الكتاب: بحوث في فقه الرجال
المؤلف: تقرير بحث الفاني ، لمكي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤
المطبعة: مؤسسة العروة الوثقى
الناشر: مؤسسة العروة الوثقى
ردمك:
ملاحظات:

بحوث في فقه الرجال
1

بحوث
في فقه الرجال
محاضرات ألقاها على طلابه
سماحة آية الله العظمى
ركن الدين وعماد المحققين وخلاصة المتأخرين
السيد علي العلامة الفاني الأصفهاني
قدس سره
تأليف
السيد علي حسين مكي العاملي
مؤسسة العروة الوثقى
3

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثانية
1994 م - 1414 ه‍
مؤسسة العروة الوثقى
برج البراجنة - شارع حاطوم، ملك علي حرب - ص. ب: 25 / 216
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم القيامة
اما بعد فمن البديهيات لدى المسلمين، ان الدين - وهو المنهج الإلهي الجامع للمعارف والعبادات والمعاملات والاخلاق
وسياسة المدن وكل، للشرع دخل في جعله - لا يعرف من كتاب الله فحسب وان زعم جمع قليل من
المسلمين بدعوى - إن الحكم الا الله، اذن فالحاجة إلى السنة ضرورية، والسنة عندنا معاشر
الشيعة ليست منحصرة بما ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، بل هي أعم منه ومما ورد
عن أئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ينابيع الحكمة وخزنة علم الله وورثة علم النبي صلى الله عليه وآله
إذ المأثور عن النبي (ص) من طرق الفريقين (السنة والشيعة) ان رسول الله صلى الله عليه وآله
قال أنا مدينة العلم وعلي (ع) بابها فعلي عليه السلام - وهو والد الأئمة الطاهرين وراثة عليهم السلام -
باب علم الرسول (ص) مدينة علم الله بماله من المعنى العام وهل يؤتى إلى المدينة إلا من بابها
وحيث إن أخذ معالم الدين من المعصومين واحدا بعد واحد مشافهة لكل أحد في أي زمان
بأنفسهم مستحيل بل تصل الاحكام الصادرة منهم والآثار مأثورة عنهم بالطرق المتعارفة
العقلائية بين البشر وهي الاخبار وتختلف الاخبار وهي بالواسطة قهرا صحة وسقما،
باختلاف المخبرين صدقا وكذبا ووثاقة وضعفا فاذن وجب النظر والاجتهاد والفحص
الكامل والشامل في أسانيد الاخبار حيث لا علم لأحد لغيب الله تعالى ولا اطلاع لشخص على اللوح
المحفوظ إلا ما ينقل عن المعصومين عليهم السلام بالسند الصحيح فالعجب ممن يأخذ أي متن من أي
ما يسمى بالخبر وان كان الخبر مرسلا أو منقولا عن سند ضعيف للجهل بحال المخبر أو
لكونه مهملا في كتب الرجال ولهذا السبب أنا أحمد الله تعالى، أن وفق قرة عين الفضل
والكمال والورع والتقوى العلامة المؤتمن الذكي ولدنا السيد على المكي اللبناني دامت أيام
إفاداته لتقرير أبحاثنا في نقد الرجال وما بيناه في منهج الوصول إلى المتون الواردة عن أهل بيت
العصمة عليهم السلام من الدقة في أحوال الرجال واستنباط حالهم صدقا وكذبا من عمود الزمان
وجمع القرائن التاريخية من كتب الرجال أو غيرها من الكتب مشروطا بحصول الاطمينان (النوعي)
بصدق الرجل لسانا مع غض النظر عن عقايده وسائر مفاسد أخلاقه إذ المدار في الخبر
على الحكاية لا على صفات الخبر باستثناء صفة الصدق الخاصة بلسانه لا على جوارح المخبر وأخيرا
أسأل الله أن يجزى السيد السند المكي خير الجزاء وأن ينفع بمجهود، العلماء إن شاء الله تعالى
ميلاد الحجة 1407 على الحسيني الأصفهاني العلامة الفاني
صورة عن الإجازة الخطية للمقرر
5

صورة آية الله العظمى مير سيد علي العلامة الأصفهاني (قده)
6

آية الله العظمى
العلامة الفاني (قدس سره) في سطور
كان من المقرر أن يرى هذا السفر النور منذ زمن. ولكن ولعدة ظروف
شاءت الاقدار أن يتأجل ذلك إلى ما بعد الفاجعة الأليمة والحدث الجلل ألا
وهو غياب سيدنا المقدس عن عالمنا وارتحاله إلى لقاء الله.
وكان من المقرر أيضا ان يضاف إلى الكتاب نبذة عن حياة وجهاد
سماحته ولكن لما لم يكن معتادا ذكر حياة العظماء إبان حياتهم ارتأيت تأجيل
ذلك.. ولكن لما فجعنا وفجع العالم الاسلامي برحيله، كان من الوفاء
لأستاذنا المعظم ذكر نبذة من سيرته وجهاده وعمله تخليدا لذكراه.... راجين
من الله تعالى ان يوفقنا لنشر ما يليق بشأنه في كتابه مستقل.
وكنت في حياته رضوان الله تعالى عليه قد التمست منه ذكر نبذة من
سيرته وحفظا للأمانة فإني ذاكرها ابتداء مع إضافات سمعتها منه (قده) أو
لاحظتها أثناء حياته.
كتب قدس الله نفسه الزكية [السيد علي نور الدين أبو المكارم العلامة
الشهير بالفاني الأصفهاني ابن المرحوم حجة الاسلام والمسلمين الحاج السيد
7

محمد حسن الحسيني اليزدي الفاني المذكور في نقباء البشر المجلد الأول
الصفحة 393، ولد بعد زوال الخميس 26 من شهر ربيع الأول سنة 1333 ه‍
بأصفهان وشرع بالمبادئ العربية عند ملا عبد الله الخراساني المتوفى
سنة 1349 ه‍ القمرية وحضر بعد ذلك عند جماعة من أجلة علماء أصفهان
سطحا وخارجا فحضر القوانين للمحقق القمي (قده) عند المرحوم المقدس
الحكيم الخراساني ره المتوفى سنة 1355 ه‍ القمرية وفرائد الشيخ الأنصاري
عند المرحوم الحاج السيد مرتضى الخراساني (قدس سره) والمتاجر والكفاية
بجزئيها عند السيد المقدس آية الله السيد محمد النجف آبادي المتوفى
سنة 1358 ه‍ القمرية (قدس سره) وحضر الفلسفة عند المرحوم الشيخ المفيد
وحضر خارج الأصول والفقه والفلسفة والكلام والتفسير عند آية الله العظمى
الجامع للمعقول والمنقول الزاهد التارك للدنيا الحاج مير سيد علي النجف
آبادي مدة مستمرة في اثنتي عشرة سنة وأزيد حتى توفي (قدس سره العزيز)
الثالث عشر من شهر صفر سنة 1362 ه‍ فهاجر في أوائل ربيع الثاني من تلك
السنة إلى النجف الأشرف واستفاد من جملة من أعظم علماء النجف أمثال
السيد الزعيم السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد كاظم الشيرازي
رحمهما الله تعالى واشتغل في نفس الوقت بتدريس الفقه والأصول سطحا
وخارجا وبرز لدى تدريسه جملة من العلماء العظام وفقهم الله تعالى. واما ما
قاساه فمما لا أقدر على بيانه والمشتكى إلى الله تعالى والأجر منه إن شاء الله
بلطفه العميم وأرجو العفو والغفران منه.
وأما تآليفه وتقريرات أبحاثه في العلوم المتنوعة فهي عبارة - عن مطبوع
وغير مطبوع - عن قريب من ثمانين مؤلفا منها: 1 - شرح الشرايع في الطهارة - خمسة أجزاء - طبعت جميعها والحمد
لله تعالى.
2 - شرح الشرايع في الصلاة - سبعة أجزاء - طبعت خمسة منها والباقي
8

تحت الطبع.
3 - الآراء في مباحث الأصول طبع جزءان منها في الألفاظ.
4 - الآراء في المباحث العقلية - ثلاثة أجزاء - تحت الطبع -.
5 - رسالة في علم الإمام ألفت في ليلة واحدة - جزء واحد -.
6 - الحاشية على وسيلة النجاة للزعيم الديني آية الله العظمى المرحوم
السيد أبي الحسن الأصفهاني (قدس سره) طبع مرة في سنة 1380 ه‍ في
النجف الأشرف ومرة أخرى في قم المحمية بعد مرور خمس وعشرين سنة
والحمد لله.
7 - الحاشية على العروة الوثقى للزعيم الديني آية الله العظمى السيد
البروجردي الطباطبائي (قدس سره) مع الالماح إلى جملة من القواعد في
المسائل الصعبة - طبعت العبادات في طهران والمعاملات في قم المقدسة -.
8 - ترجمة تقديم المحسنين - طبعت مع بعض القرائين -.
9 - ترجمة نصائح.
إلى هنا انتهى ما كتبه بقلمه الشريف واما ما ذكره لي:
10 - البداء وقد ترجم إلى الفارسية.
11 - المختار في الجبر والاختيار وقد ترجم إلى الفارسية.
12 - رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
13 - رسالة توضيح المسائل الشرعية وقد ترجمت وطبعت بخمس
لغات (الفرنسية - الفارسية - العربية - الانكليزية).
14 - شرح الفصوص مع حاشية (ذكرها بخطه الشريف).
15 - قبسات العقول وقد طبعت بخمس لغات أيضا.
9

16 - الشعائر الحسينية وقد ترجمت إلى الفارسي والأوردو - مطبوع -.
17 - خمسون مسألة - مطبوع -.
18 - منظومة فارسية في المعصومين (ع) - مطبوع -.
19 - ديوان شعر بالفارسية - غير مطبوع - (2 جلد).
20 - الآراء حول الإرادة - مطبوعة -.
21 - الآراء حول القرآن - مطبوع - وقد ترجم بلغة أوردو من دون طبع.
22 - بيان الخيانة - مطبوع -.
23 - تنزيه الصفوة - مطبوع -.
24 - تحفة الجواهر - مطبوع -.
25 - ترجمة خطبة الزهراء (ع) في فدك - مطبوع -.
26 - زن از ديدكاه شريعت إسلام - مطبوع -.
29 - عبد الله بن عباس - مطبوع -.
30 - الحاشية على صراط النجاة - فارسي - مطبوع -.
31 - الخمس الاستدلالي - غير مطبوع -.
32 - تفسير سورة الحمد - غير مطبوع -.
33 - تفسير سورة الجمعة - غير مطبوع -.
34 - فقه الرجال - وهو هذا الكتاب -.
35 - تفسير سورة (محمد) - غير مطبوع -.
36 - تفسير سورة الفتح - غير تام -.
10

37 - الزكاة - غير تام -.
38 - أحكام البنوك وتحليل ودراسة حول مسألة الربا - تام غير
مطبوع -.
39 - الذباحة - غير مطبوع -.
40 - البيع على ضوء متاجر الشيخ الأنصاري إلى بحث الفضولي - غير
مطبوع -.
41 - الإجارة على ضوء الشرائع - غير مطبوع -.
42 - القضاء - غير مطبوع -.
43 - الوصايا بقلم العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين - غير
مطبوع -.
44 - القرعة - بقلمه أيضا - غير مطبوع -.
45 - الحج - غير تام -.
46 - الصوم - غير تام -.
47 - الفوائد العربية في الكلام - غير مطبوع -.
48 - الفوائد الرجالية - غير مطبوع -.
49 - رسالة في منجزات المريض (ذكرها بخطه الشريف).
50 - رسالة في العرفان (السير إلى الله) (ذكرها بخطه الشريف).
51 - الفوائد العلوية (كلام) (ذكره بخطه الشريف).
* وسيدنا المقدس كان من رجالات الدين والمراجع العظام الذين يقل
جدا أمثالهم فقد حاز على رتبة الاجتهاد كما ذكره لي وهو ابن سبعة عشر عاما
11

وكان أول اجتهاده في مسألة المسح على الرجل حيث رجح قول المشهور في أن
الكعب هو قبة القدم ما بين الأصابع وأسفل الساق وخالف في ذلك الشيخ
البهائي حيث اختار انه أسفل الساق.
كما كان (قدس الله نفسه) يتمتع بقوة حدس وذكاء وضبط يعجب ذوي
الألباب فقد كان يكفي ان يزوره الشخص مرة واحدة فيتذكره ولو تمادت
السنين... ولا زلت اذكر اني عندما كنت أقرأ عليه ما كتبته من تقريراته (فقه
الرجال) رغم ان المرض قد أخذ منه مأخذا - كان يلتفت إلى أدق النقاط
فيحذف أو يصوب.
وكان رضوان الله عليه شغولا جدا في التأليف والبحث والتدريس بشكل
مدهش حتى أنه وفي أيامه الأخيرة التي كان فيها في المستشفى تمم كتابه
الأخير (بحث القطع والظن).
وكان من غريب أموره إحاطته بمجموعة من العلوم رغم اشتغاله
بالشؤون الفقهية والمرجعية فقد ألف في الفقه والفلسفة والعرفان والأصول
والتفسير والعقائد والاخلاق فضلا عن نظمه الشعر.
وقد تخرج من مدرسته الكثير من الفطاحل والأعاظم وخصوصا في
النجف الأشرف والذين انتشروا في الآفاق لخدمة الرسالة وكان رحمه الله كثير
الوعظ والارشاد لجلسائه وملاحظا ما يناسب كل شخص بحسب أحواله
وتطلعاته وكان مما يوصي به طلابه عموما واللبنانيين خصوصا العكوف على
طلب العلم والاصرار على تلقيه مهما كلف الامر وله عبارة معروفة للوصول
إلى سدة الكمال (السهر حتى السحر).
وكثيرا ما كان سيدنا يبرز تأذيه لوضع طلاب العلوم خصوصا الأذكياء
منهم حيث يتركون الحوزات في أول فرصة مضيعين على أنفسهم وعلى الأمة
فرص الاستفادة الحقيقية منهم..
12

وكان طيب الله ثراه زاهدا في هذه الدنيا غير ملتفت إلى اقبالها وتزيينها
ولذا فضل العيش بعيدا عن الأضواء والشهرة إلا من عمل دؤوب وتربية لجيل
علمي رائد..
وكان يذكر لي وأظنه أقسم على ذلك بأنه لو أمكنه ان يطبق فمه عن
المأكل والمشرب لفعل. فلله درك.. كيف لا... وأنت سليل الأوصياء وربيب
حجر العلم والقداسة وقد تلمذت على منبر العظام والأتقياء.
وقد سألته يوما عما استفاده في حياته من تجارب يوصي بها الآخرين
فقال في شأن العالم:
1 - إن من كان صائنا لنفسه حافظا لدينه حسنت عاقبته وكثر رزقه ووفقه
الله ومن باع دينه ساءت عاقبته وأصابته البلايا من حيث لا يشعر ومن حيث لا
يحصي.
وان على العالم ان يترك الدنيا وان أقبلت عليه وهذا لا ينافي كون الزهد
الحقيقي هو الورع عن محارم الله يقول جل وعلا * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من
طيبات ما رزقناكم) * (1).
وعلى العالم ان يتمثل خطى علي (عليه السلام) ويسير على وفقها
ناصحا للناس وهاديا لهم ومعينا لعائلهم ومغيثا للملهوف.
وقال قدس سره في شأن الناس:
2 - ان عليهم بذل ما لديهم في خدمة الرسالة وهذا ضمان لعدم الخسارة
ولدفع البلايا عنهم واما لو عكفوا على جمع الثروات وعدها فسيكون نتيجتها
الخسران وضياع الأموال بل وضياع الاعراض.. وقد يصابون وفي غالب

(1) سورة البقرة، الآية: 172.
13

الأحيان بالأمراض والبلايا مما ليس له دواء ومما لا يعالج بالمال.
* رحمك الله سيدي فكم لك في قلوب الذين عرفوك ذكرى لا تزول
بزوال الأيام والسنين يذكرونك بحنانك.. بمرحك.. بنكاتك... وقد لا
يصدق محبوك انك رحلت عنهم ولكن قدر الله هو الغالب.
يذكرونك عندما تعرج على ذكر أهل بيت العصمة واعظا جلسائك حيث
تفيض عيناك بالدمع وتنضح أساريرك بالولاء للعترة الطاهرة.
رحمك الله.. كم كنت شديد الولاء لهم مشددا على التمسك بهم
وبكتاب الله.. كيف لا!
ووصيتك أن يدفن مع جسدك الطاهر منظومتك الشعرية في المعصومين
الأربع عشر وكتابيك (آراء حول القرآن - وعبد الله بن عباس) - رحمك الله كم
كنت متعلقا بمدينة قم المقدسة عش آل محمد (ع).. فأنت على فراش الموت
تطلب أن تنقل إلى قم ويحول بينك وبين غرضك المشرفون على صحتك..
وتحت إصرارك يوافقون بان تنقل إلى قم حيث المعصومة الشريفة وحيث
أهلك ومحبوك وتلاميذك وتقول للمشرفين (الوقت تأخر أو لا فائدة في ذلك
الآن) ويكون الموعد الساعة الثامنة ليلة الثلاثاء.. ولكن يد الأبد تأبى الا بان
تمتد إلى روحك الطاهرة لترقى بها إلى عالم الخلود - وكأنك على علم بذلك -
وذلك ظهر يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة والنصف 23 شوال - 1409 ه‍
ولتفجع المسلمين بمصاب... ولتعود إلى قم وكما رغبت وطلبت وفي
الساعة الثامنة ليلة الثلاثاء.. ولكنها العودة الأليمة.. العودة الفاجعة.. لكي
لا يراك بعد.. أحبتك وتلاميذك.. ومريدوك.
* رحمك الله سيدي المعظم.. نم قرير العين إلى جانب مرقد السيدة
المعصومة حيث مثواك الأخير (صحن السيدة المعصومة - حجرة 36) وجمع
الله بينك وبين الأئمة الطاهرين في جنة النعيم.
14

ومما رثاه به العلامة الشيخ علي المصري أحد أفاضل طلابه:
شفيت فما تبغي الطبيب المداويا * وفزت وجاوزت الفقيه المساويا
لئن كنت في عز الولاية فانيا * فقد صرت في دار المقامة باقيا
تخلصت مما نحن فيه فعلمنا * مشوب ويجري العلم عندك صافيا
تلميذك الصغير
علي مكي العاملي
قم المقدسة - 13 ذي القعدة 1409 ه‍
15

تقديم وتعريف
بين يديك مجموعة من البحوث الرجالية ألقاها سماحة سيدنا الأستاذ
الاجل قدوة المحققين وعين عيون الناظرين عصارة المتقدمين وخلاصة
المتأخرين آية الله العظمى السيد علي العلامة الفاني الأصفهاني (قدس الله
أسراره).
وقد أفاض بها على طلابه في مدينة قم المقدسة عام 1406 ه‍ وقد أمر
سماحته بكتابتها وتبويبها وملاحظة نكات وإضافات تناسب أمرين:
1 - أن يكون كتابا محافظا على الجنبة الفقهية عرضا واستدلالا.
2 - أن يكون كتابا ذا قيمة تدريسية تعليمية.
فشمرت ساعد العزم امتثالا لامره وطمعا في ثواب الله ومنه معتمدا من
البيان والأسلوب ما يناسب الغرض ولذا قد ذكرنا من وجوه الاستدلال ما لم
يكون قد ذكر إتماما للفائدة وتحقيقا للهدف.
وأرجو ان أكون قد حققت رغبته سائلا الله تعالى ان يقبل عملي خالصا
لوجهه وان يطيل في عمر سماحته ذخرا للمسلمين ومنارا للعالمين - وأخيرا
17

إليك يا صاحب العصر والزمان أتقدم بعملي هذا خصوصا ان من توفيقات الله
أن من علينا باتمامه وإكماله في يوم ميلادك المبارك...
قم المقدسة - علي حسين محمد مكي العاملي
15 شعبان - 1407 ه‍.
18

بحوث في فقه الرجال
ويشتمل الكتاب على أبحاث ثلاثة:
* الأول - المقدمة وتشتمل على أربع نقاط.
* الثاني - المقصد ويشتمل على ثمانية أبواب.
* الثالث - الخاتمة وتشتمل على خمسة تطبيقات.
19

المقدمة
وتشتمل على أربع نقاط:
* الأولى - في تاريخ البحث الرجالي.
* الثانية - في حقيقة البحث الرجالي.
الثالثة - في أهمية البحث الرجالي.
* الرابعة - في صحة التعبد والجعل في الطرق وعدمها.
21

النقطة الأولى
في تاريخ البحث الرجالي
ساد الاعتقاد قديما وحديثا عند بعض مخالفينا بعدم وجود أثر للبحوث
الرجالية عندنا أو تأخرها مما يعني التشكيك في المذهب وفي كل مروياتنا
لرجوع الدعوى إلى تأخر البحث عن الجرح والتعديل زمانا عن وقت صدور
الروايات أو نقلها ونشرها.
ولذا نجد النجاشي يرد على هذه الادعاءات في أول كتابه قائلا:
(اما بعد فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف أطال الله بقاه وأدام
توفيقه من تعبير قوم من مخالفينا انه لا سلف لكم ولا مصنف وهذا قول من لا
علم له بالناس ولا وقف على أخبارهم ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل
العلم.. إلى أن قال.. على أن لأصحابنا رحمهم الله في بعض هذا الفن
كتبا) (1).

(1) الرجال النجاشي ص 2.
23

وكذا نجد بعضا من متأخري العامة (1) يذكر بأن الشيخ الطوسي أول
كاتب في الرجال عند الإمامية إلا أن واقع الحال مختلف تماما فإن البحوث
الرجالية مطروحة قديما كما هي مطروحة حديثا ولكنها تختلف من حيث
المضمون وطريقة البحث وسعة هذا البحوث وشمولها تبعا للحاجة ولاتساع
وتطور هذا العلم على مر الزمان.
ويمكننا أن نعتبر أن بداية النمو الحقيقي للبحث الرجالي تعود إلى زمن
الحسن بن محبوب المولود عام 149 ه‍ حيث ألف كتابا في
الرجال (المشيخة).
وربما يكون ذلك قبل هذا التاريخ (2).
وهذا التاريخ قديم يعود إلى تاريخ الصادقين (عليهما السلام) تقريبا
حيث كثر النقل عنهما (ع) كما كثر الوضاعون والكذابون على أهل البيت مما
دعا جمعا من أعلام الطائفة للتصدي لذلك وتصنيف الكتب لتمييز المقبول
والمعتمد من غيره.
وفي عدة الشيخ الطوسي ما يشير إلى ما ذكرناه معمما ذلك ليشمل
الطائفة حيث قال: (- انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة هذه الأخبار
فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد على حديثه
وروايته ومن لا يعتمد على خبره ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم وقالوا
فلان متهم في حديثه وفلان كذاب.. وغير ذلك من الطعون التي ذكروها
وصنفوا في ذلك الكتب) (3).

(1) أبو زهرة في كتابه (الإمام الصادق عليه السلام).
(2) ذكر العلامة الطهراني في مصفى المقال جمعا من المؤلفين منهم أبو مخنف لوط بن
يحيى المتوفى عام 151 ه‍ وأجلح الكندي المتوفى عام 140 ه‍ أو 145 ه‍ راجع
مصفى المقال ص 37.
(3) عدة الأصول ج 1 ص 366.
24

فان عبارته الأخيرة صريحة في وجود الكثير من الكتب فيما يرجع إلى
البحث الرجالي وأيضا نجد النجاشي يذكر في غير مورد ما يدل على ذلك
منها:
1 - ما ذكره في ترجمة جعفر بن عثمان بن شريك حيث قال بعد التعرض
له (ذكر ذلك أصحاب الرجال) (1).
2 - ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن سليمان المزني (.. له كتب ذكرها
بعض أصحابنا في الفهرستات) (2).
3 - ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن خالد العطار (ذكره أصحابنا في
الرجال) (3).
4 - ما ذكره في ترجمة جميل بن صالح الأسدي (.. ذكره أبو العباس
في كتاب الرجال) (4).
(5) ما ذكره في ترجمة أبان بن الأحمر العجلي (... وأكثروا الحكاية
عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام) (5).
إلى غير ذلك من الموارد التي يعثر عليها المتتبع بل إن بعضهم أنهى هذه
الكتب إلى ما يقارب الخمسمائة كتاب. ولا بأس بذكر بعض أصحاب هذه
الكتب المستفاد من رجال الشيخ والنجاشي:
1 - كتاب للحسين بن محبوب المولود عام 149 ه‍ (6).

(1) رجال النجاشي ص 90.
(2) نفس المصدر ص 11.
(3) نفس المصدر ص 18.
(4) نفس المصدر ص 92.
(5) نفس المصدر ص 10.
(6) فهرست الشيخ ص 47.
25

2 - كتاب للحسن بن علي بن فضال المتوفى عام 224 ه‍.
3 - كتاب لأحمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن المتوفى
عام 274 ه‍ (1).
4 - كتاب لأحمد بن محمد بن عمار وكتابه كبير في الممدوحين
والمذمومين (2).
5 - كتاب لحميد بن زياد المتوفى عام 310 ه‍ (3)
6 - كتاب لأحمد بن إسحاق في مسائل الرجال لابي الحسن الثالث (ع)
الخ...
وقد تحصل مما ذكرناه بان دعوى أن لا رجال عندنا ولا مصنفات دعوى
دافعها الهوى والتهمة من غير علم.
ورغم ذلك فإن معظم هذه الكتب لم تصل إلينا بما هي كتب منفردة
ومستقلة وإنما وصلت عبر كتب جمع من الأصحاب يدور على كلماتهم مدار
التوثيق في عصرنا الحاضر.
وهي عبارة عن كتب خمسة:
* الأول - كتاب النجاشي وهو الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن
علي بن العباس النجاشي المتوفى سنة 450 ه‍ وقد ألف كتابه بعد تأليف الشيخ
لكتابي الرجال والفهرست ولذا اتسم كتابه بالشمول والموسوعية فضلا عن أنه
زاد عن الشيخ في ذكره طرفا من كنى وألقاب ومنازل وأنساب الرواة ولعل
منشأ ذلك كونه ذا اختصاص بالأنساب فقد ألف في ذلك كتابا كما نص عليه هو

(1) رجال النجاشي ص 55
(2) رجال النجاشي ص 70.
(3) رجال النجاشي ص 96.
26

نفسه في ترجمة نفسه (1).
ومن هنا صدرت الأقوال في حقه بأنه أعرف علماء الرجال وأضبطهم بل
عبر عنه بعض المتأخرين (2) ب‍ (أحد المشايخ الثقات والعدول الاثبات من
أعظم أركان الجرح والتعديل وأعلم علماء هذا السبيل أجمع علماؤنا على
الاعتماد عليه وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرجال إليه وبتقديمه صرح
جماعة من الأصحاب ونظرا إلى كتابه الذي لا نظير له في هذا الباب) (3).
وزاد آخر بأن هدف النجاشي من تأليف كتابه هو تصحيح وتصويب
كتاب الفهرست للشيخ الطوسي.
ولما عرفته ذهب جمع إلى تقديم قوله على قول الشيخ حين التعارض.
* الثاني - كتاب رجال الشيخ الطوسي وهو شيخ الطائفة أبو جعفر
محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه‍.
وينقسم الكتاب بحسب الرواية والراوي إلى قسمين:
أ - لمن روى عن أحد الأئمة أو النبي (ص). ولذا نجده قد كرر ترجمة
شخص في موقعين أو أكثر بحسب صحبة الرجل لعدد من الأئمة (عليهم
السلام).
ب - لمن لم يرو عنهم (ع). والذي يتأمل في كتابه يجده قد راعى
الاختصار جدا فيه واقتصر على تعريف الراوي مع بعض الكلمات إن وجدت
مما يدل على قدح أو مدح.
* الثالث - الفهرست وهو للشيخ أيضا وقد جمع فيه نحوا من تسعمائة

(1) رجال النجاشي ص 74.
(2) هو السيد محمد مهدي بحر العلوم في فوائده الرجالية.
(3) رجال النجاشي ص 51.
27

اسم من أسماء المصنفين وهو أوسع بكثير من حيث التفصيل وذكر الكتب
والأحوال للمترجم لهم من رجاله.
فإنه قد أورد لكل من ترجم له كتابا أو أصلا. وبين في بعض الموارد بأن
كتابه معتمد.. إلى غير ذلك مما يمتاز به هذا الكتاب.
* الرابع - اختيار معرفة الرجال وأصله كتاب رجال الكشي الا ان الشيخ
اختصره وسماه بالاسم المعنون له وهذا الكتاب يمتاز بذكره للروايات
بأسانيدها الدالة على أحوال وأوضاع الرواة وما ورد فيهم من قدح أو مدح.
وهو كتاب نفيس من نوعه نظرا لما يعكسه من وقائع حية لحياة الأئمة
وأصحابهم وأما كتاب الكشي الأصل فلم يصل إلينا بل ادعى بعض عدم
وصوله حتى إلى زمن العلامة فضلا عمن تأخر عنه.
كما أن كتاب الكشي متقدم على سائر الكتب الأربعة تأليفا لان وفاة
الكشي في الربع الأول للقرن الرابع تقريبا.
* الخامس - رجال البرقي لمؤلفه أحمد بن محمد البرقي صاحب
المحاسن المتوفى عام 274 ه‍.
وهذا الكتاب ليس بهذه المعروفية كسوابقه بل ولا أهمية له تذكر لعدم
تعرضه للتوثيق أو التضعيف إلا نادرا جدا.. فإنه اقتصر فيه على ذكر الطبقات
بلحاظ أصحاب كل إمام ولذا تنحصر فائدته في ذلك مضافا إلى معرفة بعض
المهملين الذين قد يتعرض لذكرهم دون غيره.
وهذه الكتب رغم أهميتها بالنسبة إلينا تعتبر نموذجا بدائيا في البحث
الرجالي بل هي عبارة عن نوع نقل وشهادة لجملة من الوقائع والأحوال.
وهي رغم ذلك تشكل مادة للبحوث التي لحقت عصر أولئك العظام.
هذه هي جملة الكتب المعتمدة في حركة البحث الرجالي. ويضاف إليها
28

ما قد يستفاد من شهادة ونقل بعض القدماء الذين يعتد بأقوالهم بوثاقة أو
ضعف شخص ما. فإنهم وكالشيخ المفيد والصدوق وغيرهما ضمنوا كتبهم أو
بعضهم نماذج مما ذكرناه.
واما كتاب ابن الغضائري الذي يستشهد بأقواله جمع من الاعلام
كالعلامة وابن داوود وغيرهما فهو مما لم يثبت لدينا.
وذلك لان هذا الكتاب مردد النسبة بين كونه لأحمد بن الحسين بن
عبيد الله الغضائري كما عليه المشهور وبين كونه لوالده الحسين بن عبيد الله
أحد مشايخ النجاشي والطوسي معا.
إلا أن الظاهر أن هذا الكتاب للأول وقد اندرست معالمه وان الموجود
في زمان العلامة هو كتاب آخر يحتمل جدا انه من وضع وافتراءات الوضاعين
بل جزم بذلك بعض الأصحاب ويشهد لذلك ان النجاشي عندما تعرض لذكر
شيخه الحسين ترحم عليه وذكر كتبه المتعددة ولم يقل أن منها كتاب في
الرجال وقال أن تاريخ وفاته هو 411 ه‍ (1).
واما الشيخ فمن عجيب ما وقع له انه ذكر في رجاله (الحسين بن
عبيد الله الغضائري يكنى أبا عبد الله كثير السماع عارف بالرجال وله تصانيف
ذكرناها في الفهرست.. مات سنة 411 ه‍) (2).
مع اننا بمراجعة الفهرست لم نعثر على أي ترجمة للحسين بن عبيد الله
الغضائري.
نعم ذكر في أول الفهرست بعد تعرضه لعدم وجود كتاب عند الأصحاب
جامع لجميع التصانيف وما رووه من الأصول (.. إلا ما قصده أبو الحسن
أحمد بن الحسين بن عبيد الله (رحمه الله) فإنه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه

(1) رجال النجاشي ص 470
(2) فهرست الشيخ ص 2.
29

المصنفات والآخر ذكر فيه الأصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه
غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو رحمه الله
وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى
بعضهم عنه) (1).
وما ذكره هنا مغاير جزما لما ذكره في رجاله لان كنية الحسين هي أبو
عبد الله وكنية الابن كما في الفهرست أبو الحسن.
وعليه فان أريد من النسبة نسبة الكتاب إلى الأب ففيه ان الشيخ
والنجاشي معا لم يتعرضا لذكر كتاب له من هذا القبيل مع أنه شيخهما
وخصوصا أن النجاشي ذكر جملة كتبه.
وأما ما ذكره في رجاله مع فهو عدم صراحته في وجود كتاب له في هذا
الفن قد عرفت حال هذه الدعوى.
واما ان أريد من النسبة نسبته إلى الابن كما عليه المشهور فبعد النسبة
أوضع لوجوه أربع:
الأول - عدم تعرض الشيخ والنجاشي لذكر الابن أصلا ولذا حكم جمع
من الأصحاب بجهالة الرجل وعدم وضوح حاله.
وأما ما ادعاه بعض من ظهور عبائر الفهرست في مدح الرجل وبيان
جلالته حيث قال في المقدمة (.. ولما تكرر من الشيخ الفاضل أدام الله
تأييده..) فغريب جدا لأنه عندما تعرض لذكر أحمد في المقدمة ترحم عليه
ونص على موته وفي هذه العبارة نص بما يدل على حياته مما يدل على تغاير
الشخصين المذكورين وأن دوام التأييد يعود لغير أحمد بن الحسين.
الثاني - أن الشيخ نفسه قد صرح في الفهرست بتلف الكتابين وبعدم

(1) رجال النجاشي ص 112.
30

استنساخهما من قبل أحد من الأصحاب.
الثالث - أنه لو سلم استنساخ أحد من الأصحاب لهذين الكتابين ولو
لنقل النجاشي في غير مورد عن أحمد بن الحسين فإن عبارة الشيخ لا تدل على
وجود كتاب خاص بالضعفاء كما يريد الناسب إثباته بل إن صريح لفظه يغاير
الدعوى حيث صرح بأن أحدهما في المصنفات والآخر في الأصول.
الرابع - أنه لو سلم دلالة لفظ الشيخ على المدعى فإنه من غير المعلوم
ان الكتاب الذي وصل ليد العلامة وابن داوود وابن طاووس هو نفس الكتاب
الأصل نظرا لانقطاع خبره وعدم شيوع أمره في الفترة ما بين زمان الشيخ
وزمانهم.
ومما يؤكد ذلك أمران:
الأول - تضارب واختلاف الألفاظ المنقولة عن هذا الكتاب فمن قبيل
المثال ما ذكره النجاشي في ترجمة الخيبري بن علي الطحان قال (كوفي
ضعيف في مذهبه ذكر ذلك أحمد بن الحسين فقال في مذهبه ارتفاع) (1).
بينما نجد في الكتاب المنسوب إليه تعبيرا آخر حيث ورد فيه (كوفي
ضعيف الحديث غال المذهب.. لا يلتفت إلى حديثه) (2).
وتغاير التعبيرين واضح الظهور.
وكذا حصل في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك فقد ذكر النجاشي
فيه (قال أحمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعا ويروي عن
المجاهيل) (3).

(1) مجمع الرجال - قهبائي ج 2، ص 275.
(2) رجال النجاشي ص 88.
(3) رجال النجاشي ص 88.
31

بينما ورد في الكتاب المنسوب (كذاب متروك الحديث جملة وكان في
مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الطائفة مجتمعة
فيه) (1).
إلى غير ذلك مما يلاحظه المتتبع....
الثاني - كثرة التضعيفات الواردة فيه بحيث سرت إلى بعض العيون الذين
لا يترقب فيهم ذلك كأحمد بن مهران شيخ الكليني والذي كان يترحم عليه.
كما أن تعابيره في التضعيف فاقت جدا غمزا وطعنا عما يذكره النجاشي
أو الشيخ مع تساوي عهودهم. وكذا فان الكتاب قد ورد فيه تضعيفات في حق
من لم يرد فيهم ما يدل على ضعف أو ذم.
نعم إن دعوى غمزه في أجلة الطائفة وعيونها وثقاتها بهذا الشمول مما
لم نتحقق صحته بعد المزيد من الفحص والاستقراء فعهدة دعواها على
مدعيها.
وعلى كل حال فلم يتحصل لدينا وجه معقول لقبول هذا الكتاب وجواز
الاعتماد على ما فيه.
ثم إن الكتب الخمسة المتقدمة وكما قلنا شكلت مع غيرها من الكتب
مادة لبحوث رجالية تطورت مع الزمن لتصبح فيما بعد وعند الجل علما
موضوعيا ذا قواعد ثابتة وأسس محددة كما هو الحال في زمن المحقق
والعلامة والشهيد الثاني (رض).
وقد ذكرت في هذه البحوث وجوه كثيرة ومتنوعة لاثبات المدعيات
ونقض المثبتات بلون من النقض والابرام.
بل انها عرفت تقسيمات جديدة على صعيد الراوي والمروي كتقسيم

(1) مجمع الرجال - قهبائي ج 1، ص 42.
32

الحديث بلحاظ راويه إلى أربعة أقسام:
1 - الصحيح وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الامامي العدل عن
مثله في جميع الطبقات.
2 - الحسن وهو ما اتصل سنده كذلك بإمامي ممدوح من غير نص على
عدالته.
3 - الموثق وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع
فساد عقيدته وشبه ذلك.
4 - الضعيف وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة...
إلى غير ذلك من الأسماء التي أضافوها بهذا اللحاظ مع الاختلاف في
تحديد حقيقتها (1).
وكتقسيم الحديث بلحاظ وضع السند والنسبة من غير ما يرجع إلى
صفات الراوي إلى أقسام عديدة كالمسند والمتصل والمرفوع والمعنعن
والمعلق والمفرد والمدرج والمشهور والمصحف والعالي والشاذ.. وإلى ما
يقرب من ثلاثين اسما من الأسماء.
وهكذا يتضح ان البحث الرجالي يزداد تطورا ووضوحا مع تطور وتقادم
الزمن بل يزداد قيمة من حيث الاعتبار إلى درجة توجب الركون والتسليم
ببحوث جمع من الأصحاب.
ومن هنا قبلنا توثيقات بعض المتأخرين في الجملة كما ستعرف ذلك
مفصلا فيما بعد.

(1) منتقى الجمان - ج 1 - المقدمة الفائدة الأولى.
33

النقطة الثانية
في حقيقة البحث الرجالي
جرى الكثير من الكتاب في دراية الرجال والباحثين عن أحوالهم
وأوضاعهم لما يعود لجهة اعتبار أقوالهم وعدمه إلى عنونة بحوثهم بعنوان له
مدلول العلم والقانون المحدد.
وهذه العناوين على اختلافها جعلت البحوث الرجالية مصاديقا لعلم
مستقل على حد سائر العلوم التي لها موضوعها الخاص وقوانينها الخاصة.
فتارة تعرف بأنها علم يقتدر به على معرفة أحوال الخبر الواحد صحة
وضعفا وما في حكمها بمعرفة سنده ورواة سلسلته...
وتارة تعرف بأنه العلم الباحث عن رواة الأخبار الواردة عن رؤساء الدين
من حيث الأحوال التي لها مدخل في الرد والقبول.
وتارة أخرى بأنها ما وضع لتشخيص رواة الحديث.. إلى غير ذلك من
التعاريف التي أصبحت هذه البحوث خاضعة معها لهذه المقاييس والقواعد
الداخلة تحت كبرى علم الرجال.
35

لذا تراهم يعللون تضعيف شخص ما وعدم العمل بما يرويه بأنه لم يوثق
صريحا أو لم يثبت كونه شيخ إجازة أو وكيلا أو انه لم يقع في سند رواية أحد
أصحاب الاجماع.
وكأن القضية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقاعدة بما هي قاعدة لا بما تكشف
عنه مما سنوضحه ونبينه.
إلا أن هذا لا يعني اننا نريد ان نعدم الضوابط والمقاييس إذ بدونها لا
يتصور الالتزام بوثاقة أحد من الرواة.
وإنما نريد قوله هو عدم وجود قانون أو قاعدة تعبدية صرفة أو ما أشبه
ذلك يدور التوثيق والتضعيف مدارها وجودا وعدما.
وبعبارة أخرى لا يوجد لدينا علم لدراية الرجال بالمعنى الدقيق بل غاية
ما ينبغي قوله هو ان البحث الرجالي يتعلق بدراسة أوضاع وأحوال كل شخص
في عمود زمانه التاريخي وتجميع القرائن والملاحظات حوله بما يورث نوعا
من سكون النفس واذعانها بصدق الرجل والتزامه الدقة والضبط وعدم تجرئه
على الوضع والافتراء والكذب وسواء سمي هذا الاذعان علما أم لا.
ولقد أجاد شيخ مشايخنا المفيد (قدس سره) حيث عرف العلم بأنه
سكون النفس ومن هنا فإننا نلتزم بوجود فقه للرجال مرتبط ببحث ما تقدم بيانه
وبأنه لا علم لدينا لدراية الرجال بما لهذه الكلمة من معناها الحرفي. ومن هنا
قد يرد تضعيف في حق شخص ما مع اننا نلتزم بوثاقته والعمل برواياته نظرا
لملاحظة القرائن والأحوال المرتبطة بذلك الشخص وحمل ما ورد فيه من
تضعيف مثلا على صورة ضعف العقيدة وفسادها وما شابه ذلك.
فالقرائن السلوكية والاجتماعية واللفظية تدخل كباب من الأبواب التي
يعرف الرجل من خلالها.
36

ورواية الاجلاء عن شخص تدخل في حساب احتمال صدقه.
وشهادة القدماء أو المتأخرين بأمانة آخر تدخل في حساب احتمال
صدقه أيضا.
كما أن اطلاع الراوي على أسرار المعصومين وأحوالهم الخاصة أو
العامة فضلا عن كونه وكيلا من قبلهم يدخلان كعامل في إبراز هوية الراوي.
وأيضا فان كيف الرواية ونوعها ومدى انسجامها مع الخطوط العامة
للتشيع ومع ظروف كل أمام وبحسب عصره تشكل عاملا مهما في اقتناص
أمانة الراوي ورزانته ودراسة الحاضر بمقبول ما فيه ومستغربه تشكل أسا آخر
لحكم ما على راو ما فسهل بن زياد من باب المثال ممن ورد فيه تضعيف وذم
ومع ذلك يلتزم بوثاقته لكونه من مشايخ الإجازة المعروفين والناقلين الناشرين
لأحاديث أهل البيت (رض) إلى غير ذلك مما يدعو إلى القول بوثاقته كما انك
ستعرف الحديث عنه مفصلا في الخاتمة.
وأيضا فقد يكون الذم تارة أحد قرائن صدق الرجل وعلو مقامه وشموخ
شأنه مع ملاحظة سائر ظروفه وما قيل فيه.
فهذا زرارة بن أعين مثلا ممن ورد فيه اللعن والذم والتشهير (1) مع أنه
من أجل الأصحاب وأبرزهم والذي ورد فيه أنه من أحب الناس إلى المعصوم
وان الجنة تشتاق له وأن الشريعة كادت تندرس لولاه (2).

