الكتاب: الثقات
المؤلف: ابن حبان
الجزء: ١
الوفاة: ٣٥٤
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند السنة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٣
المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية . بحيدر آباد الدكن الهند
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
ردمك:
ملاحظات:

السلسلة الجديدة من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية 4 / 16 / 1
كتاب الثقات
للامام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم
التميمي البستي
(المتوفى سنة 354 ه‍ = 965 م)
(الجزء الأول)
طبع بإعانة وزارة للحكومة العالية الهندية
تحت مراقبة
الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية
الطبعة الأولى
بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند
1393 ه‍ = 1973
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي:
الحمد لله الذي ليس له حد معدود فيتوى ولا له أجل معدود
فيفنى ولا يحيط به جوامع المكان ولا يشتمل عليه تواتر الزمان
ولا يدرك نعمته بالشواهد والحواس ولا يقاس صفات ذاته بالناس
تعاظم قدره عن مبالغ نعت الواصفين وجل وصفه عن إدراك غاية
1

الناطقين وكل دون وصف صفاته تحبير اللغات وضل عن بلوغ
قصده تصريف الصفات وجاز في ملكوته غامضات أنواع التدبير
وانقطع عن دون بلوغه عميقات جوامع التفكير وانعقدت دون
استبقاء حمد ألسن المجتهدين وانقطعت إليه جوامع أفكار آمال المنكرين
إذ لا شريك له في الملك ولا نظير ولا مشير له في الحكم ولا وزير
وأشهد أن لا غله إلا الله أحصى كل شئ عدادا وضرب لكل امرئ
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة واشهد أن
محمدا عبده المجتبى ورسوله المرتضى بعثه بالنور الساطع والضياء
اللامع فبلغ عن الله عز وجل الرسالة وأوضح فما دعا إليه الدلالة
فكان في اتباع سنته لزوم الهدى وفي قبول ما أتى به وجود السنا
فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين
أما بعد فإن الله اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من عباده
واستخلصه لنفسه من بلاده فبعته غلى خلقه بالحق بشيرا ومن النار
لمن زاغ عن سبيله نذيرا ليدعو الخلق من عباده إلى عبادته
2

ومن اتباع السبيل إلى لزوم طاعته ثم لم يجعل الفزع عند وقوع
حادثة ولا الهرب عند وجود كل نازلة غلا غلى الذي أنزل عليه التنزيل
وتفضل على عباده بولايته التأويل فسنته الفاصلة بين المتنازعين وآثاره
القاطعة بين الخصمين
فلما رأيت معرفة السنن من أعظم أركان الدين وأن حفظها
يجب على أكثر المسلمين وأنه لا سبيل إلى معرفة السقيم من الصحيح
ولا صحة إخراج الدليل من الصريح إلا بمعرفة ضعفاء المحدثين
كيفية ما كانوا عليه من الحالات أردت أن أملي أسامي أكثر المحدثين
ومن الفقهاء من أهل الفضل والصالحين ومن سلك سبيله من
الماضين بحذف الأسانيد والاكثار ولزم سلوك الاختصار ليسهل
على الفقهاء حفظها ولا يصعب على الحافظ وعيها والله أسأل التوفيق
لما أوصانا والعون على ما له قصدنا واساله أن يبني دار المقامة
3

من نعمته ومنتهى الغاية من كرامته في أعلى درجة الأبرار المنتخبين
الأخيار إنه جواد كريم رؤوف رحيم
ذكر الحث على لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أحمد بن مكرم بن خالد البرتي ثنا على بن المديني ثنا الوليد بن
مسلم ثنا بن يزيد ثنا خالد بن معدان حدثني عبد الرحمن بن عمرو
السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا أتينا العرباض بن سارية وهو
ممن نزل فيه ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما
أحملكم عليه فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين
فقال العرباض صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم
ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها
القلوب فقال قائل يا رسول الله كان هذه موعظة مودع فماذا تعهد
علينا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا
مجدعا فإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات
الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة قال الوليد فذكرت
4

هذا الحديث لعبد الله بن العلاء بن زبر فقال نعم حدثين بنحو من
هذا الحديث
قال أبو حاتم إن الله جل وعلا اصطفى محمدا صلى الله
عليه وسلم من بين خلقه وبعثه بالحق بشيرا ونذيرا واقترض على
خلقه طاعته ومذكوره وحدثنا فقال يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله
والرسول وقال وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا الآية فأمر الله بطاعة رسوله مع طاعته وعند التنازع
بالرجوع إلى سنته إذ هو المفزع الذي لا منازعة لاحد من الخلق فيه
5

فمن تنازع في شئ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب رد أمره
إلى قضاء الله ثم إلى قضاء رسوله صلى الله عليه وسلم لان طاعة
رسوله طاعته قال الله تعالى إن الذي يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله
فوق أيدهم فم نكث لا آية وقال من يطع الله فقد أعلمهم جل وعلا أن اتباعهم رسوله اتباعه وأن طاعتهم له
طاعته ثم ضمن الجنة لمن أطاع رسوله واتبع من أجابه
فقال ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
رسوله ونفى الايمان عن من لم يحكمه فيما شجر بينهم قال
فلا وربك لا يؤمنون الآية ثم أعلمنا جل وعلا أن دعاهم إلى
رسوله ليحكم بينهم إنما دعاهم إلى حكم الله لا أن الحاكم بينهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنهم متى ما سلموا الحكم لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقد سلموه بفرض الله قال الله عز وجل إذا دعوا إلى الله
ورسوله ليحكم بينهم إلى قوله فأولئك هم الفائزون ذا حكم الله
فرضه بالزام خلقه طاعة رسوله وإعلامهم أنها طاعته ثم أعلمنا
6

أن الفرض على رسوله ابتاع أمره فقال اتبع ما أوحى إليك
من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين وقال جل وعلا
ثم جعلتك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع الآية وقال
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين إلى قوله خبيرا ثم شهد
الله جل وعلا لرسوله باتباع أمره واستمساك بأمره لما سبق في علمه من
إسعاده بعصمته وتوفيقه للهدى مع هداية من اتبعه فقال ولولا
فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم الآية ثم أمره الله جل
وعلا بتبليغ ما أنزل إليه أمته مع الشهادة له بالعصمة من بين الناس
فقال يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل
فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ثم أعلمنا ان الذي يهدي إليه
رسوله هو الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه فقال وكذلك أوحينا إليك
روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتب ولا الإيمان غلى قوله وما
في الأرض ففي هذه الآية التي طولناها ما أقام بها الحجة على خلقه
بالتسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنه ووجب
علينا اتباعه وفي العنود عن اتباعه معصية إذ لا حكم بين الله وبين خلقه
إلا الذي وصفه الله جل وعلا موضع الإبانة لخلقه عنه
7

فالواجب على كل من انتحل العلم أو نسب إليه حفظ سنن المصطفى
صلى الله عليه وسلم والتفقه فيها ولا حيلة لاحد في السبيل إلى حفظها
إلا بمعرفة تاريخ المحدثين ومعرفة الضعفاء منهم من الثقات لأنه
متى لم يعرف ذاك لم يحسن تمييز الصحيح السقيم ولا عرف المسند
من المرسل ولا الموقوف من المنقطع فإذا وقف على أسمائه وأنسابهم
وعرف أعني بعضهم بعضا وميز العدول من الضعفاء وجب عليه
حينئذ التفقه فيها والعمل بها ثم إصلاح النية في نشرها إلى من بعده
رجاء استكمال الثواب العقبي بفعله ذلك إذ العلم من أفضل ما يخلف
المرء بعده نسأل الله الفوز على يقربنا إليه ويزلفنا لديه
ذكر الحث على نشر العلم
إذ هو من خير ما يخلف المرء بعده
أخبرنا الفضل بن الحباب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا إسماعيل بن جعفر
8

عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية
أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
ذكر الخبر الدال على استحباب حفظ تاريخ المحدثين
أخبرنا محمد بن محمد الهمداني ثنا محمد بن عبد الاعلى الصنعاني
ثنا بشر بن المفضل ثنا بن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن
أبي بكرة عن أبي بكرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال وقف على
بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو قال بزمامه فقال أي يوم هذا
فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقال إلي بيوم النحر
قلنا بلى قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه
9

فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى قال فأي بلد هذا فسكتنا
حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه فقال أليس البلد الحرام قلنا
بلى فقال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام عليكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الا ليبلغ الشاهد منكم
الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من أوعى له منه
قال أبو حاتم في قوله صلى الله عليه وسلم ليبلغ الشاهد منكم
الغائب كالدليل على استحباب حفظ تاريخ المحدثين والوقوف على
معرفة الثقات منهم من الضعفاء إذ لا يتهيأ للمرء أن يبلغ الغائب ما شهد
إلا بعد المعرفة بصحة ما يؤدي إلى من بعده وإنه إذا أدى إلى من
بعده ما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يؤد عنه
صلى الله عليه وسلم شيئا ولا سبب له إلى معرفة صحة الاخبار وسقيمها
إلا بمعرفة تاريخ من ذكر اسمه من المحدثين بياض وكتابا أبين فيه الضعفاء
والمتروكين وابدأ منهما بالثقات فنذكر ما كانوا عليه في الحالات
فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم ومولده
ومبعثه وهجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته ثم نذكر بعده
الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلى أن قتل على رحمة الله عليه
10

ثم نذكر صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا على المعجم
إذ هم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نذكر بعدهم
التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقاليم
كلها على المعجم إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا ثم نذكر القرن
الثالث الذين رأوا التابعين فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين
الأوليين ثم نذكر القرن الرابع الذين هم أتباع التابعين على سبيل من
قبلهم وهذا القرن ينتهى إلى زماننا هذا
ولا أذكر في هذا لكتاب الأول إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج
بخبرهم وأقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب التاريخ الكبير
الذي خرجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق
والحكايات ولأن ما نمليه في هذين الكتابين ان يسر الله ذلك وسهله
من توصيف الأسماء بقصد ما يحتاج إليه يكون أسهل على المتعلم
إذا قصد الحفظ وأنشط له في وعيه إذا أراد العلم من التكلف بحفظ
ما لو أغضى عنه في البداية لم يخرج في فعله من التكلف لحفظ ذلك
فكل من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج
11

بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس فإذا وجد خبر منكر عن
واحد ممن أذكره في كتابي هذا فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى
خمس خصال إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي
هذا في الاسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره أو يكون دونه رجل واه
لا يجوز الاحتجاج بروايته أو الخبر يكون مرسلا لا يلزمنا به الحجة
أو يكون منقطعا لا يقوم بمثله الحجة أو يكون في الاسناد رجل مدلس
لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه فإن المدلس ما لم يبين سماع
خبره عمن كتب عنه لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر لأنه لا يدري لعله
سمعه من إنسان ضعيف يبطل الخبر بذكره إذا وقف عليه وعرف
الخبر به فما لم يقل المدلس في خبره وإن كان ثقة سمعت
أو حدثني فلا يجوز الاحتجاج بخبره فذكرت هذه المسألة بكمالها
بالعلل والشواهد والحكايات في كتاب شرائط الاخبار فأغنى
12

ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب وإنما أذكر في هذا الكتاب
الشيخ بعد الشيخ وقد ضعفه بعض أئمتنا ووثقه بعضهم فمن
صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيرة التي بينتها في كتاب الفصل
بين النقلة أدخلته في هذا الكتاب لأنه يجوز الاحتجاج بخبره ومن
صح عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب
الفصل بين النقلة لم أذكره في هذا الكتاب لكني أدخلته في كتاب
الضعفاء بالعلل لأنه لا يجوز الاحتجاج بخبره فكل من ذكرته
في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها
فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره لان العدل من لم يفرف منه
الجرح ضد التعديل فمن لم يعلم يجرح فهو عدل إذا لم يبين
ضده إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم وإنما
كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم جعلنا الله ممن
أسبل عليه جلاليب الستر في الدنيا واتصل ذلك بالعفو عن جناياته
13

في العقبي إنه الفعال لما يريد ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد ثنا يحيى
بن معين ثنا حجاج بن محمد عن يونس بن أبي إسحاق عن سعيد بن
جبير عن بن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل
قال أبو حاتم ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين
14

الاثني عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي بعث الله
طيرا أبابيل على أصحاب الفيل وكان من شأن الفيل أن ملكا كان
باليمن غلب عليها وكان أصله من الحديثة يقال له أبرهة بنى
كنيسة بصنعاء فسماها القديس وزعم أنه يصرف إليها حج العرب
15

وحلف أنه يسير إلى الكعبة فيهدمها فخرج ملك من ملوك حمير
فيمن أطاعه من قومة يقال له ذو نفر فقاتله أبرهة وأخذه
فلما أتى له ذو نفر أيها الملك لا تقتلني فان استبقائي
خير لك من قتلى فاستبقاه وأوثقه ثم خرج سائرا يريد الكعبة
حتى إذا دنا من بلاد خشعم خرج إليه النفيل بن حبيب
الخشعمي ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن فقاتلوه فهزمهم وأخذ
النفيل فقال النفيل أيها الملك إني عالم بأرض العرب فلا تقتلني
وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة فاستبقاه وخرج معه يدله
حتى إذا بلغ الطائف خرج معه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف
فقال أيها الملك نحن عبيد لك ليس لك عندنا خلاف وليس
بيننا وبينك الذي تريد يعنون اللات إنما تريد الذي بمكة
نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا معه مولى لهم يقال له أبو رغال
فخرج معهم حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال
17

وهو الذي رجم قبره وبعث أبرهة من المغمس رجلا يقال له الأسود بن
مقصود على مقدمة خيله فجمع إليه أهل الحرم وأصاب لعبد
المطلب مائتي بعير بالأراك ثم بعث أبرهة حناطة الحميري إلى أهل
مكة فقال سل عن شريفها ثم أبلغه أنى لم آت لقتال إنما جئت
لأهدم هذا البيت فانطلق حناطة حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن
هاشم فقال إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن
تقاتلوه إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف فقال عبد المطلب
ما عندنا له قتال فقال سنخلي بينه وبين البيت فان خلى الله بينه
وبينه فهو الله ما لنا به قوة قال فانطلق معي إليه قال فخرج
معه حتى قدم المعسكر وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب فأتاه
فقال يا ذا نفر هل عندكم من غناء فيما نزل بنا فقال ما غناء رجل
أسير لا يأمن أن يقتل بكرة وعشية ولكن سأبعث لك
إلى أنيس سائس الفيل فأمره أن يضع لك عند الملك ما استطاع
18

من خير ويعظم خطرك ومنزلتك عنده قال فأرسل إلى
أنيس فأتاه فقال إن هذا سيد قريش صاحب عين مكة الذي
يطعم الناس في السهل والوحوش في الجبال وقد أصاب له
الملك مائتي بعير فان استطعت أن تنفعه عنده فانفعه صديق لي
فدخل أنيس على أبرهة فقال أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب
عين مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في الجبال يستأذن
عليك وأنا أحب أن تأذن له فقد جاءك غير ناصب لك
ولا مخالف عليك فأذن له وكان عبد المطلب رجلا عظيما جسيما
وسيما فلما رآه أبرهة عظمة وأكرمه وكره أن يجلس معه على سريره أن يجلس
تحته فهبط إلى البساط فجلس عليه معه فقال له عبد المطلب
أيها الملك إنك قد أصبت لي مالا عظيما فاردده على فقال
له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك
قال ولم قال جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم ومنعتكم
لأهدمه فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك قال أنا
رب هذه الإبل ولهذا البيت رب سيمنه قال ليمنعه منى
قال فأنت وذاك قال فأمر بإبله فردت عليه ثم خرج عبد المطلب
19

وأخبر قرشا الخبر وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب وأصبح أبرهة
بالمغمس قد تهيأ للدخول وعبى جيشه وقرب فيله وحمل عليه ما أراد
أن يحمل وهو قائم فلما حركه وقف وكاد أن يرزم إلى الأرض
فبرك فضربوه بالمعول في رأسه فأبى فأدخلوا محاجينهم تحت أقرانه
ومرافقه فأبى فوجهوه إلى اليمن فهرول فصرفوه إلى الحرم فوقف
ولحق الفيل بحبل من تلك الحبال فأرسل الله الطير من البحر
كالبلسان مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجله وحجر في
منقاره ويحملن أمثال الحمص والعدس من الحجارة فإذا غشين
القوم أرسلتها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحد إلا هلك وليس كل
القوم أصحاب فذلك قوم الله تعالى ألم تر كيف فعل ربك بصاحب الفيل
20

السورة كلها وبعث الله على أبرهة داء في جسده رجعوا سراعا
يتساقطون في كل بلد وجعل أبرهة تتساقط أنامله كلما سقطت أنملة
اتبعها مدة من قيح ودم فانتهى إلى اليمن وهو مثل فرخ الطير فيمن
بقى من أصحابه ثم مات فلما هلك استخلف ابنه يكسوم بن أبرهة
فهذا ما كان من شأن الفيل وسمعت هذه السنة سنة الفيل
ذكر نسب سيد ولد آدم وأول من تنشق الأرض
عنه يوم القيامة صلى الله عليه وسلم
أخبرنا عبد الله بن محمد بن سالم بيت المقدس ثنا عبد الرحمن بن
إبراهيم ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي حدثنا شداد أبو عمار عن واثلة
بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أصطفى
كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى بنى
هاشم من قريش واصطفاني من بنى هاشم فأنا سيد ولد آدم ولا فخر
وأنا أول من تنشق عنه الأرض أنا أول شافع أول مشفع
21

قال أبو حاتم نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصح إلى عدنان
وما وراء عدنان فليس عندي فيه شئ صحيح أعتمد عليه غير
أنى أذكر اختلافهم فيه بعضهم لبعض من ليس ذلك من صناعته
فهو صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسم عبد المطلب
شيبة بن هاشم واسم هاشم عمرو بن عبد مناف المغيرة
بن قصي زيد بن كلاب وهو المهذب بن مرة بن كعب بن
لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيعة
بن مدركة الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان إلى هنا ليس بين
النسابة خلاف فيه ومن عدنان هم مختلفون فيه إلى إبراهيم
22

فمنهم من قال عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن
يعقوب بن نبت بن نابت بن أنوش بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن
بن آزر
ومنهم من قال عدنان بن أدد بن الهميسع بن نابت بن إسماعيل بن
إبراهيم بن آزر
ومنهم من قال عدنان بن سحب بن أيوب بن قيدر بن
إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
ومنهم من قال عدنان بن أدد بن أمين بن شاجب بن ثعلبة بن
عتر بن يربح بن محلم بن العوام بن المحتمل بن دائمة بن العيقان
بن علة بن شحدود بن الظريف بن عبقر بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
23

ومنهم من قال عدنان بن أدد بن عوج بن المطعم بن الطمح بن القسود
بن العبور بن دعدع بن محمود بن الزائد بن بدان بن الدرس
بن حصن بن النزال بن القاسم بن المجشر بن معد بن صيفي
بن النبت بن قيدر بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر
ثم اختلفوا أيضا فيما فوق إبراهيم
فمنهم من قال إبراهيم بن آزر بن ناحور بن شارغ بن الراغ
بن القاسم الذي
قسم الأرض بين أهلها بن معن بن السايح بن الرافد
بن السايح وهو الوسام بن نوح نبي الله صلى الله عليه وسلم
ومنهم من قال إبراهيم بن آزر بن ناحور بن صاروح بن أغو بن
24

فالغ بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح
ومنهم من قال إبراهيم بن آزر بن تاريخ بن ناحور بن ساروح بن
ارغو بن فالج بن عبير بن سايح بن أرفخشد بن سام بنوح
ثم اختلفوا فيما بعد نوح عليه السلام فمنهم من قال نوح بن
ملكان بن متوشلخ بن إدريس نبي الله صلى الله عليه وسلم بن الرائد بن
مهلهل بن قنان بن الطاهر بن هبة الله بن شيث بن آدم
ومنهم من قال نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو
إدريس النبي عليه السلام بن يأرز بن مهابيل بن قبش
بن أنش بن شيث بن آدم
منهم من قال نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ بن يأرز بن
مهلائ يل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم
ومنهم من قال نوح بن لامك بن متوشلخ بن مهليل
25

بن قينين بن يافش بن شيث بن آدم
وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف
بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ولم يكن
لها أخ فيكون خالا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا عبد يغوث بن وهب
ولكن بنو زهرة يقولون إنهم أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لان آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت منهم وأم آمنة بنت
وهب بن عبد مناف بن زهرة اسمها مرة بنت عبد العي بن عثمان بن
عبد الدار بن قصي وأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى
بن قصي وأمها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب
بن لؤي هؤلاء جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أم أمه
وأما جداته صلى الله عليه وسلم من قبل أبى أمه فان أم وهب
بن عبد مناف بن زهرة اسمها قيلة بنت أبي قيلة واسم أبى قيلة
فهر بن غالب بن الحارث وهو غبشان وكان يعير بأبي كبشة
الذي نسبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه إذ كان
مشركا فتنصر لما سافر إلى الشام ورجع إلى قريش بدين غير دينها
26

فعيرت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم به
وأما أم قيلة خالدة بنت عابس بن كرب بن الحارث بن الفهر وأم
عبد مناف وأم زهرة جدة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها
جمل بنت مالك بن سعد بن سعد بن مليح وأمها سلمى بنت حيان بن
غنم وأم زهرة بن كلاب جدة جدة رسول الله صلى الله عليه وسلم
اسمها فاطمة بنت سعد بن سيل بن حرب وأمها طريفة بنت قيس
بن ذي الرأسين بن عمرو بن قيس بن عيلان
وأما أمهات آبائه صلى الله عليه وسلم فان أم عبد الله بن عبد المطلب
اسمها عاتكة بنت أرقص بن مالك بن زهرة وهي أول العواتك اللاتي
ولدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما أم عبد المطلب بن هاشم فهي سلمى بنت عمرو بن زيد
بن لبيد بن خداش بن عامر بن عدي بن النجار لذلك
وأم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج
27

بن ذكوان بن ثعلبة وهي الثانية من العواتك وهي أم هاشم بن
عبد مناف وعبد شمس بن عبد مناف وإنما سمى
هاشم هاشما لأنه هشيم الثريد لقومه
عمرو العلى هشيم الثريد لقومه رجال مكة مسنتون عجاف
وكان اسمه عمرو العلاء وأم عبد مناف بن قصي اسمها حجنى بنت حليل
بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن خزاعة فهي والدة
عبد الدار وعبد العزى أولاد قصي بن كلاب وأم قصي فاطمة
بنت سعد بن سيل بن حرب بن حمالة بن عوف بن الأزد وكان قصي
يسمى مجمعا لان الله به جمع القبائل من فهر وأم كلاب بن مرة هند
بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة وهي والدة بن
28

مرة ويقظة ابني مرة وأم مرة بن كعب مخشية بنت شيبان بن
محارب بن فهر وقد قيل وحشية بنت محارب بن فهر وأم كعب
بن لؤي ماويبنت كعب بن القين بن أسد بن وبرة وأم لؤي بن غالب
سلمى بنت عمرو بن عامر بن حارثة بن خزاعة وأم غالب بن فهر عاتكة
بنت يخلد بن النضر بن كنانة وهي إحدى العواتك اللاتي ولدن النبي
صلى الله عليه وسلم ما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا
بن العواتك وأم فهر بن مالك جندلة بنت الحارث بن عامر بن الحارث
الجرهمي
وأم مالك بن النضر عكرشة بنت عدوان وهو الحارث بن عمرو
بن قيس بن عيلان
29

وأم النضر بن كنانة وبرة بنت مر أخت تميم بن مر وقيل إنها
فكة بنت هنى بن بلى والنضر هو قيس وإنما قيل للنضر قريش
لتجمعها من تفرق من بيتها لان التقرش هو التجمع
وأما أم كنانة فهي عوانة وقد قيل هند بنت سعد بن
قيس عيلان
وأما أم خزيمة بن مدركة فهي سلمى بنت سعد بن قيس بن الحاف
بن ضاعة
وأما أم مدركة بن إلياس فهي خندف وهي ليلى بنت حلوان
بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكان لالياس بن مضر ثلاثة من البنين
عمرو وهو مدركة وعامر وهو طابخة وعمير فهو قمعة وأمهم
خندف وإنما سمى هؤلاء بهذه الأسماء لان الناس خرجوا في نجعة لهم
فنفرت إبلهم من أرنب فخرج في أثرها عمرو فأدركها فسمى مدركة
30

وأخذها عامر فنحر منها وطبخها فسمى طابخة وانقمع عمير في الخباء
ولم يخرج معها فسمى قمعة وخرجت أمهم تمشي في طلب الإبل فقيل
لها أين تخندقين وقدرت الإبل فسميت خندف والخندفة ضرب
من المشي
وأم إلياس بن مضر الربابة بنت إياس بن معد
وأم مضر بن نزار سودة بنت عك بن عدنان بن أدد
وأن نزار بن معد معانة بنت جوش بن جلهمة بن عمرو بن حليمة
بن حرمية
وأم معد بن عدنان مهدة بنت جلحب بن جديس
وأم عدنان بن أدد بلها بنت ماعز بن قحطان
31

فهذه جوامع ما يحتاج إليه معرفة نسبة أمهات آباء رسول الله صلى الله
عليه وسلم
وأما أولاد عبد المطلب فهم عشرة عبد الله بن عبد المطلب والد
رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير بن عبد المطلب والعباس بن
عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب والمقوم بن عبد المطلب واسمه
عبد العزى والحارث بن عبد المطلب والغيداق بن عبد المطلب
وأبو لهب بن عبد المطلب وأبو طالب بن عبد المطلب اسمه عبد مناف
فأما عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن له
ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ذكر ولا أنثى وتوفى
قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله والد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبو طالب من أم واحد
وأما الزبير بن عبد المطلب فكنيته أبو طاهر وكان من أجلة
قريش وفرسانها وكان من المبارزين وكان يقول الشعر فيجيز
32

وأما العباس بن عبد المطلب فان كنيته أبو الفضل وكان إليه
السقاية وزمزم في الجاهلية فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
دفعها إليه يوم فتح مكة ومات العباس سنة اثنتين وثلاثين في خلافة
عثمان بن عفان وهو بن ثمان وثمانين سنة بالمدينة وصلى عليه عثمان
بن عفان
وأما ضرار بن عبد المطلب فإنه كان يتعاطى بقول الشعر ومات
قبل الا سلام من غير أن أعقب
وأما حمزة بن عبد المطلب فان كنيته أبو عمارة وكان أسد الله
33

وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن كنيته أبو يعلى
ستشهد يوم أحد قتله وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم في شهر
شوال سنة ثلاث من الهجرة وكان حمزة أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين
وأما المقوم بن عبد المطلب فكان من رجالات قريش هلك
قبل الاسلام ولا عقب له
وأما أبو لهب بن عبد المطلب فكنيته أبو عقبة وإنما سمى أبو لهب
لجماله وكان أحول ممن يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين
عمومته ويظهر له حسدا إلى أن مات عليه من العدسة في عقب
يوم بدر لما بلغه ما كان في ذلك اليوم من المشركين من النكاية من المسلمين
كمد منه حتى مات
وأما الحارث بن عبد المطلب فهو أكبر ولد عبد المطلب واسمه
كنيته وهو ممن حفر بئر زمزم مع عبد المطلب
وأما الغيداق بن عبد المطلب فإنه مات ولم يعقب وكان من
رجالات قريش
34

وأما أبو طالب بن عبد المطلب فكان هو وعبد الله بن عبد المطلب
لام واحدة وكان عبد المطلب أوصى إليه عبد المطلب في ماله
بعده وفى حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهده على ما
كان يتعهده عبد المطلب في حياته ومات أبو طالب قبل أن يهاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين وأربعة عشر
وأما عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم فهن ست بنات
عبد المطلب بن هاشم لصلبة أولهن عاتكة بنت عبد المطلب وأميمة بنت
عبد المطلب وأروى بنت عبد المطلب والبيضاء بنت عبد المطلب
35

وهي أم حكيم وبرة بنت عبد المطلب وصفية بنت عبد المطلب
فأما عاتكة بنت عبد المطلب فكانت عند أبي أمية بن المغيرة
المخزومي
وأما أميمة بنت عبد المطلب فكانت عند جحش بن رئاب الأسدي
وأما البيضاء بنت عبد المطلب فكانت عند كريز بن ربيعة
بن حبيب بن عبد شمس
وأما وبرة بنت عبد المطلب فكانت عند عبد الأسد بن هلال المخزومي
وأما صفية بنت عبد المطلب فكانت عند العوام بن خويلد
بن أسد
وأما أروى بنت عبد المطلب فكانت عند عمير بن قصي بن كلاب
ولم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفية وهي والدة الزبير
بن العوام وتوفيت صفية في خلافة عمر بن الخطاب
فهذه جوامع ما يجب أن يحفظ من ذكر عمومة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعماته
36

وأما أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف
فإنها لما وضعته جاءت به إلى جده عبد المطلب وأخبرته أنها رأت
حين حملت به في النوم أنه قيل لها حملت سيد هذه الأمة فإذا
وضعته فسميه محمدا فأخذه عبد المطلب فدخل به على هبل في جوف
الكعبة وقام عنده يدعو الله ويشكر ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه
فدفعه إليها أمه رأيت في المنام كأنه خرج منى نور أضاء
لي قصور الشام
37

ثم اتمس له الرضاعة فاسترضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم من امرأة من بنى سعد بن بكر يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب
وأبو ذؤيب اسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن زام بن ناصرة
بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن
قيس بن غيلان بن مضر وزوج حليمة اسمه الحارث بن عبد العزى
بن رفاعة من بنى سعد بن بكر وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي أرضعته حليمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله بن
الحارث بن عبد العزى ولعبد الله هذا أختان من حليمة إحداهما أنيسة
والأخرى جذامة بنت الحارث بن عبد العزى قالت حليمة خرجت
في نسوة من بنى سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على آتان
لي قمراء في سنة شهباء ومعي زوجي ومعنا شارف لنا والله
38

