم وأترك مظالمكم بينكم وإذا
منع الله أهل الفاقة منكم اليوم شيئا بعد اليوم فإنما هو
فيئ الله الذي أفاءه عليكم لست وإن كنت أمير المؤمنين ولن
أخفى إبقاء إن كان بيني وبين أحد منكم خصومة أقاضيه إلى
أحدكم ثم أقنع بالذي يقضى بيننا فاعلموا ذاك وإنكم قوم مسلمون
على شريعة الاسلام ثم عليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم
التي حرم الله عليكم من دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأعطوا
الحق من أنفسكم ولا يحملن بعضكم بعضا إلى أن يوقع إلى السلطان
شأنه فليستعذ بي فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة من
197

منع من نفسه حقا واجبا عليه أو استحل من دماء المسلمين واعراضهم
وأبشارهم فأنا أقتص منه وإن كان يدلي إلى بقرابة قريبة
ثم إنكم معشر العرب في كثير منكم جفاء في الدين وخرق في
الأمور إلا من عصمه الله برحمة وإني قد جعلت بسبيل أمانة
عظيمة انا مسؤول عنها وإنكم أيها الناس لن تغنوا عنى من الله
شيئا وإني حثيث على صلاحكم عزيز على ما عنتم حريص على
معافاتكم وإقامة أموركم وإنكم إناء من حصل في سبيل الله عامتكم
أهل بلد لا زرع فيها ولا ضرع إلا ما جاء الله به إليه
وإن الله قد وعدكم كرامة كبيرة ودنيا بسيطة لكم وإنني مسؤول عن أمانتي
وما أنا فيه ولا أستطيع ما بعد منها إلا بالامناء وأهل
النصح منكم للشاهد والغائب ولست أجعل أمانتي إلى أحد ليس
لها بأهل ولن أوليه ذلك ولا أجعله إلا من تكون رغبته في أداء
الأمانة والتوقير للمسلمين أولئك أحق بها ممن سواهم اللهم صل
على محمد عبدك ورسولك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولما ورد كتاب أبى بكر الشام على أمراء الأجناد باستخلاف
عمر بايعوه وأطاعوه ثم ساروا إلى فحل من أرض الردن وقد اجتمع
198

بها الروم والمسلمون عليهم الامراء الأربعة وخالد بن الوليد على مقدمة
الناس فلما نزلت الروم بيسان بثقوا أنهارها وهي أرض سبخة
فكانت وحلة فغشيها المسلمون ولم يعلموا بما فعلت الروم
فزلقت فيها خيولهم ثم سلمهم الله والتقوا هم والروم بفحل فاقتتلوا
فهربت الروم ودخل المسلمون فحلا وانكشفت الروم إلى دمشق وغنم
المسلمون غنائم كثيرة
وكتب خالد بن الوليد إلى عمر أن الناس قد اجترؤا على الشراب
فاستشار عمر أصحابه عليا وعثمان والزبير وسعدا فال على إذا شرب
سكر وإذا سكر افترى وإذا افترى فعليه ثمانون فأثبت عمر
الحد ثمانين
ثم كانت وقعة الجسر وذلك أن المثنى بن حارثة الشيباني قدم
على عمر بن الخطاب من العراق وقال يا أمير المؤمنين إنا بأرض فارس
قد نلنا منهم واجترأنا عليهم ومعي من قومي جماعة فابعث معي ناسا
من المجاهدين والأنصار يجاهدون في سبيل الله فقام عمر بن الخطاب
199

فحمد الله وأثنى عليه ثم دعا الناس إلى الجهاد ورغبهم فيه وقال إنكم
أيها الناس قد أصبحتم في دار غير مقام بالحجاز وقد وعدكم الله على
لسان نبيه كنوز كسرى وقيصر فسيروا إلى أرض فارس فسكت
الناس لما ذكرت فارس فقام أبو عبيد بن مسعود الثقفي فقال
يا أمير المؤمنين أنا أول من انتدب من الناس حتى اجتمعوا وأجمعوا
على المسير ثم قال يا أمير المؤمنين اجتمع الناس أمر عليهم رجلا
من المهاجرين أو من الأنصار فقال لا أومر عليهم إلا أول من انتدب
منهم فأمر أبا عبيدة فقال إنه لم يمنعني أن أستعمل عليهم سليط بن
قيس إلا أنه رجل فيه عجلة إلى القتال فأخاف ان يوقع الناس موقعا
يهلككم فاستشره ثم سار أبو عبيد مع المثنى بن حارثة الشيباني والمسلمون
معهما حتى إذا انتهى إلى بلاد قومه قام معه ربيعة فسار بهم وسار
أبو عبيد بالناس حتى نزلوا باليمن وفيها مصلحة الأعاجم فاقتتلوا بها
قتالا شديدا فانهزمت العجم ثم بعث أبو عبيدة بمن معه من المسلمين
فالتقيا فاقتتلوا فهزم الجالنوس وأصحابه ودخل أبو عبيد باروسما
حصنا لهم ونزل هو وأصحابه فيه
200

ثم بعث الأعاجم ذا الحاجب وكان رئيس الأعاجم رستم فلما
بلغ أبا عبيد مسيرهم إليه انحاز بالناس حتى عبر الفرات فنزل في المروحة
وأقبلت الأعاجم حتى نزلت خلف الفرات ثم إن أبا عبيد حلف
ليقطعن إليهم الفرات فناشده سليط بن قيس وقال أنشدك الله في
المسلمين في تدخلهم هذا المدخل فان العرب تفر وتكر فاجعل للناس
مجالا فأبى أبو عبيد وقال جبنت والله يا سليط قال والله ما جبنت
ولكن قد أشرت عليك بالرأي فاصنع بما بدا لك فعمد أبو عبيد
إلى الجسر الذي عقد له بن صلوبا فعبر عليه المسلمون فلما التقوا شد عليهم
الفيل فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل قال هل لهذه الدابة من
مقتل قالوا نعم إذا قطع مشفرها ماتت فشد على الفيل فضرب
مشفره فبرك عليه الفيل فقتله وهرب المسلمون منهزمين فسبقهم عبد الله
بن مرثد الخثعمي إلى الجسر فقطعه فقال له الناس لم فعلت هذا قال
لتقاتلوا عن أميركم
ولما قتل أبو عبيد أخذ الراية المثنى بن حارثة فانحازوا ورجعت
الفرس ونزل المثنى بن حارثة أليس وتفرق الناس ولحقوا بالمدينة
201

فأول من قدم المدينة بخبز الناس عبد الله بن حصين الخطمي فجزع
المسلمون من المهاجرين والأنصار بالفرار وكان عمر يقول لا تجزعوا
أنا فئتكم إنما انحرتم إلى
وكان ممن قتل بالجسر أبو عبيد بن مسعود الثقفي وابنه جبر
بن أبي عبيد وأسعد بن سلامة وسلمة بن أسلم بن حريش والحارث بن عدي
بن مالك والحارث بن مسعود بن عبدة ومسلم بن أسلم وخزيمة
بن أوس وأنيس بن أوس بن عتيك بن عامر وعمر بن أبي اليسر
وسلمة بن قيس وزيد بن سراقة بن كعب والمنذر بن قيس
وضمرة بن غزية بن عمرو وسهل بن عتيك وثعلبة بن عمرو بن
محصن وحج بالناس عمر بن الخطاب السنة الرابعة عشرة
فلما دخلت السنة الرابعة عشرة سار المسلمون إلى دمشق وخالد
بن الوليد على مقدمة الناس وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال
له باهان بدمشق فعزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد وأمر أبا عبيدة
202

بن الجراح على جميع الناس فاستحى أبو عبيدة أن يقرى خالدا الكتاب
وقال أصبر حتى يفتح الله دمشق فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم الروم
وتحصنوا فرابطها المسلمون حتى فتحت صلحا وأعطوا الجزية وكان
قد أخذ الأبواب عنوة وجرى الصلح على يدي خالد وكتب
الكتاب ولحق باهان بهرقل وكان ذلك في رجب ومدة
حصاره دمشق ستة أشهر فلما فرغ المسلمون من دمشق أقرأ أبو عبيدة
خالدا الكتاب فانصرف خالد إلى المدينة وقد قيل إن الصلح جرى
على يد أبى عبيدة
ثم خرج عمر على الناس فقال إني وجدت من عبيد الله ابني
ريح شراب وإني سائل عنه فان كان مسكرا جلدته قال السائب بن
يزيد فشهدته بعد ذلك يحده وكان الذي حده عبد الرحمن بن عبد
ثم ضرب أبا محجن الثقفي وربيعة بن أمية بن خلف المخزومي وحدهم
في الخمر
ثم أمر عمر من كان بالبلدان التي افتتحت أن يصلوا فيها التراويح
في شهر رمضان وصلى بالناس بالمدينة كذلك
ثم قدم جرير بن عبد الله البجلي من اليمن على عمر في ركب من
203

بجيلة فقال لهم عمر إنكم قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم
بالعراق فسيروا إليهم وأنا أخرج لكم من كان منكم في قبائل العرب
قالوا نفعل يا أمير المؤمنين فأخرج إليهم قيسا وكندة وعرينة وأمر
عليهم جرير بن عبد الله البجلي فسار بهم إلى الكوفة فلما بلغ قريبا
من المثنى بن حارثة كتب له المثنى أقبل إلى إنما أنت لي مدد فكتب
إليه جرير إني لست فاعلا إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين أنت
أمير وأنا أمير ثم سار جرير نحو الجسر فلقيه مهران بن باذان عند
النخيلة فاقتتلوا قتالا شديدا وشد المنذر بن حسان على مهران
فطعنه فوقع عن دابته واقتحم عليه جرير بن عبد الله فاحتز رأسه
فاشتركا جميعا في سلبه
ثم إن عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبي وقاص على العراق ومعه
ستة آلاف رجل وكتب إلى المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله أن
اجتمعا إلى سعد فسار سعد بالمسلمين وسار المنذر وجرير إليه حتى
نزل سعد بشراف وشتا بها واجتمع إليه الناس وتزوج سعد امرأة
المثنى سلمى بنت حفصة ثم حج بالناس عمر بن الخطاب
204

فلما دخلت السنة الخامسة عشرة كان فيها وقعة اليرموك وذلك
أن الروم سار بهم هرقل حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لخم
وجذام وبلقين وبلى وعاملة وغسان ومن معه من أهل أرمينية بشر
كثير فأقام بأنطاكية وسار أبو عبيدة بن الجراح في المسلمين إليهم في
أربعة وعشرين ألفا وكان الروم مائة ألف فالتقوا باليرموك
فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كانت نساء قريش يضربن بالسيوف وكان
أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد فجعل ينادى في المعركة يا نصر الله
اقترب حتى أنزل الله نصره وهزم الروم فقتل من الروم ومن معه
من أهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفا وقتل الله الصقلار
وباهان رئيسين لهم
ثم بعث أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم في طلبهم فسلك
الأعماق حتى بلغ ملطية فصالح أهلها على الجزية فسمع هرقل بذلك
فبعث إلى ملطية فساق من فيها من المقاتلة وأمر بها فأحرقت
205

وكان ممن قتل باليرموك من المسلمين عمرو بن سعيد بن العاص
وأبان بن سعيد بن العاص وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد وسعيد بن
الحارث بن قيس
ولما حسر عن سعد بن أبي وقاص الشتاء سار بالمسلمين يريد
القادسية وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستمده فبعث
إليه عمر المغيرة بن شعبة في أربعمائة رجل مددا لسعد من المدينة
وكتب إلى أبى عبيدة بن الجراح أن أمد سعدا بألف رجل
من عندك ففعل أبو عبيدة ذلك وأمر عليهم عياض بن غنم الفهري
وسمع بذلك رستم فخرج بنفسه مع من عنده من الأعاجم يريد سعدا
وحج عمر بالناس
فلما كانت السنة السادسة عشرة أراد عمر بن الخطاب أن يكتب
التأريخ فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم من قال
من النبوة ومنهم من قال من الهجرة ومنهم من قال من الوفاة
فأجمعوا على الهجرة وكتب التأريخ لسنة ست عشرة من الهجرة
فلما وصل إلى سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شعبة سار بالمسلمين
إلى رستم حتى نزل قادس قرية إلى جنب العذيب وأقبل
206

رستم في ستين ألفا من الجموع ممن أحصى في ديوانه سوى
التبع والرقيق حتى نزل القادسية وبينهم وبين المسلمين جسر
القادسية وسعد في منزله وجع قد خرج به قرح شديد فبعث رستم
إلى سعد أن ابعث إلى رجلا جلدا أكلمه فبعث إليه المغيرة بن شعبة
ففرق المغيرة رأسه أربع فرق ثم عقص شعره ولبس برديه وأقبل
حتى انتهى إلى رستم من وراء الجسر مما يلي العراق والمسلمون من الناحية
الآخرى مما يلي الحجاز فلما دخل عليه المغيرة قال له رستم إنكم
معشر العرب كنتم أهل شقاء وجهد وكنتم تأتوننا من بين تاجر
وأجير ووافد فأكلتم من طعامنا وشربتم من شرابنا واستظللتم بظلالنا
فذهبتم فدعوتم أصحابكم وجئتم تؤذوننا وإنما مثلكم مثل رجل
له حائط من عنب فرأى فيه أثر ثعلب فقال وما بثعلب واحد
فانطلق ذلك الثعلب حتى دعا الثعالب كلها إلى ذلك الحائط فلما اجتمعن
فيه جاء صاحب الحائط فرآهن فسد الحجر الذي دخلن منه ثم قتلهن
جميعا وأنا أعلم إنما حملكم على هذا معشر العرب الجهد الذي
أصابكم فارجعوا عنا عامكم هذا فإنكم شغلتمونا عن عمارة بلادنا ونحن
نوقر لكم ركائبكم قمحا وتمرا ونأمر لكم بكسوة فارجعوا عنا فقال
207

المغيرة بن شعبة لا يذكر منا جهد أي وقد كنا في مثله أو أشد أفضلنا
في أنفسنا عيشا الذي يقتل بن عمه ويأخذ ماله فيأكله
نأكل الميتة والدم والعظام فلم نزل على ذلك حتى بعث الله فينا نبينا
وأنزل عليه الكتاب فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به فصدقه به منا
مصدق وكذبه به منا مكذب فقاتل من صدقه من كذبه حتى دخلنا في
دينه منن بين موقن ومقهور حتى استبان لنا أنه صادق وأنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نقاتل من خالفنا وأخبرنا أنه من قتل منا
على ذلك فله الجنة ومن عاش ملك وظهر على من خالفه ونحن
ندعوك إلى أن تؤمن بالله وبرسوله وتدخل في ديننا فان فعلت كانت
لك بلادك ولا يدخل عليك فيها إلا من أحببت وعليك الزكاة
والخمس وإن أبيت ذلك فالجزية وإن أبيت ذلك قاتلناك
حتى يحكم الله بيننا وبينك
قال له رستم ما كنت أظن أن أعيش حتى أسمع هذا منكم
معشر العرب لا أمسى غدا حتى أفرغ منكم وأقتلكم كلكم ثم أمر
بالمعبر أن يسكر فبات ليلته يسكر بالزرع والقصب والتراب حتى أصبح
وقد تركه جسرا وعبأ سعد بن أبي وقاص الجيش فجعل خالد بن
عرفطة على جماعة الناس وجعل على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي
208

وعلى الميسرة قيس بن مكشوح المرادي وزحف إليهم رستم وزحف
إليه المسلمون وكان سعد في الحصن معه أبو محجن الثقفي محبوس
حبسه سعد في شرب الخمر فاقتتل المسلمون قتالا شديدا والخيول تجول
وكان مع سعد أم ولده فقال لها أبو محجن وسعد في رأس الحصن
ينظر إلى الجيش كيف يقاتلون أطلقيني ولك عهد الله وميثاقه لئن
لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلي الحديد في رجلي فأطلقته وحملته على
فرس لسعد بلقاء وخلت سبيله فجعل أبو محجن يشد على العدو ويكر
وسعد ينظر فوق الحصن يعرف فرسه وينكره
وكان عمرو بن معد يكرب مع المسلمين فجعل يحرض على الناس
القتال ويقول يا معشر المسلمين كونوا أسودا إن الفارسي تيس
وكان في الاعلاج رجل لا يكاد يسقط له نشابة فقيل لعمرو بن
معد يكرب يا أبا ثور اتق ذلك الفارسي فإنه لا تسقط له نشابة فقصد
نحوه وجاءه الفارسي ورماه بنشابة فأصابت ترسه وحمل عليه عمرو
فاعتنقه وذبحه فاستلبه سوارين من ذهب ومنطقة من ذهب ويلمقا
من ديباج وحمل رستم على المسلمين فقصده هلال بن علقمة التميمي
209

فرماه رستم بنشابة فأصاب قدمه فشكها إلى ركاب سرجه وحمل عليه هلال
بن علقمة فضربه فقتله واحتز رأسه وولت الفرس واتبعتهم المسلمون
يقتلونهم فلما رأى أبو محجن الهزيمة رجع إلى القصر وأدخل رجليه
في قيده فلما نزل سعد من رأس الحصن رأى فرسه قد عرفت فعرف
أنها قد ركبت فسأل أم ولده عن ذلك فأخبرته خبر أبي محجن فخلى
سبيله ونهض سعد بالمسلمين خلفهم وانتهى الفرس إلى دير قرة فنزل
عليهم سعد بالمسلمين ووافى عياض بن غنم في مدده من أهل الشام وهم
ألف رجل فأسهم له سعد ولأصحابه من المسلمين مما أصابوا بالقادسية
وكان الناس قد أجبنوا سعدا وقالوا أجبنت عن محاربة الأعداء
فاعتذر إلى الناس وأراهم ما به من القروح في فخذيه حتى سكت الناس
ثم انهزم الفرس من دير قرة إلى المدائن وحملوا ما معهم من
الذهب والفضة والحرير والديباج والسلاح وخلوا ما سوى ذلك
فبعث سعد خالد بن عرفطة في طلبهم معه أصحابه وأردفه بعياض
بن غنم في أصحابه وجعل على مقدمة الناس هاشم بن عتبة بن أبي وقاص
وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البجلي وعلى ميسرتهم زهرة بن حوية
التميمي وتخلف عنهم بنفسه لما به من الوجع ثم أفاق سعد من وجعه
وبرئ واتبع الناس بمن معه من المسلمين فأدركهم دون دجلة على
210

بهرسير فطلبوا المخاضة فلم يهتدوا لها فقال علج من أهل المدائن لسعد
أنا أدلكم على مخاضة تدركونهم قبل أن يمنعوا السير فخرج بهم على
مخاضة فكان أول من خاض المخاضة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص
في رجله فلما جاز تبعه خيله ثم أحاز عياض بن غنم بخيله
ثم تتابع الناس فخاضوا حتى جاوزوا ويقال إن تلك المخاضة لم تعرف
إلى الساعة فبلغ المسلمون إلى ساباط طويل مظلم وخشوا أن يكون
فيه كمين للعدو فأخذوا يتجابنون فكان أول من دخله بجيشه هاشم
بن عتبة بن أبي وقاص فلما جاز لاح للناس بسيفه فعرفوا أنه ليس
فيه شئ يخافونه ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله ثم لحق سعد
بالناس حتى انتهوا إلى جلولاء وبها جماعة من الفرس وكانت بها
وقعة جلولاء وهزم الله الفرس وأصاب المسلمون بها من الغنائم أكثر
مما أصابوا بالقادسية
وكتب سعد إلى عمر بن الخطاب يخبر بفتح الله على المسلمين
فكتب إليه عمر أن قف مكانك ولا تطلب غير ذلك فكتب إليه سعد
إنما هي سربة أدركناها والأرض بين أيدينا فكتب إليه عمر أقم
211

مكانك ولا تتبعهم وأعد للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد ولا تجعل
بيني وبين المسلمين بحرا فنزل سعد بالأنبار فاجتووها وأصابهم بها
الحمى فكتب إلى عمر يخبره بذلك فكتب إلى سعد أنه لا يصلح
العرب إلا حيث يصلح البعير والشاء في منابت العشب فانظر فلاة
إلى جنب بحر فأنزل المسلمين بها واجعلها دار هجرة فسار سعد حتى نزل
بكويفة فلم يوافق الناس الكون بها من كثرة الذباب والحمى فبعث
سعد عثمان بن حنيف فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم فنزلها سعد
بالناس وخط مسجدها واختلط فيها للناس الخطط وكوف الكوفة
واستعمل سعد على المدائن رجلا من كندة يقال له شرحبيل بن السمط
ثم كتب عمر إلى سعد أن ابعث إلى أرض الهند يريد البصرة
جندا لينزلوها فبعث إليها سعد عتبة بن غزوان في ثمانمائة رجل حتى نزلها
وهو الذي بصر البصرة واختلط المنازل وبنى مسجد الجامع بالقصب
وكان فتح البصرة صلحا وافتتح عتبة بن غزوان الأبلة والفرات
212

وميسان ومن سبى ميسان والد الحسن وأرطبان جد بن عون
ثم خرج عتبة حاجا وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلى
بالناس إلى أن يرجع فحج ورجع فمات في الطريق قبل أن يصل إلى
البصرة فأقر عمر المغيرة بن شعبة على الصلاة وولد عبد الرحمن بن أبي
بكرة بالبصرة وهو أول مولود ولد بها
وخرج عمر بن الخطاب وخلف عثمان بن عفان على المدينة
فلما قدم الشام نزل بالجابية فقام فيها خطيبا لهم ثم أراد عمر الرجوع
إلى الحجاز فقال له رجل من اليهود يا أمير المؤمنين لا ترجع إلى
بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء فبينا عمر كذلك إذ نظر
إلى كردوس خيل مقبل فلما دنوا من المسلمين سلوا السيوف فقال
عمر هم قوم يستأمنون فآمنوهم فأقبلوا وإذا هم أهل إيلياء
فصالحوه على الجزية وفتحوها له وكتب لهم عمر كتاب عهد بذلك
ورجم بالجابية امرأة أقرت على نفسها بالزنا
ثم رجع إلى المدينة ودون لهم الديوان وغرب أبا محجن الثقفي
إلى باضع وتزوج عمر صفية بنت أبي عبيد على مهر أربعمائة
213