(1) منه ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (.. يا عمار أتعرف هذا
الرجل؟ قلت لا والله إلا أني نزلت ذات ليلة في بعض المنازل فرأيته يصلي صلاة ما
رأيت أحدا صلى مثلها ودعا بدعاء ما رأيت أحدا دعا بمثله فقال لي هذا زرارة بن
أعين هذا من الذين وصفهم الله عز وجل في كتابه فقال: * (فقدمنا إلى ما عملوا من
عمل فجعلناه هباء منشورا) * وفي غيرها ان الامام لعنه ثلاثا وفي آخر ان ايمانه عارية
وأنه شر في اليهود والنصارى. الخ راجع اختيار معرفة الرجال - ص 151.
(2) كرواية عبد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حق زرارة (... فإنك
والله أحب الناس إلي وأحب أصحاب أبي حيا وميتا..) - اختيار معرفة الرجال
ص 139.
37

فإنه بالنظر إلى جميع ما ورد فيه وبتأمله يظهر وجه القدح فيه خصوصا
في تلك الظروف التي يؤخذ فيها الرجل على الظن والتهمة ولمجرد احتمال
ارتباطه بالأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
فإنه ليس إلا لاجل حفظهم ودرء المخاطر عنهم نظرا لجلالة أمرهم
وأهميتهم العليا بالنسبة لأمور المذهب بحيث أريد من إبراز المذمة والقدح
إيهام السلطة الحاكمة بعدم ارتباطه بالأئمة.
بينما لو أريد ان يتعامل مع هذه النصوص معاملة قانونية لأمكن دعوى
وقوع التعارض بين هذه الروايات والتوقف في العمل بروايات عظيم من قبيل
زرارة بن أعين (رض).
ومنه يظهر ان حقيقة البحث الرجالي من الحقائق الطبيعية الواقعية
المرتبطة بملاكات واقعية من حيث البحث ومن حيث النتيجة المستخلصة ولا
يوجد لدينا قانون الزامي أو قضايا جعلية تعبدية بأزيد مما عرفت.
ومن هنا قد يتحد أشخاص عدة في شخص واحد وإنما أو همت
تراجمهم المتعددة ونتيجة بعض الاختلافات الجزئية كقول الرجالي في مكان
انه بصري وفي آخر انه كوفي ان هناك عدة أشخاص بنفس الاسم واللقب
والكنية مع أنه بملاحظة بعض الشواهد يتبين ان الجميع شخص واحد ذو
أحوال متعددة وأوضاع مختلفة.
فبالحقيقة نحن بحاجة إلى دراسة عامة لكل مفردات الرجل الذي يراد
توثيقه أو تضعيفه فلا تفريط بحيث تؤدي إلى المناقشة في الواضحات وذكر
الوجوه نقضا وإبراما كما حصل مع الشهيد (قدس سره) حيث ناقش في دلالة
لفظ الصدوق على الوثاقة بحجة ان لها معنى آخر تدل عليه.
ص 139.
38

ولا إفراط يؤدي كذلك إلى توسعة دائرة التضعيف والتوثيق ولأي علامة
تذكر أو بارقة تلوح.
بل إننا اعتمدنا في مبانينا المختارة على مبنى وسط بين المسلكين
المتقدمين فإنا نهدف من خلال بحوثنا إلى تحصيل الاطمئنان والركون إلى
وثاقة الشخص أو عدمه.
وعلى ذلك يبتني عملنا من حيث الاعتماد فتوائيا وفقهيا ولذا فإن ما تقدم
من تقسيم الحديث بلحاظ راويه إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف - مع عدم
المشاحة في الاصطلاح - مما لا نؤمن به كمناط للعمل والاعتبار.
نعم اننا نعتمد الصحيح في حال تعارضه مع ما هو دونه صحة من باب ما
ورد في أخبار العلاج في الاخذ بالأصدق والأعدل والأورع.. وهو أمر
آخر...
39

النقطة الثالثة
في أهمية البحث الرجالي
وأهمية بحوث دراية الرجال لا تقل أهمية عن البحوث الأصولية لتوقف
الاستنباط عليها كما يتوقف على غيرهما وذلك لان جل الاحكام التي بين
أيدينا وصلت عبر الروايات المسندة بأسانيد غير مقطوعة الصحة والاعتبار
ويحتاج تنقيح الصحيح منها إلى نطر دقيق وعناية فائقة لمعرفة صحة الطريق
إلى الراوية ليصبح إسنادها إلى المعصوم جائزا والعمل بمقتضاها مقبولا.
نعم قد لا يكون للمباحث هذه أهمية فائقة بالنسبة للمعاصرين للمعصوم
سواء تلقوا الرواية منه مباشرة أو عبر واسطة واحدة وذلك لامرين:
الأول - كون الحديث مسموعا لديهم مباشرة من المعصوم واستفادة
الحكم لا تحتاج إلى أكثر من سماعه وتدبره.
الثاني - شياع الاحكام آنذاك خصوصا ما كان محل ابتلاء لدى الأصحاب
بحيث يسهل معرفتها وبغض النظر عن الناقلين ولسهولة الاطلاع على الحقيقة
من نفس المعصوم.
41

ولذا نجد بعض الروايات تشير إلى هذا المعنى كقوله (عليه
السلام) (أنتم الفقهاء إذا عرفتم معاني كلامنا) فالفقيه آنذاك لا يحتاج إلى
إعمال عناية بأكثر من التدبر في كلامهم (عليهم السلام) ومعرفة الحكم
والمراد منه.
بينما يختلف الحال تماما في عصرنا إذ أن أهم الكتب الروائية الناقلة
لاحكام الشريعة المطهرة عبارة عن الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة.
وهذه الكتب قد وردت بأسانيد منها البعيد الواسطة ومنها القريب وما
دامت غير قطعية الصدور أو صحيحة - كما هو المختار - توقف الاستنباط لا
محالة على إبراز بحوث وقواعد لتشخيص ما يعمل به من غيره، ولولا ذلك
لتوقفت سفينة الاحكام والعمل بها إلا من خلال دعاوى أخر لا تنفك محتاجة
إلى هذه البحوث من قبيل الدعوى القائلة بانسداد باب العلم والعلمي بالنسبة
للرجال. فإن أصحاب هذه الدعوى هم أيضا بحاجة إلى تشخيص المظنون من
المشكوك والمحتمل الصحة ليعمل به من باب قاعدة الضرورات تتقدر
بقدرها.
وهذا لا يتم إلا بملاحظة الأحوال المتعلقة بالرجال الواقعين في سند
الأدلة.
ومن هنا تكون أهمية البحث الرجالي ذات قيمة عليا معتد بها ولذا جاز
القدح في الراوي بإبراز الوضاع والكذاب وان استلزم هتك الستور أو إشاعة
الفاحشة إلا أن ذلك لاجل صيانة الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها
ونفيا للكذب والخطأ عنها (1).
ولنعم ما ذكره العلامة في الخلاصة من أن العلم بحال الرواة من أساس
الأحكام الشرعية وعليه تبتني القواعد السمعية يجب على كل مجتهد معرفته

(1) البداية في علم الدراية للشهيد الثاني - ص 62.
42

وعلمه ولا يسوغ له تركه وجهله (1).
وتتأكد أهمية البحوث الرجالية تبعا لما اخترناه من حقيقتها. واما على
ما يمكن ان يدعى من الالتزام بأصالة العدالة أو الوثاقة وثبوت الأولى منهما
بظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق ومن دون شرطية الملكة وما قاربها كما
نسب للشيخ في الخلاف (2).
أو دعوى أن الكتب الأربعة كلها صحيحة أو قطعية الصدور بل إن
البعض التزم بوثاقة كل من له كتاب.
فإنه بناء عليه لن يكون للبحث الرجالي أهمية تذكر فدعوى قطعية صدور
الكتب الأربعة لا تبقي مجالا لهذه البحوث بقدر ما تصبح القضية مرتبطة
ساعتئذ بأخبار العلاج وبحوث التعادل والتراجيح.
نعم يبقى نحو مجال للبحث في خصوص الاحكام الواردة خارج الكتب
الأربعة إن لم تسري الدعوى المذكورة إليها كما هو مبنى البعض.
وأيضا فان ما التزم به جمع من الاعلام من تصحيح كل ما عمل به
المشهور وان رواه الضعيف وترك العمل بما أهمله المشهور وان رواه الثقة
الثبت يكاد يعدم دور هذه البحوث بالكلية إلا في خصوص الموارد التي لا
شهرة فيها.
ووجه ذلك واضح من خلال دوران الاعتبار والعمل مدار هذه القاعدة
وجودا وعدما إلا انك عرفت وفي طيات مباحثنا الأصولية عدم صحة هذه
الدعوى كبرويا.
وغاية الامر فيما يتعلق بالبحث الرجالي ان الشهرة المذكورة تشكل رقما
احتماليا مساعدا يضاف إلى ما أستفيد من ملاحظة وتتبع أحوال الراوي.

(1) الخلاصة ص 2.
(2) رجال الطريحي - ص 24.
43

وكذا الحال عند كل من آمن بإمكان التعبد والجعل في الطرق والامارات
ووقوع ذلك فإنه يمكنه اعمال قاعدة تعبدية في المقام لتوثيق الرواة أو
تضعيفهم على ما ستعرفه مفصلا - بينما على ما اخترناه من حقيقة هذه البحوث
وانها عبارة عن التتبع التاريخي لأحوال وسلوك الرجل يكون الامر دقيقا
وشائكا وصعبا للغاية إذ اننا سوف نتعامل مع كل شخص مستقلا وعلى حده.
مما قد يجعل ولكل شخص من الرواة رسالة خاصة به ولذا ترى ان من نحى
هذا المنحى قد ألف رسائل مستقلة في أحوال جملة من الرجال كأبي بصير
وبني فضال وقد يأخذ البحث بحال روا تبعا لظروفه ردحا من الزمن لاستقصاء
النتيجة النهائية فذاك المجلسي الأول قد بحث في أحوال أبي بصير مدة أربعين
سنة قائلا بأنه يتعذر أو يتعسر على أحد الاطلاع على ما اطلع إليه.
ومن هنا تندفع جملة من الاشكالات المطروحة لاثبات عدم الحاجة
للبحث الرجالي تارة بدعوى لزوم فضح معايب الناس والتجسس عليهم مع
صدور النهي عن ذلك شرعا نهيا مؤكدا.
وتارة بدعوى العلم الاجمالي بزوال العدالة ولو آنا ما عند كل الرواة أو
جلهم خصوصا على القول بأنها ملكة.
وتارة بدعوى عدم قبول شهادة الفرع عندنا إذ أن أرباب الرجال أخذوا
تعديلاتهم وتضعيفاتهم من كتب أو شهادات غيرهم وهي غير مسموعة ولا
محسوسة إلى غير ذلك مما قيل ويقال.
ووجه الاندفاع ما عرفت من أن الذي نملكه في الرجال للفقه أقرب منه
للعلم وللبحث أقرب منه للقاعدة والقانون بحيث نتوخى من ذلك تحصيل
الاطمئنان العادي وجعل النفس تركن إلى النتيجة المتحصل عليها من خلال
البحث الرجالي.
سواء استلزم ذلك قدحا أو فضحا أو كانت النتائج مستخلصة من شهادة
44

الفرع أو الأصل.
وذلك صونا للشريعة كما عرفت ولجري العقلاء وفي مثل المورد
المبحوث عنه على مقتضى ما تركن إليه النفوس وتطمئن به القلوب.
45

النقطة الرابعة
في صحة القول بالتعبد والجعل في الطرق وعدمها
ساد بين المحققين في بحوثهم الرجالية والأصولية الحديث عن الجعل
والتعبد في الطرق والامارات بحيث أصبح عند بعضهم من مسلمات الوقائع ثم
اختلفت ألسنة تخريج ذلك نظرا لما أسسوه من أن جملة من الطرق ومنها خبر
الواحد لا يفيد أكثر من الظن وانه لا سبيل للعمل بمقتضى هذه الطرق إلا
بالتعبد.
وهذه النتيجة تنافت مع ما أسسه وأدركه العقل من عدم جواز العمل
بالظن وترتيب الأثر عليه ناهيك من ذلك قوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به
علم) * وقوله تعالى: * (ان الظن لا يغني من الحق شيئا) *.
وأيضا فإن الالتزام بتخصيص أو تقييد هذه القاعدة مما لا مجال للبحث
فيه فضلا عن التصديق به إذ لا يعقل التخصيص أو التقييد في الاحكام
والمدركات العقلية - ومن هنا اضطر بعض إلى الالتزام بجعل الظن علما تعبديا
تنساق الحجية إليه بشكل تلقائي ومن دون مساس بالمحذور المتقدم مدعيا ان
هذا من التصرف بموضوع حكم العقل لا بالحكم مباشرة.
47

واضطر آخر إلى الالتزام بما يشبه هذه المقالة من دعوى أن الشارع تمم
كشف الامارة الناقص وجعله علما كما هو مقتضى بعض الأدلة من قبيل (...
من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا..) إذ انه (عليه السلام) جعل
الناظر في حلالهم عارفا بالاحكام ولو لم تثمر سوى الظن.
وذهب آخر إلى تبرير ذلك بما أسماه بالمصلحة السلوكية الناشئة من
السير على طبق الامارة والعمل بمقتضاه رغم عدم افادتها سوى الظن.
وكل ذلك نشأ من أصل الايمان بالتعبد والجعل في الطرق. وهذه
الدعوى مرجعها بالحقيقة إلى دعوى جعل غير الواقع والناقص تكوينا كاملا
وإسناد ذلك إلى الشارع بينما لا أصل ولا فرع لهذه الدعوى بل إن كل ما ورد
عندنا مما ظاهره ذلك هو عبارة عن نوع إرشاد إلى جملة أمور واقعية ارتكازية
ومناطات عقلائية ثابتة جرى على طبقها بني النوع قديما وحديثا وبغض النظر
عن أي تعبد أو جعل.
فالجري على طبق الطرق لا لجعل حجية لها في البين بل لكونها طرقا
حقا وموصلة للواقع بنحو من الوصول المعتبر.
فحال القائلين بالتعبد المذكور حال القائل (أتعبدك بوجود الشمس)
والحال إنها موجودة.
ان قلت - ان إفادة الخبر للظن ليست من جهة احتمال الكذب لينقض بأنه
فرع عدم إحراز الوثاقة بل من جهة طرو السهو والنسيان عليه مما يجعل خبره
لا يفيد أكثر من الظن.
قلنا - انه تارة يراد من ظنية خبر المخبر ان قيمة التصديق عندنا من اخبار
الثقات هي الظن وتارة يراد منها اقتران الخبر دائما بما قد يمنع من انكشاف
الواقع من سهو وغيره فلا يثمر معه سوى الظن.
48

فإن أريد به الأول فدعوى حصول الظن وبغض النظر عن الثاني غير
مسلمة لان الاطمئنان الحاصل من اخبار الثقات لا ينبغي التشكيك به.
وان أريد به الثاني فالدعوى تصبح أجنبية عن المدعى إذ أي ربط بين ان
يفيد خبر الواحد اطمئنانا للنفس بصدق ما أخبر به وبين عدم انطباق ما أخبر به
على الواقع خارجا. لان مدار العمل على الأول لا الثاني.
هذا فضلا عن بناء العقلاء على أصالة عدم الغفلة والخطأ والنسيان لا من
جهة تعبد من البين بل من جهة كونها ارتكازات وأصول عقلائية يعمل بها فيما
شاكل هذه الموارد.
وبهذا تعرف ان كل ما يرد مما ظاهره التعبد بالطرق لا بد من حمله على
الارشاد إلى أمور ومرتكزات ثابتة يعمل العقلاء بها. بمقتضى سجيتهم وعلى
جريهم الطبيعي ونذكر ههنا جملة مما قد يظهر منه ما أدعي مع الجواب عليه:
الأول - ما ورد بلسان لزوم الاخذ بما خالف العامة لان الرشد في
خلافهم وهو عبارة عن روايات عدة:
منها - ما ورد في كيفية علاج الخبرين المتعارضين عن الصادق (عليه
السلام) (.. فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما
وافق اخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه) (1).
والجواب - ان كون الرشد في خلاف العامة هو من الحقائق الواقعية
الثابتة في صقع الخارج ولذا يقول صاحب دلائل الصدق المظفر (رحمة الله
عليه) اننا عندما نريد تضعيف رواية من روايات العامة نستشهد بأقوال
رجالييهم حيث تبين ندرة وجود الخبر التام والصحيح عندهم وبالتالي لا رشد
في رواياتهم من جهة عدم ثبوتها حقيقة وواقعا كما أن تعمد العامة مخالفة
* (هامش) (1) الوسائل - ج 18 ص 84 حديث 29. (*)
49

الشيعة وعلى مر التاريخ يجعل ما عندهم قرينة على صحة ما خالفهم عندنا.
ويشهد لذلك مرفوعة أبو إسحاق الجرجاني قال (قال أبو عبد الله (عليه
السلام) أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة. فقلت لا أدري فقال:
ان عليا (عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره
إرادة لابطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشئ الذي
لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا على الناس) (1).
وكذا يشهد له ما في معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (ما أنتم والله على شئ مما هم فيه ولا هم على شئ مما أنتم فيه
فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شئ) (2).
وهذه الرواية صريحة جدا في أن مخالفتهم إنما هي لاجل انهم ليسوا في
الحق والرشد في شئ واقعا لا تعبدا والبحث في لوازم الاستدلال اشكالا
ودفعا مما ليس محله ههنا.
بل يمكن دعوى ظهور جملة (فان الرشد في خلافهم..) في بطلان ما
عندهم حقيقة.
الثاني - ما ورد في الاخبار العلاجية أيضا بلسان لزوم الاخذ بالمجمع
عليه وترك الشاذ النادر.
حيث قد يدعى التعبد بالأخذ فيما اشتهر بحيث كاد يكون إجماعا.
والجواب - ان جواز الاخذ ووجوبه ليس من جهة التعبد بذلك بل من
جهة كون المجمع عليه حقا وصادرا واقعا ولذا فقد ورد في ذيل بعض
الروايات المتعلقة بهذا الوجه (.. فان المجمع عليه لا ريب فيه) وهو تعليل
صريح في نظره إلى ما ذكرناه.

(1) الوسائل - ج 18 ص 83 حديث 24.
(2) الوسائل - ج 18 ص 85 حديث 32.
50

الثالث - ما ورد في الاخبار العلاجية أيضا من لزوم الاخذ بالأورع
والأصدق والأفقه وما شاكل مما يتخيل منه تعبد الشارع بلزوم ذلك.
والصيح انه كسابقه وإنما لزم الاخذ بما ورد من باب أو ضحية الحق
وشدة بيانه ولا شك في عمل العقلاء طبيعيا بما هو كذلك لو عارضه ما هو دونه
وضوحا وبيانا.
الرابع - ما ورد بلسان الارجاع إلى الرواة ما ظاهره بدوا التعبد بالطرق
والامارات لظهور الامر في ذلك وهو عبارة عن مجموعة روايات:
أ - ما ورد في رواية مسلم بن أبي حبة (.. فلما أردت ان أفارقه ودعته
وقلت أحب أن تزودني فقال إئت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا
فما رواه لك فاروه عني) (1).
ب - ما ورد في بعض التوقيعات الشريفة (.. لا عذر لاحد من موالينا
في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرنا ونحملهم إياه
إليهم) (2).
والرواية وان سيقت بجمل خبرية إلا أن المراد منها - كما هو المدعى -
عدم جواز التشكيك بما يرويه الثقة ولزوم الاخذ به تعبدا.
ج - ما رواه ابن المهتدي عن الرضا (عليه السلام) (.. اني لا ألقاك في
كل وقت فعمن آخذ معالم ديني؟ فقال خذ عن يونس بن عبد الرحمن) (3).
د - ما ورد عن بعض المعصومين من قوله (عليه السلام) في حق بعض
أجلة الرواة (.. أطع له واسمع فإنه الثقة المأمون).

(1) وسائل ج 18 ص 106، باب 11 حديث 30.
(2) نفس المصدر حديث 40 ص 108 باب 11.
(3) الوسائل ج 18 باب 11 ص 107 حديث 34.
51

ووجه الاستدلال بها جميعا كما عرفت هو التمسك بظاهر الامر في لزوم
الانصياع إليهم فيما يقولون وهو تعبير آخر عن الحجية التعبدية.
وفيه أن الامر إنما يحمل على ظاهره فيما لا قرينة صارفة له عن ذلك وفي
المقام نجد ان الإمام (عليه السلام) يعلل ما أمر به بعلل ارتكازية معهودة حيث
عقب الامر بالطاعة بقوله.. (فإنه الثقة المأمون) مما يدل على الإحالة على أمر
مركوز ولا ظهور معه في تأسيس نحو من أنحاء التعبد.
وكذا ما ورد في التوقيع الشريف حيث ذيل بجمل لا داعي لذكرها لو
كان الامر على ظاهره وإنما ذكرت لبيان ان المأمون ومن تركن النفس لخبره
ممن ينبغي العمل بقوله كما هي العادة والمعهود.
وفي بعض الاخبار ما يدل دلالة واضحة على ارتكازية العمل باخبار
الثقات حيث ورد فيها (.. أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني)
وما دامت العلل الارتكازية فلا بد أن يكون المعلل إشاريا وارشاديا إلى ما هو
المركوز وكما يقال في غير موضع مما ناظر البحث.
ولذا نجد الفقهاء يعرضون عن الكثير من الاخبار للاطمئنان بعدم
صحتها أو غير ذلك مع أن في سندها من لا مطعن فيه ولا مغمز.
ان قلت إن ما ذكرتموه غير مرة من إفادة الخبر للاطمئنان والعلم العادي
وكما صرح به الحر العاملي في فوائده ينافي تقديم الأورع على من هو دونه مع
إفادة خبر الأخير للاطمئنان وكذا يورد على المشهور عند طرحهم لرواية رواها
الثقات والاجلاء.
قلنا - ان إفادة الخبر في نفسه للاطمئنان شئ ووجود خبر وقرينة أخرى
تنافيه شئ آخر فإن الاطمئنان بما هو سكون للنفس يعقل فيه التشكيك لكون
السكون المذكور من الكليات ذات المراتب المشككة.
52

ومن الطبيعي عقلائيا تقديم من يكون أدعى لسكون النفس وأشد
لاطمئنان القلب مع كون الآخر داخل في كلي الاطمئنان.
ومما ذكرناه يتضح الحال في كثير من الروايات المتوهم منها وقوع
التعبد خارجا خصوصا في جملة من المسائل الأخلاقية التربوية كما هو الحال
فيما ورد من أن المؤمن لا يعتذر أو أنه لا يمل من طلب العلم عمره كله
وغيرهما من الأدلة.
فإنها ليست واردة لاثبات حقيقة تعبدية بعدم صدور الاعتذار أو عدم
الملل من التعلم من المؤمن لبداهة وقوع ذلك خارجا.
وإنما تنظر إلى بيان أمور واقعية ثابتة في نفسها من قبيل ان المؤمن
الواقعي لا يترقب صدور الذنب منه لشدة استحكام ملكة العدل فيه والتزامه
بتعاليم الشريعة ورسومها وكذا يقال في طلب العلم وما شاكلهما من موارد.
فإنها جميعا ترجع إلى ما بيناه وأوضحناه بما لا مزيد عليه. فتأمل جيدا.
* وبهذا يتضح ان البحث الرجالي لا يرجع إلى قواعد تعبدية وأسس
الزامية بقدر ما هو تحصيل الاطمئنان والقرار النفساني بصدق الراوي وبهذا
يندفع ما ذكره بعض من أن قبول قول الرجاليين لا يخلو من كونه لاحد وجوه:
اما من باب الحجية المستفادة من آية النبأ وغيرها وهي لا تدل على أكثر
من حجية خبر العدل أو قد يقال باختصاصها بباب الاحكام.
وأما من باب الشهادة على الوثاقة والضعف ومعه يحتاج إلى التعدد كما
في غير ذلك من الموارد.
وأما من باب حجية فتوى المفتي ومعه لا بد من توفر شروط المفتي.
وأما من باب حجية الظنون الرجالية للانسداد ومعه لا حجية لغير
المظنون.
53

أو من باب رجوع أقوال الرجاليين إلى قول أهل الخبرة ومعه لا بد من
إحراز كون الناقل من أهل الخبرة في هذا الفن فضلا عن عدم إفادة خبر الخبير
للاطمئنان دائما بما يخبر ويحدس به.
ووجه الاندفاع ما عرفته من إننا نبغي في البحث الرجالي اقتناص أمانة
الرجل ووثاقته وتحرزه عن الكذب فيما يرويه بنحو تسكن إليه النفس مما
يجعل العمل على طبق النتيجة المستخلصة من الأمور العقلائية الطبيعية والتي
لم يثبت الردع عنها.
وبذلك تكون النتيجة العملية أوسع دائرة مما قيده في تقسيمه المتقدم.
54

فرع. في الانسداد واعتبار الظن الرجالي.
ومحصل هذه الدعوى يتبين من خلال مقدمة:
وهي ان باب العلم والعلمي قد انسد بالنسبة إلى ما يتعلق بالتوثيق
والتضعيف من جهة بعد زماننا عن زمان الرواة أو لكون التوثيقات الصادرة عن
القدماء لا يعلم أن منشأها الحس وان كانوا من قدماء الأصحاب كالشيخ
والنجاشي والمفيد.
والعلم الاجمالي بوجود تكاليف الزامية لا بد من الخروج عن عهدتها لا
ينحل إلا بعلم أو علمي والحال انسدادهما.
والعمل بكل ما ورد مظنونا كان أو مشكوكا أو محتملا مستلزم للعسر
والحرج المنفيين بأدلة الشرع الحنيف.
ويدور الامر ساعتئذ بين العمل بالمظنون أو بالمشكوك والمحتمل مع
تسليم كغاية كل منهما لحل العلم الاجمالي ولا ريب في تعين الأول وإدراك
العقل لحجية العمل بالمظنون شرعا وهو نوع من التعبد المدرك سواء كان من
باب الكشف أو الحكومة.
55

وقد ذهب إلى القول بالانسداد جمع غفير من الأصحاب.
وهذا القول لو تم يثمر في امكان الاعتماد على المراتب الثلاثة الأخيرة
من مراتب التوثيق الآتية في الباب الثاني من المقصد لحصول الظن منها غالبا
بالوثاقة.
بينما لم نقبل ذلك على المبنى المختار وكما ستعرفه في محله.
إلا أن دعوى الانسداد فاسدة من جهات:
الأولى - ان القول بالتعبد في الطرق مما لا نقبله رأسا لأنه من جعل غير
الواقع واقعا اللهم إلا أن يقصد من حجية العلم بالظن - مع تسليم الانسداد -
مجرد إحراز المعذرية والأمن من العقاب لعدم سبيل إلى غير ذلك لحرج
وعسر وما شاكل وهو أمر آخر.
الثانية - منع كبرى هذه الدعوى من حيث النتيجة لأنها لا تثمر حجية
مطلق المظنون بل إن الحجية خاضعة للمرتبة التي ينحل فيها العلم الاجمالي
فقد يتطلب ذلك العمل بخصوص الظن الاعلائي أو قد يلزم العمل باخبار
مشكوك الوثاقة وهكذا.
الثالثة - ان كبرى هذه الدعوى مما لا نقلبها أساسا لعدم تسليم انسداد
باب العلم والعلمي بل إنا ونتيجة ولما اخترناه من حقيقة البحوث الرجالية
ندعي إمكانية حل العلم الاجمالي بالمقدار الذي يثبت لدينا إضافة إلى جهات
أخرى يحرز العلم بالحكم فيها لقرائن وامارات وأدلة لا تعود إلى الروايات
وأخبار الآحاد.
الرابعة - ان نتيجة القول بالانسداد غير متعينة في نفسها لامكان تحصيل
الظن من غير ما ورد في الرجال قدحا ومدحا إذ يمكن تحصيل الظن بل اليقين
أحيانا من خلال عمل المشهور وعدمه ومعه لا تتعين حجية الظن الرجالي
56

بالمعنى المراد.
وبهذا يتضح ان دعوى انسداد باب العلم والعلمي في باب الرجال مما لا
يعود إلى محصل ولا يثبت بها نحو تعبد أو جعل شرعي قد يدعى في المقام.
هذا آخر ما أردنا إثباته في المقدمة.
57

المقصد
ويشتمل على ثمانية أبواب:
الباب الأول - القول في أصالة العدالة والوثاقة.
الباب الثاني - القول في مراتب التوثيق والتضعيف.
الباب الثالث - في قيمة توثيقات الاعلام وأرباب الدارية.
الباب الرابع - في صحة دعوى وثاقة رواة جملة من الكتب وعدمها.
الباب الخامس - القول في وثاقة من روى عنه أحد أصحاب الاجماع.
الباب السادس - القول في تقديم الجرح على التعديل وعدمه.
الباب السابع - القول في قطعية صدور الكتب الأربعة أو صحتها.
الباب الثامن - القول في جملة أمور أدعي دلالتها على الوثاقة.
59

الباب الأول
القول في أصالة العدالة والوثاقة
وهذا البحث يفيد - لو تمت كبراه - في جملة موارد:
منها - ما لو كان الراوي مجهول الحال أو مهملا قد ثبت وجوده
الزماني.
ومنها - ما لو ورد في الراوي ذم لا يعود لجهة الوثاقة.
ومنها - ما لو تعارضت الأقوال في الراوي قدحا ومدحا ولم نقل بترجيح
أحدهما على الآخر.
وهذان الأصلان يفترقان في أن أصالة الوثاقة لو تمت فلن تفيد الملتزمين
بالعمل باخبار خصوص العدل كصاحب المدارك وغيره من الأصحاب وهذا
بخلاف الأصل الأول فان تماميته تلازم تمامية الثاني كما لا يخفى لثبوت وثاقة
من ثبتت عدالته بالأولوية.
فههنا بحثان:
61

* الأول - في أصالة العدالة.
* الثاني - في أصالة الوثاقة.
البحث الأول - في أصالة العدالة:
ويقع البحث في مقامين:
أ - في أصل شرطية العدالة في العمل بأخبار الرواة.
ب - في ثبوت الأصل المذكور.
أ - في أصل شرطية العدالة:
وقد حققنا ذلك في مباحثنا الأصولية وذكرنا انه لم يتم دليل على اعتبار
العدالة كشرط في جواز الاخذ برواية الراوي وان الوثاقة تكفي في جواز الاخذ
وفاقا لجمع كثير من محققي المتأخرين بل وجمهور المتقدمين على ما ادعاه
الشيخ من عمل الطائفة بخبر الثقة المتحرز عن الكذب وان كان فاسقا في
جوارحه ولا بأس بذكر نبذة مما قد يستدل به لاثبات شرطية العدالة وغايته أحد
أمرين:
الأول - دعوى اشتهار العمل عند الأصحاب بخصوص خبر العدل دون
غيره إلا انك عرفت عدم صحة هذه الدعوى لا قديما ولا حديثا أما الأول فلما
تقدم من قول الشيخ (قده) واما الثاني فلاشتهار العمل باخبار الثقات بين
المتأخرين بل كاد يكون إجماعا.
الثاني - التمسك بمفهوم آية النبأ المستفاد من قوله تعالى: * (يا أيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما
فعلتم نادمين) * بدعوى أن الآية الكريمة تضمنت جملة شرطية ذات موضوع
وحكم وشرط والحكم هو لزوم التبين والموضوع هو طبيعي النبأ والشرط
مجيئ الفاسق به. وهي دالة بمنطوقها على عدم حجية خبر الفاسق مطلقا وان
62

كان ثقة. وبمفهومها على حجية خبر غيره وهو خصوص العدل.
والشروط المطلوبة لثبوت المفهوم متوفرة لان الموضوع بحسب الفرض
هو طبيعي النبأ والمحفوظ مع بقاء الشرط وعدمه وبالتالي لا تكون
الشرطية هنا مسوقة لتحقيق موضوعها والجواب على الاستدلال المتقدم يقع
من وجوه عدة:
الأول - ان جعل موضوع الحكم بالتبين طبيعي النبأ غير متعين في الآية
لاحتمال أن يكون الموضوع هو الفاسق والشرط هو المجئ بالنبأ ويكون انتفاء
الشرط مساوقا لعدم النبأ والموضوع المحفوظ وهو الفاسق لا تثبت له حجية
بما هو فاسق بل المتعقل ثبوتها لخبره المنفي بحسب هذا الفرض.
ان قلت إن هذا الاحتمال ساقط في نفسه لعدم تعقل كون الفاسق
موضوعا للتبين بما هو.. قلنا إن ذلك يتجه فيما لو أرجعنا الحكم بالتبين إلى
الفاسق بمعنى لزوم الفحص عن أن فسقه مرتبط بجهة الاعتماد عليه من حيث
الكذب والافتراء أم لا أم انه ليس كذلك ويكون التعليل في ذيل الآية شاهدا
لهذا الاحتمال وتكون الآية بمنطوقها بصدد بيان ان الفاسق ليس موضوعا
للاعتماد مطلقا ويكون الذيل مفصلا لمورد جواز الاعتماد وبعبارة أخرى يكون
نظر الآية لاثبات ذلك لا لنفيه عن غيره كي يتمسك بالمفهوم كما أنه يحتمل
كون الموضوع هو خصوص نبأ الفاسق والشرط هو المجئ به ومع انعدام
الشرط ينعدم الموضوع وتكون الآية من قبيل الجملة المسوقة لتحقيق
الشرط ينعدم الموضوع وتكون الآية من قبيل الجملة المسوقة لتحقيق
موضوعها وقد عرفت في بحوثنا الأصولية عدم وجود مفهوم للجمل المسوقة
كذلك ومع عدم تعين أحد من هذه الاحتمالات الثلاثة تصبح الآية مبتلاة
بالاجمال إن لم يدعى ظهورها في أحد الاحتمالين الأخيرين.
وثانيا - انه لو سلم انعقاد مفهوم لها بشرط أو وصف فإنما يتم لو لم
يتصل بالجملة الشرطية قرينة تصرف المفهوم عن ظهوره في الاختصاص بخبر
العدل وفي المورد توجد قرينة متصلة على عدم اختصاص الحجية المدعاة
63

بالعدل وهي قوله تعالى في ذيل الآية المباركة الظاهر في التعليل (ان تصيبوا
قوما بجهالة) مما يدل على أن عدم الاعتداد بخبر الفاسق لجهة تأديته إصابة
الناس بما هو غير محمود اعتمادا على خبر من لا يركن إليه ولا يعتمد عليه.
وهذه العلة تجعل خبر الثقة خارجا عن دائرة المنطوق في عدم حجية
خبر الواحد الفاسق مطلقا.
وذلك لان خبر الثقة مما اعتمده العقلاء قديما وحديثا وساروا على
مقتضى قوله ورتبوا الآثار العامة والخاصة عليه كما أن اعتماد خبره من
المرتكزات الثابتة في ذهن العقلاء والمتشرعة على السواء.
وهذا الارتكاز مع التعليل المتقدم يحتم حمل الامر الوارد بالتبين على
الارشاد إلى لزوم التثبت في أخبار غير المعتمدين.
وثالثا - انه لو سلم تمامية المفهوم وعدم قدح الوجه الثاني فيه فغايته
ثبوت إطلاق في المنطوق وهو قابل للتقييد بالقرينة الارتكازية المتقدمة. فضلا
عن أن الارتكازيات تشكل قرائن متصلة بالخطاب تمنع الاطلاق فيه من رأس.
ثم لو سلم انعقاد اطلاق في المنطوق يشمل الثقة وانعقاد المفهوم في
حجية خصوص خبر العدل فيمكن تقييد اطلاق المنطوق بالمزيد من القرائن
الدالة على جواز الاعتماد على أخبار الثقات وذلك لان مدلول المفهوم ذو
صفة إيجابية تثبت عدم لزوم تبين خبر العدل ولا يتنافى مع ثبوت عدل آخر
بقرينة منفصلة مستثنية من اطلاق المفهوم.
ورابعا - ان أصل الاستدلال بالآية على شرطية العدالة ممنوع تبعا لما
نقحناه أكثر من مرة بإفادة الخبر الصادر من الثقات للاطمئنان ولزوم التبين
الوارد في الآية وسواء كان من باب الحكم أو من باب الارشاد مختص بموارد
الجهل وعدم الوضوح والثبوت ومع دعوى إفادته للاطمئنان لا يبقى للفحص
والتبين موضوع لخروج خبر الثقة عنه تخصصا...
64

هذا تمام الكلام في المقام الأول.
المقام الثاني - في أصالة العدالة:
والبحث فيها يرتبط بالمباني المتصورة في حقيقة العدالة والمعقول منها
ثلاث:
الأول - انها ملكة نفسانية راسخة من مقولة عرض الكيف النفساني.
الثاني - انها عبارة عن ظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق وينسب للشيخ
في الخلاف (1) وهذا القول يتلاءم مع تفسيرين:
أ - ان يراد بعدم ظهور الفسق عدم ظهوره ولو من جهة عدم الاطلاع
والفحص وهذا المعنى هو الظاهر من العبارة.
ب - ان يراد بعدم ظهور الفسق عدمه بعد التثبت من حال الرجل من
خلال تتبع أفعاله وملاحظة سائر مفردات سلوكه والتي تعكس بمجملها حالة
فعلية ظاهرة هي ما يسمى بالعدالة ولعله مقصود الشيخ (قده).
الثالث - ما اخترناه من أنها حالة وسطى بين مؤدى القول الأول والظاهر
من الثاني فلا يشترط رسوخها كملكة كما لا يكفي في تحققها مجرد عدم ظهور
الفسق بالمعنى الأول للمبنى الثاني.
بل إن انعكاس تشريعات وقوانين الشريعة على سلوك الفرد من خلال
ممارسته لاحكامها كحضور الجماعات والمناسبات وما شاكل يعتبر شرطا في
ثبوتها أو انكشافها به وبهذا تكون العدالة من الصفات الوجودية التي تحتاج
إلى محرز وليست هي الاسلام مضافا لامر عدمي محض هو عدم الفسق
وستعرف ان هذا يؤثر على صحة وطبيعة الاستدلال القادم وعدمه.

