الكتاب: الفصول في الأصول
المؤلف: الجصاص
الجزء: ١
الوفاة: ٣٧٠
المجموعة: أصول الفقه عند المذاهب السنية
تحقيق: دكتور عجيل جاسم النمشي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٥
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

أصول الفقه
المسمى ب‍
الفصول في الأصول
1

التراث الاسلامي
- 14 -
أصول الفقه
المسمي ب‍
الفصول في الأصول
للإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص
المتوفى سنة 370 ه‍
الجزء الأول
دراسة وتحقيق
للدكتور عجيل جاسم النمشي
الطبعة الأولى
سنة 1405 ه‍ - 1985 م
2

مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله. " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا
تموتن إلا وأنتم مسلمون " " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله
كان عليكم رقيبا " " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ".
وبعد فان التحقيق فن اسلامي أصيل، له قواعده وأصوله، وما علم الرواية والدراية في
الحديث، إلا هذا الفن التحقيقي الذي يفوق في دقته، ما نسبه المستشرقون لأنفسهم من
ريادة علم التحقيق، بل لا مجال للمقارنة البتة.
وعلم التحقيق في مصنفات التراث، ما هو الا قبس من ذلك الفن الاسلامي العريق.
وكم نحن اليوم في حاجة إلى بعث ذلك التراث، وتمحيصه، خصوصا التراث الذي بدأ
مع عهد التدوين بشكله الواسع في القرن الرابع الهجري، حيث اتسعت حركة التأليف
وتنوعت العلوم والفنون. وكثير من هذا التراث دفين لم يجد من يتفرغ لاخراجه وتحقيقه،
ولا شك أن هذا التراث محتاج إلى التحقيق والدراسة والتدقيق.
فقد كان اعتماد العلماء في نشر علمهم - في الجملة - رهين النساخ، فاتخذ كثير من
الناس مهنة النسخ حرفة لتسجيل العلم وتدوينه، فكان منهم النساخ العاديون، ومنهم
العلماء، ومنهم من يدرك فنا دون آخر، فوقع في جملة ذلك أخطاء وتصحيفات وتحريفات
وسقط عبارات لتكرار أخرى، مما أخرج كثيرا من العبارات عن مجراها ومقصدها، وحمل
المؤلف ما لا يتحمله، بل وصل الامر إلى الخطأ في نسبة المؤلفات لأصحابها لتشابه
المصنفات، وأسماء المؤلفين.
إلا أن حركة التدوين عن طريق النسخ سلمت من الإضافات والتحريفات الشنيعة،
والترف بالعبارات التصرف المقصود، فلم يكن ذلك من دأب ولا صنيع النساخ، فان
خوف الله ورقابته أضفت على النفوس سالمة ونبل مقصد.
3

كل هذا عل تحميص التراث اليوم لتحقيقه ضرورة علمية، لا تقل أهمية، بل تزيد
على كتابه كثير من المصنفات - في الجملة - كم من مصنفات في هذا العصر أفنى أصحابها
أعمارهم في تصنيفها، وهي في التراث مركونة بأوسع وأشمل وأدق مما صنوفه. وتراثنا هو
الأصل فالاهتمام به أولى.
ويعد كتاب أصول الفقه للجصاص أو " الفصول " من كنوز هذا التراث الضخم وهو
من أوائل كتب أصول الفقه، فمؤلفه من علماء القرن الرابع الهجري فهو متوفى سنة سبعين
وثلاثمائة، بل يكاد يكون أول كتاب في أصول فقه الأحناف يصل إلينا في شكل كتاب
متكامل منسق مترابط وقد احتل هذا الكتاب مكانة عالية بين كتب الأصول القديمة، فلم
يخل كتاب من النقل عنه، وكتب الحنفية - على الخصوص - مشحونة بذكره، وقد اعتمد
عليه جل من أتى بعده. فكان لابد - والحال هذه - أن يخرج هذا الكتاب ليتبوأ مكانته بين
كتب التراث.
ولعلنا بإخراج وتحقيق ودراسة هذا الكتاب نقدم عملا وجهدا نسأل الله تعالى ان يفيد به
مكتبتنا الاسلامية ويلبي رغبة علمية طالما راودت أذهان الباحثين، وأن يجعل ذلك خالصا
لوجهه الكريم.
د. عجيل جاسم النمشي
4

تمهيد
أ - الامام " الجصاص ": اسمه وكنيته ولقبه.
ب - سنة ولادته ووفاته.
ج - مكان ولادته ونبذة عن بلاد " الري ".
د - صفاته.
ه‍ - رحلاته.
و - مكانته العلمية. ز - طبقته عند الحنفية.
ح - شروحه وكتبه على وجه العموم.
ط - كتابه " أصول الفقه " على وجه الخصوص.
ك - نقص المخطوطة.
5

الامام الجصاص
أ - اسمه وكنيته ولقبه
هو: أحمد بن علي الرازي.
وكنيته: أبو بكر، ولقبه: الجصاص.
فهو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص.
برد ذكره في كتب الحنفية بلفظ: الجصاص، والرازي الجصاص، وأبو بكر الرازي،
وأبو بكر الرازي الجصاص، وأبو بكر الرازي الحنفي، وأحمد بن علي. (1)
أما الحاجي خليفة (2)، فقد ذكر اسمه باختلاف واضحة.
فعند ذكر أحكام القرآن، قال: انه لمحمد بن أحمد بن علي المعروف بالجصاص
الرازي، المتوفي سنة سبعين وثلاثمائة.
وعند ذكر أصول الفقه، قال: للامام أبي بكر أحمد بن علي المعروف بالجصاص
المتوفي سنة سبعين وثلاثمائة.
وعند ذكر شراح أدب القضاء للخصاف، قال: أبو بكر أحمد بن علي الجصاص
المتوفي سنة سبعين وثلاثمائة. (3)
وعند ذكر شروح الجامع الصغير قال: وشرح أبي بكر أحمد بن علي المعروف
بالجصاص الرازي، المتوفي سنة سبعين وثلاثمائة. (4)
وكذلك قال عند شروح الجامع الكبير. (5)
7

وعند ذكر شراح مختصر الكرخي قال: والامام أبو بكر محمد بن علي المعروف
بالجصاص الحنفي، المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة. (1)
فانظر إلى هذه الاختلافات، يسميه تارة: أحمد بن علي، وتارة محمد بن علي، وتارة
محمد بن أحمد، والصواب الأول. (2)
وممن أخطأ بذكر اسم الجصاص صاحب هدية العارفين حين قال: الجصاص: أحمد
ابن علي بن بكر محمد البغدادي المعروف بالجصاص الرازي الحنفي (3)، ولم أجد من
وافقه على هذا من كتب تراجم الحنفية ولا غيرهم.
والذي أوقع الخلاف في اسم الجصاص انه ورد في بعض كتب الحنفية قولهم: وهو
قول أبي بكر الرازي والجصاص، بالواو.
قال القرشي (4): ان شخصا نازعني غير مرة، وذكر أن الجصاص غير أبي بكر الرازي،
وذكر انه رأى في بعض كتب الأصحاب: " وهو قول أبي بكر الرازي والجصاص " بالواو،
فهذا مستنده وهو غلط من الكاتب أو منه أو من المصنف، والصواب ما ذكرناه. (5)
أما بالنسبة لوالده أو أولاده - إن كان له أولاد - فأن المراجع كلها دون استثناء لم تشر من
قريب أو من بعيد لذلك.
واما لفظ " الجصاص ": بفتح الجيم وتشديد الصاد المهملة في آخره صاد أخرى،
فنسبة إلى العمل بالجص.
8

يقال: جصص الجص والجص: معروف. الذي يطلى به، وهو معرب، ويقال انها
معربة عن كج.
وقال بعض اللغويين هو الجص، ولم يقل: الجص، وليس الجص بغربي، وهو من
كلام العجم، ولغة أهل الحجاز في الجص: القص، ورجل جصاص: صانع للجص،
والجصاصة: الموضع الذي يعمل به الجص، وجصص الحائط وغيره: طلاه بالجص،
ومكان جصاجص: ابيض مستو، وجصص الجرو، وفقح: إذا فتح عينيه، وجصص
العنقود هم بالخروج، وجصص على القوم حمل، وجصص عليه بالسيف: حمل أيضا،
وجصص فلان إناءه إذا ملأه وقد قيل بالضاد، لان الصاد والضاد في هذا لغتان (1) فيقال:
جضض عليه بالسيف حمل وجضضت عليه بالسيف: حملت عليه، ويقال: جضض عليه
حمل، ولم يخص سيفا ولا غيره، وابن الأعرابي، جض: إذا مشى الجيضي وهي مشية فيها
تبختر (2).
وقد عثرنا على خمسة من العلماء ممن يتفقون مع الإمام أحمد بن علي الرازي بلقب
الجصاص: وأحدهم يلقب " بابن الجصاص ".
1 - الحسين بن عبد الله بن يزيد الأزرق القطان، الرقي، المالكي المعروف
بالجصاص.
وهو محدث رجال، ومصنف، سمع بدمشق من هشام بن عمار وإبراهيم بن هشام بن
يحيى والوليد بن عتبة وغيرهم توفي سنة عشر وثلاثمائة. (3)
2 - طاهر بن حسن بن إبراهيم الهمذاني الجصاص، أبو محمد، صوفي، توفي بهمذان،
ودفن بها، ومن مصنفاته العديدة: أحكام المريدين. (4)
3 - الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص، وبعض التراجم ذكرته باسم: أبو علي بن
أبي عبد الله بن الجصاص.
9

وكتب التاريخ والتراجم ذكرته في حوادث سنة اثنتين وثلاثمائة وفيها قبض عليه وعلى
ابنيه واستصفى كل شئ له ثم حبس وقيد. (1)
4 - يعقوب بن أحمد بن عبد الرحمن أبو يوسف الدعاء الجصاص، حديث عن حفص بن
عمر والربالي وعلي بن عمر والأنصاري وأبي يحيى محمد بن سعيد العطار وغيرهم، وهو
محدث ليس بالمرضي، في حديثه وهو كثير. توفي سنة 331 ه‍. (2)
5 - الحسن بن منصور الجصاص:
ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن الإمام أحمد بن حنبل، فقال أخبرني أبو محمد الصائغ،
حدثنا يعقوب بن العباس الهاشمي قال: سمعت الحسن بن منصور الجصاص يقول: قلت
لأحمد بن حنبل: إلى متى يكتب الرجل؟ قال: حتى يموت. (3)
ب - سنة ولادته ووفاته
تجمع المصادر على أن الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص ولد سنة خمس
وثلاثمائة، وكانت وفاته في يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة، عن خمس
وستين سنة، وصلى عليه تلميذه أبو بكر الخوارزمي صاحبه. (4)
10

ح‍ - مكان ولادته ونبذة عن بلاد الري
مكان ولادته: ولد الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص في مدينة الري والتي
ينسب لها بالرازي، وقد كان لهذه المدينة أثر بليغ في تكوين الامام الجصاص وقد مكث فيها
حتى سن العشرين حيث رحل عنها إلى بغداد كما سنذكره في رحلاته.
الري: بفتح أوله وتشديد ثانيه، فإن كان عربيا، فأصله من رويت على الراوية
أروي ريا فأنا راو، وإذا شددت عليها، الرواء.
وحكى الجوهري: رويت من الماء بالكسر أروي ريا، وروى مثل رضى. وهي مدينة
مشهورة من أمهات البلاد، وأعلام المدن، كثيرة الفواكه والخيرات.
وحكى الإصطخري (1): انها كانت أكبر من أصبهان وقال: والري مدينة ليس بعد
بغداد في المشرق أعمر منها، وان كانت نيسابور أكبر مساحة وأما اشتباك التناء واليسار
والخصب والعما فهي أعمر. وتختلف المصادر في سنة فتحها: فيقال إن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه كتب إلى عامله على الكوفة، أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي (2) إلى
الري في ثمانية آلاف ففعل فسار عروة لذلك، فجمعت الديلم وأمدوا أهل الري، وقاتلوه،
فأظهره الله عليهم، فقتلهم، واستباحهم، وذلك سنة 20 ه‍ وقيل 19 ه‍. (3)
11

وقد كانت الري بلدا مشحونا بالقلاقل والحركات وأهم ما حدث فيها:
انه في العهد الديلمي احتل يوسف بن الساج مدينة الري عام أربع وثلاثمائة،
وغزاها السلاجقة سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسقطت في أيديهم سنة أربع وثلاثين
وأربعمائة. (1)
وقد ذكر المقدسي (2) كثيرا من الفتن في السنوات 391، 395، 396 ه‍ وذكر ابن
الأثير (3) في حوادث سنة اثنين وثمانين وخمسمائة الخراب الذي حدث بها بسبب غزو المغول
للري سنة سبع عشرة وستمائة. (4)
وينسب إلى الري بالرازي على غير قياس، وقيل إنهم أضافوا الزاي إلى النسبة كما
أضافوها في النسبة إلى مرو فقالوا: مروزي، ولكن الخوانساري (5) نقل ما يدل - لو صح -
على أن النسبة إليها جارية على القياس، حيث قال: وجد بخط الامام فخر الدين
الرازي: (6) أن " الراز والري " كانا أخوين قد بنيا هذه المدينة، فلما تمت أراد كل منهما أن
تكون المدينة باسم نفسه وتنازعا في ذلك، فجلس الحكماء والعقلاء وتشاوروا فيه،
فاجتمعت آراؤهم على أن يكون الاسم لواحد منهما، والنسبة للاخر، فصار الري اسما
للبلدة، وقيل في المنتسب إليها الرازي. (7)
ويشترك مع الإمام الرازي الجصاص كثير من مشاهير العلماء ممن ينسبون للري
ولا يتميزون عن بعضهم إلا باللقب أو الكنية أو بأهم ما أثر عنهم فيما إذا اتحدوا من جميع
الجهات.
12

د - صفاته
تجمع المصادر التاريخية التي ذكرت الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص بأنه كان
على درجة عالية من التقوى والورع والزهد، وكانت حاله تزيد على حال الرهبان من كثرة
التقشف، وهذا مشهور بين أصحابه وتلامذته.
ومما يدل على ذلك عزوفه عن تولي منصب قضاء القضاة، وهو منصب يتسابق إليه
العلماء في ذلك العصر.
قال القاضي أبو عبد الله الصيمري (1) في ذكر بن علي الرازي الجصاص: خوطب
على قضاء القضاء مرتين، فامتنع - وفي بعض المراجع أن الخليفة المطيع (2) طلبه لذلك -
حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدثني أبو بكر محمد بن صالح
الأبهري، قال خاطبني المطيع على قضاء القضاة، وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبي
عمرو الشرواني، فأبيت عليه، وأشرت بأبي بكر أحمد بن علي الرازي، فأحضر للخطاب
على ذلك، وسألني أبو الحسن بن أبي عمرو معونته عليه، فخوطب فامتنع، وخلوت به،
ورفقت، فقال لي: تشير علي بذلك؟ فقلت لا أرى لك ذلك، ثم قمنا إلى بين يدي أبي
الحسن بن أبو عمرو، وأعاد خطابه، فعدت إلى معونته فقال لي: أليس قد شاورتك
فأشرت إلي أن لا أفعل، فوجم أبو الحسن بن أبي عمرو من ذلك، وقال: تشير علينا
بانسان، ثم تشير عليه أن لا يفعل، قلت: نعم إمامي في ذلك أنس بن مالك بن أنس،
أشار على أهل المدينة أن يقدموا نافعا القارئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأشار على نافع
أن لا يفعل، فقيل له في ذلك، فقال أشرت عليكم بنافع، لأني لا أعرف مثله، وأشرت إليه
أن لا يفعل، لأنه أسلم لدينه. (3)
13

وموقف الجصاص هذا يدل على بعده عن الشبه وعزوفه عن الدنيا فإن مثل هذه
المناصب كانت في هذا القرن موضعا كثير الشبه لتأثير السلطان وكثرة الحساد، وقد كانت
هذه طريقة شيخه أبو الحسن الكرخي فقد كان لا يقبل القضاء لهذه الأسباب ورعا
وزهدا، وكان الامام الكرخي يعنف من يتقلد هذا المنصب من تلاميذه، بل كان يهجره،
وحدث ذلك مع تلميذه أبي القاسم علي بن محمد التنوخي حينما تولى القضاء فهجره
الكرخي وقطع مكاتبته، وكان يدخل إلى بغداد - فيما بعد - فلا يمكنه الدخول عليه، فإذا
سئل الكرخي عن سببه قال: كان معاشرا لنا على الفقر والفاقة وبلغني أنه ينفق على مائدته
في كل يوم دينارين. (1)
ه‍ - رحلاته
كان الإمام أحمد بن علي الرازي، كغيره من علماء عصره يعتمدون في التلقي على
الرحلة، وقد استفاد الجصاص وأفاد من هذه الرجلات ممن شاهدهم من مشايخ تلك
الأقطار. وكان أول خروجه من الري سنة خمس وعشرين وثلاثمائة أي لما بلغ سن العشرين
فغادرها إلى بغداد حيث التقى في هذه السنة بالامام الشيخ أبي الحسن الكرخي ثم غادرها
إلى الأهواز وكان السبب في خروجه ما أصاب بغداد من الغلاء، ثم عاد إلى بغداد لما زال
الغلاء، ثم خرج إلى نيسابور مع الحاكم النيسابوري وكان خروجه برأي ومشورة شيخه
الكرخي، فلما مات شيخه الكرخي سنة أربعين وثلاثمائة عاد الجصاص في سنة أربع
وأربعين وثلاثمائة، فأخذ مجلس شيخه، وكان أبو علي الشاشي يشغل هذا المكان بعد
الكرخي بسبب غياب الجصاص وفي بغداد درس في سويقة غالب، ودرس في درب المقبر،
ثم انتقل في سنة ستين إلى درب عبده أبو سعيد البرذعي (2).
14

و - مكانته العلمية
لقد حاز الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص، مكانة علمية سامقة بين علماء الأمة
عموما، وعلماء الحنفية خصوصا.
ويقسم الحنفية علماء عم إلى سلف وخلف ومتأخرين. والجصاص عدوه من الخلف،
فالسلف عندهم من زمان أب ي حنيفة إلى زمان محمد بن الحسن (1)، والخلف من محمد بن
الحسن إلى زمان شمس الأئمة الحلوائي (2)، والمتأخرون من شمس الأئمة الحلوائي إلى
زمان حافظ الدين البخاري (3).
وبعضهم يضيف المتقدمين ويعنون بهم من زمان الصحابة والتابعين إلى زمان محمد بن
الحسن والتقسيم الأول أرضى عندنا من الثاني.
وتدلنا الألقاب التي وصف بها العلماء الامام الجصاص على مكانته العالية.
فقد وصف في كتائب اعلام الأخيار بأنه: إمام أصحاب أبي حنيفة في عصره واستقر
التدريس له ببغداد، وانتهت إليه الرحلة (4)
وفي سير أعلام النبلاء: أبو بكر الرازي، الامام العلامة المفتى المجتهد، عالم
العراق، الحنفي، صاحب التصانيف (5)
وفي سلم الوصول: وكان فقيها علامة، انتهت إليه رياسة المذهب ببغداد ورحل إليه
المتفقهة (6)
15

وفي شرح مختصر الطحاوي: الامام الذي لا يشق له غبار في علوم الاسلام كتاب لم
يصنف مثله قط إلى يومنا هذا، فليس الخبر كالمعاينة، ولن يصنف مثله إلى يوم القيامة،
فمن فاته فقد فاته جل مطلب، ومن ناله فقد نال جل المأرب، الا أن من أنشأه نحرير، عالم
فذ حاز في التبيان أقصى المراتب أبو بكر الرازي، إمامنا إمام الهدى، شيخ التقى، ذو
المناقب (1). وفي الجواهر المضيئة: استقر التدريس ببغداد لأبي بكر الرازي وانتهت إليه
الرحلة (2).
وفي تراجم الرجال: لم يكن قبله ولا بعده في الفقهاء مثله ورعا وتصنيفا وزهدا (3)
وفي النجوم الزاهرة: كان إمام الحنفية في زمانه (4).
وفي تاريخ بغداد: إمام أصحاب الرأي في وقته (5).
وفي الفوائد التهية: الامام الكبير الشأن، سكن بغداد وعنه أخذ فقهاؤها وإليه
انتهت رياسة الأصحاب (6).
وفي البداية والنهاية. انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته ورحل إليه الطلبة من
الآفاق (7)
وفي العبر في خبر من غبر: شيخ الحنفية، انتهت إليه رياسة المذهب. (8)
وفي طبقات الفقهاء: إليه انتهت رياسة العلم لأصحاب أبي حنيفة ببغداد وعنه أخذ
فقهاؤها (9). وفي بدائع الصنائع: حجة الاسلام الجصاص. (10)
16

وقد توجت هذه المكانة الجصاص على كرسي شيخه شيخ الحنفية الامام أبي الحسن
الكرخي المتوفى عام أربعين وثلاثمائة وقد كان الجصاص في هذه الفترة في نيسابور مع الحاكم
النيسابوري واستلم كرسي شيخه دون منازع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة بعد عودته من
نيسابور، فلا يضيره أن يكون التدريس في بغداد للإمام أحمد بن محمد أبي علي الشاشي (1)
وأن تكون الفتوى للإمام أبي بكر أحمد بن محمد الدامغاني (2) حين فلج أبو الحسن الكرخي،
فلما عاد الامام الجصاص إلى بغداد أخذ كرسي شيخه في التدريس والفتوى (3)
ز - طبقته عند الحنفية
قسم الحنفية طبقات علمائهم إلى سبع طبقات:
الطبقة الأولى:
طبقة المجتهدين في الشرع، كالأئمة الأربعة، ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد
الأصول، واستنباط أحكام الفروع عن الأدلة الأربعة، الكتاب والسنة والاجماع والقياس،
على حسب تلك القواعد من غير تقليد لاحد لا في الفروع ولا في الأصول.
الطبقة الثانية:
طبقة المجتهدين في المذهب كأبي يوسف، ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة - رحمة الله
عليهم - القادرين على استخراج الاحكام عن الأدلة المذكورة، على مقتضى القواعد التي
قررها أستاذهم أبو حنيفة - رحمه الله - فإنهم وان خالفوه في بعض الأحكام في الفروع،
17

لكنهم يقلدونه في الأصول، وبه يمتازون عن العارفين في المذهب ويفارقونهم كالشافعي -
رحمه الله - ونظرائه المخالفين لأبي حنيفة - رحمه الله - في الاحكام غير مقلدين له في
الأصول.
الطبقة الثالثة:
طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب كالخصاف (1) وأبي جعفر
الطحاوي (2) وأبي الحسن الكرخي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة
السرخسي (3)، وقمر الاسلام البزدوي (4) وفخر الدين قاضيخان (5) وأمثالهم فإنهم لا
يقدرون على المخالفة للشيخ لا في الأصول ولا في الفروع، لكنهم يستنبطون الاحكام في
مسألة لا نص فيها على حسب أصول قررها، ومقضي قواعد بسطها.
18

الطبقة الرابعة:
طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي - أحمد بن علي الرازي الجصاص -
وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلا ولكنهم لإحاطتهم بالأصول، وضبطهم
المأخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين، حكم مبهم محتمل لامرين منقول
عن صاحب المذهب، أو عن أحد من أصحابه المجتهدين برأيهم ونظرهم في الأصول
والمقايسة على أمثاله ونظرائه.
الطبقة الخامسة:
طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين كأبي الحسن القدوري (1) وصاحب الهداية، وأمثالهم،
وشأنهم ترجيح تعض الروايات على بعض، بقولهم: هذا أوفق للقياس، وهذا أرفق
للناس.
الطبقة السادسة:
طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوى والضعيف، وظاهر الرواية،
كأصحاب المتون المعتبة من المتأخرين (2) وشأنهم ان لا تنقل في كتبهم الا قولا المردودة
والرواية الضعيفة.

(1) أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الحسين البغدادي القدوري بالضم، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق وصنف
المختصر المشهور توفي سنة 428 ه‍. الفوائد البهية 30 وكتائب أعلام الأخيار ورقة 116 مخطوط دار الكتب
رقم 84 تاريخ، وطبقات الزيلة لي ولرقة 7 مخطوط دار الكتب رقم 166 تاريخ.
(2) يقصد الحنفية بالمتون المعتبرة للمتأخرين الكتب الأربعة وهي المختار والكنز والوقاية ومجمع البحرين، ومنهم
من يعتمد على ثلاثة: الوقاية والكنز ومختصر القدوري. ويقول الحنفية: ما في المتون مقدم على ما في الشروح،
وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى إلا إذا وجد ما يدل علي الفتوى في الشروح والفتاوى فحينئذ يقدم ما فيهما
على ما في المتون، لان التصحيح الصريحي أولى من التصحيح الالتزامي.
ولم يريدوا بالمتون كل المتون بل المتون التي مصنفوها مميزون بين الراجح والمرجوح، والمقبول والمردود،
والقوي والضعيف. فلا يوردون في متونهم إلا الراجح والمقبول، والقوي، وأصحاب هذه المتون الأربعة
السابقة كذلك، هذا في عرف المتأخرين.
وأما في عرف المتقدمين قبل أزمنة المصنفين المذكورين، فحيث قالوا: ما في المتون مقدم أرادوا به متون
كبار مشايخ الحنفية وأجلة فقهائهم، كتصانيف الطحاوي والكرخي والجصاص والخصاف والحاكم وغيرهم،
فتنبه لهذا الفرق بين المتون وراجع تعليق السيد بدر الدين أبو فراس النعساني في هامش الفوائد البهيمة 106 -
107.
19

الطبقة السابقة:
طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر ولا يفرقون بين الغث والمسمين ولا يميزون
الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يحدثون، كحاطب ليل. (1)
20

والذي نرجحه ان الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص أرفع منزلة من طبقة أصحاب
التخريج من المقلدين، الذين لا يقدرون على الاجتهاد أصلا، ولكنهم لإحاطتهم
بالأصول وضبطهم المأخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين وحكم مبهم
محتمل لامرين، منقول عن صاحب المذهب، أو عن أحمد من أصحابه المجتهدين، برأيهم
ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظرائه من الفروع.
وأدنى نظرة إلى مؤلفاته في الفقه أو التفسير أو الأصول - كما سنوضحه في الكلام على
كتبه - تدحض هذا الظلم في تصنيفه في الطبقة الرابعة، بل هو من طبقة من صنفهم في
الطبقة الثالثة من المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب.
وفي هامش الفوائد البهية انتصار لظلم الجصاص وجعله في هذه الطبقة حين قال:
وتعصب بعض الفضلاء بأنه ظلم في حقه، وتنزيل له عن محله، ومن تتبع تصانيفه والأقوال
المنقولة عنه، علم أن الذين عدهم من المجتهدين كشمس الأئمة وغيره كلهم عالة عليه،
فهو أحق بأن يجعل من المجتهدين في المذهب (1).
ح - شروحه وكتبه على وجه العموم
اشتملت مؤلفات الامام الجصاص على كتب وشروح لمختصرات المذهب الحنفي.
ويعتبر شرح المختصرات خاصة فنا عميق الغور، صعب المنال، متشعب الطرقات،
لا يسلكه إلا من علم المذهب، وخفاياه، ودقائقه، واستطاع معرفة أصول مسائله وفروعه.
وعلى الشرح يكون مراد المذهب في المسائل المتنوعة.
واستطاع الامام الجصاص أن يقدم للمذهب الحنفي شروحا مستفيضة كانت المرجع
المعتمد في حل معضلات مسائل الفقه وأصوله، والناظر لشروحه يلمس عمق الفهم، وحدة
الذكاء، وبعد الغور، مما سيتضح عند بيان طريقته في الشروح.
وشملت شروحه أهم مؤلفات أصحاب أبي حنيفة النعمان الأوائل ومن بعدهم،
21

أمثال الإمام محمد بن الحسن الشيباني، وأبي جعفر الطحاوي والخصاف، والكرخي.
ولقد اعتمدنا على استقصاء كتبه وشروحه، وبحث الموجود منها والمفقود على
المخطوطات - بالدرجة الأولى - وعلى الخصوص مخطوطات دار الكتب المصرية، والمكتبة
السليمانية في استانبول، والظاهرية بدمشق، بالإضافة إلى الكتب المطبوعة.
ويمكننا حصر الشروح والكتب التي ذكرتها كتب التراجم والسير منسوبة للامام
الجصاص في اثني عشر شرحا وكتابا، وهي:
1 - شرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني.
2 - شرح الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني.
3 - شرح المناسك لمحمد بن الحسن الشيباني.
4 - شرح مختصر الفقه للطحاوي.
5 - شرح آثار الطحاوي.
6 - مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي.
7 - شرح أدب القاضي للخصاف.
8 - شرح مختصر الكرخي.
9 - شرح الأسماء الحسنى.
10 - جوابات المسائل.
11 - أحكام القرآن.
12 - أصول الفقه. (1)
22

ط - كتاب " أصول الفقه " (1) على وجه الخصوص
وقت تأليف الجصاص " لأصول الفقه "
نرجح أن كتاب " أصول الفقه " للجصاص، والذي يسمى أيضا " الفصول "، (2)
هو آخر ما كتبه قبل " أحكام القرآن "، بل نستطيع ان نعتبرهما كتابا واحدا، لان الجصاص
اعتبر " أصول الفقه " مقدمة " لاحكام القرآن "، ومعنى هذا أنه لا يستغنى عنه منفصلا عن
" أصول الفقه " فهما - ولو في الحكم - كتاب واحد، وقد أشار الجصاص لكون أصول الفقه
مقدمة لاحكام القران، في مقدمته لاحكام القران، فقال: " قد قدمنا لهذا الكتاب بمقدمة،
تشتمل على ذكر جمل مما لا يسع جهله من أصول التوحيد، وتوطئة لما يحتاج إليه من معرفة
طرق استنباط معاني القرآن... " إلى أن قال: "... والآن حتى انتهى بنا القول إلى
ذكر أحكام القرآن ودلائله ". (3)
ومما يؤيد ترجيحا ان " أصول الفقه وأحكام القرآن " آخر كتبه:
أ - ان الجصاص يشير كثيرا في أصول الفقه لمسائل فقهية فيمر عليها مرورا خفيفا،
ويحيل في التفصيل على شروحه.
ب - ان المسائل الأصولية التي تعرض للجصاص في " أحكام القرآن " يحيل في
تفصيلها على أصول الفقه، وفي نفس الوقت ما يعرض له من مسائل أصولية أو فقهية
أو تفسيرية في شروحه ومختصراته لا يحيل فيها على أصول الفقه أو " أحكام القرآن " فثبت بما
قلنا الإحالة منهما على غيرهما لا العكس. فتم المراد.
ثم اننا نرجح ان سنة تأليف الكتاب بعد وفاة شيخه الكرخي، أي بعد سنة أربعين
وثلاثمائة، وذلك من إشاراته المتكررة التي يذكر فيها رأي شيخه، فيقول: وقد كان شيخنا -
رحمه الله - يقول.. والترحم عليه وان كان يرد في إحدى النسخ ولا يرد في الأخرى فان
احتمال زيادته من النساخ وارد، الا ان التعبير نفسه ب‍ " قد كان شيخنا " يرجح احتمال كونه
23

بعد وفاة شيخه بتحقيقه في الزمن الماضي استفادة من " قد " و " كان "، وإلا فإن الأليق
والمناسب للعبارة - لو كان في حياة شيخه - أن يقول: ورأي شيخنا كذا.. أو يقول شيخنا
كذا.
ويؤيد هذا الترجيح عبارات أخرى وردت في أصول الفقه كقول الجصاص: والذي
أحفظه عن شيخنا - أو - والذي حصلناه عن شيخنا - أو - والذي سمعته من شيخنا
الخ.
وعليه، فإن تأليفه جاء آخر مؤلفات الامام الجصاص، بعد أن توجه على كرسي
الحنفية بعد شيخه، وبعد ان قارب على انهاء رحلة عمره العلمية، سنة سبعين وثلاثمائة،
فجاء كتابه " أصول الفقه " خلاصة مرانه وتجاربه العلمية ورحلاته وتأليفه للشروح
والمختصرات، فكان درة في مفرق أصول فقه الحنفية، بما لم يسبق بمثله، فلما طبقة على
" أحكام القرآن " صار جوهرة على رأس أصول فقه الحنفية، يقصده العلماء والطلاب.
مصادر الكتاب التي منها استمد الجصاص مادته
يمكننا حصر مصادر كتاب أصول الفقه للجصاص بالأمور التالية:
أ - شيوخه.
ب - كتبه.
ج - الكتب الأصولية الموجودة في عصره.
أ - شيوخه:
لقد كان لرحلات الجصاص العلمية، وتنقله بين الأهواز ونيسابور والري وبغداد
الجانب الأهم في مصادر ثقافته الأولية، ومن ثم في مصادر كتابه أصول الفقه، فقد التقى
بعلماء يختلفون مشربا وثقافة، فأخذ عن الكرخي الفقه والأصول، وعن عبد الباقي بن قانع،
والطبراني ودعلج، وأبي العباس الأصم، والحاكم النيسابوري وغيرهم الحديث، وأخذ
عن أبي سهل الزجاجي، وأبي علي الفارسي، ومحمد غلام ثعلب اللغة.
ويتضح ذلك جليا فيما ضمنه " أصول الفقه " فإنه ينقل عن هؤلاء كل في فنه مستشهدا بأقوالهم، ومدافعا عنها بأدلته أحيانا ومعارضا لها أحيانا أخرى. ويضاف لعنصر
الاخذ عن الشيوخ، ملكته الواسعة وأفقه البعيد مما جعله يحمل علم كل من رآه من الشيوخ
على اختلاف علومهم وثقافتهم.
24

كان لمؤلفات الجصاص من شروح ومختصرات وكتب أثر في إبراز معالم كتابه هذا،
فقد أكتسبه هذه المؤلفات ثروة فقهية، ودراية واسعة بدقائق فروع الفقه الحنفي، مما ساعده
كثيرا على تأصيل المذهب في كل مسألة يذكرها مستطرا في الفروع والنظائر محيلا على كتبه
لمن أراد الزيادة، وهذه الثروة الفقهية في الفروع تتطلبها أصول الحنفية، كما سنبين ذلك.
ج - الكتب الأصولية وغيره الموجودة في عصره:
لقد كان للمؤلفات الأصولية وغيرها الموجودة في عصره عموما ومؤلفات أصحابه
خصوصا أثر بليغ في تكوين كتابه.
فإنه ينقل عن كتاب محمد بن الحسن الشيباني " الجامع الكبير " (1) بعض
الوقفات الأصولية، وقد تأثر الجصاص بهذا الكتاب فشرحه على الجامع الكبير:
وكنت أقرأ بعض مسائل من الجامع الكبير على بعض المبرزين في النحو (يعني أبا علي
الفارسي) فكان يتعجب من تغلغل واضح هذا الكتاب في النحو. (2)
وقد نقل عنه في الجانب الأصولي مطلبا في باب الكلام الخارج عن سبب، مستشهدا
بكلام أبي الحسن الشيباني في أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويشير إلى كتاب شيخه عبد الباقي بن قانع في الطبقات، فيقول: " وحدثنا بذلك
عبد الباقي بن قانع في كتاب المشهور الذي ألفه في الطبقات ".
وينقل عن محمد بن شجاع الثلجي فيقول: وقد كان محمد بن شجاع يذهب هذا
المذهب أيضا، وقد ذكره في بعض كتبه.
وينقل عن أبي عبيد في كتابه " غريب الحديث ". فيقول: قال أبو عبيد في غريب
الحديث. (3)
وأكثر من تأثر به ونقل عنه في الجوانب الأصولية بعد شيخه الكرخي عيسى بن أبان،
فيبدو أنه اطلع على كتبه وأخذ منها بعض الجوانب الأصولية، فانظره يقول: " وقد ذكر
أبو موسى عيسى بن ابان هذا المعني في كتابه في الرد على بشر المريسي والشافعي في

(1) ذكره طاش كبرى زادة في مفتاح السعادة 2 / 262.
(2) راجع بلوغ الأماني لمحمد زاهد الكوثري 63 على ما في رسالة السرخسي وأثره في أصول الفقه للدكتور العبد
(3) ذكره ابن النديم في الفهرست 106 / وذكر مؤلفه في غريب الحديث 129.
25

الاخبار (1)، وينقل عنه في موضع آخر فيقول: " وقال عيسى في الحجج الصغير ". (2) وقال
في موضع آخر: وقال عيسى في الحجج الكبير. (3) وينقل في موضع آخر فيقول: " وقد رأيت
هذا المعنى لعيسى بن ابان أيضا ".
وينقل عن عثمان البتي في مواضع كثيرة، ويرد عليه أحيانا.
وقد اطلع الجصاص على كتاب " الرسالة " للامام الشافعي - رحمه الله - ودخل معه
في مناقشات طويلة حادة الأسلوب في بعض المواضع خصوصا في باب البيان، فناقش الإمام الشافعي
في تقسيمه للبيان. (4)
ويبدو من كثرة الاعتراضات التي يوردها الجصاص ويرد عليها أنه اطلع على كتب
تورد أدلة، فيعتبر الجصاص اعتراضات ويجيب عليها، ويحتمل أن هذه الاعتراضات
يوردها الجصاص على نفسه ثم يرد عليها زيادة في تقرير وتأكيد وتقوية مذهبه.
نسخ الكتاب الموجودة
يبدو أن كتاب " أصول الفقه " للجصاص كان نادرا عزيزا في عصره وبعده مع أن
كثير من القدامي ممن كتبوا في أصول الفقه يشيرون لهذا الكتاب، إلا أن إشاراتهم لا
يفهم منها اطلاعهم على نسخة منه، وتكاد تنحصر النقول عن كتاب واحد هو أصول
السرخسي، فإن كثيرين اعتمدوا على نقوله، وأكثر من ذلك البزدوي في كشف الاسرار.
وسنتكم عن نسخ الكتاب في نقطتين: الأولى: فيمن حاز نسخة ولم تصلنا، والثانية
في النسخ الموجودة في هذا العصر.
أ - من حاز نسخة ولم تصلنا:
لقد استقصينا - قدر المستطاع - من حاز نسخة من كتاب " أصول الفقه " للجصاص
وأقدم نسخة وجدت في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وهي التي نقلت عنها النسخة رقم 26

(1) أشار ابن النديم إلى أن لعيسى بن ابان كتابا يرد فيه على الشافعي قال: " والأحاديث التي ردها على الشافعي
من كتاب سفيان بن سحبان " ويحتمل ان يريد الجصاص أحد كتبه وهي الحجج الصغير والكبير وكتاب خبر
الواحد، وكتاب الجامع، وكتاب اثبات القياس، وكتاب اجتهاد الرأي.
(2) لم يذكر الفهرست لابن النديم هذا الكتاب بقيد الصغير، وانما قال: " الحج " 289 وهو تصحيف والصواب
" الحجج ".
(3) انظر الفهرست لابن النديم 289، بدون قيد الكبير، وذكرنا مزيد شرح لهذه الكتب وترجمات أصحابها في تحقيقنا لكتاب " أصول الفقه للجصاص ".
(4) وقد تناولنا كلامه مع الشافعي بالتحقيق والتعليق فليراجع في موضعه من تحقيقنا لكتاب " أصول الفقه "
للجصاص.
26

أصول الفقه بدار الكتب والتي سنشير لها قريبا.
ثم وجدنا السرخسي المتوفي سنة 490 ه‍ أشار في أصوله إلى اطلاعه على بعض
نسخ لكتاب الجصاص، وقل عنها بعض الآراء الأصولية للجصاص، ولقد تتبعنا ذلك في
القسم التحقيقي وضمناه الهامش.
قال السرخسي بعد أن ذكر تعريف العام للجصاص: " هكذا رأيته في بعض النسخ
من كتابه ". (1) وعليه فإن القرن الخامس الهجري كانت توجد فيه بعض النسخ من هذا
الكتاب، ويمكننا ان نقول إنه في لفترة ما بين القرن الخامس إلى أوائل القرن الثامن أي
في عصر وفاة الشيخ الامام علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري المتوفي سنة ثلاثين
وسبعمائة (2) فقدت تلك النسخ أو كادت، وإلا فإن البزدوي والبخاري وصدر الشريعة (3)
وطبقتهم كانوا أحرص الناس على نسخة من هذا الكتاب، ولكنهم لما لم يجدوا اعتمدوا على
نقول السرخسي من كتاب الجصاص.
وفي وسط القرن الثامن الهجري تقريبا وعلى التحديد سنة تسع وأربعين وسبعمائة
استنسخ الامام أمير كاتب بن أمير عمر الفارابي في دمشق نسخة من هذا الكتاب عثر عليها
مكتوبة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، كما سنشير لها في الكلام على نسخ الكتاب.
ولعل النسخ بدأت في الظهور من أوائل القرن الثاني عشر الهجري، ففي ذلك العصر
إشارة لوجود نسخة من هذا الكتاب وردت على الورقة الأولى من شرح مختصر الطحاوي
لامام الرازي تفيد أن الشيخ جار الله قد حاز نسخة من هذا الكتاب قال:... وله
كتاب في أصول الفقه انتفعت به والحمد لله، كتبه أبو عبد الله ولي الدين جار الله سنة أحدي
وأربعين ومائة ألف. (4)
ووجدنا بعد ذلك في القرن الثالث عشر الهجري نسخة أخرى عند الإمام محمد بن
علي الشوكاني (5) يشير لها في كتابه إرشاد الفحول، والشوكاني مشهور بكثرة النسخ الأصولية
وغيرها مما كان يجوز في مكتبته وذلك واضح مما ضمنه كتابه إرشاد الفحول.
وهذه آخر إشارة مما وقفنا عليه فيمن حاز نسخة من هذا الكتاب ولم تصل إلينا.

(1) أصول السرخسي 1 / 125.
(2) عبد العزيز بن أحمد بن محمد، الملقب بعلاء الدين البخاري، من كبار علماء الحنفية في الفقه والأصول، من
تصانيفه: كشف الاسرار شرح أصول البزدوي. الفتح المبين 2 / 141.
(3) عبيد الله مسعود بن تاج الشريعة، الملقب بصدر الشريعة، من كبار علماء الحنفية، برع في التفسير والفقه
والأصول والنحو، من مصنفاته: متن التنقيح في الأصول وشرحه التوضيح، توفي سنة 747 ه‍. الفتح المبين
2 / 161 والفوائد البهية 109 وتاج التراجم 40 وطبقات الزيلة لي ورقة 19 مخطوط.
(4) انظر الجزء الثالث من شرح مختصر الطحاوي، لأبي بكر الرازي ورقة 1 مخطوط، المكتبة السليمانية.
(5) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني، عالم في الفقه والحديث والأصول، من مصنفاته: فتح
القدير ونيل الأوطار وارشاد الفحول انظر: التاج المكلل 442 والفتح المبين 3 / 144.
27

ب - النسخ الموجودة في هذا العصر:
أما النسخ التي وجدت في هذا العصر بعد الاستقصاء الشامل فهي كالآتي:
1 - نسخة من أصول الفقه للجصاص مخطوط رقم 229 أصول عدد أوراقها 329 مسطرة
25 سطرا. دار الكتب المصرية.
صفات هذه النسخة:
تبدأ هذه النسخة بأول ورقة مكتوب عليها: كتاب أصول الفقه للعلامة أبي بكر
الرازي الحنفي الشهير بالجصاص.
بالشراء من مجد أفندي في 26 اكتوبر سنة 1897
ومكتوب عليها أيضا: آيل إلى الفقير محمد... وعليها أسفل الصحيفة رقمها
العام 30665 والخاص 229، وعليها ختم مطموس، وبها خروج.
أما الورقة الثانية فتتضمن فهرس الكتاب وهو بخط يختلف عن خط النسخة ذاتها
يبدأ بالحمد وأول الأبواب العام وآخرها باب القول في صفة المجتهد وما يتبعه، وبها
خروم.
وهي بخط نسخ جميل، وكثير من كلماتها غير منقوط، ويبدو أنها بيد ناسخ لا يتقن
مطلحات تخلو صفحة من الأخطاء النحوية.
أماء إملاء النسخة ففيه اختلافات من حيث الهمزة وتسهيلها وقلبها ياء والمد والقصر وغيره
ذلك.
وفي آخر النسخة قال: فرغ من نسخ هذا الكتاب " الفصول " للرازي بعون الله
المجازي - الفقير إلى رحمته، محمد بن ماضي عفا الله عنه، ومتع به مستنسخة وناظرة،
العصر من يوم الاثنين المبارك من شهر ربيع الاخر من عام ثمان وأربعين وسبعمائة، أحسن
الله عاقبته، وذلك بالمسجد الأقصى.
2 - وهذه النسخة استنسختها المكتبة الأزهرية تحت رقم 59801 عام و 2214 خاص
أصول.
وهي في مجلد كبير يقع في 776 صفحة.
وتبدء هذه النسخة بنفس نقص النسخة 229 أصول المودعة دار الكتب وفي آخرها
قال الناسخ: " تم استنساخ هذا القسم في يوم الأربعاء الثاني عشر من شهر ذي القعدة سنة
سبعين وثلاثمائة والف هجرية، موافق للخامس عشر من شهر أغسطس سنة أحدي وخمسين
وتسعمائة والف ميلادية، على يد المعتمد على الفرد الصمد محمد قناوي محمد البوتيجي
بلدا الحنفي مذهبا وذلك لذمة المكتبة الأزهرية بالأزهر الشريف نقلا عن النسخة المخطوطة
28

المودعة دار الكتب المصرية تحت رقم 229 أصول فقه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين، وهذه النسخة هي التي
رمزت إليها بالحرف " ح ".
3 - نسخة أخرى - الجزء الأول رقم 191 أصول فقه.
وهذه النسخة ناقصة من الأول إلى ما قبل باب صفة النص ومن الاخر إلى أثناء باب
القول في لزوم شرائع من كان قبل نبينا لوحة رقم 150
وهي بخط عادي ردئ وبها خروم صغيرة وأثر رطوبة إلا أنها مراجعة على نسخة
ثانية فعبارتها غالب سليمة، ولم يعلم ناسخها ولا تاريخ النسخ، وعليها تصحيحات في
الهامش، واحتكمت إلى عبارتها في كثير من المشكلات اللفظية بينها وبين النسخة " ح "
وهذه النسخة هي التي رمزت لها بالحرف " د ".
4 - ونسخة أخرى هي الجزء الثاني تحت رقم 26 أصول فقه.
وتبدأ هذه النسخة من باب القول في أن النبي صلى الله عليه وسلم هل كان بسن من طريق
الاجتهاد، وهذه البداية توافق ورقة 211 من النسخة 229 أصول والتي رمزنا لها بالحرف
" ح " وعدد أوراقها 150، وخطها نسخ جمل بخط العلامة: أمير كاتب بن أمير عمر
الفارابي، وهي عبارة عن الجزء الثاني من الكتاب وقال في آخرها: " هذا اخر أصول الفقه
للامام أبي بكر الجصاص أحمد بن علي الرازي رحمه الله، فرغ عن كتابه العبد الضعيف
أبو حنيفة أمير كاتب بن أمير عمر العميد المدعو بقوام الفارابي الاتقاني بدمشق حماها الله عن
الآفات، سرار المحرم من سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وكان تاريخ النسخة التي كتبت هذه
النسخ منها في رجب من سنة أحدي وتسعين وثلاثمائة، وكان وفاة أبي بكر الرازي سنة
سبعين وثلاثمائة، والحمد لله كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين.
قوبل بقدر الوسع والامكان بالأصل المنسوخ منه في شهر ربيع الأول من السنة
المذكورة.
ومعهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية صور بالفوتوستات نسخة دار الكتب
الخطيبة رقم 229 أصول والمكونة من 329 لوحة (25067 ب) وصور النسخة رقم 191
أصول فقه المكونة من 150 لوحة (25068).
وقد اعتمدنا في التحقيق على النسختين رقم 1 و 2 و 4 وأما النسخة رقم 2 / الأزهرية
فهي مستنسخة عن رق 1 كما ذكرنا.
نقص المخطوطة:
لقد أصحاب كتاب " الفصول في الأصول " ما أصاب كثيرا من كتب التراث من
صروف الدهر وتعاقب الاحداث والأيام، فسقط وفقد من الكتاب بعض أوراق منه تشتمل
29

على مقدمة الكتاب، وأجزاء من مبحث العام.
وقد وفق الله في استدراك هذا النقص بتقصي كتاب الأصول التي نقلت عن كتاب
الجصاص ونقل ما يسد النقص في بابه. وسنتكلم فيما يلي عن نقص المقدمة وطريقة
استدراكها. ثم نتكلم عن نقص باب العام، من حيث تعريفه ولفظ العموم هل يتناول
المعاني، ثم لفظ العمم عند الاطلاق، ثم رأي الجصاص في موجب العام هل هو قطعي أم
ظني، ونبدأ بالمقدمة.
مقدمة الكتاب:
لما كانت النسخ الموجودة من كتاب " أصول الفقه " أو " الفصول " للامام الجصاص لا
تشتمل على مقدمة، بحثنا في الكتاب المخطوطة والمطبوعة علها تشير إلى هذه المقدمة، فلما
لم نجد نظرنا في مقدمة كتابه " أحكام القرآن " فوجدنا إشارة إلى مقدمة " أصول الفقه " باعتبار
ان كتابه " أصول الفقه " مقدمة لكتابه " أحكام القرآن " وقد أشار الجصاص لهذا في مقدمته
" لاحكام القرآن " ووجدناها تصلح لان تكون مقدمة " لأصول الفقه " خصوصا وأنه أشار فيها
إلى محتويات كتابه " أصول الفقه " فقال في مقدمة " أحكام القرآن ".
وقد قدمنا لهذا الكتاب مقدمة تشتمل على ذكر جمل مما لا يسع جهله من أصول
التوحيد، وتوطئة لما يحتاج إليه من معرفة طرق استنباط معاني القرآن، واستخراج دلائله،
وأحكام ألفاظه، وما تتصرف عليه أنحاء كلام العرب، والأسماء اللغوية، والعبارات
الشرعية، إذ كان الولي العلوم بالتقديم: معرفة توحيد الله، وتنزيهه عن شبهه خلقه وعما نحله
المفترون من ظلم عبيده.
والآن: حتى انتهى بنا القول إلى ذكر أحكام القرآن ودلائله، والله نسأل التوفيق لما
يقربنا إليه ويزلفنا لديه انه ولي ذلك، والقادر عليه. (1)
ومن هذه المقدمة نستفيد ان الجصاص تكلم في مقدمته عن كيفية معرفة القواعد
اللغوية التي تعيين المجتهد على تفسير النصوص من الكتاب والسنة، وهو ما يسمي
ب‍ " طرق استنباط الاحكام " وقد تكلم - فعلا - على هذه القواعد اللغوية، لمعرفة طرق
الاستنباط، ثم اتبعها بالكلام على أدلة الاحكام.

(1) احكام القرآن للجصاص 1 / 4.
30

وعليه فإننا من هذه المقدمة نستل مقدمة لكتابة " أصول الفقه " أقرب ما تكون
للمقدمة الأصلية الساقطة.
فنستطيع القول ان الجصاص بدأ مقدمته لأصول الفقه بقوله: " أما بعد حمد الله
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه أبواب وفصول في أصول الفقه، تشتمل على
معرفة طرق استنباط معاني القرآن، واستخراج دلائله، وأحكامه ألفاظه، وما تتصرف عليه
أنحاء كلام العرب، والأسماء اللغوية، والعبارات الشرعية، والله نسأل التوفيق لما يقربنا إليه
ويزلفنا لديه، إنه ولي ذلك، والقادر عليه ".
النصوص الساقطة من أول باب العام
وهذه النصوص - كما أشرنا - تشتمل على:
أولا: تعريف العام.
ثانيا: لفظ العموم هل يتناول المعاني؟
ثالثا: لفظ العموم هل هو حقيقة في الاحكام؟
رابعا: موجب العام هل هو قطعي أم غير قطعي؟
أولا: تعريف العام:
قال الدبوسي والسرخسي: قال أبو بكر الجصاص - رحمه الله -: ان العام ما ينتظم
جمعا من الأسامي أو المعاني. (1)
التحقيق والتعليق:
بعد أن ذكر الدبوسي تعريف الجصاص للعام - بالنص السابق -: غلطه فقال:
" وكان هذا منه غلطا في العبارة دون المذهب ". (2)
وبعد ان ذكر السرخسي تعريف الجصاص للعام - السابق -: اعترض عليه وغلطه،
ثم اعتذر له.
قال السرخسي: هذا غلط منه، فإن تعدد المعاني لا يكون الا بعد التغاير

(1) انظر تقويم الأدلة في أصول الفقه للقاضي أبي زيد الدبوسي 2 / 152 وأصول السرخسي 1 / 125
(2) تقويم الأدلة 2 / 152 انظر كشف الاسرار للبزدوي 1 / 36 فإنه مفيد لتوضيح ذلك.
31

والاختلاف، وعند ذلك، اللفظ الواحد لا ينتظمها، واما يحتمل ان يكون كل واحد منهما
مرادا باللفظ، وهذا يكون مشتركا لا عاما، ولا عموم للمشترك عندنا، وقد نص الجصاص
في كتابه على أن المذهب في المشترك انه لا عموم له، فعرفنا ان هذا سهو منه في العبارة، أو
هو مؤول.
ومراده: ان المعنى الواحد باعتبار أنه يعم المحال يسمى معاني مجازا، فإنه يقال: مطر
عام، لأنه عم الأمكنة، وهو في الحقيقة معنى واحد، ولكن لتعدد المحال الذي تناوله سماه
معاني، ولكن هذا انما يستقيم لو قال: ما ينتظم جمعا من الأسامي والمعاني.
قال السرخسي: هكذا رأيته في بعض النسخ من كتابه. (1) فأما قوله: أو المعاني فهو
سهو منه.
وذكر صدر الاسلام أبو اليسر (2) في كتابه " أصول الفقه " أن الجصاص بقوله: " أو
المعاني " لم يرد عموم المعاني، ولكن يحتمل أنه أراد بقوله: من الأسماء أو المعاني ما ينتظم جمعا
من الأعيان أو الاعراض، فإنه إذا قال: المسلمون عن المسلمين أجمع، وإذا قال: الحركات
عم الحركات كلها، وهي المعاني، فجعل أبو اليسر المعاني على حقيقته - كما أوضحناه في
الهامش - قال عبد العزيز البخاري: وهذا أصح لأنه يجوم أن يتناول اللفظ الواحد معاني
مختلفة، بمعني أعم منها كما في قولنا، المعاني والعلوم والاعراض ونحوهما، فإن كلا منها عام
على الحقيقة لكونه موضوعا لجمع من مدلولا، ولكن بمعنى متحد، يشمل الكل، وهو
مطلق المعنى والعلم والعرض.
ألا ترى أن الشئ يتناول المعاني المختلفة بمعني الموجود كما يتناول الأعيان، فيجوز
أن يتناول لفظ آخر معاني مختلفة بمعني يشملها فعلى هذا يكون العام قسمين: ما يتناول
الأعيان بمعني واحد، وما يتناول المعاني بمعني يعمها، فيصح قوله " أو المعاني " ويكون حده
متعرضا لقسمين فيكون جامعا. (3)

(1) قوله من كتابه: اي بالواو، لكن قوله " أو " يأبى هذا التأويل، لان " أو " لاحد الشيئين، والعام يشمل كليهما،
فلا يصح هذا التأويل، إلا أن يجعل " أو " بمعني الواو، وفيه بعد، فلهذا قال السرخسي " سهو " انظر كشف
الاسرار للبزدوي 1 / 37.
(2) أحمد بن محمد، أبو اليسر، صدر الاسلام، بن محمد بن عبد الكريم البزدوي، من كبار علماء الحنفية ولي
القضاء ببخاري توفي سنة 542 ه‍
الفوائد البهية 40 وتاج التراجم 90
(3) راجع كشف الاسرار للبزدوي 1 / 36 وما بعدها.
32

وذكر النسفي (1) ان الجصاص ممن يقول بأن المعاني لها عموم، كما قال جمهور مجوزي
تخصيص العلة لعمومها. (2)
رأينا فيما نسب للجصاص:
ان ما نسبه والسرخسي في تعريف العام للجصاص وما ثار حوله من نقاش
بين الأصوليين تتلخص في الآتي:
أن هذا التعريف - رغم انه ليس موجودا في النسخ التي تحت أيدينا - إلا اننا لا
نستطيع القطع بنفي نسبته للجصاص ما دام الدبوسي، وهو من علماء القرن الخامس
الهجري متوفي 430 ه‍. والسرخسي، وهو أيضا من علماء القرن الخامس الهجري متوفي
482 ه‍. وأبو اليسر. وهو من علماء القرن الخامس الهجري أيضا متوفي 493 ه‍ يثبتون
هذا التعريف للجصاص، الا ان احتمال السهو. كما ذكره السرخسي - له وجه واحتمال
هذا التعريف، الا ان احتمال السهو. كما ذكره السرخسي - له وجه واحتمال
التحريف من النساخ. في رأينا - أوجه ودليلنا على هذا:
أ. ان الجصاص يرى أن المشترك لا عموم له.
ب. أن الجصاص نقل عن العلماء تعريف العام في ثنايا كلامه عن المجمل تعريفا
يقتضي عدم القول بعموم المعاني حيث قال في تعريفه: انه اللفظ المشتمل على مسميات قد
علق به حكم يمكن استعماله على ظاهره، وما تناوله لفظ غير مفتقر إلى بيان من غيره. (3)
وارتضى الجصاص هذا التعريف بدليل أنه لم يرده ولم يعلق عليه بما يقتضى رده، بل
كرز هذا التعريف بلفظ قريب منه. (4)
فلو كان الجصاص يرى ما ذكره لنوه ولقيد التعريف به، إذ هو قيد جوهري.
ج. ان السرخسي، نفسه أشار لي ان هذا التعريف موجود في بعض نسخ الكتاب
فقال: " هكذا رأيته في بعض النسخ " وعليه فان بعض النسخ مما اطلع عليه السرخسي ليس
فيها هذا القيد.

(1) عبد الله بن أحمد بن محمود، أبو البركات حافظ الدين النسفي من كبار الحنفية من تصانيفه: كنز الدقائق
والمستصفى شرح الفقه، والمنار متن في الأصول وشرحه كشف الاسرار، والاعتماد شرح العمدة، الفوائد
البهية 101.
(2) راجع كشف الاسرار للنسفي 1 / 111.
(3) انظر القسم التحقيقي باب العام.
(4) انظر القسم التحقيقي باب العام.
33

كل ذلك يرجع لدينا انه من زيادة النساخ. والله أعلم.
وبعد أن أثبتناه أن قيد " المعاني " ليس من تعريف الجصاص ننتقل إلى النص الثاني
وهو يؤيد ما قلناه.
ثانيا: لفظ العموم هل يتناول المعاني؟
ذكر السرخسي قول الجصاص: " ان اطلاق لفظ العموم حقيقة في المعاني والاحكام
كما هو في الأسماء والألفاظ.
ويقال: عمهم الخوف، وهمهم الخصب، باعتبار المعني من غير أن يكون هناك
لفظ ".
واعتبر السرخسي هذا الكلام من الجصاص خطأ، لان مذهب الحنفية، أنه لا عموم
للمعاني حقيقة، وان كان يوصف به مجازا. (1)
والقول بعموم المعاني حقيقة، يؤدي إلى القول بتخصيص العلل الشرعية، وقد أفرد
السرخسي للرد على هذا القول، فصلا طويلا، وعنف على القائلين به من الحنفية
وغيرهم، ومحص في ذلك الدليل. (2)
وممن قال بعموم المعاني ابن الحاجب في المنتهى واختاره صاحب مسلم الثبوت وهو
الظاهر من كلام القاضي أبو زيد الدبوسي في الاسرار. (3)
ثالثا - لفظ العموم هل هو حقيقة في الاحكام؟
وهذا النص ذكره الجصاص عند الكلام على " القول في اللفظ العام المخرج إذا أريد
به الخصوص " مشيرا إلى أنه تكلم عنه في أول كتاب العام، ولما لم يكن هذا النص موجودا
في أول كتاب العام علمنا أنه مما سقط.
قال الجصاص: " وقد بينا قبل ذلك أن العموم يصح إطلاقه في الاحكام مع عدم

(1) راجع أصول السرخسي 1 / 125 ويناقضه نقل الدبوسي حين قال: " وكان هذا منه غلطا في العبارة دون
المذهب " أي أن مذهب الحنفية القول بعموم المعاني حقيقة. فتنبه. انظر تقويم الأدلة 2 / 152.
(2) راجع أصول السرخسي 2 / 208، وراجع كلام الأصوليين في تخصيص العلل الشرعية في المعتمد 2 / 821،
والمستصفى 2 / 336 وروضة الناظر 2 / 321 وحاشية البناني على جمع الجوامع 2 / 310 وشفاء الغليل 458
وفتح الغفار 2 / 38 وكشف الاسرار للبزدوي 4 / 32.
(3) راجع في ذلك: حاشية سلم الوصول لشرح نهاية السول للشيخ محمد بخيت المطيعي 2 / 312 والاحكام
للآمدي 2 / 54 وشرح العضد على مختصر المنتهى 2 / 101 وإرشاد الفحول 112 ومرآة الأصول 1 / 347
وكشف الأسر للبزدوي 1 / 33 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 110 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 505
وتيسير التحرير 1 / 276 وحاشية عبد الرزاق على مرآة الأصول 222 ولب الأصول 69.
34

اللفظ فيه، وذلك نحو قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " (1) فافتتح الخطاب بذكر
النبي صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق.
وقال تعالى: " لئن أشركت ليحبطن عملك " (2)، وقوله تعالى: " ولا تكن للخائنين
خصيما " (3)، والمراد سائر المكلفين ".
(4).
ومما يؤكد هذا النص: ان السرخسي نقل - كما ذكرنا - ما نصه: " ان اطلاق لفظ
العموم حقيقة في المعاني والاحكام كما هو في الأسماء والألفاظ، ويقال عمهم الخوف وعمهم
الخصب باعتبار المعنى من غير أن يكون هناك لفظ " (5) ونسب ذلك للجصاص.
ولم يتعرض السرخسي لمناقشة الجصاص في قوله: ان لفظ العموم حقيقة في
الاحكام، رغم أنه خلاف المذهب، وكذلك سكت عنه البزدوي وعبد العزيز البخاري
والنسفي، وكلهم أورد ما نقله السرخسي.
وحاصل الكلام في هذه المسألة: انه هل يتصور العموم في الاحكام حتى يقال:
حكم قطع السارق عام، اختلف العلماء في ذلك.
فأنكره القاضي الباقلاني وأثبته الجويني وابن القشيري، وقال المازري (6): الحق بناء
هذه المسألة على أن الحكم يرجع إلى قول أو إلى وصف يرجع إلى الذات.
فإن قلنا بالثاني: لم يتصور العموم، كما في الافعال، فإنه لا عموم لها.
وإن قلنا: يرجع إلى " قوله ": فقوله سبحانه وتعالى: " والسارق " (7) يشمل كل
سارق: فنفس القطع فعل، والافعال لا عموم لها.
قال القاضي أبو عبد الله الصيمري الحفني في كتابه مسائل الخلاف في أصول الفقه:
دعوى العموم في الافعال لا تصح عند أصحابنا، ودليلنا: ان العموم ما اشتمل على أشياء
متغايرة، والفعل لا يقع إلا على درجة واحدة
وقال الشيخ أبو إسحاق: لا يصح العموم إلا في الألفاظ، واما الافعال فلا يصح.

(1) الآية 1 من سورة الطلاق.
(2) الآية 65 من سورة الزمر.
(3) الآية 105 من سورة النساء.
(4) انظر أصول الفقه للجصاص أول باب العام.
(5) راجع أصول السرخسي 1 / 125
(6) محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري، المالكي، أبو عبد الله، محدث حافظ، ففيه، أصولي، متكلم،
أديب، من تصانيفه: ايضاح المحصول في برهان الأصول لأبي المعالي الجويني، وكتاب المعلم في شرح صحيح
مسلم، توفي سنة 536 ه‍ وفيات الأعيان 1 / 615، ومرآة الجنان 2 / 267، وهدية العارفين 2 / 88.
ومعجم المؤلفين 11 / 32، والفتح المبين 2 / 26.
(7) الآية 38 من سورة المائدة.
35

لأنها تقع على صفة واحدة، فإن عرفت اختص الحكم بها، والا صار مجملا، فما عرفت
صفته: مثل قول الراوي (جمع بين الصلاتين في السفر) فهذا مقصور على السفر، ومن
الثاني: قوله " في السفر " فلا يدري انه كان طويلا أو قصيرا، فيجب التوقف فيه، ولا يدعي
فيه العموم.
وقال ابن القشيري: أطلق الأصوليون ان العموم والخصوص لا يتصور الا في
الأقوال، ولا يخدل في الافعال - أعني في ذواتها - فأما في أسمائها فقد يتحقق، ولهذا لا
نتحقق ادعاء العموم في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال القاضي عبد الوهاب (1) في الإفادة: الجمهور على أنه لا يوصف بالعموم الا
القول فقط، وذهب قوم من أهل العراق إلى أنه يصح ادعاؤه في المعاني والاحكام، ومرادهم
بذلك حمل الكلام على عموم الخطاب وان لم يكن هناك صيغة، كقوله تعالى: " حرمت
عليكم الميتة ". (2)
فإنه لما لم يصح تناول التحريم لها، عمها بتحريم جميع التصرفات من الاكل والبيع
واللمس، وسائر أنواع الانتفاع، وان لم يكن للأحكام ذكر في التحريم بعموم ولا خصوص،
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، عام في الاجزاء والكمال.
والذي يقوله أكثر الأصوليين والفقهاء اختصاصه بالقول، وان وصفهم الجور والعدل
بأنه عام مجاز. (3)
رابعا: موجب العام هل هو قطعي أم غير قطعي؟
وهذا رأي للجصاص سقط من العام، ونرجح انه من ابتداء الكتاب وهو في موجب
العام.
فقد نقلت كتب الأصول رأي الجصاص في هذه المسألة.
فقال عبد العزيز البخاري في شرحه لا صول البزدوي: اختلف أرباب العموم في
موجب العموم، فعند الجمهور من الفقهاء والمتكلمين منهم موجبه ليس بقطعي، وهو

(1) عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين البغدادي، وكنيته: أبو محمد الفقيه المالكي الأصولي الشاعر
الأديب العابد الزاهد، تولى القضاء في العراق ومصر، من تصانيفه: النصر لمذهب مالك
وهو مائة جزء، وغرق مخطوطا في النيل، والمعونة بمذهب عالم المدينة وشرح رسالة ابن أبي زيد، وشرح المدونة في الفقه والأدلة في
مسائل الخلاف والإفادة والتلخيص وأوائل الأدلة والاشراف على مسائل الخلاف، في الأصول، توفي سنة
422 ه‍.
الشجرة الزكية 103 ووفيات الأعيان 1 / 382 والديباج 159 والفتح المبين 1 / 230.
(2) الآية 3 من سورة المائدة.
(3) راجع ارشاد الفحول 114.
36

مذهب الشافعي، واليه ذهب الشيخ أبو منصور ومن تابعه من مشايخ سمرقند.
وعند عامة مشايخنا العراقيين منهم أبو الحسن الكرخي وأبو بكر الجصاص موجبه
قطعي كموجب الخاص، وتابعهم في ذلك القاضي الإمام أبو زيد الدبوسي وعامة
المتأخرين، منهم الشيخ البزدوي. (1)
وأخيرا فإنه إذا جمع ما ذكرناه من استدراكات على النقص فإن كتاب " الفصول في
الأصول " أو " أصول الفقه " يصبح كتابا مكتملا من أوله حتى آخره، وقد آن الأوان كي
يخرج هذا الكتاب إلى حيز الوجود، ويتبوأ مكانته العلمية السابقة بين كتاب التراث
الاسلامي الثمين.

(1) انظر كشف الاسرار للبزدودي 1 / 291 و 1 / 304 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 194 وأصول السرخسي.
1 / 132.
37

الباب الأول
في العام
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الظواهر التي يجب اعتبارها
الفصل الثاني: إذا تناول اللفظ معنيين هو في أحدهما مجاز وفي الاخر حقيقة
الفصل الثالث: الظواهر التي يقضي عليها الحال فينقل حكمها إلى ضد موجب
لفظه في حقيقة اللغة.
39

أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه فصول
وأبواب في أصول الفقه تشمل على معرفة طرق استنباط معاني القرآن واستخراج
دلائله وأحكام ألفاظه وما تتصرف عليه أنحاء كلام العرب والأسماء اللغوية والعبارات
الشرعية والله نسأل التوفيق لما يقر بنا إليه ويزلفنا لديه إنه ولي ذلك والقادر
عليه
باب العام
وفيه فصول
فصل
الظواهر التي يجب اعتبارها
من الظواهر التي يجب اعتبارها (1)
ما روى (2) في خبر ابن عمر (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة من

(1) موضع هذه الزيادة بياض بالأصل وقد رأينا زيادتها وتضمينها مقدمة " أحكام القرآن " للجصاص، لتعلم
حقيقة ما بعدها. وراجع الكلام في تحقيق المقدمة في القسم الدراسي.
(2) هذا ابتداء النسخة رقم 229 أصول التي نرمز لها ب‍ " ح " وأما النسخة " د " فناقصة إلى الموضع الذي سننبه
عليه.
(3) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن ولد في 10 قبل الهجرة وتوفي في 73 هجرية، صحابي
من أعز بيوتات قريش في الجاهلية، كان جريئا جهيرا، نشأ في الاسلام وهاجر إلى المدينة مع أبيه، وشهد فتح
مكة ومولده ووفاته فيها، أفتى الناس ستين سنة، ولما قتل عثمان عرض عليه نفر أن يبايعوه بالخلافة فأبى،
وغزا أفريقية مرتين، وكف بصره في آخر حياته، وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة، له في الصحيحين 2630
حديثا.
انظر ترجمته في معالم الايمان 1 / 70 والإصابة ترجمة رقم 4825 وتهذيب الأسماء 1 / 278 وفيه توفي ابن عمر سنة
73 وابن خلكان 1 / 246 وفيه وفاته سنة 63 وهو ابن 84 سنة وطبقات ابن سعد 4 / 105 - 138 وفيه وفاته
سنة 64 عن 84 سنة وسير النبلاء للذهبي - خ - المجلد الثالث والجمع 238 وحلية الأولياء 1 / 292 وصفة
الصفوة 1 / 228 ونكت الهميان 183 وكشف النقاب - خ - انظر الاعلام 4 / 246.
40

الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع فقال إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا (1)
فسئل عن حكم النجاسات فأجاب عن الدواب والسباع بجواب مطلق فدل على
نجاسة سؤر السباع لولا ذلك لبينه عليه السلام وفصل حكمه في الجوا ب
فهذا وما جرى مجراه هو من الظواهر التي يجب اعتبارها في إيجاب الأحكام بها
الظواهر التي يجب اعتبارها أن يرد لفظ عموم معطوف عليه ومع ذلك فيمكن
استعماله في نفسه إذا أفرد عما قبله
فالجواب فيما إذا كان هذا سبيله اعتباره بنفسه من غير تضمين بما قبله إلا أن تقوم
دلالة النظير بما عطف عليه (2) نحو قوله تعالى يئسن من المحيض (3) إلى قوله

(1) الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينو به من
الدواب والسباع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " عون المعبود كتاب الطهارة باب 33
ج 1.
قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بجمع رواته ولم يخرجاه
وأظنهما - والله أعلم - لم يخرجاه لخلاف فيه على أبي أسامة على الوليد بن كثير. المستدرك 1 / 132 وانظر
التلخيص للذهبي في ذيل المستدرك في نفس الصفحة.
وقال ابن معين: الحديث جيد الاسناد، وقال ابن دقيق العيد هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو
صحيح على طريق الفقهاء. تحفة الأحوذي 1 / 217. وقد روى الحديث بألفاظ متقاربة. ولم أجد من روى
الحديث بلفظ ".... خبثا " مجردة من الألف واللام كما أورده الجصاص.
وراجع ممن أخرج الحديث: تحفة الأحوذي كتاب الطهارة باب 50 ح‍ 1 وسنن النسائي كتاب الطهارة
باب 43 ح‍ 1 وكتاب المياه باب 2 ح‍ 1 ومسند الدارمي كتاب الوضوء باب 55 ح‍ 2 ومسند أحمد بن حنبل
2 / 12، 38.
وأخرجه أيضا ابن ماجة والشافعي وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي على ما في عون المعبود 1 / 103
وانظر منتقى الاخبار 1 / 15 ونيل الأوطار 1 / 27.
(2) هذا الكلام من الجصاص، تعر له الأصوليون ولكن من جهة أخرى غير ما ذكره الجصاص، فذكروا:
غطف الخاص على العام، وإضمار شئ في المعطوف عليه، وإذا ورد بعد العام ضمير عائد على بعض أفراده
هل يخصه.
انظر في ذلك الابهاج 2 / 125 وارشاد الفحول 138 والمستصفى 2 / 70 وحاشية العطار على جمع الجوامع
2 / 22 والمسودة في أصول الفقه 140.
وأقرب الأصوليين كلاما في هذه النقطة من الجصاص الآمدي في الاحكام، فإنه تكلم عن " العطف على العام
هل يوجب العموم في المعطوف " راجع الاحكام 2 / 99 فيه تبصير بالمسألة.
(3) الآية 4 من سورة الطلاق.
41

وأولات الأحمال أجلهن (1) وإن كان معطوفا على غيره فإنه يمكن إجراء حكمه على ما
أوجبه ظاهر لفظه من غير تضمين له ما تقدمه لأنه لو ورد منفردا عما تقدمه لزمه الحكم بما
تضمنه من غير افتقار إلى ورود بيان فيه
وليس لأحد ان يقصر هذا الحكم على المطلقة من المتوفي عنها زوجها من أجل أن
ما (2) تقدمه من ذكر العدد وارد في بيان المطلقة دون المتوفي عنها زوجها وقوله تعالى
واللائي يئسن من المحيض وذلك أن كل لفظ قائم بنفسه غير مفتقر إلى غيره متى حملناه
على غيره وقصرنا حكمه عليه فقد خصصناه
والتخصيص ولم لا يجوز إلا بدلالة فوجب من أجل ذلك حمل اللفظ على مقتضاه
منفردا عما قبله
فان قال قائل وقوله تعالى الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (3) غير
مكتف بنفسه في إفادة الحكم لأن معناه غير مفهوم من ظاهره إذ ليس الأجل مختصا بالعدد
دون غيرها قيل له هذا المعنى الذي ذكرناه كان معقولا من ظاهر الآية عند المخاطبين بها
ولم يكونوا مفتقرين عند سماعها في معرفة حكمها إلى بيان يرد من غيرها
والدليل عليه أن فريعة بنت مالك (4) لما أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن الانتقال عن بيت
زوجها في عدتها وكان قد قتل (5) عنها قال لها صلى الله عليه وسلم لا حتى يبلغ الكتاب أجله (6)

(1) نفس الآية السابقة.
(2) في ح " انما " متصلة.
(3) الآية 4 من سورة الطلاق.
(4) هي الفريعة بضم الفاء وفتح الراء وسكون التحتية وفتح العين المهملة، بنت مالك بن الدخشم بن مالك
تزوجها هلال بن أمية، وأسلمت الفريعة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت أبي سعيد الخدري.
انظر ترجمتها في الطبقات الكبرى لابن سعد 8 / 380 وهامش الرسالة للشافعي بتحقيق شاكر 438.
(5) هكذا كتبت الكلمة في ح " قتل " ولم أجد إشارة لذلك في الصحاح ولعلها كذلك والأنسب للسياق " توفي "
(6) الحديث أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن
عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة في قصة فريعة بت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري،
أخبرتها انها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله ان ترجع إلى أهلها.. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم امكثي في بيتك حتى
يبلغ الكتاب اجله ". قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان رضي الله عنه، ارسل
إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.
عون المعبود كتاب الطلاق باب 44 - 6 / 205
وقال في الموطأ: رواه أبو داود عن القعنبي، والنسائي من طريق ابن القاسم الثلاثة عن مالك به، ورواه الناس
عن مالك حتى شيخه الزهري. أخرجه ابن مندة من طريق يونس عن ابن شهاب حدثني من يقال له مالك بن
أنس فذكره. وتابع مالكا عليه شعبة وابن جريج ويحيى ابن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق وسفيان ويزيد
بن محمد عند الترمذي وأبي داود والنسائي وأبو مالك الأحمر عند ابن ماجة سبعتهم عن سعد بن إسحاق نحوه.
الموطأ كتاب الطلاق 1 / 147.
وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه بن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الاسناد من الوجهين
جميعا ولم يخرجاه، وقال الذهبي: هو حديث صحيح محفوظ كذا في المرقاة. وقال الحافظ في بلوغ المرام:
وصححه الترمذي والذهلي وابن حبان والحاكم وغيرهم. تحفة الأحوذي كتاب الطلاق 1 / 391، وباب 23 -
1 / 654.
واخرج الحديث بلفظ مختلف ابن ماجة كتاب الطلاق باب 8 ح‍ 1 والدارمي كتاب الطلاق باب 4 - 2 / 168،
واحمد في مسنده 6 / 370 - 421.
ولم أجد من رواه بلفظ " لا حتى يبلغ... " كما هو لفظ الجصاص.
42

فلم تحتج هذه المرأة مع سماع هذا اللفظ إلى بيان من غيره مع كونها جاهلة بالحكم ولو
لم يكن هذا اللفظ مكتفيا في إلزامها السكون (1) في بيت زوجها ما دامت معتدة لما أقتصر النبي
صلى الله عليه وسلم لها عليه حتى يرده تبيان يزول معه الإشكال لا سيما وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم انها جاءت
مستفتية له جاهلة الحكم
ويدل على صحة ما ذكرنا أن عبد الله بن مسعود (2) كان يقول من شاء باهلته ان قوله
تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزل بعد قوله تعالى أشهر
وعشرا (3) (4)

(1) في " ح " الكون وهو تصحيف.
(2) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن توفي في 32 هجرية. صحابي من أكابرهم
فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الاسلام، وأول من جهر بقراءة
القرآن بمكة. وكان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب سره ورفيقه في حله وترحاله وغزواته، ولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بيت مال الكوفة ثم قدم المدينة في خلافة عثمان فتوفي فيها عن نحو ستين عاما. له في الصحيحين 848 حديثا
وأورد الجاحظ في " البيان والتبيين " خطبة له ومختارات من كلامه.
انظر الإصابة ترجمة رقم 4945 وغاية النهاية 1 / 458 والبدء والتاريخ 5 / 97 وصفة الصفوة 1 / 154 وحلية
الأولياء 1 / 124 وتاريخ الخميس 2 / 257 والبيان والتبيين تحقيق هارون 2 / 56 وانظر فهرسته، والمحبر
161، انظر الاعلام 4 / 280.
(3) الآية 234 من سورة البقرة.
(4) أخرجه ابن ماجة بلفظ مختلف قال: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عم
مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: (والله لمن شاء لا عناه. لا نزلت سورة النساء القصرى بعد " أربعة أشهر
وعشرا ") ابن ماجة كتاب الطلاق باب 7 (1 / 653).
وأخرجه النسائي بلفظ كان ابن مسعود يقول في شأن سبيعة (أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها
الرخصة لا نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى) النسائي كتاب الطلاق باب 56 (6 / 197).
قال في النهاية القصرى تأنيث الأقصر يريد سورة الطلاق والطولي سورة البقرة لان عدة الوفاة في البقرة " أربعة
أشهر وعشرا " وفي سورة الطلاق وضع الحمل وهو قوله " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " ويريد من
قوله " لا نزلت " ان قوله تعالى " وأولات الأحمال أجلهن " بعد " أربعة أشهر وعشرا " فالعمل على المتأخرة لأنها
ناسخة للمتقدمة. راجع المغنى لابن قدامة 8 / 197.
وأورد ابن قدامة في المغنى لفظا قريبا من لفظ الجصاص قال: قال ابن مسعود من شاء باهلته أو لاعنته ان الآية
التي في سورة النساء القصرى " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " نزلت بعد التي في سورة البقرة
" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا " يعني ان هذه الآية هي الأخيرة فتقدم على ما خالفها من عموم الآيات
ويخص بها عمومها - والمباهلة الملاعنة.
راجع المغني لابن قدامة 8 / 118.
43

احتج بذلك على من خالفه بعدة المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملا أنها أبعد
الأجلين
فكان عنده أن عموم هذا اللفظ كاف في اعتبار الحمل لسائر المعتدات
بذلك صحة ما ذكرنا من وجوب اعتبار حكم اللفظ بنفسه دون تضمينه بما هو
معطوف عليه متى اكتفى بنفسه في إفادة الحكم
ومن نظائر (1) ذلك قول الله تعالى والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما
كسبا (2) إلى قوله تاب من بعد ظلمه وأصلح (3) بين كلام مكتف بنفسه لو ابتدي
الخطاب به صح معناه ولا يجوز أن يجعله مضمنا لبيان السرقة
فنستدل به على سقوط القطع بالتوبة وليس هذا كقوله تعالى في شأن المحاربين
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم (4) لأن (5) قوله تعالى راجع إلى المذكورين لأن
فيه كناية لا بد أن يكون له مظهر يرجع إليه وهم من تقدم ذكرهم ولأنه استثناء غير مكتف
بنفسه إلا بتضمينه بما قبله
وكل لفظ معطوف على غيره لا يستقل بنفسه إلا بتضمينه بما قبله وجب رده إليه

(1) نظير الشئ مثله، وحكى أبو عبيدة: النظر والنظير بمعنى واحد مثل الند والنديد. راجع صحاح الجوهري
1 / 406 ولسان العرب 3 / 574
(2) الآية 38 من سورة المائدة.
(3) الآية 39 من سورة المائدة.
(4) الآية 34 من سورة المائدة.
(5) سقطت النون من " لان " وهو سهو.
44

وتضمينه به نحو قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم (1) هذا خطاب لو ابتدأ لم
يفد معنى فصح أنه معطوف على ما تقدمه وأن النكاح المبدوء بذكره مضمر فيه فصار
تقدير الآية ما طاب لكم من النساء (2) وانكحوا ما ملكت أيمانكم ويكون
النكاح المضمر في ملك اليمين هو النكاح المبدوء بذكره وهو العقد لاقتضاء اللفظ إضماره
بعينه
ومن حمله على الوطء فإنما أضمر فيه معنى لم يجر له ذكر في الخطاب وترك ما هو مذكور
فيه وهذا لا يجوز

(1) الآية 3 من سورة النساء
(2) الآية 3 من سورة النساء.
45

فصل (1)
قال أبو بكر
ومتى تناول اللفظ معنيين هو في أحدهما مجاز وفي الآخر حقيقة فالواجب حمله على
الحقيقة ولا يصرف إلى المجاز إلا بدلالة لأن الأظهر من الأسماء أن كل شئ منها فهو
مستعمل في موضعه ولا يعقل منه العدول به عن موضعه إلا بدلالة
والحقيقة هي اللفظ المستعمل عند في موضعه الموضع له في اللغة والمجاز هو المعدول به
عن حقيقته والمستعمل في غير موضعه الموضوع له في أصل اللغة (2) ولا يجوز أن يعدل به عن
جهته وموضعه إلا بدلالة
وكان شيخنا أبو الحسن الكرخي يقول لا يجوز استعماله للمعنيين جميعا في حال
واحد لأن هذا يوجب كون اللفظ حقيقة مجازا في حال واحدة وهذا محال
أو كانت الحقيقة ما استعمل في موضعه والمجاز ما استعمل في غير موضعه
ومحال أن يكون لفظ واحد مستعملا في موضعه ومعدا به عن موضعه في حال
واحدة (3)

(1) الفصل: واحد الفصول، وفصلت الشئ فانفصل اي قطعته فانقطع. وفصل من الناحية اي خرج وفصلت
الرضيع عن أمه فصالا. صحاح الجوهري 2 / 226.
(2) راجع في هذا التعريف كشف الاسرار للبزودي 1 / 61، 62 و 2 / 45، 49 وشرح العضد على مختصر المنتهى
لابن الحاجب 1 / 138 وارشاد الفحول 21 ومنافع الدقائق في شرح مجامع الحقائق 82 - 84 وكشف الاسرار
للنسفي مع شرح نور الأنوار 1 / 145، والمستصفى للغزالي 1 / 105، 1 / 341 والمنار مع شروحه 369
وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 393 - 399 وتحقيق المحصول للرازي 2 / 204 والمسودة في أصول الفقه
لآل تيمية 161 والابهاج 1 / 176 وفتح الغفار 1 / 117 والتلويح 1 / 288 وتيسير التحرير 2 / 176، وروضة
الناظر 90.
(3) هذا قول الحنفية وبعض أصحاب الشافعي وعامة المتكلمين. وذهب الشافعي وعامة أصحابه وعامة أهل
الحديث وأبو علي الجبائي وعبد الجبار بن أحمد من المتكلمين إلى جوازه، كما إذا قال شخص لاخر لا تنكح ما نكح أبوك،
أو قال توضأ لمن مسن المرأة إرادة العقد والوطء، وإرادة المس باليد والوطء.. وجوازه عندهم إذا لم
يتضاد المعنيان، فان تضادا كما إذا أريد بالامر الوجوب والندب، أو الإباحة والتهديد، أو أريد بالمشركين الكل
والبعض فلا يجوز مع صلاحيته لكل واحد لان العمل بهما مستحيل، فكون الفعل واجبا يأثم بتركه يضاد كونه
ندبا أو مباحا لا يأثم بتركه فيستحيل الجمع بينهما.
راجع في ذلك كشف الاسرار للبزدوي 2 / 45 وتحقيق المحصول للرازي 1 / 173
وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 428 والمنار مه شروحه 378 وارشاد الفحول 28 وذكر السرخسي ان
بعض العراقيين يرون ان الحقيقة والمجاز لا يجتمعان في لفظ واحد في محل واحد، ولكن في محلين مختلفين يجوز
ان يجتمعا. أصول السرخسي 1 / 177.
ونقل الجصاص جواز اجتماع الحقيقة والمجاز عند أبي يوسف ومحمد. راجع ورقة 7 / ب مخطوط 229 أصول
فصل الأسماء المشتركة.
46

وذلك نحو القرء (1) انه حقيقة في الحيض مجاز في الطهر (2) فالواجب حمله على الحقيقة
حتى تقوم دلالة المجاز ولا يجوز أن يراد المعنيان جميعا في حال واحدة

(1) القرء مفرد القروء. قال الأصمعي: الواحد القرء بضم القاف، وقال أبو زيد: القرء بالفتح. وكلاهما
قال أقرأت المرأة حاضت وأقرأت طهرت. قال الأخفش: قرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض، فإذا
حاضت قلت: قرأت بلا ألف. وقال أبو عمر ابن العلاء: من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي
الطهر قرءا، ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا.
والحاصل ان القرء في لغة العرب مشترك بين الحيض والطهر ولأجل ذلك الاشتراك تشاغل الناس قديما وحديثا
من فقهاء ولغويين في تقديم أحدهما على الاخر وأهل اللغة اتفقوا على أن القرء الوقت. فقالوا في قوله تعالى:
" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " ثلاثة أوقات. فتصير الآية مفسرة في العدد محتملة في المعدود فوجب
طلب بيان المعدود من غيرها. وذكر الجصاص بعد أن ساق الأقوال في معنى القرء قال: ولم يقل أحد منهم ان
القرء خروج من حيض إلى طهر أو من طهر إلى حيض. انظر احكام القرآن للجصاص 1 / 434 وقد وجدت في
تفسير المحيط قوله: روي عن الشافعي ان القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض. تفسير البحر المحيط 1 / 186.
راجع للتوسع فتح البيان 1 / 366 واحكام القرآن للقرطبي 1 / 184 وتفسير الطبري 2 / 438 وتفسير ابن عباس
31 والرسالة للشافعي 563.
(2) قال أبو عبيدة المشهور انه حقيقة فيهما كالشفق اسم للحمرة والبياض جميعا وقال آخرون انه حقيقة في الحيض
مجاز في الطهر ومنهم من عكس الامر. وقال آخرون انه موضوع بحيثية معنى واحد مشترك بين الحيض والطهر.
ومدار اختلافهم على قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " فمن رأى أن القرء حقيقة في الحيض
حمله عليه ومن رأى أنه الطهر حمله عليه، فقال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبو موسى وابن
عباس ومجاهد وسعد بن جبير وقتادة وعكرمة والضحاك ومقاتل والسدي والربيع وأبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من
فقهاء الكوفة ان القرء الحيض فهو حقيقة فيه.
وقال زيد بن ثابت وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وعائشة وابن عمر وابن عباس والزهري وابان بن عثمان
وسليمان بن يسار والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح ومالك والشافعي وغيرهم من فقهاء الحجاز ان القرء
الطهر فهو حقيقة فيه.
وراجع في بسط الموضوع أحكام القرآن للجصاص 1 / 430 وتفسير الطبري 2 / 438 وتفسير المنار 2 / 370
وتفسير البحر المحيط 2 / 186 واحكام القرآن 1 / 184 وتحقيق المحصول 1 / 130 وفتح البيان 1 / 366 وتفسير
الخازن 1 / 224 والكشاف للزمخشري 1 / 365 واحكام القرآن لابن العربي 3 / 112 وأضواء البيان في ايضاح
القرآن بالقرآن وهو خير من استوفى الموضوع فليراجع 1 / 130.
47

ومن نظائر ذلك قوله تعالى تنكحوا ما نكح آباؤكم (1) واسم النكاح حقيقة
للوطء مجاز للعقد (2) فالواجب إذا ورد مطلقا حمله على الوطء حتى تقوم الدلالة على
غيره ولا يجوز أن ينتظمهما في حال واحدة لما وصفنا
وكذلك كان يقول (1) في اللفظ إذا تناول معنيين وهو صريح في أحدهما كناية عن
الآخر أنه لا يجوز أن يراد المعنيان جميعا بلفظ واحد لأن هذا يوجب كون اللفظ صريحا كناية
في حال واحدة وهذا محال
وأيضا فإنه متى أراد أحدهما فكأنه قد نص عليه بعينه فانتفى أن يكون عبارة عن
الآخر
ومتى ورد مطلقا وجب حمله على الصريح دون الكناية حتى تقوم الدلالة على أن
المراد الكناية وذلك نحو قوله تعالى لامستم النساء (2)
فاللمس حقيقة باليد ونحوها فهو كناية عن الجماع (3) فغير جائز أن يكون المراد به

(1) الآية 22 من سورة النساء.
(2) ورد لفظ النكاح في القرآن الكريم مرادا به العقد ومراد به الوطء. واختلف فيه القدماء من العلماء وتكلم فيه
المتأخرون.
أما كونه للعقد فقوله تعالى " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " وقوله: " فانكحوهن بإذن أهلهن " وقوله:
" وانكحوا الأيامى منكم ".
وأما للوطء فقوله تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح "... اي إذا بلغ اليتامى وقت القدرة على وطء
النساء.
واما الذي اختلف فيه العلماء فقوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ".
وذهب بعض العلماء إلى أن لفظ النكاح حقيقة في الوطء وذهب آخرون إلى أنه حقيقة في العقد وذهب آخرون
إلى أنه حقيقة فيهما على طريقة الاشتراك.
والذي نرجحه من هذه الآراء انه حقيقة للوطء مجاز للعقد وذلك أن العقد سمي نكاحا لأنه سبب يتوصل به إلى
الوطء، ولملابسته له من حيث أنه طريق إليه ونظيره تسمية الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الاثم. ومثله الشعر
الذي يولد الصبي وهو على رأسه يسمى عقيقة ثم سميت الشاة التي تذبح عنه عند حلق ذلك الشعر عقيقة،
ونحو الغائط هو اسم المكان المطمئن من الأرض ويسمى به ما يخرج من الانسان مجازا.
وراجع استكمال هذا المبحث وآثار اختلافهم الفقهي في احكام القرآن للجصاص 2 / 136 واحكام القرآن
للقرطبي 14 / 203 والكشاف للزمخشري 3 / 267 والتفسير الكبير للرازي 3 / 182 وفتح البيان 7 / 382
وتفسير الطبري 5 / 354 وحاشية الجمل 1 / 269 وطلبة الطلبة في الاصطلاحات للنسفي 39.
(1) يعني شيخه أبا الحسن الكرخي.
(2) الآية 43 من سورة النساء والآية 6 من سورة المائدة.
(3) قرئت هذه الآية " أو لامستم النساء " وقرئت " أو لمستم " بغير ألف. واختلف العلماء في معنى الملامسة على
قولين.
أحدهما: انه الجماع وهو قول علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة.
ووجه هذا القول ان الله تعالى كنى باللمس عن الجماع لان اللمس يوصل إليه، قال ابن عباس ان الله حي
كريم يكنى عن الجماع بالملامسة.
والقول الثاني: ان المراد باللمس هما التقاء البشرتين سواء كان بجماع أو بغير جماع، وهو قول ابن مسعود وابن
عمر والشعبي والنخعي.
ووجه هذا القول ان اللمس حقيقة في اللمس باليد فاما حمله على الجماع فمجاز والأصل حمل الكلام على
الحقيقة لا على المجاز.
وأما قراءة من قرأ " أو لامستم " فالملامسة مفاعلة من اللمس لا تدل على المجامعة أيضا على الاطلاق - كما قال
الخازن - لأنه قد ورد في الحديث النهي عن بيع الملامسة قال أبو عبيدة في معناها هي ان يقول إذا لمست ثوبي أو
لمست ثوبك فقد وجب البيع فالملامسة في الحديث بمعنى اللمس باليد، وإذا كانت مستعملة في غير المجامعة لم
يدل قوله تعالى " أو لامستم النساء " على صريح الجماع بل حمل على الأصل الموضوع له وهو اللمس باليد.
راجع تفسير الخازن 1 / 533 وفتح البيان 2 / 285 واحكام القرآن لابن العربي 1 / 443 وتفسير ابن عباس 57
48

المعنيين جميعا في حال واحدة
على انتفاء إرادة المعنيين جميعا (1) أن الصحابة لما اختلفت في مراد الآية ان كل
من أثبت المراد أحد المعنيين نفى المعنى الآخر أن يكون مرادا وذلك أن أمير المؤمنين
عليا (2) وابن عباس (3) رضي الله عنهما (4) قالا المراد الجماع وكان عندهما ان اللمس باليد

(1) يرد الجصاص بهذا على قول مرجوح يرى أن المراد بالمس الجماع ومطلق المباشرة راجع فتح البيان
2 / 285 وفتح القدير للشوكاني 1 / 470.
(2) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن، أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين، وأحد
العشرة المبشرين بالجنة. وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وأحد الشجعان الابطال ومن أكابر الخطباء والعلماء
بالقضاء وأول الناس إسلاما بعد خديجة. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي سنة 40 هجرية غيلة. روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم 586 حديثا راجع ترجمته في: ابن الأثير حوادث سنة 40 والطبري 6 / 83 والبدء والتاريخ 5 / 73
وصفة الصفوة 1 / 118 واليعقوبي 2 / 154 ومقاتل الطالبيين 14 وحلية الأولياء 1 / 61 وشرح نهج البلاغة
2 / 579 ومنهاج السنة 3 / 2 وتاريخ الخميس 2 / 276 والمرزباني 279 والمسعودي 2 / 20 والاسلام والحضارة
العربية 2 / 141 والرياض النضرة 2 / 153 والإصابة ترجمة رقم 5690 انظر الاعلام 5 / 108.
(3) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس، حبر الأمة الصحابي الجليل ولد بمكة ونشأ في
بدء عصر النبوة فلازم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وشهد مع علي الجمل وصفين وكف
بصره آخر حياته توفي في الطائف سنة 68 هجرية له في الصحيحين 1660 حديثا. راجع ترجمته في الإصابة
ترجمة رقم 4772 وصفة الصفوة 1 / 314 وحلية الأولياء 1 / 314 وذيل المذيل 21 وتاريخ الخميس 1 / 167
ونسب قريش 26 والمحبر 289. انظر الاعلام 4 / 228.
(4) ذكر الناسخ بعد اسم علي " عليه الصلاة والسلام " ولم يذكر شيئا بعد ذكره اسم ابن عباس، وهذا من تصرفات
النساخ فإنهم لا يلتزمون لفظا معينا بالنسبة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في الغالب يخضع لغرض الناسخ، حتى
لفظ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يخضع لتصرفات النساخ فيعبر بعضهم ب‍ " عليه السلام " أو " صلى الله عليه
أو عليه الصلاة والسلام ".. الخ وقد يهمل بعضهم الصلاة، وهذا صلف وفحش، ولو سلمنا انها من لفظ
الجصاص فلا بأس بها وتحمل على توقير آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان الأفضل اختصاص الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ".
49

غير مراد وقال عمر (1) وعبد الله بن مسعود رحمة الله عليهما المراد اللمس باليد دون الجماع
فكانا من أجل ذلك لا يريان للجنب أن يتيمم (2) فحصل من اتفاقهم انتفاء إرادة المعنيين
جميعا بلفظ واحد وهذا يدل على أنهم كان لا يجيزون إرادة المعنيين بلفظ واحد على الحد
الذي بيناه
فصل
قال أبو بكر
الظواهر ما يقضي عليه دلالة الحال فينقل حكمه إلى ضد موجب لفظه في
حقيقة اللغة نحو قوله تعالى ما شئتم (3) شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (4)
واستفزز من استطعت منهم (5) ونحو ذلك
فلو ورد هذا الخطاب مبتدئا عاريا عن دلالة الحال لكان ظاهره يقتضي إباحة جميع الأفعال
وهو في هذه الحال وعيد وزجر بخلاف ما يقتضيه حكم اللفظ المطلق العاري عن
دلالة الحال

(1) هو عمر بن الخطاب بن نفيل أبو حفص القرشي العدوي ثاني الخلفاء الراشدين المتوفي سنة 23 ه‍. انظر
ترجمته في الإصابة 2 / 511 وشفاء العليل 44.
(2) قال ابن عبد البر: لم يقل بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار.
وأيضا الأحاديث الصحيحة تدفعه وتبطله كحديث عمار وعمران بن الحصين وأبي ذر في تيمم الجنب.
وقال مالك: الملامس بالجماع يتيمم والملامس باليد يتيمم إذا التذ. فان لمسها بغير شهوة فلا وضوء وبه قال احمد
واسحق، وقال الشافعي إذا أفضى الرجل بشئ من بدنه إلى بدن المرأة سواء كان باليد أو بغيرهما من أعضاء
الجسد انتقضت به الطهارة وإلا فلا، وحكاه القرطبي عن ابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة.
راجع في بسط الموضوع واستيفائه فتح القدير للشوكاني 1 / 470 وفتح البيان 2 / 285 - 286 واحكام القرآن
لابن العربي 1 / 443 والخازن 1 / 533 وتفسير الطبري 8 / 389 وحاشية الجمل 1 / 385.
(3) الآية 40 من سورة فصلت.
(4) الآية 29 من سورة الكهف.
(5) الآية 64 من سورة الإسراء.
50

ومن نظائر ذلك قول النجاشي (1)
إذا الله عادى أهل لؤم ورقة (2) فعادى أخبرنا بني العجلان رهط ابن مقبل (3)
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل (4)
ومعلوم أن الناس يتمدحون بنفي الغدر والظلم عن أنفسهم وهو في هذا الموضع ذم
وهجاء فخرج اللفظ مخرج الهجاء فكان معناه انهم أقل من أن يوثق لهم بذمة يغدرون
بها وأعجز من أن يظلموا أحدا فكانت دلالة الحال ناقلة لحكم اللفظ إلى ضد مقتضاه
وموجبه لو كان وروده (5) مطلقا
ومما اعتبر أصحابنا في هذا المعنى من مسائل الفقه قولهم من قامت امرأته لتخرج
فقال لها إن خرجت فأنت طالق أنها إن قعدت ثم خرجت بعد ذلك لم يحنث وكذلك لو
قال الرجل تغد عندي اليوم فقال إن تغديت فعبدي حشر ان هذا على ذلك الغداء بعينه فان تغدى فعنده بعد ذلك لم يحنث
وكذلك لو قال والله إن تغديت اليوم فعبدي حر (6) فصارت اليمين على اليوم
لدلالة الحال عليها
قال أبو بكر
ومما يجب مراعاته من مغالطات الخصوم في هذا الباب احتجاجهم في زعمهم

(1) ذكر في النسخة (ح) النحاس والصواب النجاشي الحارثي. وهو قيس بن عمرو بن مالك. من بني الحارث بن
كعب وكان فاسقا رقيق الاسلام. انظر ترجمته في الإصابة 6 / 263 - 264 والاشتقاق 239 واللآلي 890 -
891 والخزانة 4 / 368 وله في تاريخ الطبري شعر 4 / 264 راجع الشعر والشعراء 1 / 329.
(2) في نسخة أصول الفقه للجصاص 229 أصول كتبت " وقلة " ولم أجد من المراجع من ذكره هكذا وصحة البيت
" ورقة " الا ان الجمحي ص 34 ذكره بلفظ ودقة هكذا بالدال. فالتعبير بالراء يريد أحسابهم رقيقة ضعيفة
وبالدال انها دقيقة خسيسة. وراجع الشعر والشعراء 1 / 330.
(3) وابن مقبل: هو تميم بن أبي بن مقبل من بني العجلان وكان جاهليا اسلاميا. انظر ترجمته في الجمحي 34
واللآلي 68 والإصابة 1 / 195 - 196 والخزانة 1 / 113 وفي الاشتقاق 8 انه يكنى أبا الحرة. وفي الجمحي " انه
شاعر خنذيذ مغلب عليه النجاشي. ولم يكن إليه في الشعر. وقد قهره في الهجاء " وفي الإصابة " انه أدرك
الاسلام فاسلم وكان يبكي أهل الجاهلية وبلغ مائة وعشرين سنة " وراجع الشعر والشعراء 1 / 455.
(4) البيتان من قصيدة يهجو بها بني العجلان وانظر قصة احتكام بني العجلان إلى عمر بن الخطاب في هذه الأبيات
ومحاورة عمر لهم في الشعر والشعراء 1 / 329.
(5) لفظ ح " ورد " وهو تصحيف.
(6) ما بين القوسين ساقط وقدرناه اجتهادا.
51

بعموم (1) ألفاظ من الكتاب والسنة متى حصلت عليهم وكشف عن حقيقتها لم يتحصل منها
شئ نحو احتجاج بعضهم في أن رقبة الظهار (2) شرطها أن تكون مؤمنة (3) بقوله تعالى
ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون (4)
والكافر خبيث ولا يجوز زعم بالظاهر ونحن متى سلمنا أن العتق من الإنفاق لم يكن
في لفظ الآية دلالة على ما قالوا وذلك لان الخبيث هو كفر الكافر لا عين فعل الله تعالى
وغير جائز أن يذم من أجلها
والذي أنفقه المعتق بعتقه ليس هو الكفر وإنما هو العتق والعتق ليس بخبيث وكيف
يكون خبيثا وهو قربة إلى الله تعالى فلم يحصل لهذه الآية تعلق بهذه المسألة
ونظيره احتجاج من احتج منهم بسقوط حق الإمام في أخذ صدقة السائمة (5) إذا

(1) في ح فعموم وهو تصحيف.
(2) الظهار مأخوذ من الظهر لان الوطء ركوب والركوب غالبا انما يكون على الظهر وكانوا في الجاهلية إذا كره
أحدهم امرأته ولم يرد ان تتزوج بغيره إلى منها أو ظاهر فتصير لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره وكان طلاقا في
الجاهلية وأول الاسلام حتى ظاهر أوس بن الصامت من امرأته خولة بنت ثعلبة ونزلت سورة المجادلة حين
جادلته عليه الصلاة والسلام.
راجع الخرشي على مختصر خليل 4 / 101، وشرح كتاب النيل 3 / 393 وبلغة السالك 1 / 483 والمقدمات
لابن رشد 2 / 139.
(3) قال الشافعي في الام إذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها لم يجزه فيها
الا تحرير رقبة ولا تجزئه رقبة على غير دين الاسلام لان الله عز وجل يقول في القتل فتحرير رقبة مؤمنة وكان شرط الله تعالى في رقبة
القتل إذا كانت كفارة كالدليل، والله تعالى اعلم على أن لا يجزئ رقبة في الكفارة الا مؤمنة. فمن أعتق في
ظهاره غير مؤمنة فلا يجزئه وعليه ان يعود فيعتق مؤمنة.
وعلى هذا المالكية والحنابلة الا الحنفية فقالوا تجزئة اي رقبة مؤمنة كانت أو كافرة راجع استيفاء الموضوع في الام
5 / 280 والمقنع لابن قدامة المقدسي 3 / 247 والروض الندى شرح كافي المبتدي للبعلي 417 وقوانين الأحكام الشرعية
للغرناطي 255 وجواهر الإكليل 1 / 375 والشرح الكبير للدسوقي 2 / 448 والخرشي على مختصر
خليل 4 / 112 والمدونة 6 / 75 والوجيز للغزالي 2 / 81 وحاشية البرماوي على شرح الغاية للغزي 410
والمجموع 16 / 368 وحاشية البيجرمي على المنهج 4 / 58 والبهجة في شرح التحفة 1 / 328 والتنبيه للشيرازي
119 وبدائع الصنائع 6 / 2897 ودرر الحكام في شرح غرر الاحكام 1 / 394 واللباب في شرح الكتاب
للميداني 3 / 70 وكنز الدقائق 113 وحاشية الطحاوي على الدرر المختار 2 / 198 وحاشية فتح المعين على
شرح الكنز 2 / 299 وشرح الزيلعي على متن الكنز 3 / 6 وفتح القدير للشوكاني 3 / 234.
(4) الآية 267 من سورة البقرة.
(5) السائمة الراعية، يقال: سامت تسوم سوما اي رعت فهي سائمة وأسامها صاحبها يسيمها أسامة. وجمع
السائم والسائمة سوائم. وقال الله تعالى " فيه تسيمون ".
ويقال: سوم فيها الخيل اي أرسلها ومنه السائمة، والسوام والسائم بمعنى وهو المال الراعي. انظر طلبة الطلبة
60 وصحاح الجوهري 2 / 300 والتعريفات للجرجاني 78.
52

أعطاها رب المال المساكين بقوله تعالى تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها
الفقراء فهو خير لكم (1)
فيستدل بظاهر قوله تعالى خير لكم على سقوط حق الإمام في أخذها متى
أخرجها رب المال
وهذا نظير ما ذكرناه في الفصل الذي قبله لأن هذه الآية إنما تدل على أنه إذا أعطاها
الفقراء وأخفاها فهر خير له ولا دلالة فيه على أن الإمام لا يأخذها منه ثانيا
وموضع دلالة الآية لا يتنافى (2) لأنا نقول إخفاؤها خير له وللإمام مع ذلك
أخذها فإذن لا دلالة في الآية على موضع بكر الخلاف بل دلالتها على صحة قولنا أظهر منها
على قول المخالف لأنا نقول هو خير له لأن الإمام يأخذ مرة أخرى فيحصل له الصدقة
مرتين فيكون خيرا له من هذا الوجه
ومن نظائر احتجاجهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه ثلاثا في الوضوء قالوا
فهذا أولى من رواية من روى المسح مرة واحدة (3) لأنه زائد عليه وخبر الزائد أولى ومتى
حملت عليهم معنى هذا الخبر وقابلته بموضع الخلاف لم يعترض عليه لأنا لم نختلف فيه أنه
يمسح ثلاثا وإنما الخلاف بيننا وبينهم في تحديد الماء لكل مسحة وليس لهذا المعنى ذكر في
الخبر والاحتجاج به ضرب من المغالطة
ونحوه الاستدلال بقول النبي صلى الله عليه وسلم في دم الحيض حتيه ثم أقرصيه ثم اغسليه
بالماء (4)

(1) الآية 271 من سورة البقرة.
(2) متب في النسخة (سسا) بدون نقط، وهي أقرب إلى " يتأتى " مع خطأ الاملاء وما أثبتناه هو الصحيح.
(3) قال أبو داود في سننه أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة، وكذا قال ابن المنذر:
ان الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه
المبالغة في الاسباغ وبان العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء والدلك
ليس بشرط على الصحيح عند أكثر العلماء.
فتح الباري كتاب الوضوء باب 7 (1 / 241) وراجع كتاب الوضوء أيضا الأبواب 7 - 24 - 28 - 32 - 38 -
42 - 45. وصحيح مسلم في كتاب الطهارة:
الأحاديث رقم 3 - 4 - 18 - 19 ح‍ 3، وعون المعبود كتاب الطهارة باب 24 - 29 - ح‍ 1 والنسائي كتاب
الطهارة باب 67 - 68 ح‍ 1 وابن ماجة كتاب الطهارة باب 6 - 39 ح‍ 1 والدارمي كتاب الوضوء باب 27 -
36 - 37 ح‍ 2 والموطأ كتاب الطهارة الأحاديث رقم 1 - 30 - 39 - 41 وأحمد (1 / 175) والمنتقى 48
(4) " حتيه " أمر للمؤنث المخاطب من باب قتل قال الأزهري الحت: أن يحك بطرف حجر أو عود، والقرص ان
يدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكا شديدا ويصب عليه الماء حتى تزول عينه وأثره.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، ولفظ البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا
أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصل فيه " فتح الباري كتاب الحيض باب
9 (1 / 410 /).
وأخرجه أبو داود عن هشام بلفظ " حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه " عون المعبود كتاب الطهارة باب 131
(2 / 25)
وأخرجه النسائي في كتاب الطهارة باب 184 ح‍ 1 وكتاب الحيض باب 26 ج 1 وتحفة الأحوذي كتاب الطهارة
باب 104 ح‍ 1، والدارمي كتاب الوضوء باب 105 وانظر نيل الأوطار باب الحت والقرص والعفو عن الأثر
بعدهما 1 / 51 والمنتقى من أحاديث الاحكام 13.
53

على أن غسل النجاسات لا يجوز إلا بالماء وهذا غلط وليس فيه بيان موضع الخلاف
لأن الذي تضمنه الخبر الأمر بغسل دم الحيض بالماء ومتى أزيل الدم بخل أو نحوه لم يبق
هناك دم تناوله لفظ الخبر فإذن لا تعلق (1) لهذا الخبر قد بمسألة الخلاف
ومثله استدلال من استدل على نجاسة الماء بموت الذباب فيه (2) بقوله تعالى
حرمت عليكم الميتة (3) والآية إنما أوجبت تحريم الميتة والماء الذي فيه ميتة لا يسمى ميتة
فيكف يجوز اعتبار عموم لفظ لم يتناول الماء بحال
ونظيره استدلال من يستدل على ضمان العارية والسرقة (4) عند الهلال بقوله صلى الله عليه وسلم
على اليد ما أخذت حتى ترده (5)
والخبر انما أوجب رد المأخوذ بعينه والقيمة التي يريد المخالف تضمينها إياه لا ذكر لها
في الخبر فاعتبار العموم فيه ساقط
ومما يكثر استعماله من ألفاظ العموم بين المناظرين حديث القاسم بن محمد (6) عن

(1) من هنا تبدأ النسخة (د) وما سبق ساقط منها.
(2) عبارة د " فيه الذباب ".
(3) الآية 3 من سورة المائدة.
(4) لفظ ح: " والسارقة " وهو تصحيف.
(5) الحديث أخرجه الترمذي عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " على اليد ما أخذت حتى تؤدي ". قال الترمذي: هذا
حديث حسن صحيح. تحفة الأحوذي كتاب البيوع باب 39 ح‍ 4 وأخرجه ابن ماجة كتاب الصدقات باب
801 ح‍ 2. وأحمد 5 / 8، 12، 13
(6) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أحد الفقهاء السبعة في المدينة ولد فيها.
وتوفي بقديد (بين مكة والمدينة) حاجا أو معتمرا. وكان صالحا ثقة قال ابن عيينة: كان القاسم أفضل أهل زمانه
راجع ترجمته في: الجرح والتعديل القسم الثاني من الجزء الثالث 118 ونكت الهميان 230 والوفيات 1 / 418
وصفة الصفوة 2 / 49 وحلية الأولياء 2 / 183 انظر الاعلام 6 / 15.
54

عائشة (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من أدخل في أمرنا ما ليس (فيه) (2) فو رد (3) ويروي
من أدخل في ديننا ما ليس منا فهو رد (4) وهذا (5) اللفظ مما لا يصح لأحد (6) الاحتجاج
به على مخالفة في فساد (7) العقود والقرب وذلك لأنه يحتاج في إثبات ما رام إثباته إلى دلالة
غير اللفظ إذا كان أكثر (8) ما فيه أن الشئ إذا حصل منهيا عنه كان مردودا
نظير ذلك اختلافهم في الصلاة في الدار المغصوبة (9)
إذا احتج مبطلوها وفي بهذا الخبر

(1) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق - أم المؤمنين، وزوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة 57.
انظر ترجمتها في مرآة الجنان 1 / 129 وعائشة بنت الصديق عبد الكريم الخطيب 62 والإصابة في كتاب النساء
ترجمة رقم 701 والسمط الثمين 29 وطبقات ابن سعد 8 / 39 والطبري 3 / 67 وذيل المذيل 70 وأعلام
النساء 20 / 760 وحلية الأولياء 2 / 43 وتاريخ الخميس 1 / 475 والدر المنثور 280 وصبح الأعشى 5 / 435
انظر الاعلام 4 / 5 وتذكرة الحفاظ 1 / 23.
(2) سقطت من ح.
(3) الحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ولفظ البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد " فتح الباري كتاب الصلح باب 5 (5 / 301).
وأخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه (منه)
فهو رد " قال أبو عيسى: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد " عون المعبود كتاب السنن باب 5
(12 / 356) وأخرجه أحمد بلفظ " من صنع أمرا من غير أمرنا فهو مردود " مسند أحمد 6 / 73، 180.
وأخرجه الدارمي بلفظ " من أحدث رأيا ليس بكتاب الله... " مسند الدارمي المقدمة باب 30 ح‍ 1، وانظر
مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار 1 / 27 و 1 / 63.
(4) لم ترد هذه الزيادة في (د).
(5) في د " فهذا ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) في د " افساد ".
(8) في ح " غير " وهو تحريف.
(9) اختلف العلماء في النهي عن الشئ لغيره نحو النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة فقيل لا يقتضي الفساد
لعدم مضادته لوجوب أصله لتغاير المتعلقين والظاهر أنه يضاد وجود أصله لان التحريم هو ايقاع الصلاة في
ذلك المكان كما صرح به الشافعي واتباعه وجماعة من أهل العلم فهو كالنهي عن الصوم في يوم العيد لا فرق
بينهما.
وأما الحنفية فيفرقون بين النهي عن الشئ لذاته ولجزئه ولوصف لازم ولوصف مجاور ويحكمون في بعض
بالصحة وفي بعض بالفساد في الأصل أو في الوصف ولهم في ذلك فروق وتدقيقات لا تقوم بمثلها الحجة. قال
الشوكاني: نعم النهي عن الشئ لذاته أو لجزئه الذي لا يتم الا به يقتضي فساده في جميع الأحوال والأزمنة
والنهي عنه للوصف اللازم يقتضي فساده، ما دام ذلك الوصف والنهي عنه لوصف مفارق أو لأمر خارج يقتضي
النهي عنه عند إيقاعه متصفا بذلك الوصف وعند إيقاعه في ذلك الامر الخارج عنه لان النهي عن ايقاعه مقيد بهما
يستلزم فساده ما دام قيدا له.
راجع ارشاد الفحول 111 والفتاوى لابن تيمية 20 / 118 /، 159، 16 / 531، 11 / 675
55

قيل لهم قد علمنا أنه منهي عن ذلك فما الدلالة على أن جواز الصلاة في هذا (1)
الحال ليس من أمره إذ ليس يمنع أن يكون إباحة الصلاة في هذه الدار ليس من أمره
ويكون جوازها وسقوط الفرض بها من أمره وهذا (2) موضع خلاف فيحتاج المحتج
بالخبر إلى أن يقيم دلالة من غير الخبر على أن جوازها ليس من أمره فيسقط الاستدلال به
وهذا الضرب من احتجاج (3) المخالفين أكثر من أن يحصى وانما ذكرنا منه طرفا لننبه
به على (4) نظائره ولئلا يحسن الظن به (5) فيما يدعيه ظاهرا حتى يوافق على تصحيح وجه
الدلالة منه فان أكثر احتجاجاتهم (1) تجري هذا المجرى فمتى (2) طولب (3) بتحقيقه (4)
اضمحل (5)

(1) في د " هذه ".
(2) في د زيادة " هو ".
(3) لفظ د " حجاج ".
(4) لفظ ح " عن ".
(5) لفظ د " بأنهم " وهو تحريف.
(1) لفظ د " حجاجهم ".
(2) لفظ د " ومتى ".
(3) لفظ ح " طولبوا ".
(4) لفظ ح " بحقيقتها ".
(5) لفظ ح " اضمحلت " والاختلاف بين النسختين في هذه المواضع الثلاثة السابقة ان نسخة ح أرجعت الضمائر
إلى لفظ " احتجاجاتهم "، ونسخة د أرجعت الضمائر إلى لفظ " وجه الدلالة " وهو أنسب.
56

الباب الثاني
في
صفة النص
57

باب
في صفة النص
قال أبو بكر
النص كل (1) ما يتناول عينا مخصوصة بحكم ظاهر المعنى بين المراد فهو نص (2)
وما يتناوله العموم فهو نص أيضا وذلك لأنه لا فرق بين الشخص المعين إذا أشير إليه بعينه
وبين حكمه وبين ما يتناوله العموم
إذ كان العموم اسما لجميع ما تناوله وانطوى تحته