درهم وحج بالناس عمر استخلف على المدينة زيد بن ثابت
فلما دخلت السنة السابعة عشرة كتب عمر إلى البلدان بمواقيت
الصلاة ووضع ما بين مكة والمدينة مياها للسابلة واتخذ دارا بالمدينة
وجعل فيها الدقيق والسويق للمتقطع والضيف إذا نزل
وولى عمر المغيرة على البصرة فسار المغيرة إلى الأهواز فصالحوه
على ألفي ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ثم ارتدوا فغزاهم بعد ذلك
أبو موسى الأشعري إلى أن افتتحها يقال عنوة وقد قيل صلحا
وبعث أبو عبيدة بن الجراح عمرو بن العاص غلى قنسرين فصالح
أهل حلب ومنبج وأنطاكية وافتتح سائر أرض قيصر عنوة
ويقال إن في هذه السنة افتتح أبو موسى الأشعري الرهاء وسميساط صلحا
ثم أراد عمر الخروج إلى الشام فخرج حتى إذا بلغ
سرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان
وشرحبيل بن حسنة وأخبروه أن الأرض وبية فقال عمر لابن عباس ا
جمع إلى المهاجرين الأولين فجمعهم له واستشارهم فاختلفوا
214

عليه فمنهم القائل خرجت لوجه تريد فيه الله والدار الآخرة
ولا نرى أن نصدك عنه ومنهم من يقول لا نرى أن تقدم عليه
وتقدم الناس فلما اختلفوا عليه قال قوموا عنى ثم جمع الأنصار
واستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين فلما اختلفوا عليه قال قوموا
عنى ثم جمع مهاجرة الفتح فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم
اثنان قالوا جميعا ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء فقال عمر لابن عباس
أخبر الناس أن أمير المؤمنين يقول إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه
فأصبح عمر على ظهر وأصبح الناس عليه فقال أيها الناس إني راجع
فارجعوا فقال له أبو عبيدة بن الجراح يا أمير المؤمنين
افرارا من قدر الله قال نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله لو غيرك
قالها يا أبا عبيدة أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدو ثان إحداهما
خصبة والأخرى جدبة أليس يرعى من يرعى الجدبة بقدر الله ويرعى
من يرعى الخصبة بقدر الله ثم خلا به بناحية دون الناس فبينا الناس على
ذلك إذ لحقهم عبد الرحمن بن عوف وكان متحنفا ولم يشهد معهم يومهم
بالأمس فقال ما شأن الناس فأخبره الخبر فقال عندي من هذا علم فقال
عمر ما عندك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا
سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا
فرارا منه لا يخرجنكم إلا ذلك فقال عمر فلله الحمد فانصرفوا
215

أيها الناس فانصرف بهم ورجع أمراء الأجناد إلى أعمالهم
ثم اعتمر عمر في رجب وأمر بتوسيع المسجد وتجديد أنصاب الحرم
وتزوج بمكة بنت حفص بن المغيرة فأخبر أنها عاقر فطلقها قبل أن يدخل
بها وأقام بمكة عشرين ليلة ورجع إلى المدينة
وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع فصالحه
أهل بعلبك ثم خرج أبو عبيدة يريد حمص وقدم خالدا أمامه فقاتلوا
قتالا شديدا ثم هزمت الروم حتى دخلوا مدينتهم فحاصرهم المسلمون
فسألوه الصلح عن أموالهم وأنفسهم وكنائسهم فصالح المسلمون حمص
على مائة ألف دينار وسبعين ألف دينار وأخذ سائر مدائن حمص عنوة
وبعد موت عتبة بن غزوان والى البصرة أمر عمر على البصرة
أبا موسى الأشعري وكان المغيرة على الصلاة بها فشهد أبو بكرة وشبل
بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد على المغيرة بما شهدوا فبعث عمر
إلى أبى موسى الأشعري أن أشخص إلى المغيرة ففعل ذلك أبو موسى
ثم تزوج عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وهي من فاطمة
ودخل بها في شهر ذي القعدة ثم حج واستخلف على المدينة زيد
بن ثابت
216

فلما دخلت السنة الثامنة عشرة أصاب الناس مجاعة شديدة فاستسقى
لهم عمر وأخذ يد العباس وقال اللهم إنا نستسقي بعم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فما زال العباس قائما إلى جنبه وعيناه تهملان وعمر يلح
في الدعاء حتى سقوا فسمى هذه السنة سنة الرمادة وأجرى عمر
الأقوات على المسلمين وكان يرزق الضعفاء القوت ونهى عن الحكرة
حاطبا وغيره
وكان طاعون عمواس فتفانى الناس فيه فكتب عمر إلى أبى عبيدة
إنك أنزلت الناس أرضا عميقة فارفعهم إلى أرض مرتفعة فسار أبو عبيدة
بالناس حتى نزل بالجابية ثم قام أبو عبيدة خطيبا فقال أيها الناس
إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن
أبا عبيد يسأل الله أن يقسم له منه حظه فمات من يومه واستخلف على
الناس معاذ بن جبل فقام معاذ خطيبا بعده فقال أيها الناس إن هذا
الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم إن معاذا
يسأل الله أن يقسم له حظه ثم لأهل بيته فطعن ابنه عبد الرحمن بن
معاذ فمات ثم طعن معاذ في راحته فكان يقبل ظهر كفه وكان
يقول ما أحب أن لي بما فيك من الدنيا شيئا ثم مات واستخلف على
الناس عمرو بن العاص فقام فيهم خطيبا فقال أيها الناس إن هذا
217

الوجع إذا وقع يشتعل اشتعال النار فارتفعوا عنه في الجبال
فمات في طاعون عمواس يزيد بن أبي سفيان والحارث بن هشام
بن المغيرة وسهيل بن عمرو وعتبة بن سهيل
فلما بلغ عمر بن الخطاب موت أبى عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي
سفيان أمر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها وأمر
شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها وغرب عمر بن ربيعة
بن أمية إلى خيبر ولحق بأرض الروم وتنصر فلم يغرب عمر بعد
ذلك في رجلا شئ من عمله
ولا عن عمر بين رجل وامرأته ورجع ساحرا بالبقيع ثم حج عمر
بالناس فلما قدم بمكة أخر المقام مقام إبراهيم وكان ملصقا بالبيت
في موضعه الذي هو فيه اليوم ورجع إلى المدينة
فلما دخلت السنة التاسعة عشرة كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص
أن ابعث من عندك جندا إلى الجزيرة وأمر عليهم أحد الثلاثة
خالد بن عرفطة أو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أو عياض بن غنم
فلما قرأ سعد الكتاب قال لم يؤخر أمير المؤمنين عياض بن غنم آخر
الثلاثة إلا أن له فيه هوى فولاه جيشا وبعث معه عمر بن سعد
وعثمان بن أبي العاص فخرج عياض بن غنم إلى الجزيرة ونزل بجنده
218

على الرهاء وصالح أهلها على الجزيرة وصالحت حران حين صالحه
الرهاء ووجه عياض عمر بن سعد إلى رأس العين وسار بنفسه في بقية
الناس إلى دارا ونصيبين فنزل عليهما حتى افتتحهما ثم افتتح الموصل
صالحه عليها أهلها
وزاد عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد فيه
من ناحية دار مروان وأدخل فيه دار العباس وسوى أعمدته
وسقفه
وبعث سعد جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان فافتتحها عنوة
وافتتح هاشم بن عتبة ماسبذان عنوة وفى هذه السنة فتح أبو موسى
جنديسابور والسوس صلحا ثم أمر عمر أبا موسى بجرير بن عبد
الله فافتتحوا رامهرمز صلحا ثم سار أبو موسى إلى التستر حتى
فتحها وافتتح فم وقاشان ثم افتتح معاوية بن أبي سفيان قيسارية
والرملة وما بينهما فأقره عمر عليهما وحج بالناس عمر وفى هذه
السنة افتتحت تكريت
فلما دخلت سنة عشرين رجفت المدينة بالزلزلة وشكى أهل الكوفة
219

سعدا وزعموا أنه لا يحسن يصلى فاستقدمه عمر وسأله فقال
إني أركن في الأوليين وأحذف في الآخرتين فقال كذاك الظن فيك
يا أبا إسحاق ثم عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين ودخل
أبو بحرية الكندي عبد الله بن قيس بلاد الروم وأغار وهو أول من
دخلها وافتتح مصر والإسكندرية عمرو بن العاص
عنوة وقد فتحت سنة إحدى وعشرين وغنم بها غنائم كثيرة ثم رجع
فلما بلغ بلهيب قرية من قرى الريف أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو
بن العاص أنى قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض غلى منكم
فارس والروم فان أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد على من السبي
فعلت فبعث إليه عمرو بن العاص أن من ورائي أميرا لا أستطيع أن
أنفذ أمرا دونه فان شئت أن أمسك عنك وتمسك عنى حتى
أكتب إليه بالذي عرضت على فعلت فان قبل ذلك قبلته وإن أمرني بغير
ذلك مضيت لامره فقال نعم فكتب عمرو إلى عمر فكتب إليه
عمر أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أن صاحب الإسكندرية
عرض عليك الجزية على أن ترد عليه ما أصبت من سبى أرضه ولعمري
220

لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلى من فيئ
يقسم ثم كأنه لم يكن فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك
الجزية على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الاسلام وبين دين
قومهم فمن اختار الاسلام فهو من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم
ومن اختار دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه
وأما من تفرق من سبيهم فبلغ المدينة ومكة واليمن فانا لا نقدر على ردهم
فلا نحب أن نصالحهم على ما لا نفى به فبعث عمرو بن العاص غلى صاحب
الإسكندرية يعلمه بالذي كتب أمير المؤمنين فقال قد قبلت فجمعوا
ما بأيديهم من السبي واجتمعت النصارى فكانوا يخيرون الرجل بين
الاسلام والنصرانية فان اختار الاسلام كبر المسلمون وانحاز إليهم وإن
اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ووضعوا عليهم الجزية
ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر أما بعد يا أمير المؤمنين فانا
قدرنا على البحر وإن شئت أن تركبه ركبت فكتب إليه عمر أن صف
لي كيف حاله وحال من ركبه فكتب إليه عمرو بن العاص أنه خلق
شديد يحل فيه خلق ضعيف دود على عود إن استمسك به فزع
وإن خر غرق فكتب إلى عمرو بن العاص ما كان الله ليسألني عن أمري
من المسلمين الذين حملتهم فيه لا حاجة لنا به
221

وتوفى بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمشق
ودفن في المقبرة عند باب الصغير ثم أخرج عمر يهود الحجاز من نجران
إلى الكوفة وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لئن عشت
لأخرجن اليهود من جزيرة العرب ثم قال لهم من كان له
منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت بعهده حتى ننفذه
ومن لم يكن له عهد فانى أجليه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال أقركم
ما أقركم الله وقد أذن الله باجلائكم إلا أن يأتي رجل منكم بعهد أو بينة
من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقره فأقره وقد فعلتم بمظهر بن رافع
الحارثي ما فعلتم وذلك أن مظهر بن رافع خرج بأعلاج له من الشام
حتى إذا كان بخيبر دخل قوم من اليهود وأعطوا غلمانه السلاح وحرضوهم
على قتله فقتلوه فأجلى عمر اليهود من الحجاز وقسم خيبر على ثمانية
عشر سهما ثم بعث إلى فدك أبا حبيبة الحارثي ومضى إلى وادى القرى
وأنفذ ظعن خيبر ووادي القرى على ما كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم سماها إلا أنه فرقها وصارت في أيدي أهلها تباع وتورث
بدأ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففرض لكل امرأة منهن
222

اثنى عشر ألفا وفرض لأهل بدر صبيهم وحليفهم ومولاهم خمسة آلاف
خمسة آلاف وفرض للأنصار صبيهم وحليفهم ومولاهم
أربعة آلاف أربعة آلاف
ثم مات أسيد بن حضير في شعبان ودفن بالبقيع
ومات هرقل ملك الروم وأقعد مكانه قسطنطين ثم أغارت
الحبشة على أهل بلجة فأصابوهم وقدم الصريخ على عمر فبعث علقمة بن
مجزر المدلجي في عشرين مركبا إلى إلى الحبشة فأغاروا عليهم ولم يحمل
بعدها مسلما في البحر
ثم عزل عمر أبا موسى عن البصرة وولاها عثمان بن أبي العاص
وأمرهما أن يطاوعا فنزل عثمان توج ومصرها وبعث سوار بن
همام العبدي إلى سابور فقتل بعقبة الطين
ثم ماتت زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسأل عمر من يغسلها فقالت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نحن نغسلها
فغسلناها وصلى عليها عمر وكبر أربعا فلما أتى بسريرها أمر عمر بثوب
فمد على قبرها وأمر أسامة بن زيد وابن أخيها محمد بن عبد الله بن
223

جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله فدخلوا قبرها ولحدوا لها وقام
عمر على قبرها حتى سوى عليها ورش على قبرها الماء ثم انصرف
وحج عمر بالناس
فلما دخلت السنة الحادية والعشرون مات خالد بن الوليد بحمص
وأوصى إلى عمر بن الخطاب
ثم كان فتح نهاوند وأميرها النعمان بن مقرن وذلك أن
أهل الري وأصبهان وهمذان ونهاوند تعاقدوا وتعاهدوا وقالوا إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي العرب الذي أقام لها دينها مات وإن
ملكهم من بعده ملك يسيرا يعنى أبا بكر ثم هلك وإن عمر
قد طال ملكه ومكثه وتأخر أمره حتى جيش إليكم الجيوش في بلادكم
وليس بمنقطع عنكم حجتي تسيروا إليهم في بلادهم فتقتلوهم فلما بلغ الخبر
أهل الكوفة من المسلمين كتبوا إلى عمر فلما أخذ عمر الصحيفة مشى
بها إلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو باك وجعل ينادى
أين المسلمون أين المهاجرون والأنصار من ههنا من المسلمين فلم يزل
ينادى حتى امتلأ عليه المسجد رجالا ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فان الشيطان قد جمع لكم جموعا كثيرة
224

وأقبل بها عليكم ألا وإن أهل الري وأصبهان وأهل همذان وأهل
نهاوند أمم مختلفة ألوانها وأديانها ألا وإنهم تعاقدوا وتعاهدوا على
أن يسيروا إليكم فيقتلوكم ألا وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام
ألا فأشيروا على برأيكم فقام طلحة بن عبيد الله فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فقد حنكتك البلايا وعجمتك التجارب
وقد ابتليت يا أمير المؤمنين واختبرت فلم ينكشف شئ من عواقب
قضاء الله لك إلا عن خيار وأنت يا أمير المؤمنين ميمون النقيبة
مبارك الامر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب فأثنى عمر على
طلحة خيرا ثم جلس فقام عثمان بن عفان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أمير المؤمنين إني أرى أن تكتب إلى أهل الشام فيسيرون إليك
من شامهم وتكتب إلى أهل اليمن فيسيرون من يمنهم وتسير أنت بمن
معك من أهل هذين الحرمين إلى هذين المصرين فإنك لو فعلت ذلك
كنت أنت الأعز والأكبر وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام وأثنى
عليه عمر فجلس فقام علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن تكتب إلى أهل الشام أن يسيروا
225

إليك من شامهم إذا تسير الروم إلى ذراريهم فتسبيهم وإن تكتب
إلى أهل اليمن أن يسيروا إليك من يمنهم إذا تسير الحبشة إلى
ذراريهم فتسبيهم وإن سرت أنت بمن معك من أهل هذين الحرمين
إلى هذين المصرين إذا والله انتقضت عليك الأرض من أقطارها وأكنافها
وكان والله يا أمير المؤمنين من تخلف وراءك من العورات والعيالات
أهم إليك مما بين يديك من العجم ولا لله يا أمير المؤمنين لو أن
العجم نظروا إليك عيانا إذا لقالوا هذا عمر هذا إريس العرب
وكان والله أشد لحربهم وجرأتهم عليك وأما ما كرهت من مسير
هؤلاء القوم فان الله أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما كره
وأما ما ذكرت من كثرتهم فانا كنا ما نقاتل مع نبينا بالكثرة ولكنا
نقاتل معه بالنصرة من السماء وأنا أرى يا أمير المؤمنين رأيا من تلقاء
نفسي رأيي أن تكتب إلى أهل البصرة فيفترقوا على ثلاث فرق فرقة
تقيم في أهل عهودهم بأن لا ينتقضوا عليهم وفرقة تقيم من ورائهم
في ذراريهم وفرقة تسير إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم فطبق عمر
ثم أهل مكبرا يقول الله أكبر الله أكبر هذا رأى هذا رأى كنت
أحب أن أتابع صدق بن أبي طالب لو خرجت بنفسي لنقضت على
226

الأرض من أقطارها ولو أن العجم نظروا إلى عيانا ما زالوا عن
العرص حتى يقتلوني أو أقتلهم أشر على يا علي بن أبي طالب برجل
أوليه هذا الامر قال مالي ولهم هم أهل العراق وفدوا عليك
ورأوك ورأيتهم وتوسمتهم وأنت أعلمنا بهم قال عمر إن شاء الله
لأولين الراية غدا رجلا يكون لأول أسنة يلقاها وهو النعمان بن
مقرن المزني ثم دعا عمر السائب بن الأقرع الكندي فقال يا سائب
أنت حفيظ على الغنائم بأن تقاسمها فان الله أغنم هذا الجيش شيئا
فلا تمنعوا أحدا حقا هو له ثكلتك أمك يا سائب وإن هذا الجيش
هلك فاذهب عنى في عرض الأرض فلا أنظر إليك بواحدة فإنك تجيئني
بذكر هذا الجيش كلما رأيتك
ثم كتب إلى أهل الكوفة سلام عليكم أما بعد فقد استعملت
عليكم النعمان بن مقرن المزني فان قتل النعمان فعليكم حذيفة بن اليمان
العبسي فان قتل حذيفة فعليكم عبد الله بن قيس الأشعري أبو موسى
فان قتل أبو موسى فعليكم جرير بن عبد الله البجلي فان قتل جرير فعليكم
المغيرة بن شعبة الثقفي فان قتل المغيرة فعليكم الأشعث بن قيس الكندي
ثم كتب عمر إلى النعمان بن مقرن فان في جندك رجلين
عمرو بن معد يكرب المدحجي وطليحة بن خويلد الأسدي فأحضرهما
227

وشاورهما في الحرب وإياك أن توليهما عملا فان كل صانع
أعلم بصناعته
فلما ورد عليه الكتاب سار بالناس فالتقى المسلمون والمشركون
بنهاوند فأقبل المشركون يحمون أنفسهم وخيولهم ثلاثا ثم نهض
إليهم المسلمون يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى
وفشت الجرحى والصرعى في الفريقين جميعا ثم حجز بينهما الليل ورجع
الفريقان إلى عسكريهما وبات المسلمون ولهم أنين من الجراحات
يعصبون بالخرق ويبكون حول مصاحفهم وبات المشركون في
معازفهم وخمورهم
ثم غدوا يوم الخميس فاقتتل المشركون وقاتلوا قتالا شديدا حتى
كثرت القتلى وفشت الجرحى في الفريقين جميعا ثم حجز بينهما الليل
ورجع الفريقان إلى عسكريهما وبات المسلمون لهم أنين من الجراحات
يعصبون بالخرق ويبكون حول مصاحفهم وبات المشركون في
معازفهم وخمورهم
ثم غدا النعمان بن مقرن يوم الجمعة وكان رجلا قصيرا أبيض
على برذون أبيض قد أعلم بالبياض فجعل يأتي راية راية يحرضهم على القتال
228

ويقول الله الله في الاسلام أن تخذلوه فإنكم باب بين المسلمين وبين
المشركين فان كسر هذا الباب دخلوا على المسلمين يا أيها الناس إني
هاز لكم الراية مرة فليتعاهد الرجل الخيل في حزمها وأعنتها ألا وإني
هاز لكم الثانية فلينظر كل رجل منكم إلا موقف فرسه ومضرب رمحه
ووجه مقاتله ألا وإني هاز لكم الثالثة ومكبر فكبروا الله واذكروه
ومستنصر فاستنصروه ألا فحامل فاحملوا فقال رجل قد سمعنا مقالتك
وحفظنا وصيتك فأخبرنا بأي النهار يكون ذلك حتى يكونوا على آلة وعدة
قال النعمان ليس بمعنى أن يكون ذلك من أول النهار إلا شئ شهدته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل بالقتال حتى تزول الشمس وتهب
الرياح ويطيب القتال وتحضر الصلاة وينزل النصر من السماء مع
مواقيت الصلاة في الأرض فمكث المسلمون ينظرون إلى الراية
ويراعونها حتى إذا زالت الشمس عن كبد السماء هز النعمان الراية هزة
فانتزعوا المخالي عن الخيول وقرطوها الأعنة وأخذوا أسيافهم بأيمانهم
والأترسة بشمائلهم وصلى كل رجل منهم ركعتين يبادر بهما ثم هز
النعمان الراية ثانيا فوضع كل رجل منهم رمحه بين أذني فرسه ولزمت
229

الرجال منهم نحور الخيل وجعل كل رجل يقول لصاحبه أي
فلان تنح عنى لأوطئك بفرسي إني أرى وجه مقاتلي إني غير راجع
إن شاء الله حتى أقتل أو يفتح الله على ثم هز الثالثة فكبر فجعل الناس
يكبرون الأول فالأول الأدنى فالأدنى وقذف الله الرعب في قلوب
المشركين حتى أن أرجلهم كانت تخفق في الركب فلم يستطع منهم أحد
أن يوتر قوسه ثم ولوا مدبرين وحمل النعمان وحمل الناس فكان
النعمان أول قتيل قتل من المسلمين جاءه سهم فقتله فجاء أخوه معقل
بن مقرن فغطى عليه بردا له ثم أخذ الراية وإنها لتنضح دما من دماء
من قتله بها النعمان قبل أن يقتل فهزم الله المشركين وفتح على المسلمين
وبايع الناس لحذيفة بن اليمان فجمع السائب بن الأقرع الغنائم كأنها
الآكام فجاءه دهقان من دهاقينهم فقال هل لك أن تؤمنني على دمى
ودم أهل بيتي ودم كل ذي رحم لي وأدلك على كنز عظيم
قال نعم قال خذوا المكاتل والمعاول فامشوا فمشوا معه حتى
انتهى إلى مكان قال احفروا فحفروا فإذا هم بصخرة قال اقلعوها
فقلعوا فإذا هم بسفطين من فصوص يضئ ضوءها كأنها شهب
تتلألأ فأعطى السائب كل ذي حق حقه من الغنائم وحمل السفطين
230