إن تبض بقطرة من لبن ومعي صبي لي لا ننام ليلتنا من بكائه ما في
ثديي ما يغنيه فلما تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فتأباه وإنما نرجو الكرامة في رضاع من يرضع
له من والد المولود وكان يتيما فكنا نقول ما عسى أن تصنع
به أمه فكنا نأباه حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعة
غيري فكرهت أن أرجع ولم أخذ شيئا وقد أخذ ضواحي ما
أردن فقلت لزوجي والله لأرجع إلى ذلك اليتيم ولآخذنه قالت
فأتيته فأخذته ثم رجعت إلى رحلي قال زوجي أصبت والله يا حليمة
عسى الله أن يجعل فيه خيرا قالت فوالله ما هو إلا أن وضعته في
حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن حي روى
وشرب أخوه حتى روى ثم قام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها
حافل فحلب لبنا فشربت حتى رويت فبتنا بخير
39

وقد نام صبينا وروى فقال زوجي والله يا حليمة ما أراك
إلا أصبت نسمة مباركة قالت ثم خرجنا فوالله لخرجت آتاني أمام
الركب انهم ليقولون يا ويحك كفى علينا أليست هذه
بأتانك التي خرجت عليها فأقول والله يلي حتى قدمنا أرضنا
من حاضر بن سعد بن بكر قالت قدمنا على أجدب أرض
فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون بأغنامهم إذا أصبحوا
ويسرح راعى غنمي فتروح غنمي حفلا بطانا لبنا وتروح
أغنامهم جياعا هالكة ما بها لبن فتشرب ما شئنا من اللبن وما
من الحاضر أحد يحلب قطرة ولا يجدها قالت فيقولون لرعاتهم
ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعى حليمة فيسرحون في الشعب
الذي يسرح فيه فتروح أغنامهم جياعا هالكة وتروح غنمي حفلا
لبنا قالت وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر
40

ويشب في الشهر شباب الصبي في السنة
فلما بلغ سنتين قدمنا به على أمة فقالت إن لابني هذا شأنا إني
حملت به فوالله ما حملت حملا قط كان أخف على منه ولقد رأيت
حين حملت به أنه خرج منى نور أضاء منه أعناق الإبل ببصرى أو قالت
قصور بصرى ثم وضعته فوالله ما وقع كما يقع الصبيان لقد وقع
معتمدا على يديه إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء إلى السماء فدعاه عنكما
فقبضته وانطلقا
قال أبو حاتم فتوفيت أمه صلى الله عليه وسلم بالأبواء ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بن أربع سنين وكان عبد المطلب من أشفق الناس
عليه أبر الآباء به إلى أن توفى عبد المطلب ورسول الله صلى الله
عليه وسلم بن ثمان سنين وأوصى به إلى أبى طالب واسم أبى طالب
عبد مناف بن عبد المطلب وذلك أن عبد الله وأبا طالب كانا لام
فكان أبو طالب الذي يلي أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
41

عبد المطلب إلى أن راهقه الحلم وبلغ مبلغ الرجال وكان أبو طالب
إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
فشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
ذكر في الإستيعاب لابن عبد البر بإسناده إلى بن عباس أن
عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجعل له مأدبة
سماه محمدا قال بن عبد البر بعد هذا قال يحيى بن أيوب ما وجدنا هذا
الحديث عند أحد إلا عند بن أبي السرى العسقلاني قال وقد روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا يعنى مقطوع السرة
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام
حدثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا قرد أبو نوح
ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبي موسى
قال خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى الله
عليه وسلم أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب بطوا فحلوا
رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج
42

إليهم ولا يلتفت فأتاهم وهم يحلون رواحلهم وأحلاسهم فجعل
يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين هذا يبعثه الله رحمة
للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك قال إنكم حين أشرفتم
من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي
وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة
ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو صلى الله عليه وسلم في
رعية الإبل قال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فقال انظروا
إليه عليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيئ
الشجرة فلما جلس مال عليه فبينما هو قائم عليهم وهو
يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فان الروم لو رأوه عرفوه بالصفة
43

فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم
فقال ما جاء بكم قالوا جئنا إن هذا النبي خارج في هذا
الشهر فلم يبق طريق إلا وقد بعث إليه ناس وإنا أخبرنا بخبره
فبعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم أفرأيتم أمرا إذا أراد الله أن يقضه
هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا فتابعوه وأقاموا
معه قال فأتاهم فقال لهم أنشدكم بالله أيكم وليه قال أبو طالب
أنا فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا
وزوده الراهب من الكعك والزيت
قال أبو حاتم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وكانت
سفرته الثانية بعدها مع ميسرة غلام خديجة ثم تزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد وهو بن خمس وعشرين
سنة وخويلد هو بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب
بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم
بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب وكانت قبل
أن يتزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبى هالة أخي بنى
44

تميم ثم كانت تحت عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
وكان السبب في ذلك أن خديجة كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر
الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشئ تجعله لهم منه وكانت
قريش قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها
من صدق حديثه وعظيم أمانته وكريم أخلاقه بعثت إليه وعرضت
عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت
تعطى غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله منها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج في ما لها معه غلامها ميسرة
حتى قدم الشام نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا
من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال
من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة فقال ميسرة هذا رجل
من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة
قط إلا نبي ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج
45

بها واشترى ما أراد أن يشترى ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة
فكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يري ظلا على
رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس وهو يسير على بعيره
فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به وأخبرها ميسرة عن
قول الراهب وعن ما كان من أمر الاظلال وكانت خديجة امرأة
حازمة شريفة لبيبة فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها بعثت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقالت إني قد رغبت فيك وفى قرابتك وفى أمانتك
وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها وكانت
خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن
مالا فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك صلى الله
عليه وسلم لأعمامه فخرج معه حمزة بن عبد المطلب عمه حتى
دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فزوجها من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فولد له منها زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم
46

وكان به يكنى والطاهر والطيب فهلكوا قبل الوحي
وأما البنات فكلهن أسلمن وهاجرن إلى المدينة وكانت خديجة
قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد وكان بن عمها وكان نصرانيا قد
قرأ الكتب وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول
الراهب وما كان من الاظلال عليه فقال ورقة إن كان هذا
حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة قد عرفت أنه كائن بهذه
الأمة نبي سيظهر في هذا الوقت
ذكر تفضل الله على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم
بالكرامة والنبوة بين خلق آدم ونفخ الروح فيه
أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج ثنا العباس بن عثمان
البجلي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلمة عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى وجبت
لك النبوة قال بين خلق آدم ونفخ الروح فيه عليه الصلاة والسلام
47

ذكر صفة بدء الوحي على رسول الله صلى الله
عليه وسلم
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة بعسقلان ثنا بن أبي السرى ثنا
عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة
قالت أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من
48

الوحي الرؤيا الصادقة يراها في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق
الصبح ثم حبب
إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو
التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة
فتزوده لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاء الملك فيه
فقال اقرأ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بقارئ
قال فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال لي
اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد
ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى
بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى
بلغ ما لم يعلم قال فرجع بها ترجف فؤاده حتى دخل على خديجة
فقل زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال يا خديجة
ما لي وأخبرها الخبر وقال قد خشيت على فقالت كلا أبشر
فوالله لا يحزنك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل
الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة
49

حتى أتت به إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو
عم خديجة أخو أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب
الكتاب العربي يكتبه بالعربية من الإنجيل ما شاء أن يكتب
وكان شيخا كبيرا قد عمر فقالت له خديجة أي عم اسمع من بن
أخيك فقال ورقة يا بن أخي ما ترى فأخبره رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل على موسى
يا ليتني أكون فيها جذعا يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مخرجي هم قال نعم لم يأت أحد
بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي وأوذى وإن يدركني يومك أنصرك
نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحي فترة حتى
حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى
من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقى نفسه
منها فيرى له جبريل فقال له يا محمد إنك رسول الله
حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طال عليه فترة
50

الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فيقول
له مثل ذلك
قال أبو حاتم روى في بدء الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم
خبران خبر عن عائشة وخبر عن جابر فأما خبر عائشة فقد ذكرناه
وأما خبر جابر فحدثناه عبد الله بن محمد بن سالم ببيت المقدس ثنا
عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال
سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن أي القرآن أنزل أول قال يا أيها المدثر
فقلت أو اقرأ قال إني أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت
الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم
أحدا ثم نوديت فنظرت إلى السماء فإذا هو فوقي على العرش
في السماء فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني
ثم صبوا علي الماء وأنزل الله عز وجل علي يا أيها المدثر
إلى قوله فطهر
51

قال أبو حاتم هذان خبران أو هما من لم يكن الحديث صناعته أنهما
متضادان وليس كذلك إن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله
عليه وسلم يوم الاثنين وهو بن أربعين سنة ونزل عليه جبريل
وهو في الغار بحراء باقرأ باسم ربك الذي خلق فلما رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى بيت خديجة ودثروه أنزل الله عليه في
بيت خديجة يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر من غير أن يكون بين
الخبرين تضاد ولا تهاتر فكان أول من آمن برسول الله صلى الله عليه
وسلم زوجته خديجة بنت خويلد ثم آمن علي بن أبي طالب وصدقة
بما جاء به وهو بن عشر سنين ثم أسلم أبو بكر الصديق فكان علي بن أبي
طالب يخفى إسلامه من أبى طالب وأبو بكر لما أسلم أظهر
إسلامه فلذلك اشتبه على الناس أول من أسلم منهما ثم أرسلوا زيد بن
حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر أعلم قريش
بأنسابها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلا سهلا بليغا
أظهر الاسلام ودعا إلى الله وإلى رسوله فأجابه عثمان بن عفان
والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة
52

بن عبيد الله فجاء بهم أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
استجابوا له فأسلموا وصلوا ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح وأبو سلمة
بن عبد الأسد المخزومي والأرقم بن أبي الأرقم المخزومي وعثمان
بن مظعون الجمحي وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وسعيد
بن زيد بن عمرو بن نفيل وامرأته فاطمة بنت الخطاب وأسماء بنت أبي
بكر وعبد الله وقدامة ابنا مظعون الجمحيان وخباب بن الرت
ومسعود بن الربيع القاري وعبد الله بن مسعود وعمير بن أبي وقاص
وسليط بن عمرو وعياش بن أبي ربيعة وامرأته أسماء بنت
سلامة التميمية وعامر بن ربيعة أبو عبد الله وعبد الله بن جحش وأبو أحمد بن جحش
الأسدي وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء
بنت عميس الخثعمية وحاطب بن الحارث وامرأته فاطمة بنت
المجلل وحطاب بن الحارث وامرأته فكيهة وصهيب بن سنان
53

ومعمر بن الحارث وسعيد بن الحارث السهمي والمطلب بن
أزهر بن عبد عوف وامرأته رملة بنت أبي عوف
والنحام واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد وبلال بن رباح مولى
أبى بكر وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر وخالد بن سعيد بن العاص
وامرأته أميمة بنت خلف بن أسعد وحاطب بن عمرو بن عبد شمس
وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن
عرين بن ثعلبة التميمي وخالد بن البكير وإياس بن البكير وعامر
بن البكير وعبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن
عبد مناة بن كنانة وعمار بن ياسر حليف بنى مخزوم
وفشا ذكر الاسلام بمكة
ودخل الناس في الاسلام الرجال والنساء ارسالا وأنزل الله عز وجل
وأنذر عشيرتك الأقربين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى
الصفا ثم صعد عليه ثم نادى يا صباحاه فاجتمع إليه الناس
54

فمن رجل يجئ ومن رجل يبعث رسوله فقال يا بنى عبد المطلب
يا بنى عبد مناف يا بنى يا بنى أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا
الجبل تريد أن تغير عليكم أصدقتموني قالوا نعم قال فانى نذير لكم
بين يدي عذاب شديد ثم قال يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من
النار يا بنى عبد مناف لا أغنى عنكم من الله من شئ يا عباس بن
عبد المطلب يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى كعب بن
لؤي يا بنى هاشم يا بنى عبد المطلب اشتروا أنفسكم من النار فقال
أبو لهب تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت
تبت يدا أبى لهب وتب ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم وجعل
يدعو الناس في الشعاب والأدوية والأسواق إلى الله وأبو لهب خلفه
والحجارة تنكبه يقول يا قوم لا تقبلوا منه فإنه كذاب
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت
زمعة بن قيس بن عبد شمس بن مالك بن حسل بن
55

عامر بن لؤي وأمها الشموس بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن
خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار خطبها رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى وقدان بن حلبس عمها وكانت قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو من بنى عامر بن
لؤي وكانت سودة امرأة ثقيلة ثبطة وهي التي وهبت يومها لعائشة
وقالت لا أريد ما تريد النساء وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يتزوج على خديجة حتى ماتت
وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من عتبة بن أبي
لهب وأم كلثوم ابنته الأخرى من عتيبة بن أبي لهب فلما نزلت
تبت يدا أبى لهب أمرهما أبوهما أن يفارقاهما ففارقاهما
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ابنته رقية
بعد عتبة بن أبي لهب ثم مرض أبو طالب فدخل عليه رهط من قريش
56

فيهم أبو جهل فقالوا إن بن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول
ويقول ولو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
ودخل البيت وبين أبى جهل وبين أبى طالب مجلس رجل فخشي
أبو جهل أنه جلس إلى جنب أبى طالب يكون أرق عليه فوثب فجلس
في ذلك المجلس ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه فجلس
عند الباب قال أبو طالب أي بن أخي ما بال قومك يشكونك
ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول فقال النبي صلى الله عليه
وسلم أي عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم العرب
وتؤدى إليهم بها العجم الجزية فقال أبو طالب وأي كلمة هي
يا بن أخي قال لا إله إلا الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم ويقولون
أجعل الالهة الها واحدا ان هذا لشئ عجاب
ثم توفى أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب فلقي المسلمون أذى
من المشركين بعد موت أبى طالب فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم
حين ابتلوا وشطت بهم عشائرهم بمكة تفرقوا وأشار قبل أرض الحبشة
وكانت أرضا دفئة ترحل إليها رحلة الشتاء فكانت أول هجرة
57

في الاسلام فأول من خرج من المسلمين إلى الحبشة عثمان بن عفان
ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة
بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو
والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف
وأبو سلمة بن عبد الأسد معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة
وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة معه امرأته ليلى بنت أبي
حثمة بن غانم وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى وأبو حاطب بن
عمرو بن عبد شمس بن عبد ود وسهيل بن وهب بن ربيعة وهو سهيل
بن بيضاء بيضاء أمه ثم خرج بعدهم جعفر بن أبي طالب معه امرأته
58

أسماء بنت عميس وعمرو بن سعيد بن العاص ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان
بن أمية وأخوه خالد بن سعيد بن العاص ومعه امرأته أمينة بنت خلف
بن أسعد وعبد الله بن جحش بن رياب وأخوه عبد بن جحش معه
امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وقيس بن عبد الله من بنى
أسد بن خزيمة معه امرأته بركة بنت يسار ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي
وعتبة بن غزوان وأسد بن نوفل بن خويلد ويزيد بن زمعة بن الأسود
بن المطلب وعمرو بن أمية بن الحارث بن إد وطليب
بن عمير بن وهب وسوبط بن سعد بن حريملة وجهم بن
قيس بن عبد شرحبيل وابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم
59

وعامر بن أبي وقاص والمطلب بن أزهر معه امرأته رملة بنت أبي
عوف بن صبيرة وعبد الله بن مسعود وأخوه عتبة بن مسعود
والمقداد بن عمرو والحارث بن خالد بن صخر معه امرأته ريطة
بنت الحارث بن جبلة وعمرو بن عثمان بن عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب وشماس
عثمان بن عبد بن الشريد بن سويد وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة
بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وسلمة بن هشام بن المغيرة وعياش بن أبي
ربيعة بن المغيرة ومعتب بن عوف بن عامر بن الفضل والسائب
بن عثمان بن مظعون وعماه قدامة وعبد الله ابنا مظعون وحاطب بن
الحارث بن معمر معه امرأته فاطمة بنت المجلل وابناه محمد بن
60

حاطب والحارث بن حاطب وأخوه حطاب بن الحارث معه
امرأته فكيهة بنت يسار وسفيان بن معمر بن حبيب معه ابناه جابر
بن سفيان وجنادة بن سفيان ومعه امرأته حسنة وهي أمهما
وعثمان بن ربيعة بن أهبان وخنيس بن حذاقة بن قيس وعبد الله
بن الحارث بن قيس وهشام بن العاص بن وائل وقيس بن حذافة
بن قيس والحجاج بن الحارث بن قيس ومعمر بن الحارث بن قيس
وبشر بن الحارث بن قيس وسعيد بن الحارث بن قيس والسائب
بن الحارث بن قيس وعمير بن رئاب بن حذيفة ومحمية بن
جزء حليف لهم ومعمر بن عبد الله بن نضلة وعدي بن
61

نضلة بن عبد العزى معه ابنه النعمان وأبو عبيدة بن الجراح بعدهم
وعامر بن ربيعة معه امرأته ليلى والسكران بن عمرو بن عبد شمس معه امرأته
سودة بنت زمعة ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس
وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس وعبد الله بن سهيل
بن عمرو وعمرو بن الحارث بن زهير وعياض بن زهير بن أبي
شداد وربيعة بن هلال بن مالك وعثمان بن عبد غنم بن زهير
ويعد بن عبد قيس بن لقيط وعبد الله بن شهاب بن عبد الله بن
الحارث بن زهرة جد الزهري فخرجوا حتى قدموا أرض الحبشة
62

وأقاموا بها الطمأنينة ثم إن قريشا اجتمعت في أن يبعث
إلى النجاشي حتى يرد من ثم من المسلمين عليها فبعثوا عمرو بن العاص
وعمارة بن الوليد بن ربيعة وبعثوا معهما بهدايا كثيرة إليه وإلى بطارقته
فلما قدما عليه ما بقى بطريق إلا قدما إليه بهديته وسألاه
أن يكلم الملك حتى يسلمهم إليهما قبل أن يكلمهم ويسمع
منهم فلما فرغا من بطارقته قدما إلى النجاشي هداياه فقبلها منهما
ثم قالا له أيها الملك إن قومنا بعثوا إليك في فتيان منهم خرجوا إلى
بلادك فارقوا أديان قومهم ولم يدخلوا في دينك ولا دينهم
وقومهم أعلاهم عينا قالت بطارقته صدقا أيها الملك فغضب
63

النجاشي وقال لأيم الله إذا لا أدفعهم إليهما قوم جاؤوني
لجئوا إلى بلادي حتى أنظر فيما يقولون وأنظر فيما يقول هؤلاء
فان كانوا صادقين وكانوا كما قال هؤلاء أسلمناهم إليهما ولإن كانوا على
غير ذلك لم ندفعهم إليهما ومنعتهم منهما فقال عمارة بن الوليد
لم نصنع شيئا لو كان دفعهم إلينا من وراء وراء كان ذلك أحب إلينا
قبل أن يكلمهم ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا
فقال بعضهم لبعض ما الذي نكلم به الرجل ثم قالوا نكلمه والله
بالذي نحن عليه وعليه نبينا كائنا ما كان فيه فدخلوا عليه فقالوا لهم
اسجدوا للملك فقال جعفر بن أبي طالب لا نسجد إلا لله فقال لهم
ما يقول هذان يزعمان أنكم فارقتم دين قومكم ولن تدخلوا في ديني
وأنكم جئتم بدين مقتضب لا يعرف فقال جعفر بن أبي طالب
64

كنا مع قومنا في أمر جاهلية نعبد الأوثان فبعث الله إلينا رسولا منا
رجلا نعرف نسبه وصدقه ووفاءه فدعا إلى أن نعبد الله
وحده لا نشرك به وأمرنا بالصلاة والزكاة وصلة الرحمن وحسن
الجوار ونهانا عن الفواحش والخبائث فقل هل معك شئ مما جاء
به قال نعم فدعا النجاشي أساقفته فنشروا المصاحف حوله فقرأ عليهم
جعفر بن أبي طالب كهيعص فبكى النجاشي حتى اخضل لحيته وبكت
أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم ثم قال إن هذا والذي جاء به عيسى
يخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلعمر الله لا أرسلهم معكما
ولا أكاد ولا هم وكان أتقى الرجلين عمارة بن الوليد فقال عمرو
بن العاص والله لأجيبنه بما أبيد به خضراءهم لأخبرنه أنهم
يزعمون أن إلهك الذي تعبد عبد فقال له عمارة بن الوليد لا تفعل
65

فان لهم رحما وإن كانوا قد خالفونا قال أحلف بالله لأفعلن فرجع
إليه الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فابعث إليهم
فاسألهم عنه فأرسل إليهم فقال ما ذا تقولون في عيسى قالوا نقول
فيه ما قال الله عز وعلا وما قال لنا نبينا فقال له جعفر هو
عبد الله وروحه وكلمته ألقاها الله إلى العذراء البتول فأدلى النجاشي يده
فأخذ من الأرض عودا وقال ما عدا عيسى بن مريم نا قلتم هذا
العود فنخرت بطارقته فقال وإن نخرتم والله ثم قال اذهبوا فأنتم شيوم في أرضى يقول آمنون من شتمكم غرم ما أحب أن لي
دبرا ذهبا ودبر هو جبل بالحبشة وانى آذيت رجلا منكم وقال
ردوا عليهما هدايا هما التي جاءا بها لا حاجة لنا بها وأخرجوهما
من أرضى فأخرجا وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار
وخير جار لا يصل إليهم شئ يكرهونه
66

فولد بالحبشة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن أبي حذيفة
وسعيد بن خالد بن سعيد وأخته أمة بنت خالد وعبد الله بن المطلب
بن أزهر وموسى بن الحارث بن خالد وأخواته عائشة وزينب وفاطمة
بنات الحارث فلم يزل المسلمون بأرض الحبشة إلى أن ذكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الخروج إلى المدينة فمنهم من رجع إلى مكة فهاجر
مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومنهم من بقى بأرض الحبشة
حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة
وخرج أبو بكر الصديق من مكة مهاجرا إلى ى أرض الحبشة
حتى إذا بلغ برك الغماد بلقيه بن الدغنة وهو سيد القارة فقال
أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في
الأرض وأعبد ربي فقال بن الدغنة فان مثلك يا أبا بكر لا يخرج
أنت تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف
وتعين على نوائب الحق فأنا لك حافر فارجع واعبد ربك
ببلدك فرجع وارتحل معه بن الدغنة فطاف بن الدغنة عشية
67

في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله أتخرجون
رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضعيف
ويعين على نوائب الحق فلم تكذب قريش بحوار بن الدغنة
وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل فيها وليقرأ
ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فانا نخشى أن يفين أبناءنا
ونساءنا فقال ذلك بن الدغنية لأبي بكر فلبث أبو بكر بعد ذلك يعبد
ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا
لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلى فيه ويقرأ القرآن
فيقف عليه نساء المشركين وأبناءهم يعجبون منه وينظرون إليه
وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن وأفزع
ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا بن الدغنية فقدم عليهم
فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد
جاوز ذلك وابتنى بفناء داره وأعلن بالصلاة والقراءة فيه
وإنا خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فانهه فان أحب أن يقتصر على
أن يعبد ربه في داره فعل فان أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد
68

ينادى صوته أيها الناس قولوا لا إله إلا الله ورجل يتبعه
بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه يقول يا أيها الناس
لا تطيعوه فإنه كذاب قال قلت من هذا قالوا هذا غلام بنى
عبد المطلب قال فقلت من هذا الذي يتبعه يدميه قالوا عمه
عبد العزى أبو لهب
قال أبو حاتم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الخلق
إلى الله وحده ولا شريك له وكان أبو جهل يقول للناس إنه كذاب
يحرم الخمر والزنا وما كانت العرب تعرف الزنا فبينها النبي
صلى الله عليه وسلم يصلى في ظل الكعبة إذ قام أبو جهل في ناس
من قريش ونحر لهم جزورا في ناحية مكة فأرسلوا فجاؤوا بسلاها
وطرحوه عليه فجاءت فاطمة وألقته عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم
اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش
بأبي جهل بن هاشم وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد
بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن مسيط ثم اجتمعوا يوما
ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند المقام وهم جلوس في ظل الكعبة
69

فقام إليه عقبة بن أبي فجعل رداءه في عنقه ثم جره حتى وجب
النبي صلى الله عليه وسلم لركبته ساقطا وتصايح الناس
وظنوا أنه مقتول وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبعي رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ورائه وهو يقول أتقتلون رجلا أن يقول
ربي الله ثم انصرفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلى فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل
الكعبة فقال يا معشر قريش والذي نفس محمد بيده ما أرسلت إليكم
إلا بالذبح وأشار بيده إلى حلقه فقال له أبو جهل يا محمد ما كنت
جهولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت منهم فقال أبو جهل ألم أنهك يا محمد فانتهزه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل
لم تنهرني والله لقد علمت ما بها رجل أكثر ناديا منى فقال
جبريل فليدع ناديه لأخذت زبانية العذاب فقالت قريش
انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا لرجل
الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد
عليه فقالوا ما نعلم أحدات غير عتبة بن ربيعة فقالوا أنت يا أبا الوليد
70

فأتى عتبة فقال يا محمد أنت خير أم عبد الله فسكت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فان كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد
عبدوا الالهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم
حتى تسمع قولك أما والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك
فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في الرعب حتى
لقد طار فيهم أنن قريش كاهنا والله ما تنتظر إلا أن يقوم بعضنا
إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل إن كان إنما بك الباه
فاختر أي نساء قريش شئت حتى أزوجك عشرا وإن كان إنما بك
الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش مالا فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم أفرغت قال نعم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم
حتى بلغ فانا عرضوا فقد أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد وثمود
فقال له عتبة حسبك حسبك ما عندك غير هذا ثم رجع إلى
71

قريش فقالوا ما وراءك قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به
إلا تكلمت به قالوا فهل أجابك قال نعم لا والذي
نصبها يعنى الكعبة ما فهمت شيئا مما قال غير أنه قال أنذرتكم صعقة
مثل صعقة عاد وثمود قالوا ويلك يكلمك رجل بالعربية
ما تدرى ما قال قال فوالله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر
الصاعقة فكانوا يؤذونه بأنواع الأذى ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يبلغهم رسالات ربه صابرا محتسبا
ثم إن الله جل وعلا أراد هدى عمر بن الخطاب وكان عمر
من أشد قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغبا وأكثرهم
للمسلمين أذى
وكان السبب في إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت تحت
سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل وكانت قد أسلمت وأسلم زوجها
سعيد بن زيد وهم يستخفون بإسلامهم من عمر وكان نعيم بن
عبد الله بن النحام قد أسلم وكان يخفى إسلامه وكان خباب بن
الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر
72

يوما متوشحا بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أنهم
قد اجتمعوا في بيت الصفات وهو قريب من أربعين بين رجال
ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة وعلى وأبو بكر في
رجال من المسلمين ممن أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
ولم يخرج إلى أرض الحبشة فلقي نعيم بن النحام عمر بن الخطاب فقال
أين تريد فقال أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش
وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله فقال له نعيم
والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى أن
عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع
إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم قال وأي أهل بيتي فقال ختنك
وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فقد أسلما وبايعا محمدا على
دينه فعليك بهما فرجع عمر عامدا لختنه وأخته وعندهما خباب
بن الأرت ومعه صحيفة فيها طه يقرئها إياهما فلما سمعوا حس
عمر تغيب خباب في مخدع لهم وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة
73

فجعلتها تحت فخذها وقد سمع حين دنا من البيت قراءتها عليه
فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت قالا له ما سمعت شيئا
قال بلى والله لقد أخبرت أنكما بايعتما محمد على دينه وبطش
بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها
فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا
وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك فلما رأى عمر ما بأخته
من الدم ندم على ما صنع أرعوى وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة
التي سمعتكم تقرؤون آنفا انظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر
كاتبا فلما قال ذلك قالت له أخته إنا لنخشاك عليها قال لا تخافي
وحلف لها بآلهته ليردها إليها فلما قال ذلك طمعت في إسلامه
فقالت له يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا المطهرون
فقام عمر بن الخطاب فاغتسل ثم أعطته الصحيفة وفيها طه
فلما قرأ سطرا مها قال ما أحسن هذا الكلام فلما سمع خباب
74

ذلك خرج إليه فقال له يا عمر والله لأرجو أن يكون
خصك الله بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فانى سمعته يقول
اللهم أيد الاسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب
فقال له عمر دلني عليه يا خباب حتى آتيه فأسلم فقال له خباب
هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه
ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ضرب عليه الباب
فلما سمع المسلمون صوته قام رجل فنظر من خلال الباب فرآه
متوشحا بالسيف فقال حمزة بن عبد المطلب ائذن لي فان كان
يريد خيرا به لناله وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن له فأذن له الرجل ونهض إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته تم
جبذة عظيمة وقال ما جاء بك يا بن الخطاب والله
75

ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة فقال له عمر يا رسول الله
جئتك لأؤمن بالله ورسوله وبما جئت به من عند الله قال فكبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر أسلم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يا عمر استره فقال عمر والذي بعثك بالحق لأعلننه
كما أعلنت الشرك فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
عند ذلك وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر وحمزة
وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان
يقول بن مسعود ما زلنا أعزة مذ أسلم عمر
ثم توفيت خديجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت لخديجة
بيتا في الجنة لا صخب فيه ولا نصب
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاة خديجة عائشة
بنت أبي بكر قبل الهجرة بثلاث سنين في شهر شوال وهي بنت ست
76

خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لم يتزوج بكرا غيرها
وكانت أم عائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس
من ثقيف المنعة وأشراف ثقيف يومئذ عبد يا ليل وحبيب ومسعود بن
عمرو فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الله فقال
أحدهم أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الآخر هو يمرط
ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسلك وقال الآخر إن كان كما
تقول ما ينبغي لي أن أكلمك إجلالا لك وإن كنت تكذب
على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد سمع ما يكره فالتجأ إلى حائط لبني ربيعة وإذا
77