(1) رجال الطريحي ص 19.
65

وعلى أي حال فعمدة ما يمكن الاستدلال به لاثبات الأصل المذكور
أحد أمور ثلاثة:
* الأول - التمسك باستصحاب عدم الفسق.. وتوضيحه.
ان العدالة وكما عرفت من الصفات الوجودية التي يصح ان ينعت بها
المرء حقيقة وما يقابلها وهو الفسق كذلك. والراوي وإن لم يتصف قبل بلوغه
بإحدى الصفتين لان الانعكاس الذي تثبت به العدالة فرع التكليف وكذلك
بالنسبة للصفة الأخرى.
إلا أن اتصافه بعدم الفسق - ان صح التعبير - ثابت فيجري استصحابه
لاثبات العدالة لعدم الواسطة.
وجوابه:
* إن استصحاب عدم الفسق ان أريد به استصحاب عدم الفسق المحمولي
الثابت قبل وجود الراوي فيرد عليه أمور:
أ - ان هذا الاستصحاب لا يجري في نفسه لكونه من الاستصحاب الأزلي
ولان الأثر الشرعي مترتب على العدم النعتي لا العدم المحمولي مباشرة.
ب - انه لو سلم جريانه فلا تثبت به العدالة لان المستصحب أمر عدمي
محض إذ لا يعقل إرادة عدم الفسق بالمعنى الوجودي المتقدم من الاحتمال
الثاني لعبارة الشيخ مع فرض العدم قبل وجود الراوي.
* وان أريد من استصحاب عدم الفسق المحمولي إثبات عدم الفسق
النعتي وبما هو وصف له بعد وجوده من جهة ان استمرار العدم المحمولي إلى
حين وجود الراوي يلازم العدم النعتي فيرد عليه.
أ - انه في الأصل المثبت لان التلازم عقلي.
ب - ان العدم النعتي الذي يراد إثباته بالاستصحاب لا يلازم العدم
66

النعتي بالمعنى الوجودي فهو لو تم لا يثبت العدالة بالمعنى المختار.
نعم بناء على التفسير الأول لكلام الشيخ المتقدم وتمامية الأصل المثبت
في نفسه يصح ذلك.
ومع ذلك فلا حاجة إليه لان عدم الفسق المشترط في العدالة على
المختار عند الشيخ بناء على استظهاره من العبارة يكون ثابتا بالوجدان ولا
معنى لجريان الأصل لتثبيت ما هو ثابت. فضلا عن أن أدلة الأحكام الظاهرية
مأخوذ في موضوعها عدم العلم والجهل.
* وان أريد من استصحاب عدم الفسق استصحاب عدمه النعتي وبما هو
وصف للراوي فهو لا يتم من حين البلوغ على المختار من أن العدالة أمر
وجودي يكتشف من ظهور الانعكاس الشرعي على السلوك العام للفرد.
وذلك لعدم إمكان اتصاف الفرد فيها إلا بمضي برهة زمنية تتفاوت
بتفاوت الاشخاص بل ولو سلمنا ذلك من جهة إمكان ثبوت الانعكاس لحظة
البلوغ نظرا لسلوك الفرد المتميز قبل البلوغ وعلى طبق مقتضيات الشريعة فإنه
لا يجدي في جريان الاستصحاب نفعا.
أما بالنسبة للصورة الأولى فلان معنى الفترة الزمنية المتفاوتة وبحسب
الاشخاص يؤدي معها لاكتشاف العدالة وجدانا ولا معنى معه للاستصحاب
الأصل.
وأما بالنسبة للصورة الثانية فلانها أخص من المدعى ولا تؤسس أصلا
يرجع إليه في جميع الافراد كما هو المدعى. ولكون العدالة مكتشفة وجدانا
كذلك مع عدم الشك نعم يرد بناء على التفسير الأول لعبارة الشيخ زيادة على
ما ذكر أن الاستصحاب المذكور من الأصل المثبت لأنه لو تمت الملازمة بين
عدم الفسق النعتي بالمعنى المذكور وبين العدالة فلا تكون إلا عقلية كما لا
يخفى.
67

* الثاني دعوى عمل الأصحاب في قبول واعتبار الرواة بحسن الظاهر
الكاشف عن سلامة الباطن مما يدل على التزامهم بأصالة العدالة.
وقد تقدم بطلان هذه الدعوى كبرى وصغرى.
أما صغرى فلعدم ثبوت ذلك كيف لا وقد أتعب الرجاليون والفقهاء
كالشيخ والنجاشي وغيرهما أنفسهم ردحا من الزمن في تنقيح مجهول الرواة
من معروفهم وعدلهم من فاسقهم ولو ثبت ما ذكر لكفاهم ذلك مؤنة البحث
وكلفة الطلب.
وأما كبرى فلأننا لا نلتزم بثبوت ما أثبته المشهور ما لم يورث لنا يقينا
بصحة الاستناد وتمام المبنى خصوصا في مثل المقام حيث يعلم مدركهم
ومدار استنادهم.
ثم إن حسن الظاهر المذكور في الاستدلال مجمل من حيث المراد فان
أريد منه حمل ما ظهر من الرواة مما يحتمل الحسن والقبح على الحسن فهو
وان صح اجمالا إلا أنه أجنبي تماما عن أصالة العدالة وما نحن فيه.
وان أريد منه حمل الحسن ظاهرا على الحسن الواقعي بعد التثبت من
الحسن والصحة فهو عبارة أخرى من العدالة المكتشفة ولا ربط له بأصل
موضوعي يثبت في الراوي من حين بلوغه.
الثالث - استفادة ذلك من مجموع النصوص الواردة بلسان لزوم حمل
الناس على الأحسن والأفضل ولزوم تصديق المؤمن وبلسان مدح المؤمن
الاذن المصدق كما ورد في حق نبينا عليه وعلى آله أفضل السلام في قوله
تعالى: * (ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) * (1)
وغير ذلك من الألسنة المشابهة.

(1) سورة التوبة، الآية: 62.
68

وجوابه - ان المستدل به أجنبي تماما عما نحن فيه.
فحمل فعل المسلم أو المؤمن على الأحسن والأفضل شئ وأصالة
العدالة شئ آخر فالأول يجري في أفعال وممارسات المسلم المحتملة لوجوه
من المحامل والثاني يجري ولو لم يظهر منه أي عمل والصحيح ان هذه
الألسنة عبارة عن أحكام أخلاقية تربوية ولذا لا يصدق المؤمن بل ولا الصديق
لو قامت بينة على عكس مقالته ودعواه بل انها عبارة عن نصائح وإرشادات إلى
كيفية التعامل الاجتماعي ولزوم التغاضي عن تبني الاحتمالات السيئة فيما
تردد وجهه إدامة لاجتماع بني النوع وتخفيفا لمشاكلهم وهي من المسائل التي
لها جنبة ملاكية واقعية ومن دونها لا يسلم مجتمع من الحروب والفتن والدمار
والخراب.
ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الأدلة بلزوم تصديق المؤمن على قوله
ولو شهد عليه خمسون قسامة بخلاف مقالته مع أن هذا خلاف المجمع
والمتسالم عليه بل انه بصدد بيان ضابطة أخلاقية في مقام التعاطي وانه لا
يحسن للمسلم مواجهة أخيه بالتكذيب والتشكيك والذم رغم نفيه وتكذيبه
وكذا يقال في الآية المباركة.
وأين هذا من أصالة العدالة التي يراد بها ترتيب آثار يقوم عليها بنيان
الشرع القويم والدين الحنيف.
البحث الثاني - في أصالة الوثاقة:
ولا يراد بالوثاقة هنا ما قابل الكذب بمعنى ان كل غير كاذب ثقة. بل إن
المراد منها يتضح مما سبق من أن الوثاقة كالعدالة من الصفات الوجودية
المنتزعة من حقيقة خارجية فإن عدم الكذب وإن كان أمرا عدميا إلا أننا لا
نكتفي به. لاثبات الوثاقة لشخص ما.. بداهة ان البالغ مثلا لا ينعت بالوثاقة
ولو لم ينطق بكلمة.
69

وإنما يصح ذلك بعد استقراء أحاديثه من حيث مطابقة الواقع وعدمها
ومن حيث اعتماده على مقدمات موضوعية تساوي النتيجة التي أخبر عنها.
فربما طابق كلامه الواقع ولكنه غير ثقة لعدم بنائه على الاخبار بما يطابق
الواقع وإنما صادف اخباره ذلك.
وكذلك فقد لا يطابق كلامه الواقع ولكنه لا يمنع من اتصافه بالوثاقة
لجهة اعتماده على مقدمات موضوعية صالحة لتصحيح النتيجة التي أخبر
عنها.
فتحصل ان بين مطابقة الواقع في إخبار مخبر ما، وبين اتصافه بالوثاقة
عموم وخصوص من وجه.
ومنه يتعمق لديك عدم استفادة الوثاقة بالمعنى المذكور لمجرد إجراء
استصحاب يدعى ولو بلحاظ مرحلة ما قبل البلوغ.
بل يرد عليه زائدا على ما تقدم في بحث أصالة العدالة من أن استصحاب
عدم الكذب هنا لا ينتج الوثاقة لأنها من الصفات الوجودية والمستصحب أمر
عدمي محض.
ولأنه لو سلمت الملازمة فهو من الأصل المثبت غير الثابت.. ويرد
زائدا:
أولا - ان استصحاب عدم الكذب يتلائم مع حالتين ترتبطان بالمراد من
عدم الكذب فتارة يراد منه عدم الكذب في الراوي ولو لم يتحقق حاله بان لم
يتكلم بعد أو انه تكلم بما لا كفاية فيه لاكتساب الوثاقة كصفة وحالة وجودية
فههنا لا يفيد استصحاب العدم المذكور لكون الوثاقة أمرا وجوديا
والمستصحب أمرا عدميا محضا كما عرفت.
وتارة يراد من عدم الكذب المستصحب عدمه في الراوي بعد تحقق حاله
70

ومراجعة مفردات سلوكه وفعاله المتعلقة بجانب الوثاقة.
وههنا لا يفيد أيضا لأنه يكون مكتشف الوثاقة وجدانا ومعه لا معنى
لاجراء أصل مجعول في ظرف الشك والحيرة.
وثانيا - ان الاستصحاب لو تم جريانه فإنما يجري في كل مورد له حالة
سابقة متيقنة وهو غير المطلوب إذ المدعى ثبوت أصل يعاد إليه في مثل
المهمل والمجهول وكل قابل الاتصاف بالوثاقة ولو لم نعلم له حال سابقة من
هذا القبيل.
وثالثا - ان الوثاقة من الأمور والحقائق غير المرتبطة بالشارع وان اعتبرها
أو اعتمدها لا حقا كشرط للعمل والجري.
وهذا بخلاف العدالة إذ قد يدعى هناك انها من الأمور النسبية ونسبيتها
في المقام بلحاظ تشريع المشرع فالسالك على الجادة الوسطى وبلحاظ تشريع
وضعي لا يتصف بالعدالة بلحاظ التشريع السماوي.
ومما عرفت من واقعية الصفة المتقدمة يظهر لك وجه صحة نعت الصبي
بالكذب والوضع أو الوثاقة والأمانة بينما لا يصح ذلك في العدالة.
وأما عدم ثبوت العقاب عليه بدليل رفع القلم وغيره فهو لا ينافي ما ذكر
والوجه فيه أن رفع العقاب بملاك رفع الحكم عنه منة واشفاقا لا يرفع
الموضوع.
ويؤيد واقعية صفة الوثاقة ما يذكر في اللغة من أنها بمعنى الاعتماد ومنه
يقال (وبه ثقتي) ولا ريب في كون الثقة ممن اعتمد العقلاء حديثه وركنوا إليه
قديما وحديثا وبضم هذا إلى ما سبق من عدم قبول الطرق للتعبد والجعل
وإنما يحمل ما ورد ظاهره ذلك على الارشاد يتحصل كفاية الوثاقة في الاعتماد
على الراوي وهذا المعنى اللغوي هو أحد المنبهات على صحة نظريتنا القائلة
بإفادة الخبر للاطمئنان لو صدر عن الثقة. إذ لا اعتماد على ما يفيد الظن شرعا
71

ولا عقلا.
مع انك عرفت كون ديدن الناس والعقلاء على العمل باخبار الثقات
وترتيب الآثار المختلفة على مقتضيات اختباراتهم وليس ذلك إلا لركون
نفوسهم إلى اخبارهم.
- ومن مجموع ما ذكر يتحصل ان دعوى إثبات الوثاقة كأصل في الراوي
دونها خرط القتاد.
كما أن عدم صحة ذلك لا تلازم ثبوت أصالة الكذب في المخبر لما
عرفت من أن كلتي الصفتين من المعاني الوجودية المحتاجة إلى مثبت من
خلال تتبع أحاديث الراوي وملاحظة مفردات سلوكه.
ومن هنا تراهم في بحوثهم الرجالية ينعتون من لم يتحقق حاله
بالمجهول أو المهمل -.
ان قلت إنه يلزم من عدم انطباق مفهوم الوثاقة ولا مفهوم الكذب على
البالغ ارتفاع النقيضين وهو من المحالات الأولية.
قلنا إن الوثاقة لا يقابلها الكذب تقابل النقيض لنقيضه ليلزم ارتفاعهما
معا بل وكما عرفت أن الكذب من الصفات الوجودية أيضا وإنما الكذب يقابل
عدمه. وعدمه أيضا أعم من ثبوت الوثاقة وعدم ثبوتها.
وذلك لان عدم الكذب يلائم العدم فيمن لم يتكلم أصلا أو تكلم بما لا
يكفي لبيان حاله أو من اقتنصت الوثاقة من مجموع سلوكه وفعاله.
- ان قلت - ان لازم دعوى كون الصدق والكذب من الحقائق الخارجية
التي لا تنالها يد الجعل والاعتبار بل هي موجودة بواقعها ينافي قولكم بإمكان
انتفاء الصفتين عن الراوي ولو واقعا قلنا إن الحقائق الخارجية على قسمين:
الأولى - حقائق خارجية لا تنالها يد الجعل إلا أن ادراكها يكشف عن
72

وجودها السابق المتقرر في صقع الواقع كسائر الكليات العقلية من قبيل
قضية (النقيضان لا يجتمعان) وغيرها فادراكها ليس إلا طريق للكشف عن
ثبوتها ووجودها الخاص والمستقل.
الثانية - حقائق خارجية لا تنالها يد الجعل إلا أن ادراكها لا يكشف عن
وجودها دائما كصدق الراوي في مورد فإنه لا يلازم وجد صفة الوثاقة تبعا لما
سلكناه في معناها وكيفية تحققها.
نعم لو تتبعنا أحوال شخص ما فقد تنكشف لنا وثاقته وفي نفس الوقت
يقبل الاتصاف بها لا قبله.
فتحصل ان واقعية الصفتين لا تعني ثبوت أحدهما على كل حال
خصوصا أنهما ليسا من قبيل الضدين) اللذين لا ثالث لهما. نعم يرد هذا
الاشكال لو كانت من الحقائق المندرجة في القسم الأول مع عدم فرض حالة
ثالثة وهو كما ترى.
73

الباب الثاني
في مراتب التوثيق والتضعيف
- لما كنا بنينا على عدم ثبوت الجعل والتعبد في الطرق أو في قواعد
أخرى أسست أو قوانين نقحت كان لهذا البحث فائدة جلية إذ لن يكون ما
ظاهره التوثيق علامة على الصدق مطلقا ولا التضعيف علامة على الكذب
كذلك.
بل رب لفظ ينساق منه بدوا معنى ما أو قد نص أرباب الأصول
والمعاجم على معنى معين له إلا أنه بالتأمل يظهر له معنى مغاير لما ذكروه
وذلك من خلال تتبع القرائن الحالية واللفظية الروائية وغيرها وسائر ما هو
مكتنف وملابس للالفاظ الصادرة والدالة على المدح أو القدح.
فلا بد لتحصيل المراد الجدي والنهائي من التدقيق في مناسبات
الاستعمال والغرض منه وملاحظة السير التأريخي لاستعمال الألفاظ
والتحولات العامة التي شهدتها العصور الغابرة وان بقيت الألفاظ حاليا على
معناها التي وضعت له أساسا. ولا بأس بذكر مقدمة تتعلق باللفظ والمعنى
وكيفية تحصيل المراد.
75

نقول إن حقيقة الاستعمال هي إيراد اللفظ كمرآة لإرادة معناه بحيث
يكون فانيا ومندكا فيه.
ان قلت إن الألفاظ الحاصلة من اصطكاك حجرين وما شاكل كالنائم
والمجنون ومن لا قصد له كذلك هي ضرب من الاستعمال.
قلنا هناك فرق بين الايراد والورود فالاستعمال نحو إيراد اللفظ لإفادة
المعنى وبعبارة أخرى فان قصد الافناء دخيل في الاستعمال شرطا أو شطرا
ومن هنا لا يكون تلفظ النائم وشبهه من الاستعمال في شئ.
وان قلت إن ما ذكرتموه مخالف لتبادر المعاني من الألفاظ مطلقا ولو
صدرت من النائم والساهي والمجنون.
قلنا إن هذا أجنبي عن الاستعمال فان تبادر المعنى من اللفظ فرع عملية
الاقتران الشديد والمؤكد بين اللفظ والمعنى بحيث يصبح في البين أنس ذهني
بينهما ينتقل الذهن من أحدهما إلى الآخر وهو ما يسمى بالتبادر.
إلا أن هذا ليس استعمالا ولذا لا يذهب عاقل إلى تسمية التلفظ الناشئ
من اصطكاك حجرين استعمالا مع حصول التبادر وكما عرفت.
وفي هذه المرتبة المسماة بالاستعمال يتعلق المجاز كما تتعلق بها
الحقيقة لان المجاز هو قصد افناء اللفظ في غير ما هو له وغير ما يعكسه اللفظ
أولا وبالذات. لا يقال ان قصد الافناء يلازم إرادة إفهام المخاطب ولو
باحضاره صورة اللفظ في ذهنه مع أنه ربما يتكلم بكلام مع نفسه وتحضر
صورته في ذهنه تلقائيا من دون وجود أي مخاطب...
لأنه يقال ان قصد الاخطار منفك عن قصد الافناء فرتبة الكلام حال
الاستعمال رتبة أولى وهي مغايرة لقصد اخطار المعنى في ذهن السامع فإنه يقع
في الرتبة الثانية.
76

كما أنه ليس كل قاصد لاخطار معنى ما يريده بالمراد الجدي والنهائي
ولذا صح قصد اخطار ألفاظ بمعانيها الحقيقية مع قرائن تدل على مجازية
المراد فقصد الاخطار أجنبي عن المراد النهائي وان كان كلا منهما منتزعا من
حال المتكلم وسياق كلامه.
فالمراد الجدي يقتنص كمرتبة أخيرة للكلام من حيث المراد.. وهو
متطابق غالبا مع قصد الاخطار من جهة غلبة تطابق المذكور والمراد. ومن هنا
يعبر عن ذلك بأصالة التطابق بين المدلول التصديقي الأول والمدلول
التصديقي الثاني أي المراد الجدي والنهائي.
إلا أن هذه الأصالة والتطابق ليس إلزاميا ومن هنا نشأت أهمية البحث
في الألفاظ فان المراد يتكيف بنوع وكيف القرائن التي تسانح اللفظ وتلابسه.
ومن هنا كانت لا بدية البحث في كل لفظ وفي حق كل راو على حدة لاكتناف
اللفظ الواحد بملابسات في مواضع لا توجد في غيرها.. وبحسبها تختلف
النتيجة المستنبطة من لفظ واحد بحسب اختلاف الموارد.
وبعد هذا يقع البحث في مقامين:
المقام الأول - في مراتب التوثيق.
المقام الثاني - في مراتب التضعيف.
المقام الأول - في مراتب التوثيق:
وهي كثيرة جدا بتكثر الألفاظ الواردة إلا أننا سنذكر أربعا منها ويمكن
إرجاع أغلب ما فيه دلالة على الوثاقة إليها.
الأولى - ما دل على الوثاقة تصريحا كقولهم في الراوي (ثقة) أو مأمون
77

أو ثقة ثقة مكررا أو صدوق.
ولا ريب في ثبوت الوثاقة بالمعنى المبحوث عنه بهذه الألفاظ لظهورها
بل صراحتها فيها بل نقل عن بعض دعوى إرادة العدل الامامي منها في مصطلح
أرباب الرجال فلفظ صدوق مثلا من صيغ المبالغة في الصدق فكيف يقال ان
لها معنى آخر تحتمله.
ثم إنه لو سلم ذلك فإنما يصار إليه مع القرينة الصارفة عن المعنى الظاهر
أو الصريح - ان قلت إن الوثاقة والأمانة وكما يحتمل عودهما إلى النقل
واللسان يحتمل عود الأول إلى الوثاقة في الاعتقاد وكونه إماميا ثبتا وعود
الثاني إلى الأمانة بمعنى انسجام أحاديثه مع ما يترقب صدوره من قبل الأئمة
الأطهار.
قلنا إن هذا الاحتمال ههنا غير وارد إذ لا رباب الرجال لنعت
صحيح العقيدة بالثقة وان صح بلحظات بل المتتبع في كلماتهم يرى أنهم
استعملوها في كل مورد كانت الوثاقة ثابتة بالمعنى المطلوب إثباته.
واما اطلاق الأمانة على ما ذكر فبعيد جدا لعدم تعارف إطلاق اللفظ على
ذلك ولظهورها في الدقة في النقل ان يكن بالمزيد منها ولان أرباب الرجال
لم يطلعوا على كل روايات الرواة وفي جميع الأصول الأربعمائة لعسر ذلك
كما لا يخفى.
ومعه كيف يمكن دعوى أن المراد من الأمانة انسجام أحاديثه مع ما
يترقب صدوره ولو لكونه منسجما مع الخطوط العامة للتشيع.
- ان قلت إن ظهور الوثاقة بالمعنى المطلوب كما هو المدعى يتنافى مع
زيادة أرباب الرجال في عدة موارد لقيد (في الحديث) أو (فيما يرويه) على
توثيقه مما يدل على أعمية لفظ (ثقة) من المطلوب وغيره.
قلنا إنه لما كان من أهم مطالب الرجاليين معرفة الثقات من غيرهم
78

وكانت العبارة ظاهرة جدا فيما نريد بعد إرادة معنى آخر إلا مع قرينة تحدد
ذلك واما زيادة قيد (في الحديث) وما شاكل فهو من باب زيادة التوضيح
والتفسير ولد ورد (ثقة ثقة) مكرره ولعل الدافع إلهي أيضا كون المقول فيه ذلك
من العامة مما قد يتوهم معه المنافاة مع الصدق والأمانة فيؤتى بهذه القيود
تنبيها واستداركا.
كما هو الحال في العديد من العامة الذين ورد فيهم التوثيق.
ففي ترجمة أحمد بن بشر يذكر النجاشي [ثقة في الحديث واقفي
المذهب].
وفي ترجمة أحمد بن الحسين [كان فطحيا غير أنه ثقة في الحديث].
وفي ترجمة الحسن بن أحمد بن المغيرة [.. كان عراقيا مضطرب
المذهب وكان ثقة فيما يرويه].
الثانية - ما دل على الوثاقة ضمنيا كقولهم في الراوي - عظيم الشأن وجه
من وجوه أصحابنا - جليل القدر - عظيم المنزلة وما شاكلها من ألفاظ.
وهذه الألفاظ مما لا نستشكل في دلالتها على الوثاقة وإن لم تناظر
القسم الأول دلالة إذ أننا لم نقبل التعامل الحرفي والجمود على مؤدى اللفظة
لغة بل شرطنا دراسة السير التاريخي للكلمة وملاحظة الأحوال التي تقال فيها.
والمتتبع خارجا لمراد استعمالات مثل هذه العبارات يكتشف ان المراد منها
توثيق أصحابها ضمن شهادتهم العامة بل إثبات انهم في أعالي رتب
الوثاقة...
وقد يورد ان لفظ عظيم الشأن أو جليل القدر قد يطلقان على من كان
عند العامة كذلك مع أنه قد يكون المتصف بذلك عندهم من أكبر الوضاعين
والمفترين على الأئمة والتشيع.
79

والجواب اننا لا نقبل بل لا نعقل ذلك النجاشي أو الشيخ لمثل هذه
الكلمات في حق عامي ولا يقيد ذلك في كتابه بل يبعد جدا نعته بهذه العبارة
مع ثبوت كذبه وضلاله كما لا يخفى على المتأمل..
الثالثة - ما دل على الوثاقة دلالة ظنية كقولهم في الراوي صحيح
الحديث أو وجيه أو من علمائنا أو من أصحابنا أو كان فاضلا..
وهذه الألفاظ وما شاكلها لا يعتمد عليها بمفردها ومن دون قرائن أخرى
تنضم إليها.
والوجه في ذلك أن توصيف شخص بصحة الحديث ينسجم انسجاما
مقبولا مع إرادة الصحة والاستقامة في كيف ونوع الأحاديث التي يرويها مع
الخطوط الكبرى للتشيع.
وبعبارة أخرى يكون نظر الشاهد إلى طبيعة المخبر به لا المخبر وإن
احتمله وكذا فإن لفظ وجيه أو من علمائنا وغيرهما من العبائر المشابهة تطلق
على الفاسق مطلقا فضلا عن الكاذب كما يلاحظ ذلك من استقراء موارد
استعمالاتها - نعم ان لهذه الألفاظ قيمة احتمالية معتد بها للكشف عن حقيقة
الرجل من حيث الوثاقة إلا أنها لا تشكل بمفردها عاملا متكاملا لتوثيقه.
إن قلت كيف يتصور أن يقول النجاشي وأضرابه في حق شخص ما انه
من أصحابنا أو من علمائنا وهو من الكذابين الوضاعين.
قلنا إن الامر ليس منحصرا في الاحتمال المذكور بل يكفي لنعته بذلك
كونه إماميا عالما معاصرا غير معلوم الحال عندهم.
ودعوى تلازم الفضل والعلم والصحبة مع الوثاقة مما لا تكاد تقبل
أساسا وان شكلت إحدى القرائن الاحتمالية كما عرفت.
وفي جملة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) مزيد دلالة على
80

بطلان الملازمة وهل يشك أحد في أن علي بن أبي حمزة أو أبا جميلة
المفضل بن صالح كانا من الرواة وحملة العلم ومع ذلك ورد فيهم اللعن
والتكذيب والتضعيف.
الرابعة - ما دل على الوثاقة دلالة احتمالية كقولهم في الراوي بأنه ذو
أصل أو كتاب أو كان خيرا أو رحمه الله أو حسن..
وهذه الألفاظ ملحقة بالقسم السابق من حيث عدم الاعتماد عليها في
التوثيق إذ لا ملازمة عقلية أو عادية أو عرفية بين تأليف كتاب وبين الأمانة
والوثاقة وملاحظة الخارج شاهدة على صدق النقض.. فكم من الكتاب
الوضاعين المفترين. على التشيع وعلى أئمة أهل البيت وبألبسة أهل البيت
وبسياق مدحهم.. ويستطيع الناظر المريد مراجعة ما كتب في هذا المجال
ليتحقق من صحة المقال بل إن أرباب الرجال كالنجاشي قد نصوا في طيات
كتبهم على ذلك.
واما توصيف الراوي بالخير والصلاح فهو مما لا يدل على التوثيق وان
احتمله لصدق ولو بجهة ما كانفاقه على الفقراء والمساكين مثلا أو تعاهده
للمؤمنين بزيارة مرضاهم والسير في جنائزهم وما شاكل ذلك.
ومن الواضح عدم التلازم بين هذه الأفعال وان حسنت ورجحت وبين
الأمانة والوثاقة.
اللهم إلا أن يدعى الملازمة بين كل من فيه محمدة ما وبين عصمة لسانه
وهذا مما لا يترقب صدوره من عاقل فضلا عن فاضل.
وكذا يقال في الترحم فإنه يصح على كل ذي منة وإحسان وفضل على
الاسلام والمسلمين مطلقا ما لم يدخل المقول فيه ذلك تحت عنوان موجب
لعدم جواز ذلك كغاصب خلافة أو قاتل للنفوس المحترمة.. أو المدخل
للبدع في دين الله وان كان لأولئك فضل ما على الاسلام من جهات أخرى.
81

ولاذ نجدان الصادق (عليه السلام) قد ترحم على كل من زار
الحسين (عليه السلام) فيما نقل عنه...
هذا تمام ما أردنا بيانه من مراتب التوثيق.. واما الألفاظ التي لم تذكر
فهي ما لا يخلو الامر فيها من العود إلى أحد هذه الأقسام فيتعامل معها كما
بينا..
المقام الثاني - في مراتب التضعيف:
وهي كثيرة مستفادة من عبائر القوم المختلفة وخصوصا أصحاب الكتب
الرجالية الأربعة وسنحاول حصر هذه الأقسام والمراتب في أربعة:
الأولى - ما كان صريحا في تكذيب الراوي ونسبة الوضع والافتراء إليه
كأن يقال فيه - كذاب - وضاع - مفتر...
ولا شبهة في الاعتماد على مثل هذه التضعيفات لصراحتها في العود إلى
جارحة النطق. وقد جرت عادة الأصحاب في مثل المقام على طرح روايات
الذين يرد فيهم مثل ذلك.
إلا أن ذلك وعلى إطلاقه مما يمكن الخدشة فيه ووجه ذلك استبعادنا
وجود شخص لم يصدق في حياته ولو مرة.
وعليه كان للنظر في روايات أولئك وملاحظة ظروف صدور الرواية
وطبيعتها ومدى انسجامها مع الخطوط العامة لفقه الأئمة أهمية فائقة قد تدعو
في بعض الأحيان إلى العمل بها رغم وجود عدد من الضعفاء والمتهمين فيها.
وهذا لعله من أفضل التخريجات والتفاسير لعمل المشهور بروايات ورد
في أسانيدها من هم كذلك.
82

الثانية - ان يصرح بضعفه مطلقا بان يقال فلان ضعيف وما رادفها من
ألفاظ.
وهذا التضعيف لا ثمرة فيه إلا صلوحه كشاهد على عدم الاعتماد على
روايات من قيل فيه ذلك وفي كل مورد لم يرد إلا هذه العبارة.
وهذا لا معني ثبوت كذب الراوي بها بل غايته عدم صحة الاعتماد على
رواياته والوجه فيه أن كلمة ضعيف أو ما رادفها ليست صريحة في إرادة إثبات
كذبه لاحتمال عودها إلى غير ذلك مما يجعل أي معنى محتمل محتاج إلى
قرينة تحدده والمحتملات في هذه العبارة أربعة:
أ - ان يراد منها الضعف في كيف الحديث بمعنى ان أحاديث الراوي لا
تنسجم مع الخطوط الكبرى للائمة أو انه تفرد برواية ما يرويه.
ب - ان يراد منها الضعف في العقيدة بمعنى فسادها لوقف أو فطح أو
بتر.. أو لعدم كونه من الامامية مطلقا.
ج - ان يراد منها انه ينقل أحاديث أهل البيت عن الرواة مطلقا دون ان
يعتمد الصحاح والثقات منهم فان ذلك كان مذمة في الراوي ردحا من الزمن
ولذا نجد أن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرج البرقي من قم لاعتماده
الضعاف.
د - ان يراد منها الضعف في الحديث بمعنى الوضع أو الافتراء
والكذب.
ومن الواضح ان هذه العبارة إنما يعتمد عليها كأساس للتضعيف
المطلوب لو ظهر منها الاحتمال الأخير.. وأنى لنا بإثبات ذلك.
ان قلت إن ظاهر حال أصحاب الرجال إرادة الاحتمال الأخير إذ لا معنى
لادراج الألفاظ الدالة على غيره وهم بصدد بيان أحوال الرجال من حيث
83

الوثاقة وعدمها قلنا إن ذلك يلجأ إليه إن لم يكن عملهم إلا به مع اننا نجدهم
ذكروا وخصوصا النجاشي مجمل أحوال الرجال وذكروا أحيانا من الأمور ما لا
ربط له بالتوثيق والتضعيف وعدمهما.
هذا فضلا عن أنهم نعتوا فاسد العقيدة بالضعيف وكذلك من لا يهتم
عمن ينقل كما هو الحال في البرقي.
بل إن النجاشي يصرح في أول كتابه انه إنما كتب كتابه لاجل إعابة العامة
علينا بعدم وجود مصنف عندنا في الرجال وأحوالهم.
ومن هنا لو ورد توثيق لراو قيل فيه ذلك يؤخذ به ويجعل قرينة على إرادة
أحد الاحتمالات الثلاثة من العبارة..
الثالثة - ان يستفاد التضعيف صريحا أو لازما من العبائر ولكن بخصوص
منشأ ما لا مطلقا وهو على نحوين:
أ - ما يعود إلى معتقده كالتصريح بكونه فطحيا أو بتريا أو وأفقيا.
ب - ما يعود إلى سلوكه ولا يكون الظاهر منه إرادة ما يرتبط بالجهة
القولية كما هو الحال في ألفاظ اللعن أو التشبيه بالحيوانات كما هو الحال في
ابن أبي حمزة البطائني حيث ورد في حقه [يا علي أنت وأصحابك أشباه
الحمير].
أو نعت الراوي بالمجفو أو التخليط.
وهذا كله لا يثمر في إثبات الضعف بالمعنى المبحوث عنه اما في القسم
الأول فلما عرفت من كفاية الوثاقة مطلقا في صحة الاعتماد وان فسدت سائر
جوارح الراوي وأما الثاني فلعدم ظهور تلك الألفاظ بحسب الفرض فيما نحن
بصدده وان كانت أشد ذما وأبرز قدحا.
ولصدق الجفاء والذي هو من الاعراض بإعراض الأصحاب عنه لانفراده
84

بروايات ما أو اعتماده على الضعاف كما عرفت ذلك في البرقي مع أنه من
عيون الأصحاب وأجلهم.
وكذا يقال في التخليط فإنه يصدق ذلك على من خلط في كتبه سقيما
وصحيحا سندا وكيفا.. أو انه كان في معتقده مخلطا بين الحق والباطل.
الرابعة - ما يلحق بالتضعيف الاحتمالي وهو ما لم يظهر منه تضعيف
ككون الراوي مجهولا أو مهملا..
ويفترق اللفظان في أن الأول له ذكر في كتب الرجال بينما لا أثر للثاني
فيها وقد يعكس التفسير كما أن الأول يناسب معنيين:
* أ - من فحص أرباب الرجال عن حاله ولم يتبين لهم فيه توثيق أو
تضعيف فنصوا على مجهوليته.
* ب - من لم يفحص عن حاله أصلا فإنه ممن يصح نعته بالمجهول إذ أن
الجهالة بلحاظ الفاحص لا بلحاظ الواقع لعدم تصورها كذلك.
وهذا القسم الأخير لا دلالة فيه على التضعيف لما عرفت من عدم ثبوت
الجهالة الواقعية بل لا يخلو الامر من كونه ثقة أو انه ليس كذلك والأخير أعم
من ثبوت الكذب وعدمه أيضا.
فعدم نص أرباب الرجال على وثاقته ونعته بالمجهول أو كونه مهملا في
كتبهم لا يعني ضعفا فيه واقعا.
وهذا الشيخ الصدوق فإنه لا يكاد يوجد في حقه توثيق بالمعنى المطلوب
مع كونه ممن در عليهم فلك التشيع.
ان قلت إنه لا ثمرة في هذا القسم وسابقه طالما لا يتلازم عدم توثيقه مع
ضعفه وطالما لا يجوز لنا الاعتماد على روايات أولئك المندرجين تحت هذين
القسمين.
85

قلنا بل توجد ثمرة مهمة كبرى في البين وهو ان عدم ثبوت شئ من
خلال العبارات المذكورة ينقح لنا صغرى لكبريات يستفاد من مجموع ذلك
توثيقا ومدحا ككون أصحاب القسمين الأخيرين واقعين في سند أحد أصحاب
الاجماع.. إلى غير ذلك من الوجوه. وأيضا فإنه لو عثر على توثيق لافراد
هذين القسمين يؤخذ به لا محالة لعدم التنافي بين ما يعود لجهة قولية وما لا
يعود كذلك كما عرفت تحقيق ذلك.
وهناك فوائد أخرى نتعرض لها في طيات بحوثنا القادمة...
كما أن هذه التقسيمات يمكن ان تزداد وتتعدد بتعدد الألفاظ الواردة إلا أنه
لما كان الغرض من هذه البحوث إعطاء ضوابط وإشارات إجمالية بعيدة عن
التطويل الممل والايجاز المخل ارتأينا جمع ما تقارب من الألفاظ تحت
ضابطة واحدة ومناقشتها جمع..
86

الباب الثالث
في قيمة توثيقات الاعلام وأرباب الدراية
ولا يخلو الامر بين أن يكون التوثيق صادرا عن المتقدمين منهم أو
المتأخرين ونعتي بالمتقدمين أولئك المعاصرين للرواة أو المقاربين لعهدهم
بحيث لا تكون شهاداتهم بالوثاقة محتاجة إلى إعمال اجتهاد أو حدس أمثال
الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وان قولويه وعلي بن إبراهيم القمي والنجاشي
والبرقي واضرابهم. ونعني بالمتأخرين ما احتاجت شهاداتهم إلى ذلك.
* فالبحث يدور في مقامين:
المقام الأول - في توثيقات القدماء:
ويراد بالتوثيق الأعم من التعديل أو التوثيق بالمعنى الخاص ويلحق به
المدح والاطراء والثناء.
ولا بد لاعتبار توثيقاتهم من توفر جملة شروط:
الأول - كفاية الوثاقة في الراوي بالمعنى الخاص في جواز العمل
برواياته وإلا كانت النتيجة - لو ثبتت - أخص من المدعى وللزم بطلان سائر
87

التوثيقات الصادرة من الثقات الذين لم تسلم جوارحهم الأخرى.
الثاني - كون الموثق نفسه متصفا بالوثاقة.
الثالث - كون شهادة الموثق ناشئة عن حس ومعرفة بالموثق لعدم البناء
على اعتبار الشهادات الاجتهادية الحدسية ما لم توجب علما أو اطمئنانا وهذه
الشروط متوفرة بمجملها في المقام.
أما الأول فلما تقدم من عدم الدليل على اعتبار أمر زائد على الوثاقة في
صحة الاخذ بالرواية.
وأما الثاني فلان أرباب الكتب الرجالية الأربعة والذين يدور عليهم مدار
الاخذ بالتوثيق والتضعيف من أجلاء الأصحاب وأعظمهم قدرا وأرفعهم شأنا
وكذا سائر المذكورين سابقا..
نعم لم يثبت لدينا كتاب ابن الغضائري ولذا لا نعتمد على سائر
التضعيفات الواردة في كتابه لأنها فرع صحته ومعرفة صاحبه.
وأما الثالث فلانه لا شك في كون شهادة أولئك الاجلة عن معرفة وحس
وذلك لأمور عدة:
الأول - قرب بعضهم للرواة مباشرة وبلا واسطة
الثاني - كثرة التصنيفات الرجالية من قبل أصحابنا الاماميين في ذلك
العصر بحيث يمكن الاعتماد على ما ورد فيها مع فرضها بهذه الكثرة الكاثرة
التي تربو على المئة مصنف.
الثالث - ان كون اجتهاد المجتهد ليس حجة في حق غيره مما لا يكاد
يخفى على هؤلاء الاعلام فلو كانت شهاداتهم مبنية على إعمال النظر والحدس
فقط لكان ينبغي الإشارة إليه مجملا أو مفصلا وأما عدم الإشارة لذلك فهو مما
لا يترقب وقوعه منهم.
88

الرابع - انه لو فرض الشك في حدسية هذه التوثيقات فلا يزيد ذلك مع
تسليم الوجوه الثلاثة السابقة على الاحتمال.
ولا شك في جري العقلاء وبنائهم على ترتيب الآثار على الاخبار وان
احتمل ان منشأها الحدس ولذا لم نجد خارجا من ناقش في أخبار المخبرين
بحجة احتمال حدسيتها بل ولا نجد العقلاء يسألون عن منشأ الحكم ما دام
ظاهرا في الشهادة الحسية.
نعم لو كان الخبر مظنون الحدس أما لطبيعة الخبر بأن كان يتعذر
ملاحظته حسيا ولبعد زمان المخبر فلا مجال معه للاعتماد عليه لعدم الدليل
على اعتبار الاخبار المظنونة الحدس لا بدليل لفظي لقصور مقتضيها إذ أن ما
دل على اعتبار أخبار الثقات - لو سلم أصل الاعتبار - ظاهر فيما يروونه عن
الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أو غيرهم بالحس لا بغيره.
كما أن السيرة لا تفي لا ثبات ذلك لعدم جريانها على ذلك كما عرفت
ولو سلم وقوع ذلك في بعض الموارد فهو من باب الاطمئنان بمقتضى الخبر
الحدسي..
- ان قلت إنه مع تسليم هذه الوجوه الأربعة فإنه لا يسلم ثبوت الوثاقة
بشهادة أصحاب الكتب الرجالية لان الحكم بالوثاقة خاضع للمبنى الذي
يختاره الشاهد ولعل منهم من كان يبني على أصالة الوثاقة فيحكم بوثاقة كل
غير معلوم الكذب.
قلنا إن هذا الوجه مما لا وجه له لان المراد من تصنيف الكتب تمييز من
ثبتت صحته ممن ثبت ضعفه وإعمال المزيد من العناية في ذلك لقيام فقه آل
محمد على ما يكتبون ويشهدون.
وكيف يتصور انهم كانوا يكتفون بمجرد عدم ظهور الكذب من نعت
الراوي بالوثاقة وتجويز العمل باخباره.
89

ولو سلم ذلك فلم كثر ذكر المجهولين في طيات كتبهم أو ذكر من لا
يعلم حاله مع بنائهم على القاعدة أو غيرها إذ عليه يكون مما لا وجه له رأسا.
وبهذا يتضح وجه اعتمادنا على توثيق المتقدمين من الأصحاب.
وهذا مما لا ينبغي الاشكال فيه بل انه كاد يكون اجماعا ولذا ألحق
المخالف بالشاذ النادر نعم ناقش بعض اعلام المتأخرين في صغرى الكبرى
المتقدمة حيث شكك في قيمة توثيقات الشيخ الطوسي مدعيا عدم الظن بل ولا
الشك منها.
ومنشأ هذه الدعوى يمكن تلخيصه باضطراب الشيخ في أقواله ونقوله
ويظهر ذلك من خلال عرض جملة أمور:
الأول - ان توثيقاته لجملة من الرواة ينفيها هو بنفسه أو يناقضها في
مجال آخر كما هو الحال في سهل بن زياد حيث وثقه في موضع وضعفه في
آخر وكذا الحال في سالم بن مكرم الجمال ومحمد بن هلال.
الثاني - دعواه عمل الطائفة برواية جملة من الاعلام مع أنه بنفسه
يذكرهم في مجال آخر بذم أو قدح فعبد الله بن بكير ممن ادعى الشيخ فيه عمل
الطائفة باخباره وفي آخر الباب الأول من أبواب الطلاق من كتاب الاستبصار
صرح بما يدل على فسقه وكذبه وانه ممن يقول برأيه.
وفي عمار الساباطي ادعى أيضا ان الطائفة لم تزل تعمل باخباره مع أنه
نص على ضعفه وعدم العمل برواياته في مكان آخر.. الخ.
الثالث - دعواه عمل الطائفة باخبار الفطحية كعبد الله بن بكير والواقفية
كعلي بن أبي حمزة وسماعة بن مهران وبني فضال مع أنه لا يوجد أثر لتوثيق
علي بن أبي حمزة من أحد على الاطلاق بل نص على خبثه وكذبه بل ورد فيه
اللعن والذم الكثير.
90