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لم أجد هذا التعريف بنصه عند الحنفية أو غيرهم.
والمراد بالنص عند الحنفية هو دلالة اللفظ على ما سيق له أو ما زاد وضوحا على الظاهر أو ما يزاد وضوحا بقرينة
تقترن باللفظ من المتكلم ليس في اللفظ ما يوجب ذلك ظاهرا بدون تلك القرينة. وقال الغزالي النص اسم
مشترك يطلق في تعارف العلماء على ثلاثة أوجه:
الأول: ما أطلقه الشافعي رحمه الله فإنه سمي الظاهر نصا، وهو منطبق على اللغة ولا مانع منه في الشرع، وفي
الحديث " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد فرجة نص " فعلى هذا حده حد الظاهر: هو اللفظ الذي يغلب على الظن
فهم معنى منه من غير قطع فهو بالإضافة إلى ذلك المعنى الغالب ظاهر ونص.
والثاني وهو الأشهر: ما لا يتطرق إليه احتمال أصلا لا على قرب ولا على بعد، كالخمسة مثلا فإنه نص في
معناه لا يحتمل الستة ولا الأربعة وسائر الاعداد، ولفظ الفرس لا يحتمل الحمار والبعير وغيره فكل ما كانت
دلالته على معناه في هذه الدرجة سمي بالإضافة إلى معناه نصا في طرفي الاثبات والنفي اي في اثبات المسمى
ونفي ما لا يطلق عليه الاسم، فعلى هذا حده: اللفظ الذي يفهم منه على القطع معنى فهو بالإضافة إلى معناه
المقطوع به نص، ويجوز ان يكون اللفظ الواحد نصا ظاهرا مجملا لكن بالإضافة إلى ثلاث معان إلى معنى
واحد.
الثالث: التعبير بالنص عما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل. اما الاحتمال الذي لا يعضده دليل فلا
يخرج اللفظ عن كونه نضا، فكان شرط النص بالوضع الثاني ان لا يتطرق إليه احتمال أصلا، وبالوضع الثالث
ان لا يتطرق إليه احتمال مخصوص وهو المعتضد بدليل ولا حجر في إطلاق اسم النص على هذه المعاني الثلاثة
لكن الاطلاق الثاني أوجه وأشهر وعن الاشتباه بالظاهر أبعد واليه نميل.
راجع المستصفي 1 / 384 وأصول السرخسي 1 / 164 ومرآة الأصول 1 / 399 وأصول الفقه لأبي زهرة 115
وكشف الاسرار للبزودي 1 / 48 وما بعدها والمنار مع شروحه 350 والتلويح على التوضيح 1 / 409.
59

والمنصوص عليه ما نص عليه باسمه
ومن الدليل على ذلك أن أحدا من المسلمين لا يمتنع من اطلاق القول بأن (1) الله
تعالى قد نص على تحريم الام بقوله تعالى عليكم أمهاتكم (2) وان قطع السارق
منصوص عليه بقوله تعالى والسارقة (3) وكذلك جلد الزاني وايجاب القصاص
على قاتل العمد
وكل انما نص على حكمه بعموم لفظ ينتظم ما شمله الاسم من غير إشارة إلى عين
مخصوصة (4) وليس جواز دخول الاستثناء على لفظ العموم (5) وجواز تخصيصه بمانع (6) من
أن يكون نصا إذا لم تقم دلالة التخصيص كما أن العدد الذي يتناوله اسم العشرة منصوص
عليه بذكر العشرة مع جواز دخول الاستثناء عليها ولأن المشار إليه بعينه يجوز ادخال الشرط
عليه وتعليقه بحال أخرى ولم يمنع ذلك أن يكون نصا إذا عري من شرط أو ذكر حال
والنص في اللغة هو المبالغة في اظهار الشئ وابانته
فمنه قولهم نصصت الحديث إلى فلان بمعنى اني (7) أظهرت أصله
ومخرجه (8)
قال الشاعر
أنص فلا الحديث إلى أهله فان الأمانة في نصه
ومنه نصصت الدابة في السير إذا أظهرت أقصى ما عندها

(1) لفظ ح " فان ".
(2) الآية 23 من سورة النساء.
(3) الآية 38 من سورة المائدة.
(4) لفظ ح " منصوصه ".
(5) لفظ د " الاستثناء " وهو خطأ.
(6) لفظ ح " بمانعة ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) ومنه قولهم: نصصت ناقتي، قال الأصمعي: النص السير الشديد حتى يستخرج أقصى ما عندها. قال:
ولهذا قيل نصصت الشئ رفعته، ومنه منصة العروس، ونصصت الحديث إلى فلان اي رفعته إليه، وسير نص
ونصيص، ونصصت الرجل إذا استقصيت مسألته عن الشئ حتى تستخرج ما عنده، ونص كل شئ منتهاه،
وفي حديث علي رضي الله عنه " إذا بلغ النساء نص الحقاق " يعني منتهى بلوغ العقل، ونصنص البعير مثل
حصحص.
راجع الصحاح للجوهري 1 / 516 والقاموس المحيط 4 / 439.
60

قال (1) الشاعر (2)
تقطع الخرق يسير نص (3) ومنه المنصة وهو الفرش الذي يرفع ليقعد عليه
العروس ليكون ظاهرا (4) للحاضرين وكان أبو الحسن الكرخي (5) رحمه الله يقول في
معنى النص نحوا مما ذكرنا (6)
وكان يقول أيضا في اللفظ المحتمل لضروب من (7) التأويل ان ما قمت له الدلالة
على بعض المعاني انه هو (8) المراد جاز له أن يقول إن (9) هذا نص عندي
وكذلك إذا روى ذلك التأويل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجائز (10) ان يقال ان ذلك نص
الكتاب لبيان (11) النبي صلى الله عليه وسلم مراد الله تعالى فيه
وذلك نحو (12) قوله تعالى جعلنا لوليه سلطانا (13) يحتمل السلطان المعاني
المختلفة
فإذا قامت الدلالة عندنا على أن المراد به (14) القود جاز ان يقول قد نصت هذه الآية
على ايجاب القود لولي المقتول ظلما

(1) في د " وقال ".
(2) البيت أنشده أبو عبد.
(3) في النسختين " اقطع الحدق " والصواب ما أثبتناه.
" قال أبو عبيد النص التحريك حتى تستخرج من الناقة أقصى سيرها وانشد: وتقطع الخرق بسير نص.
انظر: لسان العرب 8 / 367 وتاج العروس 4 / 440.
(4) عبارة ح " لتكون ظاهرة ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لفظ د " ذكرناه " لا
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح. (9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ ح " فجاز ".
(11) لفظ د " ببيان ".
(12) عبارة د " ونحو ذلك ".
(13) الآية 33 من سورة الإسراء.
(14) لم ترد هذه الزيادة في ح.
61

الباب الثالث
في
معنى المجمل
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول أوجه وأقسام المجمل
الفصل الثاني الاحتجاج بعموم اللفظ المجمل
الفصل الثالث الأسماء المشتركة
62

باب في معنى المجمل
فصل
قال أبو بكر
المجمل على وجهين
أحدهما يقارب معناه معنى العموم لان العموم (1) لا بد من أن يشتمل على جملة
إذا كان يقتضى جمعا من الأسماء وكل جمع فهو جملة
فمعنى العام والمجمل لا يختلفان في هذا الوجه
فجائز (2) ان يعبر بالمجمل عن العام
وقد ذكر أبو موسى عيسى بن ابان (3) رحمه الله العام في مواضع فسماه مجملا وهذا
كلام في العبارة لا يقع في مثله مضايقة
(4) والوجه الاخر ان يكون الاجمال (5) في لفظ واحد مجهول فهذا لا يكون عموما ولا عبارة
عنه نحو قوله تعالى أموالهم حق للسائل والمحروم (6) (7) حديث ونحو قول (8) القائل
أعط (9) زيدا حقه (10) وهو ما أبينه لك بعد هذا فهذا مجمل ليس فيه معنى العموم:
فالمعقول عندهم من اطلاق لفظ العموم انه اللفظ المشتمل على مسميات قد علق

(1) سقطت هذه الزيادة من د.
(2) لفظ ح " فجاز ".
(3) عيسى من ابان البغدادي، فقيه أصولي توفي سنة 220 ه‍. معجم المؤلفين 8 / 18 والنجوم الزاهرة 2 / 235
(4) من بداية هذه الجملة حتى نهايتها عند قوله " قد يجوزان " في صفحة 276 وضعت خطا في ورقة 147 من
النسخة د في باب لزوم شرائع من كان قبل نبينا من الأنبياء عليهم السلام ورقة 145 / أو محلها الصحيح بعد
قوله: ولا يقع في مثله مضايقة من ورقة 1 / ب نسخة د، وتقابلها الورقة 4 / ب من النسخة ح.
(5) لفظ ح " الاحتمال " لا
(6) في د " المعلوم " وهو خطأ.
(7) الآية 19 من سورة الذاريات.
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) في ح " اعطى ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
63

به حكم يمكن استعماله على ظاهره وما تناوله لفظه غير مفتقر إلى بيان من غيره (1)
نحو قوله تعالى المشركين (2) وما أشبهه من ألفاظ الجمع المطلق
واما المجمل فهو اللفظ الذي يمكن استعمال حكمه عند وروده ويكون موقوفا على
بيان من غيره (3) وهو على قسمين
أحدهما ما يكون اجماله في نفس اللفظ بان يكون اللفظ في نفسه مبهما غير معلوم
المراد عند المخاطبين
والقسم الآخر ان يكون اللفظ مما يمكن استعماله لو خلينا وما يقتضيه ظاهره الا انه
يصير في معنى المجمل بما يقترن إليه مما (4) يوجب اجماله من لفظ أو دلالة (5)
فأما القسم الأول
فنحو قوله تعالى الله يفتيكم في الكلالة (6) وآتوا حقه يوم حصاده (7) وحتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (8) فقد (9) جعلنا لوليه سلطانا (10) وقول النبي صلى الله عليه وسلم

(1) قد فصلنا القول في التعريف ومناقشته في القسم الدراسي.
(2) الآية 5 من سورة التوبة.
(3) اختلفت كلمة الأصوليين في تعريف المجمل فعرف في مرآة الأصول بما خفى مراده بحيث لا يدرك الا ببيان
يرجى 1 / 409 وفي جمع الجوامع بحاشية العطار ما لم تتضح دلالته 2 / 93، وعرفه العزالي باللفظ الصالح لاحد
معتبين الذي لا يتعين لا يوضح اللغة ولا بعرف الاستعمال. انظر المستصفى 1 / 345 - 357 وفي
التوضيح هو ما خفي المراد منه بنفس اللفظ خفاء لا يدرك الا ببيان من المجمل 1 / 414.
ونحن نميل المعاني واشتبه فيه المراد اشتباها لا يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى الاستفسار ثم الطلب ثم
التأمل.
وذكر البخاري في شرحه لكلام البزدوي تعاريف كثيرة للعلماء فلتراجع في كشف الاسرار 1 / 53 و 54، 2 / 32
وانظر أصول السرخسي 1 / 126، 1 / 168 وتعريفه قريب من تعريف الجصاص وارشاد الفحول 167 ولب
الأصول 84 والابهاج 2 / 131 والاحكام للآمدي 2 / 195 وفتح الغفار 1 / 116 وروضة الناظر 93
والتعريفات للجرجاني 4، 6.
(4) في ح " ما ".
(5) راجع اختلاف الأصوليين في تقسيمات المجمل، كشف الاسرار للبزدوي 1 / 43 والمستصفى 1 / 361
(6) الآية 176 من سورة النساء.
(7) الآية 141 من سورة الأنعام.
(8) الآية 29 من سورة التوبة.
(9) في ح " وقد " وهو خطا.
(10) الآية 33 من سورة الإسراء.
64

أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم
إلا بحقها (1) وقوله صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يؤتمن فيه الخائن ويخون فيه الأمين ويتكلم
فيه الرويبضة (2) قيل يا رسول الله وما الرويبضة قال سفيه القوم يتكلم في أمر العامة (3)
وقد كان السامعون له من أهل اللغة ولم يعرفوا معناه حتى بينه لهم بعد سؤالهم إياه وكقول
القائل اعط زيدا حقه فهذا هو المجمل الذي اجماله في نفس اللفظ ولا سبيل إلى استعمال
حكمه الا ببيان من غيره
ومن هذا الضرب أسماء الشرع (4) الموضوعة فيه لمعان لم تكن موضوعة لها في اللغة

(1) الحديث أخرجه البخاري عن ابن عمر بلفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا
بحق الاسلام وحسابهم على الله وفتح الباري كتاب الايمان - باب 17 (1 / 75).
وانظر صحيح مسلم كتاب الايمان الأحاديث رقم 32 ص 200 و 34 ص 210 من رواية أبي هريرة و 36 ص
211 من رواية جابر.
والنص الذي أورده الجصاص يطابق رواية أبي هريرة مع زيادة " وحسابهم على الله " وهذه الزيادة عند ابن
خزيمة أيضا عن أبي صالح عن أبي هريرة. وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير سورة رقم 88 ح‍ 8 وابن ماجة
في كتاب الفتن الأبواب 1، 2، 3 ح‍ 2 وأخرجه الدارمي بنص مختلف 1 / 218 واحمد في مسنده 1 / 11، 19،
36، 48، 2 / 314، 377، 433، 439، 475، 482، 502، 528، 3 / 295، 300، 394، 4 / 8،
5 / 246.
وأخرجه النسائي كتاب الجهاد - وليس فيه وحسابهم على الله - باب 1 ح‍ 7 وانظر
مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث رقم 125 و 140.
(2) الروبيضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، وزيادة التاء
للمبالغة، والتافه الخسيس الحقير.
وقال ابن السكيت: فلان ما تقوم رابضته إذا كان يرمى فيقتل أو يعين فيقتل بالعين، قال: وأكثر ما
يقال في العين قال: والرويبضة الذي في الحديث الرجل التافه الحقير.
راجع صحاح الجوهري 1 / 525 والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير المطبعة العثمانية سنة 1311.
وانظر كلاما جيدا في مشكل الآثار للطحاوي 1 / 193.
(3) الحديث أخرجه ابن ماجة بلفظ مختلف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيأتي على الناس سنوات
خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها
الروبيضة، وقيل ما الروبيضة؟ قال الرجل التافه في أمر العامة ".
قال في الزوائد في اسناده إسحاق بن أبي الفرات، قال الذهبي في الكاشف مجهول، وقيل منكر. وذكره ابن حبان
في الثقات راجع سنن ابن ماجة 2 / 1340 وأخرجه أحمد 2 / 162، 199، 291، 338، 3 / 220 بلفظ
مختلف.
(4) لفظ ح " الشبوع " وهو تصحيف.
65

نحو الربا في اللغة (1) الزيادة يقال أربى فلان على فلان في القول والفعل والرابية هي
الأرض المرتفعة الزائدة على ما يليها (2)
وهو في الشرع اسم لمعان اخر غير ما كان اسما له في اللغة
قال النبي صلى الله عليه وسلم انما الربا في النسيئة (3) وقال عمر رضي الله عنه ان من الربا أبوابا لا
تخفى (4) منها السلم في السن (5) يعني في (6) الحيوان وقال عمر أيضا ان آية الربا من آخر
ما نزل (7) من القرآن وان النبي صلى الله عليه وسلم توفي من (8) قبل ان يبينه لنا فدعوا الربا والريبة (9)

(1) في د زيادة " هو ".
(2) ويقال ربا الشئ يربو اي زاد، والرابية الربو وهو ما ارتفع من الأرض، وربوت الرابية علوتها.
قال الفراء في قوله تعالى " فأخذهم أخذة رابية " اي زائدة، كقولك أربيت إذا اخذت أكثر مما أعطيت.
راجع صحاح الجوهري 2 / 480 والنهاية لابن الأثير 2 / 63 وتاج العروس 10 / 143.
(3) أخرجه البخاري من حديث أسامة بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " انما الربا في النسيئة ".
وأخرجه مسلم عن أسامة بن زيد، ورواية أخرى عن عبيد الله بن أبي يزيد وعطاء ابن أبي رباح عن ابن
عباس. والأحاديث التي ذكرها مسلم تدل على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغها حديث النهي عن
التفاضل في غير النسيئة فلما بلغهما رجعا إليه.
واما حديث أسامة الآخر " لا ربا الا في النسيئة " فقد فقال قائلون بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع
المسلمون على ترك العمل بظاهرة وتأوله آخرون بأنه محمول على غير الربويات وهو كبيع الدين بالدين
مؤجلا.
انظر صحيح مسلم كتاب المساقاة الأحاديث رقم 101، 102، 104 (11 / 25) وأخرجه ابن ماجة كتاب
التجارات باب 49 ح‍ 2. والنسائي كتاب البيوع باب 50 ح‍ 7 والدارمي كتاب البيوع باب 42 ح‍ 2 واحمد
5 / 200، 202، 204، 206، 209 ومسند الشافي 62 والمستدرك 2 / 43 ونيل الأوطار 5 / 162 ومبارق
الأزهار 1 / 200.
(4) لفظ د " لا تحصى ".
(5) ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يصح السلم في الحيوان وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عمر
وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن جبير والشعبي والجوزجاني لما روي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه " ان من
الربا أبوابا لا تخفى وان منها السلم في السن " ولأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا فلا يمكن ضبطه وان
استقصى صفاته التي يختلف بها الثمن. راجع المغني لابن قدامة 4 / 209.
(6) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(7) لفظ د " نزلت ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) اخرج ابن ماجة عن سعيد بن المسيب عمر ابن الخطاب قال: ان آخر ما نزلت آية الربا وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض
ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة ". واسناده صحيح ورجاله موثقون الا ان سعيدا وهو ابن عروبة اختلط
بآخره. ابن ماجة كتاب التجارات باب 58 (2 / 764) واحمد 1 / 36، 50.
66

وكان عمر من أهل اللسان ولم يكن محتاجا إلى البيان فيما كان (1) طريق معرفة
استدراكه اللغة وأخبر (2) مع ذلك أن الفظ الربا كان مفتقرا إلى البيان إذ كان لفظا شرعيا قد
أريد به (3) ما لا ينتظمه الاسم من طريق اللغة
والزكاة هي النماء يقال زكا الزرع إذا نما (4)
والصوم الامساك والكف عن الشئ (5) قال الله تعلى نذرت للرحمن
صوما (6) يعني صمتا
وقال امرؤ القيس (7)
فدعها وسل (8) الهم عنك بجسرة (9) ذمول أحمد إذا صام النهار وهجرا (10)

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) في زيادة " أيضا ".
(3) في ح " منه ".
(4) والزكاة أيضا الطهارة وسميت الزكاة زكاة لأنه يزكو بها المال بالبركة ويطهر بها المرء بالمغفرة. طلبة الطلبة 16
(5) قال الخليل: الصوم: قيام بلا عمل. والصوم: الامساك عن الطعم وقد صام الرجل صوما وصياما، وقوم
صوم بالتشديد وصيم أيضا. ورجل صوما اي صائم وصام الفرس اي قام من غير اعتلاف. وصام النهار صوما
إذا قام الظهيرة واعتدل. وقال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم.
راجع صحاح الجوهري 2 / 306.
(6) الآية 26 من سورة مريم. وفي د تكملة الآية " فلن أكلم اليوم إنسيا ".
(7) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من بني آكل المرار. ولد 130 قبل الهجرة وتوفى 80 قبل الهجرة
وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر وعنه اخذ الشعر، وثار بنو أسد على أبيه فقتلوه، وثأر
لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعرا كثيرا، راجع تاريخ ابن عساكر " تاريخ دمشق " 3 / 46 / 2 - 52 / 1
مخطوط والزركلي: الاعلام 1 / 351، 352، والإصبهاني: الأغاني 9 / 77 - 107 وكشف الظنون 776
وكتاب امرؤ القيس لسليم الجندي.
انظر معجم المؤلفين 2 / 320، والشعر والشعراء 1 / 105 و 114 ومعجم الشعراء 9.
(8) لفظ د " وسد ".
(9) لفظ ح " بحسوة " والصواب ما أثبتناه من لسان العرب.
(10) البيت ورد في لسان العرب منسوبا لامرئ القيس 7 / 157 وأورده الجصاص في احكام القران بلفظه الصحيح
1 / 223.
67

وقال النابغة (1)
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما (2)
والصلاة الدعاء في اللغة (3) وقال الله تعالى أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما (4) وأريد بهذه الأسماء معاني (5) لم يكن الاسم موضوعا لها (6) في اللغة فمتى
ورد شئ من هذه الألفاظ مطلقا ولم يكن المراد بها إشارة إلى معهود فهو مجمل محتاج (7) إلى
البيان
وقد كان شيخنا أبو الحسن الكرخي رحمه الله يقول مرة في قوله تعالى والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما (8) انه من المجمل (9) لا يصح الاحتجاج بعمومه لتعلق الحكم

(1) هو النابغة الذبياني: زياد بن معاوية ويكنى أبا أمامة ويقال أبو ثمامة، وأهل الحجاز يفضلون النابغة وزهيرا
وهو شاعر جاهلي عده ابن سلام من شعراء الطبقة الأولى الجاهليين. راجع طبقات الشعراء 15 وجمهرة شعراء
العرب 112، 119 ونهاية الإرب 3 / 62 وخزانة الأدب 1 / 278، 427 والأغاني 9 / 162 - 177 والمؤتلف
293 - Brockelmann G Si 45 122.
راجع القوافي للتنوخي تحقيق دكتور عوني عبد الرؤوف 30 والشعر والشعراء 1 / 157
(2) يقال: علكت الدابة اللجام تعلكه علكا لاكته وحركته في فيها، انظر البيت في المفضليات 1 / 165 و 1 / 358.
والكامل للمبرد 483 والعقد الثمين (ضمن الشعر المنحول للنابغة) 174، وطبقات الزبيدي 180 (رواية عن
الأصمعي ان خلف الأحمر نحله للنابغة) واللسان 12 / 351 و 10 / 470 وتاج العروس 8 / 372 وكتاب المعاني
915 على ما في هامش كتاب القوافي للتنوخي تحقيق دكتور عوني عبد الرؤوف 300، وأورده الجصاص في
أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: " فلن أكلم اليوم أنسيا " 1 / 222 و 1 / 223.
(3) قال الأعشى: وقابلها الريح في دنها.. وصلى على دنها وارتسم.
فالصلاة هنا بمعنى الدعاء، والصلاة من الله الرحمة والصلاة واحدة الصلاة انظر صحاح الجوهري:
2 / 505.
(4) الآية 56 من سورة الأحزاب.
(5) لفظ ح " معانيا ".
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) لفظ د " يحتاج "
(8) الآية 38 من سورة المائدة.
(9) عبارة د " في معن المجمل ".
واختلفوا في اجمال هذه الآية أو عمومها وفي المسودة ان الآية " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " عام وليس
بمجمل وبه قال مالك وأصحابه قال أبو الخطاب والقاضي: خلاف لأصحاب أبي حنيفة انه مجمل، وحكاه
القاضي عن عيسى بن ابان، راجع المسودة في أصول الفقه 101.
واجماله عند بعض الحنفية ناتج من أن اليد تطلق عن العضد إلى الكوع والى المرفق والى المنكب، والقطع
= يطلق على الإبانة وعلى الجرح " يقال لمن جرح يده بالسكين قطعها، ولا ظهور لواحد من ذلك. وإبانة
الشارع من الكوع مبين لذلك.
والذي ترجحه ان الآية من العام ولا نسلم عدم الظهور لواحد من ذلك فان اليد ظاهر في العضو إلى المنكب
والقطع ظاهر في الإبانة وإبانة الشارع من الكوع مبين ان المراد من الكل ذلك البعض.
وراجع في ذلك حاشية العطار على جمع الجوامع وهامش الشربيني عليه 2 / 93 وتيسير التحرير 1 / 244
68

فيه بمعان (1) لا ينتظمها الاسم وليس هو عبارة عنها من نحو المقدار والحرز فصار كاسم
الصلاة والزكاة والصوم ونحوها لتعلق الحكم فيها بمعان (2) لم يكن الاسم موضوعا لها في
اللغة
قال أبو بكر
وهذا عندي يوجب اجماله وان كان اللفظ قد صار مجملا عندي من وجه (3) آخر غير
هذا قد بيناه في شرح (4) مختصر الطحاوي (5)
وأما القسم الآخر منه
فهو ان يرد لفظ عموم يمكن استعماله على ظاهره فيما انتظمه معناه لو اقتصر عليه
فتعلقه بمعنى يوجب اجماله ووقوعه على ورود البيان فيه نحو قوله تعالى لكم
الانعام إلا ما يتلى عليكم (6) فصار اللفظ به (7) مجملا إذا أراد (8) بقوله ما يتلى
عليكم مما (9) قد حصل تحريمه الآن وأبينه لكم في الثاني

(1) لفظ د " بمعاني ".
(2) لفظ د " بمعاني ".
(3) لفظ د " وجوه " وهو تصحيف.
(4) لفظ د " وجوه " وهو تصحيف.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
وذكر هذا الكتاب ونسبه للجصاص ابن النديم في الفهرست 293 ط الرحمانية سنة 1348 ومفتاح السعادة
2 / 183 والفوائد البهية 28 وهدية العارفين 1 / 66 ط استنابول سنة 1951 والطبقات 1 / 480
وكتائب اعلام الأخيار مخطوط 84 تاريخ م ورقة 142 وانظر كلامنا في هذا الشرح في القسم الدارسي في الكلام
على كتبه.
(6) الآية 30 من سورة الحج.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لفظ د " أريد ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
69

وذلك لأنه قد يجوز ان (1) يريد بقوله ما يتلى عليكم إلا ما يتبين لكم مما قد
حصل تحريمه الآن
ويحتمل ان يريد الا ما سنحرم يقول عليكم
وإذا كان المراد الوجه الثاني لم يصر لفظ (2) الإباحة (3) به مجملا وانما يصير مجملا (4)
إذا كان المراد الوجه الأول
ومثله قوله تعالى لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم (5) فلو خلينا
وظاهره (6) وجب (7) استعماله على عمومه فلما قرن (8) إليه قوله تعالى غير
مسافحين (9) احتمل ان يريد ان يجعل كونه على صفة الافعال شرطا للإباحة فإن كان
كذلك فاللفظ مجمل لأن الإباحة معلقة بشرط حصول الاحصان بالنكاح والاحصان لفظ
مجمل (10) فصارت الإباحة مجملة مفتقرة إلى البيان
ويحتمل أن يريد بقوله تعالى الاخبار بحصول الاحصان بالنكاح فيصير
حينئذ عقد النكاح شرطا لحصول الاحصان ولا يكون لفظ الإباحة مجملا
ومن (11) نحو ذلك قوله تعالى تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله (12)
فهذه الإباحة لا تقوم بنفسها حتى يثبت أنها مما أمر الله به

(1) إلى هنا ينتهي الخطأ في ترتيب الأوراق في النسخة د والذي أشرنا إليه سابقا.
(2) في ح ود " لفظا " وما أثبتناه هو الصحيح.
(3) سقطت الألف من ح ومن كلمة " الإباحة ".
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) الآية 24 من سورة النساء.
(6) لفظ د " وظاهر ".
(7) لفظ د " وجوب ".
(8) لفظ ح " فرق " وهو تحريف.
(9) الآية 24 من سورة النساء.
(10) الاحصان هو ان يكون الرجل عاقلا بالغا حر مسلما دخل بامرأة عاقلة حرة مسلمة بنكاح صحيح.
ويقال أحصن الرجل إذا تزوج فهو محصن بفتح الصاد، وهو أحد ما جاء على افعل فهو مفعل وأحصنت المرأة
عفت وأحصنها زوجها فهي محصنة ومحصنة.
قال ثعلب كل امرأة عفيفة محصنة ومحصنة، وكل امرأة متزوجة محصنة بالفتح لا غير.
راجع التعريفات للجرجاني: 6 وصحاح الجوهري: 2 / 366.
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(12) الآية 222 من سورة البقرة.
70

ومما يضاهي ذلك أن يكون ما تحت الاسم معلوم المعنى إلا ان مراد المخاطب فيه
البعض منه غير معين في اللفظ يعلم ذلك مع ورود اللفظ لاستحالة اعتقاد العموم فيه
فيصير اللفظ مجملا محتاجا إلى البيان
وذلك نحو قوله تعالى الخير (1) ليس يخلو قوله الخير من أن
يكون المراد به الوجوب أو الندب
فإن كان المراد به (2) الوجوب استحال اعتقاد العموم فيه لأنه معلوم مع ورود اللفظ
امتناع استيعاب جميعه على وجه الايجاب لأنه يوجب ان يكون كل خير واجبا ويستحيل
أيضا منه فعل كل ما يسمى خيرا لأنه لا يحيط به ولا يتأتى له فعله فصار حينئذ كقوله
افعلوا بعض الخير على وجه الوجوب وذلك البعض غير معلوم من اللفظ فحكمه موقوف
على الدليل وهو في هذا الوجه بمنزلة قوله صوموا لما لم يجز أن يكون المراد الامساك عن (3)
كل شئ صار (4) بمنزلة قوله أمسكوا عن بعض الأشياء
فاللفظ مجمل مفتقر إلى البيان
هذا إذا كان المراد باللفظ الايجاب
فان (5) كان المراد بقوله الخير الندب صح ان يكون المراد به الجنس كله على
حسب ما يختاره فيصير تقديره افعلوا من الخير ما شئتم فإنكم مندوبون إليه ومثابون عليه
وكيفما تصرفت الحال (6) فالاحتجاج بقوله الخير في ايجاب شئ من الاحكام
ساقط
ومن نحو ذلك قوله تعالى يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة (7)

(1) الآية 77 من سورة الحج. وكتبت في النسختين " فافعلوا " وهو خطأ.
(2) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(3) في ح " من ".
(4) في د " فصار ".
(5) في د " وان ".
(6) في د " الأحوال ".
(7) الآية 20 من سورة الحشر.
71

لا يصح الاحتجاج بعمومه في (1) نفى المساواة بينهما في شئ من الأحكام (2) متى
اختلفنا مساواة الكافر (3) المسلم في القصاص (4) والشهادة ونحوهما (5) وذلك لأنه معلوم أنه
لم يرد بذلك نفى المساواة بينهما في كل شئ ولا يصح اعتقاد ذلك فيهما لان المساواة قد
حصلت قبل ذلك بينهما في أمور كثيرة من حيث هما جسمان ومحدثان وسوى بينهما
في تكليف الإيمان والفرائض وما لا يحصى من الأشياء التي تساويا فيها
فصار تقدير اللفظ لا يستويان في بعض الأشياء ثم لا يخلو ذلك البعض (6) من أن
يحصل معلوما عند المخاطبين لدلالة الحال عليه (7) ويكون حكمه موقوفا على البيان ودلالة
الحال الموجبة لكون المعنى معلوما ظاهرة في الآية وهو قول الله تعالى وقال الجنة هم
الفائزون (8)
فإنما (9) نفى المساواة بينهم في الآخرة ومنه قول تعالى يستوى الأعمى
والبصير (10) معلوم انه لم يرد به نفي المساواة في كل شئ وانما أراد (11) المساواة في معنى
البصر وادراك الأشياء به فشبه الكافر بالأعمى علي والمؤمن بالبصير (12) فلا يصح الاحتجاج
به في نفى المساواة بينهما في الشهادة والبيع والشراء ونحو ذلك
وكثير من المخالفين الذين لا يرجعون إلى تحصيل فيما (13) يقولون يحتجون (14) بهذا
وأشباهه إما جهلا منهم بمواضع الاحتياج (15) واما قلة دين (16)

(1) في ح (من).
(2) لفظ ح " ومتى ".
(3) لفظ د " والمسلم " لا
(4) في ح " أو ".
(5) لفظ ح " ونحوها ".
(6) سقطت هذه الزيادة من د.
(7) في د " أو ".
(8) الآية 20 من سورة الحشر.
(9) في د " فإنما ".
(10) الآية 58 من سورة غافر.
(11) لفظ ح " زالت ".
(12) ما بين القوسين ساقط من ح.
(13) في ح " في ما ".
(14) سقطت هذه الزيادة من ح.
(15) لفظ د " الحجاج ".
(16) لفظ د " الدين ".
72

ومن الناس من يظن (1) ان قوله تعالى الله البيع وحرم الربا (2) من خبر
المجمل الذي تقدم ذكره آنفا لأنه قرن إليه ما أوجب اجماله بقوله الربا وليس هذا من
ذلك في شئ عندنا
وذلك لأن الربا لا يخلو من أن يكون لفظا مجملا أو عموما
فإن كان عموما فغير جائز ان يصير لفظ البيع متعلقا (3) بعمومه في البيع الذي ليس
بربا كما لو قال أحل الله البيع وحرم بيع ما ليس عندك لم يوجب عليك اجمال لفظ إباحة البيع
فان (4) كان لفظ الربا مجملا مفتقرا إلى البيان فإن الذي يقع الاجمال فيه من لفظ البيع ما
شككنا فيه انه ربا أو ليس بربا
فاما البيع الذي قد علم (5) انه (6) ليس بربا فاعتبار عموم (7) لفظ البيع شائع في
اباحته وليس ذلك كقوله تعالى (8) لكم الانعام إلا ما يتلى عليكم (9) ولا مثل
قوله تعالى لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين (10) لأن ما يتلى علينا (11)
ليس يختص بنوع من هذه الجملة دون نوع والاحصان لفظ مجمل قد علقت الإباحة به
فبطلت دلالة الإباحة على الاطلاق

(1) لفظ د " ظن ".
(2) الآية 275 من سورة البقرة.
(3) لفظ ح " معلقا ".
(4) في د " وان ".
(5) في د زيادة " الله تعالى ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ ح " عمومه ".
(8) في ح " وأحل " وهو خطأ.
(9) الآية 30 من سورة الحج.
(10) الآية 24 من سورة النساء.
(11) لفظ ح " عليكم " وما أثبتناه أنسب لخطاب الآية.
73

فصل
قال أبو بكر
وكل لفظ مجمل قامت الدلالة على (1) معنى قد أريد به صح الاحتجاج بعموم (2)
المعنى الذي قامت الدلالة على أنه مراد كقوله تعالى من أموالهم صدقة (3)
إذا قامت الدلالة على أنه قد أريد (4) العشر أو زكاة المال صح الاحتجاج بعمومه في
ايجاب العشر والزكاة في سائر الأموال إلا ما قام دليله
ونحوه قوله تعالى جعلنا لوليه سلطانا (5)
(6) فقد اتفق الجميع على أن القود مراد فيصح الاحتجاج به (7) في ايجاب
القود (8) على كل قاتل ظلما
وقد ينتظم آية واحدة العموم والمجمل معا في حكم واحد فلا يمنع ما فيها من
الاجمال الاحتجاج بعموم ما هو (9) عام فيها (10) متى اختلفنا في حكم قد تناوله العموم
وذلك نحو قوله تعالى من أموالهم صدقة (11)
هو (12) مجمل في الصدقة عموم في الأموال
كقوله تعالى من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض (13)

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ د " لعموم ".
(3) الآية 103 من سورة التوبة.
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) الآية 33 من سورة الإسراء.
(6) في د " قد ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) عبارة د " الإيجاب للقود ".
(9) في ح زيادة " منها ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) الآية 103 من سورة التوبة.
(12) في د " وهو ".
(13) الآية 267 من سورة البقرة.
74

هو (1) عموم فيما كسب وفيما أخرجته (2) الأرض مجمل في المقدار الواجب
فمتى اختلفنا في الموجب فيه صح الاحتجاج بالعموم ومتى اختلفنا في الواجب
احتجنا إلى دلالة من غير الآية
ونحو قوله تعالى قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا (3)
متى اختلفنا في بعض المقتولين ظلما صح الاحتجاج بالآية (4) في دخوله في الحكم
لأن قوله تعالى قتل مظلوما (5) حتى عموم في المقتولين ظلما فدخل (6) فيه المسلم والكافر
ومتى اختلفنا في الواجب بالقتل لم يصح الاحتجاج بقوله سلطانا حتى يثبت ان
الحكم الذي رام الخصم اثباته (7) مراد فيصح (8) حينئذ الاحتجاج (9) بعمومه في الحكم
الواجب على ما بيناه

(1) في د " وهو ".
(2) لفظ د " أخرجت ".
(3) الآية 33 من سورة الإسراء.
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) في حي زيادة " فقد جعلنا لوليه ".
(6) لفظ د " فيدخل ".
(7) في د زيادة " به ".
(8) في ح " ويصح ".
(9) عبارة د " الاحتجاج حينئذ ".
75

فصل
والأسماء المشتركة (1) متى وردت مطلقة فهي مجملة لا يصح اعتبار العموم فيها (2)
مثل قوله تعالى جعلنا لوليه سلطانا (3) والسلطان اسم (4) يقع على معان
مختلفة مشتركة في هذا (5) الاسم (6) لان الحجة تسمى سلطانا والسلطان الذي يملك
الأمر والنهي وغير ذلك (7) ونحوه قول القائل وجدت يكون من الموجدة وهي الغضب (8)
ومن المحبة ومن وجدان الشئ
وكقوله رأيت عينا وذلك يقع على الدنانير وعلى عين الحيوان وعين الماء وعين
الركبة (9)

(1) المشترك كل لفظ احتمل معنى من المعاني المختلفة أو اسما من الأسماء على اختلاف المعاني على وجه لا يثبت الا
واحد من الجملة مرادا به.
راجع كشف الاسرار للبزدوي 1 / 37.
(2) ومحل النزاع في المشترك فيما إذا أريد به كل واحد من معنييه لا المجموع من حيث هو مجموع فإنه غير متنازع
فيه، والفرق بينهما ثابت إذ من شرط الإرادة الخطور بالبال ويجوز ان يكون مريدا لهذا ولذاك، ويكون غافلا عن
المجموع من حيث هو مجموع لغفلته عن الهيئة الاجتماعية التي هي أحد اجزاء المجموع من حيث هو مجموع.
ويتضح الفرق بان في اعتبار الجمعية يصير كل واحد من المعنيين جزء المعني، وبدون هذا الاعتبار يصير كل
واحد كأنه هو المعنى بتمامه، الا ترى انك لو قلت كل من دخل داري فله درهم يستحق كل داخل درهما ولو
قلت جميع من دخل داري فله درهم يستحق جميع الداخلين درهما واحدا.
انظر كشف الاسرار للبزدوي. 1 / 40.
(3) الآية 33 من سورة الإسراء.
(4) في ح زيادة " قد ".
(5) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ ح " الأسماء ".
(7) قال في القاموس المحيط السلطان الحجة وقدرة الملك وتضم لامه وهو مؤنث لأنه جمع سليط للدهن كأن به
يضئ الملك، أو لأنه بمعنى الحجة. وقد يذكر ذهابا إلى معنى الرجل 2 / 365.
(8) يقال وجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضا. حكاها بعضهم وأنشد:
كلانا رد صاحبه بغيظ * على ضيق ووجدان شديد.
صحاح الجوهري 1 / 265.
(9) العين حاسة الرؤية وهي مؤنثة والجمع أعين وعيون وأعيان والعين - عين الماء وعين الركبة ولكل عينان
وهما نفرتان في مقدمها عند الساق، والعين عين الشمس والعين الدينار والعين المال الناض والعين الديدبان
والجاسوس ولقيته عين عين إذا رأيته عيانا ولم يرك. وفعلت ذلك عمد عين إذا تعمدته يجد ويقين. صحاح
الجوهري 2 / 396.
76

ومثل قوله (1) ثم المسجور (2)
قيل إنه الفارغ وقيل إنه الملآن (3)
فمتى ورد مثله مطلقا لم يجز ان يقال انه عموم يتناول جميع ما شمله الاسم بل يكون
موقوف المعنى على البيان
وكذا (4) كان يقول شيخنا أبو الحسن الكرخي رحمه الله (5) في هذا ويحتج فيه بأنه
متى أراد احمد المعنيين فكأنه قد صرح به (6) وسماه بعينه فلا يتناول المعنى الآخر وليس
هذا كالاخوة والانسان في أنه يجوز ان يتناول الذكر والأنثى والأخ من الام والأخ من الأب
لان المعنى الذي به سمى الجميع إخوة هو معنى واحد من أجله سمى كل واحد أخا وكل
واحد انسانا
فذلك عموم يصح اعتباره (7)
وأما سائر الأسماء التي قدمنا ونظائرها فإنها تتناول الشئ وضده على وجوه مختلفة فلم
يجز أن يراد باللفظ الواحد جميع ما يتناوله (8) الاسم
وقد قال أصحابنا فيمن أوصى بثلث ماله لمواليه وله مولى أعلا ومولى أسفل ان
الوصية باطلة (9) إذا لم يبين
وكان أبو الحسن رحمه الله يحتج لذلك (10) بان الاسم يتناول كل واحد منهما على وجه

(1) عبارة د " وغيره وقوله ".
(2) الآية 6 من سورة الطور.
(3) يقال سجرت التنور أسجره سجرا إذا حميته وسجرت النهر ملأته وسجرت الثمار إذا ملئت من المطر، وذلك الماء
سجره، والجمع سجر، ومنه البحر المسجور والسجور ما يسجر به " لتنور وسجير الرجل صفيه وخليله والجمع
السجراء والمسجور اللبن الذي ماؤه أكثر منه.. واللؤلؤ المسجور المنظوم المسترسل.
راجع صحاح الجوهري 1 / 329.
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) في د " يصلح ".
(8) في د " ما يتناول ".
(9) في النسختين " باطل " وما أثبتناه انسب.
(10) وراجع هذا المثال نفسه في كشف الاسرار للبزدوي 1 / 43.
(11) في ح " بذلك ".
77

الحقيقة واحدهما منعم والآخر (1) منعم عليه (2) فلم يجز أن يرادا جميعا باللفظ
وكان يستدل به على أن (3) الاسم الواحد إذا تناول ضدين لم يجز (4) أن يرادا
جميعا (5) بلفظ واحد وكان يذكر أيضا ان من مذهب الامام أبي حنيفة (6) رحمه الله ان
الحقيقة والمجاز لا يجوز أن يرادا جميعا بلفظ واحد (7)
ويستدل عليه بقوله فيمن قال إن شربت من الفرات فعبدي حر ان هذا على الكرع
ولا يحنث ان استقى بكوز أو غيره فشرب لان الحقيقة (8) قد ثبت أنها مراده وانه يحنث بها
عند الجميع فانتفى المجاز وكذلك قال فيمن حلف لا (9) يأكل من هذه الحنطة شيئا ان عند
أبي حنيفة رحمه الله على عين الحنطة ان يقضمها ولا يحنث ان أكلها خبزا لان الحقيقة قد

(1) لفظ ح " واحدهما ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) لفظ د " يجب " وهو تصحيف.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) هو النعمان بن ثابت الكوفي التيمي بالولاء، أبو حنيفة، فقه مجتهد امام الحنفية أصله من فارس أرادوه للقضاء
فامتنع توفي ببغداد ودفن في مقابر الخيزران. من آثاره الفقه الأكبر في الكلام، المسند في الحديث، العالم
والمتعلم في العقائد، الرد على القدرية، والمخارج في الفقه.
راجع ترجمته في الفهرست 1 / 201، وتاريخ بغداد 13 / والكواكب الدرية 1 / 175. ووفيات الأعيان
2 / 215 وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 216 واللباب 1 / 360 وطبقات الفقهاء للشيرازي 67 ومرأة الجنان
1 / 309.
وانظر مراجع مستفيضة مطبوعة ومخطوطة في معجم المؤلفين 13 / 604 والاعلام 9 / 4.
(7) ويجوز عند الشافعي وأبي بكر الباقلاني وجماعة من المعتزلة كالجبائي وعبد الجبار وغيرهم ان يراد بالمشترك كل
واحد من معنييه أو معانيه بطريق الحقيقة إذا صح الجمع بينهما كاستعمال العين في الباصرة والشمس لا
كاستعمال القرء في الحيض والطهر معا أو استعمال افعل في الامر بالشئ والتهديد عليه، لأنه يمتنع الجمع
بينهما. لكن عند الشافعي وأبي بكر متي تجرد المشترك عن القرائن الصارفة إلى أحد معنييه وجب حمله على
المعنيين كسائر الألفاظ العامية وعند الباقين لا يجب فصار العام عندهما قسمين: قسم متفق الحقيقة وقسم
مختلفها، وعند بعض المتأخرين يجوز اطلاقه عليهما مجازا لا حقيقة، وعند الحنفية وبعض أصحاب الشافعي
وأهل اللغة وأبي هاشم وأبي عبد الله البصري لا يصح ذلك لا حقيقة ولا مجازا، راجع كشف الاسرار
للبزدوي 1 / 40 وطلعة الشمس 1 / 136.
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) في د " ان لا ".
78

تناولها اليمين فلا (1) يدخل فيها المجاز وقال أبو يوسف (2) ومحمد ان كرع أو شرب بكوز
حنث في المسألة الأولى ويحنث ان اكل الخبز في المسألة الثانية فقد صار عندهما اللفظة
الواحدة (3) يجوز أن يراد بها الحقيقة والمجاز في حال واحدة

(1) في د " ولا ".
(2) هو: يعقوب بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي قاضي القضاة، وكبير أصحاب أبي حنيفة المتوفي سنة
182 ه‍ ببغداد، انظر ترجمته في اخبار القضاة 3 / 254 وتاريخ بغداد 14 / 242 والجواهر المضيئة 2 / 220
والنجوم الزاهرة 2 / 107 وهامش آداب الشافعي 173 وشفاء الغليل 363.
(3) عبارة د " اللفظ الواحد ".
79

الباب الرابع
في
معاني حروف العطف وغيرها
81

باب (1)
معاني حروف (2) العطف (3) وغيرها
قال أبو بكر
هذا الباب مما يحتاج إلى ذكره في تعريف حكم الألفاظ المعطوف بعضها على بعض
وما تدخل عليه الأدوات التي تتغير فائدة الكلام بدخولها عليه
الواو في اللغة للجمع
وذلك حقيقتها وكان أبو الحسن رحمه الله يحكي عن محمد أنه قال الواو بابها الجمع
حتى تقوم دلالة الاستئناف (4)

(1) عقد الجصاص هذا الباب لان الحاجة ملحة للفقهاء وغيرهم ممن يستنبط الاحكام إلى معرفة معاني حروف
العطف لكثرة ما ترد في الأدلة المراد الاستنباط منها. ولأن بعض الحروف يكون مستعملا على الحقيقة وبعضه
على الجاز.
(2) واطلاق لفظ الحروف فيه تجاوز وربما راعى كثرة الحروف فغلبها على الأسماء وإلا فان كلمات الشرط والظروف
أسماء وليست حروفا ويمكن ان يصح كلامه إذا حملنا قوله وغيرها على غير الحروف.
(3) العطف في اللغة الثنى والرد يقال عطف العود إذا ثناء ورده إلى الآخر فالعطف في الكلام أن يرد أحد المفردين
إلى آخر فيما حكمت عليه، أو حدى الجملتين إلى الأخرى في الحصول. وفائدته الاختصار واثبات المشاركة
وأصل هذا القسم الواو لان العطف لما كان عبارة عن الاشتراك. والواو متمحضة لإفادة هذا المعنى دون غيره
صارت أصلا في العطف.
راجع صحاح الجوهري 2 / 48 وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 109.
(4) النقل عن أئمة اللغة انها للجمع المطلق ومنهم سيبويه وقد تكرر منه حتى نقل الاجماع، وممن نقل الاجماع
السيرافي والسهيلي والفارسي. ونوقش فيه بأنه خالف ثعلب وقطرب وهشام وأبا جعفر الدينوري وأبا عمرو
والزاهد.
وذهب بعض أصحاب الشافعي رحمه الله انه موجب للترتيب وقد ذكر ذلك الشافعي والواو لمطلق الجمع عند
الحنفية من غير تعرض لترتيب أو مقارنية وقد رد السرخسي على من قال من الحنفية ان معنى الترتيب يترجح في
العطف الثابت بحرف الواو في قول أبي حنيفة وفي قول أبو يوسف ومحمد يترجح معن القران، وقال هذا
غلط، فلا خلاف بين أصحابنا ان الواو للعطف مطلقا الا انهما يقولان موجبة الاشتراك بين المعطوف والمعطوف
عليه في الخبر. وكلام الجصاص يدل عليه.
راجع في هذا أصول السرخسي 1 / 200 وكشف الاسرار للبزدوي 2 / 109 ومسلم الثبوت 1 / 230 ونهاية
السؤال 2 / 185 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 365 وشرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب
1 / 185 والتلويح على التوضيح 1 / 348 ومنافع الدقائق شرح مجامع الحقائق 98، وحاشية عبد الرزاق على
المنار 330 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 189 وطلعة الشمق 1 / 219.
83

وعلى هذا بنى مسائل الجامع الكبير (1) في الإيمان
قال أبو بكر
وذلك نحو قوله تعالى في العلم (2)
من جعلها للجمع جعل تمام الكلام عند قوله في العلم فيفيد ان
الراسخين في العلم يعلمون تأويله ثم استأنف لهم خبرا آخر فقال (3) آمنا به (4)
ومعناه ويقولون آمنا به (5)
ومن جعلها للاستثناء وجعل تمام الكلام عند قوله إلا الله ثم استأنف للراسخين
آخر فقال في العلم يقولون آمنا به فهذه الواو تحتمل الجمع وتحمل
الاستئناف (6) وقوله تعالى أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده (7)
هذه الواو للجمع لأنها أدخلت المعطوف في حكم المعطوف عليه المبدوء بذكره
ونظيره قول القائل هذه طالق وهذه فدخلت الثانية في خبر الأولى وحكمها لأجل
دخول الواو عليها
ولو قال هذه طالق وهذه طالق ثلاثا أو قال وهذه طالق وهذه طالق ان دخلت (8)
الدار كانت الواو للاستئناف وتطلق الأولى واحدة والثانية ثلاثا أبو بالشرط إذا علقه به
ومحمد بن الحسن حجة فيما يحيكه في اللغة قد احتج به قوم من أئمة اللغة منهم

(1) راجع الفهرست لابن النديم 288 ومفتاح السعادة 2 / 262 و 356.
(2) الآية 7 من سورة آل عمران.
(3) في د زيادة " والراسخون في العلم ".
(4) الآية 7 من سورة آل عمران.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) راجع التلويح على التوضيح 1 / 416.
(7) الآية 163 من سورة النساء.
(8) عبارة ح " ثلاثا أو هذه طالق أو هذه طالق إن دخلت " وعبارة د " ثلاثا أو قال وهذه طالق أو هذه طالق إن
دخلت " وما أثبتناه هو الصواب.
84

أبو عبيد (1) في غريب الحديث (2) وغيره
وحكى لنا ثعلب (3) انه قال محمد بن الحسن حجة (5) في اللغة
وحكى لي (4) أبو علي النحوي (5) الفارسي عن ابن السراج النحوي (6) ان
المبرد (7) سئل عن الغزالة ما هي فقال الشمس (8) قال محمد بن الحسن وكان فصيحا

(1) هو القاسم بن سلام الهروي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي، أبو عبيد من كبار العلماء في الحديث والأدب
والفقه تولى قضاء طرسوس ثماني عشرة سنة وتوفي في مكة من تصانيه " الغريب " المصنف " مخطوط ألفه في نحو
أربعين سنة توفي سنة 224 انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 2 / 5 وتهذيب التهذيب 7 / 315 وطبقات النحويين
217 وانظر مظان كثيرة في الاعلام 6 / 10.
(2) كتاب غريب الحديث لأبي عبيد ذكره ابن النديم في الفهرست 106، 129.
(3) مراد الجصاص من ثعلب محمد غلام ثعلب وليس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب وذلك لان الأول متوفى سنة
345 ه‍ واحتمال نقل الحكاية عنه صحيح والآخر متوفى سنة 291 ه‍ فلا احتمال لنقل الحكاية عنه إذ الجصاص
مولود سنة 305 ه‍ وكلاهما يسمى ثعلب، ورجحنا ان الجصاص أخذ عن الأول اللغة ولذلك صنفناه في
شيوخه فلتراجع ترجمته في القسم الدارسي.
(4) ما بين القوسين ساقط من ح.
(5) لم ترد هذ الزيادة في ح.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) هو محمد بن السري بن سهل، أبو بكر: أحد أئمة الأدب والعربية، من أهل بغداد، ويقال: ما زال النحو
مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله مات شابا سنة 316 ه‍ وكان عارفا بالموسيقى من كتبه " الأصول " مخطوط
في اللغة " وشرح كتاب سيبويه " و " الشعر والشعراء " و " الحظ والهجا " و " المواصلات " والمذاكرات " في الاخبار.
انظر ترجمته في بغية الوعاة 44 والوفيات 1 / 503 وطبقات النحويين واللغويين 122 والوافي 3 / 86 ونزهة
الاليا 313 و - 147: BROCKELMANN 1 انظر الاعلام: 7 / 6 وتاريخ بغداد 319 ووفيات الأعيان
1 / 636 وراجع مظان كثيرة في مفتاح السعادة 1 / 165.
(8) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان الأزدي المعروف بالمبرد أبو العباس أديب نحوي لغوي
إخباري نسابة ولد بالبصرة وأخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وتصدر للاشتغال ببغداد وأخذ
عنه نفطويه توفي ببغداد سنة 385 ه‍. وكان مولده سنة 210 ه‍.
انظر ترجمته في تاريخ بغداد 3 / 380 والفهرست 1 / 59 ووفيات الأعيان 626 ومعجم الأدباء 19 / 111.
وريحانة الألباب 279 والمنتظم 6 / 9 ومروج الذهب 8 / 190 والبداية 11 / 79 ولسان الميزان 5 / 403 ومرآة
الجنان 2 / 210 والمختصر في أخبار البشر 2 / 61 ومفتاح السعادة 1 / 131 وكشف الظنون 6 / 20 والكنى والألقاب 3 / 135
وروضات الجنات 7 / 283 وبروكلمان 2 / 164 وإعجام الاعلام 178 وانظر مظان أخرى في معجم المؤلفين
12 / 114.
(9) يقال: غزالة الضحى أولها ويقال: جاءنا فلان في غزالة الضحى ويقال: الغزالة الشمس أيضا راجع صحاح
الجوهري 2 / 222 والقاموس المحيط 4 / 24، وتاج العروس 8 / 43.
85

لغلامه انظر (1) هل دلكت غزالة فخرج ورجع فقال لم أر غزالة
وانما أراد محمد هل زالت الشمس ثم أنشد المبرد
يوضحن عمر في قرن الغزالة بعدما ترشفن (2) النبي ذراب وإن الغمام الركائك (3)
وقال المبرد الواو للجمع ولا دلالة فيها على الترتيب لأنك إذا قلت رأيت زيدا
وعمرا لم يعقل من اللفظ رؤية أحدهما قبل الآخر إذ جاز ان يكون رآهما معا أو رأى عمر قبل
زيد
قال أبو بكر
وقال لي أبو عمر غلام ثعلب الواو عند العرب للجمع ولا دلالة عندهم فيها (4) على
الترتيب
وأخطأ من قال إنها تدل على الترتيب
وقال أبو بكر
على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم
شاء فلان (5)
فلو كانت الواو للترتيب (6) لما كان ممنوعا من أن تقولها بالواو كما لم يمنع ان تقولها بئم
ويدل عليه ان الله تعالى ذكر موسى وهارون في مواضع كثيرة (7) من كتابه فبدأ في

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لفظ د " يرشفن " ولفظ ح " يرسفن " والصواب ما أثبتناه.
(3) وقال في لسان العرب: الرك والرك: المطر القليل وفي التهذيب مطر ضعيف وقيل هو فوق الرش وقال ابن
الأعرابي أول المطر الرش ثم الطش ثم البغش ثم الرك بالكسر والجمع أركاك وجمعه الشاعر على الركائك
والبيت في لسان العرب 12 / 317.
(4) عبارة د " فيها عندهم ".
(5) الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد ولفظ أحمد عن حذيفة: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا
ما شاء الله ثم شاء فلان ".
مسند أحمد 5 / 384، 394، 398 وهو في الأحاديث الصحيحة رقم 137 ح‍ 1.
وأخرجه أبو داود من حديث الطفيل أخي عائشة بلفظ " لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم
شاء محمد ".
عون المعبود كتاب الاستئذان باب 63 (2 / 295).
(6) لفظ " الترتيب " وهو تصحيف.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
86

بعضها بموسى وفي (1) بعضها بهارون وكذلك الجن والإنس
فلو كانت للترتيب لامتنع وجود التقديم والتأخير معا (2) فيهما
فان قيل يلزمك في الجمع مثله لان الجمع يوجب كونهما معا قيل له لم نرد بقولنا
هي للجمع وجودهما معا وانما أردنا انها تجمع الاسمين في حكم واحد
وليس يمتنع (3) ان يكونا مجموعين في الحكم ويكون التالي مقدما على الأول في اللفظ
تارة والأول مقدما على التالي تارة (4) أخرى
وإنما منعنا أن يكون فيها دلالة على ترتيب الحكم
فأما الترتيب في اللفظ فموجود فيما ذكرنا (5) صحيح لا (6) يقدح فيه ما ذكرت
ويدل على (7) أنها لا تقتضي الترتيب في اللغة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت
وخرج من المسجد صعد الصفا وقال نبدأ بما بدأ الله به (8) فلو كان الترتيب معقولا
من اللفظ لما احتاج أن يقول نبدأ بما بدأ الله به لأن القوم لم يكن يشكل عليهم ما كان
طريق معرفته اللغة (9)

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) لفظ د " يمنع " لا
(4) لفظ ح " فيه " وهو خطأ.
(5) في د " ذكرناه ".
(6) في د " ما يقدح " لا
(7) لفظ د " عليه ".
(8) الحديث أخرجه ابن ماجة عن جابر بن عبد الله وفيه " نبدأ بما بدأ الله به " سنن ابن ماجة كتاب المناسك باب 84
(2 / 1023) والحديث بهذا اللفظ أيضا أخرجه الدارمي في كتاب المناسك باب 34 (2 / 44) ومالك في الموطأ
عن جابر بن عبد الله " نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا " كتاب الحج حديث رقم 126 (3 / 141) والترمذي كتاب
الحج باب 38 / (3 / 600) والنسائي كتاب الحج باب 161، 166، 170 ح‍ 5.
(9) استدل الجصاص بهذا الحديث على أن الواو لا تقتضي الترتيب، واستدل ينفس هذا الدليل السرخسي
والنسفي والبخاري وغيرهم على أن الواو للترتيب، وكلا الاستدلالين صحيح على المحمل الذي حمل عليه عند
التدقيق، فالذين قالوا ان الواو للترتيب: استدلوا بأن الصحابة لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن السعي بين الصفا والمروة
بأيهما نبدأ، وقد نزل قوله عزو جل: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال " ابدأوا بما بدأ الله به " ففيه دليل على
أنها للترتيب من وجوه:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم وجوب الترتيب حتى قال ابدأوا بكذا وكذا، وإنه عليه السلام كان أعلم باللسان
وأفصح العرب.
الثاني: إنه عليه السلام نص على الترتيب عند اشتباهها عليهم أنها للجمع أو فلترتيب فثبت تنصيصه عليه
السلام انها للترتيب.
الثالث: إنها لو كانت للجمع المطلق لما احتاجوا إلى السؤال لأنهم كانوا أهل لسان.
والجصاص يرى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " نبدأ بما بدأ الله به " دليل على انها ليست للترتيب إذ لو كانت للترتيب لما سأل
الصحابة عن ذلك ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم " نبدأ بما بدأ الله به ".
راجع كشف الاسرار للبزدوي 2 / 109 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 189 وأصول السرخسي 1 / 200 وذكر
البزدوي في موضع آخر أن قوله تعالى " إن الصفا والمروة " لا يوجب ترتيبا وخرج ذلك تخريجا يختلف عن تخريج
الجصاص فراجعه في كشف الاسرار للبزدوي 2 / 199.
87

وقد تجئ الواو بمعنى أو فتكون لأحد ما تدخل عليه نحو قول الله تعالى
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (1)
فالمعنى أو ثلاث أبو رباع وقوله تعالى أجنحة مثنى وثلاث ورباع (2)
وأما بل (3) فللاستدراك عنه وإثبات الحكم المذكور بدءا بالتالي (4) تقول رأيت زيدا بل
عمرا وهذه طالق بل هذه
فهي تشاكل (5) الواو في هذا الوجه
وأما الفاء فإنها للجمع أيضا إلا أنها تقتضي التعقيب مع ذلك بلا (6) مهلة ولا
تراخ (7) لأنك إذا قلت رأيت زيدا فعمرا عقل منه رؤية عمرو بعد زيد بلا تراخ
وكذلك قال أهل اللغة فيها

(1) الآية 3 من سورة النساء.
(2) الآية 1 من سورة فاطر.
(3) في د " للاستدراك ".
(4) فهي لإثبات ما بعده والإعراض عما قبله على سبيل استدراك أو تقرر حكم المعطوف عليه وتجعل ضده
للمعطوف أو كما قال السرخسي هو لتدارك الغلط بإقامة الثاني مقام الأول واظهار أن الأول كان غلط. راجع
أصول السرخسي 1 / 210 وكشف الاسرار 2 / 1 35 وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 343.
(5) لفظ ح " تشل " وهو خطأ.
(6) في ح " فلا ".
(7) في د " تراخى ".
فهي للوصل والتعقيق أو للترتيب المعنوي والذكري وللتعقيق في كل شئ.
راجع كشف الاسرار للبزدوي 2 / 127 وأصول السرخسي 1 / 207 وحاشية البناني على جميع الجوامع
1 / 438.
88

وأما أو فإن أهل اللغة قالوا هي للشك أو للتخيير وأصلها أنها تتناول أحد ما تدخل
عليه لا جميعه وهذا حقيقتها وبابها (1)
نحو قوله تعالى كسوتهم أو تحرير رقبة (2) وقوله صيام أو صدقة أو نسك (4)
تتناول (3) أحد المذكورات لا (5) جميعها
قال أبو بكر
وهذا (6) حكمها إذا دخلت على الإثبات وإذا دخلت على النفي تناولت كل واحد
مما دخلت عليه على حياله
نحو قوله تعالى تطع منهم آثما أو كفورا (7) وقوله تعالى الحوايا أو ما
اختلط بعظم (8) قد نفى بها كل واحد من المذكورات على حياله لا على معنى الجمع
ومن أجل ذلك قال أصحابنا فيمن قال والله لا كلمت زيدا أو عمرا أنه أيهما كلم
حنث
قال أبو بكر
وهذا في (9) المعنى غير مخالف لحكمه في الإثبات لأنها حين دخلت على النفي نفت
كل واحد (10) مما دخلت عليه على حدة لا على وجه الجمع
كما أنها إذا دخلت على الاثنين أثبتت أحدهما بغير عينه وكل واحد منهما إذا فعل
على الانفراد كان فاعلا (11) بموجب حكم الآية لا على (12) معنى الجمع

(1) راجع كشف الاسرار للبزدوي 2 / 143 وأصول السرخسي 1 / 213 وحشية البناني على جمع الجوامع
1 / 336.
(2) الآية 89 من سورة المائدة.
(3) الآية 196 من سورة البقرة.
(4) في ح " وتتناول ".
(5) في ح " أو " وهو خطأ.
(5) في د " هذا ".
(7) الآية 24 من سورة الانسان.
(8) الآية 146 من سورة الأنعام.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) في ح " واحدة ".
(11) هذا اللفظ لا يقرأ في ح لاشتباك الحروف.
(12) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
89

وقد تجئ أو معنى الواو
قال الله تعالى إلى مائة ألف أو يزيدون (1) ومعناه ويزيدون وقال
تعالى كالحجارة أو أشد قسوة (2) ومعناه وأشد قسوة
وأنشدنا (3) أبو عمر (4) غلام ثعلب عن ثعلب (5) عن (6)
ابن الأعرابي (7)
إن بها اكتل أو رزاما (8) خويربان إلا ينفقان (9) الهاما (10)

(1) الآية 147 من سورة الصافات.
(2) الآية 74 من سورة البقرة.
(3) في ح " وأنشد ".
(4) راجع كتابنا " الإمام أحمد بن علي الجصاص " ص 88.
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) هو أحمد بن يحيى بن زيد سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس المعروف بثعلب: امام الكوفيين في النحو واللغة
كان راوية للشعر محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ثقة، حجة، ولد ومات ببغداد له وله كتب مطبوعة
ومخطوطة، راجع ترجمته في نزهة الألباء 293 وتذكرة الحفاظ 2 / 214 وطبقات ابن أبي يعلى 1 / 83 وآداب
اللغة العربية 2 / 181 والمسعودي 2 / 387 وابن خلكان 1 / 30 وتاريخ بغداد 5 / 204 وأنباء الرواة 1 / 138
وبغية الوعاة 172، انظر اعلام 1 / 252 ومفتاح السعادة 1 / 180.
(7) سقطت هذه الزيادة من ح.
(8) هو محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي، أبو عبد الله: راوية، ناسب علامة باللغة من أهل الكوفة، مات
بسامراء، له تصانيف كثيرة مخطوطة ومطبوعة انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 1 / 492 وتاريخ بغداد 5 / 282
والوافي بالوفيات 3 / 79 ونزهة الألباب 207 وطبقات النحويين واللغويين 213 وإرشاد الأريب 7 / 5 وفهرس
المؤلفين 248 والفهرست لابن النديم 69 ومجلة المقتبس 6 / 3 - BROCKLMANNG 9 119 1 179 - 1 / (- 11) انظر معجم المؤلفين 6 365.
معني؟؟ ورزاما: اكتل من الكتال كل ما صلح من طعام أو كسروة وزوجها على أن يقيم لها كتالا اي ما
يصد من عيشها، والكتال سورء العيش قال الليث: الاكل الشديدة من شدائد الدهر، واشتقاقه من الكتال
وهو سوء العيش وضيقه، ورزام: قال الليث: رزام اسم الشديدة، قال أبو منصور غلط الليث في تفسير أكتل
ورزام قال: لويسا من اسما الشدائد انما هما اسما لصين من لصوص البادية الا تراه قال: خويربان، يقال، لص
خارب وبصغير على خويرب.
انظر لسان العرب: 4 / 103.
(9) ما بين القوسين غير واضح في النسختين.
(10) البيت أورده في لسان العرب قال: أنشده الليث.
90

وأنشدنا أيضا
فلو كان البكاء يرد شيئا * بكيت على زياد أو عناق
على المرأين وقال إذ مضيا جميعا * لشأنهما أنه بحزن واحتراق
فقال زياد أو عناق ثم قال على المرأين فدل أنه أراد الجمع
وأما ثم فهي للترتيب والتراخي تقتضي أن يكون الثاني بعد الأول كذا حكمها
في اللغة
وقد تجئ بمعنى الواو كقوله تعالى مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين
آمنوا (1)
معناه (2) وكان من الذين آمنوا
(3) وقال تعالى آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن (4) يعني وآتينا
موسى الكتاب
وقد قيل إن المعنى فيه (5) أنها دخلت على خطاب المتكلم صلة (6) لكلامه لا
على حكم الكلام (7) المتقدم كأن تقديره ثم بعد ما وصفنا أذكر لكم أن هذا الحكم إنما
هو لمن (8) كان من الذين آمنوا وبعد ما ذكرت لكم (9) أعلمتكم (10) إنا آتينا موسى
الكتاب
ونحو ذلك قوله تعالى إذا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون (11) ومعناه

(1) الآية 17 من سورة البلد.
(2) في د " ومعناه ".
(3) في ح " قال ".
(4) الآية 145 من سورة الأنعام.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لفظ ح " علة ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) عبارة " هو لمن " لا تقرأ في ح لتداخل الخطوط.
(9) لم ترد هذه الزيادة في.
(10) لفظ ح " أعلمكم ".
(11) الآية 46 من سورة يونس.
91

والله شهيد على ما يفعلون (1) وقوله تعالى ما لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم
اهتدى (2) فقال المعنى وقد اهتدى
(3) ونحو قوله تعالى خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم (4)
فان (5) كان المراد بقوله خلقناكم حقيقة اللفظ فقوله ثم قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم (6) بمعنى وقلنا للملائكة
وإن كان المراد بقوله خلقناكم ثم صورناكم آدم كقوله خلقكم من
تراب (7) فإن قوله ثم قلنا للملائكة اسجدوا (8) محمول على حقيقته
وبعد للترتيب في حقيقة اللغة (9)
قال الله تعالى ثم بعثناكم من بعد موتكم (10)
وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة
وقد تجئ بمعنى مع
قال الله تعالى بعد ذلك زنيم (11) يعني مع ذلك
وقد قيل إنها (12) رجعت إلى جملة (13) الخطاب كأنه قال عتل وأقول لكم بعد (14) ما
تقدم ذكر له أنه زنيم

(1) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(2) الآية 82 من سورة طه.
(3) في د " ونحوه ".
(4) الآية 11 من سورة الأعراف.
(5) في د " وكان ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) الآية 11 من سورة فاطر.
(8) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(9) وفي كشف الاسرار للبزدوي للتأخير - 2 / 189.
(10) الآية 56 من سورة البقرة.
(11) الآية 13 من سورة القلم.
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) لفظ " صلة ".
(14) ف ح زيادة " ذلك ".
92

ومع للمقارنة وقد تجئ بمعنى بعد (1)
قال الله تعالى فان (2) مع العسر يسرا (3)
وإلى للغاية (4) بمعنى حتى وقد تدخل تارة في الحكم ولا تدخل أخرى
قال الله تعالى ثم أتموا الصايم إلى الليل (5)
فالليل (6) غير داخل فيه وقال تعالى إلى المرافق (7) والمرافق داخله
وقال تعالى جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا (8) فالاغتسال (9) شرط في إباحة
الصلاة
والأصل في ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله أن الغاية تدخل في الكلام على وجهين
إحداهما لإسقاط بعض ما اشتمل عليه اللفظ كقوله تعالى إلى المرافق
واليد اسم يتأول العضو إلى المنكب فدخلت الغاية لإسقاط ما عدا (10) المرفق فكانت المرافق
داخلة فيه
والآخر أن لا يتنظم الاسم الغاية وما بعدها فتصير الغاية حينئذ مشكوكا فيها فلا
نثبتها بالشك
وقد تجيئ إلى معنى مع
قال الله تعلى تأكلوا أموالهم إلى أموالكم (11)

(1) راجع كشف الاسرار للبزدوي 2 / 188.
(2) في د " ان " وهو خطأ.
(3) الآية 5 من سورة الشرح.
(4) أي لانتهاء الغاية، ولهذا تستعمل في الآجال والدين. راجع أصول السرخسي 1 / 220 وكشف الاسرار
للبزدوي 2 / 177 وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 347.
(5) الآية 187 من سورة البقرة.
(6) في د " والليل ".
(7) الآية 6 من سورة المائدة.
(8) الآية 43 من سورة النساء.
(9) في د " والاغتسال ".
(10) لفظ د " على " وهو تحريف.
(11) الآية 2 من سورة النساء.
93

ومن قالوا (1) إنها للتبعيض ولبدو الغاية وللتمييز وللإلغاء (2) فالتبعيض خذ من
مالي واعتق من عبيدي
والابتداء خرجت من الكوفة وأخذت من فلان مالي والتمييز ثوب من قطن وباب
من حديد
والالغاء قوله تعالى لكم من ذنوبكم (3) وما لكم ثم من إله غيره (4)
(5) والمعنى يغفر لكم ذنوبكم وما لكم إله غيره
وأما الباء فإن النحويين يقولون هي للإلصاق كقوله كتبت بالقلم ومسحت
برأسي
وقال غيرهم هي مع ذلك للتبعيض لأنهم يفرقون بين قول القائل مسحت برأس
اليتيم ومسحت رأسه ويقول مسحت يدي بالحائظ ومسحت الحائظ (6)
فلما كان الفرق بين اللفظين ظاهرا معقولا في اللغة وجب أن يكون لدخولها فائدة
وهي التبعيض حتى تقوم دلالة الإلغاء لأن (7) هذه الأدوات موضوعة للفائدة كقولنا من
للتبعيض وقد تدخل للإلغاء ولا نجعلها للإلغاء إلا بدلالة (8)
وأما في فللظرف (9)
كقول ثوب في منديل وتمر في صرة (10)

(1) في ح " قال ".
(2) راجع كشف الاسرار للبزدوي 2 / 192 وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 362 وأصول السرخسي
1 / 222.
(3) الآية 4 من سورة نوح.
(4) الآية 59، 65، 73، 85 من سورة الأعراف و 50، 61، 84 من سورة هود و 23، 32 من سورة " المؤمنون ".
(5) في د " المعنى ".
(6) راجع أصول السرخسي 1 / 227 وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 342، وقال الشافعي في قوله تعالى
" فامسحوا برءوسكم " الباء للتبعيض، وقال مالك الباء صلة لان المسح فعل متعد فيؤكد بالباء.
انظر كشف الاسرار للبزدوي 2 / 162.
(7) في ح " فان ".
(8) في د " بالدلالة ".
(9) انظر كشف الاسرار للبزدوي 2 / 181 وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 348 وأصول السرخسي 1 / 223
(10) عبارة ح " قد حر " ولفظ د " مقصرة " وما أثبتناه هو المناسب.
94

ومن أجل ذلك قال أصحابنا فيمن قال (1) غصبت من فلان ثوبا في منديل إنه
إقرار بالمنديل أيضا لأنه أقر أنه كان ظرفا له في حال الغصب وصار مغصوبا معه
وقد تجئ في بمعنى من
قال الله تعالى فيها (2) يعني (3) منها
وتجئ أيضا بمعنى مع قال الله جل وعز في عبادي وادخلي جنتي (4) معناه مع
عبادي
ويحتمل أن يريد في جملة عبادي وفي جماعتهم
والنحويون يقولون إن أكثر حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض وهو موجود في كتبهم
وأما كل فإنها تدخل لجمع الأسماء (5) كقوله تعالى نفس ذائقة الموت (6)
وقول (7) القائل (8) كل عبد لي حر وكل امرأة تدخل الدار فهي طالق ويكون (9) فيها
بمعنى الشرط إذ علقت بالجواب ولا تتناول الأفعال لأنها لا يصح دخولها عليها
ألا ترى أنك لا تقول كل يدخل الدار وإنما (10) تقول كل (11) امرأة لي تدخل الدار فهي
طالق
ولذلك (12) قالوا إنها إذا دخلت الدار وطلقت ثم دخلتها مرة أخرى لم تطلق لأنها
لما (13) لم تتناول الأفعال وإنما تناولت الأسماء على وجه الجمع واستحال أن تجمع إلى نفسها
لم تطلق إلا مرة واحدة وإن دخلت الدار امرأة أخرى طلقت أيضا لأنها غير الأولى

(1) سقطت هذه الزيادة من ح.
(2) الآية 5 من سورة النساء.
(2) الآية 5 من سورة النساء.
(3) في " بمعنى ".
(4) الآية 29 من سورة الفجر ولم ترد الزيادة في د.
(5) لفظ " الأشياء ".
(6) الآية 35 من سورة الأنبياء.
(7) في ح " وقوله ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) لفظ ح " وتقول " وهو تحريف.
(10) في ح " الا " وهو تحريف.
(11) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(12) في ح " وكذلك ".
(13) لم ترد هذه الزيادة في ح.
95

وأما كلما فإنها لجمع (1) الأفعال وفيها معنى (2) الشرط على وجه التكرار يدل على
ذلك أنها تختص بالفعل ولا يصح دخولها على الاسم لأنك لا تقول كلما امرأة إنما تقول
كلما دخل امرأة
ويدل عليه قوله تعالى كلما (3) نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها (4) وكلما
أرادوا أن يخرجوا ابن منها أعيدوا فيها (5) اقتضى كل مرة (6)

(1) لفظ د " تجمع ".
(2) لفظ د " مع " وهو تحريف.
(3) سقطت من ح.
(4) الآية 56 من سورة النساء.
(5) الآية 20 من سورة السجدة.
(6) ويلاحظ أن الجصاص لم يتطرق لجميع الحروف والأسماء العاطفة واقتصر على البعض لأهميتها وجماع أغلب
الحروف والأسماء العاطفة راجعها في كشف الاسرار للبزدوي 2 / 177 و 2 / 139 و 2 / 160 و 2 187
و 2 / 188 و 2 / 192 - 202 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 189 وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 345
و 1 / 349 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 336 - 335 وشرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب
1 / 185، ومنافع الدقائق 98، ومسلم الثبوت 1 / 229، والتوضيح 1 / 348 ولب الأصول 53 وحاشية
عبد الرزاق على المرآة 330 وأصول السرخسي 1 / 200.
وخلاصة هذه الحروف والأسماء " إن " وإذا " و " حتى " و " كل " و " كلما " و " من " و " من " ما " و " إنما " وأي " بالفتح "
و " أي " بالسكون و " بيد " ودرب " و " كي " و " اللام " و " لولا " و " لو " و " لن " وهل " و " كيف " و " كم " و " حيث " و " لكر
و " على " و " قبل " و " مع " و " الفاء " و " الواو " و " بل " و " أو " و " إلى " و " الباء ".
96

الباب الخامس
في
إثبات القول بالعموم وذكر الاختلاف فيه
97

باب
في إثبات القول بالعموم وذكر الاختلاف فيه
قال أبو بكر
اختلف المتأخرون في حكم اللفظ العام الظاهر إذا ورد مطلقا عاريا من دلالة
الخصوص (1)
فقال جمهور أهل العلم
الحكم بعموم اللفظ في الأخبار والأوامر جميعا فلا يصرف شئ منها إلى الخصوص
ولا (2) يتوقف (3) فيها إلا بدلالة وأبت طائفة هذا القول واختلفت فيما بينها
فقال منهم (4) قائلون بالخصوص في الأوامر والأخبار جميعا وحكموا فيها بأقل
ما يتناوله الاسم حتى تقوم دلالة الكل (5)
وزعموا أن اللفظ الموضوع كذلك بالخصوص أولى منه بالعموم ويحتمل مع ذلك
أن يراد به العموم
قالوا ولا يجوز الحكم بالعموم بالاحتمال لأن المحتمل غير متيقن ولا يعلم (6)

(1) محل النزاع بين العلماء في الصيغ المخصوصة التي يدعها عموما، وذهب بعضهم إلى أن محل النزاع في أه هذه
الصيغ للعموم فقط أو للخصوص فقط أو موقوف. ولا يتصور نزاع بين العلماء في جواز التعبير عن العموم بمثل
كل وجميع وما شابه ذلك. راجع المدخل لمذهب الإمام أحمد 108.
(2) في " د " فلا ".
(3) في ح " يوقف ".
(4) وهؤلاء هم القائلون بأخص الخصوص وهو الواحد من اسم الجنس والثلاثة في صيغ الجمع على الخلاف في
أقل الجمع، ويتوقفون فيما وراء ذلك إلى أن يقوم الدليل ويسمون أصحاب الخصوص وبه أخذ أبو عبد الله
الثلجي من الحنفية وأبو علي الجبائي من المعتزلة ومحمد بن النمتاب من لا مالكية ومحمد بن شجاع البلخي من
الحنفية راجع مذهبهم وأدلتهم في كشف الاسرار للبزدوي 1 / 299 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 114
والمستصفى 1 / 45 وارشاد الفحول 115.
(6) في ح " نعلم ".
99

إنه (1) مراد باللفظ والخصوص متيقن فوجب الحكم به والوقوف عنده حتى تقوم دلالة
العموم
وقال منهم آخرون بالوقف فيهما جميعا لأن اللفظ عندهم محتمل لكل واحد من
المعنيين كاحتماله للآخر وليس أحدهما بأولى من الآخر فكان بمنزلة المجمل المفتقر إلى
البيان (2)
وفرقت طائفة بين الأخبار والأوامر فوقفت في الأخبار وحكمت بالعموم في الأوامر
وطائفة وقفت في عموم الأوامر (3) وقالت بالعموم في الأخبار (4)

(1) في ح " به ".
(2) وهؤلاء تقفوا في حق العمل والاعتقاد جميعا إلا أن يقوم الدليل على المراد كما يتقوف في المشارك أو كما يتقوف في
المجمل والخبر والامر والنهي في ذلك سواء، وهو مذهب عامة الأشعرية وعامة المرجئة وإليه مال أبو سعيد
الردعي من الحنفية - كما أشار الجصاص - ونسب لأبي الحسن الأشعري والمرجئة قولهم ان شيئا من الصيغ لا
يقتضي العموم بذاته ولا مع القرائن بل إنما يكون العموم عند إرادة المتكلم، وقد نقل الشوكاني دفاع إمام
الحرمين في البرهان فقال قال: مصنفوا لمقامات عن أبي الحسن الأشعري والواقفية إنهم لا يثبتون لمعني العموم
صيغة لفظية وهذا النقل على الاطلاق زلل فان أحدا لا ينكر امكان التعبير عن معنى الجمع بترديد ألفاظ تشعر
به، كقول القائل رأيت القوم واحدا واحدا لم يفتني منهم أحد وإنما كرر هذه الألفاظ لقطع توهم من يحسبه
خصوصا إلى غير ذلك، وإنما أنكر الوقافية لفظة واحدة مشعرة بمعنى الجمع.
(راجع كشف الاسرار للبزدوي 1 / 299 وارشاد الفحول 116
(3) ما بين القوسين ساقط من ح.
(4) واختلف الواقفية في محل الوقف على تسعة أقوال:
الأول: وهو مشهور من مذهب أئمتهم القول به على الاطلاق من غير تفصيل.
الثاني: ان الوقف انما هو في الوعد والعيد دون الأمر والنهي.
الثالث: القول بصيغ العموم في الوعد والوعيد والتوقف فيما عدا ذلك وهو قول جمهور المرجئة
الرابع: الوقف في الوعيد بالنسبة إلى عصاة هذه الأمة دون غيرها.
الخامس: الوقف في الوعيد دون الوعد.
السادس: الفرق بين ان لا يسمع قبل اتصالها به شيئا من أدلة السمع وكانت وعدا ووعيدا فيعلم ان المراد بها
للعموم، ان كان قد سعم قبل اتصالها به أدلة الشرع وعلم انقامها إلى العموم والخصوص فلا يعلم حينئذ
العموم في الاخبار التي اتصلت به.
السابع: الوقف في حق من لم يسمع خطاب الشرع عن؟؟ واما من سمع منه وعرف تصرافته فلا وقف فيه كذا
حكاه المازري.
الثامن: التفصيل بين ان يتقيد بضرب من التأكيد فيكون للعموم دوم ما إذا لم يتقيد.
التاسع: آن لفظة المؤمن والكافر حيثما وقعت في الشرع أفادت العموم دون غيرها حكاه المازري عن بعض
المتأخرين
راجع ذلك وفي الرد على شبه القائلين بالوقف ارشاد الفحول 116 والمستصفى 1 / 46 والعضد على مختصر
المنتهى 2 / 102 والمسودة 89 وحاشية البناني على جميع الجوامع 1 / 410 وأصول السرخسي 1 / 132 وكشف
الاسرار للبزدوي 1 / 299 وما بعدها وانظر طبقات المعتزلة 209.
100

ومذهب أصحابنا القول بالعموم في الأخبار والأوامر جميعا وكذلك كان شيخنا
أبو الحسن الكرخي (1) رحمه الله يحكيه من مذهب أصحابنا جميعا وجميع من
شاهدناهم (2) من شيوخنا واحتجاجهم لمسائلهم له في كتبهم بعموم اللفظ مجردة من دلالة
تقترن إليه في إيجاب العموم يقتضي ذلك
وذلك غير خاف على من عرف مذاهبهم
قال أبو بكر (3)
وحكى لنا أبو الطيب بن شهاب عن أبي الحسن الكرخي أنه قال له إني أقف في
عموم الأخبار وأقول بالعموم في الأمر والنهي
فقلت لأبي الطيب فهذا يدل على أن مذهبه كان الوقف في وعيد فساق (4) أهل
الملة
فقال لي هكذا كان مذهبه
وحكى لي أيضا أنه سمع أبا سعيد البردعي (5) يقف في القول بالعموم في الأمر والنهي
وفي الأخبار جميعا (6)
وأبو الطيب هذا غ ير متهم عندي فيما يحكيه وقد جالس أبا سعيد البردعي وشيوخنا
المتقدمين

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) في ح " شاهدناه ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) لفظ ح " فاسق ".
(5) هو أحمد بن الحسين القاضي أبو سعيد البردعي أخذ عن إسماعيل بن حماد ابن أبي حنيفة عن أبيه وأخذ عن أبي
علي الدقاق عن موسى بن نصير الرازي عن محمد عن أبي حنيفة، وتفقه عليه أبو الحسن الكرخي وأبو طاهر
الدباسي وأبو عمر والطبري، وقتل في وقعة القرامطة مع الحجاج سنة سبع عشرة وثلاثمائة انظر ترجمته في الفوائد
البهية 20.
(6) ومما يقوي نسبة هذا القول إلى أبي سعيد البردعي ماتنا قلته كتب أصول الإضافة وقد ذكر البخاري وغيره ميل
أبي سعيد لهذا القول فقال: هو مذهب عامة المرجئة واليه مال أبو سعيد البردعي من أصحابنا - راجع كشف
الاسرار للبزدوي 1 / 299 وكشف الاسرار للنسفي 1 / 114 وما بعدها.
101

ولم أسمع أنا أبا الحسن رحمه الله يفرق بين الخبر والأمر والنهي في ذلك بل كان يقول
بالعموم (1) على الإطلاق (2)
ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله (3) القول بالوقف (4) في عموم
الأخبار وأنه لا يقطع فيها بعموم ولا خصوص إلا بدلالة لأن (5) مذهبه المشهور عنه أنه
كان لا يقطع بوعيد أهل الكبائر من أهل الصلاة ويجوز أن يغفر الله لهم في الآخرة (6)
وأبو حنيفة وإن كان هذا مذهبه في الوعيد فإنه لم يذهب إليه من جهة قوله بالوقف في
عموم الأخبار وإنما ذهب إليه لأن عنده أن الدلالة قد قامت على أن الآي الموجبة
للوعيد بالتخليد في النار إنما عني بها الكفار لآيات أوجبت خصوصها (7) فيهم
نحو قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (8)
وقوله تعالى الله يغفر الذنوب جميعا (9)
وقوله تعالى قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم (10)
وقوله لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين (11)

(1) في ح " العموم ".
(2) تناقلت كتب الأصول عامة حكاية أبي الطيب بن شهاب للجصاص مذهب أبي الحسن الكرخي وإنه الوقف في
عموم الاخبار والقول بالعموم في الأمر والنهي.
والذي ترجحه أن مذهب الكرخي القول بالعموم مطلقا دون تفرقه كما نقل ذلك الجصاص بعد تحقيقه للقول
وهو تلميذه المباشر الذي دون آراء شيخه ونشر علمه.
ونقل الجصاص هذا فيه رد على الشوكاني في إرشاد الفحو حين نسب مذهب الوقف للكرخي ونسب النقل
للجصاص 116.
(3) في د زيادة " عنه " وهي مقحمة من الناسخ.
(4) في ح " الوقوف " وهو تصحيف.
(5) في ح زيادة " من ".
(6) وقد نقل الشوكاني في إرشاد الفحول هذه العبارة، ولعلها عن نسخة عنده من أصول الفقه للجصاص، بلفظ
مختلف يسيرا قال:
قال أبو بكر الرازي " وربما ظن ذلك مذهب أبي حنيفة لأنه كان لا يقطع بوعيد أهل الكبائر من المسلمين
ويجوز أن يغفر الله لهم في الآخرة ". 116.
(7) في د " خصوصا ".
(8) الآية 48، 116 من سورة النساء.
(9) الآية 53 من سورة الزمر.
(10) الآية 4 من سورة محمد.
(11) الآية 87 من سورة يوسف ولم ترد هذه الآية في ح.
102

وقوله تعالى يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى (1)
وإنما جعل التخليد في النار مقصورا على الكفار بهذه الآيات ونحوها
وقد ذكر أبو موسى (2) عيسى بن أبان هذا المعنى في كتابه في الرد على بشر المريسي
والشافعي في الأخبار (3)
وقال إنا إنما وقفنا في وعيد فساق (4) أهل الملة لأن آي الوعيد بإزائها (5) هذه
الآيات التي تلوتها (6) مما يقتضي ظاهرها دخول فساق أهل الملة فيها فجوزنا لهم الغفران بها
وجوزنا التعذيب بالآي الأخر وأرجينا أمرهم إلى الله تعالى فلم نقطع فيهم بأحد الأمرين
دون الآخر
وهذا تصريح منهم بالقول بعموم الأخبار أيضا
ولم يحك عن أحد من أصحابنا خلاف ذلك
فدل أنه قولهم جميعا
قال أبو بكر ومذهب (7) كل من قال بالعموم ممن لا يرى جواز تأخير البيان أن اللفظ العام
المخرج حقيقته (8) العموم لا احتمال فيه للخصوص إلا بدلالة تقرن (9) إليه
فأما اللفظ بمجرده فلا احتمال فيه وأنه متى أطلق وأريد به الخصوص كان اللفظ
مجازا عند من يجوز منهم إطلاق لفظ العموم والمراد الخصوص
والقول بعموم اللفظ فيما لم تصحبه دلالة الخصوص في موضوع اللسان وأصل

(1) الآية 15 من سورة الليل ولم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لم ترده هذه الزياد في د.
(3) أشار ابن النديم في الفهرست إلى أن عيسى بن أبان ألف كتاب يرضيه على الشافعي الأحاديث التي ردها على
الشافعي أخذها من كتاب سفيان بن سحبان، وبشر: هو بشر بن غياث المريسي فقيه متكلم توفي 218 ه‍
معجم المؤلفين 3 / 46 ولم يبين الجصاص ولا ابن النديم اسم هذا الكتاب وأرجح أنه كتاب آخر غير الحجج
الصغير والكبير لعيسى بن أبان إذ لو كان هذا لأشار إليه الجصاص أو ابن النديم فقد أشاروا إلى كتبه في مواضع
غير هذا. فراجع الفهرست 289.
(4) لفظ ح " فاسق ".
(5) لفظ ح " بإزاء ".
(6) لفظ ح " تتلوها ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) في ح " حقيقة ". (9) في ح " نقترن ".
103

اللغة هو مذهب السلف في الصدر الأول ومن بعدهم ممن تابعهم متوارث ذلك عنهم
بالفعل المستفيض
يبين ذلك (1) محاجة الصحابة بعضا بعذا محمد في الحوادث التي تنازعوا فيها بألفاظ
عموم مجردة من دلالة غيرها
من ذلك ما روي عن عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (2) حين خالف عثمان (3)
رضي الله عنه (4) في وطء الأختين بملك اليمين فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحريم
أولى (5)

(1) في د " زيادة " احتجاج " وهو اقحام من الناسخ ".
(2) عبار ح " عليه السلام ".
(3) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن قريش ولد في 47 بل الهجرة وتوفي في 35 هرجية، أمير المؤمنين
ذو النورين ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين، ولد بمكة وأسلم بعد البعثة بقليل وكان عينا شريفا
في الجاهلية. افتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وتركستان وإفريقية وقبرس، أتم جمع القرآن.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (146) حديثا، نقم عليه الناس اختصاصه أقاربه من بني أمية لولايات الأعمال، وحوصر
في داره وقتل صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته المدينة، راجع ترجمته في ابن الأثير حوادث سنة 35
وغاية النهاية 1 / 507 وشرح نهج البلاغة 2: 61 وأماكن أخرى فيه، والبدء والتاريخ 5: 79 و 194 - 208
واليعقوبي 2 / 139 وحلية الأولياء 1: 55 والطبري 5: 145 والكنى والأسماء 1: 8 ومنهاج السنة 2: 186
والرياض النضرة 2: 82 - 152 والاسلام والحضارة العربية 2: 138 و 373 وسيرة عثمان بن عفان الصادق
إبراهيم عرجون وانصاف عثمان لمحمد احمد جاد المولى، راجع الاعلام 4: 371.
(4) عبارة النسختين " رحمه الله ".
(5) الخبر أخرجه مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب بلفظ أن رجلا سأل عثمان رضي الله عنه عن الأختين
من ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال عثمان " أحلتهما آية وحرمتهما آية فأما أنا فلا أحب أن اصنع ذلك ". قال
فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال " لو كان لي من الامر شئ ثم
وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا ".
قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، راجع الموطأ كأب النكاح حديث رقم 34 (4 / 39).
وقول عثمان رضي الله عنه فاما انا فلا أحب ان اصنع ذلك اي الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء اما
احتياطا لتعارض الدليلين واما على الوجوب تقديما للحظر على الأباة.
وسبب الخلاف: اي العمومين يقدم، وأي الآيتين أولى ان تخص بها الأخرى.
والأصح عندنا التخصيص بآية النساء لأنها وردت في تعيين المحرمات وتفصيلهن وأخذ الاحكام من مظانها أولى
من أخذها لا من مظانها، فهي أولى من الآية الواردة في مدح قوم حفظوا فروجهم الا عما أبيح لهم - سورة
المؤمنون ولأن آية ملك اليمين دخلها التخصيص باتفاق إذ لا يباح بملك اليمين ذوات محارمه اللائي يصح له
ملكهن ولا الأخت من الرضاعة
وأما آية التحريم فدخول التخصيص فيها مختلف فيها لأنها عند المالكية على عمومها وعند المخالف مخصصة،
وتقرر في الأصول ان لعام الذي لم يدخله تخصيص مقدم على ما دخله، لان العام إذا خصص ضعف
الاحتجاج به.
قال القاضي عياض وهذا الخلاف كان ن بعض السلف، ثم استقر الاجماع بعده على المنع الا طائفة من
الخوارج لا يلتفت إليها.
104

يعني بآية التحليل قوله تعالى من النساء إلا ما ملكت أيمانكم (1) وبآية
التحريم قوله تعالى (2) وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف (3)
وقال عثمان رضي الله عنه إلى آية وحرمتهما آية والتحليل أولى (4) وقد روي
عنه الوقف فيه إلا أن المشهور عنه الإباحة فاحتج كل واحد منهما بعموم لفظ القرآن غير
مفتقر معه إلى دلالة من غيره ثم كان العمومان عندهما (5) متعارضين متى خلينا ومقتضى
اللفظ فيهما بقولهما أحلتهما آية وحرمتهما آية لاستغراق كل وحد منهما ما تحت الاسم
ثم كان من مذهب علي رضي الله عنه (6) أن قوله تعالى ما ملكت أيمانكم (7)
مرتب على قوله وأن تجمعوا بين الأختين (8) وأن قوله تجمعوا بين الأختين قاض
عليه
وكان عند عثمان رضي الله عنه أن قوله تجمعوا بين الأختين (9)
مرتب على قوله ما ملكت أيمانكم مخصوص (10) منه وأن آية الإباحة قاضية على آية (11)
الحظر ومثله اختلاف علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما في عدة الحامل المتوفي عنها

(1) الآية 24 من سورة النساء.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) الآية 23 من سورة النساء
(4) يراجع تخريج الخبر السابق.
(5) لفظ ح " عندهم ه ".
(6) عبارة ح " عليه السلام ".
(7) الآية 24 من سورة النساء.
(8) الآية 23 من سورة النساء.
(9) ما بين القوسين ساقط من ح.
(10) في د " مخصوصا ".
(11) في ح " ان " وهو تحريف.
105

زوجها فقال علي رضي الله عنه (1) عدتها أبعد الأجلين (2) لأنه استعمل عموم الآيتين وهو
قوله تعالى يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا (3)
وقوله تعالى أبو الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (4)
وقال عبد الله أن تضع حملها لقوله تعالى الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن (5) وقال من شاء باهلته أنها نزلت بعد قوله أربعة أشهر وعشرا فكان عنده أنها
قاضية عليها مخصصة لها فاعتبرا جميعا عموم اللفظ ولم يفزعا أو إلى تأييده) بغيره
وأراد عثمان رجم امرأة جاءت بولد لستة أشهر فقال ابن عباس أما أنها إن (6)
خاصمتكم بكتاب الله عز وجل خصمتكم عبد قال الله تعالى وفصاله ثلاثون
شهرا (7) وقال في عامين (8) فحصل الحمل ستة أشهر (9)

(1) في ح " عليه السلام ".
(2) أخرجه البخاري بلفظ " حتى تعتدي آخر الأجلين ". قال الحافظ وقد رواه مالك عن عبد ربه سعيد عن أبي
سلمة، وأخرجه مسلم من طريق داود بن أبي عاصم، وأخرجه أحمد من طريق بن إسحاق وهذا الاختلاف
على ابن سلمة لا يقدح في صحة الخبر فان لأبي سلمة اعتناء بالقصة من حين تنازع هو وابن عباس فيها. راجع
فتح الباري كتاب الطلاق باب 39 (9 / 470 - 471).
واخرج الترمذي عن سليمان بن يسار " ان أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن تذاكروا المتوفي عنها
زوجها الحامل تضع عند وفاة زوجها. فقال ابن عباس تعتد آخر الأجلين، وقال أبو سلمة: بل تحل حين تضع
وقال أبو هريرة: انا مع ابن أخي يعني أبا سلمة، فأرسلوا إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: قد وضعت
سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بيسير فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها ان تتزوج " قال الترمذي حديث حسن صحيح
وهذا قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم
تعتد آخر الأجلين أي ان وضعت قبل مضى أربعة أشهر وعشرا تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع.
وبه قال علي رضي الله عنه، أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عنه بسند صحيح وبه قال ابن عباس.
ويقال انه رجع عنه ويقويه ان المنقول عن اتباعه وفاق الجماعة في ذلك. والقول الأول أصح لحديث سبيعة.
راجع تحفة الأحوذي كتاب الطلاق باب 17 / (14 / 375 - 376)، وانظر النسائي كتاب الطلاق باب 56 ح 1
(3) الآية 234 من سورة البقرة.
(4) الآية 4 من سورة الطلاق.
(5) لم يرو ما بين القوسين في د.
(6) عبارة د " أما أن لو خاصعتكم ".
(7) الآية 15 من سورة الأحقاف.
(8) الآية 14 من سورة لقمان.
(9) قال الامام مالك رحمه الله أن بلغه أن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أن ترجم. فقال
له علي بن أبي طالب ليس ذلك عليها إن الله يقول في كتاب " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " وقال والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فالحمل يكون ستة أشهر فلا رجم عليها، فبعث عثمان
في أثر فوجدها قد رجمت، الموطأ كتاب الحدود حديث رقم 11 / (د / 95).
وقال أبن قدامة أقل مدة الحمل ستة أشهر لما روى الأثرم باسناده عن أبي الأسود أنه رفع إلى عمران امرأة
ولدت لستة أشهر، فهم عمر برجمها فقال له علي ليس لك ذلك، قال الله تعالى " والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين " وقال تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا، لا رجم عليها
فخلى عمر سبيلها وولدت مرة أخرى لذلك الحد - أي لستة أشهر وذكر ابن قتيبة في المعارف أن عبد الملك بن
مروان ولد لستة أشهر. وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي راجع المغني 8 / 121 وإشارة الجصاص
إلى أن هذا القول لابن عباس لا يضيره فان الروايات التي وصلتنا تدور بين علي بن طالب وابن عباس رضي
الله عنهم.
وروي الأثرم عن عكرمة أن ابن عباس قال ذلك، قال عاصم الأحول: فقلت لعكرمة أن ابن عباس قال ذلك، قال عاصم الأحول: فقلت لعكرمة انا بلغنا ان عليا قال
هذا، فقال عكرمة: لا ما قال هذا إلا ابن عباس - انظر المغني لابن قدامة 8 / 121.
106

فاحتج بالعموم لأن لفظ الإنسان فيه (1) في هذا الموضع للجنس فهو مستوعب (2) للكل
وقبله منه عثمان وعرف صحة استدلاله فرجع إليه
وقال عمر وابن عباس وعمران بن الحصين (3) في أم المرأة إنها تحرم بالعقد وإن لم يقع
دخول وقالوا (4) إنها مبهمة (5) ولم يرجعوا فيها إلا إلى ظاهر اللفظ

(1) لم ترد هذه الزيادة في د
(2) في ح " مستوعبة ".
(3) هو عمران بن حصين بن عبيد أبو نجد الخزاعي، توفي في 52 هجرية وهو من علماء الصحابة، أسلم عام خيبر
سنة 7 هجرية، وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. وبعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم، وولاه زياد
قضاءها وتوفي بها، له في كتب الحديث 130 حديثا.
راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 1 / 28 وتهذيب التهذيب 8 / 125 وصفة الصفوة 1 / 283 وطبقات ابن سعد
7 / 4 وخلاصة تهذيب الكمال 250 انظر الاعلام 5 / 232 والإصابة 4 / 705 وسير الأعم النبلاء 2 / 363
وطبقات الشيرازي 51 والوفيات لابن قنفذ 66 ومرآة الجنان 1 / 125 ومشاهير علماء الأمصار 37 والفكر
السامي 2 / 34 والبيان والتبيين تحقيق السندوبي 2 / 235 هامش تحقيق الحاصل من المحصول 2 / 673
(4) في ح " قال " وهو تصحيف.
(5) اخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل
له نكاح ابنتها فان لم يكون دخل بما فلينكح ابنتها وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح
أمها " قال الترمذي هذا الحديث لا يصح من قبل إسناده وانما رواه ابن لعيعة والمثني بن الصباح عن عمرو بن
شعيب، والمثني وابن الصباح يضعفان في الحديث.
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وهو قول الشافعي وأحمد واسحق تحفة الأحوذي كتاب النكاح باب
24 / (4 / 260).
107

وقال ابن عباس أبهموا ما أبهم الله تعالي (1)
وقيل لابن عمر إن ابن الزبير (2) يقول لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان فقال قضاء الله
أولى من قضاء ابن الزبير (3) قال الله تعالى اللاتي أرضعنكم أخواتكم من
الرضاعة (4) واحتج عمر على الزبير وبلال (5) ومن سأله قسمة السواد بقول الله تعالى
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم (6) إلى قوله تبوءوا الدار

(1) قال في البحر الزخار قول ابن عباس " ابنهمز ما أبهم الله " حكيم عن الانتصار عنه، والذي في الجامع عن زيد بن
ثابت انه سئل عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت لا، الام
مبهمة ليس فيا شرط، وإنما الشرط في ربائب والحديث أخرجه مالك في الموطأ من كتاب النكاح باب 9
حيث رقم 22 (4 / 27) وانظر البحر الزخار 4 / 32.
(2) هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبو بكر فارس قريش في زمنه، وأول مولود في المدينة سنة 1
هجرية وتوفي في 73 هجرية. شهد فتح إفريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة سنة 64 هجرة عقيب موت
يزيد بن معاوية فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام، كانت له مع الأمويين وقائع هائلة
حتى سيروا إليه الحجاج الثقفي ونشبت بهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة، وكان من خطباء قريش
المعدودين ومدة خلافته تسع سنين له في الصحيحين 33 حديثا. راجع ترجمته في ابن الأثير 4 / 135 وفوات
الوفيات 1 / 210 وتاريخ الخميس 2 / 301 وحلية الأولياء 1 / 329 واليعقوبي 3 / 2 وصفة الصفوة 1 / 322
والطبري 7 / 202 وتهذيب ابن عساكر 7 / 396، وشذور العقود للمقريزي 6 وجمهرة الأنساب 113 و 114
انظر الأعلام للزركلي 4 / 218.
(3) الخبر أخرجه أحمد ومسلم عن أم الفضل بنت الحارث بلفظ أن رجلا سأل صلى الله عليه وسلم، أتحرم المصة؟ فقال: " لا تحرم
الرضعة ولا الرضعتان ولا مصة والمصتان ". راجع المتقي 1 / 658 والتلخيص 2 / 332 وراجعه عن جبير بن
مطعم بفي مبارق الأزهار 1 / 211، ونقل الرازي في تفسيره قال روى أنه " جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما
فقال: قال ابن الزبير لا بأي بالرضعة ولا بالرضعتين فقال، فقال ابن عمر قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، قال
الله تعالى " وأخواتكم من الرضاعة " قال - أي أبو بكر الجصاص لان نقل الرازي عنه - فعقل ابن عمر من ظاهر
اللفظ التحريم بالرضاع القليل.
تفسير الرازي 1 / 183 ط الخيرية.
(4) الآية 23 من سورة النساء.
(5) الآية 23 من سورة النساء.
(5) هو بلال بن رباح الحبشي المؤذن، وهو بلال بن حمامة وهي أمة اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين ولزم النبي
صلى الله عليه وسلم وأذن له، وشهد معه جميع المشاهد، ومات بالشام، وروى له البخاري ومسلم 44 حديثا راجع الإصابة
1 / 170 وطبقات ابن سعد 3 / 169 وصفة الصفوة 1 / 171 وحلية الأولياء 1 / 147 وتاريخ الخميس 2 / 245.
انظر الأعلام للزركلي 2 / 49.
(6) الآية 8 من سورة الحشر.
108

والإيمان من قبلهم (1) وقال الله تعالى (2) جاءوا من بعدهم (3)
قال عمر فقد جعل الحق لهؤلاء كلهم ولو قسمته بينكم لبقى الناس لا شئ لهم
ولصار دولة بين الأغنياء منكم (4)
فحاجهم بعموم (5) هذه الآيات فتبينوا الرشد في قوله ووضح لهم طريق الحق فيه (6)
فرجعوا إلى مقالته
وقال ابن عباس لم أجد الله ذكر جدا ولم يذكر إلا أبا احتجاجا ليكون الجد أبا (7)
ونظائر ذلك كثيرة ظاهرة عندهم (8) مستفيضة لو استقصيناه لطال به الكتاب وبمثل

(1) الآية 9 من سورة الحشر.
(2) عبارة " ثم قال: ".
(3) الآية 10 من سورة الحشر.
(4) قال الجصاص في أحكام لا قرآن: لما فتح عمر رضي الله عنه العراق سأله قوم من الصحابة قسمته بين الغانمين
منهم الزبير وبلال وغيرهما فقال إن قسمتها بينهم بقى آخر الناس لا شئ لهم واحتج عليهم بقوله تعالى
" واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه " إلى قوه " والذين جاءوا من بعدهم " وشاور عليها وجماعة من
الصحابة في ذلك فأشاروا عليه بترك القسمة أن يقر أهلها عليه ويضع عليها الخراج ففعل لك ووافقته
الجماعة عند احتجاجه بالآية، ومما قال لو قسمتها بيتهم لصارت دولة بين الأغنياء منكم ولم يكن لمن جاء بعدهم
من المسلمين شئ وقد جعل لهم فيها الحق بقوله تعالى " والذين جاءوا من بعدهم (3 / 529) واخرج البخاري
في معنى هذا عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال: لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا
قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر " صحيح البخاري كتاب المغازي غزوة خيبر 5 / 76 على ما في السياسة الشرعية
والفقه الاسلامي لعبد الرحمن تاج 148.
(5) في ح " لعموم ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) اختلف العلماء في الجد هل هو بمنزلة الأب فيسقط به الاخوة أم لا، فذهب أبو بكر الصديق إلي أنه بمنزلة
الأب، ولم يخالفه أحد من الصحابة أيام خلافته واختلفوا في ذلك بعد وفاته، فقال بقول أبي بكر ابن عباس
وعبد الله بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة وعطاء وطاووس والحسن وقتادة
وأبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق واحتجوا بمثل قوله تعالى " ملة أبيكم إبراهيم " وقوله " يا بني آدم وقوله " صلى الله عليه وسلم " ارموا
يا بني إسماعيل ".
وذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الجد مع الاخوة لأبوين أو لأب... الخ.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس انه كان يقول من شاء لاعنته عند الحجر الأسود أن الله لم يذكر في القران
جدا ولا جدة، إن هم إلا الاباء ثم تلا " واتبعت ملة آبائي إبراهيم واسحق ويعقوب ".
راجع في تفصيلات ذلك الدر المنثور 2 / 127 وفتح البيان 2 / 217 والكشاف 3 / 43 وأحكام القرآن لابن
العربي 1 / 337.
(8) لفظ د " عنهم ".
109

هذا (1) يوقف على مذهب القوم ومقالاتهم
فبان (2) بما وصفنا (3) أن العموم من مفهوم لسان العرب وإن ذلك مذهب السلف
من غير خلاف بينهم فيه وما خالف في هذا أحد من السلف ومن بعدهم إلى (4) أن
نشأت فرقة من المرجئة (5) ضاق عليها المذهب في القول بالإرجاء فلجأت إلى دفع القوم
بالعموم رأسا لئلا (6) يلزمها لخصومها (القول بوعيد الفساق (7) بظواهر الآي المقتضية لذلك
فقد صنف أهل العلم على نفاة القول بالعموم كتبا واستقصوا الكلام عليهم فيها (8) وفي
استقصاء القول فيه ضرب من الإطالة (9) وشأننا الاختصار وذكر الجمل ما استغنينا في
إيجاب الفائدة بها عن الإطالة ونسأل الله التوفيق (10)
دليل آخر قال أبو بكر (11)
فنقول (12) إن مما يدل على صحة القول بالعموم أنه لا يخلو حكم اللفظ المطلق المشتمل

(1) سقطت ألف " هذا " من ح.
(2) لفظ ح " فان " وهو تصحيف.
(3) لفظ ح " وصفت ".
(4) في ح " الا ز وهو تصحيف.
(5) المرجئة: طائفة يرجئون الأعمال ويؤخرونها فلا يرتبون عليها ثوابا ولا عقابا بل يقولون المؤمن يستحق الجنة
بالايمان والكافر يستحق النار بالكفر.
ويقولون لا يضر مع الايمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة، وهم أصناف أربعة:
(أ) مرجئة الخوارج.
(ب) مرجئة القدرية.
(ج) مرجئة الجبرية.
(د) المرجئة الخاصلة.
راجع المصباح 1 / 21 وتعريفات الجرجاني 110 والفرق بين الفرق 20، والباب 3 / 133 والملل للشهرستاني
1 / 139 ومقالات الاسلاميين 126 وانظر هامش الحاصل من التحصيل 1 / 187.
(6) في د " لان لا ".
(7) في ح زيادة " و " وهو تحريف.
(8) عبارة ح " فيها عليهم الكلام ".
(9) سقطت هذه الزيادة من ح.
(10) عبارة د " والله نسأل التوفيق ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في د.
(12) في د " ونقول ".
110

على مسميات من أحد وجوه ثلاثة
إما أن يكون الحكم لكل ما استوفاه الاسم على ما قدمنا (1) أو الوقف فيه حتى يرد
بيان مراد الكل أو (2) البعض على حسب ما قال القائلون بالوقف والحكم فيه (3) بأقل ما
يقع عليه الاسم حتى تقوم دلالة الكل فإن كان الواجب فيه الحكم بالأقل لم يخل وجوب
ذلك من أحد معنيين
إما أن يكون ذلك بدلالة غير اللفظ أو لأن اللفظ يتناوله
فإن كان الحكم بالأول إنما يعلق وجوبه بدلالة غير اللفظ وليس هذا حكم بالأقل
من جهة اللفظ وعلى أن تلك الدلالة حكمها أن تكون مبنية على اللفظ واللفظ لا
حكم له إلا بدلالة فهذا يوجب بطلان تلك الدلالة فبطل أن يكون وجوب الحكم بالأقل
متعلقا بدلالة غير اللفظ وإن كان وجوب الحكم بالأقل متعلقا (4) باللفظ من حيث انتظمه
وصار عبارة عنه
فالحكم (5) باستيعاب الكل واجب لوجود (6) اللفظ المشتمل على جميعه لأن اللفظ
لم يختص بكونه عبارة عن الخصوص دون العموم إذ (7) كان يتناول الجميع على وجه واحد
لأن قوله تعالى المشركين (8) لا يختص بثلاثة منهم دون جميعهم فمن (9) حيث
وجب الحكم في ثلاثة من طريق اللفظ وجب مثله في الجميع لهذا المعنى بعينه
فإن قال قائل منهم إنما حكمت بالأقل لأنه متيقن (10) وما زاد فهو مشكوك فيه
قيل له ومن أين علمت أنه متيقن إلا من جهة اللفظ ومخالفوك ما القائلون بالوقف
يقولون في الأقل كقولك أنت في الأكثر فهلم دلالة غير اللفظ على وجوب الحكم بالأقل

(1) في د " قدمناه ".
(2) في د " و ".
(3) لم ترد هذه القوسين ساقط من ح.
(5) في ح " في الحكم ".
(6) لفظ ح " لوجوب ".
(7) في د " إذا ".
(8) الآية 5 من سورة التوبة.
(9) في ح " من ".
(10) في ح زيادة " فيه ".
111

فإذا (1) ثبت عندنا وعندك وجوب الحكم بأقل وكان المرجع فيه إلى اللفظ الذي هو عبارة
عنه في موضوع اللسان واللفظ موجود في الأكثر كهو في الأقل فهلا (2) حكمت له بمثل
حكمه فبطل بما وصفنا قول القائلين بالخصوص
ثم نقول (3) لأصحاب الوقف أتثبتون لا للخطاب فائدة عند وروده مطلقا غير
مقرون (4) بدلالة الخصوص أو الاحتمال (5) أو تزعمون أن وجوده وعدمه سواء
فإن قالوا له فائدة وللمخاطب فيه غرض محمود إذا كان حكما (6) وهو أنه يعلمنا أن
حكما (7) قد لزمنا يريد بيانه في التالي
قيل له فالبيان الوارد في التالي لا (8) يخلو من أن يكون لفظا أو دلالة منه
فإن كان لفظا فحكمه حكم الأول يجب الوقف فيه (9)
وإن كان دلالة من لفظ فكيف يدل على غيره وهو لم يثبت حكمه بنفسه
فإن قال يكون بيانه موقوفا على ورود الإجماع به فمهما حصل عليه الاتفاق
علمنا أنه هو المراد
قيل له فالإجماع فيما طريق معرفته السمع لا يخلو من أن يصدر عن سمع أو عن
دلالة منه
فإن كان عن سمع فذلك (10) السمع حكمه أي يكون موقوفا على بيان ثان فكيف
يصح الإجماع عن مثله
وإن كان دلالة عن غير (11) سمع فهي أبعد من أن يحصل عليها إجماع

(1) في د " وان ".
(2) في " فالا " وهو تحريف.
(3) لفظ د " يقال ".
(4) لفظ د " مقترن ".
(5) لفظ د " الاجمال ".
(6) لفظ ح " حكيما ".
(7) لفظ ح " حكمنا ".
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) سقطت هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ ح " فذلك ".
(11) سقطت هذه الزيادة من د.
112

الحكم السمع غير ثابت (1) على أن حجة الاجماع إنما تثبت عن طريق السمع فإن لم
يكن السمع دالا بنفسه وكان (2) ثبوت حكمه موقوفا على الإجماع والإجماع لا يثبت
حجة (3) إلا من جهة السمع فقد صارت حجة السمع موقوفة على الإجماع وحجة
الإجماع موقوفة على السمع وهذا محال (4) لأنه يوجب أن يكون كل واحد منهما أصلا للآخر
وكل واحد فرعا لصاحبه وهذا غاية الاستماتة أن فقد آل الأمر بالقائلين بالوقف إلى إبطال
فائدة اللفظ رأسا وإخلاء جميع خطاب الله تعالى وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم من فائدة وهذا قول
يؤدي بقائله إلى الانسلاخ من الدين
فلما بطل قول القائلين بالخصوص وبالوقف لما بينا لم يبق إلا قول أصحاب العموم
ودليل آخر
وهو قوله تعالى عربي مبين (5) وقوله تعالى أرسلنا من رسول إلا بلسان
قومه (6)
و (7) في لسان العرب ألفاظ موضوعة للجنس فقوله تعلى المشركين (8)
والسارق والسارقة (9) والزانية والزاني (10) والناس والحيوان تفيد هذه الأسماء في نفسها (11)
جميع ما تحت الجنس وفيها ألفاظ تعم العقلاء وألفاظ تعم غير العقلاء مثل من وما في
النكرة على ما بيناه فيما سلف هكذا قال أهل اللغة
ويدل عليه أنه يستفهم (12) عن جنس العقلاء ب من ويصح الجواب عنها ب من

(1) في ح زيادة " و ".
(2) لفظ ح " وكانت " وهو تصحيف.
(3) عبارة " لا تثبت حجته ".
(4) لفظ د " خلف ".
(5) الآية 195 من سورة الشعراء.
(6) الآية 4 من سورة إبراهيم.
(7) في ح " ففي ".
(8) الآية 5 من سورة التوبة.
(9) الآية 38 من سورة المائدة.
(10) الآية 2 من سورة النور.
(11) لفظ ح " لغتها ".
(12) لفظ ح " ليستفهم ".
113

شاء منهم فيقول من في الدار فيجيبه (1) برجل أو امرأة أو بنحو (2) ذلك ويكون جوابه
صحيحا ولا يصح (3) أن يكون جوابه في الدار حمار أو ثور
وكذلك هذا في المجازاة كقوله (4) من يعطني (5) أعطه قال الله عز وجل يطع
الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار (6) ويقول (7) ما في الدار فتقول حمار أو
جمل ولا يصلح أن يكون جوابه رجل وتقول في المجازاة ما تأكل آكل وما تحمل أحمل
ونحو ذلك فدل على أن من تتناول جميع العقلاء وما لغير العقلاء (8) وتعم الجميع
فيه (9) فإذا ورد ذلك في كلام (10) الله تعالى وفي خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقا وجب حمله
على موضوعه في أصل (11) اللغة
كما أن أسماء (12) الأعيان والأجناس متى وردت مطلقة في خطاب الله تعالى كانت
محمولة على ما هي اسم له في اللغة والاصطلاح نحو قوله تعالى عليكم الميتة
والدم ولحم الخنزير (13
فمن حيث عقل بهذه الأسماء مسمياتها لأنها في اللغة موضوعة لها ولم يجز أن يقال (14)
الميتة المذكورة (15) (16) في الآية ليست هي الميتة المعقولة من (17) لغة العرب كان المعقول أيضا

(1) لفظ ح " فتجبه ".
(2) في د " نحو ".
(3) لفظ ح " يصح ".
(4) لفظ د " كقولك ".
(5) لفظ د " تعطه ".
(6) الآية 13 من سورة النساء والآية 17 من سورة الفتح وفي النسخة ح أبدها ب‍ " ومن يطع الله والرسول يدخله
جنات " وصواب الآية " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم " الآية 69 من سورة النساء.
(7) في د " وتقول ".
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) في ح " منه ".
(10) لفظ د " كتاب ".
(11) سقطت هذه الزيادة من ح.
(12) لفظ ح " اسم ".
(13) الآية 3 من سورة المائدة.
(14) لفظ د " يكون ".
(15) لم ترد هذه الزيادة في د.
(16) لم ترد هذه الزيادة في د.
(17) في د " في ".
114

استغراق الجنس لأنها في اللغة كذلك
ويدل عليه (1) أيضا قوله تعالى يبدل القول لدي (2) فما خاطبنا به مما هو في
اللغة فهو محمول على حكمه فيها لأنه كذلك عند الله تعالى بقول يبدل القول لدي
دليل آخر
وقد احتجوا للقول بالعموم أيضا بأن للعموم (3) في اللغة صيغة (4) يتميز بها (5) (6) من
الخصوص لأن أهل اللغة يقولون مخرج الكلام مخرج العموم كما أن للواحد صيغة يبين بها
من الجميع وكما أن للخبر صيغة ينفصل بها من الأمر وللاستخبار صورة يتميز بها من
الأخبار فمن حيث وجب أن يكون المعقول صيغة الأمر إذا ورد مطلقا معنى هو موضوعه في
اللغة
وكذلك بلفظ الجمع ولفظ الواحد وعقل بكل شئ من ذلك ما هو موضوع له ولم
يجز صرفه إلى غيره وكذلك وجب ألا يصرف الصيغة الموضوعة للعموم إلى الخصوص كما
لا يصرف لفظ الجمع إلى الواحد ولفظ الأمر إلى الاستخبار ولفظ الخبر إلى الأمر

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) الآية 9 من سورة ق.
(3) لفظ د " العموم ".
(4) قال أبو حنيفة ومالك والشافعي داود وعامة المتكلمين للعموم صيغة تفيده بمطلقها، ومذه الإمام أحمد
صحة القول بالعموم وان له صيغة تدل على استغراق الجنس وبعض أصحابه كان يمنع منه.
وذكر ابن بدران ان الألفاظ التي يستفاد منها العموم خمسة أحدها ما عرف بأل التي ليست للعهد، الثاني: ما
أضيف من لفاظ العموم إلى معرفة كعبيد زيد، الثالث: أدوات الشرط، الرابع: كل وجميع ونحوهما ومعشر
عامة وكافة وقاطبة وما أشبه هذه الألفاظ، الخامس: النكرة في سياق النفي أو الامر ثم قال: اقسام ألفاظ
العموم المذكورة تقتضي العموم عندنا بقصد واضع اللغة إفادتها العموم ما لم يقم دليل أو قرينة تدل على أن
المراد بها الخصوص فيكون من باب اطلاق العام واردة الخاص.
راجع المدخل لمذهب الإمام أحمد لابن بدران 108، والمسودة 89 وروضة الناظر 116 وارشاد الفحول 116 -
124.
(6) لفظ ح " يتبين ".
(7) من بادية هذه الجملة ساقط من النسخة (د) إلى قوله " لفظ الجمع حقيقة " ورقة 14 / أ السطر الأول من النسخة
(ح) وتزيد النسخة (د) بسطرين قبل ان تتفق مع نص النسخة (ح) في أول ورقة 14 / أ
وهذا نص الزيادة " ألا ترى ان ما فوق الثلاثة لا ينتفي عنه اسم الجمع بحال كما لا ينتفى عن الثلاثة، فد على أنه
حقيقة فيهما، فلا جائز لاحد ان يزول عن حكمهما الا بدلالة، فان قيل: فإذا كان، ثم يلي ذلك السطر الثالث
وهو المقابل لأول مرة سطر من 14 / أ من النسخة (ح).
115

فإن قال قائل إنما العموم والخصوص يتعلق بقصد المتكلم دون اللفظ قيل له
لو جاز ذلك جاز أن يقال في الأمر والخبر والاستخبار أن جميع ذلك إنما يتعلق حكمه بقصد
المتكلم
فإن قيل ما أنكرت أن يكون قولهم إن هذا عموم مجازا
قيل له إن كل مجاز فإنما هو مجاز عن حقيقة فينبغي أن يكون للعموم حقيقة في
اللغة حتى يستعار منه المجاز
وهذا يدل على أن قولهم هذا عام حقيقة إذ ليس يرجع منه إلى أصل غيره هو
استعارة منه
وأيضا لو كان لفظ العموم ولفظ الخصوص بأصل اللغة بمعنى واحد حتى يعبر
بكل واحد منهما عن معنى الآخر لما كان أحدهما بأولى بأن
يكون مخرجه مخرج العام منه بأن يكون مخرجه مخرج الخصاص فصح أن الذي مخرجه مخرج العام موضوع في حقيقة اللغة
للعموم والذي مخرجه مخرج الخصاص موضوع في حقيقته للخصوص
وأيضا لو كان كما قال خصمنا لجاز أن يكون مؤكدا به العموم تأكيد الخصوص في
حقيقة اللغة فكان إذا قال ضربت غلماني كلهم أجمعين حتى لم أبق منهم أحدا إنه يكون
مؤكدا لتخصيصه ودالا به على أنه ضرب البعض ولكان يجوز ما يؤكد به الخصوص تأكيد
العموم حتى قال ضربت غلامي وحده دون غيره مؤكدا به العموم دلالة عليه فإذا
بطل هذا ثبت أن ما يعبر به عن الخصوص لا يكون للعموم وما يعبر به عن العموم لا
يكون للخصوص إلا بدلالة
واحتجوا أيضا بأن الضرورة داعية لأهل كل لغة إلى أن يكون في لغتها ألفاظ
للعموم كحاجتهم إلى أسماء سائر المسميات التي يختص كل واحد منها باسم يتميز به من
غيره لأنهم بها يتوصلون إلى إفهامهم بعضهم بعضا ما في ضمائرهم والإبانة عن
مقاصدهم وأغراضهم إذ كان معلوما أنه مستحيل متى أراد العبارة عن الجنس كله أن
يذكر كل واحد من آحاده أو يشير إليه بعينه لأن ذلك يفوق الإحصار والعدد ويمتنع فيه
الإشارة والتعيين فاحتاجوا من أجل ذلك إلى ألفاظ موضوعة للجنس وللجمع يوجب
116

استغراق الجنس كله ويقتضي استيفاء جميع ما الاسم موضوع له على حسب ما سلف
القول فيه في بيان صفة العموم
فلما كان ذلك كذلك وجب أن يكون لفظ العموم متى ورد مطلقا محمولا على بابه
ومختصا بما وضع له من استغراق الجنس واستيعاب كل (1) ما لحقه الاسم حتى تقوم دلالة
الخصوص كما وجب إذا خوطب بذكر سماء وأرض ورجل وفرس ونحو ذلك صرفها إلى
ما يختص بها في موضع اللغة دون غيره
فإن قال قائل لا نأبى أن يكون في اللغة ألفاظ موضوعة للجنس وللجمع تستغرق
جميع ما تحتها وتتناول كل ما يلحقه الاسم منها إلا أن هذه الألفاظ بأعيانها لما كانت تصح
للكل وللبعض كقوله تعالى قال لهم الناس (2) وقوله تعالى قالت الملائكة يا
مريم (3) وقول القائل جاءني بنو تميم
فساغ إطلاقها مع إرادته البعض دون الجمع وقفت موقف الاحتمال وغير جائز
حملها على الكل بالاحتمال فلا يخلو حينئذ من وجوب الحكم فيه بالأقل لأن اللفظ في
الحالين جميعا منتظم (4) له أو الوقف فيه حتى تقوم دلالة المراد
قيل له فلو كان اللفظ الذي مخرجه العام محتمل للخصوص والعموم دعوى لا دلالة
عليها وليس لأنه يصح أن يعتبره عن الخصوص صار محتملا له وللعموم وذلك لأن (5)
لفظ الجمع حقيقة الثلاثة (6) فما فوقها فمن استعمله في الثلاثة فهو مستعمل له على الحقيقة
فلم يعتبر (7) الاقتصار ب به (8) عليها

(1) كتبت " كلما " متصلة.
(2) الآية 173 من سورة آل عمران.
(3) الآية 42 من سورة آل عمران.
(4) كتبت " منظم ".
(5) إلى هنا ينتهي السقط من النسخة د.
(6) وحكى عن أصحاب مالك وابن داود وبعض النحويين وبعض الشافية أن أقله اثنان لقوله تعالى " فان كان له
اخوة فلأمه السدس " ولا خلاف في حجبها باثنين، وراجع تفصيل ذلك في إرشاد الفحول 123 وروضة
الناظر 121.
(7) عبارة ح " فلم " ولا يستقيم الكلام معها.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
117

وقيل (1) له (2) كون الثلاثة جمعا (3) في الحقيقة لا يوجب الاقتصار به عليها إذ كان
عموم اللفظ يتناول ما فوقها كما يتناولها لأن استعمال اللفظ في حقيقة (4) ما لا يمنع وجوب
استعماله في حقيقة أخرى
فإذا كان الجمع حقيقة فيما (5) فوق الثلاثة وجب استعماله فيه كما وجب استعماله في
الثلاثة
فإن قال قائل معلوم الفرق بين قوله المشركين (6) وبين قوله لو قال اقتلوا
المشركين وبين قول قائل اقطعوا سراقا وبين قوله اقطعوا السراق (7) فإن (8) قوله مشركين
وسراقا لا يقتضي جميع ما يقع عليه الاسم مع كونه (9) لفظ جمع (10)
قيل له وإن (11) كان لفظ جمع فإنه (12) من حيث كان نكرة لم يوجب استغراق الجنس
كله (13) ولو وجب استغراق الجنس صار معرفة لدخول ما تحت الجنس فيه وكان (14) يصير
كقوله اقطعوا السراق واقتلوا المشركين (15) لأن الألف واللام في مثله يدخلان لتعريف
الجنس وهذا يوجب أن يكون دخول الألف واللام عليه وخروجها سواء معلوم فساده (16)

(1) في النسختين " قيل " والمناسب وقيل.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " جميعا " وهو تصحيف.
(4) لفظ ح " حقيقته " وهو تصحيف.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) الآية 5 من سورة التوبة.
(7) لفظ ح " السارق ".
(8) في د " وان ".
(9) لفظ ح " كون ".
(10) لفظ ح " الجمع ".
(11) في د " انه ".
(12) في ح " فان ".
(13) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(14) لفظ د " فكان ".
(15) الآية 5 من سورة التوبة ولم ترد في د.
(16) يشير الجصاص بذلك إلى تفصيل الخلاف بين أرباب العموم فإنهم اختلفوا على ثلاث مسائل:
الأولى: الفرق بين المعرف والمنكر، فقال الجمهور لا فرق بين قولنا اضربوا الرجال وبين قولنا اضربوا رجالا
واقتلوا المشركين واقتلوا مشركين. وإلهي ذهب الجبائي وهو المفهوم من كلام الجصاص أيضا.
وقال قوم يدل المنكر علي جمع غير معين ولا مقدر ولا يدل على الاستغراق وهو الأظهر عند الغزالي
الثانية: اختلفوا في الجمع المعرف بالألف واللام كالسارقين والمشركين والعاملين، فقال قوم هو للاستغراق.
وقال قوم هو لأقل الجمع ولا يحمل على الاستغراق إلا بدلي.
والأولى أقوى وأليق بمذهب أرباب العموم.
الثالثة: الاسم المفرد إذا دخل عليه الألف واللام كقولهم الدينار خير من الدرهم، فمنهم من قال هو لتعريف
الواحد فقط، وذلك في تعريف المعهود وقال قوم هو للاستغراق، وقال قوم يصلح للواحد والجنس ولبعض
الجنس فهو مشترك راجع المستصفي 1 / 37 وروضة الناظر 119.
118

وليس في هذا نقض لما قلنا من أن لفظ الجمع يتناول الثلاثة فما فوقها حقيقة وأنه لا
يختص ببعض ذلك دون بعض من قبل أنا إنما صرفناه إلى الثلاثة في هذ ه الحال بدلالة وهو
خروج اللفظ مخرج النكرة وذلك يقتضي بعضا مجهولا من جملة محكم اللفظ ماض على
ما قدمناه
وإنما خصصناه وقصرناه (1) قال على الثلاثة بدلالة وجائز أن يراد به أكثر منهم إلا أن
المتيقن منه ثلاثة غير أعيان
ثم لا يخلو حينئذ من أن يكون حكم اللفظ موقوفا على البيان أو يكون المخاطب مخبرا
في قطع ثلاثة منهم
وقد قال أصحابنا فيمن قال إن تزوجت نساء أو اشتريت عبيدا فعبدي (2) حر (3)
إن هذا على ثلاثة منهم (4)
وإنما يوجب لفظ الجمع استغراق الجنس بدخول الألف واللام عليه وقد قال الله
تعالى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء (5)
هذا عموم في جميع الرجال والنساء وإنما ورد بلفظ متكرر (6)
وقيل يحتمل أن يريد مما (7) خلق منهما ومن صلبهما عن دون أولاد أولادهما فيصيرون

(1) لفظ د " قر نابه ".
(2) لفظ " فعندي " وهو تصحيف.
(3) سقطت هذه الزيادة من ح.
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) الآية 1 من سورة النساء.
(6) لفظ د " مذكور ".
(7) في د " بهما ".
119

مذكورين (1) بالإضافة إلى جملة الرجال والنساء من بني آدم
فإن قال قائل على الفصل المتقدم فكيفما جرت الحال فقد جاز إطلاق لفظ العموم
المراد الخصوص
قيل له هل هذا لا يسلمه لك جميع أصحاب العموم لأن منهم من يقول إن لفظ
العموم لا يكون للخصوص أبدا ومتى أريد به الخصوص علمنا أنه لم يكن قط لفظ (2)
عموم (3) لأن ما صحبه (4) من دلالة الخصوص يجري عندهم مجرى الاستثناء فهذا
السؤال ساقط عن القائلين بهذا القول
وأما من سلم ورود (5) لفظ عموم (6) يراد به الخصوص فإنه يجعل إطلاق اللفظ في
هذه الحال مجازا لا حقيقة والحقيقة استعماله للعموم وليس في (7) أن اللفظ (8) عدل به
عن حقيقته واستعمل في غير موضعه في حال ما يمنع استعماله عند وروده مطلقا على
الحقيقة (9)
ألا ترى أن لفظ الخبر قد يرد والمراد الأمر كقوله تعالى بأنفسهن (10) ويرد
لفظ الأمر والمراد الوعيد والتهديد كقوله تعالى ما شئتم (11)
ولم يمنع جواز وروده على هذا الوجه لدلالة أوجبت ذلك له من وجوب استعماله
متى ورد (12) مطلقا على حقيقته
فإن قيل لو كان لفظ العموم يقتضي استيعاب جميع ما تحت الاسم لصار كل اسم
منه كالمذكور بعينه وكان ذلك يمنع جواز دخول الاستثناء عليه كما لا يصح استثناء المذكور
.