حتى قدم بهما على عمر فلما نظر عمر إلى السائب ولى باكيا ثم أقبل
يقول يا سائب ويحك ما وراءك ما فعلت ما فعل المسلمون قال
السائب خير يا أمير المؤمنين هزم الله المشركين وفتح للمسلمين قال
ويحك يا سائب والله ما أتت ليلة بعد ليلة بات فيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبينا ميتا مثل البارحة لا والله ما بت البارحة إلا تقديرا
فما فعل النعمان بن مقرن قال استشهد يا أمير المؤمنين فبكى عمر
ثم قال يرحم الله النعمان ثلاثا ثم قال مه قال لا والذي
أكرمك بالخلافة وساقها إليك ما قتل بعد النعمان أحد نعرفه فبكى
عمر بكاء شديدا ثم قال الضعفاء لكن الله أكرمهم بالشهادة وساقها
إليهم أدفنتم إخوانكم لعلكم غلبتم على أجسادهم وخليتم
بين لحومهم والكلاب والسباع أخشى أن يكونوا أصيبوا بأرض
مضيعة قال السائب هون عليك يا أمير المؤمنين فقد أكرمهم الله
بالشهادة وساقها إليهم ثم قال عمر أعطيت كل ذي حق حقه فقال
نعم فنفض عمر رداءه ثم ولى باكيا فأخذ السائب بطرف ردائه ثم قال
اجلس يا أمير المؤمنين فان لي إليك حاجة قال وما حاجتك
ألم تخبرني أنك أعطيت كل ذي حق حقه قال بلى قال فما حاجتك
إلي فأبدى له عن السفطين فصوصهما كأنها شهب تتلألأ فقال عمر
231

ما هذا فأخبره السائب خبر الدهقان فصعد فيها بصره وخفضه
ثم قال ادع لي عليا وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعبد الله
بن الأرقم فلما اجتمعوا عنده قال السائب لم يكن لي هم إلا
أن أنفلت من عمر فركبت راحلة لي وأتيت الكوفة فوالله ما جفت
بردعة راحلتي حتى أتاني كتاب عمر عزمت عليك إن كنت
قاعدا لا قمت وإن كنت قائما لا قعدت إلا على راحلتك
ثم العجل العجل فقلت للرسول هل كان في الاسلام حدث قال لا
قلت فما حاجته إلى قال لا أدرى فركبت راحلتي حتى أتيت عمر
فلما نظر إلى أقبل على بدرته يضربني بها حتى سبقته إلى غيره
وهو يقول ما لي ولك يا بن أم مليكة أعن ديني تفارقني أم النار
توردني قلت دعني عنك يا أمير المؤمنين لا تقتلني غما قال عمر
فإنك لما خرجت من عندي فأويت إلى فراشي جاءني ملائكة من عند
ربي في جوف الليل فرموني بسفطين هذين فإذا حملتهما فإذا
نار توقد على جنبي فجعلت أتأخر وجعلوا يدفعونني إليهما حتى
تعاهدت ربي في هذا إن هو تركني حتى أصبح لأقسمن على من
أفاء الله عليه أخرج بهما من عندي لا حاجة لي بهما
232

بعهما بعطية المقاتلة والذرية فان لم تصب إلا عطية أحد الفريقين فبع
ثم أقسمهما على من أفاء الله عليه والله لئن شكا المسلمون قبل أن تقسم
بينهم لأجعلنك نكالا لمن بعدك قال السائب فخرجت بهما من عنده
حتى قدمت الكوفة فأخرجتهما إلى الزحمة فأبديت عنهما فلاح
ضوءهما كأنهما شهب تتلألأ فجعل لا يأتي عليهما قوم إلا صفقوا
تعجبا منهما حتى أتاني عمرو بن حريث فلما نظر إليهما استأمني
بهما فقلت بعطية المقاتلة والذرية فما كلمني حتى صفق على يدي
وأوجبت له البيع فخرج بهما إلى الحيرة فباع أحدهما بعطية المقاتلة
والذرية واستفضل الآخر ربحا فكان أول شئ اعتقله
بالكوفة مالا
ثم سار المغيرة بالمسلمين إلى مدينة أذربيجان فصالحه أهلها
على ثمانمائة ألف درهم في كل سنة
ثم غزا حذيفة بن اليمان الدينور فافتتحها عنوة وكانت قبل ذلك
233

فتحت لسعد فانتقضت ثم غزا حذيفة ماء سندان فافتتحها عنوة وكانت
قبل ذلك فتح لسعد فانتقضت ثم غزا حذيفة همذان فافتتحها عنوة
ثم ولى عمر عمار بن ياسر الكوفة على الصلاة والحرب وعبد الله
بن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض
فشكا أهل الكوفة عمارا وقالوا رجل لا يعلم فاستعفي عمار ودعا
عمر جبير بن مطعم خاليا ليوليه الكوفة وقال له لا تذكره لاحد
فبلغ المغيرة بن شعبة أن عمر قد خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته
وقال لها اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السفر
فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثم قالت ائتيني به فلما استيقن
المغيرة بذلك جاء إلى عمر وقال بارك الله لك فيمن وليت
وأخبره أنه ولى جبير بن مطعم فقال عمر لا أدرى ما أصنع فولى
المغيرة بن شعبة الكوفة فلم يزل عليها إلى أن مات عمر
ثم مضى عمرو بن العاص إلى برقة طرابلس ففتحها وصالح أهل
برقة على اثنى عشر ألف دينار وبعث عقبة بن نافع الفهري فافتتح
234

لعمر زويلة بالصلح وكان بين برقة وزويلة صلح للمسلمين
وحج عمر بالناس واستخلف على المدينة زيد بن ثابت
فلما دخلت السنة الثانية والعشرين فتح المغيرة بن شعبة أذربيجان
صلحا على ثمانمائة ألف درهم ودخل معاوية أرض الروم الصائفة في
عشرة آلاف ثم اعتمر عمر وساق معه عشر بدنات ونحرها في
منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من الصحابة عبادة بن الصامت
وأبو ذر وأبو أيوب وشداد بن أوس وكان نافع بن عبد الحارث
عامله على مكة فتلقاه نافع فقال عمر من خلفت على أهل الوادي فقال
بن رجل من الموالي قال عمر أمولى أيضا قال يا أمير المؤمنين
إنه قارئ للقرآن عالم بالفرائض فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول إن الله عز وجل يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع
به آخرين
فلما دخلت السنة الثالثة والعشرون فتح معاوية عسقلان
صلحا وقد قيل إن الذي فتح في هذه السنة فتحها قرظة بن
235

كعب الأنصاري لعمر ولا يصح عندي
ثم كان غزوة أصطخر الأولى وذلك أن عثمان بن أبي
العاص أقام يتوج وتوفى قتادة بن النعمان الظفري فصلى عليه عمر ونزل
حفرته أخوه لامه أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والحارث بن خزمة
ثم حج بالناس عمر وأذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم
أن يحججن معه فبينا هو بالأبطح إذ أقبل راكب يسأل عن عمر
فدل عليه فلما رآه بكى وجعل يقول
جزى الله خيرا من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائج في أكمامها لم تفتق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت له الأرض تهتز العضاه بأسوق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
فما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفي سبنتي أزرق العين مطرق
236

وكان جبير بن مطعم يقول بينا أنا واقف مع عمر بعرفات
إذ قال رجل يا خليفة الله فقال رجل خلفي قطع الله لحيتك والله
لا يقف أمير المؤمنين بعد هذا العام أبدا قال جبير فالتفت فإذا
هو رجل من لهب ولهب بطن من الأزد وبينا نحن نرمي الجمار
وإذا رمى إنسان فأصاب رأس عمر فشجه فقال رجل خلفي قطع
الله لحيتك ما أرى أمير المؤمنين إلا سيقتل قال جبير فالتفت
فإذا هو ذلك اللهبي ثم رجع عمر من مكة إلى المدينة وقام
في الناس فقال إني رأيت كأن ديكا أحمر نقرني نقرتين ولا أراه
إلا لحضور أجلى ثم خرج يوما إلى السوق وهو متكئ على يد
عبد الله بن الزبير إذ لقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال لعمر
ألا تكلم مولاي أن يضع عنى من خراجي قال وكم خراجك قال
دينار قال ما أفعل إنك لعامل وإن هذا لشئ يسير ثم قال له
عمر ألا تعمل لي رحى قال بلى فلما ولى عمر قال أبو لؤلؤة
237

أعمل لك رحى يتحدث بها من بين المشرق والمغرب قال بن الزبير
فوقع في قلبي قوله ذلك فلما كان وقت النداء بالفجر خرج عمر إلى
الصلاة وذلك يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة واضطجع
له أبو لؤلؤة فقام عمر فجعل يقول بين الصفوف فاستووا استووا
فلما كبر طعنه أبو لؤلؤة ثلاث طعنات في وتينه فقال عمر قتلني الخبيث
ثم أخذ بيد عبد الرحمن فقدمه فصلى عبد الرحمن بالناس الصبح وقرأ
انا أعطيناك الكوثر وإذا جاء نصر الله ثم دخل عبد الرحمن
على عمر وعنده على وعثمان وسعد وابن عباس فقال يا بن عباس
من قتلني قال أبو لؤلؤة قال عمر الحمد لله الذي لم يجعل موتى برجل
يدعى الاسلام ثم سكت عمر كالمطرق فقالوا ألا ننبه للصلاة فقيل
الصلاة يا أمير المؤمنين فقال نعم ولا حظ في الاسلام لمن ترك
الصلاة ثم صلى وجرحه يثعب دما ثم أقبل على على فقال اتق الله
يا علي إن وليت من أمور الناس شيئا فلا تحملن بنى هاشم على رقاب
الناس وأنت يا عثمان إن وليت من أمور الناس شيئا فلا تحملن بنى
أبى معيط على رقاب الناس وأنت يا زبير ويا سعد إن وليتما من
أمر الناس فلا تحملن أقاربكما على رقاب الناس ثم قال إني
238

نظرت في أمر الناس فلم أر عندهم شقاقا إلا أن يكون فيكم
وإن الامر إلى الستة نفر عثمان وعلى وعبد الرحمن وسعد وطلحة
والزبير فتشاوروا ثلاثا وكان طلحة غائبا في مال له فقال عمر
إني مصرت لكم الأمصار ودونت لكم الدواوين وإني تركتكم على الواضحة
إنما أتخوف أحد رجلين إما رجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتله
أو رجل يتأول القرآن في كتاب الله الشيخ
والشيخة ا ذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم
ألا فلا تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورجمنا معه ولولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها
بيدي فقد قرأناها بكتاب الله
ثم دعا بكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر
أمير المؤمنين إلى الخليفة من بعدي سلام عليك فانى احمد الله الذي لا إله
إلا هو أما بعد فانى أوصيك بتقوى الله وبالمهاجرين الذين أخرجوا من
ديارهم وأموالهم الآية فتعرف فضيلتهم وتقسم عليهم فيئهم وأوصيك
بالذين تبوؤا الدار والايمان الآية فهؤلاء الأنصار تعرف فضلهم
وتقسم عليهم فيئهم وأولئك الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا
اغفر لنا الآية
239

وخرج أبو لؤلؤة على وجه يريد البقيع وطعن في طريقه اثنى
عشر رجلا فخرج خلفه عبيد الله بن عمر فرأى أبا لؤلؤة والهرمزان
وجفينة وكان نصرانيا وهو يتناجون بالبقيع فسقط منهم
خنجر له رأسان ونصابه في وسطه فقتل عبيد الله أبا لؤلؤة
والهرمزان وجفينة ثلاثتهم فجرى بين سعد بن أبي وقاص وبين عبيد الله
في شأن جفينة ملاحاة وكذلك بين علي بن أبي طالب وبينه في شأن
الهرمزان حتى قال علي بن أبي طالب إن وليت من هذا الامر شيئا
قتلت عبيد الله بالهرمزان
ثم أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفن مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبى بكر فأذنت له فقال عمر أنا أخشى أن يكون ذلك لمكان
السلطان منى فإذا مت فاغسلوني فكفنوني ثم قفوا بي على بيت عائشة
وقولوا أيلج عمر فان قالت نعم فأدخلوني وإن أبت فادفنوني بالبقيع
ثم أرسل عمر فجئ بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلم أنه
الموت فقال لعبد الله بن عمر انظر ما على مكن الدين فاحسبه فقال ستة
وثمانون ألفا إن وفى لها مال آل عمر فأدها عنى من أموالهم
240

وإلا فسل بنى عدى بن كعب فان لم تف من أموالهم فسل
قريشا ولا تعدهم إلى غيرهم وأدها عنى
فتوفى عمر رضي الله تعالى عنه وله خمسة وستون سنة وفعل به ما أمر
فأذنت له عائشة وصلى عليه صهيب ودخل حفرته عثمان بن عفان
وعبد الله بن عمر وكانت الخلافة عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال
وكان له من العمال وقت ما توفى على الكوفة المغيرة بن شعبة
وعلى البصرة أبو موسى وعلى حمص أعمالها عمير بن سعد الضمري
وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى
الجند عبد الله بن أبي ربيعة وعلى الطائف سفيان بن عبد الله
الثقفي وعلى مكة نافع بن عبد الحارث وعلى مصر عمرو بن العاص
رحمهم الله تعالى أجمعين آمين
استخلاف عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه
وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس
بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن
241

مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكنيته أبو عمرو وقد قيل
أبو عبد الله ويقال أبو ليلى وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة
بن حبيب بن عبد شمس وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب
بن هشام بن عبد مناف
أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة ثنا على بن
هاشم عن جعفر بن نجيح المديني ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي
حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن أحدا ارتج وعليه النبي صلى الله
عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أثبت
أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان
قال أبو حاتم لما دفن عمر رضي الله تعالى عنه تعمد عثمان بن عفان
وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن
وسعد يتشاورون فأشار عثمان على عبد الرحمن بالدخول في الامر
فأبى عبد الرحمن وقال لست بالذي أنافسكم على هذا الامر وإن شئتم
242

اخترت لكم منكم واحدا فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف فلما
ولى ذلك مال الناس كلهم إليه وتركوا أولئك الآخرين فأخذ عبد الرحمن
يتشاور في تلك الليالي الثلاث حتى إذا كان من الليلة التي بايع
عثمان بن عفان من غدها جاء إلى باب المسور بن مخرمة بعد هوى من الليل
فضرب الباب وقال ألا أراك نائما والله ما كحلت منذ
الليلة بكثير نوم ادع لي الزبير وسعدا فدعاهما فشاورهما ثم أرسله
إلى عثمان بن عفان فدعاه فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن فلما صلوا
الصبح اجتمعوا وأرسل عبد الرحمن إلى من حضر من المهاجرين
والأنصار وأمراء الأجناد ثم خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فانى نظرت في أحوال الناس وشاورتهم فلم أجدهم يعدلون
بعثمان ثم قال يا عثمان نبايعك على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والخليفتين من بعده قال نعم فبايعه عبد الرحمن وبايعه المهاجرون
والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون وذلك لغرة المحرم
وبعد دفن عمر بثلاثة أيام في هذه السنة كان فتح همذان ثانيا
وكانت قد انتقضت على أميرها المغيرة بن شعبة على رأس ستة أشهر من
مقتل عمر وفى هذه السنة سار إليها أبو موسى الأشعري بأهل البصرة
243

حتى فتحها صلحا معه البراء بن عازب وقرظة بن كعب وكان عمر بن
الخطاب قد قتل وحذيفة قد افتتحها وجيشه كان عليها ثم انتقضوا حتى
غزاهم أبو موسى وخرج عثمان بن عفان يوم الفطر إلى المصلى يكبر
ويجهر بالتكبير حتى صلى العيد وانصرف وبعث على الحج عبد الرحمن
بن عوف فخطبهم عبد الرحمن قبل التروية بيوم مكة بعد الظهر فلما زاغت
الشمس خرج إلى منى وحج ونفر النفر الأول وكان قد ساق معه بدنات
فنحرها في منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما دخلت السنة الخامسة والعشرون غزا معاوية أرض الروم
وفتح الحصون وولد له ابنه يزيد بن معاوية ثم نقضت الإسكندرية
الصلح الذي صالحهم عمرو بن العاص عليه فغزاهم عمرو وظفر بهم
وسباهم وبعث السبي إلى المدينة فردهم عثمان إلى ذمتهم وقال إنهم
كانوا صلحا والذرية لا تنقض الصلح وإنما تنقض الصلح المقاتلة
ونقض المقاتلة الصلح ليس يوقع السبي على ذراريهم
ثم عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن الإسكندرية ومصر
وولاهما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فوجد عمرو من ذلك وكان
بدء الشر بينه وبين عثمان عزله عن مصر والإسكندرية وكان عمرو قد
بعث جيشه إلى المغرب فأصابوا غنائم كثيرة فلما دخل عبد الله بن
سعد مصر واليا بعث جرائد الخيل إلى المغرب واستشار عثمان في إفريقية
244

وعزل عثمان سعدا عن الكوفة وولى عليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط
فبعث الوليد سلمان بن ربيعة الباهلي في اثنى عشر ألفا إلى برذعة
فافتتحها عنوة وقتل وسبى وغزا البيلقان فصالحوه قبل أن يجئ إلى
برذعة وبعث خيله إلى جرزان فصالحوه وفى هذه السنة كانت غزوة
سابور الأولى ثم حج عثمان بالناس
فلما دخلت السنة السادسة والعشرون
قدم معاوية المدينة وافدا على عثمان وبعث عثمان بن عفان عثمان
بن أبي العاص إلى فارس ففتح سائر الجنود وغزا عبد الله بن سعد
بن أبي سرح الإفريقية ومعه العبادلة عبد الله بن عمر وعبد الله بن
الزبير وعبد الله بن عمرو فلقي جرجير في مائتي ألف بموضع يقال له
سبيطلة على سبعين ميلا من القيروان فقتل جرجير وسبوا وغنموا
فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف مثقال ذهب وسهم الراجل ألف مثقال
وصالحه أهل تلك المدن إلى قيروان على مائة ألف رطل من ذهب
واعتمر عثمان ودخل مكة ليلا وكان بين الصفا والمروة وحل
245

قبل أن يصبح ثم رجع إلى المدينة وأمر بتوسعة المسجد الحرام وتجديد
أنصاب الحرم وتزوج عثمان بنت خالد بن أسيد ثم اعتمر عثمان في
رجب وخرج معه عبد الله بن جعفر والحسين بن علي فمرض الحسين
بن علي فأقام عبد الله بن جعفر عليه بالسقيا وبعث إلى على يخبره بذلك
فخرج على في نفر من بنى هاشم إلى السقيا فلما دخلها دعا ببدنة فنحرها
وحلق رأسه وأقام على الحسين يمرضه فلما فرغ عثمان من عمرته
كلموه بأن يحول الساحل إلى جدة وكانوا قبل ذلك في الجاهلية يرسون
بالشعيبة وقالوا جدة أقرب إلى مكة وأوسع وأقرب من كل ناحية
فخرج عثمان إلى جدة فرآها ورأى موضعها وأمرهم أن يجعلوها بمكان
الشعيبة فحول الساحل إلى جدة ودخل البحر وقال إنه مبارك وقال
لمن معه ادخلوا ولا يدخلها إلا بمئزر ثم خرج عثمان من جدة على
طريق يخرجه إلى عسفان ثم مضى إلى الجار فأقام بها يوما وليلة
ثم انصرف فمر بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في منصرفه وهو يمرض
الحسين مع جماعة من بنى هاشم فقال عثمان قد أردت المقام عليه حتى
تقدم ولكن الحسين عزم على وجعل يقول امض لرهطك فقال
على ما كان ذلك بشئ يفوتك هل كانت إلا عمرة إنما يخاف الانسان
فوت الحج فأما العمرة فلا فقال عثمان إني أحببت أن أدرك عمرة
246

في رجب فقال علي بن أبي طالب ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
اعتمر في رجب قط وما اعتمر عمراته الثلاث إلا في ذي القعدة
ثم رجع عثمان إلى المدينة ثم مضى على مع الحسين إلى مكة
وافتتح عثمان بن أبي العاص سابور الثانية على ثلاثة آلاف ألف
وثلاثمائة ألف صلحا ودخل في صلحهم كازرون وبعث عثمان بن أبي
العاص هرم بن حيان العبدي إلى قلعة بجرة على ذلك وهي يقال لها
قلعة الشيوخ فافتتحها عنوة وسبى أهلها وحج بالناس عثمان بن عفان
فلما دخلت السنة السابعة والعشرون
استشار عثمان بن عفان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في
إفريقية فأشاروا عليه بذلك وكان عثمان يكره ذلك لان عمر كان يكرهه
ويقول إنها لا تحمل واليا مقتصدا فخرج عبد الله بن أبي سرح وجلب
عثمان إبلا كثيرة من الربذة وسرف وحمل عليها سلاحا كثيرا وسار
المسلمون معها يلحقون بعبد الله بن سعد بن أبي سرح فلما التقى المسلمون
والمشركون ألقى الله في قلوبهم الرعب وفض ذلك الجمع حتى طلبوا الصلح
فصالحهم عبد الله بن أبي سرح على ألفي ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألفا
فلما كان العيد خطبهم عثمان وكان صادف العيد يوم الجمعة فقال
من كان من أهل العالية وأحب أن يجتمع معنا فعل وإلا فليجلس
247

في موضعه فافتتح عثمان بن أبي العاص أرجان ودارابجرد وصالح
أهلها على ألفي ألف ومائة
فلما دخلت السنة الثامنة والعشرون
تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة وكانت على دين النصرانية فلما
دخلت عليه قال لها عثمان إني شيخ كبير كما ترين قالت أنا من نساء
أحب الأزواج إليهن الكهول قال تقومين إلى أو آتيك قالت ما جئت
من سماوة كلب إليك إلا وأنا أريد القيام إليك
وغزا معاوية البحر ومعه عبادة بن الصامت معه امرأته أم حرام
بنت ملحان الأنصارية فاتى قبرس فتوفيت أم حرام بها وقبرها هناك
ثم كان فتح فارس الأول على يدي هشام بن عامر وغزا معاوية قبرس
فلحقه عبد الله بن أبي سرح وأهل مصر وغنموا غنائم كثيرة وغزا
حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم ثم كانت قبرس الآخرة
248

أميرها هشام بن عامر واعتمر عثمان في رجب ومعه عمرو بن العاص
فأتى عثمان بلحم صيد فأمرهم بأكله فقال له عمرو بن العاص لا تأكل
ولا تأمرنا به فقال عثمان لست آكل منه شيئا لأنه صيد من أجلى
فكان بين عثمان وعمرو كلام كان ذلك أول ملاحاة كانت بينهما
وفى هذه السنة بنى عثمان داره بالزوراء ثم حج عثمان بالناس
فلما دخلت السنة التاسعة والعشرون
عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وكان عاملا عليها سبع
سنين وعزل عثمان بن أبي العاص عن فارس وولى ذلك كله عبد الله
بن عامر بن كريز وهو يومئذ بن خمس وعشرين سنة فقدم البصرة
ثم خرج عبد الله بن عامر إلى فارس على مقدمته عبيد الله بن معمر
التيمي فقتل عبيد الله وفتح إصطخر الثانية عنوة فقتل وسبى فكان
ذلك إصطخر الآخرة وقد قيل في هذه السنة فتح سارية بن زنيم
الدؤلي أصبهان صلحا وعنوة بأهل البصرة بعثه بن عامر
وضاق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فكلموا
249