الرابع - اختلاف أقواله في شرطية العدالة ففي كتبه الأصولية قطع
بشرطية الايمان والعدالة في جواز الاخذ بالرواية والخبر وهو ملازم لعدم
العمل بالاخبار الموثقة وتارة يدعى ان العدالة هي ظاهر الاسلام من دون ظهور
الفسق وهو ملازم للعمل بالاخبار الموثقة وإن لم يظهر إيمان أصحابها.
الخامس - اختلال كلامه حول رد وقبول الروايات فتارة لا يعمل برواية
ما محتجا بضعفها وتارة يخصص بها الاخبار الصحيحة حيث تتعارض الأدلة
وتارة يرد الخبر بأنه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا.
ونحن أمام هذه الوقائع لا نريد ان نجزم بمراد الشيخ وإيراد دفاع عنه بل
بصدد بيان جملة احتمالات معتد بها بناء على ما أسلفناه وأسسناه وانسجاما مع
الخطوط العامة لأفكار الشيخ (قدس سره) فنقول:
أما الايراد الأول فجوابه ان التصريح بالوثاقة لا يناقض التضعيف لأعمية
التضعيف من ضعف اللسان أو غيره من الجوارح. فلم لا يجعل التوثيق قرينة
على المراد من التضعيف وانه يعود لغير جهة اللسان وكم لذا من نظائر..
ان قلت ماذا يعمل أمام التصريح بإرادة الضعف في جهة اللسان.
قلنا إن ثبت ذلك فمن المحتمل جدا ان الشيخ سمع شهادتين مختلفتين
في حق شخص واحد في زمانين نقل إحداهما في كتاب أو في موضع ونقل
الأخرى في آخر.
ولو سلمت الغفلة بعد إمكان هذه الاحتمالات فهي نادرة ولنعم ما قاله
بعض الرجاليين من أنها كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء...
واما الايراد الثاني فجوابه واضح فإن عمل الأصحاب لا يلازم بالتلازم
القطعي عدالة الراوي بل ولا وثاقته المطلقة في بعض الأحيان إذ لا ربط بين
عملهم وبين العدالة كما لا يخفى هذا أولا.
91

وثانيا - ان الذم الوارد قد يكون متأخرا عن عمل الطائفة برواياته وكم من
الفرق بين من لم يثبت فسقه ولا كذبه ولم تثبت بالمقابل وثاقته وبين طرح
رواياته إذ العمل بالروايات قد يكون من جهة العلم بصدورها أو بصحتها
لاحتفافها بقرائن ما علمها الأصحاب وخفيت علينا.
وأما الايراد الثالث فقد تبين مما سبق إذ لا منافاة بين ثبوت كبرى عمل
الطائفة بأخبار الفطحية أو الواقفية وبين عدم ثبوت وثاقة علي بن أبي حمزة
المستشهد بها في المقام وذلك:
أولا - كون النقض أخص من المدعى ولا مانع من استثناء الأصحاب
لجملة من الواقفية أو الفطحية وان ثبتت وثاقتهم في الجملة - لأمور وموانع
أخر.
وثانيا - ان علي بن أبي حمزة قد وقف بعد وفاة الكاظم (عليه السلام)
وأما قبل ذلك فإنه لم يثبت فيه ذم بل كان وكيلا من قبل الإمام (عليه السلام).
وأما الايراد الرابع فهو غريب لا يترقب صدوره لان اشتراط العدالة شئ
وتفسيرها شئ آخر.
وكيف يتوهم إيقاع معارضة وتهافت في كلام قائل يتصدى بنفسه لتفسيره
بغير ما قد يظهر منه بدوا.
وكذا فان تفسير العدالة بما ذكر يرفع التهافت إذ عليه لن يكون لكلامه
لازم هو عدم العمل بالاخبار الموثقة ليحصل التهافت بين الكلامين.
إلا أن الانصاف ثبوت التلازم وذلك من جهة إرادة الامامي من المسلم
العادل بناء على تفسيره المتقدم.
نعم يمكن منع الملازمة الثانية إذ أن تفسير العدالة كيفما وقع لا يعني
عملا بالاخبار الموثقة لخروجه عن العدالة بمجرد كونه غير إمامي كما لا
92

يخفى...
ولو سلم وقوع التهافت المدعى فهو ليس بعزيز على أهل النظر
والاجتهاد لتبدل الآراء بتبدل المعلومات وزيادتها وهو يكاد يحصل مع كل من
له ملكة اجتهاد.. وما هو المانع من أن يكون الشيخ قد اعتقد مذهبا ما في
العدالة ثم اعتقد بطلانه بعد ذلك.
وأما الايراد الخامس فيتجه لو كان كلامه في جميع مواضعه ذا جهة
واحدة والامر ههنا ليس كذلك فإنه في كتاب الاستبصار تصدى لابراز انسجام
أحاديث أهل البيت مجموعيا مع كبريات التشيع وقواعده ولا بد والحال هذه
من إبراز الوجوه والمحتملات التي قد لا تتناسب مع كتاب آخر يهدف منه
لغرض آخر.
وكذلك فان كتاب الخلاف كان بصدد الرد على العامة فيه ومن هنا
وردت الأدلة التي تتناسب مع معتقداتهم في بعض الأحيان.
ومن كل ما ذكرناه يتضح عدم صحة هذا الايراد الصغروي على كبرى
قبول توثيقات المتقدمين.
وإنما أوردنا هذه المناقشة مع أجوبتها نظرا لموقع الشيخ الرجالي فضلا
عن موقعه الفقهي بحيث تكاد تتزلزل لولاه بنيان ومعالم الشرع الحنيف.
المقام الثاني - في توثيقات المتأخرين:
ويشمل العنوان توثيقات العلامة وابن طاووس والتفريشي والمجلسيان
الأول والثاني وغيرهم ممن قارب عصرهم.
والتوثيق الصادر من قبلهم على نحوين:
93

الأول - ما صدر في حق المعاصرين لهم والكلام فيه عين الكلام المتقدم
في المقام الأول لعدم الفرق فالدليل هناك هو الدليل هنا وهذا ليس هدفا
أساسيا لبحثنا.
الثاني - ما صدر في حق غير المعاصرين لهم بحيث كانت شهاداتهم على
الوثاقة تحتاج إلى أعمال النظر والاجتهاد وهذا هو معقد البحث ومحط النظر.
ويقع البحث فيه من جهتين:
الجهة الأولى - في الايرادات المتصورة على العمل بتوثيقاتهم.
الجهة الثانية - في مناقشة الأدلة وبيان المختار.
وأما الجهة الأولى -.
فأوجه الايرادات المتصورة ثلاثة:
الايراد الأول - وهو مبني على أن عمدة أدلة حجية أخبار الثقات هي
السيرة العقلائية وهي قائمة على اعتبار اخبارهم فيما كان منشؤها الحس يقينا
أو الظن به مع احتمال الحدس.
وأما ما كان متيقن الحدس أو مظنونه فلا سيرة قائمة على العمل بالاخبار
كذلك..
وكذا يقال بالنسبة إلى سائر الأدلة اللفظية من جهة قصور في مقتضي
إطلاقها لانصراف ونحوه مما تفصيله موكول إلى محله.
وتوثيقات المتأخرين من هذا القبيل والوجه فيه هو ان أهم ما نريده من
الاعتماد على توثيقاتهم معرفة أولئك الرواة المباشرين أو الواقعين في السند
الوارد في الكتب الأربعة وسائر ما قارب عهد كتابتها وأما الرجال الواقعين في
الطريق إلى هذه الكتب فلا حاجة لاثبات توثيقهم أو عدمه لتواتر الكتب
المذكورة من حيث النسبة إلى مؤلفيها على مر الازمان والعصور.
94

وعليك فيقال ان مرحلة ما بعد الشيخ الطوسي هي مرحلة انقطاع سلسلة
البحث عن أولئك الرجال وعن معرفة أحوالهم. وإنما وصل إلينا ما كان عبر
الشيخ نفسه مع بعض الكتب الرجالية الأخرى المعروفة.
والذي يدلنا على ذلك ملاحظة إجازات الاعلام لنظرائهم وتلامذتهم
فإنها ترجع كلها ألى الشيخ وأما سلسلة الواقعين بعده فهي معتمدة عليه
وموكولة إليه.
ويظهر ذلك بالنظر إلى إجازات العلامة لبني زهرة وإجازة الشهيد الثاني
الوالد الشيخ البهائي الشيخ حسين عبد الصمد (قدس سره) وغير ذلك.
وبناء عليه لا يعلم بثبوت طريق حسي أو قريب منه من طريق المتأخرين
ولو بنقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة.
بل من المقطوع به ان توثيقاتهم مستندة إلى ما حدسوا به من عبائر الشيخ
ونظرائه من أعلام وأرباب الرجال.
الايراد الثاني - وهذا الايراد متفرع على سابقه وبيان ذلك أن إعمال النظر
والحدس من قبل الاعلام إنما يكون حجة له بينه وبين ربه ولسائر مقلديه
ومعتمديه.
وأما سراية الحجية لنظرائه من أهل النظر والفن فهي مما لم يقم عليها
دليل من سيرة أو عقل أو غيرهما.
ان قلت لا زالت الناس قديما وحديثا ترجع إلى أهل الخبرة في كل
مجهول لديها فلم لا يطبق مقتضى هذا البناء والعمل.
قلنا إنه كذلك ولكن ليس في حق الخبير والنظير ومن يملك في المقابل
الحجة والدليل.
الايراد الثالث - وهو مبني على ملاحظة التضاد والتضارب في أقوال
95

وتوثيقات المتأخرين فمنهم من يلتزم بتوثيق جماعة ومنهم من يلتزم بتضعيفهم
وعدم العمل بما يروونه.
واعطاء قاعدة في اعتبار توثيقات المتأخرين عبارة عن الالتزام بوقوع
التعبد بالمحالات والممتنعات كما عرفت.
والجواب عن هذه الايرادات:
أما عن الايراد الأول فإن السلسلة التي ادعي انقطاعها تارة يراد من ذلك
عدم وجود كابر ينقل توثيقا أو تضعيفا في مرحلة ما بعد الشيخ فهي وان كانت
مقبولة إلا أن سلسلة البحث والتنقيب والكشف عن أحوال الرجال وإبراز
الضعيف والسقيم منهم من الصحيح والمعتمد لا زالت جارية قديما وحديثا.
وهذه البحوث تزداد أهمية من حيث صوابية النتيجة بترامي الزمن لان
المتأخر يجمع في حقيبته علم المتقدم وعلم المتأخر.
هذا مضافا إلى عثوره على جوانب أخرى قد لا يتسنى للرجالي من أمثال
النجاشي آنداك ملاحظتها والعثور عليها كملاحظة طبيعة روايات كل راو على
حدة وما يستفاد منها من قيمة احتمالية للتوثيق أو التضعيف.
فالقول بأن توثيق القدماء حجة دون توثيق المتأخرين ليس سديدا على
اطلاقه.. فان النجاشي وغيره عندما ينصون على وثاقة شخص من خلال النقل
فإنما ينصون عليها لا من باب المشاهدة لعدم تعقل مشاهدة الوثاقة أو العدالة
كأمر خارجي بل انك عرفت أنها من الحقائق المقتنصة من مجموع مفردات
أحاديث وسلوك الراوي والتي يدخل الحدس في اقتناص النتيجة منه وان أطلق
عليه اسم الحس.
وعمل العقلاء بالشهادات الحسية لا لأنها كذلك وتعبدا بل لقلة وقوع
الخطأ غالبا فيما كان منشؤه محسوسا أو ما قرب منه.
96

ومحل البحث من قبيل الثاني - وبعبارة أخرى فان عمل العقلاء ليس
لنكات تعبدية محضة بل إن له مبررات موضوعية نتيجة لارتكازات ثابتة
عندهم.
وليس ذلك إلا ركون النفس بالمشهود به من قبل المتقدمين.
وساعتئذ نقول إن توثيق المتأخرين إن لم يكن من حيث القيمة أعلى من
توثيق المتقدمين فهو لا يقل عنه.
وكيف لا يقال ذلك وذاك المجلسي الأول يقول في شرح كتاب من لا
يحضره الفقيه أنه بحث في أحوال ابن أبي عمير مدة خمسين عاما بحيث يتعسر
أو يتعذر على غيره الوصول إلى ما وصل.. وهل يا ترى يقال بان بحثه
المذكور حجة عليه ليس إلا..
على أن دعوى اشتهار العمل بتوثيقات المتأخرين بين الأصحاب في
الجملة لها وجه وجيه وكما ذكره بعض أصحابنا المتأخرين.
وأما الايراد الثاني فقد توضح مما سبق لان قول الخبير المبني على
الحدس يورث الظن غالبا بصحة ما حدس به وقد عرفت أن بحوث المتأخرين
إنما يعتمد عليها لعدم نقصها قيمة عن توثيقات المتقدمين التي ركنت النفوس إليها
واطمأنت بصحتها فالخبروية شئ وسكون النفس باخبار المخبر شئ آخر
ومناط العمل الثاني لا الأول.
وأما الايراد الثالث فهو ناشئ من الغفلة عن أن مرادنا من اعتماد بحوث
المتأخرين اعتمادها في الجملة لا مطلقا ومن أي معلم صدرت.. بل لا بد من
النظر فيما أوردوه من الأدلة حيث لا يكونون بمثابة من الدقة والضبط وقوة
الملكة.
والتضاد المذكور إنما يكشف عن عدم صحة مقدمات واستدلالات
97

أحدهما أو كليهما مما يدعونا إلى ملاحظة ما أقيم من الأدلة وسيق من
البرهان.
ولو سلم وقوع ذلك من الاجلة فلا ضير فيه إذ لا يقصر عن تضاد كلام
المتقدمين فان وجوده في كلامهم ليس بعزيز ورغم ذلك لم تختل كبرى حجية
وقبول توثيقاتهم ولتكن المعاملة مع أجلة المتأخرين على حد المعاملة مع
أجلة المتقدمين قبولا وردا بعد ما عرفت مساواة قيمة أقوالهم لأقوال
المتقدمين إن لم نقل باعلائيتها..
ومما ذكرناه يتحصل ان كبرى قبول توثيقات المتأخرين مما لا أشكال
فيها. عندنا..
وليعلم اننا عقدنا البحث في التوثيقات دون التضعيفات من أجل عدم
اختلاط وتضارب الاستدلال وللمحافظة على وضوح الطريقة.
وإلا فان الكلام في تضعيفات المتقدمين أو المتأخرين عين الكلام في
توثيقاتهم من حيث القيمة والشروط والرد والقبول...
98

الباب الرابع
القول في دعوى وثاقة رواة جملة من الكتب
- ومنشأ هذا البحث ما وقع لجملة من الاعلام وأرباب الكتب الروائية
من تصدير أو تضمين كتبهم لعبارات يستوحى منها توثيق جميع رواة كتبهم بل
استظهر ذلك جمع من الاعلام كالحر العاملي في فوائد وسائله وغيره.
وسنبحث في صحة الدعوى المذكورة بمناقشة ما ورد في كتب ثلاثة هي
كتاب كامل الزيارات لابن قولويه وتفسير علي بن إبراهيم القمي ونهج البلاغة
الذي جمعه الشريف الرضي.
وإنما أفردناها دون غيرها نظرا لأهميتها ولتوثيق بعض الاعلام لرواة هذه
الكتب ولرواج البحث فيها بين الأصحاب.
فههنا ثلاثة بحوث:
البحث الأول - القول في وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات:
ومنشأ هذه الدعوى ما أورده جعفر بن محمد بن قولويه (قده) المتوفى
عام 368 ه‍ في أول كتابه والذي استظهر منه جمع من الأصحاب وثاقة
99

كل من وقع في أسانيد هذا الكتاب.
والعبارة هي التالية:
[وقد علمنا بانا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في
غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا
أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين
غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم..] (1) - ووجه
الاستدلال على الخصوص التعبير ب‍ [ما وقع لنا من جهة الثقات] فإنه لم يقل
كتاليه [بما ينتهي] ليختص التوثيق بالمباشر كما قد يدعى هناك وكما ستعرفه
في البحث الثاني.
ولعله من هنا أفاد الحر العاملي في فوائده من الجزء الأخير من الوسائل
ما لفظه [وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وانها مروية
عن الثقات عن الأئمة (عليهم السلام) وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه فإنه
صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره] (2) كما أن ابن قولويه لم يقرن
الثقات بالمشايخ ليرد احتمال ان العطف للتفسير كما سيأتي في مناقشة عبارة
ابن إبراهيم وان كان عبر هنا بالأصحاب فان ذلك لا يضر لعموم اللفظ للمباشر
وغيره كما لا يخفى على المتتبع لموارد استعمالها. وعليه فوجه الأبلغية - لو
تم أصل الكلام - واضح بين وقد يؤيد المدعى بقرينتين أخريين:
الأولى - قول ابن قولويه في الجملة المتقدمة [ولا أخرجت فيه حديثا
روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم..].
بدعوى أن ابن قولويه أراد بهذا التعبير اعطاء قيمة لكتابه بأنه لم يرو عن
الشذاذ من الرجال ومن المعلوم عدم اختصاص الشذوذ بالضعيف بل قد يشمل

(1) كامل الزيارات ص 4.
(2) الوسائل ج 20 ص 68.
100

الذين انفردوا بروايات غريبة في طبعها وغير منسجمة مع المروي والمشهور
ولذا ورد في أخبار العلاج لحل مشكلة التعارض [خذ بما اشتهر بين أصحابك
ودع الشاذ النادر] وهو مطلق من حيث كون الشاذ النادر قد رواه بعض
الأصحاب أم لا.
ان قلت إن مقابلة الشواذ للثقات تحدد إرادة الضعاف من الرجال لا
الثقات أو ما يعمهم من الذين انفردوا بروايات شاذة كما عرفت.
قلنا لو صح ذلك فلا يكون ساعتئذ وجه للتعبير بالشاذ وإجمال الخطاب
وثانيا - ان تذييل كلامه - ب‍ [غير المعروفين بالرواية] يحدد إرادة الشاذ في
الرواية من حيث طبعها كما هو واضح لا يخفى.
وبعد ذلك يقال ان ابن قولويه لما بنى على عدم ذكر رواية عن الشذاذ
وإن كانوا من الأصحاب بل ومن ثقاتهم كان هذا بمثابة القرينة القطعية على أنه
لم يضمن كتابه المجاهيل ولو عنده فضلا عمن ثبت فيه القدح والذم..
الثانية - قوله أيضا [ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ] ببيان أن
دلالة الاخراج يغاير دلالة لفظ النقل فان الثاني لو عبر به لادى إلى احتمال
إرادة المباشرين من جهة اختصاص النقل عنهم بالنسبة إليه. وهذا بخلاف
اللفظ المذكور فإنه يشمل جميع الواقعين في السند.
لا يقال بعدم وجود فرق مقبول بين التعبيرين لصدق النقل عن الأئمة مع
وثاقة كل الوسائط.
لأنه يجاب بان العبارة تضمنت لفظ [ولا أخرجت فيه] فان الضمير
في (فيه) يراد به الكتاب والمعنى انه لم يخرج في كتابه حديثا روي أو نقل عن
الشذاذ فكتابه منقول عن الثقات لا أنه نقل عن الامام بواسطة الثقات وعلى كل
حال فان لفظ الاخراج دال على أن الكتاب كله واقع عن طريق الثقات.
هذا غاية ما يمكن ان يستدل به لاثبات المطلوب.
101

وأما الجواب فيقع من عدة وجوه:
1 - ان العبارة المستدل بها على المطلوب ليست ظاهرة فيه جزما لصدق
الوقوع من جهة الثقات ولو بكون الرواة المباشرين كذلك بل انه المتناسب مع
طبيعة الناقل لروايات فيها من الوسائط والأسانيد وذلك لشيئين:
أ - سهوله المؤونة في تحصيل الثقات بالنسبة للمباشرين.
ب - معرفة الناقل عادة بالمنقول عنه لو كان النقل مباشرا.
ويؤيد الوجه المذكور ورود جملة من الروايات يتضمن إسنادها
المجاهيل والضعاف بل وجود المراسيل والمرافيع وكما ستطلع عليه مفصلا.
مما يوجب وعلى الأقل شكا في شمولية العبارة لأكثر من المباشرين فهي
إن لم تظهر في إرادتهم فلا ظهور لها في الأعم من ذلك وتكون العبارة مبتلاة
بالاجمال ولا يسعنا معه إلا البناء على القدر المتيقن منها وهو خصوص الرواة
المباشرين.
2 - ان الاستدلال بقول ابن قولويه بأنه لم يرو عن الشذاذ من الرجال
بالتقريب المتقدم غريب فهو غاية ما يثبت أنه لم يرو إلا عن المشهورين
والمعروفين بالرواية لأنه المفهوم المقابل للشواذ..
والالتزام بوثاقة كل معروف بالرواية مبتنية على بحث كبروي لا نلتزم به
بل ندعي وضوح وهن هذه الدعوى.
كيف لا وقد ثبت اجماع الامامية على وقوع صحبة بعض الكذابين بل
المنافقين لنبينا (صلى الله عليه وآله) مع كثرة روايتهم عنه (صلى الله عليه
وآله).
ومعه لا يبقى مجال لتعقل دعوى أن ابن قولويه لما أراد اعطاء قيمة
لكتابه بنى على أن لا يروي إلا عن الثقة بقرينة عدم روايته عن الشذاذ.. مع أن
102

عدم الملازمة بين المعروفية والوثاقة أوضح من أن تخفى كما أشرنا...
ومنه يعرف حال القرينة الثانية المدعاة إذ أن عدم اخراجه لرواية تروى
عن الشذاذ لا تعني انه أخرجها عن المعروفين. ولو سلم الفرق بين النقل
والاخراج وقد عرفت أنه لا ملازمة بين المعروفية وكثرة الراوية وبين الوثاقة.
3 - ان ابن قولويه نفسه قد نقل عن الضعفاء والمجاهيل كثيرا بل انه ذكر
من المرافيع والمراسيل عددا يطمئن معه بان لم يكن بصدد توثيق رواة كل من
وقع في كتابه واعطاء مزيد قيمة له.
ويتعمق ويتضح الايراد من خلال وجود الضعاف المعروفين بالضعف
والكذب عند الأصحاب وأرباب الرجال فإنه يبعد جدا عدم اطلاعه عليهم مع
وضوح نسبة الذم لهم كما أن الدعوى المذكورة رغم محذوفية أسماء جملة من
الرواة الواقعين في السند أشبه بدعوى إثبات علم الغيب لابن قولويه.
وسنذكر لك نبذة مما ورد في الكتاب كشاهد على ما ذكرناه وهي على
أنحاء ثلاثة:
الأول - من ثبت فيهم الذم بشكل واضح وعلى مباني بعض أصحاب
الدعوى أنفسهم منهم:
أ - عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ذكره النجاشي قائلا [كان ضعيفا غمز
أصحابنا عليه وقالوا كان يضع الحديث] (1).
ب - علي بن حسان الهاشمي.. قال فيه ابن فضال [كذاب واقفي] (2)
وقال فيه النجاشي [ضعيف جدا ذكره بعض أصحابنا في الغلات فاسد
الاعتقاد] (3).

(1) رجال النجاشي ص 163.
(2) الكشي حديث 851.
(3) رجال الكشي ص 176.
103

ج - أبو جميلة المفضل بن صالح.. قال فيه ابن فضال انه وضع رسالة
معاوية إلى أبي بكير وقال النجاشي في حقه ضمن ترجمة جابر بن يزيد
الجعفي [روى عنه جماعة غمز فيهم منهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح
ومنخل بن جميل] (1).
د - أبو الجارود زياد بن المنذر قال فيه ابن النديم في الفهرست [عن
الصادق (عليه السلام انه لعنه وقال أعمى القلب] وروى فيه الكشي روايات
ذامة له جدا وبعبائر مختلفة وفي بعضها [ما يموت إلا تائها].
وفي موضع آخر فيه وفي غيره [كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله].
ه‍ - عبد الله بن عبد الرحمن الأصم فقد قال النجاشي فيه [ضعيف غال
ليس بشئ] (2) بل في كتاب ابن الغضائري المنسوب إليه انه من كذابة أهل
البصرة (3).
و - عمرو بن شمر - فقد ذكر النجاشي في ترجمته [ضعيف جدا زيد
أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والامر ملتبس] كما نسب
تضعيفه إلى جماعة في ترجمة جابر بن يزيد.
الثاني - من ثبتت جهالتهم أو اهمالهم.
أ - أحمد بن أبي داوود - مجهول لا ذكر له في كتب الرجال.
ب - أحمد بن أبي زاهر - لم يوثق وقال الشيخ والنجاشي فيه [حديثه
ليس بذاك النقي].
ج - أحمد بن إسحاق القزويني - مهمل لا ذكر له.
104

د - أحمد بن جعفر البلدي - مهمل لا ذكر له.
ه‍ - أحمد بن الحسن الميثمي - مهمل لا ذكر له.
و - أحمد بن الحسين بن سعيد ذكره في الفهرست من دون توثيق
وزاد.. وذكروا انه غال وحديثه يعرف وينكر وفي رجاله نعته ب‍ [يرمى
بالغلو].
ح - أحمد بن علوية الأصفهاني ذكره الشيخ في رجاله من دون توثيق أو
مدح.
ط - أحمد بن علي بن عبيد الجعفي مهمل لا ذكر له.
ي - أحمد بن قتيبة الهمداني مهمل لا ذكر له.
ك - أحمد بن هانيدار مهمل لا ذكر له.
إلى غير ذلك مما هو على هذا النحو بل إن دعوى كون أغلب رواه
الكتاب من هذا النحو قريبة جدا تظهر للمتتبع.
الثالث - ما رواه مرسلا أو مقطوعا أو مرفوعا وما شاكل ذلك وهو
كثير.. منه:
أ - علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن هارون بن خارجة
عن (1) أبي عبد الله.
ب - عن سعدان بن مسلم عن رجل (2).
ج - الحسن بن الزيرقان الطبري باسناد له يرفعه إلى الصادق (عليه

(1) كامل الزيارات ص 179 باب 72 ح 1.
(2) كامل الزيارات ص 219 باب 79 ح 13.
105

السلام) (1).
د - عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال سمعت أمير
المؤمنين (عليه السلام) (2).
ه‍ - عمرو بن سعيد الزيات قال حدثني رجل من أصحابنا عن أبي
عبد الله (عليه السلام).
و - عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3).
ز - عن إبراهيم بن محمد الثقفي رفعه إلى أبي عبد الله (عليه
السلام) (4).
ح - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بعض أصحابه عن
جويرية بن العلا عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5).
ط - عن عمرو بن هشام عن بعض أصحابنا عن أحدهم.. مع أن عمرو
نفسه مجهول مهمل (6).
ي - حدثني محمد بن الحسن بن الوليد رحمه الله فيما ذكر كتابه من
الذي سماه كتاب الجامع روى عن أبي الحسن (عليه السلام) (7).
إلى غير ذلك من الموارد التي لا حاجة لسردها لسهولة تحصيلها..

(1) كامل الزيارات ص 88 باب 48 ح 1.
(2) كامل الزيارات ص 56 باب 16 ح 4.
(3) كامل الزيارات ص 57 باب 16 ح 5.
(4) كامل الزيارات ص 186 باب 75.
(5) كامل الزيارات ص 141 باب 55 ح 1.
(6) كامل الزيارات ص 53.
(7) كامل الزيارات ص.
106

ومن كل ما ذكرناه يتضح لك بأن دعوى وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات
واضحة البطلان.
البحث الثاني - القول في وثاقة رواة تفسير علي ابن إبراهيم القمي:
ومنشأ هذه الدعوى أيضا ما صرح به في أول كتابه قال:
[ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا من مشايخنا وثقاتنا عن الذين
فرض الله طاعتهم] (1).
وقد استفاد الحر العاملي وغيره من الاعلام من هذا التعبير إرادة علي بن
إبراهيم توثيق جميع رجال كتابه. ويمكن توضيح الدعوى ببيان أمرين:
1 - ان قوله [.. من مشايخنا وثقاتنا] ظاهر في إرادة اعطاء قيمة عليا
لكتابه وان رواياته صادرة عن الثقات الذين يركن إليهم ويعتمد عليهم.
2 - ان القول المذكور بإضافته إلى قوله [.. ومخبرون بما ينتهي
إلينا..] يدل على أن ما انتهى إليه من الروايات التي ضمنها كتابه مأخوذة عن
المشايخ الثقات عن المفروض طاعتهم.
ونتيجة الامرين معا تعكس ظهورا واضحا للفظ في توثيق جميع رواة هذا
الكتاب.
وقبل الجواب عن الدعوى بكلا أمريها المبينين لا بأس بتوضيح فقه
العبارة قبل مناقشتها.
فان لفظ (ما) يراد به الروايات بقرينة (مخبرون.. ذاكرون) وأما
مشايخنا فالمراد منها المباشرون له لا الأعم وان أطلق اللفظ عليهم بالعناية

(1) تفسير القمي ص 4 وفي نسخة [بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا].
107

والتأول وساعتئذ يكون العطف ب‍ (ثقاتنا) على (مشايخنا) لاجل أحد أمرين لا
ثالث لهما:
أ - أما لتفسير وتوضيح المراد من اللفظة كما هو شائع في الاستعمال
العربي إذ كثيرا ما يقال مثلا (أبي وعزيزي) أو (الامام والسند المعتمد) مع
إرادة شخص واحد من العبائر.. وإنما أورد العطف بالواو لاجل التفسير
والتوضيح.
ب - وأما لبيان مغايرة الراوي الذي ينقل عنه بمعنى ان روايات الكتاب
انتهت إليه عبر المشايخ تارة وعبر الثقات تارة أخرى وإن لم يكونوا شيوخا له
وسواء كانوا مباشرين له أم لا.
والأظهر هو الأول نظرا لشيوع الاستعمال كذلك ولغلبة نقل الروايات
عن المشايخ من الأصحاب لا عن رواة ليسوا كذلك وان كانوا من الثقات
المعروفين لديه بنقل أو غيره.
وعلى كل حال سواء أريد به الأول أو الثاني فيرد على أصل الدعوى
جملة أمور:
* الأول - ان دعوى إرادة علي بن إبراهيم اعطاء قيمة لكتابه لا تعني
وثاقة كل رواة كتابه إذ انه يوجد مراتب عدة للقيمة.
فالرواية عن الممدوحين هي قيمة للكتاب وإن لم تثبت وثاقتهم والرواية
عن خصوص المشايخ الثقات قيمة أخرى للكتاب والرواية عن الثقات
المباشرين قيمة كذلك كما أن كون جميع من في الكتاب من الرواة ثقات قيمة
عليا له.
ودعوى استظهار توثيق كل الرواة من لفظ [مشايخنا وثقاتنا] بتقريب انه
بصدد اعطاء قيمة للكتاب غير متعينة لكفاية وثاقة المباشرين في ذلك بل
الممدوحين لولا النص على وجود الثقات في الجملة.
108

ويؤيد ذلك جملة أمور:
1 - ورود جملة من الضعفاء المنصوص على ضعفهم في طيات كتابه
ومن المستبعد جدا وجود عدد معتد به من المعروفين بالضعف قد خفي أمرهم
عليه مع كونه بصدد اعطاء قيمة معينة لكتابه والمتوقفة على البحث عن الثقات
المتفق عليهم.. ولا أقل أولئك الذين لم يرد فيهم تضعيف صريح أو عدة
ألفاظ متضاربة.
خصوصا انه بملاحظة التعبير ب‍ (ثقاتنا) المضاف إلى الأصحاب أو إليه
والمشعر بإرادة الاماميين من الثقات يتأكد لدينا عدم إرادة عموم رواة الكتاب
للعلم بعدم الالتزام بذلك بناء على شمولية التفسير فإنه روى عن الحسن بن
محمد بن سماعة والحسن بن علي بن أبي حمزة وكلاهما واقفيان بل من
شيوخ الواقفة إلى غير ذلك.
ونذكر جملة من الذين ورد التضعيف في حقهم وقبله بعض أصحاب
هذه الدعوى نفسها مع أن ابن إبراهيم ضمنهم كتابه.
1 - أبو الجارود زياد بن المنذر فإنه روى عنه كثيرا بل إن كتابه ممتلئ
بالرواية عنه وقد تقدم حاله وكذبه.
2 -
أبو جميلة المفضل بن صالح وقد تقدم أمره.
3 - علي بن حسان الهاشمي وقد تقدم أيضا ومثله عمه عبد الرحمن فقد
ذكره النجاشي قائلا [كان ضعيفا غمز أصحابنا عليه وقالوا كان يضع
الحديث] (1).
4 - عمرو بن شمر وقد مضى.
5 - الحسن بن علي بن أبي حمزة. فان الكشي نقل عن ابن فضال فيه أنه

(1) رجال النجاشي ص 163.
109

كذاب ملعون (1).
الثاني - ورود جملة من المجاهيل والمهملين والمختلف في حالهم مع
وضوح الاختلاف فيهم وما شاكل.
ومن البعيد أيضا أن يكون اطلع على وثاقتهم ومن خلال الكتب الرجالية
مع عدم اطلاع غيره كالشيخ والنجاشي مع قرب عصرهم وكون ديدنهم البحث
عن أمثال المذكورين ونذكر من هذا القسم:
1 - سهل بن زياد.
2 - النوفلي.
3 - المعلي بن خنيس.
4 - محمد بن الفضيل.
5 - أحمد بن هلال بل إن الكشي روى لعنا فيه (2).
6 - إسماعيل بن يسار الهاشمي فقد ذكر فيه النجاشي [.. ذكره أصحابنا
بالضعف] (3).
7 - أحمد بن السياري.
8 - محمد بن سنان.
وغيرهم بل أن هذا القسم مما لا تكاد تحص أفراده وهذا أحد أهم
المنبهات على بطلان كبرى الدعوى المتقدمة.
3 - ورود المراسيل والمقاطيع وما شاكل ذلك ولا مبرر لنقل ذلك وبهذه

(1) اختيار معرفة الرجال ص 552 رقم 1042.
(2) نفس المصدر ص 535 رقم 1020.
(3) رجال النجاشي ص 21.
110

الكثرة إلا لعدم اطلاعه بنفسه على المحذوفين والمجهولين... اللهم إلا
يدعى أنه اطلع على غيب الله فيهم ولكنه لم يذكرهم حفظا لأمانة النقل.
ومن مفردات هذا القسم:
1 - ما ورد في الكتاب وهو قوله [حدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع
الحديث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
2 - قوله [حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم عن أبي
عبد الله (عليه السلام (2).
3 - قوله [حدثني أبي رفعة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) (3).
4 - ما رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاث وسائط [فحدثني أبي
عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال قال لي رسول
الله (صلى الله عليه وآله)] (4).
5 - [.. وحدثني هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني
رجل من بني عدي بن حاتم عن أبيه عن جده عدي بن حاتم..] (5).
6 - [حدثنا جعفر بن محمد الفزاري.. عن رجل عن أبي
بصير..] (6).
7 - [أخبرنا أحمد بن إدريس قال.. عن الحسين بن أبي يعقوب عن

(1) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 99.
(2) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 49.
(3) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 389.
(4) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 175.
(5) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 60.
(6) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 295.
111

بعض أصحابه..] (1) وإلى غير ذلك من الموارد التي يلاحظها المتتبع...
وهذه الأمور الثلاثة تزداد أهمية بملاحظة كثرة الضعفاء ووضوح حالهم
بحيث كلما ازداد الاستقراء تزداد القيمة الاحتمالية لبطلان الدعوى وإثبات ان
ابن إبراهيم لم يرد إلا خصوص رواته المباشرين.
بل إن كون أغلب روايات كتابه واردة عن أبيه وأحمد بن إدريس تكاد
تشككنا في أصل كلتي الدعويين وتثبت لنا ان غاية مراده إثبات وجود عدد من
الثقات والمشايخ في الجملة.
هذا تمام الكلام في الشق الأول.
وأما الشق الثاني فهو مرتبط بالمراد من مشايخنا وثقاتنا.. فان قيل
بالاحتمال الأول وكما بينا بان الشيخ لا يطلق على غير المباشر إلا بعناية
خصوصا مع ملاحظة إضافة الثقات والمشايخ إلى (نا) بقوله (مشايخنا
وثقاتنا).
فستكون الجملة بناء عليه ناظرة لاثبات وثاقة مشايخه وانه روى كتابه
بواسطتهم ووجه ذلك أنه لم يعبر بأنه سيذكر ويخبر بما رواه المشايخ والثقات
ليرد احتمال التعميم بل انه ذكر أنه مخبر بما ينتهي إليه من المشايخ.
والمراد انه يذكر الروايات التي تصل إليه من شيخه وثقته وهو يكاد
يكون كالنص في إرادة المباشرين لعدم كون الواقع في السند بعدهم ممن
انتهت رواياته إليه كما لا يخفى...
ومنه تعرف ان تفسير (مشايخنا وثقاتنا) بمقتضى الاحتمال الثاني لا يزيد
شيئا على المدعى حتى لو سلمت المغايرة.
هذا مضافا إلى عدم صحة كبرى الملازمة بين الشيخوخة وبين الوثاقة.

(1) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 423.
112

ولعمري بعد هذا فإن الامر أبين من الأمس وأوضح من الشمس.
وبهذا يتحصل ان عبارة ابن إبراهيم لا تدل على أكثر من وثاقة مشايخه
المباشرين إن لم نخدش في ذلك أيضا كما عرفت بيانه.
البحث الثالث - القول في أسانيد نهج البلاغة:
وهو الكتاب الذي ألفه الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أبي أحمد
الحسين بن موسى بن محمد بن موسى ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر
الصادق (عليه السلام) والمولود سنة 359 ه‍ والمتوفى سنة 406 ه‍ (1).
وقد جمع فيه الكثير من كلام الأمير علي بن أبي طالب سلام الله عليه
وفي موارد شتى كما صرح بذلك في مقدمة النهج.
[.. وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام
مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه ومتشعبات غضونه من
خطب وكتب ومواعظ وآداب..] (2). وقد فرغ من تأليفه عام 400 ه‍ كما نص
على ذلك في خاتمة النهج..
والذي دعاني إلى البحث المذكور ورغم عدم كونه محل ابتلاء من
الناحية الفقهية أحد أمرين:
1 - إرسال جمع من الشيعة نسبة الكتاب إلى الأمير (عليه السلام)
معتقدين صحة كل ما ورد فيه بحسب الاعتبار الرجالي.
2 - ما ورد من التشكيك المطلق في الكتاب من قبل جمع من العامة.