عتبة وشيبة فيه فلما رأياه تحركت له رحمهما فدعو غلاما
لها يقال له عداس نصرانيا فقالا له خذ هذا العنب واجعله
في هذا الاناء واذهب إلى ذلك الرجل فلما أتاه به عداس وضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في العنب وسمى الله فنظره عداس
في وجهه وقال إن هذا لشئ ما يقوله الناس اليوم قال
ومن أنت قال أنا رجل نصراني من أهل نينوى قال من قرية
يونس بن متى قال وما يدريك ما يونس بن متى قال ذلك
أخي كان نبيا من الأنبياء فجعل عداس يقبل يديه ورجليه
ويقول قدوس وقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك
فقد أفسده عليك فلما رجع إليهما فسألاه عما قال له فقال
لقد أخبرني عن شئ ما يعلمه إلا نبي قالا يا عداس ويحك لا تخدع
عن دينك
78

خروجه من الطائف مرور نفر من الجن قدومه مكة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أيس من الطائف
فمر بنخلة فقام يصلى من جوف الليل فمر به النفر من الجن أصحاب
نصيبين فاستمعوا له عامة ليلته فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم
منذرين وهم سبعة أنفس
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يدعوهم إلى الله
ويستنصرهم ليمنعوا ظهره حتى ينفذ عن الله ما بعثه به ثم افتقده
أصحابه ليلة فباتوا بشر ليلة فجعلوا يقولون استطير أو اغتيل
وتفرقوا في الشعاب والأودية يطلبونه فلقيه بن مسعود مقبلا من
نحو حراء فقال يا نبي الله بأبي أنت وأمي بتنا بشر ليلة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني داعي الجن فأتيتهم أقرئهم القرآن
وسألوني الزاد فقلت كل عظم ذكر الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان
لحما والبعر علفا لدوابكم فلذلك ننهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالروث والعظم لأنه زاد إخواننا
من الجن وكان بن مسعود يقول أراني رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة الجن آثارهم ونيرانهم ثم أمر الله عز وجل
79

ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
نفسه على القبائل
أخبرنا الحسن بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة ثنا عبد الجبار
بن محمد بن كثير التميمي ثنا محمد بن بشر اليماني عن أبان بن عبد الله
البجلي عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن بن عباس
قال حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله رسوله صلى الله عليه
وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر الصديق
حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم
وقال ممن القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم أمن
80

ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
هامتها أم من لهازمها فقالوا لا بل من هامتها العظمى قال أبو بكر
وأي هامتها العظمى أنتم قالوا من ذهل الأكبر قال
أبو بكر فمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف
قالوا لا قال فمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء ومنتهى الاحياء
قالا لا قال فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار
قالوا لا قال فمنكم الحوفزان قاتل الملوك سالبها أنفسها قالوا
لا قال فمنكم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال أبو بكر
فلستم إذا ذهلا الأكبر أنتم ذهلا الأصغر فقام إليه غلام من
بني شيبان يقال له دغفل حين بقل وجهه فقال على سائلنا أن
81

ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
نسأله يا هذا إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئا فممن
الرجل فقال أبو بكر أنا من قريش فقال الفتى بخ بخ أهل
الشرف والرئاسة فمن أي القرشيين أنت قال من ولد تيم بن مرة
قال أمكنت والله الرامي من صفاء الثغرة فمنكم قصي الذي جمع
القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعا قال لا قال فمنكم هاشم
الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف قال لا
قال فمن أهل الحجابة أنت قال لا قال فمن أهل الندوة أنت
قال لا قال فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي
كأن وجهه القمر يضئ في الليلة الظلماء الداجية قال لا
82

ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل قال فمن أهل السقاية قال لا واجتذب أبو بكر زمام الناقة فرجع
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام
صادف درء السيل درءا يدفعه
يهيضه حينا وحينا يصدعه
أما والله لقد ثبت قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال على فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة
فقال لي أجل يا أبا الحسن ما من طامة إلا وفوقها
83

طامة والبلاء موكل بالمنطق قال على ثم دفعنا إلى مجلس آخر
عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر وكان مقدما في كل خير فسلم
وقال ممن القوم فقالوا من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله
ما وراء هذا القوم غر هؤلاء غرر قومهم وفيهم مفروق بن عمرو
وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق
بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا وكان غديرتان تسقطان على
تربيته وكان أدنى القوم مجلسا من أبى بكر فقال أبو بكر
كيف العدد فيكم فقال مفروق إنا لنزيد على ألف ولن يغلب
ألف من قلة فقال أبو بكر وكيف المنعة فيكم قال مفروق
84

علينا الجهد ولكل قوم جد قال أبو بكر كيف الحرب بينكم وبين
عدوكم قال مفروق إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى وإنا
لأشد ما نكونن لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد
والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا
أخرى لعلك أخو قريش قال أبو بكر وقد بلغكم أنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو ذا قال مفروق قد بلغنا أنه
يذكر ذلك قال فإلى م تدعو يا أخا قريش قال أدعوكم إلى
شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله
وأن تؤوني وتنصروني فان قريشا قد تظاهرت على أمر الله
85

فكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغنى الحميد
فقال مفروق بن عمرو إلى ما تدعونا يا أخا قريش فتلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا أتل محرم ربكم عليكم الآية
قال مفروق وإلى م تدعو يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ان الله يأمر بالعدل والاحسان الآية فقال مفروق
دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال
وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال وهذا
هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال قد سمعت مقالتك يا أخا
قريش وإني أرى ان تركنا ديننا واتبعناك على دينك لمجلس جلسته
إلينا زلة في الرأي وقلة فكر في العواقب وإنما تكون الزلة مع
86

العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ولكن ترجع
ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى
بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا
فقال المثنى قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب
هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك
وإنما أنزلنا بين ضرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هاتان
الضرتان قال أهار كسرى ومياه العرب وإنما نزلنا على عهد أخذه
علينا كسرى لا نحدث حدثا ولا نؤي محدثا وانى أرى هذا
87

الامر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك فان أحببت أن نؤويك
وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن
ينصره إلا من أحاطه الله من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا
إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم
نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم
نعم قال فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم انا أرسلناك شاهدا
ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ثم نهض رسول الله
صلى الله عليه وسلم قابضا على يد أبى بكر وهو يقول يا أبا بكر
أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن
بعض
88

قال أبو حاتم إن الله عز وجل وعلا أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم إلى الله
وحده وأن لا يشركوا به شيئا وينصروه ويصدقوه فكان يمر على
مجالس العرب ومنزلهم فإذا رأى قوما وقف عليهم وقال إني
رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وتصدقوني
وخلفه عبد العزى أبو لهب بن عبد المطلب عمه يقول يا قوم
لا تقبلوا منه فإنه كذاب حتى أتى كندة في منازلهم فعرض عليهم نفسه
ودعاهم إلى الله فأبوا أن يستجيبوا له ثم أتى كلبا في منازلهم فكلم
بطنا منهم يقال له بنو عبد الله فجعل يدعوهم حتى أنه ليقول لهم
يا بنى عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم إني رسوله فاتبعوني حتى
أنفذ أمره فلم يقبلوا منه ثم أتى بنى حنيفة في منازلهم فردوا عليه
ما كلمهم به ولم يكن من قبائل العرب أعنف ردا عليه منهم
ثم أتى بنى عامر بن صعصعة في منازلهم فدعاهم إلى الله فقال قائل
منهم إن اتبعناك وصدقناك فنصرك الله ثم أظهرك الله على من خالفك
أيكون لنا الامر من بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه
89

وسلم المر إلى الله يضعه حيث يشاء فقالوا أنهدف نحورنا
للعرب دونك فإذا ظهرت كان الامر في غيرنا لا حاجة لنا في
هذا من أمرك
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر الموسم فيعرض نفسه
على من حضر من العرب فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة
وإذا رهط منهم رموا الجمرة فاعترضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال ممن أنتم قالوا من الخزرج قال أمن موالي يهود قالوا
نعم فكلمهم بالذي بعثه الله به فقال بعضهم لبعض يا قوم إن هذا
الذي كانت اليهود يدعوننا به أن يخرج في آخر الزمان وكانت اليهود
إذا كان بينهم شئ قالوا غنما ننتظر نبيا يبعث الآن يقتلكم
قتل عاد وثمود فنتبعه ونظهر عليكم معه ثم قالوا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم نرجع إلى قومنا ونخبرهم بالذي كلمتنا به فما
أرغبنا فيك إنا قد تركنا قومنا على خلاف فيما بينهم لا نعلم
90

حيا من العرب بينهم من العداوة ما بينهم وسنرجع إليهم بالذي
سمعنا منك لعل الله يقبل بقلوبهم ويصلح بك ذات بينهم ويؤلف
بين قلوبهم وأن يجتمعوا على أمرك فان يجتمعوا على أمر
واحد فلا رجل أعز منك ثم قدموا إلى المدينة فأفشوا ذلك فيهم
ولما رجع حاج العرب كان لبني عامر شيخ قد كبر لا يستطيع أن
يوافي معهم الموسم وكان أمرهم بمكان فكانوا إذا رجعوا سألهم
عما كان في موسمهم ذلك فلما كان ذلك العام سألهم فأخبروه عما
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إليه فوضع الشيخ يده
على رأسه وقال يا بنى عامر هل لها من تلاف هل لذنابها
من مطلب فوالله ما تقولها إسماعيلي وإنها لحق ويحكم
أين غاب عنكم رأيكم
91

وسمعت قريش بمكة بالليل صوتا ولا يرون شخصه يقول
فان يسلم السعدان يصبح محمد من الامر لا يخشى خلاف المخالف
فقال قريش لو علمنا من السعدان لفعلنا وفعلنا فسمعوا
من القائل وهو يقول
فيا سعد سعد الأوس كن أنت مانعا
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا
على الله في الفردوس زلقة عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى
جنان من الفردوس ذات رفارف
السعدان يريد به سعد الأوس سعد بن معاذ وسعد الخزرج
سعد بن عبادة
92

ذكر بيعة العقبة الأولى
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عوان الرازي ثنا عمار بن الحسن
ثنا سلمة بن الفضل عن بن إسحاق قال أخبرني يزيد بن أبي
حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي
عن عبادة بن الصامت قال كنا اثنى عشر رجلا في العقبة الأولى
فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء أن لا نشرك
بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان
نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف فمن وفى فله الجنة
ومن غشي من ذلك شيئا فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
93

قال أبو حاتم فلما كان الموسم جعل النبي صلى الله عليه وسلم
يتبع القبائل يدعوهم إلى الله فاجتمع عنده بالليل اثنا عشر نقيبا من
الأنصار فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انا نخاف إن جئتنا
على حالك هذه أن لا يتهيأ لنا الذي نريد ولكن
نبايعك الساعة وميعادنا العام المقبل فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم
على أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم
ويأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه
في معروف فمن وفى فله الجنة ومن غشي من ذلك شيئا فأمره إلى الله
إن شاء غفر له وإن شاء عذبه
وأسماؤهم منهم من بني النجار ثلاثة أنفس أسعد بن زرارة
بن عدس وهو أبو أمامة وعوف ومعاذ ابنا الحارث بن رفاعة
ومن بني زريق بن عامر بن زريق رافع بن مالك بن
العجلان وذكوان بن عبد قيس بن خالدة
ومن بني غنم عوف بن عمر بن عوف بن الخزرج
94

ومنهم القوافل عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأبو عبد الرحمن
بن يزيد بن ثعلبة حليف لهم من بلى ومن بني سالم بن عوف
عباس بن عبادة بن نضلة
ومن بني سلمة جعد بن سعيد ثم من بني حرام عقبة
بن عامر بن نابي وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد
ومن بني عبد الأشهل بن جشم أبو الهيثم بن التيهان واسمه
مالك وعويم بن ساعدة
ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة وأخبروهم الخبر وفشا ذكر
الاسلام بالمدينة فكان الواحد بعد الواحد من الأنصار يخرج من
المدينة إلى مكة فيؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقلب إلى
أهله فيسلم بإسلامه جماعة حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها
رهط من المسلمين يظهرون الاسلام
ثم اختلف الأوس والخزرج في الصلاة وأبوا أن يترك
95

بعضهم يؤم بعضا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
مصعب بن عمير مع جماعة وذلك أنهم كتبوا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم يسألونه أن يبعث عليهم رجلا من أصحابه يفقههم في الدين
فنزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة فكان يأتي به دور
الأنصار فيدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن ويفقه من كان منهم
دخل في الاسلام وكان إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير على
يد مصعب وذلك أنه خرج مع أسعد بن زرارة إلى حائط من
حوائط بني النجار معهما رجال من المسلمين فبلغ ذلك سعد
بن معاذ فقال لأسيد بن حضير ائت هذا الرجل فلولا أنه مع أسعد
بن زرارة وهو بن خالتي كما علمت كنت أنا أكفيك شأنه فأخذ
أسيد بن حضير حربته ثم خرج حتى أتى مصعبا فوقف عليه متشتما
وقد قال أسعد لمصعب حين نظر إلى أسيد هذا أسيد من سادات
قوم له خطر وشرف فلما انتهى إليهما تكلم بكلام فيه بعض الغلظة
فقال له مصعب بن عمير أو تجلس فتسمع فإن سمعت خيرا قبلته
وإن كرهت شيئا أو خالفك أعفيناك عنه قال أسيد ما بهذا
بأس ثم ركز حربته وجلس فتكلم مصعب بالاسلام وتلا
96

عليه القرآن قال أسيد ما أحسن هذا القول ثم أمره فتشهد شهادة
الحق وقال لهم كيف أفعل فقال له تغتسل وتطهر ثوبك وتشهد شهادة
الحق وتركع ركعتين ففعل ورجع إلى بني عبد الأشهل وثبتا
مكانهما فلما رآه سعد بن معاذ مقبلا قال أحلف بالله لقد
رجع إليكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف
عليه قال له سعد ما وراءك قال كلمت الرجلين فكلماني بكلام
رقيق وزعما أنهما سيتركان ذلك وقد بلغني أن بني حارثة قد سمعوا
بمكان أسعد فاجتمعوا لقتله وإنما يريدون بذلك إحقارك وهو بن
خالتك فان كان لك به حاجة فأدركه فوثب سعد وأخذ الحربة
من يدي أسيد وقال ما أراك أغنيت شيئا ثم خرج حتى جاءهما
ووقف عليهما متشتما وقد قال أسعد لمصعب حين رأى سعدا هذا
والله سيد من وراءه إن تابعك لم يختلف عليه اثنان من قومه
فأبلى الله فيه بلاء حسنا فلما وقف سعد قال لأسعد بن زرارة أجئتنا
بهذا الرجل يسفه شبابنا وضعفاءنا والله لولا ما بيني وبينك
97

من الرحم ما تركتك وهذا فلما فرغ سعد من مقالته قال له
مصعب أو تجلس فتسمع فان سمعت خيرا قبلته وإن خالفك شئ
أعفيناك قال أنصفت فركز حربته ثم جلس فكلمه بالاسلام
وتلا عليه القرآن فقال سعد ما أحسن هذا نقبله منك ونعينك
عليه كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الامر قال تغتسل وتطهر
ثوبك وتشهد شهادة الحق وتركع ركعتين ففعل ثم خرج سعد
حتى أتى بني عبد الأشهل فلما رأوه قالوا والله لقد رجع إليكم
سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قالوا
مما جئت قال يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون رأيي فيكم
وأمري عليكم قالوا أنت خيرنا رأيا قال فإن كان كلام
رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده وتشهدوا أن محمدا
رسول الله وتدخلوا في دينه فأمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد
الأشهل رجل ولا امرأة إلا أسلم
وأول جمعة جمعت بالمدينة
جمعها أبو أمامة أسعد بن زرارة وهم أربعون رجلا في روضة
98

يقال لها نقيع الخضمات من حرة بني بياضة فكان كعب بن مالك
يقول فيما بعد إذا سمع الاذان يوم الجمعة رحمة الله على أبي أمامة
أسعد بن زرارة
ذكر الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة المعراج
أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني وأحمد بن علي بن المثنى التميمي
وعمران بن موسى بن مجاشع السختياني قالوا ثنا هدبة بن خالد القيسي ثنا همام
بن يحيى ثنا قتادة عن أنس بن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه
وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال بينا أنا في الحطيم وربما قال
في الحجر مضطجع إذ أتاني جبريل فشق ما بين هذه إلى
هذه فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة
99

فغسل قلبي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار يضع
خطوة عن أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى
السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن
معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به
فنعم المجئ جاء ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد على السلام ثم
قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى
السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك
قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم
المجئ ففتح له فلما خلصت إذا نحن بعيسى ويحيى وهما
ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما قال فسلمت وردا
ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى
السماء الثالثة فاستفتح فقيل منن هذا قال جبريل قيل ومن
100

معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم
المجئ جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه
قال فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل
قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم
قيل مرحبا به فنعم المجئ جاء ففتح فلما خلصت فإذا إدريس
قال هذا إدريس فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد ثم قال
مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى
السماء الخامسة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن
معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به
فنعم المجئ جاء ففتح فلما خلصت إذا بهارون قال هذا هارون
فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا الأخ الصالح
والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح
قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل
وقد أرسل إليه قيل مرحبا به فنعم لمجئ جاء
101

ففتح فلما خلصت فإذا موسى قال هذا موسى فسلم عليه قال فسلمت
عليه فرد وقال مرحب بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى
قال ما يبكيك قال أبكى لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته
أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة
فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد
قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجئ جاء
ففتحت فلما خلصت إذا إبراهيم قال هذا أبوك إبراهيم فسلم
عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالنبي الصالح
والابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال
هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى قال فإذا
أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت ما هذان يا
جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل
والفرات ثم رفع إلى البيت المعمور ثم أتى بإناء من خمر وإناء
من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة
102

وأنت عليها وأمتك ثن فرضت على الصلوات خمسين صلاة كل يوم
فرجعت فمررت بموسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمسين
صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم
وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ارجع
إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت
إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بأربعين صلاة كل يوم
قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم انى قد جربت الناس
قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف
لأمتك فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت
قلت أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع
ثلاثين صلاة كل يوم فانى قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل
أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت
فوضع عشرا فرجعت إلى موسى قال بما أمرت قلت
أمرت بعشرين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع
عشرين صلاة وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل
أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت فأمرت
103

بعشر صلوات كل يوم ثم رجعت إلى موسى فقال بما أمرت
قلت أمرت بعشر صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع
عشر صلاة كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل
أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت فأمرت
بخمس صلوات كل يوم إلى موسى فقال بما أمرت قلت
أمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس
صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل
أشد المعالجة إلى ربك فسله التخفيف لأمتك قلت قد سألت
ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم فلما جاوزت ناداني
مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي
قال أبو حاتم أسرى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس
ثم عرج به إلى السماء وفرض عليه خمس صلوات ثم بعث
الله جبريل ليؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيت ويعلمه أوقات
الصلوات فما كان الظهر نودي ان الصلاة جامعة ففزع
الناس واجتمعوا إلى نبيهم فصلى بهم حين زالت الشمس على مثل
104

الشراك يؤم جبريل محمدا ويؤم محمد الناس ثم صلى به العصر حين
صار ظل كل شئ مثله ثم صلى به المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى
به العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين حرم الطعام
والشراب على الصائم
ثم صلى به الظهر من الغد حين صار ظل كل شئ مثله ثم صلى
به العصر حين صار ظل كل شئ مثليه ثم صلى به المغرب حين
أفطر الصائم ثم صلى به العشاء حين ذهب ثلث الليل ثم صلى به الفجر
حين أسفر ثم التفت جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال
يا محمد هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك الوقت فيما بين هذين
الوقتين
105

ذكر بيعة الأنصار بالعقبة الآخرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أخبرنا محمد بن صالح الطبري بالصيمرة ثنا أبو كريب ثنا إدريس
عن يحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر ومحمد بن إسحاق عن
عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده عبادة بن الصامت
قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر
واليسر والمكره والمنشط وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الامر
أهله وأن نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم
قال أبو حاتم فلما كان العام المقبل من حيث واعد الأنصار
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوه من العام المقبل بمكة خرج
سبعون رجلا من الأنصار فيمن خرج من أهل الشرك من قومهم من
106

أهل المدينة فلما كانوا بذي الحليفة قال البراء بن معرور بن صخر بن
خنساء وكان كبير الأنصار إني قد رأيت رأيا ما أدرى أتوافقوني
عليه أم لا قد رأيت ألا أجعل هذه البنية منى بظهر وأن أصلى
إليها بعني الكعبة فقالوا له والله ما هذا برأي وما كنا
لنصلي إلى غير قبلة فأبوا ذلك عليه وأبى أن يصلى إلا إليها فلما
غابت الشمس صلى إلى الكعبة وصلى أصحابه إلى الشام حتى قدموا
مكة قال البراء بن معرور لكعب بن مالك والله يا بن أخي قد وقع
في نفسي مما صنعت في سفري هذا فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت وكانوا لا يعرفون رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما كانوا يعرفون العباس بن عبد المطلب لأنه كان يختلف
107

إليهم إلى المدينة تاجرا فخرجوا يسألون عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمكة حتى إذا كانوا بالطحاء سألوا رجلا عنه فقال هل تعرفونه
قالوا لا قال فهل تعرفون العباس بن عبد المطلب قالوا
نعم قال فإذا دخلتم المسجد فانظروا من الرجل الذي مع العباس جالس
فهو هو تركته معه الآن فخرجوا حتى جاؤوا فسلموا عليها ثم جلسوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين
الرجلين قال هذا نعم هذا البراء بن معرور وهذا كعب بن
مالك فقال له البراء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني صنعت في سفري
هذا شيئا قد وقع في نفسي منه شئ فأخبرني عنه رأيت أن لا أجعل
هذه البنية منى بظهر وصلي إليها فعنفني أصحابي وخالفوني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كنت على قبلة لو
صبرت
عليها ولم يزد على ذلك ثم خرجوا إلى منى فلما كان في أوسط
108

أيام التشريق ذات ليلة واعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة
فخرجوا في جوف الليل يتسللون من رجالهم ويخفون ذلك من
قومهم من المشركين فلما اجتمعوا عند العقبة أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومعه عمه العباس فكان أول من تكلم العباس
فقال يا معشر الخزرج إن محمدا صلى الله عليه وسلم في منعة
من قومه وبلاده وقد منعناه ممن ليس على مثل رأينا فيه وقد أبى
إلا الانقطاع إليكم فان كنتم ترون أنكم توفون له بما وعدتموه فأنتم
وما جئتم به وإن كنتم تخافون عليه من أنفسكم شيئا فالآن فاتركوه
فإنه في عز ومنعة قالوا قد سمعنا ما قلت ثم تكلم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله فآمنوا وصدقوه
ثم تكلم البراء بن معرور وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال بايعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعكم على السمع
والطاعة في المنشط والمكره والنفقة في العسر واليسر وعلى الامر
109

بالمعروف والنهى عن المنكر وأن لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى
أن تنصروني وتمنعوني بما تمنعون به أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم
الجنة فبايعوه على ذلك فقال رجل من الأنصار بقال له عباس بن
عبادة بن نضلة يا معشر الأنصار هل تدرون ما تبايعون عليه هذا
الرجل إنكم تبايعونه على حرب الأسود والأحمر فان كنتم ترون
أنكم لتوفون بما عاهدتموه عليه فهو خير الدنيا والآخرة فخذوه
وإن كنتم ترون أنكم مسلموه إذا كان ذلك فالآن فدعوه فهو
خزي الدنيا والآخرة فقال أبو الهيثم بن التيهان يا رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن بيننا وبين قومه رحما وإنا قاطعوها فيك
فهل عسيت إن نحن بايعناك وأظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا
110

فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الدم الدم الهدم الهدم
إني منكم وأنتم منى أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم
ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعثوا إلى منكم اثنى عشر
نقيبا كفلا على قومهم بما كان منهم ككفالة الحواريين بعيسى بن مريم فقال
أسعد بن زرارة نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنت نقيب على قومك فقال نعم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
منهم اثنى عشر نقيبا بنى مالك بن النجار أبو أمامة أسعد
بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وكان نقيب
بنى سلمة البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن
عبد الله وكان نقيب بنى ساعدة المنذر بن عمرو بن خنيس وسعد
بن عبادة بن دليم وكان نقيب بنى زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان
وكان نقيب بنى الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة بن مالك وسعد
بن الربيع بن عمرو وكان نقيب القوافل عبادة بن الصامت بن قيس
111

وكان نقيب بنى عبد الأشهل أسيد بن حضير بن سماك وأبو الهيثم بن
التيهان وكان نقيب بنى عمر وبن عوف سعد بن خيثمة بن الحارث
فقال عباس بن عبادة بن نضلة والله يا رسول الله لئن شئت لنميلن
على أهل منى غدا بأسيافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم أؤمر بذلك ارجعوا إلى رحالكم فرجعوا إلى رحالهم وهم سبعون
رجلا فلما أصبحوا غدت عليهم قريش قالوا يا معشر الخزرج إنه
قد بلغنا عنكم شئ لا ندري أحق هو أم باطل إنه لأبغض قوم إلينا
أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم فجعل من كان من المشركين من
قومهم يحلفون بالله ما علمنا ولا فعلنا وصدقوا قال كعب بن مالك
فنظرت إلى عبد الله بن عمرو بن حرام فقلت يا أبا جابر أنت شيخ
من شيوخنا وسيد من ساداتنا ألا تتخذ نعلا مثل نعلي هذا الفتى من
قريش يريد الحارث بن هشام فلما سمعه الحارث خلعهما ورمى بهما
112

إليه فقال ألبسهما قال كعب قال والله صالح ولئن صدق
لأسلبنه
فرجع الأنصار إلى المدينة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى مكة وكانت هذه البيعة في ذي الحجة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة بثلاثة أشهر
فلما علمت قريش أن القوم قد عاقدوه ورأت من اتبعه من الأنصار
اجتمع نفر من أشراف كل قبيلة ودخلوا دار الندوة ليدبرون أمرهم في
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضهم إبليس في صورة شيخ فلما
رأوه قالوا من أنت قال رجل من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له
فأردت أن أحضركم ولن يعدمنكم منى رأى ونصح قالوا أجل
ثم قال انظروا في أمر هذا الرجل فقال بعضهم احبسوه في وثاق
تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء فإنما هو
كأحدهم قال النجدي ما هذا برأي فيخرجنه من محبسه وليوشكن أن يثبوا
113

عليكم حتى يأخذوه من بين أيديكم ثم لا آمن أن يخرج من بلادكم
انظروا في غير هذا قال قائل أخرجوه من بين أظهركم فإنه إذا
خرج غاب أذاه وشره وأصلحتم أمركم بينكم وخليتم بينه وبين ما
هو فيه قال النجدي ما هذا برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة
قوله وطلاقة لسانه وأخذ القلوب بما يسمع منه ولئن فعلتم
استعرض ولا آمن أن يدخل على كل قبيلة فيقبل منه ما جاء به
ثم يسيره إليكم حتى ينزع أمركم من أيديكم فيخرجكم من بلادكم ويقتل
أشرافكم انظروا رأيا غير هذا قال أبو جهل والله لأشيرن برأيي
عليكم ما أراكم أبصرتموه بعد قالوا وما هو قال نأخذ من كل
قبيلة غلاما شابا ثم نعطيه سيفا صارما حتى يضربوه ضربة رجل واحد
فإذا تفرق دمه في القبائل فلا أظن أن بنى هاشم يقدرون على حرب
قريش كلها فإذا أرادوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا منه ثم أصلحتم
114

أمركم فاجتمع ملككم على ما كنتم عليه من دين آبائكم فقال النجدي
القول ما قال هذا الفتى لا رأى غيره فتفرقوا على ذلك
وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت
فيه وأخبره بمكر القوم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا فتغشى
بردا له أحمر حضرميا فبات في مضجعه واجتمعت قريش لرسول الله
صلى الله عليه وسلم عند باب بيته يرصدونه فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم في يده حفنة من تراب فرماها في وجوههم فأخذ الله بأعينهم
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فباتوا رصدا على بابه وانطلق
رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته فخرج عليهم من الدار خارج
فقال ما لكم قالوا ننتظر محمدا قال قد خرج عليكم فانصرفوا يائسين
115

ينفض كل واحد منهم التراب عن رأسه قال أبو بكر الصديق انا لله
وانا إليه راجعون نبيهم ليهلكن فنزلت اذن للذين يقتلون
بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فأمره الله بالقتال ثم أمر الله عز وجل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى يثرب
ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي ثنا بن أبي السرى ثنا عبد
الرزاق أنا معمر عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت دار هجرتكم أريت
116

سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة
حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا
عنده ورق السمر أربعة أشهر قالت عائشة فبينا نحن جلوس يوما
في بيتنا في نحر الظهيرة فقال قائل لأبي هذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقبل متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فداه أبى
وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر قالت فجاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك قال أبو بكر إنما
هو أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
117

فإنه قد أذن لي بالخروج فقال أبو بكر فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو بكر بأبي أنت
يا رسول الله خذ إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة
في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب
فلذلك كانت تسمى ذات النطاق ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكثنا فيه ثلاث ليال
قال أبو حاتم لما أمر الله عز وجل وعلا رسوله صلى الله عليه
وسلم بالهجرة استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى الديل
118

وهو من بنى عدى هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد
غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش
فأمناه ودفعا إليه راحلتيهما وأوعده بغار ثور بعد ثلاث وخرج
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حتى أتيا الغار في جبل ثور كمنا فيه
وخرج المشركون يطلبونهما حتى جاؤوا إلى الجبل وأشرفوا على الغار
فقال أبو بكر يا رسول الله لو أبصر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
فأعمى الله أعينهم عن رسول الله صلى الله الرحمن الرحيم فلما أيسوا رجعوا
119

ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار ثلاث ليال
يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر الصديق وهو غلام شاب ثقف ثخن
فيدلج من عندهما بسحر فيصبح بمكة مع قريش كبائت بها فلا يسمع
أمرا يكاد به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط للكلام ويرعى
عليهما عامر بن فهيرة مولى أبى بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين
يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل يفعل ذلك في كل ليلة
من الليالي الثلاث ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث معه
أبو بكر وعامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم الدليل طريق الساحل
فاجتنبوا ليلتهم حتى أظهروا وقام الظهيرة رمى أبو بكر بصره هل
يرى ظلا يأوون إليه فإذا هم بصخرة فانتهوا إليهما فإذا بقية ظلها فسوى
أبو بكر ثم فرش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اضطجع
يا رسول الله فاضطجع ثم ذهب ينظر هل يرى من الطلب أحدا فإذا
120

هو براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي يريدون منن
الظل فسأله أبو بكر لمن يا غلام قال لفلان رجل من قريش
فعرفه أبو بكر فقال هل في غنمك من لبن قال نعم فقال هل
أنت حالب لي قال نعم فأمره فاعتقل شاة من غنمة وأمره أن
ينفض عنها من الغبار فحلب له كتيبه من لبن وكان معه إداوة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم على فمها خرقة فصب اللبن حتى برد
أسفله ثم ملأها فانتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استيقظ
فقال اشرب يا رسول الله فشرب وشرب أبو بكر فقال أبو بكر
قد أتى الرجل يا رسول الله قال لا تحزن والقوم يطلبونهم قال
سراقة ب مالك بن جعشم جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في
121

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر دية كل واحد منهما لمن قتله
أو أسره فقال سراقة فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي
بنى مدلج إذ أقبل رجل فقال يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل
أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت لهم إنهم ليسوا هم
ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في مجلس ساعة
ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة
فتحسبها على وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجة
الأرض حتى أتيت فرسي فركبتها ودفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم
فعرد بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت
منها الأزلام فاستقسمت بها أخرج أم لا فخرج الذي أكره
فركبت فرسي وعصيت الأزلام فقرب بي حتى إذا سمعت
قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها
ثم زجرتها فنهضت فلم تكن تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا غبار ساطع
122

في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره
فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي
حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم بأخبار
ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم بالزاد والمتاع فلم يرزءاني ولم يسألاني
إلا أنهما قالا أخف علينا فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة وأمن
فأمر أبا بكر فكتب لي في رق من أدم قال سراقة والله لأعمين على
من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر على
إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا حاجة لنا في إبلك وغنمك وانطلق راجعا إلى أصحابه
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي الزبير بن العوام في ركب
من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا
ثم ساروا إلى خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة
123

جلدة تحتبي وتجلس بفناء الخيمة تسقي وتطعم فينالونها تمرا ويشترون
فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فنظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر خيمتها فقال ما هذه
الشاة يا أم معبد قالت خلفها الجهد عن الغنم فقال هل بها من
لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها
قالت نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله عليه وقال
اللهم بارك لها في شاتها فتفاجت ودرت واجترت فدعا بإناء لها
يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء فسقاها فشربت حتى
رويت وسقا أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم وقال ساقى
القوم آخرهم شربا فشربوا جميعا عللا بعد نهل حتى أراضوا ثم حلب
124

فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها فقل ما لبثت
فجاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا له حفلا عجافا يتساوكن هزلا مخهن
قليل لا نفى بهن
فلما رأى اللبن عجب وقال من أين لك هذا والشاة عازب
ولا حلوبة في البيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان
من حديثه كيت وكيت قال والله إني أراه صاحب قريش الذي نطلبه
صفيه لي يا أم معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة مليح الوجه
حسن الخلق لم تعبه ثجله ولم تزره صلعة وسيم جسيم قسيم
125

في عينيه دعج وفى أشفاره وطف وفى صوته صهل أحور
أكحل أزج أقرن رجل شديد سواد الشعر في عنقه سطع وفى
لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء كأن
منطقة خرزات نظم يتحدرن حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر
أجمل الناس وأباه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب ربعة
لا يتثنى من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو
أنضر الثلاثة منظرات وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إن قال استمعوا
126

لقوله وإن أمر تسارعوا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند
قال هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره لو كنت وافقت
لالتمست إلى أن أصحب ولأفعلنه إن وجدت إلى ذلك سبيلا وأصبح
صوت بمكة عاليا يسمعونه ولا يدرون من يقوله وهو يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به * فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما روى الله عنكم * به من فعال لا تجازى وسؤدد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت له * بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب * يرددها في مصدر ثم مورد
فأجابه حسان بن ثابت
لقد خاب قوم زال عنه نبيهم * وقد سر من يسرى إليه ويغتدى
127

ترحل عن قوم فضلت عقولهم * وحل على قوم بنور مجدد
وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا * عمى وهداة يهتدون بمهتدى
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد
ليهنئ أبا بكر سعادة جده * بصحبته من يسعد الله يسعد
ليهنئ بنى كعب مقام فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد
فلما سمع المسلمون الأبيات خرج المسلمون سراعا فوجا فوجا يلحقون
برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا على خيمة أم معبد
وسمع المسلمون بالمدينة بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة
فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرون قدومه حتى يردهم حر
الظهيرة فكان أول من قدم عليهم من المهاجرين مصعب بن عمير أخو
بنى عبد الدار بن قصي فقالوا ما فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال هو وأصحابه على إثري ثم أتاهم بعده عمرو بن أم مكتوم
الأعشى أخو بنى فهر فقالوا ما فعل من وراءك رسول الله وأصحابه
128

فقال هم الآن على أثرهم ثم أتاهم بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي
وقاص و عبد الله بن مسعود وبلال ثم أتاهم عمر بن الخطاب في عشرين
راكبا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خرج من الغار سلك
بهم الدليل أسفل من مكة ثم مضى بهم حتى جاوز بهم الساحل أسفل
عسفان ثم استجاز بهم على أسفل أمج حتى عارض بهم الطريق ثم أجاز
بهم فسلك بهم الخرار ثم أجاز بهم ثنية المرة ثم سلك بهم القفا
ثم أجاز بهم مدلجة لفف ثم استبطن بهم مدلجة لفف ثم استبطن بهم
مدلجة مجاج ثم سلك رجح من ذي العضوين ثم بطن ذي كشد
129

ثم أخذ بهما الجداجد ثم الأجرد ثم سلك بهم بطن أعداء ثم مدلجة تعهن
ثم العبابيد ثم الفاجة ثم العرج ثم بطن العائد ثم بطن ريم ثمم رحلوا
من بطن ريم ونزلوا بعض حرار المدينة وذلك يوم الاثنين لاثنتي
عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول وبعثوا رجلا من أهل البادية
يؤذن بهم الأنصار فجاء البدوي وآذن بهم النصار وصعد رجل من
اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فنظر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم مبيضين فلم اليهودي أن قال بأعلى صوته
يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلام
130

فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة وهم خمسمائة رجل
من النصار فتلقى الناس والعواتق فوق الجاجير والصبيان
والولائد يقولون
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وأخذت الحبشة يلعبون بحرابهم لقدوم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرحا بذلك
ذكر قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة
أخبرنا أبو خليفة ثنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحاق
قال سمعت البراء يقول اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر
درهما فقال أبو بكر لعازب بن البراء فليحمله إلى أهلي فقال له عازب
لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين
خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكم فقال ارتحلنا من مكة فذكر
131

حديث الرجل وقال حتى أتينا المدينة فتنازعوا أيهم ينزل عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني
أنزل الليلة على بنى النجار وأخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك فخرج
الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم
يقولون جاء محم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح انطلق
فنزل حيث
أمر قال أبو حاتم لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل عدل
بهم فنزل على بنى النجار أخوال عبد المطلب لان أم عبد المطلب
سلمى بنت عمرو كانت من بنى عدى بن النجار فلما أصبح صلى الله عليه
وسلم نزل حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وأبو مرثد وابنه
وأبو كبشة
وزيد بن حارثة على كلثوم بن الهدم العمرى أخي بنى
عمرو بن عوف ونزل أبو بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله وصهيب
بن سنان على خبيب بن إساف ونزل عمر وزيد ابنا الخطاب وعمر
وعبد الله ابنا سراقة وعبد الله بن حذافة وواقد بن عبد الله وخولي بن
132

أبى خولي وعياش بن ربيعة وخالد وعاقل وإياس بن البكير على رفاعة
ابن المنذر ونزل عبيدة والطفيل والحصين بنو الحرب ومسطح
بن أثاثة وسويبط مولى أبى سعد وكليب بن عمير وخباب بن الأرت
على عبد الله بن سلعة العجلاني ونزلت زينب بنت جحش وجد أمة
بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيبة بنت نباتة وأمية
بنت رقيش وأم حبيبة بنت جحش وأم سخبرة بنت نعيم على سعد بن
خيثمة وعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون وأقام أبو بكر للناس
وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا يسلمون وأقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بنى عوف بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء
والخميس وأسس المسجد بقباء وصلى فيه تلك الأيام فلما كان يوم
الجمعة خرج على ناقته القصوى يوم الجمعة يريد المدينة واجتمع عليه
الناس فأدركته الصلاة في بنى سالم بن عوف فكانت أول جمعة
جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بدور الأنصار فيدعونه للنزول ويعرضون عليه المؤاساة
فيجزيهم النبي صلى الله عليه وسلم خيرا حتى مر على بنى سالم فقام
133

عتبان بن مالك في أصحاب له فقالوا له يا رسول الله أقم في العدد
والعدة والمنعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلوا سبيل الناقة فإنها
مأمورة ثم مر ببني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة وأبو دجانة والمنذر
بن عمرو وداود راودوه على النزول فقال خلوا سبيلها فإنها
مأمورة ثم مر ببني بياضة فاعترضه فروة بن عمرو وزياد بن لبيد وراودوه
على النزول فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة ثم مر على بنى عدى بن
النجار فقال أبو سليط بن أبي خارجة عندنا يا رسول الله فنحن أخوالك
وذكروا رحمهم فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة وأقبلت الناقة حتى
انتهت به إلى مربد التمر وهو يومئذ لغلامين يتيمين من بنى النجار
في حجر أسعد بن زرارة اسمهما سهل وسهيل ابنا رافع بن أبي عمرو وكان
المسلمون بنوا مسجدا يصلون فيه وهو موضع مسجده اليوم فلما انتهت به
الناقة إلى المسجد بركت فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا إن
شاء الله المنزل وجاء أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بن كليب فأخذ
برحله وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته ثم سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن المربد فقال معاذ بن عفراء هو لغلامين يتيمين
134

وأنا مرضيهما عنه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساوهما
بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك فأبى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يقبل منهما هبة حتى اتباعه منهما فلما خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم من المسجد قالوا يا رسول الله المرء مع موضع رحله
فنزل على أبى أيوب الأنصاري ومنزله في بنى غنم بن النجار ثم
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في بناء المسجد وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر الأنصار والمهاجرة
وكان عمار بن ياسر جعدا قصيرا وكان ينقل اللبن وقد أغبر صدره
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية
وقدم طلق بن علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعين
المسلمين في بناء المسجد فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول قربوا الطين من
اليمامي فإنه من أحسنكم به مسكا ومات أسعد بن زرارة والمسجد يبنى
135

أخذته الشهقة ودفن بالبقيع وهو أول من دفن بالبقيع من المسلمين
فكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا على أبى أيوب حتى فرغ من المسجد
وبنى له فيه مسكن فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ
من المسجد ومسكنه إليه ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد
بن حارثة وأبا رافع إلى مكة لقفل سودة بنت زمعة زوجته وبناته
وبعث أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي بكر أن
يقدم بأهله فلما قدم بن أريقط على عبد الله بن أبي بكر خرج عبد الله
بعيال أبى بكر عائشة وعبد الرحمن وأم رومان أم عائشة وكان البراء
بن معرور مات في صفر قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر
وأوصى عند موته أن يوجه إذا وضع في قبره إلى الكعبة ففعل به
ذلك فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى على قبره
وولد مسلمة بن مخلد وكان آخر الأنصار إسلاما بنو واقف وبنو أمية
وبنو وائل وكانت الأنصار كل واحد منهم يهدى لرسول الله صلى الله
136

عليه وسلم حين قدم المدينة تيسا وكانت أم سليم لم يكن لها ما تهدى
فأتت بابنها أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله
ابني هذا يخدمك وليس عندي ما أهديه فادع الله له فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم اللهم أكثر ماله وولده
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أنس بن مالك وكان
أنس له عشر سنين حيث قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فكانت أمهاته يحثثنه فلما دخل داره حلب له من داجن وشاب له لبنها
بماء يسير في الدار وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه فناوله رسول الله
صلى الله عليه وسلم الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن وكانت الصلاة
ركعتين ركعتين فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم متنفلين فقال
يا أيها الناس اقبلوا فريضة الله فأقرت صلاة المسافر وزيد في صلاة المقيم
137

وذلك لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الآخر بعد قدومه عليه السلام
المدينة بشهر
ووعك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكا شديدا فدخلت
عائشة على أبى بكر وهو يقول
كل امرئ مصبح في أهله والموت أقرب من شراك نعله
ثم دخلت على عامر بن فهيرة وهو يقول
كل امرئ مدافع بطوقه الثور يحمى جلده بروقه
فدخلت على بلال وهو يقول
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
وكان بلال يقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبا سفيان
بن حرب وأبا جهل بن هشام كما أخرجونا من مكة فأخبرت عائشة
النبي صلى الله عليه وسلم بما رأت من وعكهم فقال النبي صلى الله عليه
وسلم اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وبارك لنا فيها
كما باركت لنا في مكة وبارك في صاعها ومدها وانقل وباءها إلى
138

مهيعة وهي الجحفة
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وقد حمى الناس
وهم يصلون قعودا فقال النبي صلى الله عليه وسلم صلاة القاعد على
النصف من صلاة القائم فختم الناس الصلاة قياما ثم قال النبي صلى الله
عليه وسلم اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة ثم أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاخي بين المهاجرين والأنصار
في شهر رمضان فدخل المسجد فجعل يقول أين فلان بن فلان فلم يزل
يعدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال إني أحدثكم بحديث
فاحفظوه وحدثوا من بعدكم إن الله اصطفى من خلقه خلقا ثم تلا هذه
الآية الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس خلقا يدخلهم الجنة
وإني مصطف منكم من أحب أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخى الله
بين الملائكة قم يا أبا بكر فقام فجئ بين يديه فقال إن لك عندي
يدا الله يجزيك بها ولو كنت متخذا لاتخذتك خليلا وأنت
عندي بمنزلة قميصي في جسدي وحرك قميصه ثم قال ادن يا عمر
فدنا فقال لقد كنت شديد الثغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن
يعز الذي بك أو بأبي جهل ففعل الله ذلك بك وكنت أحبهما إلى الله
139

فأنت معي ثالث ثلاثة من هذه الأمة ثم تنحى وآخى بينه وبين أبى
بكر ودعا عثمان بن عفان فقال ادن يا عثمان ادن يا أبا عمرو فلم يزل
يدنو حتى ألزق ركبته بركبته ثم نظر إلى السماء فقال سبحان الله العظيم
ثم نظر إلى عثمان فإذا إزاره محلولة فزرها عليه ثم قال أجمع لي عطفي
ردائك على نحرك فان لك شأنا عند أهل السماء أنت ممن يرد على
الحوض وأوداجه تشخب دما ثم دعا عبد الرحمن بن
عوف فقال ادن يا أمين الله يسلط الله على مالك بالحق أما
إن لك عندي دعوة قد أخرتها فقال خر لي فقال
أكثر الله مالك ثم تنحى وآخى بينه وبين عثمان
ثم دعا طلحة والزبير فقال ادنوا منى فدنوا منه فقال أنتما
140

حواري كحواري عيسى بن مريم ثم آخى بينهما
ثم دعا سعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر فقال عمار بن ياسر فقال يا عمار تقتلك
الفئة الباغية ثم آخى بينهما
ثم دعا عميرا أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال يا سلمان أنت منا
أهل البيت وقد آتاك الله العلم الأول والعلم الآخر ثم قال ألا أنشدك
يا أبا الدرداء قال بأبي أنت وأمي بلى قال إن تنقدهم فينقدوك
وإن تتركهم لا يتركوك فاقرضهم عرضك ليوم فقرك واعلم
أن الجزاء أمامك ثم آخى بينهما ثم نظر في وجوه أصحابه فقال
أبشروا وقروا عينا فأنتم أول من يرد على الحوض وأنتم في أعلى الغرف
ونظر إلى عبد الله بن عمر فقال الحمد لله الذي يهدى من الضلالة
من أحب
فقال علي بن أبي طالب يا رسول الله ذهب روحي فانقطع ظهري
حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت فان كان من سخطه علي فلك
141

العتبى والكرامة قال والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي
وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي
ووارثي قال يا رسول الله ما أرث منك قال ما ورثت الأنبياء
قبلي قال وما ورثت الأنبياء قبلك قال كتاب الله وسنة نبيهم
وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ثم تلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إخوانا على سرر متقبلين
ومات الوليد بن المغيرة بمكة وأبو أحيحة بالطائف بلغ المسلمين
نعيهما وولد عبد الله بن الزبير في شوال فكبر المسلمون وكانوا يخافون
أن يكون اليهود سحرت نساءهم وكان أول مولود ولد من المهاجرين
بالمدينة وهنئ به أبو بكر والزبير ولم ترضعه أسماء بنت أبي بكر حتى
أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه ووضعه في حجرة فحنكه بتمرة
فكان أول شئ دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم سماه عبد الله
ثم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم اللواء لعبيدة بن الحارث بن
عبد المطلب بن عبد مناف على ستين من المهاجرين وليس فيهم من النصار أحد
وهي أول راية عقدها بالمدينة وبعثه إلى بطن رابغ
142

فبلغ ثنية المرة بالقرب من الجحفة فالتقوا على ماء ما يقال له أحياء
وأمير السرية أبو سفيان بن حرب في مائتين من المشركين فلم يكن بينهم
إلا الرمي بالرمي ثم انحاز المسلمون على رامية وانحاز من المشركين
إلى المسلمين المقداد بن عمرو بن الأسود وقد قيل عتبة بن غزوان
ثم انصرفوا من غير أن يسلوا السيوف وقد قيل إن المشركين أميرهم
كان مكرز بن حفص بن الأحنف وكان حامل اللواء لعبيدة بن
الحارث مسطح بن أثاثة
ثم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء لحمزة بن عبد المطلب في ثلاثين
راكبا كلهم من المهاجرين بعثه إلى ساحل البحر من قبل
العيص من أرض الجهينة ليتعرض لغير قريش فلقي أبا جهل بن هشام
في ثلاثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني
143

وكان حليفا للفريقين فانصرف الفريقان من غير قتال وكان حامل
لواء حمزة يومئذ أبو مرثد ث
م بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة هي بنت تسع على
رأس ثمانية أشهر من هجرته وذلك في شوال وكان تزوج بها بمكة
قبل الهجرة بثلاث سنين وهي ابنة ست فأهديت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ومعه البهاء ولم يزوج من النساء بكرا غيرها
ثم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء لسعد بن أبي وقاص
في عشرين رجلا يريد العير في ذي القعدة فخرجوا على أقدامهم فكانوا
يكفون بالنهار ويسيرون بالليل حتى أصبحوا أحرار صبح خامسة وقد
سبقهم العير قبل ذلك بيوم فانصرفوا وكان حامل اللواء يومئذ لسعد
المقداد بن عمرو
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو قيس بن الأسلت فعرض
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فقال ما أحسن ما تدعو
إليه أنظر في أمري ثم أعود إليك فلقيه عبد الله بن أبي فقال كرهت
والله حرب الخزرج فقال أبو قيس لا أسلم سنة فمات في
ذي الحجة
السنة الثانية من الهجرة
حدثنا عبد الله بن محمد بن المدايني ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا
144

عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير عن أبيه عن بن
عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد اليهود يصومون
عاشوراء فقال لهم ما هذا قالوا يوم عظيم نجى الله فيه موسى
وأغرق فرعون فيه وقومه فصامه موسى شكرا لله تعالى فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أولى بموسى وأحق بصيامه منكم
فصامه وأمر بصيامه
قال وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون يوم
عاشوراء في أول قدومه المدينة وهو أول السنة الثانية من الهجرة فسألهم
فأخبروه أن الله نجى موسى في ذلك اليوم وأغرق آل فرعون فصامه
موسى شكرا لله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه وقال
أنا أولى بموسى فصامه صلى الله عليه وسلم والمسلمون
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة عليا في صفر
وقال له أعطها شيئا فقال ما عندي يا رسول الله شئ قال فأين
درعك الحطمية فبعث إليها بدرعه
وقد روى في تزويجها أخبار فيها طول تؤدى إلى مسلك القصاص
فتنكبت عن ذكرها لعلمي بعدم صحتها من جهة النقل
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء وهي أول
غزوة بنفسه وبين الأبواء وودان ستة أميال خرج رسول الله
145

صلى الله عليه وسلم في المهاجرين ليس فيهم أنصاري وذلك في شهر
ربيع الأول على رأس سنة من مقدمه المدينة واستخلف سعد بن
عبادة بن دليم وكان لوائه حمزة بن عبد المطلب وكانت
غيبته خمس عشرة ليلة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا
والأبواء جبل وودان والأبواء بينهما الطريق كلاهما ورد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى هذه الغزاة وادع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مخشى بن عمرو الضمري
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه إلى
ناحية رضوى يريد عير قريش فيها أمية بن خلف
146

واستخلف على المدينة سعد بن معاذ وكان يحمل لواءه سعد
بن أبي وقاص ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في سبعة
نفر أو ثمانية حتى انتهى إلى الخرار من أرض الحجاز ثم رجع ولم يلق
كيدا وكان سرح في المدينة يرعى في الحمى فاستافه كرز بن جابر الفهري
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثره في المهاجرين وكان حامل
لوائه علي بن أبي طالب
واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وطلب رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى بلغ بدرا فلم يلحقه وفاته كرز فرجع إلى
147

المدينة وهذه الغزوة تسمى غزوة بدر الأولى
ثم ولد النعمان بن بشير في جمادى الأولى فحملته أم عمرة بنت رواحة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو أول مولود من الأنصار ولد بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب عبد الله بن جحش
في اثنى عشر نفسا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري وكتب له كتابا
وقال أمسك كتابك فإذا سرت يومين فانشره فانظر ما فيه ثم امض
وخرج مع عبد الله بن جحش أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة خليف بنى
عدى بن كعب وسعد بن أبي وقاص وسهيل بن بيضاء وعتبة بن
غزوان وواقد بن عبد الله التميمي حليف بنى عدى بن بيضاء وخالد بن
البكير حليف بنى عدى وعكاشة بن محصن فسار عبد الله بن جحش
ليلتين على ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فتح الكتاب فإذا
فيه سر حتى تنزل نخلة على اسم الله ولا تكرهن أحدا من أصحابك
148

على السير معك وامض فيمن تبعك منهم حتى تقدم بطن نخلة فترصد
بها عير قريش فلما قرأ الكتاب قال لست بمستكره أحدا منكم فمن
كان يريد الشهادة فليمض فانى ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فمضى ومضى القوم معه حتى إذا كانوا ببحران معدن بالحجاز
فوق الفرع أضل عتبة بن غزوان وسعد بن أبي وقاص بعيرا فتخلفا
في طلبه ومضى عبد الله بن جحش حتى أتى المكان الذي أمره رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوجد عير قريش فيها عمرو بن الحضرمي والحكم
بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ونوفل بن عبد الله بن المغيرة
فلما رأى أصحاب العير القوم هابوهم وحلزوهم فأشرف لهم عكاشة
بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه قال عمار لا بأس عليكم
وأمنوا فاستشاروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرهم
وكان آخر يوم من رجب
فقال المسلمون إن أخرنا عنهم هذا اليوم دخلوا الحرم فامتنعوا وإن
أصبناهم في الشهر الحرام فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي
149

بسهم فقتله واستأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان
وأعجزهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة واستاقوا العير فقدموا بها على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف رسول اله صلى الله عليه وسلم العير
ولم يأخذ منها شيئا وحبس الأسيرين وقال لأصحابه ما أمرتكم بالقتال
في الشهر الحرام فسقط في أيدي القوم وظنوا أنهم هلكوا
وقالت قريش استحل بهذا الشهر الحرام قد أصاب فيه الدم والمال
فأنزل الله فيما كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عظم في أنفس
أصحابه وما جاؤوا به يسألونك عن الشهر الحارم قتال فيه قل قتال فيه
إلى قوله أكبر من القتل يريد أنهم كانوا يفتنونكم في دينكم وأنتم
في حرام الله حتى تكفروا بعد إيمانكم فهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم
في الشهر الحرام مع كفرهم وصدهم عن سبيل الله وإخراجكم منه
فلما نزل القرآن بذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وأما
الأسيران فان الحكم أسلم وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان ففاداه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورجعوا به مكة ومات بها مشركا
150

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي العشيرة في المهاجرين
واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وكان حامل لوائه حمزة
بن عبد المطلب حتى بلغ بطن ينبع فوادع بها بنى مدلج وحلفاءهم
من بنى ضمرة ثم رجع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه
إلى الكعبة فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله لو اتخذت مقام
إبراهيم مصلى فأنزل قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية وقال
السفهاء من الناس من اليهود ما ولهم من قبلتهم التي كانوا عليها
فأنزل الله قل لله المشرق والمغرب الآية فصرفت القبلة إلى الكعبة
في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فكانت صلاته نحو بيت المقدس
بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام فخرج رجل بعد ما
صلى فمر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو
بيت المقدس فقال هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
151

وأنه قد وجه إلى الكعبة فانحرف القوم حتى توجهوا إلى الكعبة
ثم أنزل الله عز وجل فريضة الصوم في شعبان فلم يأمرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فرض رمضان
بصيام عاشوراء ولا نهاهم عنه
ثم كانت غزوة بدر
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان لاثنتي عشرة
ليلة خلت منه يريد اعتراض عير قريش ومعه المهاجرون والأنصار
وضرب بعسكره قبل أن يخرج من المدينة ببير أبى عيينة وعرض
أصحابه ورد من استصغر منهم فكن ممن رد في ذلك اليوم من المسلمين
عبد الله بن عمر ورافع بن خديج والبراء بن عازب وزيد بن ثابت
وأسيد بن حضير وكان عمير بن أبي وقاص يستر في ذلك اليوم
لان لئلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سعد ما لك يا أخي قال
إني أخاف أن يراني النبي صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني لعل الله
أن يرزقني الشهادة فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده فبكى
بكاء شديدا فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل ببدر شهيدا
152

ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر أبى عيينة في
ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا منهم أربعة وسبعون رجلا من المهاجرين
وسائرهم من الأنصار وكان لهم من الإبل سبعون بعيرا يتعاقب النفر
البعير الواحد فعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد
الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل على طريق الساحل إلى الحوران يتجسسان
خبر العير
ورأت بنت عبد المطلب بمكة رؤيا أفزعتها فبعثت إلى
العباس فقالت يا أخي لقد رأيت البارحة رؤيا أفظعتني فاكتم على
قال وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير حتى وقف
بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل انفروا يا آل غدر لمصارعكم
في ثلاث فإذا الناس قد اجتمعوا إليه فدخل المسجد والناس يتبعونه
فبينا هم إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم خرج بمثلها ثم أخذ
صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت
153

فما بقى بيت بمكة ولا دار إلا دخلها منها فلقة قال العباس والله
إن هذه لرؤيا فاكتميها ولا تذكريها
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة وكان له صديقا فذكرها له
فذكرها الوليد لأبيه ففشا الحديث بمكة فقال أبو جهل ما يرضى
بنو عبد المطلب أن يتنبأ رجالهم حتى تتنبأ نساؤهم
وكان أبو سفيان بن صخر أقبل من الشام في عير لقريش عظيمة
من قريش منهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري
وكان أبو سفيان يتحسس الاخبار ويسأل من لقي من الركبان فأصاب خبرا من الركبان
أن محمدا قد نفر في أصحابه فحذر عند ذلك
واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا
فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها فدخل ضمضم
في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة مكة وهو يصرخ ببطن الوادي وقد
154

جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش
اللطيمة اللطيمة قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها
أو لا تدركوها الغوث الغوث فتجهزت قريش سراعا إما خارج
وإما باعث مكانه رجلا وخرجت تريد العير
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء بينها وبين المدينة
ثلاث ليال بعث عدى بن أبي الزغباء الجهني حليف بنى النجار وبسبس
بن عمرو الجهني حليف بنى ساعدة قدامة إلى مكة فلما نزلا الوادي أناخ
إلى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستسقيان فيه وعلى الماء
إذ ذاك مجدي بن عمرو الجهني فسمع عبدي وبسبس جاريتين من
جواري جهينة وهما يتلازمان فقالت الملزومة لصاحبتها غنما يأتي العير
غدا أو بعد غد فأعمل لهم وأقضيك الذي على فقال مجدي
صدقت وخلص بينهما فلما سمع بذلك عدى وبسبس ركبا راحلتيهما
155

ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه وأقبل
أبو سفيان وقد تقدم العير حتى ورد الماء حذرا من الذي كان يخافه
فقال لمجدي بن عمرو وهل أحسست أحدا فقال والله ما رأيت أحدا
إلا أنى رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل فأتى أبو سفيان
مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فإذا فيه الموى فقال هذه والله
علائف يثرب فرجع وضرب وجوه عيره فساحل بها وترك بدرا
يسارا وانطلق حتى أسرع
وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة
رؤيا فقال أنا بين النائم واليقظان رأيت رجلا قد أقبل على فرس
له حتى وقف ثم وقف قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم
بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان ثم ضرب في لبة بعيره
وأرسله في العسكر فما بقى خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمه
فبلغ أبا جهل رؤياه فقال هذا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا
156