(1) لفظ ح د " منكورين.
(2؟ لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " عموما ".
(4) لفظ د " صحته ز وهو تصحيف.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لفظ ح " العموم ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) في ح " لفظا " وفي د " اللفظة " وما أثبتناه أصح.
(9) لفظ ح " حقيقته ".
(10) الآية 234 من سورة البقرة.
(11) الآية 40 من سورة فصلت.
(12) لفظ ح " مردودا " وهو تحريف.
120

لأنه لا يصح أن يقول رأيت زيدا إلا زيدا
قيل له هذا غلط لأن أحدا لا يدفع أن تكون العشرة اسما لهذا العدد يقتضي إطلاقه
استيعاب جميعه ثم لم يمتنع (1) جواز ورود الاستثناء عليها (2) ولم يبطل ذلك شمول اللفظ
عند الإطلاق لجميعه
وكذلك ما وصفنا في العموم وجاز ورود الخصوص والاستثناء عليه غير مانع كون
اللفظ عبارة عن جميعه (3)
فإن قال قائل ما أنكرت أن تكون صفة العموم الموجب للشمول والاستيعاب هي
ما يصحبه حرف التأكيد وهو الكل والجميع وبقبح معه استفهام المراد و (4) ما خلا من
ذلك فهو محتمل للعموم والخصوص وليس أحد المعنيين بأولى بحكم اللفظ من الآخر
ولولا أن ذلك كذلك ما كان للتأكيد والاستفهام معنى ولا فائدة
قيل له لفظ الكل والجميع إذا دخلا على العموم فإنما يؤكدان به ما قد حصل
واستقر من المعنى ولا يوجبان زيادة حكم على ما تضمنه العموم العاري (5) من التأكيد
وإنما يؤكد بلفظ الكل والجميع كما يؤكد بالتكرار وليس يفيد التكرار زيادة حكم على
ما حصل بالعموم كقول الله لك فأولى (6) ثم لك فأولى (7) والثاني (8)
تأكيد في تقرير المعنى الحاصل بدءا
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب مثلا بمثل سواء بسواء وزنا بوزن (9) كقوله

(1) لفظ د " يمنع ".
(2) لفظ د " عليه ".
(3) لفظ د " هو " وهو تحريف.
(4) لم ترد هذه الزيادة ف ي ح.
(6) الآية 34 من سورة القيامة.
(7) الآية 35 من سورة القيامة -
(8) ما بين القوسين سقط من ح.
(9) عبارة د " وزنا بوزن سواء بسواء ".
والحديث أخرجه مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ز الذهب بالذهب والفضة بالفضة
والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف
فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". مسلم كتاب المساقاة حديث رقم 81 / 11 / 14)، وعون المعبود كتاب
البيوع باب 12 ح 9، فتح الباري كتاب البيوع (4 / 379) والنسائي كتاب البيوع باب 50 / ح 7 / وابن ماجة
كتاب التجارات باب 48 ح‍ 2 ومسند الدارمي كتاب البيوع باب 41 ح 2 واحمد في مسنده 2 / 262، 437،
3 / 10، 47، 49 و 3، 58 61، 66، 73، 82، 93، 97، 5 / 38، 49، 200 و 271، 6 / 19،
21، 22، ومسند أبي بكر الصديق حديث رقم 81، 85 ومبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار 2 / 97.
و 2 / 101.
121

في الصدقة فان لم (1) تكن (2) تجد (3) ابنة (4) مخاض فابن لبون ذكر (5)
وكقول الشاعر (6)
هلا سألت (7) جموع كندة يوم ولوا أين أينا (8)
وكالقسم يدخل على الكلام على جهة تقدير المعنى الحاصل بالخبر وتقديره عند
المخاطب

(1) سقطت هذه الزيادة من ح.
(2) سقطت هذه الزيادة من د.
(3) لفظ " يجد ".
(4) لفظ ح " بنت ".
(5) اخرج البخاري الحديث بلفظ " فان لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر " فتح الباري
كتاب الزكاة باب 33 ح‍ 3 وابن ماجة كتاب الزكاة باب 10 ح 1، وألفاظ الروايات الأخرى مجتمعة " فان لم
تكن، يكن تجد فيها ابنة، ابن مخاص (أنثى) فابن، ابنة لبون (ذكر) ". راجع عون المعبود باب 5، 8 ح‍ 4
والموطأ كتاب الزكاة حديث رقم 23 ح‍ 2 ومسند الدارمي كتاب الزكاة باب 6 ح‍ 1 واحمد 1 / 11، 12
و 2 / 15.
(6) هو عبيد بفتح العين وكسر الباء وقع مضبوطا في مواضع في اللسان وفوائد اللآل وشعراء الجاهلية بضم العين
وهو خطأ - عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم ابن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن
ثعلبة بن دوران ابن سعد. وكان شاعرا جاهليا قيما من المعمرين، وشهد مقتل حجر أبي امرئ القيس وقتله
النعمان بن المنذر يوم بؤسه وخبر مقتله في مقدمة ديوانه 1 - 4 وانظر الأغاني 19 / 84 - 89 والأمالي 3 / 195
196 وأمثال العسكري 9 3، ومختارات ابن الشجري 2 / 23 - 35، والخزانة 1 / 321 - 324، 4 / 164.
165، معجم البلدان 6 / 282 - 296 والاقتضاب 348 وشعراء الجاهلية 596 انظر لشعر والشعراء
1 / 267 -
(7) لفظ النسختين " سئلت " وما أثبتناه نقلا عن الشعر والشعراء 1 / 115.
(8) هذا البيت من قصية في ديوانه 27 - 28 وذكر في الشعر والشعراء
يوم ولو هاربينا بدل أين أينا - راجع الشعر والشعراء 1 / 115
وأورده بلفظ يوم ولو أين أينا. الشعر والشعراء 1 / 671، وهي رواية الخزانة وديوانه: والبيت قاله ضمن أبيات
موجهة لامرئ القيس من قصيدة مطلعها:
يا ذا المخوفنا بقتل * أبيه اذلا وحينا
أزعمت انك قد قتلت * سراتنا كذبا وقينا
122

ويدل على صحة ذلك أنه قد يدخل على الأعداد التي لا إشكال على أحد في
حصول المراد به قبل التأكيد
نحو قولك أخذت العشرة كلها وقبضتها بأسرها ولم يفد زيادة عدد (1) على (2)
ما عقلناه من اللفظ قبل دخوله ويدخل (3) على الاسم المفرد المشار إليه بعينه كقولك رأيت
زيدا نفسه وعينه فدل ذلك على أن التأكيد لا يفيد زيادة معنى في (4) وجوب الكلام الأول
وعلى أنه لو كان التأكيد يفيد زيادة معنى على ما اتصل به لما كان تأكيدا ولكان
حينئذ كلاما مستقبلا مفيدا بنفسه كقولك عشرة وعشرة أخرى فلما صح أن لفظ الكل
و (5) الجميع إذا اتصلا بلفظ العموم إنما يصحبانه بن علي وجه التأكيد ثبت أنه لا يفيد أكثر
من تقرير المعنى الذي أفادناه لفظ العموم
فإن قيل إذا كان لفظ الكل و (6) الجميع إذا دخلا على العموم لا يفيدان زيادة حكم
فلا فائدة في دخولهما
قيل له بل فيهما أكبر الفائدة هو تأكيده وتقريره عند المخاطب كما أن أنفسنا وجميع
ما خلق (7) الله تعالى دلائل عليه وموصول إلى العلم به
والمعجزة (8) الواحدة (9) والسورة (10) الواحدة دلالة على صحة نبوة (11) النبي صلى الله عليه وسلم لو
اقتصر عليها كانت موصلة إلى العلم به وقد جعل مع ذلك كل سورة دلالة على نبوته
وجميع ما خلقه الله تعالى دلائل (12) على توحيده وحكمته

(1) لفظ ح " عند " وهو تصحيف.
(2) سقطت هذا الزيادة من ح.
(3) لفظ ح " وتدخل ".
(4) في د " على ".
(5) في د " في إ " وهو تحريف.
(6) في النسختين " في " وهو تحريف.
(7) لفظ د " خلقه ".
(8) لفظ ح " والمعجز ".
(9) لفظ ح " الواحدة " ".
(10) لفظ ح " الصورة " وهو تصحيف.
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(12) لفظ ح " دليلا ".
123

صلى قيل إن فائدة دخول حرف (1) الكل والجميع إنه يمنع التخصيص وينفي أن
يكون هناك دليل عليه
واما قولهم إن كل ما حسن (2) معه الاستفهام فالاحتمال قائم فيه لا معنى له لأن
اللفظ المطلق الذي يمكن استعماله على ظاهره إذا صدر عن (3) الحكيم الذي يصنع
الأشياء مواضعها لم يحسن استفهامه وإنما يحسن ذلك فيمن يظن به الغلط ووضع الكلام
في غير موضعه
فيقال له أحقا ما تقول أنت صدوق في ذلك ونحو هذا من القول
فأما الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها فلا يجوز هذا المعنى في كلامه ويقبح
استفهامه وقد يحسن الاستفهام على وجه آخر وهو أن يجوز السامع على نفسه الغلط
فيما سبق إلى سمعه فيستفهم المخاطب له ليعلم أن (4) ما سبق إلى سمعه كان صحيحا
على ما سمعه
ألا ترى أن الاستفهام قد (5) يحسن من مثل هذا في الأعداد المعلومة التي لا تشكل
مقاديرها على سامعها مثل أن تقول خذ هذه الألف درهم (6) فيقول (7) أتعطيني (8)
الألف كلها
فأما إذا كان المخاطب حكيما والسامع واعيا لما خوطب به واللفظ ظاهر المعنى
فالاستفهام غير سائغ في مثله
فإن قيل لولا جواز الاستفهام (9) في لفظ العموم لما ساغ لقوم موسى عليه السلام
حين أمرهم الله تعالى بذبح بقرة فقالوا لنا ربك يبين لنا ما هي (10) فدل ذلك على جواز
الوقوف في لفظ العموم وحسن الاستفهام معه

(1) لفظ د " حروف ".
(2) لفظ ح " حصل " وهو تحريف.
(3) سقطت هذه الزيادة من د.
(4) لم ترد هذه الزيادة من د.
(5) في د " ف ".
(6) لفظ ح " الدرهم ".
(7) لفظ ح " فتقول ".
(8) لفظ ح " أعطيتني ".
(9) لفظ ح " الأشياء " وهو تحريف.
(10) الآية 68 من سورة البقرة.
124

قيل له أو (1) قد صار قولهم حجة في ذلك ومن براهم (2) من الخطأ في استفهامهم
مع (3) ما لحقهم من اللائمة في مراجعتهم
وقد روي عن ابن عباس أنه قال لو ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأت عنهم ولكنهم
شددوا على أنفسهم فشدد الله تعالى عليهم (4)
وعلى أن هؤلاء الذين استفهموا ذلك هم الذين قالوا أتتخذنا هزوا (5) فمن
خاطب نبي الله صلوات الله عليه بمثل ذلك (6) لم يبعد من الخطأ في الاستفهام والمراجعة
وعلى أن سؤالهم قد صار سببا للتغليظ عليهم عقوبة لهم على ذلك فدلالة هذه القصة على
صحة القول بالعموم أظهر منها على نفيه لأنهم استحقوا اللوم عند المراجعة
والاستفهام با (7) للفظ المطلق الذي قد كان (8) يمكنهم استعماله على إطلاقه (9)
ويدل على ذلك قوله تعالى وما كادوا يفعلون (10) يعني والله أعلم لما لحقهم من
تغليظ المحنة لأجل مراجعتهم وسؤالهم
فإن قال قائل إنما يجب اعتبار العموم إذا أكد بضرب من التأكيد يقع معه للسائل (11)
علم الضرورة بمراد المخاطب

(1) في ح " د ".
(2) صححت في هامش النسخة د ب‍ " بدأهم " وهو تصحيف.
(3) في د كتبت " معما ".
(4) ذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى " وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " قال ابن أبي حاتم
حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة
السلمان قال: " فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي
أمروا بذبحها ". وقال محد بن جرير حدثني محمد بن سعيد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن
ابن عباس قال: " فلوا اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكن شددوا وتعنتوا على موسى فشدد الله عليهم "
راجع تفسير ابن كثير 1 / 108، 109 والكشاف للزمخشري 1 / 219 وتسفير الفخر الرازي 3 / 116.
(5) الآية 67 من سورة البقرة.
(6) في د " هذا ".
(7) في ح " في ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) لفظ ح " ظاهر ".
(10) الآية 71 من سورة البقرة.
(11) لفظ د " للسامع ".
125

قيل له ليس وقوع علم الضرورة بمراد القائل موقوفا على التأكيد إذ قد يقع ذلك له
مع وجود التأكيد تارة ومع عدمه أخرى على حسب مقتضى اللفظ (1)
وقد لا يقع له العلم مع وجود التأكيد لأنه قد يحتمل أن يؤدي باللفظ عن معناه إلى
غيره ملغزا في كلامه
وأيضا لو كان وقوع العلم بمراد المخاطب مقصورا على ما يضطر إليه لما جاز أن
يعلم أحد من المطلقين مراد (2) الله تعالى لأن أحدا من المكلفين لا يعلم (3) كلام (4) الله
تعالى اضطرارا وإنما يعلمه باستدلال واكتساب فكيف يجوز وقوع العلم (5) بمراده في
خطابه من جهة الضرورة
فلما كان المسلمون قد علموا كثيرا من مراد الله تعالى فيما خاطبهم به من غير جهة
الضرورة دل ذلك على بطلان هذه القاعدة
فإن قيل لا يخلو وقوع العلم بالعموم من أن يكون باللفظ أو بالمعني أو بمعين يقارن
اللفظ أو بهما جميعا فإن كان معنى غير اللفظ أو بهما فقد خرج اللفظ من أن يكون دالا
بنفسه وفي ذلك بطلان أصلكم إن كان وقوع العلم به بنفس اللفظ واللفظ مسموع
محسوس فالواجب أن يشترك السامعون له في وقوع العلم بصحة العموم لأن (6) المحسوسات
لا يقع فيها خلاف كالملموس (7) والمذوق والمشموم (8) والمرئي فلما وجدنا كثيرا من سامعي
اللفظ نافين للقول بالعموم علمنا أنه غير معقول من اللفظ
قيل له أما الصوت فهو مسموع محسوس (9) وإنما (10) يجب (11)
على العموم أو

(1) لفظ د " في الحال ".
(2) لفظ ح " كلام ".
(3) لفظ ح " يعرف ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) في د " ولأن ".
(7) لفظ ح " كالملموسات ".
(8) لفظ ح " المشوم " وهو تصحيف.
(9) في د زيادة " وأما حمل اللفظ " وهي زيادة لا محل لها.
(10) في د " وان ما " مفصوله.
(11) لفظ د " تجب ".
126

الخصوص غير (1) محسوس لأنه إنما يعرف بالرجوع إلى مواضعات (2) أهل اللغة
واصطلاحهم على حكم اللفظ
وقد يجوز أن يكون (3) فيه شبهة على بعض الناس أو لا يستدل عليه من جهة اللغة
فلا يقع له العلم بموضوعه وموجب حكمه كما أن قول القائل رجل وفرس محسوس
مسموع يشترك السامعون كلهم (4) في العلم بوجوده (5) وليس كل من سمعه عرف معناه
إذا لم يكن من أهل هذه اللغة
وأيضا فإن الأجسام محسوسة وهي دلائل (6) على الله تعالى وليس كل من أحسها
وشاهدها عرف وجه دلالتها إذا لم يستدل بها (7)
كذلك اللفظ المطلق يقتضي العموم وقد يجوز خفاء حكمه على بعض السامعين
فإن قال قائل أخبرني (8) عمن سمع آية أو سنة ظاهرهما عموم هل يلزمه إمضاؤهما
على ظاهرهما وعمومها أو يتوقف فيهما حتى يعلم أهو عام أو خاص (9) ومنسوخ أو ناسخ
فإن قلت إنه يمضيهما قبل على العموم مع علمه بأن في القرآن والسنة خاصا وعاما
وناسخا ومنسوخا فقد حكمت بعمومهما مع الشك فيه
وإن قلت إنه يقف فيهما حتى يستقرئ سائل الأصول والدلائل فإذا لم يجد ما
يخصصها (10) قضى فيهما بالعموم فقد تركت القول بالعموم وصرت إلى (11) مذهب (12)
أصحاب الوقف

(1) لفظ " فغير ".
(2) لفظ ح " موضوعات ".
(3) لفظ د " يدخل ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ ح " دليل ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لفظ د " خبرني ".
(9) عبارة د " أخاص هو أو عام ".
(10) لفظ د " يخصهما ".
(11) في د زيادة " إن أفقت ".
(12) لم تره هذه الزيادة في د.
127

قيل له (1) الذي نقول (2) في ذلك إن هذا السامع إن كان سأل الرسول عليه
السلام عن حادثة حدثت فأنزل الله تعالى فيها قرآنا أو أجابه النبي صلى الله عليه وسلم فيها بجواب فعليه
إمضاء الحكم على ظاهر ما سمعه (3) وليس عليه طلب الدليل من غيره في خصوصه أو
عمومه لأنه لو كان خاصا لما (4) ترك النبي صلى الله عليه وسلم بيانه في الحال التي ألزم فيها تنفيذ الحكم مع
جهل السائل
وأما من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر حكما مبتدءا معلقا بعموم لفظ من غير حادثة سئل عن
حكمها أو سمع آية من القرآن مبتدأة والسامع لذلك من أهل النظر والاجتهاد فكان مخاطبا
بمعرفة حكمها فقد قيل فيه وجهان
أحدهما أنه ليس يجوز له الحكم بظاهرها (5) حتى يستقرئ الأصول ودلائلها هل
فيها ما يخصها فإذا لم يجد فيها دلالة التخصيص (7) أمضاها على عمومها وأما العامي
فليس له أن يفعل شيئا من ذلك ولكنه إذا سئل عن حكم حادثة من يلزمه قبول قوله
فأجيب فيها بجواب مطلق أمضاه على ما سمعه وليس فيما ذكرنا ترك القول بالعموم ولا
موافقة لأصحاب الوقف من قبل أنا إنما نظرنا مع سماع اللفظ في دلالة التخصيص فمتى
عدمناها كان الموجب للحكم هو (6) اللفظ العام ولم نحتج مع اللفظ إلى (8) دلالة أخرى في
إيجاب الحكم وشموله فيما انتظمه الاسم
والفرق بيننا وبين القائلين بالوقف أنهم يقفون في حكم اللفظ حتى يجدون دليلا من
غيره على وجوب الحكم به
ونحن نقف لننظر هل في الأصول ما يخصه أم لا
والوجه الآخر أن من كان مخاطبا بحكم اللفظ فليس يخليه الله تعالى عند سماع
اللفظ من إيراد دلالة التخصيص عليه حتى يكون كالاستثناء المنوط بالجملة

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ د " تقول " وهو غير منقوط في ح.
(3) لفظ د " سمع ".
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) لفظ ح " بظواهرها ".
(6) لفظ ح " الخصوص " لا
(7) لفظ د " هذا ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
128

وأما من لم يكن مخاطبا بالحكم فهو بمنزلة من لم (1) يسمعه فليس عليه أن يعتقد
فيه عموما ولا خصوصا
وقد تعسف بعضهم فلم يفصل الجواب عن هذا السؤال هذا التفصيل وقال (2)
أمضى اللفظ على العموم وهذا خبط وجهل من قبل أنه من (3) علم أن في القرآن والسنة
عاما وخاصا وناسخا ومنسوخا فاعتقد العموم فيما لا يعلمه عاما أو خاصا (4) فقد أقدم على
اعتقاد ما لا يعلم صحته
ولا يجوز أن يلزمه الله تعالى مع ذلك (5) إقامة دلالة تخصيص لأنه يقتضي أن
يكون قد ألزمه اعتقاد خلاف مراده وهذا متناقض فاسد
فإن قال قائل لم أجد آية وخبرا إلا خاصا وهذا يدل على أن حكم اللفظ
الخصوص وإنه إنما يصرف إلى العموم بدلالة
قيل له (6) ومن أين وجب ما قلت لو كان الأمر على ما ذكرت (7) وما أنكرت أن
تكون حقيقته (8) العموم وإنما يصرف إلى الخصوص بدلالة وكل آية أو (9) خبر وجدته
خاصا فلم يخل من مقارنته لدلالة أوجبت خصوصه وإزالته عن العموم وعلى أن في كتاب
الله تعالى من الآي العامة (10) المستوجبة لما تحت الاسم أكثر من أن يحصره هذا الباب
نحو قوله الله بكل شئ عليم (11) وقوله تعالى سركم وجهركم ويعلم

(1) سقطت هذه الزيادة من ح.
(2) لفظ د " وقد ".
(3) لفظ د " متى ".
(4) عبارة د " خاصا أو عاما ".
(5) عبارة د " ذلك مع ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لفظ د " زعمت ".
(8) لفظ د " الحقيقة ".
(9) في ح " و ".
(10) لم ترد هذه الآية في ح.
(11) الآية 75 من سورة الأنفال والآية 115 من سورة التوبة.
129

ما تكسبون (1) وقوله تعالى الله لا يظلم الناس شيئا (2) وما لهذا الكتاب (3) (4) لا
يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا (5) ولا يظلم ربك
أحدا (6) من دابة في الأرض إلا على الله رزقها (7) وحرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم (8) ومن ذكر معها
فإن قال ما أنكرت أن يكون حكم العموم لازما لمن شاهد المخاطبة به (9)
لاقتضاء (10) حال الخطاب من الأمور التي يقع معها العلم بالمراد من إشارات وتقدير والحال
المقتضية لذلك غير ممكن نقلها فلا يقع العلم لمعاني الخطاب لمن نقل إليه اللفظ حسب
وقوعه لمن شاهده
(11) فلم يلزم إذا كان هذا هكذا من نقل إليه لفظ (12) عموم الحكم به إلا بدلالة
قيل له إن المخاطبة تكون من النبي صلى الله عليه وسلم على وجهين
أحدهما لما يريد به إفهام السامع دون غيره فقد يجوز أن يقتصر (13) في مثله من
إشارات (14) الانحصار (15) ومخرج الكلام على المقدار يحيى الذي يقع للمخاطب العلم بمراده
اكتفاء (16) بدلالة الحال وعلم المخاطب بالمراد

(1) الآية 3 من سورة الأنعام.
(2) الآية 44 من سورة يونس.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) في د زيادة " و " وهو خطأ.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) الآية 49 من سورة الكهف.
(7) الآية 6 من سورة هود.
(8) الآية 23 من سورة النساء.
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ ح " لاقتضى ".
(11) في د " فلا ".
(12) لفظ ح " اللفظ ".
(13) لفظ ح " ينحصر ".
(14) وردت في النسختين " الإشارات " وما أثبتناه أنسب.
(15) لم ترد هذه الزيادة في د.
(16) لفظ ح " اكتفى ".
130

والوجه الآخر ان يريد بخطابه المشاهد له وغيره ويريد ان ينقل عنه فلابد حينئذ
من أن يكون مراده معقولا من لفظه غير مفتقر معه إلى دلالة الحال حتى يستوى الناقل
والمنقول إليه في وقوع العلم بحكم اللفظ وهو (1) العموم المنتظم (2) لما تحته من المسميات
وعلى ان قول هذا القائل يوجب ان يكون الصحابة الذين شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم
متعبدين بأحكام اللفظ على غير الوجه الذي تعبدنا به لأنهم كانوا يعقلون من حكم
اللفظ بالمشاهدة ما لم يكن يعقله من لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم على موضوعك وهذا خلف من
القول
فان قال قائل ممن فرق بين الامر والخبر فقال لا يجوز الوقف في الامر لأنا متعبدون
بتنفيذه ولو ساغ الوقف فيه لجاز لكل واحد (3) ان يقول (4) لعلي لم أعن بهذا الامر
فيتخلف (5) بذلك عن أدائه فيؤدي ذلك إلى إسقاط الغرض عن الجملة فتبطل فائدة
يكن فيه إسقاط فائدته ولأنا غير متقيدين فيه بتنفيذ شئ
قيل له (6) لست تخلو (7) من أن تكون (8) حكمت في الأمر (9) بالعموم من جهة
مقتضى اللفظ وموجبه ولأن الصيغة توجب العموم أو حكمت فيها بالعموم من جهة (10)
دلالة غير اللفظ والصيغة
فإن كنت حكمت فيها بالعموم من جهة اللفظ فقد أعطيت أن اللفظ موضوع
للعموم فواجب حينئذ أن لا تختلف أحكامه باختلاف أحواله ومواضعه كما أن الأسماء المفردة
التي هي أسماء الأعيان والأشخاص لا تختلف أحكامها في دلالاتها (11) على ما دلت عليه

(1) لفظ ح " وهذا ".
(2) لفظ ح " المنظم ".
(3) لفظ د " أحد ".
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) لفظ ح " فيختلف ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) عبارة د " ليست يخلو ".
(8) لفظ د " يكون ".
(9) لفظ د " الأوامر ".
(10) ما بين قوسين ساقط من ح.
(11) لفظ ح " دلالتها ".
131

الدلالة (1) باختلاف المواضع (2) والأحوال فلا يجوز حينئذ أن يختلف (3) حكم الخبر
والأمر في اعتبار إجراء الحكم على ما تقتضيه صورة العموم
وإن كنت تأبى أن يكون للعموم (4) صيغة تقتضي استيعاب الحكم فيما يتناوله
اللفظ والكلام (5) بيننا وبينك في الأصل فالواجب (6) علينا حينئذ الرجوع إلى حكم
اللفظ (7) في مقتضى اللغة فإن أوجب العموم قضى به ولا يجوز حينئذ أن يختلف حكم الأمر
والخبر على الحد لذي بينا مع وجود دلالة اللفظ المطلق العاري مما يوجب تخصيصه
وقد دللنا على وجوب القول بالعموم بما يغنى عن إعادته (8) وعلى أن الخبر
للإعلام فإذا ورد مطلقا لزمنا اعتقاد مخبره على حسب ما انتظمه لفظه
فلا فرق بينه وبين الأمر من هذا الوجه
وعلى ان ما ذكر لا يوجب الفصل بين الامر والخبر لان الامر قد يأتي بلفظ العموم
والمراد وقوع المأمور به من (9) بعض الجملة نحو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد
وغسل الموتى والصلاة عليهم ودفنهم
وإذا كان ذلك كذلك (10) لم يختلف (11) على موضوعكم الرحمن ان يكون ما ورد الامر به
من الصلاة (12) وما جرى مجراه انما هو على هذا الوجه من وجوده (13) من بعض
جملة (14) المخاطبين بذلك فلا يكون فيه اسقاط فرض الأمر وكان فلا فرق إذا بين الامر والخبر من

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) ما بين القوسين ساقط من ح.
(3) عبارة د " أن يختلف حينئذ ".
(4) لفظ ح " العموم ".
(5) لفظ ح " العموم ".
(6) لفظ د " فالكلام ".
(7) لفظ ح " اللغة ".
(8) لفظ ح " عيادته " وهو تصحيف.
(9) في ح " في ".
(10) في د زيادة " و ".
(11) لفظ د " يمنع ".
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(14) في النسختين " الجملة " وما أثبتناه هو المناسب لما بعده.
132

هذا الوجه ويلزم ان لا نجعل فرض الصلاة والزكاة والصيام (1) عاما على كافة الناس
قال قائل لم أحكم بلزوم هذه الفروض كافة الناس من جهة اللفظ بل (2)
قيل له فينبغي (3) ان يكون الذي لزم بالامر من الفرض بعض الناس وما زاد لم يلزم
بالامر وانما لزم بالاجماع ويلزمه مع ذلك أيضا ان لا يكون لزومه لذلك البعض من جهة
دلالة اللفظ وإنما لزم بالاجماع (4) لأنا قد وجدنا لفظ الامر يرد ويراد به الإباحة كقوله
تعالى حللتم فاصطادوا (5) فلا يكون حمله على (6) هذا الوجه مبطلا لفائدته
فإن ارتكب هذا فقد نقض ما أعطى بدءا من إيجاب الفرق بين الأمر والخبر على الحد
الذي ذكر لأنه لم (7) يفرق بينهما إذا (8) لم يثبت حكم واحد منهما باللفظ دون دلالة من
غيره
فان قيل قد يجوز ان يخبرنا بخبر (9) مخبره مجهول نحو قوله تعالى أهلكنا
من قرية (10) وقوله وقرونا (11) بين ذلك كثيرا (12) ثم لا يبينه أبدا ولا يجوز أن يأمر بأمر مجهول
لم (13) يرد بيانه (14) فليس كذلك عندنا لأنه جائز عندنا أن يرد الأمر بشئ مجهول موقوف على
البيان ثم لا يرد بيانه

(1) عبارة د " الصيام والزكاة ".
(2) ما بين القوسين ساقط من ح ومبدل بالعبارة التالية " من جهة اللفظ بل بالاجماع فان قال إنما أوجب الزكاة والصوم
والصلاة على أعيان الناس بقيام الدلالة لا بمجرد اللفظ.
(3) لفظ د " ينبغي ".
(4) ما بين القوسين ساقط من ح.
(5) الآية 2 من سورة المائدة.
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) في د " لا ".
(8) في د " إذ ".
(9) في ح " غير " وهو تحريف.
(10) الآية 58 من سورة القصص.
(11) سقطت هذه الزيادة من ح.
(12) الآية 38 من سورة الفرقان.
(13) في د " لا ".
(14) في د زيادة " قيل له: أما قولك لا يجوز ورود الامر " ثم قال بعدها مباشرة: " على البيان ثم لا يرد بيانه " وهذه
الجملة ت لم يضعها الناسخ في مكانها المناسب، وما أثبتناه هو الصحيح.
133

مثل أن يقول اقتلوا المنافقين إذا عرفتكم إياهم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة إذا بينتها
لكم ثم لا يبين ذلك ابدا فلا يكون موجب هذا الامر اعتقاد صحة تنزيله وكونه حكمة
وصوابا كما يخبرنا بخبر لا نتبين حال مخبره وكيفياته وأوصافه فلا يلزمنا فيه أكثر من اعتقاد
صحته وكونه حقا على ما هو عليه
فإن قال قائل الفرق بين الأمر والخبر ان الأمر يجوز فيه النسخ ولا يجوز في الخبر
قبل (1) له جواز النسخ في إحداهما وامتناعه في الآخر (2) لا يوجب (3) الفصل بينهما (4)
من جهة ما يقتضيه إطلاق اللفظ فيهما
ولو جعل هذا المعنى فاصلا بينهما في ايجاب عموم الخبر دون الأمر كان أقرب لأن
لخصمك أن يقول لما لم يجز النسخ في الخبر (5) ولم يجز في مخبره التبديل والتغيير (6) وجب
اعتبار عمومه ولما جاز نسخ الأوامر لم يجب اعتبار عمومه إذ جاز وقوعه تارة محظورا وتارة
مباحا فهذا يدل على سقوط هذا السؤال (7)

(1) في ح " فدله " وهو تحريف.
(2) لفظ د " الأرض " وهو خطأ.
(3) لفظ د " لم ".
(4) لفظ ح " منهما ".
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) راجع في أدلة القائلين بالعموم شرح العضد على مختصر المنتهى 2 / 102، والمستصفى 2 / 38 مع ذكر
الاعتراضات وأصول السرخسي 1 / 134 وما بعدها وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 300 وما بعدها والتوضيح
1 / 199.
134

باب
القول في اللفظ العام المخرج
إذا أريد به الخصوص (1)
قال أبو بكر قد يرد اللفظ العام والمراد العموم كقوله تعالى الله بكل

(1) لفظ الخصوص معاني عند الأصوليين، قيل الخصوص: هو كون اللفظ متناولا لبعض ما يصلح له لا لجميعه،
ويعترض عليه بالعام الذي أريد به الخصوص وقيل هو كون اللفظ متناولا للواحد المعين الذي لا يصلح إلا لا،
ويعترض على تقييده بالوحدة مثل ما تقدم.
ويفرقون بين الخاص والخصوص فيقولون: الخاص هو ما يراد به بعض ما ينطوي عليه لفظه بالوضع،
والخصوص: ما اختص بالوضع لا بالإرادة وقيل: الخاص ما يتناول أمرا واحدا بنفس الوضع، والخصوص أن
يتناول شيئا دون غيره وكان يصح أن يتناوله ذلك الغير. راجع في ذلك ارشاد الفحول 142 فإنه مفيد.
وتعبر الجصاص " بالعام المخرج إذا أريد به الخصوص " يعشر بالخلاف بينه وبين العام المخصوص، ولدقة
الفرق بينهما نبين ذلك فنقول.
فرق العلماء بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص على أقوال كثيرة منها أن الذي أريد به الخصوص
ما كان المراد أقل وما ليس بمراد هو الأكثر. وقال علي بن أبي هريرة: العام المخصوص المراد به الأكثر وما ليس
بمراد وبين قولنا هذا عام مخصوص، فان الثاني أعم من الأول ألا ترى أن المتكلم إذا أراد اللفظ أو ما دل عليه ظاهر
العموم ثم أخرج بعد ذلك بعض ما دل عليه اللفظ كان عاما مخصوصا ولم يكن عاما أريد به الخصوص ويقال إنه
منسوخ بالنسبة إلى بعض الذي أخرج وهذا متوجه إذا قصد العموم بالخلاف ما إذا نطق بالعام مريدا به بعض
ما يتناوله.
وقال الزركشي وفرق بعض الحنابلة بينهما بوجهين:
أحدهما: أن المتكلم إذا طلق اللفظ العام فان أراد به بعضا معينا فهو العام الذي أريد به الخصوص وإن أراد
سلب الحكم عن بعض منه فهو العام المخصوص مثاله: قام الناس فإذا أردت إثبات القيام لزيد مثلا لا غير فهو
عام أريد به الخصوص، وإن أردت به سلب القيام عن زيد فهو عام مخصوص.
والثاني: أن العام الذي أريد به الخصوص انما يحتاج إلى دليل معنوي يمنع إرادة الجمعي فيتعين له البعض،
والعام المخصوص يحتاج إلى تخصيص اللفظ غالبا كالشرط والاستثناء والغاية. وهناك تفريقات أخرى إلا أننا
ترجح تفرقة الحنابلة فهي منقدحة معقولة وراجع في بسط هذا الموضوع إرشاد الفحول 140 والمسودة 115
والمدخل لمذهب الإمام أحمد 112.
ونضيف أن بعض الكاتبين - كالعطار في حاشيته على جمع الجوامع - ظن أن التفرقة بين العام المخصوص والعام
المراد به الخصوص من عمل المتأخرين إلا أن تفرقة الجصاص ترد ذلك بل فرق الشافعي نفسه وجماعة من
الشافعية - كما ذكر الزركشي - بينهما عند قوله تعالى " وأحل الله البيع " هل هو عام مخصوص أو عام أريد به
الخصوص، على أننا نضيف لم نجد ذكرا لهذه التفرقة في عامة كتب الحنيفة.
135

شئ عليم (1) وقوله الله لا يظلم الناس شيئا (2) وقوله (3) يظلم ربك أحدا (4)
وهو كثير في القرآن
وقد يرد (5) اللفظ الخاص والمراد به الخصوص كقوله تعالى النبي رسول الله (6)
وقوله (7) أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (8) وقوله تعالى قضى زيد منها
وطرا زوجناكها (9) ونظائره
وقد يرد اللفظ الخاص والمراد العموم (10) وقد بينا قبل ذلك أن العموم يصح
اطلاقه في الاحكام مع عدم اللفظ فيه (11)

(1) الآية 75 من سورة الأنفال و 115 من سورة التوبة.
(2) الآية 44 من سورة يونس.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) الآية 49 من سورة الكهف.
(5) لفظ ح " يراد ".
(6) الآية 29 من سورة الفتح.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) الآية 67 من سورة المائدة وما بين القوسين لم يرد في د.
(9) الآية 37 من سورة الأحزاب.
(10) عبارة د " عموم الحكم ".
(11) وقد بسطنا الكلام في هذا في القسم الدراسي.
136

الباب السادس
في
اللفظ العام المخرج إذا أريد به الخصوص
وذلك نحو قوله تعالى النبي إذا طلقتم النساء (1) فافتتح الخطاب بذكر النبي
صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق للعدة وقال تعالى أشركت ليحبطن عملك (2)
وقوله تعالى تكن للخائنين خصيما (3) والمراد سائر المكلفين
واختلف أهل العلم في جواز ورود اللفظ العام والمراد الخصوص (4) فقال كثير منهم
هذا لا يمتنع وقد وجد ذلك في كتاب الله تعالى نحو قوله تعالى قال لهم الناس إن
الناس قد جمعوا لكم (5) وعمومه يقتضي دخول جميع الناس في اللفظين والمراد بعضهم لأن
القائلين غير المقول لهم ونحو قوله تعالى أيها الناس اتقوا ربكم (6) لم يدخل فيه
الأطفال والمجانين ومثله كثير في القرآن
وكان شيخنا (7) أبو الحسن رحمه الله ممن يجوز ذلك ويقول إن إطلاق اللفظ في مثله
مجاز ليس بحقيقة
وقال بعض أصحابنا لا يجوز ورود لفظ العام (8) والمراد به (9) الخصوص

(1) الآية 1 من سورة الطلاق.
(2) الآية 65 من سورة الزمر.
(3) الآية 105 من سورة النساء.
(4) لفظ د " الخاص.
(5) الآية 173 من سورة آل عمران. فالآية عامة والمراد ب‍ " الناس " الأولى نعيم بن مسعود الأشجعي لقيامه مقام
كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة أبي سفيان.
(6) الآية 1 من سورة الحج.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لفظ د " عام ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
137

لان الدلالة الموجبة للخصوص بمنزلة الاستثناء المتصل بالجملة كقوله تعالى
فلبث (1) فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما (2) غير جائز أن يقال إن هذه الصيغة (3) عبارة
عن ألف سنة (4) كاملة
كذلك قيام الدلالة على إرادة الخصوص تجعل (5) اللفظ خاصا ويتبين أنه لم يكن
لفظ عموم قط
وليس وجود اللفظ الذي يصلح للعموم بموجب أن يكون عموما بل هو لفظ (9)
خاص صورته غير صورة لفظ العموم كما أن وجود لفظ الألف من (7) قوله سنة إلا
خمسين عاما لا يوجب أن تكون هذه الصيغة هي صيغة الألف المطلقة العارية من الاستثناء
بل الصيغتان مختلفتان روى كذلك اقتران دلالة الخصوص إلى اللفظ ولم الذي يصلح للعموم يغير
صيغة اللفظ ويمنع كونه عاما أريد به الخصوص فدل ذلك على أن ما كان هذا وصفه من
الألفاظ فهو في حقيقة فيما ورد فيه مستعمل في موضعه
وليس أن (8) دلالة التخصيص غير مذكورة مع اللفظ بمانع بين أن يكون في معنى
الاستثناء المتصل باللفظ لأنا قد وجدنا اللفظ المطلق الذي قد أريد به في استثناء بعضه قد
اقتصر فيه على الاطلاق من غير ذكر الاستثناء متصلا به في بعض المواضع وإن (9) كان قد
ذكر في بعضها ولم يكن وجود ذلك في الكلام وجوازه فيه بمانع أن يكون الاستثناء مرادا كقوله
تعالى في قصة لوط عليه السلام بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت

(1) لم ترد في د.
(2) الآية 14 من سورة العنكبوت.
(3) لفظ ح " الصفة ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) في ح زيادة " و ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لفظ ح " لأن ".
(9) لفظ د " فان ".
138

منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون (1) أهل فلم يستثن امرأته في هذا الموضع وهي مستثناة في
المعنى وان (2) لم يذكرها ثم قال في موضع آخر بأهلك بقطع الليل ولا يلتفت منكم أحد
إلا امرأتك (3) فأظهر الاستثناء في هذه الآية ثم لم يختلف حكم اللفظين في أن كل واحد
منهما مستثنى منه (4) المرأة في المعنى وإن كانت مذكورة في أحدهما غير مذكورة في
الآخر (5)
ونحو قوله تعالى مع وما تعبدون من دون الله حصب جهنم (6) ومعلوم أنه لم يرد
به المسيح وعزير (7) صلوات الله (8) عليهما (9) أجمعين (10) فأنزل الآية مطلقة اكتفاء بالدلالة
التي أقامها على أنه لا يعذبهما في الآخرة (11) وكان ذلك بمنزلة الاستثناء المتصل
باللفظ فلما قال المشركون هذا المسيح والعزيز قد عبدا (12) من دون الله أنزل الله تعالى
إن (13) الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (14) ثم لم يختلف حكم اللفظ
بعد نزول هذه الآية وقبلها فهذا يدل على أن دلالة التخصيص بمنزلة الاستثناء فينبغي
على هذا أن لا يختلف حكم اللفظ فيهما في كونه حقيقة في موضعه وأنه ليس بلفظ عموم
فإن قال قائل هذا القول يؤدي إلى ابطال المجاز والاتساع في اللغة لأنه يوجب ان
يكون قيام الدلالة على كونه مجازا بمنزلة المذكور معه ويكون قوله تعالى أراني أعصر

(1) الآية 65 من سورة الحجر.
(2) الآية 81 من سورة هود.
(3) الآية 81 من سورة هود.
(4) في ح " فيه ".
(5) لفظ ح " الأخرى ".
(6) الآية 98 من سورة الأنبياء.
(7) في د زيادة " والملائكة ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لفظ د " عليهم ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(12) لفظ ح " عبدوا ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) الآية 101 من سورة الأنبياء.
139

خمرا (1) بمنزلة اني أراني أعصر ما يصير خمرا (2) وقوله تعالى الذين يؤذون الله
ورسوله (3) (4) بمنزلة الذين يؤذون أولياء الله ربك (5) كقوله (6) جاء أمر
ربك (7)
فتصير الدلائل الموجبة لكون اللفظ مجازا هي الموجبة ان يكون حقيقة (8)
قيل له لما لم يكن ذلك في الاستثناء لم يلزم مثله في (9) الدلائل القائمة مقام
الاستثناء
ولو جاز ان يتطرق بما ذكرت إلى ابطال ما ذكرنا من حكم اللفظ لجاز أن (10) يتطرق به
إلى أن تجعل اللفظ المستثنى مجازا كما قلت في دلالة التخصيص سواء
وكان أبو الحسن رحمه الله يقول في الاستثناء ان دخوله على الكلام لا يجعله مجازا
وأيضا فان الفصل بينهما ان القرية لا تكون عبارة عن أهلها على الحقيقة بحال
والخمر لا يكون عبارة عن العصير وكذلك سائر ألفاظ المجاز يجوز ان (11) لا يكون عبارة
عن المراد بها حقيقة (12)
وقوله فاقتلوا المشركين (13) إذا أريد به الخصوص وهم عبدة الأوثان كان اللفظ
عبارة عنهم حقيقة لا مجازا فلا فرق بين قوله المشركين ومراده عبدة الأوثان لدلائل
قامت وبين قوله اقتلوا المشركين الذين هم عبدة الأوثان في أنه لا يجعل اللفظ مجازا بل هو
حقيقة فيهم (14) فلذلك لم يلزم ما ذكرت

(1) الآية 36 من سورة يوسف.
(2) ما بين القوسين ساقط من ح.
(3) الآية 57 من سورة الأحزاب.
(4) لم ترد هذه في د.
(5) الآية 22 من سورة الأحزاب.
(6) في النسختين (وجاء) وهو خطأ.
(7) الآية 22 من سورة الفجر.
(6) في النسختين (وجاء) وهو خطأ.
(7) الآية 76، 101 من سورة هود.
(8) لفظ د " حقيقته ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) في ه‍ " إلا ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(12) لم ترد هذه الزيادة في د.
(13) الآية 5 من سورة التوبة.
(14) لم ترد هذه الزيادة في ح.
140

لكم من النساء (1) هو عموم يقتضي ظاهرة إباحة جميع النساء فلما قال عليكم
أمهاتكم (2) وما ذكر بعدها دل على أن (3) المراد بقوله ما طاب لكم من عدا
المذكورات بالتحريم في هذه الآية ونحوه (4) قوله تعالى والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مائة جلدة (5) فلو خلينا والعموم كانت الأمة والحرة في ذلك سواء فلما قال في الإماء
فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب (6) خصهن من الآية
الأولى وبين في الثانية أن المراد بالأولى الحرائر ونظاهر حديث ذلك كثير (7)
وقال قوم لا يكون تخصيص القرآن بقرآن مثله لأن التخصيص لما كان بيانا للمراد
باللفظ لم يجز أن يكون بيانه إلا من جهة السنة لقوله تعالى للناس ما نزل إليهم (8)
ويقال لهم إن هذا فيما يحتاج إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم فأما ما بينه تعالى فلم يدخل في
ذلك

(1) الآية 3 من سورة النساء.
(2) الآية 23 من سورة النساء.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في ح " ونحو ".
(5) الآية 2 من سورة النور.
(6) الآية 25 من سورة النساء.
(7) لفظ ح " كثيرة ".
(8) الآية 44 من سورة النحل.
141

الباب السابع
في
الوجوه التي يقع بها التخصيص (1)
قال أبو بكر
الأصل في ذلك أن ورد التخصيص يبين أن المراد باللفظ العام بعض ما شمله (2)
الاسم
فجائز أن يكون تخصيص عموم القرآن بقرآن مثله (3) كقوله تعالى ما طاب

(1) معنى التخصيص في اللغة الإفراد، ومنه الخاصة، وفي الاصلاح تمييز بعض الجملة بالحكم كذا قال السمعاني.
ويرد عليه العام الذي أريد به الخصوص وقيل بيان ما لم يرد بلفظ العام، ويرد عليه أيضا بيان ما لم يرد بالعام الذي
أريد به الخصوص وليس من التخصيص.
وقال العبادي التخصيص بيان المراد بالعام، ويعترض عليه بان التخصيص هو بيان ما لم يرد بالعام لا بيان ما أريد
به، وأيضا يدخل فيه العام الذي أريد به الخصوص.
وقال ابن الحاجب التخصيص قصر العام على بعض مسمياته، واعترض عليه بأن لفظ القصر يحتمل القصر في
التناول أو الدلالة أو الحمل أو الاستعمال وقال أبو الحسن: هو اخراج بعض ما يتناوله الخطاب عنه، واعترض
عليه بأن ما أخرج فالخطاب لم يتناوله. وأجيب بأن المراد ما يتناوله الخطاب بعض ما يتناوله الخطاب عنه، واعترض
عليه بأن ما أخرج فالخطاب لم يتناوله. واجب بأن المراد يتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصوص.
ورجع الشوكاني أن التخصيص إخراج ما كان داخلا تحت العموم على تقدير المخصص، وهذا ما نرجحه
لانقداحه في الذهن وبعده عن الاعتراض.
وهذا المبحث الذي عقده الجصاص فصلت كتب الأصول فيه المخصص إلى متصل ومنفصل.
راجع في ذلك إرشاد الفحول 142، 155 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 59 والبرهان الامام الحرمين
ورقة 105 مخطوط دار الكتب 18 أصول.
(2) في د " سمى في ".
(3) ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص القرآن بقرآن مثله وذهب بعض الظاهرية إلى عدم جوازه. والأصح جوازه،
راجع إرشاد الفحول 157 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 61 والابهاج 2 / 107 واللمع للشيرازي 19
وشرح العضد على مختصر المنتهى 2 / 147 وشرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول 202 والاحكام
للآمدي 2 / 146.
142

ألا ترى أن (1) ما كان منه ظاهر المعنى غير محتاج إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك
ما بين الله تخصيصه مما يحتاج إلى بيان فليس بيانه موكولا إلى النبي عليه السلام
وأيضا يحتمل أني كون معنى قوله تعالى للناس لتبلغه إياهم وتظهره ولا
تكتمه
وأيضا فقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم الأمة (2) في كثير مما ورد به لفظ القرآن المفتقر إلى البيان
إلى النظر والاستدلال كما قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الكلالة يكفيك آية
الصيف (3) وفي أشياء كثيرة من الربا وغيره وعلى أنه إذا كان التخصيص بيانا فما الذي
يمنع أن يكون الله تعالى هو المتولي لبيانه تارة وتارة يأمر النبي صلى الله عليه وسلم به
ومن حيث جاز نسخ القرآن بقرآن مثله جاز تخصيصه به (4) لأن النسخ في الحقيقة
بيان لمدة (5) الفرض الأول والتخصيص بيان الحكم في بعض ما شمله الاسم

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ د " الآية " وهو تصحيف.
(3) الحديث يروي عن زيد بن أسلم، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا عمر ألا تكفيك آية الصيف " أي التي في
آخر السورة النساء قاله حين أكثر عليه في السؤال من الكلالة وانما قال آية الصيف لان الله تعالى أنزل في الكلالة
آيتين: إحداهما في الشتاء وهي قوله تعالى " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة " الآية والأخرى في الصيف
وهي قوله تعالى " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو
يرثها إن لم يكن لها ولد " النساء آية 176.
وفي آية الصيف من البيان ما ليس في آية الشتاء، ولذلك أحاله عليها لكن هذا البيان لا يروي الظمآن. لأن
الكلالة من لا ولد له ولا والد وهو قول كثير من الصحابة وجمهور العلماء وحديث أبي سلمة وهو أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال من ليس له ولد ولا والد موضح لذلك فأولوا آية الصيف بأن الولد مشتق من الولادة
فيتناول الوالد، والأقرب منه ما قاله الخصاف: وترك ذكر الوالد في آية الصيف لكونه مفهوما من أول السورة
لأنه قال في حق من مات " فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث وان كان له إخوة فلأمه السدس " اعطى
الميراث للأبوين وبين نصب الأم في الحالتين فعلم أن الكلالة من لا والد أيضا، وانما أحال النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله
عنه على آية الشيف القابلة لهذه التأويلات تحريضا له على النظر فيها وأن لا يرجع إلى السؤال ولذا روي أنه
عليه الصلاة والسلام طعنه بأصبعه في صدره وقت ذكر الحديث مبالغة في الحث عليه.
والحديث كما قال صاحب التحفة أخرجه مالك في الموطأ من رواية زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب.
راجع مشارق الأنوار 2 / 22.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) سقطت هذه الزيادة في ح.
143

وأيضا (1) قال تعالى لأنه لكل شئ (2) وقال تعالى لكم (3) وقال تعالى فرطنا
في الكتاب من شئ (4) وقال الله تعالى إن علينا بيانه (5) فهذا يقتضي وقوع بيان (6)
الكتاب بقرآن مثله
ويكون تخصيص القرآن بالسنة الثابتة (7)
كقوله تعالى نصف ما ترك أزواجكم (8) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم
الكافر ولا (9) الكافر المسلم (10) وكقوله تعالى ما طاب لكم من النساء (11)

(1) في ح " وإنما ".
(2) الآية 89 من سورة النحل.
(3) الآية 5 من سورة الحج.
(4) الآية 38 من سورة الأنعام.
(5) الآية 19 من سورة القيامة وما بين القوسين ساقط من ح.
(6) لفظ ح " الفعل " وهو خطأ.
(7) يجوز تخصيص عموم الكتاب بالسنة المتواترة اجماعا، كذا قال الأستاذ أبو منصور وقال الآمدي: لا أعرف فيه
خلافا، وقال الشيخ أبو حامد الأسفرائيني: لا خلاف في ذلك إلا ما يحكى عن داود في إحدى الروايتين
قال ابن كج: لا شك في الجواز الخبر المتواتر يوجب العلم كما أن ظاهر الكتاب يوجبه، وألحق أبو منصور
بالمتواتر الاخبار التي يقطع بصحتها.
راجع إرشاد الفحول 157 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 61 والابهاج 2 / 108.
(8) الآية 12 من سورة النساء.
(9) عبارة ح " ولا يرث ".
(10) أخرج مالك عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يرث المسلم الكافر " الموطأ 255.
وأخرجه أحمد بلفظ " لا يرث الكافر المؤمن المسلم ولا المؤمن المسلم الكافر " مسند أحمد 5 / 201، 202
، 209.
وقال محمد بن الحسن الشيباني: " وبهذا نأخذ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم والكفر ملة واحدة وهو
قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا ". ومتن مالك صحيح ولا يلزم من تفرد مالك به الشذوذ ولا النكارة لان كلا
منهما ثقة وبقية الحديث عن أصحاب ابن شهاب " ولا الكافر المسلم " والرواية مختصرة. راجع الموطأ 55.
وانظر آداب الشافعي بتحقيق شيخنا عبد الغني صفحة 224 وانظر العدة شرح العمدة 4 / 165. قال في
التلخيص متفق عليه بلفظ " الكافر ولا الكافر المسلم " 2 / 265 وادعى ابن تيمية رحمه الله في المنتقى أن مسلما
والنسائي لم يخرجاه.
(11) الآية 3 من سورة النساء.
144

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على عمتها (1) وقال تعالى عليكم إذا حضر أحدكم
الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين (2) وقال بعد وصية يوصى بها أو
دين (3)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث (4) وكقوله تعالى من طيبات ما كسبتم (5)

(1) أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سوم أخيه ولا
تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ صفحتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله
لها، صحيح مسلم كتاب النكاح حديث رقم 37، 39 (9 / 192) وأخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه
قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها، وهو في الباب عن علي وابن عمر وعبد الله بن عمرو
وأبي سعيد وأبي موسى وسمرة وأبي أمامة. فتح الباري كتاب النكاح باب 27 (9 / 160). وقال الترمذي
حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند عامة أهل العلم وانظر النسائي كتاب النكاح باب 47، 48 ح‍ 6
وعون المعبود كتاب النكاح باب 12 ح‍ 6 وتحفة الأحوذي كتاب النكاح باب 29 (4 / 272، 273، 274)
وابن ماجة كتاب النكاح باب 31 ح‍ 1 والدرامي كتاب النكاح باب 8 ح‍ 1 والدرامي كتاب النكاح باب 8 ح‍ 2 وأحمد (1 / 78، 372، 2 / 139،
189، 229، 423، 474، 489، 508، 516، 3 / 328).
(2) الآية 180 من سورة البقرة.
(3) الآية 11، 12 من سورة النساء.
(4) أخرج الترمذي عن أبي امامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الوداع: " إن الله تبارك وتعالى
قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث.. " قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وأخرجه أحمد وأبو داود وحسنه الحافظ أيضا في التلخيص، وقال في الفتح في اسناده إسماعيل بن عياش، وقد
قوى حديثه إذا روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن الشاميين لأنه رواه
عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة. وصرح في روايته بالتحديث عنه الترمذي والنسائي، وعن أنس بن
مالك عند ابن ماجة، وعن عمر بن سعيد عن أبيه عن جده عند الدارقطني، وعن جابر عند الدارقطني أيضا
وقال: الصواب إرساله وعن علي عند أبي شيبة، ولا يخلو إسناد كل منهما من مقال: لكن مجموعها يقتضي
ان للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الام إلى أن هذا المتن متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا من حفظنا عنهم من
أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح " لا وصية لوارث "، ويؤثرون
عمن حفظوا " عنه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة فهو أقوى من نقل واحد.
قال احمد: إسماعيل بن عياش أصلح بدنا من بقية يعنى أصلح حالا منه، وبقية هو أبو الوليد.
وقال يحيى بن معين: إسماعيل بن عياش ثقة وكان أحب إلى أهل الشام من بقية.
وقال يعقوب بن سفيان كنت اسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم.
راجع تحفة الأحوذي كتاب الوصايا باب 5 / 309 وفتح الباري كتاب الوصايا باب 6 ح‍ 5 والبيوع باب 88
ح‍ 4 وابن ماجة كتاب الوصايا باب 6 ح‍ 2، وعون المعبود كتاب الوصايا باب 6 ح‍ 2 والدارمي كتاب الوصايا
باب 28 ح‍ 2، وأحمد 4 / 186، 187، 238، 239، 5 / 267.
(5) الآية 267 من سورة البقرة.
145

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أوراق صدقة (1) ونظائر ذلك
ويجوز تخصيص القرآن بالاجماع أيضا (2)
كقوله تعالى والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (3) ثم خص الإماء (4)
بجلد الخمسين بقوله تعالى نصف على المحصنات من العذاب (5)
ولم يذكر العبد واتفقت الأمة على (6) أن العبد يجلد خمسين فخصصنا الآية
بالاجماع (7)
ويجوز تخصيصه بدلالة العقل (8)

(1) الحديث أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ". صحيح مسلم كتاب الزكاة
حديث رقم 603 (7 / 50).
وأخرجه أبو داود في عون المعبود كتاب الزكاة باب 22 ح‍ 4 والنسائي كتاب الزكاة باب 5، 18، 23، 24
ح‍ 5، وابن ماجة كتاب الزكاة حديث رقم 906 ح‍ 1، والدارمي كتاب الزكاة باب 11 ح‍ 1 والموطأ كتاب
الزكاة باب 1، 2 ح‍ 2 واحمد 2 / 402، 403، 3 / 6، 30، 45، 59، 73، 74،، 75، 86، 296.
(2) قال الآمدي: لا اعرف فيه خلافا، وكذلك حكي الاجماع على جواز التخصيص بالاجماع الأستاذ أبو منصور
قال: ومعناه ان يعلم بالاجماع لا ينفس الاجماع وقال ابن القشيري ان من خالف في التخصيص بدليل العقل
يخالف هنا: وقال القراقي: الاجماع أقوى من النص الخاص، لان النص يحتمل نسخه، والاجماع لا ينسخ لأنه
انما ينعقد بعد انقطاع الوحي.
ويجدر التنبيه هنا إلى أن معنى قولهم يجوز تخصيص الكتاب بالاجماع انهم يجمعون على تخصيص العام بدليل
آخر فالمخصص سند الاجماع، ثم يلزم من بعدهم متابعتهم وان جهلوا المخصص، وليس معناه أنهم خصوا
العام بالاجماع لان الكتاب والسنة المتواترة موجودان في عهده عليه السلام، وانعقاد الاجماع بعد ذلك على
خلافه خطأ فالذي جوزوه اجماع على التخصيص لا تخصيص بالاجماع.
راجع في ذلك ارشاد الفحول 160 والابهاج 2 / 108 وروضة الناظر 127 واللمع للشيرازي 19 وشرح
العضد على مختصر المنتهى 2 / 150 والمدخل لمذهب الإمام أحمد 114 والاحكام للآمدي 2 / 152.
(3) الآية 2 من سورة النور.
(4) لفظ د " الأمة ".
(5) الآية 25 من سورة النساء.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ د " باجماع " وبعدها زيادة قوله " الأمة نحو قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم " والعبد لا يرث بإجماع ".
(8) ذهب الجمهور إلى جواز التخصيص بالعقل، وذهب شذوذ من أهل العلم إلى عدم جواز التخصيص به.
قال الشيخ أبو حامد الأسفرائيني: ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التخصيص بالعقل، ولعله لم يعتبر بخلاف
من شك، وقال الجويني: أبي بعض الناس تسمية ذلك تخصيصا، ونقل في جمع الجوامع ان الشافعي منع تسمية
تخصيصا نظر إلى أن ما تخصص بالعقل لا تصح ارادته بالحكم والخلاف - عند التدقيق - لفظي بين علمائنا وعلى
ذلك نص السبكي والقاضي أبو بكر الباقلاني وامام الحرمين الجويني وابن القشيري والعزالي والكليا الطبري
وغيرهم.
راجع إرشاد الفحول 156 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 59 والمسودة 119 وانظر تفصيلا فيما في الابهاج
2 / 104 وروضة الناضر 127 وشرح العضد على مختصر المنتهي 2 / 147 والاحكام للآمدي 2 / 143
والمستصفى 2 / 99 والمدخل لمذهب الإمام أحمد 114.
146

كقوله تعالى أيها الناس اتقوا ربكم (1) وفي عقولنا أن مخاطبة المجانين والأطفال
بذلك سفه فصارت (2) الآية مخصوصة بالعقل لأنه حجة لله (3) تعالى تبين (4) مراده
بالآية ولا فرق بينه وبين تخصيصه بقرآن أو سنة
فإن قال لا يجوز تخصيصه بالعقل لأن التخصيص إذا كان معناه بيان المراد فغير
جائز حصول البيان قبل وجود ما يقتضيه كما لا يجوز وجود الاستثناء قبل ورود الجملة
المستثنى منها
قيل له لا يخلو من أن تكون من القائلين بدلالة العقل وأنه حجة لله (5) تعالى أو
تقول بنفيها
فإن كنت ممن ينفي دلائل العقول فالكلام بيننا وبينك في إثبات دلائل العقول وإنها
تفضي (6) بنا (7) إلى حقيقة العلوم التي طريقها العقل
وإن كنت ممن يقر بحجج العقول إلا أنك منعت استعماله في تخصيص العموم
خاصة فإن هذا خلف من القول من قبل أن دلائل العقول لا يجوز وجودها عارية من
مدلولها ولا يجوز ورود السمع بنقضها

(1) الآية 1 من سورة الحج.
(2) لفظ د " لأن ".
(3) لفظ د " الله ".
(4) لفظ ح " يتبين ".
(5) لفظ د " الله "
(6) لفظ ح " تقضي " وهو تصحيف.
(7) لفظ ح " بها " وهو تصحيف.
(8) لفظ ح " العلوم " وهو تصحيف.
147

فإذا قال الله عز وجل أيها الناس اتقوا ربكم (1) وقد أقام قبل ذلك في عقولنا أنه
لا يصح منه خطاب المجانين والأطفال فقد صارت دلائل العقل قاضية لحكم اللفظ على
المكلفين دون الأطفال والمجانين كما تنقل دلالة العقل حكم اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز
كقوله تعالى ما شئتم (2) فجعله (3) زجرا ونهيا (4) وحقيقته أنه أمر
فإن قال إنما علمت خصوص هذه الآية بالاجماع
قيل له فقد (5) كنت تجوز قبل ورود الآية وحصول الاجماع على معناها مخاطبة الله
تعالى المجانين والأطفال وأمره إياهم بالتقوى ووعيدهم على تركها
فإن قال نعم فقد أحال في قوله ويلزمه إجازة خطاب الله تعالى (6) الجمادات
وتكليفها العبادات (7) وكفى بهذا خزيا لمن بلغه
فإذا صح جواز (8) تخصيص اللفظ العام من جهة العقل وليس ذلك (9) كالاستثناء
الذي لا يصح وجوده قبل المستثنى منه من قبل أن الاستثناء لو انفرد قبل ذكر المستثنى منه
لم يعقل منه (10) شئ
ودلالة العقل بانفرادها موجبة لأحكامها المتعلقة (11) بها وليس يمتنع (12)

(1) الآية 1 من سورة الحج.
(2) الآية 40 من سورة فصلت.
(3) لفظ ح " فيجعله ".
(4) في ح " أو ".
(5) في د " قد ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لفظ د " للعبادات ".
(8) عبارة ح " قد جاز ".
(9) لفظ د " كذلك ".
(10) في ح " به ".
(11) لفظ ح " المعلقة ".
(12) لفظ ح " يمنع ".
148

ان ينعدم ما يوجب تخصيص اللفظ بسمع ان يكون معناه مفهوما يا قبل ورود (1) اللفظ
المخصوص نحو ان يقول الرجل لعبيده إذا أمرتكم بسقي الماء فاسقوني الا فلانا فيكون
فلان خارجا (2) من هذا الامر مخصوص منه بقوله المتقدم للامر وانما لا يصح افراد
الاستثناء (3) قبل ذكر المستثنى (4) منه إذا عبر عنه بلفظ الاستثناء لأنه لا يصح ان يقول ابتداء
الا فلانا ولو قال لم يكن كلاما معتدلا ولم يعقل منه (5) شئ فلذلك لم يصح
فإن قال قائل لو جاز تخصيص العموم بالعقل لجاز نسخه به لان النسخ بيان لمدة (6)
الحكم كما أن التخصيص بيان المراد بحكم اللفظ
قيل له لو فهمت ما ألزمتنا (7) لكفيتنا (8) مؤونتك (9) وقضيت لنا على نفسك وذلك أنه
لا سبيل إلى معرفة توقيت مدة الحكم من طريق العقل وذلك أن احكام الأشياء في
العقل على ثلاثة أنحاء منها ما فيه ايجابه نحو شكر المنعم واعتقاد التوحيد وتصديق
الرسل عليهم السلام (10) ومنها ما فيه حظره نحو الكفر والظلم والكذب ونحو ذلك (11)
وهذان البابان (12) يجريان في حكم العقل على شاكلة واحدة لا يجوز فيها التغيير (13)
والانقلاب في باب الايجاب أو الامتناع
وقسم ثالث وهو في العقل وأحواله ثلاثة
يجوز حظره تارة واباحته تارة أخرى وايجابه أخرى على حسب ما يقتضيه من حسن أو

(1) لفظ د " وجود ".
(2) سقطت الراء من قوله " خارجا ".
(3) لفظ ح " الأشياء " لا
(4) لفظ ح " المسمى ".
(5) في ح " به ".
(6) لفظ ح " لهذا ".
(7) لفظ ح " ألزمنا ".
(8) لفظ " لكفتنا ".
(9) لفظ د " مؤونتك ".
(10) في ح زيادة " ونحوها " لا
(11) ما بين القوسين ساقط من ح.
(12) لفظ ح " البيانان ".
(13) لفظ ح " التعبير " وهو تصحيف.
149

قبح وانما يعلم حكمه بالسمع من جهة العالم بمصالح العباد وبما يكون من هذه الأفعال
حسنا أو قبيحا ثم لا يخلو السمع من أن يكون واردا بالبابين الأولين اللذين ذكرنا انه لا يجوز
فيهما الانقلاب والتغيير (1) فغير جائز نسخ ما كان هذا سبيله بوجه ولا ورود السمع
بخلافه
وأما الوجه الثالث فإنه لا يخلو من أن يكون السمع حاكما بحظره أو اباحته أو
ايجابه وعلى اي هذه الوجوه كان وزوده فهو مما جوزه العقل وحسنه فكيف يجوز ان يحكم
العقل بزواله وارتفاعه
وقد قلنا ان ما كان هذا سبيله فإنما (2) حظ العقل فيه تجويز ورود السمع بأحد هذه
الوجوه فلا يجوز ان يحكم بعد ورود السمع فيه بخلافه
وأيضا فان النسخ انما هو توقيت مدة الحكم الأول بعد أن كان في تقديرنا وتوهمنا
بقاؤه ولاحظ للعقل في توقيت مدة الفرض لان ذلك متعلق بعلل المصالح وعلل
المصالح (3) لا تعلم أعيانها من طريق العقل
وأيضا فلو جاز ذلك فيه لجاز ان يكون العقل بدءا موجبا للحكم الناسخ قبل ورود
السمع فيه وقد ثبت انه لاحظ له في ذلك فامتنع من اجل ذلك جواز نسخ السمع بالعقل
واما التخصيص بالعقل فليس كذلك لان دلالة العقل الموجبة للتخصيص هي (4)
ما كان واقعا منه على أحد الوجهين الأولين اللذين (5) يجريان في حكم العقل على شاكلة
واحدة فتبين ان المراد باللفظ بعض ما شمله الاسم
ولذلك (6) يجوز في الألفاظ ولا يجوز مثله في دلالة العقل لان دلائل العقل لا يجوز
فيها التخصيص وكذلك صار العقل قاضيا على السمع من هذا الوجه ولم يجز ان يقضي
السمع على العقل

(1) ما بين القوسين ساقط بكامله من ح.
(2) لفظ ح " فإنه ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في ح " هو ".
(5) لفظ ح " الذين ".
(6) لفظ ح " كذلك ".
150

فإن قال قائل لا يمتنع جواز النسخ من جهة العقل لأنه قد يعرض ما يمنع العقل
فيدل العقل (1) على أنه لا يلزم في هذه الحال مثل ما كان يلزم قبل ذلك كالسمع إذا
ورد (2) بمثله
قيل له ان هذا ليس بنسخ (3) ولا في معناه لان مثله لو وجد في السمع لم يكن
نسخا ولو كان مثل هذا نسخا لكانت الشرائع كلها منسوخة لأنها لا تلزم في حال العجز
وتعذر النقل وكان حكم كل متعلقا (4) عند وروده على وقت أو شرط وكان ذلك معلوما من
حاله بسمع (5) أو عقل فان مضى الوقت وعدم الشرط لا يوجب (6) كونه منسوخا
ألا ترى ان كثيرا من الفروض معقودة بأوقات وشروط متى فاتت (7) أوقاتها (8) أو (9)
عدمت شرائطها سقط فعلها نحو الجمعة والأضحية ولا يقول أحد ان الجمعة قد صارت
منسوخة بفوات الوقت وذلك لان النسخ (10) انما يصح اطلاقه في الأمور الواردة من جهة
الشرع مما كان في تقديرنا وتوهمنا بقاؤه (11) فاما ما كان موقتا أو مشروطا وكان ذلك في حاله
معلوما مع ورود اللفظ فليس ذلك بنسخ
الا ترى انه لو قال اجلد اليوم هذا (12) الزاني مائة ولا تجلده غدا أو قال صل
اليوم ولا تصل (13) غدا أن فوات الوقت قبل الفعل لا يوجب نسخا (14) ولو قال اضربه مائة
أو صل ثم قال غدا لا تضربه أو لا تصل كان ذلك نسخا لأنا قد (15) كنا نتوهم ونقدر

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح " أورد ".
(3) في ح " منها ".
(4) لفظ ح " معلقا ".
(5) لفظ ح " سمع ".
(6) لفظ ح " لا يجب ".
(7) لفظ ح " حلت ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) في ح " و ".
(10) لفظ ح " النصف " وهو تحريف.
(11) لفظ ح " بقاؤها ".
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) لفظ ح " يصل " وهو تصحيف.
(14) لفظ د " نسخة ".
(15) لم ترد هذه الزيادة في ح.
151

بقاء الفرض ما لم ينسخه فلذلك كان الامر فيه على ما وصفنا فان قيل دلالة لعقل على
زوال الفرض في حال العجز وتعذر النقل في معنى النسخ وان لم يسم نسخا لان معنى
النسخ إذا كان انما هو بيان مدة الحكم وقد اخذ العقل بقسطه في ايجاب ذلك من الوجه
الذي ذكرنا في معنى النسخ وان لم يسم به
قيل له هذا غلط لأنه ليس كل ما (1) يبين (2) به مدة الحكم يكون نسخا ولا في
معنى النسخ لأنه إذا قيل صم سائر الأيام الا يوم الفطر لم يكن نسخا ولا في معنى
النسخ (3) لان النسخ وما في معناه له شريطة متى عدمت زال المعنى
وهو أن يكون في التقدير بقاء الحكم فيرد بعده ما يبين آخر مدته فاما ما كان معلوما مع
ورود الامر أنه غير لازم في وقت اما بسمع أو بعقل فليس ذلك في معنى النسخ في شئ
ونحن وان كنا نقول ان العبادات ونسخها متعلقة (4) بالمصالح كالمرض والصحة
والفقر والغنى وسائر ما يفعله الله تعالى فان للنسخ (5) معنى قد اختص به وشرائطا (6) قد
وقف عليها متى عدم منها شئ لم يكن نسخا
ولو كان ما ذكره هذا القائل (7) في معنى النسخ لكان التخصيص أيضا في معنى النسخ
لأنه قد قصد به وما دون قوم ممن شمله الاسم كما أريد بالامر المطلق حالا دون حال وهي
حال الامكان دون حال (8) العجز ولوجب ان تكون الفروض المبتدأة كلها في معنى النسخ
لتعلقها بالمصالح (9)

(1) في د " كلما " موصولة.
(2) في د " بين ".
(3) عبارة ح " معناه ".
(4) لفظ ح " معلقة ".
(5) في النسختين " النسخ ".
(7) لفظ د " السائل " لا
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لفظ ح " المصالح ".
152

الباب الثامن
في
تخصيص العموم بخبر الواحد
153

باب
في تخصيص العموم بخبر الواحد
قال أبو بكر
وأما تخصيص عموم القرآن والسنة الثابتة بخبر الواحد وبالقياس فان ما (1) كان من
ذلك ظاهر المعنى بين المراد غير مفتقر إلى البيان مما لم يثبت خصوصه بالاتفاق فإنه لا يجوز
تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس وما كان من ظاهر القرآن أو السنة قد ثبت خصوصه
بالاتفاق (2)

(1) كتب في ح " فإنما " متصلة.
(2) كلام الجصاص هذا هو عمدة الحنفية في هذه المسألة. وهو أدق ما يعبر به عن مذهب الحنفية، وعليه اعتمدت
كتب الحنفية في النقل مثل كشف الاسرار للبزدوي والنسفي وأصول السرخسي وعلى هذه الكتاب سار
مذهبهم، والزيادة بعد ذلك من الجصاص لم تنقلها كتب المتأخرين وهي وجيهة مفسرة لإجمال الكلام السابق.
وسيأتي لها شرح مفصل من كلام الجصاص.
وقد اختلف المذاهب في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد:
فذهب الجمهور إلى جوازه مطلقا، وحكاه العزالي في المنخول عن المعتزلة ونقله ابن برهان عن طائفة من
المتكلمين والفقهاء ونقله أبو الحسن بن القطان عن طائفة ت من أهل العراق.
قال الشوكاني ذهب بعض الحنابلة إلى المنع مطلقا وصاحب المسودة يقول: يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر
الواحد نص عليه في مواضع واختار الجويني كقولنا وحكى ابن نصر المالكي كقولنا عن كثير من الحنفية وقال ابن
الحاجب الحق جوازه وبه قال الأئمة الأربعة، ونص على جوازه عند المالكية القرافي في شرح التنقيح فقال ويجوز
عندنا وتوقف القاضي بالقلاني فيه بمعنى لا أدري أيجوز أم لا. وقال البخاري في كشف الاسرار ان العام من
الكتاب والسنة الذي لم يثبت خصوصه لا يحتمل الخصوص فلا يجوز تخصيصه بخبر الواحد والقياس لأنهما
ظنيان فلا يجوز تخصيص القطعي بهما لان التخصيص بطريق المعارضة والظني لا يعارض القطعي وهذا هو
المشهور عند علمائنا ونقل ذلك عن أبي بكر الجصاص وعيسى بن أبان وهو قول أكثر أصحاب أبي حنيفة وهو
قول بعض أصحاب الشافعي وهو قول أبي بكر وعمر وعبد الله بن عباس وعائشة.
ونقل السرخسي مذهب الحنفية وكانه لم يرتضه حيث قال: " فزعموا المذهب هو هذا " 1 / 133 إلا أنه في
موضع آخر بين مذهبهم ولم يعارضه فقال أكثر مشايخنا - رحمهم الله - ان تخصيص العام الذي لم يثبت خصوصه
ابتداء لا يجوز القياس وخبر الواحد. وانما يجوز ذلك في العام الذي ثبت خصوصه بدليل موجب من الحكم
مثل ما يوجبه العام وهو خير متأيد بالاستفاضة أو مشهور " 1 / 142 وراجع المدخل لمذهب الإمام أحمد 115
وروضة الناظر 128 والمسودة 119 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 63 وشرح العضد على مختصر المنتهى
وشرح تنقيح الفصول 208 وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 294 والبرهان لإمام الحرمين ورقة 113 مخطوطة
دار الكتب 18 أصول.
155

أو كان في اللفظ احتمال للمعاني (1) أو (2) اختلف السلف في معناه وسوغوا (3)
الاختلاف فيه وترك الظاهر بالاجتهاد أو كان اللفظ في نفسه مجملا مفتقرا إلى البيان فإن
خبر الواحد مقبول في تخصيصه (4) والمراد به
وكذلك يجوز تخصيص ما كان هذا وصفه بالقياس وهذا عندي مذهب أصحابنا
وعليه تدل أصولهم ومسائلهم
وقد قال أبو موسى (5) عيسى بن ابان رحمه الله في كتابه (6) الحجج الصغير (7) لا
يقبل خبر خاص في رد شئ من القرآن ظاهر المعنى ان يصير خاصا أو بكر منسوخا حتى يجيئ
ذلك مجيئا ظاهرا يعرفه الناس ويعلمون به مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (8) ان لا وصية
لوارث ولا تنكح المرأة (9) على عمتها
فإذا جاء هذا المجئ فهو مقبول لان مثله لا يكون وهما
وأما إذا (10) روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث خاص وكان ظاهر معناه بيان السنن (11)
والأحكام أو كان ينقض سنة مجمعا عليها (12) أو يخالف (13) شيئا من ظاهر القرآن فكان للحديث
وجه ومعنى يحمل عليه لا يخالف ذلك حمل معناه على أحسن وجوهه وأشبهه قد بالسنن وأوفقه
لظاهر القرآن فان لم يكن معنى يحمل ذلك فهو شاذ (14)

(1) لفظ ح " المعاني ".
(2) في ح " ثم ".
(3) لفظ ح " وتسوغوا ".
(4) لفظ د " تخصصه " لا
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) وهو من كتاب عيسى الثابتة ولا التفات لما ذكره ابن النديم في الفهرست حيث نسب له كتاب " الحج " ولعله
الحجج ولكنه لم يقيده بالصغير أو الكبير راجع الفهرست 289.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) سقطت هذه الزيادة من د.
(10) لفظ د " ما " وهو تحريف.
(11) سقطت هذه الزيادة من ح.
(12) لفظ ح " عليه " وهو تصحيف.
(13) لفظ ح " خالف ".
(14) وكلام عيسى بن أبان لا طائل تحته وهو خارج عن محل النزاع إذ لا نزاع بين الجمهور ان خبر الواحد إذا انتشر
ولم يعرف له مخالف فهو حجة يجوز التخصيص به، وهو مما أجمعوا على العمل به مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ميراث
لقاتل " و " لا وصية لوارث " ونهيه عن الجمع بين المرأة وأختها، فيجوز تخصيص العموم به بلا خلاف لان هذه الأخبار
بمنزلة المتواتر لانعقاد الاجماع على حكمها وان لم ينعقد على روايتها نبه على ذلك ابن السمعاني كما
نقله العطار وقال الشيرازي في اللمع ما مؤداه ان لم ينتشر خبر الواحد فان كان له مخالف لم يجز التخصيص وان " لم
يكن له مخالف فهل يجوز التخصيص. فمحل النزاع في خبر الواحد إذا لم ينتشر ولم يكن له مخالف ولم يخالف هو
عموم القران أو السنة الثابتة ونرى أن كثيرا من الأصوليين قد غفلوا عن محل النزاع في هذه المسألة وتكلموا كلاما
لا داعي له وممن وقع في ذلك الآمدي في الاحكام والبخاري على البزدوي في كشف الاسرار حين قال انما كلام
في خبر شاذ خالف عموم الكتاب هل يجوز التخصيص به راجع كشف الاسرار 3 / 10 وحاشية العطار على
جمع الجوامع 2 / 63 واللمع للشيرازي 20 والفتاوي لابن تيمية 20 / 14 ولا يخفى أن الذين قالوا بالتخصيص
بخبر الواحد إذا دخل العام التخصيص لأنه يصبح في هذه الحال مجازا فصار طريق ايجاب حكمه أو تركه من
طريق الاجتهاد وغالب الظن ولأجل ذلك قالوا يجوز تخصيصه بخبر الواحد.
فيجب التنبه لتخصيص النص والعموم، فان كان خبر الواحد مخالفا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الاجماع
فلا يخصصها - كما سبق - لان هذه الأدلة قطعية وخبر الواحد ظني، ولا تعارض بين القطعي والظني بوجه بل
الظني يسقط بمقابلة القطعي.
فان خالف خبر الواحد عموم الكتاب أو ظاهره فهو محل خلاف. ومبنى الخلاف بينهم: ان من ذهب إلى أن
عمومات القرآن وظواهره لا تفيد اليقين وإنما تفيد غلبة الظن فهي كخبر الواحد يجوز التخصيص به، والمانعون
من التخصيص ذهبوا إلى أن الاحتمال في خبر الواحد فوق الاحتمال في العام والظاهر من الكتاب لان الشبهة
فيهما من حيث المعنى وهو احتمال إرادة البعض من العموم وإرادة المجاز من الظاهر، ولكن لا شبهة في ثبوت
متنها اي نظمهما وعبارتهما، والشبهة في خبر الواحد في ثبوت متنه ومعناه جميعا لأنه إن كان من الظواهر فظاهر،
وان كان نصافي معناه فكذلك لان المعنى مودع في اللفظ وتابع له في الثبوت فلا بد من أن تؤثر الشبهة المتمكنة في
اللفظ في ثبوت معناه ولهذا لا يكفر منكر لفظه ولا منكر معناه بخلاف منكر الظاهر والعام من الكتاب فإنه يكفر
ولما كان كذلك لم يجز عندهم ترجيح خبر الواحد على ظاهر الكتاب ولا تخصيص عموم به لان فيه ترك العمل
بالدليل الأقوى وذلك لا يجوز.
نبه عليه البخاري في كشف الاسرار 3 / 9 مستدلا على أن هذا وهو المنع مطلقا هو مذهب الحنفية والحق خلافه،
وقد ناقض نفسه فيما حكاه عن مذهبهم في 1 / 294 فتنبه لهذا وارجع إليه.
156

قال عيسى وكل آية من القرآن كانت خاصة في قول جماعة من (1) أهل العلم (2)
فالاخبار مقبولة فيمن عنى بها ولأهل العلم النظر في ذلك بأحسن ما يأتيهم في ذلك من
الاخبار وأشبهها بالسنن نحو قوله تعالى والسارقة (3) هي خاصة في قول جماعة
أهل العلم لبعض السراق دون بعض فالأخبار مقبولة فيمن عنى بها منهم ونحو قوله تعالى

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لفظ ح " للعلم " وهو تصحيف.
(3) الآية 38 من سورة المائدة.
157

والذين يرمون أزواجهم ولم يكن له شهداء الا أنفسهم (1) هذه الآية خاصة في قول أهل
العلم جميعا لأن الصغيرين اللذين (2) لم يعقلا لم يدخلا في قول أحد العلماء فلما اجمعوا على
انها (3) قبل الخبر الخاص فيمن عنى بها وكذلك ما أشبه هذا
وقال عيسى (4) في الحجج الكبير (5) كل أمر منصوص في القرآن فجاء خبر يرده أو
يجعله خاصا وهو عام بعد أن يكون ظاهر المعنى لا يحتمل تفسير المعاني (6) فان ذلك الخبر
ان لم يكن ظاهرا قد عرفه الناس وعلموا به حتى لا يشذ منهم الا الشاذ فهو متروك
قال (7) أبو بكر ولم (8) يذكر في هذا الموضع انه مما (9) ثبت خصوصه أو لم يثبت قال
أبو بكر فنص عيسى بن ابان على أن ظاهر القرآن الذي لم يثبت خصوصه بالاتفاق لا
يخص بخبر الواحد (10)

(1) الآية 6 من سورة النور وما بين القوسين لم يرد في د.
(2) في النسختين " الذين " وما أثبتناه أنسب.
(3) في ح " أنه " لا
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) من كتب عيسى بن أبان الثابتة إلا أن ابن النديم في الفهرست لم يتبينه فقال له كتاب الحج والصواب الحج ولم
يذكر لفظه الصغير أو الكبير. فراجع الفهرست 289.
(6) عبارة " التفسير والمعاني ".
(7) لفظ د " قاله ".
(8) في ح " مما ".
(9) في ح " ما ".
(10) قلت: وهذا النقل لمذهب عيسى بن أبان هو الصحيح الذي يتمشى مع مذهب الحنفية وما تناقلته كتب
الأصول من أن مذهب عيسى بن ابان جواز التخصيص بخبر الواحد إذا كان العام قد خص من قبل بدليل
قطعي متصلا كان أو منفصلا فإنه لا ينقل مذهبه بانضباط علمي تام.
وقد نقل ذلك خطأ الشوكاني في إرشاد الفحول وصاحب المحصول وابن الحاجب في مختصر المنتهى وامام
الحرمين الجويني في التلخيص والسبكي في جمع الجوامع وارتضى عكس مذهب عيسى بن ابان والمسودة لآل
تيمية وغيرهم ونحن نرد هذا النقل معتمدين على نقل المذهب من كتب الأحناف أنفسهم وخصوصا نقل
الجصاص هذا فإنه محقق دقيق. ورغم ان الشوكاني تابع كتب غير الحنفية في هذا النقل إلا أنه لما كان ممن يجوز
نسخة من كتاب الجصاص في أصول الفقه - كما أثبتنا ذلك في القسم الدراسي - فإنه نقل مذهب عيسى ابان
فقال إن من مذهبه " أنه يجوز تخصيص العام بالخبر الآحادي إذا كان قد دخله التخصيص من غير تقييد لذلك
بكون المخصص قطعيا " ارشاد الفحول 158 وكذلك نقله على الوجه الصحيح روضة الناظر وأصول
السرخسي 1 / 133.
158

وهذا الذي ذكرناه هو (1) مذهب الصدر الأول عندنا
قد روي هذا الاعتبار عن جماعة منهم لان عمر وعائشة وأسامة بن زيد (2) أنكروا
على فاطمة بنت (3) قيس (4) روايتها ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة وقال عمر
رضي الله عنه لا ندع كتاب الله ربنا وسنة نبينا عليه السلام بقول امرأة (5)

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) هو أسامة بن زيد وبن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى الكلبي ولد في 7 من قبل الهجرة وتوفي في 54 هجرية وهو
الحب بن الحب يكنى أبا محمد ويقال أبو زيد وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن سعد وله أسامة في
الاسلام ومات النبي صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة وقال ابن خيثمة ثماني عشرة، وكان امره النبي صلى الله عليه وسلم على جيش عظيم
فمات النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يتوجه فنفذه أبو بكر، ومات في خلافة معاوية في المدينة سنة أربع وخمسين. وروى له
البخاري ومسلم 128 حديثا. راجع الإصابة 1 / 29 وطبقات ابن سعد 4 / 42 وتهذيب ابن عساكر 2 / 391
399 انظر اعلام للزركلي 1 / 282.
(3) لفظ د " ابنت " وصحتها إملاء " ابنة ".
(4) هي فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية، أخت الضحاك بن قيس الأمير، صحابية، من المهاجرات
الأول، لها رواية للحديث كانت ذات جمال وعقل، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر رضي الله
عنه.
انظر ترجمتها في تهذيب التهذيب 12 / 413، وطبقات ابن سعد 8 / 200 - 202 والجمع بين رجال
الصحيحين 2 / 611، انظر الأعلام للزركلي 5 / 329.
(5) أخرج مسلم عن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث
بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به
فقال: ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو
نسيت. لها السكنى والنفقة قال الله عز وجل " لا تخرجوه من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة " وذكر
مسلم للحديث طرقا كثيرة ذكر منها ما أشار الجصاص منه إلى انكار عائشة رضي الله عنها قالت عائشة " ما لفاطمة
بنت قيس خير في أن تذكر هذا الحديث " صحيح مسلم كتاب الرضاع الأحاديث رقم 103، 04، 109،
111، 113، 114، 117، ح‍ 10.
وذكر البخاري نحو ما ذكره مسلم، فتح الباري كتاب الطلاق باب 65، (8 / 653 - 654) وأما قولهم ان عمر
قال لا ندع كتاب ربنا، فقد أنكر أحمد هذا القول عن عمر قال: ولكنه قال: لا نجيز في ديننا قول امرأة، وهذا
مجمع على خلافه وقد أخذنا بقولة فريعة برواية عائشة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الاحكام وصار أهل
العلم إلى خير فاطمة في كثير من الاحكام مثل سقوط نفقة المبتوتة إذا لم تكن حاملا.. المغني لابن قدامة
8 / 166 وراجع في تخريج الحديث عون المعبود كتاب الطلاق باب 39 / 6 والترمذي كتاب النكاح باب 39 ح‍
4 وكتاب الطلاق باب 5 ح‍ 4 والنسائي كتاب النكاح باب 21 ح‍ 6 وكتاب الطلاق باب 7، 70، 72 ح‍ 6
وابن ماجة كتاب الطلاق باب 10 ح‍ 1 والدارمي كتاب الطلاق باب 10 ح‍ 2 واحمد 6 / 373،، 411، 412،
413، 415، 416، 417 والإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة 165.
159

وأنكرت وفي عائشة رضي الله عنها حديث ابن عمر وعمر (1) رضي الله عنهما عن النبي
صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه (2) فقالت قال الله عز وجل (3) تزر وازرة وزر
أخرى (4)
وإنما أنكرت اعتقاد ظاهره انه يعذب لأجل فعل غيره
والذي عندنا فيه أن عمر وابن عمر إنما جوزا ذلك على وجه لا يقبح مثله ولا تكون
عائشة مخالفة لهما في معناه وذلك أن البكاء عند العرب هو التعديد (5) وكانوا يعددون على
موتاهم في الجاهلية بما كانوا يتبارون (6) به (7) من الغارات والسباء والقتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لبعض من سمعه يعدد بمثله إنه يعذب لهذه (8) الأفعال وكن قبول عمر وابنه له على وجه
صحيح ورد عائشة له على وجه آخر صحيح أيضا (9)

(1) عبارة د " ابن عمر عن عمر ".
سقطت من ح. أخرج البخاري الحديث بألفاظ كثيرة منها " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " ولفظ " إن الله ليزيد
الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " ولما توفيت امرأة عثمان رضي الله عنه بمكة قال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان ألا
تنهي عن البكاء فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " وفي لفظ لابن عمر كما ذكر
الجصاص " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " فتح الباري كتاب الجنائز باب 44 (3 / 175).
وأخرج مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال ذكر عند عائشة قول ابن عمر " إن الميت يعذب ببكاء أهل عليه،
فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه
فقال " أنتم تبكون وإنه ليعذب " صحيح مسلم كتاب الجنائز حديث رقم 22 و 23، 25، 26، 27 (4 / 234)
وراجع النسائي كتاب الجنائز باب 15 ح‍ 4 وتحفة الأحوذي كتاب الجنائز باب 22، 24 ح‍ 4 وابن ماجة كتاب
الجنائز باب 54، 58 ح 1 والموطأ كتاب الجنائز باب 37 ح 2 وأحمد 1 / 36، 38، 41، 42 و 2 / 31، 38،
134 و 4 / 437 وانظر الإجابة فيما استركته عائشة على الصحابة 102 ومسند أبي بكر الصديق حديث رقم
37 ونيل الأوطار 4 / 111 - 122 والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1 / 206.
(3) سقطت الواو من د.
(4) الآية 15 من سورة الإسراء و 7 من سورة الزمر و 18 من سورة فاطر و 164 من سورة الأنعام.
(5) البكاء يقصر ويمد قاله الفراء وغيره إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت
الدموع وخروجها. وقال الخليل من قصره ذهب به إلى معنى الحزن ومن مده ذهب به إلى معنى الصوت.
ولم أجد للبكاء المعنى الذي أورده الجصاص في المراجع التالية: صحاح الجوهري 2 / 448 ولسان العرب
4 / 43 والقاموس المحيط 4 / 304 وتاج العروس 10 / 42.
(6) لفظ ح " يتبرءون ".
(7) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(8) لفظ د " بهذه ".
(9) في ح وقعت " أيضا " بعد قوله " عائشة له ".
160

فإن قيل إنما أنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك لأن الفعل يحيله لأنه غير جائز في
الحكمة تعذيب الإنسان لأجل فعل غيره
قيل له إنه (1) وإن كان العقل يرده متى حمل على ظاهره فقد أخبرت عائشة أن
مخالفته لظاهر القرآن أحد ما يرد به ويمنع قبوله وقد (2) روي عن ابن أبي مليكة (3) أن أبا
بكر رضي الله عنه (4) جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحاديثا (5) تختلفون فيها فمن بعدكم أشد اختلافا فمن جاءكم يسألكم الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقولوا عندنا كتاب الله فأحلوا حلاله وحرموا حرامه (6) فأمرهم بالرجوع إلى كتاب
الله تعالى ومنع الاعتراض عليه بأخبار الآحاد
والأصل في ذلك أن الأحكام التي ليس فيها نص ولا اجماع (7) طريق اثباتها
وجهان
أحدهما ما كان لله تعالى عليه (8) دليل قاطع يوصل إلى العلم به حتى لا يكون

(1) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(2) لم ترد هذه الزيادة في 5.
(3) ابن أبي مليكة واسمه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التميمي المكي قاض من رجال الحديث الثقات، ولاه
ابن الزبير قضاء الطائف، انظر: تهذيب التهذيب 5 / 306 والمعارف 209، وانظر الاعلام 4 / 237 وخلاصة
الكمال 411.
(4) هو عبد الله بن أبي قحافة القرشي، أول الخلفاء الراشدين وأول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم من الرجال، ولد بمكة
ونشأ سيدا فيها وموسرا وعالما بأنساب القبائل شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها بويع بالخلافة سنة 11 للهجرة
وافتتح في أيامه الشام وقسم كبير من العراق ومدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف شهر. توفي في المدينة وله في
الصحيحين 142 حديثا.
انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 9 / 26 والإصابة 4 / 101 وابن الأثير 2 / 160 والطبري 4 / 46
واليعقوبي 2 / 106 وصفة الصفوة 1 / 88 والاسلام والحضارة العربية 2 / 107 و 351 وحلية الأولياء 4 / 93.
وذيل المذيل 113 وتاريخ الخميس 2 / 199 انظر الاعلام 4 / 238.
(5) لفظ ح " أحاديثا ".
(6) الخبر ورد عنه السرخسي: أن أبا بكر لما بلغه اختلاف الصحابة في نقل الاخبار جمعهم فقال: إنكم إذا اختلفتم
فمن بعدكم يكون أشد اختلافا... الحديث إلى أن قال: فيكم كتاب الله تعالى فأحلوا حلاله وحرموا حرامه
راجع أصول السرخسي 1 / 136.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) في د زيادة " على ".
161

العادل عنه مصيبا بل مخطئا تاركا لحكم الله (1)
والثاني ما كان طريقه الاجتهاد وغالب الظن ليس (2) عليه دليل قاطع يوصل إلى
العلم بالمطلوب (3) وهذا الذي يقول فيه أصحابنا ان كل مجتهد مصيب (4)
وإن كان المطلوب واحدا عندهم (5) فنقول على هذا ان كل شئ ثبت من طريق
يوجب العلم فإنه لا يجوز تركه بما لا يوجب العلم وعموم القرآن يوجب العلم بجميع ما
تحته فإنه لا يجوز تركه (6) بما لا يوجب العلم وخبر الواحد لا يوجب العلم بمخبره وانما

(1) الذي عناه الجصاص هنا فيها كان لله تعالى في الواقعة حكما معينا فأما أن يقال عليه دلالة وأمارة فقط أو ليس
عليه دلالة ولا أمارة.
فأما القول الأول: وهو أن على الحكم دليلا يفيد العلم والقطع فهو قول بشر المريسي والأصم وابن عليه
وهؤلاء اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه وأنه إذا وجده فهو مصيب وإذا أخطأه فهو مخطئ وهذا ما ذكره
الجصاص وأما القول الثاني: وهو أن على الحكم أمارة فقط فهو قول أكثر الفقهاء كالأئمة الأربعة وكثير من
المتكلمين، وهؤلاء اختلفوا فمن قائل ان المجتهد غير مكلف بإصابته لخفائه وغموضه وإنما هو مكلف بما غلب
على ظنه فهو وإن أخطأ على تقدير عدم إصابته لكنه معذور مأجور وهو منسوب إلى الشافعي رضي الله عنه وأما
القول الثالث: وهو أنه لا دلالة عليه ولا أمارة فذهب إليه جمع من المتكلمين. راجع إلا بها ج 3 / 177 وشرح
تنقيح الفصول 438 والسرخسي 2 / 14
(2) في د زيادة " الله تعالى ".
(3) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(4) هذا الذي قاله الجصاص إنما هو فيما لا نص عليه وفي هذه الحالة إما أن يقال الله عالي فيها قبل اجتهاد المجتهد
حكم معين أولا بل حكمه فيها تابع لاجتهاد المجتهد فهذا ما عناه الجصاص وهو المراد من قولهم كل مجتهد
مصيب، وهو مذهب جمهور المتكلمين من الشافعية كالشيخ أبي الحسن والقاضي أبي بكر والغزالي ومن المعتزلة
آبي الهذيل وأبي علي ابن هاشم وأتباعه ونقل عن الشافعي وأبي حنيفة وأحمد والمشهور عنهم
خلافه فإذا اختلف المجتهدون في مسألة على قولين أو أكثر فقد ذكر عن أبي حنيفة أنه قال: كل مجتهد مصيب،
والحق ما غلب على ظن المجتهد وهو ظاهر مذهب مالك بن أنس وذكر عن الشافعي أن له في ذلك قولين:
أحدهما: مثل هذا. والثاني: أن الحق في واحد من الأقوال وما سواه باطل. وقيل: ليس للشافعي في ذلك إلا
قول واحد وهو أن الحق في واحد من أقوال المختلفين وما عداه خطأ إلا أن الاثم موضوع عن المخطئ فيه.
راجع خير من حوى ووجه ووعي في موضوع هل كل مجتهد مصيب الابهاج 3 / 177 وانظر فتح الغفار 2 / 36،
واللمع للشيرازي 70 والمستصفى 2 / 359 ومسلم الثبوت 2 / 330 وشرح تنقيح الفصول 438 وأصول
السرخسي 2 / 142، 2 / 91 و 2 / 231 ورضوة الناظر 193 وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 46، 4 / 25.
والفقيه والمتفقة 58.
(5) عبارة د " عندهم واحدا ".
(6) ما بين القوسين ساقط من د.
162

قبلوه من جهة الاجتهاد وحسن الظن بالراوي فلا يجوز الاعتراض به على ظاهر القرآن
والسنن الثابتة من طريق يوجب العلم
ولهذه (1) العلة بعينها لم يجز نسخ القرآن بخبر الواحد لأنه غير جائز رفع ما يوجب
العلم بما لا (2) يوجبه
فان قال قائل القول بالعموم طريق اثباته النظر والاستدلال (3) فهو مثل خبر
الواحد من جهة الثبوت فينبغي ان يجوز تخصيصه بهما
قيل له أما قولك ان طريق اثبات العموم الاستدلال والنظر فان كنت أردت به انه
لا طريق له الا ذلك فإنه ليس كذلك لان القول بالعموم لا خلاف فيه بين السلف
من (4) الصدر (5) الأول والتابعين من (6) بعدهم لما بيناه في صدر القول بالعموم (7)
وان كان له مع ذلك دلائل من جهة النظر توجب صحة القول به (8) مع ذلك فليس
طريق اثبات العموم الاجتهاد وغالب الظن (9) وانما طريق اثباته الدلائل الموجبة للعلم
بصحته
واما خبر الواحد فغير موجب للعلم بمخبره وانما هو مقبول اجتهادا على جهة حسن
الظن بالراوي فغير جائز ترك موجب العموم من الحكم وقد ثبت من جهة توجب العلم
بما لا يوجب العلم
فان قال قائل فقد جاز ترك ما كان مباحا أو محظورا من جهة العقل قبل ورود السمع
بخبر الواحد وقد كان ثبوته من طريق يوجب العلم وهو دلائل العقل التي هي آكد في باب

(1) لفظ ح " ولهذا ".
(2) لفظ ح " فيما لا ".
(3) عبارة ح " الاستدلال وانظر ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) في د " والصدر ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ د " في العموم ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لفظ د " النظر ".
163

ثبوتها من عموم اللفظ لان اللفظ قد يطلق ولا يراد به حقيقته ولا يجوز وجود دليل العقل
عاريا من مدلوله
قيل له اما ما كان محظورا من جهة العقل قبل ورود السمع فهو على وجهين
أحدهما لا يجوز استباحته بحال
والآخر يجوز استباحته تارة وحظره أخرى على حسب ما يدل عليه السمع
فما لا يجوز استباحته بحال فنحو الكفر والظلم والكذب
وأما ما يجوز العقل استباحته تارة وحظره أخرى على حسب (2) ورود السمع به من
جهة من هو عالم بمصالح الكل فانا لا نعرف جواب أصحابنا في حكم هذا القسم قبل ورود
السمع في اباحته أو حظره والناس فيه مختلفون
فمنهم من يحظره (3) ومنهم (4) من يبيحه ومنهم من يمنع (5) ان يطلق فيه حظرا أو
إباحة
ونحن وان كنا نقول بما ليس في العقل ايجابه ولا حظره وقد (6) قامت له أدلة صحيحة
على اباحته في الجملة فانا متى أشرنا إلى شئ بعينه من هذه الجملة فإنما (7) يقع القضاء
بإباحته من طريق الاجتهاد وغالب الظن على أنه لا ضرر يلحقه بمواقعته أكثر من النفع
الذي يرجوه به
الا ترى انا انما نبيح له تناول الأطعمة والأشربة ما لم يغلب في ظنه انه يؤديه إلى
ضرر وذلك معلوم من حاله قبل ورود الشرع لأنه لو غلب على ظنه (8) انه ممنوع (9) لما جاز

(1) لفظ د " وحضره " وهو تصحيف
(2) عبارة ح " من حيث ".
(3) لفظ د " يحظر ".
(4) في د " فمنهم ".
(5) لفظ ح " فقد ".
(6) في ح " فقد ".
(7) في ح زيادة " في ".
(8) في ح " في ".
()) لفظ ح " مسموع " ولفظ د " مسموح " وما أثبتناه هو المناسب للمعنى المراد.
164

تناوله ونبيح له التصرف والسفر للتجارات (1) ونحوها ما لم يؤده (2) إلى ضرر أكثر مما (3)
يرجو من نفعه في (4) غالب ظنه لأنه (5) لو غلب على (6) ظنه ان في الطريق سبعا أو
لصوصا تهلكه لما جاز له الاقدام عليه وان غلب في ظنه السلامة جاز له
فقد تبين ان استباحة كل شئ من هذا بعينه انما طريقه الاجتهاد وغالب الظن دون
حقيقة العلم فجائز تركه بخبر الواحد وسقط قول القائل انا قد تركنا ما يوجب العلم بما لا
يوجبه وليس يمتنع (7) ان يكون طريق اباحته وحظره الاجتهاد بعد ورود السمع أيضا
وان كانت ظواهر من القرآن والسنن تقضي (8) بإباحته (9) نحو قوله تعالى وسخر
لكم ما في السماوات وما في الأرض (10) وقوله تعالى الذي جعل لكم الأرض ذلولا (11)
وقوله تعالى الله عنها (12) ونظائره من الآيات
لان هذه الآيات (13) خاصة فيجوز تخصيصها بخبر الواحد وقد كان حكم ذلك قبل
ورود السمع طريقه الاجتهاد في اباحته أو حظره (14)
ثم ما لم يرد في اباحته سمع لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد إذ كان (15) تجويز الاجتهاد
قائما في اباحته أو حظره فجاز قبول خبر (16) الواحد فيه
وعلى ان هذا الاعتلال بعينه يوجب على قائله جواز نسخ القرآن بخبر الواحد من

(1) لفظ د " في التجارات ".
(2) لفظ " يؤد ".
(3) في ح " مما لا " وهو تحريف.
(4) في د " من ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) في ح " في ".
(7) لفظ ح " يمنع ".
(8) لفظ د " اباحته ".
(9) لفظ د " إباحته ".
(10) الآية 13 من سورة الجائية.
(11) الآية 15 من سورة الملك. وفي د " وجعل لكم الأرض ذلولا " وصحة الآية ما أثبتناه.
(12) الآية 101 من سورة المائدة.
(13) لفظ ح " آيات ".
(14) عبارة ح " ايجابه ".
(15) هذه العبارة لا تقرأ في ح لتداخل الخطوط.
(16) سقطت هذه الزيادة من ح.
165