(1) اكتفاء القنوع ص 271.
(2) نهج البلاغة ص 11.
113

فقد قال الذهبي من طبقاته [وفيها - سنة 436 - توفي شيخ الحنفية
العلامة المحدث أبو عبد الله الحسين بن موسى الحسيني الرضي واضع كتاب
نهج البلاغة] (1).
فإنك ترى أنه عد الشريف الرضي من الحنفية ومن مشايخهم وانه قد
وضع نهج البلاغة إلى غير ذلك مما ليس ههنا موضع بحثه.
ولا ريب في أن دافعهم ما وجدوا فيه من اشتماله على ما لا تهوى
أنفسهم كخطبة الشقشقية وغيرها مما يزعزع عرش مذاهبهم.. ولا نريد إطالة
الكلام في هذا البحث بقدر ما نريد بيان بعض الأمور ويمكن تلخيص الوجوه
التي تثبت صحة النهج بثلاثة:
الأول - ان الشريف الرضي قد ذكر ما ذكره منسوبا إلى الأمير (عليه
السلام) والذي يظهر من المقدمة كون ذلك عنده من المسلمات.
الثاني - ان أسلوب النهج لا يتفق لاحد غير الأمير (عليه السلام) لما فيه
من بلاغة تبهر العقول ويسلم بها كل ذي مسكة وعلم باللغة والأدب العربيين.
ولذا تجد أن جمعا من علماء النجف لما وجه إليهم السؤال عنه قالوا بأنه
فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وكما صرح بذلك ابن أبي الحديد
نفسه.
الثالث - ان النهج كان على مرأى من علمائنا وأصحابنا المتقدمين ولم
نجد منهم من طعن في صحته أو غمز فيه مما يدل على تسالمهم بان ما فيه هو
من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه.
إلا أن الانصاف عدم تمامية كل من هذه الوجوه وذلك:
أما الأول - فلانه لو سلم دلالته فغايته الصحة بنظر الشريف (قدس سره)

(1) تذكرة الحفاظ ج 3 ص 289.
114

مع اننا لا نسلم الدلالة المتقدمة وذلك لذكر نفس الشريف في مقدمته ما يخل
بذلك حيث قال مبررا اختلاف التعابير.
[.. والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا..] وكيف
يقال بذلك مع حذفه للأسانيد وعدم ذكره إلا القليل منها مما ستعرف حاله.
وأما الثاني - فلانه غاية ما يثبت صحة وجود كلام للأمير (عليه السلام)
في النهج في الجملة وهذا مما لا نناقش فيه. بل اننا نعتقد بأن شبه هذا الكلام
لا يمكن صدوره من غيره فضلا عن أن تعدد مآخذ الشريف الرضي وان حذف
الاسناد يثبت بالضرورة وقوع العديد من كلام الأمير (ع) في طيات الكتاب.
وأما ثبوت النهج بمجمعه فمما لا يقتضيه هذا الوجه كما هو بين واضح
وأي صعوبة في الدس المقتبس من مجموع كلامه بحيث يؤذي إلى ضياع
التشخيص ولو جزئيا.
وأما الوجه الثالث فإنه يتم لو كان الأصحاب والفقهاء بصدد العمل
بمضمونه من الناحية الفقهية مع أنه ليس كذلك.
وكون ما في الكتاب مجملا صحيح النسبة كافيا لاتخاذه مسلكا ومنهاجا
للكمال والسير والتقرب إلى حضرة الله عز وجل خصوصا مع تأيد ما فبه -
ولأي كانت النسبة - بالعقول السلمية والقلوب النيرة المستقيمة.
ومنه يتحصل ان التشكيك في النهج على نحو يراد منه استيعاب الجمل
والكلمات بأسرها ففيه إشكال وتأمل واضحين كما عرفت من ثبوته ولو في
الجملة. وإن لم نستطع الجزم ببعض المفردات أو الجمل بالتحديد.
ويتأيد ما ذكرناه ورود المراسيل وما رواه الضعاف وما شاكل ذلك.
فمن الأول -
1 - ومن كتاب له (عليه السلام) كتبه لشريح بن الحرث قاضيه
115

[روي (1) ان شريح بن..] فان التعبير ب‍ (روي) إرسال واضح.
2 - ومن خطبة له (عليه السلام) روي (2) عن نوف البكالي قال خطبنا
بهذه الخطبة وهو قائم على حجارة...
3 - ومن خطبة له، (عليه السلام) روى (3) ان صاحبا لأمير المؤمنين يقال
له همام كان رجلا عابدا..
4 - ومن كلام له (عليه السلام) روي (4) عنه أنه قال عند دفن سيدة نساء
العالمين...
5 - ومن كتاب (5) له (عليه السلام) إلى طلحة والزبير مع عمران بن
الحصيني الخزاعي وذكر هذا الكتاب أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات.
6 - وروي (6) انه كان جالسا في أصحابه إذ مرت بهم امرأة جميلة.
ومن الثاني -
1 - [روى اليماني عن أحمد بن قتيبة عن عبد الله بن زيد عن مالك بن
دحية وفي الحديث انهم كانوا خلقه في سبخ الأرض] (7).
وهو ضعيف باليماني فإنه مجهول.
2 - وروى (8) ابن جرير الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي

(1) نهج البلاغة ج 3 ص 4.
(2) نهج البلاغة ج 2 ص 103.
(3) نهج البلاغة ج 2 ص 160.
(4) نهج البلاغة ج 2 ص 182.
(5) نهج البلاغة ج 3 ص 111.
(6) نهج البلاغة ج 4 ص 98.
(7) نهج البلاغة ج 2 ص 227.
(8) نهج البلاغة ج 4 ص 88.
116

ليلى..] وهو ضعيف بابن أبي ليلى.
3 - ومن حلف كتبه (عليه السلام) بين اليمن وربيعة ونقل (1) من خط
هشام بن الكلبي والأخير ضعيف.
4 - ومن كتاب له (عليه السلام) أجاب به أبا موسى الأشعري قال وذكر
هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأموي في كتاب المغازي (2).. وسعيد المذكور
ضعيف.
إلى غير ذلك مما يلاحظه المتتبع.
نعم ان كتاب النهج ككتاب بلاغي أدبي تعليمي إرشادي أخلاقي
نموذجي مما لا نظير له ولا أتت البشائر مثله يكاد يكون وحيا منزلا وذهبا
منضدا.
وبهذا ينتهي البحث عن الباب الرابع..

(1) نهج البلاغة ج 3 ص 134.
(2) نهج البلاغة ج 3 ص 136.
117

الباب الخامس
القول في وثاقة من روى عنه أحد أصحاب الاجماع
وهذا البحث من أجل المباحث وأنفسها لأنه لو تم كبرويا لادى إلى
تصحيح الكثير من الروايات التي كانت في عالم الضعف.
بل عن بعض الاعلام دخول آلاف الأحاديث في دائرة الصحة بذلك.
ومنشأ الدعوى المذكورة ما افاده الكشي في ثلاثة مواضع من كتابه الذي
اختصره الشيخ الطوسي والمعروف بكتاب اختيار معرفة الرجال حاليا.
وما افاده الشيخ الطوسي في كتاب العدة.
ولا بد من عرض كلامهما ومناقشته وبيان المقدار الذي يستفاد منه
لاثبات المدعى فههنا مقامات:
الأولى - في دلالة عبائر الكشي على الدعوى:
الثاني - في دلالة عبارة الشيخ على ذلك:
الأولى - عرض العبائر وذكر محل الاستدلال.
119

الثانية - في تعميق الاستدلال وبيان المختار.
الجهة الأولى -
ذكر الكشي في موضع من كتابه في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام):
[قال الكشي: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب
أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا
أفقه الأولين ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي
والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطايفي قالوا وافقه الستة زرارة وقال
بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن
البختري] (1).
والكلام في فقه العبارة من موضعين:
الأول - في قوله [أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين..] فان
لفظ هؤلاء أما ان يعود إلى الستة كما هو المشهور وأما ان يعود إلى سائر
الأولين من أصحابهما (عليهما السلام) وذلك ببيان مؤيد هو تعقيبه ذلك
بجملة (أفقه الأولين) مما يدل على إرادة جميع الأولين من العبارة المتقدمة.
وعليه ففي كل مورد علمنا من القرائن أو من النص الصريح لاحد أرباب
الكتب الرجالية والاعلام الذين يعتد بأقوالهم بأن فلانا فقيه فيبنى على وثاقة
كل من يقع بعده أيضا ولعل ذلك يظهر من السيد الداماد وغيره. إلا أن
الصحيح إرادة خصوص الستة وذلك لقرائن ثلاث:
أ - أنه فرع أفقهية الستة على الجملة الأولى بالفاء فقال (فقالوا أفقه..)
وهو ظاهر في إرادة تفسير العبارة الأولى وتوضيحها وإلا لانبغى العطف

(1) اختيار معرفة الرجال ص 238.
120

بالواو.
ب - ان التعبير باسم الإشارة يناسب المحسوس المذكور أو ما قام مقامه
وأما عودها على الفقهاء مطلقا مع عدم كونهم مذكورين فبعيد ويخالفه لو
عادت اللفظة على الستة المذكورين بعد ذلك.
ج - ان هذا التعبير من الكشي موافق سياقا للعبارتين الآتيتين ولا يحتمل
وجود مغايرة بينهما وهناك يوجد صراحة في إرادة خصوص المذكورين نصا
وتفصيلا فوحدة السياق تقتضي وحدة المراد..
الثاني - ان جملة (وقال بعضهم) تعود إلى نقل بعض الأصحاب
واجتهاده الخاص في مقابل العصابة. والعبارة على هذا التوجيه بمعنى ان
الكشي ينقل عن الأصحاب أفقهية هؤلاء الستة وبعض آخر ينقل رأيه الخاص لا
انه ينقل عن الأصحاب أفقهية الستة ولكن بإبدال الأسدي بالمرادي وهذا
الاحتمال هو الأظهر لعود الضمير إلى الأصحاب لا إلى أجنبي ينقل رأيهم
ليقال بوقوع المعارضة بين نقله ونقل الكشي..
هذا تمام الكلام في العبارة الأولى
* وذكر الكشي في موضع آخر من كتابه في تسمية الفقهاء من أصحاب
أبي عبد الله (عليه السلام) [أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء
وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم
وسميناهم ستة نفر جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير
وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان. قالوا وزعم أبو إسحاق
الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون: ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث
أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) (1).
وهذه العبارة أصرح من سابقتها في عودها على خصوص الستة

(1) اختيار معرفة الرجال ص 375.
121

المذكورين وأنهم أدنى رتبة من الستة المتقدمين.
كما وان المراد من أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) أنهم
كانوا شبابا إذ يقال للشاب الفتى أنه حديث السن وحدث بفتحين وجمعه
أحداث لا كما ربما يتوهم أنه مشتق من التحديث أي انهم كانوا أكثر تحديثا
لعدم صحة هذا الجمع بهذا المعنى ولعدم كون الكلام بصدد بيان ذلك.
وفي موضع ثالث ذكر الكشي في باب تسمية الفقهاء من أصحاب أبي
إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليه السلام).
[أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم
بالفقه والعلم وهم ستة نفر دون الستة الذين ذكرناهم في أصحاب أبي
عبد الله (عليه السلام) منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع
السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب
وأحمد بن محمد بن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب
الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب وقال بعضهم مكان ابن فضال (1)
عثمان بن عيسى وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى] (2).
وفقه العبارة واضح وأما إبدال البعض للحسن بن محبوب بشخصين لا
ينافي كونهم ستة لأنهم كذلك بشهادة الكشي لا بشهادة البعض الآخر ولعله
كان يعتقد بأنهم سبعة
وقد تحصل من مجموع هذه العبائر دعوى إجماع العصابة على تصحيح
ما صح عن ثمانية عشر رجلا ولا خلاف في ستة عشر منهم وإنما الخلاف في
اثنين هما ابن محبوب وأبو بصير الأسدي.
ولا ضير في الخلاف المذكور ما دام من بعض لا يعلم أهميته خصوصا

(1) اختيار معرفة الرجال ص 566 وفي نسخة أخرى فضالة بن أيوب مكان ابن فضال.
(2) المصدر السابق.
122

انه أعرض عن ذكر اسمه.
وتفترق العبارة الأولى عن الأخيرتين بعدم وجود جملة [.. تصحيح ما
يصح عن هؤلاء] فيها بل اقتصرت كما عرفت على الفقرة التالية وهي
[تصديقهم..].
إلا أن استبعاد إرادة المغايرة بين هذه العبائر وخصوصا ان الستة الأولى
هم أعلى وأرقى درجة منهم بشهادته يحدد إرادة معنى واحد من جميع هذه
العبائر فالمستفاد دلالة من الثانية والثالثة لا محاله مراد من العبارة الأولى.
هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.
الجهة الثانية - في تعميق الاستدلال وبيان المختار:
وتعميق الاستدلال بهذه العبائر بملاحظة قوله في أول العبارة [أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون..] الخ.
ببيان ان المراد ب‍ (ما) هو الروايات وأما حرف (عن) فهو للتجاوز
والمعنى ان ما صح متجاوزا إليهم أجمعت العصابة على صحته دون النظر
فيمن بعدهم وهذا ينسجم مع أحد احتمالين.
الأول - بناء الأصحاب على صحة رواياتهم بمجرد صحة السند إليهم
ولو جهل الواقعون بعدهم. لجهة بناء أصحاب الاجماع على عدم نقل غير
الصحيح والمعتمد لقرائن وشواهد ثابتة لديهم ولو كانت غير مرتبطة بالرواة
ووثاقتهم.
وعلى هذا الاحتمال يكون نظر العبارة إلى تصحيح المضمون
والمروي.
الثاني - بناء الأصحاب على العمل برواياتهم كذلك لكن لا لصحتها في
نفسها بل لعلم الأصحاب ببناء أصحاب الاجماع على عدم الرواية إلا عن
123

الثقات وذلك لمزيد احتياطهم ودقتهم في النقل عن الأئمة المعصومين
صلوات الله عليهم.
ونظر العبارة على هذا التوجيه إلى تصحيح الراوي وتوثيقه.
وقد ذهب إلى الاحتمال الأول جمع من الاعلام كصاحب الوافي وظاهر
السيد علي في الرياض وغيرهم ممن نسب إليهم هذا القول.
وذهب إلى الاحتمال الثاني السيد الداماد والمولى المجلسي والفاضل
السبزواري والعلامة البهبهاني وغيرهم وهو الصحيح.
وذلك لان ظاهر الكشي إرادة معنى واحد من العبائر الثلاث بل لا
يحتمل تحقق اجماع الطائفة على الاخذ برواية ابن أبي عمير واضرابه وتصحيح
ما يصح عنهم وعدم تحقق ذلك في حق زرارة مع قرب التعابير الثلاث
مضمونا.
ومن هنا يندفع الاشكال القائل ان العطف بالواو في جملة [تصحيح ما
يصح عنهم وتصديقهم] يدل على أن التصحيح عائد إلى الرواية ومضمونها لا
إلى الراوي بل إن هذا العطف لإرادة التأكيد والتوضيح للمراد. ولذا حذفه في
العبارة الأولى واكتفى بعبارة [تصديقهم..].
ويؤيد ذلك أن الكشي لو كان بصدد دعوى الاجماع على التصحيح
للروايات مضمونا للزم منه دعوى اطلاق جميع الأصحاب المجمعين على
جميع روايات هؤلاء وعلمهم بصحتها جمع مع اختلاف مبانيهم بالصحة
وشرائطها وعدم توفر جميع روايات الراوي عند كل منهم ودعوى كهذه تكاد
تكون من المحالات وبخلافه ما لو قيل بان هذا العبائر دالة على أن هؤلاء
لمزيد جلالتهم ودقتهم في النقل عن الأئمة كان ديدنهم النقل عن خصوص
الثقات ليأمنوا الدس والتغيير والتحريف.
وهذا مما لا يحتاج إلى مؤونة أكثر من الاطلاع على أحوالهم والعلم
124

ببنائهم وإن لم يطلع الأصحاب على أي من رواياتهم.
ومما يؤيد ذلك ما ذكره الطوسي في آخر بحث خبر الواحد من العدة من أن
الأصحاب سووا بين مراسيل ومسانيد ابن أبي عمير وغيره لاجل أنهم لا
يرسلون إلا عن ثقة بتوضيح ان العبارة - وكما ستعرف مفصلا - تعود إلى
اجتهاد من قبل الشيخ في فهم عبارة الكشي وهي صريحة في إرادة توثيق كل
الواقعين في الأسانيد لمكان بناء هؤلاء والتزامهم عدم الرواية إلا عن الثقات.
لا يقال ان شيوع ذلك ينافي عدم عمل الشيخ نفسه بروايات ابن أبي عمير
المرسلة وغيره من أصحاب الاجماع.
قلنا - ان عدم عمله لمانع شئ، وعدم عمله بدوا شئ آخر. وما نحن
فيه من قبيل الأول فان الشيخ في الاستبصار كان بصدد علاج الاخبار
المتعارضة ومن الطبيعي جدا انه سيقدم المسند الصحيح على ما فيه أحد
أصحاب الاجماع ولو من باب أقوائية الكاشفية عن الواقع في الروايات
الصحيحة المسندة.
ثم إن ههنا ثمة إشكالات قد ترد لا بد من الإجابة عليها وهي متعددة:
الأول - ان العبارة المذكورة لا تدل على أكثر من جلالة هؤلاء القوم
ووثاقتهم ومزيد ورعهم ولا نظر لها للمروي أو رواته مطلقا.
ويؤيد ذلك اننا لم نجد أحدا من القدماء عمل بخبر ضعيف محتجا بأن
في سنده أحد أصحاب الاجماع.
والجواب ان إرادة ذلك من العبائر لا تكاد تعقل إذ كيف يدعى وجود
ثمانية عشر رجلا فقط ممن اجتمعت العصابة على وثاقتهم وورعهم وغير ذلك
مع وجود النصوص المتضافرة على وجود المزيد من الاجلاء والعيون
والعدول بل إن بعض المتأخرين أنهى ثقاته إلى ألف وثلاثمائة وثمانية
وعشرين رجلا.
125

وأما عدم عمل القدماء - لو سلم على عمومه - فلعله من جهة قربهم
للرواة ولأصحاب الاجماع فكانوا يركنون لبعض الروايات دون أخرى من دون
حاجة لاعمال القاعدة أو لاجل وجود روايات آخر في الباب موافقة لما رواه
أصحاب الاجماع أو غير ذلك فيعملون بها من دون حاجة الاستشهاد برواية
فيها إرسال أو ضعف وقع في سندها أحد أصحاب الاجماع.
الثاني - ان لازم القول المختار عدم ورود الضعفاء والمهملين وأمثالهم
في سند الروايات التي فيها أحد أصحاب الاجماع مع أن ذلك واقع وبشكل
معتد به.
والجواب يتضح على ضوء ما أسسناه من لزوم التدقيق في عبائر الذم
والمدح فان تضعيف شخص من الواقعين في إسناد روايات أصحاب الاجماع
لا يضر ما دام راجعا إلى معتقده أو إلى حديثه ومن هنا قيل في البرقي (ضعيف
الحديث) مع أنه من أجلة الأصحاب وأوثقهم.
وكذا فإن وجود المهملين والمجهولين لا يتنافى مع ذلك بل يمكننا
القول بأن موضوع القاعدة هو تصحيح المهمل والمجهول وعلى حد
تصحيحات الشيخ والنجاشي واضرابهما إن لم تكن دلالة القاعدة من خلال
العبائر المتقدمة أبلغ في إثبات الجلالة والوثاقة وخصوصا ان حذف الأسانيد
كان لأسباب سياسية. أو نتيجة لضياع الكتب وكتابتها بعد ذلك عن ظهر
قلب.. كما هو الحال في كتب ابن أبي عمير فإنه اضطر نتيجة ضياع كتبه أو
تعرض بعض الأسانيد للاندثار إلى ذكر كلمة (رجل) أو (بعض أصحابنا) بدل
الاسم السابق مع أن الجميع من الثقات وحذفهم ليس إلا لاجل نسيان
أشخاصهم بالذات.
ثم إنه لو فرض وجود شخص قد ثبت ضعفه صريحا من جهة اللسان فإننا
نحتمل انه كان ذا حالتين كما هو الحال في علي بن أبي حمزة البطائني والذي
126

روى عنه سبعة من أصحاب الاجماع رغم ما ورد فيه الذم واللعن.
ووجه ذلك - وكما سيأتي في الخاتمة - كون الذم متأخرا عن زمان
الروايات وكونه في ظرف وقفه وانحرافه.
بل إن وجود شخص ما لم يصدق في حياته ولو مرة مما لا نكاد نتعقله..
ومن هنا نقول إن وجود شخص قد نص على كذبه أو وضعه مما لا يخرم
القاعدة وعمومها.
ان قلت إن هذا لا يزيد على الاحتمال.
قلنا هو كاف في عدم انخرام القاعدة إذ كيف تقيد أو تخرم بالاحتمال
وان كان معتدا به.
ومنه يندفع الاشكال الذي يعود بروحه إلى الاشكال الثاني وحاصله اننا
نتيجة للعم الاجمالي بوجود الضعاف لا نلتزم بالعمل بالمراسيل لاحتمال
كون المحذوف أحد الضعفاء المعلومين بينما نلتزم بالعمل بالمسانيد لو وجد
في أحدها فرد من أصحاب الاجماع.
ووجه ذلك أن التمسك بالقاعدة كعام حين الشك هو من التمسك بالعام
في الشبهة المصداقية ووجه الاندفاع ما عرفت من عدم تعقل رجل لم يصدق
في حياته ولو مرة مع إمكان حمل الذم على برهة زمانية مغايرة للبرهة التي نقل
أصحاب الاجماع فيها عنه إلى غير ذلك مما تقدم بيانه كحمل التضعيف على
ضعف الاعتماد.. ومنه يندفع الاستشهاد بأمثال علي بن أبي حمزة أو ولده فان
الأول ممن له حالتان والثاني من يحتمل رجوع تكذيبه إلى الاعتقاد لقول ابن
فصال عقيب تكذيبه (ملعون) وكذا يندفع الاستشهاد بورود المفضل بن صالح
ضمن من روى عنه أحد أصحاب الاجماع إذ ورد فيه التعبير ب‍ (غمز فيه) وهو
أعم مما يراد إثباته وعلى ذلك يقاس جميع الذين نقض بهم على عموم
القاعدة.
127

الثالث - ان انفراد الكشي بمثل هذا الدعاوى دليل على عدم إرادته ما ذكر
وإلا شاع بين الفقهاء آنذاك وأرباب الرجال مع كونهم بصدد البحث عما هو من
قبيل ذلك.
والجواب انه ليس بأيدينا من الكتب الرجالية المعتمدة إلا أربعة كما
عرفت في المقدمة وعدم تعرضها مع قلتها لا يدل على عدم وجودها.
وأيضا فان الشيخ في العدة ذكر ما يشابه هذه الدعوى ولا بد انه عثر على
شواهد لصدقها وان كان أصل دعواه مأخوذ من كتاب الكشي وسيأتي بيانه
وكذلك فإن النجاشي لم يكن بصدد بيان هذه المسائل بأكثر مما كان بصدد الرد
على من عاب على الشيعة في أنه لا كتاب لهم في الرجال.
وأما عدم تعرض الفقهاء لذلك فقد عرفت وجهه عند الجواب عن
الاشكال الأول.
الرابع - انه لو تمت الدعوى المذكورة لما كان معنى لطرح الروايات التي
رواها أحد أصحاب الاجماع كما هو الحال مع الشيخ الطوسي والذي هو أحد
أرباب هذه الدعوى.
فقد روى عن ابن محبوب عن الحسن بن صالح رواية وعلل طرحها بأن
الحسن زيدي بتري غير معمول برواياته (1) ولم يقل أنها معتبرة مع كون ابن
محبوب في طريقها.
والجواب وكما عرفت آنفا ان الشيخ كان بصدد العلاج والجمع بين
الأدلة والسعي ما أمكنه لبيان الوجوه والأدلة لرفع ما قد يتوهم من تضاد
الاخبار وتناقضها وهو مقام يستدعي طبيعيا طرح ما كان مرسلا أو كان راويه
مضعفا ولو لجهة لا تعود لوثاقته وتقديم المسند الصحيح عليه.

(1) التهذيب ج 2 ص 408 ح 1282.
128

ومن هنا نجد ان جموع الشيخ في الغالب تبرعية لا تعود إلى قانون عرفي
متين.. مما يؤكد صحة ما ذكرناه..
الخامس - ان دعوى الاجماع المتقدمة منقولة بخبر الواحد وقد قرر في
محله ان الاجماع إنما يكون حجة فيما لو كان محصلا وكاشفا عن رأي المعصوم
بشروط تذكر في محلها وأما الاجماع المنقول فهو بقوة الخبر الواحد الحدسي
المحتمل للحس وهو غير حجة..
والجواب أننا لا نؤمن بكبرى التعبد في الطرق وإنما المناط عندنا
تحصيل نحو ركون للنفس بصحة آية دعوى تدعى.
وههنا كذلك خصوصا انه كرر الدعوى ثلاثا ولم يذكر من الاشخاص إلا
ما كان مترقبا في حقه ذلك.. ومن ثبت قيام فقه آل محمد (عليهم السلام).
هذا تمام الكلام في المقام الأول...
المقام الثاني - في المستفاد من عبارة الشيخ:
وكان حق هذا البحث أن يكون فرعا من أجل ما ستعرفه من عود دعواه
إلى اجتهاد منه في كلام الكشي.
وعليه فما يقال هناك يقال ههنا ولا حاجة في هذا المقام إلى أكثر من
إثبات ان كلام الكشي هو منشأ لدعوى الشيخ وإن لم ينافي وجود الشيخ لبعض
الشواهد على صحة كلام الكشي.
والمستفاد من عبارته يدور حول صفوان واضرابه كما جرت العادة في
عنونة البحث عند أرباب الدراية.
ومنشأ هذا الكلام ما أورده في كتاب العدة في آخر بحث خبر الواحد
حيث قال [.. وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال
المرسل فإن كان من يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر
129

غيره على خبره ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير
وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي بصر وغيرهم من الثقات الذين
عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما أسنده
غيرهم] (1).
وهذه العبارة كما قلنا مستوحاة من عبائر الكشي وذلك لوجوه عدة:
1 - ان كتاب الكشي من أهم الكتب الرجالية ولذا تولى الشيخ نفسه
اختصاره بالكتاب المعروف باسم اختيار معرفة الرجال ولم يصلنا الكتاب
الأصل.
ولا بد ان الشيخ قد اطلع وتأمل جيدا في هذه العبائر ولم يناقش فيها
وفي مدى صحتها وملاحظة كل شؤونها بما يعود لثبوتها وإلا كان من الطبيعي
جدا ان يوردها في كتابيه الرجاليين وهما الفهرست والرجال مع أنه لم يذكر
هذه الدعوى فيهما.
2 - ان الاشخاص الثلاثة المذكورين في عبارة الشيخ مذكورون أيضا في
عبائر الكشي.
3 - ان الشيخ الطوسي لم يذكر الثلاثة مكتفيا بهم بل انه عطف عليهم
قوله [وغيرهم من الثقات..] مما يدل على عدم انحصارهم وعلى انهم
الثمانية عشر الذين ذكرهم الكشي في كتابه.
ان قلت ألا يحتمل أن يكون الشيخ قد اطلع على مقتضى هذه الدعوى
من النجاشي.
قلنا إن النجاشي وان توفي قبل الشيخ إلا أن كتابه قد كتب بعد تأليف
الشيخ لكتابيه بدليل نقله عنهما في ترجمة الشيخ الطوسي (قده) هذا أولا.

(1) العدة ج 1 ص 387.
130

ثانيا - ان النجاشي لم يذكر هذه العبارة ليرد أصل هذا الاحتمال بل لا
يوجد لها أثر ولا عين حتى في ترجمة أمثال زرارة ومحمد بن مسلم وابن أبي
عمير والبزنطي والذين هم من أبرز أصحاب الاجماع ومن البعيد جدا أن يكون
اطلع على ذلك ولم يذكره. خصوصا انه ذكر في حق من ليس من قبيلهم ما
يشابه ذلك كما هو الحال في جعفر بن بشير حيث قال في ترجمته (روى عن
الثقات ورووا عنه).
كيف لا وقد قيل بأعرفية النجاشي من الشيخ بل قيل فيه أنه أعرف علماء
الرجال ومما يؤيد ذلك أنه ذكر في ترجمة بعض أصحاب الاجماع ما هو دون
هذه الدعوى بكثير كما قال في ترجمة زرارة [.. شيخ أصحابنا في زمانه
ومتقدمهم وكان قارئا فقهيا شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين
صادقا فيما يرويه..] فإنك تراه يذكر انه كان شاعرا ولم يذكر - ما لو علمه - ما
هو أهم من ذلك.
ويتأيد ذلك أيضا بما يعلم من خلال ملاحظة نقل النجاشي بأنه كان على
اطلاع بكتاب الكشي لكونه بين يديه.
ولذا نقل عنه في غير مورد كما في ترجمة أبان بن تغلب فقال [قال أبو
عمرو الكشي في كتاب الرجال..] (1) إلى غير ذلك من الموارد.
ومن جميع ما تقدم يتحصل انه لا يستفاد من عبارة الشيخ أكثر مما
يستفاد من عبائر الكشي...
ولذا يندفع ما أورد على كبرى صحة أسانيد أصحاب الاجماع من دعوى
نظر عبائر الكشي للفتاوى لا للاخبار بدليل عنونة العبائر ب‍ [باب تسمية
الفقهاء..].

(1) رجال النجاشي ص 7.
131

ووجه الاندفاع ما عرفت من عود عبارة الشيخ إلى هذه العبائر وقد صرح
هو بما لا ريب فيه بإرادة الروايات من العبائر حيث أبدل التعبير ب‍ [لا يروون
ولا يرسلون..].
وبهذا ينتهي البحث في الباب الخامس.
132

الباب السادس
القول في تقدم الجرح على التعديل وعدمه
والبحث في هذه القاعدة من مهمات الأبحاث الرجالية وذلك لامرين:
1 - كثرة تضارب الألفاظ في حق الرواة جرحا وتعديلا مما يعني إعمال
هذه القاعدة في كثير من الموارد.
2 - كثرة التعرض له عند علماء الدراية وبحث وجوه النقض والابرام
والاثبات وما إلى ذلك.
وقد نسب للمشهور من علماء القول بتقديم كلام الجارح على كلام
المعدل ولو تعدد الأخير. وهذا إنما ينسجم مع الدعوى القائلة بوجود ثوابت
موضوعية لعلم الدراية ولكنك عرفت بطلان ذلك.
وقبل بيان المختار لا بد من إبراز الوجوه التي يمكن فرضها منشأ لدعوى
المشهور والرد عليها وهي عديدة منها:
الأول - ان التعديل مبني على ملاحظة ظواهر الرجل وسلوكه ومجموع
فعاله ويكاد يكون محالا اطلاع المعدل على كل مجريات وأفعال رجل ما
133

وإنما يشهد بعدالته من مجموع أمور حسية وملاحظات وقرائن يطمئن من
خلالها باستقامة الرجل وسداده وهذا لا يتنافى مع انحرافه باطنا ولو في برهة
زمنية قصيرة ولم يطلع المعدل عليه.
وهذا بخلاف الجارح فإنه يكفي في صدقه اطلاعه على حالة ما من
أحواله ومن هنا يكون تقديم قوله عملا بكلتي الشهادتين معا..
الثاني - ان شهادة المعدل شهادة على أمر حدسي هو العدالة غير أنها
منتزعة من مجموع أمور حسية أو ما قرب منها بينما على العكس من ذلك
شهادة الجارح فإنها شهادة على أمر محسوس ومع تعارض الشهادتين كذلك لا
بد من تقديم الشهادة الحسية على الحدسية وذلك لامرين:
1 - غلبه الخطأ في الحدسيات بالمقابلة مع الحسيات.
2 - كون عمل العقلاء وديدنهم على تقديم الشهادة الحسية على غيرها
حين التعارض.
الثالث - ان الاهتمام بأمور الرجال وبيان المجروح منهم من المعدل
الموثوق أمر قديم عرفه الأصحاب ومنذ عهد الأئمة الأطهار ولذا كثر السؤال
عن الاشخاص الذين يركن إليهم في أخذ معالم الدين ليتميزوا عن غيرهم ممن
ليسوا كذلك وبما أن عادة الأصحاب أخذ الحائطة في أمور الدين عموما وبما
يتعلق منها بالجرح والقدح خصوصا لما فيه من مزيد النهي والوعيد بالخذلان
واللعن كان الأقرب إلى الأصحاب حمل الرجال على ظاهر الفعال وحسن
المقال والبناء على العدالة والصلاح أو التوقف مهما أمكن من مثل هذه
الأمور.
ومن هنا كانت شهادة الواحد منهم بجرح، ونتيجة لما تشتمل على
الجرأة والهتك ببيان ما خفي عن الناس أشبه بالنص الصريح على صحة
وواقعية الشهادة بحيث دعته إلى الخروج عن ديدن وطريقة الأصحاب إلى
134

إبراز معايب ومثالب من ظهر أو خفي منه ذلك.
ومن الطبيعي ساعتئذ تقديم الشهادة الجارحة على المعدلة كما تقدم
الدلالة اللفظية على السكوتية والصريحة على الظاهرة والمحتملة.
وفي كل هذه الوجوه الثلاثة نظر بين:
* أما الأول - فلانه يتم لو بني على أن العدالة عبارة عن الاسلام مع عدم
ظهور الفسق الملائم للاطلاع والاختبار السطحي أو عدمهما أصلا. وأما لو
بني على أنها ملكة وكيفية راسخة في النفس باعثة على ملازمة الطاعات
وتجنب المحرمات بل وعدم الاخلال بالمروات كما هي عند البعض فان
النتيجة ستنعكس لان الملكة كما بين تكون قرينة على صرف ما ظهر من فسق
وانحراف عن ظاهره وحمله على جهة من الجهات المسوغة مما لا يتنافى مع
ثبوت الملكة المذكورة.
وكذلك الحال تبعا لما اخترناه في حقيقة العدالة من أنها انعكاس
تشريعات الملة على تصرفات وسلوك الرجل إذ لا نقصد منها ظهور حالة أو
حالتين بل نعني بها مجموع تصرفات تدعو إلى الاطمئنان والركون إلى أنه لا
يصدر منه ما يخل بالجادة ومما يؤكد ذلك الكثير من الحوادث الخارجية مع
المؤمنين والتي قد يستظهر منها بل يقطع من خلالها بانحرافهم وزندقتهم
أحيانا مع أنه بعد الفحص والسؤال يتبين ان لها وجها وجيها بل قد تكون لازمة
واجبة وإنما دعا إلى الحكم المتقدم عدم الإحاطة بجميع الظروف والملابسات
المكتنفة بالحادث.
فهذا محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني يرمى بأنه يونسي وكأنها مدعاة
لكفره وخروجه عن الملة مع أنه من مثل يونس في الورع والصلاح كيف وقد
ورد فيه أنه أفقه الأصحاب بعد سلمان الفارسي وخرج التوثيق فيه
والترحم عليه بل قد ضمنت له الجنة إلى غير ذلك مما ورد
135

فيه (1).
ولو استقرأت ما قيل في الأصحاب والعظام لوجدت العجب العجاب
مما مصدره التسرع وعدم التثبت وغلبة قوى النفس الشيطانية وما إلى ذلك.
* وأما الوجه الثاني فيرد عليه:
ان دعوى كون العدالة من الأمور الحدسية وهي لا تقاوم المحسوس
فغريبة بل وفيها من التسامح في التعبير ما لا يخفى لان العدالة وإن لم تكن
شخصا أو جسما خارجيا يرى بالعين إلا أنها عبارة عن حالات حسية أو قريبة
منها كما تقدم فحضور الجماعات والمواظبة على الطاعات واجتناب
المحرمات أمور محسوسة وهذا المجموع منها ومن غيرها يسمى بالعدالة.
فالاسم بما هو اسم ليس محسوسا لكن المسمى هو أمر حسي.
وإن شئت التنزل فهي أمر حدسي ملاصق جدا للحس كما هو الحال في
الشجاعة والكرم وساعتئذ تنخرم كلتا الدعويين من غلبة خطأ الحدسيات
بالمقابل مع الحسيات ومن أن عمل العقلاء على ترجيح المحسوس على
المحدوس بل لو قيل بالعكس لكان أوجه ذلك لان العدالة تقتنص من مجموع
ملاحظات حسية تشكل قرينة ظنية أو قطعية على المجموع المسمى بالعدالة
بينما لا يحتاج الجرح إلى أكثر من ملاحظة حالة خارجية واحدة وتقديم الجرح
مع كونه كذلك على التعديل مع ما عرفت في كيفية اقتناصه خلاف الوجدان
وخلال الانصاف.
هذا أولا:
وثانيا - ان الالتزام بتقديم المحسوس على المحدوس لا يخلو أما
للاطمئنان بكذب المحدوس أو بخطئه أو لجري العقلاء الممضي شرعا.

(1) اختيار معرفة الرجال ص 478.
136

وكلاهما ممنوع:
أما الأول فلعدم حصول الاطمئنان بكذب أو خطأ الخبر الحدسي كما
عارضه خبر حسي بل قد يحصل العكس أحيانا.
وأما الثاني فلعدم تسليم جري العقلاء على تقديم المحسوس على
المحدوس مطلقا ولو سلم فان ذلك لا يتم فيما كان ملاصقا جدا للحس وما
نحن فيه إن لم يكن حسيا فهو كذلك.
* وأما الوجه الثالث فغريب أيضا إذ تارة يلحظ الأصحاب بما هم
متشرعة وأصحاب وتارة بما هم مريدون حفظ الشريعة وصونها عن الحدثان
وتطرق الوضع والتحريف.
ففي الحالة الأولى قد يصدق على الأصحاب أخذهم الحائطة في الدين
وإيجادهم للمحامل الحسنة والعمل على إصلاح أمور الناس ومساعدتهم
للوصول إلى أهداف الله تعالى إلا أنه في الحالة الثانية ليس كذلك إذ كيف
تصان الشريعة بحمل من ظهر منه الفسق والكذب والوضع على محمل ما مع
كونه يحمل بحسب الظاهر تراث أهل البيت مع أن أدنى تساهل يؤدي إلى
زعزعة بنيان الشريعة المحمدية..
وبعبارة أخرى فإن صون الشارع إنما يكون بالتشدد مع كل محتمل
الكذب في روايته فضلا عن مظنونه وهذه عادة القميين أشهر من أن تخفى في
مزيد احتياطهم بالأخذ عن الرجل حتى أن أحمد بن عيسى الأشعري أخرج
البرقي من قم لا لذنب سوى اعتماده الضعفاء في مروياته.
وأما بيان المذهب المختار في القاعدة فيتوضح ضمن بيان نقطتين:
الأولى - طريقة فهم الألفاظ:
الثانية - حقيقة التناقض:
137

أما الأولى - فإنه وكما عرفت أن اللفظ مرحلتان مرحلة تصورية ومرحلة
تصديقية فليس كل ظاهر بدوا هو مراد جزما وجدا للافظه بل إن هذا خاضع
للون سياق الكلام وحال المتكلم ومعرفة أساليب تعبيره ومن خلال مجموع
ذلك يتحدد المراد الجدي لكلامه.
وأما الثانية - فان الحكم على كلامين، انهما متناقضان مرتبط بوحدة
المحطة التي ينظر إليها كلا الكلامين لا أن يكون أحد الكلامين مفسرا للآخر
أو ناظرا لبرهة زمنية مغايرة إلى غير ذلك مما يذكر من شروط التناقض.
ومن هنا فإن تقديم الألفاظ الجارحة على الألفاظ المعدلة مرتبط
بالنقطتين المتقدمتين فلا الجرح مقدم مطلقا ولا التعديل كذلك بل لا بد من
النظر في كلتي العبارتين أولا والنظر في إمكان توجيه إحداهما بشكل يتناسب
مع الأخرى..
فمثلا قد يرد في حق شخص انه ضعيف الحديث ويرد فيه أيضا انه ثقة
فنحن أمام هذا التضارب لا بد لنا من إعمال الموازنة بين التعبيرين على ضوء
ما عرفت وملاحظة المراد من اللفظة الأولى فان التتبع في موارد استعمالاتها
مثلا يعين لنا ان المراد منها غير ما قد يتوهم من إرادة الكذب والافتراء بل
المراد ان أحاديثه غير منسجمة مع الخطوط الكبرى والعامة للتشيع أو أن
أخبار شاذة أو انه يعتمد المراسيل والمجاهيل وغير ذلك..
وهذه التفاسير كلها لا تتناقض ولا تتضارب مع وثاقة الراوي أبدا..
ولذا يبنى في مثل المورد على العمل بالتوثيق وتقديمه على الجرح.
وكذا فيما لو كان أحد الكلامين محمولا على برهة زمنية محددة كما هو
الحال في علي بن أبي حمزة البطائني فإنه ورد فيه اللعن مع كونه من وكلاء
الامام وخواصه وبالتدقيق والتأمل نجد ان نظر الكلام الجارح إلى ظرف مغاير
لظرف المعدل وهو ظرف وقفه واستبداده بأموال الإمام الكاظم (عليه
138

السلام).
بينما ظرف التعديل ما قبل ذلك. ومنه لا يمكن القول بتقديم الجرح
مطلقا على التعديل مع إمكان توجيه الوارد وبيان انسجامه وعدم تناقضه.
فتحصل من مجموع ذلك أنه لا بد من ملاحظة جملة شروط كأساس
لتقديم الجرح على التعديل أو العكس.
الأول - تشخيص الظاهر الأولي من العبارة.
الثاني - دراسة سير العبارة تاريخيا وتحول معناها عند مستعمليها
وطريقتهم في التعبير ومدى اعتمادهم على مقدمات مطوية أو موجودة تؤثر في
تحديد المراد.
الثالث - معرفة الفترة الزمانية التي صدرت فيها العبارة.
الرابع - دراسة وضع الشخص وملاحظة رواية الاجلاء عنه وعدمها
وموقعة الديني في الأوساط العلمية وطبيعة رواياته.. إلى غير ذلك مما يرتبط
به.
الخامس - إعمال الموازنة بين العبائر الواردة على ضوء هذه المقدمات
وتحصيل فهم عرفي جامع بينها صالح لتفسير التضارب الظاهر بدوا..
وبهذا يتحصل عدم ثبوت قاعدة ثابتة في المقام تستدعي تقديم الجرح
على التعديل أو العكس ولا ان العمل بالجرح عمل به وبالتعديل كما مر
خصوصا انه أخص من الدعوى لاستلزام الجرح أحيانا تكذيب ما صدر من
تعديل التزاما والعكس.
ولذا لا بد من إعمال النظر والاجتهاد والموازنة وهو الأساس الوحيد في
التقديم والترجيح.
139

الباب السابع
القول في قطعية صدور
روايات الكتب الأربعة أو صحتها
ولا يخفى وجود فرق بين دعوى صحة ما في هذه الكتب ودعوى قطعية
صدورها عن المعصومين فان الدعوى الأولى تتلاءم مع الثانية ومع غيرها
ككون رواة هذه الكتب ثقات أو ان رواياتها معمول بها عند الأصحاب كما هو
مبنى بعض في التصحيح... وهذان التفسيران الأخيران لا يلازمان قطعية
صدور هذه الكتب كما لا يخفى.
وقد ذهب إلى هذه الدعوى على الاجمال جمع من الأصحاب كالحر
العاملي والمحدث البحراني والمحدث الاسترآبادي وغيرهم.
كما أن من الأصحاب من زاد كتبا أخرى ككتاب المحاسن للبرقي
والاحتجاج للطبرسي والخصال والعيون للصدوق وغيرها من الكتب.
ومنشأ هذه الدعوى على ما يستفاد من ملاحظة كلماتهم هو تضمين
المحمدين الثلاثة وغيرهم كتبهم بعبارات تدل على ما ادعوه من صحة هذه
141