عثمان في توسعته فأمر بتوسعته فكان عثمان يركب على راحلته ويقوم
على العمال وهم يعملون حتى يجئ وقت الصلاة فيترك ويصلى بهم
وربما قال في المسجد ونام فيه حتى جعل أعمدته من حجارة وفرش
فيها الرضراض وبناه بالحجارة المنقوشة والساج وجعل له ستة أبواب
ثم نقضت حلوان الصلح فافتتحها بن عامر عنوة ورجم عثمان
امرأة من جهينة أدخلت على زوجها فولدت في ستة أشهر من يوم أدخلت
عليه فأمر بها عثمان فرجمت فدخل على على عثمان فقال له إن الله
يقول حمله وفصله ثلاثون شهرا فأرسل عثمان في طلبها فوجدوها
قد رجمت فاعترف الرجل بالغلام وكان من أشبه الناس به وفى
السنة الثلاثين
زاد عثمان النداء الثاني على الزوراء حيث كثر الناس وانتقضت
أذربيجان فغزاها سعيد بن العاص ففتحها ثم غزا جرجان ففتحها
ومات الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وسقط خاتم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر أريس على ميلين من المدينة وكانت
250

من أقل تلك الآبار ماء فطلب فلم يوجد إلى الساعة وغزا بن عامر في هذه
السنة جور فافتتحها وأصاب بها غنائم كثيرة وافتتح الكاريان والفنسجان
من دارابجرد ولم يكونا أدخلا في علم عثمان بن أبي العاص ثم افتتح بن
عامر أردشير خرة عنوة فقتل وسبى وهرب يزدجرد فاتبعه بن عامر
مجاشع بن مسعود السلمي حتى نزل على السيرجان وبعث راشد بن
عمرو الجديدي ففتح هرمز ووجه بن عامر زياد بن الربيع الحارثي
إلى سجستان فافتتح زالق وناشروذ ثم بعث زياد بن الربيع إبراهيم بن
بسام مولى بنى ليث حتى حاصر مدينة زرنج فصالحوه على ألف وصيف
251

مع كل وصيف جام من ذهب ومات مسعود بن الربيع وكان
من أهل بدر ومات الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف
أخو الطفيل بن الحارث ثم حج عثمان بالناس وصلى بمنى أربعا
وفى السنة الحادية والثلاثين
فتحت أرمينية الآخرة وأميرها حبيب بن مسلمة الفهري وذلك أن عثمان
كتب إلى حبيب بن مسلمة أن سر من الشام في جيش إلى أرمينية فمضى حبيب
بن مسلمة من ناحية درب الحدث فافتتح خلاط وسراج ووادي المطامير
ومات أبو سفيان بن حرب وهو بن ثمان وثمانين سنة ثم خرج بن عامر
إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بن قيس فلقي أهل هراة فهزمهم
وافتتح أبر شهر صلحا وقد قيل عنوة ثم افتتح طوس
وما حولها ثم صالح أهل سرخس على مائة ألف وخمسين ألفا
252

وبعث أبو عامر الأسود بن كلثوم العدوى إلى بيهق فافتتحها
وقتل بها وبعث أهل مرو يطلبون الصلح فصالحهم بن عامر
على ألفي ألف ومائتي ألف وكان الذي صالحه ماهويه بن أوزمهر
مرزبان مرو ثم بعث بن عامر الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ
والفارياب والطالقان وافتتح طخارستان وقتل منهم ثلاثة عشر
نفسا ثم خرج الأحنف إلى بلخ فصالحوه على أربعمائة ألف درهم
ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع وبعث بن عامر خليد بن عبد الله بن
زهير الحنفي إلى باذغيس وهراة فافتتحها ثم ارتدوا بعد
وغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح أرض الروم في ناحية المصيصة وغنم
ثم رجع وحج بالناس عثمان
وفى السنة الثانية والثلاثين
مات عبد الله بن مسعود بالمدينة ودفن بالبقيع وصلى عليه
عثمان بن عفان ومات عبد الرحمن بن عوف وهو بن خمس
253

وسبعين سنة ومات العباس بن عبد المطلب وهو بن خمس وثمانين
سنة لان العباس ولد قبل الفيل بثلاثة سنين ومات عبد الله بن
زيد بن عبد ربه الذي أرى النداء ومات أبو طلحة الأنصاري زيد بن
سهل وغزا معاوية غزوة مضيق القسطنطينية ومعه امرأته عاتكة بنت
قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وقد قيل إن اسمها فاختة
وفيها غزا سعيد بن العاص طبرستان
وفى السنة الثالثة والثلاثين
مات المقداد بن عمرو بن ثعلبة على ثلاثة أميال من المدينة
وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة وصلى عليه عثمان بن عفان
ودفن بالبقيع وغزا معاوية ملطية وقرطبة من أرض الروم وجمع
قارن جمعا كثيرا بباذغيس وهراة وأقبل في أربعين ألفا وقام
254

بأمر الناس عبد الله بن خازم السلمي فلقي قارن وهزم أصحابه
وأصابوا سبيا كثيرا ثم بعث بن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن
حبيب إلى سجستان فصالحه صاحب زرنج فأقام عبد الرحمن بها وتحرك
أهل إفريقية فزحف إليهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح فكانت
إفريقية الثانية وغزا معاوية حصن المرأة من بلاد الروم من
ناحية ملطية وحج بالناس عثمان
وفى السنة الرابعة والثلاثين
مات مسطح بن أثاثة من أهل بدر وغزا عبد الله بن سعد
بن أبي صرح الصواري من أرض مصر وقاتل منهم مقتلة
عظيمة وذلك أن المسلمين وعدوهم جميعا كانوا في البحر فالتقوا
فاقتتلوا قتالا شديدا من غير رمى بالسهم ولا طعن بالرمح إنما كان
الضرب بالسيف أو الطعن بالخنجر حتى قتل من أرض الروم خلق
كثير وهزم الله الروم منكوبين وانصرف المسلمون غانمين ومات
255

عبادة بن الصامت بالرملة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ومات عاقل
بن البكير من بنى سعد بن الليث من أهل بدر ومات أبو عبس بن
جبر بالمدينة وهو من أهل بدر وحج عثمان بالناس
وفى السنة الخامسة والثلاثين
خرج جماعة من أهل مصر إلى عثمان يشكون بن أبي سرح ويتكلمون
منه فكتب إليه عثمان كتابا وهدده فيه فأبى بن أبي السرح أن
يقبل من عثمان وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان متظلما وقتل رجلا
من المتظلمة فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل فيهم أربعة من الرؤساء
عبد الرحمن بن عديس البلوى وعمرو بن الحمق الخزاعي وكنانة بن بشر
بن عتاب الكندي وسودان بن حمران المرادي فساروا حتى قدموا
المدينة ونزلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوا إلى أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم في مواقيت الصلاة ما صنع بهم بن أبي
سرح فقام طلحة بن عبيد الله إلى عثمان بن عفان وكلمه الكلام
الشديد وأرسلت إليه عائشة قدم عليك أصحاب محمد وسألوك
256

عزل هذا الرجل فأبيت ذلك بواحدة وهذا قد قتل منهم رجلا
فأنصفهم من عاملك وكان عثمان يحب قومه ثم دخل عليه علي بن أبي
طالب فقال سألوك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله
عنهم واقض بينهم فان وجب عليه حق فأنصفهم منه فقال
لهم عثمان اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه فأشار الناس عليه
بمحمد بن أبي بكر فقالوا لعثمان استعمل علينا محمد بن أبي بكر فكتب
عهده وولاه مصر فخرج محمد بن أبي بكر واليا على مصر بعهده ومعه
عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين بن أبي
سرح فلما بلغوا مسيرة ثلاثة ليال من المدينة إذا هم بغلام أسود على
بعير له يخبط البعير خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب فقالوا له
ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب قال أنا غلام
أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر قالوا هذا عامله معنا قال
ليس هذا أريد ومضى فأخبر محمد بن أبي بكر بأمره فبعث في طلبه
أقواما فردوه فلما جاؤوا به قال له محمد غلام من أنت فأقبل مرة
يقول أنا غلام أمير المؤمنين ومرة يقول أنا غلام مروان فعرفه
رجل منهم أنه لعثمان فقال له محمد بن أبي بكر لمن أرسلت قال إلى
عامل مصر قال بماذا قال برسالة قال أمعك كتاب قال
257

لا ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا وكتان معه إداوة قد يبست وفيها شئ
يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من
عثمان إلى بن أبي سرح فجمع محمد بن أبي بكر من كان معه من المهاجرين
والأنصار وغيرهم ثم فك الكتاب بحضرتهم فإذا فيه إذا أتاك محمد
بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه
وقر على عملك واحبس من يجئ إلى يتظلم منك حتى يأتيك رأيي
في ذلك إن شاء الله فلما قرؤوا الكتاب فزعوا وأزمعوا ورجعوا إلى
المدينة وختم محمد بن أبي بكر الكتاب بخواتم جماعة من المهاجرين
معه ودفع الكتاب إلى رجل منهم وانصرفوا إلى المدينة فلما قدموها
جمع محمد بن أبي بكر عليا وطلحة والزبير وسعدا وكان بها من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فك الكتاب بحضرتهم عليه
خواتم من معه من المهاجرين وأخبرهم بقصة الغلام فلم يبق أحد من
المدينة إلا حنق على عثمان وقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلحقوا بمنازلهم ما منهم أحد إلا هو مغتم وكانت هذيل وبنو زهرة
في قلوبها ما فيها على عثمان لحال بن مسعود وكانت بنو مخزوم
قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر وكانت بنو غفار وأحلافها
258

ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها وأجلب عليه محمد بن أبي بكر
من بنى تيم وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله وعائشة فلما رأى ذلك
على وصح عنده الكتاب بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون ثم جاء معهم
حتى دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال له هذا
الغلام غلامك قال نعم قال والبعير بعيرك قال نعم قال
فأنت كتبت هذا الكتاب قال لا وحلف بالله أنه ما كتب هذا الكتاب
ولا أمر به فقال له على فالخاتم خاتمك قال نعم قال على فكيف يخرج
غلامك على بعيرك بكتاب عليه خاتمك لا تعلم به فحلف عثمان بالله
ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام
قط إلى مصر وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان فلما شكوا في أمر عثمان
سألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى وكان مروان عنده في الدار وكان
خشي عليه القتل فخرج من عنده على وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلموا أن عثمان لا يحلف باطلا ثم قالوا لا نسكت إلا أن يدفع
إلينا مروان حتى نبحث ونتعرف منه ذلك الكتاب وكيف يؤمر
بقتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير حق فان يك
عثمان كتب ذلك عزلناه وإن يك مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا
259

ما يكون في أمر مروان ولزموا بيوتهم وفشا الخبر في المسلمين من
أمر الكتاب وفقد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان وخرج
من الكوفة عدى بن حاتم الطائي والأشتر مالك بن الحارث النخعي
في مائتي رجل وخرج من البصرة حكيم بن جبلة العبدي في مائة
رجل حتى قدموا المدينة يريدون خلع عثمان وحوصر عثمان قبل هلال
ذي القعدة بليلة وضيق عليه المصريون والبصريون وأهل الكوفة بكل
حيلة ولم يدعوه يخرج ولا يدخل إليه أحد إلا أن يأتيه المؤذن فيقول
الصلاة وقد منعوا المؤذن أن يقول يا أمير المؤمنين فكان إذا جاء
وقت الصلاة بعث أبا هريرة يصلى بالناس وربما أمر بن عباس بذلك
فصعد يوما عثمان على السطح فسمع بعض الناس يقول ابتغوا إلى قتله
سبيلا فقال والله ما أحل الله ولا رسوله قتلى سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر
بعد إسلام أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس وما فعلت
من ذلك شيئا ثم قال لا أخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته
بإراقة محجمة دم حتى ألقاه يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
260

أحبكم إلى من كف عنا لسانه وسلاحه ثم أشرف عليهم فقال أفيكم
علي قالوا لا قال أفيكم سعد قالوا لا فقال أذكركم بالله هل
تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بشئ فاتبعتها من مالي
وجعلتها للغني والفقير وابن السبيل فقالوا نعم قال فاسقوني منها
ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث
قرب مملوءة فما كادت تصل إليه حتى خرج في سببها عدة من بنى هاشم
وبنى أمية حتى وصل الماء إليه ثم قال عثمان والله لو كنت في أقصى
داري ما طلبوا غيري ولو كنت أدناهم ما جازوني إلى غيري سنجتمع
نحن وهم عند الله وسترون بعدي أمورا تتمنون أنى عشت فيهم ضعف
أمري والله ما أرغب في إمارتهم ولولا قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم لي إذا ألبسك الله قميصا وأرادوك على خلعه فلا تخلعه
لحبست في بيتي وتركتكم وإمارتكم ووالله لو فعلت ما تركوني وإنهم
قد خدعوا وغروا والله لو أقتل لمت لقد كبر سنى ورق عظمي
وجاوزت أسنان أهل بيتي وهم على هذا لا يريدون اللهم فشتت
261

أمرهم وخالف بين كلمتهم وانتقم لي منهم واطلبهم لي طلبا حثيثا وقد
استجيب دعاءه في كل ذلك
ثم أمر عثمان بن عفان عبد الله بن عباس على الحج فحج بالناس
فأمره وبعث إلى الأشتر فدعاه فقال يا أشتر ما يريد الناس قال
ثلاث ليس من إحداهن بد إما أن تخلع أمرهم وتقول هذا أمركم فاختاروا
له من شئتم وإما أن تقص من نفسك فان أبيتهما فالقوم قاتلوك
قال عثمان أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه
الله والله لان أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أخلع
أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعضها على بعض وأما أن أقص من نفسي
فوالله لقد علمتم أنى لم آت شيئا يجب على القصاص فيه وأما أن تقتلوني
فوالله إن تقتلوني لا تتحابون بعدي ولا تقتلون بعدي عدوا
جميعا ولتختلفن حتى تصيروا هكذا يقوم لا يجرمنكم
شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح الآية ثم أرسل إلى
262

عبد الله بن سلام فجاءه فقال الكف الكف ثم جاءه زيد بن ثابت
فقال يا أمير المؤمنين هذه الأنصار بالباب فقال عثمان إن شاؤوا
أن يكونوا أنصار الله منكم وإلا فلا ثم جاءه عبد الله بن الزبير فقال
يا أمير المؤمنين اخرج فقاتلهم فان معك من قد نصر الله بأقل منهم
فلم يعرج على قول بن الزبير ثم قال ائتوني برجل منهم أقرأ عليه
كتاب الله فأتوه بصعصعة بن صوحان وكان شابا فقال ما وجدتم أحدا
تأتوني به غير هذا الشاب فتكلم صعصعة بكلام فقال عثمان اذن
للذين يقتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فلما اشتد بعثمان
الامر أصبح صائما يوم الجمعة وقال إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
في المنام فقال لي يا عثمان إنك تفطر عندنا الليلة ثم قال على للحسن
والحسين اذهبا بسيفكما حتى تقفا على باب عثمان ولا تدعا أحدا يصل
إليه وبعث الزبير ابنه وبعث طلحة ابنه وبعث عدة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان
ورماه الناس بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء وتخضب محمد بن
263

طلحة وشج قنبر مولى على ثم أخذ محمد بن أبي بكر بيد جماعة وتسور
الحائط من غير أن يعلم به أحد من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا
على عثمان وهو قاعد والمصحف في حجره ومعه امرأته والناس فوق
السطح لا يعلم أحد بدخولهم فقال عثمان لمحمد بن أبي بكر والله
لو رآك أبوك لساءه مكانك منى فرجع محمد وتقدم إليه سودان
بن رومان المرادي ومعه مشقص فوجأه حتى قتله وهو صائم ثم خرجوا
هاربين من حيث دخلوا وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة مضت من
ذي الحجة وكان تمام حصاره خمسة وأربعين يوما وكانت امرأته
تقول إن شئتم قتلتموه وإن شئتم تركتموه فإنه كان يختم القرآن
كل ليلة في ركعة ثم صعدت إلى الناس تخبرهم وهمر الناس عليه
فدخلوا وأول من دخل عليه الحسن والحسين فزعين وهما لا يعلمان
بالكائنة وكانا مشغولين على الباب ينصرانه ويمنعان الناس عنه فلما
دخلوا وجدوا عثمان مذبوحا فانكبوا عليه يبكون ودخل الناس فوجا فوجا
264

وبلغ الخبر علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعدا فخرجوا مذهلين
كادت عقولهم تذهب لعظم الخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان
فوجدوه مقتولا واسترجعوا وقال على لابنيه كيف قتل أمير المؤمنين
وأنتما على الباب قالا لم نعلم قال فرفع يده ولطم الحسن
وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير
ثم خرج وهو غضبان يسترجع فلقيه طلحة بن عبيد الله فقال ما لك
يا أبا الحسين فقال على يقتل أمير المؤمنين رجل من أصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم من غير أن تقوم عليه بينة ولا حجة فقال له طلحة
لو دفعه مروان إليهم لم يقتلوه فقال على لو خرج مروان إليكم لقتلتموه
قبل أن يثبت عليه حكومة ثم أتى على منزله يسترجع فاشتغل الناس
بعضهم ببعض وفزعوا ولم يتوهموا بأن هذه الكائنة تكون ثم حمل
على سريره بين المغرب والعشاء وصلى عليه جبير بن مطعم ودلته
في قبره نائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة بن حصن بن بدر
الفزاري ودفن ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة وكانت
خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثنى عشر يوما
وقتل يوم قتل عثمان من قريش عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي
وعبد الله بن عبد الرحمن بن العوام والمغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي
265

وقتل معهم غلام لعثمان أسود أربعة أنفس
وكان عمال عثمان حين قتل على البصرة عبد الله بن عامر بن
كريز وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص وعلى الشام معاوية بن أبي
سفيان وعلى مصر محمد بن أبي حذيفة وعلى مكة عبد الله بن الحضرمي
وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن منبه وعلى
الجند عبد الله بن أبي ربيعة
استخلاف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة
بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الحسن
الهاشمي وأمه فاطمة بنت أسد بن هشام بن عبد مناف وهاشم أخو هشام
ومن زعم أنه أسد بن هاشم بن عبد مناف فقد وهم
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل
266

عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال كان على قد تخلف
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان به رمد فقال أنا أتخلف
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله
يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا هذا على فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليه
قال أبو حاتم لما كان من أمر من عثمان ما كان قعد على في بيته وأتاه
الناس يهرعون إليه كلهم يقولون أمير المؤمنين على حتى دخلوا عليه
داره وقالوا نبايعك فإنه لا بد من أمير وأنت أحق فقال على
ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بدر فمن رضى به أهل بدر فهو
خليفة فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا يطلبون البيعة وهو
يأبى عليهم فجاء الأشتر مالك بن الحارث النخعي إلى على فقال له
ما يمنعك أن تجيب هؤلاء إلى البيعة فقال لا أفعل إلا عن
ملا وشورى وجاء أهل مصر فقالوا ابسط يدك نبايعك فوالله لقد
قتل عثمان وكان قتله لله رضى فقال على كذبتم والله ما كان
قتله لله رضى لقد قتلتموه بلا قود ولا أحد ولا غيره وهرب مروان
267

فطلب فلم يقدر عليه فلما رأى ذلك على منهم خرج إلى المسجد وصعد
المنبر وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا أيها الناس رضيتم
منى أن أكون عليكم أميرا فكان أول من صعد إليه المنبر طلحة فبايعه
بيده وكان إصبع طلحة شلاء فرآه أعرابي يبايع فقال يد شلاء
وأمر لا يتم فتطير على منها وقال ما أخلفه أن يكون كذلك ثم بايعه
الزبير وسعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بلغ عليا أن
سعدا وابن عمر ومحمد بن مسلمة يذكرون هنات فقام على خطيبا فحمد الله
وأثنى عليه فقال أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بايعتم عليه أصحابي
فإذا بايعتموني فلا خيار لكم على وعلى الامام الاستقامة وعلى الرعية
التسليم وهذه بيعة عامة فمن ردها رغب عن دين المسلمين
واتبع غير سبيلهم ولم تكن بيعته إياي فلتة وليس أمري
وأمركم واحدا أريد الله وتريدونني لأنفسكم وأيم الله لأنصحن
الخصم ولأنصفن المظلوم
وقد أكثر الناس في قتل عثمان فمنهم من قد زعم أنه قتل ظالما
ومنهم من قد زعم أنه قتل مظلوما وكان الاكثار في ذلك على طلحة
والزبير قالت قريش أيها الرجلان إنكما قد وقعتما في ألسن الناس
في أمر عثمان فيما وقعتما فيه فقام طلحة في الناس فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس ما قلنا
268

في عثمان أمس إلا نقول لكم فيه اليوم مثله أنه خلف الدنيا بالتوبة
ومال عليه قوم فقتلوه وأمره إلى الله ثم قام الزبير فحمد الله وأثنى
عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا أيها الناس
إن الله اختار من كل شئ شيئا واختار من الناس محمدا صلى الله عليه وسلم
أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
واختار من الشهور رمضان وأنزل فيه القرآن وفرض فيه الصيام
واختار من الأيام يوم الجمعة فجعله عيدا لأهل الاسلام واختار من
البلدان هذين الحرمين مكة والمدينة فجعل بمكة البيت الحرام وجعل
بالمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ما بين قبره ومنبره
روضة من رياض الجنة واختار من الشورى التسليم كما اختار هذه
الأشياء فأذهبت الشورى بالهوى والتسليم بالشك وقد تشاورنا فرضينا
عليا وأما إن قتل عثمان فأمره إلى الله
فلما رأى على اختلاف الناس في قتل عثمان صعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أقبلوا على بأسماعكم وأبصاركم إن
الناس بين حق وباطل فلئن عي أمر الباطل لقديما ما فعل وإن يكن الحق
قد غاب فلعل وإني أخاف أن أكون أنا وأنتم قد أصبحنا في فتنة
وما علينا فيها إلا الاجتهاد الناس اثنان وثلاثة لا سادس لهم ملك
269