حيث جوز به حظر المباح من جهة العقل قبل ورود السمع فيلزمه ان يجيز (1) ترك حكم
القرآن رأسا والانتقال عنه إلى ضده بخبر الواحد كما جاز ترك ما كان مباحا قبل ورود السمع
بخبر الواحد إلى ضده وهذا لا يقوله أحد
فان قال قائل (2) فإن الصحابة متفقون على قبول خبر الواحد والقياس في
الأحكام وقد (3) استفاض ذلك عنهم كاستفاضة القول (4) بالعموم وقد قامت على
وجوب القول بهما أدلة صحيحة ليس طريقها (5) الاجتهاد وغالب الظن فلا فرق بينهما
وبين العموم من هذا الوجه فهلا جوزت تخصيصه بهما قيل له ان الامر (6) وان كان على
ما ذكرت الاعتراض بهما على عموم القرآن من قبل ان كل عموم في القرآن شأنه ما وصفنا
فإنه يوجب العلم بموجبه وليس الحكم بموجبه في شئ من طريق الاجتهاد ولا غالب
الظن
والحكم بموجب (7) خبر الواحد والقياس في شئ بعينه من جهة غالب الظن لا
من جهة الحقيقة وان كان ثبوتهما (8) في الجملة من طريق يوجب العلم
كما نقول ان قبول (9) شهادة شاهدين عدلين في الظاهر واجب (10) بنص القرآن
بقول الله تعالى شهيدين من رجالكم (11) ثم إذا عينا فلا الشهادة في رجلين
بأعيانهما كان طريق قبولهما الاجتهاد وغالب الظن لا حقيقة العلم بما شهدا به ولذلك (12) كان
الأمر فيه (13) على ما وصفنا

(1) لفظ د " يجوز ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) في ح " قد ".
(4) لفظ ح " القبول " وهو تصحيف.
(5) عبارة د " ليست من طريق ".
(6) لفظ ح " ثبوتها ".
(7) سقطت هذه الزيادة عن د.
(8) لفظ ح " ثبوتها ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ ح " بواجب ".
(11) الآية 282 من سورة البقرة.
(12) لفظ د " في ذلك ".
(13) لفظ د " فلذلك ".
166

وأيضا فلو (1) جاز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لكان في اثبات تخصيصه رفع
العلم بموجب العموم رأسا لأن اللفظ يحصل مجازا ثم يكون الحكم فيما عدا المخصوص من
طريق الاجتهاد وغالب الظن لا من جهة اليقين
ولا جائزا رفع موجب حكم العموم الموجب للعلم بخبر الواحد لان ذلك يصير في
معنى النسخ وهذا سديد على الأصل الذي كان يذهب إليه شيخنا أبو الحسن الكرخي رحمه
الله في أن (2) ما ثبت خصوصه من ألفاظ العموم سقطت معه دلالة اللفظ واحتيج في اثبات
الحكم إلى دلالة من غيره فلم يجب اسقاط حكم اللفظ (3) بخبر الواحد (4)
وأما قول عيسى بن ابان (5) ان العموم الذي قد ثبت خصوصه بالاتفاق يجوز
قبول (6) خبر الواحد في تحصيصه فإنه يحتمل أن يكون إنما (7) قاله لأنه كان من مذهبه ان
لفظ العموم إذا أريد به الخصوص سقط الاستدلال به في ايجاب الحكم فيما عدا المخصوص
به على ما كان يذهب إليه أبو الحسن الكرخي رحمه الله
فإن كان هذا مذهبه في هذا الباب فلا اشكال مع هذا ان خبر الواحد مقبول في
اخراج بعض ما شمله لفظ العموم من حكمه لسقوط حكم عموم اللفظ لو عري من خبر
الواحد
ويحتمل أن يكون (8) مذهبه القول بعموم اللفظ فيما عدا المخصوص (9) إلا أنه أجاز
تخصيص الباقي مع ذلك بخبر الواحد لأن ما ثبت خصوصه بالاتفاق فالاجتهاد شائع في
ترك حكم اللفظ على الوجه الذي يذهب إليه القائلون بذلك فصار موجب حكم العموم في

(1) لفظ ح " فان ".
(2) في ح " انما " متصلة.
(3) لفظ ح " لحكم ".
(4) راجع مذهب الكرخي في ارشاد الفحول 158 والابهاج 2 / 108 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 63
وشرح العضد على مختصر المنتهي 2 / 249، وشرح تنقيح الفصول 208
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لم ترد هذه الزيادة في د
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) في د زيادة " من ".
(9) لفظ د " الخصوص ".
167

هذه الحال من طريق الاجتهاد وغالب الظن لان اللفظ حصل مجازا والمجاز لا يستعمل إلا
في موضع يقوم الدليل عليه
وما كان هذا حكمه جاز تركه بخبر الواحد
وجميع ما ذكره عيسى بن ابان في الفصل الذي قدمنا ذكره يدل على أن مذهبهم ان
كل ما ثبت من طريق يوجب العلم فغير جائز تركه بما لا يوجب العلم وكذلك كان يقول
أبو الحسن رحمه الله في ذلك وهو أصل صحيح تستمر مسائلهم عليه (1)
والدليل على صحة هذا الأصل اتفاق المسلمين جميعا على امتناع جواز نسخ
القرآن (2) بخبر الواحد إذا (3) كان ما ثبت بالكتاب يفضي بنا (4) لي حقيقة العلم
وخبر الواحد لا يوجب العلم وإنما يوجب العمل فكذلك التخصيص بهذه المثابة على الوجه
الذي بينا (5)
فإن قال قائل ان (6) أهل قباء (7) قد (8) كانوا يصلون إلى بيت المقدس (9) وكان
ثبوت ذلك عندهم من جهة توجب (10) العلم فلما آتاهم آت وهم يصلون أخبرهم ان

(1) ما بين القوسين ساقط من د.
(2) لفظ ح " النسخ ".
(3) في د " إذ ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) راجع كشف الاسرار للبزدوي 3 / 9.
(6) في ح " بان ".
(7) قبا بالضم قرية قرب المدينة وقبا اسم بئر بها وهي مساكن بني عمر وبن عوف من الأنصار وهي على ميلين من
المدينة.
انظر مراصد الاطلاع 2 / 382.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح
(9) واستدل بذلك أيضا الشافعي في الرسالة فقال: وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفقه وقد كانوا على قبلة
فرض الله عليهم استقبالها، ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة، ولم يكونوا
ليفعلوه - إن شاء الله - بخبر إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله إذا كان من أهل الصدق ولا ليحدثوا أيضا مثل
هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم احداثه.
راجع الرسالة 406 وما بعدها.
(10) عبارة ح " بحال توجب ".
168

القبلة قد حولت استداروا (1) إلى الكعبة (2) فتركوا (3) ما ثبت عندهم بيقين بخبر الواحد
وكذلك علم الأنصار بإباحة الخمر كان يقينا (4) لما آتاهم آت وهم يشربونها (5)
فأخبرهم ان الخمر قد حرمت أراقوها منه وكسروا الأواني بخبر الواحد (6)
قال أبو بكر
وقد (7) سئل عيسى بن ابان (8) نفسه هذا السؤال وأجاب عنه بأن من غاب عن
حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على يقين من بقاء الحكم لجواز ورود النسخ بعد غيبته وليس كذلك
سبيل ما ذكرنا لأن النسخ لا يجوز بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
فما (9) ثبت (10) من طريق يوجب العلم لم يجز تركه بما لا يوجبه
فإن قيل فما أنكرت انهما لما اتفقا في (11) ان كل واحد منهما يوجب العمل وجب أن
يجوز تخصيص أحدهما بالآخر
قيل له أفليس قد اتفقنا عندك في وجوب العمل بهما ولم يوجب اتفاقهما من هذا
الوجه اتفاقهما في جواز نسخ ما يوجب العمل بما لا يوجبه فهلا قلت في التخصيص مثله
وعلى أن قولك قد اتفقا في وجوب العمل (12) بهما خطأ من قبل ان وجوب العمل بخبر
الواحد غير مساو (13) لوجوبه بالقرآن ما ثبت من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر الموجبة للعلم
لأن الوجوب على مراتب بعضها فوق بعض وبعضها آكد من بعض فوجب العمل بالقرآن

(1) لفظ ح " فاستداروا ".
(2) لفظ د " القبلة ".
(3) لفظ د " وتركوا ".
(4) سقطت هذه الزيادة من د.
(5) لفظ ح " يشربون ".
(6) وراجع الرسالة للشافعي في هذا الخبر 9.
(7) في د " فلما ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) في د " فلما ".
(10) سقطت هذه الزيادة من د.
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(12) ما بين القوسين ساقط من ح.
(12) ما بين القوسين ساقط من ح.
(13) لفظ ح " مساند " وهو تصحيف.
169

والسنة الثابتة وجوبا حقيقيا لا يسع الاجتهاد في تركه وخبر الواحد يسع الاجتهاد في
تركه (1)
ألا ترى أن تارك العمل بخبر الواحد مع اعتقاد وجوبه ليس مأثمة كمأثم (2) تارك
عموم القرآن مع اعتقاد القول به
فإن قال قائل (3) الفرق (4) بين النسخ والتخصيص أن في النسخ رفع الحكم بعد
ثبوته والتخصيص بيان المراد
قيل له هذا قول من لا يدري ما النسخ
ولا فرق بين النسخ والتخصيص في أن كل واحد منها بيان إلا أن النسخ فيه بيان مدة
الحكم والتخصيص بيان الحكم في بعض ما تناوله الاسم (5)

(1) ما بين القوسين ساقط من ح.
(2) لفظ ح " كاثم ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) لفظ ح " الذي ".
(5) والفرق بين النسخ والتخصيص مما يشكل على كثير من الكاتبين وذلك لاشتراكهما في اخذ
ما يتناوله اللفظ، فكل واحد منهما يبين ما لم يرد باللفظ. وقد اهتم بعض الأصوليين في بيان
ايراده.
وقد بين الشوكاني وغيره هذه الفروق ونحن نحققها ونلخصها فنقول:
الأول: ان التخصيص ترك بعض الأعيان والنسخ ترك الأعيان كذا قال الأستاذ الأسفر
الثاني: ان التخصيص يتناول الأزمان والأعيان والأحوال بخلاف النسخ فإنه لا يتنا
الغزالي: وهذا ليس بصحيح فان الأعيان والأزمان ليسا من أفعال المكلفين، والنسخ يرد
الأزمان والتخصيص يرد على الفعل في بعض الأحوال.
الثالث: ان التخصيص لا يكون إلا لبعض الافراد بخلاف النسخ فإنه يكون لكل الافراد
الرابع: ان النسخ تخصيص الحكم بزمان معين بطريق خاص بخلاف التخصيص قاله
البيضاوي، واعترض عليه إمام الحرمين.
الخامس: أن التخصيص تقليل والنسخ تبديل، حكاه القاضي أبو الطيب عن بعض
واعترض عليه بأنه قليل الفائدة.
السادس: ان النسخ يتطرق إلى كل سواء كان ثابتا في حق شخص واحد أو أشخاص
يتطرق إلا إلى الأول، ومنهم من عبر عن هذا بعبارة أخرى فقال: التخصيص لا يدخل
والنسخ يدخل فيه.
السابع: ان التخصيص يبقى دلالة اللفظ على ما بقي تحته حقيقة كان أو مجازا والنسخ
المنسوخ في مستقبل الزمان.
الثامن: انه يجوز تأخير النسخ عن وقت العمل بالمنسوخ ولا يجوز تأخير التخصيص عن وقت العمل
بالمخصوص.
التاسع: انه يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى ولا يجوز التخصيص، قال القرافي: وهذا الاطلاق وقع في كتب
العلماء كثيرا.
العاشر: ان التخصيص بيان ما أريد بالعموم والنسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ ذكره الماوردي.
الحادي عشر: ان التخصيص يجوز أن يكون مقترنا بالعام أو متقدما عليه أو متأخرا عنه ولا يجوز أن يكون
الناسخ متقدما على المنسوخ ولا مقترنا به بل يجب ان يتأخر عنه.
الثاني عشر: ان النسخ لا يكون إلا بقول وخطاب والتخصيص قد يكون بأدلة العقل والقرائن وسائر أدلة
السمع.
الثالث عشر: ان التخصيص يجوز أن يكون في الاخبار والاحكام والنسخ يختص بأحكام الشرع.
الرابع عشر: ان التخصيص على الفور والنسخ على التراخي ذكره الماوردي قال الزركشي: وفيه نظر.
الخامس عشر: ان تخصيص المقطوع بالمظنون واقع ونسخه به غير واقع.
السادس عشر: ان التخصيص يؤذن بأن المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه والنسخ يحقق أن كل ما يتناوله اللفظ
مراد في الحال وان كان غير مراد فيما بعده.
وهذه جملة الفروق التي أوردها العلماء، ولا يخفي ان بعضها غير مسلم وان بعضها يمكن ان يدخل في
البعض الاخر، ولم نرد تفصيلا في ذلك ويبقي الفرق الأساسي بينهما ما ذكره الجصاص من أن كلاهما بيان إلا ان
النسخ بيان مدة الحكم والتخصيص بيان الحكم في بعض ما تناوله الاسم. فتنبه. راجع ارشاد الفحول 142
وما بعدها. وراجع ما ذكره البخاري في كشف الاسرار للبزدوي 3 / 198 ومناهل العرفان في علوم القرآن.
2 / 80
170

لأنه لا يجوز أن يحكم الله بشئ ثم يرفعه لأن (1) هذا (2) بداء (3) والله يتعالى عن
ذلك وانما يبين أن ذلك الحكم كان إلى هذه المدة فلا فرق بينهما على ما ذكرنا
فإن قال هذا القائل لا يلزمني على التخصيص جواز النسخ لأني لا انسخ القرآن
بالسنة

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) في ح " وهذا ".
(3) يقال بدا الامر بدوا مثل قعد قعودا أي ظهر وأبديته أظهرته وقرئ قول الله تعالى " هم " أراذلنا بادي الرأي " وبدا
القوم بدوا أي خرجوا إلى باديتهم مثال قتل قتلا وبدا له في الامر بداء ممدود أي نشأ له رأي وهو ذو بدوات.
والبداء على الله مستحيل تعالى الله وجل. راجع مناهل العرفان 2 / 76 وصحاح الجوهري 2 / 446، 3 / 54
ولسان العرب 18 / 68 ط / تراثنا والقاموس المحيط 1 / 8 / وتاج العروس 1 / 43.
171

قيل له فلم (1) تخصه بالسنة فإن (2) جوزت تخصيصه بالسنة فأجز نسخه بها
ثم يقال له إلزامنا إياك النسخ قائم (3) عليك على علتك (4) لأنك قلت إنما
خصصت القرآن بخبر الواحد للزوم العمل بهما فجوز النسخ لهذه العلة بعينها
فإن قال (5) إذا (6) خصصت ففقد أبقيت (7) من الحكم ما يقتضيه ظاهر اللفظ
قيل له: وإذا نسخت (8) فقد أثبت من الحكم ما اقتضاه ظاهر اللفظ في المدة التي
كان الحكم ثابتا فيها إلى وقت النسخ فلا فرق بينهما من هذا الوجه
على أن سؤالنا قائم عليك (9) في نسخ السنة المنقولة بالتواتر بخبر الواحد كما جوزت
تخصيصه إذا كان من أصلك جواز نسخ السنة بالسنة
فإن قال إذا خصصت القرآن بخبر الواحد فقد استعملناهما جميعا فهو أولى من
الاقتصار به على أحدهما واسقاط الاخر وليس كذلك النسخ لأنه يمنع بقاء الحكم علينا
الان
قيل له لا (10) يمكنك استعمال الخبر إلا برفع بعض موجب لفظ القرآن وإنما
كلامنا في ذلك البعض الذي رفعت (11) حكمه فيما بقى (12) لأن ما بقى لم استعمله من جهة
الخبر

(1) لفظ ح " فلان ".
(2) لفظ ح " فإن ".
(3) في ح زيادة كلمة " عدد " ولا معنى لها.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " قيل ".
(6) في د " قد ".
(7) لفظ د " نسخنه ".
(8) لفظ ح " فلا ".
(9) لفظ " عليه ".
(10) في ح " فلا ".
(11) لفظ ح " منعت ".
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
172

فلما جاز لك: ترك (1) ذلك البعض بخبر (2) الواحد فهلا (3) جوزت نسخه كما
جوزت تركه إذا دخل في عموم لفظ فكيف صار استعمال خبر الواحد أولى من استعمال ما
قابله (4) من (5) لفظ القرآن.
وهلا بقيت حكم القرآن من حيث العلم دون الخبر
فإن قلت (6) لا يلزمنا من حيث جوزنا تخصيص القرآن بخبر الواحد ان نجوز
نسخه كما لم يلزمك (7) نسخ خبر الواحد بالقياس من حيث تخصيصه بالقياس (8)
قيل (9) له هذا لا يجب من قبل انه لم يمتنع من تجويز (10) نسخ خبر الواحد بالقياس من
جهة اختلافهما في موجب حكمها
وإنما نجوزه من قبل انه لا سبيل إلى اثبات المقادير من طريق المقاييس لا فيما ورد
بخلاف خبر الواحد ولا فيما لم يرد بخلافه (11) فإنما منعنا النسخ بالقياس من هذه الجهة
لأن فيه تقدير مدة الفرض وهذا لا مدخل للقياس فيه لو لم يكن على وجه النسخ به وأما
خبر الواحد فجائز إثبات المقادير به فمن (12) حيث (13) جوز التخصيص به لزم تجويز النسخ
به
فإن قال قائل هل يجوز ان يخص النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر القرآن بحضرة (14) الواحد فإن (15)

(1) سقطت هذه الزيادة من ح.
(2) لفظ ح " فجاز ".
(3) في النسختين " وهلال " وما أثبتناه أنسب.
(4) لفظ ح " قبله " وهو تصحيف.
(5) في ح " في ".
(6) لفظ د " قال ".
(7) لفظ د " يلزم ".
(8) في " بالقيام " وهو تصحيف.
(9) في د زيادة " بخبر الواحد " ولا محل للتكرار فالضمير في " تخصيصه " راجع إلى خبر الواحد.
(10) ما بين القوسين ساقط من ح.
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(12) في ح " من ".
(13) في النسختين " بخبر " وهو خطأ.
(14) لم ترد هذه الزيادة في د.
(15) لم ترد هذه الزيادة في ح.
173

جاز ذلك فهلا قبلت قول ذلك الواحد في تخصيصه
قيل له إن خص النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر القرآن بحضرة الواحد كان على ذلك الواحد
اعتقاد تخصيصه على حسب (1) ما علمه لأنه كما ثبت عنده الظاهر من جهة توجب العلم
فقد ثبت عنده تخصيصه بمثلها
وأما من نقل إليه ذلك الواحد بأنه لم يثبت عنده تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لذلك من طريق
يوجب العلم فلا يلزمه الحكم بالخصوص حتى يثبت ما يوجب العلم
ثم يقال له (2) هل يجوز أن ينسخ النبي صلى الله عليه وسلم حكما ثابتا عند الجماعة بحضرة
الواحد
فإن قال لا قيل له في التخصيص مثله
فإن قال نعم قيل له فما الذي يجب على من نقل إليه ذلك النسخ بعد موت (3)
النبي صلى الله عليه وسلم هل يجب عليه اعتقاد نسخ ما علم بثبوته يقينا بقول الواحد
فإن قال نعم قيل له فجوز نسخ القرآن بخبر الواحد وترك الإجماع بخبر
الواحد (4)
وإن قال لا قيل له في التخصيص مثله
فإن قال قد أجزتم تخصيص الظاهر بالاخبار التي تلقاها (5) الناس بالقبول وإن
كانت من رواية الأفراد كقوله عليه السلام لا تنكح المرأة على عمتها ولا وصية لوارث
فهلا جريتم على هذا المنهاج في سائر أخبار الآحاد
قيل له لأن ما تلقاه الناس بالقبول فإن كان من أخبار الآحاد فهو عندنا يجري مجرى
التواتر وهو يوجب العلم فجاز تخصيص القرآن به
فإن قال (6) ولم زعمت أن ما كان هذا وصفه من الاخبار يوجب العلم

(1) عبارة ح " من حيث ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " ثبوت ".
(4) ما بين القوسين ساقط من ح.
(5) لفظ " نقلها ".
(6) لفظ ح " قلت ".
174

قيل له (1) فقد تركت مسألتك وانتقلت عنها إلى غيرها على انا نجيبك عن
هذا وإن لم يلزمنا ذلك بحق النظر فنقول إن ذلك يوجب العلم من وجهين
أحدهما أنه إذا ظهر في السلف استعماله والقول به مع اختلافهم في شرائط قبول
الاخبار وتسويغ (2) الاجتهاد في قبولها وردها فلولا أنهم قد علموا صحته واستقامته لما ظهر
منهم الاتفاق على قبوله واستعماله وهذا وجه يوجب العلم بصحة النقل
والثاني ان مثلهم إذا اتفقوا على شئ ثبت به الاجماع (3) وان انفرد عنهم بعضهم
كان شاذا (4) لا (5) يقدح خلافه في صحة (6) الاجماع ولا يلتفت بعد ذلك إلى خلاف من
خالف فيه فلذلك جاز تخصيص الظاهر بما كان هذا وصفه
فإن قيل أنما حصل الإجماع عن الخبر وهو من طريق الآحاد
قيل له لو كان ذلك (7) كذلك لكان الاجماع تابعا لخبر الواحد وهذا يوجب أن
يكون خبر الواحد أقوى منه لأنه أصله (8) وهو فرع عليه وليس (9) أحد من أهل العلم يرى
خبر الواحد مقدما على الاجماع بل الاجماع أولى من خبر الواحد عند الجميع
ويدل على ذلك أن خبر الواحد يرد بالاجماع ولا يرد الاجماع بخبر الواحد
ألا ترى إلى ما روى (10) أبو هريرة (11) عن النبي صلى الله عليه وسلم من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح " وتشريع ".
(3) لفظ ح " اجماع ".
(4) لفظ ح " فسادا ".
(5) لفظ ح " صحته ".
(6) لفظ ح " صحته ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) عبارة ح " مقدما على الاجماع " وما أثبتناه هو المناسب.
(9) لفظ د " ليس ".
(10) في د " أن ".
(11) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة صحابي كان أكثر الصحابة حفظا للحديث والرواية،
أسلم سنة 7 للهجرة ولزم صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فروي عنه 5374 حديثا، وولي إمرة المدينة وتوفي فيها سنة 59
هجرية.
انظر ترجمته في: تهذيب الأسماء واللغات 2 / 270 والإصابة ترجمة رقم 1179 وفي الكنى والجواهر المضيئة
4182 وصفة الصفوة 1 / 285 وحلية الأولياء 1 / 376 وذيل المذيل 111 وحسن الصحابة 166 والذريعة
1147 انظر الاعلام 4 / 80 وكتاب: دفاع عن أبي هريرة.
175

فليتوضأ (1) وأنه قال عليه السلام لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله (2) عليه (3) (4) وأجمع
الفقهاء على خلافه فقضى اجماعهم على الخبر وكان أولى منه

(1) الحديث أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ
وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" من غسل ميتا فليغتسل ". ولفظ الترمذي " من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ". قال الحافظ في التلخيص
حديث " من غسل ميتا فليغتسل " رواه احمد والبيهقي من رواية ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي
هريرة بهذا وزاد " من حمله فليتوضأ " وصالح ضعيف. ورواه البزار وابن حبان وغيرهما. وذكر البيهقي له طرفا
وضعفها ثم قال: والصحيح انه موقوف، قال البخاري الأشبه موقوف وقال علي واحمد: لا يصح في هذا الباب
شئ نقله الترمذي عن البخاري عنهما، وقال الذهلي: لا اعلم فيه حديثا ثابتا ولو ثبت للزمنا استعماله، وقال ابن
المنذر: ليس في الباب حديث يثبت وانظر تفصيل الكلام في عون المعبود كتاب الجنازة باب 35 (8 / 438) ريال
بعدها والمستدرك 1 / 376 ونيل الأوطار 1 / 279 والإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة في استدراكه
على أبي هريرة في الوضوء من حمل الميت والغسل من تغسيله 112 وانظر شرح السنة للبغوي 2 / 168
و 4 / 440 وتخريج المشكاة 541 واحكام الجنائز 53 والارواء 145 وكتاب دفاع عن أبي هريرة وابن ماجة باب
8 واحمد 2 / 280، 433، 454، 4 / 246 وقد صحح ابن خزيمة هذا الحديث بلفظ آخر عن عائشة قالت
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الجماعة ومن غسل الميت " راجع حاشية
الدهلوي على بلوغ المرام 1 / 56 وانظر المنتقى من أحاديث الاحكام 67 والنهاية وفي غريب الحديث والا
1 / 313.
(2) في ح زيادة لفظ " تعالى ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) اخرج الترمذي عن رباح عن عبد الرحمن عن جدته أسماء بنت سعيد بن زيد عن أبيها سعيد بن زيد قالت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ".
وأحاديث هذا الباب كثيرة يشد بعضها بعضا، قال الحافظ ابن حجر والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث من
قوة تدل على أن له أصلا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الحديث، وقال الترمذي في
الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شئ منها من مقال.. ولا شك ان الأحاديث التي وردت فيها تتعاضد بكنه
طرقها. وذكر الترمذي في هذا الباب أحاديث عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعدوني
أما حديث عائشة فأخرجه البزاز وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما، أما حديث أبي هريرة فأخرجه احمد وابن
داود وابن ماجة والترمذي في العلل والدار قطني وابن السكن والحاكم والبيهقي.
راجع تحفة الأحوذي كتاب الطهارة باب 25 (1 / 114) وما بعدها وابن ماجة كتاب الطهارة باب 41
والدارمي كتاب الوضوء باب 55 ح‍ 2 وتخريج المشكاة 404 وعون المعبود كتاب الطهارة باب 48 ح‍ 1 و
2 / 418، 3 / 41 و 4 و 4 / 70 و 5 / 382 و 6 / 382 وضعفه الذهبي في المغنى تحت رقم 7191.
176

وكما روى البراء بن عازب (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قنت في المغرب (2) واجمع الناس
على تركه فكان أولى من الخبر
وكما روى سلمة بن المحبق (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن وطئ جارية امرأته فقال
النبي صلى الله عليه وسلم (4) ان كانت طاوعته فعليه مثلها (5) وهي له وان استكرهها فهي حرة وعليه
مثلها (6)
ونظائرها من الاخبار التي قضى الاجماع بخلافها أكثر من أن يحصى
وأيضا إن الاجماع لا يجوز وقوع الخطأ فيه ويجوز وقوع الخطأ في خبر الواحد
فعلمنا ان الاجماع إذا وافق خبر الواحد كان هو الموجب للعمل (7) بصحة الخبر لا
الخبر بانفراده ويصير الاجماع قاضيا باستقامته وصحة مخرجه

(1) هو البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن الأوس الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمارة ويقال أبو عمرو له ولأبيه
صحبة وهو الذي افتتح الري سنة أربع وعشرين وجعله عثمان أميرا عليها وشهد غزوة تستر مع أبي موسى
وشهد مع علي الجمل وصفين وقتال الخوارج، ونزل الكوفة ومات في امارة مصعب بن الزبير وارخة ابن حبان
سنة اثنتين وسبعين.
انظر ترجمته في الإصابة 1 / 147 وطبقات ابن سعد 4 / 80 ومعجم البلدان مادة زنجان ونكت الهميان 124
انظر الاعلام 2 / 15
(2) الحديث أخرجه مسلم عن البراء بن عازب قال " قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفجر والمغرب ". راجع صحيح مسلم
كتاب المساجد الأحاديث رقم 305 و 306 (5 / 180) وفتح الباري كتاب الاذان باب 16 ح‍ 2 وكتاب الوتر
باب 7 ح‍ 2 وعون المعبود كتاب الوتر باب 10 ح‍ 4 وتحفة الأحوذي كتاب المواقيت باب 177 ح‍ 1
(3) هو سلمة بن المحبق الهذلي... وقيل اسم المحبق صخر وقيل وربيعة وقيل عبيد وقيل المحبق جده، والأشهر فيه
فتح الباء، وانكره عمر بن شبه بكسر الباء يكنى أبا سنان له رواية وسكن البصرة روي عنه ابنه سنان وجون بن
قتادة، وقبيصة بن حريت والحسن البصري وغيرهم. انظر الإصابة 3 / 119.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " صحت " ولا أصل لها في الحديث.
(6) والحديث أخرجه أبو داود عن سلمة بن المحبق بلفظ ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قضى في رجل وقع على جارية امرأته
ان كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها، وان كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها ".
(قال المنذر وأخرجه النسائي قال: لا تثح هذه الأحاديث. قال البيهقي: وقبيصة بن حريث غير ومعروف وقال
البخاري في التاريخ قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق، قال المنذر لا يثبت حديث سلمة بن المحبق،
وقال الخطابي هذا حديث منكر وقبيصة غير معروف والحجة لا تقوم بمثله.
راجع تحفة الأحوذي كتاب الحدود باب 21 ح‍ 2 وابن ماجة كتاب الحدود باب 8 ح‍ 2 والدارمي كتاب الحدود
باب 20 ح‍ 2 وعون المعبود 12 / 151، والنسائي كتاب النكاح باب 7 ح‍ 6 واحمد 3 / 473 و 5 / 6
(7) لفظ د " للعلم ".
177

ألا ترى ان خبر (1) الواحد يسع الاجتهاد في مخالفته ولا يسع الاجتهاد في مخالفة
الاجماع فكيف يكون الاجماع فرعا على خبر الواحد
ألا ترى ان الرأي في نفسه قد يسع خلافه برأي مثله ثم إذا حصل من طريق الاجماع
والرأي (2) لم يسع خلافه لا من حيث هو رأي لكن من جهة وقوع الاجماع عليه فالاجماع
يصحح خبر الواحد ويمنع الاعتراض عليه كما يصحح الرأي ويمنع مخالفته فإذا (3)
كان هذا هكذا (4) جاز تخصيص ظاهر القرآن بخبر قد تلقاه الناس بالقبول وان كان
وروده من طريق الآحاد ولا يلزمنا على ذلك جواز تخصيصه بخبر الواحد إذا عري
من المعاني التي وصفنا
فإن قال قد خالف عثمان البتي (5) في تحريم نكاح المرأة على عمتها ووروده من جهة
الآحاد لأن رواية أبي هريرة مخصصة (6) (7) قوله تعالى لكم ما وراء ذلكم (8)
قيل له قد روى هذا الحديث (9) عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة غير أبي هريرة منهم ابن
عباس وأبو سعيد الخدري (10) وغيرهما وقد (11) تلقاه السلف بالقبول فصار في معنى الخبر

(1) لفظ ح " الخبر ".
(2) عبارة ح " حصل من طريق الاجماع الرأي.
(3) في د " وإذا ".
(4) في ح " كذا " وفي د " هكذي ".
(5) هو الفقيه ابن مسلم ثقة امام، وقيل اسم أبيه أسلم وقيل سليمان، روي عن أنس بن مالك والشعبي وعنه شعبة
ويزيد بن زريع وابن عليه، وثقة احمد والدار قطني. وقال معاوية بن صالح. سمعت يحيى يقول: عثمان البتي
ضعيف. وموثقة ابن سعد. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3 / 59 وطبقات الشيرازي 91 وطبقات ابن سعد
7 / 257 وهامش شفاء الغليل 71 وهامش تحقيق الحاصل من المحصول 901
(6) لفظ ح " تخصصت ".
(7) في النسختين زيادة " به ".
(8) الآية 24 من سورة النساء.
(9) لفظ د " الخبر ".
(10) هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي أبو سعيد ولد في 10 هجرية وتوفي في 74 هجرية
صحابي كان من ملازمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروي عنه أحاديث كثيرة، غزا اثنتي عشرة غزوة وله في الصحيحين 1170
حديثا توفي في المدينة. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 3 / 479 وصفة الصفوة 1 / 299 وابن عساكر 6 / 108
وحلية الأولياء 1 / 369 وذيل المذيل 22 انظر الأعلام للزركلي 3 / 138
(11) في ح " قد ".
178

المتواتر وبمثله يجوز نسخ القرآن عندنا لاستفاضته في الأمة واستعمال الناس لحكمه وعثمان
البتي ليس بخلاف (1) على من تقدمه
وقد خالف في ذلك الخوارج (2) أيضا ولكنهم شذوذ لا يعتد بهم في الاجماع
وعلى ان قوله تعالى لكم ما وراء ذلكم ليس بعموم بل هو مجمل موقوف
الحكم على البيان لأن الإباحة فيه معلقة بشرط الاحصان لقوله تعالى غير
مسافحين (4) والاحصان لفظ مجمل فاز (5) تخصيصه بخبر الواحد
فإن سألوا عن قوله ما طاب لكم من النساء (6) وتخصيصه بقوله عليه
السلام لا تنكح المرأة على عمتها كان الجواب فيه ما قدمنا ولأن هذا خاص بالاتفاق
فإن قيل خصصتم قول الله تعالى لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم
يطعمه (7) الآية بخبر أبي ثعلبة الخشني (8) والحكم بن عمرو الغفاري (9) في النهي عن

(1) لفظ " مخالف ".
(2) الخوارج: فئة خرجت عن طاعة الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما، وقالت: لا حكم إلا لله
ورسوله ورفضت الخلافة وسماهم الناس لذلك خوارج فهم قد خرجوا عن رأي الجماعة ويسمون أيضا الشراة
لقولهم: إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله. أي بعناها بالجنة حين خرجنا على الأئمة الجائرين. ولهم آراء متطرفة،
وهم فرق كثيرة.
راجع الملل والنحل للشهرستاني 1 / 114 والفرق بين الفرق 19، 45، والحور العين 170 والمواقف 629
والفرق الاسلامية للشبيشي 30 ومقالات الاسلاميين 4، 81 وتاريخ المذاهب الاسلامية لأبي زهرة 1 / 69
وحاضر العالم الاسلامي 4 / 336، انظر هامش تحقيق الحاصل من المحصول 2 / 478
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) الآية 24 من سورة النساء.
(5) لفظ ح " مجاز ".
(6) الآية 3 من سورة النساء.
(7) الآية 145 من سورة الأنعام.
(8) هو أبو ثعلبة الخشني صحابي مشهور معروف بكنيته، واختلف في اسمه اختلافا كثيرا، وكذا اسم أبيه، قال
ابن البرقي تبعا لابن الكلبي كان ممن بايع تحت الشجرة وضرب له بسهمه في خيبر، وأرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومه
فأسلموا، ولم يقاتل بصفين مع أحد الفريقين ومات سنة خمس وسبعين.
راجع الإصابة 7 / 29
(9) هو الحكم بن عمر وبن مجدع الغفاري، صحابي له رواية وحديثه في البخاري وغيره، صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن
مات، وانتقل إلى البصرة في أيام معاوية فوجهه زياد إلى خراسان، وكان صالحا فاضلا مقداما فغزا وغنم
وأقام بمرو، وما بها، ويذكر بعض المؤرخين أن معاوية عتب عليه في شئ فأرسل عاملا غيره فحبسه وقيده
فمات في قيود، سنة 45 هجرية. راجع ترجمته في تهذيب التهذيب 2 / 436 وصفة الصفوة 1 / 279 وتاريخ
الاسلام 2 / 220 والإصابة 2 / 29 انظر الاعلام 2 / 296.
179

كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير (1)
وبخبر يقول المقداد بن معدي كرب (2) في تحريم الحمر الأهلية (3) وقد خالفكم
مالك بن أنس (4) في ذي الناب من السباع وكان ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما يبيحان

(1) اخرج مسلم عن أبي ثعلبة قال: " نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وروي عن ابن عباس
قال: " نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير ".
راجع صحيح مسلم كتاب الصيد حديث رقم 15، 16 (9 / 60) وعون المعبود كتاب الأطعمة باب 32 ح‍ 10
وتحفة الأحوذي كتاب الصيد حديث رقم 9، 11 ح‍ 5 والنسائي كتاب الصيد باب 86 ح‍ 5، وابن ماجة كتاب
الصيد باب 113 ح‍ 2 والدارمي كتاب الأضاحي باب 18 ح‍ 2 وأحمد 1 / 147، 244، 289، 302،
327، 232، 339، 373 و 3 / 323
(2) هو المقداد بن معدي كرب بن عمر وبن يزيد بن معد يكرب بن سيار، أبو كريمة الكندي، صحابي، قدم في
ابن 91 سنة وله أربعون حديثا، انفرد البخاري منها بحديث، روي عنه الشعبي وعده ابن سعد في الطبقة
الرابعة من أهل الشام.
راجع ترجمته في: الكامل لابن الأثير 4 / 203 وأسد الغابة 4 / 411 والإصابة ترجمة رقم 8186 والتاج 9 / 20
وخلاصة تهذيب الكمال 331 والجمع بين رجال الصحيحين 508 وله 42 حديثا. انظر الاعلام 8 / 208
(3) اخرج مسلم عن أبي ثعلبة قال: " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية، راجع صحيح مسلم 9 / 63 وفتح
الباري 9 / 953 تحفة الأحوذي كتاب النكاح باب 29 ح‍ 4 وكتاب الصيد باب 9 ح‍ 5 والأطعمة باب 6
102، 143، 219 والمستدرك 2 / 103 ونيل الأوطار 8 / 115
(4) هو مالك بن انس بن مالك بن أبي عامر بن عمر وبن الحارث الأصبحي المدني أبو عبد الله، أحد أئمة المذاهب
المتبعة وإليه ينسب المالكية، ولد بالمدينة وكان بعيدا عن الامراء والملوك، توفي في المدينة في 14 ربيع الأول ترجمة
179 هجرية ودفن في البقيع، وكان مولده في 93 هجرية، من تصانيفه الموطأ، رسالته إلى الرشيد وانظر ترجمته
في وفيات الأعيان 1 / 555 والفهرست 1 / 198 وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 75 وتذكرة الحفاظ 1 / 193
والانتقال لابن عبد البر 8 / 63 والحلية 6 / 316 وتهذيب التهذيب 10 / 5 والنجوم الزاهرة 2 / 92 ومرآة الجنان
1 / 373 والديباج 11 والمنتخب من كتاب ذيل المذيل للطبري 106 والبداية 10 / 174 ومفتاح السعادة 2 / 12
وطبقات الفقهاء 42، شرح الجامع الصحيح للبخاري 1 / 6 وكشف الظنون 1907 تاريخ الفكر الأندلسي 417
فهرس المخطوطات المصورة 1 / 111 والمختصر في اخبار البشر 2 / 15 وطبقات القراء لابن الجزري 2 / 35
وطبقات الشعراني 1 / 52، والشذرات 1 / 288 وتاريخ الخميس 2 / 332 وبروكلمان 3 / 284 وطبقات
الأصوليين 1 / 117 انظر معجم المؤلفين ففيه ذكر للمظان في المخطوطات والمجلات 8 / 168
180

الحمر الأهلية (1) وذا الناب من السباع ويحتجان فيه (2) بظاهر الآية ولم يلتفتا إلى رواية من
روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
قيل له أقل ما في ذلك أنه ليس في تحريم ذي الناب من السباع والحمر الأهلية
تخصيص الآية لأن الآية إنما فيها أنه لم ينزل عليه تحريم غير ما ذكر فيها وما عدا ما ذكر في
الآية لم تقتض الآية حظره ولا إباحته فليس في تحريمه تخصيص الآية
وجهة أخرى أنه روي أن المشركين قد كانوا يحرمون أشياء (3) من نحو السابية
لأن والوصيلة فنزلت الآية ردا لقولهم فقال تعالى لا أجد فيما أوحي إلي محرما (4) يعني مما (5)
يحرمون إلا أن تكون ميتة إلى آخر الآية
فلا دلالة فيها إذ (6) كان نزولها على هذا الوجه على إباحة ما عدا المذكور فيها
وأيضا فلو كان ما في هذه الآية عموما في إباحة ما عدا المذكور فيها لجاز تخصيصه
بخبر الواحد لأن ما ثبت خصوصه بالاتفاق جاز تخصيصه بخبر الواحد عندنا
وقد اتفقت الأمة على تحريم أشياء غير مذكورة في هذه الآية (7) وهي الخمر ولحم
القرود ونحوها فصارت الآية خاصة بالاتفاق
ومن جهة أخرى ان الصحابة قد اختلفت في تحريم ذي الناب من السباع والحمر
الأهلية ولحوم الخيل ولم ينكر بعضهم على بعض الاجتهاد فيه

(1) ما بين القوسين ساقط من ح.
(2) عبارة د " في ظاهر ".
(3) لفظ د " الأشياء ".
(4) الآية 145 من سورة الأنعام.
(5) وانظر الكلام في هذه الرواية فيما أخرجه البخاري من حديث سعيد بن المسيب عند تفسير قوله تعالى " ما جعل
الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " - فتح الباري تفسير سورة رقم 5 / باب 13 (8 / 283).
والسابية أو السائبة: هي المخلاة التي لا قيد عليها ولا راعي لها والوصيلة وفي الغنم: كانت العرب إذا ولدت
الشاة أنثى كان هم وان ولدت ذكرا كانت لآلهتهم وان ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فكان الكل
للآلهة ولم يذبحوا الذكر
راجع أحكام القرآن لابن العربي 2 / 701
(6) في د " ما ".
(7) عبارة ح " فلا دلالة فيما إذا ".
181

ومتى اختلفت الصحابة في تخصيص آية سوغت الاجتهاد في ترك حكمها من غير
نكير (1) من بعضهم على بعض فيها جاز قبول خبر الواحد في تخصيصها
فإن سألوا عن قوله تعالى تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره (2)
وظاهره يقضي احلالها للزوج الأول بنفس العقد إذا طلقها وإن لم يقع دخول لأنه
لم يشرط فيه دخولا ثم جعلتم الدخول شرطا فيه بخبر رفاعة القرظي (3) حين طلق امرأته
فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير (4) فجاءت تشكو إليه (5) أنه لا يصل إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم
أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة (6) لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك (7)
فخصصتم ظاهر القرآن بهذا الخبر وهو خبر واحد والخلاف قائم فيما ورد فيه لأن
سعيد بن المسيب (8) يقول تحل للزوج الأول بالعقد

(1) عبارة د " ان ينكر ".
(2) الآية 230 من سورة البقرة.
(3) هو رفاعة بن سموأل القرظي وهو الذي له ذكر من حديث عائشة جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم...
الخ.
وهو غير رفاعة بن قرظة القرظي لما قال البارودي وابن السكن إنه كان من سبي قريظة وإنه كان هو وعطية صبيين
وعلى هذا فهو غير ابن السموأل والله أعلم. أنظر ترجمته في الإصابة 2 / 210، 2 / 211
(4) عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطيا القرظي من بني قريظة (ويقال هو ابن الزبير بن زيد
بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن مالك بن الأوس) ثبت ذكره في الصحيحين من حديث عائشة جاءت امرأة
رفاعة... فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير.
راجع الإصابة 4 / 159.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح
(6) ما بين القوسين ساقط من ح
(7) الحديث أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها ان رفاقة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فائت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها وانه ليس معه إلا مثل هدبة، فقال: " لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق
(عسيلتك ".
راجع فتح الباري كتاب الطلاق باب 7، 37 (9 / 464) والنسائي كتاب الطلاق باب 9 ح‍ 6 وابن ماجة كتاب
النكاح باب 32 ح‍ 1 والموطأ كتاب النكاح حديث 17، 18 ح‍ 4 وعون المعبود كتاب الطلاق باب 49 ح‍ 6
وأحمد 1 / 214، 2 / 25، 62، و 85 و 6 / 96، 193
(8) سعيد بن المسيب بن حزة بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد ولد سنة 13 هجرية وتوفي بالمدينة سنة 94
هجرية، وهو سيد التابعين وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع وكان يعيش
من التجارة بالزيت لا يأخذ عطاء، وكان احفظ الناس لاحكام عمر بن الخطاب وأقضيته حتى سمى رواية
عمر.
انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 5 / 88 والوفيات 1 / 206 وصفة الصفوة 2 / 44 وحلية الأولياء 2 / 161 انظر
الاعلام 3 / 155
182

له هذا غلط لأنه ليس في ظاهر اللفظ (1) ارتفاع تحريم الثلاث بنكاح الثاني
بل ظاهرها يقتضي أنها لا تحل له الا بالوطء
وذلك لأن لفظ الآية منتظم للعقد والوطء جميعا لأن قوله تنكح زوجا
غيره (2) ويتناول الوطء لأنه حقيقة فيه عندنا وذكر الزوجية يفيد العقد فقد اشتمل ظاهر
الآية على المعنيين وجعلهما شرطا في وقوع تحريم فاتبعناه (3) ولم نخالفه إلى غيره ولا
خصصناه بخبر الواحد
وعلى أنه قد تقدم القول بيننا في أن خبر الواحد إذا تلقاه الناس بالقبول صار بمنزلة
التواتر فيجوز تخصيص ظاهر القرآن به وهذا صفة هذا الخبر لأن الصحابة قد تلقته
بالقبول واستعملته

(1) لفظ ح " الأرض " وهو خطأ.
(2) ما بين القوسين ساقط من ح.
(3) وقد أشار الجصاص إلى هذا الخلاف في أحكام القرآن عند تفسيره لقوله تعالى " فلا تحل له من بعد حتى تنكح
زوجا غيره " فقال إنها تنتظم معان منها تحريمها المطلق ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره مفيد في شرط ارتفاع
التحريم الواقع بالطلاق الثلاث العقد والوطء جميعا، لان النكاح هو الوطء في الحقيقة، وذكر الزوج يفيد
العقد، وهذا من الايجاز والاقتصار على الكناية المفهمة المغنية عن التصريح.
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبار مستفيضة في أنها لا تحل للأول حتى يطأها الثاني منها حديث الزهري عن عروة
عن عائشة ان رفاعة طلق امرأته... وساق الرواية، ثم قال هذه اخبار قد تلقاها الناس بالقبول واتفق الفقهاء
على استعمالها فهي عندنا في خبر المتواتر، ولا خلاف في ذلك إلا شئ يروي عن سعيد بن المسيب قال
الجصاص: ولم نعلم أحدا تابعه عليه فهو شاذ 1 / 461 - 462 وذكر ابن العربي خبر سعيد بن المسيب فقال قال
سعيد بن المسيب: تحل المطلقة ثلاثا بمجرد العقد من الثاني وان لم يطأها الثاني لظاهر قوله تعالى " فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره " والنكاح العقد، قال وهذا لا يصح فيقال له بل هو الوطء ولفظ النكاح قد ورد بهما في
كتاب الله تعالى جميعا، فما باله خصصه هاهنا بالعقد فراجع بسط الكلام في هذه المسألة أحكام القرآن لابن
العربي 1 / 198 وتفسير الطبري 4 / 474 ط الحلبي واحكام القرآن للجصاص 1 / 461
183

وليس معنى تلقي الناس إياه بالقبول أن لا يوجد له (1) مخالف وإنما صفته ان
يعرفه عظم (2) السلف ويستعملونه (3) من غير نكير من الباقين (4) على قائله ثم إن خالف
بعدهم فيه مخالف كان شاذا لا يلتفت إليه
ولا خلاف بين الصحابة في الزوج الثاني لا يرفع تحريم الثلاث ما لم يدخل بها وان
صح هذا عن سعيد بن المسيب فإنه جائز أن لا يكون سمع بهذا الخبر وأنه لو سمعه (5)
لصار إليه
وأيضا فقد صار الاتفاق بعد سعيد بن المسيب على حكم هذا الخبر فسقط (6)
الخلاف فيه كأنه لم يكن
فجاز تخصيص الظاهر به لأنه لا فرق عندنا بين اجماع يقع بعد خلاف كان من أهل
عصر متقدم وبين اجماع يحصل عن غير خلاف في ثبوت حجتهما ولزوم المصير إليهما (7)
فان قال خصصتم قوله تعالى والسارقة (8) بخبر المجن (9) وفي الناس
من يقول يقطع في القليل (10) والكثير.
قيل له لو فهمت عنا ما قدمنا في عقد المذهب لكفيت نفسك مؤنة هذه الأسئلة
الفارغة
قوله تعالى والسارق (11) والسارقة خاص باتفاق السلف من الصحابة لا

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) عظم الشئ أكثره ومعظمه - صحاح الجوهري 2 / 314
(3) لفظ د " واستعملوه ".
(4) لفظ ح " الناس ".
(5) لفظ د " سمع ".
(6) لفظ ح " سمع ".
(7) في د " إليها " وهو تصحيف.
(8) الآية 38 من سورة المائدة.
(9) خبر المجن يريد به ما روي عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم ".
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " قيل لعائشة رضي الله عنها ما ثمن
المجن؟ قالت: ربع دينار. رواه النسائي.
راجع المنتقي 650، 651 ونيل الأوطار 7 / 140 وبدائع الصنائع 9 / 4252 ومعالم السنن للخطابي فقرة
4220، 4221 بهامش مختصر تهذيب سنن أبي داود.
(10) في لفظ د " بالقليل ".
(11) في د " السارق " وهو خطأ.
184

حتى فيه بينهم (1) وإنما اختلفوا في مقدار ما يقع فيه فقال بعضهم عشرة وقال بعضهم
خمسة وقال آخرون منهم أربعة وقال آخرون منهم ثلاثة فحصل حكم اللفظ خاصا
باتفاقهم ومع ذلك فقد سوغ كل فريق منهم لغيره الاجتهاد (2) في المقدار (3) الذي قدره
فجاز تخصيصه بخبر الواحد من وجهين
أحدهما اتفاق الجميع على خصوصه
والآخر تسويغهم تعالى الاجتهاد في ترك ظاهره
ومن قال إنه يقطع في القليل والكثير لا يعد خلافا في هذا الباب بل هو شذوذ ولا
يلتفت إليه
ثم يصير الكلام حينئذ بيننا وبين هذا السائل في (4) صفة الاجماع وليس ذلك من
مسألتنا في شئ
وقد ذكر بعض المخالفين عنا في هذا الباب أشياء ليست مما نقوله ولا يحتج به وليس هو
في حد من يتشاغل به أيضا ولكنا نذكر منه طرفا يكون فيه تنبيه للمبتدئ على
موضع عواره (5) وفساد ما احتج به (6)
ذكر اخبارا زعم انا قبلناها فتركنا لها (7) الأصل الذي ذكرناه وليس يتعلق
قبولها فيما (8) نحن فيه بشئ (9) ويشبه ان يكون وجدها لبعض سلفه فنقلها إلى هذا
الموضع من غير علم منه بحقيقة موضعها (10) قد ذكرناها وبينا ذهابه عن وجه الصواب فيها

(1) عبارة د " بينهم فيه ".
(2) عبارة د " الاجتهاد لغيره ".
(3) لفظ ح " مقدار ".
(4) في ح " من ".
(5) العوار العيب يقال سلعة ذات عوار بفتح العين وقد تضم والعوار القذي في العين يقال بعينه عوار أي قذي
والعوار أيضا الجبان والجمع العواوير. والعورة سوءة الانسان وكل ما يستحيا منه والجمع عورات وعورات
بالتسكين وإنما يحرك الثاني من فعله في جمع الأسماء إذا لم يكن ياء أو واوا والعوراء الكلمة القبيحة وهي السقطة.
صالح الجوهري 1 / 372.
(6) ما بين القوسين ساقط من د.
(7) في د " فيها ".
(8) عبارة ح " يتعلق قولها مما ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ ح " موجبها ".
185

لئلا يمر على بعض المبتدئين فيظنها شبه لأن من به (1) أدنى مسكة (2) من (3) فهم لا يخفى
عليه فسادها
منها انه ذكر حديث أبي فزارة (4) في الوضوء بالنبيذ وقال كان أبو فزارة نباذا فتركوا
حكم القرآن زعم في قوله تعالى فلم (5) تجدوا ماء فتيمموا صعيد طيبا (6) فقال (7) معناه
ماء أو نبيذ التمر (8)

(1) كتبت هذه العبارة في ح " لازمية " ولا معنى لها.
(2) يقال فيه مسكة من حير بالضم اي بقية، والمسكة أيضا من البئر الصلية التي لا تحتاج إلى طي صحاح
الجوهري 2 / 144
(3) في د " في ".
(4) هو راشد بن كيسان، روي عن ميمون بن مهران وعبد الرحمن بن أبي ليلي وجماعة، وروي عنه حماد بن زيد
والثوري وأبو نعيم وطائفة. قال أبو حاتم: صالح الحديث وقال ابن حبان: في الثقات. ربما أخطأ، ويكني
أبا فزارة، وقال أبو زرعة: حديث أبي فزارة ليس بصحيح، هكذا سمعه ابن أبي حاتم. يقول، وقال ابن
معين ثقة.
انظر ميزان الاعتدال 2 / 35 والكنى للدولابي 2 / 82.
(5) في النسختين " فان لم تجدوا " وهو خطأ.
(6) الآية 43 من سورة النساء و 6 / من سورة المائدة.
(7) لفظ د " فقالوا ".
(8) لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر لتغير طعم الماء وصيرورته مغلوبا بطعم التمر فكان في معنى الماء المقيد. وبه أخذ
أبو يوسف وقال: لا يجوز التوضؤ به ألا أن أبا حنيفة ترك القياس بالنص وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه فجوز الوضوء به.
وروي نوح في الجامع المروزي عن أبي حنيفة انه رجع عن ذلك وقال: لا يتوضأ به ولكنه يتيمم وهو الذي
استقر عليه قوله. كذا قال نوح وبه أخذ أبو يوسف ومالك والشافعي.
واحتج هؤلاء بقوله تعالى " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " نقل الحكم من الماء المطلق إلى التراب فمن نقله
إلى النبيذ ثم من النبيذ إلى التراب فقد خالف الكتاب.
وطعنوا في حديث ابن مسعود، وهو مراد الجصاص من قوله " حديث أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ " فقالوا: هذا
من رواية أبي فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود، وأبو فزارة هذا كان نباذا بالكوفة، وأبو زيد مجهول، وطعنوا
بطعون أخرى وكثرت الردود في هذه المسألة، والذي يهمنا من هذا أن كلام الجصاص في أبي فزارة صحيح فإنه
قد ذكره مسلم في الصحيح فلا مطعن لاحد فيه أما أبو زيد فقد قال صاعد هو من زهاد التابعين، على أن هذا
الحديث قد روي من طرق أخر غير هذا الطريق لا يتطرق إليها طعن. وراجع ملابسات الموضوع والإحاطة
بمباحثه في بدائع الصنائع 1 / 114 فما بعدها.
على أنه لابد من معرفة تفسير نبيذ التمر الذي فيه الخلاف، وهو أن يلقي شئ من التمر في الماء فتخرج حلاوته
إلى الماء، وهكذا ذكر ابن مسعود رضي الله عنه فقال: ثمرات ألقيتها في الماء، لان من عادة العرب أنها تطرح
التمر في الماء الملح ليحلو فما دام حلوا رقيقا أو قارصا يتوضأ به عند أبي حنيفة، وان كان غليظا لا يجوز التوضؤ به
بلا خلاف. وكذا ان كان رقيقا لكنه غلا واشتد وقذف بالزبد، لأنه صار مسكرا والمسكر حرام فلا يجوز التوضؤ به
به ولأن الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رقيقا حلوا فلا يلحق به الغليظ والمر.
نبه على ذلك الكاساني في بدائع الصنائع 1 / 118 وانظر أصول السرخسي 1 / 145، 2 / 153 وتأسيس
النظر 40
186

وأما قوله ان أبا فزارة كان نباذا فإنه كذب وترخص على أبي فزارة لأن أبا فزارة كان
من الزهاد
وحدثنا بذلك عبد الباقي بن قانع (1) في كتابه المشهور (2) الذي صنفه في الطبقات
وله أحاديث كثيرة قد نقلها عنه الأئمة مثل سفيان الثوري (3) وشعبة (4)
وإسرائيل (5) وشريك (6) (7) في نظرائهم ولو كان نباذا ما نقلوا عنه آثار النبي صلى الله عليه وسلم فهذا

(1) لفظ ح " نافع " وهو تصحيف.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د
(3) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري من بني ثور بن عبد مناة. من مضر، أبو عبد الله ولد سنة 67 هجرية توفي
في 161 هجرية أمير المؤمنين في الحديث كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى ولد ونشأ في الكوفة وراوده
المنصور العباسي ان يلي الحكم فأبي وخرج من الكوفة سنة 144 هجرية فسكن مكة والمدينة ثم طلبه المهدي
فتواري وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا.
له من الكتب " الجامع الكبير " و " الجامع الصغير " كلاهما في الحديث وكتاب في " الفرائض ".
انظر ترجمته في دول الاسلام 1 / 84 وابن النديم 1 / 225 وابن خلكان 1 / 210 والجواهر المضيئة 1 / 250
وطبقات ابن سعد 6 / 257 والمعارف 217 وذيل المذيل 105 وتاريخ بغداد 9 / 151 وصيد الخاطر 175 انظر
الاعلام 3 / 158 منهج المقال 164 تهذيب التهذيب 4 / 111 أعيان الشيعة 35 / 137 وروضات الجنات 316
منتهى المقال 148 تنقيح المقال 2 / 36 انظر معجم المؤلفين 4 / 234.
(4) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم، الواسطي ثم البصري، أبو بسطام ولد في 82 وتوفي في
160 هجرية. من أئمة رجال الحديث حفظا ودراية وتثبتا. ولد ونشأ بواسط، وسكن البصرة إلى أن توفي، وهو
أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين وجانب الضعفاء والمتروكين، وكان عالما بالأدب والشعر، وله كتاب
" الغرائب " في الحديث.
راجع ترجمته في: تهذيب التهذيب 4 / 338 والمستطرفة 85 وحلية الأولياء 7 / 144 وذيل المذيل 104 وتاريخ
بغداد 9 / 255 والمناوي 1 / 120، انظر الاعلام 3 / 242.
(5) إسرائيل بن موسى البصري أبو موسى نزيل النهدي، وثقة أبو حاتم له في البخاري حديث مكرر في أربعة
مواضع. خلاصة تهذيب الكمال 26.
(6) لعله شريك بن عبد الله النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي الحافظ الصادق ثقة أحد الأئمة، روي عن علي بن
الأقمر وزياد بن علاقة وعدة من التابعين، وقد اخرج مسلم لشريك متابعة، ومات سنة سبع وسبعين ومائة.
انظر: ميزان الاعتدال 2 / 274 والمغني في الضعفاء 297.
(7) عبارة د " شريك وإسرائيل ".
187

يدل على كذب هذا القائل وقلة دينه (1)
وأما قوله ان هذا الحديث خلاف ما تضمنه قوله تعالى تجدوا ماء فتيمموا (2)
فليس كذلك لأن الآية أوجبت التيمم عند عدم كل جزء من ماء لأن قوله ماء لفظ منكور
يتناول كل جزء منه على الانفراد سواء كان منفردا بنفسه أو مخالطا لغيرة ولا يمتنع أحد أن
يقول في نبيذ التمر ماء فجاء الخبر موافقا لمنى الظاهر غير مخالف له وعلى انه ليس في قبول
خبر الوضوء بنبيذ التمر تخصيص لعموم ولا ظاهر لأن الله تعالى قال فاغسلوا ولم يقل بماذا
والحال التي يجب فيها استعمال الماء ونبيذ التمر غير مذكور بلفظ عموم فإنما ورد الخبر
في تبقية حكم الماء الذي تضمنته الآية
وذكر حديث القهقهة فقال وقد قال الله عز وجل تبطلوا أعمالكم (5)
فأبطل (6) طهارته (7) بحديث أبي العالية الرباحي (1) وحديثه زعم كالرياح (2)

(1) لا داعي لهذا التشنيع على الخصم ووصفه بالنباذ لا يضيره ولا يضعفه إذ هو حتما محمول على النبيذ المعهود وهو
القاء شئ من التمر في الماء لتخرج حلاوته إلى الماء، ولا يحمل على النبيذ المشدتد الذي يقذف بالزبد فإنه محرم
قطعا ولا يعقل ان يوصف به أبو فزارة.
(2) الآية 43 من سورة النساء و 6 من سورة المائة. وفي د إضافة " صعيدا ".
(3) لفظ ح " والنبيذ ".
(4) لفظ د " وقال ".
(5) الآية 33 من سورة محمد.
(6) لفظ ح " قابطل ".
(7) اختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان يقهقهه، فذهب الشافعية وجمهور العلماء أنه لا ينقض الوضوء،
وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسى الأشعري وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم.
فقد روي جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، وروي حديث
جابر مرفوعا وموقوفا على جابر ورفعه ضعيف، قال البيهقي وغيره، الصحيح أنه موقوف على جابر وذكره
البخاري في صحيحه عن جابر موقوفا عليه ذكره تعليقا، وروي البيهقي عن أبي الزناد قال أدركت من فقهائنا
الذين ينتهي إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن
زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار ومشيخة جلة سواهم يقولون: الضحك في الصلاة
ينقضها ولا ينقض الوضوء، قال البيهقي وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري، وحكاه أصحابنا عن
مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.
وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة ينقض الوضوء، وعن الأوزاعي روايتان
وأجمعوا ان الضحك إذا لم يكن قهقهة لا يبطل الوضوء وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء.
واحتجوا بما روي عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري ومعبد الجهني وإبراهيم النخعي والزهري ان رجلا
أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فتردي في بئر، فضحك طوائف من الصحابة، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ضحك ان
يعيد الوضوء والصلاة.
وعن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصلاة والوضوء " ولأنها عبادة يبطلها
الحديث فأبطلها الضحك كالصلاة.
والذي نرجحه: عدم نقض الوضوء بالقهقهة لحديث جابر، ولأن الضحك - كما قالوا - لو كان ناقضا لنقض في
الصلاة وغيرها كالحديث، ولأنها صلاة شرعية فلم ينقض الضحك، فيها الوضوء كصلاة الجنازة فقد وافق عليها
الخصوم والمعتمد ان الطهارة صحيحة، ونواقض الوضوء محصورة فمن ادعى زيادة فليثبتها ولم يثبت في النقض
بالضحك شئ أصلا.
وأما ما نقلوه عن أبي العالية ورفقته وعن عمران بن الحصين وغير ذلك، مما رووه، فقد قال العلماء كلها ضعيفة
واهية باتفاق أهل الحديث، وقد بين البيهقي وغيره وجوه ضعفها بيانا شافيا فلا حاجة إلى الإطالة بتفصيله مع
الانفاق على ضعفها.
وأما قياسهم فلا يصح لان الاحداث لا تثبت قياسا لأنها غير معقولة العلة، ولو صح لكان منتقضا بغسل الجنابة
فإنه يبطله خروج المني ولا يبطله الضحك في الصلاة بالاجماع.
راجع المجموع 2 / 64 - 66 وبدائع الصنائع 1 / 151 وأصول السرخسي 1 / 145 والتلويح 1 / 217 وانظر
كلام الحنفية في نصب الراية 1 / 47 - 54
188

وهذا يدل على غباوته وجهله بهذا الباب لأنه لا خلاف بين أهل العلم في جلالة محل
أبي العالية وصدقه وأمانته وإن كان هذا الحديث قد روي موصولا (3) من عدة وجوه من غير
طريق أبي العالية (4) رواه (5) عمران بن حصين (6) وأنس (7) وجابر (8) ورواه مرسلا (9)

(1) هو رفيع أبو العالية الرياحي له ترجمة في كامل ابن عدي وهو ثقة. انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2 / 54 والكنى
للدولابي 2 / 20 =
(2) قوله: وحديثه - زعم كالرياح، تفيدنا هذه الجملة أن الكلام السابق كله في الرد على الإمام الشافعي، فان
هذه الجملة من كلامه كما ذكرها الذهبي في ميزان الاعتدال قال: قول الشافعي - رحمه الله حديث أبي العالية
الرياض كالرياح - وأولها الذهبي فقال: إنما أراد به حديثه الذي أرسله في القهقهة فقط، ومذهب الشافعي أن
المراسيل ليست بحجة فأما إذا أسند أبو العالية فحجة. ميزان الاعتدال 2 / 54.
(3) الموصول: هو ما اتصل اسناده مرفوعا كان أو موقوفا على من كان.
انظر تدريب الراوي 1 / 183.
(4) بينا عدم صحة الوصل الذي يدعيه الجصاص - راجع هامش 7 صفحة 149
(5) ح لفظ " رواية ".
(6) ذكرنا رواية عمران بن الحصين " الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصلاة والوضوء ". راجع هامش 7
صفحة 149 وما بعدها.
(7) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الإمام أبو حمزة الأنصاري البخاري المدني خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وله
صحبة طويلة وحديث كثير وكان آخر الصحابة مات سنة 91 على خلاف في سنة وفاته. انظر ترجمته في طبقات
189

الحسن (10) وأبي العالية وإبراهيم (1) والزهري (2)
وعلى أنه ليس قبول هذا الخبر مما (3) نحن فيه في شئ (4) لأنا لم نخص به ظاهرا ولا
عموما لأن قوله تعالى تبطلوا أعمالكم ظاهره (5) نهي الانسان عن أن يبطل عمله ونحن
لم (6) نبطل عمله بالقهقهة وإنما أبطله الله الذي حكم ببطلانه (7)
وأيضا فإنه (8) معلوم انه لا سبيل لأحد إلى إبطال عمله في الحقيقة لأن عمله الذي

ابن سعد 7 / 10 وتهذيب ابن عساكر 3 / 139 والجمع 35 وصفة الصفوة 1 / 298 انظر الاعلام 1 / 266
وتذكرة الحفاظ 1 / 38 =
(8) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري السلمي يكنى أبا عبد الله وأبا
عبد الرحمن وأبا محمد ولد في سنة 16 قبل الهجرة أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وله ولأبيه صحبة وهو ممن شهد
العقبة ومات بالمدينة واختلف في سنة وفاته فقيل سنة ثمان وسبعين. وقيل سنة ثلاث وقيل سنة سبع. رابع
ترجمته في الإصابة 1 / 222 وذيل المذيل 22 وتهذيب الأسماء 1 / 142 وانظر الاعلام 2 / 92 =
(9) المرسل هو قول التابعي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا أو فعله. وأنظر الكلام فيه في تدريب الراوي 1 / 195
(10) يريد به الحسن البصري بدليل الروايات السابقة راجع هامش 7 صفحة 149 وما بعدها. وهو الحسن بن
يسار البصري أبو سعيد تابعي كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنة، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء
الشجعان النساك ولد بالمدينة وشب. راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 1 / 254 وحلية الأولياء 2 / 131 وذيل
المذيل 3. وآمال المرتضى 1 / 106 الاعلام 2 / 242.
(1) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران النخعي، من أكابر التابعين صلاحا وصدق رواية وحفظ
للحديث من أهل الكوفة مات متخفيا من الحجاج. قال فيه ابن الصلاح الصفدري فقيه العراق كان إماما مجتهد
له مذهب ولما بلغ الشعبي موته قال: ما ترك بعده مثله. ولد في 46 وتوفي في 96 هجرية انظر حلية الأولياء
4 / 219 وضوء المشكاة - خ - وتاريخ الاسلام 3 / 335 وطبقات القراء 1 / 29 انظر الاعلام 1 / 76
(2) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري من بني زهرة بن كلاب من قريش أول من دون الحديث
وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء، تابعي من أهل المدينة كان يحفظ الفين ومائتي حديث. نصفها مسند. تذكرا
الحفاظ 1 / 102، ووفيات الأعيان 1 / 451 وتهذيب التهذيب 9 / 445 وغاية النهاية 2 / 262 وحلية الأولياء
3 / 360 والمرزباني 413 وتاريخ الاسلام 5 / 136 وكشف الظنون 1460، 1747.
انظر معجم المؤلفين 12 / 21 والاعلام 7 / 317
(3) في د " فيما ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " ظاهر ".
(6) سقطت هذه الزيادة من ح
(7) لفظ ح " بطلانه ".
(8) في ح " انه ".
190

قد عمله منتقض (1) معدوم (2) لا يصح النهي عن إبطاله فإذن ليس المراد النهي عن ابطال
العمل في الحقيقة وإنما معناه النهي عن أن يفعل من المعاصي ما يبطل ثواب عمله وهذا
ليس بظاهر ولا مذكور في لفظ الآية
فكيف يكون قبول حديث (3) القهقهة تخصيصا لظاهر
وأيضا لو كان الظاهر يتناول (4) فعلنا على ما زعمت وخصصناه بخبر الواحد كان
مستقيما على أصلنا لأن العام الذي قد ثبت خصوصه بالاتفاق يجوز أن يخص منه بعض ما
انتظمه العموم بخبر الواحد
ثم خلط تخليطا آخر فقال وقبلوا شهادة القابلة وحدها
وأي (5) ظاهر يمنع قبول شهادة القابلة في الولادة حتى يذكر في هذا الموضع
وإنما ذكر الله تعالى الشهادات في المداينات والوصية في السفر والرجعة والزنا
فأما الشهادة على (6) الولادة فلا ذكر لها في القرآن فنكون بقبولنا (7) شهادة القابلة
مخصصين لها (8)

(1) لفظ " مقتضي ".
(2) في ح زيادة واو
(3) لفظ ح " لفظ ".
(4) لفظ د " تناول ".
(5) في ح " أبي " وهو تصحيف.
(6) في د " في " (7) لفظ النسختين " تقبلون ".
(8) قال في المغنى: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في قبول شهادة النساء المفردات في الجملة، والذي تقبل فيه
شهادتهن منفردات خمسة أشياء الولادة والاستهلال والرضاع والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة
والثيابة والبرص وانقضا العدة.
وعند أبي حنيفة لا تقبل شهادتهن منفردات على الرضا لأنه يجوز أن يطلع عليه محارم المرأة من الرجال فلم
يثبت بالنساء منفردات كالنكاح
وحكي عن أبي حنيفة أيضا ان شهادة النساء المنفردات لا تقبل في الاستهلال لأنه يكون بعد الولادة وخالفه
صاحباه وأكثر أهل العلم لأنه يكون حال الولادة فيتعذر حضور الرجال فأشبه الولادة.
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، ورواه أحمد وسعيد بن منصور إلا
أنه من حديث جابر الجعفي وأجازه شريح والحسن والحارث العكلي وحماد.
المغنى مع الشرح الكبير 12 / 15 - 16.
191

وزعم هذا القائل أنا لا (1) نقبل خبر الشاهد واليمين وقد رواه زعم بضعة عشر (2)
من الصحابة وليس بمخالف للقرآن لأن الله تعالى إنما ذكر كيف نتوثق النبي وهذه قضية (3)
قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم
فأما قوله قد رواه بضعة عشر (4) فإنه قد حدثني رجل من كبار أهل المعرفة بالحديث
أنه (5) اجتهد في أن يجد في الشاهد واليمين حديثا واحدا صحيحا فلم يجده
وقد بينا (6) في شرح المختصر (7) علل الأحاديث المروية فيه وقال الزهري وهو من أفقه
أهل المدينة في عصره القضاء (8) بالشاهد واليمين بدعة (9) وإن أول من قضى

(1) سقطت هذه الزيادة من د وهو تحريف.
(2) لفظ ح " عشرة ".
(3) لفظ ح " قصة ".
(4) لفظ ح " عشرة ".
(5) في د " بأنه ".
(6) لفظ ح " بيناه ".
(7) المراد به كتاب الجصاص " شرح مختصر الطحاوي " وراجع الفهرست لابن النديم 293 ومفتاح السعادة
2 / 183.
(8) في ح كتبت " القضي ".
(9) وكلام الجصاص هنا مردود فقد اخرج مسلم عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشاهد، راجع
صحيح مسلم كتاب الأقضية حديث رقم 3 (12 / 3).
واخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين والشاهد. ولهذا الحديث طرق أخر عن
جابر وعن علي قال الحافظ في الفتح عن حديث أبي هريرة رجاله مدنيون ثقات ولا يضره ان سهل بن ابن
صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه.
وروي ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح، وقال ابن رسلان في شرح السنن إنه صحيح حديث
الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت.
وقد رواه الترمذي عن عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد " الصادق " عن أبيه عن جابر، وحديث جابر أخرجه
احمد وابن ماجة. قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه هو مرسل أي حديث جابر، لكن قال الدارقطني كان
جعفر ربما أرسله وربما وصله، وجعفر ثقة بل إمام، وقال الشافعي والبيهقي عبد الوهاب وصيله وموثقة، وقد
صحح حديث جابر أبو عوانه وابن خزيمة. قال الحافظ أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس، قال ابن
عبد البر: لا مطعن لاحد في إسناده، وقال: لا خلاف بين أهل المعرفة في صحته. راجع عون المعبود كنار
الأقضية باب 10 (9 / 31) وتحفة الأحوذي كتاب الأحكام باب 13 (3 / 618) و (4 / 572، 573، 574)
وابن ماجة كتاب الأحكام باب 31 (2 / 793) والموطأ كتاب الأقضية الأحاديث رقم 5، 6، 7 (1 / 1449
واحمد 3 / 3 / 205 و و 5 / 285 ونيل الأوطار 8 / 318 وقد استوفى الموضوع فيه وكشف الاسرار 3 / 11 واليمين
مع الشاهد عند مالك والشافعي في الأموال خاصة وزاد الشافعي وفي العتق وأبو حنيفة لا يرى القضاء بشاهد
ويمين في شئ. راجع أقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 106.
192

به (1) معاوية
وعلى أنه لو ثبتت الرواية لما لزم العمل به لو انفرد عن مخالفته القرآن وذلك لأن أكثر
ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد فهذه حكاية قضية مند عليه السلام (2) لا
يعلم كيفيتها ولا معناها وقد نقضي نحن بالشاهد واليمين في وجوه
فالاحتجاج به ساقط إذ ليس هو عموم لفظ منه (3) فيعتبر ما انتظمه اسمه
وليس الخصم بأولى بدعواه في صرفه إلى مذهبه دون أن أحمله على وجه يوافق
مذهبي فكيف به مع مخالفته في حكم الكتاب إذا حمله على مذهب المخالف
وأما (4) قوله إنه (5) ليس بمخالف للقرآن فقد صدق لأن الخبر (6) حمل (7) على الوجه
الذي يجب (8) حمله (9) عليه فليس من ظاهره ما يخالف القرآن إلا أن مذهب المخالف فيه
خلاف القرآن لأن (10) قوله تعالى شهيدين من رجالكم (11) لا يخلو من أن يكون
المراد به حال المداينة أو حال الحكم عند التجاحد وظاهره يقتضي الحالين جميعا
وعلى أنه إن كان المراد التوثق بهما (12) في حال المداينة فإنما المقصد فيه حال الحكم عند

(1) في ح " بها ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في د " فاما ".
(5) في ح " إذ ".
(6) في ح " من ".
(7) لفظ د " حمله ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) لفظ ح " يحمله ".
(10) في ح " لا " وهو تحريف.
(11) الآية 282 من سورة البقرة وكتبت في النسختين " فاستشهدوا " وهو خطأ.
(12) في ح " لهما ".
193

التجاحد فلا محالة أنه قد أفاد وجوب الحكم بشهادة (1) رجلين أو رجل وامرأتين عند
التجاحد والأمر على الوجوب فغير جائز الاقتصار على أقل من من العدد المذكور ومن
حكم بأقل منه فقد خالف القرآن كما أن من حكم بشهادة شاهد (2) واحد بغير يمين كان
مخالفا للقرآن ويمين الطالب لا ذكر لها في الآية فوجودها وعدمها واحد (3) فلم ينفك
الحكم (4) بالشاهد واليمين من مخالفة حكم القرآن
وكما أن من جوز أن يكون حد الزاني أقل من مائة كان مخالفا للقرآن تاركا لحكمه
فكذلك من اقتصر في المداينة على أقل من الشهود المذكورين في الآية فقد خالف حكمها
وليس هذا من التخصيص في شئ لأنه ليس فيه عموم لفظ ينتظم مسميات فيخصه
بالخبر
فإن قيل خص به حالا (5) دون حال
قيل له الحال غير مذكورة في الآية فيخصها بالخبر فليس فيه إذن أكثر من ذكر (6)
العدد المذكور فيها
فإن قيل لو جمع بين الخبر والآية لم يستحل (7) لأنه لو قال أو رجل وامرأتان أو (8) شاهد
ويمين كان صحيحا
قيل له ليس كل ما (9) يجوز أن يجمعه إلى ما قبله في خطاب واحد يجوز الحاقه به
بخبر الواحد لأنه كان لا (10) يمتنع أن يقول صلوا إن شئتم إلى بيت المقدس وإن شئتم
إلى الكعبة ثم لم يمنع جواز ذلك من أن تكون الصلاة إلى بيت المقدس منسوخة بالصلاة
إلى الكعبة
وكان لا يمتنع أن يقول إن شئتم فاجلدوا الزاني مائة وإن شئتم تسعين فكان يكون

(1) لفظ ح " بشهادة ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ د " بمنزلة ".
(4) لفظ ح " الحكم ".
(5) لفظ د " حال ".
(6) لفظ ح " ترك ".
(7) لفظ ح " يستعمل ".
(8) في ح " و ".
(9) في النسختين " كلما " متصلة.
(10) سقطت هذه الزيادة من ح.
194

مقدار الضرب موكولا إلى مشيئة الامام ومع ذلك لا يخرج من قال إن حد الزاني تسعون من
أن يكون مخالفا للقرآن
وقد كان يجوز أن يقول أو رجل وامرأتان أو رجل إن لم يكن رجل وامرأتان من غير
يمين ولا يخرج جواز ذلك قائله الآن من أن يكون مخالفا للقرآن وهذا لا يخفي وجه فساد
القول به على أي فهم
فإذا ثبت ذلك لم يجز مخالفة (1) القرآن بخبر الواحد فقد صح أن القول بالشاهد
واليمين خلاف الكتاب وهذا أبعد في الجواز من تخصيص الظاهر بخبر الواحد لأن هذا ليس
فيه تخصيص بوجه وإنما فيه النسخ لو ثبت على هذا الوجه لما بيناه (2)
وعلى أنه لو ثبت الحكم بالشاهد واليمين من جهة الرواية لما جاز الاعتراض به على
الآية من جهة أخرى وهي ان حكم الآية مستعمل عند الجميع لا خلاف بين المسلمين
فيه والحكم بالشاهد واليمين مختلف فيه فيكون منسوخا بالآية لأنه ليس مع الخصم تاريخ
الحكم أنه كان بعد نزول الآية أو قبلها وما كان هذا سبيله فالمستعمل (3) فيه ما اتفقوا عليه
وهو الآية وما اختلفوا فيه من حكم الخبر فهو متروك بالآية إذ لم (4) يثبت أنه ناسخ لها
فإن قال قائل يجوز ان الحكم بالشاهد واليمين وارد مع الآية فلا يكون
ناسخا لها (5)
قيل له لا يجب ذلك من وجوه
أحدهما (6) ان من أصلنا أنه لا يجوز ان يلحق بحكم (7) الآية من الزيادة إلا بما يجوز
بمثله النسخ لأن الآية توجب العلم وخبر الواحد لا يوجبه فلا يعترض به عليها لما بينا
ووجه آخر وهو أنه لو كان الحكم بالشاهد واليمين واردا مع الآية لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم
بيانه وذكره عقيب الآية ولكان يكون فيه عموم لفظ يوجب الحاقه بالآية

(1) لفظ ح " مخالفته ".
(2) عبارة " بما بينا ".
(3) لفظ ح " فمستعمل ".
(4) في ح " ولم ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ د " أحدهما ".
(7) لفظ د " حكم ".
195

فلما لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك بيان وانما ذكر فيه قضية منه فلو كان مرادا (1) مع الآية
لما أخر بيانه إلى أن يختصم إليه فيقضي
فثبت أن حكم الآية مقر على ما ورد وأن خبر الشاهد واليمين أكان معناه (2)
ما ادعاه فلا يخلو من أن يكون قبل الآية أو بعدها
فإن كان قبلها فهو منسوخ بها وإن كان بعدها فالآية منسوخة به ولا يجوز نسخ
القرآن بخبر الواحد بالاتفاق
وأيضا فإن ما (3) ذكر في خبر الشاهد واليمين حكاية فعل من النبي صلى الله عليه وسلم في قضية
مجهولة لا ندري كيف كانت ومثلها لا يعترض به على الآية من وجهين
أحدهما أن البيان لا يقع بمثله لأن البيان إنما يقع بلفظ معلوم المعنى ظاهر المراد ولا
يجوز أن يكون (4) موكلا إلى قضية إذا نقلت عنه كانت مجهولة عندهم
والوجه الآخر أنه يكون (5) زيادة في حكم الآية لأنها تقتضي أن تكون بيانا لمراد
الله تعالى في هذه الزيادة مع ما ذكر في الآية ولا يجوز أن يكل النبي صلى الله عليه وسلم الناس (6) إلى مثل
هذه القضية مع علمه أن الله تعالى لم (7) يقتصر بحكم البيان (8) على ما ذكر في الآية دون
ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم
فدل ذلك على أن خبر الشاهد واليمين لم يرد مورد الزيادة (9) في حكم الآية واثبات
حكمه (10) معها وأنه لا يخلو أن يكون قبل الآية أبو بعدها
فإن كان قبلها فهو منسوخ بها وإن كان بعدها فهو ناسخ لها ونسخ الآية بخبر الواحد
غير جائز

(1) لفظ د " ورد ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) كتبت في النسختين " فإنما " متصلة.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " ان تكون ".
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) سقطت هذه الزيادة من ح.
(8) لفظ د " البيان ".
(9) لفظ د " البيان ".
(10) لفظ ح " حكمها ".
196

وعلى ان ما كان هذا سبيله بزيادة فهو نسخ وذلك لأنه (1) يلزمنا عند ورود الآية اعتقاد
وجوب الحكم بالعدد المذكور فيها أو امتناع جوازه بأقل منه لأنه لا اشكال على أي عقل
سمع الآية إلا و (2) انها تمنع الحكم بشهادة رجل واحد (3) وبشهادة امرأة واحدة
فمتى ورد خبر أجاز الحكم بشهادة رجل واحد فقد دفع ذلك الاعتقاد الذي لزم مع
ورود (4) الآية وهذا هو حقيقة النسخ
فإن قال قائل يلزمك على هذا أن يكون التخصيص نسخا لأن العموم قد ألزمنا
اعتقاد لزوم الحكم به ووروده ما يوجب التخصيص يرفع (5) ذلك الاعتقاد
وقد يجوز عندك (6) تخصيص العموم بالقياس فلزمك على هذا تجويز النسخ
بالقياس
قيل له ما يوجب تخصيص العموم من لفظ أو دلالة فلابد من أن يكون مقارنا للفظ
العموم ولا جائز أن يتأخر عنه فلم يلزمنا مع وجود دلالة الخصوص اعتقاد العموم قط
وتكون دلالة الخصوص (7) بمنزلة الاستثناء المتصل بالجملة
وقد ذكرنا فيما سلف أن الله تعالى لا يخلي أحدا محجوجا بحكم آية ظاهرها ظاهر
العموم ومراده الخصوص من أن يورد عليه دلالة الخصوص عقيب كونه محجوجا بالعموم وإنه
غير جائز أن يتأخر عنه بيان ذلك لأنه يوجب أن يكون قد ألزمه اعتقاد العموم فيما أراد به
الخصوص فكأنه أمر باعتقاد خلاف ما أراد وما هو حكمة جل وعز (8) عن (9) ذلك
وتعالى
فوجب (10) أن تكون دلالة التخصيص مقترنة بلفظ العموم كاقتران الاستثناء
بالجملة

(1) في د " لا ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) عبارة د " ورود ".
(5) لفظ د " يدفع ".
(6) لفظ ح " عندنا ".
(7) سقطت هذه الزيادة من ح.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ د " يوجب ".
197

فإن قال قائل قد وردت في صيام كفارة اليمين شرط التتابع و (1) وروده من طريق
الآحاد لما روي أنه (2) في حرف عبد الله بن مسعود فصيام (3) ثلاثة أيام متتابعات (4)
فمنعت به (5) اطلاق ما في الآية وهذا يجري عندك (6) مجرى النسخ وماعد هو مخالفك في
الشاهد واليمين والنفي مع الجلد (7) ما أجزته في ذلك
قيل له لم يكن حرف عبد الله بن مسعود (8) عندهم واردا من طريق الآحاد لأن
أهل الكوفة في ذلك الوقت كانوا يقرءون بحرف عبد الله كما يقرءون بحرف زيد
وقال إبراهيم النخعي كانوا يعلمونا ونحن في الكتاب حرف عبد الله كما يعلمونا

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " فصيام " وهو تصحيف.
(4) الآية 89 من سورة المائدة.
أخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في آية كفارة اليمين قال هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول
فالأول فان لم يجد شيئا من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
واخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله نحن بالخيار. قال أنت
بالخيار ان شئت أعتقت وان شئت كسوت وان شئت أطعمت فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات واخرج ابن
أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن
أبي بن كعب أنه كان يقرؤها فصيام ثلاثة أيام متابعات.
واخرج مالك والبيهقي عن حميد بن قيس المكي وفي آخرها... انها في قراءة أبي بن كعب متابعات.
واخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري وأبو الشيخ والبيهقي من
طرق عن ابن مسعود انه كان يقرؤها فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
واخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود انه كان يقرأ كل شئ في القرآن متتابعات واخرج أبو عبيد وابن المنذر من
ابن عباس انه كان يقرؤها فصيام ثلاثة أيام متتابعات. ويستفاد من ذلك أن قراءة متتابعات تفيد مطلق الصوم
وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو أحد قولي الشافعي.
وقال مالك والشافعي في قوله الاخر يجزئ التفريق، وهو الصحيح فالظاهر أنه لا يشترط التتابع.
راجع في ذلك الدر المنثور 2 / 314 والقرطبي 6 / 283 واحكام القرآن لابن العربي 2 / 654 وفتح البيان 3 / 82
والموطأ حديث رقم 49 / (2 / 447) وتفسير ابن كثير 2 / 90.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) عبارة د " عندك يجري ".
(7) لفظ ح " الحكمة " وهو تحريف.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
198

حرف (1) زيد (2)
وكان سعيد بن جبير (3) يصلي بهم في شهر رمضان فيقرأ ليلة بحرف عبد الله وليلة
بحرف زيد
فإنما (4) أثبتوا هذه الزيادة بحرف عبد الله لاستفاضته وشهرته عندهم في ذلك العصر
وإن كان إنما نقل إلينا الآن (5) من طريق الآحاد لأن الناس تركوا القراءة به (6) واقتصروا
عنه على غيره وإنما (7) كلامنا على أصول القوم وهذا صحيح على أصلهم
وقد بينا هذه المسائل في شرح المختصر بأكثر من هذا وإنما ذكرنا (8) هاهنا مقدار
ما يوقف به على طريقة العموم (9) في هذا الباب
وقد بينا فيما سلف وجه قبولنا لخبر (10) الواحد في تخصيص العموم الذي ثبت
خصوصه بالاتفاق بما يغني عن إعادته
ونحن نبين الآن سائر الوجوه التي جوزنا تخصيصها بخبر الواحد على حسب ما تقدم
منا القول فيه (11)

(1) لفظ ح " حرف ".
(2) سقطت هذه الزيادة من د. ولم ذكر لزيد رواية هنا.
ويريد زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري. أبو سعيد، لم يشهد بدر الصغر سنه وشهد أحدا والخندق، وكان
من كتاب رسول الله صلى عليه وآله وسلم، ثم كتب لأبي بكر وعمر وقد أمره أبو بكر بجمع القرآن ففعل. توفى سنة 45
هجرية.
انظر ترجمته في: الاستيعاب 2 / 772 ط. دار النهضة المصرية.
(3) سعيد بن جبير الأسدي، بالولاء الكوفي أبو عبد الله: تابعي كان اعلمهم على الاطلاق وهو حبشي الأصل أخذ
العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر، ثم كان ابن عباس إذا اتاه أهل الكوفة يستفتونه قال: أتسألونني وفيكم
ابن أم دهماء؟ يعني سعيدا، قتله الحجاج بواسط قال أحمد بن حنبل قتل الحجاج سعيدا وما على وجه الأرض
أحد إلا وهو مفتقر إلى عليه.
وفيات الأعيان 1 / 204 وطبقات ابن سعد 6 / 178 وتهذيب التهذيب 4 / 11 وحلية الأولياء 4 / 272 وابن
الأثير 4 / 220 والمعارف 197 والطبري 8 / 93 والبدء والتاريخ 6 / 39 انظر الاعلام 3 / 145
(4) في د " لما " وهو تصحيف.
(5) في د " الا ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) في ح زيادة " كان "
(8) لفظ د " ذكرناه ".
(9) لفظ د " القوم ".
(10) لفظ ح " الخبر " وهو تصحيف.
(11) بعد ما ذكر الجصاص حجج الحنفية في التخصيص بخبر الواحد بدأ يقرر حجته فيما زاده على كلامهم من جواز.
التخصيص بخبر الواحد إذا كان العام قد دخله التخصيص بالاتفاق. وقد أشرنا إلى زيادات الجصاص في صدر
الباب.
199

فنقول إن اللفظ إذا كان محتملا للمعاني فخبر الواحد مقبول في إثبات المراد به من
قبل أن الاحتمال يمنع وقوع العلم بالمراد ويجعله موقوف الحكم على البيان فاحتجنا ان
نستدل عليه بغيره كسائر الأشياء التي لا نص فيها فيقبل خبر الواحد في إثبات حكمها
وذلك نحو قوله تعالى قروء (1) فيه احتمال للحيض والطهر (2) جميعا (3) وروى (4)
ان ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال طلاق الأمة تطليقتان (5) وعدتها
حيضتان (6) وكان مقبولا لأنه بين مراد الآية المفتقرة إلى (7) البيان وبمثل هذا قبلنا خبر
الواحد في بيان الألفاظ المجملة المفتقرة إلى البيان
وأما ما اختلف السلف في معناه وسوغوا الاختلاف فيه وترك الظاهر بالاجتهاد
فإنا (9) قبلنا فيه خبر الواحد وسوغنا القياس أيضا في إثبات المراد به من قبل أن السلف لما
كانوا الذين شاهدوا التنزيل ولم يكن يخفى عليهم المنصوص (10) عليه الذي لا يحتمل التأويل
ولا يسوغ معه الاجتهاد مما هو مدلول عليه ويسوغ (11) الاجتهاد فيه بما (12) اختلفوا في حكم

(1) الآية 228 من سورة البقرة
(2) عبارة ح " الطهر والحيض ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح 7 وقد تكلمنا عن هذه المسألة في بداية الكتاب
(4) في ح زيادة " عن ".
(5) لفظ ح " طلقتان ".
(6) أخرجه أبو داود بلفظ " طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان " وعند الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ان
رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان " وفي اسناده مقال وهو مظاهر بن أسلم. وقال أبو
داود هو حديث مجهول.
راجع عون المعبود كتاب الطلاق باب 6 (6 / 357) وتحفة الأحوذي كتاب الطلاق باب 7 / (4 / 360) وابن ماجة
كتاب الطلاق باب 30 ح‍ 1 والدارمي كتاب الطلاق باب 17 ح‍ 2.
(7) عبارة د " الموقوفة على ".
(8) لفظ ح " وسوغنا "
(9) في د " فإنما ".
(10) لفظ ح " النصوص " وهو تصحيف.
(11) لفظ ح " وتسويغ ".
(12) في النسختين " بم ".
200

لفظ ظاهره يتناول في اللغة معنى معقولا فعدل بعضهم عن ظاهره ثم علم (1) به الآخرون
فلم ينكروا عليهم (2) دلنا ذلك على أنه قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف لهم على تسويغ
الاجتهاد في مثله إما بقول منه وإما بحال شاهدوها استجازوا بها القول فيه من طريق الرأي
وترك الظاهر وذلك نحو قوله تعالى لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا (3) وحقيقة
الملامسة هي (4) على اللمس باليد وغيره من البدن وهي (5) كناية عن الجماع ثم
وجدنا الصحابة قد اختلفوا فيه فقال أمير المؤمنين (6) علي وابن عباس رضي الله
عنهما (8) في آخرين منهم هو على الجماع وقال عمرو و عبد الله بن مسعود (7) رضي الله
عنهما هو على اللمس باليد ولم ينكرا على من قال هو على (9) الجماع عدولهم عن حقيقة
اللفظ وصريحة إلى المجاز والكناية وسوغوا لهم الاجتهاد فيه فصار اجماعهم (10) على تسويغ
الاجتهاد فيه مانعا من وقوع العلم بالمراد بنفس اللفظ ثم روى حبيب بن أبي ثابت (11) عن
عروة (12) عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ (13) جاز الحكم

(1) لفظ د " وعمل ".
(2) عبارة ح " ينكروه عليه ".
(3) الآية 43 من سورة النساء و 6 من سورة المائدة.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ د " وهو ".
(6) عبارة ح " صلوات الله عليه ".
(7) عبارة ح " رحمه الله ".
(8) عبارة ح " عبد الله بن مسعود وعمر ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) في النسختين زيادة " على التسويغ ".
(11) حبيب بن أبي ثابت الكاهلي مولاهم أبو يحيى الكوفي روي عن زيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وخلق كثير
من الصحابة والتابعين وروي عنه مسعر والثوري وشعبة وأبو بكر النهشلي وخلق. قال ابن معين له نحو مائتي
حديث. وقال ابن معين قال أبو بكر بن عباس مات سنة تسع عشرة ومائة وقيل سنه اثنتين وعشرين. خلاصة
تهذيب الكمال 60 وميزان الاعتدال 1 / 209.
(12) هو عروة بن الزبير بن العوام، الامام عالم المدينة أبو عبد الله القرشي الأسدي المدني، روي عن أبيه وعن زيد
بن ثابت وأسامة بن زيد وسعيد ابن زيد وحكيم بن حزام وعائشة وأبي هريرة وتفقه بخالته عائشة وكان حافظا
ثبتا ولد في خلافة عثمان ومات في سنة 94 للهجرة.
انظر ترجمته في: ابن خلكان 1 / 316 وحلية الأولياء 2 / 176 انظر الاعلام وتذكرة الحفاظ 1 / 54
(13) الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة " كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ ". راجع تخريج
المشكاة 323 وصحيح أبي داود 170 - 171 وصحيح الجامع الصغير 4 / 273 رقم 4873
ووجدت صاحب المغني أورده لكنه ضعفه من طريق زينب السهمية عن عائشة وعنها عمر وبن شعيب خبر
" كان يقبل ولا يتوضأ ".
قال الدارقطني: مجهولة لا تقوم بها حجة.
وأخرجه ابن ماجة في باب الوضوء من القبلة وفي اسناده حجاج بن أرطاة.
انظر حاشية السندي 1 / 182 والمغني 1 / 249.
201

على معنى الآية بهذا الخبر وان كان وروده من طريق الآحاد إذا لم يكن في قبوله دفع لما
يصح (1) ثبوته من طريق توجب العلم
ونظيره أيضا قوله تعالى وان (2) طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم (3) حقيقته على أن (4) اللمس باليد وهو كناية عن الجماع
واختلف السلف في المراد به
فقال علي وعمر رضي الله عنهما (5) في عامة الصحابة إن المراد الخلوة وقال عبد الله
بن مسعود (6) واحدى الروايتين عن ابن عباس ان (7) المراد الجماع فسوغ الجميع
الاجتهاد في طلب المعنى فجاز قبول خبر (8) الواحد في مثله
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كشف خمار امرأة
ثم طلقها وجب عليه المهر (9) فجاز إثبات المراد بمثله

(1) لفظ ح " صح ".
(2) في د " فان طلقتموهن " وهو خطأ.
(3) الآية 237 من سورة البقرة
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) عبارة د " عمر وعلي " وعبارة ح " علي عليه السلام وعمر رحمة الله عليه ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لفظ ح " الخبر ".
(9) ورد الحديث بلفظ " من كشف عن قناع امرأة فقد وجب عليه المهر ". فالخلوة كالوطء في تقرير المهر ووجوب
العدة والى هذا ذهب ابن عمر وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما وبه قال الزهري والأوزاعي والثوري وأبو
حنيفة وأصحابه.
وقال مالك ان خلا بها خلوة تامة بان يخلو بها في بيته دون بيت أبيها أو أمها رجح بها قول من يدعي الإصابة منهما
عند اختلافهما بها. ولا تكون الخلوة كالوطء في تقرير المهر ووجوب العدة.
وذهب الشافعي في الجديد إلى أنه لا تأثير للخلوة في تقرير المهر ولا في وجوب العدة وبه قال ابن عباس وابن
مسعود رضي الله عنهم ومن التابعين الشعبي وابن سيرين وطاوس وأبو ثور.
راجع المجموع 15 / 503.
202

ويجوز أيضا الاستدلال على المراد في مثله من جهة القياس لأن حكم اللفظ صار (1)
مستدركا كله من طريق الاجتهاد فساغ قبول (2) خبر الواحد فيه واستعمال (3) القياس في
إدراك معناه
ومن الأخبار التي يرد بها ظاهر الكتاب خبر القسامة (4) على الوجه الذي يذهب إليه
لأنه حلف على ما لا علم له به وقال الله ولا تقف ما ليس لك به علم (5) وقال من
شهد بالحق وهم يعلمون (6) ولم يثبت خصوص هذه الآيات بالاجماع بل الاجماع واقع
في (7) أن أحدا لا يجوز له أن يشهد على الغير بحق لا يعلم صحته وثبوته فكيف بمن
يشهد (8) بما هو معترف بأنه لا يعلمه ولم يشهده ثم يحلف عليه
ونحو حديث المصراة (9) إذا استعمل على مذهب المخالف

(1) في ح " صا " وهو سهو.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " واستعمالهم ".
(4) القسامة: بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم والمراد بها الايمان، وقد حكى امام الحرمين ان
القسامة عند الفقهاء اسم؟ للايمان وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس وقال في الضياء
انها الايمان وقال في المحكم: انها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الايمان ومراد الجصاص بالخبر ما روي عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأنصار ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر القسامة.
على ما كانت عليه وفي الجاهلية. رواه احمد ومسلم والنسائي وعن سهل بن أبي حثمة قال " انطلق عبد الله بن
سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهو يومئذ صلح فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في
دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذهب
عبد الرحمن يتكلم، فقال: كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو
صاحبكم، فقالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا: كيف تأخذ ايمان قوم
كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده. رواه الجماعة. وراجع تمام الروايات في نيل الأوطار 7 / 39
(5) الآية 36 من سورة الإسراء.
(6) الآية 86 من سورة الزخرف.
(7) في ح " و ".
(8) لفظ ح " شهد ".
(9) يريد بخبر المصراة ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها
بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء ردها وصاع تمر " راجع فتح الباري كتاب البيوع باب 64 - 65
(4 / 361) وصحيح مسلم كتاب البيوع حديث 23، 26، 27 28 ح‍ 10 وعون المعبود كتاب البيوع باب 49 ح‍ 9
وتحفة الأحوذي كتاب البيوع باب 29 ح‍ 4 والنسائي كتاب البيوع باب 14 ح‍ 7 وابن ماجة كتاب التجارات
باب 42 ح‍ 2 والدرامي كتاب البيوع باب 19 ح‍ 2 وأحمد 2 / 248، 259، 273، 317، 382، 394،
406، و 4 / 314 ونيل الأوطار 5 / 341.
203

كان (1) خلاف (2) ظاهر القرآن لأنه يوجب أن من اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة أن
يردها ويرد معها صاعا من تمر ومعلوم أن حصة اللبن أقل من صاع
وقد قال الله تعالى وإن (3) تبتم فلكم رؤوس أموالكم (4) ومنه حديث القرعة (5)
مذهب المخالف فيه خلاف الكتاب وذلك قوله تعالى إنما (6) الخمر والميسر والأنصاب (7)
الآية واستعمال القرعة على ما يقوله مخالفونا من الميسر بمنزلة من قال (8) لآخر قارعتك على
أن من خرجت عليه القرعة فهو عبد أو فله كذا أو (9) نحو ذلك لأن المريض (10) كان مالكا
لجميع (11) ماله في المرض جائز (12) التصرف فيه إلى أن يرد الموت فثبت حق الورثة في الثلثين
ولا يثبت حقهم في الثلث لا في حال (13) الحياة ولا بعد الموت إذا أعتقهم في المرض فلما
أعتقهم ولا مال له غيرهم (14) نفذ عتقه في ثلث كل واحد منهم لا محالة إذ (15) لا حق فيه
لأحد فإذا أخرجنا بعضهم من العتق رأسا وجعلناها لمن لا يستحقها كلها بدءا بالقرعة صار
بمنزلة رجلين تقارعا وهما حران على أن من خرجت عليه القرعة منهما فهو عبد وهذا فحش

(1) في د " فكان "
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) في النسختين " فان " وهو خطأ.
(4) الآية 279 من سورة البقرة
(5) يريد بخير القرعة ما روي عن أبي زيد الأنصاري " أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له ما غيرهم
فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة " رواه أحمد وأبو داود بمعناه وأخرجه أيضا النسائي ورجال
اسناده رجال الصحيح وقوله " فأقرع بينهم " هذا نص في اعتبار القرعة شرعا وهو حجة مالك والشافعي وأحمد
والجمهور على أبي حنيفة حيث يقول القرعة عن القمار وحكم الجاهلية.
راجع نيل الأوطار 6 / 48.
(6) في د " أن الخمر " وهو خطأ.
(7) الآية 90 من سورة المائدة.
(8) لفظ ح " يقول ".
(9) في د " و ".
(10) هكذا في النسختين والصحيح " كالمريض ".
(11) عبارة ح " مالك بجميع ".
(12) لفظ ح " يجيز ".
(13) لم ترد هذه الزيادة في د.
(14) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(15) عبارة ح " لا مخالفة انه ".
204

من الميسر والقمار اللذين حرمها الله تعالى فيما (1) كان أهل الجاهلية يستعملونها فلذلك صار
معنى هذا الخبر على هذا الوجه مخالفا للقرآن
ونحو ذلك مما روى سهيل (2) بن أبي صالح (3) عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال ولد الزنا شر الثلاثة (4)
وهذا إن حمل على ظاهره كان مخالفا لقول الله تعالى ولا تكسب كل نفس إلا عليها
ولا تزر وازرة وزر أخرى (5) وقوله تعالى أخذنا بذنبه فلم يجز من أجل ذلك
اجراؤه على معنى يخالف القرآن عند الجميع

(1) لفظ ح " هما " وهو تصحيف.
(2) في النسختين " سهل " وهو خطأ والتصحيح من ميزان الاعتدال قال: عن سهيل عن أبي هريرة مرفوع " فرخ
الزنا لا يدخل الجنة " 2 / 243 ولم يرد في التراجم سهل بن أبي صالح.
(3) هو سهيل بن أبي صالح، ذكوان السمان، وأحد العلماء الثقات وغيره أقوى منه، قال ابن معين: سمى خير
منه، قال ابن عباس عن يحيى: ليس بالقوي في الحديث وقال في موضع آخر ثقة وهو وأخواه عباد وصالح.
انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2 / 143
(4) في المستدرك من طريق عروة قال: بلغ عائشة ان أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " ولد الزناشر
الثلاثة " قالت: كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال " من يعذرني من فلان فقيل يا رسول الله إنه مع
ما به ولد زنا، فقال هو شر الثلاثة " والله تعالى يقول: " ولا تزر وازرة وزر أخرى ".
وفي مسند أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه " وفي سنن
البيهقي عن الحسن قال: إنما سمي بشر الثلاثة ان امرأة قالت له: لست لأبيك الذي تدعي له فقتلها فسمي
شر الثلاثة إن أبويه أسلما ولم يسلم وهو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو شر الثلاثة ". وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ولد الزناشر الثلاثة، وقال أبو هريرة لان أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلى من أن أعتق ولد
زنية. وجاء في معجم الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا مثله قال المنذري وأخرجه النسائي. قال
الخطابي: اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن ذلك إنما جاء في رجل بعينه كان معروفا
بالشر وقال بعضهم إنما صار ولد الزنا شرا من والديه لان الحد يقام عليهما.
وما ذكرناه من التأملات السابقة مجتمعة تصرف الحديث إلى غير المعنى المتبادر منه. وراجع في ذلك عون
المعبود كتاب العتاق باب 12 (10 / 506) وأحمد 2 / 311 والمستدرك 2 / 214 و 4 / 100 وكتاب دفاع عن أبي
هريرة 332 والإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة 112 والاسرار المرفوعة في الاخبار الموضوعة ذكر
الرواية ولم يضعفها 488.
(5) الآية 164 من سورة الأنعام.
(6) الآية 40 من سورة العنكبوت.
205

ونظيره ما روى فضيل بن عمرو (1) عن مجاهد (2) عن ابن عمر (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا يدخل الجنة ولد زنا ولا ولده (4) وهذا مثل الأول
وكل هذه الأحاديث الواردة من جهة الأفراد مما يخالف ظاهر القرآن فأما متى أمكنا
استعمالها على وجه لا يخالف القرآن استعملناها على ذلك الوجه ولم نلغها كما قالت عائشة
رضي الله عنها في قول النبي صلى الله عليه وسلم (5) إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه إن معناه أن
النبي صلى الله عليه وسلم مر (6) بيهودي (7) يبكون عليه فقال إنهم يبكون (8) عليه وإنه ليعذب (9)
وخبر المصراة وخبر القرعة جميعا مستعملان عندنا على وجه لا يخالف القرآن فهو
أولى ممن استعمله على وجه يخالف به ظاهر القرآن (10) وقد بيناه في مواضع

(1) في هامش النسخة د جعله المصحح فضيل بن عمر وهو في ح فضل بن عمرو ونرجح أنه فضيل بن
الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف أبو النضر الكوفي أخذ عن إبراهيم النخعي والشعبي وعنه أخوه الحسن وابان
تغلب وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وقال يخطئ، مات سنة عشر ومائة. خلاصة تهذيب الكمال 164
(2) هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي المخزومي، مولي السائب بن أبي السائب، عرض القرآن
على بن علي ثلاثين مرة، وقال خصيف كان مجاهد أعلم بالتفسير، وعطاء بالحجج، مات سنة 100 أو بعدها بأربع،
ساجد، ومولده سنة 21 هجرية. انظر طبقات الحفاظ 35.
(3) في د زيادة " عن أبي هريرة ".
(4) لفظ " ولد الزنا لا يدخل الجنة، قال العلامة ملا على القاري في " الاسرار المرفوعة في الاخبار الموضوعة "
378 - 388.
(5) سقطت هذه الزيادة من د.
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) لفظ ح " يهود ".
(8) لفظ ح " ليبكون ".
(9) تكلمنا في تخريج قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " ونتكلم عن قول عائشة هذا فقد أخرج مسلم
عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال " أنتم
وإنه ليعذب ". وفي مسلم أيضا عن عائشة: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على يهودية يبكي عليها
والنسائي والموطأ وللحديث مظان أخرى.
راجع صحيح مسلم كتاب الجنائز حديث رقم 25، 26، 27 (4 / 234) وفتح الباري كتاب الجنائز باب 22
3 وتحفة الأحوذي كتاب الجنائز باب 25 ح‍ 4 والنسائي كتاب الجنائز باب 15 ح‍ 4 والموطأ كتاب
حديث 37 ح‍ 2 وأحمد 2 / 38 و 6 / 39، 57، 79، 95، 107، 138، 209، 255، 281.
(10) لفظ د " الكتاب ".
206

وأما حديث أبي هريرة في ولد الزنا أنه شر الثلاثة وانه (1) لا يدخل الجنة ولا ولده (2)
فإنما معناه عندنا أنه أشار به (3) إلى أشخاص بأعيانهم فحكم فيهم بهذا الحكم لعلمه
عليه السلام بأحوالهم التي (4) يستحقون بها ذلك
وقد روى أبو عبد الرحمن السلمي (5) عن علي رضي الله عنه أنه قال إذا حدثتم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا تنكرونه فظنوا به الذي هو أهنا والذي هو أنقى (6) وقال عبد الله بن
مسعود إذا حدثتكم بحديث أتيتكم بمصداق ذلك من كتاب الله تعالى
فهذا يدل على أن حكم الخبر المخالف في ظاهره لحكم القرآن والسنة الثابتة أن يحمل
على وجه صحيح إذا أمكن حمله عليه وأن لا يستعمل على وجه يخالف القرآن والسنة
الثابتة

(1) في د " فاته ".
(2) لم ترد هذ الزيادة في ح.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) لفظ د " الذين ".
(5) هو أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة وعالمها عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي قرأ على عثمان وعلي وابن
مسعود سمع منهم ومن عمر وتصدر للاقراء من خلافة عثمان إلى أن مات في سنة 73 هجرية أو بعيدها في إمرة
بشر بن مروان على العراق. انظر تذكرة الحفاظ 1 / 50
(6) لفظ د " والذي هو أهنا والذي هو أهيا والذي هو أنقى " وعن محمد بن بشار عن علي بن أبي طالب " إذا حدثتكم
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظنوا به الذي هو أهناه " سنن ابن ماجة كتب السنة على ما في ذخائر المواريث 3 / 33.
عن أبي بكر بن خلاد الباهلي عن ابن مسعود بلفظ " ظنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهناه وأهداه ".
سنن ابن ماجة في كتاب السنة على ما في ذخائر المواريث 2 / 201.
207

الباب التاسع
في
تخصيص العموم بالقياس
209

باب
القول في تخص العموم بالقياس
قال أبو بكر
كل ما (1) لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد لا يجوز تخصيصه بالقياس وذلك لأن خبر (2)
الواحد مقدم على القياس
فما (3) لا يجوز تخصيصه فبالقياس أحرى أن لا يخص وهذا مذهب أصحابنا قال
محمد بن الحسن (4) في السير الكبير (5) وذكر قول عطاء في المحصر (6) إذا لم يجد هديا أنه
يصوم عشرة أيام ويحل (7) قياسا على هدي المتعة في قيام صوم (8) عشرة أيام مقامه عند
عدمه فقال محمد لا يجزيه غير الهدي لأن الله تعالى نص عليه ولم يذكر فيه صوما لمن لم يجد
فنحن نبهم ما أبهم الله تعالى وإنما ذكر الله تعالى الصوم في هدي المتعة لمن لم يجد فلا يستقيم
الرأي والقياس في التنزيل إنما يقاس على التنزيل فأما التنزيل بعينه فلا يقاس
قاس عبد الله بن مسعود الأم على البنت (9) في الدخول فأنكره عليه الصحابة عمر
وغيره (10) وقالوا قد (11) قال الله تعالى نسائكم (12) مبهمة (13)

(1) في ح " كلما " متصلة.
(2) لفظ د " الخبر ".
(3) في ح " فيما " وهو تصحيف.
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) السير الكبير ذكره طاش كبرى زادة في مفتاح السعادة 2 / 262 وغيره، كما استقصيناه في القسم الدراسي.
(6) لفظ د " الحصر " وهو تصحيف.
(7) لفظ ح " يحل ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) لفظ د " إلا بنت " وهو تصحيف الابنة
(10) أخرج البيهقي في سننه عن أبي عمرو الشيباني أن رجلا من بني شمخ تزوج امرأة ولم يدخل بها، ثم رأي أمها
فأعجبته فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارقها ثم يتزوج أمها، ففعل وولدت له أولادا ثم أتى ابن مسعود المدينة
فسأل عمر، وفي لفظ فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: لا تصلح فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك
حرام انها عليك حرام ففارقها.
راجع الدرر المنثور 2 / 135 والقرطبي 5 / 106.
(11) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(12) الآية 23 من سورة النساء.
(13) والمراد بقوله: مبهمة " أو مبهمات " يشكل على بعض الكاتبين ولذلك لزم بيانه فنقول: المبهمات هن من
المحرمات مالا يحل بوجه ولا سبب كتحريم الام والأخت وما أشبهه.
وقال القرطبي في تفسيره ": وتحريم الأمهات عام في كل حال لا يتخصص بوجه من الوجوه، ولهذا يسميه أهل
العلم " المبهم " أي لا باب فيه ولا طريق إليه لاسناد التحريم وقوته.
وقال الأزهري: رأيت كثيرا من أهل العلم يذهبون بهذا إلى إبهام الامر واستبهامه وهو اشكاله، وهو غلط
قال: وكثيرون من أهل المعرفة لا يميزون بين المبهم وغير المبهم تمييزا مقنعا قال: وأنا أبينه بعون الله. فقوله
تعالى " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت " هذا كله
يسمى: التحريم المبهم لأنه لا يحل بوجه من الوجوه، ولما سئل ابن عباس عن قوله تعالى " وأمهات نسائكم)
قال هذا من مبهم التحريم الذي لا وجه فيه غير التحريم سواء دخلتم بالنساء أو لم تدخلوا. وغير المبهم خلافه
راجع هامش تفسير الطبري بتعليق الشيخ شاكر 8 / 144 وتفسير الطبري 5 / 101
211

وقال ابن عباس أبهموا ما أبهم الله تعالى (1)
فاستفدنا من هذا الفصل (2) من قول محمد شيئين
أحدهما أن من مذهبه القول بالعموم أن المنصوصات أنه لا يقاس بعضها على بعض
وقد دل هذا من قوله أنه كان لا يرى تخصيص العموم الذي لم يثبت خصوصه (3)

(1) أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن ميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس " وأمهات
نسائكم " قال هي مبهمة إذا طلق الرجل قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها.
وقال السيوطي: في قوله تعالى " وأمهات نسائكم " أخرج مالك عن زيد بن ثابت أن ه سئل عن رجل تزوج امرأة
ففارقها قبل أن يمسها هل تحل له أمها؟
فقال: " لا، الام مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير
عن ابن جريح قال: قلت: لعطاء الرجل ينكح المرأة ولم يجامعها حتى يطلقها أتحل له أمها قال " لا هي مرسلة
قلت: أكان ابن عباس يقرأ وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن قال لا " راجع في ذلك الدرر المنثور 2 / 135
وأحكام القرآن للقرطبي 5 / 106 والكشاف 1 / 516 وأحكام القرآن للجصاص 2 / 155 وأحكام القرآن لابن
العربي 1 / 375 وحاشية الجمل 1 / 370
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) وهذا مذهب الحنفية كما أورده البزدوي وغيره من أن العام الذي لم يثبت خصوصه لا يحتمل الخصوص بخبر
الواحد والقياس، وهذا هو المشهور عندهم وقال في كشف الاسرار وهو المذهب ونقل ذلك عن أبي بكر
الجصاص وعيسى بن أبان وهو قول أكثر الحنفية - 1 / 294.
وقال السرخسي: أكثر مشايخنا رحمهم الله أن تخصيص العام الذي لم يثبت خصوصيته ابتداء لا يجوز بالقياس
وخبر الواحد، وإنما يجوز ذلك في العام الذي ثبت خصوصه بدليل موجب من الحكم مثل ما يوجبه العام
أصول السرخسي 1 / 142
ونقل عن عيسى بن أبان قوله: أنه يجوز إن كان العام قد خصص قبل ذلك بنص قطعي كذا حكاه عنه القاضي
أبو بكر في التقريب والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأطلق صاحب المحصول الحكاية عنه ولم يقيدها بكون النص
قطعيا وحكى هذا المذهب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن بعض العراقيين وذهب إلى أنه يجوز إن كان قد خص
بدليل منفصل وإلا فلا كذا حكاه عنه صاحب المحصول وغيره.
وقد ناقشنا نسبة المذهب إلى عيسى بن أبان ونفينا عنه ما قاله بالأدلة وأثبتنا له مذهب أصحابه فراجعه في
كلامنا على تخصيص العام بخبر الواحد.
حاصل المسألة ومذاهب العلماء.
إن القائلين بأن العموم حجة إذا انفرد، والقياس حجة إذا انفرد اختلفوا في جواز تخصيص العموم بالقياس.
مثل أن يعم قوله " خذ من أموالهم صدقة " المديون وغيره قياسا على الفقير، فالجمهور على جوازه قال الرازي في
المحصول وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك. ورأيت في مختصر المنتهز قوله الأئمة الأربعة فأدخل الإمام أحمد
وأبا هاشم والأشعري وأبا الحسين البصري ومثل ذلك حكاه ابن الهمام في التحرير.
وحكاه الشيخ أبو حامد وسليم الرازي عن ابن سريج هذا ما رأيته من نقل الشوكاني إلا أن نسبة هذا الرأي إلى ابن
سريج يعارضها ما نقله ابن الحاجب في مختصره حيث نسب لابن سريج أنه إن كان القياس جليا جاز وإلا فلا، فتنبه
للنقلين.
وقال أبو حامد الأسفرائيني القياس إن كان جليا مثل " ولا تقل لهما أف " جاز التخصيص به بالاجماع وإن كان واضحا،
وهو المشتمل على جميع معنى الأصل كقياس الربا فالتخصيص به جائز في قول عامة أصحابنا إلا طائفة شذت لا
يعتبر بقولهم، وإن كان خفيا وهو قياس علته الشبه فأكثر أصحابنا أنه لا يجوز التخصيص به ومنهم من شذ فجوزه.
قال الأستاذ أبو منصور والأستاذ أبو إسحاق أجمع أصحابنا على جواز التخصيص بالقياس الجلي واختلفوا في الخفي
على وجهين. والصحيح الذي عليه الأكثرون جوازه أيضا وكذا أبو الحسين بن القطان والماوردي والرواني وذكر
الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أن الشافعي نص على جواز التخصيص بالخفي في مواضع.
وذهب أبو علي الجبائي إلى المنع مطلقا، ونقله القاضي أبو بكر الباقلاني عن طائفة من المتكلمين وعن الأشعري
وممن قال بجوازه بالقياس. الجلي الإصطخري كما حكاه الأستاذ أبو منصور عن أبي القاسم الأنماطي ومبارك بن أبان وأبي
علي الطبري.
وذهب الغزالي إلى أنه إن تفاوت القياس والعام في غلبة الظن رجح الأقوى فإن تعادلا فالوقف واختاره المطرزي
ورجحه الفخر الرازي واستحسنه القرافي والقرطبي.
وذهب الآمدي في الاحكام بعد أن ساق المذاهب قال: والمختار أنه إذا كانت العلة الجامعة في القياس ثابته بالتأثير أي
بنص أو إجماع جاز تخصيص العموم وإلا فلا، أما إذا كانت العلة مؤثرة فلأنها نازلة منزلة النص الخاص فكانت
مخصصة للعموم ولتخصيصه بالنص.
ومذهب مالك نص عليه في شرح التنقيح فقال: يجوز عند مالك وأصحابه تخصيصه بالقياس الجلي والخفي وفي
المسودة: 1 - أن القياس يخصص عموم القرآن على ظاهر قول أكثر أصحابنا ومنهم من منع أن يخص بالخبر والقياس
وهذا غريب. 2 - لا يجوز اختاره أبو إسحاق بن شاقلا وأبو الحسين الجزري من أصحابنا والجبائي وبعض الشافعية
ونقل عن أحمد ما يدل على مثل المذهبين. واختار ابن الباقلاني الوقف ووافقه الجويني هنا بخلاف. وقال الشوكاني نقل
الشيخ أبو حامد وسليم الرازي عن أحمد بن حنبل القول بالمنع مطلقا وقيل إن ذلك إنما هو في رواية عنه قال بها طائفة
من أصحابه.
راجع تفصيل ما لخصناه في المسودة 120 وروضة الناظرة 130 وتيسير التحرير 2 / 26 وشرح العضد على مختصر
المنتهي 2 / 154 وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 294 وأصول السرخسي 1 / 142 والمستصفى 2 / 123 والاحكام
للآمدي 2 / 159 واللمع للشيرازي 17 وشرح تنقيح الفصول 203 وإرشاد الفحول 159 ومعالم السنن للخطابي
وساق فيه كلاما جيدا 2 / 166.
212