الكتب أو قطعية صدورها.
ولا بد قبل الشروع في البحث وبيان المختار من عرض هذه العبائر
ومناقشتها:
1 - فقد ذكر الشيخ الصدوق في أول كتاب من لا يحضره الفقيه ما لفظه:
[وسألني - أي الشريف أبو عبد الله المعروف بنعمة - ان أصنف له كتابا
في الفقه والحلال والحرام موفيا على جميع ما صنفت في معناه وأترجمه
بكتاب من لا يحضره الفقيه ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك
في أجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه.. فأجبته أدام الله توفيقه إلى
ذلك لأني وجدته أهلا له وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر
طرقه وان كثرت فوائده ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جمع ما رووه
بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد انه حجة بيني وبين ربي
تقدس ذكره وتعالت قدرته وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها
المعول وإليها المرجع..] (1).
وأهم ما في هذه العبارة نقاط ثلاثة:
الأولى - ان تأليفه لاجل عمل السائل ومن أراد أن ينحو نحوه.
الثانية - ان ما ذكره فيه محكوم بالصحة بنظره.
الثالثة - ان ما ذكره فيه مستخرج من كتب معتمدة ومشهورة.
وقد فهم الحر العاملي من هذه العبارة ان الصدوق أراد إثبات صحة
كتابه وصحة كل كتاب أخذ منه واعتبر ان العبارة صريحة في جزم الصدوق
بذلك.
وخصوصا ان تأليفه لاجل عمل السائل كما يدل عليه تعبيره ب‍ [ليكون

(1) من لا يحضره الفقيه ص 3 ح 1.
142

إليه مرجعه] ومن البعيد جدا ان يودع كتابه الصحيح والسقيم ورغم ذلك
يجعله مرجعا للطالب وملاذا للسائل.
ومما يؤكد ذلك أن الصدوق أسند جملة من روايات كتابه إلى
المعصومين مباشرة كتعبيره مثلا (قال النبي (صلى الله عليه وآله) أو (قال
الصادق (عليه السلام)) مما يدل على صحة هذه الروايات وقطعيتها
صدورا...
2 - وأما الكليني فقد ذكر في أول كتاب الكافي رادا على سؤال السائل ما
لفظه [.. ما ذكرت ان أمورا أشكلت عليك لا تعرف حقايقها لاختلاف الرواية
فيها وانك لا تعرف ان اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها وإنك لا
تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها.
وقلت انك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم
الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم
الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام) والسنن
القائمة التي عليها بالعلم وبها تؤدي فرايض الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)
وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون سببا يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا
وأهل ملتنا ويقبل بهم إلى مرشدهم وقد يسر الله وله الحمد ما سألت وأرجو أن يكون
بحيث توخيت فمهما كان من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة إذ
كانت واجبة لإخواننا وأهل ملتنا مع ما رجونا ان نكون مشاركين لكل من
اقتبس منه وعمل بما فيه في دهرنا وفي غابره إلى انقضاء الدهر إذ الرب واحد
والرسول واحد وحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم
القيامة] (1).
وأهم النقاط الواردة في العبارة هي:

(1) أصول الكافي ج 1 ص 8.
143

أولا - ان السائل أراد بسؤاله رفع حيرته لعدم علمه بحقائق الاحكام
لاختلافها عليه.
ثانيا - ان السائل طلب كتابا كافيا عما سئل وهاديا له ولاخوانه.
ثالثا - ان الكليني مدح كتابه بعدة جمل عندما قال [وقد يسر الله وله
الحمد ما سألت] إذ أن السؤال وقع عن تأليف كتاب كاف للمتعلم ومرجع
للمسترشد ومأخذ لمن أراد معالم الدين.
رابعا - ان الكليني صرح بان كتابه مأخوذ عن الآثار الصحيحة عن
الصادقين (عليهم السلام) ووجه الاستدلال بهذه النقاط يتلخص بأحد أمرين:
الأول - ان حيرة السائل لا تخلو أما لاجل تعارض الأحاديث واختلافها
أو لاجل عدم تميز بعضها من بعض لوجود الثبت وغيره بين الرواة...
ولا بد معه وفي كتاب يكون جوابا وشفاء من الحيرة من كونه بغير ما كان
منشأ لها إذ لا تدفع الحيرة بالحيرة.
ان قلت إن ما ذكر مناف لوجود المزيد من التعارض في روايات
الكتاب.. قلنا إن ما ذكر قرينة على عدم جدية التعارض أو إمكان العمل بكل
من هذه الروايات من باب التخيير لصحتها جمع بحسب الظاهر.
الثاني - ان الشيخ الكليني شهد شهادة ضمنية بكون كتابه مأخوذ من
مصادر صحيحة لكون الكتاب جوابا عن سؤال يقتضي ذلك كما مر في العبارة
قوله بلسان السائل [من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة].
فبمقتضى التطابق بين الجواب والسؤال يثبت وبشهادة الكليني الضمنية
ان كل ما في الكتاب صحيح ومعتمد.
3 - وأما الشيخ الطوسي فقد ذكر في كتاب الاستبصار بعد بيانه لنبذة
يسيرة عن كتابه المسمى (تهذيب الأحكام) وانه لطوله وكثرة ما فيه من الأدلة
144

وتضاربها ألف كتاب الاستبصار.. ذكر ما لفظه:
[.. وان ابتدى في كل باب بإيراد ما اعتمده من الفتوى والأحاديث فيه
ثم أعقب بما يخالفها من الاخبار وأبين وجه الجمع بينها.. إلى أن قال واعلم أن
الاخبار على ضربين: متواتر وغير متواتر فالمتواتر منها ما أوجب العلم مما
هذا سبيله يجب العلم به من غير توقع شئ ينضاف إليه ولا أمر يقوى به ولا
يرجح به على غيره وما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضاد في
أخبار النبي (صلى الله عليه وآله).
وما ليس بمتواتر على ضربين فضرب منه يوجب العلم أيضا وهو كل
خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم وما يجري هذا المجرى يجب أيصا العمل به
وهو لا حق بالقسم الأول] ثم ذكر جملة من القرائن وقال: [وأما القسم الآخر
فهو كل خبر لا يكون متواترا ويتعرى من واحد من هذه القرائن فان ذلك خبر
واحد يجوز العمل به بشروط] ثم ذكر وجوها للعمل بالاخبار وترجيح أحدها
على الآخر وقال.. [وإذا لم يمكن العمل بواحد من الخبرين إلا بعد طرح
الآخر جملة لتضادهما أو بعد التأويل بينهما كان العامل أيضا مخيرا في العمل
بأيهما شاء من جهة التسليم..] وعلل ذلك برواية تدل على التخيير وبأنه مع
عدم الاجماع على أحدهما يكون كالاجماع على صحتهما.
ثم قال.. وأنت إذا فكرت في هذه الجملة وجدت الاخبار كلها لا تخلو
من قسم من هذه الأقسام ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفي غيره
من كتبنا في الفتاوي في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه
الأقسام] (1).
وبما أن الكتاب المذكور هو اختصار لكتاب التهذيب كان لا بد من ذكر
ما قاله هناك قبل التعرض لوجه الاستدلال على قطعية صدوره أو صحته.

(1) الاستبصار ج 1 ص 4.
145

فقد قال في التهذيب بعد أن عرض تعييب قوم علينا بكثرة اختلاف
رواياتنا حتى أن البعض رجع عن الحق لذلك وانه لاجله جعل كتاب المقنعة
للشيخ المفيد منطلقا لكتابة كتابه وجعل مع كل حكم شاهدا من القرآن أو من
السنة القطعية المتواترة أو السنة المحفوفة بقرائن تدل على صحتها قال ما
لفظه:
[.. ثم اذكر بعد ذلك ما ورد في أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك
وانظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وأبين الوجه فيها أما بتأويل
أجمع بينها وبينها أو أذكر وجه الفساد فيها أما من ضعف اسنادها أو عمل
العصابة بخلاف متضمنها.
ومهما تمكنت في تأويل بعض الأحاديث في غير أن أطعن في أسنادها
فاني لا أتعداه واجتهد أن أروي في معنى ما أتأول الحديث عليه حديثا آخر
يتضمن ذلك المعنى أما من صريحه أو فحواه حتى أكون عاملا على الفتيا
والتأويل بالأثر وان كان هذا مما لا يجب علينا ولكن يؤنس بالتمسك
بالأحاديث] (1).
كما أن الحر العاملي نقل عنه قوله في مواضع أخر أن كل حديث عمل به
قد أخد من الأصول والكتب المعتمدة مع أنه صرح في العدة بعدم جواز
العمل بالظن والاجتهاد في الشريعة. وأيضا فإنه كثيرا ما يرد الأحاديث في
تهذيبه بقوله انها من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
هذا ما أردنا ذكره من كلام الشيخ مما يمكن ان يدعي من خلاله صحة
كلا كتابيه أو قطعية صدورهما.
ووجه الاستدلال يمكن ان يستفاد من عدة مواقع:

(1) التهذيب - ج 1 - ص 4.
146

الأول - قوله في بداية الحديث بان ما يذكره في كتابه مما يعتمد عليه
ومن البعيد جدا مع قربه وقرب عهده للأصول واطلاعه عليها أن لا يكون
اعتمد في كتابيه على غير الصحيح ومقطوع النسبة والصدور.
الثاني - ما قاله عقيب تقسيمه للاخبار إلى متواترة وغيرها.. والغير إلى
محفوف بقرائن قطعية وعدمه مما يجوز العمل به بشروط حيث قال إن كلا
كتابيه بل غيرهما من هذه الأقسام.
وهو شهادة صريحة بصحة كل ما في كتابيه على الأقل...
الثالث - ما يستفاد من كلامه بان ما رواه مأخوذ من الكتب المعتمدة ولا
ريب في أنه أراد اعتمادها عند الأصحاب لا عنده لظهور كلامه في إرادته بيان
مزية لكتابه ومن المعلوم ان اعتماد الأصحاب على هذه الأصول ليس إلا لجهة
وثاقة الرواة والناقلين لها أو لقطعية صدورها عن المعصومين (عليهم
السلام).
الرابع - ما يستفاد من كلامه في العدة حيث منع جواز العمل بالظن
مضافا إلى ما يذكره في غير موضع طارحا للاخبار بعلة انها لا توجب علما ولا
عملا.
وهذا كالصريح في أن كل ما عمل به هو مقطوع الصدور أو انه محكوم
بالصحة على أقل تقدير.
هذه خلاصة الكلمات الأربعة للمحمدين الثلاثة مع بيان أهم ما يمكن
الاستدلال به على المدعى.
وسنجيب عن الدعوى بمناقشة دليل كل كتاب مستقلا عن الآخر.
فاما ما استدل به لاثبات قطعية صدور أو صحة من لا يحضره الفقيه فيرد
عليه أمور:
147

أولا - ان دعوى تأليفه لاجل عمل السائل لو دلت على صحة ما فيه فإنما
تصح في حق من لا نظر له في فقه ولا تأمل له في علم ولكن السائل المعروف
ب‍ (نعمة) وكما يظهر من كلامه هو من أهل العلم والنظر لأنه ذكره بعبائر مادحة
وانه ذاكره في كتاب الرازي (من لا يحضره الطبيب).
ومعه كيف تصح دعوى كهذه مع صدق المؤلف الجامع والمعتمد على
مجموع كتابه وان اشتمل على جملة من الرواة المجاهيل والضعفاء وغير
ذلك.
وإنما ذكرت من باب عدم مخالفتها للمنقول أو المعمول أو لعدم وجود
بديل بها في بابها..
وثانيا - ان محكومية الكتاب بالصحة بنظر الصدوق غاية ما تدل عليه انه
عثر على قرائن تثبت ذلك وهي أعم من كون الحديث مقطوع الصدور من
المعصوم أو متعبد بصحته لكونه خبر واحد مثلا.
بل إن الشيخ جرى في تصحيحاته مجرى شيخه ابن الوليد فهو يصحح ما
يصححه ويضعف ما يضعفه.
ولذا نجده في كتاب علل الشرائع يصف جملة روايات بأنها صحيحة مع أنه
بالمراجعة نجد انها مروية عن العامة أو انها في غاية الضعف.
بل لو سلم أصل دعواه فغايته محكوميته بالصحة ضمن نظره وعلى نفسه
لا على غيره ولعلنا لو اطلعنا على ما اطلع عليه هو أو شيخه من قرائن لما
أوجب لنا ما أوجب لهما على أن أصل المحكومية مخدوش به تبعا لما شهد به
جمع من رجوع الشيخ عن دعواه وقد جمع المحدث البحراني أربعين موردا
أفتى الصدوق فيها بخلاف ما رواه في الفقيه.
وثالثا - ان كون كتابه مأخوذ من كتب مشهورة أو معتمدة مما لا يجدي
148

نفعا لاثبات المدعى وذلك لوجوه:
أ - ان شهرة الكتاب شئ وصحتها أو قطعية صدورها ولو ترامى سندها
شئ آخر ولا ملازمة بينها وغايته ثبوت نفس الكتاب إلى مؤلفه بالشهرة لا أكثر
من ذلك.
ولذا يصح إسناد الرواية إلى الكاذب لصدورها منه مع أنها غير معتبرة
لمكان كذبه وان صدرت منه حقا.
وأما انضمام دعوى اعتماد الأصحاب على الكتب المذكورة فهي دعوى
مجملة المراد لصدق الاعتماد عليها عندهم وإن لم يعملوا بكل ما ورد فيها
وإنما صح تسميتها بالمعتمدة بالمقابل مع غيرها وبالنظر إلى جلالة وشأن
مؤلفيها ولغلبة وجود ما يحتاجه الفقيه فيها.
وكذلك فان الكبرى غير مسلمة إذ أن الصدوق في بعض الموارد يذكر
حديثا ما قائلا انه لم يجده إلا في كتاب واحد كما هو الحال في باب الوصي
يمنع الوراث حيث أفاد [ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن
يعقوب ولا رويته إلا من طريقه].
وهذا الكلام كما ترى لا ينسجم مع دعوى قطعية صدور كتابه.
ب - ان اعتماد الأصحاب على الأصول والكتب المذكورة لو سلمنا
الملازمة بينه وبين ثبوتها فغايته الثبوت الأعم من الواقعي والتعبدي وهو لا
يتناسب أيضا مع دعوى قطعية الصدور.
كيف لا يقدر وقد امتلأ كتابه بالمجاهيل والمهملين والضعفاء وغير ذلك
مما لا داعي لذكره لسهولة الاطلاع عليه بالمراجعة.
ج - ان الصدوق أسند أحاديثا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة
بل إلى جبرائيل أحيانا وبدون واسطة مع عدم العلم بسنده إلى هذه الروايات.
149

فهل يقال بثبوت هذه الأحاديث المرسلة لمجرد نسبته إلى من ذكرناه
مباشرة وهل هو إلا من التقليد الممنوع على أهل النظر والبصيرة.
د - انه لم سلم ان اسناده إلى المعصومين يدل على صحة كتابه فهو لا
يثبت المطلوب لان غايته ثبوت الصحة بنظره مع أنه يحتمل جدا إرادة ما رآه
في كتب الأصحاب فأسنده على حسب ما رآه.
وبهذا يتحصل بطلان هذه الدعوى ولزوم أعمال النظر في روايات هذا
الكتاب كشرط في جواز الاخذ بها.
وأما الجواب عما استدل به لاثبات قطعية أو صحة روايات الكافي فيقع
من عدة وجوه:
الأول - ان حيرة السائل وعدم علمه بحقائق الاحكام لا تعين جهله وكونه
من المقلدة محضا بل إن ذلك قد يكون لجهة كثرة الأصول والكتب وكثرة
الموضوعات والنقول المتضاربة مما لم يدع له مجالا للتثبت من شئ يركن
إليه.
كما أن الظاهر من تعبيرات الكليني ان السائل كان من أهل النظر والعلم
وإلا كان يكفيه ذكر آرائه أو ذكر الروايات بدون أسانيدها.
وأيضا فان كلامه لا دلالة فيه على أنه لم يورد في كتابه إلا مقطوع الصحة
وان كان هذا مرغوبا ومطلوبا.
ويؤيد ذلك ما نقله الكليني نفسه عنه [وقلت انك تحب أن يكون عندك
كتاب كاف يجمع (منه) من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع
إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين].
فان تعبيره ب‍ (يأخذ منه) دليل على أن فيه ما هو صحيح وتام واقعا أو
ظاهرا لا أنه كله كذلك.
150

الثاني - ان الكليني نفسه قد نبه السائل على كيفية الاخذ بالروايات التي
أوردها وما ينبغي طرحه منها حيث قال فيما قال [فاعلم يا أخي أرشدك الله لا
يسع أحد تمييز شئ مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه إلا ما أطلقه
العالم.. وقوله (عليه السلام) خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب
فيه..].
فان هذا صريح في وجود روايات شاذة ينبغي طرحها لمقابلتها للمجمع
عليه.
الثالث - انه لا ملازمة أصلا بين طلب السائل لكتاب شاف له وبين كون
الكتاب قطعي الصدور أو صحيحا مطلقا.. فكم من الكتب الطبية أو الهندسية
والتي فيها من الغث والثمين ورغم ذلك يقال لها كافية نظرا لامكان اقتناص
غالب المطلوب والمراد منها.
ومنه يعرف الجواب من النقطة الثالثة إذ أن الكليني أجابه على مقتضى
ما يتطلبه سؤاله وقد عرفت عدم اقتضاءه لأكثر مما ذكر.
الرابع - ان ما ذكره الكليني من أن كتابه مأخوذ عن الآثار الصحيحة
للصادقين (عليهم السلام) لا يمكن تسليمه بأكثر مما عرفت في الوجه المتقدم
وذلك:
أولا - كثرة وجود الروايات المروية عن غير الصادقين (عليهم السلام):
وثانيا - كثرة وجود المقاطيع والمراسيل كذلك وهل يقال في مثل رواية
رواها في الجزء الأول [علي بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه
السلام)] (1).
أو [علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن عيسى عن

(1) أصول الكافي ج 1 ص 453 وص 467 وص 468.
151

حفص بن البختري عمن ذكره عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لما مات
أبي..].
أو [الحسين بن محمد بن عامر عن أحمد بن إسحاق بن سعد عن
سعدان بن مسلم عن أبي عمارة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه
السلام)...].
أو [الحسين بن محمد عن المعلي بن محمد عن البرقي عن أبيه عمن
ذكره عن رفيد مولى يزيد بن عمرو بن عبيدة..].
.. بأنها مقطوعة الصدور أو انها صحيحة بأكثر مما هي كذلك بنظره -
لو سلم أيضا -.
اللهم إلا أن يدعى أنه يعني بذلك أنها مأخوذة من الكتب المعتمدة
والمشهورة وقد عرفت جوابها.
وأما الجواب عما ادعى من قطعية صدور كتابي الشيخ الطوسي (قده)
فهو من عدة وجوه:
الأول - ان دعوى قرب الشيخ لأصحاب الأصول جارية فيه وفي غيره
وهل يا ترى يقال ذلك في حق كل مصنف ومصنف.
مضافا إلى أن الشيخ لم يصرح بان كل ما في كتابه معتمد المأخذ بل إن
ذلك في خصوص ما يتبدى به كما في أول استبصاره.. ولذا تراه يردف
أحاديثه المذكورة بغيرها ويذكر وجوه العلاج والتأويل.
الثاني - ان ما ذكره الحر العاملي على عكس المدعى أدل لأننا بمراجعة
كلام الشيخ لم نعثر على أنه قال أن ما في كتابه أما متواتر وأما غير ذلك ولكنه
مقطوع الصدور بل إن صريح كلامه في وجود أخبار آحاد لا بد من النظر فيها
وفي كيفية العمل بها ولذا تراه قيد جواز العمل بشروط عدة..
152

الثالث - ان كون كتابيه مأخوذين من الأصول المعتمدة ليس صريحا كما
عرفت في إرادة الاعتماد تفصيلا بل انه يحتمل كون ذلك لجهة وضوح نسبتها
إلى مؤلفيها مع جلالة قدرهم وعظمة مكانهم وانسجام ما رووه مع كبريات
التشيع.
كما أنه يحتمل كون ذلك لاجل وجود الشواهد والقرائن العملية
واللفظية على صحتها ومما يؤيد ذلك أن الشيخ في كتاب العدة قال إن تسليم
الأصحاب الإحالة على الأصول المشهورة إنما هو فيما لو كان راوية ثقة.
وكلامه صريح جدا في عدم قطعية كتابيه بل وكتب غيره أيضا لا من
حيث الصدور ولا عند الأصحاب.
بل لو سلم قطعيتها عندهم فإنها لا تسلم لدينا لوصول هذه الكتب إلى
المحمدين الثلاثة وغيرهم ممن قارب عهدهم عبر الواحد سواء أكان لجهة
المعصوم أو لجهة أصحابها.
ومعه لا يبقى مجال لدعوى قطعية صدور الكتب الأربعة.
وهذا الوجه يشمل المقام وغيره مما سبقه.
الرابع - ان ما ذكره من عدم تجويزه العمل بالظن والاجتهاد لا محالة
يريد به كبراه وإلا فقد امتلأت كتبه بألوان ووجوه الاجتهاد وأنحاء
الاستظهارات والتأويلات الظنية وإنما كان محط نظره ما كان من قبيل
التخرص والاستحسان والقياس والرجم بالغيب وما شاكل ذلك.
ولا نظر لعبارته إلى ما قام الدليل على جواز الاعتماد عليه وان كان
ظنيا.
هذا مع عدم قبولنا لكبري مقولة ظنية أخبار الثقات.
ويمكن ان نذكر شواهد ومؤيدات أخرى لابطال دعوى قطعية صدور كلا
153

كتابيه:
1 - كثرة روايته (قده) عن المجاهيل والضعفاء بل الكذابين وبشهادة منه
نفسه فضلا عن وجود المراسيل وما إلى هنالك مما هو قرينة على عدم صحة
الدعوى المتقدمة.
لا يقال ان ضعف أو جهالة الراوي لدينا لا تلازم ضعفه أو جهالته عنده
لاحتمال وضوح الامر عنده.
فإنه يقال مضافا إلى ما تقدم من ورود الضعفاء وبتصريح منه أنه قال في
ذيل رواية الزعفراني في الاستبصار (1) بأنه مجهول وبأن في إسناد الحديث
ضعاف وانه لا يعمل بما يختصون بروايته.
2 - ان الشيخ في العدة صرح بما يستفاد منه عدم قطعية ما في كتابيه
وغيرهما عند الأصحاب لاختلافهم جدا في العمل بالروايات الواردة فيهم فإنه
قال:
[.. وقد ذكرت ما ورد عنهم (عليهم السلام) من الأحاديث المختلفة
التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام
ما يزيد على خمسة آلاف حديث وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل
بها وذلك أشهر من أن يخفى حتى انك لو تأملت اختلافهم في هذه الأحكام
وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك].
وهو كما ترى دلالة اللهم إلا يقال ان اختلافهم كان في كيفية فهم
النصوص وطرق الجمع الدلالي.
3 -
ما ذكره الشيخ في ذيل رواية يونس في الاستبصار عن أبي
الحسن (عليه السلام) قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة

(1) الاستبصار ج 2 ص 230 وص 231.
154

قال لا بأس بذلك.
فقد ذكر في ذيله [فهذا خبر شاذ شديد الشذوذ وإن تكرر في الكتب فإنما
أصله يونس.. إلى أن قال ولو ثبت لاحتمل أن يكون المراد بالوضوء في الخبر
التحسين] (1). ولفظ (لو ثبت) صريح في عدم جزمه ولا ظنه بصدور الرواية.
4 - ما ذكره أيضا في الاستبصار الباب السادس باب الوضوء بنبيذ التمر
عن عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين [... فان لم يقدر على الماء وكان
نبيذا فاني سمعت حريزا يذكر في حديث ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد
توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء].
فقد ذكر [فأول ما فيه أن عبد الله بن المغيرة قال عن بعض الصادقين
ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام وان اعتقد فيه أنه صادق على الظاهر
فلا يجب العمل به.
والثاني انه أجمعت العصابة على أنه لا يجوز الوضوء بالنبيذ فسقط
الاحتجاج به من هذا الوجه ولو سلم من ذلك كله لجاز ان نحمله على الماء
الذي قد طرح فيه تمر قليل.. وإن لم يبلغ حدا يسلبه الماء...] (2).
وهذه العبارة أصرح من سابقتها في عدم جزمه بصحة كتابه مطلقا بل
بعدم الجزم بأن كل ما فيه هو عن المعصومين كما تنبئ بذلك عبارته.
5 - ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صالح الثوري فإنه قال عقيبة
[الراوي له الحسن بن صالح وهو زيدي بتري متروك العمل بما يختص
بروايته] مع أن في سند الرواية ابن محبوب وهو أحد أصحاب الاجماع.
6 - ان الشيخ أكثر الرواية عن سهل بن زياد مع أنه بنفسه ذكر ان سهلا
ضعيف جدا عند نقاد الاخبار وان أبا جعفر بن بابويه قد استثناه من رجال نوادر

(1) الاستبصار ج 1 ص 14.
(2) الاستبصار ج 1 ص 15.
155

الحكمة.
وإلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يحصل عليها المتتبع والتي
تشكل بمجموعها دليلا قطعيا على بطلان دعوى قطعية أو صحة كتابي
الشيخ (قده).
- وعليه يتحصل ان حال الكتب الأربعة حال غيرها من الكتب ولا بد من
إعمال النظر والاجتهاد في رواة أسانيدها وتمييز العليل والسقيم من الصحيح
والمعتمد على طبق القواعد الاجتهادية الملتزم بها.
156

الباب الثامن
القول في جملة أمور ادعي دلالتها على الوثاقة
ذكر أرباب الدراية والرجال أمورا كثيرة أدعي استفادة الوثاقة منها
ونوقش فيها بوجوه كثيرة بحيث صارت موردا للآراء والتفصيلات.
ونذكر نبذة مما ذكروه دالا على الوثاقة:
1 - أن يكون الراوي شيخ إجازة.
2 - أن يكون ممن روى كثيرا عن المعصومين (عليهم السلام).
3 - أن يكون وكيلا من قبل أحد المعصومين (عليهم السلام).
4 - أن يكون ممن روى عنه الاجلاء.
5 - أن يكون رسولا من قبل المعصومين (عليهم السلام).
6 - أن يكون ممن تسلم راية في حرب من حروبهم (عليهم السلام).
7 - أن يكون ممن لازم المعصوم بخدمة أو كتابة أو صحبة وما شاكل
ذلك.
157

8 - أن يكون ممن أذن له في الفتيا من قبلهم (عليهم السلام).
9 - أن يكون ممن تشرف بلقاء الحجة (عليه السلام).
10 - أن يكون ذا أصل أو كتاب.
11 - أن يكون محبوبا من قبلهم (عليهم السلام).
12 - أن يكون ممن استفاد علوما خفية من قبلهم (عليه السلام) كعلم
البلايا والمنايا وما شاكلها.
إلى كثير من الأمور والامارات التي ذكرت لاثبات وثاقة المتصفين
بإحدى هذه الأوصاف وقد رأينا الاعراض عن أكثرها لعدم أهميتها ولوضوح
أمرها وإنما أحببنا التعرض للصفات الثلاثة الأول التي ذكرت في المقام.
فههنا بحوث ثلاثة:
البحث الأول - في وثاقة مشايخ الإجازة:
والمراد من مشايخ الإجازة من كان لديهم كتب أو روايات أجازوا
غيرهم نقلها وروايتها ولو لم يكن بالسماع منهم أو بالقراءة عليهم بل كان
بمجرد اجازتهم النقل والرواية وغير ذلك.
ووجود المشايخ عندنا ليس بعزيز ويعلم حالهم وعددهم بمراجعة كتب
الرجال ككتاب النجاشي.
وقد استشكل في استكشاف وثاقة الشيخ لمجرد كونه شيخ إجازة
باستلزامه وثاقة كل من روى عنه لمجرد الرواية واللازم باطل فالملزوم مثله في
البطلان.
إلا أن الصحيح هو التفصيل بين نوعين من مشايخ الإجازة:
أ - تارة يكون الشيخ مجرد مخبر لجزء يسير من الروايات أو لكتاب
158

واحد مثلا مع مجهولية حاله تماما ما خلا ذلك.
ب - وتارة يكون الشيخ من خلال اجازته ممن صدق عليه انه ناشر
لتعاليم أهل البيت لكثرة حوالته على الكتب والروايات عن الثقات والاجلاء
وغيرهم.
ففي النوع الأول لا نلتزم بوثاقة الشيخ كذلك بينما نلتزم بها في المقام
الثاني ومن هنا قبلنا وعملنا بروايات سهل بن زياد - كما سيأتي توضيحه في
الخاتمة - والوجه فيه أننا لا نتعقل أن يكون الرجل ناشرا لأحاديث أهل البيت
وصاحب مكتب إسلامي لبث الوعي الديني وتنشيط معالم الاسلام وأن يكون
في المقابل كذابا أو وضاعا.
وهذه الملازمة تدرك بسهولة لو لوحظ الحاضر وما فيه إذا انه خير دليل
على الماضي خصوصا في مثل هذه الموارد.
والاطمئنان المذكور بوثاقة الشيخ المجيز إن لم نقل بالعدالة بل بالجلالة
لا يتنافى مع عدم انطباق ما أخبر عنه خارجا أو تبين عدم وثاقته أحيانا كما
يحصل كثيرا في سائر موارد الاطمئنان. ومنه يندفع الاشكال القائل بأن بعضا
من المشايخ قد ضعفهم النجاشي كما هو الحال في الحسن بن محمد بن يحيى
حيث قال النجاشي فيه [.. ورأيت أصحابنا يضعفونه] (1).
ووجه الاندفاع عموما وفيه خصوصا:
أولا - عدم رجوع التضعيف إلى الجهة القولية بل وقد يكون لجهات
أخرى يمكن حمل اللفظ عليها وفي المقام كذلك فان النجاشي ذكر قبل هذه
الجملة ما يدل على أن تضعيف الأصحاب له لا لضعف في نفسه بل لما رواه
عن المجاهيل مما هو مستنكر ومستغرب آنذاك فقد قال ما لفظه [.. وروى
عن المجاهيل أحاديث منكرة..].

(1) رجال النجاشي ص 48.
159

وثانيا - ان المضعف لا يعلم كونه ممن دخل تحت النوع الثاني خصوصا
مع تضعيف الأصحاب له فلعله داخل في أفراد القسم الأول.
وثالثا - لو سلم انه من القسم الثاني فلا ينافي الاطمئنان فان عدم انطباق
المطمئن به معلوم إجمالا ورغم ذلك لا ينافي وجود الاطمئنان وتمركزه.
البحث الثاني القول في وثاقة كثير الرواية عن المعصومين (عليه السلام):
وخير ما يمكن ان يستدل به لاثبات الوثاقة وجوه ثلاثة:
الأول - ان كثرة روايات الراوي عن المعصومين (عليهم السلام) تدل
على ملازمته لهم (عليهم السلام) والكاشفة عن شدة حبه وارتباطه بهم (عليهم
السلام) وهذا لا محالة ينبئ عن جلالة الراوي ووثاقته.
الثاني - ان كثرة الرواية وتعددها كما وكيفا تدل على ايداعهم (عليهم
السلام) أسرار الشريعة وأحوالهم إلى الراوي وهذا يدل على التزام الرواة بأمر
الدين الحنيف. وإلا لما كان لروايتهم عنهم وخصوصا مع نقلها وتدوينها وجه
يكاد يعقل.
الثالث - التمسك بالروايات الخاصة. فقد روى الكشي عن
الصادق (عليه السلام) وبألسنة متقاربة بان معرفة منازل الرجال منهم (عليهم
السلام) إنما تكون على قدر روايتهم عنهم (ع) ولكن الصحيح أن أيا من هذه
الوجوه لا يدل على ما ذكر وذلك لأمور:
أولا - ان كثرة الراوية لا تدل على الملازمة دائما إذ أن تردد شخص ما
إلى المساجد والمنتديات العامة التي يتواجد فيها المعصوم أحيانا كاف في أن
يكثر الراوية عنه.
160

وكذلك فان سماع الراوي عن المعصوم بحيث اطمئن بما سمع كاف في
نقله مسندا إليه مع أن كلا الموردين لا يدل على أي ملازمة للمعصوم كما هو
واضح.
وثانيا - ان الملازمة لا تدل بوجه على المحبة والارتباط وكيف يتم ذلك
وقد لازم النبي (صلى الله عليه وآله) في صدر الاسلام من كانوا يتربصون به
وبالإسلام الدوائر. وممن سمعوا منه (صلى الله عليه وآله). نتيجة لملازمتهم
له المزيد من الروايات وبين أيديهم الوحي والمعجزات والبراهين التي لا
يمكن انكارها.
فهل يا ترى يلتزم بوثاقتهم لذلك.
وثالثا - ان إيداع أسرار الشريعة لا يكتشف من كثرة الرواية أو تنوعها
مطلقا بل إن تنوعها الخاص أو ارتباطها ببعض العلوم التي يعلم بانسجامها مع
الخطوط العامة لخط أهل البيت (عليهم السلام).
فان المعصوم كان يجلس في المساجد وغير ذلك ويفتي الناس ويحدثهم
وكان يسمع منه المفتر والكذاب كما كان يسمعه الصادق والأمين.
ورابعا - ان كثرة الرواية لو دلت على الوثاقة لكان من السهل اليسير على
كل مفتر وضاع ان يؤلف كتابا أو يحدث بما لا عين رأت أو أذن سمعت
وبالتالي يتصف بالجلالة والوثاقة وتأخذ رواياته قيمة معتد بها.
وبعبارة أخرى ان ثبوت مروياته فرع وثاقته لا العكس.
وناهيك من الأدلة على صحة ذلك ما رواه أبو هريرة بشكل فاق زمن
دهره.. وهل يقال بوثاقته بناء على ذلك.
وخامسا - انه قد ثبت في طيات الكتب الرجالية التضعيف والذم للكثير
من أرباب الكتب المتعددة والمرويات الكثيرة.
161

وسادسا - ان ما ادعى دلالته من الروايات الخاصة غير تام فإنه مضافا
لضعف سند هذه الروايات لا نظر لهذه الروايات لاثبات المنازل على قدر
الروايات مطلقا.
بل من المقطوع به عدم صحة ذلك فان الوثاقة والحجية مفروضتان في
كلام الامام في حق الذي يراد معرفة منزلته وإنما أعطي نحو مائز طريقي يعرف
من خلاله منازل الرجال وقربهم للائمة (عليهم السلام).
وأيضا فان الاستدلال المذكور استدلال بأمر غالبي لوضوح عدم
الملازمة إذ رب صديق ورع هو أقل رواية ممن هو أقل منه ورعا وصلاحا..
كما أنه من المحتمل جدا أن يكون المراد بالأحاديث التقدمة اعطاء
ضابطة لمعرفة الرجال بالنظر إلى فقه وتدبر الروايات لا لمجرد الرواية وهذا
نحو ضابطة موضوعية عقلائية ويؤيد هذا الاحتمال ما رواه الكشي نفسه في
مرفوعة المحمدي عن الصادق (عليه السلام) [اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما
يحسنون من رواياتهم عنا فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا فقيل
له أو يكون المؤمن محدثا قال: يكون مفهما والمفهم المحدث] (1).
فان قوله (عليه السلام) فيها [بقدر ما يحسنون] ظاهر في إرادة التفقه
والتدبر ولذا عقبه بما هو مترتب على هذه العبارة وهو قوله [فانا لا نعد
الفقيه.. الخ] فإنه لولا الحمل المذكور لما كان لهذا التفريع والترتيب مناسبة
كما لا يخفى على المتأمل فتأمل.
إلا أن الرواية ساقطه سندا بالارسال.
ويؤيد الاحتمال المتقدم أيضا ما في مكاتبة أبو الحسن بن ما هوية عن
أبي الحسن الثالث (عليه السلام) في سؤال عمن يأخذ معالم دينه فأجابه (عليه

(1) اختيار معرفة الرجال باب فضل الرواية والحديث ص 3.
162

السلام)].. فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كبير التقدم في
أمرنا فإنهم كافوكما انشاء الله].
حيث نجد ان الامام لم يستدل بكثرة الرواية لتحصيل الكفاية بل نجده
أرجعهما إلى كل كبير التقدم في أمرهم وهو الفقيه الممارس والناظر في
أقوالهم وفعالهم بحيث يتوخى ويترقب منه الحق والصواب.
وبهذا يتحصل عدم تمامية الكبرى المدعاة.
البحث الثالث - القول في وثاقة الوكيل من قبل المعصومين (عليهم السلام):
- وقد إدعي ان الوكالة تستلزم العدالة والتي هي فوق رتبة الوثاقة ولا بد
من ذكر ما يمكن أن يكون مدركا لهذه الدعوى:
الأول - دعوى جريان العقلاء وأصحاب المروات على تسليم أمورهم
إلى المأمون والحاذق وخصوصا فيما خطر أمره وعظم نحوه.
ولا ريب في كون المعصوم سيد العقلاء ورجل المروات ولا يتصور في
حقه مع صحة هذه الدعوى ان يوكل الفاسق والكاذب في أموره وشؤونه مع
استدعاء ذلك في بعض الموارد إلى اختلال أحواله وأموره فيما يعود إليه وإلى
التشريع الذي هو بصدد حفظه وبيانه.
الثاني - ان الروايات تضافرت في النهي عن إعانة الظالمين والركون
إليهم كما ورد في المقابل الحث والترغيب في اتخاذ الشريف والأمين مساعدا
وعضدا وأي ظلم أعظم وأوضح من أن يوكل إمام المسلمين وولي الله في
الأرض فاسقا أو كاذبا فاجرا..
163

الثالث - ان توكيل الفاسق من قبل إمام المسلمين نوع تشريف وتعظيم
للوكيل وتسهيل لأموره وشؤونه بحيث يستطيع من خلال ما يحصل عليه
الاخلال بأمر الدين وبلباس الدين وهو مما لا يتصور وقوعه من أحد من
المعصومين (عليهم السلام).
الرابع - التمسك ببعض الروايات الخاصة كالذي رواه الكليني عن
علي بن محمد عن الحسن بن عبد الحميد قال:
[شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي:
ليس فينا شك ولا من يقوم مقامنا بأمرنا رد ما معك إلى حاجز بن يزيد] (1).
وموضع الاستدلال قوله [.. ليس فينا شك ولا من يقوم بأمرنا] حيث إنها
تصرح بنفي الشك والريب ومنه الكذب بل الفسق في كل قائم
بأمرهم (عليهم السلام).
وقبل الإجابة عن هذه الوجوه نذكر أولا الأقسام المتصورة في الوكالة
وما يمكن ان يستفاد بالنسبة إلى كل منها فنقول:
الوكالة تتصور على أنحاء:
الأول - أن يكون وكيلا عنهم (عليهم السلام) فيما يرجع إلى شؤون
الدين كالافتاء والقضاء وامامة الناس وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم ونقل كلام
المعصومين إليهم وما شاكل ذلك.
الثاني - أن يكون وكيلا عنهم فيما يتعلق بأمور النظام العام كنصب
العيون وتحميل الرايات في الغزوات والحروب والتولية في إجراء أحكام
وقائية من تعزير أو قتل وما إلى ذلك.
الثالث - أن يكون وكيلا من قبلهم فيما يعود للحقوق والواجبات المالية

(1) الكافي ج 1 فروع - كتاب 4 باب مولد الصاحب ص 124.
164

كالأخماس والزكوات والكفارات وما شابه ذلك.
الرابع - أن يكون وكيلا من قبلهم بالنسبة إلى الحقوق الخاصة للناس أو
ما ناظرها كحفظ المساجد والأوقاف والمدارس وإدارتها وسائر ما يتعلق
بشؤونها.
الخامس - أن يكون وكيلا من قبلهم في جملة من المسائل الخاصة التي
لا ترتبط بأمور الدين ولا بالناس كشراء وبيع وإيصال رسالة وطلب حاجة وما
شاكل ذلك.
- ثم إنه لا بد من التذكير بان الملازمة بين الوكالة وبين الوثاقة لو تمت
فإنما تفيد إثبات الوثاقة الظاهرية لابتناء تعامل الامام مع الآخرين على الظواهر
كما يشهد له جمع من الأدلة.
وساعتئذ لا يقال باختلال القاعدة لو ثبت تضعيف ما عائد لجهة قولية أو
غيرها من قبل أرباب الرجال بل لا بد من إعمال الموازنة بين نتيجة القاعدة
ومؤدى التعبير الذام وتحصيل النتيجة النهائية على ضوئها.
والصحيح في المقام هو الالتزام بثبوت الملازمة في خصوص موردين
اثنين لا ثالث لهما.
الأول - ما كانت الوكالة فيه من الأمور المهمة والخطيرة.
الثاني - ما كانت الوكالة فيه مستلزمة لثبوت الوثاقة أو العدالة.
أما الأول فلان ديدن العقلاء فضلا عن المتشرعة وفي خصوص أمورهم
الخطيرة التثبت والتأكد من صحة ووثاقة من ينيطون هذه الأمور إليه.
وأي شئ أعظم وأهم من حفظ الدين من الضياع ومن وقوع الدس فيه
ولذا نلتزم بوثاقة كل من ينضوي تحت القسم الأول المتقدم ذكره آنفا بل
وبعض أفراد القسم الثاني لا مطلقا فان توكيل الامام شخصا في إجراء أحكام
165