من المقتول إن نحن التقينا فلما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره
أرسل إلى قريش قال إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم وقد
نجاهما الله فارجعوا فقال أبو جهل واله لا نرجع حتى ترد بدرا
وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع للهم بها سوق فنقيم عليه
ثلاثا وننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان
فتسمع بنا العرب عسيرنا وجمعنا ثم رحلت قريش حتى نزلت
العدوة القصوى من بدر
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق الظبية دون بدر
استشار الناس فقال أشيروا فقال أشيروا على أيها الناس فقام أبو بكر فقال وأحسن
ثم قام عمر فقال مثل ذلك ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا رسول الله امض بنا لأمر الله فنحن معك والله لا نقول مثل
ما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون
157

ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون والذي بعثك بالحق
لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تنتهي إليه
رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير
ثم قال أشيروا على أيها الناس وإنما يريد رسول الله صلى الله
عليه وسلم الأنصار وذلك أنهم كانوا عدد الناس فقال سعد بن معاذ
كأنك يا رسول الله إنما تريدنا قال أجل فقال سعد قد آمنا بك
وصدقناك وشهدا بما جئت به أنه الحق وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا
على السمع والطاعة فامض بنا يا نبي الله لما أردت فنح معك والذي
بعثك لو استعرضت هذا البحر وخضت بنا لخضناه معك ما بقى منا
رجل وما كره أن تلقى بنا عدونا غدا إننا لصبر عند الحرب
صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عينك فسر
158

بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب ورجل من أصحابه
قدام الجيش ومضى حتى وقف على شيخ قريبا من بدر فقال له
أيها الشيخ ما بلغك عن محمد وأصحابه فقال ما أنا مخبرك حتى تخبرني
من أنت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك من نحن فقال الشيخ أذاك بذاك قال نعم فقال الشيخ بلغني
أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان يكن الذي أخبرني
صدقني فهم اليوم بكذا وكذا بالمنزل الذي كان فيه رسول اله صلى الله
عليه وسلم وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فان
يكن الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بكذا وكذا بالمنزل الذي هم
فيه ثم قال ممن أنت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن
من ماء ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأصاب
علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رواية لقريش
وفيها غلام لبني العاص لمنبه بن الحجاج فأتوا بهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى فقالوا
لهما من أنتما نحن سقاة قريش بعثونا لنسقي لهم الماء فكره
159

القوم خبر قريش ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فقالوا لهما من
أنتما ألا لأبي سفيان فضربوهما فلما آذوهما قالا نحن
لأبي سفيان فأمسكوا عنهما فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
من صلاته فأقبل عليهم فقال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم
تركتموهما والله إنهما لقريش ثم دعاهما فقال لمن أنتما فأخبراه
ثم قال أين قريش قالا خلف هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة
القصوى من الوادي قال وكم هم قالا هم كثير قال ما عددهم
قالا ما ندري قال فكم تنحر في اليوم قالا يوما عشرا ويوما
تسعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بين التسعمائة إلى الألف
ثم قال لهما فمن من أشراف قريش فسميا عتبة بن ربيعة وشيبة
بن ربيعة في رجال من قريش وكان ينحر لقريش تسعة رهط
من بنى هاشم العباس بن عبد المطلب ومن بنى عبد شمس عتبة بن
ربيعة ومن بنى نوفل الحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي
بن نوفل ومن بنى عبد الدار النضر بن الحارث ومن بنى أسد
160

حكيم بن حزام ومن بنى مخزوم أبو جهل بن هشام ومن بنى جمح
أمية بن خلف ومن بنى سهم منبه بن الحجاج ومن بنى عامر بن
لؤي سهيل بن عمرو
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين فقال هذه مكة
قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها وبعث الله السماء فأصاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمسلمين ماء لبدلهم الأرض وأصاب قريشا
ماء لم يقدروا أن يرتحلوا معه
ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وقال لهم سيروا
على بركة الله فإنه قد وعدني إحدى الطائفتين فكأني أنظر إلى مصارع
القوم ثم مضى يبادر قريشا إلى الماء إذا جاء أدنى من ماء
بدر نزل به فقال حباب بن المنذر بن الجموح أحد بنى سلمة يا رسول الله
أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر
عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الحرب والرأي
والمكيد قال فان هذا ليس بمنزل فانهض حتى نأتي أدنى
161

قليب القوم فنزله ثم نغور ما سواه من القلب ثم نبني حوضا
فنملأه ثم نقاتل فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد أشرت بالرأي ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل وبنى حوضا على القليب
وقذفوا فيه الآنية ثم أمر بالقلب فغورت فقال سعد بن معاذ
يا نبي الله ألا لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك
ثم نلقى عدونا فان أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا
وإن كان علينا يا نبي الله جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من
قومنا فقد تخلف عنك أقوام وما نحن بأشد حبا لك منهم ولو
ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك
ويجاهدون معك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وبنى له
عريش فقعد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وارتحلت
قريش حين أصبحت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
162

اللهم هذه قريش قد أقبلنا بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب
رسلك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم فأحنهم الغداة ورأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة على جمل له أحمر فقال
إن يك في أحد من القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه
يرشد فلما نزلت قريش أقبل نفر منهم حتى أقبلوا حوض رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام فقال النبي صلى الله عليه
وسلم دعوهم فما شرب رجل منهم شربة إلا قتل غير حكيم
بن حزام
فلما اطمأنت قريش بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا احزر
لنا محمدا وأصحابه فاستجال عمير بن وهب بفرس حول العسكر ثم رجع
إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا ولكن أمهلوني
حتى أنظر هل لهم من كمين أو مدد فضرب في الوادي حتى
أبعد فلم ير شيئا فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئا ولكني رأيت يا معشر
قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم
163

ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل رجل
منهم حتى يقتل رجلا منا فإذا أصابوا منك أعدادهم فما خير العيش
بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع بذلك حكيم بن حزام مشى في الناس
حتى أتى عتبة بن ربيعة فقال يا أبا الوليد أنت كبير قريش وسيدها
والمطاع فيها فهل لك أن لا تزال تذكر بخير آخر الدهر قال
وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر خليفك قال قد
فعلت أنت على بذلك إنما هو حليفي فعلى عقله يعنى عمرو بن الحضرمي
وما أصيب من ماله ولكن أنت بن الحنظلية فانى لا أخشى على
الناس غيره يعنى أبا جهل ثم قام عتبة فقال يا معشر قريش إنكم
والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه والله لئن أصبتموه لا يزال
الرجل ينظر في وجه الرجل يكره النظر إليه قتل بن عمه أو بن
خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بينه وبين محمد وسائر
العرب فان أصابوه فذلك الذي أردتم وإن كان غير ذلك ألقاكم
ولم تعرضوا منه ما تريدون فجاء حكيم بن حزام أبا جهل فوجده
164

قد نثل درعا له من جرابها وهو يهنئها فقال يا أبا الحكم إن عتبة
أرسلني إليك بذلك كذا وكذا فقال أبو جهل انتفخ والله سحره حين
رأى محمدا وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد
ثم قال أبو جهل اللهم أقطعنا الرحم وأتانا بما لا نعرف فاحنه
الغداة ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال هذا حليفك عتبة يريد
أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك والله ما ذلك بعتبة
ولكنه قد عرف أن ابنه فيهم وأن محمدا وأصحابه إنما هم أكلة جزور
وقد رأيتم ثأركم فقم فانثل مقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمي
ثم صرخ وا عمراه وا عمراه فحميت الحرب وحمى الناس
واستوثقوا فأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة فلما بلغ عتبة
165

قول أبى جهل قال سيعلم المصفر إسته من انتفخ سحره ثم التمس عتبة بيضة
ليدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعة من عظم هامته فلما رأى
ذلك اعتم على رأسه بعمامة له وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي
وكان رجلا شرسا فقال أعاهد الله لأشر بن من حوضهم أو لأهدمنه
أو لأموتن دونه فلما خرج يريد الحوض خرج إليه حمزة بن
عبد المطلب فلما التقينا ضربه حمزة فأطن قدميه بنصف ساقه وهو دون
الحوض فحبا إلى الحوض فاقتحم فيه واتبعه حمزة بضربة أخرى فقتله
في الحوض
ثم خرج بعده بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد
بن عتبة فلما دنا إلى الصف دعا إلى البراز فخرج إليه فتية ثلاثة
من الأنصار عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وابن
رواحة فسألهم فقالوا رهط من النصار فقال عتبة أكفاء كرام
ما لنا بكم حاجة إنما نريد قومنا ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا
166

أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا
حمزة بن عبد المطلب قم يا علي بن أبي طالب قم يا عبيدة بن الحارث
وكان أسن القوم فبارز عتبة بن ربيعة وبارز حمزة بن شيبة بن
ربيعة وبارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة
فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله ولم يمهل على الوليد أن قتله
واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه وكر
حمزة وعلى على عتبة واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه ثم تزاحف
الناس ودنا بعضهم من بعض وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه أن لا تحملوا حتى آمركم وهو فلا العيش مع أبي
بكر ليس في العريش معه غيره وهو يناشد الله ما وعده من
النصر ويقول فيما يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم
لا تعبد وأبو بكر يقول يا رسول الله أقصر من مناشدتك الله
فان الله موفيك بما وعدك وشجع الله المسلمين على لقاء عدوهم وقللهم
في أعينهم حتى طمعوا فيهم وخفق رسول الله خفقة وهو في العريش
167

ثم انتبه ثم قال أبشر يا أبا بكر هذا جبريل متعجر بعمامة يقول
أتاك نصر الله وعونه فبعث الله الملائكة مسومين فكان أبو أسيد
مالك بن ربيعة شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت
معكم ببدر الآن ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة
لا أشك ولا أمتري ولم تقاتل الملائكة في غزاة إلا ببدر وإنما كانت
تنصر وعين وكانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى بيده
وخرج من العريش فاستقبل القوم وقال شاهت الوجوه ثم نفخهم
بها ثم قال والذي نفسي بيده لا يقاتلهم رجل اليوم فيقتل صابرا
محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمتام أحد
بنى سلمة وفى يده تمرات يا رسول الله أرأيت إن قاتلت حتى قتلت
مقبلا غير مدبر ما لي قال لك الجنة فألقى التمرات من يده وتقدم
فقاتل حتى قتل
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه احملوا ومن لقي
168

العباس منكم فليدعنه فإنه أخرج مستكرها فقال أبو حذيفة بن
عتبة بن ربيعة أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس والله
لئن لقيته لألجمنه السيف فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال
لعمر يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالسيف فقال عمر دعني أضرب عنقه يا رسول الله والله لقد نافق
فكان أبو حذيفة بعد ذلك يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة
التي قلت ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عن الشهادة فقتل
يوم اليمامة شهيد ا وكان العباس قد أسلم بمكة ولكنه كان يخاف قومه
فيكتم إسلامه فحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين
فلم يكن إلا الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش وأسر من
أسر منهم فلما وضع القوم أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهة فقال له صلى الله عليه وسلم
واله يا سعد لكأنك تكره ما يصنع الناس فقال أجل يا رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك
فكان الاثخان في القتل أعجب إلى من استبقاء الرجال وكان ذلك
169

يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان والمسلمون ثلاثمائة
وثلاثة عشر نفسا منهم أربعة وسبعون رجلا من قريش والمهاجرين
وسائرهم من الأنصار والمشركون تسعمائة وخمسون مقاتلا فقتل
من المسلمين في ذلك اليوم من قريش ستة أنفس من بني المطلب عبيدة
بن الحارث بن المطلب ومن بنى زهرة بن كلاب عمير بن أبي وقاص
أخو سعد وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة حليف لهم من خزاعة
ومن بنى عدى بن كعب عاقل بن البكير حليف لهم من بنى سعد بن ليث
ومهجع مولى عمر ومن بنى الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء
وقتل من الأنصار من بنى عمرو بن عوف سعد بن خيثمة ومبشر
بن عبد المنذر ومن بنى الحارث يزيد بن الحارث وهو
الذي يقال له بن فسحم ومن بنى سلمة عمير بن الحمام ومن
بنى حبيب بن عبد الحارثة بن مالك بن غضب بن جشم رافع بن المعلى
ومن بنى النجار حارثة بن سراقة بن الحارث ومن بنى غنم بن مالك
بن النجار عوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد وهما
170

ابنا عفراء فجميع من استشهد من بنى قريش والأنصار أربعة عشر رجلا
وقتل علي بن أبي طالب في ذلك اليوم الوليد بن عتبة بن ربيعة
وقتل طعيمة بن عدي بن نوفل أخا طعمة فلما علاه بالسنة قال والله
لا تخلصنا في الله بعد اليوم أبدا وشارك حمزة في قتل عتبة بن ربيعة
وقتل عامر بن عبد الله الأنماري حليف بنى عبد شمس وقتل النضر بن
الحارث بن كلدة أحد بنى عبد مناف وقتل العاص بن سعيد بن العاص
بن أمية وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة
فجميع من قتل من المشركين في ذلك اليوم أربعة وسبعون رجلا
وأسر مثل ذلك
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس أبو جهل فسمع
معاذ بن عمرو بن الجموح وهو يطلبه جماعة من المشركين يقولون أبا الحكم
لا يصلون إليك فلما سمعها علم أنه أبو جهل جعله من شأنه وقصد
نحوه فلما أمكن منه حمل عليه وضربه فقطع قدمه بنصف ساقه
وكان عكرمة بن أبي جهل ابنه معه فحمل على معاذ فضربه ضربة على
171

عاتقه طرح يده فتعلقت بجلدة من جنبه وترك معاذ أبا جهل وأجهضه
القتال فقاتل عامة وإنه يسحب يده خلفه بجلدة منه فلما آذته
وضع عليها قدمه حتى طرحها وعاش يعدها بلا يد حتى كان زمن
عثمان ومر معوذ بن عفراء بأبي جهل وهو مطروح فضربه حتى أثر
فيه وتركه وبه رمق
ثم مر عبد الله بن مسعود فوجده بآخر رمق فعرفه فوضع رجله
على عاتقه ثم قال أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني
هل إلا رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم فقال بن
مسعود لله ولرسوله ولما رآه أبو جهل قد وطئ عنقه قال له
لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا فاحتز عبد الله رأسه ثم جاء به
فقال يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبى جهل فقال النبي صلى الله
عليه وسلم آلله الذي لا إله غيره فقال بن مسعود نعم والله الذي
لا إله غيره فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وكان
عبد الرحمن بن عوف صديقا لأمية بن خلف بمكة أرغبت عن اسم سماك
172

أبوك فيقول نعم فيقول أمية فانى لا أعرف الرحمن فاجعل
بيني وبينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول
وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف فقال له عبد الرحمن قل ما شئت
قال فأنت عبد الله فكان يسميه بمكة عبد الاله فمر به عبد الرحمن
بن عوف في المعركة وهو واقف ومعه ابنه ومع عبد أدرع يحملها
فلما رآه أمية بن خلف قال عبد عمرو فلم يجبه عبد الرحمن قال
يا عبد الاله فقال نعم فقال أنا خير لك من هذه الدرع التي معك
فقال عبد الرحمن نعم والله هو الله إذا فطرح عبد الرحمن
الدرع وأخذ بيده ويد ابنه فقال له أمية بن خلف يا عبد الاله
من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره قال ذلك حمزة بن
عبد المطلب فقال الذي فعل بنا الأفاعيل فبينما عبد الرحمن
يقودهما إذ رآهما بلال فقال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت
إن نجا فقال عبد الرحمن أي بلال أسيري فقال لا نجوت إن نجا
فقال عبد الرحمن أتسمع يا بن السوداء قال لا نجوت إن نجا
173

ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف
لا نجوت إن نجا فأحاط به المسلمون وعبد الرحمن يذب عنه فخالف
رجل بالسيف فضرب رجل ابنه فوقع فقال عبد الرحمن أنج بنفسك
فوالله ما أغنى عنك شيئا فعلاهم المسلمون بأسيافهم حتى فرغوا
منهما فكان عبد الرحمن يقول بعد ذلك يرحم الله بلالا أذهب أدرعي
وفجعني بأسيري وأسر أبو اليسر كعب بن عمرو العباس بن عبد المطلب
وأوثقه فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ساهرا فقيل
له فقال سمعت حنين العباس في وثاقه فأطلق من وثاقه فقال
المسلمون يا رسول الله عليك بالعير ليس دونها شئ فناداه وهو
أسير لا يصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم قال لان الله
وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين ما تقولون في هؤلاء
الاسرى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأنهم
لعل الله أن يتوب عليهم وقال عمر كذبوك وأخرجوك قدمهم
174

قدمهم فاضرب أعناقهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مثلك
يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنه منى الآية وإن مثلك يا عمر
مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الآية
ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسر أم حكيم
فليخل سبيلها فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنها وكان أسرها ر
جل من الأنصار وكتفها بذؤابتها فلما سمع منادي رسول الله صلى الله
عليه وسلم
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقليب فطرح فيه جيف
المشركين ثم وقف فقال يا أهل القليب هل وجدتم ما
وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعدني ربي حقا فقال المسلمون
يا رسول الله تنادي قوما قد ماتوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لئن كنتم تسمعونها لقد سمعوها ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
175

يعرضهم ثلاثا
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح إلى أهل المدينة
فبعث عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية وزيد بن حارثة إلى أهل
السافلة فقدم زيد المدينة والناس يسوون على ابنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم رقية التي كانت تحت عثمان فكان عثمان استأذن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في التخلف عن بدر ليقيم على امرأته رقية وهي
عليلة فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وضرب له بسهمه
وحده فلما فرغوا من دفنها اتاهم الخبر بفتح الله المسلمين فجاء أسامة
بن زيد أباه وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس وهو يقول قتل
عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وزمعة بن الأسود
والعاص بن هشام فقال يا أبتاه أحق هذا فقال نعم يا بنى
فقال المنافقون ما هذا إلا أباطيل فلم يصدقوه حتى جئ بهم
مصفرين مغللين
وكان أول من قدم مكة من قريش بالخبر بمصايبهم الحيسمان بن
جابس بن عبد الله المدلجي فقيل له ما وراءك فقال قتل عتبة
176

بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف فقال
صفوان بن أمية بن خلف والله إن يعقل هذا بما يقول فسلوه عنى
فقال ما فعل صفوان بن أمية قال ها هو ذلك جالس في الحجر
وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا
ثم قدم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مكة وكان أبو لهب
قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام فلما رأى أبو لهب
أبا سفيان بن الحار ث مقبلا قال هلم يا بن أخي فعندك الخبر فجلس
إليه والناس قيام عليهما فقال يا بن أخي كيف كان أمر الناس
قال لا شئ والله إن هو إلا لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا حتى قتلونا
كيف شاؤوا وأسرونا كيف شاؤوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس
لأنا لقينا رجالا بيضا على خيل بقل بين السماء والأرض والله لا يقوم
له شئ فعاش أبو لهب بهد هذا الخبر سبعة أيام ورماه الله بالعدسة
فمات فدفنوه بأعلى مكة وكانت قريش لا تبكي على قتلاها مخافة أن
يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشمتوا بهم
177

ولما وقع بأيدي المسلمين ما وقع من المشركين اختلفوا فكانوا
ثلاثا فقال الذين جمعوا المتاع قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
178

نفل كل امرئ ما أصاب وقال الذين كانوا يطلبون العدو والله
لولا نحن ما أصبتموه ونحن شغلنا عكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم
وقال الحرس الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة
أن يخالف إليه العدو والله ما أنتم أحق به منا لو أردنا أن
نقبل العدو حين منحونا أكتافهم وأن نأخذ المتاع حين لم يكن أحد
دونه فعلنا ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو
فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لهم من صنع كذا فله كذا فتنازعوا في ذلك شباب الرجال
وبقيت الشيوخ تحت الرايات فلما كان القائمون جاءوا يطلبون الذي
جعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا
فانا كنا وراءكم وكنا تحت الرايات ولو أنا كشفنا لكشفتم إلينا
فتنازعوا فأنزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال إلى آخر السورة
فانتزع الله ذلك من أيديهم وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم للغنائم عبد الله بن كعب المازني
179

ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر بعد ثلاث يريد المدينة
وحمل الأسارى معه فلما انحدر من بدر إذا بطلحة بن عبيد الله وسعيد
بن زيد قد أقبلا من الحوران فضر ب لهما النبي صلى الله عليه وسلم
بسهميهما وأجرهما فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الصفراء وبينهما
وبين المدينة ثلاث ليال أمر بقتل النضر بن الحارث وكان أسيرا
قتله علي بن أبي طالب فلما بلغ عرق الظبية قتل عتبة بن أبي معيط
فقال عتبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من للصبية يا محمد فقال النبي
صلى الله عليه وسلم النار
ثم قسم الغنائم بين الناس بالصفراء وبين الصفراء وبين بدر سبعة
عشر ميلا قسمها على من حضر بدرا وأخذ سهمه مع المسلمين
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إلى المدينة قبل الأسارى
بيوم ثم قدم بالأسارى يوم الثاني فلما بلغوا الروحاء لقيهم المسلمون
يهنئونهم بفتح الله عليهم فقال سلمة بن سلامة بن وقش ما الذي
180

تهنئون به والله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعلقة ننحرها
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا بن أخي أولئك الملا
من قريش
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب
أفد نفسك وبنى أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك
عتبة بن عمر أحد بنى الحارث بن فهر فإنك ذو مال فقال يا رسول الله
إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهونني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الله أعلم باسلامك إن يكن ما تذكر حقا فالله يجزيك بذلك
فأما ظاهر أمرك فكان علينا فافد نفسك وقد كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم أخذ منه عشرين أوقية من ذهب فقال العباس يا رسول الله
فأحسبها من فدائي قال لا ذاك شئ أعطانا الله منك فقال
العباس فإنه ليس لي مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين
المال الذي وضعته بمكة حين خرجت عند أم الفضل بنت الحارث
فليس معكما أحد فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا
ولقثم كذا ولعبد الله كذا قال فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا
181

أحد من الناس غيري وغيرهما وإني لاعلم أنك رسول الله
ثم بعث قريش في فك الأسارى جبير بن مطعم إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقتل النبي صلى الله عليه وسلم من قتل منهم وفادى من
فادى منهم ومن لم يكن له مال من عليهم وفادى من كان من العرب
فيهم بأربعين أوقية من كان منهم من الموالي بعشرين أوقية في غزوة
بدر ونزلت لولا كتب من الله سبق لمسكم إلى قوله فكلوا مما
غنمتم حللا طيبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم
سود الرؤس من قبلكم وذلك أن الله جل وعلا رأى ضعفكم فطيبها
لكم وكانت الغنائم فيما قبل تنضد فتجئ النار فتأكلها
ذكر عدد تسمية من شهد بدرا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أخبرنا الحسن بن سفيان أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن
هارون أنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اطلع على أهل
بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قال شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين
والأنصار ثلاثمائة وثلاثة عشر نفسا عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا
182

معه النهر وإني ذاكر ما يحضرني من أساميهم على قبائلهم لكيلا يبعد
على سالك سبيل العلم الوقوف على أساميهم إن وفقه الله لذلك
فنبدأ من ذلك من شهد منهم بدرا من قريش ثم من بنى هاشم ومن
بنى عبد المطلب ابني عبد مناف حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب
وزيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ
القيس الكلبي وأنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو كبشة
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو مرثد كناز بن حصين بن
يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن ظريف بن جلان بن
غنم بن غنى بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلا بن مضر
وابنه مرثد بن أبي مرثد حليفتا حمزة بن عبد المطلب وحصين بن
183

الحارث بن المطلب ومسطح بن أثاثة بن المطلب ومن بنى تيم بن مرة بن
كعب أبو بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب
بن سعد بن تيم بن مرة وبلال بن رباح مولى أبى بكر وعامر بن
فهيرة مولى أبى بكر وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب
بن سعد بن تيم بن مرة لم يحضر بدرا كان النبي صلى الله عليه وسلم
بعثه لتجسس الخبر فوافاهم ة قد فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من بدر
وضرب له بسهمه
ومن بنى عدى بن كعب بن لؤي عمر بن الخطاب بن نفيل بن
عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن
لؤي وأخوه زيد بن الخطاب بن نفيل ومهجع مولى عمر بن الخطاب
وهو أول قتيل قتل ببدر وعامر بن ربيعة وعمرو بن سراقة بن المعتمر
بن أنس بن أذاة بن رباح بن عدي بن كعب وأخوه عبد الله بن سراقة
وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة
بن زيد مناة بن تميم وخولي بن أبي خولي وعاقل بن البكير وإياس
184

بن البكير وخالد بن البكير بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط
بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي لم يحضر بدرا كان مع
طلحة بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجسسان خبر العير فوافيا وقد
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فضرب لهما بسهميهما وأجرهما
ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف عثمان بن عفان بن أبي العاص
بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف تخلف بالمدينة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم على امرأته رقية وكانت عليلة أذن له رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ذلك وضرب له بسهمه وأجره وأبو حذيفة
بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
ومن حلفائهم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة
بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وعكاشة بن
محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم وشجاع بن وهب
بن ربيعة وأخوه عقبة بن وهب بن ربيعة ويزيد بن رقيش بن
رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم وأبو سنان أخو
عكاشة بن محصن بن حرثان وابنه سنان ومحرز بن
185

نضلة بن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم وربيعة بن أكثم بن عمرو
بن بكير بن عامر بن غنم ومالك بن عمرو
ومن بنى زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف
بن الحارث بن زهرة بن كلاب وسعد بن أبي وقاص بن أهيب بن
عبد مناف بن زهرة بن كلاب وعمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وعمير بن أبي وقاص بن أهيب أخو سعد
ومن حلفائهم المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة
بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن ثور بن ثعلبة بن مالك بن
الشريد ومسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن
غالب بن محلم بن عائذة بن الهون بن خزيمة من القارة وذو الشمالين
بن عبد عمرو بن نضلة بن غشبان بن سليم بن غشبان بن سليم بن مالك بن أفصى بن حارثة بن
186

عمرو بن عامر بن خزاعة وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن
مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن سعد بن هذيل وخباب
بن الأرت وصهيب بن سنان بن عبد عمرو بن الطفيل بن عامر
بن جندلة
ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام بن خويلد بن
أسد بن عبد العزى بن قصي وحاطب بن أبي بلتعة وسعد مولى حاطب
ومن بنى نوفل بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة وخباب
مولى عتبة بن غزوان
ومن بنى عبد الدار بن قصي مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف
بن عبد الدار بن قصي وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم بدر قتل يوم أحد وسويبط بن سعد بن حرملة بن مالك بن
عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي
187

ومن بنى مخزوم بن يقظة أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم وشماس بن عثمان بن الشريد بن هرمى بن
عامر بن مخزوم والأرقم واسم أبى الأرقم عبد مناف
بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعمار بن ياسر ومعتب بن
عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف
ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي عثمان بن
مظعون بن حبيب بن حذاقة بن جمح وقدامة بن مظعون وعبد الله
بن مظعون بن حبيب ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب
بن وهب
ومن بنى سهم بن عمرو بن هصيص خنيس بن حذافة بن
قيس بن عدي بن سعد بن سهم
ومن بنى عامر بن لؤي بن غالب بن مالك بن حسل وعبد الله
بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن
حسل وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود وعمير
188

بن عوف مولى سهيل بن عمرو وسعد بن خولة حليف له
ومن بنى الحارث بن فهر أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر بن
عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر وعمرو
بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن
الحارث وسهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن
الحارث وأخوه صفوان بن وهب وهما ابنا بيضاء أمهما وعمرو
ابن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب
فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ومن ضرب له رسول الله
صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره من قريش ثلاثة وثمانون رجلا
وممن شهد بدرا من الأنصار ثم من بنى عبد الأشهل بن جشم
بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس سعد بن معاذ
بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وعمرو
189

بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أخوه والحارث بن أوس بن معاذ
بن النعمان والحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس وسعد بن
زيد بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل وسلمة بن سلامة بن وقش
بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل وعباد بن بشر بن وقش
وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد بن كرز بن السكن
بن زعوراء بن عبد الأشهل والحارث بن خزمة بن عدي بن أبي غنم
بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الحارث بن الخزرج ومحمد بن
مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم
وسلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة حليف لهم وأبو الهيثم
بن التيهان اسمه مالك وعبيد بن التيهان حلف لهم وعبد الله بن سهل
ومن بنى سواد بن كعب قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر
وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد
ومن بنى رزاح بن كعب نصر بن الحارث وعبد الله
190

بن طارق ومعتب بن عبيد حليفان لهم ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك
بن الأوس مسعود بن سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن
حارثة بن الحارث وأبو عبس اسمه عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن
زيد بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث وأبو بردة
بن نيار واسمه هانئ حليف لهم
ومن بني عمرو بن عوف ثم من بنى ضبعة بن زيد بن مالك
بن عوف بن عمرو بن عوف عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح
وأبو الأقلح قيس بن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة ومعتب
بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف وعمرو بن معبد بن الزعر
بن زيد بن العطاف وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة
بن مجدعة بن الحارث بن عمرو
ومن بنى أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف مبشر
191

بن عبد المنذر بن زنبر وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو
بن زيد بن أمية وعويم بن ساعدة بن عائش بن قيس ورافع
بن عنجدة وعبيد بن أبي عبيد وثعلبة بن حاطب وقد قيل إن
أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب شهدا بدرا
ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك أنس بن قتادة بن ربعة بن خالد
بن الحارث بن عبد وسالم مولى بنت عار وهو الذي قال له سالم
مولى أبى حذيفة بن عتبة وكانت بنت عار تحت أبى حذيفة بن عتبة
ومن حلفائهم معن بن عدي بن الجد بن عجلان وربعي بن
رافع بن زد بن حارثة بن الجد بن عدي بن العجلان وقد قيل إن
عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان رده النبي صلى الله عليه وسلم
وضرب له بسهمه
ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد الله بن جبير بن النعمان
192