بالقياس لأن كل من خص بقياس فلا بد من (1) أن يكون قياسه مبنيا على أصل من نص
أو إجماع وقد منع (2) محمد ذلك
فالأصل في جميع ذلك أن كل ما ثبت من وجه يوجب العلم لم يجز تركه إلا بما موجب
العلم وغير جائز تركه بمالا يوجب العلم (3) لا على وجه النسخ ولا على وجه التخصيص
فعموم (4) القرآن الذي لم يثبت خصوصه بالاتفاق ثابت من جهة توجب العلم فلا يجوز تركه
بالقياس إذ لا يفضي بنا القياس إلى العلم بحقيقة ما يؤدينا (5) إليه من فروع (6)
الشريعة
وإذا ثبت خصوص اللفظ بالاتفاق جاز تخصيصه بعض ما انتظمه اللفظ بالقياس
لأنه لما (7) ثبت خصوصه بالاتفاق حصل اللفظ مجازا على قول الأكثر من أهل العلم وساغ
الاجتهاد في ترك دلالة اللفظ فصار حكم العموم في هذا ثابتا من طريق الاجتهاد فجاز (8)
استعمال النظر في تخصيصه بخروج لفظ العموم من إيجاب العلم بما انطوى تحته من
المسميات (9) لأن قول من قال إن الباقي بعد التخصيص على العموم مبني على الاجتهاد
وغالب الظن دون اليقين وحقيقة العلم وما كان هذا سبيله جاز تخصيصه بما كان طريقه
غالب الظن من خبر واحد أو قياس
وأما ما كان وروده ممن جهة روايات الأفراد فإن تخصيصه جائز عندنا بالقياس من قبل

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح " دفع ".
(3) في النسختين " الا ".
(4) لفظ ح " فعموا " وهو تصحيف.
(5) عبارة ح " بحقوق ما يقربنا ".
(6) في ح " فوع " وهو سهو.
(7) في ح " لم " وهو تصحيف.
(8) لفظ ح " فجائز ".
(9) وقد وجه أمير بادشاه في تيسير التحرير اعتراضا على تقييد الحنفية جواز التخصيص بكون العام قد خصص
فقال: إن تقييد جواز التخصيص بالقياس بشرط تخصيص العام بغيره أي غير القياس من سمعي أو عقلي وتقييد
التخصيص بغيره بالقبلية أي يكون قبل التخصيص بالقياس، لا يتصور وذلك لان تخصيص القياس بإخراجه
بعض أفراد العام عن حكمه إلحاق له بأصل منصوص في حكم مخالف لحكم العام لاشتراكهما في العلة
فالمخصص حقيقة ذلك النص والقياس إنما هو مظهر لذلك التخصيص. ولا شك أن ذلك النص مقارن للعام،
وإذن لا يتصور مخصص آخر مثله وهو ظاهر. 2 / 26.
214

أن طريق ثبوته في الأصل اجتهاد لا يفضى بنا إلى حقيقة علم وساغ الاجتهاد في تخصيصه
كما ساغ الاجتهاد في رده رأسا
ألا ترى أن خبر الواحد مقبول في الأصل اجتهادا على جهة حسن الظن بالراوي
وأنه يسوع الاجتهاد في رده فلأن (1) يجوز الاجتهاد في تخصيصه أولى (2)
فإن قال قائل هلا (3) خصصت عموم القرآن الذي يثبت خصوصه بالاتفاق
بالقياس إذ كان حكم العموم لازما والقول بالاعتبار واجبا أيضا فهلا استعملتها جميعا ولم
تسقط أحدهما (4) بالآخر كالآيتين إحداهما خاصة والأخرى عامة أنه يجب استعمالهما جميعا
ما أمكن ولا يسقط حكم إحداهما بالأخرى
قيل له إن القول بالقياس وإن كان واجبا فيما يقوم (5) عليه الدليل فإنه عمل بغالب
الظن (6) لا يفضي بنا إلى حقيقة لأنا نجوز الخطأ على (7) أنفسنا فيما طريقه الاستنباط من
أحكام الحوادث وعموم القرآن ي يفيدنا (8) العلم بموجبه فلم يجز تركه بمالا يوجب (9) العلم
على ما بيناه فيما سلف وأما الآيتان إذا كانت إحداهما (10) خاصة فإن لنا شرائط في استعمال
حكمها ليس هذا موضوع ذكرها (11)
ومتى جمعنا بين حكم الآيتين واستعملناهما صلى الله عليه وسلم فإنما خصصنا إحداهما (12) بمثلها لأن كل
واحدة منهما توجب العلم بمقتضاها (13)
وأيضا فان استعمال العموم من الاعتبار فلم جعلت اعتبار القياس أولى من اعتبار
العموم فإن قال لأن قوله تعالى (14) إذا عام في كل موضع

(1) لفظ ح " فلا " وهو تصحيف.
(2) في ح " أولا ".
(3) في ح " فهلا ".
(4) لفظ د " الاخر ".
(5) لفظ ح " تقدم ".
(6) لفظ ح " ظن ".
(7) هذا الحرف لا يقرأ في (ح) من أثر الرطوبة.
(8) لفظ ح " فعندنا ".
(9) لفظ ح " يجب " وهو تصحيف.
(10) لفظ د " أحديهما " وهو تصحيف.
(11) لفظ ح " تركها " وهو خطأ.
(12) لفظ د " أحديهما ".
(13) كتبت في ح " بما اقتضاها ".
(14) يريد به قوله تعالى: " فاعتبروا يا أولي الابصار " الآية 2 من سورة الحشر.
215

قيل له والقول بالعموم واجب في كل موضع فلم جعلت القياس أولى منه مع
شمول اللفظ
وأيضا فإن الذي أمرنا (1) بالاعتبار هو الذي أمرنا (2) بالحكم بالعموم فلم جعلت
الاعتبار أولى من حكم العموم
فإن قال استعمال القياس مع العموم أولى من الاقتصار على العموم دون القياس
قيل له هذا محال لأنه لا يمكنك استعمال العموم مع استعمال القياس الموجب
لتخصيصه ولست تنفك معه من ترك العموم
فإن قال لأني أستعمل بعض ما شمله (3) اللفظ مع القياس
قيل له فقد (4) تركت بعضه وإنما الكلام بيننا وبينك فيما تركت من حكم اللفظ
الا فيما استعملت لأن استعمالك لما استعملته منه غير مخرجك من ترك ما (5) تركته منه (6)
وعلى أن قوله تعالى فقال يا أولي الأبصار (7) لا يجوز أن يكون عموما في استعمال
القياس لأنه لا يصح اعتقاد العموم فيه من (8) هذا الوجه لعلمنا مع ورود اللفظ بامتناع
جواز (9) استعمال القياس في كل شئ فصار مجراه مجرى ما ذكرنا من الألفاظ التي لا يصح
اعتقاد العموم فيحتاج إلى دلالة أخرى في إثبات حكمها نحو قوله (10) صوموا
لرؤيته (11) وقوله تعالى الخير (12) إذا أريد به الإيجاب ونحو ذلك من الألفاظ

(1) لفظ ح " أمر "
(2) لفظ ح " أمر ".
(3) لفظ د " يشمله ".
(4) في د " قد ".
(5) عبارة ح " مما تركته ".
(6) في د " عنه ".
(7) الآية 2 من سورة الحشر.
(8) في ح " في ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في.
(10) في النسختين " تعالى " والصحيح أنه جزء حديث وليس بآية.
(11) سقطت هذه الزيادة من ح والحديث بلفظ النسائي " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه.
سحاب فكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ".
وانظر تمام الروايات في مختصر وشرح وتهذيب سنن أبي داود 3 / 215.
(12) الآية 77 من سورة الحج.
216

على ما بيناه في صفة المجمل فلا يصح الاحتجاج بعمومه في استعمال القياس في موضع
يخالفك فيه خصمك
وأيضا فان اعتبار العموم آكد من القياس وذلك لأن العموم لابد من أن (1)
ينص (2) لزوم (3) استعماله إما في الجميع وإما (4) في البعض وليس استعمال القياس جائزا في
كل موضع لأن من الأصول مالا يقاس (5) عليه أصلا وليس شئ من العموم لا يستعمل
حكمه بحال فصار حكم العموم آكد من حكم القياس فغير جائز تركه به
وعلى أن مخالفنا في ذلك كان أولى الناس بالامتناع من ترك العموم بالقياس لأن
الذي يدل عنده على صحة العلل جريها في معلولها وأن لا يردها أصل والعموم (6) أصل
يرد هذه العلة التي تقتضي تخصيصه وترك العموم بها فهلا كان القياس ممتنعا في هذا
الموضع باعتراض هذا الأصل عليه ويكون اعتبار العموم أولى منه
وأيضا فإن العموم يحصل مخصصا بقوله من غير دليل لله تعالى (7) على وجوب
تخصيصه وذلك لأنه ثبتت العلة بقوله هذه علة للحكم دون أن يقيم (8) عليها دليلا من
غيرها وجريها في معلولها ليس بدليل على صحتها لأنه قول المخالف أيضا فجعل دليله (9)
على صحة دعواه دعوى أخرى أضافها إليه ومن شرطها أيضا عنده (10) أن لا يردها أصل
فلم يعتبر فسادها بردا لعموم إياها وهو أصل فحصل العموم إذا خص بالقياس مخصوصا
بقوله لا بدليل لله عز وجل على خصوصه
فإن قال قائل قد استعملت الأمة القياس في تخصيص العموم لأن الله تعالى قال

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ د " يتضمن ".
(3) هذه الكلمة لا تقرأ في (د) لاثر الرطوبة.
(4) في د " أو ".
(5) لفظ ح " يقام " وهو تصحيف.
(6) في ح زيادة " من ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لفظ ح " يقدم ".
(9) لفظ ح " دليلا ".
(10) عبارة د " عند " أيضا ".
217

يوصيكم الله (1) في أولادكم (2) إلى قوله بعد وصية يوصى بها أو دين (3) فجعل
ميراث الإخوة من الأم بعد قضاء الدين بقوله تعالى كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في
الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين (4)
واتفق الجميع على أن ميراث الولد وسائر الورثة بعد قضاء الدين
قيل له هذا غلط من وجوه
أحدها أن الله تعالى ذكر ميراث الولد بدءا بقوله تعالى النبي الله في أولادكم
ثم قال في سياقه بعد وصية يوصى بها أو دين لأنه قال كانت واحدة فلها
النصف (5) يعني البنت (6) ثم قال تعالى لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له
ولد (7) فسياقه الخطاب بعد في حكم الولد والأبوين ثم عقبه بذكر الأبوين إذا لم يكن له ولد
فقال لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد
وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم (8) فلم ينقض (9) ذكر الولد حتى شرط تقديم
الدين على الميراث ثم ذكر ميراث الزوجين وعقبه بذكر (10) الدين ثم الإخوة من الأم وحكم
فيه بمثل ذلك فأين موضع القياس في تقديم الدين على الميراث وهو مذكور مع سائر
المواريث المذكورة في هذه الآيات
وأيضا فإن الأمة مجمعة على ذلك أولها وآخرها وما حصل فيه الإجماع فاعتبار
القياس فيه خطأ
فإن قال إنما أجمعت عليه قياسا على الموضع الذي ذكر فيه تقديم الدين
قيل له وما يدريك أنها اجتمعت عليه من طريق القياس ولعل الصدر الأول إنما

(1) سقط لفظ الجلالة من د وهو خطأ.
(2) الآية 11 من سورة النساء.
(3) الآية 11، 12 من سورة النساء.
(4) الآية 12 من سورة النساء.
(5) الآية 11 من سورة النساء.
(6) لفظ د " إلا بنت " وهو تصحيف " الابنة ".
(7) الآية 11 من سورة النساء.
(8) الآية 11 من سورة النساء.
(9) لفظ ح " ينص ".
(10) لفظ ح " ذكر ".
218

أجمعوا عليه من توقيف أو قد يكون الإجماع تارة عن توقيف وتارة عن رأي
فإن قال لو (1) جاز أن يقال هذا في ذلك لجاز في كل إجماع
قيل له كل ما أجمع (2) عليه الصدر الأول فجائز أن يقال فيه إن إجماعهم حصل
عن توقيف ما لم يخبروا عن أنفسهم أنهم اتفقوا على رأي
وأيضا فإن آية المواريث خاصة بالاتفاق وقد يجوز عندنا تخصيص ما هذا سبيله
من الظاهر بالقياس
وأيضا فإن الاجماع الواقع عن رأي (3) ليس هو في معنى الرأي لو انفرد لأن الرأي
إذا انفرد عن الاجماع ساغ تركه برأي مثله ومتى انضاف إليه الإجماع سقط جواز استعمال
الرأي في خلافه
وأيضا فإنا (4) نجيز تخصيص العموم بقياس يساعده (5) الإجماع فما الدليل على
جواز تخصيصه بقياس (6) مفرد عن الإجماع فإن هذا هو موضع الخلاف
وقال منهم قائل العموم ظاهر والقياس باطن وإذا اجتمعا كان الباطن قاضيا على
الظاهر كرجلين شهدا بعدالة رجل وآخران بجرحه فيكون شهادة الجرح أولى لأنهما أخبرا
عن باطن
وهذا كلام فارغ ليس تحته معنى وتشبيه بعيد مما ذكر من أمر الجرح والتعديل لا يعتمد
على مثله إلا غر (7) وذلك لأنه (8) إن كان إنما سمى موجب القياس باطنا لأنه توصل إليه
بنظر واستدلال وسمى العموم ظاهرا من حيث هو مذكور باسمه (9) فأقل ما يلزمه في هذا
تجويز نسخ القرآن بالقياس لأنه باطن في زعمه والمذكور باسمه (10) الظاهر ويجب على قضية

(1) في ح " و ".
(2) عبارة ح " كلما اجتمع ".
(3) لفظ ح " الرأي ".
(4) في ح " فإنما ".
(5) لفظ ح " ساعد ".
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) لفظ د " غبي " ويقال رجل غر بالكسر وغرير أي غير مجرب. انظر صحاح الجوهري وبهامشه الوشاح وتثقيف.
الرماح 1 / 375.
(8) في ح " أنه ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ " باسم ".
219

هذه أن يكون العلم بالمحسوسات لما كان ظاهرا وما يدل عليه باطنا لأنه توصل إليه بنظر لا
يجوز (1) قيام دليل على نفي المحسوس لأن هذا باطن والمحسوس ظاهر
فان قال ما يقضي على الحس لا يكون دليلا لأن صحة الاستدلال به (2) متعلقة
بصحته وبيانه (3)
قيل له وما يقضي على العموم من القياس لا يكون دليلا لأن دلائل الأحكام مبنية
على السمع ولا يجوز أن يقضي عليه لأنه فرع له ولا يجوز أن يكون الفرع قاضيا على
الأصل
فإن قال لأني أقيسه (4) على أصل آخر
قيل له كيف صار قياسه على أصل آخر (5) وهو فرع له أولى من استعمال أصل آخر
غيره وهل يخرجك هذا من أن تكون قد جعلت الفرع آكد من الأصل وجعلت المستنبط
أولى من المذكور
وأما ما ذكر من أمر (6) الجرح والتعديل فإن شاهدي الجرح قد ذكر الجرح ونصا
عليه كما ذكره (7) شاهد التعديل ونصا عليه وأي (8) باطن هاهنا
وإنما قضيت بأحد المسموعين على الآخر
فإن قال لأن المخبر بالجرح يخبر عن باطن علمه (9) والمخبر بالتعديل إنما (10) أخبر
عن ظاهر يجوز معه أن يكون باطنه بخلافه
قيل له وكذا فقل (11) في العموم أنه يجوز أن يكون ما أخبر الله تعالى عنه بلفظ عموم
يكون باطنه بخلاف (12) ظاهره كما قلت في المخبر عن العدالة فان قال نعم لزمه أن يجوز

(1) عبارة د " أن يجوز ".
(2) في ح " منه ".
(3) لفظ د " وثباته ".
(4) لفظ د " أقيس ".
(5) في د " هو ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لفظ د " ذكر ".
(8) في ح " وإلى " وهو تصحيف.
(9) لفظ ح " عمله " وهو تصحيف.
(10) في ح " أيضا ".
(11) لفظ د " قل ".
(12) لفظ د " خلاف ".
220

ذلك في كل ما أخبر الله به أو أمر به (1) إن لم يعارضه قياس ولا لفظ أن يكون باطنه خلاف
ظاهره كما جاز أن يخبر شاهدا التعديل عن عدالة ظاهره باطنها خلاف ظاهرها
فإن جوز ذلك انسلخ عن الملة ووصف (2) الله تعالى بما لا يصفه به مسلم
ثم يقال له إن الذي ذكرته من أمر الجرح والتعديل شاهد لنا على صحة قولنا لو
جعلناه (3) أصلا لما ذكرنا كان أولى من قبل أن الإخبار بالعدالة لما كان مرجعه إلى ظاهر
الحال من غير يقين ولا حقيقة علم بحاله وكان الإخبار بالجرح إنما هو (4) إخبار عن حقيقة
مشاهدة موجبة للفسق (5) كان الجرح أولى من التعديل
كذلك ينبغي على هذا القياس أن يكون اعتبار العموم الموجب للعلم أولى من قياس
لا يوجب العلم
فإن قال لما (6) اتفقنا على جواز تخصيص العموم بالقياس العقلي وجب أن يكون
كذلك حكمه في القياس الشرعي
قيل له هذا صحيح على ما أصلنا لأن (7) القياس العقلي لما كان مفضيا بنا إلى
العلم بصحة ما أدانا إليه ولم يكن يجوز فيه التخصيص وكان الحكم (8) بموجب العموم من
طريق يوجب العلم إذا أطلق كان القياس العقلي قاضيا على العموم لأنه يفضي إلى العلم
بموجباته في سائر الأحوال والعموم لا يوجب العلم بموجباته في سائر الأحوال إذ جائز
إطلاق لفظ العموم والمراد الخصوص وأما القياس الشرعي فإنما هو اجتهاد وغالب ظن لا
يفضي إلى العلم بحقيقة الحكم وقد يوجب عندنا أيضا فيه التخصيص وكان الحكم
بالعموم الموجب للعلم أولى من تركه بقياس لا يوجب العلم وهذا صحيح على ما قدمنا
من أصول أصحابنا في هذا الباب مستمرا عليها
فإن قال ليس إثبات الأحكام في الشريعة مقصورا على ما يوجب العلم حتى إذا لم
يكن القياس موجبا للعلم فيما يؤدي بنا إليه يكون مطرحا

(1) ما بين القوسين ساقط من ح.
(2) لفظ د " يوصف ".
(3) لفظ ح " جعلناه ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " للجرح ".
(6) لفظ ح " أنا ".
(7) لفظ ح " لأنا " وهو تصحيف.
(8) ما بين القوسين ساقط من ح.
221

قيل له لم نقل (1) إن القياس مطرح في الأصل ولا أن مالا يوجب العلم غير محكوم
به (2) وإنما قلنا إن (3) ما كان هذا سبيله لا يجوز ترك العموم به لأن العموم أولى منه ولم أذكر
هذه الأسئلة لشبهة منها على ذي بصيرة ولكني خشيت أن تمر ببعض المبتدئين من كتب
المخالفين يظنها شبهة فكشفنا عن حقيقتها وأنبأنا عن فسادها ليعتبر به سائر حجاجهم
ويعلم أن (4) أكثر (5) ما (6) يذكرونه كلام مارق (7) يجري منهم على غير تحصيل وليس يحتاج
إلى إفساده إلى أكبر من الكشف عن حقيقته
وقد ظن بعض المخالفين أن شرط الإيمان في رقبة القتل يقتضي تخصيص رقبة الظهار
بشرط الإيمان (8)
فمنهم من يزعم أن وجوب ذلك من جهة أنه حكم الكلام وحكم اللفظ
ومنهم من يزعم أن اللفظ لا يوجب ذلك وأنه قاله قياسا

(1) لفظ النسختين " تقول ".
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) في النسختين " إنما ".
(4) في د " أنه ".
(5) لفظ ح " لكثر ".
(6) في ح " مما ".
(7) كتبت في النسختين " ملرق " ولعلها كما أثبتناه، مارق: من مرق السهم من الرمية مروقا فهو مارق أي خارج
من الجانب الاخر.
(8) ناقش الجصاص هذه المسألة مناقشة جيدة لم أجدها في كتب الأحناف وقد توسع فيها كما سيبين لك من تمام
قراءتها.
وحاصل الكلام: أن الأحناف يرون في قوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " تحرير رقبة مطلقة مؤمنة أو كافرة.
قال في درر الحكام تحرير رقبة مؤمنة كانت أو كافرة ذكرا كانت أو أنثى 1 / 394 وراجع أقوالهم في البلد
شرح الكتاب للميداني 3 / 70 وكنز الدقائق 113 وبدائع الصنائع 6 / 2897 وحاشية الطحاوي على الذي
المختار 2 / 198 وحاشية فتح المعين على شرح الكنز 2 / 299 وشرح الزيلعي على متن الكنز 3 / 6 وأحكام
القرآن للجصاص 3 / 514
أما غير الأحناف فيشترطون كونها مؤمنة لقوله تعالى في كفارة القتل: " ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنا
فنص في كفارة القتل على رقبة مؤمنة فقاسوا عليها سائر الكفارات.
وقال الشافعي في الام: إذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها لم يجزه فيها إلا تجزئة
رقبة ولا تجزئة رقبة على غير دين الاسلام لان الله عز وجل يقول في القتل " فتحرير رقبة مؤمنة " وكان شرط
تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل، والله تعالى أعلم على أن لا يجزئ رقبة في الكفارة إلا مؤمنة
فمن أعتق في ظهاره غير مؤمنة فلا يجزئه وعليه أن يعود فيعتق مؤمنة قال: وأحب إلى أن لا يعتق بالغة هل
فإن كانت أعجمية فوصفت الاسلام أجزأته.
راجع الام 5 / 280 والمجموع 16 / 318 وحاشية البيجرمي على المنهج 4 / 58 والبهجة في شرح التحفة
1 / 328 والتنبيه للشيرازي 119 والوجيز للغزالي 2 / 81 وحاشية البرماوي على شرح الغاية للغزي 410 وفتح
القدير 3 / 234 وبقولهم قال المالكية والحنابلة وراجع أقوالهم في جواهر الإكليل 1 / 375 والشرح الكبير
2 / 448 والخرشي على مختصر خليل 4 / 112، والمدونة 6 / 75 والأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية
للغرناطي 225، والمقنع لابن قدامة المقدسي 3 / 247. والروض الندي شرح المبتدي للبعلي 417، وقد
سبقت الإشارة لهذا في ص 255.
222

الوجهان جميعا عندنا فاسدان لا يخيل (1) وجه الفساد فيهما على متأمل نصح نفسه
فأما الوجه الأول ففساده وسقوطه أظهر من أن يشك فيه عاقل
وذلك لأن قائله (2) لا يرجع فيه إلى لغة ولا شريعة لأنه ليس في اللغة أن القائل إذا
ذكر شيئا علق به حكما ثم ذكر شيئا آخر غيره وعلق به حكما أن أحدهما ينبغي أن يكون مبنيا
على الآخر مرتبا عليه وهما معنيان متغايران ولو كان ذلك صحيحا لوجب أن تكون الفروض
التي فرضها الله تعالى كلها شروط بعضها في بعض مركبا بعضها على بعض ولا فرق بين ذكر
الكفارتين في موضعين وبين ذكر الكفارة والصلاة والزكاة والصيام وسائر الفروض فتصير
كلها كأنها فرض واحد متعلق بعضه ببعض وهذا ظاهر الفساد
فإن قال إنما يجب ذلك في فرض واحد إذا ذكر في موضع مقيد ثم ذكر في غيره مطلقا
أن يكون المطلق محمولا على المقيد (3)
قيل له هذا الذي ذكرت في الفرض الواحد مما يجوز أن يكون القول فيه على
ما ذكرت فلم قلت أن الفرضين إذا ذكر أحدهما مقيدا بحكم والآخر مطلقا أن المطلق محمول
على المقيد

(1) في هامش النسخة د بخط المصحح علق على كلمة " يخيل " بقوله: أخال الشراء اشتبه، يقال هذا أمر لا يخيل
كذا في الصحاح والذي وجدته في الصحاح " أخال الشئ أي اشتبه يقال هذا لا يخيل ".
صحاح الجوهري 2 / 182.
(2) في ح زيادة " فيه ".
(3) ذهب أبو حنيفة ومن تابعه من الأصوليين إلى أن المطلق والمقيد إذا وردا في حادثة واحدة لا يحمل المطلق على
المقيد، لان كلام الحكيم محمول على مقتضاه، ومقتضى المطلق الاطلاق والمقيد التقييد. وقال الشافعي يحمل
المطلق على المقيد، لان الحكيم إنما يزيد في الكلام لزيادة في البيان، فلم يحسن إلغاء تلك الزيادة ويجعل كأنه
قالهما معا ولأن موجب المقيد متيقن وموجب المطلق محتمل.
راجع تخريج الفروع على الأصول للزنجاني 134 وأصول السرخسي 2 / 26 وشرح تنقيح الفصول 269
والاحكام للآمدي 2 / 162 وأصول الفقه للخضري 211 وأصول الفقه د. حسين حامد حسان 458 واللمع
للشيرازي 23 والابهاج 2 / 127 والمسودة 137 و 144.
223

وإنما كلامنا معك في فرضين وكفارتين كل واحدة منهما (1) متعلقة بسبب غير ما تعلقت
الأخرى به
وما الفرق بين الفرضين المختلفين وبين الكفارتين المختلفتين وهل يشكل على أحد
أن (2) كفرة القتل فرض غير كفارة الظهار وأن كل (3) واحدة منها متعلقة بسبب غير ما
تعلقت الأخرى به كسائر الفروض المختلفة
فإن قال إنهما قد جمعهما اسم الكفارة فكان شرط الإيمان في رقبة أحدهما (4) شرطا في
الأخرى
قيل له فإذا جمعهما اسم الكفارة وجب عندك حمل إحداهما (5) على الأخرى قياسا أو
من جهة أن اللغة تقتضيه
فإن قال إن اللغة تقتضي ذلك
قيل له وعن من حكيت هذا من أهل اللغة فلا يمكنه أن يدعي ذلك على أحد
منهم
ثم يقال له ومن (6) أين وجب إذا جمعهما اسم الكفارة أن تكون إحداهما (7) محمولة
على الأخرى في الصفة المشروطة لإحداهما (8)
ولو كان هذا واجبا لوجب أن يكون كل ما (9) شرط في كفارة الظهار مشروطا في كفارة
القتل وكل ما (10) شرط في كفارة اليمين مشروطا في كفارة الظهار والقتل وكذلك كل
ما شرط في جزاء الصيد من الكفارات ينبغي أن يكون مجموعا إلى هذه الكفارات لأن
الجميع عندك من حيث جمعهما اسم الكفارة (11) كالمعطوف بعضه على بعض والصفة
المشروطة في بعضه مشروطة في جميعه فيكون إطعام ستين مسكينا مشروطا في القتل ومشروطا

(1) في د " منها ".
(2) عبارة ح " إن كانت ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) لفظ د " أحديها ".
(5) لفظ د " أحديها ".
(6) في د " من ".
(7) لفظ د أحديهما ".
(8) لفظة د " لأحدهما ".
(9) عبارة د " كل شرط ".
(10) في النسختين " كلما ".
(11) عبارة د " الاسم بالكفارة ".
224

في اليمين وفي جزاء الصيد وفي (1) كل كفارة أوجبها الله تعالى
فإن قال لا يجب ذلك لحصول الإجماع بأن بعضها غير مشروط في البعض على
هذا الوجه
قيل له إذا كان الجميع كأنه كلمة واحدة معطوف بعضها على (2) بعض يصير
تقديرها فكفارته إطعام عشرة مساكين أو ستين مسكينا ويصير قوله في الظهار فتحرير رقبة أو
إطعام عشرة مساكين ويصير قوله في القتل فصيام شهرين متتابعين فمن لم يجد فإطعام ستين
مسكينا لأنه مشروط في الظهار وكل ما (3) ذكر في الظهار فمشروط في كفارة اليمين وما ذكر في
كفارة اليمين فمشروط (4) في الظهار
فإن اجمعوا بعد ذلك على أن شيئا (5) من ذلك غير مشروط (6) في كفارة أخرى لم يكن
ذلك إلا على وجه النسخ (7) لأن اللفظ عندك قد ورد به على هذا الوجه وهذا يوجب أن
تكون هذه الكفارات كلها بعضها منسوخ ببعض وهذا تخليط (8) وهذيان ليس يخفي مثله
على عاقل
ويقال له هلا دلك حصول الإجماع على أن شرائط كل كفارة من هذه الكفارات
غير مشروطة (9) في الأخرى أن شرط الإيمان في رقبة كفارة القتل لا يوجب كونه شرطا في
كفارة الظهار فإذا لم تلجأ (10) فيما ادعيت من ذلك إلى لغة ولا دلالة من شرع ولا إجماع بل
الإجماع بخلافه (11) في سائر الشروط فهلا استدللت بذلك على فساد هذا القول وانحلاله
وكان الأولى بأصل المخالف في ذلك أن يكون شرط الإيمان في رقبة القتل دليلا على أن
رقبة (12) الظهار غير مشروط فيها الإيمان لأن من أصله أن المخصوص بالذكر يدل على أن ما

(1) لم ترد هذه الزيادة في د
(2) في د " في ".
(3) في النسختين " كلما ".
(4) لفظ د " مشروط ".
(5) لفظ ح " الأشياء ".
(6) لفظ ح " مشروطة ".
(7) لفظ د " الفسخ " وهو تصحيف.
(8) لفظ د " غلط ".
(9) لفظ د " مشروط ".
(10) لفظ ح " يلجا ".
(11) لفظ ح " خلافه ".
(12) كتبت في ح " قبة " وهو خطأ.
225

عداه فحكمه بخلافه وإذا خص رقبة القتل بشرط الإيمان ينبغي أن يدل تخصيصه لها (1)
بذلك (2) على أن (3) ما عداهما فحكمه بخلافه
واحتج من قال ذلك بأن هذا بمنزلة قوله تعالى فروجهم والحافظات
والذاكرين الله كثيرا والذاكرات (4) وبمنزلة قوله تعالى اليمين وعن الشمال قعيد (5)
والمعنى والحافظات فروجهن والذاكرات الله وعن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد (6)
فيقال (7) له ولم أوجبت (8) أن يكون من حيث كان ما تقدم من الخبر مضمرا في
الثاني أن يكون كذلك حكم الكفارات
أقلته من طريق اللغة أو من جهة الشرع
ولا يمكنه إثباته متى طولب بالدلالة عليه (9) من لغة أو (10) شرع وإنما وجب أن
يكون في هذه الأسماء اضمار من قبل أنه كلام لا يستعمل بنفسه بل هو مفتقر إلى ضمير في
إثبات فائدته لأنه لو انفرد عن الضمير لم يفد شيئا إذ لا يصح ابتداء الخطاب بقوله
والحافظات والذاكرات ونحو ذلك فلما (11) افتقر إلى ضمير وخبر كان ضميره هو الذي
تقدم ذكره مظهرا في أول الخطاب (12) وهذا مفعول من (13) اللغة وخطاب الناس لا
يخفى أمره على أحد ولو كان (14) استأنف للثاني (15) خبرا لما كان ما تقدم من الخبر مضمرا

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح " لذلك ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) الآية 35 من سورة الأحزاب.
(5) الآية 17 من سورة ق.
(6) ما بين القوسين ساقط من ح.
(7) لفظ ح " فيقال ".
(8) لفظ د " وجب ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) في د " ولا ".
(11) في د " فما ".
(12) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(13) في ح " قد ".
(14) في د زيادة " قد ".
(15) عبارة د " في الثاني ".
226

فيه لأنه لو قال والحافظات أموالهن لما كان الفروج (1) المذكورة بدءا في ذكر الأزواج مضمرة (2)
فيهن ولذلك لو قال والذاكرات آباءهن (3) أو أبناءهن لما وجب أن يكون اسم الله تعالى
مضمرا لهن هذا مع كون بعضه معطوفا على بعض فكيف يجوز أن يكون ما ليس
بمعطوف مضمرا فيه وهي قضية (4) أخرى وحكم آخر وارد في سبب غير الأول وكذلك قوله
تعالى اليمين وعن الشمال قعيد لو انفرد قوله (5) عن اليمين عن ضمير لم يستقم
الكلام فيه (6) فوجب من أجل ذلك أن يكون ما تأخر ذكره من الخبر مضمرا فيه
وأما من قال منهم إني أجعل الإيمان شرطا في رقبة الظهار قياسا على رقبة القتل
وأخص به (7) رقبة الظهار
فإن الأصل في ذلك عندنا وفي أمثاله من نحو شرط النية (8) بالماء وما (9) جرى
مجراه من إثبات زيادة لا ينبئ (10) عنها اللفظ ولا ينتظمها (11) فإن ذلك عندنا (12) ليس
بتخصيص وإنما هو زيادة في النص والزيادة في النص توجب النسخ (13) فلا يجوز أن يزاد فيه
إلا بمثل (14) ما يجوز به نسخه وكذا كان يقول شيخنا أبو الحسن رحمه الله في ذلك وفي (15)
نظائره

(1) لفظ ح " للفروج ".
(2) في ح زيادة " في " وهي مقحمة.
(3) في ح " و ".
(4) لفظ د " قصة ".
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) عبارة د " الطهارة ".
(9) في د " ما ".
(10) لفظ ح " يبين ".
(11) لفظ ح " ينضمها " ولفظ د " ينتضمها " وما أثبتناه هو الصواب.
(12) في ح " عند ".
(13) الزيادة على النص ليست نسخا عند الشافعية. وذهب أبو حنيفة إلى أنها نسخ فلا يجوز إلا بما يجوز النسخ به،
والخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في حقيقة النسخ وماهيته. فحقيقة النسخ عند الشافعية رفع الحكم
الثابت، وعند الحنفية هو بيان لمدة الحكم، فإن صح تفسير النسخ بالبيان صح قولهم: إن الزيادة على النص
نسخ من حيث أنها بيان لكمية العبادة أو كيفيتها، وإن صح تفسيره بالرفع لم تكن الزيادة نسخا.
راجع تخريج الفروع على الأصول للزنجاني 10 والمغني مع الشرح الكبير 12 / 11 والحاصل من المحصول
2 / 536.
(14) في ح " مثل ".
(15) لم ترد هذه الزيادة في د.
227

ومن جهة أخرى أن من أصلنا أن المنصوصات لا يقاس بعضها على بعض على
ما قد حكيناه عن محمد بن الحسن (1) في صدر هذا الباب
والدليل على أن (2) زيادة شرط الإيمان في رقبة الظهار يكون على وجه النسخ أن ظاهر
الآية يفيد جواز رقبة مطلقة غير مقيدة (3) بشرط الإيمان فمتى شرطناه فيها فقد حظرنا ما
أباحته الآية من جواز الرقبة الكافرة وهذا هو حقيقة النسخ وغير جائز إثبات مثله بالقياس
ولا بخبر الواحد (4)
فإن قال قائل (5) لو كانت الزيادة في النص توجب نسخه لوجب أن يكون
حدوث كل فرض يوجب نسخ ما تقدم من الفروض لأنه قد كان علينا أن نعتقد قبل حدوثه
أنه لا فرض عليه فإذا حدث فرض آخر فقد زال الاعتقاد الأول
قيل له لو فهمت عنا ما ذكرناه لكفيت نفسك هذا السؤال
وذلك أنا قلنا أن ورود الفرض الأول مطلقا من (6) غير ذكر (7) الزيادة يوجب جوازه
عن الواجب وورود الزيادة يمنع جواز الأول وكونه فرضا وهذا نسخ (8)
وليس ورود فرض ثان (9) غير متعلق (10) بالأول بمؤثر في الأول لأن الأول مبقى في
الحكم على ما كان لا يتعلق جوازه بفعل الثاني
ألا ترى أن ترك الصلاة لا يؤثر في جواز أداء الزكاة وترك الزكاة لا يؤثر في جواز فعل
الصيام فلم يكن ورود بعض هذه الفروض بعد الأول مغيرا (11) لحكم الأول (12) وكون الإيمان

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) في ح " فإن ".
(3) لفظ ح " مقيد ".
(4) ما بين القوسين ساقط من ح.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ ح " أمر "
(7) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) في د " ثاني ".
(10) لفظ د " معلق ".
(11) لفظ ح " بمغير ".
(12) تلزم الإشارة هنا إلى أن العلماء متفقون على أن زيادة " عبادة " لا يكون نسخا للعبادات ولا زيادة صلاة يكون
نسخا للصلوات. وإنما جعل أهل العراق زيادة صلاة على الصلوات الخمس نسخا لأنها تزيل عن الوسطى
كونها وسطى.
ويلزمهم أن تكون الزيادة على العبادات نسخا لأنها تزيل عنها ذلك العدد وكلام الجصاص هنا محمول على
هذا وهو المراد من كلمة " فرض " أما إذا لم تكن الزيادة كذلك بل كانت زيادة ركعة على ركعتين مثلا فقال
الشافعي إنها ليست بنسخ، وقالت الحنفية: إنها نسخ. وقال قوم: إن كان نص الأصل يفيد نفي الزيادة بدليل
الخطاب كانت الزيادة نسخا وإلا فلا. وقال القاضي عبد الجبار: إن كانت الزيادة تنفي اعتداد الأصل وحده:
كانت نسخا وإلا فلا، ولأبي الحسين البصري في ذلك أنظار وتفصيل راجعها في الحاصل من المحصول
2 / 537
228

شرطا في رقبة الظهار مانعا من جوازها مطلقة على حسب ما اقتضت (1) الآية فلذلك كان
شرط الإيمان فيها موجبا لنسخها ألا ترى أن مثله لو ورد نصا كان نسخا لأنه لو قال أعتقوا
رقبة في الظهار إن شئتم (2) كافرة وإن شئتم مؤمنة ثم قال بعد ذلك لا تعتقوا فيه رقبة كافرة
كان ذلك نسخا
وكذلك من (3) حمل إحدى (4) الكفارتين على الأخرى في شرط الإيمان فيها كان
نخسا
وأما قولك أن ورود فرض ثان يغير حكم الاعتقاد الأول فليس الأمر فيه كذلك لأن
الاعتقاد الأول حكمه باق على ما كان عليه لا يؤثر فيه ورود فرض ثان لزمه اعتقاد ثان من
غير تأثير منه (5) في اعتقاد الفرض الأول
فإن قيل أليس (6) كنا نعتقد قبل ورود الفرض الثاني أن لا فرض إلا الأول ولزم (7)
بعد (8) ورود الفرض الثاني أن ينزل الاعتقاد بأن لا فرض غيره
قيل له اعتقادنا بأن لا فرض إلا (9) الأول غير متعلق بالفرض الأول لأنه لو لم يكن
عليه فرض رأسا لكان عليه أن يعتقد أن لا فرض فليس اعتقادنا أن لا فرض متعلقا بفرض
فعلمنا أن ورود فرض ثان (10) غير مؤثر في الأول
فإن قال قائل يلزمك على هذا أن تجعل (11) رقبة الظهار منسوخة بامتناعك عن

(1) لفظ د " اقتضته ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في (ح) وأبدلها ب‍ " أو ".
(3) في د " متى ".
(4) في د " أحد ".
(5) عبارة ح " غير ما شرط ".
(6) في د زيادة " قد ".
(7) لفظ ح " لزمه ".
(8) في ح زيادة " ذلك ".
(9) في د " غير ".
(10) في د " ثاني ".
(11) في ح " إن لا ".
229

تجويزها عمياء أو مقطوعة اليدين لأن ظاهر الآية يقتضي جوازها على الأصل الذي ذكرت
قيل له لا يلزمنا ما ذكرت لأن الرقبة اسم لها بجميع أعضائها فاقتضى الظاهر رقبة
تامة وإنما شرطنا ذلك فيها بما يقتضيه موجب اللفظ وليست الرقبة اسما للإيمان ولا
يقتضيها (1) بحال فزيادة شرط الإيمان فيها موجبه للنسخ (2) على ما بينا
فإن قال قائل (3) ما أنكرت أن يكون (4) شرط الإيمان في رقبة الظهار تخصيصا
لبعض الرقاب (5) دون بعض لا على وجه (6) الزيادة في النص كما أن شرط الحرز والمقدار في
السرقة تخصيص لبعض السراق دون بعض لا على وجه الزيادة في النص
قيل له ليس كذلك لأن (7) اسم الرقبة لا يتناول الإيمان ولا الكفر ولا (8) ينبئ
عنهما فلا يكون شرط الإيمان فيها (9) إلا (10) على جهة الزيادة في النص بما لا ينبئ (11)
عنه الاسم وكذلك شرط الحرز والمقدار (12) في السرقة إلا أن آية السرقة لا يصح عندنا
الاستدلال بعمومها وهي بمنزلة اللفظ المجمل (13) بدلائل قد ذكرناها في مواضع (14) فمن
أجل ذلك جاز استعمال النظر وخبر الواحد في بيان بعض ما دخل في الحكم وليس كذلك
الرقبة العمياء والمقطوعة اليدين لأن اسم الرقبة يتناولها بأعضائها فلم يكن امتناع جواز
العمياء ثم من جهة الزيادة في النص إذ كان اللفظ يتناولها صحيحة

(1) ما بين القوسين ساقط من ح
(2) لفظ ح " النسخ ".
(3) لفظ ح " القائل ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " الرقبات ".
(6) لفظ ح " جهة ".
(7) في ح " جهة ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) في ح " لا " وهو تصحيف.
(11) لفظ ح والتقدير ".
(12) لفظ ح " يبين ".
(13) راجع المسودة 101 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 93 والابهاج 2 / 135 وتيسير التحرير 1 / 244
(14) عبارة د " غير هذا الموضع ".
230

فإن قال قائل إنما يكون (1) شرط الإيمان في رقبة الظهار زيادة فيها (2) ونسخا لها لو
ورد بعد ثبوتها مطلقة فأما إذا (3) جعلت في (4) الأصل كأنها لم تجب (5) إلا مقيدة بشرط الإيمان
فليس في هذا نسخ بل هو تخصيص
قيل له إنما يجوز الحكم بوجوبها (6) في الأصل على هذه الشريطة الملحقة بها (7) إذا
كان ثبوت الشرط من الجهة التي يجوز بمثلها النسخ وغير جائز إثبات نسخ القرآن ولا ما هو في
معنى النسخ بالقياس ولا (8) بخبر الواحد لأنا إنما نحتاج (9) أن نعتبر ذلك فيما ورد (10)
من جهة توجب العلم فيعترض به على ظاهر القرآن فأما ما كان على غير ذلك فلا (11)
ولامتناع جواز شرط الإيمان في رقبة الظهار وجه آخر وهو أن كل ما خرج مخرج (12)
الجواب لسائل سأل عنه من آية نزلت فيه أو قول من الرسول عليه السلام مع لزوم (13)
تنفيذ (14) (15) هذا الحكم وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بجهل السائل به فإن ما (16) نزل به إطلاق الآية
أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو على (17) إطلاقه ومهما ألحقنا به من شرط لم يكن إلا على وجه
النسخ على أي وجه كان
وذلك لأنه لو كان هناك شرط آخر أو ما يوجب تخصيص إطلاق الجواب لما أخر النبي
صلى الله عليه وسلم بيانه للسائل مع إلزامه إياه تنفيذ (18) الحكم وعلمه بجهل السائل فلا تكون الزيادة فيما

(1) لفظ د " كان ".
(2) في د " لها ".
(3) في ح " إذا ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " تكن ".
(6) لفظ ح " بوجودها ".
(7) في د " بهما ".
(8) عبارة ح " فالقياس الأول " وهو تحريف.
(9) في ح زيادة " إلى ".
(10) سقطت هذه الزيادة من ح.
(11) سقطت هذه الزيادة في ح.
(12) سقطت هذه الزيادة من ح.
(13) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(14) لفظ ح " بتقييد ".
(15) في ح " زيادة " في ".
(16) في النسختين " فإنما ".
(17) سقطت هذه الزيادة من ح.
(18) تقرأ في ح " بتقييد " وما أثبتناه هو الصحيح.
231

كان (1) هذا وصفة إلا من طريق النسخ ورقبة الظهار من هذا القبيل
وذلك لأن أوس بن الصامت (2) ظاهر من امرأته شهر رمضان فجاءت امرأته تسأل
النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى آية الظهار فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم مريه فليعتق رقبة قالت لا
يجد (3) إلى أن ذكر الصيام والإطعام فأمره الله تعالى بعتق رقبة من غير شرط الإيمان
وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بها كذلك
ولو كان من شرطها الإيمان لبينه (4) النبي صلى الله عليه وسلم لأن مثله لا يجوز أن يكون الحكم فيه
موكولا إلى استدلال المأمور به ونظره من وجهين
أحدهما أنه ولا قد ألزمه تنفيذ الحكم في الحال
والثاني أن السائل كان جاهلا بالحكم ولم يكن من أهل الاجتهاد والنظر فيكون
حكم الرقبة موقوفا على اعتباره (5) بالأصول
وروي أيضا أن سلمة بن صخر (6) ظاهر من امرأته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة وكان
جاهلا بالحكم ولم يكن من أهل الاجتهاد فلو قيدناها (7) بشرط الإيمان لم يكن ذلك إلا
نسخا على ما بينا فدل ما وصفنا على أن المأمور به في الآية من الرقبة هو رقبة مطلقة غير
مقيدة بشرط الإيمان وأنا متى قيدناها بشرط الإيمان كان ذلك على وجه نسخ موجب الآية

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) هو أوس بن الصامت بن قيس الأنصاري، أخو عبادة بن الصامت ذكروه فيمن شهدوا بدرا والمشاهد.
قال ابن حبان: مات في أيام عثمان وله خمس وثمانون سنة وقال غيره مات سنة أربع وثلاثين بالرملة وهو ابن اثنين
وسبعين سنة. انظر الإصابة 1 / 87.
(3) أخرج أبو داود من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت ظاهر مني زوجي أو سبن الصامت، فجئت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتق الله، فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن
" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " إلى الفرض - أي ما فرض الله من كفارة الظهار - فقال: يعتق رقبة،
قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم
ستين مسكينا قالت: ما عنده من شئ يتصدق به، قالت: يا رسول الله، فإني أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنت، اذهبي
فأطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك، قالت: والعرق ستون صاعا.
راجع مختصر سنن أبي داود وعليه معالم السنن للخطابي 3 / 140
(4) عبارة ح " لبنه عليه ".
(5) لفظ د " اعتبارها ".
(6) هو سلمة بن صخر بن سليمان بن الصمة الأنصاري الخزرجي البياضي الذي ظاهر من امرأته، روي عنه ابن
المسيب وسليمان بن يسار.
انظر مختصر تهذيب الكمال 126
(7) لفظ ح " قيدنا ".
232

بعد استقرار حكمها على رقبة مطلقة ومثله لا يجوز إثباته بخبر الواحد وإثباته بالقياس
أبعد
ومن جهة أخرى أن رقبة الظهار مطلقة منصوص عليها ورقبة القتل مقيدة بشرط
الإيمان منصوص عليها أيضا والمنصوصات لا يقاس بعضها على بعض لأن المنصوص عليه
قد استغنى بدخوله تحت النص عن قياسه على غيره إذ كان القياس إنما يفتقر إليه عند عدم
النص وهو مثل ما نص الله تعالى عليه (1) في الطهارة بالماء من الحدث على غسل أربعة
أعضاء ونص في التيمم على مسح عضوين ونص على قطع يد السارق وعلى قطع يد
المحارب ورجله فلم يجز لأحد قياس التيمم على الوضوء في استعماله في أعضاء الوضوء (2)
ولا قياس السارق على المحارب في قطع يده ورجله
والمعنى فيه أن كل واحد منهما منصوص على حكمه فسقط اعتبار القياس فيه
ونظيره ما نص الله تعالى عليه (3) في (4) كفارة قتل الخطأ مع الدية ونص في العمد
على القصاص من غير ذكر كفارة فلم يجز عند إلحاق العمد بالخطأ في حكم الكفارة لأن كل
واحد من القتلين (5) مذكور باسمه منصوص على حكمه ولا (6) يجوز قياس المنصوص
بعضه (7) على بعض وهذا أصل صحيح قد اعتبره أصحابنا ومنعوا القياس في مثله وهو
معنى قول محمد الذي قدمناه في صدر هذا الباب (8) أنه إنما يقاس على التنزيل فأما التنزيل
بعينه فلا يقاس (9)
فإن قال قائل موضع الكفارة في قتل العمد منصوص عليه وعدم الإيمان في

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) ما بين القوسين ساقط من ح.
(3) في ح زيادة " في كتاب الله ".
(4) في د " من ".
(5) لفظ ح " نجد " وهو تصحيف.
(6) لفظ ح " القتيلين ".
(7) في د " فلا ".
(8) عبارة د " المنصوصات بعضها ".
(9) لفظ ح " الكتاب ".
(10) ما بين القوسين بياض في ح.
233

رقبة الظهار غير منصوص عليه فمتى قسنا رقبة الظهار على رقبة القتل في تقييدها بشرط (1)
الإيمان فإنما قسنا غير المنصوص على المنصوص (2)
وكذلك قياس كفارة قتل العمد على الخطأ
قيل له قد نص الله تعالى على رقبة مطلقة فكل ما (3) تناوله هذا الاسم فهو
منصوص عليه داخل تحته فمتى ألحقناها برقبة القتل فقد قسنا المنصوص عليه
وكذلك حكم (4) قتل العمد منصوص عليه غير مشروط فيه الكفارة فمتى قسناه على
الخطأ بإيجاب (5) الكفارة فيه (6) فقد قسنا المنصوص عليه ولو جاز أن يقال (7) إن هذا ليس
بقياس المنصوص لجاز قياس الأم على الابنة (8) في شرط الدخول لأنهما مبهمة (9) ليس فيها
شرط دخول ولا غيره (10) ولجاز قياس التيمم على الوضوء في وجوب استعماله في أربعة أعضاء
لأن العضوين الآخرين غير منصوص عليهما في التيمم ولجاز قطع يد السارق ورجله قياسا
على المحارب لأن الرجل غير منصوص عليها في السرقة فلما امتنع هذا بالاتفاق (11) علمت
أن هذا الضرب من القياس خطأ لا يسوغ فيه ولا (12) في نظائره
فإن قيل فقد قست جزاء الصيد في الخطأ على العمد والنص وارد في العمد لقوله
تعالى قتله منكم متعمدا (13)
قيل له لأن الخطأ غير منصوص عليه في الصيد والمنصوص عليه هو العمد فجاز

(1) لفظ ح " في شرط ".
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) كتبت في النسختين " فكلما ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) لفظ د " في إيجاب ".
(6) في ح " به ".
(7) لفظ ح " يقول ".
(8) لفظ د " إلا بنت ".
(9) عبارة ح " لأنها مبهمة في شرط الدخول ".
(10) راجع في توضيح ذلك أحكام القرآن للجصاص 2 / 155 والقرطبي 5 / 106 والكشاف 1 / 516
(11) في د زيادة حرف " و ".
(12) سقطت هذه الزيادة من د.
(13) الآية 95 من سورة المائدة.
234

اعتبار ما ليس بمنصوص عليه (1) بالمنصوص وكفارة الظهار والقتل جميعا منصوص عليهما
وكذلك ذكر قتل العمد والخطأ منصوص على كل واحد (2) منهما
وكما اتفقوا على أن كفارة القتل لا تقاس على كفارة الظاهر في باب إيجاب الإطعام
فيها عند عدم الصوم وإن كان الإطعام غير منصوص عليه في كفارة القتل
فإن قال إنما لم نقس كفارة القتل على الظهار في جواز الإطعام عند عدم الرقبة
والصوم لأن كفارة القتل لما عظم أمرها بشرط الرقبة المؤمنة لم يجز لنا تخفيف حكمها بجواز
الإطعام عند عدم الرقبة والصوم قياسا على الظهار لأن فيه وصفها على غير الوجه الذي
ورد إيجابها في الأصل
قيل له فامتنع (3) بهذه العلة قياس رقبة الظهار على القتل بشرط الإيمان لأن كفارة
الظهار لما وردت مورد التخفيف في جواز الانتقال إلى الإطعام عند عدم الرقبة والعجز عن
الصيام لم يجز شرط الإيمان فيها لأن ذلك يوجب تغليظها على ما أجازته الآية مطلقة من غير
شرط التغليظ بتقييد الإيمان
فإن قال قائل ما ذكرت من امتناع جواز إحدى الكفارتين على الأخرى مسلم (1)
لك فما أنكرت أن يقاس بعضها على بعض في الصفة لا في إثبات زيادة معنى غير مذكور
فيها فتقاس رقبة الظهار لم على رقبة القتل في باب إثبات شرط الإيمان فيها وهي صفة كما قسنا
جميعا التيمم على الوضوء في الصفة وهو كونه إلى المرفقين لا في إثبات عضو آخر
قيل له هذا (5) خطأ لأن الزيادة في النص إذا كانت (6) نسخا على ما بينا لم يختلف

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ د " أحد ".
(3) لفظ د " فامنع ".
(4) لفظ ح " يسلم ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ ح " كان ".
235

حكمها أن تكون الزيادة أو إثبات معنى غيرها فالواجب (1) عليك على هذه القضية أن لا
تثبت النفي مع الجلد حدا ولا توجب الضمان على السارق بعد القطع ولا يلزم قاتل
العمد كفارة لأن ذلك ليس بزيادة صفة وأما التيمم فإنا لم نثبته إلى المرفقين قياسا على
الوضوء إنما أثبتناه من قبل (2) أن قوله تعالى بوجوهكم وأيديكم (3) (4) يقتضي
اليد إلى المنكب لأن الاسم يتناوله فأسقطنا ما فوق المرفقين بالاتفاق وإلا فظاهر اللفظ
يقتضيه وأبقينا حكم اللفظ في (5) المرفقين
والمعنى الذي ذكرناه في أن شرط الإيمان في الرقبة لما (6) لم يتناوله (7) اسم الرقبة ولم
تنبئ (8) عنه كان زيادة فيها لا على وجه التخصيص قد اعتبره أصحابنا في مسائل الإيمان
أيضا
قال محمد بن الحسن (9) في الجامع الكبير لو قال رجل (10) إن اغتسلت فعبدي
حر أو قال إن أكلت أو شربت فعبدي حر وقال عنيت غسلا من جنابة أو قال عنيت طعاما
دون طعام أو شرابا دون شراب لم يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى
وكذلك إن قال إن دخلت الدار فعبدي حر وعنى إن دخلها وعليه ثوب لم تعمل
نيته لأن لفظ اليمين لا ينبئ على ما عناه فكأنه إنما (11) نوى تخصيص غير اللفظ
الملفوظ به (12) ففي اللفظ عموم لم تعمل فيه النية وصارت النية لغوا
ولو كان قال إن اغتسلت غسلا أو أكلت طعاما أو شربت شرابا صدق فيما بينه

(1) عبارة ح " ثم الواجب ".
(2) لفظ ح " قبيل ".
(3) في د زيادة " منه " وهو خطأ.
(4) الآية 43 من سورة النساء.
(5) في د " إلى ".
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) لفظ " يتناول ".
(8) لفظ ح " يثبت " وهو تصحيف.
(9) لم ترد هذه الزيادة من ح.
(10) لفظ ح " لرجل ".
(11) عبارة ح " لرجل ".
(12) في ح زيادة " ذكره ".
236

وبين الله تعالى (1) لأن الغسل والطعام والشراب الذي نوي تخصيصها (2) مذكورة في
لفظه فصلحت (3) نية التخصيص فيها
وكذلك على هذا لما لم (4) يتناول اسم الرقبة الإيمان لم يصح (5) تخصيصها به
وكان متى شرط فيها الإيمان كان زيادة فيها لا تخصيصا (6) وهذا معنى يبين (7) الفصل بين
التخصيص وبين الزيادة
وعلى المنهاج الذي ذكرنا في امتناع شرط الإيمان في رقبة الظهار القول في شرط النفي
مع الجلد أو (8) الرجم مع الجلد للزاني لأن الآية أوجبت جلد المائة حدا كاملا فمتى ألحقنا به
النفي والرجم معه صار جلد المائة غير حد لأنه يصير بعض الحد ولم يقع الجلد بانفراده
موقع الجواز فكان إيجاب النفي أو الرجم معه نسخا فلم يجز ذلك إلا بمثل ما يجوز به
النسخ (9)
وكذلك شرط النية في الطهارة وكون المضمضة والاستنشاق فرضا في الوضوء ونظائره
يجري على منهاج واحد على الوصف الذي قدمنا
فإن قال قائل إنما كان يكون ما ذكرت نسخا لو ورد بعد استقرار حكم الآية وأما إذا

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح " تخصيصهما ".
(3) لفظ ح " فحصلت ".
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) ما بين القوسين ساقط من د.
(7) لفظ ح " بين ".
(8) في ح " و ".
(9) قال القرافي: زيادة التغريب على الجلد ليست نسخا لأنها لا تنفي إلا نفيها وهو معلوم بالاستصحاب ورفع
حكم الاستصحاب لا يكون نسخا.
والدليل على أن ذلك النفي معلوم بالاستصحاب: أن إيجاب الجلد مشترك بين إيجاب التغريب وعدمه
والمشترك لا يدل على خصوص كل واحد من القسمين. وأما إجزاء الجلد وكونه كمال الحد وتعلق رد الشهادة به
فهي أحكام تتبع نفي الزائد المستصحب فجاز ازالتها بخبر الواحد والقياس تبعا لجواز إزالة ذلك النفي، بل لو
كانت هذه الأحكام منصوصة، لم يجز إزالتها بخبر الواحد والقياس. الحاصل من المحصول 2 / 538.
237

الصامت (1) خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب
بالثيب الجلد والرجم (2) ومعلوم أنه إنما أخبر فيه عن السبيل المذكور في قوله عز وجل
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (3) فثبت أنه لم يكن بين
قوله تعالى في البيوت وكان هذا حد الزانية مع الأذى وبين هذا الخبر
واسطة حكم في الزيادة (4) فثبت أن قوله تعالى والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلده (5) نزل بعد ذلك فصار ناسخا له ولهذا المعنى قلنا إن الرجم ليس بجد (5) مع
الجلد وإن الآية ناسخة لكونهما جميعا حدا مستحقا في حال واحد لأنها نزلت مطلقة بعد
حديث عبادة بن الصامت الذي ذكرنا (7)
وكذلك سبيل خبر الشاهد واليمين مع الآية لأنها أوجبت علينا اعتبار العدد المذكور

(1) عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد صحابي من الموصوفين بالورع شهد العقبة، وكان
أحد النقباء، وبدرا وسائر المشاهد. ثم حضر فتح مصر وهو أول من ولى القضاء بفلسطين. ومات بالرملة أو
ببيت المقدس روى 181 حديثا اتفق البخاري ومسلم على ستة منها. ولد في 38 ه‍ وتوفي في 34 ه‍. انظر
ترجمته في حسن المحاضرة 1 / 89 والمحبر 270 وتهذيب التهذيب 5 / 111 والإصابة ترجمة رقم 4488 وخلاصة
تهذيب الكمال 159 وتهذيب ابن عساكر 7 / 206 والاعلام 4 / 30
(2) أخرج مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " خذا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر
جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب الجلد والرجم ". أما كلمة " تغريب عام " التي أوردها الجصاص رويت بلفظ
" تغريب سنة " هكذا وجدتها عند مسلم والترمذي وأبي داود النسائي وابن ماجة وفتح الباري راجع في تخريج
الحديث صحيح مسلم كتاب الحدود حديث رقم 12، 14 (11 / 190) وفتح الباري كتاب التفسير سورة رقم
4 في الترجمة 8 / 437 وابن ماجة كتاب الحدود باب 7 (2 / 114) و (2 / 853)، وعون المعبود كتاب الحدود باب
3 / 486 ومشكاة المصابيح 2 / 328 رقم 3558
(3) الآية 15 من سورة النساء.
(4) لفظ د " الزنا ".
(5) الآية 2 من سورة النور.
(6) لفظ ح " يجب ".
(7) ولا يظن أن كلام الجصاص هنا على القطع فان العلماء قد اتفقوا على أن الآية منسوخة لكنهم اختلفوا في
ناسخها، فذهب بعضهم إلى أن ناسخها هو حديث عبادة بن الصامت السابق وهذا على مذهب من يرى نسخ
القرآن بالسنة وذهب بعضهم إلى أن الآية منسوخة بآية الحد التي في سورة النور. وقيل: إن هذه الآية منسوخة
بالحديث والحديث منسوخ بآية الجلد.
ويعجبني قول أبي سليمان الخطابي في عون المعبود حين قال: لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في الحديث وذلك
لان قوله تعالى: " فأمسكوهن في البيوت " ممدود إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا وان ذلك السبيل كان مجملا فلما
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية المجملة لا ناسخا لها.
انظر عون المعبود كتاب الحدود باب 23 (12 / 91) وما بعدها.
238

لم يعلم أن وروده كان متراخيا (1) عن الآية فغير جائز حمله على وجه النسخ بل الواجب
الحكم بورودهما معا فنستعملهما ولا نجعل أحدهما ناسخا للآخر
قيل له لا يخلو الخبر من أن يكون واردا مع الآية أو قبلها أو بعدها
فإن كان بعدها فهو ناسخ لها لما بينا
وإن كان قبلها فالآية ناسخة له لأنها وردت مطلقة موجبة لكون الجلد حدا كاملا
وإن كان معها و (2) ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عقيب تلاوة الآية فالواجب وروده و (3) نقله في وزن
نقل (4) الآية وورودها (5) والواجب (6) أن يرد عن الصحابة استعماله مع الجلد على حسب
استعمالهم للجلد (7)
فلما وجدنا (8) الصحابة مثل عمر وعلي (9) وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين قد عرفوا
النفي ولم يروه (10) حدا وإنما رأوه (11) على وجه المصلحة وموكولا حدثنا إلى (12) رأي الإمام
واجتهاده علمنا أنه لم يكن وروده على معنى أنه بعض الحد مع الجلد
وأيضا فإن خبر النفي وارد قبل الآية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عبادة بن

(1) لفظ ح " مراخنا ".
(2) لفظ د " ذكره ".
(3) لفظ د " نقله ".
(4) لفظ ح " مثل ".
(5) لفظ ح " ووروده ".
(6) لفظ ح " فالواجب ".
(7) لفظ ح " الجلد ".
(8) في ح زيادة " علة " ولا معنى لها.
(9) عبارة ح " علي وعمر ".
(10) لفظ ح " يرده ".
(11) لفظ ح " راده "
(12) في ح " ان " وهو تصحيف.
239

فيها والخبر يجيز الاقتصار على ما دونه وهما في المعنى سواء (1) وإن كان خبر الشاهد واليمين
فيه (2) ترك بعض موجب الآية وخبر النفي مع الجلد أو الرجم مع الجلد زيادة فيه وأن
اختلافهما من جهة أن في أحدهما ترك بعض ما في الآية وفي الآخر (3) زيادة فيها غير مانع من
تساويهما في إيجاب نسخهما (4)
فإن قال قائل وما الذي يمنع أن يكون ذلك تخصيصا ولا يكون نسخا (5) وليس فيه
أكثر من الاقتصار في كون الجلد حدا في بعض الأحوال دون بعض وهو أن يكون معه نفي
والحكم بالشاهد واليمين في حال وبالشاهدين والشاهد والمرأتين في حال
وكذلك هذا في الطهارة (6) لأن شرط النية فيها يقتضي (7) جواز (8) بعض الغسل
طهارة وبعضه ليس بطهارة وهذا تخصيص للآية (9) لا نسخ فيه
قيل له لو عرفت معنى التخصيص لم تسأل عن هذا وذلك لأن التخصيص
للفظ (10) إنما يكون في اللفظ المنتظم لمسميات فيخرج بعض ما انتظمه اللفظ من الحكم
فقولك في الجلد أنه صار حدا في حال دون حال وهي حال (11) وجود النفي معه غلط من
وجهين
أحدهما أن الأحوال غير مذكورة في اللفظ فيخص بعضها بما ذكرت وما ليس
بمذكور فغير جائز أن يقال فيه تخصيص اللفظ

(1) في ح " سوى ".
(2) لفظ ح " قد ".
(3) لفظ د " الأخرى ".
(4) لفظ ح " نسخها ".
(5) وقال في المغنى والشرح الكبير بالنسبة للثيب: لو قلنا إن الثيب لا يجلد لكان هذا تخصيصا للآية العامة وهذا
سائغ بغير خلاف فإن عمومات القرآن في الاثبات كلها مخصصة وقولهم إن هذا نسخ ليس بصحيح وإنما هو
تخصيص (10 / 121).
(6) لفظ ح " الظاهر " وهو تحريف.
(7) لفظ ح " يقنض ". (8) لفظ ح " جواب " وهو تصحيف.
(9) لفظ ح " الآية ".
(10) عبارة د " تخصيص اللفظ ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في ح.
240

والثاني أنك لم تجعل الجلد حدا بحال كان معه نفي أو لم يكن لأنه إن (1) كان معه
نفي فهو والنفي جميعا (2) حد واحد
وإذا كان هو وغيره حدا فليس هو في نفسه حدا بل هو بعض الحد كما أن جلد تسعين
ليس بحد عند أحد وإن انفرد عن النفي فهو (3) أيضا ليس بحد عندك (4)
فليس ها هنا تخصيص بوجه وإنما هو نسخ على الوجه الذي بينا
وأما خبر الشاهد واليمين عندك مقبول في كل موضع يقبل فيه رجل وامرأتان فما الذي
خصصت من الآية بخبر اليمين والشاهد (5) فقد بان لك أن خبر النفي وخبر الشاهد
واليمين لا يقتضيان (6) تخصيص شئ من لفظ القرآن وأنهما لو بنيا على الوجه الذي يدعيه
المخالف لاعترضا (7) ابن علي حكم الآية على وجه النسخ ويكون ما تعلق بخبر الشاهد
واليمين من نسخ الآية على وجهين
أحدهما جواز الاقتصار على شاهد واحد وهو أقل من العدد المذكور
والآخر إثبات التخيير بين ثلاثة أشياء فالله تعالى إنما خير في الآية (8) بين
شيئين
فإن قال قائل ليس هذا نسخا لأن الخبر كأنه ورد (9) هو والآية معا عقيبها بلا
فصل
قيل له قد بينا ذلك فيما سلف
وعلى أنه لا يجوز أن يلحق بالآية فيما كان هذا وصفه إلا ما ورد من طريق التواتر
واستعمله الناس معها فإما أن يكون أحد الحكمين ثابتا في (10) القرآن الذي لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه وما ألحق به زيادة عليه من جهة لا توجب العلم فهذا غير جائز
عندنا لما وصفنا

(1) لفظ د " إذا ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " فهذا ".
(4) عبارة ح " عندك ليس بحده.
(5) عبارة د " الشاهد واليمين ".
(6) لفظ ح " يقضيان ".
(7) عبارة ح " الحالف لا غير صار ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) لفظ " وارد "
(10) لفظ د " بالقران ".
241

ومن نظائر ذلك قوله تعالى وجوهكم وأيديكم إلى المرافق (1) فمن (2) قال
بإيجاب النية فيه فقد زاد في حكم الآية على وجه النسخ لا على وجه التخصيص إذ ليس
هاهنا (3) تخصيص لعموم لفظ يشتمل على مسميات تحته
وقد بينا فيما سلف أن العموم شرطه أن ينتظم جمعا (4) والجمع الذي في اللفظ (5) إنما
هو عبارة عن المأمورين وليس في الآية ذكر الطهارة بلفظ الجمع فيكون شرط النية مخصصا
لبعض ما انتظمه العموم ولأن أحوال الطهارة وأوقاتها مذكورة بلفظ الجمع فتكون النية
مخصصة لجوازها في حال دون حال وفي وقت دون وقت ومعلوم أن شرط النية لا يوجب بعض
الغاسلين (6) دون البعض لأن تخصيص بعض الغاسلين (7) أن يخرج بعضهم من الأمر حتى
لا يلزمه الغسل (8)
وإنما خص على قولهم بعض الطهارات دون بعض وبعض الأحوال دون بعض
وليست الطهارة مذكورة في عموم لفظ حتى يقع (9) فيه (10) التخصيص بالنية فلم يكن
لشرط النية فيها وجه إلا نسخ حكم الآية على الوجه الذي بينا
ومن نظائر ذلك إيجاب ضمان السارق مع القطع مع قوله تعالى أيديهما
جزاء بما كسبا نكالا من الله (11) فجعل القطع (12) جزاء (13) والجزاء اسم لما يستحق بالفعل
فإذا أوجبنا عليه الضمان بالفعل مع القطع صار القطع بعض الجزاء فهذا نظير إيجاب النفي
مع الجلد على الزاني على الوصف قوله الذي بينا فاعتبر نظائر ذلك من المسائل بما قدمنا من
الأصل فإنها تستمر عليه إن شاء الله تعالى

(1) الآية 6 من سورة المائدة.
(2) في ح " من ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في " ح ".
(4) لفظ ح " جميعا " وهو تصحيف.
(5) في النسختين زيادة واو.
(6) لفظ د " القاسلين " وهو تصحيف.
(7) لفظ د " القاسلين " وهو تصحيف.
(8) لفظ د " غسل ".
(9) لفظ د " فيقع ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) الآية 38 من سورة المائدة.
(12) ما بين القوسين ساقط من ح.
(13) لفظ ح " حدا " وهو تصحيف.
242

الباب الحادي عشر
في حكم التحليل والتحريم إذا علقا بما
لا يصلح أن يتناوله في الحقيقة
243

باب
القول في اللفظ العام
إذا خص منه شئ ما حكم الباقي (1)؟
قال أبو بكر رحمه الله
كان شيخنا أبو الحسن رضي الله عنه يقول في العام إذا ثبت خصوصه سقط
الاستدلال باللفظ وصار حكمه موقوفا على (2) دلالة أخرى من غيره فيكون بمنزلة (3)
اللفظ المجمل المفتقر إلى البيان
وكان يفرق بين الاستثناء المتصل باللفظ وبين الدلالة من غير اللفظ إذا أوجب

(1) اختلف الأصوليون في العام المخصوص في مسألتين:
أحدها: أن العام بعد التخصيص هل يبقى عاما في الباقي بطريق الحقيقة أم يبقى مجازا؟
والثاني: أنه هل يبقى حجة بعد التخصيص أم لا؟
ويتكلم الجصاص هنا في اختلاف العلماء في العام بعد تخصيصه هل يكون حجة أم لا.
ومحل النزاع فيما إذا خص بمبين أما إذا خص بمبهم كما لو قال تعالى اقتلوا المشركين إلا بعضهم فلا يحتج به على
شئ من الأفراد بلا خلاف إذ ما من فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج. وأيضا إخراج المجهول من المعلوم
يصيره مجهولا، وقد نقل الإجماع على هذا جماعة منهم القاضي أبو بكر وابن السمعاني والأصفهاني، قال
الزركشي في البحر: وما نقلوه من الاتفاق فليس بصحيح، وقد حكى ابن برهان في الوجيز الخلاف في هذه الحالة
وبالغ فصحح العمل به مع الإيهام واعتل بأنا إذا نظرنا إلى فرد شككنا فيه هل هو المخرج والأصل عدمه
فيبقى على الأصل ونعمل به إلى أن نعمل بالقرينة بأن الدليل المخصص معارض للفظ العام، وإنما يكون
معارضا عند العلم به.
وقال بعض الشافعية بإحالة هذا محتجا بأن البيان لا يتأخر وهذا يؤدي إلى تأخره.
وأما إذا كان التخصيص بمبين فقد اختلفوا فيه على مذاهب سنبينها بعد قليل.
راجع إرشاد الفحول 137 وكشف الأسرار للبزودي 1 / 307.
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) لفظ ح " لشركة " وهو تحريف.
245

التخصيص فيقول إن الاستثناء غير مانع بقاء حكم (1) اللفظ فيما عدا المستثنى (2) لأن
الاستثناء لا يجعل اللفظ مجازا ولا يزيله عن حقيقته ودلالة التخصيص من غير جهة
اللفظ تجعل اللفظ مجازا وتزيله عن حقيقته (3) لأن (4) الحقيقة هي العموم
وكان يقول رحمه الله إن هذا مذهبي ولا يمكنني (5) أن أعزيه إلى أصحابنا
وكان محمد بن شجاع (6) يذهب هذا المذهب أيضا (7) وقد ذكره في بعض كتبه
قال الشيخ الإمام (8) أبو بكر رحمه الله
والذي عندي من مذهب أصحابنا (9) في هذا المعنى أن تخصيص العموم لا يمنع
الاستدلال به (10) فيما (11) عدا المخصوص وعليه تدل أصولهم واحتجاجهم للمسائل

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) الجمل من أول قوله قال أبو بكر أوردها الشوكاني بنصها هذا من نسخته من كتاب أصول الفقه للجصاص إلا
أنه أسقط قول الجصاص " المجمل المفتقر إلى البيان " ولعلها سقط من النساخ أو الطبع. إرشاد الفحول 138
ومذهب الكرخي هذا حكاه عنه أيضا الشيخ أبو حامد وابن برهان وعبد الوهاب وقد ضعف الشوكاني هذا
القول فقال: إن قوله يقط الاستدلال باللفظ مجرد دعوى ليس عليها دليل، وقوله صار حكمه.. إلخ. ضم
دعوى إلى دعوى، والأصل بقاء الدلالة والظاهر يقتضي ذلك، فمن قال برفعها أو بعدم ظهورها لم يقبل منه
ذلك إلا بدليل ولا دليل أصلا. قلت وكلام الشوكاني مردود فإن رأي الكرخي أن العام الذي ثبت خصوصه
يصير في حكم المجمل لأن دلالة العام عنده قطعية فإذا خص العام زالت قطعيته وأصبح محتملا للمعاني فيحتاج
إلى دلالة من غيره.
وأما قول الشوكاني والأصل بقاء الدلالة والظاهر يقتضي ذلك فهو محل النزاع.
(3) ما بين القوسين ساقط من ح.
(4) في ح " لا " وهو تحريف.
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) هو محمد بن شجاع الثلجي البغدادي أبو عبد الله، فقيه العراق في وقته من أصحاب أبي حنيفة. وهو الذي
شرح فقهه واحتج له وقواه بالحديث وكان فيه ميل إلى المعتزلة. له كتاب " تصحيح الآثار " و " النوادر "
و " المضاربة " و " الرد على المشبهة " وغير ذلك. وبعض مترجميه يسميه " ابن الثلاج " ولرجال الحديث مطاعن فيه.
راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ 2 / 182 والتهذيب 9 / 220 والجواهر المضيئة 2 / 60، 2 / 438 وفيه: وبعضهم
يصحفه بالبلخي وهو غلط، وميزان الاعتدال 3 / 17 وتاريخ بغداد 5 / 350 والوافي بالوفيات 3 / 148، وهو
فيه " البلخي " تصحيف، والفوائد البهية 171 ورغبة الأمل 5 / 197 - انظر الأعلام 7 / 28.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) عبارة ح " هذا أيضا ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) في ح " بما ".
246

ألا ترى أنهم قد احتجوا في إيجاب الشفعة للجار بقول النبي صلى الله عليه وسلم الجار أحق
بسقبه (1) وهذا خاص بالاتفاق لأن الجار الذي ليس بملاصق يتناوله الاسم أيضا ولا
شفعة له (2) بالاتفاق
واحتجوا في منع المرأة من الحج إلا بمحرم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي رحم (3) محرم أو زوج (4) وهذا
خاص بالاتفاق لأن التي أسلمت في دار الحرب لها الخروج إلى دار الإسلام بغير محرم
ونظائر ذلك كثيرة مما (5) احتجوا فيه بعموم اللفظ (6) وقد ثبت خصوصها بالاتفاق نحو

(1) أخرج البخاري عن أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " الجار أحق بصقبه " روي بالصاد بفتحتين وبالسين
أيضا معناهما واحد وهو القرب أي الجار أحق بسبب قربه للشفعة من الجار.
وقيل: أراد به الشفعة للجار لما روي أنه قيل يا رسول الله ما سبقه قال " شفعته " وروي أيضا " الجار أحق
بشفعته " واحتج أبو حنيفة بهذا على ثبوت الشفعة للجار، واحتج الشافعي على أنه لا شفعة للجار بقوله (صلى الله عليه وسلم)
" إذا وقعت الحدود وصرفت للطرق فلا شفعة " " حمل الحديث على أن يراد بالجار الشريك ".
وعن الشريد بن سويد قال: قلت يا رسول الله ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار؟ فقال: " الجار أحق
بسقبه ما كان " رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ولابن ماجة مختصرا " الشريك أحق بسقبه ما كان ".
وأخرجه أيضا عبد الرزاق والطيالسي والدارقطني والبيهقي قال في المعالم: إن حديث الجار أحق بسقبه لم يروه
أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر، وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث، قال:
وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطرب الرواة فيه فقال بعضهم: عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع
وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع، وأرسله بعضهم، والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في
شئ منها اضطراب.
راجع فتح الباري بلفظ " الجار أحق بسقبه " كتاب الشفعة باب 2 ح‍ 4 وكتاب الحيل باب 14، 15 ح‍ 12
وعون المعبود كتاب البيوع باب 73 ح‍ 9 والنسائي كتاب البيوع باب 109 ح‍ 7 وابن ماجة كتاب الشفعة باب
3 ح‍ 2 وأحمد 6 / 10، 390 ونيل الأوطار 5 / 376 ومبارق الأزهار 2 / 97.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) ورد الحديث بألفاظ مختلفة وعند أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم
منها " راجع عون المعبود كتاب المناسك باب 2 (5 / 153) وفتح الباري بلفظ مختلف كتاب التقصير باب 4 ج 2
وابن ماجة كتاب المناسك باب 7 ج 2 والموطأ كتاب الاستئذان باب 37 وأحمد 2 / 251.
(4) في ح " فيما ".
(5) في د " قد ".
(6) أخرج البخاري عن ابن عباس قال " أما الذي نهى عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) فهو الطعام أن يباع حتى يقبض " قال ابن
عباس ولا أحسب كل شئ إلا مثله. راجع فتح الباري كتاب البيوع باب 55 (4 / 349) ومسلم كتاب البيوع
حديث رقم 30 (10 / 168) وتحفة الأحوذي كتاب البيوع باب 56 ج 4 وابن ماجة كتاب التجارات باب 43
ج 4 وأحمد 1 / 215، 221 والرسالة 335 ومسند الشافعي 66، 78، 82 ونيل الأوطار 5 / 134 ونصب
الراية 4 / 32.
247

نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض (1) وعن بيع ما ليس عندك (2) وعن بيع وشرط (3)
قد احتجوا بعموم هذه الألفاظ في إثبات حكم اللفظ فيما عدا المخصوص وهذا القول
هو الصحيح عندنا وقد وافقنا أبو الحسن على كثير من هذه المسائل التي احتجوا فيها بالعام
الذي قد ثبت خصوصه بالاتفاق فكان يقوله إنما هذا شئ أعتقده أنا في هذا الباب ولا
يمكنني أن أعزيه إلى أصحابنا (4)
الدليل على صحته أن قيام دلالة التخصيص في معنى الاستثناء المتصل باللفظ لا
فرق بينهما فلما لم يمنع الاستثناء من بقاء دلالة اللفظ في الباقي وجب أن يكون كذلك
حكم دلالة التخصيص في بقاء دلالة اللفظ معه فيما عداه (5)

(1) أخرج الترمذي عن حكيم بن حزام أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال " لا تبع ما ليس عندك " راجع تحفة الأحوذي كتاب البيوع
باب 19 (4 / 430) والنسائي كتاب البيوع باب 60، 70 ج 7 وابن ماجة كتاب التجارات باب 20 ج 2 وأحمد
3 / 402، 434، 327، 392.
(2) أخرج البخاري عن جابر قال " أفقرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ظهره إلى المدينة " وقال إسحاق عن جرير عن مغيرة " فبعته
على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة " راجع فتح الباري كتاب الشروط باب 4 (5 / 314) ومسلم كتاب
المساقاة حديث 110 ج 10.
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) واقتصر الجصاص في هذه المسألة على بيان مذهب شيخه الكرخي، وفي المسألة مذاهب أخرى نذكرها ملخصة
فنقول: في العام بعد التخصيص مذاهب:
المذهب الأول:
أنه حجة في الباقي وإليه ذهب الجمهور واختاره الآمدي وابن الحاجب وغيرهما وهو الحق الذي لا شك فيه
الأدلة:
أولا: لأن لفظ العام كان متناولا للكل فيكون حجة في كل واحد من أقسام ذلك الكل، ونحن نعلم
بالضرورة أن نسبة اللفظ إلى كل الأقسام على السوية فإخراج البعض منها بمخصص لا يقتضي إهمال دلالة
اللفظ على ما بقي ولا يرفع التعبد به، ولو توقف كونه حجة في البعض على كونه حجة في الكل للزم الدور وهو
محال.
ثانيا: المقتضي للعمل فيما بقي موجود وهو دلالة اللفظ عليه والمعارض مفقود فوجد المقتضي وعدم المانع
فوجب صبوت الحكم.
ثالثا: قد ثبت عن سلف هذه الأمة ومن بعدهم الاستدلال بالعمومات المخصوصة وشاع ذلك وذاع.
رابعا: قد قيل إنه ما من عموم إلا وقد خص وأنه لا يوجد عام غير مخصوص.
فلو قلنا إنه غير حجة فيما بقي للزم إبطال كل عموم، ونحن نعلم أن غالب هذه الشريعة المطهرة إنما يثبت
بعمومات.
المذهب الثاني:
إنه ليس بحجة فيما بقي، وإليه ذهب عيسى بن أبان وأبو ثور كما حكاه عنهما صاحب المحصول وحكاه القفال
الشاشي عن أهل العراق وحكاه الغزالي عن القدرية، قال ثم منهم من يبقي أقل الجمع لأنه المتيقن، قال إمام
الحرمين: ذهب كثير من الفقهاء الشافعية والمالكية والحنفية والجبائي وابنه إلى أن الصيغة الموضوعة للعموم إذا
248



خصت صارت مجملة ولا يجوز الاستدلال بها في بقية المسميات إلا بدليل كسائر المجازات وإليه مال عيسى بن
أبان.
الأدلة:
واستدلوا بأن معنى العموم حقيقة غير مراد مع تخصيص البعض وسائر ما تحته من المراتب مجازات، وإذا كانت
الحقيقة غير مرادة وتعددت المجازات كان اللفظ مجملا فيها فلا يحمل على شئ منها.
وأجيب: بأن ذلك إنما يكون إذا كانت المجازات متساوية ولا دليل على تعين أحدها وما قدمنا من الأدلة فقد
دلت على حمله على الباقي فيصار إليه.
المذهب الثالث:
إن التخصيص إن لم يمنع استفادة الحكم بالاسم وتعلقه بظاهره جاز التعلق به كما في قوله تعالى " فاقتلوا
المشركين " لأن قيام الدلالة على المنع من قتل أهل الذمة لا يمنع من تعلق الحكم وهو القتل باسم المشركين،
وإن كان يمنع من تعلق الحكم بالاسم العام ويوجب تعلقه بشرط لا ينبئ عنه الظاهر لم يجز التعلق به كما في
قوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " لأن قيام الدلالة على اعتبار النصاب والحرز وكون المسروق لا
شبهة للسارق فيه يمنع من تعلق الحكم وهو القطع بعموم السارق ويوجب تعلق بشرط لا ينبئ عنه ظاهر
اللفظ. وإليه ذهب أبو عبد الله البصري تلميذ الكرخي.
ويجاب عنه بأن محل النزاع دلالة اللفظ العام على ما بقي بعد التخصيص وهي كائنة في الموضعين والاختلاف
بكون الدلالة في البعض أظهر منها في البعض الآخر باعتبار أمر خارج لا يقتضي ما ذكره من التفرقة المفضية إلى
سقوط دلالة الدال أصلا وظاهرا
المذهب الرابع:
إن كان لا يتوقف على البيان قبل التخصيص ولا يحتاج إليه كاقتلوا المشركين فهو حجة لأن مراده بين قبل إخراج
الذمي، وإن كان لا يتوقف على البيان ويحتاج إليه قبل التخصيص فليس بحجة كقوله تعالى " أقيموا الصلاة " فإنه
يحتاج إلى البيان قبل إخراج الحائض ونحوها.
وإليه ذهب عبد الجبار وليس هو بشئ ولم يدل عليه دليل من عقل ولا نقل.
المذهب الخامس:
أنه يجوز التمسك به في أقل الجمع لأنه المتعين ولا يجوز فيما زاد عليه هكذا حكي هذا المذهب القاضي أبو بكر
والغزالي وابن القشيري وقال إنه تحكم. وقال الصفي الهندي لعله قول من لا يجوز تخصيص التثنية.
ولقد استدل لهذا القائل بأن أقل الجمع هو المتيقن والباقي مشكوك فيه لما
تقدم من الأدلة.
المذهب السادس:
أنه يتمسك به ف واحد فقط.
حكاه في المتخول عن أبي هاشم وهو أشد تحكما مما قبله.
المذهب السابع:
الوقف فلا يعمل به إلا بدليل. حكاه أبو الحسين بن القطان وجعله مغايرا لقول عيسى بن أبان ومن معه. وهو
مدفوع بأن الوقف إنما يحسن عند توازن الحجج وتعارض الأدلة وليس هناك شئ من ذلك.
راجع مذاهب وأدلة من ذكرنا في المراجع التالية: إرشاد الفحول 138 تقوين الأدلة 2 / 172 وكشف الأسرار
للنسفي 1 / 118 وكسف الأسرار للبزودي 1 / 308 والمسودة 116 والمدخل لمذهب الإمام أحمد 110 وروضة
الناظر 124 ومنافع الدقائق شرح مجامع الحقائق 45 والمستصفى 2 / 45 والإبهاج 2 / 80 وأصول السرخسي
1 / 144 وحاشية العضد على مختصر المنتهى 2 / 108 وأصول الفقه للشيخ زهير 2 / 254 وعلم أصول الفقه
للشيخ خلاف 183.
249

وأيضا (1) فإن اللفظ فيما عدا (2) المخصوص حقيقة لأن المشركين اسم لمن بقي منهم
بعد التخصيص حقيقة فوجب أن يكون دلالته قائمة في إيجاب الحكم وهو في هذا الباب
أظهر دلالة على ما ذكرنا من الجملة مع الاستثناء لأن الباقي بعد الاستثناء لا تكون الجملة
عبارة عنه بحال لأن العشرة لا تكون عبارة عن تسعة والمشركون عبارة عن ثلاثة فما فوقها
حقيقة (3)

(1) يبدأ الجصاص هنا مسألة مستقلة وهي اختلاف العلماء في العام إذا خص هل يكون حقيقة في الباقي أم
مجازا، والجصاص يذكرها مستدلا بها على أن العام حجة في الباقي بعد تخصيصه وكان حقه أن يجعلهما مسألتين
منفصلتين فتنبه ونحن نجاريه على ذلك مع قلة توفيقه حسبما نرى.
ونبين محل النزاع في المسألة ونتكلم في آخرها عن مذاهب العلماء التي لم يذكرها الجصاص.
أما محل النزاع: كما ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني والغزالي فيما إذا كان الباقي أقل الجمع فأما إذا بقي واحد أو
اثنان كما لو قال لا تكلم الناس ثم قال أردت زيدا خاصة فإنه يصير مجازا بلا خلاف لأنه اسم جمع والواحد
والاثنان ليسا بجمع. ومبنى خلاف العلماء على أن الشرط في العام الاستيعاب أم نفس الاجتماع؟ فمن شرط
فيه الاجتماع دون الاستغراق قال إنه يبقى حقيقة في العموم بعد التخصيص إلى أن ينتهي التخصيص إلى ما
دون الثلاثة فيصير مجازا. ومن قال شرطه الاستيعاب قال يصير مجازا بعد التخصيص وإن خص منه فرد واحد
لأن الكل ينتفي بانتفاء جزئه فلا يبقى عاما ضرورة، فعلى قول من جعله مجازا لا يصح الاستدلال بعمومه بعد
التخصيص لأنه لم يبق عاما.
وقيل بل هي مسألة مبتدأة سواء كان شرطا لعموم الاجتماع أو الاستيعاب لأن عامة شارطي الاستيعاب
جعلوه حقيقة في الباقي بعد التخصيص.
وذهب بعض من شرط الاستيعاب إلى اجتماع جهة الحقيقة وجهة المجاز، فمن حيث أنه تناول بقية المسميات كما
تناول قبل التخصيص كان حقيقة فيها، ومن حيث أنه اختص بها وقصر عما عداها كان مجازا.
راجع كشف الأسرار للبزودي 1 / 307 وإرشاد الفحول 137.
(2) لفظ د " عداه "
(3) ومن كلام الجصاص هذا يستبين لنا رأيه في المسألة وقد تواتر في كتب الأصوليين الأحناف وغيرهم من أن مذهبه
فيها بقي بعد التخصيص إن كان جمعا فهو حقيقة وإلا فمجاز، ولم يصرح الجصاص هنا بهذا ولكنه يفهم من
سياقه.
وقد حكى عنه هذا المذهب الآمدي واختاره الباجي من المالكية وذكره ابن الهمام في تحريره، وكذا نقل في حاشيته.
ونقل ابن السبكي في جمع الجوامع أن مذهب الجصاص أنه حقيقة إن كان الباقي غير منحصر لبقاء خاصة العموم
وإلا فمجاز، قال الشربيني وقد تبع الإمام في هذا النقل والده. وكذلك في التلويح مثله.
واعترض الشوكاني على مذهب الجصاص اعتراضا وجيها فقال إن مذهب أبي بكر الرازي لا ينبغي أن يكون
مذهبا مستقلا لأنه لا بد أن يبقى أقل الجمع وهو محل الخلاف.
وعلى كل حال فإن كلام الجصاص هنا لا يدل على اشتراط الجمع بالقطع ويحتمل كلامه الإطلاق وذلك قوله:
وأيضا فإن اللفظ فيما عدا المخصوص حقيقة.
وراجع فيما ذكرنا إرشاد الفحول 135 والأحكام للآمدي 1 / 76 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 37
وشرح العضد على مختصر المنتهى 2 / 106، وتيسير التحرير 2 / 10 والتلويح 1 / 210 والإبهاج 2 / 80
وروضة الناظر 124 وشرح تنقيح الفصول 226.
250

وكان أبو الحسن يفرق بينهما من جهة أن وجود الاستثناء المتصل بالجملة لا يجعل
اللفظ مجازا بل هو حقيقة للباقي لأن ذلك يستفاد (1) من اللفظ بنفس الصيغة فصارت
التسعة لها اسمان
أحدهما تسعة والآخر عشرة إلا واحدا والاسمان جميعا حقيقة لها لأن الصيغة
تقتضي ذلك وهي موضوعة له وكما أن قولنا واحد وواحد وقولنا اثنان سواء واللفظان جميعا
عبارة عن معنى واحد على جهة (2) الحقيقة لأنه معقوب ذلك من جهة اللفظ
وأما قيام دلالة الخصوص فإنه لا يصح أن يقترن إلى اللفظ حتى تصير الصيغة
المسموعة مع الدلالة عبارة عن الباقي لأن الدلالة لا تغير صيغة اللفظ فصارت الصيغة إذا
أطلقت والمراد بها الخصوص مجازا لأن حقيقتها استيعاب جميع ما تحتها فمتى أطلقت والمراد
البعض فقد استعملت في غير موضعها فصار اللفظ مجازا والمجاز لا يستعمل إلا في موضع
تقوم الدلالة (3) عليه
كذلك العموم متى أطلق (4) والمراد الخصوص احتاج إلى دلالة في اعتبار عمومه في
الباقي وكان ألزم (5) على هذا القول إبطال فائدة اللفظ رأسا لافتقاره محمد إلى دلالة من (6)
غيره في إثبات حكمه فكان يجيب عنه بأن هذا لا يوجب بطلان فائدة اللفظ لأن وروده
قد (7) أفادنا حدوث حكم يرد بيانه في الثاني بمنزلة اللفظ المجمل المفتقر إلى البيان فمتى
ورد البيان كان الحكم موجبا باللفظ نحو قوله تعالى حقه يوم حصاده (8) متى بين
الحق كان موجبا باللفظ
كذلك فيما وصفنا متى قامت دلالة المراد كان موجبا باللفظ فلم يكن هذا السؤال
لازما (9) له (10) على حب ما أراد السائل إلزامه وحاول به إفساد مذهبه.

(1) لفظ ح " يستعار " وهو تصحيف.
(2) لفظ د " وجه ".
(3) عبارة د " يقوم الدليل ".
(4) لفظ ح " المطلق " ولفظ د " أطلقت " وما أثبتناه أصح.
(5) لفظ ح " النفي " وهو تحريف.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) الآية 141 من سورة الأنعام.
(9) لفظ ح " لأن ". (10) لم ترو هذه الزيادة في ح.
251

فأما من (1) فرق بين الاستثناء وبين دلالة الخصوص (2) في أن دلالة الخصوص (3)
تجعل اللفظ مجازا ولا يصير مجازا بالاستثناء فإن من الناس من يقول إن ورود الاستثناء
المتصل بالجملة يجعل اللفظ مجازا لأن الألف لا يكون أبدا عبارة عن أقل منها فإذا قال ألف
سنة إلا خمسين عاما (4) فإنما (5) أطلق اسم الألف ومراده أقل منها ولا يكون ذلك إلا مجازا
واختلافهما مرجعه أن الاستثناء لفظ متصل بالجملة ودلالة الخصوص ليست بلفظ متصل
بها ولا يوجب الفرق بينهما من الوجه الذي ذكر (6) لأن لمخالفه (7) أن
يقول إذا جاز أن يريد بالألف أقل منها لما صحبه من الاستثناء ولم يمنع ذلك من (8) بقاء
دلالة اللفظ في الباقي بعد الاستثناء فكذلك (9) إطلاق لفظ العموم مع إرادة الخصوص لا
يمنع بقاء دلالة اللفظ فيما عدا المخصوص وأما من وافقه في أن الاستثناء لا يجعل الجملة
الأولى مجازا فإنهم فريقان
أحدهما من يقول في دلالة الخصوص كما يقول في الاستثناء المتصل بالجملة
ويجعل اللفظ حقيقة في الباقي ويأبى أن يكون قيام دلالة الخصوص يجعل اللفظ مجازا
ويقول إن ما كان هذا وصفه من الألفاظ لم يكن قط عموما أريد به الخصوص على حسب
ما بيناه فيما سلف وحكيناه (10) إلى عن قائله
وذلك لأن ما بقي بعد الخصوص يتناوله الاسم على جهة الحقيقة لأن المشركين إذا
كان اسما لثلاثة منهم فما فقها ثم قال المشركين (11) وقامت الدلالة على أن بعض
المشركين لا يقتلون فمن بقي من المشركين الذي يقتلون يكون حقيقة فيهم لا مجازا فوجب
استعماله فيما عدا المخصوص.

(1) في النسختين " ما " والتصحيح ما أثبتناه.
(2) لفظ د " التخصيص ".
(3) لفظ د " التخصيص ".
(4) الآية 14 من سورة العنكبوت.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لفظ د " ذكرنا ".
(7) لفظ ح " المخالفة " وهو تصحيف.
(8) عبارة ح " من ذلك ".
(9) لفظ ح " وكذلك ".
(10) لفظ ح " حيكينا ".
(11) الآية / 5 من سورة التوبة.
252

فمن (1) كان هذا أصله في ذلك سقط عنه الجواب كما (2) حكيناه عن أبي الحسن في
الفرق بين الاستثناء وبين دلالة الخصوص ويصير حينئذ في الأصل وقد بيناه فيما
سلف (3)

(1) لفظ د " فمتى ".
(2) لفظ د " عما ".
(3) اقتصر الجصاص في هذه المسألة على بيان مذهب شيخه الكرخي ويتلخص في أنه إن خص بمتصل كالاستثناء
فحقيقة، وإن خص بمنفصل فمجاز، وحكاه أبو حامد وابن برهان وعبد الوهاب عن الكرخي وغيره من
الحنفية، قال ابن برهان: ومال إليه القاضي ونقله عنه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع، ونحن نسوق بقية
المذاهب.
المذهب الأول:
ذهب الأكثرون إلى أنه مجاز في الباقي مطلقا سواء في ذلك التخصيص بمتصل أو منفصل وسواء كان بلفظ أو
بغيره. واختاره البيضاوي وابن الحاجب والصفي والهندي.
قال ابن برهان في الأوسط: وهو المذهب الصحيح ونسبه الكيا الطبري إلى المحققين.
المذهب الثاني:
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه حقيقة فيما بقي مطلقا. قال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني: وهذا مذهب
الشافعي وأصحابه وهو قول مالك وجماعة من أصحاب أبي حنيفة ونقله ابن برهان عن أكثر الشافعية، وقال
إمام الحرمين: هو مذهب جماعة الفقهاء وحكاه ابن الحاجب عن الحنابلة.
المذهب الثالث:
ذهب عبد الجبار إلى عكس مذهب الكرخي حكى هذا الوجه عنه ابن برهان قال الشوكاني: ولا وجه له.
المذهب الرابع:
وحكاه الآمدي أنه إن خص بدليل لفظي كان حقيقة في الباقي، سواء كان ذلك المخصص اللفظي متصلا أو
منفصلا، وإن خص بدليل غير لفظي كان مجازا. ولا وجه لهذا لأن القرينة قد تكون لفظية وقد تكون غير
لفظية. والآمدي بعد أن ساق مذاهب العلماء قال: والمختار تفريعا على القول بالعموم أنه يكون مجازا في المتبقي
واحدا كان أو جماعة، وسواء كان المخصص متصلا أو منفصلا عقليا أو لفظيا باستثناء أو شرط أو تقييد أو صفة.
المذهب الخامس:
حكاه أبو الحسين البصري في المعتمد عن عبد الجبار أنه إن خص بالشرط والصفة فهو حقيقة وإلا فهو مجاز، ولا
وجه له أيضا، وقد استدل بما لا يصلح للاحتجاج به على محل النزاع.
المذهب السادس:
ذهب أبو الحسن البصري إن كان المخصص مستقلا فهو مجاز، سواء كان عقليا أو لفظيا، وإن لم يكن مستقلا
فهو حقيقة، واختار هذا الرأي فخر الدين الرازي فإنه قال في المحصول والمختار قول أبي الحسين وهو أن
القرينة المخصصة إن استقلت بنفسها صار مجازا وإلا فلا.
المذهب السابع:
أن يكون حقيقة فيما بقي ومجازا فيما أخرج وقال الشوكاني: إن هذا المذهب خارج عن محل النزاع لأن محل النزاع
هو فيما بقي فقط، ولا نوافق الشوكاني على هذا الاعتراض، فقد بين الحكم في الباقي بأنه حقيقة ولا يضيره أن
يبين حكم ما أخرج بأنه مجاز فيه فليس فيه خروج عن محل النزاع.
راجع في ذلك إرشاد الفحول 135 والأحكام للآمدي 1 / 76 والتلويح 1 / 210 والإبهاج 2 / 80 وروضة
الناظر 124 وشرح مختصر تنقيح الفصول 226 وشرح العضد على مختصر المنتهى 2 / 106 وتيسير التحرير
2 / 10، وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 37.
253

وأما الفريق الآخر الذين يوافقون على أن قيام دلالة (1) الخصوص يجعل اللفظ مجازا
فإنهم يجيبون عن ذلك بأن حصول اللفظ مجازا لا يمنع بقاء حكم دلالته لأن المجاز مستعمل
في موضعه كاستعمال الحقيقة في موضعها فلا فرق بينهما من هذا الوجه فلذلك وجب أن
تكون دلالة اللفظ باقية فيما عدا المخصوص

(1) لفظ ح " الدلالة " وهو تصحيف.
254

الباب العاشر
في
اللفظ العام إذا خص منه شئ ما حكم الباقي؟
255

باب
القول في حكم (1) التحليل والتحريم إذا
علقا بما لا يصلح أن يتناولاه في الحقيقة
قال أبو بكر
الأصل في ذلك أن التحليل والتحريم إنما يتعلقان بأفعال المأمورين والمنهيين كان وما لم
يكن فعلا لهم لا يجوز أن يتعلقا به وذلك لأنه (2) لا يصح أن يؤمر أحد بفعل غيره ولا ينهى
عن فعل غيره وإذا كان ذلك (3) كذلك ثم ورد لفظ التحليل والتحريم (4) معلقا في ظاهر
الخطاب بما ليس من فعلنا علمنا بذلك أن المراد به فعلنا في ذلك الشئ نحو قوله تعالى
عليكم أمهاتكم (5) و (حرمت عليكم الميتة) (6) (7) أبو وقوله تعالى هن حل لهم ولا
هم يحلون لهن (8) ومعلوم أن غير الأم ومن ذكر معها وغير الميتة وما عطف عليها لا يجوز أن
يتناولها التحريم إذا كنت هذه الأشياء فعلا لله تعالى ومحال أن ينهانا عن فعله لأن ذلك عبث
وسفه والله تعالى عن ذلك
ويستحيل أو أيضا من جهة أخرى وهي أن هذه الشياء أعيان موجودة فلا يصح النهي
عنها ولا (9) الأمر بها لأن النهي عنها يصير في معنى النهي عن أن يكون هذا الموجود والأمر
بها يصير في معنى الأمر بأن يكون هذا الموجود وهذا محال فلما استحال ذلك فيها علمنا أن
التحليل والتحريم (10) يتعلق بفعلنا فيها فيجوز أن يقال حينئذ فيه وجهان

(1) في د زيادة " لفظ ".
(2) لفظ ح " أنه ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) عبارة د " التحريم والتحليل "
(5) الآية 23 من سورة النساء.
(6) في د إضافة " والدم ".
(7) الآية 3 من سورة المائدة.
(8) الآية 10 من سورة الممتحنة.
(9) سقطت هذه الزيادة من ح (10) عبارة د " التحريم والتحليل ".
257

أن لفظ التحريم لما تناول فعلنا صار تقدير الآية حرم (1) عليكم فعلكم في
الأمهات وفي الميتة ونحوها فيسوغ اعتبار العموم في سائر الأفعال إلا ما قام دليله وذلك لأن
التحريم لما كان حكمه فيما وصفنا فيما يتعلق به صار بمنزلة الأسماء (2) المضمنة بأغيارها (3)
فيفيد إطلاقها ما ضمنت به كقولنا (4) ضرب يقتضي ضاربا ومضروبا وجذب يقتضي مجذبا
وأب يقتضي ابنا وابن يقتضي أبا وشريك (5) يقتضي شريكا وما جرى مجرى ذلك فمن (6)
حيث كان التحريم مضمنا بأفعالنا يستحيل وجوده عاريا منها وصار (7) إطلاقه مقتضيا لنفى
جميع ما يتعلق (8) به من الفعل فيكون تقدير قوله تعالى عليكم الميتة حرم عليكم
فعلكم في الميتة (9) فيجوز اعتبار العموم فيه
والوجه الآخر أنه متى كان هناك عادة لقوم في استباحة الاستمتاع بالأمهات
والأخوات على نحو ما عليه المجوس وكثير من أصناف الكفار الذين يستحلون الاستمتاع
بهن
وقوم كانوا ينتفعون بالميتة على حسب انتفاعهم بالمذكي كان مخرج الكلام تحريم
ما كان المشركون يستبيحونه فيكون هذا المعنى متعلقا معقولا بورود (10) اللفظ فيصير
بمنزلة حرمت عليكم الاستمتاع بالأمهات والبنات ومن ذكر معهن (11) وحرمت (12)
عليكم الانتفاع بالميتة لأن المتعارف المعتاد متى خرج عليه الخطاب صار كالمنطوق به فيه
فيصح اعتبار العموم فيه
فإن قال ما أنكرت أن يكون ورود اللفظ هذا المورد يوجب أن يكون مجازا لأنه علق

(1) لفظ د " حرمت ".
(2) لفظ د " الاسم ".
(3) لفظ ح " باعتبارها ".
(4) لفظ ح " بقولنا ".
(5) لفظ ح " والشريك ".
(6) في ح " ومن ".
(7) لفظ ح " صار ".
(8) لفظ د " تعلق ".
(9) لفظ د " بالميتة ".
(10) عبارة ح " معقولا لا بورود ".
(11) ما بين القوسين ساقط من ح.
(12) لفظ ح " حرم ".
258

التحريم بأعيان فأراد (1) به (2) غيرها والمراد غير مذكور في اللفظ ولما لم يكن مذكورا لم يصح
اعتبار العموم فيه
ومن جهة أخرى أن اللفظ لما حصل مجازا احتاج إلى دلالة أخرى (3) من غيره في
إثبات حكمه لأن المجاز لا يستعمل إلا في موضع يقوم الدليل عليه
قيل له لا يجب ذلك لأن لفظ التحريم وإن علق بما لا يصح أن يكون محرما في
الحقيقة من هذه الأعيان التي هي فعل الله تعالى فإنه (4) قد عقل به عند وروده ما يعقل (5)
بالمذكور من أفعالنا لو علق به التحريم بل هو آكد في إيجاب التحريم فيه لو ذكر فعلنا فيها
لأنه إذا ذكر ضرب من الفعل وعلق التحريم به كان حكمه (6) مقصورا عليه فيما تقتضيه
دلالة اللفظ
وإذا علق التحريم بالعين تناول (7) سائر وجوه الفعل في العين وهذا على معنى (8)
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس حرمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب (9) فأخبر
أن كل ما يتعلق تحريمه بالعين تناول سائر وجوهه وما لم يعلقه بالعين قصر حكمه على ذلك
النوع دون غيره ويدل على أن ما ذكرناه معقولا من اللفظ وإن علق التحريم بالعين أن كل
واحد من أهل اللسان إذا قيل له أمك محرمة عليك أو قد حرمت عليك الخمر والميتة عقل من
خطابه بنفس (10) وروده ما يعقله منه (11) لو قيل له (12) الانتفاع بالخمر محرم عليك والاستمتاع
بالأم محظور عليك ولا يحتاج إلى استدلال ونظر في صحة وقوع العلم به يستوي في ذلك

(1) لفظ ح " وأردفه ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) في ح " وأنه ".
(5) لفظ د " عقل ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح
(7) لفظ د " يتناول ".
(8) عبارة النسختين " معنى على ".
(9) يروى عن أبي بكر بن علي وعن أحمد بن عبد الله بن الحكم عن ابن عباس بلفظ " حرمت الخمر بعينها قليلها
وكثيرها والمسكر من كل شراب " في سنن النسائي انظر ذخائر المواريث 1 / 312 وقال السرخسي قال الشافعي
في تحريم الخمر أنه معلول من غير قيام الدليل من النص دال على أنه غير معلول
وهو قوله عليه السلام " حرمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب ". انظر أصول السرخسي 1 / 149.
(10) سقطت هذه الزيادة من ح وأبدلها ب " معتبر " وهي مقحمة من الناسخ.
(11) في د " فيه ".
(12) عبارة د " قال لنا ".
259

العالم والجاهل ليس يتناوله (1) الفعل إلا على وجه واحد وهو أنه يقتضي كون الشئ المحرم
قبيحا يستحق فاعله ضربا من العقاب ولفظ التحليل أيضا لا يتناوله إلا على وجه واحد وهو
أنه ليس بقبيح ولا تبعة على فاعله في مواقعته إياه
فلما كان تعلق لفظ التحريم والتحليل بالفعل مقصورا على ما بينا صح اعتبار عموم
لفظ التحريم والتحليل في أفعالنا المضمرة في الخطاب
وأما النية فإن تعلقها بالفعل على وجهين مختلفين
أحدهما إثبات فضيلة العمل والآخر إثبات حكمه حتى إذا فقدت لم يكن له حكم
أصلا ومتى تعلقت به على وجه (2) إثبات فضيلته (3) لم يؤثر عدمها في الحكم نحو غسل
الثوب والبدن من النجاسة وغسل الجنابة والوضوء (4) متى (5) نوى بذلك (6) طهارة الصلاة
كانت نيته مثبتة (7) له فضيلة وكان (8) مستحقا بها عليه الثواب وفقدهما لا يضره في إثبات
الحكم لأن (9) الطهارة واقعة في حال وجود النية وعدمها ومتى (10) تعلقت به على جهة إثبات
الحكم كان عدمها مانعا من (11) وقوع حكم الفعل رأسا
نحو الصلاة والصيام وسائر الفروض المقصودة لأعيانها متى عريت من النية لم يثبت
حكمها وكان وجودها وعدمها بمنزلة فلما كان تعلق النية بالفعل على هذين الوجهين ولم
يكن (12) بأحد الوجهين أولى منها بالآخر ولم يجز أن يراد به (13) الوجهان جميعا مع ذلك
لاستحالة تعلقه بها على الوجهين جميعا في حال واحدة (14) احتيج فيه إلى دلالة من غير
اللفظ المراد به ولم يكن من ادعى في قوله الأعمال بالنيات إثبات حكم الأعمال بأولى (15) ممن

(1) لفظ ح " يتناول ".
(2) لفظ ح " جهة ".
(3) لفظ ح " فضيلة ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) في ح " من ".
(6) في د " ذلك ".
(7) لفظ د " نية ".
(8) لفظ ح " وكانت ".
(9) في ح " لا ".
(10) لفظ ح " ومن ".
(11) عبارة د " ما يقاس " وهو تحريف.
(12) سقطت هذه الزيادة من ح.
(13) في د " بها ".
(14) لفظ ح " واحد ".
(15) في د زيادة " به ".
260

ادعى فضيلة العلم ألا ترى (1) أنه لو ورد بمثله لفظ عموم لما ساغ اعتبار عمومه في
معنيين مختلفين فيما ليس بمذكور مما يقتضيه أولى أن لا يصلح (2) اعتبار العموم فيه فكذلك لم
يصح الاحتجاج فيه بظاهر اللفظ حتى تقوم دلالة على المراد
وكذلك قوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (3) هو
في (4) معنى ما ذكرناه في هذا الفصل لأن قوله رفع عن أمتي تعلق (5) بالفعل عن وجهين
مختلفين
أحدهما رفع الحكم رأسا والآخر رفع المأثم مع بقاء الحكم ولا دلالة في اللفظ
على اختصاصه بأحدهما دون الآخر فلم يصح اعتبار العموم فيه إذا كان ما تعلق به من
الضمير مختلفا
فإن قال قائل وكذلك التحريم قد تعلق بالأم على وجه دون وجه وبالميتة والخمر
على وجه دون وجه لأن التحريم لم (6) يتعلق في أن يبرها وينفق عليها ويكرمها ولم يتعلق
بالميتة في أن يحملها فيرمي بها وفي الخمر بأن يريقها ثم لم يمنع (7) جواز تعلق التحريم بذلك
على وجه دون وجه من اعتبار العموم فيه بإطلاق لفظ التحريم قيل له هذا سؤال من لم
يفهم ما تقدم
وذلك أنا قلنا إن التحريم إنما يتعلق بالشئ المحرم على وجه واحد وكذلك التحليل
ثم خروج (8) بعض الأفعال من حكم التحريم والتحليل لا يوجب اختلاف معنى التحريم
فيما تعلق به ولذلك (9) جاز اعتبار العموم فيه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات وقوله رفع عن أمتي الخطأ فيما تعلق به إطلاق اللفظ
مختلف في نفسه على ما بينا فكذلك لم يصح اعتبار العموم فيه (10)

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لفظ د " يصبح " وهو تصحيف.
(3) ورد عن ابن عمر " وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". الإرواء 81 والجامع الصغير 113
رقم 6 وذخائر المواريث وهو عن محمد بن مصفى في باب الطلاق 4 / 45.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ د " يتعلق ".
(6) في د " لا ".
(7) لفظ ح " يمتنع ".
(8) لفظ ح " خرج " وهو تصحيف.
(9) لفظ ح " كذلك ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
261

الباب الثاني عشر
في
الاستثناء ولفظ التخصيص
إذا اتصلا بالخطاب ما حكمهما
263

باب
القول في الاستثناء (1) ولفظ التخصيص
إذا اتصلا بالخطاب ما حكمهما (2)؟
قال أبو بكر
حكم الاستثناء إذا صحب خطابا معطوفا بعضه على بعض أن يرجع إلى ما يليه ولا

(1) اختلفت عبارة الأصوليين في تعريف الاستثناء.
فقال الغزالي: هو قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول.
وأبطله الآمدي من وجهين:
الأول: أنه ينتقض بآحاد الاستثناءات كقولنا: جاء الوقم إلا زيدا فإنه استثناء حقيقة وليس بذي صيغ بل صيغة
واحدة وهي إلا زيدا.
الثاني: أنه يبطل بالأقوال الموجبة لتخصيص العموم الخارجة عن الاستثناء فإنها صيغ مخصوصة وهي دالة على
أن المذكور بها لم يرد بالقول الأول، وليست من الاستثناء في شئ.
وقال بعض المتبحرين من النحاة: الاستثناء إخراج بعض الجملة عن الجملة بلفظ (إلا) أو ما يقوم مقامه.
ونقضه الآمدي بقول القائل " رأيت أهل البلد " ولم أر زيدا فإنه قائم مقام قوله إلا زيدا في إخراج بعض الجملة
عن الجملة وليس استثناء.
واختار الآمدي: أن الاستثناء عبارة عن لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال بحرف " إلا " وأخواتها على أن
مدلوله غير مراد مما اتصل به، ليس بشرط ولا صفة ولا غاية.
والاستثناء عند الشافعي: إخراج بعض الجملة عن الجملة بحرف إلا أو ما يقوم مقامه.
الأحكام للآمدي 2 / 120 وتخريج الفروع للزنجاني 67.
(2) لا نزاع في هذه المسألة فيما إذا تعاقبت جمل عطف بعضها على بعض ثم ورد بعدها الاستثناء أن يرد الاستثناء
إلى الجميع أو إلى الأخير خاصة. وإنما النزاع في الظهور عند الإطلاق فينصرف إلى الجميع في كونه ظاهرا في
العود لها إلا بدليل يصرفه أو ظاهرا في الأخير إلا بدليل يصرفه.
هذا هو محل النزاع بين علمائنا فتنبه له.
وراجع فتح الغفار 2 / 128 وشرح العضد على مختصر المنتهى 2 / 139 والإبهاج 2 / 95.
265

يرجع إلى ما قبله (1) إلا بدلالة (2) وكذلك (3) كان (4) شيخنا (5) أبو الحسن الكرخي (6)
رحمه الله يقول في ذلك (7) فأما (8) الاستثناء فنحو قوله تعالى في القاذف هم
الفاسقون (9) ثم قال تعالى الذين تابوا (10) فكان الاستثناء إنما عمل في إزالة سمة (11)
الفسق عن القاذف بالتوبة ولم يؤثر في جوز الشهادة (12) ولا في زوال الحد
وكذلك لفظ التخصيص إذا اتصل بالجملة نحو قوله تعالى اللاتي في
حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم (13) بهن (14) فقوله من نسائكم اللاتي دخلتم بهن
تخصيص لبعض الربائب دون بعض فهو مقصور عليهن (15) غير راجع إلى أمهات النساء
وهو مذهب عمر وابن عباس في آخرين من الصحابة قال عمر وأمهات نسائكم مبهمة
وقال ابن عباس في ذلك أبهموا ما أبهم الله تعالى (16) فكان (17) عندهم أن حكم
التخصيص مقصور على ما يليه دون ما تقدم
وكذلك (18) حكي عن أهل اللغة أنهم قالوا إن هذا حق الكلام ومقتضاه ومن الدليل

(1) لفظ د " ما تقدم ".
(2) أطلق الإمام الجصاص هنا العطف ولم يقيده بالواو وغيرها، فمن العلماء من قيده بالواو كما فعل القاضي أبو
بكر الباقلاني وإمام الحرمين والآمدي وابن الحاجب، ومنهم من جوزه بالواو ونحوها مثل الفاء وثم وحتى كما في
التحرير، ومنهم من أطلق كونه عقب الجمل من غير ذكر للعطف كالإمام فخر الدين الرازي. راجع تيسير
التحرير 2 / 2.
(3) لفظ د " كذا ".
(4) في ح زيادة " يقول ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) في ح " وأما ".
(9) الآية 82 من سورة آل عمران و 47 من سورة المائدة.
(10) الآية 34 من سورة المائدة.
(11) لفظ ح " اسمية ".
(12) وهذا يرد على ما قاله السبكي في الإبهاج من أن مذهب أبي حنيفة أنه لا يقبل شهادة القاذف وإن تاب وصار
من الأبرار 2 / 95.
(13) ما بين القوسين لم يرد في د.
(14) الآية 23 من سورة النساء.
(15) لفظ ح " عليه " وهو خطأ.
(16) سبق تخريج ذلك.
(17) في د " وكان ".
(18) لفظ د " كذا ".
266

على صحة ما ذكرنا في الاستثناء قوله تعالى آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته (1)
فكانت المرأة (2) مستثناة من المنجين (3) لاحقة بالمهلكين (4) عليه لاتصال الاستثناء بالمنجين (5)
ونحو (6) قول القائل علي لفلان (7) عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهمين إن عليه تسعة
دراهم (8) لأن الدرهمين مستثنيان من الثلاة والثلاة (مستثناة من العشرة فبقى من الثلاثة
بعد الاستثناء درهم واحد فكان ذلك الدرهم مستثنى من العشرة (9) وهذا ما لا يعلم فيه
بين الفقهاء خلاف فدل على أن كل استثناء فحكمه أن يرجع إلى ما يليه دون ما تقدمه
وكذلك حكم التخصيص المتصل باللفظ هو على هذا النحو لأن التخصيص والاستثناء
بمعنى واحد (10)