طار بجناحيه أو نبي أخذ الله بيده أو عامل مجتهد أو مؤمل يرجو
أو مقصر في النار وإن الله أدب هذه الأمة بأدبين بالسيف
والسوط لا هوادة عند السلطان فيهما فاستتروا واستغفروا الله
فأصلحوا ذات بينكم
ثم نزل وعمد إلى بيت المال وأخرج ما فيه وفرقه على المسلمين
ثم بعث إلى سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة
فقال لقد بلغني عنكم هنات فقال سعد صدقوا لا أبايعك ولا أخرج
معك حيث تخرج حتى تعطيني سيفا يعرف المؤمن من الكافر وقال له
بن عمر أنشدك الله والرحم أن تحملني على ما لا أعرف والله
لا أبايع حتى يجتمع المسلمون على من جمعهم الله عليه وقال محمد
بن مسلمة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني إذا اختلف أصحابه
ألا أدخل فيما بينهم وأن أضرب بسيفي صخر أحد فإذا انقطع أقعد
في بيتي حتى يأتيني يد خاطئة أو منية قاضية وقد فعلت ذلك ثم دعا
على أسامة بن زيد وأراده على البيعة فقال أسامة أما البيعة فإنني
أبايعك أنت أحب الناس إلى وآثرهم عندي وأما القتال فانى عاهدت
270

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أقاتل رجلا يشهد أن
لا إله إلا الله فلما رآهم علي مختلفين قال أخرجوني من هذه البيعة
واختاروا لأنفسكم من أحببتم فسكتوا وقاموا وخرجوا فدخل عليه
المغيرة بن شعبة فقال يا أمير المؤمنين إني مشير عليك بخلال ثلاث
فافعل أيها شئت فقال ما هي يا أعو فقال إني أرى من الناس
بعض التثاقل فيك فأرى أن تأتي بحمل ظهر فتركبه وتركض في الأرض
هاربا من الناس فإنهم إذا رأوا ذلك منك ابتاعوا جمالا أظهر من جمالك
وخيولا ثم ركضوا في أثرك حتى يدركوك حيث ما كنت ويقلدوك
هذا الامر على اجتماع منهم شئت أو أبيت فان لم تفعل هذا فأقر
معاوية على الشام كله واكتب إليه كتابا بذلك تذكر فيه من
شرفه وشرف آبائه وأعلمه أنك ستكون له خيرا من عمر وعثمان واردد
عمرو بن العاص على مصر واذكر في كتابك شرفه وقدمه فإنه رجل
يقع الذكر منه موقعا فإذا ثبت الامر أذنت لهما حينئذ في القدوم عليك
تستخبرهما عن البلاد والناس ثم تبعث بعاملين وتقرهما عندك فان
أبيت فاخرج من هذه البلاد فإنها ليست ببلاد كراع وسلاح
فقال على أما ما ذكرت من فراري من الناس فطيف أفر منهم وقد
بايعوني وما أمر معاوية وعمرو بن العاص فلا يسألني الله عن إقرارهما
ساعة واحدة في سلطاني وما كنت متخذ المضلين عضدا وأما خروجي
من هذه البلاد إلى غيرها فانى ناظر في ذلك فخرج من عنده المغيرة
ثم عاد وهو عازم على الخروج إلى الشام واللحوق بمعاوية فقال له
271

يا أمير المؤمنين أشرت عليك بالأمس في رأيي بمعاوية وعمرو إن
الرأي أن تعاجلهم بالنزع فقد عرف السامع من غيره وتستقبل
أمرك ثم خرج من عنده فلقيه بن عباس خارجا وهو داخل فلما
انتهى إليه قال رأيت المغيرة خارجا من عندك فيم جاءك قال
جاءني أمس برأي واليوم برأي وأخبره بالرأيين فقال بن عباس أما
أمس فقد نصحك وأما اليوم فقد غشك قال فما الرأي قال بن عباس
كان الرأي قبل اليوم قال على على ذلك قال كان الرأي أن تخرج
إلى مكة حتى تدخلها دارا من دورها وتغلق عليك بابك فان
الناس لم يكونوا ليدعوك وإن قريشا كانت تضرب الصعب والذلول
في طلبك لأنها لا تجد غيرك فأما اليوم فان بنى أمية يستحسنون الطلب
بدم صاحبهم ويشبهون على الناس بأن يلزموك شعبة من أمره
ويلطخونك من ذلك ببعض اللطخ فهم على بالنهوض إلى الشام ليزور
أهلها وينظر ما رأى معاوية وما هو صانع فجاءه أبو أيوب الأنصاري
فقال له يا أمير المؤمنين لو أقمت بهذه البلاد لأنها الدرع الحصينة
ومهاجرة للنبي صلى الله عليه وسلم وبها قبره ومنبره ومادة الاسلام
272

فان استقامت لك العرب كنت فيها كمن كان وإن تشعب عليك
قوم رميتهم بأعدائهم وإن ألجئت حينئذ إلى المسير سرت
وقد أعذرت فقال على إن الرجال والأموال بالعراق ولن يصيبنا
إلا ما كتب الله لنا ثم أخذ بما أشار عليه أبو أيوب الأنصاري وعزم
على المقام بالمدينة وبعث العمال على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف
على البصرة أميرا وعمارة بن حسان بن شهاب على الكوفة وعبيد الله
بن عباس على اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على
الشام فأما سهل بن حنيف فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيه خيل من
أهل الشام فقالوا له من أنت قال أمير قالوا على أي شئ قال
على الشام قالوا إن كان عثمان بعثك فحي هلا بك وإن كان بعثك
غيره فارجع قال ما سمعتم بالذي كان قالوا بلى ولكن ارجع
إلى بلدك فرجع إلى على وإذا القوم أصحاب
وأما قيس بن سعد فإنه انتهى إلى أيلة فلقيه طلائع فقالوا له
من أنت فقال أنا من الأصحاب الذين قتلوا وشردوا من البلاد فأنا
أطلب مدينة آوى إليها فقالوا من أنت قال أنا قيس بن سعد
بن عبادة فقالوا امض بنا فمضى قيس حتى دخل مصر وأظهر لهم
حاله وأخبرهم أنه ولى على مصر فافترق عليه أهل مصر فرقا فرقة
273

دخلت في الجماعة وبايعت وفرقة أمسكت واعتزلت وفرقة قالت
إن قيد من قتله عثمان فنحن معه وإلا فلا فكتب قيس بن سعد بجميع
ما رأى من أهل مصر إلى على
وأما عبيد الله بن عباس فإنه خرج منطلقا إلى اليمن لم يعانده
أحد ولم يصده عنها صاد حتى دخلها فضبطها لعلي وأما عمارة بن حسان
بن شهاب فإنه أقبل عامدا إلى الكوفة حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة
بن خويلد الأسدي وهو خارج إلى المدينة يطلب دم عثمان فقال
طليحة من أنت قال أنا عمارة بن حسان بن شهاب قال ما جاء بك
قال بعثت إلى الكوفة أميرا قال ومن بعثك قال أمير المؤمنين
على قال الحق بطيتك فان القوم لا يريدون بأميرهم أبى موسى الأشعري
بدلا فرجع عمارة إلى على وأخبره الخبر وأقام طليحة بزبالة
وأما عثمان بن حنيف فإنه مضى يريد البصرة وعليها عبد الله بن
عامر بن كريز وبلغ أهل البصرة قتل عثمان فقام بن عامر فصعد
المنبر وخطب وقال إن خليفتكم قتل مظلوما وبيعته في أعناقكم
ونصرته ميتا كنصرته حيا واليوم ما كان أمس وقد بايع الناس
عليا ونحن طالبون بدم عثمان فأعدوا للحرب عدتها فقال له حارثة بن
قدامة يا بن عامر إنك لم تملكنا عنوة وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرين
والأنصار وبايع الناس عليا فان أقرك أطعناك وإن عزلك عصيناك
فقال بن عامر موعدك الصبح فلما أمسى تهيأ للخروج وهيأ مراكبه
274

وما يحتاج إليه واتخذ الليل جملا يريد المدينة واستخلف عبد الله بن
عامر الحضرمي على البصرة فأصبح الناس يتشاورون في بن عامر وأخبروا
بخروجه فلما قدم بن عامر المدينة أتى طلحة والزبير فقالا له
لا مرحبا بك ولا أهلا تركت العراق والأموال وأتيت المدينة خوفا
من على ووليتها غيرك واتخذت الليل جملا فهلا أقمت حتى يكون
لك بالعراق فئة قال بن عامر فأما إذا قلتما هذا فلكما على مائة
ألف سيف وما أردتما من المال
ثم أتت أم كلثوم بنت على أباها وتحت عمر بن الخطاب
فقالت له إن عبد الله بن عمر رجل صالح وأنا أتكفل ما يجئ
منه لك فلما كان من قدوم بن عامر المدينة جاء بن إليها فقال
يا أماه نك قد كفلت في وأنا أريد الخروج إلى العمرة الساعة
ولست بداخل في شئ يكرهه أبوك غير أنى ممسك حتى يجتمع الناس
فان شئت فأذني وإن شئت فابعثيني إلى أبيك قالت لا بل اذهب
في حفظ الله وتحت كنفه وانطلق بن عمر معتمرا
فلما أصبح الناس أتوا عليا فقالوا قد حدث البارحة حدث هو أشد
من طلحة والزبير ومعاوية قال على وما ذاك قالوا خرج بن عمر
إلى الشام فأتى على السوق وجعل يعد طلابا ليرد بن عمر فسمعت
275

أم كلثوم بذلك فركبت بغلتها حتى أتت أباها فقالت إن الامر على
غير ما بلغك وحدثته بما ذكر لها بن عمر فطابت نفس على بذلك
فما انصرفوا من السوق حتى جاءهم بعض القدام من العمرة وأخبروه
أنهم رأوا بن عمر وآخر معه على حمارين محرمين بكساءين
ثم كتب على غلى معاوية يسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله
على أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك فانى أحمد إليك
الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان
وما اجتمع الناس عليه من بيعتي فادخل في السلام كما دخل الناس
وإلا فأذن بحرب كما يؤذن أهل الفرقة والسلام وبعث كتابه مع
سبرة الجهني والربيع بن سبرة فلما قدم سبرة بكتاب على ودفعه إلى
معاوية جعل يتردد في الجواب مدة فلما طال ذلك عليه دعا معاوية
رجلا من عبس يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من
معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب وقال له إذا دخلت
المدينة فاقبض على أسفل الطومار وأبرزه وأوصاه بما يقول ويبعثه مع
سبرة رسول على فقدما المدينة فرفع العبسي الطومار كما أمر معاوية
فخرج الناس ينظرون إليه وعلموا حينئذ أن معاوية معترض
معاند فلما دخلا على على دفع إليه العبسي الطومار ففض عن خاتمه فلم يجد
في جوفه شيئا فقال لسبرة ما وراءك قال تركت قوما لا يرضون
إلا بالقود وقد تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان
276

فقال على أمنى يطلبون دم عثمان ث
م كتب إلى أبى موسى الأشعري وهو على الكوفة بسم الله الرحمن
الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الأشعري
سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد بلغك
ما كان من مصاب عثمان وما اجتمع الناس عليه من بيعتي فادخل
فيما دخل فيه الناس ورغب أهل ملكك في السمع والطاعة واكتب
إلى بما كان منك ومنهم إن شاء الله والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته وبعث الكتاب مع معبد الأسلمي فلما قدم معبد الكوفة
دعا أبو موسى الأشعري الناس إلى طاعة على فأجابوه طائعين وكتب
إلى علي بن أبي طالب بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله على أمير المؤمنين
من عبد الله بن قيس سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد فقد قرأت كتابك ودعوت من قبلي المسلمين فسمعوا وأطاعوا
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ودفع كتابه إلى معبد
وكانت عائشة خرجت معتمرة فلما قضت عمرتها نزلت على
باب المسجد واجتمع إليها الناس فقالت أيها الناس إن الغوغاء من
أهل الأمصار وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول
بالأمس ظلما واستحلوا البلد الحرام وسفكوا الدم الحرام فقال عبد الله
بن عامر ها أنا ذا أول طالب بدمه فكان أول من انتدب لذلك
ولما كثر الاختلاف بالمدينة استأذن طلحة والزبير عليا في العمرة
277

فقال لهما ما العمرة تريدان وقد قلت لكما قبل بيعتكما لي أيكما شاء
بايعته فأبيتما إلا بيعتي وقد أذنت لكما فاذهبا راشدين فخرجا إلى
مكة وتبعهما عبد الله بن عامر بن كريز فلما لحقهما قال لهما ارتحلا فقد
بلغتما حاجتكما فاجتمعوا مع عائشة بمكة وبها جماعة من بنى أمية
ثم جمع معاوية أهل الشام على محاربة على والطلب بالقود من الدم
عثمان واحتال في قيس بن سعد بن عبادة وكان واليا على مصر وكتب
إلى على كتابا يمرغ فيه معاوية فلما قرأ على الكتاب عزل قيسا وولى
عليها محمد بن أبي بكر
وخرج قسطنطين بن هرقل بالمراكب يريد المسلمين فسلط الله
عليهم ريحا قاصفا فغرقهم ونجا قسطنطين بن هرقل حتى انتهى إلى
سقلية فصنعت الروم حماما فلما دخلوه قتلوه فيه وقالوا له قتلت رجالنا
ثم حج بالناس عبد الله بن عباس أمره على على الحج فلما
انصرف أجمع طلحة والزبير على المسير بعائشة فقال طلحة
ما لنا أمر أبلغ في استمالة الناس إلينا من شخوص بن عمر معنا وكان
من أمره في عثمان وخلافه له على ما يعلمه من يعلمه فأتاه طلحة
278

فقال يا أبا عبد الرحمن إن عائشة قصدت الاصلاح بين الناس فاشخص
معنا فان لنا بك أسوة فقال بن عمر أتخدعونني لتخرجوني
كما تخرج الأرنب من جحرها إن الناس إنما يخدعون
بالوصيف والوصيفة والدنانير والدراهم ولست من أولئك قد تركت
هذا الامر عيانا وأنا أدعى إليه في عافية فاطلبوا لامركم غيري
فقال طلحة يغنى الله عنك
وقدم يعلى بن أمية من اليمن وقد كان عاملا عليها
بأربعمائة من الإبل فدعاهم إلى الحملان فقال له الزبير دعنا من إبلك
هذه ولكن أقرضنا من هذا المال فأعطاه ستين ألف دينار وأعطى
طلحة أربعين ألف دينار فتجهزوا وأعطوا من خف معهم
فلما دخلت السنة السادسة والثلاثون
تشاوروا في مسيرهم فقال الزبير عليكم بالشام بها الأموال والرجال
وقال بن عامر البصرة فان غلبتهم عليها فلكم الشام إن معاوية قد سبقكم
إلى الشام وهو بن عم عثمان وإن البصرة لي بها صنائع ولأهلها
في طلحة هوى وكانت عائشة تقول نقصد المدينة فقالوا لها
279

يا أم المؤمنين دعي المدينة فان من معك لا يقرنون
لتلك الغوغاء واشخصي معنا إلى البصرة فان أصلح الله هذا الامر كان
الذي نريد وإلا فقد بلغنا ويقضى الله فيه ما أحب وكلموا حفصة
ابنة عمر أن تخرج معهم فقالت رأيي تبع لرأى عائشة فأتاها عبد الله بن
عمر فناشدها الله أن تخرج فقعدت وبعث إلى عائشة أن أخي حال
بيني وبين الخروج فقالت يغفر الله لابن عمر ثم نادى منادي طلحة والزبير
من كان عنده مركب وجهاز وإلا فهذا جهاز ومركب فحملوا على
ستمائة ناقة سوى من كان له مركب وكانوا نحو ألف نفس
وتجهزوا بالمال وشيعهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلهن
بمكة حاجات إلا أم سلمة فإنها سارت إلى المدينة فلما بلغوا ذات
عرق ودعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبكين وبكى الناس فما
رأوا بكاء أكثر من ذلك اليوم وسمى يوم النحيب وجعلن يدعون
على قتلة عثمان الذين سفكوا في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم
الحرام ثم انصرفن ومضت عائشة وهي تقول اللهم إنك تعلم
أنى لا أريد إلا الاصلاح فأصلح بينهم
وبعثت أم الفضل حين خرجت عائشة ومن معها من مكة إلى
على رجلا من جهينة قالت اقتل في كل مرحلة بعيرا وعلى ثمنه
280

وهذه مائة دينار وكسوة وكتبت معه أما بعد فان طلحة
والزبير وعائشة خرجوا من مكة يريدون البصرة فقدم المدينة وأعطى
عليا الكتاب فدعى على محمد بن أبي بكر فقال له ألا ترى إلى أختك
خرجت مع طلحة والزبير فقال محمد بن أبي بكر إن الله معك ولن
يخذلك والناس ناصروك
ثم قام على فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس تهيؤا للخروج
إلى قتال أهل الفرقة فانى سائر إن شاء الله إن الله بعث رسولا صادقا
بكتاب ناطق وأمر واضح لا يهلك عنه إلا هالك وإن في سلطان الله
عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الاسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها انهضوا إلى
هؤلاء الذين يريدون تفريق جماعتكم لعل الله يصلح بكم ذات البين
وبعث على الحسين بن علي وعمار بن ياسر إلى الكوفة لاستنفارهم
فلما قدموا الكوفة قام أبو موسى الأشعري في الناس وكان
واليا عليها وأخبرهم بقدوم الحسن واستنفاره إياهم إلى أمير المؤمنين
281

على إصلاح البين
وقدم زيد بن صوحان من عند عائشة معه كتابان من عائشة إلى
أبى موسى والى الكوفة وإذا في كل كتاب منهما بسم الله الرحمن الرحيم
من عائشة أم المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الأشعري سلام عليك
فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد كان من
قتل عثمان ما قد علمت وقد خرجت مصلحة بين الناس فمر من قبلك
بالقرار في منازلهم والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح
أمر المسلمين فان قتلة عثمان فارقوا الجماعة وأحلوا بأنفسهم البوار فلما
قرأ الكتابين وثب عمار بن ياسر فقال أمرت عائشة بأمر وأمرنا
بغيره أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة
فهو ذا تأمرنا بما أمرت وركبت ما أمرنا به ثم قال هذا بن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجوا إليه ثم انظروا في الحق ومن
الحق معه ثم قام الحسن بن علي فقال يا أيها الناس أجيبوا دعوة
أميركم وسيروا إلى إخوانكم لعل الله يصلح بينكم ثم قام هند بن عمرو
البجلي فقال إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا ابنه فاتبعوا قوله
وانتهوا إلى أمره فقام حجر بن عدي الكندي فقال أيها الناس أجيبوا
أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا بأموالكم وأنفسكم ثم قال الحسن
282

أيها الناس إني غاد فمن شاء منكم فليخرج معي على الظهر ومن شاء
فليخرج في الماء فأجابوه وخرج معه تسعة آلاف نفس بعضهم على
البر وبعضهم على الماء وساروا حتى بلغوا ذا قار وخرج علي من
المدينة معه ستمائة رجل وخلف على المدينة سهل بن حنيف فالتقى
هو وابنه الحسن مع من خرج معه من الكوفة بذي قار فخرجوا
جميعا إلى البصرة ولم يدخل على الكوفة وكتب إلى المدينة إلى
سهل بن حنيف أن يقدم عليه ويولى على المدينة أبا حسن المازني
والتقى مع طلحة والزبير وعائشة بالجلحاء على فرسخين من البصرة
وذلك لخمس خلون من جمادى الآخرة وكان علي كثيرا ما يقول
يا عجب كل العجب من جمادى ورجب فكان من أمرهم ما كان
وقتل بن جرموز الزبير ثم أتى عليا يخبره فقال على سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل بن صفية بالنار
فقال بن جرموز إن قتلنا معكم فنحن في النار وإن قاتلناكم فنحن
في النار ثم بعج بطنه بسيفه فقتل نفسه وأما طلحة فرماه مروان
بن الحكم بسهم من ورائه فأثبته فيه وقتله وحمله إلى البصرة فمات بها
283

فقبر طلحة بالبصرة وقتل الزبير بوادي السباع وكان كعب بن سور
قد علق المصحف في عنقه ثم يأتي هؤلاء فيذكرهم ويأتي هؤلاء فيذكرهم
حتى قتل
وكان على ينادى مناديه لا تقتل مدبرا ولا تذفف على جريح
ومن أغلق بابه فهو آمن ومن طرح السلاح فهو آمن ولم يقتل بعد
آن واحدا
فلما اطمأن الناس بعث على بعائشة مع نساء من أهل العراق
إلى المدينة وأقام بالبصرة خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الكوفة وولى
على البصرة عبد الله بن عباس وولى الولاة في البلدان وكتب إلى
المدن بالقرار والطاعة
ثم إن أبا مسلم الخولاني قال لمعاوية على ما تقاتل عليا وهو بن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من القدم والسابقة ما ليس لك وإنما
أنت رجل من الطلقاء فقال له معاوية أجل والله ما نقاتل عليا
وأنا لست أدعى في الاسلام مثل الذي له ولكن أقاتله على
دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان وأنا أطلبه بدمه فقال أبو مسلم إني
284

أستخبر لك عن ذلك فركب راحلته وانتهى إلى الكوفة ثم نزل عن
راحلته وأتى عليا ماشيا والناس عنده ولا يعرفه أحد فقال من قتل
عثمان فقال علي الله قتل عثمان وأنا معه فخرج أبو مسلم ولم يتكلم
ومضى حتى انتهى إلى راحلته فركبها ولحق بالشام فانتهى إلى معاوية وهو
يثقل فقيل له هذا أبو مسلم قد جاء فعانقه معاوية وسأله عن
سفره وخاف أن يكون قد جاء بشئ مما يكره فقال أبو مسلم والله
لتقاتلن عليا أو لنقاتلنه فإنه قد أقر بقتل أمير المؤمنين عثمان فقام
معاوية فرحا وصعد المنبر واجتمع إليه الناس وحمد الله وأثنى عليه
وقام أبو مسلم خطيبا وحرض الناس على قتال على فصح خروج
أهل الشام قاطبة على على وطلبهم إياه بدم عثمان
ثم إن حجر بن الأدبر قدم على على فقال يا أمير المؤمنين
الجماعة والعدد والمال مع الأشعث بن قيس بآذربيجان فابعث إليه
فليقدم فكتب إليه على بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على
أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم
واحمل ما غللت من المال فكتب إليه الأشعث بن قيس أما بعد
فقد جاءني كتابك بأن أقدم عليك وأحمل ما غللت من مال الله
285