وعاصم ن قيس وأبو ضياح بن ثابت وسالم بن عمير والحارث
بن النعمان بن أبي خزمة وخوات بن جبير بن النعمان
ومن بنى جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف المنذر
بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي
وأبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان بن عامر بن الحارث بن مالك
بن عامر بن أنيف حليف
له ومن بنى غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس
بن حارثة سعد بن خيثمة والمنذر بن قدامة ومالك بن قدامة
وابن عرفجة وتميم مولى بنى غنم بن سلم
ومن بنى معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف جابر بن
عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية
193

والنعمان بن عصر حليف له من بلى ومالك بن نميلة حليف لهم
ومن بنى الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن
امرئ القيس بن ثعلبة وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن
امرئ القيس خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن
امرئ القيس
ومن بنى زيد بن مالك بن ثعلبة بشير بن سعد بن ثعلبة بن
خلاس بن زيد بن مالك وسبيع بن قيس بن عيشة بن مالك وعبادة
بن قيس وسماك بن سعد و عبد الله بن عبس ويزيد بن الحارث
بن قيس وهو الذي يقال له بن فسحم
ومن بنى جشم بن الحارث عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد
ربه بن زيد بن الحارث بن الخزرج الذي رأى النداء في النوم
وأخوه حريث بن زيد بن ثعلبة وخبيب بن إساف بن عنبة بن عمرو
بن خديج بن عامر بن جشم وسفيان بن بشر
194

ومن بنى حدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج زيد بن
المري بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة و تميم بن يعار بن قيس
بن عدي بن أمية بن جدارة وعبد الله بن عمير بن حارثة
ومن بنى الأبحر بن عوف عبد الله بن الربيع بن قيس بن عمرو
بن عباد بن الأبحر
ومن بنى عوف بن الخزرج عبد الله بن عبد الله بن أبي
بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك وأوس بن خولي بن عبد الله بن
الحارث بن عبيد بن مالك
ومن بنى جزء بن عدي بن مالك بن سالم زيد بن وديعة بن
عمرو بن قيس بن جزء ورفاعة بن عمرو بن زيد وعقبة بن وهب
195

بن كلدة وعامر بن سلمة بن عامر حليفان لهم ومعبد بن عباد بن
قشعر بن المقدم بن سالم بن غنم ويكنى معبد أبا خميصة وعامر بن
البكير حليفه
ومن بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج
نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن
سالم ومليل بن وبرة بن خالد بن العجلان بن زيد وعتبان بن مالك
بن عمرو بن العجلان وعصمة بن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان
ومن بنى قربوس بن غنم أمية بن لوذان بن سالم بن ثابت
196

بن هزال بن عمرو بن قربوس
ومن بنى أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف
عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأخوه أوس بن الصامت
ومن بنى دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالك بن ثعلبة
بن دعد وهو من الذي يقال لهم القوافل
ومن بنى مرضخة بن غنم بن عوف مالك بن الدخشم بن مالك
بن الدخشم بن مرضخة بن غنم
ومن بنى لوذان بن غنم الربيع بن إياس بن عمرو بن غنم بن أمية
بن لوذان وورقة بن إياس وعمرو بن إياس
ومن حلفائهم المجذر بن زياد بن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن
197

عمارة وعباد بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة وعبد الله بن ثعلبة
بن خزمة بن أصرم ونحاب بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم وعتبة
بن ربيعة بن خالد بن معاوية حليف لهم
ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج أبو دجانة واسمه سماك بن
أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج
بن ساعدة والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود
بن زيد بن ثعلبة
ومن بنى البدن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج
وأبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن ومالك بن مسعود
ومن بنى طريف بن الخزرج عبد الله بن حق بن أوس بن
198

وقش بن ثعلبة بن طريف
ومن حلفائه كعب بن حمار بن ثعلبة بن خالد وبسبس بن
عمرو وضمرة وزياد
ومن بنى جشم بن الخزرج خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح
بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة
وتميم مولى خراش بن الصمة وعبد الله بن عمرو بن حرام بمن ثعلبة
بن حرام بن كعب وعمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن
حرام بن كعب والحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام
بن كعب ومعاذ بن عمرو بن الجموخح ومعوذ بن عمرو بن الجموح
وخلاد بن عمرو بن الجموح وعقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن
حرام وحبيب بن الأسود مولاهم وثابت بن ثعلبة بن زيد بن
199

الحارث بن حرام وهو الذي يقال له الجذع وعمير بن الحارث
بن ثعلبة
ومن بنى عبيد بن عدي بن غنم عبد الله بن الجد بن قيس
بن صخر بن خنساء وبشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء وسنان
بن صيفي بن صخر بن خنساء والطفيل بن النعمان بن خنساء وعبد الله
بن حمير وخارجة بن حمير حليفان لهم من أشجع
ومن بنى النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم جابر بن
عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان وعبد الله بن عبد مناف بن النعمان
بن سنان وخليدة بن قيس بن النعمان بن سنان
ومن بنى خناس وعبد الله بن صخر بن أمية بن خناس ويزيد بن
المنذر بن سرح بن خناس و عبد الله بن النعمان بن بلدمة بن خناس
والضحاك بن حارثة بن زيد بمن ثعلبة وسواد بن زريق بن ثعلبة
200

ومعبد بن قيس بن صخر بن حرام وعبد الله بن قيس بن صخر بن حرام
ومن بنى سواد بن غنم بن كعب سليم بن عمرو بن حديدة
بن عمرو بن سواد وقطبة بن عامر بن حديدة ويزيد بن عامر
بن حديدة أبو المنذر وعنترة مولى سليم بن عمرو
ومن بنى عدى بن نابي بن عمرو بن سواد بن كعب معاذ بن
جبل بن عمرو بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدى بن
سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم وعبس بن عامر
ابن عدي بن نابي وثعلبة بن غنمة بن عدي وأبو اليسر كعب بن
عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد وعبد الله بن أنيس وعمرو بن
طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب وسهل بن قيس بن أبي كعب
ابن القين بن كعب
201

ومن بنى زريق بن عامر بن زريق سعد بن عثمان بن
خلدة بن مخلد والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد وجبير بن
إياس بن خالد بن مخلد وعباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر
ابن زريق وأسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة بن
عامر والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة وعائذ بن ماعص
ابن قيس بن خلدة وأخوه معاذ بن ماعص ومسعود بن سعد بن قيس
ابن خلدة
ومن بنى العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق رفاعة بن رافع بن
مالك بن العجلان وأخوه خلاد بن رافع وعبيد بن زيد بن عامر
ابن العجلان
ومن بنى بياضة بن عامر بن زريق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان
بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة وفروة بن عمرو بن وذقة بن عبيد
ابن عامر بن بياضة ورخيلة بن ثعلبة بن عامر بن بياضة وخالد بن قيس
202

ابن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة وخليفة بن عدي بن
عمرو بن مالك بن عامر بن فهيرة بن بياضة
ومن بنى حبيب بن عبد حارثة رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة
ابن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة ومن بنى النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أبو أيوب
خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم
ومن بنى عمرو بن عبد عوف عمارة بن حزم بن زيد بن
لوذان وسراقة بن كعب بم عبد العزى بن غزية وثابت بن خالد بن
النعمان بن خنساء بن عسيرة
ومن بنى عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك حارثة بن النعمان
203

ابن رافع بن زيد بن عبيد وسليم بن قيس بن قهد واسم قهد خالد
بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة
ومن بنى عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك سهيل بن رافع بن أبي
عمرو بن عائذ بن ثعلبة وعدي بن أبي الزغبا حليف لهم
ومن بنى زيد بن ثعلبة بن غنم مسعود بن أوس بن زيد وأبو خزيمة
ابن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة ورافع بن الحارث بن
سواد بن زيد
ومن بنى سواد بن مالك بن غنم عوف بن الحارث ومعوذ
ابن الحارث ومعاذ بن الحارث ورفاعة بن الحارث بن سواد وأمهم
عفراء والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد وعامر بن
مخلد بن الحارث بن سواد وعبد الله بن قيس بن زيد بن سواد
وقيس بن عمرو بن قيس وثابت بن عمرو بن زيد وعصيمة ووديعة
بن عمرو حليفان لهم
ومن بنى عامر بن مالك بن النجار ثم من بنى عتيك بن عمرو بن
مبذول ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك وسهل بن عتيك
ابن النعمان بن عمرو بن عتيك والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك
204

كسر به بالروحاء فرجع فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه
ومن بنى قيس بن عبيد بن زيد أبي بن كعب بن قيس بن عبيد
وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد
ومن بنى عدى بن عمرو بن مالك بن النجار أبو طلحة واسمه
زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي
وأوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة وأبو شيخ
ابن ثابت بن المنذر أخوه
ومن بنى عدى بن النجار ثم من عدى بن عامر بن غنم
ابن النجار حارثة بن سارقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي
ابن عامر وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن
عامر وعمرو أبو خارجة بن قيس بن مالك بن عدي بن عامر وسليط
205

بن قيس بن عمرو بن عتيك بن مالك بن عدي وأبو سليط اسمه
أسيرة وثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي وعامر بن أمية
ابن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي وسواد بن غزية بن وهيب
حليف لهم
ومن بنى حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
أبو الأعور كعب بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام بن جندب
وقيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام وسليم بن ملحان
وحرام بن ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام
ابن جندب
ومن بنى مازن بن النجار ثم من بنى عوف بن مبذول قيس
ابن أبي صعصعة واسم أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن
مبذول وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف وعصيمة حليف لهم
206

ومن بنى ثعلبة بن مازن قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن
حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن
ومن بنى مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار
النعمان بن عبد عمرو
ابن مسعود بن عبد الأشهل والضحاك بن عبد عمرو بن مسعود وسليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن حارثة أخوهما
لأمهما وجابر بن خالد بن عبد الأشهل بن حارثة وسعد بن سهل
ابن عبد الأشهل
ومن بنى قيس بن مالك كعب بن زيد بن مالك بن كعب بن
حارثة وبجير بن أبي بجير حليف لهم
فجميع من شهد بدرا من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من المهاجرين وستون رجلا من الأوس ومائة وسبعون رجلا من الخزرج
ثم كان قتل عصماء والعصماء هذه بنت مروان من بنى أمية بن
زيد زوجها زيد بن الحصن الخطمي كانت تحرض على المسلمين وتؤذيهم
207

وتقول الشعر فجعل عمير بن عدي عليه نذرا لئن رد الله رسوله سالما
من بدر ليقتلنها فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعد فراغه
من بدر عدا عمير بن عدي على عصماء فدخل عليها في جوف الليل
لخمس ليال بقين من رمضان فقتلها ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم
فصف مع الناس وصلى معه الصبح وكان صلى الله عليه وسلم يتصلحهم
إذا قام يريد الدخول إلى منزله فقال لعمير بن عدي أقتلت عصماء
قال نعم يا رسول الله هل علي في قتلها شئ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا ينتطح فيها عنزان
ومات أبو قيس بن الأسلت في آخر شهر رمضان
ثم خطب النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيوم وأمرهم
208

بزكاة الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى ثم خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الفضاء والعنزة ركزت بين يديه وصلى إليها من غير أذان
ولا إقامة ركعتين ثم خطب خطبتين بينهما جلسة وكانت العنزة
للزبير بن العوام أعطاها إياه النجاشي فوهبها الزبير لرسول الله صلى الله
عليه وسلم
ثم كانت غزوة بنى قينقاع
في شوال وذلك أن المسلمين لما قدموا المدينة وادعتهم اليهود
أن لا يعينوا عليهم أحدا فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
قتل بدر ورجع إلى المدينة أظهروا البغى وقالوا لم يلق محمد أحدا
من يحسن القتال لو لقينا للقي عندنا قتالا لا يشبه قتالهم فأنزل الله
واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم الآية
فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يحمل لواءه حمزة بن
209

عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر حتى أتاهم
فحاصرهم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد ثم نزلوا على حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكتفوا وأراد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي وأخذ بجمع درع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما أنا بمرسلك حتى تهبهم لي
فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلوا عنهم ثم أمر باجلائهم
وغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لهم من مال وكانوا
صاغة لم يكن لهم الأرضون ولا قراب فأخذ رسول الله صلى الله عليه
210

وسلم سلاحهم وآله صياغة وولى أكثر ذلك لرسول الله صلى الله
عليه وسلم محمد بن مسلمة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة
بن الصامت أن يجليهم ويخرجهم بذراريهم من المدينة فمضى بهم عبادة
حتى بلغوا ذباب وأجلاهم وهذه الغنيمة أول خمس خمسها رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الاسلام أخذ منهم صفية وخمسه وقسم أربعة
أخماسا على المسلمين
ثم كانت غزوة السويق
في ذي القعدة وذلك أن أبا سفيان لما رجع من الشام بالعير
وأفلت بها نذر أن النساء والدهن عليه حرام حتى يطلب ثأره من
محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخرج في مائتي راكب حتى أتى
بنى النضير وسلك النجدية ودق على حيي بن أخطب بابه فأبى أن يفتح
له ودق على سلام بن مشكم ففتح له فقراه وسقاه خمرا وأخبره
سلام بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأخبار المدينة
211

فلما كان السحر خرج فمر بالعريض فإذا رجل معه أجير له
معبد بن عمرو من المسلمين فقتلهما وحرق أبياتا هناك وتبنا ورأى
أن يمينه قدير فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره في مائتي رجل من المهاجرين
والأنصار واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر فأعجزهم
أبو سفيان وكان هو وأصحابه عامة زادهم السويق فجعلوا يلقون السويق
يتخففون بذلك فسميت هذه الغزوة غزوة السويق ورسول الله
صلى الله عليه وسلم في أثرهم فلما أعجزهم ولم يلحقهم رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
ومات أبو السائب عثمان بن مظعون في ذي الحجة ثم ضحى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج بالناس إلى المصلى وهي أول
ضحية ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشين أملحين أقرنين
بيده ووضع رجله على صفاحها وسمى وكبر وضحى المسلمون معه
ثم بنى على بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة
212

السنة الثالثة من الهجرة
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا أبو يعلى بالموصل ثنا إسحاق بن
إبراهيم بن أبي إسرائيل ثنا سفيان بن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله
يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه
قد آذى الله ورسوله فقال له محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله
أتأذن لي أقول شيئا قال بلى فأتاه فقال إن هذا سألنا صدقة في
أموالنا قال وأيضا والله قال فانا قد اتبعناه فنكره أن ندعه
213

حتى تنظر إلى أي شئ بصير شأنه وإني قد أتيتك استسلفك قال
فارهنوا نسائكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وكنت أجمل العرب
قال فارهنوني أبناءكم قالوا كيف نرهنك أبناءنا تسب الدهر وتعير
فيقال رهن بوسق أو وسقين ولكنا نرهنك اللامة أي السلاح
فأتاه ومعه أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس بن معاذ وعباد
214

ابن بشر وأبو نائلة فقال لهم محمد بن مسلمة إني محبس رأسه وممسكه
فإذا قلت اضربوا فاضربوا فقال له محمد بن مسلمة أتأذن لي أن أشم
رأسك فقال نعم فمس وقال ما أطيبك وما أطيب ريحك قال
عندي فلانة وهي أعظم نساء العرب ثم قال له أتأذن لي أن أشم
رأسك قال نعم فمس رأسه حتى استمكن منه قال لهم اضربوه
فضربوه حتى قتلوه فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه
قال خرج كعب بن الأشرف إلى مكة فقدمها ووضع رجله عبد
المطلب بن أبي وداعة السهمي وجعل ينشد الاشعار ويحرض الناس على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي على قتلى بدر من أصحاب القليب
ثم رجع إلى المدينة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من
لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة أنا
إن تأذن أن أقول يريد كذبا في الحرب فأذن له رسول الله صلى الله
عليه وسلم فخرج محمد بن مسلمة ومعه أربعة نفر أبو عبس بن جبر
وعباد بن بشر بن وقش وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش والحارث
ابن أوس بن معاذ بن أخي سعد بن معاذ فانتهوا إلى كعب بن الأشرف
وهو في أطم من آطام المدينة فقال له محمد بن مسلمة إن محمدا يأخذ
صدقة أموالنا وأراد المال منه ثم قال له أتيتك أستسلفك فأرهن
215

السلاح ثم جاء يغمر رأسه فلما استكمن منه ضربه وضربوه حتى
قتل واحتزوا رأسه وجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قرقرة الكدر حامل
لواءه علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة بن أم مكتوم ثم رجع
ولم يلق كيدا
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم ابنته الأخرى
من عثمان بن عفان في أول شهر ربيع الأول
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بذي أمر في شهر
ربيع الأول فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا أمر عسكر به
216

ذا من غطفان أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فبل ثوبه
ثم نزع ثيابه فعلقها على شجرة ليستجفها ونام تحتها فقالت غطفان لدعثور
بن الحارث وكان شجاعا تفرد محمد من أصحابه وأنت لا تجد أخلى منه
الساعة فأخذ سيفا صارما ثم انحدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم
مضطجع ينتظر جفوف ثيابه فلم يشعر إلا بدعثور بن الحارث واقف
على رأسه بالسيف وهو يقول من يمنعك منى يا محمد فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الله ودفعه جبريل في صدره فوقع السيف
من يده فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف ثم قام على رأسه
وقال من يمنعك منى قال لا أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم قم فاذهب لشأنك فلما ولى قال أنت خير نبي يا محمد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحق بذلك منك فلما سمعت الاعراب
من غطفان برسول الله صلى الله عليه وسلم لحقت بذي الجبال فلما أعجزوه
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
وولد السائب بن يزيد بن أخت نمر
217

وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر جمادى الأولى بحران
معدن بناحية الفرع ثم رجع رسول صلى الله عليه وسلم ولم يلق
كيدا
ثم كانت سرية الفردة
وذلك أن قريشا قالت قد عور علينا محمد متجرنا وهو على
طريقنا وإن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس أموالنا فقال
أبو زمعة بن الأسود بن المطلب أنا أدلكم على رجل يسلك بكم طريقا ينكب عن
محمد وأصحابه لو سلكها مغمض العينين لاهتدى فقال صفوان بن
أمية من هو قال فرات بن حيان العجلي وكان دليلا فاستأجره
صفوان بن أمية وخرج بهم في الشتاء وسلك بهم على ذات عرق
218

ثم على غمرة فلما بلغ الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث زيد بن حارثة في جمادى الأولى فاعترض العير فظفر بها وأفلت
أعيان القوم وأسر فرات بن حيان العجلي وكان له مال كثير وأواقي
من فضة فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم على من حضر
الواقعة وأخذ الخمس عشرين ألفا وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرات بن حيان فرجع إلى مكة
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر بن الخطاب
قال عمر بن الخطاب لما تايمت حفصة لقيت عثمان بن عفان فعرضتها
219

عليه فقال إن شئت زوجتك حفصة قال سأنظر في ذلك فمكث
ليال ثم لقيني فقال بدأ لي أن لا أتزوج يومى هذا قال عمر
فلقيت أبا بكر فقلت له إن شئت زوجتك حفصة فصمت أبو بكر
ولم يرجع إلى بشئ فكنت على أبى بكر أوجد منى على عثمان ثم
مكثت ليال فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحها إياه
فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت في نفسك فقلت نعم فقال
أبو بكر لم يمنعني أن أراجع إليك فيها بشئ إلا أن النبي صلى الله عليه
وسلم قد كان ذكرها فلم أكن أفشى سره ولو تركها قبلتها
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة من
بنى هلال التي يقال لها أم المساكين ودخل بها حيث تزوجها في أول شهر
رمضان وكانت قبله تحت الطفيل بن الحارث فطلقها ثم ولد الحسن بن علي
بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان وعق عنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بكبشين وحلق رأسه وأمر أن يصدق بوزن شعره
فضة على الأوقاص من المساكين
220

ثم كانت غزوة أحد
وذلك أن أبا سفيان لما وجع بعيره إلى مكة قال عبد الله بن أبي
ربيعة المخزومي وعكرمة بن أبي جهل ورجال من قريش
ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم ببدر يا معشر قريش إن محمدا
قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا على حربه لعلنا أن ندرك منه بعض
ما أصاب منا فاجتمعت قريش على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل مكة وغيرها وخرجوا معهم
بالظعن فخرج أبو سفيان بن حرب بهند بنت بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية
وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام وخرج
الحارث بن هشام بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة وخرج صفوان بن أمية
ببرة انه مسعود بن عمرو وهي أم عبد الله بن صفوان وخرج عمرو
بن العاص بريطة ابنة منبه بن الحجاج السهمي وهي أم عبد الله بن عمرو
وخرج طلحة بن أبي طلحة بسلافة بنت سعد بن شهيد أحد بنى عروة
ابن عوف مع نسوة غيرهن ودعا جبير بن مطعم غلامه وحشيا فقال إن
221

قتلت عم محمد حمزة بعمى طعيمة بن عدي فأنت عتيق
فخرجت قريش تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة
على شفير الوادي مما يلي المدينة وهم ثلاثة آلاف رجل معهم من الخيل
مائتا فرس ومن الظعن خمسة عشر امرأة فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما سمع بهم إني رأيت فيما يرى النائم في ذباب سيفي
ثلمة ورأيت بقرة نحرت ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة
فتأولتها المدينة وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إليهم
فقال عبد الله بن أبي بن سلول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب منا وما دخلها
علينا إلا أصبناه فقال رجال من المسلمين ممن كان فاتهم بدر
يا رسول الله اخرج بنا إلى أعداء الله لا يرون أنا جبنا عنهم أو ضعفنا
فقال عبد الله بن أبي يا رسول الله أقم فان أقاموا أقاموا بشر مجلس
وإن دخلوا علينا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان
بالحجارة من فوقهم فلم يزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من
أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس
222

لامته ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك ثم قالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن
لنا ذلك إن شئت فاقعد صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم في شوال يوم السبت في ألف رجل واستخلف
على المدينة بن أم مكتوم وصلى المغرب بالشيخين في طرف المدينة
وقد قيل بالشوط
223

ثم عرض المقاتلة فأجاز من أجاز ورد من رد فكان فيمن رد زيد
ابن ثابت وعبد الله بن عمر وأسيد بن ظهير والبراء بن عازب وعرابة
ابن أوس الحارثي وأبو سعيد الخدري وأجاز سمرة بن جندب وأما
رافع بن خديج فان رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغره فقام
على خفين وتطاول على أطرافه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم
أجازه وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم أبو حثمة الحارثي فقال
عبد الله بن أبي لمن معه أطاعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصاني
والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا معه أيها الناس ارجعوا فعزل من
العسكر ثلاثمائة رجل ممن تبعه ورجع بهم المدينة
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة رجل وسلك حرة
بنى حارثة ثم نزل حتى مضى بالشعب من أحد في عدوة الوادي وجعل
ظهره إلى أحد وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير
أحد بنى عمرو بن عوف وهم خمسون رجلا وقال انضح عنا الخيل
لا يأتونا من خلفنا إن كانت علينا أو لنا فأثبت مكانك لا نؤتين من قبلك
ثم ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في درعين وأعطى اللواء على
224

ابن أبي طالب وقال من يأخذ منى هذا السيف بحقه قال أبو دجانة
سماك بن خرشة وما حقه يا رسول الله قال تضرب به في العدو حتى
ينحنى فقال يا رسول الله أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه وكان أبو دجانة
رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء يعصب
بها رأسه فإذا رأوا ذلك علموا أنه سيقاتل فأخذ السيف من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخرج عصابة فعصب بها رأسه ثم أخذ يتبختر
بين الصفين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها لمشية يبغضها الله
إلا في هذا الموطن
وتعبأت قريش وجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد
وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل وقال أبو سفيان بن حرب لأصحابه
أنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من
قبل راياتهم إذا مالوا فاما أن تكفونا لواءنا وإما ان تخلوا بيننا
وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا نحن نسلم إليك ستعلم
كيف نصنع وجاءت هند بنت عتبة والنسوة اللواتي معها يحرضنهم
على القتال وتقول فيما تقول
225

إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق فراق غير وامق
وأول من خرج من المشركين أبو عامر عمر بن أمية في الأحابيش
وقال يا معشر الأوس أنا أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عينا ثم
راضخ المسلمين بالحجارة وقاتلهم قتالا شديدا وقاتل أبو دجانة في
رجال من المسلمين حتى حميت الحرب وأنزل الله النصر وكشفهم
المسلمون عن معسكرهم وكانت الهزيمة عليهم فلم يكن بين أخذ
المسلمين هندا وصواحبها إلا شئ يسير وقتل علي بن أبي طالب طلحة وهو
حامل لواء قريش وأبا الحكم بن الأخنس بن شريق وعبيد الله بن جبير
بن أبي زهير وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وأخذ اللواء بعد طلحة
أبو سعد فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله وبقى اللواء صريعا لا يأخذه
226

أحد فتقدم رجل من المشركين يقال له صواب فأخذ اللواء وأقامه
لقريش فكر المسلمون عليه حتى قطعوا يديه ثم قتل وصرع اللواء
فلما رأى الرماة الذين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين
قد انهزموا وتركوا تركوا مصافهم يريدون النهب وخلوا ظهور المسلمين
للخيل وأتاهم المشركون من خلفهم وصرخ صارخ ألا إن محمدا
قد قتل فانكشف المسلمون فصاروا بين قتيل وجريح ومنهزم حتى
خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيبت رباعيته فجعل
يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم
ثم قام زياد بن السكن في خمسة من النصار فقاتلوا دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا حتى قتلوا وكان آخرهم زياد بن السكن
فأثبتته الجراحة وجاء المسلمون فأجهضوهم عنه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ادنوه منى فوسده قدمه حتى مات في حجره
وترس أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فكانت
النبل تقع في ظهره وهو ينحنى عليه حتى كثرت فيه النبل وقاتل
227

مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل أصابه بن
قميئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم رجع إلى قريش وقال قتلت محمدا والتقى حنظلة بن أبي
عامر وأبو سفيان فاستعلى حنظلة أبا سفيان بالسيف فلما رآه بن شعوب
أن أبا سفيان قد علاه حنظلة بالسيف ضربه فقتله فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ان صاحبكم لتغسله الملائكة وخرج حمزة بن عبد المطلب
فمر به سباع بن عبد العزى الخزاعي وكان يكنى أبا نيار فقال هلم يا بن
مقطعة البظور فالتقيا فضربه حمزة فقتل ثم جعل يرتجز ومعه سيفان
إذ عثر دابته فسقط على قفاه وانكشف الدرع عن بطنه فانتزع وحشي
حربته فهزها ورماها فبقر بها بدنه ثم أخذ حربته وتنحاه
وقد انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب
وطلحة بن عبيد الله ورجال من المهاجرين والأنصار قد أسقطوا ما
في أيديهم وألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على
228

ما مات عليه ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل ووجد فيه سبعون
ضربة بالسيف والرمح
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت
الهزيمة كعب بن مالك قال عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت
بصوتي يا معشر المسلمين أبشروا فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا إليه فيهم
أبو بكر وعمر وعلى وطلحة والزبير وسعد والحارث بن الصمة فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يناول النبل سعدا ويقول ارم فداك أبي
وأمي
ثم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف وهو يقول
يا محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه
رجل منا فقال دعوه فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتفض بها انتفاضة ثم استقبله وطعنه
بها فمال عن فرسه وقد كان أبي بن خلف يلقى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمكة فيقول إن عندي العود أعلفه كل يوم فرقا من ذرة
أقتلك عليه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك
229

إن شاء الله فرجع أبي بن خلف إلى المشركين وقد خدشته حربة رسول الله
صلى الله عليه وسلم خدشا غير كبير فقال قتلني والله محمد فقالوا
ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس فقال إنه قد كان يقول
بمكة إني أقتلك والله لو بصق على لقتلني فمات بسرف وهم قافلون
إلى مكة
فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من أصحابه إلى الشعب
ومر علي بن أبي طالب حتى ملا درقته من المهراس وجاء بها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم شربه
فوجد له فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه
وقال اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة ليعلوها فلما ذهب
لينهض لم يستطع ذلك فجلس طلحة تحته فنهض رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى استوى على الصخرة ثم قال أوجب طلحة الجنة
وكانت هند واللاتي معها جعلن يمثلن بالقتلى من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد عن الآذان والآناف حتى
اتخذت هند قلائد من آذان المسلمين وآنفهم وبقرت عن كبد حمزة
230

فلاكته فلم تستطعه فلفظته ثم علت صخرة مشرفة فصرخت بأعلى
صوتها بشعر لها طويل أكره ذكره فقتل من المسلمين سبعون رجلا في
ذلك اليوم منهم أربعة من المهاجرين وكان المسلمون قتلوا اليمان
أبا حذيفة وهم لا يعرفونه فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يخرجوا ديته وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا
ثم أن أبا سفيان أراد الانصراف فصرخ بأعلى صوته الحرب سجال
أعل هبل يوم بيوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ناحية
الله أعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال أبو سفيان
231

يا عمر أنشدك الله أقتلنا فقال اللهم لا وإنه ليسمع كلامك
فقال أنت أصدق عندي من بن قميئة ولكن موعدكم بدر فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بيننا وبينكم
رحل أبو سفيان بالمشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي
بن أبي طالب أخرج في آثار القوم فان كانوا قد اجتنبوا الخيل
وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل
فإنهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها
ثم لأنجزنهم فخرج في آثارهم فأراهم قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل
ووجهوا إلى مكة فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
وفرغ الناس لقتلاهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس
حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فوقف عليه
وقال لولا أن تحزن صفية أن تكون سنة بعدي ما غيبته ولتركته
حتى يكون في بطون السباع والطير ولئن أظهرني الله عليهم لأمثلن
232