وقائية مما لا يحتمل فيه كونه كاذبا فاسقا.
بينما يحتمل ذلك في العين ولو في الجملة وذلك لامكان اقتناص
الحقيقة من مجموع كلامه وخصوصا كون المقتنص هو المعصوم (عليه
السلام).
ولا يقال ان هذا يتم مع عدم وجود غيره وأما معه فلا.
إذ يجاب أنه ربما اختير بخصوصه لمزية لا توجد في غيره ككونه من
القوم المأمور بمراقبتهم أو لمزيد خبرته ومثله يقال في حامل الراية ولو لكونه
بطلا في الحروب أو لمناسبة ما تجعل حمل الراية بيده أشد على الأعداء
وأمسك للأصدقاء.
وأما الثاني - فلان الإمام (عليه السلام) رأس الشرع والمتشرعة ولا يعقل
صدور المخالفة منه من هذه الناحية إذ كيف يوكل شخصا في طلاق مثلا وهو
كاذب مخادع مع وضوح توقف انفساح النكاح على قوله.
وكذا الحال في الحقوق المالية المنصب لقبضها لان يد الوكيل بمنزلة يد
الموكل ولو كان كاذبا وأخفى ذلك عن الامام لادى إلى عدم سقوط الحقوق
عن أصحابها بل انه يعرض أموال الشرع للاندراس والاختفاء.
وكذا لو وكل شخصا في امامة الناس فان ذلك دال لا محالة على
عدالته.
وأما في غير ذلك مما لا ملازمة بينه وبين الوثاقة عرفا أو شرعا فلا نسلم
ثبوت الوثاقة به وهل يقال ان توكيل الامام شخصا في شراء حاجة ما دال على
وثاقة الموكل ومنه تعرف ان أفراد الأقسام الخمسة المذكورة لا يلتزم بوثاقتهم
إلا ضمن أحد الضابطين المتقدمين.
ومنه يندفع ما أورده بعض المحققين من ثبوت فسق جملة معتد بها من
166

وكلاء المعصومين (عليهم السلام) ووجه الاندفاع ان فسق أولئك عائد لا
محالة إلى أحد أمور:
1 - أما لجهة غير لسانية مع أن وكالته لا تحتاج إلى أكثر من وثاقة
لسانه.
2 - أما لجهة لسانية أو غيرها ولكن المقام لا يحتاج فيه لذلك كشراء
الأمتعة وما شاكلها.
3 - أن يكون المضعف ممن صدر فيه التضعيف بعد انقضاء وكالته بوفاة
المعصوم أو غير ذلك كما هو الحال في علي بن أبي حمزة البطائني.
وأما الوجوه الأربعة المتقدمة والتي أقيمت لاثبات الملازمة فيرد عليها
زائدا على ما توضح لديك عدة أمور:
أما الأول - فلانه لا يتم إلا فيما عظم أمره لا مطلقا ونحن قد قبلنا
الملازمة فيما كان كذلك.
وأما الثاني - فهو غريب لان ديدن العقلاء والمتشرعة أيضا جار قديما
وحديثا على جعل المزيد من أمورهم في يد الفسقة والكذبة كالبناء والمزارع
والمشتري والبائع ناهيك تتلمذ جملة من العظام عند مخالفينا وهل يقال فيهم
انهم ركنوا إلى الظالمين أو أعانوهم على الظلم والبغي،
وأما الثالث - فقد اتضح بيانه من سابقه خصوصا ان أحوال الأئمة
وأوضاعهم الصعبة لم تكن لتخلق تشريفا للوكيل بقدر ما كانت تجلب عليه
الهموم والأحزان لمراقبة السلاطين لهم وتتبعهم.
وهل يقال لمن خاط جبة أو بنى بناء أو أكل من مطعم ما مع انحصار
البناء والخياط بأنه نوع تشريف لهم. أو ليست هذه أمورا طبيعية يمارسها الكبير
والصغير والشريف والوضيع قديما وحديثا وفي أمثال هذه الموارد.
167

وأما الرابع - فلان الرواية لا يصح الاستدلال بها من جهتين:
أ - سقوطها سندا لجهالة الحسن بن عبد الحميد.
ب - اجمالها دلالة إذ لا يعلم المراد من الامر الذي قام القائم مقامهم فيه
لكون الرواية ليست بصدد البيان من هذه الجهة فلعله داخل تحت القسمين
المذكورين اللذين قبلنا الملازمة فيهما.
ج - ان ظاهر الرواية إرادة إثبات وثاقة وجلالة نوابهم وما شاكلهم ممن
له حظوة ودور في تشريع الله ودينه لا مطلق القائم مقامهم ولو في شراء حاجة
ولذا لم يعبر في الرواية [.. ولا بمن وكلناه] بل إن التعبير ب‍ [من يقوم مقامنا
بأمرنا] دال على ما ذكرناه.
وبهذا ينتهي البحث في الباب الثامن وهو الباب الأخير من
المقصد....
168

الخاتمة
وهي في بعض التطبيقات:
ويدور البحث في خمسة مصاديق وفي كيفية تطبيق كبريات البحوث
المتقدمة على مواردها الجزئية وتحصيل النتائج المرجوة سلبا أو إيجابا:
الأول - في أحوال سهل بن زياد.
الثاني - في أحوال المعلى بن خنيس.
الثالث - في أحوال علي بن أبي حمزة البطائني.
الرابع - في أحوال السكوني (إسماعيل بن أبي زياد).
الخامس - في أحوال عمر بن حنظلة.
169

البحث الأول
في أحوال سهل بن زياد الادمي
ويقع البحث في أحواله ضمن ثلاث نقاط:
الأولى - في عرض أقوال العلماء الفقهاء فيه.
الثانية - في عرض عبائر الرجاليين ومن يعتد بقولهم.
الثالثة - مناقشة الأقوال والعبائر وبيان المختار.
أما الأولى:
اختلفت كلمات الأصحاب في سهل بن زياد فقد نسب للمشهور منهم
تضعيفه وعدم الاعتداد بما يرويه نذكر منهم الشيخ الطوسي في الفهرست
والنجاشي في رجاله والعلامة في الخلاصة وفي جملة من كتبه الفقهية
والمحقق في الشرائع ونكت النهاية والمعتبر والمحقق الآبي في كشف الرموز
والسيوري والشهيد الثاني والبهائي وصاحب المدارك وغيرهم من الأصحاب.
وفي مقابل المشهور ما ذهب إليه الشيخ نفسه في رجاله من القول بوثاقته
171

وقوى ذلك العلامة في التحرير وهو المختار والمعتمد تبعا للوحيد والعلامة
المجلسي.
وأما الثانية -
قال الشيخ في الفهرست [سهل بن زياد الآدمي الرازي أبو سعيد ضعيف
له كتاب أخبرني به ابن أبي جيد..] (1).
وقال في رجاله ضمن أصحاب الجواد (عليه السلام) [سهل بن زياد
الآدمي يكنى أبا سعيد من أهل الري] (2).
وذكره في ضمن أصحاب الهادي قائلا [سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا
سعيد ثقة رازي] (3).
وقال في الاستبصار [.. ضعيف جدا عند نقاد الاخبار وقد استثناه أبو
جفر بن بابويه من كتاب نوادر الحكمة] (4).
وذكره في رجاله ضمن أصحاب العسكري أيضا قائلا [سهل بن زياد
يكنى أبا سعيد الآدمي الرازي] (5).
وقال فيه النجاشي [سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي كان ضعيفا في
الحديث غير معتمد عليه وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو
والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها وقد كاتب أبا محمد
العسكري (عليه السلام) على يد محمد بن عبد الحميد العطار للنصف من
شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح

(1) فهرست الشيخ ص 80.
(2) رجال الشيخ ص 401.
(3) رجال الشيخ ص 416.
(4) الاستبصار ج 3 باب أنه لا يصح الظهار بيمين في ذيل الحديث 935.
(5) رجال الشيخ ص 431.
172

وأحمد بن الحسين رحمهما الله له كتاب التوحيد رواه أبو الحسن العباس بن
أحمد بن الفضل بن محمد الهاشمي الصالحي عن أبيه عن أبي سعيد الآدمي
وله كتاب النوادر أخبرناه محمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عن أبي سعيد
الآدمي وله كتاب النوادر أخبرناه محمد بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد
عن محمد بن يعقوب قال حدثنا علي بن محمد عن سهل بن زياد ورواه عنه
جماعة] (1).
وقال الكشي تحت رقم 1068.
[قال علي بن محمد القتيبي سمعت الفضل بن شاذان يقول في أبي الخير
وهو صالح بن أبي حماد الرازي كما كنى وقال علي: كان أبو محمد الفضل
يرتضيه ويمدحه ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول هو الأحمق].
وقال تحت رقم 1069 [قال نصر بن الصباح: سهل بن زياد أبو سعيد
الآدمي يروى عن أبي جعفر وأبي الحسن وأبي محمد صلوات الله عليهم] (2).
وذكر الشيخ في فهرسته ضمن ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى بن
عمران الأشعري صاحب النوادر بعد ذكر طريقه إلى هذا الكتاب الجامع لكتب
عدة [.. وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها من غلو أو تخليط وهو الذي
يكون طريقه محمد بن موسى الهمداني أو يرويه عن رجل أو عن بعض
أصحابنا.. إلى قوله أو عن سهل بن زياد الآدمي] (3).
وذكر النجاشي أيضا ان محمد بن الحسن بن الوليد كان يستثني من
رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه سهل بن زياد] (4).
وتبعه على ذلك
الصدوق وابن نوح.

(1) رجال الشيخ ص 132.
(2) اختيار معرفة الرجال ص 566.
(3) فهرست الشيخ ص 145.
(4) رجال النجاشي ص 246.
173

ونقل عن كتاب ابن الغضائري قوله [سهل بن زياد أبو سعيد الادمي
الرازي: كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب وكان أحمد بن محمد بن
عيسى الأشعري أخرجه من قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه
والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل].
إلى هنا انتهى ما أردنا ذكره من أقوال الرجاليين وأرباب الصناعة.
أما النقطة الثالثة - لقد استفاد المشهور مما ذكرناه ضعف سهل وعدم صحة الاعتماد عليه
ويمكن ذكر مواضع الاستفادة بعدة نقاط:
1 - تضعيف الشيخ الطوسي له في الفهرست ونسبة ذلك إلى نقاد الاخبار
كما في الاستبصار.
2 - تضعيف النجاشي له كذلك بقوله ضعيفا في الحديث غير معتمد
عليه.
3 - ما نقله النجاشي عن شهادة أحمد بن محمد بن عيسى بأنه غال
كاذب.
4 - اخراجه من قم مهد التشيع والثقات من قبل أحمد بن محمد بن
عيسى.
5 - ما ذكره الفضل من حمق سهل وعدم كونه مرضيا عنده.
6 - ما هو المنسوب إلى كتاب ابن الغضائري من شدة ضعف سهل
وفساد روايته.
7 - استثناء ابن الوليد والصدوق وابن نوح الروايات التي يقع في سندها
سهل بن زياد.
174

وهذه النقاط السبعة هي غاية ما يقال في إثبات ضعف سهل وعدم صحة
الاعتماد عليه إلا أن الصحيح هو وثاقته والاعتماد على ما يرويه ويقع توضيح
ذلك في مقامين:
الأول - في إبطال ما ذكر من دلالة هذه الوجوه على الضعف وإبراز
خدشة فيها.
الثاني - في إبراز منبهات على صحة ما التزمناه.
أما المقام الأول -
وهو خاضع لما ذكرناه في بداية بحوثنا الرجالية من انه ليس لدينا علما
موضوعيا لدراية الرجال بقدر ما لدينا من فقه لدرايتهم ودراسة أحوالهم بنحو
يوجب سكون النفس بصدقهم أو عدمه فلا بد من ملاحظة العبارات التي قيلت
والأجواء والملابسات المقترنة بها مما قد يدعو أحيانا إلى عدم انعقاد مدلول
تصديقي جدي لها مطابق لما حضر بدوا في الذهن وكما تقدم بيانه.
وأما النقطة الأولى فيرد عليها:
أ - ان تضعيف الشيخ معارض بتوثيقه نفسه في رجاله وكتاب الرجال
متأخر عن الفهرست فانا إن لم نقل بتقديم قوله الأخير نظر لكشفه عن تبدل
رأيه فلا أقل من تعارض قوليه مما لا يوجب الاعتماد عليهما معا.
لا يقال كما عن بعض الاعلام بان التأخر يكشف عن التبدل في الرأي
فيما لو كان في الفتوى لا في الاخبار إذ العبرة بزمان المحكي عنه دون زمان
الحكاية لأنه يجاب بأن الاخبار المستند إلى النظر والملاحظة والتدقيق
والموازنة خارج عن حدود الحكاية المحضة.
وثانيا - أي استحالة في أن يخبر المخبر بشئ ما ثم بعد الملاحظة
والتأمل يبدو له شبهة تغير مجرى حكايته مع أن زمانهما واحد ولم (يتعمد)
175

الكذب في كل منهما.
ب - ان توثيقه المتأخر عن التضعيف يمكن جعله قرينة على إرادة
الضعف من جهة أخرى ولو من جهة الحديث بمعنى عدم انسجام رواياته مع
الخطوط العامة للائمة المبرزة آنذاك على الأقل. ولا دلالة فيها على الضعف
من الجهة اللسانية والقولية ويؤيد ذلك تقييد غيره للضعف بكونه في الحديث.
ج - ان نسبة التضعيف إلى نقاد الاخبار مما لا تغني قولا ولا تثبت رأيا
لان تضعيفه نفسه لم يثبت عودة لجهة أقواله فما بني عليه لا يزيد عنه.
د - ان عادة الشيخ في كتاب الاستبصار التعليل فيما يريد طرحه بكون
راويه غير ثقة أو غير معتمد وما شاكل ذلك. والحال عدم حصول ذلك في
كثير من الموارد مما يدلل على أن هذه العبارة إنما ذكرها كشاهد ومؤيد ووجه
لاثبات حكم غير مناقض لما يظهر منه المناقضة كما هو ديدنه في كتاب
الاستبصار.
وأما النقطة الثانية فيرد عليها:
أولا - ان النجاشي لم يطلق تضعيفه ليقال بانصرافه إلى الجهة القولية أو
غير ذلك من الوجوه التي قد تدعى بل قيده بكونه في الحديث والمتتبع
لكلمات الرجاليين يجد ان استعمال اللفظة مقيدة بما ذكر يراد منه إثبات
انفراده بروايات غريبة عن السلوك العام للمذهب كما كان يقال في العبيدي انه
ضعيف الحديث مع أنه من أجل الأصحاب والذي قال فيه العباس بن نوح ردا
على ابن الوليد حيث استثناه من كتاب النوادر [وما أدري ما رابه فيه لأنه كان
على ظاهر العدالة والوثاقة] (1).
وثانيا - ان عدم الاعتماد عليه كما نص النجاشي جاء كتفريع على ضعفه
في الحديث ومن الطبيعي وفي ذاك الوقت خصوصا وفي قم بالذات وفي ذاك

(1) رجال العلامة الحلي ص 272.
176

الجو المتشدد بحيث كان الذي يعتمد الضعفاء والمراسيل مضطهدا معرضا
للاعتزال أو النفي وما شاكل ذلك - أن لا يعتمد عليه.
وطبيعي أيضا ان من كان بنظر قوم ضعيفا في أحاديثه أن لا يعتمد عليه
وان أصبحت رواياته فيما بعد من مسلمات التشيع ومرتكزات أفكاره.
ولرب رواية أعرض عنها الأصحاب لغرابتها وعدم تعقلها أصبحت مع
الزمن من الأمور المسلمة والواضحة كتلك الروايات الواردة في مناقب آل
البيت والتي اعتبرت ردحا زمنيا من الغلو كما رمي ناقلوها بذلك.
وأما النقطة الثالثة فيرد عليها:
أولا - ان كلمة كاذب لم تصدر بهذه الصراحة إلا من أحمد بن محمد بن
عيسى ولو كان أمر سهل بهذه المثابة مع تأخر عهد المضعف والقريب لزمن
المشايخ لكان التصريح بها من قبلهم أمرا غير عزيز مع كون ديدن جملة منهم
هو تتتبع ذلك ونقله.
ثانيا - ان كلمة كاذب لو سلم إرادة ما يدعى منها فلا بد من صرفها عن
ظاهرها نظرا للجو العام الذي صدرت فيه حيث إن سهلا كان متهما بضعف
الحديث بالمعنى المتقدم ونسب إليه الغلو ولا بد ان ذلك لجهد غرابة أحاديثه
وأقواله وطبيعي جدا لمن كان يعتقد فيه ذلك وان رواياته خارجة عن خط آل
النبي (صلى الله عليه وآله) روحا وفكرا بحيث جعلت من روايات الغلاة أن
يعتقد بكذب ووضع قائلها وناسبها خصوصا من أولئك المشددين على شرع
أهل البيت وأخبارهم (ع).
ويؤكد ذلك أن ابن عيسى ذكر كلمة كاذب بعد أن نسب إليه الغلو بقوله
[كان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب].
وأما النقطة الرابعة - فيرد عليها:
177

أولا - ان الاخراج من بلد إلى بلد وان صدر عن الأعاظم إلا أنه لا
ملازمة بينه وبين ضعف المخرج لاحتمال بناء المخرج على مرتكزات يعتقد
خطر الامر في معتقدها مع أنها قد تكون من صلب الواقع.
اللهم إلا أن يقال بالملازمة بين العظمة والعصمة.
وثانيا - ان الملازمة لو سملت فهي تدل على ضعفه إجمالا ولا تدل على
ضعفه من جهة لسانية قولية فهي أعم من ذلك.
ومما يؤيد عدم عودها لجهة القول ما قيده النجاشي في كتابه بقوله [كان
ضعيفا في الحديث] خصوصا مع ملاحظة الجو المشار إليه أنذاك.
وثالثا - ان بعضا من الأعاظم أخرجوا من قم كالبرقي صاحب المحاسن
ولا ذنب له إلا كونه قد اعتمد الضعفاء في مروياته.
فهل يقال بوهنه وكذبه.
وأما النقطة الخامسة فيرد عليها أيضا:
أولا - ان الحمق شئ والكذب شئ آخر إذ رب بليد لا يكذب في قول
ولا يزل في فعل ولو أعطي الأقاليم السبعة بل قد تكون بلادته عاملا وراثيا أو
نتيجة لأمور قهرية فلا تدل على عيب فيه أصلا كما هو الحال عند الشيخوخة
والصدمات الكبيرة.
وثانيا - ان عدم الرضى من قبل الفضل قد يكون منشؤه اعتقاده بحمقه
فضلا عن عدم صراحتها ولا ظهورها في تكذيبه فكم من عظيم لا يرتضي
عظيما آخر مماثلا له وكم عرف التاريخ تلاسنا بين جملة من الأصحاب ممن لا
يشك في دينهم وورعهم ومزيد حيطتهم.
وثالثا - انه من المحتمل جدا أن نسبة الحمق إليه نظرا لغرابة مروياته
بحيث يظن براويها مزيد حمق ونقصان وعي.
178

وأما النقطة السادسة ففيها:
أولا - ان نفس كتاب ابن الغضائري مما لم يثبت لدينا.
وثانيا - انه لو سلم ثبوته فلا يعتمد عليه للعلم الاجمالي بكثرة الأخطاء
فيه أو وجود التحريف ضمنه حتى قيل إن لم يترك أحدا إلا ورماه بالضعف
والكذب بما فيهم الاجلة والأعاظم ومن لا ينبغي الخدش فيه.
وثالثا - ان كتاب ابن الغضائري رغم كثرة تضعيفاته وقسوة عباراته لم
يصرح فيه بكذب سهل بل غاية ما تدل عليه العبارة كون أحاديثه مستغربة غير
مقبولة مما يؤكد ذاك الجو العام المشاع أنذاك في حق سهل وغيره ممن نحا
نحوه.
بل إن العبارة المنسوبة لم تتعرض لسهل بالتكذيب من قبل ابن عيسى
بقدر ما ذكرت انه نهى الناس عن الاستماع إليه والنقل عنه.
وأما النقطة السابعة من الاستدلال فيرد عليها:
أولا - ان المستثني هو ابن الوليد شيخ الصدوق ورأس المتشددين في
لزوم ضبط الرواية عن الثقات والاثبات وفي اللعن على معتمدي المراسيل
والضعفاء فاستثناؤه مع هذا المبين لا يدل على أكثر من ذلك.
ويدل عليه قول الشيخ في الفهرست [وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان
فيها من غلو أو تخليط وهو.. الخ].
مما يدل دلالة واضحة على أن الاستثناء نشأ من عدم وضوح تلك
الروايات واختلاطها آنذاك ومن هنا فقد استثنى العبيدي أيضا مع شهادة ابن
نوح بكونه على ظاهر العدالة والوثاقة.
وبهذا يتضح عدم تمامية كل من النقاط المتقدمة لاثبات ضعف سهل
وعدم صحة الاعتماد عليها ولا مانع عندها من التمسك بتوثيق الشيخ الوارد في
179

رجاله ضمن عرضه لأصحاب الهادي (عليه السلام).
وان خدش في ذلك نظرا لهذا الجو العام من الأقوال الصادرة في حق
سهل وعدم اعتماد الأصحاب عليه أو لجهة تعارض كلام الشيخ فإنه يمكن
إبراز شواهد ومنبهات أخرى تدل على صحة ما ما ذهبنا إليه.
الأول - ان تأليف الشيخ لرجاله وقع بعد فهرسته وتوثيقه (فيه) يدل على
تنبهه لحال سهل.
الثاني - ان كتاب النجاشي متأخر عن كتابي الشيخ بدليل نقله عنهما ولو
كان قد استظهر ضعفا لجهة القول لانبغى النص عليه مع كونه بصدد بيان ذلك.
الثالث - ان سهل بن زياد من مشايخ الإجازة وقد التزمنا بالتفصيل
المتقدم في محله دلالة ذلك على الوثاقة بل الجلالة فيمن صدق عليه انه ناشر
لأحاديث أهل البيت وصاحب مكتب إسلامي كبير. وسهل ممن يصدق عليه
ذلك.
الرابع - رواية الاجلاء عنه وعلى رأسهم المشايخ الثلاثة والذين صدر
من بعضهم ما قد عرفت من العبائر بل إن سهلا وقع في أسانيد روايات تربو
على الألفي رواية وخصوصا ان الصدوق الذي يقلد شيخه ابن الوليد تضعيفا
وتصحيحا قد روى عنه أيضا.
الخامس - ما ذكره بعض من أن الشيخ المفيد في رسالة الرد على
الصدوق أورد حديثا مرسلا وفي طريقه سهل بن زياد وأكثر من الطعن في
الحديث لابطال مذهب الصدوق ولم يذكر من وجوه الطعن كونه مرويا بطريق
سهل بن زياد.
السادس - ان سهلا ممن قد روى عن ثلاثة من الأئمة الأطهار بل انه
كاتب الإمام العسكري (عليه السلام) وألف بعضا من الكتب ككتاب التوحيد.
180

السابع - ان الأصحاب قد أفتوا بمضمون رواياته لكونها منسجمة مع
الروايات الأخرى وهذا أحد القرائن الكيفية الدالة على صدق الرجل وأمانته.
وبهذا نكتفي بالبحث عن أحوال سهل بن زياد وقد تحصل من مجموع
ما ذكرناه وثاقة سهل وصحة الاعتماد عليه فيما يرويه. ولقد أجاد من قال
[الامر في سهل سهل].
181

البحث الثاني
في أحوال المعلى بن خنيس
والكلام فيه يقع ضمن نقاط ثلاث:
1 - نقل أقوال العلماء.
2 - نقل أقوال الرجاليين المتعلقة به.
3 - مناقشة الأقوال والاخبار وبيان المختار.
أما النقطة الأولى -
فالذي يظهر من الأصحاب اختلافهم فيه أيضا بين جارح وبين معدل
نظرا لاختلاف شهادة الرجاليين فيه ولتضارب الأخبار الواردة حوله فقد ضعفه
النجاشي وتبعه على ذلك جمع منهم العلامة في الخلاصة وفي المقابل عدله
الشيخ كما يستفاد من عبارته الآتية وتبعه على ذلك جمع من المتأخرين منهم
الوحيد البهبهاني والمحقق البحراني وغيرهم.
وأما النقطة الثانية -
183

فقد ذكر الشيخ في رجاله [المعلى بن خنيس المدني مولى أبي
عبد الله (عليه السلام)] (1).
- وقال في الفهرست [معلى بن خنيس يكنى أبا عثمان الأحول له كتاب
. أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد عن الصفار عن
أحمد بن محمد عن أبيه عن صفوان عنه] (2).
- وعده الشيخ في كتاب الغيبة من السفراء الممدوحين قائلا [ومنهم
المعلى بن خنيس وكان من قوام أبي عبد الله (عليه السلام) وإنما قتله
داوود بن علي بسببه وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه وأمره
مشهور] (3).
- وقال النجاشي [معلى بن خنيس أبو عبد الله مولى جعفر بن
محمد (عليه السلام) ومن قبله كان مولى بنى أسد كوفي بزاز ضعيف جدا لا
يعول عليه له كتاب يرويه جماعة قال سعد هو من غني وابن أخيه عبد
الحميد بن أبي الديلم أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال حدثنا علي بن حاتم
قال حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن أيوب بن (كذا) عن
صفوان بن يحيى عن أبي عثمان معلى بن زيد الأحول عن معلى بن خنيس
بكتابه] (4).
- وعن البرقي أنه عده من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا:
معلى بن خنيس مولى أبي عبد الله (عليه السلام) كوفي بزاز] (5).
وعن الكتاب المنسوب لابن الغضائري [معلى بن خنيس مولى أبي

(1) رجال الشيخ ص 310.
(2) فهرست الشيخ ص 165.
(3) الغيبة ص 210.
(4) رجال النجاشي ص 296.
(5) رجال البرقي ص 25.
184

عبد الله (عليه السلام) كان أول أمره مغيريا ثم دعا إلى محمد بن عبد الله وفي
هذه الظنة أخذه داوود بن علي فقتله والغلاة يضيفون إليه كثيرا ولا أرى
الاعتماد على شئ من حديثه].
- وجعله العلامة في الخلاصة في عداد الضعفاء ومن لا يعتمده مكتفيا
بنقل قول النجاشي وقول ابن الغضائري وقول الشيخ في الغيبة معلقا على
الأخير بقوله (وهذا يقتضي وصفه بالعدالة) (1).
وأما النقطة الثالثة:
ان هذه العبائر رغم تضاربها لا تتنافى في أمور:
1 - انه كان مولى لابي عبد الله الصادق (عليه السلام).
2 - ان كان بزازا ومن أهل الكوفة.
3 - انه صاحب كتاب.
4 - انه قتل من قبل الحاكم آنذاك وهو داوود بن علي.
5 - ان الغلاة يضيفون إليه أمورا معينة.
وأما التضارب الوارد في هذه العبائر بما يعود إلى وثاقته والاعتماد عليه
فهو في تصريح النجاشي وابن الغضائري بضعفه وعدم التعويل عليه ويقابل
ذلك تصريح الشيخ الطوسي بأنه من السفراء ومن الممدوحين لدى الامام بل
انه مضى على منهاج الامام وخطه.
وبما اننا بنينا على لزوم الموازنة بين ما يظهر منه بدوا عدم الوثاقة
والعدالة وبين غيره فلا بد من الإشارة إلى أن ما ذكره النجاشي لا يتنافى مع ما
ذكره الشيخ.

(1) الخلاصة ص 259.
185

والوجه في ذلك أمور:
أولا - عدم صراحة تعبير النجاشي في عود الذم إلى الجهة القولية بل ولا
ظهورها في ذلك.
ثانيا - انه من المحتمل جدا ان منشأ ضعفه نسبة الغلاة إليه أشياء معينة
كما صرح به ابن الغضائري - على تقدير ثبوت النسبة - أو ما ستسمعه من ورود
الروايات الذامة له لمخالفته الإمام (ع) في الاعتراض على السلطة آنذاك وسوف
تعرف عدم دلالة تلك الروايات على ذمه مطلقا فضلا عن عوده للجهة القولية
وسنذكر وجه جمع مناسب يؤكد عدم تنافي هذه الروايات مع جلالة المعلى
ورفعة مكانه.
ثالثا - ان ما ذكره ابن الغضائري من دعوته للنفس الزكية منقوض بما
يأتي من إصرار المعلى على الولاء للإمام الصادق (عليه السلام) ومن انه
وهب ديونه كلها لجعفر بن محمد (عليهما السلام) هذا مع عدم المنافاة بين
الدعويين لو أريد من الدعوى نحو ولاء كما لا يخفى.
رابعا - ان الشيخ نفسه رغم اطلاعه على كتاب الكشي وتلخيصه له لم
يذكر في رجاله ولا في فهرسته أي تضعيف له مع كون الروايات الذامة للمعلى
على مرأى منه مما يؤكد ان النجاشي لما اطلع على الروايات المتضاربة وعلى
ما أورده ابن الغضائري ضعفه بقوله [.. ضعيف جدا لا يعول عليه].
خامسا - انه لو سلم ظهور العبارة في التضعيف فغايته شمولها للجهة
القولية بالاطلاق ولا بد من صرف اطلاقها عن خصوص الجهة القولية لما ذكره
الشيخ في الغيبة.
وبهذا يتحصل ان ما ذكر لا يثبت جرحا لجهة الوثاقة بل يمكن استفاد
الوثاقة والجلالة منه.
186

وأما عبارة العلامة فهو مع كونه من المتأخرين اقتصر على نقل العبائر
ومن المعلوم عدم وجود جديد اطلع عليه وإلا لكان نقله ومن ذلك يعلم ان
توقفه ليس إلا لاجل هذا التضارب مما دعاه للحيطة والتروي في الرواية عنه
ويؤيده تعليقه على كلام الشيخ بأنه يقتضي وصفه بالعدالة.
- وأما الأخبار الواردة والتي قد تثبت ما استفدناه من عبائر الرجاليين أو
قد تخل به فسنذكر محل الشاهد منها أو ماله دخل في توجيه فهم الرواية.
وأكثر هذه الروايات مأخوذ من كتاب اختيار معرفة الرجال للكشي.
1 - الحديث الأول - ما روي عن إسماعيل بن جابر بان الإمام الصادق
(عليه السلام) أرسله ليستطلع عن حدوث شئ في المدينة وعندما عاد
ليخبره بمقتل المعلى بادره الإمام (ع). [قال لي يا إسماعيل قتل المعلى بن
خنيس فقلت نعم قال فقال أما والله لقد دخل الجنة] (1).
وهذه الرواية تامة سندا ويستفاد منها أمران رئيسيان:
1 - إهتمام الامام بأمر المعلى بدليل إرساله إسماعيل إلى المدينة
يستطلع له عن حدث كان يدرك حقيقته وهو مقتل المعلى ولذا بادره بالقول
المتقدم.
2 - كون المعلى في أعلى درجات الجلالة وذلك لاخبار الامام عنه
بمغيب هو انه من أهل الجنة واستعمال القسم الذي هو نحو تأكيد كما أنه كرر
تأكيد ذلك باللام وبقد حيث قال [والله لقد].
والخدشة فيما ذكر بأنه لا ملازمة بين دخول الجنة وبين الجلالة والوثاقة
رغم هذا السياق والتعبير وسوسة محضة مصدرها قلة التدبر في أساليب الكلام
العربي كما لا يخفى على المتأمل.

(1) اختيار معرفة الرجال ص 376.
187

2 - الحديث الثاني - ما رواه حماد عن المسمعي وبسند صحيح من أن
المعلى لما أريد قتله طلب الخروج إلى الناس ليشهد بان كل ما عنده من قليل
أو كثير للصادق (عليه السلام) وفعل ذلك ثم شدوا عليه وقتلوه ويقول
المسمعي:
[.. فلما بلغ ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) خرج يجر ذيله حتى دخل
على داوود بن علي وإسماعيل ابنه خلفه فقال يا داوود قتلت مولاي وأخذت
مالي فقال ما أنا قتلته ولا أخذت مالك قال والله لأدعون الله على من قتل مولاي
وأخذ مالي قال ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال بإذنك أو بغير إذنك؟
قال بغير اذني قال يا إسماعيل شأنك به فخرج إسماعيل والسيف معه حتى قتله
في مجلسه] (1).
وزاد حماد عن معتب بان الامام لم يزل ساجدا وقائما يدعو بأجل
الأسماء على داوود وان الله أخذه لساعته.
والمستفاد من هذا الحديث أمور:
1 - مزيد ولاء المعلى للامام بحيث أصر قبل أن يقتل على تسليم كل
ماله للامام (عليه السلام).
2 - ان قتله كان لاجل الامام نفسه لا لاجل غيره كما عن الكتاب
المنسوب لابن الغضائري وذلك لما ورد في الراوية من انه لما شهد بأمواله
للامام (عليه السلام) شدوا عليه وقتلوه ويشهد لذلك أيضا ما يأتي في الحديث
الرابع.
3 - مزيد احترام وإجلال الإمام (عليه السلام) له بحيث جر أذياله بمجرد
علمه وأصر على معرفة قاتله والانتقام منه بقتله.

(1) اختيار معرفة الرجال ص 387 حديث 708.
188

4 - ان المعلى لم يكن واضح الضعف والانحراف وإلا لاحتج داوود بن
علي بذلك بينما تراه أنكر ذلك وأحاله على رئيس شرطته مع أنه هو الذي أمر
بذلك كما نصت عليه رواية الوليد بن صبيح التامة سندا (1) وفيها [يأمروني
بقتل الناس فاقتلهم لهم ثم يقتلوني].
5 - ان الامام قد استعمل ما لم يستعمله إلا في موارد خاصة وهو الدعاء
بألفاظ جليلة وان الله قد استجاب دعاءه لساعته مما يعني مزيد غضب الامام
وشدة تأثره بحيث لم يكتف بقتل المباشر لقتل المعلى..
والمتأمل في هذه الأمور لا يشك في استفادة الوثاقة والجلالة منها بل
وكون المعلى من حواريي وعيون الإمام (عليه السلام) المقربين.
وهذه الرواية والتي سبقتها لا تدلان على أية دلالة سلبية بالنسبة
للمطلوب.
3 - الحديث الثالث - ما رواه الكشي أيضا عن إسماعيل بن جابر وبسند
تام ان الإمام (عليه السلام) لما علم بمقتل.. وذكر [.. فقام مغضبا يجر ثوبه
فقال له إسماعيل ابنه يا أبت أين تذهب؟ فقال لو كانت نازلة لقدمت عليها
فجاء حتى قدم على داوود بن علي فقال له يا داوود أتيت ذنبا لا يغفره الله لك
قال وما ذلك الذنب؟ قال: قتلت رجلا من أهل الجنة.. الخ] (2).
وهذه الرواية تدل أيضا على جلالة أمر المعلى من جهات ثلاث:
1 - ان الامام تصدى لطلب القود من قاتل المعلى ولو أدى ذلك إلى
كارثة أو مصيبة.
ان قلت من المحتمل أيضا ان الامام رأى الفرصة مناسبة للانتقام من

(1) اختيار معرفة الرجال ص 379 حديث 710.
(2) نفس المصدر ص 379 حديث 711.
189

أحد الظالمين آنذاك فاستغل قتل المعلى باعتباره مولاه ولذا طالب بالقود.
قلنا إن قيام الامام مغضبا يجر ثوبه ومخاطبته لولده بأنه لو كانت نازلة
لأقدم عليها لا تتناسب مع هكذا احتمال.
كما أن دعاء الامام على الوالي بعد قتله المعلى بحيث استجيب دعاؤه
من ساعته لدليل واضح على أن فعلته إنما كانت لاجله.
2 - ان الامام جعل قتل المعلى ذنبا لا يغفر مما يدل أيضا على جلالته
ووثاقته لا يقال ان ذلك أعم من المطلوب فإن قتل المسلم عمدا يوجب ذلك
أيضا بنص الآية المباركة.
فإنه يجاب بان ملاحظة السياق والتعبير من ظهور غضب الإمام (عليه السلام)
وإقدامه رغم ما يمكن حدوثه ومخاطبته لداوود بما خاطبه يعين ما
ذكرناه.
وبعبارة أخرى يمكن القول ان نظر الرواية لبيان عظمة المعلى من خلال
بيان عظمة ذنب داوود بقتله وإلا فداوود متيقن الظالمية وأي ظلم أعظم من
تحمل وتسلم ولاية ليست له وهي أعظم من القتل بمراتب شديدة...
3 - ان الامام بين ذنب داوود بأنه قتل رجلا من أهل الجنة وهذا التعبير
أيضا من الألفاظ الدالة على علو مكانة المعلى إذا لم يقل بدلا من ذلك قتلت
رجلا يستحق الجنة أو قد يدخل الجنة بل انه جعله محتوما من أهلها مما يدل
على استحقاق المعلى الفعلي لها.
4 - الحديث الرابع - ما رواه الكشي بسند تام عن أبي بصير حول اعتقال
المعلى ومحاكمته [.. فدعاه - أي دعا داوود المعلى - وسأله عن شيعة أبي
عبد الله (عليه السلام) وان يكتبهم له فقال ما أعرف من أصحاب أبي
عبد الله (عليه السلام) أحدا وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه ولا أعرف له
صاحب قال أتكتمني أما إنك ان كتمتني قتلتك فقال له المعلى بالقتل تهددني
190

والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم وان أنت قتلتني لتسعدني
وأشقيك فكان كما قال أبو عبد الله (عليه السلام)..] (1).
وهذا الحديث دال أيضا على رفعة مكان المعلى من جهات:
1 - ان اعتقال داوود له كان بسبب علاقته مع الإمام (عليه السلام) بدليل
انه لما اعتقله سأله عن أصحاب الإمام (عليه السلام) وهدده إن لم يذكرهم
بالقتل.
2 - ان سؤال داوود للمعلى عن أصحاب الإمام (عليه السلام) يدل على
قربه من الامام وكونه من حوارييه وإلا لما كان معنى لطلب حاكم يملك من
العيون والجواسيس ما يملك من رجل كالمعلى لو لم يكن حاله كما ذكرناه.
3 - ان المعلى رغم تهديد داوود بالقتل لم يجبن بل قال ما يدل على
كونه من الأولياء العظام وهو قوله [.. والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت
قدمي عنهم].
ويشهد لذلك ما في روضة الكافي وبسند تام من قول الإمام (ع) في حق
المعلى [... سلط الله فيها عدوه على وليه..] (2).
4 - ان المعلى كان معتقدا ان سعادته في شهادته.
* لا يقال ان اعتقاده لا يغير في الواقع شيئا إذ رب معتقد شيئا حقا وهو
من الضالين بل من أضل العباد سبيلا.
فإنه يجاب بأن ناقل الحديث هو الإمام (عليه السلام) مما يعني إقراره
بما فيه.
هذه خلاصة ما أردنا إثباته من الروايات المادحة والتي تشكل بصحتها

(1) اختيار معرفة الرجال ص 381 حديث 713.
(2) روضة الكافي حديث 469.
191

سندا مع ما تقدم من تصريح الشيخ في الغيبة دليلا قاطعا على جلالة وعظمة
ووثاقة المعلى.
وأما ما ورد فيه من الروايات الذامة فهو عدة أحاديث:
1 - الحديث الأول - ما رواه الكشي عن أبي العباس البقباق وبسند تام
[.. تذاكر (تدراء) ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس فقال ابن أبي يعفور
الأوصياء علماء أبرار أتقياء وقال ابن خنيس الأوصياء أنبياء قال فدخلا على
أبي عبد الله (عليه السلام) قال فلما استقر مجلسهما قال فبدأهما أبو
عبد الله (عليه السلام) فقال يا عبد الله ابرأ ممن قال انا أنبياء] (1).
وهذه الرواية مما يقطع بعدم صحتها بحسب ظاهرها ولزوم تأويلها
بالمقابل مع ما تقدم من الأدلة التامة على عظم أمر المعلى بحيث لا يتصور ان
المعلى كان جاهلا بأن النبي (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء وآخر الرسل مع أن
ذلك من ضروريات الدين والمذهب فلا بد من أن يكون قول المعلى ناظرا
إلى أن الأوصياء أفضل من الأنبياء ما خلا نبينا محمد (صلى الله عليه وآله).
أو أنهم كالأنبياء في اطلاعهم على الاسرار والمغيبات وعلوم البلايا
والمنايا وما شاكل ذلك.
خصوصا ان الامام لم يخاطب المعلى معرضا فيه بذنب وشبهة.
ولو زدت إصرارا في الجمود على المؤدى الأولي للرواية ولم ترد
الموازنة بينها وبين ما تقدم بيانه فغاية دلالتها اشتباه المعلى غير الملازم لكذبه
ولعل نظر ابن الغضائري في قوله ان الغلاة يضيفون إليه أمورا معينة إلى هذا
الحديث.
الحديث الثاني - ما رواه الكشي في ترجمة ابن أبي يعفور عن ابن أبي

(1) اختيار معرفة الرجال ص 248 حديث 460.
192

عمير وغيره [.. ان ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس كانا بالنيل على عهد أبي
عبد الله (عليه السلام) فاختلفا في ذبائح اليهود فأكل المعلى ولم يأكل ابن أبي
يعفور فلما صارا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أخبراه فرضي بفعل ابن أبي
يعفور وخطأ المعلى في أكله إياه] (1).
وهذه الرواية وان تمت سندا لا تدل على أكثر من خطأ المعلى في
تشخيص حكم شرعي خصوصا مع بعد وجود اليهود عنه بحيث لم تكن ذبائح
اليهود ومآكلهم داخلة في محل الابتلاء آنذاك.
ومما يؤيد ذلك أن الامام خطأ المعلى ولم يقل بان المعلى ارتكب حراما
أو ما أدى دلالته.
بل لو سلم أنه قال له ذلك فلا يدل أيضا على كذب المعلى لوضوح عدم
الملازمة بين فعل سائر المحرمات غير الكذب وبينه فضلا عن الملازمة بين
الخطأ وبين الكذب كما هو مراد المستدل بالرواية.
الحديث الثالث - وهو المهم في المقام وهو ما رواه الكشي أيضا عن
حفص الأبيض التمار أنه قال [دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أيام
المعلى بن خنيس رحمه الله فقال لي يا حفص إني أمرت المعلى فخالفني
فابتلي الحديد.. ثم ذكر ان الامام أكرم المعلى لما رآه حزينا كئيبا بإراءته
لأولاده وعياله.. إلى قوله.. قلت يا معلى ان لنا حديثا من حفظه علينا حفظ
الله عليه دينه ودنياه يا معلى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا إن شاؤوا
منوا عليكم وان شاؤوا قتلوكم يا معلى انه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله
نورا بين عينيه وزوده القوة في الناس ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت
حتى يعضه السلاح أو يموت بخبل يا معلى أنت مقتول فاستعد] (2).