(1) الآية 59 من سورة الحجر.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " المنجيين ".
(4) لفظ ح " بالهالكين ".
(5) لفظ ح " المنجيين ".
(6) في د " ونحوه ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) ما بين القوسين ساقط في د.
(10) مبنى الخلاف في هذه الجزئية أن الإمام الشافعي يرى أن الاستثناء يوجب انعدام المستثنى منه في الدقر المستثنى
مع بقاء العموم بطريق المعارضة كالتخصيص إلا أن الاستثناء متصل بالكلام والتخصيص منفصل.
ويحتج لذلك بأمرين:
الأول: إجماع أهل اللغة أن كلمة التوحيد - لا إله إلا الله - موضوعة لنفي الإلهية لغير الله تعالى وإثبات
إلهيته، فلو لم يكن الاستثناء يفيد حكم النفي المعارض للإثبات الأول لما كان قولنا لا إله إلا الله موجبا ثبوت
الإلهية لله عز وجل.
الثاني: أن قول القائل: لفلان علي ألف يقتضي وجوب الألف عليه، ولهذا لو سكت عليه استمر وجوبها،
فإذا قال إلا مائة صار ذلك معارضا بحمله، مخرجا من اللفظ بعض ما تناول فيوجب الثاني النفي كما يوجب
الأول الإثبات، ولهذا قال الشافعي: إن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي حتى لو قال: لفلان
علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلى أن ينتهي إلى الواحد يلزمه خمسة، لأنك إذا
جمعت عدد الإثبات منها كانت ثلاثين، وإذا جمعت عدد النفي منها كانت خمسة وعشرين فتسقط المنفي من
المثبت فتبقى خمسة، وعلى هذا فقس.
وأبو حنيفة وأصحابه يرون: أن الاستثناء لفظ يدخل على الكلام العام فيمنعه من اقتضاء العموم والاستغراق
حتى يصير كأنه لم يتكلم إلا بالقدر الباقي بعد الاستثناء.
واحتجوا بأن العرب وضعت للتعبير عن تسعمائة عبارتين: إحداهما موجزة والأخرى مطولة وهي الألف إلا مائة
فتقديره عند الشافعية أن له علي ألفا إلا مائة فإنها ليست علي، وعند الحنفية أن له علي تسعمائة، فهم لا
267

ومن الدليل على ذلك أن إطلاق لفظ العموم يقتضي استيعاب ما تحته من المسميات
ولا جائز تخصيص شئ فيه إلا بدلالة فإذا اتصل الاستثناء بخطاب بعضه معطوف على
بعض فحكمه أن يعمل فيما يليه ولا يرجع إلى ما تقدمه (1) بالاحتمال لأنه لا يجوز تخصيص
العموم بالاحتمال وقد وفينا حظه بإعماله فيما يليه فاحتاج في رجوعه إلى ما تقدمه إلى دلالة
من غيره إذ غير جائز تخصيص العموم بالشك والاحتمال
وكذلك حكم لفظ التخصيص إذا اتصل بكلام بعضه معطوف على بعض هو على
هذا النحو
فإن قيل لما صلح (2) رجوع الاستثناء إلى جميع المذكور لم يجز الاقتصار به على بعض
المذكور دون بعض كما أن لفظ العموم لما صلح لجميع ما هو اسم (3) له لم يكن بعض ما
انتظمه بأولى (4) من بعض
قيل له إن لفظ العموم اسم لجميع ما انطوى تحته فمن هذه الجهة يتناول الكل لا
من جهة أنه صلح له فحسب ولو كان تناوله للكل من جهة أنه يصلح لوجب أن يتناول المجاز
ويحمل عليه لأنه يصلح له ولو علق الحكم (5) بشخص بعينه يسمى زيدا لوجب أن يتناول
كل من اسمه زيد (6) لأن اللفظ يصلح له ولوجب (7) أن يثبت (8) فيه شرطا غير مذكور
لا (9) يصلح أن يذكره وهذا خلف من القول (10)

يسلمون بأن الاستثناء من النفي إثبات، بل قالوا إن بين الحكم بالنفي والكم بالإثبات واسطة وهي عدم
الحكم فمقتضى الاستثناء بقاء المستثنى غير المحكوم عليه لا بالنفي ولا بالإثبات كقوله (صلى الله عليه وسلم) " لا نكاح إلا بولي "
يدل على العدم لا على الوجود. وهذا يعين على فهم كلام الجصاص القادم فتنبه. راجع في
فروع هذه المسألة تخريج الفروع للزنجاني ففيه غنية 67 - 71.
(1) في ح " من ".
(2) لفظ ح " تقدم ".
(3) لفظ ح " صح ".
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) في د زيادة " منه ".
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) عبارة د " يسمى زيد ".
(8) في النسختين " ولو وجب " والتصحيح ما أثبتناه.
(9) لفظ د " ثتب ".
(10) في د " لأنه ".
268

وأما الاستثناء فليس في مضمونه ولا في لفظه ما يقتضي رجوعه (1) إلى ما تقدمه
فوجب أن يكون حكمه مقصورا على ما يليه إذ قد صح حكمه فيه ومن ادعى رجوعه إلى
ما تقدم كان مدعيا لتخصيص عموم بلا دلالة
فإن قيل فلو أدخل شرطا وصله باللفظ كان جميع الخطاب متعلقا بالشرط المذكور في
آخره وكذلك يجب أن يكون حكم الاستثناء
قيل له يختلف حكمه عندنا منه ما يرجع إلى ما يليه ومنه ما يرجع إلى الجميع
وفي تفصيله ضرب من الإطالة وليس هو مع ذلك من الاستثناء في شئ في الموضع الذي
يتعلق فيه جميع المذكور بالشرط لأن الاستثناء لا يجوز أن يؤثر في الجملة حتى يجعل حكمها
موقوفا عليه وإنما يخرج منها بعض ما انتظمته بعد صحة (2) الكلام وحصول الفراغ منه
وأما الشرط فإنه يؤثر في الجملة كلها حتى يتعلق حكمها به على حسب ما يتفق من
وجود الشرط
ألا ترى أنه ما لم يوجب الشرط الذي علق به الحكم لم يكن للفظ حكم فلذلك جاز
تعلق جميع المذكور بوجود الشرط في المواضع التي يجب ذلك منها ولم يجب مثله في الاستثناء
فإن قيل (3) قال الله تعلى جزاء الذين يحاربون الله ورسوله (4) إلى قوله تعالى
ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (5) (6) ثم عقبه
بعد ذكر وعيد الآخرة بقوله تعالى الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم (7) (8)
فكان (9) راجعا إلى جميع المذكور ولم يكن حكمه مقصورا على ما يليه دون غيره فهذا يدل
على أن حكم الاستثناء رجوعه إلى جميع المذكور (10)

(1) لفظ ح " رجوعا ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ د " قال ".
(4) الآية 33 من سورة المائدة.
(5) أبدلها في ح بقوله " إلى قوله عظيم ".
(6) الآية 33 من سورة المائدة.
(7) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(8) الآية 34 من سورة المائدة.
(9) لفظ ح " فبان ".
(10) ما بين القوسين ساقط من ح.
269

قيل له لولا ما في اللفظ من دلالة رجوعه إلى الجميع لكان موقوفا على ما يليه دون
غيره وهو قوله تعالى قبل أن تقدروا عليهم ومعلوم أن زوال عقوبة الآخرة لا يتعلق
ثبوته (1) قبل قدرتنا عليهم لأن التوبة إذا صحت زالت عقوبة الآخرة في أي حال وجدت
فعلمنا أن التوبة المشروطة قبل القدرة عليهم إنما هي لزوال عقوبة الدنيا وليس يمتنع (2) أن
يكون ذلك حقيقة حكم الاستثناء
ومع ذلك يصح رجوعه إلى جميع المذكور لدلالة تقوم (3) لأن حق الكلام أن لا يزال
ترتيبه ونظامه ولا يجعل المقدم منه مؤخرا ولا المؤخر منه (4) مقدما إلا بدلالة وليس يمتنع (5)
مع ذلك إرادة تقديم المؤخر وتأخير المقدم (6) في اللفظ كقوله تعالى كلمة سبقت من
ربك لكان لزاما وأجل مسمى (7) (8) والمعنى ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى
لكان لزاما (9) ومن أجل ذلك صار الأجل مضموما بعطفه (10) على (11) الكلمة وكذلك
قوله تعالى لله الذي أنزل على عبده الكتاب (12) ولم يجعل له عوجا قيما (13) والمعنى
أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ولو خلينا وظاهر ما يقتضيه ترتيب الخطاب لما
أزلناه عن نظامه وترتيبه ثم جاز وروده على هذا الوجه مع زوال ترتيب مقتضى اللفظ
وكذلك الاستثناء حكمه لن يعمل فيما يليه ولا يعمل فيما تقدم إلا بدلالة
وقال الله تعالى في شأن السرقة تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه

(1) في النسختين زيادة " تكون " وهي مقحمة.
(2) لفظ د " يمنع ".
(3) في د " ولأن ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " يمنع ".
(6) لفظ ح " المتقدم ".
(7) عبارة د " وأجل مسمى لكان لزاما " وهو خطأ.
(8) الآية 129 من سورة طه.
(9) في النسختين " لكان لزاما وأجل مسمى " وما أثبتناه أصح.
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) في ح " إلى ".
(12) في د زيادة " قيما " وهو خطأ.
(13) الآية 1 من سورة الكهف.
270

إن الله غفور رحيم (1) فكان حكم التخصيص فيه مقصورا على ما يليه أيضا لأن التوبة به
لا تسقط القطع و (2) إنما يخرجه من أن يكون واقعا (3) على وجه النكال والعقوبة لأن التوبة
قد أخرجته من أن يكون نكالا وإنما يكون حينئذ مقطوعا على وجه المحنة كما يجوز أن يبتليه
الله تعالى بالآلام والأمراض على وجه (4) الفتنة (5) والتعريض للثواب بالصبر عليها لأن
التائب لا عقاب عليه وقد يجوز أن يكون قوله تعالى تاب من بعد ظلمه وأصلح
كلاما مبتدأ لأنه يصح ابتداء الكلام به (6)
ومن ألفاظ التخصيص ما يعرض بينه وبين الجملة التي وقع التخصيص فيها جملة
أخرى تتوسطها (7) في نسق الخطاب فلا يمنع (8) ما عرض من ذلك من إعمال لفظ
التخصيص في الجملة المتقدمة وذلك نحو قوله تعالى عليكم الميتة والدم (9) إلى
قوله تعالى فسق ثم قال تعالى يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم (10)
إلى قوله تعالى لكم الإسلام دينا (11) ثم قال تعالى اضطر في مخمصة غير
متجانف لإثم (12) يعني فيما تقدم تحريمه ولم يمنع ما توسطها من قوله تعالى يئس
الذين كفروا من دينكم وما بعده رجوع حكم التخصيص المذكور بعده إلى الجملة لأن
الجميع خطاب واحد بعضه معطوف على بعض وقوله تعالى اضطر في مخمصة لا
يصح أن يضمر فيه ويعطف عليه إلا ما تقدم تحريمه في أول الخطاب وقد جاء بلفظ
الاستثناء ما لم يخرج شيئا من الجملة كقوله تعالى يكون للناس عليكم حجة إلا الذين

(1) الآية 39 من سورة المائدة.
(2) في د " إنما ".
(3) لفظ ح " واقفا ".
(4) لفظ ح " جهة ".
(5) لفظ د " المحنة ".
(6) ما بين القوسين ساقط من ح.
(7) لفظ د " تتوسطها ".
(8) لفظ ح " يمتنع ".
(9) الآية 3 من سورة المائدة.
(10) الآية 3 من سورة المائدة.
(11) الآية 3 من سورة المائدة.
(12) الآية 3 من سورة المائدة.
271

ظلموا منهم (1) فلا (2) يدل هذا القول على أن للذين ظلموا حجة وإنما معناه ولا الذين
ظلموا منهم ويحتمل ولكن الذين ظلموا منهم (3) فلا تخشوهم ومثله قوله تعالى كان
لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ (4) والمعنى لكن إن قتله خطأ فحكمه كيت وكيت لأن قتل
الخطأ لا يجوز أن يتناوله النهي فيخرج من الجملة بالاستثناء (6)
ومن الناس من يقول معناه ولا خطأ (7) وهذا غير صحيح لأنه يوجب أن يكون قبل
الخطأ منهيا عنه لعطفه على النهي وقتل الخطأ لا يجوز النهي عنه ولا الأمر به فدل أن المعنى ما
وصفنا ومن هذا النحو قوله تعالى ما ذكيتم (8) ما ومعناه لكن ما ذكيتم وهو (9) راجع إلى
جميع المذكور لأن ما أكل السبع ظاهر أنه قتله وأكل منه يقول العرب هذا (10) أكيلة السبع
إذا (11) قتله وأكل منه ونحوه قوله تعالى كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس
لما آمنوا (12) (13) معناه لكن قوم يونس عليه السلام وقوله تعالى ما أنزلنا عليك القرآن
لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى (1) (2) معناه لكن تذكرة لمن يخشى (3) ومثله (4) قوله
تعالى (5) أو الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس (6) والمعنى لكن إبليس لم يسجد

(1) الآية 150 من سورة البقرة.
(2) لفظ د " فلم ".
(3) لم يرد ما بين القوسين في ح.
(4) الآية 92 من سورة النساء.
(5) لفظ ح " يقتله ".
(6) لفظ ح " بالاسم " وهو تحريف.
(7) في ح " هذا ".
(8) الآية 3 من سورة المائدة.
(9) لفظ د " وهذا ".
(10) في د " هذه ".
(11) في د زيادة " كان قد ".
(12) ما بين الوقسين لم يرد في د
والآية 98 من سورة يونس.
(13) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(14) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(15) الآيات 1 - 3 من سورة طه.
(16) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(17) لفظ د " ومثل ".
(18) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(19) الآية 30 من سورة الحجرات و 73 من سورة ص.
272

ويحتمل أن المراد به (1) حقيقة الاستثناء لأنه لما قال فسجد الملائكة وكان إبليس ممن يصح
أمره بالسجود استثناه (2) منهم وان لم يكن من الملائكة وهذا وجه قد ذهب إليه أبو حنيفة فيمن
قال لفلان علي ألف درهم إلا دينار أن الاستثناء صحيح لأن قوله علي (3) يتناول ما يثبت
في (4) الذمة والدينار وإن لم يكن من جنس الدرهم فإنه مما ثبت في الذمة (5) فصح
استثناؤه منها ومن الناس من يظن أن قوله تعالى أن تكون تجارة عن تراض منكم (6)
من النوع الذي تقدم ذكره وأنه بمعنى لكن تكون (7) لا عن تراض منكم (8) وليس
كذلك عندي لأن قوله تعالى تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (9) لم يكن يمنع أن تدخل
فيه التجارة عن تراض وعلى أن كثيرا من التجارات الواقعة عن تراض داخل في لفظ النفي
وهي أن يقع على (10) فساد وعلى أن وجوه محظورة فجاز أن يكون الاستثناء مقدرا (11) على
حقيقته ومخرجا لبعض ما انتظمته الجملة التي دخل عليها ومن الجمل ما ينتظم مسميات ثم
يعطف عليها بكناية فحكم الكناية في مثل ذلك رجوعها (12) إلى ما يليها دون ما بعد منها
نحو قوله تعالى لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم (13) فهذه الكناية راجعة إلى
الربائب اللاتي يلين الكناية وهذا على نحو ما ذكرناه من حكم الاستثناء
ولفظ التخصيص والمعنى في الجميع واحد
ومنها ما يكون كناية عن بعض المذكور مما (14) يلي الكناية ويشتركان جميعا في حكمها
نحو قوله تعالى رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها (15) والذي يلي الكناية هو (16) اللهو

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لفظ ح " فاستثناه ".
(3) سقطت هذه الزيادة من ح.
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) ما بين القوسين ساقط من ح.
(6) الآية 29 من سورة النساء.
(7) لفظ ح " فتكون ".
(8) لم ترد في ح.
(9) الآية 188 من سورة البقرة.
(10) في ح " عن ".
(11) لفظ د " مقرا ".
(12) لفظ ح " رجوعا ".
(13) الآية 23 من سورة النساء.
(14) في د زيادة " لم ".
(15) الآية 11 من سورة الجمعة.
(16) في ح " هذا ".
273

والكناية راجعة إلى التجارة لأنها كناية عن مؤنث وهي التجارة وليس اللهو مؤثنا فتكون
الكناية عنه وقد اشتركا جميعا في الخبر
والدليل على ذلك أنك متى أفردت اللهو عن الخبر العائد إلى التجارة سقطت
فائدته لأنه يصير في معنى وإذا رأوا اللهو وهذا كلام مفتقر إلى خبر ولا شئ ها هنا يصح أن
يكون خبرا عنه إلا ما جعله خبرا عن التجارة (1) ويحتمل أن يكون إنما خص التجارة
بعطف الكناية عليها دون اللهو لأن الانصراف عن الذكر والخطبة إلى التجارة أكثر في
العادة في مقاصد الناس منه إلى اللهو ويحتمل أن يكون قوله إليها كناية عن الجملة المذكورة
المنتظمة (3) لهما ومما عادت الكناية فيه إلى بعض المذكور قوله تعالى يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله (4) فظاهر الكناية في هذا الموضع أنها عائدة على الفضة
ويحتمل أن يكون إنما أعادها عليها لأنها تليها وإن كانتا (5) جميعا مشتركتين في الحكم لأن قوله
تعالى يكنزون الذهب والفضة لابد له من خبر لأنه غير مستقل بنفسه فلا (6) بد
من أن يكون قوله ينفقونها في سبيل الله خبرا لهما جميعا
فإن قيل يحتمل أن يكون قوله تعالى ينفقونها في سبيل الله خبرا لهما جميعا
ويحتمل أن يكون قوله ينفقونها حكما مقصورا على الفضة التي عادت الكناية إليها (7)
ويكون قوله بعذاب أليم خبرا عن الذين يكنزون الذهب
قيل له (8) معلوم أن الوعيد لم يخرج مخرج الزجر عن كنز الذهب والفضة إلا على
شريطة ترك الإنفاق منهما فغير جائز أن يكون قوله تعالى بعذاب أليم (9) وعيدا
لمن كنز الذهب من غير شريطة (10) ترك الإنفاق منه وعلى أن هذا يوجب أن تكون الآية

(1) عبارة ح " عند اللهو " وهو تحريف.
(2) لفظ ح " بالعادة ".
(3) لفظ ح " المنظمة ".
(4) الآية 34 من سورة التوبة.
(5) لفظ د " كانا ".
(6) في ح " ولا ".
(7) في د " ثم يكون ".
(8) في ح " لو " وهو تحريف.
(9) الآية 34 من سورة التوبة.
(10) لفظ د " شرط ".
274

موجبه (1) لحظر كنز الذهب على الإطلاق (2) وحظر كنز الفضة على شرط ترك الإنفاق
منها وهذا خلف من القول
وأيضا ففي سياق الآية ما دل على ما ذكرنا وهو قوله تعالى يحمى عليها في نار
جهنم (3) إلى قوله تعالى ما كنزتم لأنفسكم (4) فأخبر أنه يحمي عليها لمن كنزها
والذهب قد (5) شارك الفضة في هذا المعنى فدل علي (6) أن ترك الإنفاق راجع إليها
ومن نحو ذلك قوله تعالى ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين (7) فعطف بالكناية
على اسم الله تعالى دون الرسول صلى الله عليه وسلم والرضى المشروط (8) (9) مشروط لله (10) تعالى
وللرسول عليه السلام
والدليل على ذلك أن قوله تعالى متى أخليته على من حكم هذا الخبر افتقر إلى
خبر وليس في الآية خبر (11) غير الرضى فعلمنا أن رضى الرسول صلى الله عليه وسلم مشروط في
ذلك (12)
وقد قيل إنه إنما اقتصر بالكناية عن الله دون الرسول لأن رضاء الله تعالى رضاء
الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد (13) قيل فيه أيضا إنما أفرد الكناية لله تعالى لأن اسم الله تعالى واسم غيره لا
يجوز أن يجتمعا (14) في كناية فيقال يرضوهما وأنه متى أريد ذكر (15) اسم الله تعالى واسم
الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب (16) التبدئة باسم الله تعالى قبل غيره

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) الآية 35 من سورة التوبة.
(4) الآية 35 من سورة التوبة.
(5) في ح " قد ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) الآية 62 من سورة التوبة.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) في د زيادة " من ".
(10) لفظ ح " الله ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في د.
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) لم ترد هذه الزيادة في د.
(14) لفظ د " يجمعا ".
(15) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(16) لفظ ح " الواجب ".
275

ويدل على صحة هذا القول ما روي (1) أن رجلا خطب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال النبي صلى الله عليه وسلم بئس
الخطيب أنت (2) يعني بقوله ومن يعصهما لأنه (3) جمع بقوله اسم (4) الله تعالى واسم (5)
الرسول صلى الله عليه وسلم (6) في كناية واحدة ومن الكنايات ما يتقدم مذكوران فيرجع إلى أحدهما تارة
ثم تعلق به صفة أخرى أو حكم آخر فيرجع إلى الأخر نحو قوله تعالى بالله ورسوله
وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا (7) فقوله (8) تعزروه وتوقروه للرسول صلى الله عليه وسلم وقوله (9)
وتسبحوه بكرة وأصيلا لله تعالى
ومن ألفاظ العموم ما ينتظم مسميات بحكم مذكور لها ثم يعطف عليها بعض من (10)
شمله الاسم بحكم يخصه به فلا يكون في هذا دلالة على أن الحكم الأول مخصوص فيمن
عطف عليه دون من (11) استوفاه الاسم واقتضاه العموم وذلك نحو قوله تعالى والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (12) فهذا في المطلقات ثلاثا فما (13) دونها وفي العاقلة والمجنونة

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) ورد بلفظ " بئس الخطيب وقل من يعص الله ورسوله " قاله لرجل خطب عنده، فقال: من يطع الله ورسوله فقد
رشد ومن يعصهما فقد غوى.
وقيل إن سبب إنكاره عليه السلام، تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، ولذا أمره بتقديم اسم الله والعطف
عليه.
وقال النووي: هذا ضعيف لأنه قد جاء التشريك في سنن أبي داود عن ابن مسعود أنه قال: علمنا رسول الله
خطبة وقال في خطبته " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ".
والأولى أن يقال: إن خطبة ذلك الرجل كانت خطبة وعظ وكان من شأنها الإطناب فأنكره النبي (ص) لتركه
ذلك، وخي بته عليه السلام في رواية ابن مسعود كانت خطبة تعليم والإيجاز أليق به لأن اللفظ كلما قل
كان أقرب إلى الحفظ.
راجع البخاري كتاب النكاح باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله. ومسلم في كتاب النكاح في باب الأمر
بإجابة الداعي إلى دعوته. راجع في ذلك مشارق الأنوار 2 / 46.
(3) في ح " لا ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح وفي " د " ورد لفظ " لقول " وما أثبتناه هو الصواب.
(5) لفظ د " واسمه ".
(6) ما بين القوسين لم يرد في د.
(7) الآية 6 من سورة الفتح.
(8) لفظ د " وقوله ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) في د " ما ".
(11) في د " ما ".
(12) الآية 228 من سورة البقرة.
(13) في د " وما ".
276

ثم قوله (1) (2) في سياق الآية يحل (3) لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن (4) حكم
مخصوص به العاقلة دون المجنونة وقوله تعالى أحق بردهن (5) فيما دون الثلاث
ولا يمنع ذلك اعتبار عموم أول الخطاب في سائر المطلقات بالحكم (6) المذكور لهن وقد ذكر
عيسى بن أبان نحو ذلك فقال في (7) قوله تعالى لعدتهن (8) أنه في الثلاث
وفيما دونها وقوله تعالى بلغن أجلهن فأمسكوهن (9) وقوله تعالى تدري لعل الله
يحدث بعد ذلك أمرا (10) فيما دون الثلاث ومن نحو ذلك قوله تعالى مرتان (11) هو
عام في البائن والرجعي وقوله بمعروف (12) في الرجعي وقوله تعالى طلقها فلا
تحل له من بعد (13) عائد عليهما جميعا فيقتضي ذلك (14) صحة وقوع الثالثة (15) بعد وقوع
الأوليين على جهة (16) البينونة والرجعي ومثله قوله تعالى عليكم القصاص في
القتلى (17) عام في الحر والعبد والذكر والأنثى وقوله تعالى عليه بالحر والعبد بالعبد (18)
تخصيص (19) لبعض ما انتظمه (20) العموم فلا يسقط اعتبار عموم اللفظ في قتل الحر بالعبد (21)
ومنه أيضا قوله تعالى الإنسان بوالديه حسنا (22) وهذا (23) في المسلمين والكافرين ثم

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) في ح زيادة " و ".
(3) لفظ د " تحل " وهو خطأ.
(4) الآية 228 من سورة البقرة.
(5) الآية 228 من سورة البقرة.
(6) لفظ ح " الحكم ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) الآية 1 من سورة الطلاق.
(9) الآية 2 من سورة الطلاق.
(10) الآية 1 من سورة الطلاق.
(11) الآية 229 من سورة البقرة.
(12) الآية 229 من سورة البقرة.
(13) الآية 230 من سورة البقرة.
(14) في ح " بذلك ".
(15) لفظ ح " الثلاث ".
(16) في ح " وجه ".
(17) الآية 170 من سورة البقرة.
(18) الآية 178 من سورة البقرة.
(19) لفظ ح " يختص ".
(20) لفظ ح " ينتظمه ".
(21) لفظ ح " الحر " وهو غير مراد.
(22) الآية 8 من سورة العنكبوت.
(23) في د " هذا ".
277

قال تعالى جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما (1) وذلك في
الوالدين المشركين ولم يمنع كون أول الخطاب في الفريقين ومثله كثير في القرآن والسنن (2)

(1) الآية 15 من سورة لقمان.
(2) ذكر الجصاص مذهب الحنفية في هذه المسألة ونحن نحرر مذهبهم ثم نسوق بقية المذاهب استيفاء للموضوع
مرجحين ما نراه بالدليل:
المذهب الأول:
ذهب أبو حنيفة وجمهور أصحابه إلى عوده إلى الجملة الأخيرة إلا أن يقوم الدليل على التعميم - كما ذكره
الجصاص سابقا - واختاره الفخر الرازي وقال الأصفهاني في القواعد إنه الأشبه ونقله صاحب المعتمد عن
الظاهرية وحكي عن أبي عبد الله البصري وأبي الحسن الكرخي كما نقله الجصاص عن الأخير - وإليه ذهب أبو
علي الفارسي كما حكاه عنه الكيا الطبري وابن برهان.
المذهب الثاني:
ذهب الإمام الشافعي إلى أن الاستثناء الوردة بعد جمل متعاطفة يعود إلى الجميع ما يخصه دليل، وقد نسب
ابن القصار هذا المذهب إلى مالك وكذلك ذكره في تنقيح الفصول في اختصار المحصول 249، وقال
الزركشي هو الظاهر من مذاهب أصحاب مالك ونسبه صاحب المصادر إلى القاضي عبد الجبار وحكاه
القاضي أبو بكر إلى الحنابلة، قال: ونقلوه عن نص أحمد وهو كذلك في المسودة 156. ورجوعه للجميع عند
الشافعية بشروط ذكرها في الإبهاج.
أحدها: أن تكون الجمل معطوفة.
الثاني: أن تكون العطف بالواو الجامعة، فأما إذا كان بثم اختص بالأخيرة ذكره الآمدي، قال الأصفهاني: ولم
أر من تقدمه به، قال السبكي وقد تقدمه إمام الحرمين كما نص عليه في النهاية، وفي مختصر له في أصول الفقه
ونقل الرافعي في كتاب الوقف عنه.
الثالث: نقله الرافعي عن رأي إمام الحرمين أيضا ألا يتخلل بين الجملتين كلام طويل فإن تخلل اختص
بالآخرة، قال الرافعي: كما لو قال: وقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده
للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يعقب فنصيبه للذين في درجته فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن
يفسق واحد منهم فيختص الاستثناء بالإخوة. الإبهاج 2 / 95.
المذهب الثالث:
ذهب جماعة إلى الوقف، حكاه صاحب المحصول عن القاضي أبي بكر والمرتضى من الشيعة، قال سليم
الرازي في التقريب وهو مذهب الأشعرية واختاره إمام الحرمين الجويني والغزالي وفخر الدين الرازي، قال في
المحصول بعد حكاية الوقف عن أبي بكر والمرتضى: إلا أن المرتضى توقف للاشتراك والقاضي لم يقطع
بذلك. راجع إرشاد الفحول 150، وقال العضد في شرحه على مختصر المنتهى: وهذان أي الغزالي
والمرتضى القائلان بالوقف موافقان للحنفية في الحكم وإن خالفا في المأخذ لأنه يرجع إلى الأخيرة فيثبت حكمه
فيها ولا يثبت في غيرها كالحنفية، لكن هؤلاء لعدم ظهور تناولها والحنفية لظهور عدم تناولها 2 / 192.
المذهب الرابع:
ونسبه الآمدي للقاضي عبد الجبار وأبي الحسن البصري وجماعة من المعتزلة ونسبه ابن الحاجب لأبي الحسين
البصري.
إنه إن كان الشروع في الجملة الثانية إضرابا عن الأولى، ولا يضمر فيها شئ مما في الأولى فالاستثناء مخصص
بالجملة الأخيرة، لأن الظاهر أنه لم ينتقل عن الجملة الأولى مع استقلالها بنفسها إلى غيرها إلا وقد تم مقصوده
منها وذلك على أربعة أوجه: الأول: أن تختلف الجملتان نوعا كما لو قال: أكرم بني تميم والنحاة البصريون إلا
البغاددة، إذ الجملة الأولى أمر والثانية خبر.
الثاني: أن تتحدا نوعا وتختلفا اسما وحكما، كما لو قال: أكرم بني تميم واضرب ربيعة إلا الطوال، إذ هما
أمران.
الثالث: أن تتحدا نوعا وتشتركا حكما لا اسما كما لو قال: سلم على بني تميم وسلم على بني ربيعة إلا
الطوال.
الرابع: أن تتحدا نوعا وتشتركا اسما لا حكما ولا يسترك الحكمان في غرض من الأغراض، كما لو قال: سلم
على بني تميم واستأجر بني تميم إلا الطوال وإن لم تكن الجملة الأخيرة مضربة عن الأولى بل لها نوع تعلق
فالاستثناء راجع إلى الكل وذلك أربعة أقسام:
الأول: أن تتحد الجملتان نوعا واسما لا حكما غير أن الحكمين قد اشتركا في غرض واحد كما لو قال: أكرم بني
تميم وسلم على بني تميم إلا الطوال لاشتراكهما في غرض الإعظام.
الثاني: أن تتحد الجملتان نوعا وتختلفا حكما، واسم الأولى مضمر في الثانية كما لو قال: أكرم بني تميم
واستأجرهم وربيعة إلا الطوال.
الثالث: بالعكس من الذي قبله كما لو قال: أكرم بني تميم وربيعة إلا الطوال.
الرابع: أن يختلف نوع الجمل المتعاقبة إلا أنه قد أضمر في الجملة الأخيرة ما تقدم أو كان غرض الأحكام
المختلفة فيها واحدا، كما في آية القذف فإن جملها مختلفة النوع من حيث أن قوله تعالى " فاجلدوهم " أمر وقوله
" ولا تقبلوا شهادة لهم أبدا " نهي وقوله " وأولئك هم الفاسقون " خبر. غير أنها داخلة تحت القسم الثاني من
جهة إضمار الاسم المتقدم فيها.
المذهب الخامس:
قال ابن فارس في كتاب فقه العربية إن دل الدليل على عوده إلى الجميع عاد كآية المحاربة وإن دل على منعه
امتنع كآية القذف ولا يخفى أن هذا المذهب خارج عن محل النزاع فإنه لا خلاف إذا دل الدليل كان المعتمد
ما دل عليه وإنما الخلاف حيث لم يدل الدليل على أحد الأمرين.
والذي نرجحه من هذه المذاهب مذهب الإمام الشافعي ومن تبعه فإن الجمل إذا تعاطفت كانت كالجملة
الواحدة والأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في جميع المتعلقات كالحال والشرط والصفة والجار والمجرور
والظرف، والاستثناء لا يختلف عنها وقد وافق أبو حنيفة على عود الشرط على الكل وما رد به أتباع أبي حنيفة
من أن الشرط قد يتقدم أو يتأخر لا يقوى على رد الدليل فإن الاستثناء يفيد ما يفيده الشرط في المعنى.
وراجع إرشاد الفحول 150 والإبهاج 2 / 95 والأحكام للآمدي 2 / 131 وشرح تنقيح الفصول 249 والمسودة
156 والمستصفى 2 / 174 والتلويح 2 / 303 ومنافع الدقائق 180 وتخريج الفروع للزنجاني 67.
278

الباب الثالث عشر
في
الإجماع والسنة إذا حصلا على معنى يواطئ
حكما مذكورا في الكتاب
281

باب
القول في الإجماع والسنة (1) إذا حصلا على معنى
يواطئ (2) حكما مذكورا في الكتاب
قال أبو بكر رحمه الله
كان أبو الحسن يقول كل (3) ما وجد في القرآن من حكم منوط بلفظ يشتمل على بعض
ما وقع عليه الإجماع أو (4) وردت السنة به (5) فالواجب أن يحكم بأن ما حصل عليه
الاجماع أو وردت به السنة (6) مأخوذ من القرآن وأنه مراد الله تعالى بالاسم المذكور فيه
وذلك نحو قوله تعالى النساء (7) لما احتمل اللفظ الجماع واللمس باليد ثم روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الجنب بالتيمم (8) فالواجب أن يقضي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك لأنه
مراد الله تعالى بقوله لامستم النساء
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قطع السارق لم يجز لأحد أن يقول إن هذا حكم
مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم في السارق بل قال الجميع إنه حكم به على القرآن وكذلك لما صلى

(1) سقطت هذه الزيادة من ح.
(2) يقال: فلان يواطئ اسمه اسمي يوافقه وواطأته على الأمر مواطاة إذا وافقته من الوفاق. صحاح الجوهري
1 / 28.
(3) في ح " كلما " متصلة.
(4) في د " و ".
(5) عبارة د " به السنة ". (6) ما بين القوسين ساقط من د.
(7) الآية 43 من سورة النساء و 6 من سورة المائدة.
(8) أخرج النسائي عن عمران بن الحصين أن رسول الله (ص) رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال " يا فلان ما
منعك أن تصلي مع القوم فقال يا رسول الله أصابني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ".
وهذا الحديث دليل جواز التيمم للجنب بلا إشكال، والصعيد فسره بعض بالتراب وبعض وجه الأرض مطلقا
وإن لم يكن عليه التراب.
راجع النسائي كتاب الطهارة باب 92 (1 / 170، 171) وعون المعبود كتاب الطهارة باب 123 (1 / 528،
529).
283

الصلوات الخمس وصام رمضان كانت هذه الأحكام كلها منه (1) صلى الله عليه وسلم ومن الأمة معقولة عن
القرآن لأن فيه ما (2) ينتظم ذلك ويوجبه وقد قال الله تعالى ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى (3) وقال تعالى لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله (4) فكل ما (5)
حكم به النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرآن ما يجوز أن ينتظمه فيكون عبارة عنه فذلك (6) حكم القرآن
والمراد به و (7) من نحو ذلك قوله تعالى جعلنا لوليه سلطانا (8) فقد (9) اتفقت الأمة على
أن القود (10) حكم لبعض المقتولين ظلما فالواجب بأن يحكم بأن القود مراد بالآية وكذلك
قوله تعالى حقه يوم حصاده (11) لما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر (12) كان
ذلك مرادا بالآية لأن قوله تعالى حقه يوم حصاده (13) يجوز أن يتناوله ويصلح أن يكون
عبارة عنه
فإن قال قائل فقوله (14) تعالى تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء (15) لما احتمل
العقد والوطء ثم اتفق الجميع على أن العقد يحرم وجب أن يكون مرادا بالآية وإذا أريد به

(1) في د " عن ".
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) الآية 3 من سورة النجم.
(4) الآية 52 من سورة الشورى.
(5) في د " لما " وفي ح " كلما " متصلة.
(6) في ح " بذلك ".
(7) في ح " من ".
(8) الآية 33 من سورة الإسراء.
(9) في د " قد ".
(10) لفظ ح " القول " وهو تصحيف.
(11) الآية 141 من سورة الأنعام.
(12) أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (ص) أنه قال " فيما سقت الماء والعيون أو كان عثريا
العشر وما سقي بالنضح نصف العشر " رواه الجماعة إلا مسلما ولكن لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجة،
بعلا بدل " عثريا ".
والعثري: هو النخل الذي يشرب بعرقوبه من غير سقي وزاد ابن قدامة عن القاضي أبي يعلى، وهو
المستنقع في بركة ونحوها يصب إليه ماء المطر في سواق تسقي إليه قال واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي تجري فيها
الماء لأن الماشي يتعثر فيها، وقوله: بالنضح أي بالساقية. انظر فتح الباري، كتاب الزكاة 55 ج 3، وتحفة
الأحوذي كتاب الزكاة باب 39 ج 1 وابن ماجة كتاب الزكاة باب 17 ج 1 ونيل الأوطار 4 / 157.
(13) لفظ د " فجوز ".
(14) لفظ د " فقول ".
(15) الآية 22 من سورة النساء.
284

العقد انتفى الوطء (1) لاستحالة أن يكونا جميعا مرادين بلفظ واحد
قيل لما الله كان اللفظ يتناول الوطء حقيقة حملناه عليه ودلنا ذلك على أن العقد غير
مراد بالآية وإن كانت الأمة مجمعة عليه فإنما منعنا أن يكون العقد مرادا وإن صلح أن
يكون اللفظ عبارة عنه بهذه الدلالة
فإن قال فقوله تعالى النساء (2) حقيقة في اللمس باليد فاحملوه (3)
عليه واجعلوا الجماع ثابتا بالسنة كما جعلتم قوله تعالى تنكحوا ما نكح آباؤكم من
النساء (4) (5) على الحقيقة وهي الوطء ولم تجعلوا الإجماع على العقد دليلا (6) على أنه هو
المراد بالآية
قيل له لا يجب ذلك من قبل أنه لم يثبت أن (7) اللمس باليد مراد بالآية بوجه وكان
الحكم المذكور فيها متعلقا (8) به بحال وثبت أن الجماع مراد بها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب
بالتيمم فأثبتنا من معنى الآية ما وردت (9) به السنة وإن كان مجازا فيه ولم يثبت ما هو حقيقة من
اللمس باليد لعدم السنة والاتفاق فيه بل قد وردت السنة بخلافه ولأنه (10) صلى الله عليه وسلم كان يقبل
بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ فعلمنا أن ذلك غير مراد بالآية
وأما قوله تعالى تنكحوا ما نكح آباؤكم فإن حقيقة لفظه مستعملة في الوطء
والاتفاق موجود فيه لأن الوطء بملك اليمين يحرم بلا خلاف فثبت أن المراد الوطء و (11) أثبتنا
تحريم القعد بالاتفاق

(1) ما بين القوسين ساقط من ح.
(2) الآية 43 من سورة النساء و 6 من سورة المائدة.
(3) لفظ د " فاحملوا ".
(4) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(5) الآية 22 من سورة النساء.
(6) لفظ د " دلالة ".
(7) في ح " بأن ".
(8) لفظ ح " معلق ".
(9) لفظ ح " وجبت ".
(10) في د " لان ".
(11) لفظ د " فأثبتنا ".
285

الباب الرابع عشر
في
دليل الخطاب وحكم المخصوص بالذكر
287

باب
القول في دليل الخطاب وحكم المخصوص (1)
بالذكر (2)
قال أبو بكر
كل خطاب ورد عن الله تعالى وعن الرسول صل الله عليه وسلم فغير خال من فائدة فمنه ما يكون

(1) لفظ د " الخصوص ".
(2) هذا المبحث في المنطوق والمفهوم وقد تعرض الامام الجصاص لمفهوم المخالفة فقط فناسب أن نعرف بالمنطوق
والمفهوم من ناحية ومن ناحية أخرى نبين اختلاف الاصطلاحات في في هذا الموضوع بين الحنفية وغيرهم فإنه مما
لابد من معرفته فنقول:
المنطوق: ما دل عليه اللفظ في محل النطق أي يكون حكما للمذكور وحالا من أحواله.
والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق أي يكون حكما لغير المذكور وحالا من أحواله.
والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق أي يكون حكما لغير المذكور وحالا من أحواله.
وبعبارة أخرى: ان الألفاظ قوالب للمعاني المستفادة منها فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحا وتارة من
جهته تلويحا فالأول المنطوق والثاني المفهوم.
والمنطوق ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما لا يحتمل التأويل وهو النص.
والثاني: ما يحتمله وهو الظاهر.
والأول أيضا ينقسم إلى قسمين:
صريح: إن دل عليه بالالتزام.
وغير الصريح: ينقسم إلى دلالة اقتضاه وايماء وإشارة.
فدلالة الاقتضاء هي إذا توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه مع كون ذلك مقصود المتكلم.
ودلالة الايماء: ان يقترن اللفظ بحكم لو لم يكن للتعليل لكان بعيدا
ودلالة الإشارة: حيث لا يكون مقصودا للمتكلم.
والمفهوم ينقسم إلى مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة.
فمفهوم الموافقة: حيث يكون المسكوت عنه موافقا للملفوظ به فان كان أولى بالحكم من المنطوق فيسمي
فحوى الخطاب، وإن كان مساويا له فيسمي لحن الخطاب، وحكوا فروقا بين فحوى الخطاب ولحن الخطاب
غير ذلك ومفهوم المخالفة: حيث يكون المسكوت عنه مخالفا للمذكور ي الحكم إثباتا ونفيا فيثبت للمسكوت
عنه نقيض حكم المنطوق به ويسمى دليل الخطاب لان دليله من جنس الخطاب أو لان الخطاب دال عليه.
أما الفروق الاصطلاحية بين الحنفية وغيرهم وهي لطفية نفيسة. فإن الشافعية قسموا دلالة اللفظ - كما سبق.
إلى منطوق ومفهوم وقالوا: دلالة المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق وجعلوا ما سماه الحنفية عبارة وإشارة
واقتضاء من هذا القبيل، وما يسميه الشافعية فحوى الخطاب ولحن الخطاب يسميه الحنفية دلالة النص. ودليل
الخطاب يسميه الحنفية تخصيص الشئ بالذكر. راجع إرشاد الفحول 178 وكشف الاسرار للبزدوي 2 / 253
وتيسير التحرير 1 / 361 والتلويح 2 / 10 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 316
289

معناه معقولا من لفظه (1) ومنه ما يفيد حكما ومعنى (2) يرد بيانه في الثاني
ومما يكون معناه معقولا من لفظه ما يفيد من جهة الدلالة معنى ليس اللفظ
موضوعا (3) له نحو قوله تعالى تقل لهما أف (4) قد أفاد (5) معنيين
أحدهما النهي عن هذا القول بعينه
(6) وأفاد من جهة الدلالة النهي عما فوقه من الشتم والضرب والقتل ومنه قوله تعالى
ولا (7) تظلمون فتيلا (8) ولا (9) يظلمون نقيرا (10) فيه نص على نفي الظلم في القدر
المذكور ودلالة على نفي ما هو أكثر منه
وكذلك قوله تعالى (11) إحداهن قنطارا (12) وقوله أهل الكتاب (13)
من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك (14) تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله (15)
نص (16) على ذكر غد وأفاد الأمر بالاستثناء عند ذكر كل فعل مستقبل
وكذلك قوله تعالى تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم (17) ذكر السبعين (18)
والمراد به والله أعلم أن كثرة عدد الاستغفار لا يغني عنهم وليس المراد هذا العدد بعينه (19)

(1) لفظ ح " باللفظ ".
(2) في د زيادة " قد ".
(3) لفظ ح " مودوعا " وهو تصحيف.
(4) الآية 23 من سورة الإسراء.
(5) لفظ ح " أفادنا ".
(6) لفظ ح " فأفاد ".
(7) كتبت في د " يظلمون " وهو خطأ.
(8) الآية 77 من سورة النساء.
(9) كتبت في ح " تظلمون " وهو خطأ.
(10) الآية 124 من سورة النساء ولم ترد الآية في د.
(11) في ح " أو " وهو خطأ.
(12) الآية 20 من سورة النساء.
(13) ما بين القوسين لم ترد في ح وأبدلها ب‍ " ومنهم " وهو خطأ
(14) الآية 75 من سورة آل عمران.
(15) الآية 34 من سورة الكهف.
(16) في ح " نصا " وهو تصحيف.
(17) الآية 80 من سورة التوبة.
(18) لفظ ح " للسبعين ".
(19) وأكد الجصاص هذا المعنى في أحكام القرآن فقال: ذكر السبعين على وجه المبالغة في اليأس من المغفرة وقد
روي في بعض الاخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال: " لأزيدن على السبعين " وهذا خطأ من راويه لان
الله تعالى قد أخبر انهم كفروا بالله ورسوله فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليسأل الله مغفرة الكفار مع علمه بأنه لا يغفر لهم
وإنما الرواية الصحيحة فيه ما روي أنه قال: " لو علمت اني لو زدت على السبعين غفر لهم لزدت عليها " وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم استغفر لقوم منهم على ظاهر اسلامهم من غير علم منه بنفاقهم فأعلمه الله تعالى أنهم ماتوا
منافقين وأخبر مع ذلك ن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم لا ينفعهم 3 / 178.
وسأل عبد الله بن عبد الله بن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا أن يستغفر لأبيه في مرضعه ففعل فنزلت فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الله قد رخص لي فسأزيد على السبعين " فنزلت " سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر
لهم ".
قال الإسكندري ان هذا الامر في معنى الخبر كأنه قبل: لن استغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم وان فيه
معنى الشرط، والسبعون جار مجري المثل في كلامهم للتكثير قال علي بن أبي طالب:
لأصبحن العاص وابن العاصي * سبعين ألفا عاقدي النواصي
راجع في ذلك الانصاف فيما نضمنه الكشاف من الاعتزال للشيخ ناصر الدين أحمد بن محمد الإسكندري
2 / 205 وقال الشوكاني في فتح القدير في قوله تعالى.. فلن يغفر الله لهم " الآية ليس المراد من هذا أنه لو زاد
على السبعين لكان ذلك مقبولا كما في سائر مفاهيم الاعداد بل المراد المبالغة في عدم القبول فقد كانت العرب
تجري ذلك مجري المثل في كلامهم عند إرادة التكثير. 2 / 387 وراجع تفسير المعاني 10 / 147 ففيه غنية.
290

قوله يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين (1) وقوله تعالى فإن (2)
يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين (3) نص منه على هذه الأعداد والمراد التضعيف لا هذه
الأعداد بأعيانها وان كانت هي المنصوص عليها وهذا الضرب كثير في القرآن (4) و (5) السنة
وفي عادات الناس ومخاطباتهم وهذا هو دليل الخطاب الذي يجب اعتبار دلالته على ما دل عليه
وأما قول من قال إن كل شئ كان ذا وصفين فخص أحدهما بالذكر فيما علق به من
الحكم (6) يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه
وقول من قال كل ما خص بعض أوصافه بالذكر و (7) إن كان ذا أوصاف كثيرة فإنه
يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه فقول ظاهر الانحلال والفساد لا يرجع قائله في إثباته
إلى دلالة من لغة ولا شرع بل اللغة على خلافه (8)
قال أبو بكر (9)
ومذهب أصحابنا في ذلك أن المخصوص بالذكر حكمه مقصور عليه ولا دلالة فيه
على أن حكم ما عداه بخلافه سواء كان ذا وصفين فخص أحدهما بالذكر أو كان ذا أوصاف

(1) الآية 65 من سورة الأنفال.
(2) في النسختين " وان " وهو خطأ.
(3) الآية 66 من سورة الأنفال.
(4؟ عبار ح " في القرآن كثير ".
(5) في ح زيادة " في ".
(6) في ح زيادة " أن ".
(7) في د " ان ".
(8) لفظ ح " خلاف ".
(9) لم ترد هذه الزيادة " في د.
291

كثيرة فخص بعضها بالذكر ثم علق به حكم (1)
وكذلك كان يقول شيخنا أبو الحسن ويعزى ذلك إلى أصحابنا وكان يحكي عن
أبي يوسف كلاما معناه أن (3) ليس في تخصيص بعض أوصاف الشئ بالذكر دلالة على أن
ما عداه فحكمه بخلافه وأنه قال إن قوله تعالى خالك وبنات خالاتك اللاتي
هاجرن معك (4) لا دلالة فيه على أن اللاتي لم يهاجرن معه محرمات عليه وكان حكى أبو
الحسن (5) عن أبي يوسف رحمه الله أيضا في قوله تعالى عن عنها العذاب أن تشهد
أربع شهادات بالله (6) إنما فيه النص على درء العذاب عنها إذا شهدت وليس فهي دلالة
على أنه إذا لم تشهد لا يدرأ عنها العذاب

(1) لفظ ح " الحكم ".
(2) يتكلم الجصاص هنا عن مفهوم الصفة وهو من أنواع مفهوم المخالفة وهو تعليق الحكم على الذات بأحد
الأوصاف نحو " في سائمة الغنم زكاة " والمراد بالصفة عند الأصوليين تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر يختص
ببعض معانيه لي بشرط ولا غاية ولا يريدون به النعت فقط، وهكذا عند أهل البيان فإن المراد بالصفة عندهم
هي المعنوية لا النعت وانما يخص الصفة بالنعت أهل النحو فقط، وفيما يلي نذكر مذاهب العلماء محررة.
المذهب الأول: بمفهوم الصفة أخذ الجمهور وهو الصواب في نظرنا لما هو معلوم من لسان العرب أن لشئ إذا.
كان له وصفان فوصف بأحدهما دون الاخر كان المراد به ما فيه تلك الصفة دون الاخر.
المذهب الثاني: ذهب أبو حنيفة وأصحابه - كما ذكر الجصاص - ومعهم بعض الشافعية والمالكية أنه لا يؤخذ به
ولا يعمل به ووافقهم من أئمة اللغة الأخفش وابن فارس وابن جني.
المذهب الثالث: قال الماوردي من الشافعية بالتفصيل بين أن يقع ذلك جواب سائل فلا يعمل به وبين أن يقع
ابتداء فيعمل به، فإنه لابد لتخصيصه بالذكر من موجب وفي جعل هذا التفصيل مذهبا مستقلا نظر عند
الشوكاني لان من شرط الاخذ بالمفهوم أن لا يقع جوابا لسائل وهو نظر وجبه.
المذهب الرابع: قال أبو عبد الله البصري أنه حجة في ثلاث صور:
الأولى: أن يرد مورد البيان كقوله في سائمة الغنم زكاة.
الثانية: أن يرد مورد التعليم كقوله صلى الله عليه وسلم في خبر التحالف والسلعة قائمة.
الثالثة: أن يكون ما عدا الصفة داخلا تحت الصفة كالحكم بالشاهدين فإنه يدل على أنه لا يحكم بالشاهد
الواحد لأنه داخل تحت الشاهدين ولا يدل على نفي الحكم فيما سوى ذلك.
المذهب الخامس: قال إمام الحرمين الجويني بالتصفيل بين الوصف المناسب وغيره. فقال بمفهوم الأول دون
الثاني، وعليه يحمل نقل الرازي عنه للمنع، وقل ابن الحاجب عنه للجواز.
راجع إرشاد الفحول 180 والمسودة 350 وانظر أدلة المذاهب في كشف الاسرار للبزدوي 2 / 253 وروضة
الناظر 137 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 326.
(3) في د " أنه ".
(4) الآية 50 من سورة الأحزاب.
(5) ما بين القوسين ساقط من ح وأبدلها ب‍ " حكى ".
(6) الآية 8 من سورة النور.
292

مطلب (1)
وروى محمد بن الحسن في السير الكبير (2) قال إذا حاصر المسلمون حصنا من
حصون المشركين فقال رجال من أهل الحصن أمنوني على أن أنزل إليكم على أن أدلكم
على مائة رأس من السبي في قرية كذا (3) فأمنه المسلمون على ذلك فنزل ثم لم يخبر بشئ
فإنه يرد إلى مأمنه لأنه لم يقل إن لم أدلكم (4) فلا أمان لي فلم يجعل محمد وقوع الأمان على
هذا الشرط دليلا على أنه متى لم يف بالشرط فلا أمان له (5)
وهذا يدل من مذهبه دلالة واضحة على أن التخصيص بالذكر أو التعليق بالشرط لا
يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه (6)
قال أبو بكر
وليس عندي بين أصحابنا خلاف في جملة (7) المذهب وقد كنت اسمع كثيرا من
شيوخنا يقول في المخصوص بعدد أنه يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه
كقول النبي صلى الله عليه وسلم خمس يقتلهن المحرم في الحل والحرم (8) أنه دليل على أنه لا يقتل

(1) هذا مبحث في مفهوم الشرط، والمطلب ما لم ينل إلا بطلب، ومنه قولهم: اطلب الماء إذا بعد فلم ينل إلا بطلب
وكذلك الكلاء وغيره. قال الشاعر:
أهاجك برق آخر مطلب
راجع صحاح الجوهري 1 / 76.
(2) راجع مفتاح السعادة 2 / 262.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) لفظ ح " أريكم ز.
(5) والذي اشتهر عن الحنفية انهم لا يقولون بمفهوم المخالف في نصوص الاحكام من الكتاب والسنة ويقولون به في
كلام الناس، ألا أن هذه الرواية عن محمد بن الحسن تدل على عدم الاخذ بمفهوم المخالفة حتى في كلام
الناس.
راجع تخريج الفروع للزنجاني 74
(6) ومفهوم الشرط من أنواع مفهوم المخالفة. وقد قال به القائلون بمفهوم الصفة ووافقهم على القول به بعض من
خالف في مفهوم الصفة، ولهذا نقله أبو الحسين السهيلي في آداب الجدل عن أكثر الحنفية، ونقله ابن القشيري
عن معظم أهل العراق ونقله إمام الحرمين عن أكثر العلماء.
وذهب أكثر المعتزلة إلى المنع من الاخذ به. ورجح المنع المحققون من الحنفية كالجصاص هنا وروى عن أبي
حنيفة ونقله ابن التلمساني عن مالك، واختاره القاضي الباقلاني والغزالي والآمدي.
والذي نرجحه ان مفهوم الشرط كغيره من المفاهيم يدل على أن ما عداه بخلافه وقد ورد في اللغة والشرع ولا
مجال لانكاره.
راجع ارشاد الفحول 181 والمسودة 351.
(7) في د زيادة " هذا ".
(8) اخرج البخاري عن سالم عن أبيه قال: " سئل صلى الله عليه وسلم عما يقتل المحرم من الدواب فقال " خمس لا جناح في
قتلهن على من قتلهن في الحل والحرم، العقرب والغراب والفأرة والحدأة، والكلب العقور، رواه الجماعة إلا
الترمذي. راجع فتح الباري كتاب الصيد باب 7 ح 4 وروي في الموطأ بالغفاظ متقاربة كتاب الحج حديث رقم
88، 90 ح 3 وصحيح مسلم كتاب الحج الأحاديث 67، 73، 76، 79 ح 8 وعون المعبود كتاب المناسك
باب 39 ح 4 والنسائي كتاب الحج باب 82، 84، 86، 88 113، 114، 119 ح 5 وأحمد 2 / 8، 32
، 37، 48، 50، 52، 54، 65، 77.
293

ما عداهن وكقوله أحلت لي ميتتان ودمان (1) (2) يدل على أن غيرهما من الميتة والدم غير
مباح
وأحسب محمدا بن شجاع الثلجي (3) قد احتج بمثل هذا
ولست أعرف جواب المتقدمين من أصحابنا في ذلك
ومن قال (4) بهذا القول الذي ذكرنا من المتأخرين كانوا يفرقون بين ما هو مخصوص
بذكر العدد وبين ما ليس بمخصوص بعدد نحو قوله الذهب بالذهب مثلا بمثل
وذكره الأصناف (5) الستة ولم يكونوا يجعلون مثله دلالة على أن ما عداها فحكمه
بخلافها لأنه لم يحصرها بعدد ولم يقل إن الربا في ستة أشياء كما قال خمص يقتلهن المحرم
قال أبو بكر (6)
والذي عندي في ذلك أنه لا فرق بينه وبين المخوص بالذكر من غير ذكر عدد في أنه
لا دلالة فيه (7) على حكم ما عداه بنفي ولا إثبات (8)

(1) لفظ د " والدمان " وهو تصحيف.
(2) اخرج ابن ماجة عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت
والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحان ".
وهذا الحديث في اسناد، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.
راجع مسند أحمد بتحقيق احمد شاكر 8 / 5722 وابن ماجة كتاب الصيد باب 9 (2 / 292، 313).
(3) لم ترد هذه الزيادة في د. وكتبت ف ح " البلخي " وهي مصحفة من الثلجي. وذكرها مصحفة أيضا في الوافي
بالوفيات 3 / 148 وبقية المراجح ذكرته ب‍ " الثلجي ".
(4) لفظ ح " قائل ".
(5) لفظ ح " أصناف ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في 5.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) ومفهوم العدد من أنواع مفهوم المخالفة وهو تعليق الحكم بعد مخصوص فهل يدل على انتفاء الحكم فيما عدا
ذلك العد زائدا كان أو ناقصا؟ وبه قال الشافعي كما نقله عنه ابن حامد وأبو الطيب الطبري والماوردي وغيرهم
ونقله أبو الخطاب الحنبلي عن أحمد بن حنبل، وبه قال مالك وداود الظاهي وبه قال صاحب الهداية من
الحنفية.
ومنع من العمل به المانعون من العمل بمفهوم الصفة، قال الشيخ أبو أحمد وابن السمعاني وهو دليل كالصفة سواء
واما ما نقله الجصاص بقوله قبل قليل " وقد كنت اسمع كثيرا من شيوخنا يقول في المخصوص بعدد انه يدل على أن
ما عداه فحكمه بخلافه " فلم أجد هذا النقل في كتب غيره من الحنفية. والذي نراه: القول بمفهوم العدد
وقد ورد في اللغة والشرع.
وقد تكلم الأصوليون في أنواع أخرى بالإضافة إلى الصفة والشرط والعدد منها مفهوم العلة: وهو تعليق الحكم
بالله نحو حرمت الخمر لاسكارها.
ومفهوم الغاية: وهو مد الحكم ب‍ " إلى " أو " حتى ".
ومفهم الا حل: أي تقييد الخطاب بالحال.
(ومفهوم الزمان: كقوله تعالى " الحج أشهر معلومات ".
ومفهوم المكان: نحو جلست أمام زيد.
وقد اختلفوا في حجية هذه المفاهيم، فراجع أدلتهم وخلافهم في أصول السرخسي 1 / 241 وتيسير التحرير
1 / 361، 2 / 19، وارشاد الفحول 178 - 181 والمسودة 350، 352 وكشف الاسرار للبزدوي 2 / 253
والاحكام للآمدي 2 / 209 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 306.
294

والدليل على صحة ما قلنا إنه غير جائز أن يكون شئ من الأشياء لله تعالى
على أحكامه ثم يوجب عاريا من مدلوله غير موجب لحكم دلالته بوجه
وهذا هو وصف المخصوص بالذكر وذلك لأنا وجدنا الله تعالى (1) قد خص أشياء
فذكر بعض أوصافها ثم علق بها أحكاما (3) ثم (4) لم يكن تخصيصه إياها موجبا للحكم فيما
لم يذكر بخلافها نحو قوله تعالى تقتلوا أولادكم خشية إملاق (5)
فخص النهي عن قتل الأولاد لحال (6) خشية الإملاق
ولم يختلف حكم (7) النهي في الحالين وقال تعالى أربعة حرم ذلك الدين القيم
فلا تظلموا فيهن أنفسكم (8)
فخص النهي عن الظلم بهذه الأشهر ومعلوم صحة النهي عنه فيهن وفي غيرهن ونحو
قوله تعالى تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا (9) وغير جائز له أكلها بحال وإن (10) خص

(1) في د زيادة " و ".
(2) في ح " و ".
(3) لفظ ح " أحكامها ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) الآية 31 من سورة الإسراء.
(6) لفظ د " بحال ".
(7) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(8) الآية 36 من سورة التوبة.
(9) الآية 6 من سورة النساء.
(10) في ح " لو ".
295

حال الإسراف والمبادرة لبلوغهم (1) وكقوله تعالى أنت منذر من يخشاها (2) وهو صلى الله عليه وسلم نذير
للبشر (3) وقوله تعالى تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة (4) ولا يجوز (5) أكله (6) بحال وإن لم
يكن أضعافا مضاعفة
وقال تعالى قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم (7) وقد وافقنا
مخالفنا على أن المخطئ مثله في وجوب الجزاء
وقال تعالى (8) عاد فينتقم الله منه (9) ولم ينتف به (10) وجوب (11) الكفارة
على العائد مع ذكره الانتقام دون غيره
وقال تعالى أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب (12) ووافقنا المخالف على أن ذلك حكمهن وإن لم يحصن وهذا أكثر من أن
يحصى
فلما وجدنا هذه الألفاظ التي شرطها عند مخالفنا إيجاب الحكم فيما عداها بخلاف
حكمها ثم وجدناها وما عداها متساوية في الحكم ولم يكن لما ادعوه من التخصيص تأثير في
الحكم الذي هو مدلوله علمنا أن مثلها لا يكون دليلا لله تعالى لأنها لو كان دليلا لما وجدت
في حال منفردة (13) عن مدلولها
فإن قال قائل هذا كقولكم (14) في العموم وفي العلل أنها موجبة لما تتضمنه (15) من

(1) لفظ ح " لبلوغهن " وهو تحصيف.
(2) الآية 45 من سورة النازعات.
(3) لفظ د " البشر ".
(4) الآية 310 من سورة آل عمران.
(5) في ح زيادة " لها ".
(6) لفظ ح " أكلها ".
(7) الآية 95 من سورة المائدة.
(8) لم ترد هذه الزيادة ف د.
(9) الآية 95 من سورة المائدة.
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) لفظ ح " بوجوب ".
(12) الآية 25 من سورة النساء.
(13) لفظ ح " مفردة ".
(14) لفظ ح " كقولهم ".
(15) لفظ د " تضمنته ".
296

الأحكام حتى تقوم دلالة التخصيص وقيام دلالة التخصيص لا يمنع حكم دلالته (1) فيما
يقتضيه ويوجبه (2) فيما لا تقوم (3) فيه دلالة التخصيص
قيل له قد رضينا بما استشهدت به حكما فإنه من أظهر الأشياء دلالة على فساد
أصلك
خبرنا عن لفظ العموم هل يجوز وجوده غير موجب لحكم أصلا وهل يصح وجود علة
لا يتعلق بها حكم رأسا
فإن قال لا لأنه لابد مع قيام دلالة (4) التخصيص من أن يبقى (5) من أحكام
العموم والعلة ما يجب استعماله
قيل له (6) أفليس قد وجدت هذه الآيات التي ذكرناها لم يتعلق بها إيجاب الحكم
فيما عدا المذكور فيها بخلافه فهلا (7) استدللت بذلك على أن مثلها لا يكون دليلا ولو جاز
أن يوجد عموم أو علة لا يتعلق بها حكم رأسا لما جاز أن يكونا دلالة على الحكم
بأنفسهما (8)
فإن قال دلالة اللفظ قائمة في إيجاب الحكم الذي تضمنه وإن لم يوجب فيما عداه
الحكم بخلافه
قيل له لم نختلف في أن اللفظ دال على ما تضمنه من الحكم مما (9) هو عبارة عنه
وإنما اختلفنا في كونه دالا على أن حكم غيره بخلافه وقد جاز وجوده غير دال على هذا
المعنى فهذا الذي تبطل به قاعدتك
ألا ترى أن اللفظ نفسه لما كان دلالة على ما وضع له من (10) المعنى لم يجز وجوده
مطلقا على الحقيقة إلا وهو دال على حكمه
ولو قد جاز وجوده حقيقة في موضعه غير مفيد لما وضع له لما كان ذلك (11) دليلا على

(1) لفظ ح " دلالة ".
(2) لفظ ح " ويوجب ".
(3) عبارة د " ما لم يقم ".
(4) في ح زيادة " من ".
(5) في ح زيادة " حكم ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ د " فهذا " وكتبت في ح " وها " وما أثبتناه أقرب للصواب.
(8) لفظ ح " ما يصيبهما " وهو تحريف.
(9) في د " وما ".
(10) في ح " هذا ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في د.
297

المعنى وفي ذلك دليل على فساد أصل المخالف لنا في ذلك المعقول المتعارف من حق اللفظ
إفادة ما تحته من الحكم ودلالة على نظائره وإلحاقها بحكمه فأما أن يدل على خلاف حكمه
فهذا عكس المعنى وقلب الواجب
وقال بعضهم في قوله تعالى قتله منكم متعمدا (1) انه لما خص العامد بالذكر
لأجل ما ذكر في سياق الخطاب من الوعيد الذي لا يجوز عوده على المخطئ وهو قوله تعالى
ومن عاد فينتقم الله منه (2) وهذا إغفال منه لحكم اللفظ ومقتضاه لأنه لو عم الجميع
بالحكم فقال قتله فجزاء مثل ما قتل من (3) النعم (4) لم يكن ذكره للوعيد في سياق
الخطاب مانعا من عوده إلى العامد دون المخطئ وكان مع ذلك حكم عموم اللفظ
مستعملا في إيجاب الجزاء عليهما كما قال تعالى الإنسان بوالديه حسنا (5) وذلك
عموم في الوالدين المسلمين والكافرين ثم قال تعالى جاهداك لتشرك بي (6)
وهذا في بعض ما شمله لفظ العموم فعلمت أن ذكر (7) الوعيد في سياق الآية
غير (8) مانع إطلاق عموم الحكم في الجميع فدل موافقة مخالفنا (9) على استواء (10) حكم
العامد والمخطئ في وجوب الجزاء مع تخصيصه العامد بالذكر على أن تخصيص بعض
أوصاف الشئ بالذكر لا يدل على أن ما عداه يحكم (11) بخلافه
فإن قال قائل قد وجد (12) لفظ الأمر موضوعا للإيجاب ثم قد يرد تارة ويراد به الندب
ويرد أخرى ويراد به الإباحية ثم قد يرد ولا يراد شئ من ذلك بل (13) يدل على الزجر

(1) الآية 95 من سورة المائدة.
(2) الآية 95 من سورة المائدة.
(3) ما بين القوسين لم يرد في د.
(4) الآية 95 من سورة المائدة.
(5) الآية 8 من سورة العنكبوت.
(6) الآية 8 من سورة العنكبوت وفي د " وإن جاهداك على أن تشرك " وهي الآية 15 من سورة لقمان.
(7) لفظ ح " لفظ ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في.
(9) لفظ ح " مخالفينا ".
(10) في د زيادة " على ".
(11) لفظ ح " يحكم ".
(12) لفظ د " وجدنا ".
(13) في ح " ما ".
298

والوعيد لأن قول الله تعالى واتقوه (1) الله وأقيموا الصلاة (2) ونحو ذلك للايجاب وقوله
تعالى الخير (3) للندب (4) وقوله تعالى حللتم فاصطادوا (5) للإباحة وقوله
تعالى ما شئتم (6) زجر وتهديد
ثم لم يمنع وروده عاريا من دلالة الايجاب من اقتضائه للوجوب متى خلا من دليل
ينقله من (7) حكمه
كذلك دلالة التخصيص (8) بالذكر على حكم ما عداه على الوجه قوله صحيحة
يجب اعتبارها ما لم تقم دلالة تزيلها عن موجبها ومقتضاها
قيل له إن قول القائل افعل يتعلق بالفعل تارة على جهة (9) الإيجاب وأخرى (10)
على جهة (11) الندب أو الإباحة أو الدعاء وإن كان بابها وحقيقتها الوجوب عند الإطلاق ثم
لم يخل عند (12) قيام الدلالة الصارفة له عن (15) جهة الإيجاب من أن يكون له ضرب من
التعلق بالفعل فحكمه (14) هذه قائم (15) في هذا الموضع على بعض الوجوه التي يقتضيها اللفظ
كما يبقى (16) حكم العموم بعد قيام دليل الخصوص فيما لم يخص ويبقى حكم العلة إذا
قامت دلالة تخصيصها فيما لم يخص منها
ألا ترى أن أكثر ما يفيده قوله افعل للإيجاب (17)

(1) في النسختين " واتقوا الله... " والصواب واتقوه ".
(2) الآية 31 من سورة الروم.
(3) الآية 77 من سورة الحج.
(4) لفظ ح " للذهب " وهو تصحيف.
(5) الآية 2 من سورة المائدة.
(6) الآية 40 من سورة فصلت.
(7) عبارة ح " ذلك بنقله عن ".
(8) لفظ ح " الخصوص ".
(9) لفظ د " وجه ".
(10) لفظ د " الأخرى ".
(11) لفظ د " وجه ".
(12) في ح " عنه ".
(13) في ح " من ".
(14) لفظ د " فحكمها " وفي ح " بحكمه " وما أثبتناه أقرب للمراد.
(15) عبارة " يكون ضربا من المعلق بالفعل بحكمه قائما ".
(16) عبارة ح " كانتفاء ".
(17) لفظ د " الايجاب ".
299

والايجاب يتعلق به استحقاق الثواب على الفعل واستحقاق العقاب (1) على تركه
والندب معلق (2) به استحقاق الثواب عليه من غير ذم تاركه والإباحة معلق (3) بها وقوع
الفعل لا على جهة استحقاق الثواب بفعله ولا العقاب على تركه فعلى أي حال تصرفت
صيغة حقيقة (4) الأمر فإنها لم تخل من أن يكون لها ضرب من التعلق بالفعل ومن جهة
أخرى إن قوله افعل متى (5) لم يرد به الإيجاب كان مجازا مستعملا في موضعه فجاز أن لا يدل
على معناه حقيقة ولم يمنع ذلك اعتباره في موضع الحقيقة إذا لم تقم دلالة المجاز وأما سائر
المواضع التي وردت فيها (6) الألفاظ (7) العارية من دلالتها على حكم اعتبارها بخلاف
موجب حكمها فإنها حقائق فيها لأن قوله تعالى فلا (8) تظلموا فيهن أنفسكم (9) وقوله
تعالى تقتلوا أولادكم خشية إملاق (10) حقيقة في موضعه ليس بمجاز ثم قد وجد
عاريا من حكمه منفردا عن مدلوله على قضيتك فعلمنا أن هذا ليس بدليل لله تعالى وأما
قوله تعالى ما شئتم (11) و (12) فمن عمرو شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (13) ونحوها فإنه (14)
على ما ذكرنا أيضا لأنه قد تعلق بالفعل ضرب من التعلق على وجه وهو (15) الزجر والنهي
والوعيد
وأيضا (16) فإنه مجاز في هذا الموضع وإنما الذي أنكرنا أن يكون اللفظ حقيقة غير
دال بوجهه على ما جعل دليلا عليه

(1) لفظ ح " العذاب ".
(2) لفظ د " تتعلق ".
(3) لفظ د " تتعلق ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) في د زيادة " ما ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ ح " ألفاظ ".
(8) في ح " لا " وهو خطأ.
(9) الآية 36 من سورة التوبة.
(10) الآية 31 من سورة الإسراء.
(11) الآية 40 من سورة فصلت.
(12) في النسختين " ومن.. " وهو خطأ.
(13) الآية 29 من سورة الكهف.
(14) عبارة " ونحو هذا فان ".
(15) ما بين القوسين لم يرد في د.
(16) عبارة د " الزجر والوعيد والنهي ".
300

وأيضا لو كان المخصوص بالذكر دالا على ما عداه فحكمه بخلافه لوجب أن
يكون نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل في الأصناف السنة (1) دليلا (2) على أن ما عداه
فحكمه بخلافها (3) وأن يكون ورود النص في تحريم الميتة والدم دليلا على أن ما عداه
فحكمه بخلافهما وأن يكون ورود النص في تحريم الميتة والدم دليلا على أن ما عداهما
فمباح وكل ما تنص عليه بعينه ينبغي أن يوجب الحكم فيما عداه بخلافه (4) وهذا يوجب
منع القياس لأن ورود النص في الأصناف الستة إذا كان موجبا لإباحة التفاضل (5) فيما
عداها وكان عند جميع الفقهاء الذين يعتد (6) بأقاويلهم أن هذا النص قد أوجب الحكم في
نظائرها بمثل موجب حكمها فالواجب أن يكون قد دل على أن حكم ما عداها بخلافها
وقد دل أيضا على أن نظائرها مما عداها فحكمها حكمها وهذا غاية التناقض والاستحالة
و (7) أيضا لو كان تخصيص بعض أوصاف الشئ بالذكر وتعليق الحكم به (8) دليلا
على أن ما عداه فحكمه بخلافه لوجب أن يكون متى نص لنا على ذلك الحكم في غيره
مطلقا أن يصير أحد اللفظين ناسخا لحكم آخر نحو قوله تعالى تأكلوا الربا أضعافا
مضاعفة (9) فوجب هذا على أصل القائلين بهذه المقالة إباحة إذا لم يكن الربا أضعافا
مضاعفة ثم قوله الربا (10) مطلقا ناسخا لدلالة الآية الأخرى
وكذلك قوله تعالى تقتلوا أولادكم خشية إملاق (11) ينبغي أن يكون معارضا

(1) الأصناف الستة يريد بها الواردة في حديث أبي سعيد الخدري " الذهب بالذهب والفضة والبر بالبر
والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد "، رواه أحمد والبخاري وعند مسلم بلفظ آخر.
راجع نيل الأوطار 5 / 215.
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(2) لفظ ح " بخلافة ".
(4) لفظ ح " فنفي ".
(5) لفظ ح " خلافه ".
(6) عبارة د " بالإباحة للتفاضل ".
(7) لفظ ح " ت عبدنا " وهو تحريف.
(8) في د " وهو ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) الآية 130 من سورة آل عمران.
(11) الآية 275 من سورة البقرة.
(12) الآية 31 من سورة الإسراء.
301

لقوله تعالى تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق (1) وكقوله تعالى (2) تقتلوا
أنفسكم (3) وقوله تعالى تظلموا فيهن أنفسكم (4) معارضا لقوله تعالى يظلم
منكم نذقه عذابا كبيرا (5) لأن دلالة الآية الأولى تقتضي إباحة الظلم فيما عدا الأشهر
الحرم والآية الأخرى تحظر الظلم في (6) سائر الأحوال وليس ذلك كتخصيص العموم لأن
إحدى الآيتين في هذا ترفع دلالة الأخرى رأسا ولا يكون ذلك إلا على (7) وجه النسخ ولا
خلاف بين الأمة أنه ليس في شئ من هذه الآيات نسخ فدل على بطلان هذا الأصل
وأيضا لو (8) كان ما ذكره من ذلك معقولا من اللفظ لكان أولى الناس بأن لا يخفى
عليهم وجهته أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد تكلموا في أحكام الحوادث وتناظروا فيها وحاج فيها
بعضهم بعضا تارة بالعموم وتارة بأخبار الآحاد وتارة بالنظر والمقايسة (9) ولم يبلغنا عن أحد
منهم أنه (10) حاج صاحبه بهذا الضرب من الحجاج أو (11) استدل عليه بمثله فكيف (12) أغفلوا
ذلك وخفي عليهم موضعه وهو معنى معقول من لغتهم (13) ومفهوم من (14) ظاهر خطابهم في
زعم المخالف وقد اختلفوا في نفقة المبتوتة فقال عظم الصحابة لها النفقة وأبى ذلك
آخرون (15) منهم (1) فكيف لم يحتج نافقوها قبل بقوله تعالى كن أولات (2) حمل فأنفقوا عليهن

(1) الآية 151 من سورة الأنعام.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) الآية 29 من سورة النساء.
(4) الآية 36 من سورة التوبة.
(5) الآية 19 من سورة الفرقان.
(6) في ح " من ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) في ح " فلو ".
(9) لفظ د " المقائس ".
(10) في ح " ان ".
(11) في ح " و ".
(12) في د " وكيف ".
(13) لفظ ح " لغاتهم ".
(14) في د " في ".
(15) يروى عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا قال: " ليس لها سكنى ولا نفقة " رواه
أحمد ومسلم وفي رواية " طلقني زوجي فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة " رواه أحمد ومسلم وفي
رواية " طلقني زوجي فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى ولا نفقة " رواه الجماعة إلا البخاري.
استدل بهذا الحديث وغيره من قال إن المطلقة بائنا لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى، وقد ذهب
إلى ذلك احمد واسحق وأبو ثور وداود واتباعهم، وحكامه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاه.
والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والامامية والقاسم. وذهب الجمهور إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى.
واحتجوا لاثبات السكنى بقوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " ولا سقطا النفقة بمفهوم قوله
تعالى " وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فان مفهومه ان غير الحامل لا نفقة لها.
وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة من الحنفية وغيرهم والناصر والامام يحيى
إلى وجوب النفقة والسكنى، واستدلوا بقوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا
العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن " فان آخر الآية وهو النهي عن اخراجهن يدل على وجوب النفقة
والسكنى. وراجع تفصيل ذلك ونصرة المذاهب الأول عند الشوكاني في نيل الأوطار 6 / 341.
302

حتى يضعن حملهن (1) وهذا (2) دليل ظاهر عند المخالف معقول من ظاهر اللفظ فإن خفي
ذلك عليهم فكيف لم يستدل الموجبون لها بهذا الدليل على نفيها وقد أنكر عمر بن الخطاب
رواية فاطمة بنت (3) قيس في إبطال النفقة للمبتوتة (4) وقال لا ندع كتاب الله (5) ربنا
وسنة نبينا عليه السلام (6) لقول امرأة لعلها أنسيت أو شبه لها فكيف تكون عنده (7)
روايتها لذلك خلاف الكتاب ودليل الكتاب المعقول من ظاهره ينفيها
فإن قيل قد قالت فاطمة بنت قيس إن الله تعالى إنما أوجب النفقة للحامل
توجبونها (8) لغير الحامل
قيل له قد قالت ذلك ولم تستدل من اللفظ بمثل ذلك ولم نقل إن تخصيصه الحامل
بالذكر ينفي وجوبها لغير الحامل ولو كان ذلك كما ادعاه مخالفنا لكان لا أقل من أن (9)
يوجب عن بعضهم في شئ من أحكام الحوادث الاستدلال بمثله وعلى أنه لو ثبت عن
بعضهم (10) الاستدلال بمثله لما ثبتت (11) حجته ولا لزم القول به لأن الذين نفوه ولم يعرفوه
كانوا أيضا من أهل اللغة ولو كان ذلك من مفهوم اللسان (12) لما خفي موضعه عن جماعتهم
كما لم يكن يخفى عليهم سائر وجوه دلالات الكلام المفهومة من خطابهم

(1) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(2) كتبت في د: " أولات ".
(1) الآية 6 من من سورة الطلاق.
(2) في د " فهذا ".
(3) لفظ ح " نفقة المبتوتة ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(8) لفظ ح " توجبها ".
(9) عبار ح " لا أقل من ".
(10) ما بين القوسين ساقط من ح.
(11) لفظ د " ثبت ".
(12) لفظ ح " بيان ".
303

فإن قال قائل قد قال (1) يعلى بن أمية (2) لعمر بن الخطاب كيف نقصر وقد أمنا
فقال عمر عجبت مما عجبت منه (3) فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها
عليكم فاقبلوا صدقته (4) يعني أن الله تعالى إنما خص قصر الصلاة بحال الخوف بقوله
تعالى ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن
يفتنكم الذين كفروا (5) فعقل عمر ويعلى بن أمية من دليل الآية نفي القصر في حال
الأمن
قيل له ليس الأمر فيه على ما ظننت لأنهما لم يقولا إن الآية منعت القصر في حال
الأمن (6) وإنما قالا كيف نقصر وقد أمنا وقد أمرنا (7) الله تعالى بإتمام الصلاة في حال

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) في ح " منيه " وهو يعلى بن أمية بن عبيدة بن همام بن الحارث التميمي الحنظلي وهو الذي يقال له ابن منيه، بضم
الميم وسكون النون وهي أمه وقيل هي أم أبيه جزم بذلك الدارقطني، وفي هامش النسخة (5) قال المصحح.
منيه أم يعلى وأبو أمية 42 / ب وكنيته: أبو خلف أو أبو خالد أو أبو صفوان استعمله أبو بكر الصديق ثم عمر ثم
عثمان وشهد صفين مع علي بن أبي طالب. وقتل بها سنة ثمان وثلاثين. انظر ترجمته في الإصابة 3 / 630.
والاستيعاب بالهامش 3 / 624 وأسد الغابة 5 / 128 وآمالي اليزيدي 96 وتهذيب التهذيب 11 / 359 وخلاصة
تهذيب الكمال 376 أنظر الاعلام ف ح.
(4) الحديث أخرجه أبو داود عن يعلي بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب إقصار الناس الصلاة اليوم، وإنما قال
الله عز وجل " إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، فقد ذهب اليوم؟ فقال: عجبت مما عجبت منه فذكرت
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال " صدقة تصدق الله عز وجل بها عليكم فاقبلوا صدقته " وأخرجه مسلم والترمذي
والنسائي وابن ماجة.
قال الخطائي قلت: وفي هذا حجة لمن ذهب إلى أن الاتمام هو الأصل. ألا ترى انهما قد تعجبا من القصر مع
عدم شروط الخوف؟ فلو كان أصل صلاة المسافر ركعتين لم يتعجبا من ذلك فدل على أن القصر انما هو عن أصل
كامل قد تقدم. راجع مختصر وشرح وتهذيب سنن أبي داود 2 / 48 ونقول ليس في تعجبهما دليل على ما قال
الخطابي وأحاديث عائشة وابن عباس في الصحاح ان الصلاة فرضت فأتمت في الحضر وبقيت صلاة
السفر.
(5) الآية 101 من سورة النساء.
(6) ما بين القوسين ساقط من ح.
(7) لفظ ح " أمر ".
304

الأمن بقوله تعالى على الصلوات (1) وقوله تعالى فإذا (2) أمنتم (3) فأقيموا
الصلاة (4) وما جرى مجرى ذلك من الآي الموجبة لإتمام الصلاة ثم لما خص حال الخوف
بذكر القصر كان النص موقوفا عليها (5) فإذا لم يكن خوف فليس في القرآن ما يوجب
القصر فكيف نقصر وهلا كان الإتمام واجبا بسائر الآي الموجبة له
هذا هو معنى ما سألا عنه عندنا (6) فلما سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أعلمه أن
ذلك تخفيف من الله تعالى لكم في الحالين وإن لم يكن حال الأمن مذكورا في القرآن بل من
جهة وحي ليس بقرآن
وزعم بعض المخالفين أن الشافعي (7) قد قال ذلك وهو من أهل اللغة
وقال زعم أو عبيد وثعلب والمبرد وأن أبا عبيد احتج في ذلك بقوله تعالى
تستغفر لهم سبعين مرة (8) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدن على السبعين قال (9) فقال (10) أبو عبيد
في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ

(1) الآية 238 من سورة البقرة.
(2) في د " وإذا " وهو خطأ.
(3) في ح " امنتم " وهو خطأ.
(4) الآية 103 من سورة النساء.
(5) عبارة ح " القصر موافقا ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي الشافعي المكي أبو عبد الله، أحمد الأئمة
الأربعة وإليه ينسب الشافعية، ولد بغزة وحمل إلى مكة ونشأ فهيا ودخل بغداد مرتين وحدث بها وخرج إلى
مصر وتوفي بها وكان مولده سنة 150 هجرية. ووفاته سنة 240 هجرية، وتصانيفه تصل المائة منها المسند في
الحديث، واثبات النبوة، والرد على البراهمة، والمبسوط في الفقه رواه عنه الربيع بن سليمان والزعفراني، والام
والرسالة راجع ترجمته في تاريخ بغداد 2 / 56 والفهرست 1 / 209 ووفيات الأعيان 1 / 565 وتهذيب الأسماء
1 / 44 ومعجم الأدباء 17 / 281، والانتقاء 65 والحلية 9 / 63 والنجوم الزاهرة 2 / 167 والكامل في التاريخ
6 / 122 والبداية 1 / 252 وطبقات الحنابلة 204 وتذكرة الحفاظ 1 / 329 وشذرات الذهب 2 / 9 والديباج
227 والوافي 2 / 171 والمختصر في أخبار البشر 2 / 28 ومرآة الجنان 2 / 13 ومفتاح السعادة 2 / 88 وأن ظر
مراجع كثيرة في معجم المؤلفين / 32.
(8) الآية 80 من سورة التوبة.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) لفظ ح " وقال ".
305

شعرا (1) لا يجوز أن يكون في (2) الشعر الذي هجي به الصحابة رضي الله عنهم لأنه لو كان
كذلك لكان قد أباح القليل قال وقوله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (3) دليل على أن
لي (4) غير الواجد بخلاف الواجد
قال أبو بكر
فأما قول هذا القائل إن الشافعي من أهل اللغة وأنه قد (5) قال ذلك فثبتت حجته فإن من
يلجأ إلى مثله في الحجاج على مخالفيه فما بقى غاية في إفلاسه
فيقال (6) له ومن قال لك إنه من أهل اللغة ومن حكى عنه منها حرفا (7) يحتج به
فإن كان إنما صار كذلك لأنكم ادعيتم له ذلك أو ادعاه هو لنفسه فإنه ليس يعوز أحدا
أن يدعي مثل ذلك لنفسه ولأصحابه ويحتج (8) به على مخالفيه وإنما يعرف الرجل بضرب
من العلوم ويوصف به بحكاية أهله عنه وقبولهم قوله فيه (9) كما حكى جماعة من أهل اللغة
عن محمد بن الحسن واحتجوا بقوله فيما وقد ذكرنا منه طرفا فيما سلف

(1) روى البخاري مسلم عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما اتفقا على الرواية عنهم " لان يمتلي "
جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعراء " ويريه أي يريد به يفسده رئته مأخذ من قولهم ورى القبح
جوفه أي أكله، واستدل به بعضهم على كراهة الشعر مطلقا، ولكن الجمهور على اباحته ثم المذموم منه ما فيه
كذب وقبح، وما لم يكن كذلك فان غلب على صاحبه بحيث يشغله عن الذكري والتلاوة فمذموم، وإن لم يغلب
فلا ذم فيه.
راجع مبارق الأزهار 2 / 292.
(2) في د " من ".
(3) أخرج أبو داود عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " قال
الخطابي: في الحديث دليل على أن المعسر لا حبس عليه لأنه إنما أباح حبسه إذا كان واجدا والمعدوم غير واجد،
فلا حبس عليه، وقد اختلف الناس في هذا فكان شريح يرى حبس الملئ والمعدوم والى هذا ذهب أصحاب
الرأي، وقال مالك: لا حبس على معسر، إنما حظه الانتظار، وقال ابن المبارك: عرضه: يغلظ له، وعقوبته:
يحبس له.
وأخرجه النسائي وابن ماجة.
انظر مختصر وشرح وتهذيب سنن أبي داود 5 / 236.
(4) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ د " ويقال ".
(7) لفظ د " جزما " وهو تصحيف.
(8) لفظ ح " وتحتم " وهو تصحيف.
(9) وكلام الجصاص في الشافعي مردود دون تردد فإن الشافعي مشهود له بالعربية شهد بذلك أكابر اللغويين
قال المبرد: رحم الله الشافعي فإنه كان من أشعر الناس، وأدب الناس، وأعرفهم بالقرآن. انظر توالي التأسيس
62.
وقال ابن أبي الجارود: كان يقال: ان محمد بن إدريس يحتج به كما يحتج بالبطن من العرب، انظر الطبقات
الكبرى 2 / 161.
وقال أبو عبيد: كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة، انظر تهذيب الأسماء واللغات 1 / 50.
وقال المزني: قدم الشافعي مصر وبها عبد الملك بن هشام النحوي - صاحب المغازي - وكان علامة أهل عصره في
اللغة والشعر - فذهب إلى الشافعي ثم قال: ما ظننت ان الله خلق مثل الشافعي، ثم أخذ قوله حجة في اللغة.
انظر المصدر السابق. وقال أحمد بن حنبل: كلام الشافعي في اللغة حجة. انظر توالى التأصيس 29.
وعن يونس بن عبد الاعلى قال: كان لشافعي إذا أخذ في لعربية قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الشعر
وانشاده قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الفقه قلت: هو بهذا أعلم. انظر معجم الأدباء 17 / 300.
والا قوال ف ي انه حجة في اللغة متواترة ميسورة لكل مطلع منصف وهو في النحو والبلاغة والشعر كذلك، وقد
لازم الشافعي قبيلة هذيل بالبادية مدة سبعة عشر عاما ينزل بنزولها ويرحل برحيلها حتى أتقن العربية ونبغ
فيها.
وراجع في ذلك رسالة الدكتور حسن محمد سليم أبو عيد حول الإمام الشافعي وأثره في أصول الفقه ص 89
ففيها غناء وزيادة لمستزيد.
306

وإن كان ما اختلفوا فيه من حكم دلالة اللفظ مأخوذا من أهل (1) اللغة فإن محمدا
من أهلها غير مدافع (2) وهو غير قائل بما ذكرتم (3) ولم يعقل منها ما وصفتم وإنما حكاية
هذا (4) الحاكي عن ثعلب والمبرد فإنها حكاية باطلة لا أصل لها والحاكي لها ذلك غير
موثوق به (5)
وأما (6) ما حكاه عن أبي عبيد فلا معنى له (7) لأنه لا يختص بمعرفة (8) ذلك (9)
أبو عبيد دون غيره بل أهل اللغة وغيرهم في معرفة ذلك سواء وإنما يختص أهل اللغة بمعرفة
الأسماء والألفاظ الموضوعة لمسمياتها بأن يقولوا (10) إن العرب سمت كذا بكذا
فأما المعاني ودلالات الكلام فليس يختص أهل اللغة بمعرفتها (11) دون غيرهم لأن

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لفظ ح " مانع " وهو تصحيف.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح وأبدلها ب‍ " بها ".
(4) لم ترد هذه الزيادة ف ح.
(5) ذكرنا هذه الحكاية في هامش 2 في الصفحة السابقة.
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) ذكرنا هذه الحكاية في هامش 2 في الصفحة السابق.
(8) في لفظ ح " بمعرفته ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لفظ ح " يقوا " وهو سهو من الناسخ.
(11) عبارة د " بمعرفتها أهل اللغة.
307

ذلك المعنى يستوي فيه أهل سائر اللغات في لغاتهم على اختلافها وبيئتها يحيى ولا يختص بلغة
العرب دون غيرها كسائر ضروب الكلام إذا نظمت ضربا من النظم ورتبت ضربا من
الترتيب ثم نقلت إلى لغة أخرى على نظامها وترتيبها لم يختلف حكم أهل اللغة المنقولة
إليها والمنقولة عنها في معرفة دلالاتها على ما دلت عليه من اللغة الأولى فإذا لا (1)
اختصاص لأهل اللغة بمعرفة ذلك دون غيرهم ممن (2) ليس من أهلها فقولهم (3) قال ذلك
بعض أهل اللغة ساقط لا اعتبار (4) به
وقد علمنا أن أعلم الأمة بلغة العرب هم الصحابة ولم يعقل أحد منهم ما ذكرتم من
حكم دلالة اللفظ على حسب ما بيناه أيضا
وأما ما حكاه عن أبي عبيد في قوله تعالى تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله
لهم (5) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزيدن على السبعين (6) رواية باطلة لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا
يجوز ذلك عليه و (7) في تجويزه انسلاخ (8) من الدين وذلك أنه معلوم انه قد كان من دين النبي
صلى الله عليه وسلم من أول ما بعثه الله تعالى إلى أن (9) توفاه صلى الله عليه وسلم أنه دعا (10) الناس إلى اعتقاد تخليد الكافر
في النار وأنه لم يجوز قط غفران الكفر فمن جوز على النبي صلى الله عليه وسلم جواز الاستغفار للكافر (11) فهو
خارج عن الملة (12)
وقد أخبر الله تعالى (13) عن هؤلاء القوم اللذين قال فيهم ما قال إنهم ماتوا
كفارا (14) بقوله تعالى تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله

(1) لفظ ح " الاختصاص ".
(2) في ح " من ".
(3) لفظ ح " كقولهم ".
(4) لفظ ح " الاعتبار ".
(5) الآية 80 من سورة التوبة.
(6) في د زيادة " مائة ويبدو أنها رواية باطلة كما ذكر الجصاص وراجع أحكام القرآن للجصاص 3 / 178 وفتح
القدير 2 / 387 وروح المعاني 10 / 147.
(7) في ح زيادة " لا " وهو تحريف.
(8) لفظ ح " الانسلاخ " وهو تصحيف.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) لفظ د " دعاء " ولفظ ح " دعاء ".
(11) في د " للكفار ".
(12) كتبت في ح " المسلة " وهو تصحيف.
(13) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(14) عبارة د " وهم كفار ".
308

ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين (1) فكيف يجوز أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدن على
السبعين هذا مالا الرحمن يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله ولا يجوزه لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يجوز
على الله تعالى مما لا يجوز
وإنما الذي روى (2) في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فلو علمت أنه يغفر لهم إذا زدت على
السبعين لزدت (3) وهذه الآية من أدل شئ على بطلان قولهم لأنه لا خلاف بين
المسلمين (4) أن السبعين وما فوقها سواء وأن الله تعالى لم يكن ليغفر لهم أبدا بعد موتهم
كفارا
فإن قال قائل قد (5) حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال واغفر لأبي
إنه كان من الضالين (6) فليس يمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يجيز (7) ذلك إلى أن أنزل
الله تعالى وعيد الكفار
قيل له قد بين الله تعالى وجه استغفار إبراهيم لأبيه بقوله تعالى كان استغفار
إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه (8) وروي أن أباه قد
كان أظهر له الإيمان فاستغفر له (9) فأخبر الله تعالى أنه منافق ليست له عقيدة الإيمان
فتبرأ منه حينئذ
وأما وعيد الكافر بالنار خالدا مخلدا فيه (10) فقد كان من دين النبي صلى الله عليه وسلم من أول ما
بعث فيستحيل مع ذلك أن يجيز (11) النبي صلى الله عليه وسلم الغفران لهم بزيادة الاستغفار على السبعين
وعلى أنه لو صح ما قالوه (12) من ذلك لم يدل على موضع الخلاف لأنه كان يكون ما (13) فوق

(1) الآية 80 من سورة التوبة.
(2) لفظ د " يروي ".
(3) راجع أحكام القرآن للجصاص 3 / 178 فقد كرر هذه العبارة فيه.
(4) لفظ ح " الناس ".
(5) في ح " فقد.
(6) الآية 86 من سورة الشعراء.
(7) لفظ د " يجوز ".
(8) الآية 114 من سورة التوبة.
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لم ترد هذه الزيادة في د.
(11) لفظ د " يجوز ".
(12) لفظ ح " قالوا ".
(13) في د " بما ".
309

السبعين موقوفا على الدلالة في الغفران أو غيره والحكم ثابت في السبعين لا محالة ونحن لا
ننكر بأن يكون ما عدا المذكور بخلاف المذكور في باب أن حكم المذكور فيما نص عليه ثابت
وما عداه موقوف الحكم على الدلالة
وإنما أنكرنا أن يكون النص على (1) المذكور موجبا للحكم فيما عداه بخلافه وذكر
السبعين في هذا الموضع على جهة تكثير العدد وهو قوله تعالى يكن منكم عشرون
صابرون غلبوا مائتين (2) وما دونها وما (3) فوقها في الحكم سواء وذلك معقول مع ورود
اللفظ وفي مخاطبات الناس
فإن قال قائل قال الله تعالى رقبة مؤمنة (4) فاقتضى (5) عند الجميع كون
الإيمان شرطا فيه وعقل بها أن غير المؤمنة لا تجزئ وقال شهيدين من
رجالكم (6) ودل عند الجميع على أن ما دونه لا يقبل (7) وقال ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث وربع (8) وكان فأوجب عند الجميع فساد نكاح ما عدا الأربع (9) وقال
تعالى يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر (10) وما دونها ليس له حكم الإيلاء وقال
تعالى كل واحد منهما مائة جلدة (11) وقال تعالى ثمانين جلدة (12)
وما دونها ليس بحد وقال تعالى يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء (13) ونحو ذلك من
المقادير المحصورة (14) تدل على أن ما عداها (15) فحكمه بخلافها

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) الآية 65 من سورة الأنفال.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) الآية 92 من سورة النساء.
(5) لفظ ح " واقتضى ".
(6) الآية 282 من سورة البقرة.
(7) ما بين القوسين ساقط من ح.
(8) الآية 3 من سورة النساء.
(9) لفظ د " الأربعة ".
(10) الآية 226 من سورة البقرة.
(11) الآية 2 من سورة النور.
(12) الآية 4 من سورة النور.
(13) الآية 228 من سورة البقرة.
(14) في د زيادة " و ".
(15) لفظ د " ما عدا ".
310

قيل له ليس هذا مما ذكرنا في شئ لأن قوله تعالى رقبة مؤمنة تخصيص
في الحكم لا المحكوم (1) فيه وإنما كان كلامنا في تخصيص المحكوم فيه بالذكر إذا نصب عليه
الحكم هل يدل على أن (2) ما عداه من الأشياء المحكوم فيها حكمه بخلاف حكمه نحو
قوله تعالى كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن (3) (4) فخص
المحكوم فيهن ثم نصب عليهن الحكم ونحو قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من الإبل السائمة شاة (5)
فذكر الحكم فيه ثم نصب الحكم عليه
ونحو قوله تعالى قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم (6) فخص
حال العمد (7) ونظائر ذلك
وأما قوله تعالى رقبة مؤمنة (8) فإنما فيه تخصيص الرقبة الواجبة بشرط الإيمان
والأمر يقتضي الوجوب فصارت صفة الإيمان للرقبة موجبة الأمر فلم يجز إسقاطه وقوله تعالى
واستشهدوا (9) شهيدين من رجالكم (10) من هذا القبيل أيضا لأنه (11) تخصيص الحكم
بصفة قد تضمنها لفظ الإيجاب فلم يجز إسقاطه لأن في تجويز أقل من شاهدين إسقاط
الوجوب الذي تضمنه الأمر في قوله تعالى روى وأما قوله تعالى ما طاب
لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (12) فإنه أعلمنا بداء جميع ما يحل لنا من النساء (13) ثم
فسره بالعدد المذكور فصار تفسيرا لجميعه فلم يبق مما أحل الله تعالى (14) شيئا لم يذكره

(1) لفظ د " للحكم ".
(2) في د زيادة " بقى " وهو تحريف.
(3) ما بين القوسين لم يرد في د.
(4) الآية 6 من سورة الطلاق.
(5) حديث حماد وهو أبو سلمة " فيما دون خمس وعشرين من الإبل والغنم في كل خمس ذود شاة.. " وساق حديثا
طويلا في ذلك.
قال الخطابي في معالي السنن في قوله: " في سائمة ". دليل على أن زكاة في المعلوفة منها لان الشئ إذا كان
يعتوره وصفان لازمان فعلق الحكم بأحد وصفيه كان ما عداه بخلافه وهو قول عوام أهل العلم الا مالكا فإنه
أوجب الصدقة في عوامل البقر ونواضح الإبل.
راجع مختصر وشرح وتهذيب أبي داود 2 / 177 - 182 و 2 / 192
(6) الآية 95 من سورة المائدة.
(7) في ح " واستشهدوا " وهو خطأ ".
(8) لفظ ح القتل.
(9) الآية 92 من سورة النساء.
(10) الآية 282 من سورة البقرة.
(11) عبارة ح " ان الآية ".
(12) الآية 3 من سورة النساء.
(13) ما بين القوسين ساقط من ح.
(14) لم ترد هذه الزيادة في د.
311

فلذلك لم تجز مجاوزته
وأما قوله تعالى يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر (1) فإنه قد بين حكمه
بعد المدة (2) في سياق اللفظ بقوله تعالى فإن فاءوا الله غفور رحيم (3) وإن عزموا
الطلاق (4) فلا يجوز بقاء حكم المدة مع حصول أحد هذين المعنيين لأن الفئ وهو الجماع في
المدة يسقط التربص (5) إذ لا يمين هناك بعد الخنث وتركها هذه المدة هو عزيمة الطلاق
والتربص معه ساقط لا اعتبار به لأنها قد بانت عزيمة فصار حكم ما بعد المدة بخلافه في
المدة للدلالة التي ذكرنا لا بتحديد المدة فحسب
وقوله تعالى يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (6) فإنه قد ذكر في الآية ما ينفي
أن يكون ما بعده عدة بقوله تعالى بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في
أنفسهن (7)
وأيضا فإن هذا الضرب من المقادير لا يصح إثباتها إلا من طريق التوقيف أو اتفاق
العلماء فلما (8) لم يرد التوقيف إلا بهذه المدة لم يجز إثبات زيادة عليها من غير توقيف أو اتفاق
عليها (9) فكذلك (10) هذا في الحدود والعدد وسائر المقادير
ومن جهة أخرى في الحدود أن ظهر الانسان محظور في الأصل فلا يجوز استباحته إلا
بالمقدار الذي يرد به التوقيف أو يقوم عليه الدليل وإلا فهو باق على أصل الحظر
وأيضا فإن جميع ما ذكرت من ذلك وارد في حكم الواجب وصفته فهو واجب (1)
لازم وقد أفادت الآية أن هذا المقدار حد يقع موقع الإجزاء فلم يجز الزيادة فيها إلا بنص
مثله

(1) الآية 226 من سورة البقرة.
(2) عبارة د " تبين حكم المدة ".
(3) ما بين القوسين ساقط من د.
(4) الآية 227 من سورة البقرة.
(5) لفظ ح " المريض " وهو تحريف.
(6) الآية 228 من سورة البقرة.
(7) الآية 234 من سورة البقرة.
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) لم ترد هذه الزيادة في 5
(10) لفظ د " وكذلك ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في د.
312

وجملة الأمر في ذلك أن كل موضع حكمنا فيه لما عدا المذكور بخلاف حكم المذكور
فلم يخل من (1) أن يكون وجوبه متعلقا بدلالة أخرى غير اللفظ المذكور فإما أن يكون لأن
الأصل كان يوجب الحكم فيما عدا المذكور قبل ورود حكم المذكور بهذا الحكم فلما ورد
التوقيف في المذكور بالحكم المنصوص عليه فيه (2) أخرجناه من الأصل وتركنا الباقي
على (3) حكمه الذي كان له قبل ورود الحكم (4) المذكور
وإما بدلالة أخرى أوجبت الحكم فيما عدا المذكور بخلاف حكم المذكور (5)
فأما المنصوص عليه فحكمه ثابت فيما هو عبارة عنه وما عداه فحكمه (6) موقوف على
الدلالة على ما بيناه (7)
فإن قال قائل كيف يجوز أن تجعلوه موقوفا وعندكم أن (8) الزيادة في النص توجب
نسخه فالواجب على هذا الأصل أن تقولوا حكمه بخلاف حكم (9) المذكور لا محالة حتى
تكون الزيادة نسخا فإن لم يكن كذلك فما الذي أوجب أن تكون الزيادة نسخا وقد كان
حكمه قبل ذلك موقوفا على قيام ورود الزيادة أو نفيها
قيل له لو عقلت ما قدمنا لم تسأل عن هذا لأن الكلام بيننا وبين مخالفنا في الأصل
إنما هو في تخصيص المحكوم فيه ببعض أوصافه إذا نصب عليه حكم هل يدل على أن غيره
مما لم يذكر في مثل حكمه أو بخلافه (10)
فأما الزيادة في النص فإنما هي كلام في الحكم نفسه ونحن نقول إن كل حكم حكم
الله تعالى به ونص عليه مطلقا أو مقيدا بصفة فهو محمول على ما ورد لا يجوز الزيادة فيه ولا
النقصان (11) منه ولا يجري على المذكور الواجب غير المذكور مما ليس في صفته المشروطة نحو

(1) في ح " هن " وهو تصحيف.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) في د " في ".
(4) لفظ ح " حكم ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لفظ د " فهو ".
(7) لفظ د " بيناه ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لفظ ح " حكمه ".
(10) وهذا هو محل النزاع الذي بني عليه الجصاص حجاجه.
(11) لفظ ح " التفصيل ".
313

قوله تعالى رقبة مؤمنة (1) هو تخصيص للحكم ومقيد (2) بشرط الإيمان فهذا على
الوجوب لا يجوز فيه الاقتصار على غير مؤمنه وكذلك (3) قوله تعالى واستشهدوا
شهيدين من رجالكم (4) إلى قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء (5) وقوله (6) وأشهدوا
ذوي عدل منكم (7) كل هذا تقييد (8) للحكم (9) بصفة وقد تضمنها لفظ الأمر المقتضى
للإيجاب ولا جائز إسقاط العدد ولا إسقاط الصفة بحال لما وصفنا ونحو (10) قوله تعالى
ثمانين جلدة (11) وبقوله تعالى كل واحد منهما مائة جلدة (12)
تخصيص للحكم بالمقدار (13) المذكور له (14) وهو يفيد أن المذكور هو الحد وأنه واقع موقع
الاجزاء والزيادة فيه توجب أن يكون المذكور بعض الحد غير واقع موقع الاجزاء وهذا نسخ
وقوله قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق (15 (16) الآية متى زدنا
فيه النية كان زيادة في الحكم الواجب الذي اقتصت الآية جواز أداء الصلاة به وهو نسخ وقد
بيناه (17) في غير موضع فكل موضع يكون النقصان أو الزيادة (18) لاحقا بالحكم الذي يمكن
استعماله فاقتضى ظاهر اللفظ جوازه فهو نسخ
وأما إذا كانت (19) الزيادة في الحكم والتخصيص واقع في المحكوم فيه فليس في هذا

(1) الآية 92 من سورة النساء. (2) عبارة ح " وتخصيص الحكم مقيد ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) الآية 282 من سورة البقرة.
(5) الآية 282 من سورة البقرة.
(6) ما بين القوسين ساقط من ح.
(7) الآية 2 من سورة الطلاق.
(8) لفظ ح " تقرير " وهو تصحيف.
(9) لفظ ح " الحكم ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في د.
(11) الآية 4 من سورة النور.
(12) الآية 2 من سورة النور.
(13) عبارة ح " تخصيص الحكم بمقدار ".
(14) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(15) ما بين القوسين لم يرد في د.
(16) الآية 6 من سورة المائدة.
(17) لفظ د " بينا ".
(18) عبارة د " الزيادة أو النقصان ".
(19) لفظ ح " كان ".
314

نسخ لأن ما عدا المخصوص قد كان حكمه موقوفا على الدليل كقوله تعالى كن أولت
حمل فأنفقوا عليهن (1) (2) فهذا تخصيص للمحكوم فيه ولا دلالة له عليه ومن جهة اللفظ
على حكم غير الحامل لا بالإيجاب ولا بالنفي وكذلك قوله تعالى لم يستطع منكم
طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات (3) فيه تخصيص المحكوم فيهن بالصفة المذكورة فلا
دلالة فيه على تخصيص الحكم ولا على أن غيرهن ليس في حكمهن وكذلك قوله تعالى
قتله منكم متعمدا (4) إنما فيه تخصيص القاتلين بالذكر لا تخصيص الحكم فلا يدل
على أن الحكم مقصور عليهم (5)
فإن قيل قال الله تعالى كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة
مؤمنة (6) فاستدللتم ولم به (7) على إسقاط الدية لاقتصاره على ذكر الكفارة دون الدية
وخصصتم به (8) عموم قوله تعالى قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة
إلى أهله (9) وهو موجب للحكم في المقتول في دار الاسلام

(1) الآية 6 من سورة الطلاق.
(2) في د إضافة " حتى يضعن ".
(3) الآية 25 من سورة النساء.
(4) الآية 95 من سورة المائدة.
(5) اختلف العلماء في الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا؟.
ولا نزاع بينهم ان الزيادة إذا كانت عبادة مستقلة كزيادة صلاة سادسة مثلا أنها لا تكون نسخا.
وانما النزاع في غير المستقل، ومثلوا له بزيادة جزء أو ما يرفع مفهوم المخالفة.
واختلفوا على ستة مذاهب:
الأول: انه نسخ وإليه ذهب علماء الحنفية.
الثاني: انه ليس بنسخ وإليه ذهب الشافعية.
الثالث: إن كانت الزيادة ترفع مفهوم المخالفة فنسخ وإلا فلا.
الرابع: ان غيرت الزيادة المزيد عليه بحيث صار وجوده كالعدم شرعا فنسخ وإلا فلا، وإليه ذهب القاضي
عبد الجبار.
الخامس: ان اتحدت الزيادة مع المزيد عليه بحيث يرتفع التعدد والانفصال بينهما فنسخ وإلا فلا.
السادس: ان الزيادة إن رفعت حكما شرعيا بعد ثبوته بدليل شرعي فنسخ، وإلا فلا.
راجع التلويح 2 / 318 وأنظر مذهب الحنابلة في أن الزيادة ليست بنسخ، ومراتبها عنهم في روضة الناظر 41
وانظر فروع المسألة في تخريج الفروع للزنجاني 10 وانظر المغني مع الشرح الكبير 12 / 11
(6) الآية 92 من سورة النساء.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) الآية 92 من سورة النساء.
315

وفي المقتول من أهل دار (1) الحرب إذا كان مسلما
قيل له ليس الأمر فيه (2) على ما ظننت لأن قوله تعالى قتل مؤمنا خطأ (3)
لم يدخل فيه المسلم في دار الحرب قبل الهجرة إلينا وذلك لأنه قال في سياق الخطاب كان
من قوم عدو لكم (4) ولو كان قد تناوله الخطاب الأول لما استأنف له ذكر الأسماء وهو لم يخصه
بحكم لم يذكره في قتل المؤمن خطأ لأن ذكر الرقبة قد تقدم أيضا فغير جائز أن يكون هذا
مرادا له وهو قد بين حكمه بدءا ويستأنف له ذكرا ينقض ذلك الحكم بعينه فعلمنا أن قوله
تعالى كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن (5) (6) لم يتناوله قوله تعالى قتل مؤمنا
خطأ (7)
وأيضا فإن قوله تعالى وأن (8) كان من قوم شرط ومحال أن يذكر الأول مكررا ويجعله
نفسه شرطا مع دخوله في ابتداء الخطاب
وإذا صح أن هذا كلام مبتدأ لم يتقدم ذكره فيما سبق من خطاب الآية ثم وجب فيه
رقبة (9) على قاتله لم يجز لنا أهل إيجاب شئ غيرها (10) لأن فيه زيادة في حكم المنصوص عليه
على (11) ما تقدم منا بيانه (12) في غير موضع
فإن قيل معلوم من خطاب الناس وتعارفهم أن قول القائل إن دخل زيد الدار
فأعطه درهما إنما يوجب استحقاق الدرهم بالدخول فإنه إن (13) لم يدخلها لم (14) يجز أن
يعطى

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) الآية 92 من سورة النساء.
(4) الآية 92 من سورة النساء.
(5) ما بين القوسين لم يرد في د.
(6) الآية 92 من سورة النساء.
(7) الآية 92 من سورة النساء.
(8) في النسختين " وان " وهو خطأ.
(9) عبارة د " أوجبه في الرقبة ".
(10) لفظ د " غيره ".
(11) لم ترد هذه الزيادة في د.
(12) عبارة " بياننا له ".
(13) سقطت هذه الزيادة من ح.
(14) في ح " فلم ".
316

قيل له هذا عليك لأن كل عاقل سمع هذا الكلام قد عقل منه (1) أنه لم ينهه عن
إعطاء الدرهم إذا لم يدخلها وأنه إنما جعل الدخول شرطا لاستحقاق هذا الدرهم ومع
ذلك فجائز أن يعطيه درهما متبرعا به
ونحن نقول أيضا أن الدخول شرط لاستحقاق هذا الدرهم (2) (3) بعينه ولا
يستحقه إلا بالدخول لا لأن اللفظ منع الاستحقاق إلا على هذا الوجه لكن من جهة
أنه (4) لما كان معلوما أن الاستحقاق غير واقع في الأصل ثم علقه بالدخول أنه مستحق (5) به
وإذا لم يدخل (6) فحكمه باق على الأصل في جواز الإعطاء أو (7) تركه
فإن قال قائل فما تقولون في قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من الإبل السائمة شاة (8) وهل هذا
عندكم على أن غير السائمة لا صدقة فيها فإن لم يدل على ذلك فأوجبوا الصدقة في
العوامل بقوله صلى الله عليه وسلم في خبر آخر في خمس من الإبل شاة (9) إذ لم يقيدها بشرط السوم
قيل له لا فرق بين هذا وبين سائر ما قدمنا من الأشياء المخصوصة بالذكر إذا علق
بها حكم وإن هذا لا يدل عندنا على أن غير السائمة لا صدقة فيها وإنما أسقطنا صدقة
غير (10) السائمة بدلائل (11) أخر وإلا فلو خلينا والخبرين الذين في أحدهما ذكر السوم وفي
الآخر إسقاطه لأوجبنا الصدقة في غير السائمة
فإن قال قائل هذا الاعتبار يؤدي إلى اسقاط فائدة التخصيص فالواجب أن يثبت
للتخصيص فائدة محددة ولا فائدة فيه إلا دلالته على أن الحكم في غيره بخلافه

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح " الصرف ونرجح ما أثبتناه.
(3) ما بين القوسين ساقط كله من د.
(4) لم ترد هذه الزيادة في د.
(5) لفظ د " يستحق ".
(6) لفظ د " يوجد ".
(7) في د " و ".
(8) اخرج أحمد في مسند " في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان 2 / 14، 15 و 3 / 35 والدرامي كتاب الزكاة
باب 6 / 2.
(9) سقطت هذه الزيادة من ح.
(10) لفظ د " بدليل ".
317

قيل له فقد تركت دعواك الأولى في دلالة اللفظ وانتقلت إلى أن افتقار ذكر
التخصيص حديث إلى الفائدة هو الموجب لما ذكرت فنقول لك الآن خبرنا عنك أتقول إنه لا فائدة
في ذكر التخصيص إلا دلالته على أن حكم ما عداه بخلافه
فإن قال كذلك أقول
قيل له ولم قلت هذا وما (1) أنكرت أن يكون فيه فوائد أخر غير ما ادعيت
ثم يقال له فينبغي أن يدل قوله تعالى ولا (2) تقل لهما أف (3) على أن له أن يزدريه (4)
ويضربه لأن هذا هو فائدة تخصيص هذا اللفظ بالذكر
وينبغي أن يدل قوله تعالى تقتلوا أولادكم خشية إملاق (5) على أن لنا قتلهم إذا
لم نخش الإملاق
ويدل قوله تعالى تظلموا فيهن أنفسكم (6) على أن لنا أن نظلم أنفسنا في
غيرهن إذ لا فائدة للتخصيص بالذكر (7) إلا هذا ومتى أخلينا اللفظ من هذه الفائدة
حصل ذكر التخصيص غير مقيد
وغير جائز أن يكون في (8) كلام الله تعالى ما لا يفيد فإذا قد بطل أن يكون فائدة
التخصيص ما ذكره
فإن قال إنما جعلنا ما عدا المذكور في حكم المذكور في هذه الأشياء التي ذكرناها (9)
بدلالة وإلا فقد كان حكمها ان تكون بخلاف حكم (10) المذكور
قيل له فيجوز عندك أن يرد عن الله تعالى كلام فيه تخصيص بعض الأشياء بالذكر
ثم تقوم الدلالة على أنه لا فائدة في (11) تخصيصه إياه بذلك

(1) في ح " ولم ".
(2) في النسختين " ولا " وهو خطأ.
(3) الآية 23 من سورة الإسراء.
(4) كتبت في ح " يربته " وفي د " يزديه " وما أثبتناه هو الصحيح.
(5) الآية 31 من سورة الإسراء.
(6) الآية 36 من سورة التوبة.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) لفظ د " ذكرتها ".
(10) لفظ ح " حكمه ".
(11) في د " على ".
318

فإن قال نعم ارتكب ما لا يرتكبه مسلم ويقال له مع ذلك فما أنكرت أن يكون ذكر
التخصيص لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه
ومع ذلك فلا فائدة في التخصيص إذ (1) قد جوزت أن يخص الله عز وجل شيئا بالذكر
ولا يكون في تخصيصه إياه به فائدة
فإن قال لتخصيص الله تعالى هذه الأشياء بالذكر فائدة وإن (2) لم يدل على أن
حكم ما عداها بخلافها
قيل له فما أنكرت ألا أن يدل التخصيص على أن ما عداه فحكمه بخلافه (3) وتكون
فائدته قائمة من (4) غير هذا الوجه
ثم يقال له ما فائدة تخصيص الميتة والدم ولحم الخنزير بالتحريم (5) وها هنا أشياء
أخر محرمة غيرها
وما وجه تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم تحريم التفاضل في الأصناف الستة وهناك ما هو في
حكمها مما (6) لم يذكره
ومعلوم أن جميع ذلك لم يخل من فوائد وإن لم يدل على أن حكم ما عداها بخلافها
وعندنا (7) أن جميع ما خص بالذكر ونصبت عليه حكم ففي تخصيصه أجل الفوائد بأن
يكون حكم هذا المخصوص معقولا من النص وما عداه (8) موكولا إلى اجتهادنا وألزمنا
بعد (9) ذلك طلب الدلالة على حكم غيره هل (10) هو في مثل حكمه أو بخلافه ليظهر
بذلك فضيلة المستنبطين وما وعدهم به من الثواب الجزيل ولو نص على الجميع لقصر بنا
عن رتبة المستنطين (11) عند وحرمنا به بلوغ منزلة الناظرين

(1) في ح " أو ".
(2) في د " فان ".
(3) هنا كلمة لا تقرأ في ح وليست موجودة في د ونرجح عدم وجودها لعدم اضطرار الجملة بدونها.
(4) في د " في ".
(5) سقطت هذه الزيادة من د.
(6) في د " ما ".
(7) في ح " عند " وهو تصحيف.
(8) في د " فما ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) في ح " ممن ".
(11) ما بين القوسين ساقط من ح.
319