فأنزل الله وان عاقبتم فعاقبوا الآية ثم أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فسبحي ببردة
ثم قال صلى الله عليه وسلم من رجل ينظر ما فعل سعد بن
الربيع أفي الاحياء هو أم في الأموات فقال رجل من الأنصار أنا
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظره فوجده جريحا في القتل وبه
رمق فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر في
الاحياء أنت أم في الأموات فقال أنا في الأموات أبلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنى السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول
جزاك الله عنا خير ما جزى نبي عن أمته وأبلغ قومك السلام وقل
لهم إن سعدا يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم
عين تطرف ثم مات فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره
واحتمل الناس قتلاهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يدفنوهم حيث صرعوا بدمائهم وأن لا يغسلوا ولا يصلى عليهم فكان يجمع
بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ويقول وأيهم أكثر
أخذ للقرآن فإذا أشير إليه بأحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد
على هؤلاء يوم القيامة قال انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن
233

عمرو فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد
ثم قال صلى الله عليه وسلم وإن الله جعل أرواحهم في أجواف طير
خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب
في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وسقياهم قالوا
يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع ربنا بنا فأنزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا
في سبيل الله الآية وكان بن عمير لم يترك إلا بردة واحدة فكانوا
إذا غطوا رأسه بدت رجلاه وإذا غطوا رجليه بدا رأسه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم غطوا رأسه واجعلوا على رجليه شيئا
من الإذخر
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بمن معه من المسلمين
فمر بدار من دور الأنصار فسمع البكاء على قتلاهم فقال لكن حمزة
لا بواكي له فلما سمع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير أمرا نساء
بنى عبد الأشهل أن يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
234

فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اجعل
ثم نازل علي بن أبي طالب سيفه فاطمة وقال اغسلي عن هذا دمه
فوالله لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن
كنت صدقت القتال اليوم معك سهل بن حنيف وأبو دجانة
فلما كان ثاني يوم أحد أذن مؤذن رسول الله عليه وسلم
بالخروج في طلب القوم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف
على المدينة بن أم مكتوم وقال لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا
بالمس وكان أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جرحى فمر على
رسول الله صلى الله عليه وسلم معبد بن أبي معبد الخزاعي وكانت خزاعة
مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة فقال
والله يا محمد لقد عز علينا ما أصابك ولوددنا أن الله كان أعفاك
منهم ثم خرج فلحق أبا سفيان بالروحاء ومن معه من قريش وقد
235

أزمعوا الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توامروا بينهم
وقالوا رجعنا قبل أن نصطلم أصحاب محمد نرجع فنكر على بقيتهم
فلما رأى أبو سفيان معبدا مقبل قال ما وراءك يا معبد قال محمد
قد خرج في أصحابه في طلبكم ففي جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم
تحرقا قال ويلك ما تقول والله أجمعنا للكرة على أصحابه
لنصطلمهم قال فانى والله أنهاك عن ذلك بهم عليكم من الجود
بشئ ما رأيته بقوم على قوم قط فساءه ذلك
ومر بأبي سفيان ركبة من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا
نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فأخبروا محمدا أنا
قد أجمعنا الكرة عليه وعلى أصحابه لنصطلمهم
ثم رحل أبو سفيان راحلا إلى مكة ومر الركب برسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبروه ثم قال أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم والمسلمون حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله جل وعلا
في ذلك الذين استجابوا الله والرسول إلى قوله والله ذو فضل عظيم
236

لما صرف عنهم من لقاء عدوهم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياء
الآية فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد ثلاثا
ثم انصرف إلى المدينة
السنة الرابعة من الهجرة
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال أنا أحمد بن أبي بكر
الزهري عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أبي طلحة عن أنس بن مالك
قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة
ثلاثين صباحا يدعو على رعل وذكوان وعصية قال أنس فأنزل الله
في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه
قال في أول هذه السنة كانت غزوة بئر معونة وذلك أن
أبا براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة قدم المدينة فأهدى لرسول الله
صلى الله عليه وسلم لا أقبل هدية مشرك فعرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليه الاسلام فلم يسلم وقال يا محمد لو بعثت معي رجالا من
237

أصحابك إلى نجد رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إني أخاف عليهم من أهل نجد فقال أبو براء أنا لجار
فابعثهم فليدعوا الناس إلى ما أمرك الله به فبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي في أربعين راكبا وقد قيل في
سبعين رجلا من الأنصار حتى نزلوا ببئر معونة وهي بئر أرض بنى
عامر وحرة بنى سليم ثم بعثوا حرام بن ملحان من بنى عدى بن النجار
بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه
لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله ثم استصرخ عليهم بنى عامر
فأبوا أن يجيبوه بما دعاه إليه وقالوا لن نخفر أبا براء إنه قد عقد لهم
عقدا فاستصرخ عليهم قبائل من سليم رعلا وذكوان وعصية
فأجابوه إلى ذلك فخرج حتى غشي القوم في رحالهم فأحاطوا بهم
فلما رآهم المسلمون أخذوا أسيافهم ثم قاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب
بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق
وكان في المسلمين عامر بن فهيرة طعنه جبار بن سلمى الكلابي
بالرمح ثم طلب في القتلى فلم يجد جثته فمن ذلك قيل رفع عامر
بن فهيرة إلى السماء
238

وكان في سرحهم بن أمية ورجل من الأنصار من بنى عمرو
بن عوف فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا
إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل
التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية ماذا ترى قال
أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره فقال الأنصاري
لكني ما كنت لأرغب عن موطن قتل فيه هؤلاء ثم تقدم فقاتل حتى
قتل ورجع عمرو بن أمية حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبره الخبر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على رعل وذكوان وعصية
ثلاثين صباحا فأنزل الله فيهم بلغوا عنا ق ومنا انا لقينا ربنا فرضي
عنا ورضينا عنه
ثم كانت غزوة الرجيع في صفر
أميرها مرثد بن أبي مرثد فيها قتل عاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح وخالد بن البكير وأسر خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة
239

وخرجوا بهما إلى مكة وباعوهما
ثم كانت غزوة بنى النضير
وكان السبب في ذلك أن عمرو بن أمية لما انفلت من رعل
وذكوان وعصية وجاء إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم وأخبره بقتل
أصحاب بئر معونة لقيه في الطريق رجلان من بنى عامر وقد كان معهما
عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لا يعلم عمرو بذلك فلما نزلا
سألهما عمرو من أنتما قالا رجلان من بنى عامر فأمهلهما حتى إذا ناما
عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه قد أصاب ثأره من بنى عامر بما أصابوا
من أصحاب بئر معونة فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بئس
ما عملت قد كان لهما منى جوار وكتب عامر بن الطفيل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنك قد قتلت رجلين لهما منك جوار فابعث بديتهما
فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء ثم مال إلى بنى النضير ليستعين
في ديتهما ومعه نفر من المهاجرين فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى مجلسهم فاستند إلى جدار هناك فكلمهم فقالوا أنى لك أن تزورنا
يا أبا القاسم نفعل ما أحببت فأقم عندنا حتى تتغدى وتآمروا بينهم
فقال عمرو بن جحاش بن عمرو بن كعب يا معشر بنى النضير والله
240

لا تجدونه أقرب منه الساعة أرقي على ظهر هذا البيت فأدلى عليه صخرة
فأقتله بها فنهاهم سلام بن مشكم فعصوه وصعد عمرو عمرو بن جحاش
ليدحرج الصخرة وأخبر الله جل وعلا رسوله فقام كأنه يريد حاجة
وانتظر أصحابه من المسلمين فأبطأ عليهم وجعلت اليهود تقول ما حبس
أبا القاسم فلما أبطأ على المسلمين انصرفوا فقال كنانة بن صوريا جاءه
والله الخبر الذي هممتم به فلقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلا
مقبلا من المدينة فقالوا أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
رأيته داخلا المدينة فانتهوا إليه وهو جالس في المسجد فقالوا
يا رسول الله انتظرناك فمضيت وتركتنا فقال همت اليهود بقتلى ادعوا لي
محمد بن مسلمة فأتى بمحمد فقال اذهب إلى اليهود فقل لهم اخرجوا
من المدينة لا تساكنوني وهممتم بما هممتم من الغدر
فجاءهم محمد بن مسلمة فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم
أن تظعنوا من بلاده فقالوا يا محمد ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من
الأوس فقال محمد بن مسلمة تغيرت القلوب ومحا الاسلام العهود
فقالوا نتحمل فأرسل إليهم عبد الله بن أبي لا تخرجوا فان معي ألفي
241

رجل من العرب يدخلون معكم وقريظة تدخل معكم فبلغ الخبر كعب
ابن أسد صاحب عهد قريظة فقال لا ينقض العهد رجل من بني قريظة
وأنا حي
فأرسل حيي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
من سادات بنى النضير إنا لا نفارق ديارنا فاصنع ما بدا لك فكبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وقال حاربت يهود
ثم زحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل لواءه علي بن أبي
طالب واستخلف على المدينة بن أم مكتوم حتى أتاهم فحاصرهم
خمسة عشر يوما وقطع نخلهم وحرقها وكان الذي حرق نخلهم وقطعها
عبد الله بن سلام وعبد الرحمن بن كعب أبو ليلى الحراني من أهل بدر
فقطع أبو ليلى العجوة وقطع بن سلام اللون فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم قطعتم العجوة قال أبو ليلى يا رسول الله كانت العجوة
أحرق لهم وأغيظ فنزل ما قطعتم من لينة أو تركتموها الآية فاللينة
ألوان النخل والأئمة على أصولها العجوة فنادوا يا محمد قد كنت تنهى
عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما لك وقطع النخل وتحريقها
ثم تربصت اليهود نصرة عبد الله بن أبي إياهم فلما لم يجئ وقذف الله
في قلوبهم الرعب صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحقن لهم
242

دماءهم وله الأموال وينجلون من ديارهم على أن لهم ما حملت الإبل
من أموالهم فاحتملوا ما استقلت به الإبل حتى أن كان الرجل منهم
يهدم بيته فيضع بابه على ظهر بعيره فينطلق به وخرجوا إلى خيبر وذلك
قوله يخربون بيوتهم بأيديهم الآية
ولم يسلم من بنى النضير إلا رجلان يا مين بن عمير بن كعب
وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها فقسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم غنائمهم على المهاجرين فأنزل سورة الحشر
إلى آخرها
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الأسد إلى ماء لبني
أسد فقتل عروة بن مسعود الأنصاري وغنم نعما وشاء ورجع
إلى المدينة
243

ومات عبد الله بن عثمان بن عفان وهو بن ست سنين فصلى
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في حفرته عثمان بن عفان
ثم ولد الحسين بن علي بن أبي طالب خلون من شعبان ثم
كانت بدر الموعد
وذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أحد قال لرسول الله صلى الله
عليه وسلم موعدك بدر الموم وكان بدر موضع سوق لهم في الجاهلية
يجتمعون إليها في كل سنة ثمانية أيام فلما قرب الميعاد جهز رسول الله
صلى الله عليه وسلم لغزوة الموعد
وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد اعتمر وقدم على قريش
فقالوا يا نعيم من أين وجهك قال من يثرب قالوا هل رأيت
لمحمد حركة قال نعم تركته على هيئة الخروج ليغزوكم وذلك قبل أن
يسلم نعيم فقال له أبو سفيان يا نعيم إن هذا عام جدب ولا يصلحنا
إلا عام غيداق ترعى فيه الإبل الشجر ونشرب اللبن وقد جاء أوان
موعد محمد فالحق بالمدينة فثبطهم وأخبرهم أننا في جمع كثير ولا طاقة لهم
بنا حتى يأتي الخلف منهم ولك عشر فرائض أضعها لك على يد سهيل
244

بن عمرو فجاء نعيم سهيلا فقال يا أبا يزيد تضمن لي هذه الفرائض
وأنطلق إلى محمد فأثبطه فقال نعم
فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون فجلس يتجسس
لهم ويقول هذا ليس برأيي قدموا إليكم في عقر دوركم وأصابوكم فتخرجون
إليهم ليس هذا برأيي ألم يجرح محمد بنفسه ألم قتل عامة أصحابه
فثبط الناس عن الخروج حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
والذي نفسي بيده لو لم يخرج معي أحد خرجت وحدي
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون تجارات كثيرة
حتى وافوا بدر الموعد فأصابوا بها سوقا عظيما وربحوا لدرهم درهما
ولم يلقوا عدوا ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة بنت أبي أمية
245

في شوال ودخل بها في ذلك الشهر وكانت قبله تحت أبى سلمة
بن عبد الأسد المخزومي
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديا ويهودية تحاكما إليه
وكانا محصنين
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب
اليهود وقال إني لا آمن أن يبدلوا كتابي فتعلم زيد بن ثابت ذلك
في خمسة عشر يوما
ثم كانت سرية الخزرج إلى سلام بن أبي الحقيق
وذلك أنه كان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين
الحين من الأنصار الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم غناء إلا قالت الخزرج والله لا يذهبون بهذه فضلا
علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام قال فلا ينتهون حتى
يوقعوا مثلها وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك فلما
أصابت الأوس كعب قالت الخزرج من رجل في العداوة
246

لرسول الله صلى الله عليه وسلم ككعب بن الأشرف فذكروا سلام بن أبي
الحقيق بخيبر فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله
فأذن لهم ونهاهم عن قتل النساء والولدان فخرج عبد الله بن عتيك
وعبد الله بن أنيس ومسعود بن سنان وأبو قتادة بن ربعي بن بلدمة
بن سلمة وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم حتى قدموا خيبر
فدخلوا على سلام بن أبي الحقيق داره ليلا ولم يبق في الدار بيت
إلا أغلقوه ثم صعدوا في درجة إلى علية له فضربوا عليه بابه فخرجت
امرأته وقالت من أنتم قالوا نفر من العرب أردنا الميرة فقالت
هو ذاك في البيت فدخلوا عليه وغلقوا الباب عليهم فما دلهم عليه
إلا بياضه في ظلمة البيت وكان أبيض كأنه قبطي فابتدروه بأسيافهم
247

وتحامل عليه عبد الله بن أنيس فوضع سيفه في بطنه وهتفت امرأته
وخرجوا وكان عبد الله بن عتيك أمير القوم وكان في بصره شئ
فسقط من الدرجة فوثئت يده وثأ شديدا
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه واختلفوا
في قتله وادعى كل واحد منهم أنه قتله فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هاتوا سيوفكم فأعطوه فنظر فقال سيف عبد الله بن أنيس هذا
قتله أرى فيه أثر الطعام
248

السنة الخامسة من الهجرة
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عون الدماتي ثنا عمار بن الحسن الهمداني
ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن
محمود بن لبيد عن بن عباس حدثني سلمان الفارسي من فيه قال كنت
رجلا مجوسيا من أهل جى من أهل أصبهان وكان أبى دهقان
قريته وكنت أحب الخلق إليه فما زال به حبه إياي حتى
حبسني في البيت كما تحبس الجارية وكنت قد اجتهدت في المجوسية حتى
كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة وكانت لأبي ضيعة
فيها بعض العمل بنى أبى بنيانا له في داره فدعاني فقال أي بنى
إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها
وأمرني فيها ببعض ما يريد ثم قال لي ولا تحتبس عنى فإنك ان
احتسبت عنى كنت أهم عندي مما أنا فيه فخرجت فمررت بكنيسة
249

النصارى وهو يصلون فها فسمعت أصواتهم ودخلت عليهم أنظر ما
يصنعون فوالله ما زلت قاعدا عندهم وأعجبني دينهم وما رأيت من
صلاتهم وأخذ بقلبي فأحببتهم حبا لم أحبه شيئا قط وكنت لا أخرج
قبل ذلك ولا أدرى ما أمر الناس فقلت في نفسي هذا والله خير
من ديننا فوالله ما برحت حتى غربت الشمس وتركت حاجة أبى التي
أرسلني إليها وما رجعت إليه ثم بعث في الطلب يلتمس لي فلم يجد
حيث أرسلني فبعث رسله فبغوني بكل مكان حتى جئته عشيا وقد قلت
للنصارى حين رأيت ما أعجبني من هيئتهم أين أصل هذا الدين قالوا
بالشام فلما أتيت أبى فقال أي بنى أين كنت ألم أكن عهدت إليك
أن لا تحتبس على فقلت بلى وإني مررت على كنيسة النصارى فأعجبني
ما رأيت من أمرهم وحسن صلاتهم ورأيت دينهم خيرا قال كلا
يا بنى إن ذلك الدين لا خير فيه دينك ودين آبائك خير منه فقلت
كلا والله إنه لخير من ديننا قال إلى النصارى وأخبرتهم أنى قد رضيت
أمرهم وقلت إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم أذهب معهم
فقدم عليهم من الشام فأخبروني بهم فأرسلوا إلى فأرسلت
250

إليهم إذا أرادوا الرجعة فأخبروني فلما أرادوا الخروج جئتهم فانطلقت
معهم فلما قدمت الشام سألت عن عالمهم فقالوا صاحب الكنيسة
أسقفهم فدخلت عليه فأخبرته خبري وقلت له إني أحب أن أكون
معك في كنيستك أخدمك وأصلي معك وأتعلم منك فانى قد رغبت
في دينك قال أقم فمكثت معه في الكنيسة أتفقه في النصرانية وكان
رجل سوء فاجر في دينه يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا
إليه الأموال اكتنزها لنفسه وكنت أبغضه لما أرى من فجوره وقد
جمع سبع قلال دنانير ودراهم ثم إنه مات فاجتمعت النصارى ليدفنوه
فقلت لهم تعلمون أن صاحبكم هذا رجل سوء كان يأمركم بالصدقة
فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعطه المساكين منها شيئا قالوا وما
علامة ذلك قلت أدلكم على كنزة قالوا أنت وذاك فدللتهم عليه
فأخرجوا قلالا مملوءة ذهبا وورقا قال فلما رأوها قالوا والله
لا نغنيه أبدا فصلبوه على خشبة ورجموه بالحجرة وجاؤا برجل
فجعلوه مكانه قال فيقول سلمان يا بن أخي ما رأيت رجلا لا يصلى
الخمس أرى أنه أفضل منه زهادة في الدنيا ولا أرغب في الآخرة
ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه اجتهادا في العبادة قال سلمان فأقمت
251

معه وأحببته حبا ما علمت أنى أحببت شيئا كان قبله فكنت معه أخدمه
وأصلي معه في الكنيسة حتى حضرته الوفاة قلت يا فلان إني قد كنت
معك وما أحببت حبك شيئا قط فإلى من توصي بي ومن ذا الذي
تأمرني متبع أمرك ومصدق حدثك قال أي بنى ما أعلم أحدا على
مثل ما نحن عليه إلا رجلا بالموصل قال له فلان فإني وإنه كنا على
أمر واحد في الرأي والدين وهو رجل صالح وستجد عنده بعض ما كنت
ترى منى فأما الناس قد بدلوا وهلكوا فلما توفى لحقت بصاحب الموصل
فأخبرته خبري فقال أقم فكنت معه في كنيسته فوجدته كما قال صاحبي
رجلا صالحا فكنت معه ما شاء الله فلما حضرته الوفاة قلت يا فلان
إن فلانا أوصاني إلك حين حضرته الوفاة وقد حضرك من أمر الله
ما ترى فإلى من توصي بي وإلى من تأمرني قال أي بني
ما أعلم أحدا على أمرنا إلا رجلا بنصيبين يقال له فلان فالحق به فلما
توفى لحقت بصاحب نصيبين وأخبرته خبري وأقمت عنده فوجدته على
مثل ما كان عليه صاحباه فمكثت معه ما شاء الله ثم حضرته الوفاة
فقلت له إن فلانا أوصاني إلى فلان صاحب الموصل ثم أوصاني
صاحب الموصل إليك فإلى من توصي بي بعدك قال أي بني ما
أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية في أرض الروم
252

فإنك واجد عنده بعض ما تريد فان استطعت أن تلحق به فالحق به
فلما توفى لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم فأقمت
عنده فوجدته على مثل ما كان عليه أصحابه وأثاب لي شيئا حتى اتخذت
بقرات وغنيمة ثم حضرته الوفاة فقلت له إن فلانا أوصاني إلى فلان
صاحب الموصل ثم أوصاني صاحب الموصل إلى فلان صاحب نصيبين
ثم أوصاني صاحب نصيبين إليك فإلى من توصي بي قال يا بنى
ما أعلمه أصبح في هذه الأرض أحد على ما كنا عليه لكنك
قد أظللك خروج نبي بأرض العرب يبعث بدين إبراهيم الحنفية
يكون منها مهاجره وقراره إلى أرض يكون بها النخل بين حرتين نعتها
بكذا وكذا بظهره خاتم النبوة بين كتفيه إذا رأيته عرفته يأكل
الهدية ولا يأكل الصدقة ثم مات فمر بي ركب من كلب فسألتهم من هم
فقالوا من العرب فسألتهم من بلادهم فأخبروني عنها فقلت لهم
فأعطيكم بقري وغنمي هذا على أن تحملوني حتى تقدموا أرضكم قالوا نعم
فأعطيتهم إياها وحملوني معهم حتى إذا جاؤوا بي وادى القرى ظلموني
فباعوني برجل من اليهود فأقمت ورأيت بها النخل ورجوت أن يكون
253

البلد الذي وصف لي صاحبي حتى قدم رجل من يهود بني قريظة فابتاعني
من ذلك اليهودي ثم خرج بي حتى قدم المدينة فوالله ما هو إلا أن
رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي وأيقنت أنه البلد فمكثت بها أعمل له في
ماله في بني قريظة حتى بعث محمد وخفي على أمره وأنا في رقى مشغول
حتى قدم المدينة مهاجرا فنزل في قباء في بنى عمرو بن عوف فوالله
إني لفي رأس نخلة أعمل لصاحبي فيها وصاحبي تحتي جالس إذ أقبل
بن عم له من اليهود فقال يا فلان قاتل الله بنى قيلة إنهم آنفا لمجتمعون
يقبلون على رجل بقباء قدم من مكة يزعمون أنه نبي فوالله ما هو
إلا أن قالها له أخذتني رعدة من النخلة حتى ظننت أنى سقطت على
صاحبي فنزلت سريعا فقلت أي سيدي ما الذي تقول فغضب مما رأى
في ورفع يده فضربني بها ضربة شديدة ثم قال ما قال ما لك ولهذا أقبل على
عملك قلت لا شئ سمعت منك شيئا فأردت أن أعلمه فسكت عنه
254

ثم أقبلت على عملي فلما أمسيت جمعت ما كان عندي حتى أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه فقلت
بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحابا لك أهل حاجة وغربة وقد كان
عندي شئ وضعته للصدقة من طعام يسير فجئتكم به وهو ذا فقربت
إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وأمسك يده
وأبى أن يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة من صفة فلان ثم رجعت
فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجمعت شيئا ثم جئته
فسلمت عليه فقلت هذا شئ كان لي وأحببت أن أكرمك وهو هدية
أهديها لك كرامة ليست بصدقة فانى رأيتك لا تأكل الصدقة فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا وأكل معهم فقلت في نفسي
هاتان اثنتان ثم رجعت فمكثت شيئا ثم جئته وهو ببقيع الغرقد مشى مع
جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان مرتديا بواحدة ومتزرا بالأخرى
فسلمت عليه ثم تحولت حتى قمت وراءه لأنظر في ظهره فعرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى إنما أريد أن أنظر وأثبته
فقال بردائه فألقاه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصفه
لي صاحبي فأكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل موضع الخاتم
من ظهره وأبكى فقال تحول عنى فتحولت عنه فجلست بين يديه
255

وقصصت عليه قصتي وشأني وحديثي فأعجب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأحب أن يسمع ذلك أصحابه ثم أسلمت ومكثت مملوكا
حتى مضى شان بدر وشأن أحد وشغلني الرق فلم أشهد مجامع
النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب
نفسك فسألت صاحبي الكتابة فلم أزل حتى كاتبني على أن أفي له
ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ورق وتلك أربعة آلاف فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم بالنخل فأعانني الرجل
بقدر ما عنده منهم من يعطيني العشرين والثلاثين والعشرة والخمس
والست والسبع والثمان والأربع والثلاث حتى جمعتها فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فإذا أردت أن تضعها فأتني حتى
أكون أنا أضعها لك بيدي فقمت في تفقيرها وأعانني أصحابه حتى
فرغنا من شربها وجاء أصحابي كل رجل بما أعانني من النخل فوضعته
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج فجعلنا نحمل إليه
النخل فيضعها بيده فما ماتت منها ودية وبقيت الدراهم
256

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سليمان إذا سمعت بشئ قد جاءني
فأتني أغنيك بمثل ما بقى من مكاتبتك فبينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة
من ذهب أصابها في بعض المغازي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
خذ هذه فأدها مما عليك يا سليمان قال قلت وأين تقع هذه مما
على من المال قال إن الله سيؤديها عنك فوالذي نفسي بيده لقد
وزنت لهم أربعين أوقية حقهم جميعا
وعتق سلمان وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق
وما كان بعده من المغازي
قال في أول هذه السنة كان فك سلمان من الرق وأداؤه بما
كوتب عليه
ثم كانت غزوة ذات الرقاع في المحرم
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة
عثمان بن عفان يريد بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا
257

فلقي بها جميعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب إلا أن
الناس قد خاف بعضهم من بعض حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة الخوف وإنما سميت هذه الغزاة غزاة ذات الرقاع لن الخيل
كان فيها سواد وبياض فسميت الغزوة بتلك الخيل
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فبينا جابر إذ
أبطأ عليه جمله فقال لحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا جابر
قال نعم قال ما شأنك قال أبطأ على جملي فحجنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمحجنه وقال اركب فقال جابر ولقد رأيتني أكفه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا جابر تزوجت قلت
نعم قال بكرا أم ثيبا قلت بل ثيبا قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك
قلت إن لي أخوات فأحببت ان أتزوج بمن يجمعهن ويمشطهن وتقوم
عليهن قال أما إنك قادم فإذ قدمت فالكيس الكيس ثم قال
258

أتبيع جملك فقلت نعم فاشتراه منه بأوقية ثم قدم المدينة صلى الله عليه
وسلم قال جابر فوجدته عند باب المسجد فقال الان قدمت قلت
نعم قال فدع جملك وادخل المسجد فصل ركعتين فدخلت فصليت
ركعتين ثم أمر بلالا أن يزن لي أوقية فوزن لي فأرجح في الميزان
فانطلقت حتى إذا وليت فقال ادعوا لي جابرا قلت الآن يرد على
الجمل وليس شئ أبغض إلى منه قال خذ جملك ولك ثمنه
259

ثم كانت غزوة دومة الجندل
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا تجمعوا بها
فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ دومة الجندل فلم ير كيدا
واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ثم رجع إلى المدينة
260

وتوفيت أم سعد بن عبادة وسعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدومة الجندل فلما رجع جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها وصلى
عليها فقال سعد يا رسول الله إن أمي أفتلتت نفسها ولم توص
أفأقضي عنها قال نعم
وكسف القمر في جمادى الآخرة فجعلت اليهود يرمونه بالشهب
ويضربون بالطاس ويقولون سحر القمر فصلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلاة الكسوف
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا أصابتهم شدة
حتى أكلوا الرمة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ من الذهب إليهم
مع عمرو بن أمية وسلمة بن أسلم بن حريش
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من مزينة وهو
أول وفد قدم عليه في رجب وفيهم بلال بن الحارث المزني في رجال
من مزينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم مهاجرون أينما
كنتم فرجعوا إلى بلادهم
ثم قدم بعدهم ضمام بن ثعلبة بعثه بنو سعد بن بكر
261

فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق
قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال
فمن نصب هذه الجبال قال الله قال فمن جعل فيها هذه المنافع قال
الله آلله تعالى أرسلك قال نعم قال فبالذي خلق السماوات
والأرض ونصب الجبال وجعل فيها هذه المنافع هو الله الذي
أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في
يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال
نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال
صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال
262

فوالله الذي بعثك بالحق لا أزيدن عليهن ولا أنقص منهن شيئا فلما
قفا قال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة فاسلم ضمام
ورجع إلى قومه بالاسلام
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة المريسيع
في شعبان قصد بنى المصطلق من خزاعة على ماء لهم قريب من
الفرع فقتل منهم رجالهم وسباهم وكان فيمن سبى جويرة بنت
الحارث بن أبي ضرار تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل صداقها أربعين أسيرا من قومها
263

في هذه الغزوة سقط عقد عائشة فأقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالناس على التماسه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فنزلت
آية التيمم فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر
فبعثوا العير التي كانت عليه فوجدوا العقد تحته
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نملة الطائي بشيرا إلى
المدينة بفتح المريسيع
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق
وكان من شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بنى النضير خرج نفر
من اليهود فيهم حيي بن أخطب النضري وهوذة بن قيس الوائلي وكنانة
بن الربيع النضري في نر من بنى النضير وبنى وائل وحزبوا الأحزاب
264

حتى قدموا على قريش مكة ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ومن معه فقالت
لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب والعلم بما أصبحنا نختلف
فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم وأنتم أولى بالحق
منه فلما قالوا ذلك لقريش نشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأجمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرجوا حتى جاؤوا
غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأخبروهم أن قريشا قد تابعوهم على ذلك وأجمعوا معهم على ذلك
وخرجت قريش
وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان و
قائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان قائد أشجع
مسعود بن رخيلة
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم استشار المسلمين
265

فأشار عليه سلمان بضرب الخندق على المدينة وهي أول غزاة غزاها
سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخندق على المدينة فيما
بين المذاد إلى ناحية راتج
وأقبلت قريش
حي نزلت بمجتمع الأسيال من رومة في عشرة آلاف رجل من
أحابيشهم ومن تابعهم من أهل كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان
حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة بن
أم مكتوم وذلك في شهر شوال حتى جعل سلعا وراء ظهره والخندق
بينه وبين القوم وهو في ثلاث آلاف من المسلمين وخرج حيي
266

بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب بني قريظة فلم يزل يفتله
حتى بايعه على ذلك
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد بن معاذ وسعد بن عبادة
وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير يستخبرون خبر كعب بن أسد أهم على
وفاء أم لا فمضوا إليه فسألوه فقال لا عهد بيننا وبين محمد ثم رجعوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحذاء المشركين بضعا وعشرين
267