فما أنت وذاك والسلام ثم قال الأشعث والله لادعنه بحال
مضيعة ولأفسدن عليه الكوفة ثم ارتحل من أذربيجان وهو يريد
معاوية وبلغ ذلك عليا وشق عليه خروجه إلى معاوية فقال حجر
بن الأدبر يا أمير المؤمنين ابعثني إلى الأشعث بن قيس فأنا أعرف به
وأرفق وإن هو خوشن لم يجب أحدا قال له علي سر إليه فسار حجر
إليه فأدركه بشهرزور فقال له حجر يا أبا محمد أنشدك الله أن تأتي
معاوية وتدع بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأشعث
أوما سمعت كتابه إلى فقال حجر إنك إن أتيت معاوية
أقبلنا جميعا إلى الشام وأنشدك الله ألا نظرت إلى أيتام قومك وأياماهم
فانى لا آمن أن يفتضحوا غدا قال فما تريد يا حجر قال تنحدر
معي إلى الكوفة فإنك شيخ العرب وسيدها والمطاع في قومك
وسيصير إليك الامر فلم يزل به حجر حتى قال ليصرفوا صدور
الركائب إلى الكوفة فتقدم على على فسر على بمجيئه فقال مرحبا
وأهلا بأبي محمد على عجلته فقال أمير المؤمنين إن هذا ليس بيوم عتاب
ثم أقام مع علي بالكوفة وحج بالناس عبد الله بن عباس بأمر على ولاه
فلما دخلت السنة السابعة والثلاثون
كتب معاوية إلى علي بن أبي طالب أما بعد فان الله اصطفى محمدا
صلى الله عليه وسلم بعلمه وجعله الأمين على وحيه والرسول إلى
286

خلقه واختار له من المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على
قدر فضائلهم في الاسلام كان أفضلهم في الاسلام وأنصحهم لله ولرسوله
الخليفة بعده وخليفة خليفته المظلوم المقتول رحمة الله عليهم
وقد ذكر لي أنك تنتفي من دمه فان كنت صادقا فأمكنا ممن قتله
حتى نقتله به ونحن أسرع إليك إجابة وأطوعهم طاعة وإلا فإنه ليس
لك ولا لاحد من أصحابك عندنا إلا السيف والذي لا إله غيره
لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال حتى يقتلهم الله أو تلحق أرواحنا
بعثمان والسلام
فكتب إليه على بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين
إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فان أخا خولان قدم على بكتاب منك
يذكر فيه محمد صلى الله عليه وسلم وما أنعم الله عليه من الهدى والحمد لله
على ذلك وأما ما ذكرت من ذكر الخلفاء فلعمري إن مقامهم في الاسلام
كان عظيما وإن المصاب بهم لجرح عظيم في الاسلام وأما ما ذكرت
من قتلة عثمان فانى قد نظرت في هذا الامر فلم يسعني دفعهم إليك وقد
كان أبوك أتاني حين ولى الناس أبا بكر فقال لي يا علي أنت أحق الناس
بهذا الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهات يدك حتى أبايعك
287

فلم أفعل مخافة الفرقة في الاسلام فأبوك أعرف بحقي منك فان كنت
تعرف من حقي ما كان يعرفه أبوك فقد قصدت رشدك وإن لم تفعل
فسيغني الله عنك والسلام
فلما قرأ معاوية الكتاب تهيأ هو ومن معه على المسير إلى على
ثم سار يريد العراق وسار على من العراق وصلى الظهر بين القنطرة
والجسر ركعتين وبعث على مقدمته شريح بن هانئ وزياد بن النضر
بن مالك أمر أحدهما أن يأخذ على شط دجلة والآخر على شط الفرات
معهما أكثر من عشرة آلاف نفس واستخلف على الكوفة أبا مسعود
الأنصاري ثم أخذ على طريق الفرات وجعل يقول إذا سمعتموني
أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما أقول وإذا لم أقل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما الحرب خدعة فالتقى على
وأهل الشام بصفين لسبع بقين من المحرم فقام على خطيبا في الناس فقال
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض وإن أبرم أمرا لم ينقضه الناقضون
مع أن الله وله الحمد لو شاء لم يختلف اثنان من خلقه ولا تنازعت
الأمة في شئ من أمره ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله ولو شاء الله
ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد وقد ساقتنا وهؤلاء المقادير
حتى جمعت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمنظر ومستمع ولو
288

شاء الله لجعل الانتقام وكان منه التغيير حتى يتبين أهل الباطل ويعلم
أهل الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة
هي دار القرار ليجزى الذين أساءوا الآية ألا إنكم تلقون عدوكم غدا
فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا فيها تلاوة القرآن وسلوه النصر وعليكم
بالجد والحزم وكونوا صادقين ثم قعد فوثب الناس إلى سيوفهم يهيؤنها
وإلى رماحهم يثقفونها وإلى نبالهم يريشونها ثم جعل على
مقدمته شريح بن هانئ الحارثي والأشتر وعلى الميمنة الأشعث بن قيس
وعلى الميسرة عبد الله بن عباس وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن
ورقاء وعلى الساقة زياد بن النضر وعلى ميمنة الرجالة سليمان بن
صرد الخزاعي
ثم قام معاوية خطيبا في أهل الشام واجتمع الناس فقال الحمد لله
الذي دنا في علوه وعلا في دنوه وظهر وبطن فارتفع فوق كل منظر
أولا وآخرا وظاهرا وباطنا يقضى فيفصل ويقدر فيغفر ويفعل
ما يشاء وإذا أراد أمرا أمضاه وإذا عزم على أمر قضاه لا يؤامر
أحدا فيما يملك ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون والحمد لله رب العالمين
على ما أحببنا وكرهنا ثم كانت من قضاء الله أن ساقتنا المقادير إلى
289

هذه الرقعة من الأرض ولقت بيننا وبين أهل العراق فنحن من الله
بمنظر ومستمع وقد قال الله ولو شاء الله ما اقتتلوا الآية فانظروا
يا لأهل الشام فإنما تلقون غدا العدو فكونوا على إحدى ثلاث خلال
إما قوما تطلبون ما عند الله بقتالكم قوما بغوا عليكم وإما قوما
تطلبون بدم الخليفة عثمان فإنه خليفتكم وصهر نبيكم وإما قوما
تدفعون عن نسائكم وذراريكم وعليكم بتقوى الله والصبر الجميل نسأل
الله لنا ولكم النصر وأن يفرغ علينا وعليكم الصبر وأن يفتح بيننا
وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين فأجابه أهل الشام طب نفسا
نموت معك ونحيى معك ثم جعل معاوية أبا الأعور عمرو بن سفيان
السلمي على مقدمته وحبيب بن مسلمة الفهري على ميمنته وبسر بن
أرطاة على ميسرته ومسلم بن عقبة على رجالة العسكر فلما كان الغد
اقتتلوا قتالا شديدا فحجز بينهم الليل حتى قاتلوا ثلاثة أيام فقتل من
أصحاب على بالمبارزة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ة عمار بن ياسر
وعبد الله بن بديل بن ورقاء وعمار بن حنظلة الكندي وبشر بن
زهير ومالك بن كعب العامري وطالب بن كلثوم الهمداني والمرتفع
290

بن وضاح الزبيدي وشريح بن طارق البكري وأسلم بن يزيد
الحارثي والحارث بن اللجاج الحكمي وعائذ بن كريب الهلالي
وواصل بن ربيعة الشيباني وعائذ بن مسروق الهمداني ومسلم بن سعيد
الباهلي ومحارب بن ضرار المرادي وسليمان بن الحارث الجعفي
وشرحبيل بن يزيد الحضرمي
وقتل من أصحاب معاوية في المبارزة شرحبيل بن منصور
وعبد الرزاق بن خالد العبسي وشريح بن الحارث الكلابي وصالح بن
المغيرة الجمحي وحريث بن الصباح الحميري والحارث بن وداعة الحميري
وروق بن الحارث العكي والمطاع بن المطلب القيني وجلهمة بن هلال
الكلبي والوضاح بن أزهر السكسكي ووازع بن سلامان الغساني
والمهاجر بن حنظلة الجعفي وعبد الله بن جرير العكي ومالك بن وديعة
القرشي سوى من قتل من الفريقين من غير براز
ولما قتل عمار أتى عبد الله بن عمرو معاوية فقال قتل عمار فقال
عمرو بن العاص قتل عمار فما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية فقال معاوية أنحن قتلناه إنما قتله
أهل العراق جاؤوا به فطرحوه في سيوفنا ورماحنا وقد قيل إنه قتل
بصفين سبعون ألفا من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا
291

ومن أهل الشام خمسة وأربعون ألفا فلما اشتدت البلاء بالفريقين وكثر بينهم
القتلى قال عمرو بن العاص لمعاوية إن هذا الامر لا يزداد إلا شدة فهل
لك إلى أمر لا يزداد القوم به إلا فرقة إن أعطونا اختلفوا وإن منعونا
اختلفوا فقال معاوية ما هو فقال المصاحف نرفعها وندعوهم بما فيها
فإنهم لا يقاتلون إلا على ما قد علمت فقال معاوية افعل ما رأيت فأمر
بالمصاحف فرفعت في الرماح ثم جعلوا ينادون ندعوكم إلى كتاب الله
والحكم بما فيه فسر الناس به وكرهوا القتال وأجابوا إلى الصلح
وأنابوا إلى الحكومة وقالوا لعلي إن القوم يدعونك إلى الحق وإلى
كتاب الله فان كرهنا ذلك فنحن إذا مثلهم فقال على ويحكم ما ذلك
يريدون ولا يفعلون ثم مشى الناس بعضهم إلى بعض وأجابوا الصلح
والحكومة وتفرقوا إلى دفن قتلاهم ولم يجد على بدا من أن يقبل
الحكومة لما رأى من أصحابه فحكم أهل الشام عمرو بن العاص وأراد
على أن يحكم بن عباس فقال الأشعث بن قيس وهو يومئذ سيد الناس
لا يحكم في هذا الامر رجلان من قريش ولا افترق الفريقان على
هذا الجمع على حكومة بعد أن كان من القتال بينهما ما كان
إلا وأحد الحكمين منا وتبعه أهل اليمن على ذلك ثم قال الأشعث
لا نرضى إلا بأبي موسى الأشعري وكتبوا بينهم كتابي الصلح
292

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب
ومعاوية بن أبي سفيان قاضى على أهل العراق ومن كان معه من
شيعته من المؤمنين وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معه من
شيعته من المسلمين أنا ننزل على حكم الله وكتابه فما وجد الحكمان في
كتاب الله فهما يتبعانه وما لم يجدا في كتاب الله فالسنة العادلة تجمعهما
وهما آمنان على أموالهما وأنفسهما وأهاليهما والأمة أنصار لهما على
الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين والطائفتان كلتاهما
عليهما عهد الله وميثاقه أن يفيا بما في هذه الصحيفة على أن بين المسلمين
الامن ووضع السلاح وعلى عبد الله بن قيس وعمرو
بن العاص عهد الله وميثاقه ليحكما بين الناس بما في هذه الصحيفة
على أن الفريقين جميعا يرجعان سنة فإذا انقضت السنة ان أحبا أن
يردا ذلك ردا وإن أحبا زادا فيهما ما شاء الله اللهم إنا نستنصرك
على من ترك ما في هذه الصحيفة
وشهد على الصحيفة فريق عشرة أنفس فشهد من أصحاب على
293

الأشعث بن قيس وعبد الله بن عباس وسعيد بن قيس الهمداني
وحجر بن الأدبر الكندي وعبد الله بن الطفيل العامري وعبد الله
بن محل العجلي ووقاء بن سمى البجلي وعقبة بن زيد الأنصاري
ويزيد بن حجية التيمي ومالك بن أوس الرحبي
وشهد من الشام أبو الأعور السلمي وحبيب بن مسلمة الفهري
والمخارق بن الحارث الزبيدي وعلقمة بن يزيد الحضرمي وسبيع بن
يزيد الحضرمي وزمل بن عمرو العذري ويزيد بن الحر العبسي وحمزة
بن مالك الهمداني وعبد الرحمن بن الخالد بن الوليد وعتبة بن أبي
سفيان
وكتب يوم الأربعاء سنة سبع وثلاثين
فانصرف على بمن معه من أهل العراق وانصرف معاوية بمن معه
إلى الشام فقال عبد الله بن وهب الحرمي وكان من أصحاب على
294

لا حكم إلا لله فقال على هذه كلمة حق أريد بها باطل فلما دخل على
الكوفة خرج من كان يقول لا حكم إلا لله ونزلوا بحروراء وهم قريب
من اثنى عشر ألفا فسموا الحرورية ومناديهم ينادى أمير القتال
شبث بن ربعي التميمي والامر بعد الفتح شورى والبيعة لله
ومات خباب بن الأرت بالكوفة
فخرج على من صفين وولى على سهل بن حنيف فارس
فأخرجه أهل فارس فوجه زيادا فرضوا وصالحوه وأدوا إليه الخراج
ثم إن الخوارج اجتمعت على ويد بن حصين وقالوا له أنت
سيدنا وشيخنا وعامل عمر بن الخطاب على الكوفة تول أمرنا وجهروا
به فقال ما كنت لأفعلها فلما أبى عليهم ذلك ذهبوا إلى يزيد بن عاصم
المحاربي فعرضوا عليه أمرهم فأبى عليهم ذلك ثم ذهبوا إلى سعد بن
وائل التميمي فأبى عليهم فأتوا عبد الله بن وهب الراسبي واجتمعوا
عنده بقرب النهروان وخرج إليهم على في جمعية فلما أتاهم حمد الله
وأثنى عليه ثم قال إنكم أيها القوم قد علمتم وعلم الله أنى كنت
295

للحكومة كارها حتى أشرتم على بها وغلبتموني عليها والله بيني وبينكم
شهيد ثم كتبنا بيننا وبينهم كتابا وأنتم على ذلك من الشاهدين
فقالت طائفة من القوم صدقت ورجعوا إلى الجماعة وبقيت
طائفة منهم على قولهم فقال على هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
منهم أهل النهروان ورب الكعبة ثم إنهم عبروا الجسر إلى على ليحاربوه
فلما عبروا الجسر نادى على في العسكر استقبلوهم فاستقبلوهم والتقطوهم
بالرماح فكان مع علي جمعية يسيرة إنما جاء على أن يردهم بالكلام
وقد كانت الخوارج قريبا من حمسة آلاف فلما فرغوا من قتلهم قال
على اطلبوا لي المخدع فكلبوه فلم يجدوه فقال اطلبوا المخدع فوالله
ما كذبت ولا كذبت ثم دعا ببغلته البيضاء فركبها وجعل يقلب القتلى حتى
أتى على فضاء من الأرض فقال قلبوا هؤلاء فإذا هم برجل ليس له ساعد
بين جنبيه ثدي فيه شعرات إذا مدت امتدت وإذا تركت قلصت فقال
على الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج قوم
فيهم رجل مخدع اليد ولولا أن تنكلوا عن العمل لأنبأتكم بما وعد الله
296

الذين يقاتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ثم حج بالناس عبد الله
بن عباس
فلما دخلت السنة الثامنة والثلاثون
اجتمعوا لميعادهم مع الحكمين بأذرح وحضر فيهم من أهل المدينة
سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن الزبير وابن عمر ولم يخرج على بنفسه
ووافى معاوية في أهل الشام وكان بينه وبين أبى موسى الأشعري ما كان
وافترق الناس ورجعوا إلى أوطانهم وندم عبد الله بن عمر على حضوره
أذرح فأحرم من بيت المقدس تلك السنة ورجع إلى مكة
واستشار معاوية أصحابه في محمد بن أبي بكر وكان واليا على
مصر فأجمعوا على المسير إليه فخرج عمرو بن العاص في أربعة آلاف
فيهم أبو الأعور السلمي ومعاوية بن حديج فالتقوا بالمسناة وقاتلوا
قتالا شديدا وقتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي وانهزم محمد بن أبي
بكر وقاتل حتى قتل وقد قيل إنه أدخل في جوف حمار ميت
297

ثم أحرق بالنار فلما بلغ عليا سرور معاوية بقتله قال لقد حزنا
عليه بقدر سرورهم بقتله ثم ولى على الأشتر على مصر ومات صهيب
بن سنان
فلما بلغ معاوية خبر مسير الأشتر إلى مصر قال إنه ليأتي وعامة
أهل مصر أهل اليمن وهو يماني وكتب إلى دهقان بالعريش إن
احتلت في الأشتر فلك على أن أخرج خراجك عشرين سنة فقدم
الأشتر على امرأة من حمير يقال لها ليلى بنت النعمان فتلطف له الدهقان
وسأله أي الشراب أحب إليك قال العسل قال عندي عسل من
عسل برقة لم ير مثله ثم قدمته إليه فسقته منه فمات من ساعته فبلغ
ذلك معاوية فقال إن لله جنودا في العسل ومات صفوان بن بيضاء
في رمضان وكان قد شهد بدرا ومات سهل بن حنيف بالكوفة وصلى
عليه وحج بالناس قثم بن العباس
فلما دخلت السنة التاسعة والثلاثون
استعمل على يزيد بن حجية التميمي على الري ثم كتب إليه بعد مدة
أن أقدم فقدم على على فقال له أين ما غللت من مال الله قال
ما غللت فخفقه بالدرة خفقات وحبسه في داره فلما كان في بعض الليالي
298

قرب يزيد البواب وما حله ولحق بالرقة وأقام بها حتى
أتاه إذن معاوية فلما بلغ عليا لحوقه معاوية قال اللهم إن يزيد
أذهب بمال المسلمين ولحق بالقوم الظالمين اللهم فاكفنا مكره وكيده
ثم وجه معاوية خيلا فيهم الضحاك بن قيس الفهري وسفيان
بن عوف الدابري فأغار سفيان على الأنبار وفيها مسلحة لعلي فلما بلغ
عليا خروجهم خرج من بيته والناس في المسجد فلما رأوه صاحوا قال
اسكتوا اسكتوا فلما سكتوا قال شاهدت الوجوه شاهدت الوجوه إن
قلت نعم قلتم لا وإن قلت لا قلتم نعم إن استنفرتكم في
الحر قلتم الحر شديد فإذا جاء الشتاء نفرنا وإذا جاء الشتاء واستنفرتكم
قلتم البرد شديد وإذا كان الصيف نفرنا إن عدوكم يجد من الهناء
ما تجدون ولكن لا أرى لمن لا يطاع وددت أن
لي بجماعتكم ألف فارس
ثم بعث معاوية بسر بن أرطاة أحد بنى عامر بن لؤي في
جيش من أهل الشام إلى المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري فهرب منه
299

أبو أيوب ولحق عليا بالكوفة ولم يقاتله أحد بالمدينة حتى دخلها
فصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ينادى يا أهل
المدينة والله لولا ما عهد إلى أمير المؤمنين معاوية ما تركت فيها
محتلما إلا قتلته فبايع أهل المدينة معاوية وأرسل إلى بنى سلمة
ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله فدخل جابر بن عبد الله
على أم سلمة وقال يا أماه إني خشيت على دمى وهذه بيعة ضلالة
فقالت أرى ان تبايع فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن
أرطاة لمعاوية كارها ثم خرج بسر حتى أتى مكة فخافه أبو موسى
الأشعري وكان والى مكة لعلي وتنحى عن مكة حتى دخلها ثم مضى
إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب عامل عللا فلما سمع
به عبيد الله هرب واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان وكانت
ابنته تحت عبيد الله بن عباس فلما قدم بسر اليمن قتل عبد الله بن
عبد المدان وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب من
أحسن الصبيان صغيرين كأنهما درتان ففعل بهما ما فعل
فلما حضر الموسم بعث على على الحج عبد الله بن عباس وبعث
300

معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي فاجتمعا بمكة وتنازعا وأبى كل واحد
منهما أن يسلم لصاحبه إقامة الحج فاجتمع الناس على شيبة بن عثمان
بن أبي طلحة فحج بالناس شيبة بن عثمان
فلما دخلت السنة الأربعون
وبلغ الخبر عليا بما فعل بسر بن أرطاة بالسمن وما كان من أمر بنى
عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب خطبهم وقال لقد خفت أن يظهر
مولى القوم عليكم وما يظهرون عليكم بأن يكونوا بالحق أولى منكم
ولكن يصلحهم في بلادهم وفسادكم في بلادكم واجتماعهم على باطلهم
وتفرقكم عن حقكم وأدائهم الأمانة وخيانتكم والله والله لو استعملت
فلانا لخان وغدر ثلاثا ولو بعثه معاوية لم يخنه ولا غدره اللهم
قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني وكرهتهم وكرهوني فأرخى منهم
وأرحهم منى وأبدلني بمن هو خير لي منهم وأبدلهم بمن هو شر لهم منى
301

ثم كان قتل علي بن أبي طالب
وكان السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي
أبصر امرأة من بنى تيم الرباب يقال لها قطام وكانت من أجمل
أهل زمانها وكانت ترى رأى الخوارج فولع بها فقالت لا أتزوج
بك إلا على ثلاثة آلاف وقتل علي ابن أبي طالب فقال لها لك ذلك
فتزوجها وبنى بها فقالت له يا هذا قد عرفت الشرط فخرج عبد الرحمن
بن ملجم ومعه سيف مسلول حتى أتى مسجد الكوفة وخرج على من
داره وأتى المسجد وهو يقول أيها الناس الصلاة الصلاة أيها الناس
الصلاة الصلاة وكانت تلك ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان
فصادفه عبد الرحمن بن ملجم من خلفه ثم ضربه بالسيف ضربة من قرنه
إلى جبهته وأصاب السيف الحائط فثلم فيه ثم ألقى السيف من يده
وأقبل الناس عليه فجعل بن ملجم يقول للناس إياكم والسيف فإنه مسموم
وقد سمه شهرا فأخذوه ورجع علي بن أبي طالب إلى داره ثم أدخل
عليه عبد الرحمن بن ملجم فقالت له أم كلثوم بنت على يا عدو الله
قتلت أمير المؤمنين فقال لم أقتل إلا أباك فقالت إني لأرجو أن
لا يكون على أمير المؤمنين من بأس فقال عبد الرحمن بن ملجم فلم تبكين
إذا فوالله سممته شهرا فان أخلفني أبعده الله وأسحقه فقال على
302

احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه فان أعش فعفو أو قصاص
وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين
فمات علي بن أبي طالب غداة يوم الجمعة فأخذ عبد الله بن جعفر
والحسن بن علي ومحمد بن الحنفية عبد الرحمن بن ملجم فقطعوا
يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ثم كحلوا عينيه بملمول محمى
ثم قطعوا لسانه وأحرقوه بالنار وكان لعلي يوم مات اثنتان وستون
سنة وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر
واختلفوا في موضع قبره ولم يصح عندي شئ من ذلك فأذكره
وقد قيل إنه دفن بالكوفة في قصر الامارة عند مسجد الجماعة وهو
بن ثلاث وستين
ثم قام الحسن بعد دفن أبيه خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه
303

ثم قال والله لقد مات فيكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه بالبعث ويعطيه الراية
فما يرجع حتى يفتح الله عليه يقاتل جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره
ولا ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد
أن يبتاع بها خادما
وكان لعلي بن أبي طالب خمسة وعشرون ولدا من الولد الحسن
والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى وهؤلاء الخمسة
من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له من غيرها محمد
بن علي وعبيد الله وعمر وأبو بكر ويحيى وجعفر والعباس
وعبد الله ورقية ورملة وأم الحسن وأم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى
وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وأم الكرا وأم سلمة
عنهم أجمعين
ذكر البيان بان من ذكرناهم كانوا خلفاء
ومن بعدهم كانوا ملوكا
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بالموصل ثنا على بن الجعد الجوهري ثنا حماد
بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا قال
304

أمسك خلافة أبى بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان اثنتي عشرة وعلى
ستا قال على بن الجعد فقلت لحماد بن سلمة سفينة القائل أمسك
قال نعم
قال أبو حاتم ولى أهل الكوفة بعد علي بن أبي طالب الحسن
بن علي ولما اتصل الخبر بمعاوية ولى أهل الشام معاوية بن أبي سفيان
واسم أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
وأم معاوية هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فكان معاوية نافذ
الأمور بالشام والأردن وفلسطين ومصر وكان الحسن بن علي يمشى
الأمور بالعراق إلى أن دخلت سنة إحدى وأربعين فاحتال معاوية
في الحسن بن علي وتلطف له وخوفه هراقه دماء المسلمين وهتك حرمهم
وذهاب أموالهم إن لم يسلم الامر لمعاوية فاختار الحسن ما عند الله على
ما في الدنيا وسلم الامر إلى معاوية يوم الاثنين لخمس ليال بقين من
ربيع الأول سنة إحدى وأربعين واستوى الامر لمعاوية حينئذ وسميت
هذه السنة سنة الجماعة وبقى معاوية في إمارته تلك إلى أن مات
يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين وقد قيل إن معاوية مات
305

للنصف من رجب من هذه السنة وكان له يوم توفى ثمان وسبعون
سنة وصلى عليه بن قيس الفهري وقد قيل إن يزيد بن معاوية هو
الذي صلى عليه وكانت مدة معاوية تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر
واثنتين وعشرين ليلة وكان معاوية يخضب بالحناء والكتم وكان
نقش خاتمه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وقبره بدمشق خارج
باب الصغير في المقبرة محوط عليه قد زرته مرارا عند قصري رمادة
أبى الدرداء
يزيد بن معاوية أبو خالد
ثم تولى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان يوم الخميس من شهر رجب
في اليوم الذي مات فيه أبوه وكنية يزيد أبو خالد وكان ليزيد بن
معاوية يوم ولى أربع وثلاثون وشهر كانت أمه ميسون بنت بحدل
بن الأنيف بن ولجة بن قنافة الكلبي وكان نقش خاتمه آمنت بالله
مخلصا
ولما بايع أهل الشام يزيد بن معاوية واتصل الخبر بالحسين
بن علي جمع شيعته واستشارهم وقالوا إن الحسن لما سلم الامر لمعاوية
306

سكت وسكت معاوية فالآن قد مضى معاوية ونحب أن نبايعك فبايعته
الشيعة ووردت على الحسين كتب أهل الكوفة من الشيعة يستقدمونه
إياها فأنفذ الحسين بن علي مسلم بن عقيل إلى الكوفة لأجل البيعة على
أهلها فخرج مسلم بن عقيل من المدينة معه قيس بن مسهر الصيداوي
يريدان الكوفة ونالهما في الطريق تعب شديد وجهد جهيد لأنهما
أخذا دليلا تنكب بهما الجادة فكاد مسلم بن عقيل أن يموت عطشا
إلى أن سلمه الله ودخل الكوفة فلما نزلها دخل دار المختار بن أبي عبيد
واختلفت إليه الشيعة يبايعونه أرسالا ووالى الكوفة يومئذ النعمان
بن بشير ولاه يزيد بتن معاوية الكوفة ثم تحول مسلم بن عقيل من
دار المختار إلى دار هانئ بن عروة وجعل الناس يبايعونه في دار هانئ
حتى بايع ثمانية عشر ألف رجل من الشيعة فلما اتصل
الخبر بيزيد بن معاوية أن مسلما يأخذ البيعة بالكوفة للحسين بن علي
كتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو إذ ذلك بالبصرة وأمره
بقتل مسلم بن عقيل أو بعثه إليه فدخل عبيد الله بن زياد الكوفة حتى
نزل القصر واجتمع إليه أصحابه وأخبر عبيد الله بن زياد أن مسلم بن
عقيل في دار هانئ بن عروة فدعا هانئا وسأله فأقر به فهشم عبيد الله
وجه هانئ بقضيب كان في يده حتى تركه وبه رمق
307

ثم ركب مسلم بن عقيل في ثلاثة آلا ف فارس يريد عبيد الله بن
زياد فلما قرب من قصر عبيد الله نظر فإذا معه مقدار ثلاثمائة فارس فوقف
يلتفت يمنة ويسرة فإذا أصحابه يتخلفون عنه حتى بقى معه عشرة أنفس
فقال يا سبحان الله غرنا هؤلاء بكتبهم ثم أسلمونا إلى أعدائنا هكذا
فولى راجعا فلما بلغ طرف الزقاق التفت فلم ير خلفه أحدا وعبيد الله
بن زياد في القصر متحصن يدبر في أمر مسلم بن عقيل فمضى مسلم
بن عقيل على وجهه وحده فرأى امرأة على باب دارها فاستسقاها
ماء وسألها مبيتا فأجابته إلى ما سأل وبات عندها وكانت للمرأة بن
فذهب الابن وأعلم عبيد الله بن زياد أن مسلما في دار والدته فأنفذ
عبيد الله بن زياد إلى دار المرأة محمد بن الأشعث بن قيس في ستين رجلا
من قيس فجاءوا حتى أحاطوا بالدار فجعل مسلم يحاربهم عن نفسه حتى
كل ومل فآمنوه فأخذوه وأدخلوه على عبيد الله فأصعد القصر وهو
يقرأ ويسبح ويكبر ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غزونا وكذبونا
ثم خذلونا حتى دفعنا إلى ما دفعنا إليه ثم أمر عبيد الله بضرب رقبة مسلم
بن عقيل فضرب رقبة مسلم بن عقيل بكير بن حمران الأحمري على
طرف الجدار فسقطت جثته ثم أتبع رأسه جسده ثم أمر عبيد الله
308

بإخراج هانئ بن عروة إلى السوق وأمر بضرب رقبته في السوق
ثم بعث عبيد الله بن زياد برأسي مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهاني
بن عروة مع هانئ بن أبي حية الوداعي والزبير بن الا روح
التميمي إلى يزيد بن معاوية
فلما بلغ الحسين بن علي الخبر بمصاب الناس بمسلم بن عقيل خرج
بنفسه يريد الكوفة وأخرج عبيد الله بن زياد عمر بن سعد إليه فقاتله
بكربلاء قتالا شديدا حتى قتل عطشانا وذلك يوما عاشوراء يوم
الأربعاء سنة إحدى وستين وقد قيل إن ذلك اليوم كان يوم السبت
والذي قتل الحسين بن علي هو سنان بن أنس النخعي وقتل معه من
أهل بيته في ذلك اليوم العباس بن علي بن أبي طالب وجعفر
بن علي بن أبي طالب وعبد الله بن علي بن أبي طالب الأكبر
وعبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب والقاسم بن الحسن بن علي
بن أبي طالب وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله
بن جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب ومحمد بن أبي
سعيد بن عقيل بن أبي طالب واستصغر على بن الحسين بن علي فلم يقتل
309

انفلت في ذلك اليوم من القتل لصغره وهو والد محمد بن علي الباقر
واستصغر في ذلك اليوم أيضا عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب
فلن يقتل لصغره وجرح في ذلك اليوم الحسن بن الحسن بن علي بن أبي
طالب جراحة شديدة حتى حسبوه قتيلا ثم عاش بعد ذلك وقتل في
ذلك اليوم سليمان مولى الحسن بن علي بن أبي طالب ومنجح مولى الحسين
بن علي بن أبي طالب وقتل في ذلك اليوم الخلق من أولاد المهاجرين
والأنصار وقبض على عبد الله بن بقطر رضيع الحسين بن علي بن أبي
طالب في ذلك اليوم وقيل حمل إلى الكوفة ثم رمى به من فوق القصر
أو قيد فانكسرت رجله فقام إليه رجل من أهل الكوفة وضرب عنقه
وكانت أم الحسين بن علي بن أبي طالب فاطمة الزهراء بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأم العباس بن علي بن أبي طالب أم البنين بنت
حزام بن خالد بن ربيعة والعباس يقال له السقاء لان الحسين طلب
الماء في عطشه وهو يقاتل فخرج العباس وأخوه واحتال حمل إداوة
ماء ودفعها إلى الحسين فلما أراد الحسين أن يشرب من تلك الإداوة
جاء سهم فدخل حلقه فحال بينه وبين ما أراد من الشرب فاحترشته
السيوف حتى قتل فسمى العباس بن علي السقاء لهذا السبب وكانت
310

والدة جعفر بن علي بن أبي طالب وعبد الله بن علي بن أبي طالب الأكبر
ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود بنت معتب وكان أم عبد الله
بن الحسين بن علي بن أبي طالب الرباب بنت القاسم بن أوس بن عدي
بن أوس بن جابر بن كعب وكانت أم القاسم بن الحسن بن علي بن أبي
طالب أم ولد وكانت أم عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة وكانت أم محمد بن عبد الله بن جعفر
بن عقيل بن أبي طالب أم ولد وكانت أم عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي
طالب رقية بنت علي بن أبي طالب وكانت أم الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب خولة بنت منظور بن زيان الفزاري وكانت أم
عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب أم ولد وقد قيل إن أبا بكر
بن علي بن أبي طالب قتل في ذلك اليوم وأمه ليلى بنت مسعود بن
خالد بن مالك بن ربعي والذي تولى في ذلك اليوم حز رأس الحسين
بن علي بن أبي طالب شمر بن ذي الجوشن
311

ثم أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام مع
أسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أقتاب مكشفات الوجوه والشعور فكانوا إذا نزلوا منزلا أخرجوا
الرأس من الصندوق وجعلوه في رمح وحرسوه إلى وقت الرحيل
ثم أعيد الرأس إلى الصندوق ورحلوا فبينا هم كذلك إذ نزلوا بعض
المنازل وإذا فيه دير راهب فأخرجوا الرأس على عادتهم وجعلوه في
الرمح وأسندوا الرمح إلى الدير فرأى الديراني بالليل نورا ساطعا من
ديره إلى السماء فأشرف على القوم وقال لهم من أنتم قالوا نحن
أهل الشام قال وهذا رأس من هو قالوا رأس الحسين بن علي
قال بئس القوم أنتم والله لو كان لعيسى ولد لأدخلناه أحداقنا
ثم قال يا قوم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من أبى وأبى من
أبيه فهل لكم أن تعطوني هذا الرأس ليكون عندي الليلة وأعطيكم هذه
العشرة آلاف دينار قالوا بلى فأحدر إليهم الدنانير فجاؤوا بالنقاد
ووزنت الدنانير ونقدت ثم جعلت في جراب وختم عليه ثم أدخل
الصندوق وشالوا إليه الرأس فغسله الديراني ووضعه على فخذه
وجعل يبكى الليل كله عليه فلما أن أسفر عليه الصبح قال يا رأس
لا أملك إلا نفسي وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك رسول الله
312

فأسلم النصراني وصار مولى للحسين ثم أحدر الرأس إليهم فأعادوه
إلى الصندوق ورحلوا فلما قربوا مكن دمشق قالوا نحب أن نقسم تلك
الدنانير لان يزيد إن رآها أخذها منا ففتحوا الصندوق وأخرجوا
الجراب بختمه وفتحوه فإذا الدنانير كلها قد تحولت خزفا وإذا على
جانب من الجانبين من السكة مكتوب ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل
الظالمون وعلى الجانب الآخر سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
قالوا قد افتضحنا والله ثم رموها في بردى نهر لهم فمنهم من تاب
من ذلك الفعل لما رأى ومنهم من بقى على إصراره وكان رئيس
من بقى على ذلك الاصرار سنان بن أنس النخعي
ثم أركب الأسارى من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
من النساء والصبيان أقتابا يابسة مكشفات الشعور وأدخلوا دمشق
كذلك فلما وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينقر ثنيته بقضيب
كان في يده ويقول ما أحسن ثناياه قد ذكرت كيفية هذه القصة وباليتها
في أيام بنى أمية وبنى العباس في كتاب الخلفاء فأغنى عن إعادة مثلها
في هذا الكتاب لاقتصارنا على ذكر الخلفاء الراشدين منهم في أول
هذا الكتاب
وقد بعث يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزني إلى المدينة لست
313

ليال بقين من ذي الحجة سنة ست وستين فقتل مسلم بن عقبة بالمدينة
خلقا من أولاد المهاجرين والأنصار واستباح المدينة ثلاثة أيام نهبا
وقتلا فسميت هذه الوقعة وقعة الحرة
وتوفى يزيد بن معاوية بحوارين قرية من قرى دمشق لأربع عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وهو يومئذ بن ثمان
وثلاثين وقد قيل إن يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص فسقط
على رأسه وتناثر دماغه فمات وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد وكان
نقش خاتم يزيد آمنت بالله مخلصا وقبره بدمشق
معاوية بن يزيد أبو ليلى
وولى معاوية بن يزيد بن معاوية يوم النصف من شهر ربيع الأول سنة
أربع وستين وأمه أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن
عبد شمس وكان له يوم ولى إحدى وعشرون سنة وقد قيل لا بل
سبع عشرة سنة وكان من خير أهل بيته فلما حضرته الوفاة قالوا
له بايع لرجل بعدك واعهد إليه قال ما أصبت من دنياكم شيئا
فأتقلد مأثمها
ومات معاوية بن يزيد اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر
314

سنة أربع وستين وكانت إمارته أربعين ليلة وصلى عليه عثمان بن
عنبسة بن أبي سفيان وكان نقش خاتمه يا الله نستعين معاوية
وقبره بدمشق
مروان بن الحكم
وولى مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بايعه أهل
الشام بالجابية وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن مخدش
الكعبي
ولما وصل الخبر بموت معاوية الحجاز بايعوا عبد الله بن الزبير
بن العوام وكنية بن الزبير أبو خبيب وبايع له أهل العراق وأهل
الحجاز وأم عبد الله بن الزبير أسماء بنت أبي بكر فكان يخطب لابن
الزبير بالحجاز والعراق ويخطب بالشام إلى المغرب لمروان بن الحكم
إلى أن مات مروان بن الحكم في شهر رمضان سنة خمس وستين
بدمشق وقد قيل إن مروان مات بين دمشق وفلسطين وكان له
يوم مات ثلاث وستون سنة وكانت ولايته عشرة أشهر إلا ثلاث
ليال وصلى عليه ابنه عبد الملك بن مروان قد عهد إليه في حياته
وكان نقش خاتم مروان آمنت بالعزيز الحكيم وقد قيل إن نقش
خاتم مروان كان العزة لله
315

عبد الملك بن مروان أبو الوليد
ثم بايع أهل الشام عبد الملك بن مروان بن الحكم وكان يكنى أبا الذبان
لبخر كان في فمه وذلك في اليوم الذي مات فيه أبوه وأم عبد الملك
بن مروان عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية
وأنفذ عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير إلى عبد الملك
بن مروان محاربا له وسار عبد الملك إلى العراق يريد مصعبا فالتقوا
بدير الجاثليق وكان بينهما وقعات إلى أن كانت الهزيمة على أصحاب
مصعب وقتل مصعب بن الزبير ثم رجع عبد الملك إلى دمشق وجمع
الناس واستشارهم في أمر عبد الله بن الزبير وقال من له فقام الحجاج
بن يوسف فقال أنا وكان أصغر القوم وأقلهم نباهة فقال له
عبد الملك وما يدريك فقال له إني رأيت في المنام أنى خلعت ثوبه
فقال أنت له فأخرجه في جماعة من أهل الأردن والشام لمحاربة
بن الزبير فوافى الحجاج مكة وحاصر الحرم ونصب المنجنيق على
الكعبة أياما إلى أن ظفر بعبد الله بن الزبير فقتله وذلك يوم الثلاثاء
لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وصلبه
على جذع منكسا واستقر الامر حينئذ لعبد الملك بن مروان ومات
316

عبد الملك بن مروان بدمشق لأربع ليال خلون من شوال سنة ست
وثمانين وكانت أم عبد الملك بن مروان عائشة بنت معاوية بن المغيرة
بن أبي العاص بن أمية وصلى عليه ابنه الوليد وكان له يوم توفى
اثنتان وستون سنة وكان نقش خاتمه آمنت بالله
وليد بن عبد الملك أبو العباس
وبايع الناس الوليد بن عبد الملك في اليوم الذي توفى أبوه بدمشق
وأم الوليد بنت عبد الملك ليلى بنت العباس بن الحسين بن الحارث بن زهير
وتوفى الوليد بن عبد الملك بدمشق للنصف من جمادى الآخرة سنة ست
وتسعين بموضع يقال له دير مروان وكان له يوم مات تسع وأربعون
سنة وكان نقش خاتمه يا وليد مات وصلى عليه سليمان بن عبد الملك
وحمل من دير مروان على أعناق الرجال إلى دمشق ودفن في
باب الصغير
وفى ولاية الوليد بن عبد الملك مات الحجاج بن يوسف في شهر
رمضان سنة خمس وتسعين وهو بن ثلاث وخمسين سنة وهو
الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن مسعود بن معتب
بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه
317

بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان
سليمان بن عبد الملك أبو أيوب
وولى سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي مات فيه وليد بن عبد الملك
وأمه ليلى بنت العباس بن الحسين وكنية سليمان بن عبد الملك أبو أيوب
مات سليمان بموضع يقال له دابق يوم الجمعة لعشر ليال خلون من
صفر وقد قيل لعشر بقين من صفر سنة تسع وتسعين وكان له
يوم توفى خمسة وأربعون سنة وكان نقش خاتمه أو من بالله
عمر بن عبد العزيز أبو حفص
واستخلف عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو حفص بدير سمعان
في اليوم الذي توفى فيه سليمان بن عبد الملك وأم عمر بن عبد العزيز
أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب واسمها ليلى فلما ولى عمر
جمع وكلاءه ونساءه وجواريه فطلقهن وأعتقهن وأمر بثيابه فبيعت
كلها وتصدق بأثمانها ولزم طريقة الخلفاء الراشدين المهديين الذين
هو من جملتهم لا تأخذه في الله لومة لائم وتوفى عمر بن عبد العزيز
318

بدير سمعان يوم الجمعة لخمس ليال بقين من رجب سنة إحدى
ومائة وكان له يوم مات إحدى وأربعون سنة وكانت خلافته سنتين
وخمسة أشهر وخمس ليال وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك وقيل
صلى عليه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وكان نقش خاتم عمر بن
عبد العزيز بالله مخلصا
يزيد بن عبد الملك أبو خالد
وولى أهل الشام يزيد بن عبد الملك بن مروان بعد دفن عمر بن عبد العزيز
وكنية يزيد بن عبد الملك أبو خالد وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية
بن أبي سفيان توفى يزيد بن عبد الملك بحوران من أرض دمشق
يوم الجمعة أو الخميس لخمس ليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة وكان
له يوم توفى تسع وعشرون سنة وكانت ولايته أربع سنين وشهرا
لأنه مات بسواد الأردن وصلى عليه ابنه الوليد بن يزيد بن
عبد الملك وكان نقش خاتم بن عبد الملك رب قنى الحساب
319

هشام بن عبد الملك أبو الوليد
وولى هشام بن عبد الملك بن مروان في اليوم الذي توفى فيه أخوه
وأمه عائشة بنت هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي
ومات هشام بن عبد الملك بالرصافة من أرض قنسرين يوم الأربعاء
لست ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة
وكان له يوم توفى ست وخمسون سنة وكانت ولايته تسع عشرة
سنة وستة أشهر وإحدى عشرة ليلة وصلى عليه الوليد بن يزيد
بن عبد الملك وكان نقش خاتم هشام بن عبد الملك للحكم الحكيم
وكان هشام أحول
الوليد بن يزيد بن عبد الملك أبو العباس
وولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك بعد دفن هشام بن عبد الملك
وأمه أم محمد واسمها عائشة بنت محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج بن يوسف
وكنية الوليد بن يزيد أبو العباس وقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين
ومائة قتله يزيد الناقص بالبخراء من أرض دمشق وكانت
320

ولايته سنة وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما
يزيد بن الوليد بن عبد الملك أبو خالد
وولى يزيد بن الوليد بعد قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وأمه
هند بنت عبد العزيز بن مروان ومات يزيد بن الوليد لعشر بقين من
ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة وكانت ولايته خمسة أشهر وقد قيل
خمسة أشهر وليلتين وصلى عليه أخوه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك
وكان يقال له يزيد الناقص وإنما سمى بذلك لأنه نقص عطاء الجند
عما زاده الوليد فسمى بذلك الناقص
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك أبو إسحاق
وولى إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان في اليوم الذي مات
فيه أخوه وكانت أمه أم ولد وكان يلقب بصلبان باسم مجنون
321

وكان عندهم بدمشق وبقى في العمل ثلاثة أشهر ثم قدم
مروان بن محمد دمشق وراوده على أن يخلع نفسه بعد أن قاتله
مروان فسمى المخلوع وبقى بعد ذلك مدة إلى أن مات بدمشق
وقد قيل إن مروان بن محمد هو الذي قتله وصلبه وكان اليوم الذي
خلع فيه إبراهيم بن الوليد يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر
صفر سنة سبع وعشرين ومائة
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أبو عبد الملك
وولى مروان بن محمد في اليوم الذي خلع فيه إبراهيم بن الوليد نفسه
وذلك يوم الاثنين وكان يقال له مروان الحمار وإنما عرف بالحمار
لقلة عقله وأمه أم ولد جارية كردية كان يقال لها لبابة
وظهر أبو مسلم واسمه عبد الرحمن بن مسلم أحد بنى جندع بن
ليث بن بكر بن عبد مناف بخراسان يوم الخميس لعشر بقين من رمضان
سنة تسع وعشرين ومائة فأظهر الدعوة للرضا من آل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم دخل مرو وفض الجموع التي كانت بها مع نصر
بن سيار وهرب نصر بن سيار بن أبي مسلم يريد العراق فمات
322