(1) اختيار معرفة الرجال ص 278 حديث 709.
(2) اختيار معرفة الرجال ص 380 حديث 712.
193

ووجه الاستدلال بالحديث على ضعفه أمور:
1 - ما ورد فيها من التصريح بمخالفة المعلى للامام (عليه السلام).
2 - ما ورد من عدم حفظ المعلى للأمانات لقول الإمام (عليه السلام) له
[لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا..].
3 - ان الإمام (عليه السلام) أنذره بالقتل مما يدل على أنه لا أمل في
ارتداعه عما ردعه الامام عنه.
والصحيح عدم تمامية هذه الوجوه في الدلالة على ذمة وذلك لأمور:
أولا - ان المخالفة قد لا تستدعي المعصية كما هو الحال في الأوامر
الارشادية العظتية والمقام من هذا القبيل لقرينتين:
أ - ان الامام ذكر عقيب بيان مخالفة المعلى له أحاديث تدل على أنه حباه
وأكرمه بحيث أعمل القدرات الغيبية لاسعاده.
ب - ان سياق الحديث بما فيه من تعليل وعظمة لا يناسب الحكم
التكليفي المقتضي للالزام والبت وعدم التعليل عادة.
فالامر في الحديث نحو إرشاد للمعلى وللشيعة عموما لمزيد الرأفة بهم
والعطف عليهم وبيان لرغبة الامام في أن يحفظوا دمائهم وان لا يتورطوا مع
أولئك الظالمين فالرواية بصدد بيان رجحان أخذ الحائطة.
وثانيا - ان إنذار الامام له بأنه سيقتل وأمره له بالاستعداد على عكس ما
استدل له أدل لأنه نحو عناية بالمعلى كما لا يخفى.
ومما يؤكد ذلك ما ورد في رواية أخرى على أن المعلى كان مكلفا بذلك
وانه لا ينال ما نال إلا بما يؤدي للقتل.
ورابعا - ان كون الحديث صادرا في أيام ملاحقة المعلى يحدد احتمال
194

صدور الحديث تقية ولأجل تصوير عدم ارتباط المعلى بالامام (عليه السلام).
وخامسا - انه لو سلم دلالة الرواية على ذمة فهو غير مضر بالمقصود
لعدم عود الذم لجهة الوثاقة وقد عرفت انها المناط في الاخذ والاعتداد.
ومن كل ما ذكرناه يتحصل عدم وجود وجه مقبول لاثبات ذمه لا من قول
ولا من خبر.
وان ما ورد من الروايات المادحة مع ما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة
دالان على عظم شأن المعلى بل وكونه من الأولياء والصالحين..
195

البحث الثالث
في أحوال علي بن أبي حمزة البطائني
ويدور البحث في أحواله ضمن نقطتين:
الأولى - عرض أقوال الفقهاء.
الثانية - عرض أقوال الرجاليين ومن يعتد بأقوالهم وعرض الاخبار
المتعلقة به ومناقشة ذلك وبيان المختار.
أما النقطة الأولى -
فقد وقع الخلاف بين الأصحاب أيضا في توثيق الرجل وعدمه فقد بنى
المشهور على ضعفه منهم العلامة والشهيد الثاني وصاحب المدارك والفاضل
التستري بل إن بعضهم ادعى عدم وجود القائل بوثاقة علي بن أبي حمزة لكونه
خبيثا كذابا واقفيا مذموما وفي مقابل المشهور ما يظهر من الحر العاملي من
توثيقه والاعتماد عليه لايراده رواية يقع في سندها علي بن أبي حمزة قائلا [..
وأكثر رواته ثقات وان كان منهم علي بن أبي حمزة وهو واقفي لكن وثقه
بعضهم] كما جنح الوحيد إلى توثيقه أيضا وهو المختار عندنا وعليه المعتمد
197

على تفصيل يأتي..
أما النقطة الثانية
قال الشيخ في رجاله [علي بن أبي حمزة البطائني الأنصاري قائد أبي
بصير واقفي له كتاب] (1).
وعده فيه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ومن أصحاب
الصادق (عليه السلام) في موضع آخر وقال نحوه.
وقال في فهرسته [علي بن أبي حمزة البطائني واقفي المذهب له أصل
رويناه بالاسناد الأول عن أحمد بن أبي عبد الله وأحمد بن محمد بن عيسى
عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى جميعا عنه] (2).
وفي كتابه الغيبة ورد [.. وقد روي السبب الذي دعا قوما إلى القول
بالوقف فروى الثقات ان أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة..
طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما
اختانوه من الأموال] (3).
وقال النجاشي [علي بن أبي حمزة واسم أبي حمزة سالم البطائني أبو
الحسن مولى الأنصار كوفي وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم وله أخ
يسمى جعفر بن أبي حمزة روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ثم وقف
وهو أحد عمد الواقفة وصنف كتبا عدة] (4).. ثم ذكرها وذكر طريقه إليها.
وعده البرقي تارة من أصحاب الصادق (عليه السلام) وتارة من أصحاب
الكاظم (عليه السلام) من دون ذكر تضعيف أو توثيق بل اكتفى بذكر اسمه

(1) رجال الشيخ ص 353.
(2) فهرست الشيخ ص 96.
(3) غيبة الشيخ ص 42.
(4) رجال النجاشي ص 175.
198

ونسبه.
وفي كتاب الكشي [محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن الحسن - أي
ابن فضال قال علي بن أبي حمزة كذاب متهم] (1).
وفي حديث آخر نحوه وزاد [.. قد رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت
تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره إلا أني لا استحل ان أروي عنه حديثا
واحدا] (2).
- وعن كتاب ابن الغضائري المنسوب إليه ان علي بن أبي حمزة لعنه الله
أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام.
وفي الحديث عن ولده الحسن بن علي بن أبي حمزة قال [أبو أوثق
منه].
- وعده العلامة في الخلاصة في عداد الضعفاء مكتفيا بنقل أقوال
النجاشي والشيخ وابن فضال وابن الغضائري. (3).
وأقوال الرجاليين هذه متنافية من جهات وغير متنافية من جهات أخرى.
وأما ما لا منافاة فيه فأمور:
1 - انه من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام).
2 - انه من الواقفة ومن عمدهم ولم يعترف بإمامة الرضا (عليه السلام)
بعد وفاة الكاظم (عليه السلام).
3 - ان له أصلا وبعضا من الكتب.
4 - انه استبد بأموال الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد وفاته وانها سبب

(1) اختيار معرفة الرجال ص 403 حديث 755.
(2) نفس المصدر حديث 756.
(3) الخلاصة ص 231.
199

وقفه وانحرافه.
5 - ان الرجاليين يضعفونه في سياق إثبات وقفه مما يدل على نظرهم
إلى مرحلة ما بعد وقفه إلا ما أطلقه ابن فضال.
وأما ما يوجد تنافي فيه فهو:
1 - تعارض تضعيف ابن فضال مع دعوى الشيخ عمل الطائفة بأخباره.
2 - تعارض تضعيف ابن فضال مع دعوى وثاقته من قبل ابن الغضائري -
أقول إن ما اتفقت عليه كلمات الرجاليين فلا نقاش فيه وأما ما افترقت فيه
كلماتهم فلا بد من رد بعضه إلى بعضه وتوجيهه بحمل ما أطلقه ابن فضال على
صورة ما بعد وقفه وكذا سائر ما ورد فيه من الذم.
ووجه ذلك أحد أمرين:
الأول - ان التشكيك والطعن فيه قد صدر في سياق وقفه بل إثبات كونه
من عمدهم وانه الأصل لهم ولا بد ان نظر ابن فضال لهذا الجو السائد بعد
الوقف لا مطلقا.
الثاني - ان نفس ان فضال قال في مكان آخر من كتاب الكشي عين هذه
العبارة المتقدمة وعقبها بقوله [روى أصحابنا ان الرضا (عليه السلام) قال بعد
موته: أقعد علي بن أبي حمزة في قبره فسئل عن الأئمة فأخبر بأسمائهم حتى
انتهى إلي فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا] (1).
وأما ما ذكره ابن الغضائري ففيه ما مر من عدم ثبوت النسبة بل وعدم
التنافي لان الحسن بن علي بن أبي حمزة واضح الضعف وقوله (أوثق منه) لا
بد انه بيان أفضلية أبيه من ولده رغم كونه ضعيفا مثله.
فبقي دعوى الشيخ عمل الطائفة باخباره الدالة نحو دلالة على وثاقة

(1) اختيار معرفة الرجال ص 444 حديث 834.
200

الرجل قبل وقفه على الأقل خالية عن المعارض.
يمكن تقسيم هذه الأخبار بحسب قرب المضمون إلى أربعة أقسام:
الأول - ما دل على تشبيه ابن أبي حمزة بالبهائم وهو روايات عدة:
منها - ما روي بسند تام إلى علي بن أبي حمزة حيث روى بنفسه ان
الكاظم عليه السلام) قال له.
[يا علي أنت وأصحابك شبه الحمير] (1).
وهذه الرواية تمتاز بخصوصية وهي ان الذم الوارد فيها قد صدر في حقه
زمن الكاظم (عليه السلام) ورغم ذلك لا يصح الاستدلال بها على التضعيف
بالمعنى المخل.
وذلك لان تشبيهه بالحمير يعود لا محاله لوجه شبه بينهما أما من حيث
رؤيته لكثير من الوقائع من دون أعمال التدبر لاستخلاص النتائج الموصلة
للحيطة والنجاة أو من حيث إن ما يعمله لن يرى ثوابا عليه كما أن الحمير
تستعمل للنقل والحمل من دون أي مكافأة على عملها سوى التعب والكلل
وما شاكلهما من احتمالات وهذا كما ترى لا دلالة فيه على تكذيب ابن أبي
حمزة بقدر ما له نظر لأمور سلوكية وعقائدية خصوصا مع ملاحظة سائر
النصوص الأخرى بل قد يتعين من خلالها ان عليا كان يحمل قابليات
الانحراف والوقف منذ زمن الكاظم (عليه السلام).
الثاني - ما دل على تكذيبه وهو ما رواه الشيخ في الغيبة قال [روى
أحمد بن محمد بن عيسى عن سعد عن أحمد بن عمر قال سمعت
الرضا (عليه السلام) يقول في ابن أبي حمزة: أليس هو الذي يروي ان رأس
المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى؟ وهو صاحب السفياني! وقال إن أبا

(1) اختيار معرفة الرجال ص 44 حديث 832.
201

إبراهيم (عليه السلام) يعود إلى ثمانية أشهر فما استبان لهم كذبه] (1).
وهذه الرواية لا يصح الاستدلال بها من ثلاث جهات:
1 - ضعف الرواية سندا لجهالة طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن
عيسى (2).
2 - ان التكذيب لو سلم صدوره فإنما يثبت في عهد الرضا (عليه السلام).
وهو مما لا ريب فيه ولا في الروايات التي رواها بعد وقفه وإنما محل
الكلام ما صدر منه قبل ذلك.
3 - غرابة مضمون الرواية فان المهدي الوارد فيها بقرينة السفياني يشعر
بإرادة القائم (عج).
وساعتئذ يكون تبين كذبه مرهون بأمر متأخر مع أن الامام كما يظهر في
الرواية قد أناط ذلك بأمر فعلي.
وكون المراد بالسفياني رجل آخر مع شيوع هذا اللفظ عند المتشرعة
وأصحاب الأئمة قديما وحديثا أغرب وأبعد.
اللهم إلا أن يقال ان ابن أبي حمزة كان يعتقد مهدوية الكاظم (عليه
السلام) رغم مغايرة اسمه للاسم الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
متواترا.. وهو أزيد في البعد.
الثالث - ما دل على استحقاق ابن أبي حمزة النار وانه من أهلها.
- من قبيل ما رواه يونس بن عبد الرحمن قال: [دخلت على الرضا (عليه
السلام) فقال لي مات علي بن أبي حمزة؟ قلت نعم قال قد دخل النار قال

(1) الغيبة ص 46.
(2) بل الأقرب صحته فراجع.
202

ففزعت من ذلك قال اما انه سئل عن الامام بعد موسى أبي فقال لا أعرف إماما
بعده فقيل لا؟ فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره نارا] (1) وغيرها مثلها وهذه
الرواية لا يصح الاستدلال بها لوجهين:
أولا - وبغض النظر عن سندها قد صدرت من الرضا (عليه السلام) وقد
تقدم الكلام.
وثانيا - ان دخول النار الوارد في الرواية لم يكن نتيجة عصيانه مطلقا بل إن
ذيل الرواية ظاهر في أنه استحقها لاجل وقفه وهو من أكبر الذنوب ولا ريب
في استحقاقه النار على ذلك.
إلا أنه لا ملازمة بينه وبين الكذب.
ولرب قوم يدخلون النار مع هامان وفرعون مع أنهم ليسوا من الكذابين
وإنما استحقوا ذلك لأمور أخرى.
الرابع - ما دل على أن ابن أبي حمزة كان يسعى لاطفاء نور الله وهو
روايات عدة: منها - ما رواه الكشي عن أحمد بن محمد [.. فلما توفي أبو
الحسن (عليه السلام) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله فأبى
الله إلا أن يتم نوره وان أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به وإذا خرج منهم
خارج لم يجزعوا عليه وذلك انهم على يقين من أمرهم..] (2).
ويرد على الاستدلال بها ان المراد بجملة [.. اطفاء نور الله] بحسب ما
يظهر هو إرادته لاطفاء الإمامة وعدم أيمانه واعترافه بإمامة الرضا (عليه
السلام) بقرينة ما سبق من الأدلة وما في صدر الرواية من أن الناس جهدوا في
اطفاء نور الله بعد مضي الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا أن الله أبى إلا أن يتمه
بعلي أمير المؤمنين (عليه السلام).

(1) اختيار معرفة الرجال ص 444 حديث 833.
(2) اختيار معرفة الرجال ص 445 حديث 837.
203

وعليه فلا دلالة للرواية على أكثر مما مضى.
هذه خلاصة الاخبار التي أردنا التعرض لها وقد تحصل عدم تمامية
دليل واضح على ضعف علي بن أبي حمزة بما يرجع لجهة قوله فيما رواه عن
الكاظم (عليه السلام) وقبل وقفه.. بل إن ما ذكره الطوسي من عمل الطائفة
بأخباره معتمد وعليه المعول في اعتماد وإثبات وثاقة علي المذكور ويمكن
دعم المختار بجملة منبهات:
1 - ما ذكرناه في الأبواب السابقة في المقصد من قبول وثاقة الواقع في
سند أحد أصحاب الاجماع وعلي بن أبي حمزة ممن روى عنه سبعة منهم كابن
أبي عمير وصفوان والبزنطي ويونس وغيرهم من أجلاء وعيون الطائفة.
وهذا المنبه وجه مستقل لاثبات وثاقة علي بن أبي حمزة.
2 - ان علي بن أبي حمزة أحد أصحاب الأصول وله كتاب أيضا وقد
صرح الشيخ الطوسي بذلك في الفهرست والرجال وهذا أحد القرائن على
الوثاقة وإن لم يكن على مستوى الملازمة معها.
3 - ان للصدوق طريقا صحيحا إليه وقد عد بعض الأصحاب ذلك من
امارات الحسن والوثاقة.
وإلى هنا ينتهي البحث عن أحوال ابن أبي حمزة.
204

البحث الرابع
في أحوال السكوني إسماعيل بن أبي زياد الشعيري
والبحث في أحواله يقع ضمن نقطتين:
الأولى - استعراض أقوال العلماء والفقهاء.
الثانية - استعراض أقوال الرجاليين ومن يستدل بقولهم ومناقشة ذلك
وبيان المختار.
أما النقطة الأولى:
ذهب المشهور إلى عدم الاعتداد بما يرويه السكوني إما مطلقا أو
بخصوص ما ينفرد به كالمحقق في النكت والعلامة في المنتهى والشهيد الثاني
في الروضة والمسالك وصاحب المعالم وصاحب المدارك.
وذهب جمع في المقابل إلى توثيقه والاعتماد عليه
والاعتداد بما يرويه كالمحقق في المسائل العزية على ما ظهر من
بعض كلامه حيث قال (انه وإن كان عاميا فهو من ثقات
205

الرواة) (1) وكذلك هو ظاهر فخر المحققين وابن أبي جمهور بل أصر على
دعوى الوثاقة المحقق الداماد في الرواشح ناقلا دعوى الاجماع. ومضيفا في
حق روايات السكوني [والطعن فيها بالضعف من ضعف التمهر وقصور
التتبع] (2).
بل إن بعض الأصحاب ذكران من المشهورات التي لا أصل لها تضعيف
السكوني.
وأما النقطة الثانية:
فقد ذكر الشيخ في الفهرست [إسماعيل بن أبي زياد السكوني ويعرف
بالشعيري أيضا واسم أبي زياد مسلم له كتاب كبير وله كتاب النوادر أخبرنا
برواياته..] (3). وذكر طريقه إليه.
وقال في رجاله [إسماعيل بن مسلم وهو ابن أبي زياد السكوني
الكوفي] (4).
- وقال في العدة بعد ذكر موارد جواز العمل بخبر الثقة المخالف ما لفظه
[.. وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف
لهم قول فيه وجب أيضا العمل به لما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا إلى ما رووه عن
علي (عليه السلام) فاعملوا به ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن
غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن
أئمتنا (عليهم السلام) فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه] (5).

(1) الفهرست ص 13 والسكوني كما قيل نسبة إلى حي من عرب اليمن.
(2) الرواشح للداماد ص 57.
(3) الرواشح للداماد ص 58.
(4) رجال الشيخ ص 143.
(5) عده الأصول ج 1 ص 379.
206

وقال النجاشي [إسماعيل بن أبي زياد يعرف بالسكوني الشعيري له
كتاب قرأته علي يد أبي العباس أحمد بن علي نوح..] (1) وذكر طريقه إليه.
وقال البرقي [إسماعيل بن زياد السكوني كوفي واسم أبي زياد مسلم
ويعرف الشعيري يروي عن العوام] (2).
وجعله العلامة في عداد الضعفاء قائلا: [.. إسماعيل بن أبي زياد
السكوني الشعيري كان عاميا] (3).
ونقل عن ابن الغضائري تضعيفه.
وعن غيره عدم العمل بما ينفرد به كالصدوق في كتاب من لا يحضره
الفقيه (4).
هذه خلاصة الأقوال التي أردنا التعرض لها.
وهي متفقة بمعنى عدم تنافيها في عدة أمور:
1 - انه ملقب بالسكوني والشعيري.
2 - انه صاحب كتاب.
3 - انه كان من العامة ومن أهل الكوفة.
4 - ان الطائفة عملت برواياته.
5 - انه من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأما التنافي المستفاد من أقوالهم فهو حاصل من خلال دعوى الشيخ

(1) رجال النجاشي ص 19.
(2) البرقي ص 28
(3) الخلاصة ص 199.
(4) من لا يحضره الفقيه ج 4 حديث 804 ص 249.
207

عمل الطائفة برواياته الدال على توثيقه وبين ما ربما يستفاد منه التضعيف وهو
كلام ابن الغضائري والشيخ الصدوق.
وقبل ذكر التفصيلات والإشارة إلى عدم صحة التنافي المذكور لا بد من
الإشارة إلى أن دعوى الشيخ عمل الطائفة برواياته مع إضافته بان السكوني لو
انفرد برواية وجب العمل بها ليست إلا لجهة وثاقة الرجل لعدم بناء الشيخ على
العمل بروايات الضعاف.
ان قلت إنه قال في صدر حديثه في العدة بتقديم روايات الامامي العدل
على روايات غيره من أمثال السكوني.
قلنا إن ذكر ذلك في مقام الترجيح شئ ودلالته على ضعفه شئ آخر
ولذا لا يعمل بروايات الامامي العدل أحيانا لمعارضته لما هو أقوى منه كشفا
عن صحة الواقع وثبوته كما أن كون كلامه المذكور في مورد الترجيح يدل على
مقبولية ووثاقة الرجل في نفسه إذ مع عدم ذلك لا معنى للترجيح أساسا فان
الخبر الضعيف ساقط في نفسه ويؤيده ما ذكره في المقطع الثاني عند الكلام
حول فرق الشيعة من الفطحية والواقفية حيث قال [.. وان كان ما رووه ليس
هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا
كان متحرجا في روايته موثوقا في أمانته وان كان مخطئا في أصل الاعتقاد
فلأجل ما قلناه عملت الطائفة باخبار الفطحية..] (1). فان فيه تصريحا
بشرطية الوثوق في الاخذ بروايات المذكورين.. وواضح عدم الفرق بين
المذكورين في العبارة الأولى المتقدمة.
وقد تحصل ان المستفاد من عبارة الشيخ أمران:
1 - شهادة شبه صريحة بوثاقة السكوني.
2 - شهادة ضمنية مستفادة من قوله ان الطائفة عملت برواياته.

(1) عده الأصول ج 1 ص 381.
208

أقول لا منافاة بين عبارته وبين قول الصدوق وعبارة ابن الغضائري
وذلك لاجل أمور:
الأول - ان كتاب ابن الغضائري وكما عرفت أكثر من مرة مما لم يثبت
لدينا.
الثاني - اننا لم نطلع على عبارته إلا من خلال ما نقله العلامة في
الخلاصة في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي [.. وقال ابن الغضائري ان
جابر بن يزيد الجعفي ثقة في نفسه ولكن جل من روى عنه ضعيف فمن أكثر
عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ومفضل بن صالح والسكوني
ومنخل بن جميل الأسدي] (1).
وهذا التضعيف وان اقترن ببعض الموسومين بالكذب لا يدل على عوده
لجهة أقواله فلعل منشأه كون السكوني من العامة ويكون نظر التضعيف إلى
الجهة الاعتقادية.
الثالث - ما قلناه - سابقا من أن تضعيفات ابن الغضائري - لو سلمت
النسبة - مما لا نثق بها أما لخطأ في المبنى والطريقة التي بنى عليها أو
لتصحيف مخل بالاعتماد على الكتاب.
الرابع - ان السكوني لقب يطلق على أكثر من شخص وان انصرف في
هذه الأزمنة إلا خصوص إسماعيل إلا أنه من غير المعلوم كونه كذلك في عهد
ابن الغضائري وإنما قد يكون حدث متأخرا عنه لشدة البحث الواقع في رواياته
خصوصا مع كون النوفلي ممن يروي عنه.
ومن المحتمل جدا أن يكون تضعيف ابن الغضائري عائدا إلى غيره
كإسماعيل بن مهران الذي ضعفه ابن الغضائري نفسه وقال فيه [.. ويروى عن

(1) الخلاصة ص 35.
209

الضعفاء كثيرا] (1) بينما لم ينقل العلامة عن ابن الغضائري تضعيفا لإسماعيل
مع كون ديدنه هو ذلك بل اقتصر على التعريف باسمه وانه كان عاميا،
الخامس - ان رواية السكوني عن جابر غير متحققة بل إن جابرا مات في
عصر الباقر (عليه السلام) والسكوني من أصحاب الصادق (عليه السلام) وان
كان ليس مستحيلا روايته عنه.
- وأما عبارة الشيخ الصدوق في الفقيه [ولا أفتي بما ينفرد السكوني
بروايته] فواضح عدم عودها لجهة لسانه.
والوجه فيه أنه لا معنى لاستثناء خصوص ما انفرد به لو كان ممن ثبت
كذبه وأيضا فان عدم العمل بما ينفرد به المنحرفون عقائديا كان أمرا متعارفا
شائعا آنذاك إلا اننا وكما عرفت لم نشترط أكثر من الوثاقة في جواز العمل
بروايات راو ما انفرد بما يرويه أو لم ينفرد.
اللهم إلا أن يعود ذلك إلى الاطمئنان بعدم صدور الرواية وهو أمر آخر -
ومما ذكرناه يتضح جليا عدم وجود ما يدل على ضعف السكوني بالمعنى
المراد والمخل.
بل إن عبارة الشيخ دالة بما لا يقبل الشك على وثاقة السكوني وحسن
أمره في الجملة.
لا يقال ان ما أوردتموه على ابن الغضائري من عدم العلم بالمراد من
السكوني واحتمال كونه ابن مهران وارد هنا أيضا لعدم تصريح الشيخ في العدة
بالمراد من السكوني قلنا إن هذا الاحتمال غير وارد هنا إذ لم يذكر في ترجمة
إسماعيل بن مهران انه كان عاميا وعبارة الشيخ بصدد بيان ما يرتبط بالعامة من
الرواة بل لو سلم انه كان عاميا أيضا فان اطلاق الشيخ منصرف إلى ما هو
واضح النسبة ومن كانت رواياته محل ابتلاء واسع وليس إلا إسماعيل بن أبي

(1) الخلاصة ص 8.
210

زياد المترجم له والمبحوث عنه..
ومن هنا نجد ان ابن إدريس عند ما تعرض له قال [عامي بلا خلاف].
- بقي في البين ان نذكر جملة من المؤيدات والمنبهات الدالة على وثاقة
السكوني:
1 - ان بعض أصحاب الاجماع قد رووا عنه كجميل بن دراج
وعبد الله بن المغيرة (1) وهذا المنبه يصلح وجها مستقلا لاثبات وثاقة
السكوني..
2 - ان النجاشي الخبير بأمور الرجال والشيخ في فهرسته ورجاله لم
يتعرضوا لتضعيف السكوني مع كونه ذا كتاب.
3 - ان جمعا من الرجاليين العامة كالدار قطني والذهبي ضعفوه رغم
كونه عاميا وهذا يورث نحو سكون في أن ذلك هو منشأ قرب السكوني للائمة
الأطهار في الجملة مما يشكل قرينة احتمالية لاثبات ما نريده.
4 - عمل جمع من الأصحاب برواياته ومنهم الشيخ نفسه كما يظهر ذلك
من خلال تتبع أقواله حتى في خصوص ما ينفرد به.
ولذا قوى في باب ميراث المجوس القول بالتوارث من الجهتين للرواية
الصريحة (2) كما أفاد مع أنه ليس هناك إلا ما رواه السكوني.
5 - قول ابن إدريس في سرائره (3) حول مسألة ميراث المجوس ان
للسكوني كتابا يعد في الأصول وهو عندي بخطي كتبته من خط بن أسناس
البزاز وقد قرء على شيخنا أبي جعفر وعليه خطه إجازة وسماعا لولده أبي علي

(1) الكافي ج 3 كتاب الزكاة باب 38 حديث 1 - والتهذيب ج 6 باب المكاسب
حديث 1147.
(2) النهاية ص 684.
(3) السرائر ج 3 ص 289.
211

والجماعة.
فان هذه العبائر الصادرة من خصوص ابن إدريس الذي لا يعمل بخبر
الواحد واستكتابه لكتابه مع دعواه ان كتاب السكوني من الأصول لشاهد على
مكانة الرجل وأهميته عند الأصحاب.
هذا ما أردنا ذكره في أحوال السكوني وقد تحصل منه ثبوت وثاقة
السكوني والاعتداد بما يرويه..
212

البحث الخامس
في أحوال عمر بن حنظلة
والكلام فيها يقع ضمن نقطتين:
الأولى - في استعراض أقوال الفقهاء فيه.
الثانية - في استعراض أقوال الفقهاء فيه.
الثانية - في استعراض أقوال الرجاليين ومن يعتد بقولهم وذكر الأخبار الواردة
فيه ومناقشة كل ذلك وبيان المختار.
أما النقطة الأولى -
نسب للمشهور من الأصحاب عدم توثيق عمر بن حنظلة ولا الاعتداد
به.
إلا أن الشهيد الثاني في شرحه للدراية أفاد ان عمر بن حنظلة لم ينص
الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل لكن أمره عندي سهل لأني حققت توثيقه من
محل آخر وان كانوا قد أهملوه.
ومن المحتمل جدا إن لم يكن مطمئنا به ان مقصود الشهيد من المحل
213

الآخر هو رواية الوقت الآتية بدليل ما نقله ولده الشيخ حسن في المنتقى
[وجدت بخطه في بعض فوائده ما صورته عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا
تعديل ولكن الأقوى عندي انه ثقة لقول الصادق (عليه السلام) في حديث
الوقت إذا لا يكذب علينا] (1).
وما قواه الشهيد في محله وهو المختار.
ومن الغريب هنا عدم تعرض الشيخ رحمه الله لترجمته في فهرسته رغم
ذكره له في رجاله وكذا النجاشي والكشي والعلامة في الخلاصة وتتمة
الفهرست لابن شهرآشوب بل وكذلك الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري.
نعم ذكره الشيخ كما قلنا في رجاله فقد عده تارة من أصحاب الباقر (عليه
السلام) قائلا [عمر يكنى أبا صخر وعلي ابنا حنظلة كوفيان عجليان] (2).
وتارة من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا [عمر بن حنظلة العجلي
البكري الكوفي] (3) وأما البرقي فقد اقتصر على عده من أصحاب الباقر
والصادق (عليهما السلام) قائلا [عمر وعلي ابنا حنظلة العجليان عربيان
كوفيان ونية عمر أبو صخر] (4).
وهذه العبائر كما ترى لا تدل على أكثر من بيان بعض أحواله ولا دلالة
فيها على قدح أو مدح.
وعليه فينحصر الطريق لاثبات أحدهما بالاخبار الواردة مع إبراز وجوه
أخر قد يستدل بها في المقام.
وأما الاخبار فهي عديدة - نذكر منها:

(1) رجال المامقاني ص 342.
(2) رجال الشيخ ص 131.
(3) نفس المصدر ص 251.
(4) رجال البرقي ص 17.
214

الأول - ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن
علي بن الحكم عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [يا
عمر لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم فان الناس لا يحتملون ما
تحملون] (1).
وهذه الرواية وبغض النظر عن سندها فيما قبل عمر لا يمكن الالتزام بها
لكون المضمون الدال على جلالة أمر عمر متوقف الاعتبار على اعتباره لكونه
واقعا في سندها فهو من توقف كل من المضمون والسند على الآخر وهو من
توقف الشئ على نفسه نعم لو ثبت بدليل آخر وثاقة عمر فإنه يعود لهذه
الرواية قيمتها مع وثاقة باقي رجال السند وتكون من الأدلة على جلالته
واحاطته لأمور لم يحط بها غير.
الثاني - ما رواه الكليني عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن
سنان عن محمد بن مروان العجلي عن علي بن حنظلة قال سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول [اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنا] (2).
ببيان ان عمر ممن تعرف منزلته لكثرة روايته.. إلا أن الاستدلال بها
على ذلك غير صحيح أولا - ضعف سندها بابن سنان ولو على بعض المباني
ومحمد بن مروان العجلي فان الأول لم يوثق بل قد ضعفه الشيخ وغيره ونسب
إليه الضعف وطعن فيه وأما الثاني فلجهالته.
وثانيا - لو سلم تماميتها سندا فيرد ما تقدم من أن الرواية ليست بصدد
اعطاء ضابطة الجلالة والوثاقة على ضوء كثرة الرواية مطلقا ومن أي صدرت
بل إن وثاقة الراوي وحجية قوله مفروضة مسبقا في الرواية وإلا لأمكن ان

(1) روضة الكافي حديث 522.
(2) الكافي ج 1 - باب النوادر من كتاب فضل العلم حديث 13. والوسائل باب 11 ج 18
حديث 3.
215

يكتب المرء من الكتب ما شاء وينسبها إلى الأئمة وتثبت بذلك وثاقته.
وهو ممن لا يتصور قبوله من عاقل فضلا عن فاضل.
الثالث - ما رواه الصفار في بصائر الدرجات عن الحسين بن علي بن
عبد الله عن الحسن بن علي بن فضال عن داوود بن أبي يزيد عن بعض
أصحابنا عن عمر بن حنظلة فقال قلت لابي جعفر (عليه السلام) إني أظن ان
لي عندك منزلة قال أجل فقلت فعلمني الاسم الأعظم قال أتطيقه قلت: نعم.
قال فادخل البيت قال فدخلت فوضع أبو جعفر (عليه السلام) يده على الأرض
فاظلم البيت فارتعدت فرائص عمر فقال أعلمك فقلت لا فرفع يده فرجع البيت
كما كان] (1).
وهذه الرواية لا تدل على المطلوب من جهات:
1 - ضعف سندها بجهالة البعض المذكور في الرواية.
2 - لزوم الدور لكون راويها هو عمر نفسه حتى ولو سلم الوجه الأول
ببيان ان داوود ممن ورد فيه أنه من أهل العلم والدين وانه صادق اللهجة بحيث
استبعدنا معه ان يروي عن بعض أصحابه مع كونه من الكذابين.
3 - ان دلالة الرواية على الوثاقة غير مستظهرة لان وجود رتبة لعمر عند
الامام مسلمة على كل حال ولو بإسلامه والقرب من الامام لا لشخصه بل
لأغراضه وأهدافه ومن المعلوم ان الملتزم بالشريعة من أي جهة كان ذو منزلة
عند الله وعند الامام ولا يتنافى مع كونه كاذبا في الجملة.
4 - ان العبارة غير متزنة لأنه تارة ينقل الحديث فيها بلفظ الحاضر
[فدخلت..] وتارة بلفظ الغائب [فارتعدت فرائص عمر] مع كون عمر هو
الراوي لها.

(1) البصائر ج 4 ح 12 حديث 1 في أن الأئمة أعطوا الاسم الأعظم.
216

ومن الغريب دعوى البعض احتفاف الرواية بقرائن الصدق مع ما عرفته.
الرابع - ما في العوالم من أعلام الدين الديلمي في كتاب الحسين بن
سعيد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعمر بن حنظلة يا أبا صخر أنتم والله
على ديني ودين آبائي وقال والله لنشفعن والله لنشفعن ثلاث مرات حتى يقول
عدونا فما لنا من شافعين ولا صديق حميم] (1).
وهذه الرواية تامة دلالة إلا أنها ساقطة سندا لعدم معرفة طريق الديلمي
للحسين بن سعيد.
الخامس - ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن
يونس عن يزيد بن خليفة قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) ان عمر بن
حنظلة أتانا عنك بوقت فقال: أبو عبد الله (عليه السلام) إذا لا يكذب
علينا] (2).
وهذه الرواية من أهم الروايات التي يستدل بها على وثاقة عمر وقد
ذكرت حولها الوجوه الكثيرة نقضا وإثباتا.
ولا بد من تحقيق حالها سندا قبل ذكر دلالتها.
فنقول ان جملة من الأصحاب ذكروا انها ضعيفة لوجود يزيد بن خليفة
حيث إنه لم يذكر له توثيق فضلا عن كونه واقفيا.
إلا أنه غير تام وذلك لرواية جمع من أصحاب الاجماع عنه وقد بنينا في
بحوثنا السابقة على وثاقة من يقع في طريق أصحاب الاجماع وهو هنا كذلك
فقد روى عنه صفوان وابن مسكان ويونس.. وأما كونه واقفيا فقد عرفت عدم
أثره فيما هو المعتبر عندنا في جواز العمل والاخذ بالاخبار.

(1) رجال المامقاني ص 342.
(2) الكافي ج 3 - باب وقت الظهر والعصر من كتاب الصلاة حديث 1.
217

فنقول ان (إذا) الواردة في الرواية هي حرف جواب وقد تكون حرف
جواب وجزاء معا كما لو قيل لشخص سآتيك غدا فيقال في الجواب [إذا جئتني
أكرمك] فتحذف (جئتني ويعوض عنها بالتنوين فيقال [إذا أو إذن أكرمك].
وعلى كل حال وسواء كانت للجواب أو للجواب والجزاء معا كما عن
سيبويه لا يتأثر الاستدلال بذلك..
وساعتئذ نقول إن العبارة تحتمل أحد المعاني الآتية:
الأول - أن يكون التنوين عوض عن جملة [أتانا عنك بوقت] ويكون
الجواب على طبق السؤال والمعنى ان عمر لا يكذب علينا في خصوص ما جاء
به من الوقت المذكور كما احتمله الشهيد الثاني.
ويمكن تأييد هذا الاحتمال بمؤيدات:
1 - انه لو لم يعد لخصوص الوقت لما انبغى الاتيان ب‍ (إذن) فان الامام
ساعتئذ يمكنه الإجابة لو كان عمر موثوقا عنده ب‍ (خذوا بقوله فإنه لا يكذب
علينا] أو ما قارب هذا التعبير.
2 - ان كون إذن جوابا تعني ارتباط كلام الامام بكلام السائل وهو يقتضي
التخصيص.
الثاني - ان الجواب المذكور يؤذن باعتقاد الامام كذب عمر ولذا عند ما
سمع الرواية وتبين له صدقه فيما أخبر قال [إذن لا يكذب..]
وعليه تكون الرواية على الكذب أدل ولعله من هنا قال الوحيد انها على
الذم أدل.
الثالث - ان التنوين عوض عن الجملة بأكملها أي جملة [ان عمر بن
حنظلة أتانا..].
ويكون معنى الجواب انه إن كان عمر هو الراوي فلا يكذب علينا.
218

وهذا الاحتمال هو المتعين وذلك:
أولا - ان ما قد يقال من انه لو كان بصدد إثبات وثاقته لعدل عن التعبير
بما ذكر إنما يتم لو كان المسؤول عنه هو وثاقة عمر كما هو الحال في يونس بن
عبد الرحمن لما سئل الامام عن وثاقته حيث أجاب هناك ب (نعم).
وثانيا - ان دعوى الاقتصار في الدلالة على مقدار السؤال لا يتم في مورد
متعقب بالفعل المنفي حيث حقق في محله دلالته على العموم وكون المورد
خاصا لا يجعل العام خاصا.
وثالثا - إن دعوى إيذان الرواية باعتقاد الامام لكذب عمر مجرد دعوى
إيذان لم تخرج لعالم الظهور والصراحة وهما المناطان في اعتبار حجية
المدلول وعدمه.
ويؤكد ذلك أنه لو قيل لشخص ان عندي من السمك واللحم ما تشتهيه
الأنفس فأجاب (إذن سآتي) فإنه لا يقال فيها بأنه كان يعتقد عدم وجود شئ
لذيذ غير السمك بل قد يكون أحيانا خالي الذهن أو قد يكون المبين أحد أفراد
رغباته لا كلها كما أنه لا دلالة على أنه لا يحضر لو لم يكن هناك السمك أو
اللحم.
ورابعا - إن السائل لم يبين للامام ماهية الوقت الذي جاء به لكي يعود
الجواب إلى الوقت بالخصوص.
وهذا يدل بوضوح على عود الجواب على عمر نفسه وان المعنى انه لا
يكذب علينا ولذا لم يستفصل الامام أيضا.
وعليه فتثبت وثاقته ويعود بالتالي لجملة من الروايات الماضية قيمتها
حيث رواها بنفسه والتي تشكل بمجموعها رقما احتماليا يدعو للاطمئنان
بجلالة ووثاقة عمر بن حنظلة كما أنه وبناء على قبولنا لكبري وثاقة الواقع في
219

سند أحد أصحاب الاجماع يدخل وجه آخر لاثبات وثاقته حيث قد روى عنه
أربعة من أصحاب الاجماع هم:
1 - زرارة بن أعين.
2 - عبد الله بن بكير.
3 - صفوان بن يحيى.
4 - عبد الله بن مسكان.
فضلا عن رواية جمع كثير من الثقات والأعاظم عنه.. وبهذا يتحصل ان
ما نسب للمشهور من عدم الاعتماد عليه في غير محله.
كما أن الاكتفاء بالتعبير بلفظ (مقبولة) بما يتعلق برواياته غير مقبول.
هذا آخر ما أردنا إثباته في هذا الكتاب ولقد تم الفراغ من تسويده الأولي
عشية السبت المصادف الثالث عشر من شهر رجب مولد الأمير (عليه السلام).
في قم المقدسة.
220