ليلة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيني بخبر القوم فقال الزبير
أنا ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي حواريا وإن حواري
الزبير ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل غير أن فوارس من
قريش منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أخو بنى عامر وعكرمة
بن أبي جهل المخزومي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وضرار بن الخطاب
بن مرادس المحاربي قد تهيئوا للقتال وتلبسوا وخرجوا على خيلهم
ومروا بمنازل كنانة ثم أقبلوا بخيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما
رأوه قالوا والله إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم أتوا
مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت منه وجالت في
السبخة بين الخندق وسلع فلما رآهم المسلمون خرج علي بن أبي طالب
في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الموضع الذي منه اقتحموا وأقبلت
الفوارس تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ود فارس قريش وقد كان
268

قاتل يوم بدر ولم يشهد أحدا فخرج عام الخندق معلما ليرى مشهده
فلما وقف هو وخيله قال علي بن أبي طالب يا عمرو إني أدعوك
إلى البراز قال ولم يا بن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك قال على
لكني والله أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك واقتحم عن فرسه
وعقره ثم أقبل إلى على فتنازلا وتجاولا إلى أن قتله على وخرجت
خيله منهزمة من الخندق
وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظهر والعصر والمغرب
والعشاء وذلك بعد أن كفوا كما قال الله تعالى وكفى الله
المؤمنين القتال
ولم يقتل من المسلمين غير ستة نفر كعب بن زيد الدنباني ورمى
سعد بن معاذ بسهم فقطع أكحله وعبد الله بن سهل وأنس بن أوس
269

ابن عتيك والطفيل بن النعمان بن خنساء وثعلبة بن غنمة وقتل من
المشركين جماعة
ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال يا رسول الله إني أسلمت وغن قومي لا يعلمون باسلامي فمرني بما
شئت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما أنت فينا رجل واحد
فخذل عنا فان الحرب خدعة فخرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان لهم
نديما في الجاهلية فقال يا معشر قريظة إنكم قد عرفتم ودي لكم وخاصة
ما بيني وبينكم قالوا صدقت قال فان قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب
محمد وإنهم ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم لا تقدرون على أن تتحولوا
عنه وإن قريشا وغطفان إن وجدوا فرصة أشهروها وإن كان غير
ذلك هربوا وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى
تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم على أن يقاتلوا مع القوم
270

حتى تناجزوه فقالوا قد أشرت برأي ونصح ثم خرج نعيم حتى أتى
قريشا وأبا سفيان فقال يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي لكم
قد رأيت أن حقا على أن أبلغكموه وأنصح لكم على قالوا
نفعل قال إن معشر اليهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين
محمد وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك منا أن نأخذ
من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فتضرب أعناقهم
ثم نكون معك على من بقى منهم فأرسل إليهم أن نعم فان بعث
إليكم اليهود يلتمسون رهنا فلا تدفعوا إليهم
ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إنكم أصلى وعشيرتي
وأحب الناس إلى ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت قال فاكتموا
على قالوا نفعل فقال لم مثل ما قال لقريش في شأن بني قريظة وحذرهم
مثل الذي حذرهم فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو سفيان عكرمة بن
271

أبى جهل في نفر معه من رؤوس غطفان إلى بني قريظة فقالوا لسنا بدار
مقام قد هلك الكراع والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ
مما بيننا وبينه فأرسلوا أن غدا السبت وهو يوم لا نعمل فيه ولسنا
مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من أشرافكم يكونون
عندنا حتى نناجز محمدا فانا نخشى الحرب إن اشتدت أن تتشمروا إلى
بلادكم وتتركونا فلما رجع عكرمة إلى قريش وغطفان بما قالت بنو
قريظة قالوا والله إن الذي جاءكم به نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا
إلى بني قريظة أنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا فان كنتم تريدون
القتال فاخرجوا وقاتلوا فقالت بنو قريظة إن الذي ذكر لنا نعيم لحق
ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فان رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير
ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل فأرسلوا إلى قريش
وغطفان أنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا وبعث الله على
المشركين ريحا تطرح آنيتهم ويكفأ قدورهم في يوم شديد البرد
272

فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم
دعا حذيفة بن اليمان قال اذهب فادخل بين القوم وانظر ما يقولون
ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني وذلك ليلا فدخل حذيفة في الناس وقام
أبو سفيان بن حرب وقال يا معشر قريش لينظر كل امرئ من جليس
قال حذيفة وأخذت رجلا إلى جنبي وقلت له من أنت قال أنا
فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم
بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا
عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما يستمسك
لنا بناء ولا تطمئن لنا قدور، فارتحلوا فاني مرتحل، ثم قال إلى
جملة وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق
عقاله إلا وهو قاتم ثم قال حذيفة ولولا عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ألا أتحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهمي فرجع حذيفة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فسمعت غطفان
بما صنعت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم ورجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة هو والمسلمون ووضعوا السلاح
273

غزوة بني قريظة
فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى عليه وسلم وقال
قد وضعتم السلاح وأن الملائكة لم تضع سلاحها بعد إن الله يأمرك
بالمسير إلى بني قريظة فأذن مؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا
لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة وخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحمل لواءه علي بن أبي طالب فلما بلغ الصورين قال هل مر بكم
أحد قالوا نعم مر بنا دحية الكلبي على بغلة بيضاء فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى نزل على بئر لبني قريظة في ناحية أموالهم وتلاحق به الناس
وأتى رجال بعد عشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر ألا في بني قريظة فحاصرهم
274

رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار
وقذف الله في قلوبهم الرعب وقد كان حي بن أخطب قد دخل مع
بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان وفاء لكعب بن
أسد فلما تيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف
عنهم حتى يناجزهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
275

ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف لنستشيره فأرسله
رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل
على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح فقالوا
ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنزلوا على حكمه
ثم إن ثعلبة بن سعية وأسد بن سعية وأسد ين عبيد
أسلموا فمنعوا ديارهم وأموالهم فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال الأوس يا رسول الله إنهم موالينا دون
الخزرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترضون أن يحكم
276

فيكم رجل منكم قالوا بلى يا رسول الله قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذاك إلى سعد بن معاذ وكان قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لقومه حين أصابه السهم اجعلوه في خيمة قريب مني حتى
أهوده فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه
فاحتملوه على حمار ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم
يقولون يا أبا عمرو إن رسول لله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك مواليك
لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله
لومة لائم فلما جاء سعد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا
إلى سيدكم فقاموا إليه فقالوا يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد ولاك الحكم قال سعد عليكم عهد الله وميثاقه إن الحكم فيكم
ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من كان ههنا في هذه الناحية التي
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال
سعد فاني أحكم فيهم بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى
الذراري والنساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت
277

فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة فحبسهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم في دار ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما
قدمها خرج إلى سوق المدينة فحفر حفرا ثم بعث إليهم وأمر بضرب
أعناقهم وهم ما بين ستمائة فلم يزل ذلك دأبهم حتى فرغ
منهم فيهم حي بن أخطب وكعب بن أسد
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم
وأبناءهم على المسلمين فكان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا فأعطى
الفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل الذي ليس
له فرس سهم وأخرج منها صلى الله عليه وسلم الخمس وقد قيل
إنه اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة إحدى نساء بني عمرو
ابن قريظة
ثم مات سعد بن معاذ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله
فغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش ثم وضع في أكفانه
278

على سريره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتز العرش لموت سعد
ابن معاذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام جنازة سعد حتى صلى
عليه ونزل في حفرته أربعة نفر الحارث بن أوس وأسيد بن حضير
وسلمة بن سلامة بن وقش وأبو نائلة بن سلامة
ثم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب ابنة جحش فلما أصبح
دعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا ونفر منهم عند النبي صلى الله
عليه وسلم فأطالوا القعود وعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج
حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم رجع ونزلت آية الحجاب وإذا سألتموهن
متاعا فسئلوهن من وراء حجاب
ثم كانت سرية عبد الله بن أنيس
إلى خالد بن سفيان بن خالد بن ملهم الهذلي ثم اللحياني بعرنة
فصادفه ببطن عرنة زمعه أحابيش فقتله وحمل رأسه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة إلى
الغابة فسقط عن فرسه فجحش شقه الأيمن فخرج فصلى بهم جالسا فقال
إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا
279

وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين وفي ذي الحجة
دفت دافة من عامر بن صعصعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يبقى عندكم من ضحاياكم بعد ثلاثة شئ أراد به صلى الله عليه وسلم
أن يوسع ذو السعة عمن لا سعة عنده ثم قال لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم كلوا وادخروا بعد ثلاث
السنة السادسة من الهجرة
أخبرنا أبو عروبة الحسين بن أبي معشر بحران ثنا سلمة بن
شبيب ثنا عبد الرزاق أنا عبد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة
أن ثمامة بن أثال الحنفي أسر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده يقول
280

ما عندك يا ثمامة فيقول إن تقتل تقتل لا تمن وإن تمن تمن على
شاكر وإن ترد المال تعط قال فكان أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم يحبون الفداء ويقولون ما نصنع بقتل هذا فمر به النبي صلى الله
عليه وسلم فأسلم فأمره ان يغتسل فاغتسل وصلى ركعتين فقال النبي
صلى الله عليه وسلم حسن إسلام صاحبكم
قال في أول هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد
ابن مسلمة إلى القرطاء فأخذ ثمامة بن أثال الحنفي فأمر به فربط
بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال
ما عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتلني تقتل ذا دم
وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه
ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ثم قال
ما عندك يا ثمامة قال له مثل ذلك فتركه النبي صلى الله عليه وسلم حتى
كان بعد الغد فقال له ما عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فأطلق فانطلق إلى
نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دهل المسجد فقال أشهد أن لا إله
281

إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ما كان على
الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه
كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك
أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فقد
أصبح اليوم بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد
العمرة فما ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر
فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكني أسلمت مع
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي
سرية الغمر فنذر به القوم فهربوا فنزل على مياههم وبعث الطلائع
فأصابوا عينا فدلهم على ماشيتهم فساقوا مائتي بعير إلى المدينة
ثم كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
282

الكسوف وقال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته
فإذا رأيتموهما فصلوا
وبعث رسول اله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى ذي
القصة وهي بلاد بني ثعلبة وأنمار فصلوا المغرب وخرج أبو عبيدة
في أربعين رجلا فساروا ليلتهم حتى أتوا ذا القصة عند الصبح فأغاروا
عليهم وهربوا في الجبال ثم قدموا المدينة فخمس رسول الله صلى الله
عليه وسلم الغنيمة وقسم ما بقي على أصحابه
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى ذي
القصة في عشرة أنفس فخرج مائة من المشركين فكمنوا فلما نام المسلمون
خرجوا عليهم فقتلوهم وانفلت محمد بن مسلمة جريحا وحده
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم
283

فأصاب نعما وشاء وأسراء ثم سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل فكان أول سباق بالمدينة ثم سبق في الخف فكانت العضباء لا تسبق
فجاء أعرابي على قعود له فسبقه فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم حق على الله أن لا يرتفع شئ في الدنيا إلا وضعه
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة سرية إلى
الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فتحسس الأعراب أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم فانهزموا وأصاب المسلمون
عشرين بعيرا من نعمهم ورجعوا إلى المدينة
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا زيد بن حارثة إلى
العيص فأسر جماعة منهم أبو العاص بن الربيع فاستجار بزينب بنت
284

النبي صلى الله عليه وسلم فأجارته
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا أيضا إلى حسمي فرجع
مها بنعم وسبي
ثم تزوج عمر بن الخطاب جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح وهي أخت
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فولد له منها عاصم بن عمر فطلقها عمر
فتزوج بها بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم ابن عمر لأمه
ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى فدك في مائة رجل
إلى حي من بني سعد بن بكر
ثم كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل فعممه النبي
صلى الله عليه وسلم بيده وقال إن أطاعوا الله فتزوج ابنة ملكهم فأسلم
القوم فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وكان أبوها ملكهم
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف في
ثلاثة أنفس لينظر إلى خيبر وما عليها أهلها فمضى وجاؤا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالخبر
285

ثم أجدب الناس جدبا شديدا في أول شهر رمضان فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستسقي بهم فصلى ركعتين وجهر بالقراءة ثم استقبل
القبلة وحول رداءه
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة سرية إلى
أم قرفة فسبى سلمة بن الأكوع وزيد بن حارثة بنت مالك بن
حذيفة وجدها في بيت من بيوتهم وأمها أم قرفة وهي فاطمة بنت
ربيعة بن بدر
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى بني لحيان حتى بلغ
أمج وبين أمج وعسفان بلد لهم يقال له ساية فوجدهم قد حذروا
وتمنعوا في رؤس الجبال فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد
286

أخطأهم خرج في مائتي راكب من المسلمين وهو صائم وهم صوام حتى
بلغ عسفان وبلغ كراع الغميم فأفطر وأفطر المسلمون معه ثم رجع
ولم ير كيدا وجعل يقول في رجوعه آئبون تائبون عابدون ولربنا
حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد
الكور وسوء المظر في الأهل والمال والولد
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأقام أياما أغار
عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل من غطفان على
لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغبة وفيها رجل من بني غفار
وامرأة فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة واللقاح فخرج رسول اله صلى الله
عليه وسلم في أثرهم حتى بلغ ذا قرد واستخلف على المدينة ابن أم
مكتوم وتلاحق به الناس وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي
فرد يوما وليلة وصلى بهم صلاة الخوف ثم رجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم قافلا إلى المدينة وانقلب عيينة بمن معه وكانت سرح
المسلمين بالمدينة بذي قرد فقدم ثمانية نفر من عرينة فأسلموا فبعثهم
النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرح فشربوا من ألبانها وأبوالها فلما صحوا
287

قتلوا أراعي واستاقوا الإبل فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم
كرز بن جابر الفهري سرية في شوال في عشرين راكبا معهم
قائفا فأحدقوا بهم حتى أخذوهم وجاؤا بهم النبي صلى الله عليه وسلم
وكانوا قد ارتدوا وقطعوا أيدي الرعاة وأرجلهم وسملوا أعينهم كما
أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وطرحوا في الحرة يستسقون
فلا يسقون
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق وذلك
أنه بلغه أن بني المصطلق تجمعوا وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو
جويرية بنت الحارث فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية فديد إلى
الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من
قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وأموالهم
لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية
بنت الحارث في سهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على
نفسها وكانت امرأة حلوة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله
صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فقالت يا رسول الله أنا جويرية
بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف
288

عليك فوقعت في سهم لثابت بن قيس الشماس أو لابن عم له فكاتبته
على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي قال وهل لك في خير من ذلك
قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت
نعم يا رسول الله قال فعلت وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصهار
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم فلقد أعتق وأطلق
بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما كانت امرأة أعظم بركة
على قومها منها
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد المدينة وكانت عائشة
تحمل في هودج فنزلوا منزلا فمشت عائشة لحاجتها حتى جاوزت الجيش
فلما قضت شأنها أقبلت إلى رحلها فإذا عقد لها من جزع ظفارها قد أنقطع
فرجعت تلتمس عقدها وحبسها ابتغاؤه فأذن بالرحيل وأقبل الرهط الذين
كانوا يرحلونها فاحتملوا هودجها على بعيرها الذي كانت تركب عليه وهم
يحسبون أنها فيه وكانت النساء إذ ذاك خفافا وساروا فرجعت عائشة
289

بعد ما رحل الجيش فجاءت منازلهم فإذا ليس بها داع ولا مجيب فأمت
منزلها التي كانت فيه وعلمت أنهم سيفقدونها فبينا هي جالسة إذ غلبت عينها
غليها وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند
منزلها فرأى سواد إنسان نائم فعرفها حين رآها وكان رآها فبل أن ينزل
الحجاب فاستيقظت عائشة باسترجاعه حين عرفها فخمرت عائشة وجهها
بجلبابها وما كلمها حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فقامت إليه فأركبها
وانطلق يقود الراحلة حتى أتى الجيش فوجدهم موغرين في نحر الظهرة
فهلك فيها من هلك وكان الذي كبره عبد الله بن أبي بن سلول
فلما قدموا المدينة لبثت عائشة شهرا والناس يخوضون في قول أصحاب
الإفك وهي لا تشعر بشئ من ذلك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتيها فيسلم عليها ويقول كيف تيكم وينصرف وكان تراها ذلك من
290

رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت ذات ليلة مع أم مسطح قبل المناصع
وكانت متبرزهم قبل أن تتخذ الكنف فلما فرغتا من شأنهما عثرت
أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقالت لها عائشة بئس
ما تقولين تسبين رجلا من أهل بدر فقالت أي هنتاه ألم تسمعي ما
قال قالت عائشة لا فأخبرتها بقول أهل الإفك فازدادت مرضا
فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ائذن لي أن آتي إلى
أبوي أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبتاه ما ذا
يتحدث الناس قال يا بنتي هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة
قط عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها فبكت تلك الليلة حتى
أصبحت لا يرقأ له دمع ولا تكتحل بنوم فلما أصبح دعا رسول لله صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق
أهله فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من
براءة أهله وقال أهلك لا نعلم إلا خيرا وأما علي فقال يا رسول
291

الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت
من أهلي شيئا يريبك قالت بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها
شيئا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين
فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه واستعذر
من عبد الله بن أبي سلول وهو على المنبر فقال يا معشر المسلمين
من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على
أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما يدخل
على أهلي إلا معي فقال أسيد بن حضير يا رسول الله أنا أعذرك منه
فان كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج
أمرتنا ففعلنا أمرك وكاد أن يكون بين الأوس والخزرج قتال بهذه
292

الكلمة فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا
وبكت عائشة يومها ذلك كله فبين أبواها وهي تبكي
إذ استأذنت لها فجلست تبكي معها
ثم دخل رسول لله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ثم تشهد حين
جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فان كنت
بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه
فان العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه فلما قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مقالته قلص دمع حتى ما أحسست منها بقطرة وقالت
293

لأبيها أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال أبو بكر واله
ما أدري ما أقول فقالت لأمها أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما قال قالت والله ما أدري ما أقول فقالت عائشة إني والله
لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم وصدقتم فلو
قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني والله ما أجد لي ولكم مثلا ألا ما قال
أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت عائشة
واضطجعت على فراشه فما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج
أحد من البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من
الرحضاء حتى أنه ينحدر منه العرق مثل الجمان وهو في يوم شات من
ثقل القول الذي أنزل عليه فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لها يا عائشة أما والله
فقد برأك فقالت لها أمها قومي إليه فقالت لا والله ما أقوم
وإني لا أحمد إلا الله وأنزل الله ان الذين جاؤوا بالإفك عصبة
إلى تمام العشر الآيات فلما أنزل الله هذه الآيات قال أبو بكر وكان
294

ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على
مسطح شيئا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله ولا يأتل أولوا الفضل
منكم والسعة أن يؤتوا اولي القربى الآية فقال أبو بكر الصديق
يا رسول اله والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح بالنفقة
التي كان ينفق عليه وقال لا أنتزعها منه أبدا وقد قيل إن النبي
صلى الله عليه وسلم حد أصحاب الإفك الذين رموا عائشة فيما رواه
ثم كانت غزوة الحديبية
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألف وثمانمائة رجل
وسبعون بدنة فأحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من
295

ذي الحليفة والمستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وساق أبو بكر بدنا
وطلحة بدنا وسعد بن عبادة بدنا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
غدير عسفان ذات الأشطاط لقيه بسر بن سفيان الكعبي فقال
يا رسول الله هذه قريش سمعت بك وخرجت قد لبسوا جلود النمور
يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم
قد قدموها إلى كراع الغميم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا ويح قرش لقد أكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلوا بيني وبين
سائر العرب فان أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم
دخلوا في الإسلام وآووني ووالله آ أزال أجاهد على الذي بعثني الله
عليه حتى يظهرني الله ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري
الحمض على طريق يخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية فلما بلغ صلى الله
296

عليه وسلم ثنية المرار بركت ناقته فقالوا خلأت القصواء فقال ما
خلأت القصواء وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة
والله لا يدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم
إياها ثم قال للناس أنزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوادي ما ينزل
عليه الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه
رجا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش
بالرواء حتى ضرب الناس بعطن فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كقوله لشر بن سفيان فرجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر
قريش إنكم تعجلون على محمد إن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا
لهذا البيت فقالوا وإن جاء لذلك فلا والله لا يجلها علينا عنوة
ولا تتحدث بذلك العرب ثم بعثوا مكرز بن حفص بن الأحنف أحد
بني عامر بن لؤي فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كلمه رسول الله
صلى الله عليه وسلم لنحو ما كلم به أصحابه فرجع إلى قريش وأخبرهم
بذلك فبعثوا إليه الحليس بن عليقمة الكناني وهو يومئذ سيد الأحابيش
297

فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا من قوم يتألهون
فابعثوا الهدى في وجهه فلما رأى يسير عليه من عرض الوادي
في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس رجع إلى قريش فقال
يا معشر قريش قد رأبت ما لا يحل صد الهدي في قلائده قد أكل
أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس لا علم لك وبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة وحمله
على جمل يقال له الثعلب فلما دخل مكة أراج قريش قتله فمنعه الأحابيش
حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم عمر بن الخطاب ليبعث إلى مكة فقال يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس لي بها من بني عدي بن كعب أحد يمنعني
298

وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على
رجل أعز بها مني عثمان بن عفان فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعثه إلى قريش ليخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت
معظما لحرمته فخرج عثمان بن عفان حتى أتى مكة فلقيه أبان بن
سعيد بن العاص فنزل عن دابته وحمله بين يديه وأجاره حتى بلغ رسالة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش
فبلغهم عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان
إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به فقال عثمان ما كنت لأفعل
حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع عثمان
299

وبعث قريش سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي وقالوا ائت محمدا وصالحه ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فوالله
لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا فأتى سهيل بن عمرو فلما
رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال قد أراد القوم الصح حتى بعثوا
هذا الرجل فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال
الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب
وثب عمر فقال يا رسول الله ألست برسول الله أو لسنا بالمسلمين
أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فلم تعطي الدنية في ديننا قال
أنا عبد الله ورسوله ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن
أبي طالب فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
300

اكتب باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله وسهيل ابن عمرو فقال لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن
اكتب محمد بن عبد الله اسمك واسم أبيك فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم اكتب محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو فكتب محمد
ابن عبد الله هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على
وضع الحرب عشر سنين يأمن بهذا الناس ويكف بعضهم عن بعض
على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابهم بغير
إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع رسول الله
صلى الله وعليه وسلم لم يردوه وأنه لا أسلال ولا أغلال فلما فرغ
301

من الكتاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو
مضطرب في الحل قالم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها
الناس انحروا واحلقوا فما قام رجل من المسلمين فدخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فقال يا أم سلمة ما شأن الناس قالت له
يا رسول الله قد أحل بهم ما رأيت كأنهم كرهوا الصلح فاعمد
302

إلى هديك حيث كان وانحر واحلق فإنك لو فعلت ذلك فعلوا
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحجل حتى أتى هديه فنحرها
ثم جلس فحلق فقام الناس ينحرون ويحلقون فحلق رجال منهم وقصر
آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين قالوا
يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين قالوا ما بال المحلقين
يا رسول الله ذكرت لهم الترحم قال لأنهم لم يشكوا أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم البيعة على الناس تحت الشجرة هناك أن لا يفروا
فبايعه الناس كلهم غير الجد بن قيس اختبأ تحت إبط بعيره فذاك
قول الله عز وجل إذ يبايعونك تحت الشجرة وقال صلى الله عليه
وسلم لن يدخل النار أحد ضهد بدرا والحديبية
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بين مكة
والمدينة في وسط الطريق نزلت عليه سورة الفتح إنا فتحنا لك فتحا
إلى آخر السورة فما فتح في الإسلام فتح أعظم من نزول هذه السورة
ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكانت الهدنة
303

وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا واستفاضوا
ولا يكلم أحد بالإسلام يعقل عنه إلا دخل فيه حتى دخل فيه في تلك
السنة من المسلمين قريبا مما كان قبل ذلك وفي هذه العمرة أصاب
304

كعب بن عجرة أذى في رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يحلق ويذبح شاة ويصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل
مسكين مدين وأهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجل حمار وحش فرده وقال لم نرده ولكنا حرم
وفي هذه العمرة صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح
في إثر سماء في الحديبية فلما انصرف أقبل عليهم بوجهه فقال أتدرون
305

ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول أصبح من عبادي
مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك
مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك
كافر بي مؤمن بالكوكب
وفي هذه العمرة أصاب الناس عطش شديد فحبسوا فوضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فثار الماء مثل العيون
فتوضؤا منها ورووا
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة ذي قرد
خرج سلمة بن الأكوع ومعه غلام له يقال له رباح مع الإبل
306

فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقتل راعيها وجعل ينظر في أناس معه في خيل فقال
سلمة لرباح اركب هذا الفرس وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قد أغير على سرحه ثم قام سلمة على تل وجعل وجهه قبل المدينة
ثم نادى ثلاث مرات وكان صيتا يا صباحاه ثم أتبع القوم ومعه
سيفه ونبله فجعل يرميهم وذلك حين كثر الشجر فإذا كر عليه الفارس
جلس له في أصل شجرة ثم رماه ولا يظفر بفارس إلا عقر فرسه
فجعل يرمي يقول
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع وإذا كان كثر الشجر رشقهم بالنبل فإذا تضايقت
307

الشجرة علا الجبل ورماهم بالحجارة فما زال ذلك دأبه ودأبهم ويرتجز
حتى ما بقى من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلا استنقذه من أيديهم وخلفه
وراء ظهره ثم لم يزل يرميهم حتى طرحوا أكثر من ثلاثين بردة
يستخفون بها فكلما ألقوا شيئا جمع عليه سلمة فلما اشتد الضحى أتاهم
عيينة بن حصن بن بدر الفزاري ممدا لهم وهم في ثنية ضيقة في علوة
الجبل فقال لهم ما هذا الذي أرى قالوا لقد لقينا من هذا يعنون
سلمة ما فارقنا منذ سحر حتى الآن وأخذ كل شئ من أيدينا وخلفه
وراءه فقال عيينة لولا أن هذا يرى وراءه طلبا لقد ترككم فليقم
إليه نفر منكم فقام إليه نفر منهم أربعة وصعدوا في الجبل فقال لهم
سلمة أتعرفوني قال ومن أنت قال بن الأكوع والذي كرم
وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه
فيفوتني فبينا سلمة يخاطبهم إذ نظر فرأى أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم لحقوا يتخللون وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى
308

أثره أبو قتادة وعلى أثره المقداد الكندي فولى المشركون مدبرين فنزل
سلمة من الجبل وقال يا أخرم حذر القوم فأني لا آمن أن
يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال
يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار
حق فلا تحل بيني وبين الشهادة ثم أرخى عنان فرسه ولحق بعبد الرحمن
ابن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن واختلف بينهما طعنتان فقتله عبد الرحمن
وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فلحق أبو قتادة بعبد الرحمن
واختلف بينهما طعنتان فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة
على فرس الأخرم ثم خرج يعدو في أثر القوم حتى ما يرى
309

من غبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلم يقرب غيبوبة الشمس
وقرب المشركون من شعب فيه ماء يقال له ذو قرد فأرادوا أن
يشربوا منه فالتفوا فأبصروا سلمة وراءهم فعطفوا عن الماء وشدوا في الثنية
وغربت الشمس فلحق سلمة رجل منهم فرماه بسهم قال خذها
وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
قال يا ثكل أمياه أكوع بكرة قلت نعم أي عدو نفسه
وكان الذي رماه بكرة وأتبعه سهما آخر فأثبت فيه سهمين وخلفوا
فرسين فجاء بهما يسوقهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الماء الذي خلفهم عند ذي قرد وإذا بلال قد نحر جزورا مما خلفه بسهمه
وهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها فقال
سلمة يا رسول الله خلني فانتخب من أصحابك مائة رجل وأتبع الكفار
310

حتى لا يبقى منهم مخبر إلا قتلته قال أكنت فاعلا ذلك قال نعم
والذي أكرم وجهك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت
نواجذه فجاء رجل من غطفان فقال مر المشركون على فلان الغطفاني
فنحر لهم جزورا ثم حرجوا هربا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه
وسلم انصرف إلى المدينة وجعلي يقول خير فرساننا اليوم أبو قتادة
وخير رجالتنا سلمة فأعطى سلمة ذلك اليوم سهم الراجل والفارس جميعا
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه وراءه على العضباء
فلما كان بينهم وبين المدينة قريب وفي القوم رجل من الأنصار كان
لا يسبق فجعل ينادي هل من مسابق ألا رجل يسابق إلى المدينة
فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل قال إن
شئت قلت اذهب إليك فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت
عن الناقة ثم إني رطت عليه شرفا أو شرفين يعني استبقيت نفسي
ثم عدوت حتى لحقته فأصكه بين كتفيه بيدي وقلت سبقت والله
311

حتى قدمنا المدينة ثم توفيت أم رومان امرأة أبي بكر الصديق أم عبد الرحمن وعائشة في ذي الحجة
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الأول من كتاب الثقات
للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي التميمي رحمه الله تعالى يوم
السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 1393 ه‍ = 26 مايو
سنة 1973 م
وقد اعتنى بتصحيحه والتعليق عليه مصحح الدائرة الأخ الصالح الحافظ
السيد عزيز بيك كامل الحديث من الجامعة النظامية حفظه الله تعالى
وعنى بتنقيحه راقم هذه الخاتمة تحت مراقبة الأديب الأريب
صاحب الفضيلة الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير الدائرة وعميدها
أبقاه الله تعالى لخدمة العلم والدين ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى
وأوله السنة السابعة من الهجرة
وفي الختام ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به ويوفقنا لما يحبه
ويرضاه وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه
أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الفقير إلى رحمة الله الغني الحميد
السيد محمد حبيب الله القادري الرشيد
كامل الجامعة المظامية
صدر المصححين بدائرة المعارف العثمانية
312