بساوة وخرج أبو مسلم من مرو إلى نيسابور ثن قصد الري ثم خرج
منها إلى الكوفة فدخلها وأنفذ عبد الله بن علي بن العباس وأهل بيته
وهم بالمدينة فاستقدمهم الكوفة وأنفذ عبد الله بن علي مع جيش جرار
إلى دمشق يريد مروان بن محمد فأنفذ عبد الله بن علي على مقدمته صالح
بن علي فجعل صالح بن علي على مقدمته أبا عون عبد الملك بن يزيد فواقع
بن عون مروان بن محمد بموضع يقال له أبو صير من رستاق يدعى من
صعيد مصر لأنه هرب إلى الصعيد فتل مروان الحمار عامر بن إسماعيل
المروزي وذلك يوم الخميس لست ليال بقين من ذي الحجة سنة إحدى
وثلاثين ومائة وقد قيل إن مروان بن محمد قتل في بعض نواحي
دمشق وانقضت مدة ملك بنى أمية على رأسه
السفاح أبو العباس
وولى أبو مسلم أبا العباس واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
بن العباس وذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول
سنة اثنتين وثلاثين ومائة وأمه رائطة بنت عبيد الله بن عبد الله
323

بن عبد المدان الحارثي وهو أول عباسي تولى الخلافة وتحول
أبو العباس من الحيرة إلى الأنبار وبنى مدينتها للنصف من ذي الحجة
سنة أربع وثلاثين ومائة وتوفى أبو العباس يوم الأحد بالأنبار
ليلة عشر خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وصلى عليه
عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس وكانت ولايته أربع سنين
وثمانية أشهر وكان مولده بالشام بالحميمة وكان نقش خاتم أبى العباس
الله ثقة عبد الله وبه يؤمن
المنصور أبو جعفر أخوه
وولى أبو جعفر المنصور واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
بن عباس في اليوم الذي مات فيه أخوه وأمه أم ولد اسمها سلامة
وتوفى أبو جعفر بالأبطح بمكة لتسع خلون من ذي الحجة سنة ثمان
وخمسين ومائة ودفن ببئر ميمون وصلى عليه إبراهيم بن يحيى
بن محمد بن علي وقد قيل لا بل صلى عليه عيسى بن محمد بن علي والمنصور
324

هو قاتل أبى مسلم وكان أبو مسلم مولده بكرخ أصبهان واسمه
عبد الرحمن بن مسلم قتله المنصور في آخر شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة
وطواه في بساط لأنه ترك الرأي بالرأي وكان للمنصور يوم ولى ثلاث
وستون سنة وكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة غير يوم وكان
نقش خاتم المنصور الله ثقة عبد الله
المهدى بن المنصور أبو عبد الله
وولى محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في اليوم
الذي توفى فيه أبوه وأمه أم موسى بنت منصور بن عبد الله بن سهم بن
يزيد الحميري ومات المهدى بماسبذان بقرية يقال لها السواد وذلك في
المحرم ليلة الخميس لثمان بقين منه سنة تسع وستين ومائة وكان له يوم
توفى ثلاث وأربعون سنة وكانت ولايته عشر سنين وشهرا
وأربع عشرة ليلة وصلى عليه ابنه هارون وقد كان نقش خاتمه
أستقدر الله تعالى
325

الهادي بن مهدي أبو محمد
وولى موسى بن محمد بن أبي جعفر المنصور في اليوم الذي مات فيه
أبوه وكان موسى يومئذ بجرجان وأمه الخيزران أم ولد بويع ببغداد
وأنفذت البيعة إليه وهو بجرجان ثم قدم الهادي ببغداد وتوفى موسى
الهادي يوم الجمعة بموضع يقال له عيسى أباذ من سواد العراق وذلك
يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة
وكان له يوم توفى خمس وعشرون سنة وكانت ولايته أربعة عشر
شهرا إلا ست ليال وصلى عليه أخوه هارون الرشيد بن الهادي وكان
نقش خاتم الهادي الله ربي
الرشيد بن المهدى أبو جعفر
وولى هارون بن محمد بن أبي جعفر المنصور في اليوم الذي توفى فيه أخوه
موسى وكنية هارون أبو جعفر وأمه أم ولد وتوفى هارون الرشيد بطوس
بموضع يقال له سناباذ بخارج النوقان وكان قد خرج من جرجان إليها
326

وذلك في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وكان مولده
بمدينة السلام وكان نقش خاتم هارون بالله ثقتي
ورأيت قبر هارون الرشيد تحت قبر على بن موسى الرضا بينهما
مقدار ذراعين في رأى العين على في القبلة وهارون في المشرق مما يليه
وكان لهارون يوم توفى تسع وأربعون سنة وكانت ولايته ثلاثا
وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما
الأمين بن الرشيد أبو عبد الله
وولى محمد بن هارون وأمه زبيدة وهي أم جعفر بنت جعفر بن أبي
جعفر المنصور ومحمد يومئذ ببغداد فوقعت البيعة عليه بطوس وهو غائب
ببغداد ثم أخذ بيعة الناس لابنه محمد بعده ثم أخذ بيعة الناس لابنه
عبد الله بن محمد فلما مات هارون وولى محمد جعل عبد الله بن هارون
المأمون ينفذ الأعمال بطوس وخراسان بعد موت أبيه وأنفذ طاهر
بن الحسين الأعور لمحاربة أخيه ببغداد فوافى طاهر ببغداد وحاصر
327

الأمين بها وقاتله إلى أن قتله وأنفذ رأسه إلى المأمون وكان ذلك
يوم الأحد لسبع بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وكان
نقش خاتم الأمين قاصده لا يخيب
المأمون بن الرشيد أبو العباس
وولى عبد الله بن هارون المأمون أخو محمد ببغداد في اليوم الذي قتل فيه
أخوه وبايعه الناس بيعة العامة وكانت أمه أم ولد اسمها مراجل
توفى المأمون بالبذندون خارج طرسوس على طريق الروم في شهر
رجب لإحدى عشرة ليلة خلت منه سنة ثمان عشرة ومائتين وحمل
إلى طرسوس وصلى عليه أخوه أبو إسحاق المعتصم ودفن بطرسوس
وكان له يوم مات ثمان وأربعون سنة وثلاثة أشهر وكانت ولايته
عشرين سنة وستة أشهر وستة عشر يوما وكان مولده بمدينة السلام
وكان نقش خاتمه الله ثقة عبد الله وبه يؤمن
المعتصم بن الرشيد أبو إسحاق
وولى محمد بن هارون أبو إسحاق المعتصم أخو المأمون بعد دفن أخيه
328

بطرسوس وأمه أم ولد اسمها ماردة فأخذ المعتصم في إجبار ما لا يحتاج
إليه وضرب أحمد بن حنبل بالسياط وقتل أحمد بن نصر الخزاعي
حتى بقى الناس في تلك الفتنة إلى أن مات المعتصم بسر من رأى من
أرض القاطول ليلة الخميس لثمان عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة
سبع وعشرين ومائتين وقد قيل لثمان بقين من شهر ربيع الأول
وصلى عليه ابنه الواثق وكان له يوم توفى سبع وأربعون
سنة وثلاثة عشر يوما وكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وكان
نقش خاتمه الحمد لله الذي ليس كمثله شئ
الواثق بن المعتصم أبو جعفر
وولى هارون وأبوه أبو إسحاق المعتصم بن الرشيد بعد دفن أبيه
وأمه أم ولد تدعى قراطيس وكان للواثق يوم ولى ستة وعشرون
سنة وشهران وثمانية أيام وتوفى الواثق يوم الأربعاء لست بقين
من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكانت ولايته خمس سنين
329

وستة أشهر وثلاثة عشر يوما وصلى عليه أخوه جعفر المتوكل وكان
مولد الواثق بمدينة السلام ونقش خاتمه الله ثقة الواثق
المتوكل بن المعتصم أبو الفضل
وولى جعفر بن محمد بن هارون بعد دفن أخيه الواثق بن المعتصم وأم
المتوكل أم ولد اسمها شجاع وكان له يوم ولى ثمان وعشرون سنة فأظهر
المتوكل محبة السنة والميل إليها وأنكر ما كان يفعله أبوه وأخوه في هذا
الشأن ورفع من شأن أهل العلم ومرهم على أحمد بن نصر فمالت قلوب
العوام إليه وقتل المتوكل يوم الأربعاء لخمس خلون أو لسبع خلون
من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومائتين قتله ابنه المنتصر وهو الذي
صلى عليه وكان نقش خاتم المتوكل لا إله إلا الله المتوكل على الله
وكانت ولايته خمس عشرة سنة وشهرين
المنتصر بن المتوكل أبو جعفر
وولى محمد بن جعفر بن محمد بن هارون المنتصر بن المتوكل بن المعتصم
بن الرشيد في اليوم الذي قتل فيه أبوه وبايعه أخواه المعتز والمؤيد
وكانت أم المنتصر أم ولد يقال لها حبشية ومات المنتصر بن المتوكل
330

يوم الاثنين لأربع خلون من شهر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين
ومائتين وصلى عليه المستعين بن المعتصم عمه وكان نقش خاتم المنتصر
محمد بالله ينتصر
المستعين بن المعتصم أبو عبد الله
وولى أحمد بن محمد بن هارون وهو أخو جعفر المتوكل وعم المنتصر
بن المتوكل وأم المستعين اسمها مخارق أم ولد وبويع في اليوم الذي
توفى فيه المنتصر فلما دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين وقع
بين المعتز والمستعين الفتن الكثيرة والمناوشات الشديدة إلى أن خلع
المستعين نفسه في آخر سنة إحدى وخمسين ومائتين وذلك يوم الأربعاء
للنصف من المحرم وكان نقش خاتم المستعين أحمد بن محمد
المعتز بن المتوكل أبو عبد الله
وبايع الناس بعد خلع المستعين نفسه الزبير بن جعفر بن محمد بن
محمد بن هارون وهو المعتز بن المتوكل أمه أم الولد اسمها قبيحة
وقتل المعتز في شهر رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وكان نقش
خاتمه المعتز بالله
331

المهتدى بن الواثق أبو عبد الله
وولى محمد بن هارون بن محمد بن هارون وهو المهتدى الواثق بن
المعتصم بن الرشيد بسر من رأى ليومين بقيا من رجب سنة خمس وخمسين
ومائتين وغلب عليه الأتراك إلى أن قتلوه لثلاث عشرة بقيت من
رجب سنة ست وخمسين ومائتين وكانت أمه أم ولد ونقش خاتم
المهتدى محمد أمير المؤمنين
المعتمد بن المتوكل أبو العباس
وولى أحمد بن جعفر وهو المعتمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد
في اليوم الذي قتل فيه المهتدى وأمه أم ولد اسمها فتيان فجعل
المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق ولى عهده يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت
من ذي القعدة سنة إحدى وستين ومائتين فجعل الموفق يبعد ويحجب
الناس عن المعتمد واعتل أنه مزحور وكان للمتوكل ثلاثة بنين
أكبرهم محمد بن جعفر وهو المنتصر والأوسط منهم أحمد بن جعفر
وهو المعتمد والأصغر طلحة بن جعفر وهو الموفق أبو أحمد وتوفى
332

أبو أحمد الموفق من علة صعبة كانت به يوم الخميس لثمان خلون من
صفر سنة ثمان وسبعين ومائتين وتوفى المعتمد لإحدى عشرة ليلة
بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين وكان له يوم توفى
ستون سنة
المعتضد بن الموفق بن المتوكل أبو العباس
وولى أحمد بن طلحة بن جعفر وهو بن أبي أحمد الموفق في اليوم
الذي توفى فيه المعتمد وكانت أمه أم ولد وتوفى المعتضد ببغداد
ليلة الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين
وقد قيل إن المعتضد توفى يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الآخرة
سنة تسع وثمانين ومائتين وقد قيل غسله أبو عمر محمد بن يوسف
بن يعقوب وصلى عليه أبو يوسف وكان له يوم توفى
ست وأربعون سنة وكان نقش خاتمه المعتز بالله
المكتفي بن المعتضد أبو محمد
وولى على بن أحمد بن طلحة بن جعفر بعد دفن أبيه أمه أم ولد جارية
333

تركية وتوفى المكتفي ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من
ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين وغسله أبو عمر وهو الذي
صلى عليه وكان للمكتفي يوم توفى إحدى وثلاثون سنة
المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل أبو الفضل
وولى جعفر أخو المكتفي في اليوم الذي توفى فيه أخوه المكتفي وأم
المقتدر أم ولد يقال لها شغب وكان مولد المقتدر سنة اثنتين وثمانين
ومائتين وبايع الخاص لعبد الله بن المعتز في شهر ربيع الأول سنة ست
وتسعين ومائتين وبقى مع المقتدر الحجرية وجماعة من الحشم وعوام
الناس فركب الحسين بن حمدان في جماعة معه من الاعراب وجاء إلى
باب المقتدر ثم ذهب قاصدا دار بن المعتز فحارب أصحاب
بن المعتز وقتل ظاهرا مكشوفا والعباس بن الحسن بن أيوب
وكان كاتب بن المعتز وظفر بأصحاب بن المعتز فهزمهم وقبض
على عبد الله بن المعتز وقتله واستوى أمر المقتدر وهدأت أمور
الناس وصار الناس كأنهم نيام لا يحسبون بفتنة وعمرت والدته الحرمين
وأنفقت عليهما في كل سنة أموالا خطيرة وكذلك عمرت بيت المقدس
وكانت تنفق عليها وعلى الثغور في كل سنة أموالا خطيرة وارتفع
334

أهل العلم في كل بلد من الدنيا ورأيت بغداد في تلك الأيام أطيب
ما كانت وأجلها وأعمرها ثم أناءت أمور المقتدر عليه سنة ست
عشرة وثلاثمائة واتفق الناس على خلعه فخلعوه وأقعدوا أخاه
القاهر مكانه بعد أن خلع المقتدر نفسه فبقي القاهر ثلاثة أيام كذلك
ثم خلع القاهر نفسه وبايع الناس المقتدر ثانيا وعمل المقتدر إلى آخر
سنة عشرين وثلاثمائة ثم اضطرب الجيش وهيجهم مؤنس على المقتدر
فركب المقتدر بنفسه ليسكن القوم وعليه بردة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبينا هو واقف ومعه الخلق من الجند إذ جاءه رجل
بربري لا يعرف من هو فتوهموا أنه يريد أن يسلم عليه فلما دنا منه
رماه بحربته فقتله وذلك يوم الثلاثاء لثلاث بقين من شوال سنة عشرين
وثلاثمائة
القاهر بن المعتضد أبو العباس
وولى محمد بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو أخ المقتدر والمكتفي
في اليوم الذي قتل فيه أخوه المقتدر وبقى في الولاية سنة وستة
أشهر ثم كحل وخلع وتوفى القاهر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة
335

الراضي بن المقتدر أبو العباس
وولى محمد بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو الراضي
بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن
المهدى بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب
ومات الراضي في أول سنة سبع وعشرين وثلاثمائة
المتقى بن المقتدر
وولى إبراهيم بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر في أول سنة
اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وتوفى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
المطيع بن المقتدر
وولى الفضل بن جعفر بن محمد بن أحمد بن طلحة بن جعفر
وهو بن المقتدر بعد دفن المستكفي هو باق لا أدرى ما الله صانع به
إلا أنه خليفة يموت أو يقتل لا محالة لان له أسوة بمن فقدهم والله أعلم
336

ذكر الخلفاء الراشدين والملوك الراغبين
أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا
الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يكون بعدي خلفاء يعملون بما
يعلمون ويفعلون ما يؤمرون ثم يكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون
ويفعلون ما لا يؤمرون فمن أنكر عليهم فقد برئ ولكن من
رغب وتابع
قال أبو حاتم قد ذكرنا جمل ما يحتاج إليه من الحوادث التي كانت
في أيام الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين وأومأنا إلى ذكر من كان
بعدهم من بنى أمية وبنى العباس وأغضينا عن ذكر ما لو لم يذكر من
أخبارهم لم يلتفت الناظر في كتابنا هذا عليه لامعاننا في ذكرها في كتاب
الخلفاء من بنى أمية وبنى العباس من كتبنا وإنا سنذكر بعد هذا أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب واحدا واحدا بأنسابهم وقبائلهم
وما يعرف من أنسابهم وأوقاتهم كيلا يتعذر على سالك سبيل العلم
الوقف على أنبائهم إن أراد الله ذلك وشاء نسأل الله العون على
ما يقربنا إليه ويزلفنا لديه إنه جواد كريم رؤوف رحيم
أول كتاب الصحابة أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد
337

خاتم النبيين وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه أجمعين
قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي رضي الله تعالى عنه
أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ثنا خلف بن هشام البزار و
عبد الواحد بن غياث قالا ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى
عن عمران بن حضين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي
القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم
قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي خير هذه الأمة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه ونصروه وبذلوا له
أنفسهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله من المهاجرين والأنصار ومن آمن به
وصدقه من غيرهم فمنهم العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم
بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وقد ذكرناهم بأيامهم وما يجب
من الوقوف على أخبارهم فيما قبل في أجزاء أفردتها في أخبارهم
وما كان في مددهم من الفتوح
وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم
338

بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو
قرشي وكنيته أبو محمد وكان يقال له الفياض لكثرة بذله الأموال
لحق النبي صلى الله عليه وسلم ببدر بعد فراغه من بدر بعثه النبي صلى الله
عليه وسلم إلى حوراء ليتجسس أخبار العير فضرب له النبي صلى الله عليه
وسلم بسهمه وأجره قتله المروان بن الحكم بسهم رماه ومات
سنة ست وثلاثين يوم الجمل لعشر ليال خلون من جمادى الأولى وهو بن
أربع وستين سنة وقد قيل في شهر رجب وقبره بالبصرة مشهور
يزار وأم طلحة الصعبة بنت عبد الله بن عماد بن مالك بن حضرموت
والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر وهو قرشي وكنيته أبو عبد الله كان من حواري رسول الله
صلى الله عليه وسلم
339

وأم الزبير صفية بنت عبد المطلب بن هاشم وأمها هالة بنت وهيب
بن عبد مناف بن زهرة شهد بدرا وهو بن تسع وعشرين سنة
وقتل في شهر رجب سنة ست وثلاثين قتله عمرو بن جرموز
وكان له يوم مات أربع وستون سنة وأوصى إلى ابنه
عبد الله صبيحة يوم الجمل فقال يا بنى ما من عضو منى إلا وقد جرح
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فرجى فقتل من
آخر يومه وقبره بوادي السباع من أرض بنى تميم مشهور
يعرف وللزبير عشرة من البنين وابنتان عبد الله وعاصم وعروة
والمنذر ومصعب وحمزة وخالد وعمرو وعبيدة وجعفر
والابنتان رملة وخديجة
وسعد بن أبي وقاص وهو سعد بن مالك بن وهيب ويقال
أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وكنيته أبو إسحاق
340

وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
مات في قصره بالعقيق وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة عشرة
أميال سنة خمس وخمسين وقد قيل سنة ثمان
وخمسين وصلى عليه مروان بن الحكم وكان واليها في أمارة معاوية
وله يوم مات أربع وسبعون سنة وكان قد أسلم وهو بن تسع
عشرة سنة وحمل من أولاد سعد العلم عمر ومحمد وعامر وموسى
ومصعب وعائشة
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله
بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
بن النضر كنيته أبو الأعور قدم من الحوراء مع طلحة بعدما انصرف النبي
341

صلى الله عليه وسلم من بدر فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه
وأجره مات سنة إحدى وخمسين وهو بن بضع وسبعين سنة ودفن
بالمدينة ودخل قبره سعد بن أبي وقاص وابن عمر أمه فاطمة بنت
بعجة بن أمية بن خويلد بن خالد لن خزاعة و
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث
بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
بن النضر كنيته أبو محمد وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه النبي
صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن
الحارث بن زهرة بن كلاب من المهاجرات مات لست بقين من
خلافة عثمان وهو بن خمس وسبعين سنة ودفن بالبقيع ولعبد الرحمن
بن عوف عشرة بنين محمد وإبراهيم وحميد وزيد وأبو سلمة ومصعب
وسهيل وعثمان وعمر والمسور سوى البنات اللائي كن له
342

وعامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث
بن فهر بن مالك بن النضر كنيته أبو عبيدة وتوفى في طاعون
عمواس بالشام سنة ثمان عشرة في خلافة عمر وهو بن ثمان وخمسين
سنة وكان قد شهد بدرا وهو بن إحدى وأربعين سنة وهو من جلة
الصحابة وأمه بنت عبد العزى بن شقيق بن سلامان من بنى فهر
343

خاتمة الطبع
اكتمل بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الثاني من كتاب الثقات
للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي التميمي رحمه الله تعالى
يوم الأربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1395 - نهاية ديسمبر سنة 1975 م.
وقد اعتني بتصحيحه والتعليق عليه مصحح الدائرة الحافظ السيد
عزيز بيك (كامل الحديث من الجامعة النظامية) ثم تولى مسؤلية
التصحيح ثانيا من ص 78 مصحح الدائرة السيد محمد عمران الأعظمي العمرى
(أفضل العلماء من جامعة مدارس) حفظهما الله تعالى.
واهتم بشأن تنقيحه وإعادة النظر فيه كاتب هذه الخاتمة تحت
إدارة السيد شرف الدين احمد مدير الدائرة وسكرتيرها وقاضي المحكمة العليا
سابقا - أبقاه الله تعالى رمزا حيا لصالح العلم والعلماء، ويليه الجزء الثالث
إن شاء الله وأوله " قال أبو حاتم ".
ونهائيا ندعوا الله سبحانه وتعالى ان يجعل مجهوداتنا في قائمة
المشكورات ويوفقنا للحجة القويمة، فصلى الله تعالى على خير خلقه
سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا ان الحمد لله
رب العالمين.
الفقير إلى رحمة الله الغني الحميد
السيد محمد حبيب الله القادري الرشيد
كامل الجامعة النظامية
رئيس قسم التصحيح بدائرة المعارف العثمانية
344