وزعم بعض المخالفين أنهم يخصون العموم بدلالة التخصيص على مخالفة حكم لأنه ما
عداه له لأنه أقوى من الخطاب في زعمه كما أن المفسر (1) يخص المجمل والقياس يخص
الظاهر (2)
وقد دللنا (3) على فساد هذه المقالة إلا أنا مع ذلك لا ندع بيان (4) فساد هذا الفرع
إذا سلم لهم ما ادعوه في الأصل
فنقول لهم لم (5) زعمتم أن هذا الضرب من الدليل يخص الظاهر
فإن قال كما أخصه بلفظ غيره وكما أخصه بالقياس
قيل له ولم قلت إن هذا مثل القياس أخبرنا ومثل لفظ آخر هو (6) أخص منه فلا ملجأ في
ذلك إلا (7) إلى دعوى عارية من البرهان
ثم (8) يقال له أليس هذا الضرب من الدليل يجوز فيه التخصيص عندك كما يجوز في
العموم فلم جعلت الدليل حاكما على العموم دون أن تجعل العموم حاكما عليه وهلا جعلت
أقل أحوالهما أن يتساويا فلا يكون القضاء بأحدهما على الآخر أولى من أن يقضي بالآخر
عليه وليس هذا مثل القياس لأن القياس لا يجوز فيه التخصيص عندك مع وجود العلة ولأنه
غير جائز وجود قياس لا يوجب حكما رأسا ويجوز وجود هذا الضرب من الدليل غير موجب
لحكمه على نحو ما مر (9)
ثم يقال له هلا جعلت العموم أولى من لأنه غير جائز وجود عموم لا يتعلق به حكم

(1) المفسر: عرفه السرخسي بأنه اسم للمكشوف الذي يعرف المراد به مكشوفا على وجه لا يبقى بعد احتمال
التأويل فيكون فوق الظاهر والنص لان احتمال التأويل قائم بينهما منقطع في المفسر. أصول السرخسي 1 / 165.
(2) والظاهر: عرفه السرخسي بأنه ما يعرف المراد منه بنفس السماع من غير تأمل وهو الذي يسبق إلى العقول
والأوهام لظهوره موضوعا فيما هو المراد. وعرف أيضا بأنه ما دل على المعنى مع احتمال غيره احتمال مرجوحا
راجع أصول السرخسي 1 / 164 وأصول الفقه للشيخ زهير 2 / 17 وراجع تفصيل تعاريف المفسر والظاهر
تيسير التحرير 1 / 200.
(3) لفظ ح " دلنا " وهو تصحيف.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) في ح " ما ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) في د " و ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح وأبدلها ب‍ " مع " وهو سهو.
320

في شئ مما ورد به (1) وقد جاز وجود المخصوص بالذكر غير موجب للحكم فيما عداه رأسا
فهلا جعلت العموم قاضيا عليه لهذا المزية التي ليست كدليلك يا هذا
وأيضا فإن العموم أصل وهذا فرع عليه فلم تركت الأصل به وجعلته أولى منه
وأما قوله كما يخص المفسر المجمل فإن المفسر مذكور وكذلك المجمل فلا يمتنع أن
يقضي بأحدهما على الآخر وعلى أنهم نقضوا ذلك فقالوا إن قليل الرضاع لا يحرم حتى
تكون خمس رضعات لما روى عن عائشة رضي الله عنها أنه كان لا يحرم إلا عشر رضعات
معلومات فنسخن بخمس فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يتلى (2) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا يحرم الرضعة والا الرضعتان (3) ودليل هذا الخبر يوجب تحريم ما زاد على الرضعتين
فينبغي أن يخص به الخمس رضعات ويجعل الخمس في الكثير الذي كان يوجب التحريم ثم
نسخ
ثم (4) يقال له خبرنا عن دليلك (5) هذا إذا عارضه القياس أيهما يكون أولى
فإن قال هو أولى من القياس
قيل له ولم قلت هذا وهلا جعلت القياس أولى منه إذ كان دليلك هذا (6) يجوز فيه

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) وأخرجه مسلم عن عائشة بلفظ " كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن "، ثم نسخن بخمس
معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيم يقرأ من القرآن " ورواه أبو داود والنسائي ونحوه مسلم وابن ماجة وفي
لفظ قالت - وهي تذكر الذي يحرم من الرضاعة " نزل في القرآن عشر رضعات معلومات، ثم نزل أيضا خمس
معلومات " وفي لفظ قالت: " أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخ من ذلك خمس رضعات إلى خمس
رضعات معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر على ذلك " رواه الترمذي.
قال الخطابي: وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي من اعتبار عدد الخمس في التحريم إلا أن أكثر الفقهاء قد ذهبوا
إلى أن القليل من الرضاع والكثير محرم وهو قول سفيان والثوري ومالك والأوزاعي وإليه ذهب أصحاب
الرأي، وقال أبو عبيد لا يحرم أقل من ثلاث رضعات انظر معالم السنن مع مختصر أبي داود 3 / 13 ونيل الأوطار
3 / 148.
(3) اخرج مسلم عن أم الفضل ان رجلا من بني عامر بن صعصعة قال: يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة.
قال: " لا ".
وعن أم الفضل أيضا ان نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو المصة أو المصتان ".
راجع صحيح مسلم كتاب الرضاع الأحاديث رقم 19، 20، 21 (10 / 28) والحديث نفسه عند ابن ماجة كتاب
النكاح باب 35 (1 / 624).
وأخرج الدارمي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحرم المصة والمصتان " كتاب النكاح باب 49 (2 / 157).
وانظر أحكام الرضاع وعدده وكلام العلماء فيه في نيل الأوطار 6 / 347 وما بعدها. ومبارق الأزهار 1 / 211 عن
جبير بن مطعم.
(4) في د " و ".
(5) لفظ ح " ذلك " وهو تصحيف.
(6) هذه العبارة ليست واضحة في ح.
321

التخصيص ولا يجوز مثله عندك في القياس (1) وهلا جعلتهما متساويين إذا تعارضا فيسقط
حكمها جمعيا
وعلى أن قوله ان هذا الضرب (2) من الدليل أولى من القياس على أصله لأنه
يوجب على المخطئ جزاء الصيد ويوجب على قاتل العمد كفارة قياسا ودليله هذا ينفي
وجوب (3) الجزاء على المخطئ والكفارة على قاتل العمد لأن الله تعالى خص العامد
بالذكر في جزاء الصيد فقال تعالى قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من
النعم (4) (5)
وخص المخطئ بالذكر في كفارة القتل فقال تعالى قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة
مؤمنة (6)
ودليل الخطاب عندك ينفي موجب القياس ثم جعلت القياس أولى منه
فان سألنا سائل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه (7) وقوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق (8) هل دل (9) هذا القول منه (10) على أن ما لم

(1) لفظ د " أو ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " يوجب ".
(4) ما بين القوسين لم يرد في د.
(5) الآية 95 من سورة المائدة.
(6) الآية 92 من سورة النساء.
(7) ترجم البخاري بابه بهذا الحدث لأنه ليس على شرطه وأورده ما يدل عليه مما ثبت على شرطه. راجع فتح
الباري كتاب الرهن باب 6 (5 / 145).
وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته " البينة على المدعي واليمين.
على المدعى عليه ".
وهذه حديث في إسناده مقال ومحمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه - وهو في سند.
الحديث - ولكن روى عن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان اليمين على المدعى عليه " وهنا حديث حسن
صحيح كما قال الترمذي أخرجه الشيخان.
راجع تحفة الأحوذي كتاب الأحكام باب 12 (4 / 571) وفتح الباري بالإشارة السابقة ونيل الأوطار 7 / 42.
(8) اخرج البخاري عن الأسود ان عائشة أرادت ان تشتري بريرة فأبي مواليها إلا أن يشترطوا الولاء فذكرت ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اشتريها واعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ".
راجع فتح الباري كتاب الصلاة باب 10 ح‍ 5 وأخرجه مسلم في كتب العتق الأحاديث رقم 5، 6، 10،
12، 14، 15، ح 10 وعون المعبود كتاب الفرائض باب 12 ح 8، وكتاب العتاق باب 2 ح‍ 10، وتحفة
الأحوذي كتاب الفرائض باب 20 ح 6 وكتاب الولاء باب 1 ح‍ 6 والنسائي كتاب الزكاة باب 99 ح‍ 5 وابن
ماجة كتاب العتق باب 3 ح‍ 2 والموطء كتاب العتق باب 17 ح‍ 5 والدارمي كتاب الفرائض باب 51 - 53
ح 2 واحمد 1 / 281، 321، 2 / 28، 100 ومواضع كثيرة راجع فيها فهرست الأحاديث 4 / 123
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لم ترد هذه الزيادة في د.
322

يكن بالصفة المذكورة فبخلاف (1) حكمه
قلنا له نعم وليس هذا مما كنا فيه في شئ وذلك لأن قوله الولاء (2) اسم للجنس (3)
لدخول الألف واللام عليه إذ (4) لم يشر به إلى معهود فيتناوله دون غيره
فلما كان كذلك انتظم كل ما يتناوله الاسم منه في كونه للمعتق أو لغيرة وكذلك قوله
عليه السلام البينة على المدعي اسم للجنس فيتناول كل بينة صارت على المدعي فلم يبق
هناك بينة تكون على غير المدعي
وكذلك قوله اليمين على المدعى عليه يتناول (5) جنس اليمين الواجبة
بالدعاوي (6) فصارت (7) على المدعى عليه فلم يبق هناك يمين تكون على المدعي
ونحو ذلك قوله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما كان (8) عن ظهر غنى (9) فتناول (10) كل صدقة فما من
صدقة إلا وهي داخلة في اللفظ موجبة بشرط الغنى ودل على أن سائر الصدقات لا تجب
إلا (11) على الأغنياء وان الفقير لا صدقة عليه إذ لم يبق هناك صدقة لم يستوعبها اللفظ
فتكون موقوفة في كونها على غني أو على (12) فقير فمن هذه (13) الجهة تتناول (14) هذه
الألفاظ نفي الحكم المذكور يكون لها عما عداها لا من جهة تخصيصه لها بالذكر وهذا واضح وبالله
التوفيق

(1) لفظ د " بخلاف ".
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) لفظ ح " الجنس ".
(4) في ح " إذا ".
(5) لفظ د " تناول ".
(6) عبارة ح " تأكيد عادي " وهو تحريف.
(7) لفظ ح " وصارت ".
(8) سقطت هذه الزيادة من ح.
(9) الحديث أخرجه أبو داود " خير الصدقة ما كان عن ظهر غني " وأخرجه البخاري باللفظ " لا صدقة الا عن ظهر
غني " والنسائي بلفظ الصدقة عن ظهر غني ".
راجع ذلك في عون المعبود كتاب الزكاة باب 39 ح 4 وفتح الباري كتاب الزكاة باب 18 ح 3 والنسائي كتاب
الزكاة باب 53، 60 ح 5 واحمد 2 / 230، 435 و 2 / 94 و 3 / 501.
(10) لفظ د " تناول ".
(11) سقطت هذه الزيادة من ح وهو تحريف.
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) لفظ ح " فلهذه ".
(14) لفظ د " تناول ".
323

الباب الخامس عشر
في
حكم المجمل
325

باب
القول في حكم المجمل
قال أبو بكر
قد بينا فيما سلف صفة المجمل (1) ونبين الآن بعون الله حكمه وما يجب فيه
فنقول إن المجمل على ضربين
أحدهما مالا يعلم معناه من لفظه ولا يمكن استعمال شئ منه فيما علق به الحكم
نحو قوله تعالى حقه يوم حصاده (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (3) أعلمهم أن الله تعالى
فرض عليهم حقا في أموالهم (4) وقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا (5) بحقها (6) ونحوها من الألفاظ التي لا

(1) انظر الباب الأول فصل " في معني المجمل ".
(2) الآية 141 من سورة الأنعام.
(3) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن: صحابي جليل، كان أعلم الأمة
بالحلال والحرام وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شهد العقبة وبدرا
وأحد والخندق والمشاهد كلها. وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا في اليمن توفي عذيما بناحية الأردن ودفن بالقصير المعيني
(بالغور) بطاعون عمرواس سنة 18 وقيل 19 وهو مولود في 20 قبل الهجرة وله 157 حديثا.
انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 3 / 120 القسم الثاني والإصابة ترجمة رقم 8039 وأسد الغابة 4 / 376 وحلية
الأولياء 1 / 228 ومجمع الزوائد 9 / 310 وغاية النهاية 2 / 301 وصفة الصفوة 1 / 195 والمحبر 286 و 304،
وشرح ألفية العراقي 2 / 285 ومسالك الابصار 1 / 217. انظر الاعلام 8 / 166.
(4) أخرجه البخاري عن ابن عباس بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: " انك ستأتي قوما أهل
كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هو أطاعوا لك بذلك
فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم ان الله فرض
عليهم صفة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذل كفاياك وكرائهم أموالهم واتق دعوة
المظلوم فإنه ليس بينه وبنى الله حجاب ".
(5) راجع فتح الباري كتاب الزكاة باب 63 (3 / 357 (3 / 357) وكتاب المغازي باب 60، ومسلم كتاب الايمان أحاديث
29، 31، (1 / 196) والنسائي كتاب الزكاة باب 1 / ح 5 والدارمي كتاب الزكاة باب ح 1 وانظر العدة
شرح العمدة 3 / 267.
(6) سبق تخريجه وحذف هنا لفظة " وحسابهم على الله " وهو بهذا يوافق ما ورد عند النسائي في كتاب الجهاد باب
1 ح 6 والتحريم باب 1 ح 7.
327

تنبئ (1) عن المعاني المراد بها فيكون حكم ما كان (2) هذا وصفه موقوفا على البيان
والضرب الآخر منه ما يمكن استعمال حكمه في أقل ما يتناوله لفظه وقد يجوز أن
يراد به أكثر منه فينتظم الجملة حينئذ معنيان
أحدهما لزوم استعمال الحكم في أقله
والآخر أن الزيادة على الأقل موقوفة على البيان فمتى ورد البيان بمقدار (3)
أكثر مما تضمن اللفظ وجوبه بينا أن ذلك كان مرادا باللفظ الأول (4) وذلك نحو أن يطلق لفظ
الأمر من غير ذكر (5) المأمور به نحو قوله صلوا وصوموا وحجوا ونظائره
وقد علم قبل ذلك ما الصلاة والصوم والحج فأقل ما تناوله لفظ الأمر إيجابه صلاة
واحد وصوما واحدا وحجا واحدا
ولا يلزمنا في أكثر منه لأن الأكثر لا نهاية له ولا مقدار معلوم بينها الله تعالى فاحتجاج من
أجل ذلك إلى البيان (6)
وكذلك قول القائل أعط هذه الدراهم رجالا بعد سنة أقل ما يتناوله الاسم منهم
ثلاثة وما زاد فجائز أن يكون مرادا باللفظ فإذا قال بعد ذلك قبل مجئ وقت تنفيذ الأمر هم

(1) في النسختين " تنبني " وما أثبتناه انسب للمراد.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح بصفة ".
(4) في ح زيادة " أو ".
(5) لو تورد كتب الأصول التي تحت أيدينا هذا التقسيم الذي أورده الجصاص وهو تقسيم جيد، وقد اختلف العلماء
في حكم المجمل فقال أبو إسحاق الشيرازي: حكم المجمل التوقف فيه إلى أن يفسر ولا يصح الاحتجاج بظاهره
في شئ يقع فيه النزاع.
وقال الماوردي: إن كان الاجمال من جهة الاشتراك واقترن به تبيينه اخذ به، فان تجرد عن ذلك واقترن به عرف
يعمل به، فان تجرد عنهما وجب الاجتهاد في المراد منه وكان من خفي الاحكام التي وكل للعلماء فيها الاستنباط
فصار داخلا في المجمل لخفائه وخارجا منه لامكان الاستنباط.
(قال في التلويح: وحكم المجمل الاستفسار وطلب البيان في المجمل فبيانه قد يكون شافيا ليصير به المجمل
مفسرا كبيان الصلاة والزكاة وقد لا يكون كبيان الربا بالحديث الوارد في الأشياء الستة ولهذا قال عمر رضي الله
عنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يبين لنا أبواب الربا فحينئذ يحتاج إلى طلب ضبط الأوصاف الصالحة للعلية ثم
تأمل لتعيين البعض وزيادة صلوحه لذلك.
وقال البخاري في كشف الاسرار: المجمل لا يدرك بالتأمل فيجب عليه التوقف إلى أن يأتيه البيان.
راجع في ذلك ارشاد الفحول 168 والتلويح 1 / 415 وكشف الاسرار للبزدوي 2 / 33.
(6) لفظ ح " ذلك " وهو تحريف.
(7) لفظ د " بيان ".
328

عشرة (1) لم يكن ذلك زيادة على الأمر الأول بل بيانا أن هؤلاء كلهم كانوا مرادين به (2)
كذلك إذا ورد البيان بعد قوله مع صلوا بمقادير أعداد الصلوات (3) كان ذلك بيانا أن جميع ذلك
كان مرادا باللفظ الأول
وقد كان في أصحابنا المتأخرين من يأبى ذلك ويقول إن هذا بمنزلة لفظ العموم غير
جائز في مثله ورود البيان بإرادة الأكثر إن لم يكن اللفظ مقتضيا لاستعمال حكمه في جميع ما
يصلح له وإنما يرد بعد ذلك مما يوجب زيادة في عدد الصلوات فيه في قوله صلوا وفي عدد
الرجال في قوله أعط (4) رجالا أنه يكون حكما مستأنفا غير جائز أن يكون مرادا بالكلام
الأول
قال وذلك أن اللفظ تناول صلاة واحدة
وقوله أعط رجالا تناول رجالا ثلاثة بغير أعيانهم فلا يجوز ورود البيان فيه بإرادة أكثر
من ثلاثة ولا أنه أراد رجالا بأعيانهم إلا أن يكون ذلك متصلا بالأمر فلا يستقر (5) حكم
الأمر إلا مع استقرار العدد وصفته فأما إذا (6) أطلقه ولم يعقبه بيان عدد الرجال وصفتهم
وأعداد الصلوات ومقاديرها فغير جائز ورود البيان بعد ذلك لأن المراد كان أكثر من ثلاثة
رجال وأن المراد بقوله صلوا أكثر من صلاة واحدة ومتى ورد بعده ذكر عدد أو صفة علمنا
أنه زيادة في الأمر الأول وحكم مستأنف لم يتضمنه اللفظ المتقدم ولم يوجبه ولا يكون ذلك إلا
على وجه النسخ على حسب ما نقوله في حكم الزيادة في النص (7)
قال لأن تجويز ذلك يؤدي إلى إبطال القول بالعموم لأن قوله صلوا إن كان يصلح
للواحدة من الصلوات كما يصلح لما فوقها فلا دلالة فيه على أنه أريد به الواحدة لا محالة فلم
أوجبت به أقل ما يقع عليه الاسم وإن كان مبينا على العليق بالبيان فما أنكرت ألا يجب به
شئ لأن اللفظ المجمل الموقوف على البيان (8) لا يجب به شئ ويجب التوقف فيه إلى أن
يرد التفسير وما أنكرت أن يكون من حيث كان مفهوما بنفسه لم يكن شيئا فيه موقوفا على ما

(1) سقطت هذه الزيادة من د.
(2) في د " فيه ".
(3) لفظ د " الصلاة ".
(4) لفظ د " أعطه ".
(5) لفظ ح " يشعر " وهو تحريف.
(6) لفظ ح " فإذا ".
(6) لفظ ح " فإذا ".
(7) لفظ ح " النسخ " وهو تحريف.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
329

يأتي بعده ولو ساغ هذا لساغ لأهل الخصوص والوقف قولهم إن العموم كله مجمل محتاج إلى
تفسير وان صورة التعليق بما (1) يرد من البيان
قال أبو بكر
فالذي حصل من هذا القول أن كل لفظ أمكن استعماله على وجه فلا إجمال (2) فيه
أصلا ولا يجوز أن يتأخر البيان فيه إن كان مراده أكثر مما اقتضى اللفظ وجوبه واستعمال
حكمه وأن المجمل عنده قسم واحد وهو الذي لا يمكن استعمال حكمه على وجه ويكون
موقوفا على البيان
قال أبو بكر
والصحيح عندنا هو (3) القول الأول وهو عندي مذهب أصحابنا أيضا لأن مسائلهم
تدل عليه ولأنهم قالوا فيمن قال لرجل طلق امرأتي فطلقها ثلاثا وقال الزوج أردت ذلك
طلقت ثلاثا
وإن طلقها واحدة وقال الزوج كذلك أردت وقعت واحدة فجعلوا لفظ الأمر مختصا
بأقل ما يتناوله وهو الواحد وجعلوه (4) مع ذلك محتملا للثلاث لولا ذلك ما عملت النية في
إرادتها (5) لأن النية لا تأثير لها في إيقاع طلاق لا يحتمله اللفظ
وقال أصحابنا أيضا فيمن أذن لعبده في التزويج أن ذلك يقتضي تزويج (6) امرأة
واحدة لا أكثر منها فإن زوج امرأتين في عقد (7) واحد (8) لم يصح نكاح واحدة منهما لأن
الأمر تناول واحدة منهما ولم يتناول الأخرى فتحصل المنكوحة المأذون في نكاحها مجهولة وذلك لا يصح
وقالوا (9) فإن قال المولى عنيت امرأتين جاز نكاحهما جميعا فقد جعلوا لفظ الأمر

(1) في ح " بم ".
(2) لفظ ح " احتمال ".
(3) في ح " هداه ".
(4) في ح، د " جعلوا " وما أثبتناه أنسب للمراد.
(5) لفظ د " ارادتهما ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ ح، د " عقدة " وما أثبتناه أنسب.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح. وفي د " واحدة " وما أثبتناه أنسب.
(9) لفظ ح " قالوا ".
330

يصلح لما فوق الواحدة وإن كان ظاهره إنما اقتضى نكاح امرأة واحدة فهذا يدل على أن قوله
صلوا قد يتناول صلاة واحدة وأنه يحتمل مع ذلك أن يراد به أكثر منها
فلما (1) كان للاحتمال مساغ في ذلك جاز أن يكون ما زاد على الواحدة في معنى
المجمل الذي يجوز تأخير (2) بيانه
ومتى ورد فيه البيان علمنا أنه كان مرادا باللفظ وليس إمكان استعمال اللفظ في أقل ما
يتناوله ويقع عليه بمانع من (3) أن يكون مجملا في الزيادة لأن اللفظ قد تضمن معنيين
معنى حكم معلوم مفهوم المقدار ومعنى الإجمال في أكثر منه
وكذلك قوله أعط هذه الدراهم رجالا بعد سنة من حيث صلح أن يكون اللفظ عبارة
عن الثلاثة وعما فوقها فقد عقلنا من اللفظ ثلاثة وما زاد عليها فجائز أن يكون حكم ما زاد (4)
موقوفا (5) على بيان يرد فيه قبل مجئ وقت تنفيذ الحكم
فإن قال قائل (6) قوله أعط رجلا بعد سنة يمكن استعماله في الثلاثة فهلا
استعملته (7) فيهم ومنعت الإجمال فيه
قيل له لأن الإجمال الذي وصفناه يوجب ما ذكرنا فصار كقوله قد أردت بالإعطاء
ثلاثة وما زاد عليها فموقوف الحكم (8) على البيان وهو بمنزلة قوله لقيت رجالا فالذي يلزمه
في الحال اعتقاد ثلاثة منهم يجوز ورود بيان في الثاني بأنهم كانوا أكثر من ذلك وليس هذا
بمنزلة العموم لأن قوله صلوا ليس فيه لفظ عموم في المأمور به لأنه غير مذكور باسم ينتظم
جماعة منه وإنما ذكر فيه الفعل فحسب والمفعول غير مذكور
وقد علمنا أن أقل ما أريد به صلاة واحدة
وفي اللفظ احتمال لإرادة أكثر منها ولا نهاية للأكثر فكان مجملا من هذا الوجه

(1) في ح (فان)
(2) لفظ ح (ان يتأخر)
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) لفظ ح (جاز) وهو تحريف.
(5) سقطت هذه الزيادة من ح. (6) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(7) لفظ ح (استعمله).
(8) لفظ ح (بحكم).
331

وأما لفظ العموم فإنه اسم لجميع ما نطوي تحته ليس بعض ذلك بأولى به (1) من
بعض فلذلك وجب (2) استعمال (3) الجميع ولم يكن فيه إجمال إذ لا إجمال فيه (4) (5)
وكذلك قوله أعط رجالا عشرة دراهم (6) بعد سنة فالمتيقن من المراد ثلاثة وما عداهم
فهو محتمل لأنه معلوم انه لم يرد به رجال الدنيا كلهم وانما أراد به (7) بعضهم فكان في ذلك
البعض إجمال (8) لما فوق الثلاثة فلذلك كان في معنى المجمل المفتقر إلى البيان ولو قال أعط
هذا رجالا ولم يوقت له وقتا ولم يبين له شيئا غير ذلك لكان هذا على ثلاثة وهو مخير في الزيادة
لأنه قد لزمه تنفيذ الحكم في الحال فيما يمكن استعماله
فما يتناوله اللفظ وفي تركه البيان دلالة على أن ما زاد على الثلاثة فهو مخير فيه لأنه قد
لزمه إعطاء العشرة دراهم في الحال ولا يمكنه انفاذها في الحال إلا على هذا الوجه
فالثلاثة لا محالة (9) مرادة وما زاد فهو فيه (10) بالخيار إن شاء أعطاهم منها وإن شاء
اقتصر على الثلاثة كما أن له الخيار في أن يعينها فيمن شاء من المعطين (11) وإن لم يقتض اللفظ
التعيين ومما يشاكل هذا المعنى قول الله تعالى السفينة فكانت لمساكين يعملون في
البحر (12) قد لزمنا اعتقاد كونهم ثلاثة ويجوز أن يكونوا أكثر منها ويحتمل في هذا أن يقال إنه
يلزمه أن يعطيها ثلاثة لا أكثر (13) منهم (14) لأن الثلاثة متيقنة والزيادة لم يثبت أنها مرادة

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ ح (أوجب).
(3) لفظ د (استيعاب).
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) وهذا ما يدل على أن العام عند الامام الجصاص موجبه قطعي وهو مذهب عامة مشايخ العراق منهم أبو الحسن
الكرخي شيخ الجصاص والامام أبو زيد الدبوسي والبزودي. وذهب الشافعي وجمهور الفقهاء والمتكلمين
ومشايخ سمرقند إلى أن موجبه ليس بقطعي.
راجع في ذلك كشف الاسرار للبزدوي 1 / 291 و 1 / 304 وكشف الاسرار للنسفي وهوامشه 1 / 194 وأصول
السرخسي 1 / 132
(6) لفظ د (درهما) وهو تصحيف.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لفظ د (احتمال).
(9) في ح (محا) وهو سهو من الناسخ.
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح. (11) لفظ ح (المعطين).
(12) الآية 79 من سورة الكهف.
(13) لفظ ح (فأكثر) وهو تصحيف.
(14) في ح (منها).
332

وقد قال أبو حنيفة فيمن قال والله لا أكلمك أياما أنه على ثلاثة أيام (1) وعلى (2)
معنى قوله أعط هذا رجالا قوله تعالى إطعام عشرة مساكين (3) لما ألزمه (4) تنفيذ
الحكم في العشرة لم يكن حكمه موقوفا على بيان عشرة بأعيانهم أو بأوصاف يخصون بها دون
غيرهم بل هو في كل عشرة (5)
ومتى ورد بعد ذلك لفظ يوجب تخصيص الإطعام في عشرة بأعيانهم أو عشرة
مخصوصين (6) بأوصاف دون غيرهم كان ذلك زيادة في حكم الأول وذلك مالا يجوز عندنا إذا
تراخى عن حال لزوم الفرض وإمكان تنفيذ الحكم إلا على وجه النسخ لأن هذا اللفظ ليس
فيه احتمال بل هو (7) موجب لإعطاء عشرة مساكين أي مساكين كانوا فلذلك كان الأمر فيه

(1) بشير الجصاص بذلك إلى أن أقل الجمع ثلاثة ويفهم من هذا أن ذلك رأيه كما هو رأي أبي حنيفة، وهي مسالة
خلافيه.
وليس محل النزاع فيها فيما هو المفهوم من لفظ الجمع لغة وهو ضم شئ فان ذلك في الاثنين والثلاثة
وما زاد بلا خلاف. وانما محل النزاع: في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة مثل مسلمين وغيره من جموع القلة لا
جموع الكثرة فان أقلها أحد عشر باجماع النحاة.
وتتخلص مذاهب العلماء في الآتي:
المذهب الأول:
ان أقله اثنان وهو المنقول عن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وبه قال ملك وداود وأبو بكر بن العربي
والغزالي واختاره الباجي وأبو يوسف.
المذهب الثاني:
أن أقله ثلاثة ولا يطلق على ما دونها الا مجازا وهو المنقول عن ابن عباس والشافعي وأبي حنيفة - كما أشار
الجصاص -.
المذهب الثالث:
الوقف ويشعر به كلام الآمدي فإنه قال في آخر هذه المسألة وان عرف ماخذ الجمع من الجانبين فعلى الناظر
بالاجتهاد الترجيح والا فالوقف لازم.
المذهب الرابع:
ان أقله واحد اخذه بعضهم من قول إمام الحرمين في البرهان.
المذهب الخامس:
حكاه ابن عمرو بن الحاجب انه لا يطلق على اثنين لا حقيقة ولا مجازا. والراجح من ذلك مذهب الشافعي وأبي حنيفة
فان أدلتهم منقدحة ولم يأت من عارضها بما يستحق التردد وانظر أدلتهم وحجاجهم مستفيضا في الابهاج
2 / 78 وما بعدها. وارشاد الفحول 123
(2) في ح زيادة (هذا).
(3) الآية 89 من سورة المائدة.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح (العشرة).
(6) لفظ د (مخصوصة).
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
333

على ما وصفنا
قال أبو بكر
ومن الألفاظ (1) ما (2) يجوز أن يكون مجملا ويجوز أن يكون عموما على حسب دلالة
الحال وذلك لأن قوله الصلاة (3) لا يخلو من (4) أن يريد به صلاة معهودة قد
عرفوها قبل ذلك فانصرف الأمر إليها فتناول جميع تلك الصلوات (5) على شرائطها
وأوصافها المعهودة لها وإن لم يكن هذا القول إشارة إلى معهود من الصلوات (6) فهو مجمل
مفتقر إلى البيان لأن لفظ الصلاة مجمل إذ كان قد أريد بها في (7) الشريعة معان لم يكن
اللفظ موضوعا لها في اللغة فهو مجمل موقوف الحكم على البيان
وأما بعد استقرار أمر الصلاة والصوم وسائر ألفاظ الشرع على المعاني المتعارفة المعهودة
لها فإنه متى أطلق منها شئ فهو منصرف إلى ما استقرت (8) معاني هذه الأسماء عليه
ألا ترى أن القائل منا إذا قال لآخر صل الظهر وصم (9) رمضان كان معلوما عنده مراد
القائل

(1) لفظ ح (ألفاظ).
(2) في ح زيادة (لا).
(3) الآية 72 من سورة الأنعام ومواضع كثيرة.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح (الصلاة).
(6) ما بين القوسين ساقط من ح.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لفظ ح (استقر).
(9) في د زيادة (شهر).
334

الباب السادس عشر
في
الكلام الخارج عن سبب
335

باب
حكم الكلام الخارج عن (1) سبب (2)
قال أبو بكر
كل كلام خرج عن سبب فالحكم له لا للسبب فإذا كان أعم من السبب وجب اعتبار
حكمه بنفسه دون سببه

(1) في د (على).
(2) والكلام في هذه المسألة يستدعى بيان محل النزاع فان الجصاص لم يحرر الخلاف فنقول:
محل النزاع: الخطاب إما ان يكون جوابا لسؤال سائل أو لا. فان كان جوابا فاما ان يستقل بنفسه أولا.
فان لم يستقل بحيث لا يصح الابتداء به فلا خلاف في أنه للسؤال في عمومه وخصوصه حتى كان السؤال
معاد فيه.
فان كان السؤال عاما فعام وان كان خاصا فخاص.
ومثال خصوص السؤال قوله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) وقوله في الحديث: (أينقص
الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا) فيجب قصر الحكم على السائل ولا يعم غيره الا بدليل من خارج يدل
على أنه عام المكلفين أو في كل من كان بصفته.
ومثال عمومه ما لو سئل عمن جامع امرأته في نهار رمضان فقال يعتق رقبة فهذا عام في كل واطئ في نهار
رمضان، وقوله يعتق وان كان خاصا بالواحد لكنه لما كان جوابا عمن جامع امرأته بلفظ يعم كل من جامع كان
الجواب كذلك، فصار السؤال معادا في الجواب.
وان استقل الجواب بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ لكان كلاما تاما مفيدا للعموم فهو على ثلاثة اقسام، لأنه
اما ان يكون أخص أو مساويا أو أعم.
الأول: أن يكون الجواب مساويا له لا يزيد عليه ولا ينقص كما لو سئل عن ما ء البحر فقال: ماء البحر لا
ينجسه شئ فيجب حمله على ظاهره بلا خلاف، كذلك قال ابن فورك ولا أستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني وابن
القشيري وغيرهم.
الثاني: ان يكون الجواب أخص من السؤال مثل ان يسأل عن احكام المياه فيقول ما ء البحر طهور فيختص بماء
البحر ولا يعم بلا خلاف، كما حكاه الأستاذ أبو منصور وابن القشيري وغيرهما.
الثالث: أن يكون الجواب أعم من السؤال وهما قسمان:
أحدهما: ان يكون الجواب أعم من السؤال وهما قسمان:
أحدهما: ان يكون أعم منه في حكم آخر غير ما سئل عنه، كسؤالهم عن التوضؤ بماء البحر وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله
هو الطهور ماؤه الحل ميتته فلا خلاف انه عام لا يختص بالسائل ولا بمحل السائل من ضرورتهم إلى الماء
وعطشهم بل يعم حال الضرورة والاختيار كذا قال ابن فورك وصاحب المحصول وغيرهما، وظاهر كلام
القاضي أبى الطيب وابن برهان انه يجرى في هذا الخلاف لا أتى في القسم الثاني وليس بصواب كما لا يخفى.
ثانيهما: ان يكون الجواب أعم من السؤال عنه كقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر
بضاعة: الماء طهور لا ينجسه شئ، وكقوله لما سئل عمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد فيه عيبا: الخراج
بالضمان وهذا القسم هو محل الخلاف بين العلماء.
راجع في ذلك ارشاد الفحول 134 تيسير التحرير 1 / 366 والتلويح 1 / 272 وحاشية العطار على جمع
الجوامع 2 / 73 والأشباه والنظائر للسيوطي 135 في فرع الخراج بالضمان.
337

ومن الناس من يعتبر السبب ويجعل حكم السبب (1) مقصورا عليه وإن كان عموما في
نفسه وهذا عندنا (2) خطأ إذا لم تقم (3) الدلالة على وجوب الاقتصار به على السبب (4)
وذلك لأن كل لفظ فحكمه قائم بنفسه إلا أن تقوم الدلالة على إزالته عن موجبه ومقتضاه
وليس في كونه خارجا على سبب ما يوجب تخصيصه والاقتصار بحكمه على سببه وذلك لأنه

(1) لفظ د (اللفظ).
(2) في ح (عند) وهو سهو من الناسخ.
(3) لفظ ح (تدل).
(4) ساق الجصاص المذهبين المشهورين وسنذكرهما معزوين لأصحابها مع ذكر ما أغفله الجصاص أو ما نشأ بعد عصره من مذاهب.
فنقول ان للعلماء في هذه المسألة خمسة مذاهب.
المذهب الأول:
انه يجب حمله على العموم وهذا ما حكاه الجصاص آنفا واليه ذهب الجمهور، قاله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو
الطيب والماوردي وابن برهان واختاره أبو بكر الصيرفي وابن القطان، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن
القشيري والكيا الطبري والغزالي: انه الصحيح وبه جزم القفال الشاشي، قال: والأصل ان العموم له حكمه
الا ان يخصص دليل، والدليل قد اختلف فان كان في الحال دلالة يعقل بها المخاطب ان جوابه العام يقتصر به على
ما أجيب عنه أو على جنسه فذاك والا فهو عام في جميع ما يقع عليه عمومه.
وحكى المذهب أيضا عن أبي حنيفة والشافعي، وحكاه الأستاذ أبو منصور عن أكثر الشافعية والحنفية وحكاه
القاضي عن عبد الوهاب عن الحنفية وأكثر الشافعية والمالكية وحكاه الباجي عن أكثر المالكية والعراقيين.
وقال القاضي في التقريب وهو الصحيح، وفى المسودة قال: إذا ورد لفظ عام على سبب خاص لم يقتصر على
السبب بل يعمل بعمومه نص على قال وهو مذهب أبي حنيفة وبه قالت الحنفية والأشعرية وأكثر الشافعية.
المذهب الثاني:
انه يجب قصر ه على ما خرج عليه السؤال (أي قصره على السبب) واليه ذهب بعض أصحاب الشافعي وحكاه
الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وسليم الرازي وابن برهان وابن السمعاني عن المزني وأبى ثور
والقفال والدقاق وحكاه أيضا الشيخ أبو منصور عن أبي الحسن الأشعري وحكاه القاضي عبد الوهاب والباجي عن أبي الفرج من أصحابهم قال الشوكاني، وحكاه الجويني في
البرهان عن أبي حنيفة وقال إنه الذي صح عندنا من مذهب الشافعي وكذا قال الغزالي في المنخول ومعه فخر
الدين الرازي في المحصول، قال الزركشي والذي في كتب الحنفية وصح عن الشافعي خلافه، ونقل هذا المذهب
أبو الطيب والماوردي وابن برهان وابن السمعاني عن مالك، وفى المسودة حكى مذهب القصر على السبب عن
المزني وأبى بكر الدقاق وكذلك ابن برهان وأبى الخطاب عن مالك وأبى ثور وأبى بكر القفال وأبى بكر الدقاق
من أصحابنا، وكذلك حكاه أبو الطيب أيضا عن مالك والمزني والدقاق.
وذكر القاضي في الكفاية فيه تفصيلا وعن أحمد بن حنبل ما يدل على أن اللفظ العام الوارد على سبب لا يؤخذ
بعمومه، لكن يقتصر على السبب وذلك من لفظين أحدهما في كتاب العلم للخلال وهو صريح في ذلك، فان
محتجا احتج عنده على مسألة بقوله (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فأجاب بان هذا انما ورد في الربا يعنى
وليس هذا مما دخل تحت الآية.
واللفظ الثاني: هو في مسالة حد الاكراه من كتاب عمد الأدلة لابن عقيل. وقد نبه ابن عقيل على هذا والرواية
لفظها في العلم للخلال وهي صريحة جدا.
338

ليس يمتنع أن يريد الله تعالى بإنزاله الحكم بيان حكم السبب وحكم غيره عند وجود هذا
السبب كما ينزل حكما عاما من غير سبب تقدم
فإذا ليس في نزوله على سبب ما يوجب الاقتصار به عليه

تحقيق القول في نسبة المذاهب السابقة.
ومن خلال ما سبق يتبين مذهب احمد بوضوح الا ان النقل عن الشافعي وأبي حنيفة قد دخله الاضطراب.
والصحيح الذي نراه ان مذهب أبي حنيفة القول بعموم اللفظ وذلك بالرجوع إلى ما نقله الأحناف في كتبهم ومن
ذلك ما نقله الجصاص آنفا عن أبي حنيفة وكذلك نقل في فتح الغفار وتيسير التحرير وكتب غير الحنفية كحاشية
العطار على جمع الجوامع والمستصفى والمسودة كما سنبين ذلك من ثبت المراجع.
أما النقل عن الشافعي فقد نبين مما سبق اضطراب القول فيه والذي نميل إليه بعد استقصاء الكلام في ذلك أن
مذهب الشافعي قصره على السبب.
وقد وضح ذلك مما نقله إمام الحرمين مشيرا في عبارته إلى ورود الرأيين عن الشافعي وانه يرجح ان قول الشافعي هو قصره على السبب.
ونظرا لدقة ذلك فنحن ننقل نص إمام الرمين في البرهان حيث يقول: (اختلف الأصوليون في أن الصيغة هل
يتعدى سببها في اقتضاء العموم أم يتضمن ورودها على السبب اختصاصها به، فالذي صح عندنا من مذهب
الشافعي اختصاصها به وعلى هذا يدل قوله في قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا
أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) الآية.
قال رضي الله عنه: كان الكفار يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وكانوا يتحرجون ن كثير من
المباحات في الشرع فكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع وتحاده فنزلت هذه الآية مسبوقة الورود بذكر سجيتهم في
البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي والموقوذة وأكيلة السبع، وكان الغرض منها استبانة كونهم على مضادة الحق
ومحادة الصدق حتى كأنه قال تعالى لا حرام إلا لما حللتموه والغرض الرد عليهم... الخ)
واستفاد إمام الحرمين من هذا ان مذهب الشافعي القول بقصره على السبب.
فراجع البرهان مخطوط دار الكتب 18 أصول ورقة 97
وعليه فالترجيح على ما ذكره إمام الحرمين انه مذهب الشافعي.
المذهب الثالث: الوقف حكاه القاضي في التقريب ولا وجه له لان الأدلة هما لم تتوازن حتى يقتضى ذلك التوقف.
المذهب الرابع:
التفصيل بين ان يكون السبب هو سؤال سائل فيختص به وبين ان يكون السبب مجرد وقوع حادثة كان ذلك القول
العام واردا عند حدوثها فلا يختص بها كذا حكاه عبد العزيز في شرح البزودي.
المذهب الخامس:
أنه إن عارض هذا العام الوارد على سبب عموم اخر خرج ابتداء بلا سبب فإنه يقصر على سببه وان لم يعارضه
فالعبرة بعمومه، قال الأستاذ أبو منصور هذا هو الصحيح.
ونحن مع الشوكاني في أن هذا لا يصلح ان يكون مذهبا مستقلا فان هذا العام الخارج ابتداء من غير سبب إذا صلح
للدلالة فهو دليل خارج يوجب القصر ولا خلاف في ذلك على المذاهب كلها.
والذي نرجحه من هذه المذاهب القول بعموم اللفظ فقد ورد في الشرع ألفاظ كثيرة حملها المفسرون والمجتهدون
ومن إليهم على عمومها وطولبنا بها شرعا من قبل الله عز وجل، ونرى أن قصره على السبب لا يكون الا بدليل فان
ورد فمسلم والا فالعبرة بعموم اللفظ، ولا قصر على سبب يعطل كثيرا من الاحكام، واستدلال الجصاص لهذا
المذهب نعتبره من جيد الأدلة التي نقل بعض المتأخرين بعضا منها.
وقد رد الغزالي في المستصفى بعض ما قد يثار على هذا المذهب من شبه وجعلها ثلاثا فقال:
الشبهة الأولى: انه لو لم يكن للسبب تأثير والنظر إلى اللفظ خاصة فينبغي ان يجوز اخراج السبب بحكم
التخصيص عن عموما المسميات كما لو لم يرد على سبب. قال الغزالي: لا خلاف في أن كلامه بيان للواقعة لكن
الكلام في أنه بيان له أوله ولغيره واللفظ يعمه ويعم غيره وتناوله مقطوع به وتناوله لغيره ظاهر فلا يجوز ان يسأل عن
شئ فيجيب عن غيره، نعم يجوز ان يجب عنه وعن غيره ويجوز أيضا ان يجيب عن غيره بما ينبه على محل السؤال كما
قال لعمر: أرأيت لو تمضمضت وقد سأله عن القبلة وقال للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته.
الشبهة الثانية: انه لو لم يكن للسبب مدخل لما نقله الراوي إذ لا فائدة فيه قلنا فائدته معرفة أسباب التنزيل والسير
والقصص واتساع علم الشريعة.
الشبهة الثالثة: انه لولا أن المراد البيان السبب لما اخر البيان إلى وقوع الواقعة فان الغرض إذا كان تمهيد قاعدة عامة
فلم اخرها إلى وقوع الواقعة. قال الغزالي: ولم قلتم لا فائدة في تأخيره والله تعالى اعلم بفائدته ولم طلبتم لافعال الله
فائدة بل لله تعالى ان ينشئ التكليف في أي وقت شاء ولا يسئل عما يفعل.
واستقصاء الأدلة يطول ونحيل على مظانها فانظر فيما ذكرناه من المذاهب والأدلة إرشاد الفحول 134 والمستصفى
2 / 60 والمسودة 130 وتيسير التحرير 1 / 366 وفتح الغفار 2 / 59 وروضة الناظر 122 والأشباه والنظائر 135
وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 73 والتلويح 1 / 273، والفتاوى لابن تيمية 31 / 28، 29 والبرهان لإمام الحرمين
وفيه ردود على مذهب أبي حنيفة فراجعها مخطوط دار الكتب 18 أصول ورقة 96 وما بعدها.
339

فمن قصره على السبب فإنما خص اللفظ وأزاله (1) عن حقيقته بغير دلالة
واعتبر هذا المعنى الذي ذهبنا إليه سائر الفقهاء الذين يعتد (2) بأقاويلهم في كثير
من الأحكام النازلة على أسباب (3) نحو قوله تعالى جزاء الذي يحربون الله ورسوله (4)
إلى آخر القصة روي أنه نزلت في شأن العرنيين الذي ارتدوا وقتلوا الراعي وساقوا الإبل
والحكم عام عند سائر الفقهاء في المرتدين وأهل الملة
وإن كان سبب نزولها (5) قوما مرتدين محاربين (6) ومنه آية الظهار كان سبب نزولها أن أوس بن

(1) لفظ ح (ازالته).
(2) لفظ د (أسبابها).
(4) الآية 33 من سورة المائدة.
(5) لفظ (نزوله).
(6) اختلف الناس فس سبب نزول قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) فذهب الجمهور إلى أنها نزلت
في العرنيين وهم نفر قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتكلموا بالاسلام فقالوا: يا نبي الله كنا أهل ضرع ولم نكن
أهل ريف، واستوحموا المدينة فامر لهم رسول صلى الله عليه وسلم بذود - والذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العصر - وراع
وأمرهم أين يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بع اسلامهم وقتلوا
راعى النبي صلى الله عليه وسلم واستقالوا الذود فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم فأمر بهم فسلموا (سمل
عينه: فقأها) أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة - قال قتادة: فبلغنا ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على
الصدقة وينهى عن المثلة، هذا في الصحيح من قصتهم وتمامها على الاستيفاء في صريح الصحيح وزاد
الطبري وفى ذلك نزلت هذه الآية ورواه جماعة.
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع الطريق ويسعى في
الأرض بالفساد، قال ابن المنذر قال مالك صحيح.
قال أبو ثور محتجا لهذا القول: إن قوله تعالى في هذه الآية ((إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم) يدل على
انها نزلت في غير أهل الشر، لتمخك قد تجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا ان دماءهم تحرم
فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الاسلام.
ويدل على هذا قوله تعالى (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر له ما قد سلف). قوله صلى الله عليه وسلم (الاسلام يهدم
ما قبله). أخرجه مسلم وغيره.
وحكى ابن جرير الطبري في تفسيره عن بعض أهل العلم في أن حكم الآية مرتب (أي ثابت) في المحاربين
من أهل الاسلام وان كانت نزلت في المرتدين أو اليهود.
راجع فيما ذكره - فتح البيان 3 / 10 وفتح القدير 2 / 43 واحكام القران لابن العربي 2 / 594 واحكام القران
للجصاص 2 / 495 والكشاف للزمخشري 1 / 909 وتفسير الخازن 2 / 43 وأسباب النزول للسيوطي 122
340

الصامت ظاهر من امرأته فأنزل الله تعالى ذلك (1) وكان سبب نزول آية اللعان أن هلال بن
أمية (2) قذف امرأته بشريك بن سحماء (3) فكان عموم في سائر الناس (4) وكان سبب آية

(1) آية الظهار المرادة قوله تعالى (والذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) سورة المجادلة اية 2.
قال أبو بكر الجصاص اما المجادلة التي كانت في المرأة فان عبد الله بن محمد حدثنا قال حدثنا الحسن بن أبي
الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي إسحاق في قوله (قد سمع اله قول التي تجادلك في
زوجها) في امرأة يقال لها خولة وقال عكرمة بنت ثعلبة زوجها أوس بن الصامت. وقال الواحدي:
نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس ابن الصامت. وكن به لمم فاشتد به لممه
ذات يوم فظاهر منها ثم ندم على ذلك. وكان الظهار طلاقا في الجاهلية وقيل هي خولة بنت حكيم وقيل اسمها
جميلة والأول أصح، وقيل هي بنت خويلد، وقال الماوردي انها نسبت تارة إلى أبيها وتارة إلى جدها واحدهما
أبوها والاخر جدها فهي خولة بنت ثعلبة بن خويلد. راجع في تفصيل ذلك احكام القران للجصاص 3 / 513
والمبسوط للسرخسي وساق قصة أوس بن الصامت وساق قصة مماثلة باسم محمد بن صخر البياضي 6 / 224
وفتح البيان 9 / 317 والكشاف 4 / 69 وفتح القدير للشوكاني 5 / 181 والدر المنثور 6 / 179 وتفسير الخازن
7 / 42 واحكام القران لابن العربي 4 / 1737
(2) هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم الأنصاري الواقفي شهد بدرا وما بعدها وهو أحد الثلاثة
الذين تيب عليهم وله ذكر في الصحيح من رواية سعيد بن جبير عن ابن عمر. راجع ترجمته في الإصابة
6 / 289
(3) هو شريك بن سحماء بفتح السين وسكون الحاء المهملتين وهي أمه واسم أبيه عبدة بن معتب بن الجد بن
العجلان حليف لا أنصار، وروى ابن سعد عن الواقدي انه شهد أحدا مع أبيه قال وكان شريك أحد الامراء
بالشام في خلافة أبى بكر وبعثه عمر رسولا إلى عمرو بن العاص حين أراد ابن يتوجه إلى فتح مصر ذكر ابن
عساكر ولم ينبه إلى أنه ابن سمحاء فكأنه عنده اخر.
راجع ترجمته في الإصابة 3 / 206
(4) أخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس (ان هلال ابن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن
سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة وإلا حد في ظهرك فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق
يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة ولاحد في ظهرك فقال هلال: والذي بعثك بالحق انى لصادق
ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الأحد ونزل جبريل فأنزل عليه (والذين يرمون أزواجهم...) حتى بلغ (إن
كان من الصادقين) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم يقول: والله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت
فلما كانت عند الخامسة، وقفوها وقالوا انها موجبة. فتلكأت ونكصت حتى ظننا انها ترجع ثم قالت: لا أفضح
قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروا فان جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو
لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شان.
واخرج هذه القصة أبو داود والطيالسي وعبد الرزاق واحمد وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن
مردويه عن ابن عباس مطوية وأخرجها مسلم ولم يسموا الرجل ولا المرأة.
راجع في ذلك فتح القدير للشوكاني 4 / 10 والدر المنثور 5 / 21 واحكام القرآن لابن العربي 3 / 1340 وفتح
البيان 6 / 326 واحكام القرآن للجصاص 3 / 351 والكشاف 3 / 52 وتفسير الخازن 5 / 50 وأسباب النزول
للسيوطي 1960 وتنوير المقياس 217.
341

القذف القوم الذي قذفوا عائشة الصديقة رضي الله عنها فأنزل الله تعالى الذين جاءوا
بالإفك عصبة منكم (1) إلى آخر القصة فحكم بكذبهم (2) إن (3) لم يقيموا بينة على
صدق (4) مقالتهم وقذفهم وهو حكم عام في سائر القاذفين (5)
ومن الألفاظ ما ذكر معه السبب الذي ورد فيه وكان الحكم فيه لعموم اللفظ دون
السبب كقوله تعالى الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم (6) إلى آخر القصة
كان السبب فيه أنه كان محظورا عليهم أن يفطروا بعد النوم ليلا فنام بعض الصحابة
قبل أن يفطر ثم أفطر فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية وساق فيها القصة والسبب
الذي من أجله نزلت ثم قال باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم (7) إلى قوله تعالى

(1) الآية 11 من سورة النور.
(2) لفظ د (بكفرهم) وهو خطأ بنص الآية (فأولئك عند الله هم الكاذبون).
(3) في د (إذا).
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) وسبب النزول كما روى ابن شهاب عن عرو بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن
عبد اله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا.... إلى آخر
القصة.
راجع بسط ذلك في
احكام القران لابن العربي 3 / 1348 واحكام القرآن للجصاص 3 / 377 وتفسير الخازن 5 / 56 والدر المنثور
5 / 24 وأسباب النزول للسيوطي 199 وفتح القدير 12
(6) الآية 187 من سورة البقرة.
(7) الآية 187 من سورة البقرة.
342

ثم أتموا الصيام إلى الليل (1) وهذه الإباحة عامة فيمن اختان نفسه وفي (2) غيره (3) وقال
تعالى الثلاثة الذين خلفوا (4) إلى قوله تعالى من أموالهم صدقة (5) فذكر
قصتهم وسبب نزول هذه (6) الآية (7) ثم كان وجوب (8) الصدقة عاما على من كان
بصفتهم (9) وعلى غيرهم
وكذلك قوله تعالى أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض
يبتغون من فضل الله (10) (11) إلى قوله تعالى ما تيسر منه (12)

(1) الآية 187 من سورة البقرة.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) وقد ذكر الأئمة في سبب نزول قوله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) قريبا مما ذكر الجصاص، فروى
البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن البراء ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حضر الافطار فنام الرجل
منهم قبل ان يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى وان قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر
الافطار اتى امرأته فقال: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكني انطلق فاطلب، وكان يعمل يومه، فغلبته عيناه،
فجاءته امرأته فلما رأته قد نام قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،
فنزلت هذه الآية وقد روى الطبري نحوه.
راجع أحكام القرآن لابن العربي 1 / 89 واحكام القرآن للجصاص 1 / 265 وفتح البيان 1 / 299 والدر المنثور
1 / 197
(4) الآية 18 من سورة التوبة.
(5) الآية 103 من سورة التوبة.
(6) لم ترد هذ الزيادة في ح.
(7) اخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله في قوله
(وعلى الثلاثة الذين خلفوا) قال: كعب بن ملاك وهلال بن أمية ومرارة بن ربيعة وكلهم من الأنصار وقد اختلفت
الروايات بأسمائهم فراجعها في ثبت المراجع.
وفى قوله تعالى (خذ من أموالهم حين أطلقوا فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنه واستغفر لنا فقال
ما أمرت ان آخذ من أموالكم شيئا فأنزل الله (خذ من أموالهم صدقة) الآية، واخرج هذا القدر وحده عن سعيد
بن حبير والضحاك وزيد بن أسلم ويرهم، وعن قتادة انها نزلت في سبعة أربعة منهم ربطوا أنفسهم في
السواري.
راجع في كل ذلك: الدر المنثور 3 / 286 واحكام القران للجصاص 3 / 195 واحكام القران للجصاص 3 / 195 واحكام القران لابن العربي
2 / 1025 وأسباب النزول للسيوطي 158
(8) لفظ ح (وجود) وهو تصحيف.
(9) لفظ د (بقصتهم)
10) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(11) الآية 20 من سورة المزمل.
(12) الآية 20 من سورة المزمل
343

فذكر السبب الذي أباح ترك قيام الليل من المرض والضرب في الأرض والحكم عام
فيمن هذه صفته وفي غيرهم
ومثله كثير في القرآن وهو يدل على أن الحكم للاسم لا للسبب
فإن قال قائل خروج الكلام على سبب كخروجه مخرج الجواب
ومعلوم أن حكم الجواب أن يكون مقصورا على ما صار جوابا عنه
قيل له ليس الأمر فيه عندنا على هذا الإطلاق بل هو (1) عندنا على وجهين
منه ما يكون الجواب فيه لفظ عموم ينتظم ما هو جواب عنه وغيره ومنه ما يكون
حكمه قد مقصورا على ما هو جواب عنه
فأما الأول فإن الحكم فيه جار على اللفظ إذا كان مستقلا بنفسه حتى يقوم
الدليل (2) على وجوب الاقتصار به على ما هو جواب عنه
والثاني هو ما لا (3) يستقل بنفسه واقتصر إلى تضمينه بغيره فهذا حكمه مقصور
على الجواب
نظير الأول قوله تعالى باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم (4) إلى آخر
القصة
وقوله تعالى من أموالهم صدقة (5) ونحوها من الألفاظ المكتفية بنفسها عن
تضمينها (6) بغيرها مع اشتمالها على ما هي جواب عنه
وعلى غيره فلم يكن حكمها (7) مقصورا على الجواب
ونظير هذا الوجه الثاني مما لا يستقل بنفسه قوله تعالى وجدتم ما وعد ربكم
حقا قالوا نعم (8) فقولهم نعم (9) (10) لا يفيد إلا على وجه الجواب فصار معناه مطابقا لما

(1) الآية 44 من سورة الأعراف. وقد اخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما
وقف على قليب بدر تلا هذه الآية. راجع فتح البيان 3 / 335.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) في ح زيادة (و).
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح (الدلائل).
(6) سقطت هذه الزيادة من ح وهو تحريف.
(7) الآية 103 من سورة البقرة.
(8) الآية 103 من سورة التوبة.
(9) لفظ ح (تطمينها) وهو تصحيف.
(10) لفظ ح (حكمها).
344

هو جواب (1) عنه لا زائد ولا ناقصا وصار الجواب (2) مضمرا فيه (3) وعلى (4) الاعتبار الذي
قدمناه (5) قلنا في قوله تعالى تأكلوا مم لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق (6) انه عموم في
كل ما تركت التسمية فيه عامدا وإن كان قد روي أنها نزلت في شأن الميتة حين جادل
المشركون المسلمين فقالوا لهم وفي تأكلون تأكلون (7) مما قتلتموه ولا تأكلوا مما قتله الله (8) فلم
نعتبر (9) السبب وأجرينا الحكم على اللفظ ومنه ما روي أن حكيم بن حزام (10) قال رسول
الله إني أرى الشئ في السوق ثم (11) يطلبه مني طالب فأبيعه ثم اشتريه فأسلمه فقال صلى الله عليه وسلم لا
تبع ما ليس عندك (12) فهذا عموم في كل بيع لما (13) ليس عند الانسان سواء كان عينا أو في
الذمة ومثل هذا كثير في القرآن والسنن وفيما ذكرنا تنبيه على ما تركنا

(1) لفظ ح (معنى).
(2) لفظ د (السؤال).
(3) وها مما خرج عن محل النزاع - كما بيناه في تحرير محل النزاع - فهذا مما لا يستقل بنفسه فلا خلاف في أنه تابع
للسؤال في عمومه وخصوصه حتى كان السؤال معاد فيه وما ذكره الجصاص مصال لخصوص السؤال. فيجب هنا
قصر الحكم على السائل ولا يعم غيره الا بدليل من خارج يدل على أنه عام في المكلفين أو في كل من كان
بصفته.
(4) في ح زيادة (ان).
(5) لفظ ح (قدمته).
(6) الآية 121 من سورة الأنعام.
(7) في د (تأكلون).
(8) ذكر الترمذي وغيره في سبب نزولها عن ابن عباس قال: اتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله انا نأكل ما نقتل
ولا نأكل ما قتله الله؟ فأنزل الله تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم....) إلى قوله (المشركون).
واخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والطبراني
وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن بن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: قال المشركون وفى لفظ قال
اليهود: لا تأكلون مما قتل الله وتأكلون مما قتلتم أنتم فأنزل الله (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه).
راجع تمام الرويات في الدر المنثور 3 / 42 وراجع فتح القدير للشوكاني 2 / 148، واحكام القران للجصاص
2 / 7 وفتح البيان 3 / 227 واحكام القران لابن العربي 2 / 746
(9) لفظ ح (نعبر).
(10) هو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
صحابي قرشي ولد قبل الفيل بثلاث عشرة سنة قال البخاري في التاريخ مات سنة ستين، شهد حرب الفجار
وكان صديقا للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها عمر 120 سنة واسلم يوم الفتح روى له البخاري ومسلم 40
حديثا. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 2 / 447 والإصابة 2 / 349 والجمع 105 وصفة الصفوة 1 / 304
وذيل المذيل 16 وشذرات الذهب 1 / 60 انظر الاعلام 2 / 299
(11) في ح (لم).
(12) سبق تخريجه.
(13) في د (مما).
345

وقد يجيئ من الكلام ما يكون حكمه مقصورا على السبب الذي خرج عليه إلا (1) أن
ذلك لا يجوز حمله عليه إلا بدلالة كما يخص سائل العموم بالدلائل وذلك نحو قوله تعالى قل
لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه (2) عمومه ينفى أن يكون هناك (3) شئ
محرم غير المذكور في الآية إلا أنه لما روي أن ذلك نزل فيما كان المشركون يحرمونه من السائبة
والوصيلة والحام صار تقديره قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما (4) مما يحرمونه إلا كيت كيت
وإنما كان ذلك كذلك لأن الدلالة قد دلت (5) على أن هاهنا أشياء أخر محرمة غير ما
ذكر في الآية ونحوها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بئر بضاعة وما يطرح فيها من المحايض
ولحوم الكلاب فقال صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ (6) والمعنى أن ما كان حاله حال هذا
البئر فهذا حكمه
لأنه معلوم انه لم يرد به عموم الحكم بطهارة الماء الذي فيه لحوم الكلاب والمحايض
وإنما معنى ان البئر كان يطرح فيها ذلك ثم نظفت فأخرج ما فيها فسئل عن الماء
الحادث بعد النزح والتطهير فقال إنه طهور لا ينجسه شئ
وكذلك حديث أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ربا إلا في النسيئة وهو أنه
سئل عن الجنسين متفاضلا فقال إنما الربا في مثله في النسيئة
ومتى كان الجواب أخص من السؤال فالحكم له لا للسؤال (7) نحو قوله تعالى
يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح (8) فقوله ماذا أحل

(1) في ح (الان) وهو تصحيف.
(2) الآية 145 من سورة الأنعام.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) الحامي: الفحل من الإبل كان يضرب الضراب المدود فإذا بلغ ذلك، يقال: حمى ظهره، فيترك فيسمونه
الحامي. انظر احكام القران للجصاص 2 / 591
(5) لفظ ح (قامت).
(6) الحديث أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الماء طهور لا ينجسه شئ).
وهو حديث بئر بضاعة.
وأخرجه الشافعي في الام والدار قطني والحاكم. والبيهقي وقد صححه يحيى بن معين وابن حزم والحاكم وجوده
أبو أسامة. وقال الترمذي حديث حسن. وقال الإمام أحمد حديث بئر بضاعة صحيح. انظر عون المعبود كتاب
الطهارة باب 34 (1 / 126) ونيل الأوطار 1 / 34 وتحفة الأحوذي كتاب الطهارة باب 49 ح‍ 1 واحمد 1 / 235، 284، 308 3 / 16، 31،
86، 6 / 172 و 303
(7) وهذا خارج عن محل النزاع فإنهم اجمعوا على أنه إذا كان الجواب مستقلا بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ لكان كلاما
(8) الآية 4 من سورة المائدة.
346

لهم سؤال أعم من الجواب لأنه ينتظم الجواب وغيره وقوله تعالى أحل لكم الطيبات (1)
يعني والله أعلم الحلال الذي قد بين الله تعالى حكمه في غير هذا الموضع وما علمتم من
الجوارح وذلك أخص من السؤال
ونظيره ما روي عن عمر أنه سال النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل من الحائض فقال لك منها
ما فوق الإزار (2) فغير جائز فيما كان هذا سبيله اعتبار عموم من السؤال في الإباحة بل يجب
اعتبار لفظ الجواب فيما ورد فيه فيكون الحكم متعلقا به دون غيره حتى تقوم الدلالة (3) على
أن غيره بمثابته في الإباحة والحظر

(1) الآية رقم 4 من سورة المائدة.
(2) يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه سال رسول صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال (لك
ما فوق الإزار).
وحديث عمر هذا ذكر ابن أبي شيبة وليس بقوي.
ويروى عن معاذ رضي الله عنه وفيه زيادة (والتعفف عن ذلك أفضل) وفيه بقية عن سعد الأغطش وهما
ضعيفان وروى من طريق حزام بن حكيم وهو ضعيف.
وصحت روايات كثيرة بغير هذا اللفظ كحديث ميمونة بنت الحرث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد ان يباشر
امرأة من نسائه وهي حائض، أمرها ان تتزر ثم يباشرها) أخرجه البخاري.
راجع في ذلك كلام الخطابي في معالم السنن وكلام أبى داود وابن القيم في مختصر وشرح وتهذيب سنن أبي داود
3 / 81 وما بعدها ونيل الأوطار 1 / 325 وبدائع 4 / 2108
(3) لفظ ح (الدلائل).
347

الباب السابع عشر
في
حرف النفي إذا دخل على الكلام
349

باب
حرف النفي ما حكمه إذا دخل على الكلام؟
قال أبو بكر
حرف النفي قد يدخل على الكلام ويراد به نفي الأصل نحو قوله تعالى لا
يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما (1) كل وقوله تعالى لا يؤخذ منكم فدية (2) (3) ونحو
قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي (4) ولا نكاح إلا بشهود (5) ولا صلاة إلا بقراءة (6) وقد
يراد بن نفي الكمال مع بقاء الأصل نحو قوله تعالى إنهم (7) لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (8)
ثم قال تعالى تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم (9) فنفاها بدءا ثم أثبتها ثانيا فعلمنا أنه لم يرد به

(1) الآية 25 من سورة الواقعة.
(2) ما بين القوسين لم يرد في د وأبدلها به (فاليوم لا يخرجون منها) الجاثية آية 35
(3) الآية 15 من سورة الحديد.
(4) الحديث أخرجه أبو داود من طريق ابن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا نكاح الا بولي) وصححه على بن المديني
من طريق إسرائيل وهذا الحديث ليس على شرط البخاري ولهذا لم يخرجه بل جعله عنوان باب.
راجع عون المعبود كتاب النكاح باب 19 (6 / 102) وفتح الباري كتاب النكاح باب 36 ح‍ 9
وتحفة الأحوذي كتاب النكاح باب 14، 17 ح‍ 4 وبان ماجة كتاب النكاح باب 15 ح‍ 1 والدارمي كتاب
النكاح باب 11 ح‍ 2 واحمد 1 / 250 و 4 / 394، 413، 418، 6 / 260
(5) ورد بلفظ آخر عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل) ذكره أحمد بن حنبل
في رواية ابنه عبد الله. وحديث عمران بن حصين أشار إليه الترمذي وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من
حديث الحسن عنه وفى اشناده عبد اله بن محرز وهو متروك. ورواه الشافعي من وجه اخر عن الحسن مرسلا
وقال: هذا وان كان منقطعا فان أكثر أهل العلم يقولون به.
قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين من أهل العلم
قالوا (لا نكاح الا بشهود) لم يختلفوا في ذلك الا قوم من المتأخرين من أهل العلم، وانما اختلفوا فيما إذا
اشهد واحد بعد واحد.. راجع نيل الأوطار ففيه فوائد كافية في هذا الشأن 6 / 142 - 144.
(6) أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة الا بقراءة) وروى الحديث بألفاظ مختلفة
فراجعه في صحيح مسلم كتاب الصلاة باب 42 (4 / 104) وعون المعبود كتاب الصلاة باب 132 و 167 ح‍
(7) ما بين القوسين لم يرد في د.
(8) الآية 12 من سورة التوبة.
(9) الآية 13 من سورة التوبة.
351

نفي الأصل وإنما أراد نفي الكمال يعني لا أيمان لهم وافية يفون بها ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ولا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد (1) ومن سمع النداء فلم يجب (2) فلا صلاة له (3) ولا وضوء
لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا دين لمن لا أمانة له (4)
ونحو قول الشاعر
لو كنت من أحد يهجي هجوتكم * يا بن الرقاع ولكن سلت من أحد (5)
ومعلوم أنه لم يود نفيه عن أن يكون متسما (6) بذلك ومعدودا من جملة الناس وانه
أحدهم وإنما أراد لست من أحد يؤبه له ويعتد به
فقد ثبت بما وصفنا أن حرف النفي قد ينفي به الأصل تارة والكمال أخرى مع ثبات
الأصل وغير جائز أن يراد به الأمران جميعا في حال واحدة لأنه إذا أراد نفي الأصل لم يثبت
فيه شئ ومتى أراد إيجاب النقص ونفي الكمال فقد دل لا محالة على أن شيئا منه قد ثبت
وأنه مع ذلك غير كامل وهذا لا يصح أن يوصف به ما لم يثبت منه شئ
لأنا متى قلنا إن هذه صلاة ناقصة فقد أثبتنا منها شيئا ناقصا لأنه لا يصح أن يوصف
ما لم يثبت منه شئ بالنقصان إذ كان النقصان هو فوات البعض مع ثبات الأصل فثبت

(1) أخرجه الدارقطني 161 والحاكم 1 / 246 والبيهقي 3 / 57 من طريق سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن كثير
عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وسكت عنه الحاكم وقال البيهقي (وهو ضعيف) وعلته سليمان فإنه
ضعيف جدا.
راجع الأحاديث الضعيفة 1 / 84 رقم 183
(2) لفظ د (يجبه).
(3) الحديث بهذا اللفظ عن ابن ماجة مع زيادة (الا من عذر) انظر ابن ماجة كتاب المساجد باب 17 ح‍ 1.
وسنده صحيح وصححه النووي والعسقلاني والذهبي ومن قبلهم الحاكم وأخرجه أبو داود والدار قطني
والحاكم والبيهقي.
انظر الأحاديث الضعيفة 1 / 85 رقم 183
(4) لم أجد هذا الحديث بلفظ (لادين) وانما الموجود (لا إيمان...) ولعله تصحيف من الناسخ. وهو عند الإمام أحمد
بهذا اللفظ (لا ايمان لم لا أمانة له) المسند 3 / 135، 154، 210، 251
(5) البيت ذكره في اللسان من قول الراعي موجهه لابن الرقاع العملي الشاعر المعروف فاجابه ابن الرقاع فقال:
حدثت ان رويعي الإبل يشتمني * والله يصرف أقواما عن الرشد
فأنت والشعر إذ تزجى قوافيه * كمبتغى الصيد في عريسة الأسد
انظر لسان العرب 9 / 492.
(6) لفظ د (مسمى).
(7) لفظ ح (البعض).
(8) في د (إذا).
352

بذلك أنه غير جائز أن يراد به الأمران جميعا من نفي الأصل ونفي الكمال في حال واحدة
ثم ما بعد هذا من حكمه مختلف فيه عند (1) الإطلاق
فقال قائلون اللفظ محتمل للأمرين وليس هو بأحد الوجهين أولى (2) منه بالآخر
وغير ذلك جائز أن يرادا (3) جميعا فغير جائز الحكم منه به على أحد الوجهين دون الآخر
إلا بدلالة كسائر الألفاظ المحتملة للمعاني (4) المختلفة (5) التي لا يصح (6) أن ينتظمها لفظ
واحد في حال واحدة نحو القرء المحتمل للحيض والطهر ونظائره من الأسماء
وقال آخرون هو عند الإطلاق بنفي الأصل أولى منه بنفي الكمال وإنما الحمل على
نفي الكمال بدلالة (7)

(1) في ح (عنه) وهو تصحيف.
(2) لفظ ح (بأولى).
(3) لفظ ح (يراد) وهو تصحيف.
(4) لفظ ح (للفظين) وهو تحريف.
(5) اختلفوا في مصل قوله صلى الله عيه وسلم (لا صلاة إلا بطهور) وما شابه ذلك هل فيها اجمال أم لا؟ والمعتزلة قالوا انه مجمل
لتردده بين نفى الصورة والحكم وأبطله الغزالي وقال بعض الشافعية وبعض الحنفية انه مجمل وذهب أبو بكر
الباقلاني والقاضي عبد الجبار وأبو على الجبائي وابنه أبو هاشم وأبو عبد الله البصري ونقله الأستاذ أبو منصور عن
أهل الرأي انه مجمل ولكن هؤلاء اختلفوا في تقرير الجمال على ثلاثة وجوه:
الأول: انه ظاهر في نفى الوجود وهو لا يمكن لأنه واقع قطعا فاقتضى ذلك الاجمال.
الثاني: انه ظاهر في نفى الوجود ونفى الحكم فصار مجملا.
قال بعض هؤلاء في تقرير الاجمال اما ان يحمل على الكل وهو اضمار من غير ضرورة ولأنه قد يفضي أيضا إلى
التناقض لأنا لو حملناه على نفى الصحة ونفى الكمال معا كان نفى الصحة يقتضى نفيها ونفيها يستلزم نفى
الذات وكان نفس المال يقتضى ثبوت الصحة فكان مجملا من هذه الحيثية.
راجع ارشاد الفحول 170 والمسودة 107 والمستصفى 1 / 35 و 2 / 61
(6) ما بين القوسين لم يرد في ح وأبدله بقوله (على أن).
(7) وبه قال الجمهور فلا اجمال عندهم في مثل هذه الألفاظ وقالوا: لأنه ان ثبت عرف شرعي في اطلاقه للصحيح
كان معناه لا صلاة صحيحة ولا صيام صحيح ولا نكاح صحيح فلا احمال وان لم يثبت عرف شرعي فان ثبت فيه
عرف لغوي وهو ان مثله يقصد منه نفى الفائدة والجدوى نحو لاعلم الا ما نفع ولا كلام الا ما أفاد فيتعين ذلك
فلا اجمال وان قدر انتفاؤهما فلا ولى حمله على نفى الصحة دون الكمال لان م لا يصح كالعدم في عدم الجدوى
بخلاف مالا يكمل فكان أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة فلا اجمال.
ويمكن ان يقال ان المنفى هو الذات الشرعية والتي وجدت ليست بذات شرعية فيبقى حمل الكلام على حقيقته
وهي نفى الذات الشرعية، فان دل دليل على أنه لا يتوجه النفي إليها كان توجهه إلى الصحة أولى لأنها أقرب
المجازين إذ توجيهه إلى نفى الصحة يستلزم نفى الذات حقيقة بخلاف توجيهه إلى الكمال فإنه لا يستلزم نفى
الذات فكان توجيهه إلى الصحة أقرب المجازين فلا اجمال.
راجع ارشاد الفحول 170 والمسودة 107 والمستصفى 1 / 351 و 2 / 61
353

قالوا لأن حقيقته (1) نفي ما يدخل عليه فينفي جميعه وإنما يحمل على نفي (2) البعض
بدلالة
وقد (3) قال أبو موسى عيسى بن ابان في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا وضوء
لمن لم يذكر اسم الله عليه إنه لما اتفق الجميع على أن ترك التسمية على الوضوء لا يمنع
صحته لم يخل الحديث من أن يكون منسوخا أو وهما: أوله معنى غير الظاهر لأن التسمية لو
كانت من شرط الوضوء لنقلته الأمة كنقلها الظهر أربعا والمغرب ثلاثا ولأمروا من لم يسم
بإعادة الوضوء والصلاة
قال أبو بكر
فدل (4) قوله ان له معنى غير الظاهر إذ (5) الذي يقتضيه (6) ظاهر اللفظ (7) هو
نفي الأصل وأنه (8) إنما صار إلى نفي الكمال بدلالة وهذا القول هو الصحيح عندنا لأنهم
لا يختلفون أن دخوله على الخبر عن الفعل يقتضى نفيه رأسا كقوله تعالى فاليوم لا يخرجون
منها (9) وقوله تعالى يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (10) وهذا ظاهر معقول من
اللفظ في دخوله على الاسم أيضا كقولنا لا إله إلا الله ولا حول (11) ولا قوة إلا بالله وقوله
تعالى عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (12) ولا جناح عليكم إن طلقتم
النساء (13) وليس غير على الأعمى حرج (14) قد اقتضى ننفي جميع ما دخل عليه إلا ما استثني

(1) لفظ ح (حقيقة).
(2) لفظ ح (نقض)
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في دل (دل) م.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) لفظ د (اللفظة)
(8) لم ترد هذه الزيادة من ح.
(9) الآية 35 من سورة الجاثية.
(10) الآية 162 من سورة البقرة و 88 من سورة آل عمران.
(11) لم ترد هذه الزيادة في د.
(12) لم ترد هذه الآية في د وكتبت في ح (لا جناح عليكم) وهو خطأ.
(13) الآية 101 من سورة النساء.
(14) الآية 236 من سورة البقرة.
(15) الآية 61 من سورة النور و 17 من سورة الفتح.
354

منه ولا يحتاج السامع في الوصول إلى العلم بوقوع نفي الأصل بوقوع نفي الأصل إلى دلالة أخرى من غير
اللفظ وكذلك عقل (1) من قول القائل ليس في الدار أحد وليس عند فلان مال
وما جرى (2) مجرى ذلك إذا أطلق اقتضى (3) نفي الجميع ولا يحتاج السامع له (4) إلى
استفهام القائل في إرادة نفي الكمال (5) أو (6) الأصل بل المفهوم منه نفي الأصل
وأيضا فلما كانت حقيقة هذا اللفظ وموضوعه النفي فواجب أن يكون نفي الجميع
أولى به حتى تقوم الدلالة على إرادة نفي البعض كلفظ العموم وسائر الألفاظ الموضوعة
للمعاني تقتضي إفادة جميع ما وضع له وجعل عبارة عنه حتى تقوم الدلالة على إرادة البعض
دون الكل

(1) لفظ د (يعقل).
(2) لفظ د (يجرى).
(3) لفظ ح (يقيضى).
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح (الكلام) وهو تصحيف.
(6) في ح (و)
355

الباب الثامن عشر
في
الحقيقة والمجاز
357

باب
القول في الحقيقة والمجاز (1)
قال أبو بكر
في لغة العرب الحقيقة والمجاز (2)
فالحقيقة ما سمي به الشئ في أصل اللغة وموضوعها

(1) الحقيقة: فعلية من حق الشئ بمعنى ثبت والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية الصرفة، وفعيل في
الأصل قد يكون بمعنى الفاعل، وقد يكون بمعنى المفعول، فعلى التقدير الأول يكون معنى الحقيقة الثابتة،
وعلى الثاني يكون معناها المثبتة.
واما المجاز: فهو مفعل من الجواز الذي هو التعدي، كما يقال: جزت هذا الموضع أي جاوزته وتعديته أو من
الجواز الذي هو قسيم الوجوب والامتناع، وهو راجع إلى الأول لان الذي لا يكون ولا ممتنعا يكون مترددا
بين الوجود والعدم فكأنه ينتقل من هذا إلى هذا.
ارشاد الفحول 21.
(2) عقد الجصاص هذا الباب للرد على من نفى اشتمال اللغة على الأسماء المجازية فنفاه الأستاذ أبو إسحاق
الأسفرائيني ومن تابعه وأثبته الباقون قال الآمدي في الاحكام وهو الحق - 1 / 33
وقد تناول ابن تيمية هذا الموضوع بما لم يتناوله أحد بمثل أحد بمثل توسعه وهو بمثل جه النافين اشتمال اللغة على المجاز،
ورد معنفا على المخالفين له كالآمدي وغيره. وقال: أن أول من جرد الكلام في أصول الفقه هو الشافعي وهو لم
يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز بل لا يعرف من كلامه مع كثرة استدلاله وتوسعه ومعرفته الأدلة الشرعية انه
سمى شيئا منه مجازا ولا ذكر في شئ من كتبه ذلك لافى الرسالة ولا في الام ولا في غيرها.
وحينئذ فمن اعتقد ان المجتهدين المشهورين وغيرهم من أئمة الاسلام وعلماء السلف قسموا الكلام إلى حقيقة
ومجاز كما فعله طائفة من المتأخرين كان ذلك من جهله وقلة معرفته بكلام أئمة الدين وسلف المسلمين كما قد تطن
طائفة أخرى ان هذا مما اخذ من الكلام العربي توقيفا وانهم قالوا: هذا حقيقة وهذا مجاز كما ظن ذلك طائفة من
المتكلمين في أصوب الفقه وكان هذ من جهلهم بكلام العرب، وكما يظن بعضهم ان ما يوجد في كلام بعض
المتأخرين كفخر الدين الرازي والآمدي وابن الحاجب، هو مذهب الأئمة المشهورين الموافق لطريق أئمتهم،
فهذا أيضا من جهله وقلة علمه.
وان قال الناقل عن كثير من الأصوليين مرائي بذلك أكثر المصنفين في أصول الفقه من أهل الكلام والرأي
والمعتزلة والأشعرية وأصحاب الأئمة الأربعة، فان أكثر هؤلاء قسموا الكلام إلى حقيقة ومجاز.
قيل له: لا ريب ان هذا التقسيم موجود في كتب المعتزلة ومن اخذ عنها وشابههم وأكثر هؤلاء ذكروا هذا
التقسيم، واما من لم يكن كذلك فليس الامر في حقه كذلك
ثم يقال: ليس في هؤلاء إمام من أئمة المسلمين الذين اشتغلوا بتلقي الاحكام من أدلة الشرع ولهذا لا يذكر أحد
من هؤلاء في الكتب التي يحكى فيها أقوال المجتهدين ممن صنف كتابا وذكر يه اختلاف المجتهدين المشتغلين
بتلقي الاحكام من عن الأدلة الشرعية، وهم أكمل الناس معرفة بأصوب الفقه وأحق الناس بالمعنى الممدوح من
اسم الأصول فليس من هؤلاء من قسم الكلام إلى الحقيقة والمجاز، والذين قسموا هذا التقسيم ليس فيهم امام
في فن من فنون الاسلام لا التفسير ولا الحديث ولا الفقه ولا اللغة ولا النحو أئمة النحاة أهل اللغة كالخليل،
وسيبويه والكسائي والفراء وأمثالهم وأبى عمرو بن العلاء وأبى زيد الأنصاري والأصمعي وابن عمرو الشيباني
وغيرهم لم يقسموا تقسيم هؤلاء وكذلك الظاهرية والرافضة ثم ساق ابن تيمية أدلة الفريقين وردوده.
الترجيح: والذي نرجحه ان اللغة تشتمل على المجاز وهذا عند جمهور أهل العلم. وان تقسيم اللفظ إلى حقيقي ومجازي
الغبار عليه وشواهده من اللغة كثيرة فإنه قد ثبت اطلاق أهل اللغة اسم الأسد على الانسان الشجاع، والحمار
على الانسان البليد، وقولهم ظهر الطريق ومتنها وفالن على جناح السفر، وشابت الليل، وقامت الحرب على
ساق وكبد السماء إلى غير ذلك. واطلاق هذه الأسماء لغة لا ينكر الا عن عناد، وعند ذلك اما ان يقال ان هذه
السماء حقيقة في هذه الصورة أو مجازية لاستحالة خلو الأسماء اللغوية عنهما وما سوى الوضع الأول لا جائز ان
يقال بكونها حقيقة فيها لأنها حقيق فيما سواها بالاتفاق فان لفظ لأسد حقيقة في السبع والحمار في البهيمة والظهر
والمتن والساق والكبد في الأعضاء المخصوصة بالحيوان وعند ذلك فلو كانت هذه الأسماء حقيقية فيما ذكر من
الصور لكان اللفظ مشتركا، ولو كان مشتركا لما سبق إلى الفهم عند اطلاق هذه الألفاظ البعض دون البعض
ضرورة التساوي في الدلالة الحقيقية، ولا شك ان السابق إلى الفهم من اطلاق لفظ الأسد انما هو السبع ومن
اطلاق لفظ الحمار انما هو البهيمة وكذلك في باقي الصور.
وقال ابن جنى أكثر أهل اللغة مجاز وقد أفاض الشوكاني في الرد على من نفى اشتمال اللغة على المجاز، فراجعه في
إرشاد الفحول 21 وفى أدلة الجصاص القادمة زيادة وغناء.
ووقوع هذا في القران والسنة كثير لا ينكره الا مباهت.
وقول ابن تيمية ان الشافعي لم يقسم هذا التقسيم فهذا حق فانى لم أعثر على هذا فيما تحت يدي من كتب
للشافعي نفسه الا اننا نقول انه لم يرد عن الشافعي ما يرد ذلك بل في كلامه ما يدل على اقراره المجاز وذلك كثير
في خلافه مع غيره كخلافه في معنى القرء وخلافه في المشترك وهل يحوز ان تجتمع الحقيقة والمجاز وقد أدلى
الشافعي برأيه في ذلك فلا نرى مندوحة لم ن تشبث بان الأفعى أو الأئمة لم يقسموا هذا التقسيم.
اضطراب القول عند الحنابلة: قال مجد الدين عبد الحليم بن تيمية: في القران مجاز نص عليه بما خرجه في متشابه القران في قوله (انا) (نعلم)
و (منتقمون) هذا من مجاز اللغة يقول الرجل: انا سنجري عليك رزقك، انا سنفعل بك خيرا.
(وهنا قال شيخ الاسلام تقي الدين بن تيمية قد يكون مقصوده يجوز في اللغة).
وبه قالت الجماعة ومنع منه بعض أصحابنا وبعض أهل الظاهر وبعض الشيعة.
والحاكي لهذا الوجه عن بعض أصحابنا أبو الحسن التميمي، قال ابن برهان هو أحد قول الإمامية من الشيعة
وأهل الظاهر.
وقال شهاب الدين عبد الحليم بن تيمية: وحكى القاضي أبو يعلى عن أبي الفضل بن أبي الحسن التميمي انه
قال في كتابه في أصول الفقه: والقرآن ليس فيه مجاز عند أصحابنا وانه ذكر عن الخرزي وابن حامد ما يؤيد ذلك
وكذلك ابن حامد قال في أصول الدين: ليس في القرآن مجاز.
وقال شيخ الاسلام تقى الدين بن تيمية: قال ابن أبي موسى: والمكنى مثل قوله (واسال القرية) يريد أهلها
(وكم قصمنا من قرية) أي أهلها قال: ومن أصحابنا من منع ابن يكون في القران مكنى وحمل كل لفظ وارد في
القران عل الحقيقة والأول أمكن لان قوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق، قالوا بلى
وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) يقتضى ظاهر هذا ان يكون الخطاب من الله للكفار حقيقة، قال:
ولا اعلم خلافا بين اصحبنا ان الله لا يكلم الكفار ولا يحاسبهم فعلم بذلك ان المراد بالايجة غير ظاهرها.
قلت: الحجة ضعيفة فان القاضي حكى الخلاف بين أصحابنا في محاسبة الكفار والمحاسبة نوعان.
قال القاضي: رأيت في كتاب الصول الدين منك كتب أبى لافضل التميمي قال: والقران ليس فيه مجاز عند أصحابنا.
واستدل بان المجاز لا حقيقة له، ثم قال: فاما قوله (واسأل القرية.. والعير) فيجوز ان تلكم الجمادات الأنبياء.
مثل القرية والعير سواء.
قال القاضي: وذكر أبو بكر في تفسيره اختلاف الناس في قوله " واشربوا في قلوبهم العجل ". فذكر ما ذكره أحمد
عن قتادة حب العجل، وعن السدي نفس العجل.
قال أبو بكر: وأولى التأويلين قول من قال " واشربوا في قلوبهم حب العجل " لان الماء لا يقال اشرب في قلبه،
وانما يقال ذلك في حب الشئ كما قال " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " قال: فقد صرح أبو بكر
بأن هناك مضمرا محوذنا وبهذا يتضح اضطراب النقول عند آل تيمية بما لا يحتاج إلى توضيح.
راجع في هذا الموضوع المراجع التالية: الفتاوي لابن تيمية 20 / 400 - 499، 7 / 87 - 97 و 12 / 277
والمسودة 161 وممن اعتبر التقسيم انظر الاحكام للآمدي 1 / 33 وارشاد الفحول 21 والابهاج 1 / 176
والمستصفى 1 / 105 و 2 / 341 وفتح الغفار 1 / 177 والتلويح 1 / 288 وتيسير التحرير 2 / 176 وشرح العضد
على مختصر المنتهى 1 / 138 والروضة 90 وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 61 و 2 / 45 ومنافع الدقائق 82 - 84
وكشف الاسرار للنسفي 1 / 145 والمنار وشروحه 369 وحاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 393 وطلعة
الشمس 1 / 193.
359

والمجاز هو (1) ما يجوز به الموضع الذي هو حقيقة له في الأصل وسمي به ما ليس
الاسم له حقيقة وهو على وجوه نذكرها إن شاء الله
وكان أبو الحسن رحمه الله يحد ذلك بأن الحقيقة ما لا ينتفي بعد عن مسمياته بحال
والمجاز ما ينتفي (2) عن مسمياته بحال
نظير ذلك أنا إذا سمينا الجد أبا والأب الأدنى أبا فإن اسم الأب قد ينتفي عن الجد
بحال بأن نقول ليس هذا بأبيه في الحقيقة ولا ينتفي ذلك عن الأب الأدنى والمجاز على وجوه
منها
إطلاق اللفظ مع حذف كلمة يريدها ولم يلفظ بها كقوله تعالى الذين يؤذون الله
ورسوله (3) ومعناه أولياء الله فحذف الأولياء وهو يريدهم لأن الله تعالى لا يلحقه الأذى ولا

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لفظ د " ما ينفي ".
(3) الآية 57 من سورة الأحزاب.
361

المنافع ولا (1) المضار ونحو قوله تعالى القرية التي كنا فيها (2) ومعناه و (3) اسأل
أهل القرية (4)
ولو كان ذلك حقيقة لكانت القرية هي المسؤولة
ومحال مسألة الجدران (5)
فإن قيل إن أهل القرية يسمون قرية إذا كانوا فيها
قيل له لو كان كذلك لجاز متى أشرنا إلى رجال في القرية أن نقول هؤلاء قرية
نريد به الرجال دون البنيان (7) وهذا ممتنع إطلاقا عند كل أحد ولكان جائزا (8) أن يسمى
هؤلاء الرجال بعد خروجهم من القرية فنقول إنهم قرية لأن الاسم لهم حقيقة على قول من
ينفي المجاز وأن لا يمنع خروجهم منها إطلاق القول بأنهم قرية كما لا يمنع إطلاق القول
فيهم بأنهم رجال حيث كانوا فدل امتناع اطلاق اسم القرية على جماعة رجال ان القرية لا
تكون اسما للرجال بحال وأن قوله القرية اقتضى إضمار أهلها ومنها ما يكون بزيادة
حرف ليس (9) منه كقوله تعالى كمثله شئ (10) ومراده (11) ليس مثله شئ لأنه غير
جائز أن يكون المراد نفي التشبيه عن مثله إذ هو تعالى (12) لا مثل له فصح أن المراد نفي
التشبيه عنه رأسا وان معناه ان (13) ليس مثله شئ وقد وجد مثل ذلك في كلام العرب
وقال الشاعر (14) وصاليات الذي ككما يؤثفين (15)

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) الآية 82 من سورة يوسف.
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في د زيادة " التي ".
(5) لفظ د " الحيطان ".
(6) في ح " ذلك ".
(7) لفظ ح " النساء " وهو تصحيف.
(8) عبارة ح " ولكن جائز ".
(9) عبارة ح " كلمة لست ".
(10) الآية 11 من سورة الشورى.
(11) لفظ د " ومعناه ".
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) لم ترد هذه الزيادة في د.
(14) ذكره في لسان العرب على لسان ثعلب 10 / 345.
(15) ومعنى يؤثفين: يقال اثفت القدر تأثيفا لغة في ثفيتها تثفية إذا وضعتها على الأثافي، وقولهم رماه الله بثالثة الأثافي
قال ثعلب أي رماه الله بالجبل أي بادهية مثل الجبل والمعني: انهم إذا لم يجدوا ثالثة من الأثافي أسندوا قدورهم
إلى الجبل 10 / 345 لسان العرب.
362

وروي في بعض الأخبار وانشق القمر كنصف (1) الجفنة (2) والكاف زائدة في هذا
الموضع
ومنها ما يكون بوضع لفظ (3) مكان غيره كقوله تعالى تقول نفس يا حسرتي
على ما فرطت في جنب الله (4) يعني في أمر الله يعبر عن الأمر بالجنب وقال تعالى حاكيا
عن إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه (5) واجعل لي لسان صدق في الآخرين (6)
وأراد به أثناء الحسن فعبر عن القول باللسان لأن القول به يكون من العباد وقال تعالى
بلسان عربي مبين (7) يعني لغة لأن اللغة باللسان تظهر
وقالت فاطمة بنت قيس للنبي صلى اله عليه وسلم قد خطبني أبو الجهم (8) في جملة من خطبها فقال
أما أبو الجهم فإنه رجل لا يضع عصاه على عاتقه (9) يعني أنه يضرب النساء فجعل هذا
اللفظ عبارة عن الضرب وقد عقل به المبالغة في وصفه بضرب النساء ونحو ذلك قوله تعالى
يوم يكشف عن ساق (10) يعني عن شدة الأمر لأن من عنى أمرا عظيما شمر عن ساقه
ومنه ما يراد التشبيه فيحذف حرف التشبيه اكتفاء بدلالة الحال وعلم المخاطب

(1) لفظ ح " كنصف ".
(2) الجفنة كالقصعة والجمع الجفان والجفنات بالتحريف. انظر صحاح الجوهري 2 / 362.
(3) سقطت هذه الزيادة من ح.
(4) الآية 56 من سورة الزمر.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) الآية 84 من سورة الشعراء.
(7) الآية 195 من سورة الشعراء.
(8) هو عامر أو عمير أو عبيد بن حذيفة بن غانم من قريش من بني عدي بن كعب أحد المعمرين، أسلم يوم فتح.
مكة واشترك في بناء الكعبة مرتين الأولى في الجاهلية والثانية حين بناها الزبير سنة 64 ه‍ ومات في تلك الفينة،
وله خبر مع معاوية.
انظر ترجمته في: نسب قريش 239 وسمط اللآلي 539 والإصابة في الكنى ترجمة رقم 206 وانظر الاعلام
4 / 17 والاستيعاب 2 / 650.
(9) اخرج مسلم في صحيحه من حديث فاطمة بنت قيس أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباني فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أما أبو الجهم فلا يضع عصاه على عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له
انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به.
انظر صحيح مسلم كتاب الطلاق باب 35 (10 / 95) وعون المعبود كتاب الطلاق باب 39 (6 / 378) والنسائي
كتاب النكاح باب 22 (6 / 75) والدارمي كتاب النكاح باب 7 ح 2 والموطأ كتاب النكاح حديث 67 ح 4
وأحمد 6 / 412، 413.
(10) الآية 42 من سورة القلم.
363

بالمراد نحو قوله تعالى بكم عمي فهم لا يرجعون (1) والمعنى انهم كالصم البكم
العمي في عدم الانتفاع بما سمعوا وأبصروا ومنه قول النابغة (2)
فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهم كوكب (3)
يعني أنك كالشمس
وقال آخر
وكنا حسبنا كل أسود تمرة ليالي لاقينا جذام وحميرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعض حتى أبت عيدانه أن تكسرا
سقيناهم كأسا سقونا بمثله (4) ولكنهم كانوا على الموت أصبر
فقال كنا حسبنا كل أسود تمرة فهم ما حسبوا كل أسود تمرة قط
والمعنى مع ذلك صحيح لأن مراده وكنا كمن حسب كل أسود تمرة في إقدامنا على
قتال هؤلاء القوم و (5) طمعنا فيهم واستهانتنا عمر بأمرهم ثم قال قرعنا النبع بالنبع بعضه
ببعض ومعلوم أنهم لم يقرعوا النبع بعضه ببعض ولم يرد حقيقة ذلك قط وإنما أراد أنا لما
قارعناهم النبي وجالدناهم وإن ثبتوا لنا تشبيها بعيدان النبع إذا قرع بعضها ببعض ولا تنكسر
لصلابتها ثم قال سقيناهم كأسا سقونا بمثله (7) وما كان هناك كأس ولا سقي وإنما (8) أراد
قتلنا منهم وقتلوا منا ولكنهم كانوا على الموت أصبرا يعني أجرأ منا كما قال الله تعالى فما
أصبرهم على النار (9) يعني فما أجرأهم لأنه لا صبر لأحد على عذاب الله تعالى فذكر

(1) الآية 18 من سورة بقرة.
(2) هو زياد بن معاوية بن حنباب الذبياني الغطفاني المضري ويعرف بالنابغة الذبياني شاعر جاهلي من أهل الحجاز
كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه اشعارها.
انظر ترجمته في الاعلام 3 / 92 والأغاني 11 / 38 و 19 / 6 ط دار الكتب والعمدة 1 / 63 ومعجم الشعراء 191
وكشف الظنون 1048 ومقدمة ديوان النابغة ودراسة الشعراء 169 والنابغة الذبياني لعمر الدسوقي ومناهل
الأدب العربي 60 وانظر معجم المؤلفين 4 / 188.
(3) البيت قاله يعتذر إلى النعمان بن الحرث ويمدحه. وهو من قصيدة هي من غرر شعره مطالعها:
أتاني أبيت اللعن انك لمتني * وتلك التي أهتم منها وأنصب
انظر ديوان النابغة الذبياني 16 - 17.
(4) لفظ د بمثلها.
(5) لم ترد هذه الزيادة في د.
(6) لفظ ح " وامتهاننا ".
(7) لفظ د " بمثلها ".
(8) في ح " ولكن ".
(9) الآية 175 من سورة البقرة.
364

الشاعر هذه كما الألفاظ وهي مجاز وهي من فصيح الكلام وجيدة وهو (1) أحسن من الحقيقة في
هذا الموضع
ومنه أن يسمى الشئ باسم غيره على جهة المقابلة المجازاة وإن لم يكن ذلك في
الحقيقة اسمه ولا يجوز إطلاقه إذا وقع على غير هذا الوجه نحو قوله تعالى قالوا إنا
معكم (2) إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ هو بهم (3)
وليس ذلك من الله استهزاء (4) في الحقيقة ولكنه حين أخبر عن جزاء (5) الاستهزاء
سماه باسمه لوله تعالى سيئة سيئة مثلها (6) والجزاء ليس تشبيها وإنما سماه بها من
حيث كانت في مقابلتها ومستحقة من أجلها
وتقول العرب الجزاء عنه بالجزاء والأول ليس بجزاء فسماه باسم ما يقابله ومما يسمى
باسم غيره للمجاورة أو لأنه منه (7) بسبب قولهم للمزادة و (8) السقا رواية والراوية اسم
للجمل الذي يحمل ذلك عليه (9)
وقال أبو النجم (10)
تمشي (11) من الردة مشي الجفل (12) مشي إن الروايا بالمزاد إلا الأثقل

(1) في ح " وهذا ".
(2) ما بين القوسين ساقط من النسختين.
(3) الآية 14 و 15 من سورة البقرة.
(4) عبارة د " ذلك باستهزاء من الله تعالى ".
(5) لفظ ح " خبر ".
(6) الآية 40 من سورة الشورى.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح وهو تحريف.
(9) قال في تاج العروس: الراوية المزادة فهيا الماء ويسمى البعير والبغل والحمار الذي يستقى عليه راوية على تسمية
الشئ باسم غيره لقربه منه هذا نص ابن سيده الا انه اقتصر على البعير، وفي التهذيب الراوية البعير الذي
يستقى عليه ووعاء الماء الذي هو المزادة راوية وذلك جائز على الاستعارة والأصل ما ذكرنا. وفي المصباح روى
البعير الماء يرويه من باب رمى حمله فهو راوية، الياء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دبة يستقى الماء
عليه. وجمع الراوية الروايا. تاج العروس 10 / 158.
(10) أبو النجم الراجز وهو الفضل بن قدامة من عجل وكان ينزل بسواد الكوفة موضع يقال له الفرك اقطعه إياه
هشام بن عبد الملك وكان وصافا للفرس.
انظر ترجمته في الجمحي 149 - 150 ومعجم الشعراء 310 - 311 واللآلي 327 - 328 والأغاني 9 / 73 - 78.
والخزانة 1 / 48 - 50، 401 - 408، ومعاهد التنصيص 9 - 12. انظر الشعر والشعراء 2 / 603.
والبيت موجود في تاج العروس في استشهاده على كلمة الراوية 10 / 158.
(11) لفظ د " يمشي ".
(12) لفظ ح " الجعل ".
365

سميت باسم الجمل للمجاورة
ومنه قولهم للشاة التي تذبح عند حلق رأس الصبي عقيقة والعقيقة (1) اسم للشعر
نفسه فسميت الشاة باسمه لأنه كان هو (2) سببها
ومنه الغائط وهو اسم للمكان المطمئن من الأرض وكانوا يقضون حوائجهم في مثله
فسمي ما يخرج من الإنسان به لقرب المجاورة على جهة الكناية (3)
ومنه الجماع كنى عنه باللمس و (4) بالدخول قال الله تعالى لم تكونوا دخلتم
بهن فلا جناح عليكم (5) فهذا أكثر من أن يحصى في اللغة وربما كان المجاز في بعض
المواضع أبلغ وأحسن من استعمال الحقيقة فيه وهذا مالا يدفعه أحد له أدنى معرفة بشئ من
لسان العرب وقد وضع أهل اللغة كتبا في المجاز وقالوا هذا اللفظ (6) مجاز وهذا حقيقة
مشهور ذلك عنهم متعارف (7) متعالم بينهم
وربما سمي الشئ بما لا يجوز أن يكون اسما له بحال على وجه يعتبر المخاطب به لأن
في زعمه كذلك نحو قوله تعالى إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا (8) يعني الذي في
زعمك أنه إلهك وقوله تعالى أغنت عنهم آلهتم (9) يعني الذي يزعمون (10) بأنهم آلهتهم
ونظيره قوله تعالى إنك أنت العزيز الكريم (11) يعني إنك كنت في زعمك كذلك

(1) العقيقة شعر كل مولود من الناس والبهائم.
انظر القاموس المحيط 3 / 266.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) الغائط كناية عن العذرة والغوطة الوهدة في الأرض، راجع القاموس المحيط 2 / 376 وتحقيق احمد شاكر في
تفسير الطبري 5 / 354.
(4) سقطت هذا الزيادة من د.
(5) الآية 23 من سورة النساء.
(6) لفظ ح " لفظ ".
(7 لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) الآية 97 من سورة طه.
(9) الآية 101 من سورة هود.
(10) لفظ د " تزعمون ".
(11) الآية 49 من سورة الدخان.
366

وقد أبى بعض من تكلم في ذلك (1) بغير دراية أن يكون في القرآن أو في اللغة
استعارة وأجاز مع ذلك أن يطلق القول ولا يراد به الحقيقة فمنع لفظ الاستعارة وأعطى
المعنى واحتج بأن المستعير هو الآخذ لما ليس له وذلك لا يجوز أن يقال في كلام الله تعالى
فيقال له فقد أعطيتنا أن في القرآن ما أطلق على (2) جهة التشبيه ولم يرد به
التحقيق فكأنك إنما خالفتنا في العبارة دون المعنى والمضايقة في العبارة بعد المدافعة على
المعنى لا وجه للاشتغال بها
ولكنا نقول في ذلك إن إطلاق لفظ الاستعارة شائع (3) في اللغة وذلك لأنهم لما وجدوا
لفظة (4) حقيقة في موضع قد استعمل في غير موضعه الموضوع له في أصل اللغة سموه مجازا
تارة واتساعا أخرى واستعارة أخرى (5) ليفيدوا به أنه ليس إطلاقه على حقيقة معناه في
موضوع اللسان وإنما قالوا ذلك إفهاما للمخاطبين وسموه استعارة لأن الاسم موضوع لغيره
في الأصل وسمي هذا باسمه ولنا أن نقول إن الله تعالى استعار شيئا لأن لله الدنيا والآخرة
وهو الذي علم الناس اللغات وهداهم إليها (6)
ولكنا نقول لما قال الله تعالى عربي مبين (7) وقال جعلناه قرآنا عربيا (8)
وكان في لغة العرب ما ذكرنا من وجوه المجاز والاستعارات فقد علمنا أنه خاطبنا بما في لغتها
من ذلك وليس لأن أهل اللغة سموا ذلك استعارة بواجب أن يكون الله تعالى قد استعار
شيئا ولكنه خاطبنا بما هو استعارة في اللغة ومجاز واتساع فيها لا على حقيقة موضوعها في
الأصل والأصل في ألفاظ المجاز أن طريقها السمع وما ورد منها في اللغة وليس يجوز لنا أن
نتعدى بها مواضعها التي تكلمت العرب بها

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) لفظ د " سائغ ".
(4) لفظ د " لفظ ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) عبارة ح " وهذا ما يراد بها ".
(7) الآية 103 من سورة النحل.
(8) الآية 3 من سورة الزخرف.
367

ألا ترى أنه يجوز لأحد أن يقول إن الذين يضربون الله ويتقلوان أنه الله ويريد (1)
به (2) يضربون أولياء الله ويقتلون أولياءه لأن في كتاب الله تعالى الذين يؤذون الله (3)
ومراده يؤذون أولياء (4) الله (5) فلا يستعمل المجاز إلا في موضع يقوم الدليل عليه وإلا
فحكم اللفظ أن يكون محمولا على الحقيقة أبدا حتى تقوم دلالة المجاز
والأسماء الشرعية بمنزلة أسماء المجاز لا يجوز (6) إثباتها إلا من جهة التوقيف أو
الاتفاق
فإن قال قائل إذا كانت (7) العرب قد تكلمت بما سميته مجازا وبالحقيقة وكل ذلك
من كلامها فما أنكرت أن يكون الجميع حقيقة لأن ما سميته حقيقة إنما صار كذلك لأن
العرب تكلمت به
قيل له لم يكن الحقيقة حقيقة لأن العرب إن تكلمت به دون أن يكون تكلمت به
على موضوعاتها في أصل اللغة ثم تجاوزت ذلك فسمت به ما ليس الاسم له في الأصل
تشبيها (8) به واتساعا في لغتها و (9) اكتفاء بعلم المخاطب بالمراد فلم تسم ذلك حقيقة
فأفدنا بقولنا (10) حقيقة إنه اسم له في موضوع اللغة فسمى (11) به ذلك الشئ في سائر
الأحوال ويفيد بقولنا مجازا إنه مسمى (12) باسم غيره في مواضع مخصوصة لا نتعدى بها (13)
مواضعها ولا يجري على غيرها وإن شاركت الأول في معانيه فإن كنت إنما أنكرت اللفظ
دون المعنى فانا لا نضايقك صلى الله عليه وسلم في اللفظ سمه أنت بما شئت بعد أن توافق في المعنى وإن كنت

(1) لفظ ح " يريدون ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) الآية 57 من سورة الأحزاب.
(4) لفظ ح " أولياء ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) لفظ ح " يخص ".
(7) لفظ د " كان ".
(8) لفظ ح " تسميتها " وهو تصحيف.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) لفظ ح " بقوله ".
(11) لفظ ح " يسمي ".
(12) لفظ ح " سمي ".
(13) عبارة ح " يبعدانها ".
368

إنما خالفت به (1) في المعنى رددناك إلى اللغة وأريناك صحة ما ادعيناه (2) فيها بما (3) لا
يمكنك دفعه متى أنصفت نفسك وحكمت عقلك وقد ذكرنا منه طرفا وذكر جميعه يعجز عنه
الكتاب وبالله التوفيق
وقد يكون لفظ (4) واحد يتناول ضدين على جهة الحقيقة فيهما جميعا وقد يجوز أن
يتناولهما ويكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر
وقد ذكر قطرب النحوي (5) أشياء كثيرة من هذا نحو الجون (6) أنه اسم للأبيض
والأسود (7) والمسجور (8) اسم للفارغ والملآن إذا ونحو ذلك
و (9) مما يكون مجازا في أحدهما حقيقة في الآخر نحو القرء وهو حقيقة للحيض مجاز
للطهر والنكاح حقيقة للوطء مجاز للعقد وقد أبى بعض أهل اللغة أن يكون في اللغة اسم
واحد لمعنيين متضادين وتكلم في ذلك بأشياء تجري مجرى الهذيان لأن ذلك أشهر في اللغة

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) لفظ د " ادعينا ".
(3) في د " مما ".
(4) لفظ ح " اللفظ ".
(5) هو محمد بن المستنير بن أحمد البصري المعروف بقطرب - أبو علي - لغوي نحوي أخذ النحو عن سيبويه وغيره
من علماء البصرة وأخذ عن النظام المتكلم المعتزلي وكان يعلم أولاد أبي دلف العجلي، وتوفي ببغداد ومن
تصانيفه الكثيرة: معاني القرآن والعلل في النحو الاشتقاق وغيرها. راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3 / 298
والفهرست 1 / 52 ووفيات الأعيان 1 / 625 ولسان الميزان 5 / 378 ومعجم الأدباء 19 / 52 ونزهة الألباب
119 والكامل في التاريخ 6 / 129 والمختصر في اخبار البشر 2 / 29 ومرآة الجنان 2 / 31 وشذرات الذهب
2 / 15 وبغية الوعاة 104 ومفتاح السعادة 1 / 133 وروضات الجنات 156 وهدية العارفين 2 / 9.
انظر معجم المؤلفين ففيه مظان أخرى 12 / 15.
(6) ورد في المعاجم ان الجون: الأسود اليحمومي والمؤنث منه جونه قال ابن سيده الجون الأسود المشرب حمرة،
وقيل هو النبات بضرب إلى السواد من شدة خضرته والجون الأبيض، والجمع من كل ذلك جون بالضم، ونظيره
ورد وورد، ويقال كل بعير جون، ويقال للشمس جونة، قال ابن بري والجون أيضا جمع جونة للكلام راجع
في ذلك وغيره من المعاني لسان العرب 16 / 257 وصحاح الجوهري 2 / 364 والقاموس المحيط 4 / 221
(7) عبارة د " للأسود والأبيض ".
(8) يقال سجرت الثمار إذا ملئت من المطر وذلك الماء سجرة والجمع سجر والسجور ما يسجر به التنور وسيجر
الرجل سفيه وخليله والجمع السجراء.
راجع صحاح الجوهري 2 / 329.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
369

من أن يمكن (1) أحدا دفعه وإنما تناول هذا الراد (2) على قطرب في هذا الباب ما ذكره على
معان بعيدة متعسفة
وكان أبو الحسن الكرخي (3) يقول في اللفظ الموضوع لمعنيين مختلفين ليس يجوز أن
يرادا جميعا في حال واحدة بلفظ واحد
وقد ذكرنا ذلك في أضعاف ما سلف من (4) هذا الكتاب وبينا قول أصحابنا فيه (5)
فمتى ورد لفظ يتناول معنيين مختلفين
فإن كان حقيقة فيهما احتجنا إلى دلالة من غيره في إثبات المراد لأن المراد أحدهما
وليس واحدا منهما بعينه بأولى به (6) من الآخر وغير جائز أن يريد المعنيين جميعا بلفظ واحد
وإن كان حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر كان اللفظ محمولا على الحقيقة حتى تقوم دلالة
المجاز

(1) لفظ ح " يكون " وهو تصحيف.
(2) لفظ ح " الرد " وهو تصحيف.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) في ح " في ".
(5) رابع الباب الأول فصل " الأسماء المشتركة " وما بعده.
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
370

الباب التاسع عشر
في
المحكم والمتشابه
371

باب
القول في المحكم والمتشابه
قال أبو بكر
كان أبو الحسن رحمه الله يقول المحكم ما (1) لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه ما
يحتمل وجهين أو أكثر منهما (2)

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لا خلاف بين العلماء في وقوع المحكم والمتشابه في القرآن الكريم لقوله تعالى " منه آيات محكمات هن أم الكتاب
وأخر متشابها ".
ولكنهم اختلفوا في تعريفهما. فمن هذه التعاريف ما ذكره الجصاص واختاره وقد أشار لهذا التعريف البدوي في
كشف الاسرار والشوكاني في إرشاد الفحول.
ومن تعاريفهما: ان المحكم ماله دلالة واضحة والمتشابه ماله دلالة غير واضحة فيدخل في المتشابه المجمل
والمشترك.
وقيل: في المحكم هو متضح المعنى وفي المتشابه هو غير المتضح المعنى ويندرج في المتشابه ما تقدم.
وقيل: المحكم هو ما استقام نظمه للإفادة والمتشابه ما اختل نظمه الإفادة وذلك لاشتمال على مالا يفيد
شيئا ولا يفهم منه معنى.
وقيل: المحم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه.
وقيل: المحكم: الناسخ والمتشابه المنسوخ.
وقيل: المحكم هو معقول المعنى، والمتشابه هو غير معقول المعنى.
واختار الغزالي في المستصفى ان المحكم يرجع إلى معنيين:
أحدهما: مكشوف المعنى الذي لا يتطرق إلهي اشكال أو احتمال، والمتشابه ما تعارض فيه الاحتمال.
الثاني: ان المحكم ما انتظم وترتب ترتيبا مفيدا اما على تأويل ما لم يكن فيه تناقض ومختلف، واما المتشابه
فيجوز أن يعبر به عن الأسماء المشتركة كالقرء
واختار البزدوي ووافقه عبد العزيز البخاري في كشف الاسرار ان المحكم ما ازداد قوة وأحكم المراد به عن احتمال
النسخ والتبديل، فإذا صار مشتبها على وجه لا طريق لدركه حتى سقط طلبه ووجب اعتقاد الحقيقة فيه سمى
متشابها.
وفي المسودة قال شيخ الاسلام تقي الدين بن تيمية ظاهر كلام احمد ان المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان
والمتشابه ما احتاج إلى بيان وقال في رواية ابن إبراهيم: المحكم ليس فيه اختلاف، وهو المستقل بنفسه
والمتشابه ما احتاج إلى بيان وقال في رواية ابن إبراهيم: المحكم الذي ليس فيه اختلاف، وهو المستقل بنفسه
والمتشابه ما احتاج إلى بيان وقال في رواية ابن إبراهيم: المحكم الذي ليس فيه اختلاف، وهو المستقل بنفسه
والمتشابه ما احتاج إلى بيان وقال في رواية كذا قال ومعناه ما ذكرناه.
والذي نرجحه أن الحكم مالا يتطرق إليه اشكال أو احتمال أو نسخ والمتشابه خلافه وراعينا في هذا
الترجيح أن نعرف كلا من المحكم والمتشابه بهما يجمع أهم تعاريف الأصوليين مع المنع من دخول غيره فيه، ونرى
أن هذا التعريف بين المراد معقول المعنى واضح الدلالة
راجع في ذلك: كشف الاسرار للبزودي 1 / 51 - 55 وارشاد الفحول 31 والمسودة 161 وروضة الناظر 35
والتلويح 1 / 410 وتيسير التحرير 1 / 209 وفتح الغفار 1 / 113 والمستصفى 1 / 106 والبرهان ورقة 112
مخطوط 18 أصول وطلعة الشمس 1 / 168.
373

وسبيل المتشابه أن يحمل على المحكم ويرد إليه وذلك في الفقه كثير نحو قوله تعالى
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان (1) قرئ بالتخفيف وبالتشديد (2) (3). فمن قرأ
بالتخفيف احتمل أن يكون المراد به عقد اليمين واحتمل أن يريد به اعتقاد القلب بأن يكون
قاصدا إلى اليمين فيكون تقديره لما قصدتموه من الأيمان وتقدير الأول ولكن يؤاخذكم
باليمين المعقودة وهي التي تعقد على حال مستقبلة فقراءة التشديد لا تحتمل إلا وجها واحدا
وقراءة التخفيف تحتمل معنيين
فوجب حمل ما احتمل وجهين على مالا يحتمل إلا وجها واحدا لأن الله تعالى أمرنا
بذلك في قوله تعالى الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر
متشابهات (5) فجعل المحكم أما للمتشابه وأم الشئ هي منها ابتداؤه وإليها مرجعه.
قال أمية بن أبي الصلت (6)

(1) الآية 89 من سورة المائدة.
(2) لفظ د " والتشديد ".
(3) بين الجصاص هذا في أحكام القرآن بتفصيل أكثر فقال: في قوله تعالى " بهما عقدتهم " ثلاثة أوجه: " عقدتم "
بالتشديد قد قرأه جماعة، و " عقدتم " خفيفة و " عاقدتم " فقوله تعالى " عقدتم " بالتشديد كان أبو الحسن يقول لا
يحتمل إلا عقد قول. واعقدتم " بالتخفيف يحتمل عقد القلب وهو العزيمة والقصد إلى القول ويحتمل عقد
اليمين قولا، ومتى احتمل إحدى القراءتين عقد اليمين قولا يكون حكم ايجاب الكفار مقصورا على هذا
الضرب من الايمان وهو أن تكون معقودة ولا تجب في اليمين على الماضي لأنها غير معقودة، وانما هو خبر عن
ماض والخبر عن الماضي ليس بعقد سواء كان صدقا أو كذبا. 1 / 553 وانظر أحكام القرآن للقرطبي 6 / 266
وقراءة عامر وحدة " عاقدتم " برواية ابن ذكوان بألف مخفف على وزن قاتلتم قيل وهو بمعنى فعل، وقرأ أبو بكر
عن عاصم وحمزة والكسائي وكذا خلف " عقدتم " بالقصر والتخفيف على الأصل وأفقههم الأعمش وقرأ
الباقون بالقصر والتشديد على التكثير. راجع في ذلك اتحاف البشر في القراءات الأربعة عشر 122 ومجمع
البيان في تفسير القرآن 1 / 346.
(4) لفظ د " قرأها ".
(5) الآية 7 من سورة آل عمران.
(6) هو أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، الشاعر المشهور، ذكره ابن السكن وقال لم
يدرك الاسلام، وقد قرأ الكتب المتقدمة من كتب الله عز وجل، ورغب عن عبادة الأوثان وكان يخبر بان نبيا
يبعث ويؤمل أن يكون ذلك النبي، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر حسدا له.
انظر ترجمته في الجمحي 66 والاشتقاق 184 والأغاني 3 / 179 و 16 / 69 وسمط اللآلي 1 / 364 وجمهرة
الأنساب 257، والخميس 1 / 412 وفيه وفاته 2 هجرية، وتهذيب الأسماء 1 / 126 وانظر الاعلام 1 / 364
والشعر والشعراء 1 / 459.
374

الأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نوأد (1)
فسماها أما لنا من حيث كان منها ابتداء خلقنا وإليها مرجعنا
ونظيره أيضا قوله تعالى يطهرن (2) قرئ بالتخفيف والتشديد (3) فمن قرأها
بالتخفيف أراد انقطاع الدم لا يحتمل اللفظ غيره ومن قرأها بالتشديد كان محتملا لا نقاطع
الدم لأنه يقال طهرت المرأة وتطهرت بمعنى واحد فاحتمل (4) أيضا الاغتسال فلما احتمل
معنيين وجب حمله على مالا يحتمل إلا وجها واحدا وهو انقطاع الدم (5)
وكان أبو الحسن الكرخي (6) رحمه الله يقول أيضا في قوله تعالى فاغسلوا
وجوهكم (7) وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين (8) إن قراءة
النصب لا تحتمل إلا عطفها على الغسل وقراءة الخفض تحتمل عطفها على الغسل وتكون
مخفوضة (9) بالمجاورة ويحتمل عطفها (10) على المسح (11)

(1) وهذا البيت من قصية طويلة مطلعها:
تعلم فان الله ليس كصنعه صنيع ولا يخفي على الله ملحد.
وقد كتب قافية البيت في النسختين " نولد " انظر ديوان أمية بن أبي الصلت 23
(2) الآية 222 من سورة البقرة.
(3) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر وحفص: ولا تقربوهن حتى يطهرن " بسكون الطاء وضم الهاء
وتخفيفهما فعين للباقين القراءة بفتح الطاء والهاء وتشديدهما.
انظر شرح القاضي على الشاطبية 165.
(4) لفظ د " واحتمل ".
(5) وضح الامام الجصاص ذلك في احكام القرآن قال إذا قرئ بالتخفيف فإنها هو انقطاع الدم لا الاغتسال لأنها
لو اغتسلت وهي حائض لم تطهر فلا يحتمل قوله " حتى يطهرن " الا معنى واحدا وهو انقطاع الدم الذي به يكون
الخروج من الحيض، وإذا قرئ بالتشديد احتمل الامرين من انقطاع الدم ومن الغسل لما وصفنا آنفا فصارت
قراءة التخفيف محكمة وقراءة التشديد متشابهة وحكم المتشابه أن يحمل على المحكم ويرد إليه فيحصل معنى
القراءتين على وجه واحد وظاهر ما يقتضي إباحة الوطء بانقطاع الدم الذي هو خروج من الحيض.
راجع 1 / 412 وتفسير الخازن 1 / 217 والحاصل من المحصول 2 / 405 واحكام القرآن لابن العربي 1 / 152.
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) في د عبارة " إلى قوله وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ".
(8) الآية 6 من سورة المائدة ".
(9) لفظ ح " خفضها ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) قال الامام الجصاص في احكام القرآن قرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير وأرجلكم " بالخفض
وتأويلها على المسح وقرأ على وعبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية وإبراهيم والضحاك ونافع وابن عمر
والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب وكانوا يرون غسلها واجبا والمحفوظ عن الحسن البصري استيعاب
الرجل كلها بالمسح ولست احفظ عن غيره ممن أجاز المسح من السلف هو على الاستيعاب أو على البعض
وقال قوم يجوز مسح البعض ولا خلاف بين الفقهاء في أن المراد الغسل وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعا
ونقلتهما الأمة تلقيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة منهما محتملة للمسح بعطفها على
الرأس، ويحتمل ان يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء وذلك لان قوله " وراجلكم " بالنصب
يجوز ان يكون مراده فاغسلوا أرجلكم ويحتمل ان يكون معطوفا على الرأس فيراد بها المسح وان كانت منصوبة
فيكون معطوفا على المعنى لا على اللفظ لان الممسوح به مفعول به (2 / 421). وانظر ممن قال بقول الجصاص
هذا أو قريبا منه تفسير الخازن 2 / 18 واحكام القرآن للقرطبي 6 / 91 وشرح ابن القاضي على الشاطبية 191
واتحاف البشر للدمياطي 119 واحكام القرآن لابن العربي 2 / 557 وانظر على ما أشار في هامش ابن العربي -
املاء ما من به الرحمن ز وهو تصحيف.
375

فلما احتملت قراءة الخفض وجهين ولم تحتمل قراءة النصب إلا وجها واحدا وجب أن
تكون قراءة معنى الخفض محمولة على قراءة النصب فتكون الرجل مغسولة
فإن قال قائل: ذكرت أن المتشابه ما يحتمل الوجوه المحكم ما لا يحتمل إلا وجها
واحدا وقد قال الله تعالى متشابها مثاني (2) ثنا فسمى (3) الجميع متشابها وليس الجميع
محتملا للوجوه
قيل له قد بين في آية أخرى أن بعضه متشابه في قوله تعالى منه (4) آيات محكمات
هن أم الكتاب وأخر متشابهات فجعل البعض متشابها (5) ويحتمل أن يكون المراد بقوله
كتابا متشابها أن بعضه متشابه كما قال مثاني وإنما بعضه مثاني لا جميعه وهي سور معدودة
وقيل إنه فاتحة الكتاب لأنها تثنى في كل ركعة وكقوله تعالى به (6)
قومك (7) والمراد بعضهم وكقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم
سنين كسني يوسف (8) وإنما أراد كفار (9) مضر دون مؤمنيهم

(1) لفظ ح " الوجه " وهو تصحيف.
(2) الآية 23 من سورة الزمر.
(3) لفظ ح " فسماه " وهو تصحيف.
(4) في ح " فيه " وهو خطأ.
(5) الآية 7 من سورة آل عمران.
(6) ما بين القوسين ساقط من ح وهو خطأ.
(7) الآية 66 من سورة الأنعام.
(8) اخرج البخاري عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة " يقول: اللهم انج عياش بن
أبي ربيعة، اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد
وطأتك على مضر، اللهم اجعلهما سنين كسني يوسف ". راجع فتح الباري كتاب الاستسقاء باب 2 (2 / 290).
وكتاب الاذان باب 128 وكتاب الجهاد باب 98 ح‍ 6. وصحيح مسلم كتاب المساجد الأحاديث 294، 295
ح‍ 5، وعون المعبود كتاب الصلاة باب 216 ح‍ 2 وكتاب الوتر باب 60 ح‍ 4 والنسائي كتاب التطبيق باب
27 ح‍ 2، وابن ماجة كتاب الإقامة باب 145 ح‍ 1، واحمد 2 / 229، 255، 271، 418، 470، 502، 521
(9) لفظ ح " كفا " وهو سهو من الناسخ.
376

وأيضا يحتمل أن يريد بقوله متشابها أي متماثلا غير مختلف المعنى اختلاف تضاد
وإن اختلف اللفظ كما قال تعالى كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (1)
يعنى اختلاف التضاد وليس ذلك موجودا في القرآن بل كله متفق المعنى في الإتقان (2)
والحكمة وجهة الدلالة ويكون قوله تعالى متشابهات معناه (3) متشابهات في الظاهر
لأنه يشبه المحكم من وجه ويشبه غيره من وجه فيجب (4) حينئذ حمله على ما يوافق المعنى
ويشبهه دون ما يخالفه وكذلك يجب هذا الاعتبار في كل ما (5) جاء في القرآن من المتشابه في
ذكر صفات الله تعالى وأفعاله مما يحتمل في اللغة معنيين فهو محمول على المحكم الذي لا
يحتمل إلا معنى واحدا وكذلك ما احتمل من ذلك معنيين و (6) أحدهما يجوزه العقل
والثاني (7) لا يجوزه فهو محمول على ما يجوز في العقل دون مالا يجوز (8) لأن العقل أصل وهو
حجة الله تعالى يجب به اعتبار ما يجوز مما لا يجوز

(1) الآية 82 من سورة النساء.
(2) لفظ ح " الاتفاق " وهو تصحيف.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) سقطت هذه الزيادة من ح.
(5) في النسختين " كما " متصلة.
(6) لفظ ح " فأحدهما ".
(7) لفظ د " والاخر ".
(8) لم ترد هذه العبارة في ح وأبدلها ب‍ " مالا يحصر " وهو تحريف ".
377

الباب العشرون
في
العام والخاص والمجمل والمفسر
379

باب
القول في (1) العام والخاص (2)
والمجمل والمفسر (3)
قال أبو بكر
إذا وردت آية عامة توجب حكما ووردت آية خاصة توجب حكما بضد موجب الآية
العامة فإن ذلك ليس يخلو من أحد وجوه أربعة

(1) ولو قال: القول في تعارض العام والخاص لكان أيين للمراد بمضمون الباب، وهذه المسألة تدخل في مسائل
تعارض النصوص ولذلك لابد من توطئة نمهد بها لتصور هذه المسألة واستيعابها، فتقول:
إن تقسيمات الشافعية لتعرض النصين من أشمل وأدق التقسيمات عن سواهم ولهذا سنذكر تقسيمهم محررا فيهما
يلي:
إذا تعارض نصان فهما على قسمين:
الأول: إما أن يكونا متساويين في القوة والعموم.
الثاني: أن لا يكونا كذلك.
والمراد بتساويهما في القوة أن يكونا معا معلومين أو مظنونين.
وبتساويهما في العموم أن يصدق كل منهما على كل ما صدق عليه الاخر.
فأما القسم الأول: وهو أن يتساويا في القوة والعموم ففيه ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يعلم أن أحدهما متأخر الورود عن الاخر ويعلم أيضا بعينه، فحينئذ يكون ناسخا للمتقدم سواء
كانا معلومين أو مظنونين وسواء كانا من الكتاب والسنة، أو أحدهما من الكتاب والاخر من الستة، إلا أن من
يقول إن الكتاب لا يكون ناسخا للسنة وبالعكس فإنه يمنع ورود هذا القسم.
الثاني أن يجهل المتأخر منهما فلم يعلم عينه فينظر، فإن كانا معلومين فيتساقطان ويجب الرجوع إلى غيرهما لان
كلا منهما يحتمل أن يكون هو المنسوخ احتمالا على السواء، وإن كانا مظنونين وجب الرجوع إلى الترجيح فيعمل
بالأقوى فإن تساويا يخير المجتهد.
الثالث: أن يعلم تقارنهما، فإن كانا معلومين فإن أمكن التمييز بينهما تعين القول به، فإنه إذا تعذر الجمع لم يبق إلا التخيير،
ولا يجوز أن يرجح أحدهما على الاخر بقوة الاسناد لان المعلوم لا تقبل الترجيح.
أما القسم الثاني: وهو أن لا يتساويا في القوة والعموم جميعا، فأما أن يتساويا في العموم ولم يتساويا في القوة، أو
عكسه، أو لم يحصل بينهما تساو لا في العموم ولا في القوة فهذه أحوال ثلاثة:
أولها: التساوي في العموم والخصوص مع عدم التساوي في القوة، بأن يكون أحدهما قطعيا والاخر ظنيا،
فيعمل بالقطعي ي سواء علم تقدم أحدهما على الاخر أم لم يعلم، وسواء تقدم القطعي أم الظني، وهذا الاطلاق
يشمل ما إذا كان المقطوع عاما والمظنون خاصا، والصحيح أن المظنون يخصص المقطوع.
وثانيها: أن يتساويا في في القوة مع عدم التساوي في العموم والخصوص بأن يكونا قطعين أو ظنيين أو ظنيين أو يكونا عامين
لكن أحدهما أعم من الأخ إما مطلقا أو من وجهه أو يكونا خاصين، فإن كانا عامين أو كان أحدهما الاخر أو لم
يعلم، اللهم إلا إن تقدم الأعم وورد الأخص بعد العمل به فإن الأخص حينئذ يكون ناسخا له فيما تناوله
الأخص لا مخصصا، لامتناع تأخير البيان عن وقت العمل.
وإن كان أحدهما عم من الاخر من وجه وأخص من وجه - وهذا ما تكلم فيه الامام الجصاص في المسألة التالية
لهذه المسألة - فعند الشافعية يصار إلى الترجيح بينهما سواء كانا قطعيين أم ظنين، لكن لا يمكن الترجيح في
القطعيين بقوة الاسناد بل يرجح بكون حكم أحدهما حظرا والاخر إباحة، وأن يكون أحدهما شرعيا والاخر
عقليا، أو مثبتا والاخر نافيا ونحو ذلك، وفي الظنين يرجح بقوة الاسناد.
وقول الشافعية بالترجيح نلاحظ فيه أن منهم من أطلق كما في جمع الجوامع، وفي شرح الورقات قيده فقال: إن
أمكن الجمع بتخصيص عموم كل بخصوص الاخر وجب وإلا احتج إلى الترجيح.
وعند الحنابلة الترجيح أيضا في هذه المسألة كما ذكره في المسودة.
ثالثها: أن لا يحصل بينهما تساو في العموم الخصوص ولا في القوة.
فإن اختلفا في كل واحد من هذين بأن يكون أحدهما قطعيا والاخر ظنيا وهما عامان، ولكن أحدهما أعم من
الاخر مطلقا أو من وجه، أو خاصان، فإن كانا عامين وأحدهما أعم من الاخر من وجه صير إلى الترجيح - كما
قال الشافعية - فإنه قد يترجح الظني بما يتضمنه الحكم من كونه حظر أو نفيا وغير ذلك سواء علم تأخر القطعي
عن الظني أم تقدمه أم جهل الحال، وأما إن كانا خصين فقال الشافعية العمل بالقطعي مطلقا.
راجع في ذلك:
الابهاج 3 / 142 وما بعدها، وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 79 والمسودة 139.
(2) عبارة ح " الخاص والعام ".
(3) يلاحظ هنا أن عبارة " والمجمل والمفسر " قد وردت في النسختين وفي فهرس النسخة (ح) إلا أن الجصاص لم
يتكلم عن هذا الموضوع البتة، اللهم إلا إشارة عابرة في ورقة 57 - أ، قال:
" إن المفسر يخص المجمل " فإما أن تكون هذه زيادة من النساخ لم يتضمنها كتاب الفصول للجصاص، وإما أن
تكون ساقطة من النسخ التي تحت أيدينا وكلا الاحتمالين وارد.
إلا أننا نرجح أنها إضافة من النساخ ولم تكن موجودة في الأصل لامرين:
الأول: إن سياق الكلام في عنوان هذا الباب لا يتضمن إلا الكلام على تعارض العام والخاص دون أن يشعر أن
هناك سقطا في ناحية ما بحيث تحمل على الكلام في المجمل والمفسر وما وردت إلا إشارة بسيطة ورقة 72 - ب
قال: " والامر على حديث أبي سعيد لأنه مفسر لا يحتمل المعاني وحديث أسامة يحتمل المعاني ".
الثاني: إن الكتب المتداولة بين أيدينا من كتب الأحناف وغيرهم لم تنقل رأيا للجصاص في تعارض المجمل
والمفسر.
381

إما أن يعلم ورود الآية الخاصة بعد استقرار حكم العامة (1) والتمكين من فعله
أو يعلم نزول الآية الخاصة واستقرار حكمها ثم نزول الآية العامة بعدها
أو يعلم ورودهما معا متصلا بعضها (2) ببعض كاتصال الاستثناء بالجملة
أو لا يعلم تاريخ نزولها
فأما الوجه الأول (3) أن يكون العموم متقدما ويرد الخصوص بعد استقرار حكمه
والتمكين من فعله (4) فإن ذلك نسخ لبعض ما اقتضاه بقدر ما قابله منه ولا يكون ذلك
تخصيصا (5) لأن التخصيص بمنزلة الاستثناء يبين أن ما خص منه لم يكن مرادا بلفظ
العموم ولا يجوز أن يتأخر بيان ما كان هذا سبيله لأنه يوجب اعتقاد الشئ على خلاف
ما هو عليه من مراد الله تعالى بلفظ الآية فلذلك لم يجز أن يستقر الحكم عليه ثم يرد لفظ

(1) عبارة ح " حكمها العامة " وهو تصحيف.
(2) لفظ د " بعضه.
(3) في د زيادة " هو ".
(4) يجوز عند أهل السنة نسخ الامر قبل التمكن من الامتثال خلافا للمعتزلة، راجع المستصفى 1 / 122 والفتاوي
لا تيمية 14 / 146.
وتأخر الخصوص هنا عن العمل بالعام المراد به: تأخره عن وقت العمل لا نفس العمل كما قال العلامة
البرماوي فالمدار على تأخره عوقت العمل وإن لم يقع عمل، فلا فرق بين أن يوجب العمل أولا، وأنه إذا
وجد لا فرق بين أن يعمل بالفرد المدلول عليه بالخاص أولا، فتنبه.
راجع قول البرماوي في حاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 77.
(5) وهذا رأي الحنفية كما ذكره أبو عبد الله الجرجاني، وهو قول المعتزلة أيضا كما حكاه القاضي في الكفاية، وهو رواية
عن أحمد بن حنبل، وهو قول إمام الحرمين هذا كله مع علم التاريخ.
ووجدت عبد العزيز البخاري يخالف في ذلك حيث يقول: العام إذا وردا في حادثة واحدة ويعرف
تاريخهما كان الثاني ناسخا إن كان هو العام، ومخصصا إن كان هو الخاص.
كشف الاسرار للبزودي 1 / 292.
وهذه الصورة هي التي وافق جمهور الشافعية والبيضاوي والأسنوي الحنفية عليها، ما ورود الخاص بعد
دخول وقت العم بالعام فاعتبروا الخاص ناسخا للعام لان التخصيص بيان والبيان لا يجوم أن يتأخر عن وقت
العمل.
وأما في غير هذه الصورة فالخاص يعتبر مخصصا للعام مطلقا علم التاريخ فكان الخاص متقدما على العام
أو متأخرا عنه أو كان كل منهما مقارنا للاخر بأن وجدا في زمن واحد، أو لم يعلم التاريخ بحيث لا يدري تقدم
أحدهما ولا تأخره كما لم تعلم المقارنة بينهما.
وعند الحنابلة في المسودة قال: إذا تعارض العام والخاص المخالف له قدم الخاص وخصص به العام سواء علم
أسبقهما أو جهل التاريخ عند أصحابه قال وهذا مذهب الشافعي وأصحابه، واختاره ابن الحاجب.
وقال المالكية: إذا جهل التاريخ وإن كان الخاص الاخر فقال ابن نصر يبني على مسألة تأخير البيان.
راجع في ذلك حاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 77 والمسودة 134 والابهاج 2 / 106 وأصول الفقه للشيخ
زهير 2 / 294 وكشف الاسرار للبزدوي 1 / 292 وما بعدها.
383

التخصيص الموجب للحكم (1) بضده إلا (2) على وجه نسخ ذلك نحو قوله تعالى
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة (3) (4) فكان
هذا (5) حكما ثابتا على قاذف الأجنبيات والزوجات بدلالة أن هلال بن أمية لما قذف امرأته
بشريك بن سحماء قال له النبي صلى الله عليه وسلم ائتني بأربعة يشهدون وإلا حد (6) في ظهرك (7) وقالت
الأنصار الآن (8) يجلد هلال بن أمية وتبطل شهادته في المسلمين
وقال عويمر العجلاني (9) أرأيتم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم جلدتموه
وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على (10) غيظ ثم أنزل الله آية اللعان (11) فنسخ (12) الحد
عن قاذف الزوجات بعد ثبات حكمه فهذا وما أشبهه نسخ ليس بتخصيص لأنه لا (14)
يمنع (15) أن تكون الآية الأولى قد أريد بها عموم الحكم وقت ورودها فيما اشتملت عليه من

(1) عبارة ح " أن لو وجب الحكم " وهو تحريف.
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) ما بين القوسين لم يرد في د وأبدلها ب " الآية ".
(4) الآية 4 من سورة النور. (6) في د " ذلك ".
(7) لفظ د " فحد وهو لفظ رواية الجصاص في أحكام القرآن 3 / 351.
(8) أخرجه البخاري عن ابن عباس وفيه "... البينة أو حد في ظهرك " قاله لهلال بن أمية لما قذف امرأته بشريك
ابن سحماء.
راجع فتح الباري كتاب التفسير عند تفسير سورة النور في باب " ويدرأ عنها العذاب ان تشهد أربع " الخ ".
على ما في مشارق الأنوار 2 / 96 وراجع كلام الامام الجصاص في ذلك القران 3 / 351 وفتح البيان
6 / 326 وأحكام القرآن لابن العربي 3 / 1340 وتنوير المقياس 217 والدر المنثور 5 / 21 والكشاف 3 / 52
وتفسير الخازن 5 / 50 وأسباب النزول للسيوطي 196 وفتح القدير للشوكاني 4 / 10.
(9) لفظ ح " إلا أن " وهو تصحيف.
(10) هو عويمر العجلاني بن أبي أبيض العجلاني وقال الطبراني هو عويمر بن الحرث بن زيد بن جابر بن الجد بن
العجلاني وأبيض لقب لاحد ابائه ويؤيد ذلك ما ورد في الموطأ مما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث سهل بن
سعد.
راجع ترجمته في الإصابة 5 / 45.
(11) في ح " عن " وفي أحكام القرآن للجصاص " على " 3 / 351.
(12) روى ذلك عن ابن مسعود في الرجل قال - وهو عويمر العجلاني -: " أرأيتم لو أن رجلا وجد مع امرأته
رجلا فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ ".
راجع في ذلك أحكام القرآن 3 / 351 والإصابة 5 / 45 وفت البيان 6 / 326
(13) لفظ د " ونسخ ".
(14) في ح " ليس ".
(15) لفظ ح " يمنع ".
384

المسميات وهذا (1) لا يخالف فيه (2) إلا من جوز تأخير بيان العموم الذي يمكن استعماله في
مقتضى لفظه وإن كان قائله ليس ممن يعتد به (3) لجهله بما (4) يجوز على الله تعالى مما لا
يجوز
وأما إذا تقدم لفظ الخصوص واستقر حكمه ثم ورد (5) العموم بضد موجب حكم
الخصوص فإن (6) ذلك عندنا يوجب نسخ ما تضمنه لفظ الخصوص من الحكم (7) متى لم تقم
دلالة من غيره على أن العموم مرتب على الخصوص (8) وكذا (9) كان يحكي شيخنا ان
(10) مذهب أصحابنا ومسائلهم تدل عليه
وقد جعل أبو حنيفة قوله تعالى غير منا بعد وإما فداء (11) منسوخا بقوله تعالى
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (12) لأنه نزل بعده
وقال مخالفنا بترتيب العموم وبنائه على الخصوص
الدليل على صحة قولنا أن العموم حكمه فيما تضمنه لفظه وهو فيما وصفنا موجب
لنفي الحكم الخصوص المتقدم له لأنه اسم له ولغيره مما اشتمل عليه لفظه فكأنه ذكر ما
تضمنه لفظ الخصوص وذر غيره معه لا ينفي ان (13) يكون ما قابل (14) الخصوص منه
مذكورا موجبا للحكم بخلاف حكم الخصوص
نظير ذلك قوله تعالى عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد

(1) في ح " لهذا ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح ".
(3)
لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في ح " فيما ".
(5) لفظ ح " أراد " وهو تصحيف.
(6) لفظ ح " فكان ".
(7) أي بنسخ العام الخاص فيما تعارض فيه فقط.
(8) وهذا الذي ذكره الجصاص هو رأي الحنفية ومعهم إمام الحرمين - كما سبق - إلا أن التقييد بقوله " متى لم تقم
دلالة من غيره على أن العموم مرتب على الخصوص " لم تقيد به كتب أصول غير الحنفية، وهو قيد دقيق لما
سينبنى عليه من أمور سيذكرها الجصاص ونذكرها، فتنبه.
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) الآية 4 من سورة محمد.
(12) الآية 5 من سورة التوبة.
(13) عبارة ح، وذكر معه غيره لا أن.
(14) عبارة ح " من قائل " وهو تحريف وفي د " ما قايل ".
385

عن سبيل الله (1) (2) وقوله تعالى تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام (3) فاقتضى ذلك
النهي عن القتال في الشهر وهو خاص فيما ورد فيه ثم قال بعد ذلك انسلخ الأشهر
الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (4) وكان في هذه الآية الامر بقتل المشركين عامة من
غير تخصيص وقت من وقت فأوجبت (5) نسخ القتال في الشهر (6) الحرام لاشتمال اللفظ على
قتلهم عامة من غير تخصيص منه فيه للشهر الحرام فلو لم يذكر في هذه الآية إلا الأمر بالقتال
في الشهر الحرام لكان ما ذكره من حظره فيه منسوخا به
فإذا وردت (7) الإباحة بعموم لفظ تناول إباحته للشهر الحرام وفي غيره (8) لم يجز لنا أن
نجعله مرتبا على الخصوص بل واجب أن يكون قاضيا عليه ناسخا له (9) كما ينسخه لو
اباحه منفردا بذكره دون غيره
وأيضا فمن حيث كان ورود الخصوص بعد استقرار حكم العموم ناسخا لما قابله
منه وجب أن يكون العموم الوارد بعد استقرار الخصوص ناسخا له
فإن قال قائل إنما يسوغ اعتبار العموم فيما ذكرت إذا لم يتقدمه (10) لفظ خصوص
بخلاف حكمه

(1) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(2) الآية 217 من سورة البقرة.
(3) الآية 2 من سورة المائدة.
(4) الآية 5 من سورة التوبة.
(5) لفظ د " فأوجب ".
(6) قال هبة الله: قوله تعالى: " يا أيه الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " إلى قوله " ولا الهدي ولا القلائد " هذا محكم،
والمنسوخ قوله تعالى " ولا آمين البيت الحرام " إلى قوله " رضوانا " هذا منسوخ وباقي الآية محكم نسخ المنسوخ
منها بآية السيف.
الناسخ والمنسوخ 40
وقال ابن حزم في قوله تعالى " لا تحلوا شعائر الله " إلى قوله " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " نسخة بآية
السيف.
الناسخ والمنسوخ 334.
وقال ابن حزم قوله تعالى " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه؟ قال: قتال فيه كبير " الآية منسوخة وناسخها قوله
تعالى " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ". الناسخ والمنسوخ 323.
وكذلك ذكر هبة الله بن سلام بن ان ساق سباب النزول. الناسخ والمنسوخ 20.
(7) لفظ ح " ورد ".
(8) في ح زياد " في د.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) لفظ د " يتقدم ".
386

فأما إذا كان الخصوص متقدما فالواجب أن يكون العموم مبنيا به عليه
قيل له ولم قلت ذلك
الان (1) ما ور بلفظ الخصوص لا يجوز نسخه بعد ثوب حكمه فان قال نعم
قيل له انما (2) الكلام بيننا وبنيك (3) فيما يجوز نسخه لو أفرد به فقلنا لا فرق بين
إفراده بلفظ خاص لا يزيد عليه فيما تضمنه من الحكم يوجب نسخه وبين وجوب نسخه
وبين وجوب نسخه بلفظ عموم يشتمل عليه وعلى غيره
وإذ جاز نسخه فما الذي يمنع اعتبار العموم الوارد بعده بإيجاب نسخه وما
الفرق (4) بين أن يرد بعد الخصوص لفظ يقابل الخصوص لا يزيد عليه بخلاف حكمه
وبين أن يرد لفظ عموم ينتظم الخصوص (5) وغيره
ولا خلاف بيننا أنه لو اختص (6) في الحكم الثاني على مقدار ما يقابل الخصوص
المتقدم كان ناسخا له (7) فهلا لزمت هذا الاعتبار في إيجابه ثم نسخه إذا ذكر ما يتناول (8) لفظ
الحكم المتقدم ويزيد (9) عليه
فإن قال لأن الحكم الخاص متيقن بثبوته ونسخه بالعام غير متيقن إذ جائز أن
يكون العام مبنيا عليه فلم يجز نسخه بالشك
قيل له ما (10) معنى قولك ان الحكم الخاص متيقن ثبوته أعنيت رسول به أن كان متيقنا
قبل ورود العام الموجب للحكم بخلافه أو أردت أنه متيقن بعد ورود العام
فإن قال (11) أردت أنه كان متيقنا قبل ورود اللفظ العام
قيل له فهذا ما لا (12) يخالف فيه وليس هو موضوع المنازعة فما الدلالة منه على

(1) في ح " لان " وهو تصحيف.
(2) في د " فإنما ".
(3) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(4) في ح " الذي " وهو تحريف.
(5) في د زيادة " لفظ يقابل الخصوص " وهذا متقحم من الناسخ.
(6) لفظ د " اقتصر ".
(7) في ح " لها ".
(8) في ح زيادة " نسخة ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) في ح زيادة " قائل ".
(12) سقطت هذه الزيادة من ح.
387

انتفاء نسخه بالعموم الوارد بعده
فإن قال إنما أردت أنه متيقن بعد ورود العموم
قيل له ولم قلت ذلك وهو موضع الخلاف بيننا وبينك فكأنك إنما ذكرت صورة
المسألة التي منها الخلاف وجعلتها دلالة على نفسها
فإن قال لما كان الحكم الأول متيقنا وجب البقاء على ما كنا عليه حتى يثبت زواله
قيل له ومن أين وجب ما قلت والأول إنما كان متيقنا متفقا (1) على ثبوته قبل
ورود لفظ العموم بخلاف حكمه فما الدلالة من هذا الأصل على بقاء حكمه بعد ورود لفظ
العموم بخلافه فلا يرجع به (2) عليه (3) إذا حققت عليه المطالبة إلا إلى دعوى عارية من
البرهان
ثم يقال له (4) ما أنكرت أن الحكم بما اشتمل عليه لفظ العموم لما كان متيقنا
ألا (5) يخص منه شئ بما تقدم لفظ الخصوص بالشك
فإن قال لا يكون موجب حكم العموم متيقنا مع تقدم لفظ الخصوص
قيل له ولا يكون بقاء حكم الخصوص متيقنا (7) مع ورود لفظ العموم الموجب
للحكم بخلافه
فإن قال لأن الخصوص مع العموم بمنزلة الاستثناء مع الجملة
قيل له ولم قلت ذلك والاستثناء لابد من أن يكون متصلا بالجملة ثابت الحكم معه
فما الدليل على بقاء حكم الخصوص بعد ورود العموم بخلافه حتى يجعله منزلة
الاستثناء
فإن قال لأن في بناء العام على الخاص استعمال اللفظين جميعا وفي إثبات النسخ
إسقاط أحدهما واستعمالها جميعا أولى من إسقاط أحدهما بالآخر

(1) لفظ ح هنا لا يقرأ لعدم وضوحه.
(2) في د " فيه ".
(3) لم ترد هذه الزياد في د.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) في د " أن لا ".
(6) في ح " مما ".
(7) لفظ ح " منتفيا ".
388

قيل له وفي بناء العموم عليه اسقاط حكم العموم (1) فيما قابل الخصوص منه فلم
جعلت إسقاط ذلك أولى من اسقاط حكم الخصوص المتقدم له (2)
ومعلوم (3) أن استعمال حكم العموم فيما لم يقابل الخصوص عنه غير متعلق باستعمال
الخصوص
وإنما يجب أن يعتبر الاستعمال فيما (4) تعارض فيه لفظ الخصوص والعموم فلا معنى
لقولك أن استعمالهما أولى من الاقتصار به على أحدهما لأنك (5) لم تستعمل مما قابل (6)
الخصوص من لفظ العموم شيئا قط (7) فصار ما قابل العموم من لفظ الخصوص
كخبرين (8) متضادين أحدهما متأخر عن الآخر فيجب استعمال الآخر منهما ويكون الأول
منسوخا به وكل ما اعتل به خصمنا فيه لإثبات (9) الخصوص عورض به بمثله في إثبات ما
قابله (10) من العموم ثم يكون لقولنا مزية في إثبات حكم العموم ليست له في إثبات
الخصوص (11) وهي وروده بعده وإلا يقتضي (12) على الأول وينسخه والأول لا (13)
يقضي على الآخر فصار العموم أولى
ومن جهة أخرى إن بناء العام على الخاص ينقل لفظ العموم عن حقيقته إلى المجاز
ويجعل وقوع العلم بموجبه فيما عدا الخصوص من طريق الاجتهاد بعد أن كان موجبا للعلم
بمقتضاه (14) وما اشتمل عليه لفظه وفي وجوب حمل لفظ العموم على الحقيقة وامتناع صرفه

(1) لفظ ح " الخصوص له " وهو تحريف.
(2) ما بين القوسين سقاط من ح.
(3) لفظ ح " معلم ".
(4) عبارة " باستعمال ما "
(5) لفظ ح " بأنك ".
(6) لفظ د " يقابل ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لفظ ح " لخبرين ".
(9) عبارة ح " في إثبات ".
(10) لفظ ح " قبله " ولفظ د " قابله " وما أثبناه هو الصحيح.
(11) في ح زيادة " العموم ".
(12) لفظ ح " ينقض وهو تصحيف.
(13) سقطت هذه الزيادة من ح وهو تحريف.
(14) عبارة ح " العلم مقتضاه ".
389

إلى المجاز ما يوجب أن يكون ناسخا للخصوص المتقدم (1)
فإن قال قائل لما احتمل العام أن يكون مبنيا على الخاص ولم يحتمل الخاص أن
يكون مبنيا على العام وجب حمل ما فيه احتمال على مالا احتمال فيه
قيل له ان (2) قولك إن العام يحتمل أن يكون مبنيا على الخصاص غلط لأن العموم
حكمه فلا (3) احتمال فيه لغيره وإنما يطلق الاحتمال في اللفظ الذي يصلح لأحد شيئين
ويحتمل كل واحد منهما ولا يجوز أن يرادا به جميعا مثل القرء المحتمل للحيض والطهر
العموم فمنتظم ولا لجميع ما اشتمل (4) عليه من مسميات فلا احتمال فيه لغيره
وإذا كان ذلك كذلك فالعموم غير (5) محتمل لكونه مبنيا على الخصوص كما قلت إن
الخصوص غير محتمل لكونه مبنيا على العموم فقد استويا في هذا الوجه من باب الاحتمال
وانفصلنا نحن منكم بورود العموم بعد الخصوص وكونه ناسخا له على ما بينا
وذكر بعض من احتج على عيسى بن أبان في هذا الباب ألفاظا من العموم مبنية على
الخصوص رام بها دفع هذه المقالة فمنها ما فساده أظهر من أن يحتاج إلى كشفه ومنها ما هو
ظاهر من بناء العام على الخاص وجميع ما ذكره وأطال القول فيه يسقط بحرف واحد نحن
نذكره ثم نشرع في بيان خطئه في كل شئ أتى به على حياله وتوضيح أن أكثره موضوع في
غير موضعه فنقول
إن جميع ما ذكره هذا الرجل (6) لو سلم (7) له (8) على حسب ما ادعاه لم يكن
فيه (9) دلالة على موضع الخلاف بيننا لأنا لا ننكر (10) بناء العام على الخاص فنستعملها

(1) في د زيادة " له ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) في د " ولا ".
(4) لفظ د " يشتمل ".
(5) في ح " عنه ".
(6) لم اقف على اسم هذا الرجل وكل ما أشار له الجصاص أنه شخص غير الشافعي وذلك لأنه قال - كما سيأتي -
" على أن صاحبه قد خالف هذا الأصل الذي رام هذا الرجل نصرته بما هو أبعد من نسخ الخاص بالعام، وذلك
لان الشافعي رحمه الله قال.... ".
(7) لفظ ح " يسلم ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) عبارة ح " إلا مالا ننكر ".
390

في حال إذا قامت دلالته ونقضي بالعام على الخاص (1) في حال أخرى فنوجب نسخه
به (2) فلا دلالة له فيما ذكره على موضع الخلاف وإنما كان يلزمنا ما ذكر لو قلنا إنه
لا يجوز بناء العام على الخاص بحال (3) فهذا يسقط جميع ما ذكره إلا أنا مع ذلك لا ندع
الإبانة عن خطئه فما أورده
فمما ذكره هذا الرجل قوله تعالى من ثمره إذا أثمر (4) قال فهذا عام وقوله تعالى
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (5) وهذا خاص قضى على العام فيقال له هذا ما لا
يعترض على موضع الخلاف لأنا إنما قلنا نقضي بالعام على الخاص إذا ورد بعد استقرار
حكم الخاص وأما إذا لم نعلم تاريخهما فإنا قد نبني العام على الخاص إذا قامت
دلالته (6)
وأيضا فإن في سياق الآية ما يوجب خصوصها وهو قوله تعالى ولا تسرفوا (7) وأكل
المال بالباطل من الإسراف فلا يحتاج إلى تخصيصها بغيرها
وذكر أيضا قوله تعالى أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح (8)
قال (9) فلم يدل ذلك على جواز عفو (10) المحجور عليه
قال أبو بكر
ونسي أن المحجور عليه ليس بيده عقدة النكاح
وعلى أنه لو كان فيها تخصيص كان بدلالة

(1) في ح زيادة وفنستعملها ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) سقطت هذه الزيادة من د.
(4) الآية 141 من سورة الأنعام.
(5) الآية 188 من سورة البقر.
(6) سقطت هذه الزيادة من ح.
(7) الآية 31 من سورة الأعراف.
(8) الآية 237 من سورة البقرة.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) لفظ ح " عقد " وهو تصحيف.
391

وذكر قوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (1) وأنه لم
ينسخه (2) قوله لا صلاة إلا بطهور (3) وليس هذا مما نحن فيه في شئ لأن الصلاة اسم
شرعي موقوف المعنى على الدلالة فقوله (4) فليصلها إذا ذكرها (5) معناه ما تكون صلاة في
الشرع ومن فعلها بغير طهور لم يكن مصليا وقوله عليه السلام لا يقبل الله صلاة بغير
طهور (6) بيان أن الصلاة ما هي الا تخصيص فيه (7)
وأيضا فإن قوله فليصلها حدثنا إذا ذكرها أمر بقضاء الفائتة (8) والفائتة إنما كانت صلاة
بطهارة ولم تكن صلاة قبل فواتها إلا بهذا الوصف كما لم تكن صلاة الا بركوع وسجود وسائر
شرائطها فإنما أمر بقضاء الفائتة (9) على الوصف الذي حصل عليه الفوات فأي (10) تخصيص
في ذلك إذ جمعنا إلى ذلك شرط الطهارة (11) في الصلاة

(1) أخرج البخاري عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نسي صلاة فيصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا
ذلك " " وأقم الصلاة لذكري " فتح الباري كتاب المواقيت باب 37 (2 / 70).
وعند مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "
قال قتادة " وأقم الصلاة لذكري " صحيح مسلم كتاب المساجد، الأحاديث 309، 314 (د / 193) وروي
بألفاظ مختلفة متقاربة فراجعها في عون المعبود كتاب الصلاة باب 10 ح‍ 2 الأحاديث 431، 433، 438،
والنسائي كأب المواقيت باب 52 و 53 و 54 (1 / 293، 295) وابن ماجة كتاب الصلاة باب 10 / (1 695)
والموطأ كتاب مواقيت الصلاة الأحاديث 25، 26 (2 / 34، 35) والدارمي كتاب الصلاة باب 26 (1 / 280).
(2) لفظ ح " ينسخها ". (3) ورد الحديث في الصحاح بلفظ " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " وهو النص الذي سيذكره الجصاص بعد هذا
الحديث.
ولفظ البخاري عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ " قال رجل من
حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة قال: فساء أو ضراط، فتح الباري كتاب الوضوء باب 2 / (1 / 234) ولفظ أبي
داود عن أبي المليح عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور بغير طهور " عون المعبود
كتاب الطهارة باب 31 ح‍ 1.
وعند الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور " تحفة الأحوذي كتاب الطهارة باب 103
ح‍ 1.
(4) لفظ ح " كقوله ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في.
(6) راجع تخريج الحديث السابق.
(7) لم ترد الزيادة في ح.
(8) عبارة ح الثانية والثانية.
(9) لفظ ح " الثانية ".
(10) في ح " فأني ".
(11) لفظ ح " طهارة ".
392

قال هذا الرجل
والذهاب عن هذه الجملة خاصمت قريش النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى مع وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون (1) (2) حتى ورد الذين سبقت لهم
منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (3) وهذا أبعد من الأول في جهة الدلالة منه على موضع
الخلاف
وذلك أن قوله تعالى تعبدون من دون الله (4) لم يتناول قط غير الأصنام التي
عبدت من دون الله لأن ما في اللغة لغير العقلاء ومن للعقلاء فمن اعترض عليه (5)
بعبادة المسيح والملائكة صلوات الله عليهم فقد تعسف وذهب عن (6) معنى (7) الآية
وقد علمت قريش أن هذا (8) اللفظ لم يناول غير الأصنام ولكنها (9) اعترضت بما
ذكرت (10) من عبادة المسيح والملائكة متعنتين له فقال (11) إن كانت هذه الأصنام في النار
لأنها عبدت من دون الله (12) فقد يجب مثل ذلك في الملائكة والمسيح لأنهم عبدوا من دون
الله
ولكنه أخبر بما يفعله بها في الآخرة والله تعالى لم يقل إن الأصنام في النار لأنها عبدت
من دون الله ولكنه أخبر بما يفعله بها في الآخرة (13) تعبير للكفار وإظهارا لتكذيبهم بأنهم
يقربونهم إلى الله زلفى

(1) لم يرد ما بين القوسين في د.
(2) الآية 98 من سورة الأنبياء.
(3) الآية 101 من سورة الأنبياء.
(4) لم يرد ما بين القوسين في ح.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) في ح " إلى ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) في ح " إنما ".
(10) لفظ ح " بمذاكرة " وهو تصحيف.
(11) لفظ ح " فقالت ".
(12) سقطت هذه الزيادة من ح.
(13) سقطت هذه الزيادة من ح.
393

وليس يجب إذا أخبر أنه يجعل الأصنام مع عبدتها في النار أن يكون كذلك حكم
الملائكة والمسيح (1) لأنهم (2) من أنبياء الله تعالى وأوليائه ومن لا يجوز أن يعذبهم (3) في
الآخرة
ثم لم يدعهم وما اعترضوا به حتى أنزل الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها
مبعدون (4) وعلى ان ما سبق من وعد الله تعالى أنبياءه وأولياءه الجنة خبر لا يجوز النسخ
والتبديل في مخبره
وقوله تعالى الذين سبقت لهم منا الحسنى خبر ورد بعده فلا بد له وإن كان
مخرجه مخرج عموم من أن يكون مرتبا عليه كما يكون العموم مرتبا على أحكام العقل التي لا
يجوز فيها النسخ والتبديل
وذلك ضرب من الدلالة على وجوب ترتيب أحدهما على الآخر وقد عقدنا في أصل
المذهب جواز ذلك بدلالة
وأيضا فإن قوله تعالى تعبدون من دون الله (5) (6) لم يرد إلا مرتبا على ما في
العقل من امتناع جواز تعذيب الملائكة والمسيح في الآخرة
وذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب (7) ألم يقل الله تعالى
واستجيبوا لله وللرسول (8) حين دعاه وهو في الصلاة فلم يجبه (9)

(1) عبارة د " المسيح والملائكة.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " يعذبوا ".
(4) الآية 101 من سورة الأنبياء.
(5) ما بين القوسين لم يرد في ح.
(6) الآية 98 من سورة الأنبياء.
(7) هو أبي بن كعب بن بعيد بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بني النجار الأنصاري البخاري سيد القراء،
وكان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد، عده مسروق من الستة من أصحاب الفتيا وأبت
الأقاويل أنه توفي سنة ثلاثين للهجرة.
انظر ترجمته في الإصابة 1 / 61.
(8) الآية 24 من سورة الأنفال.
(9) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال:: يا أبي فالتفت أبي ولم
يجبه " الحديث وفيه " إني كنت في الصلاة فقال: أفلم تجد فيما أوحى الله إلى " استجيبوا لله ولرسول إذا دعاكم "؟
قال: بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى ".
أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
ويروي عن سعيد بن المعلى قال كنت أصلي في المسجد وذكر الحديث وتلك الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم
لاحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر.
وقيل: لو دعي أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته والأول أولى.
انظر فتح الباين 4 / 24 وأحكام لا قرآن لابن العربي 2 / 846 وتفسير الرازي 15 146 ومشكل الآثار
للطحاوي 3 / 2.
394

قال أبو بكر (1)
وهذا عليه دلالة (2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن قوله تعالى وقال لله وللرسول
قاض (3) على النهي عن الكلام في الصلاة والآية عامة والنهي عن الكلام في الصلاة خاص
فأعلمه عليه السلام (4) ان العام قاض على الخاص والإكثار من مثل هذه الاعتراضات
التي ذكرها هذا الرجل إنما يطول بها (5) الكتاب من غير (6) تحصيل ولا فائدة
لان النكتة (7) التي عليها مدار الباب ان العام قد بني على الخاص بدلالة وقد يقضي
عليه إذا لم تقم دلالة الترتيب (8) وكل (9) موضع بنى فيه العام على الخاص فلم يخل من
دلالة أوجبته
وذكر غيره في نحو هذا قوله تعالى تنكحوا المشركات حتى يؤمن (10) (11) وقوله
تعالى ومن (12) الذين أوتوا الكتاب (13) وليس في ذلك ترتيب عام على خاص لأن قوله
تعالى تنكحوا المشركات حتى يؤمن (14) لم يتناول الكتابيات عندنا (15) لما بيناه فيما

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) في د " لاله " وهو سهو من الناسخ.
(3) لفظ د " قاضيا ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) في ح " به ".
(6) في ح " بغير ".
(7) النكتة: مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر، من نكت رمحه في الأرض إذا أثر فهيا، وسميت المسألة
الدقيقة نكتة لتأثير الخواطر في استنباطها، انظر تعريفات الجرجاني 128 ودستور العلماء 3 / 418 وصحاح
الجوهري 1 / 126.
(8) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(9) في د " فكل ".
(10) لم يرد ما بين القوسين في د.
(11) الآية 221 من سورة البقرة.
(12) في د " من ".
(13) الآية 101 من سورة البقرة و 100 من سورة آل عمران و 5 و 57 من سورة المائدة 292 من سورة التوبة.
(14) لم يرد ما بين القوسين في د.
(15) في ح " فيما ".
395

سلف من أن إطلاق اسم المشرك يتناول عبدة الأوثان وعلى أنه لو كان عموما لم يعترض
على ما ذكرنا من وجهين
أحدهما أنا إنما قلنا إن العام ينسخ الخاص إذا ورد بعد استقرار حكمه وليس عندنا
علم ذلك في هاتين
والثاني أنا إنما رتبنا العام عليه لاتفاق السلف عليه إذا لم يعلم تاريخ نزولهما (1)
ونظائر ذلك كثير في الكتاب والسنة نحو قوله تعالى ما طاب لكم (2) وقوله
تعالى عليكم أمهاتكم (3) إلى آخره وقوله تعالى حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم (4) وقوله تعالى فاعتزلوا (5) النساء في المحيض (6)
وكل (7) ذلك إنما وجب فيه الترتيب لدلائل أوجبته واعتراض (8) مخالفنا علينا (9)
بمثل ذلك كاعتراض نفاة العموم بالآي التي ظواهرها (10) العموم والمراد بها الخصوص
واستدلالهم بها على نفي القول بالعموم فقلنا لهم إن الأصل العموم وصرنا إلى الخصوص
بدلالة كما أن الأصل في الكلمة الحقيقية ولا تصرف (11) إلى المجاز إلا بدلالة
كذلك نقول فيما قد (12) ذكرنا أنا قد دللنا على صحة المقالة بما وصفنا
وكل موضع أريتمونا (13) قوله فيه الترتيب فإنما (14) رتبناه بدلالة فلا (15) يقدح ذلك في
أصل المقالة كما لا يقدح وجود لفظ (16) مراده الخصوص في (17) أصل القول في العموم

(1) لفظ ح " نزولها ".
(2) الآية 3 من سورة النساء.
(3) الآية 23 من سورة النساء.
(4) الآية 223 من سورة البقرة.
(5) لفظ د " واعتزلوا " وهو خطأ.
(6) الآية 222 من سورة البقرة.
(7) في د " فكل ".
(8) لفظ ح " واعترض " وهو تصحيف.
(9) في ح " عليه ".
(10) لفظ ح " ظاهرها ".
(11) عبارة ح " فلم تنصرف ".
(12) لم ترد هذه الزيادة في د.
(13) في ح بياض مكان هذه الكلمة.
(14) في د " فإنا ".
(15) في د " ولا ".
(16).
لفظ ح " اللفظ ".
(17) لفظ ح " بأصل ".
396

قال أبو بكر
وقد وجدنا في القرآن والسنة عموما قضى على الخصوص نحو قوله تعالى يسألونك
عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير (1) إلى آخرها (2) وقوله تعالى فإذا (3) انسلخ
الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين (4) عموم نسخ به حظر القتال في الشهر الحرام ان كان
بعض السلف قد خالفنا فيه جميعا وزعم أن النهي له عن القتال في الشهر الحرام ثابت غير
منسوخ وهو مذهب عطاء بن رباح (5)
وقد ذكر عيسى بن أبان في نحو ذلك أشياء منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث عام
نسخ به الوصية للوالدين والأقربين وقوله وإن لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج (6)
وجميع ذلك خاص نسخه العام
قال أبو بكر
قوله من بعد وصية يوصى بها أو دين (7) يوجب نسخ ذلك أيضا لأن قوله تعالى
من بعد وصية اقتضى وصية منكورة لمن كانت من الناس وجعل باقي المال بعد الوصية
للورثة وقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية للوالدين
والأقربين (8) وقوله وإن لأزواجهم ذلك اقتضى وجوب الوصية لهم وهو خاص نسخه قوله
تعالى بعد وصية يوصي بها أو دين وهو عام (9) لأنه اقتضى جواز وصية لمن كان من

(1) الآية 217 من سورة البقرة.
(2) في د " آخره ".
(3) في د " وإذا " وهو خطأ.
(4) الآية 5 من سورة التوبة.
(5) هو: عطاء بن أسلم بن صفوان، تابعي من أجلاء الفقهاء، كان عبد أسود ولد في جند " باليمن " ونشأ بمكة
فكان مفتي أهلها ومحدثهم وتوفي فيها. انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1 / 92 والتهذيب 7 / 199 وصفة الصفوة
2 / 119 وميزان الاعتدال 2 / 197 وحلية الأولياء 3 / 310 والوفيات 1 / 318 وفيه أنه توفي في سنة 115 وقيل
114 ونكت الهميان 199 وفيه انه توفى 114 على الصحيح.
انظر الاعلام 5 / 29.
(6) الآية 240 من سورة البقرة.
(7) الآية 11 و 12 من سورة النساء.
(8) الآية 18 من سورة البقرة.
(7) الآية 11 و 12 من سورة النساء.
(8) الآية 180 من سورة البقرة.
(9) قال ابن حزم قوله تعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " هذه
الآية منسوخة وناسخها قوله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " انظر الناسخ والمنسوخ
3210 وقال هبة الله قوله تعالى " كتب عليكم إذا حضر.. " نسخت بالكتاب والسنة بقوله تعالى " يوصيكم الله
في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وقال جماعة الآية كلها محكمة، انظر
الناسخ والمنسوخ 16 لهبة الله.
397

الناس ويجعل الباقي للورثة فلا يبقى للوالدين والأقربين ولا للزوجة (1) وصية فقد دل
هذا (2) على أن هذه الآية قد اقتضت نسخ إيجاب الوصية للوالدين والأقربين
قال عيسى بن أبان وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع المستعيرة (3) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه (4)
قال لا قطع على حائز (5) فقضى بذلك على الخاص وقامر محمد أبو بكر رضي الله عنه
المشركين حين نزلت آية غلبت الروم (6) ثم نسخها عموم تحريم القمار
قال وتحريم الربا مجمل نسخ كل ربا كان من قرض أو بيع أو غيره
قال أبو بكر
ويدل على أن العام يقضي على الخاص إذا ورد بعده قول أم سلمة (7) للنبي صلى الله عليه وسلم
حين صلى في بيتها ركعتين بعد العصر ما هاتان الركعتان وقد كنت نهيت عنهما فقال
ركعتان كنت أصليها فشغلني عنهما الوفد (8) ولم يقل لها ان اعتبارك هذا لا يجوز (9) بل
بين لها جهة الخصوص وروي أنها قالت أو نقضيهما (10) إذا فاتتا قال لا فيقال لهذا
الرجل إذا كنت قد وجدت عاما قضى على خاص ونسخه وعاما مرتبا على خاص (12) فلم
جعلت ما وجدت من نسخ (11) فيهما قاضيا بوجوب الترتيب في كل حال دون أن تجعل ما
وجدت من نسخ الخاص بالعام موجبا لكون الخاص منسوخا بالعام أبدا حتى تقوم دلالة
الترتيب فلا يمكنه الانفصال من ذلك إذ كان أكثر حجاجه في الباب الاقتصار على ما

(1) لفظ د " الزوجة.
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) راجع بدائع الصنائع 9 / 4265.
(4) لمت رد هذه الزيادة في ح.
(5) راجع بدائع الصناع 9 2435.
(6) الآية 1 و 2 من سورة الروم.
(7) هي هند بنت أبي أمية، وأمه عاتكة بنت عامر تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت سنة تسع وخمسين فصلى عليه
أبو هريرة بالبقيع وكان لها من العمر أربع وثمانون سنة. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 8 / 96 ط / دار صادر
سنة 1958 م.
(8) أخرج البخاري عن كريب عن أم سلمة " صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين وقال: شغلني ناس من عبد القيس
عن الركعتين بعد الظهر ". فتح الباري كتاب المواقيت باب 33 (2 / 63).
(9) لفظ د " حظا ".
(10) لفظ ح " فتقضيهما ".
(11) ما بين القوسين ساقط من ح.
(12) لفظ ح " الترتيب ".
398

وجد (1) من الترتيب والاستدلال به (2) على وجوب (3) اعتباره في كل حال وعلى أن
صاحبه قد خالف هذا الأصل الذي رام هذا الرجل نصرته (4) بما هو أبعد من نسخ الخاص
بالعام (5)
وذلك لأن (6) الشافعي رحمه الله قال في قوله تعالى ذوي عدل منكم (7)
أنه ناسخ لقوله تعالى في ذكر الوصية ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم (9)
ومعلوم أن قوله تعالى ذوي عدل منكم (8) خاص ورد في شأن الرجعة
وقوله تعالى آخران من غيركم خاص أيضا في شأن الوصية في السفر فكيف
تعترض إحدى الآيتين وكل واحدة منهما واردة في غير ما وردت فيه الأخرى وهذا أبعد من
نسخ الخاص بالعام (10) وإنما يصح الاحتجاج في مثل هذا بقوله تعالى أيها الذين آمنوا إذا

(1) لفظ ح " وجدت " وهو تصحيف.
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ د " وجود ".
(4) لفظ ح " يبهونه " وهو تصحيف.
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) في ح " أن ".
(7) الآية 2 من سورة الطلاق.
(8) الآية 106 من سورة المائدة.
(9) ما بين القوسين ساقط من د.
وهو يريد بذلك قول الشافعي في " أحكام القرآن " فإن قال قائل: فإن الله عز وجل يقول " حين الوصية اثنان
ذوا عدل منكم، أو آخران من غيركم " قال الشافعي: وقد سمعت من يذكر أنها منسوخة بقول الله عز وجل
" وأشهدوا ذوي عدل منكم " والله. 2 / 146 بتحقيق شيخنا عبد الغني عبد الخالق.
(10) وقد بين ذلك ابن حزم وهبة الله بن سلام في كتابيهما في الناسخ والمنسوخ، والشافعي في أحكام القرآن.
قال ابن حزم قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت.. " إلى آخر الآية. أجاز الله
تعالى شهادة الذميين على صفة في السفر، ثم نسخ ذلك بقوله " واشهدوا ذوي عدل منكم " وبطلت شهادة أهل
الذمة في السفر والحضر.
الناسخ والمنسوخ لابن حزم 236.
وقال هبة الله بن سلام: قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم " إلى قوله " ذوا عدل منكم " هذا محكم،
والمنسوخ: أو آخران من غيركم " كان في أول الاسلام تقبل شهادة اليهود والنصارى سفرا ولا تقبل في الحضر
وذلك أن تميما الداري وعدي بن زيد الأنصاريين أرادا أن يركبا البحر فقال لهما أهل مكة إنا نخرج معكما مولى
لنا نعطيه بضاعة وهم آل العاص وبضعوه بضاعة وأخرجوه معهما فعمدا إلى ما معه فأخذاه منه وقتلاه، فلما رجعا
إليهم قالوا لهما: مولانا ما فعل؟ قالوا: مات، قالوا: فما كان من ماله؟ قالوا ذهب، فخاصموهما إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية " أو آخران من غيركم " إلى آخر الآية، ثم صار ذلك
منسوخا بقوله " واشهدوا ذوي عدل منكم " فصارت شهادة الذميين ممنوعة في السفر والحضر.
الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلام 43.
وقال الشافعي: فإن قال قائل: فإن الله عز وجل يقول: حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم، أو آخران من
غيركم " قال الشافعي: فقد سمعت من يتأول هذه الآية على: من غير قبيلتكم من المسلمين، والتنزيل - والله
أعلم - يدل على ذلك، لقوله تعالى " تحبسونهما من بعد الصلاة، والصلاة المؤقتة للمسلمين، ولقول الله تعالى
" فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا، ولو كان ذا قربى " وانما القرابة بين المسلمين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم
من العرب أو بينهم وبين أهل الأوثان لا بينهم وبين أهل الذمة. وقول الله " ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن
الآثمين " فإنما يتأثم من كتمان الشهادة للمسلمين المسلمون لا أهل الذمة. أحكام القرآن للشافعي - بتحقيق
شيخنا عبد الغني عبد الخالق - 2 / 144.
399

تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه (1) إلى قوله تعالى كان الذي عليه الحق سفيها
أو ضعيفا (2) إلى قوله واستشهدوا (3) شهيدين من رجالكم (4) وقوله تعالى ترضون
من الشهداء (5) وقد يكون حين الوصية عقود المداينات وإملاء الحق الذي على المدين
وهذه الآية منتظمة لحال الوصية وغيرها فصارت ناسخة لقبول (6) شهادة أهل الكفر في
الوصية لأن الوصية قد تشتمل على ذكر الدين
وإذا ثبت (7) بهذه الآية بطلان شهادة أهل الكفر على إملاء الحق على وجه
الوصية يثبت بطلانها في سائر وجوه الوصايا لن أحدا لم يفرق بينهما فهذا عام قد نسخ عند
عامة الفقهاء حكما خاصا في شأن الوصية
وإن كان بعض الناس يرى حكم الآية ثابتا في جواز شهادة أهل الكفر على وصية
المسلم في السفر وهو مذهب أبي موسى الأشعري (8) في آخرين من التابعين كمجاهد (9)

(1) الآية 282 من سورة البقرة.
(2) الآية 282 من سورة البقرة.
(3) في النسختين " فاستشهدوا " وهو خطأ.
(4) الآية 282 من سورة البقرة.
(5) الآية 282 من سورة البقرة.
(6) لفظ ح " كقبول " وهو تصحيف.
(7) عبارة ح " وانه يثبت ".
(8) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب أبو موسى من بني الأشعر من قحطان، صحابي من الشجعان
الولاة الفاتحين، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين. ولد في زبيد (باليمن) وقدم
مكة فأسلم وهاجر إلى الحبشة واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن وولاه عمر بن الخطاب البصرة وافتتح
أصبهان والأهواز وأصبح واليا على الكوفة وتوفي بها سنة 44 هجرية وكان مولده 21 قبل الهجرة وله في
الصحيحين 355 حديثا.
انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 4 / 79 والإصابة 4 / 118 وغاية النهاية 1 442 وصفة الصفوة 1 / 225 وحلية
الأولياء 1 / 256.
انظر الاعلام 4 / 254.
(9) هو مجاهد بن حجر أبو الحجاج المكي مولى بني مخزوم تابعي مفسر من أهل مكة، قال الذهبي: شيخ القراء
والمفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس قراءة عليه ثلاث مرات، أما كتابه في التفسير فيتقيه المفسرون، وسئل
الأعمس عن ذلك فقال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب. ويقال إنه مات سنة 104 وهو ساجد وكان مولده
سنة 21 هجرية. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء - مخطوط - المجلد الرابع وطبقات الا فقهاء 45 وإرشاد
الأريب 6 / 242 وغاية النهاية 2 / 41 وصفة الصفوة 2 / 117 وميزان الاعتدال 3 / 9 وحلية الأولياء 3 / 279
وقيل في وفاته سنة 100 و 102 وفي الجمع بين الصحيحين انه مات سنة 103 وهو ابن 83 بمكة. انظر الاعلام
6 / 161.
400

وعبيدة السلماني (1) وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب (2) وجعل الشافعي قول النبي صلى الله عليه وسلم
لأنيس واغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها (3) قاضيا على قصة ماعز في اعتبار
الاقرار أربع مرات فقصة (4) ماعز خاصة مفسرة وقصة أنيس عامة هذا مع احتمال لفظه
لموافقة قصة ماعز لأن ما دون الأربع مرات من الإقرار (5) يجوز أن لا يكون اعترافا في
بالحكم ومع احتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر في تركه عدد (6) الاقرار على علم أنيس بأن
الاعتراف الموجب للرجم هو الاقرار أربع مرات

(1) هو عبيدة بن عمرو السلماني المرادي الكوفي الفقيه العالم، كاد أن يكون صحابيا، أسلم زمن فتح مكة باليمن
واخذ عن ابن مسعود وعلي وروي عنه ابن سيرين والشعبي والنخعي وغيرهم مات سنة 72 ه‍ انظر تذكرة
الحفاظ 1 / 50 ط / احياء التراث وأدب القاضي 1 / 951.
(2) وأضاف شيخنا عبد الغني: وممن قال بجواز شهادة أهل الكفر ابن عباس وعبد الله بن قيس وشريح وابن جبير
والثوري وأبو عبيد والأوزاعي وأحمد - انظر الناسخ والمنسوخ 131 - 132 والسنن الكبرى 165 - 166 والفتح
لفائدته في شرح المذاهب كلها، هذا على ما في هامش أحكام القرآن للشافعي بتحقيق شيخنا عبد الغني
عبد الخالق 2 / 147.
(3) الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا " إن رجلا من
الاعراب أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الاخر - وهو
أفقه منه - نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قل: قال " إن ابني كان عسيفا على هذا
فزنى بامرأته وإني أخبرت ان على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني انما
على ابني جلد مائة وتغريب عام، وان على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين
بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، أغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن
اعترفت فارجمها، قال، فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت ".
فتح الباري كتاب الشروط باب 9 (5 / 423) وكتاب الصالح باب 1 ح 3 وكتاب الاحكام باب 39 ح 13
وباب 30 و 46 ح 12 وكتاب الآحاد باب 1 / ح 13 وكتاب الايمان باب 3 ح 5 وكتاب الحدود باب 30 و 46
ح 12 وأخرجه مسلم كتاب الحدود حديث 25 ح 11 وتحفة الأحوذي كتاب الحدود باب 5 و 8 ح 4 والنسائي
كتاب القضاة باب 22 ح 8 وابن ماجة كتاب الحدود باب 7 ح 2 والدارمي كتاب الحدود باب 12 ح 2
والموطأ كتاب الحدود باب 6 ح 5 وأحمد 4 / 115، 116، وأحكام القرآن للشافعي بتحقيق شيخنا عبد الغني
عبد الخالق 1 / 304 وما بعدها.
(4) لفظ د " وقصة ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) في ح " عند ".
401

وقال الشافعي الوضوء مما مست النار منسوخ بأكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا ولحما ولم (1) يتوضأ (2)
فنسخ العام بالخاص لأن الوضوء مما مست النار عموم في الخبر واللحم وغيرهما وتركه (3)
الوضوء من الخبز واللحم خصوص في هاتين (4) الصفتين ممن ينسخ العام بالخاص مع
امتناع (5) وقوع النسخ في مثله بنفس اللفظ غير جائز له الامتناع من إيجاب نسخ الخاص
بالعام المشتمل عليه وعلى غيره
وإن قال قائل قد أوجبتهم أنتم نسخ الوضوء مما مست النار بتركه الوضوء من الخبز
واللحم
قيل له ليس الأمر فيه على ما ظننت وذلك أن لنا أصلا في قبول الاخبار وشرائط
نعتبرها فيه متى خرج الخبر عنها لم نقبله وهو أن ما كان بالناس إلى معرفته حاجة عامة فغير
جائز وروده من جهة الآحاد
فلما كانت الحاجة إلى معرفة الوضوء مما مست النار عامة ولم يرد إيجاب الوضوء منه
الا من طريق الآحاد لم يثبت ايجاب الوضوء منه (6) وحملنا (7) معنى الحديث على غسل
اليدين دون وضوء (8) الصلاة
وقد (9) قال الشافعي قول النبي صلى الله عليه وسلم إن شرب الخمر في الرابعة فاقتلوه (10)

(1) في ح " ثم لم ".
(2) أخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ " وأخرجه
البخاري ومسلم.
وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفا ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام
فصلي " أخرجه ابن ماجة، وعن أبي سفيان بن سعد بن المغيرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " توضأ مما غيرت النار أو
قال: مست النار ".
وعن: جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزا ولحا فأكل ثم دعا بوضوء فتوض ء به ثم صلى
الظهر ثم دعا بفضل طعامه فأكل ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ.
راجع مختص وشرح وتهذيب سنن أبي داود وانظر كلام الخطابي فيه 1 / 139 - 141.
(3) لفظ د " وتركت ".
(4) في النسختين " هذه " وهو تصحيف.
(5) لفظ ح " اتساع " وهو تحريف.
(6) ما بين القوسين ساقط من ح.
(7) لفظ ح " وجعلنا ".
(8) لفظ ح " معنى " وهو تحريف.
(9) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(10) يروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن شرب الخمر الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه، قال ثم أتي النبي
صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله "
وعن عبد الله بن عمر قال " قال " رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن
عاد فاقتلوه " وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا
الرابعة فاقتلوهم " رواه الخمسة إلا النسائي. قال الترمذي: انما كان هذه في أول الامر ثم نسخ بعده، هكذا
روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر.
راجع المنتقى 657 ونيل الأوطار 7 / 165.
402

منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث (1) كفر بعد إيمان وزنى بعد
إحصان وقتل نفس بغير نفس (2) وهذا عام نسخ به خاصا مع وجود الخلاف في قتل شارب
الخمر في الرابعة لان الحسن روى (3) عن عبد الله بن عمر أنه قال ائتوني بمن شرب الخمر
في الرابعة فإني اقتله (4) وهذا الاعتبار الذي ذكرنا من القضاء بالعام على الخاص موجود عن
الصحابة رضي الله عنهم مستفيض من (5) مذهبهم (6) وما نعلم (7) أحدا من السلف روي
عنه المذهب الذي ذهب إليه مخالفونا (8) في هذا الباب ومما روي عن السلف في ذلك قول
أمير المؤمنين على رضي الله عنه في الجمع (9) بين الأختين بملك اليمين أحلتهما آية
وحرمتهما (10) آية وروي عنه ان التحريم أولى فقضى بقوله تعالى تجمعوا بين

(1) عبارة ح الا بثلاث ".
(2) أخرج مسلم عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " والذي لا إله غيره لا
يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر، التارك الاسلام المفارق للجماعة والثيب
الزاني والنفس بالنفس " صحيح مسلم كتاب القسامة الأحاديث 25، 26، (12 / 164).
وفتح الباري كتاب الديات باب 6 / 12 / 201) وعون المعبود كتاب الحدود باب 1 / (12 / 5) وتحفة الأحوذي
كتاب الحدود باب 15 (15 / 49)، والنسائي كتاب التحريم باب 5 (7 / 90، 101، 103) والدارمي كتاب
السير باب 11 (2 / 218) وليس في هذه المظان ما يطابق النص الذي الذي أورده الجصاص.
(3) ما بين القوسين لم يرد في ح وأبدله في ح ب‍ " وفي الخبر " ويريد بالحسن: الحسن البصري لما سنذكره من نسبة
الرواية له في الفقرة التالية في الهامش.
(4) يروي هذا الخبر عن عبد الله بن عمرو قال " ايتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم على أن اقتله " رواه
أحمد، قال الشوكاني: وحديث ابن عمر وأخرجه أيضا الحرث بن أبي أسامة في مسنده من طريق الحسن
البصري ورواه من طريقه ابن حزم، والحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو فهو منقطع، وقد جزم بعدم سماعه
منه ابن المديني وغيره، وقد وقع في نسخة من هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو، والصواب إثباتها.
راجع نيل الأوطار 7 / 166.
(5) في ح " عن ".
(6) لفظ د " مذاهبهم ".
(7) لفظ د " يعلم ".
(8) لفظ ح " مخالفنا ".
(9) لفظ ح " جمع ".
(10) لفظ ح " حتمهما " وهو تصحيف.
403

الأختين (1) على ملك اليمين والنكاح ولم يجعله (2) مترتبا على قوله تعالى من
النساء إلا ما ملكت أيمانكم (3) وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول أحلتهما آية
وحرمتهما آية
وروي عنه ان التحليل أولى فقضى بقوله تعالى ما ملكت أيمانكم على تحريم
الجمع بين الأختين ويجوز ان يكون ذهب فيه (4) إلى قوله تعالى ما طاب لكم من
النساء (5) وهو عموم وتحريم الجمع خاص وقد كان ابن عمر إذا سئل عن نكاح اليهودية
والنصرانية (6) قال إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الشرك
شيئا (7) أكثر من قول المرأة (8) عيسى أو عبد من العباد (9) الله عز وجل (10) فاحتج بعموم

(1) الآية 23 من سورة النساء.
(2) لفظ ح " يفعله ".
(3) الآية 24 من سورة النساء.
(4) في ح " به ".
(5) الآية 3 من سورة النساء.
(6) عبارة د " النصرانية واليهودية ".
واليهودية: أتباع موسى عليه السلام وكتابهم التوراة.
والنصارى: أتباع عيسى عليه السلام وكتابه الإنجيل.
انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1 / 210 والحور العين 144.
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لفظ ح " عباد ".
(10) قال أبو بكر ح " عباد ".
(10) قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن:
الاختلاف في نكاح الكتابية على أنحاء مختلفة منها: إباحة كاح الحرائر منهن إذا كن ذميات فهذا لا خلاف بين
السلف وفقهاء الأمصار يه إلا شيئا يروي عن ابن عمر أنه كرهه، حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن
محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن نفاع عن ابن عمر أنه كان لا يرى
بأسا بطعام أهل الكتاب وكره نكاح نسائهم، قال جعفر وحدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن
الليث قال حدثني نافع عن ابن عمر إن كان إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية قال إن الله حرم المشركات
على المسلمين ولا أعلم من الشرك شيئا أعظم من أن تقول ربها عيسى بن مريم أو عبد من عبيد الله - والصواب
الذي نرجحه جواز نكاح الكتابيات، قال الشافعي رضي الله عنه: وأهل الكتاب الذين بحل نكاحهم اليهود
والنصارى دون المجوس، وجملة ذلك أن المشركين على ثلاثة إضرب: ضرب لهم كتاب، وضرب لا كتاب لهم
ولا شبهة، وضرب لهم شبهة وكتاب، فأما الضرب الذي لهم كتاب فاليهود والنصارى وليس بين أهل العلم
اختلاف في حرائر أهل الكتاب، وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسليمان وجابر وغيرهم، قال
ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل، وممن روى عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسليمان وجابر وغيره، قال
ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وحرمته الامامية تمسكا بقوله تعالى " ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن " وقوله تعالى " ولا تمسكوا بعصم الكوافر ".
وراجع نقاش العلماء وحجاجهم في أحكام القرآن للجصاص 2 / 398 والمجموع 15 / 388 وأحكام القرآن
للقرطبي 3 / 66 و 3 / 204 والناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلام 24.
404

قوله (1) تعالى تنكحوا المشركات (2) فجعله قاضيا على قوله من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم (3)
وقيل لابن عمر إن ابن الزبير يقول يحرم الرضعة ولا الرضعتان (4) فقال قضاء
الله تعالى أولى من قضاء ابن الزبير قال الله من الرضاعة (5) وعارضت (6)
عائشة ما روي عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد
ربكم حقا ثم قال (7) إنهم الآن يسمعون ما أقول فقالت قال الله تعالى فإنك (9) لا
تسمع الموتى (10) وهل (11) ابن عمر إنما قال إنهم الآن ليعلمون إن (12) الذي كنت أقول لهم
الحق (13) وردت حديث الميت يعذب ببكاء أهله عليه بقول الله تعالى تزر وازرة وزر
أخرى (14) وكانت عائشة وابن عباس رضي الله عنهما يردان حديث (15) النهي عن أكل
كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير بقول الله تعالى لا أجد فيها أوحي إلي
محرما (16) وجعل عمر وعبد الله بن مسعود (17) وابن عمر وأبو مسعود البدري (18) قول الله
تعالى الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (19) قاضيا على قوله تعالى يتربصن

(1) لم ترد هذه الزيادة ف ي ح وأبدلها ب‍ " بقوله ".
(2) الآية 221 من سورة البقرة.
(3) الآية 5 من سورة المائدة.
(4) في ح " قال ز.
(5) الآية 23 من سورة النساء.
(6) لفظ ح " أرضعت " وهو تصحيف.
(7) لفظ ح " فقال ".
(8) عبارة د " إنهم يسمعون الان ".
(9) في النسختين " وانك... " وهو خطأ.
(10) الآية 52 من سورة الروم.
(11) لفظ د " لعل " وهو تحريف، ووهل - بكسر أي غلط وزنا ومعنى.
(12) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(13) أخرج النسائي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا،
قال إنهم ليسمعون الان ما أقول لهم، فذكر ذلك لعائشة، فقال: وهل ابن عمر، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنهم الان يعلمون أن الذي أقول لهم الحق ثم قرأت قوله تعالى، إنك لا تسع الموتى " حتى قرأت آخر الآية ". النسائي كتاب الجنائز باب 117 (4 / 110) وأحمد 2 / 31، 38.
(13) الآية 164 من سور الانعام.
(14) الآية 164 من سورة الأنعام.
(15) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(16) الآية 145 من سورة الأنعام.
(17) ألم ترد هذه الزيادة في د.
(18) هو أبو مسعود البدري، عقبة بن عمرو معروف باسمه وكنيته. راجع ترجمته في الإصابة 7 / 176
(19) الآية 4 من سورة الطلاق.
405

بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا (1) وهذا خاص في المتوفى عنها زوجها والأول عام فيها وفي
غيرها ونظائر ذلك عن السلف أكثر من أن يحتمل (2) ذكرها هذا الكتاب وفيما ذكرنا ما
يوضح عن مذهب السلف فيه
وأما إذا ورد لفظ العموم والخصوص في خطاب (3) واحد فإنهما يستعملان جميعا لأن
لفظ التخصيص إذا ورد مع العام فهو بمنزلة الاستثناء مع الجملة وهذا لا خلاف فيه (4)
وذلك نحو قوله تعالى عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير (5) ثم قال في سياق خطاب
الآية (6) فمن اضطر في مخمصة (7) فخص حال الاضطرار من (8) الجملة قبل استقرار
حكمها فصار عموم اللفظ مبنيا على الخصوص المعطوف عليه وذلك (9) نحو قول الله
تعالى الله البيع وحرم الربا (10) فخص الربا بالتحريم من جملة ما أحله من البيع في
خطاب واحد ولو لم يخصه لكانت الإباحة عامة في سائر البياعات ربا كان أو غيره ونحوه في
الاخبار قول الله تعالى أشد كفرا ونفاقا (11) فلولا التخصيص (12) لعم سائرهم
فلما قال في سياق الخطاب (13) الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق
قربات عند الله وصلوات الرسول (14) صار أول الخطاب مبنيا عليه ونظائر ذلك كثير (15)

(1) الآية 234 من سورة البقرة.
(2) لفظ ح " يحمل ".
(3) لفظ د " الخطاب ".
(4) راجع صحة نفي الخلاف في المسودة 137 وأصول الفقه للشيخ زهير 2 / 294، وحاشية العطار على جمع
الجوامع 2 / 77.
وعند الشافعية رأي أنه إن تقارنا تعارضا في قد الخاص كالنصين أي كالمختلفين بالنصوصية بأن يكونا خاصين
فيحتاج العمل بالخاص إلى مرجح له، ورد هذا بأن الخاص أقوى من العام في الدلالة على ذلك البعض لأنه
يجوم أن لا يراد من العام بخلاف الخاص فلا حاجة إلى مرجح له. راجع حاشية العطار على جمع الجوامع
2 / 78.
(5) الآية 3 من سورة المائدة.
(6) لفظ د " الخطاب ".
(7) الآية 3 من سورة المائدة.
(8) في ح " إلى ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) الآية 275 من سورة البقرة.
(11) الآية 97 من سورة التوبة.
(12) عبارة د " فلو اقتصر عليه ".
(13) لفظ ح " الآية ".
(14) الآية 99 من سورة التوبة.
(15) لفظ د " كثيرة ".
406

فأما إذا ورد العام والخاص ولم يعلم تاريخ واحد منهما (1) فإن عيسى بن ابان ذكر حكم
الخبرين إذا وردا بهذا الوصف فقسمهما أقساما أربعة فقال

(1) اختلف النقل لمذهب الحنفية في هذه المسألة، فذكر بعضهم أنه إن جهل التاريخ يتوقف عن العمل بواحد منهما
حتى يظهر التاريخ أو ما يرجح أحدهما أو يرجع إلى غيرهما، راجع هذا النقل في حاشية العطار على جمع
الجوامع 2 / 79، وأصول الفقه للشيخ زهير 2 / 294، وفي كشف الاسرار للبزدوي قال عبد العزى البخاري
إن لم يعلم تاريخهما يجعل العام آخر للاحتياط 1 / 292
وفي المسودة نقل عن الحلواني أن قول المعتزلة وبعض الحنفية مع الجهل بالتاريخ: يقدم الخاص، قال أبو الحسن
الكرخي وعيسى بن أبان والبصري هما متعارضان ويعدل إلى دليل آخر، وكذلك نقل أبو الطيب أن القائلين
بالنسخ مع العلم اختلفوا مع الجهل على مذهبين:
أحدهما: التعارض.
والثاني: تقديم الخاص كقولنا.
ونقل عن عيسى بن أبان مذهب آخر وهو التفصيل كما ذكره الجصاص هنا، وذكره أيضا في المسودة 134
واضطرب النقل كذلك في مذهب الحنابلة فيما إذا جهل التاريخ، فقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي
يقول: أذهب إلى الحديثين جميعا ولا أرد أحدهما بالآخر ولهذا مثال، منه قوله لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس
عندك " ثم أجاز السلم، والسلم ما ليس في ملكه وإنما هو الصفة، وهذا عندي مثل الأول، ومنه الشاة المصراة
إذا اشتراها الرجل فحلبها إن شاء ردها ورد صاع تمر، وقوله " الخراج بالضمان " فكان ينبغي أن يكون اللبن
للمشتري لأنه ضامن بمنزلة العبد إذا استغله فأصاب عيبا رده وكان له عليه بضمانه، يؤخذ بهذا وهذا وشبهه
حتى لا تتأتى دلالة بأن الخبر قبل الخبر فيكون الأخير أولى أن يؤخذ به، مثل م قال ابن شهاب الزهري: يؤخذ
بالأخير فالأخير من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا آخر كلام أحمد وهذا كله كلامه.
فظاهر هذه الرواية أن الخبرين إذا كان أحدهما خاصا والاخر عاما قدم الخاص وخص به العام مع جهل
التاريخ، فان علم التاريخ فالثاني منهما مقدم سواء كان الخاص أو العام.
وقال الشيخ أبو محمد: إذا جهل التاريخ تعارضا، والمنصوص أن مع الجهل بالتاريخ يعمل بالخاص ومع العلم
يقدم المتأخر، وهذا أقوى فصار مع المسألة ثلاثة أقوال.
وأما المالكية فقد حكى في المسودة عن القاضي عن أبي بكر بن الباقلاني وأبي بكر الدقاق من لا شافعية القول
بالتعارض إذا جهل التاريخ ولم يفصلا، وهذا يدل على أن مذهبه العمل بالثاني إذا علم لتاريخ وهو رواية عن
أحمد، وهكذا يتخرج على قول من لم يجز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، وهكذا قال أبو
الطيب وبنوا ذلك على أن تأخير بيان العموم عن وقت الخطاب غير جائز وهكذا ذكره ابن نصر المالكي فقال:
من منع من تأخير البيان حمله عليا لنسخ ومن أجاز أوجب البيان.
وقال في الكفاية: وهذا مبني عل يأن تأخير البيان عن وقت الخطاب غير جائز ويقدم الخاص على العام مع فقد
التاريخ، فإن قلنا المتأخر بنسخ فإن حكم الخاص قد علم ثبوته، والعام لم يعلم ثبوته في مسألة الخاص لجواز
اتصالهما، أو لجواز تقدم العام أو لجواز تأخره مع بيان التخصيص مقارنا، فإن كان العام متقدما أو متأخرا أو
متصلا فليس بمنسوخ ويجب أن ينظر في هذا الباب وفي العامين والعام من وجه إلى قوة دلالة العام فإنه إذا كان
أحدهما أقل أفرادا ظهر إرادة الاخر إذ منه مالا يظهر في الكثير وكذلك إذا كان عموم معنوي أو كان أحدهما
مؤكدا والاخر مجردا أو مقيدا.
راجع المسودة 136.
407

إما أن يعمل الناس بها جميعا فيستعملان ويرتب العام على الخاص كنهي (1) النبي
صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان ورخصته (2) في السلم بكيل معلوم (3) ووزن معلوم إلى
أجل معلوم (4)
أو يتفقوا على استعمال أحدهما دون الآخر العمل على ما اتفقوا عليه والاخر (5)
منسوخ
أو يختلفوا (6) في ذلك فيعمل بعض الناس بأحد الخبرين والعامة تخالفه وتعيب عليه
ما ذهب إليه فلا يلتفت إلى قوله فالعمل على ما عليه العامة
قال أبو بكر
ونعني بالعامة عامة فقهاء السلف نحو حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذهب
بالذهب مثلا بمثل يدا بيد وروى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (7) إنما الربا في
النسيئة والأمر (8) على حديث أبي سعيد لأنه مفسر لا يحتمل المعاني وحديث أسامة يحتمل
المعاني فإما أن يكون منسوخا أو محمولا (9) على موافقة الأول في الجنسين
وقال عيسى أيضا (10) في الخبرين المتضادين إذا عمل الناس بالأول منهما والذي
يعمل بالآخر شاذ خامل
ويسوغ الأولون الاجتهاد لهؤلاء وكان سبيله الاجتهاد لأنهم قد سوغوه وإن عابوه
عليهم فالعمل (11) على الأول ولا يعمل بالآخر

(1) لفظ ح " فنهي ".
(2) لفظ ح " ورخص ".
(3) في د " أو وزن ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) سقطت هذه الزيادة من ح.
(6) لفظ ح " يمختلفون ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(8) فظ د " فالامر ".
(9) لفظ ح " مخصوصا " وهو تصحيف.
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) لفظ ح " والعمل ".
408

قال أبو بكر
وهذا يدل على (1) أن مراده بقوله في العام والخاص فعمل بعض (2) الناس بأحد
الخبرين والعامة تخالفه أن المنفرد واحد شاذ لا يعترض (3) بمثله على خلاف الجماعة في
ذلك
قال (4) عيسى وإن وجدنا الناس مختلفين في العام والخاص يدخل بعضهم الخاص
في العام ويخرجه بعضهم منه (5) وسوغ كل فريق لصحابه ما ذهب إليه فيه (6) كان أحد
الحديثين عندنا (7) ناسخا لصاحبه فلم نعرف الناسخ منهما بعينه واختلفوا فيه بالاجتهاد
وسوغ كل واحد منهما لصاحبه ما ذهب إليه (8)
ولو كان أحدهما (9) لا ينقض الاخر لم يجز للناس الاختلاف فيهما ويعملوا بهما (10)
جميعا كما عملوا بالسلم وبكراهة بيع ما ليس عنده (11) قال (12) و (13) من ذلك النهي عن
الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحد
يطوف بهذا البيت ويصلي في أي ساعة شاء من ليل أو نهار (14) وأنه رأى رجلين لم يصليا

(1) لم ترد هذه الزيادة في د.
(2) لم ترده هذه الزيادة في ح.
(3) لفظ ح " يقوم ".
(4) لفظ ح " فقال ".
(4) لفظ ح " فقال ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(6) في ح " منه ".
(7) في ح " عند ".
(8) وهذه هي الصورة الرابعة من كلام عيسى بن أبان، وبريد من كلامه هذه عدم ترجيح شئ مع الاحتمال إلا
بدلالة تبين الناسخ من المنسوخ منهما كالخبر بن المتضادين إذا لم يعلم تاريخهما واختلف السلف فيهما فلابد من
دلالة من النظائر والأصول، كما سيبين ذلك الجصاص بعد قليل، ويقوي تأويلنا هذا أن النقل عن عيسى بن
أبان في المسودة ص 135 نص على ذلك فقال: الرابع: إذا فقد ذلك كله فإنهما يتعارضان ويعدل إلى مرجح آخر.
والذي نرجحه أن مذهب الحنفية التفصيل الذي ذكره عيسى بن أبان وأيده الجصاص في ذلك مبرزا أدله هذا
التفصيل.
ولا نعول على اضطراب النقل عن الأحناف في كتبهم وكتب غيرهم كما نقل البخاري في كشف الاسرار من أن
العام يجعل آخرا للاحتياط عند جهل التاريخ وكما في المسودة من مذهب الحنفية تقديم الخاص عند جهل
التاريخ.
(9) لفظ ح: أحد منا " وهو تصحيف.
(10) سقطت هذه الزيادة من ح.
(11) ما بين القوسين ساقط من ح.
(12) لفظ ح " قالوا ".
(13) لم تردد هذه الزيادة في ح.
(14) أخرج أبو داود عن جبير بن مطعم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة
شاء من ليل أو نهار " قال الفضل (شيخ أبي داود) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا
... ".
وأخرج الترمذي من طريق جبير بن مطعم وقال حديث حسن صحيح، راجع عون المعبود كتاب المناسك باب
52 (5 / 345) وتحفة الأحوذي كتاب الحج باب 42 (3 / 211) وقريب منه لفظ النسائي عن جبير بن مطعم
وكتاب المواقيت باب 41، وابن ماجة كتاب الإقامة باب 149 (1 / 398) والدارمي عن جبير بن مطعم كتاب
المناسك باب 79 (2 / 70).
409

معه (1) الغداة فقال إذا صليتما في رحالكما وجئتما فصليا فإنها لكما (2) نافلة فقال ناس النهي
ناسخ للإباحة وقال آخرون هو مخصوص كالسلم وبيع ما ليس عند الانسان فلما اختلفوا
ووجدنا رواة النهي عمر وعائشة وأبا سعيد الخدري فذكر هو ذلك بعد الطواف فلو كان مخصوصا كانوا (3) اعلم به
قال أبو بكر رحمه الله
الذي (4) حصل (5) من قول عيسى في هذا الباب ان الخاص والعام إذا وردا وعريا
من دلالة النسخ أنهما يستعملان جميعا على الترتيب وأنه إن اختلف السلف فيهما دل
ذلك على أن أحدهما ناسخ للآخر لأنه لولا ثبوت النسخ لكان بابهما الترتيب عند الجميع ولما
اختلفوا فيه وما ذكره من أن (7) اتفاق السلف هو المعتبر في استعمال ذلك فهو صحيح لأن
اتفاقهم حجة
فعلى أي وجه حصل اتفاقهم من استعمال الخبرين على (9) الترتيب أو القضاء بالعام

(1) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(2) أخرج الترمذي من حديث جابر بن يزيد بن الأسود العامري عن أبيه قال " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة،
فصليت معه صلاة في مسجد الخفيف قال: فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا
معه، فقال: علي بنهما فجئ بهما ترعد فرائصهما فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله إنا كنا قد
صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلوا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلينا معهم فإنها لكم نافلة "
قال أبو عيسى، حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح. تحفة الأحوذي كتاب الصلاة باب 94، 163
(1 / 424) والدارمي كتاب الصلاة باب 97 (1 / 317) والنسائي كتاب القسامة باب 54 (8 / 113، 114).
(3) لفظ ح " كان ".
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ ح " فحصل ".
(6) لفظ ح " مستعملان ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في ح ووردت في د قبل " من " والأنسب ما أثبتناه.
(8) في ح " من ".
(9) في ح " من ".
410

على الخاص فهو صحيح يجوز العدول عنه وإن أجمع الجميع على استعمال أحدهما (1) إلا
واحدا شذ عنهم وعابوا على الواحد ما ذهب إليه فالعمل على ما اجتمعت عليه الجماعة
قال أبو بكر
فهذا الفصل من قوله يحتمل وجهين
أحدهما انه لم يعد (2) ذلك الشاذ خلافا على الجمهور وإن كان من أهل عصرهم
وإن شرط الإجماع عنده اتفاق مثل هذه الطائفة وأن من انفرد عنهم كان شاذا على مذهب
من لا يعد الواحد ولا (3) الاثنين من أهل العصر خلافا على عظم الفقهاء
والوجه الآخر أنه يعتد (4) بخلاف هذا الواحد عليهم إذا كان من أهل العصر في
حكم الحادثة التي لا أثر فيها إلا أنه لا (5) يعتد به في الخاص والعام والخبرين المتضادين من
جهة أنه جعل اجتماع الجمهور على حكم أحد الخبرين وإظهارهم النكير على من شذ
عنهم مقويا لخبرهم ودالا على أنهم قد علموا نسخ الخبر الآخر بخبرهم الذي اتفقوا على
استعماله لولا ذلك لما (6) ساغ لهم النكير على مخالفهم (7) في ذلك وهو مما يسوغ الاجتهاد
فيه فدل إظهارهم (8) النكير على من شذ عنهم في مخالفتهم وفي اعتصامه بالخبر الذي صار
إليه على أنهم قد علموا نسخه بما (9) علموا من الخبر الذي رووه و (10) لأن ما عملوا به
لو كان هو المنسوخ لكانوا هم أولى بعلمه (11) من المنفرد الشاذ

(1) في ح زيادة " و " وهو تحريف.
(2) لفظ ح " يعدل " وهو تصحيف.
(3) في " ح " لك وهو سهو من الناسخ.
(4) لفظ ح " يعقد " وهو تصحيف.
(5) في د " لم ".
(6) في ح " ما ".
(7) لفظ ح " مخالفتهم ".
(8) لفظ ح " اطارهم " وهو تصحيف.
(9) في ح " فيما ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(11) لفظ ح " بعمله " وهو تصحيف.
411

ما وصفنا دلالة على أن ما (1) اتفقت عليه الجماعة (2) هو الناسخ وأن الآخر
منسوخ به وهذا أظهر الوجهين عندي وأولاهما بمراده فيما ذكره لأنه لو كان إنما جعل قول
الجمهور أولى (3) لأنه لم يعتد بخلاف المنفرد عنهم لما اختلف عنده في ذلك حكم ذلك
المنفرد في حال ظهور (4) النكير من الجماعة عليه فيما صار إليه أو تركه النكير عليه لأن من (5)
لا يعتد بخلافه لا يختلف حاله في ظهور النكير عليه ممن خالف عليه (6) أو تركهم ذلك
عند كثير ممن يعتد بخلاف الواحد على الجماعة
وقد سوغ عيسى بن أبان (7) اجتهاد الرأي في الخبرين المتضادين والمصير إلى قول
الواحد الشاذ دون الجماعة إذا (8) لم تعب الجماعة على الواحد ما ذهب إليه (9) من ذلك
فدل ذلك من قوله على أنه لم يسقط حكم الواحد المنفرد إذا ظهر نكير الجماعة عليه
في مخالفته إياهم من حيث لم يعده خلافا وأنه إنما اعتبر ما صار إليه الجماعة (10) من حكم
الخبرين لأنه استدل بذلك على أنه هو الناسخ عندهم ومن أجله أنكروا على من خالفهم
والدليل على صحة ما ذهب إليه من ذلك أن (11) ما كان طريقه الاجتهاد لا يجوز
ظهور النكير من بعضهم (12) على بعض فيه فإذا وجدنا النكير ظاهرا من الجماعة على
الواحد ولم يلجئوا فيما ذهبوا إليه إلا إلى الخبر الذي اعتصموا به وقد سمعوا مع ذلك خبر

(1) في ح " إنما " متصلة ".
(2) عبارة د " الجماعة عليه ".
(3) سقطت هذه الزيادة في ح.
(4) لفظ ح " ظهوره ".
(5) في د " ما ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) في ح " إذ ".
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) ما بين القوسين ساقط من ح.
(11) في ح " إنما " متصلة.
(12) لفظ د " بعض ".
412

المنفرد عنهم دل ذلك على أنهم لم يفعلوا ذلك إلا وقد علموا ان ما صاروا (1) إليه من حكم
أحد الخبرين هو الناسخ المعول عليه دون الآخر فصار ذلك بمنزلة خبر التواتر مع خبر
الواحد أنه يقضى عليه ولا يعترض به على التواتر
فإن قال قائل فإن الواحد يقول للجماعة مثل ذلك فيما صار إليه من حكم الخبر
الذي رواه
قيل له لم يذكر عيسى أن الواحد أنكر على الجماعة مصيرها إلى الخبر الذي روته كما
ذكر إنكار الجماعة على الواحد ولا يدرى ما جوابه في ذلك على انا نلتزمه مع ذلك ونقول
إنه لو ظهر مع ذلك (2) في النكير من كل واحد من الفريقين على صاحبه فيما صار إليه من
حكم الخبر الذي رواه كان ما ذهب إليه الجماعة أولى بالحق وذلك لأن الناسخ سبيله أن يظهر
كظهور الخبر المنسوخ فلو كان ما صار إليه الواحد هو الناسخ لظهر (3) ذلك في (4) الجماعة
كظهور الأصل ولعرفته أبو وما (5) خفي عليها
فلما لم تعرف الجماعة ذلك ناسخا وعرفت ما صارت إليه (6) منهما ناسخا كان ما ذهب
إليه الجماعة أولى بالاستعمال وليس يمنع أن يخفى حكم النسخ على الواحد والاثنين (7)
فيتمسك من اجل خفائه عليه بما سمعه بدءا لأنه ليس على النبي صلى الله عليه وسلم إذا نسخ حكما قد
حكم به ان يقصد به كل واحد من الناس في عينه وإنما عليه إظهاره في الجماعة وإن خفي
بعد ذلك حكمه على الواحد والاثنين كان عليهما أن يصيرا فيه إلى قول الجماعة وأيضا فإذا
ثبت أن اختلافهم في حكم الخبرين على هذا الوجه كان من (8) طريق النسخ كان قول
الجماعة في ذلك أولى لأن أكثر (9) أحوالهم أن يصيروا بمنزلة الجماعة إذا روت النسخ
وخالفهم الواحد والاثنان فتصير رواية (10) الجماعة أولى من رواية المنفرد فبان بما وصفنا أن

(1) لفظ ح " صار ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في د.
(3) لفظ د " أظهر ".
(4) في ح " من ".
(5) في ح " ولا ".
(6) عبارة ح " صار إليها ".
(7) في ح زيادة " على ".
(8) في ح زيادة " من ".
(9) لفظ ح " أكبر ".
(10) عبارة ح " فيصيروا به " وهو تصحيف.
413

ما صار إليه الجماعة من حكم الخبرين أولى بالاستعمال
وأما إذا اختلف (1) السلف في الخاص والعام فقضى بعضهم (2) بالعام على
الخاص وقضى بعضهم فيهما بالترتيب ولم يظهر من بعضهم النكير على بعض فيما صاروا (3)
إليه
فإن (4) ما كان طريقه الاجتهاد والاستدلال بالأصول على ما يجب من حكمهما (5) من
قبل إنا قد بينا في الفصل الذي قبل هذا ان العام إذا ورد بعد استقرار حكم الخاص كان
قاضيا عليه و (6) ناسخا له وإذا كان هذا هكذا واحتمل فيما وصفنا إذا لم يعلم التاريخ أن
يكون الخاص وأراد بعد العام فيجب الترتيب واحتمل أن يكونا (7) وردا معا فيجب
الترتيب أيضا واحتمل ان يكون العام فيجب الترتيب واحتمل بعد استقرار حكم الخاص فيكون ناسخا له (8) لم
يجز لنا القضاء بشئ من هذه الوجوه دون الآخر لاحتمالهما كل واحد منهما فصار بمنزلة
اللفظ المحتمل للمعاني (9) المختلفة إذا ورد مطلقا وليس بعض المعاني للذي يحتمل بأولى
به (10) من بعض فيحتاج في إثبات حكمه إلى دلالة غيره وهذا صحيح على الأصل الذي
قدمنا من أن ورود العام بعد استقرار حكم الخاص يوجب نسخه فمن سلم هذا الأصل
ثم قال مع ذلك إني أرتب العام على الخاص مع عدم التاريخ ووجود الخلاف فيه بين
السلف وتسويغهم الاجتهاد فيه بتركهم النكير على مخالفهم من غير دلالة يرجع إليها في
ايجاب الترتيب كان متعسفا قائلا لما لا دليل له عليه

(1) لفظ ح " اختلفت.
(2) سقطت هذه الزيادة من ح.
(3) لفظ ح " صار ".
(4) في النسختين " فإنما " متصلة.
(5) لفظ ح " حكمها ".
(6) لم ترد هذه الزيادة في د.
(7) لفظ د " يكونان ".
(8) لم ترد هذه الزيادة في د.
(9) لفظ د " المعاني ".
(10) لم ترد هذه الزيادة في ح.
414

وأيضا فإن الخلاف إذا حصل بين السلف فيما ذكرنا والاحتمال قائم في الترتيب (1)
والنسخ على وصفنا صار حكم اللفظ بمنزلة سائر الحوادث التي (2) يحتاج في اثبات
حكمها إلى ردها إلى الأصول والاستشهاد بها عليه (3) فلذلك لم نجز الاقدام على شئ
من ذلك إلا بعد الاستشهاد بالأصول فما شهد له الأصول (4) منهما كان أولى بالاستعمال
وهو الناسخ والآخر منسوخ به (5)
وأيضا لما لم (6) نعلم تاريخهما صار كالخبرين المتضادين إذا لم يعلم تاريخهما واختلف
السلف فيهما فيكون سبيله الاستدلال على الناسخ منهما بالنظائر والأصول
فإن قيل قد علم ثبوت الخاص في وقت وثبوت العام أيضا واستعمالهما ممكن فلا نرفع ما
تيقنا ثبوته بالشك
قيل له انا وان كنا قد (7) تيقنا ثبوتهما فلم (8) نتيقن بقاءهما لأن العام إذا ورد بعد
استقرار حكم الخاص فهو ناسخ له عندنا
فإذا لم يكن معنا يقين ببقاء (9) حكم الخاص لم يجز إثباته بالشك ووجب الرجوع إلى
الدلائل في بقاء (10) حكمه أو نفيه
فإن قيل لما احتمل العام أن يكون مبنيا على الخاص ولم يحتمل الخاص أن يكون
مبنيا على العام صار العام بمنزلة اللفظ المحتمل للمعاني فحمل (11) على ما لا يحتمل إلا
معنى واحدا كما يحمل المتشابه على المحكم
قيل له ما لم يعلم تاريخه من العام والخاص فالاحتمال قائم في كل واحد منهما لأن

(1) في د " أو ".
(2) لفظ ح " الذي ".
(3) لفظ ح " عليها ".
(4) سقطت هذه الزيادة في ح.
(5) لم ترد هذه الزيادة من ح.
(6) سقطت هذه الزيادة من ح وأبدلها ب‍ " لو ".
(7) لم ترد هذه الزيادة في د.
(8) لفظ ح " حكم " وهو تحريف.
(9) لفظ د " بنفي " وهو تحريف.
(10) لفظ ح " بقايا " وهو تحريف.
(11) عبارة د " المجمل فيحمل ".
415

الخاص جائز أن يكون منسوخا وجائز أن يكون مخصصا له وكذلك جائز أن يكون (1)
ناسخا وجائز أن يكون مخصوصا
فلما كان الاحتمال قائما في كل واحد منهما سقط قول القائل إن العام فيه احتمال
ولا احتمال في الخاص
وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله (3) يقول (4) إن مذهب أبي حنيفة في الخاص
والعام أنه متى اتفق الفقهاء على استعمال أحدهما واختلفوا في استعمال الآخر أكان ما اتفق
على استعمال حكمه منهما قاضيا على ما اختلف فيه وقد رأيت هذا المعنى لعيسى بن
أبان أيضا (5) وذلك نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما سقت السماء العشر فهذا (6)
خبر متفق على استعماله في الخمسة الأوسق وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس فيما دون
خمسة أوسق صدقة مختلف في استعماله فكان خبر إيجاب العشر مطلقا قاضيا عليه ناسخا
له
ونظير ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن صلاة (7) ركعتين بعد العصر حتى
تغرب الشمس وبعد الفجر حتى تطلع (8) هو متفق على استعماله في النفل المبتدأ وما روي
عنه (9) صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد العصر عند عائشة وأم سلمة وأنه رأى قيسا (10) يصلي

(1) ما بين القوسين ساقط من ح.
(2) لم ترد هذه الزيادة من ح.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) لفظ د " يحكى ".
(5) ما بين القوسين لم يرد في د.
(6) في ح " فهذ " وهو سهو من الناسخ.
(7) لفظ د " الصلاة ".
(8) اخرج البخاري عن أبي العالية عن ابن عباس قال: " شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب ".
راجع فتح الباري كتاب المواقيت باب 30 (2 / 58) ومسلم كتاب صلاة المسافرين حديث 285 ج 2. وتحفة
الأحوذي كتاب الصلاة باب 20، 21 ج 1. والنسائي كتاب الصوم باب 29 ج 4 واحمد 1 / 18، 19، 21،
والعدة شرح العمدة 2 / 74.
(9) لم ترد هذه الزيادة في د.
(10) هو قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحرث بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم بعد مالك بن النجار
الأنصاري، وقيل: قيس بن سهل حكاه ابن منده وأبو نعيم فكأنه نسب إلى جده، وقيل: قيس بن يقاف، قاله
مصعب الزبيري وخطأه أبو خيثمة وأوضح أن قيس بن فهد غير قيس بن عمرو بن سهل ولذا غاير بينهما
البخاري.
راجع ترجمته والتباسه بغيره في الإصابة 5 / 261، 263.
416

صلاة بعد صلاة الفجر (1) فلم ينكر عليه (2) وقال للرجلين اللذين لم يصليا معه الفجر
إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا مع الإمام كل هذه أخبار مختلف في استعمالها
فكان خبر النهي قاضيا عليه
وكذلك نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس (3) متفق عليه وحديث أبي ذر (4)
إلا بمكة مختلف فيه فكان خبر النهي أولى ومثله حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين
في الكلام في الصلاة ناسيا (5) وسائر الاخبار المروية في حظر الكلام فيها (6) فهي (7) قاضية
على خبر جواز البناء مع الكلام لأن خبر حظر الكلام متفق على استعماله والبناء بعد
الكلام مختلف فيه فكان خبر الحظر ناسخا لسائر ما روي في جواز البناء مع الكلام ومثله
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التمر بالتمر إلا مثلا بمثل ونهيه عن المزابنة (8)
فهذان الخبران متفق على استعمالهما وخبرا العرايا والخرص مختلف في استعمالهما
فكان النهي قاضيا على الإباحة

(1) عبارة د " بعد العصر صلاة الفجر " وهو خطأ.
(2) الحديث أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة على اختلاف الروايات في قيس، فبعضهم جعله قيس بن
عمرو، وبعضهم قيس بن فهد، وبعضهم قيس بن سهل قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة فصليت
معه الصبح ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مهلا يا قيس أصلاتان معا؟ قلت: يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي
الفجر قال: فلا إذن " وأخرجه الطبراني في الكبير من طريق أخرى متصلة عن عطاء أن قيس بن سهل حدثه أنه
دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم.... " الحديث. وأخرجه ابن حزم في المحلى من رواية الحسن بن ذكوان عن عطاء بن
أبي رباح عن رجل من الأنصار قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الغداة فقال: يا رسول الله لم أكن
صليت ركعتي الفجر فصليتهما الان فلم يقل شيئا.
قال العراقي واسناده حسن، ويحتمل ان الرجل هو قيس المتقدم.
راجع لتفصيل ذلك نيل الأوطار 3 / 29، 30.
(3) راجع تخريج الحديث هامش 8 السابق.
(4) سقطت هذه الزيادة من ح، وهو أبو ذر من كبار الصحابة قديم الاسلام يروي عن ابن عباس وعبد الله بن
الصامت. انظر الاستيعاب 664.
(5) عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من الركعتين من صلاة مكتوبة، فقال له
رجل: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم أفعل، فقال الناس: قد فعلت ذلك يا رسول
الله، فركع ركعتين أخريين، ثم انصرف ولم يسجد سجدتي السهو " مختصر وشرح وتهذيب سنن أبي داود
1 / 464.
(6) في د " فيهما ".
(7) لفظ ح " " فيهن " وهو تصحيف.
(8) اخرج مسلم عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " بيع الحصاة وعن بيع المزابنة " صحيح مسلم كتاب
البيوع حديث 4 (10 / 157) وعند مسلم أيضا عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع المزابنة
والمحاقلة ".
والمزابنة: أن يباع ثمر النخل بالتمر وقيل: هو اشتراء الثمر في رؤوس النخل، وقيل: هو بيع الثمر بالتمر
كيلا.
والمحاقلة: أن يباع الزرع بالقمح واستكراء الأرض بالقمح راجع صحيح مسلم كتاب البيوع حديث 59
(10 / 183) وراجع في المزابنة فتح الباري باب 61 ج 4 وعن المعبود كتاب البيوع باب 24، 25 والنسائي
كتاب البيوع باب 27 ج 7 وابن ماجة كتاب التجارات باب 23، 54، 75، ج 2 والدارمي كتاب البيوع باب
20، 23، 29، ج 2 والموطأ كتاب البيوع الأحاديث 23، 24، 25، 75 ج 4 وتحفة الأحوذي كتاب البيوع
باب 24، 28، 32، 33، 35، 39، 55، 74 ح‍ 4 واحمد 1 / 116، 302، و 2 / 154، 155، 250،
376، 439، والعدة في شرح العمدة 4 / 65 ونيل الأوطار 5 / 198.
417

وهذا أصل صحيح يستمر (1) عليه المسائل
والدليل (2) على صحة هذا الأصل أن الخبر الذي تلقاه الناس بالقبول واستعملوه
يجري مجرى التواتر عندنا ويوجب العلم والعمل وان كان وروده من طريق الآحاد فغير
جائز فيما كان هذا وصفه الاعتراض عليه بخبر الواحد في نسخه أو تخصيصه على ما بينا
فيما سلف من امتناع جواز الاعتراض بأخبار الآحاد على حكم الكتاب والسنن الثابتة
وأيضا فلو كان الخاص ثابتا كثبوت العام المتفق على استعماله لوجب ان يعرفه
الجميع كما عرفوا العام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا بد ان يبين الناسخ كما بين المنسوخ قبل ورود نسخه
فسبيله أن يعرفه عامة من عرف الحكم المنسوخ فلما وجدناهم قد عرفوا العام واستعملوه ولم
يعرف الجميع بقاء حكم الخاص كما عرفوا العام (3) علمنا أن العام ناسخ له و (4) قاض
عليه وكذلك يجب هذا الاعتبار في التخصيص وان لم يكن وجهه (5) النسخ لأنه لابد من بيان
التخصيص إذا كان العام مما يمكن استعماله بنفسه حتى يعرفه من عرف العام
فإن قيل فالواجب ان يعرف الجميع الخاص ونسخه كما عرفوا العام فإن (6) لم يثبت
نسخ (7) الخاص عند الجميع كثبوت العام علمنا أن الخاص غير منسوخ
قيل له ليس عليهم ان يعرفوا المنسوخ وما قد ارتفع حكمه ولا عليهم نقله بعد
علمهم (8) بنسخه فليس يمتنع ان يحصل منسوخا ولا تنقله الكافة ويخفى على بعضهم

(1) لفظ ح " يشتمل ".
(2) لفظ ح " الدلائل " ويلاحظ أن مصحح النسخة د جعل على كلمة الدليل علامة " / " وهذا يشير إلى أن النسخة
التي ينسخ منها فيها كلمة " الدلائل ".
(3) ما بين القوسين ساقط من ح.
(4) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(5) لفظ د " جهته ".
(6) في د " فإذا ".
(7) سقطت هذه الزيادة من ح.
(8) لفظ ح " عملهم " وهو تصحيف.
418

نسخه فيتعلق (1) به ونقلهم للعام واستعمالهم إياه دلالة على أنه هو الثابت الحكم وأن
الخاص منسوخ به وان لم يقولوا لنا انه منسوخ
قال أبو بكر رحمه الله
و (2) ذكر عيسى بن أبان (3) ما قدمنا حكايته عنه في (4) هذا الباب في حكم
الخبرين إذا وردا على الوجه الذي ذكرنا وينبغي ان يكون كذلك حكم الآيتين إذا كانت
إحداهما خاصة والأخرى عامة إذا لم يعلم تاريخهما على الوصف الذي بينا (5)

(1) لفظ ح " فيعلق ".
(2) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(3) لم ترد هذه الزيادة في د.
(4) في د " من ".
(5) واستكمالا لما نقص من كلام الجصاص من تفصيل بعض النقاط وما جد بعده في هذه المسألة نقول:
الخاص إذا عارض العام بأن كان الخاص يثبت حكما في بعض أفراد العام وهذا الحكم يخالف حكم العام مثل -
اقتلوا المشركين - لا تقتلوا أهل الذمة، فللعلماء في هذا مذهبان:
المذهب الأول: وهو للامام الشافعي وابن الحاجب والبيضاوي والأسنوي ونقل عن الإمام أحمد وأبي الحسين
البصري: أن الخاص يخصص العام مطلقا علم التاريخ فكان الخاص متقدما على العام أو متأخرا عنه أو كان
كل منهما مقارنا للاخر بأن وجدا في زمان واحد، أو لم يعلم التاريخ بحيث لا يدرى تقدم أحدهما ولا تأخره كما لم
تعلم المقارنة بينهما، ويستثنى من ذلك صورة واحدة، وهي: ما إذا ورد الخاص بعد دخول وقت العمل بالعام
فإن الخاص في هذه الحالة يعتبر ناسخا للعام ولا يكون مخصصا له، لان التخصيص بيان والبيان لا يجوز أن يتأخر
عن وقت العمل.
المذهب الثاني: وهو مذهب الامام أبي حنيفة وامام الحرمين الاخذ بالمتأخر سواء كان هو الخاص أو العام.
فعلى هذا إن تأخر الخاص نسخ من العام بقدر ما يدل عليه، وإن تأخر العام نسخ الخاص، وإن جهل وجب
التوقف إلا أن يترجح أحدهما على الاخر بمرجح، ومذهب عيسى بن إبان والجصاص التفصيل عند جهل
التاريخ وقد حررناه فيما سبق.
الأدلة: استدل أصحاب الرأي الأول: بأن العام والخاص قد اجتمعا، فإما أن يعمل بهما أو لا يعمل بواحد
منهما، أو يعمل بالعام دون الخاص أو بالعكس، والأقسام الثلاثة الأول باطلة فتعين الرابع.
أما الأول والثاني: فلاستحالة الجمع بين النقيضين ولاستحالة الخلو عنهما ويزيد الثاني أنه يستلزم إبطال ترك
الدليلين من غير ضرورة وهو باطل.
وأما الثالث: فلانه يستلزم ابطال أحدهما بالكلية بخلاف عكسه فإنه لا يستلزم ابطال العام بالكلية بل من وجه
فكان العمل به متعينا، لان أعمال الدليلين أولى من إبطال أحدهما بالكلية، فالتخصيص فيه إعمال لكل من
الدليلين معا لان العام يعمل به في غير الفرد الذي دل عليه الخاص، والخاص يعمل به فيما دل عليه من الافراد
بخلاف النسخ فإن فيه إهمالا لاحد الدليلين، لان العام المتأخر إن جعل ناسخا للخاص المتقدم فقد أبطل العمل
بالعام وإن لم يعمل بواحد منهما عند جهل التاريخ فقد بطل العمل بهما معا، ومن المقرر الثابت أن أعمال الدليلين
معا خير من إبطالهما أو إبطال أحدهما فكان القول بالتخصيص هو الراجح.
واستدل أصحاب الرأي الثاني: بما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث من
أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا أن تأخر العام نسخ الخاص وإن تأخر الخاص نسخ من العام بقدر ما دل عليه،
فإن جهل التاريخ وجب التوقف إلا أن يترجح أحدهما على الاخر بمرجح ما، كتضمنه حكما شرعيا أو اشتهار
روايته أو عمل الأكثرية، أو يكون أحدهما محرما والاخر غير محرم، فإنه لا يتوقف بل يقدر للمحرم متأخرا ويعمل
به احتياطا، ومنهم من بالغ فقال: إن الخاص وإن تأخر عن العام ولكنه ورد عقبه من غير تراخ فإنه لا يقدم على
العام بل لابد من مرجح حكاه في المحصول.
ونوقش هذا الرأي بأنه يجب حمل كلام ابن عباس على غير تعارض العام مع الخاص جمعا بين الدليلين، ولا
نسلم تساوي الدليلين عند جهل التاريخ بل نقول: الخاص أرجح لان العمل به فيه إعمال الدليلين وترك العمل
به فيه إلغاء لأحدهما والأعمال خير من الاهمال.
راجع ذلك في أصول الفقه للشيخ زهير 2 / 294، والمسودة 134 وأصول السرخسي 1 / 133 وحاشية العطار
على جمع الجوامع 2 / 77 والابهاج 2 / 106 والفتاوى لابن تيمية 35 / 215 وكشف الاسرار للبزودي
1 / 292.
الترجيح:
والذي نرجحه يمكن ان يعتبر مذهبا ثالثا نستخلصه من هذين المذهبين، فنوافق جمهور الشافعية ومن
معهم إذا علم التاريخ في أن الخاص مخصص للعام، سواء كان الخاص متقدما أو متأخرا أو كان كل منهما مقارنا للاخر.
وذلك لأننا في هذه الحالة نكون قد أعملنا الدليلين، فنعمل بالعام في غير ما دل عليه الخاص، ونعمل
بالخاص فيما دل عليه، بخلاف النسخ الذي قال به الحنفية ومن معهم فإن فيه إهمالا لاحد الدليلين سواء تقدم
الخاص وتأخر العام فنسخ العام الخاص أو تقدم العام وتأخر الخاص فنسخ الخاص العام، فإعمال الدليلين أولى
من اهمال أحدهما.
419

الباب الحادي والعشرون
في
الخبرين إذا كان كل واحد منهما عاما
من وجه وخاصا من وجه آخر
421

باب
القول في الخبرين إذا كان كل واحد منهما عاما
من وجه (1) وخاصا من وجه آخر (2) (3)
قال أبو بكر
الأصل فيما كان هذا وصفه من الأخبار أن يعتبر السبب الذي ورد فيه كل واحد منهما
فنخبر (4) عن سببه ولا يعترض به على الآخر ما أمكن استعماله غير مخصص لصاحبه فيما
ورد فيه إلا أن تقوم الدلالة فيهما على غير ذلك (5) فيصار إليها ولك على نحو ما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فهذا وارد (6) في بيان
حكم الأوقات وروي عنه صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها) فليصلها إذا ذكرها
وهذا (7) وارد (8) في إيجاب القضاء على تاركها حتى يخرج الوقت فلا يعترض به
على خبر بيان حكم الأوقات (9)

(1) لفظ د " جهة ".
(2) عبارة د " جهة أخرى ".
(3) ذكرنا هذه المسألة في تقسيمات تعارض النصين في قسم الثاني، وهي فيما إذا لم يتساويا في القوة والعموم،
(4) لفظ د " فنجريه ".
(5) لم ترد هذه الزيادة في 5.
(6) عبارة ح " إذا ورد ".
(7) في ح زيادة " وهو " ".
(8) لفظ د " ورود ".
(9) يرى الامام الجصاص هنا أنه لا تعارض بيه هذين الحديثين.
فالأول في حكم الأوقات، والثاني في إيجاب القضاء، ويرى غيره كالشافعية والحنابلة أن التعارض حاصل بينهما
فلابد من الترجيح أو البحث عن دليل آخر، وقالوا: إن من ذكر فائتة في أوقات النهي يتناولها لا نص الأول من
حيث الوقت بخصوصه ومن حيث الوقت بعمومه، ومن جهة كونها فائتة بخصوصه، وقال في المسودة عن
الحنفية أنه يقدم الخبر الذي فيه ذكر الوقت لأنه المقصود المتنازع فيه، وخالفهم الشافعية والحنابلة كما سبق
التنويه عليه.
ونحن تبارك ما قاله في المسودة من أن هذا ليس باختلاف في هذه المسألة الأصولية وانما هو اختلاف في ترجيح
خاص في مثال خاص منها، ولى ذلك بأكثر من سائر ما يذكر في هذه الصورة الفرعية من فقه الأحاديث
والمأخوذ، وكذلك سائر الترجيحات الفقهية في النصوص المتعارضة، ولذلك ذهبنا إلى تقديم النص الذي فيه
ذكر الفائتة لكن بأدلة وترجيحات أخر.
راجع المسودة 139 والابهاج 3 / 142 وما بعدها وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 79.
ونرى أن مسلك الجصاص في نفي التعارض رأي موفق - إن شاء الله - فإن تدقيق النظر في الصورة الحديثية التي
ساقها الجصاص يؤدي إلى نفي التعارض فأمعن النظر يحصل لك ذلك.
423

وكذلك ما روي عنه عليه السلام من قوله يا بني عبد مناف لا تمنعوا طائفا يطوف (1)
بالبيت (2) ويصلي في أي ساعة شاء من ليل أو نهار إنما ورد في النهي عن منع الطواف
والصلاة في المسجد الحرام فلا يعترض به على بيان الوقت الذي ينهى عن الصلاة فيه
ومثله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان (3) لموت
أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة (4) فهذا أمر بصلاة الكسوف وليس فيه
بيان الوقت الذي يجوز فيه أو لا يجوز وخبر النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة فيه بيان
الوقت الذي (5) لا تجوز الصلاة فيه ونحوه (6) قوله تعالى من أيام أخر (7) وقوله
تعالى إذا رجعتم (8) وقوله تعالى لم يجد فصيام ثلاثة أيام (9) هذه الآيات
واردة في إيجاب الصوم وليس فيها ذكر تفصيل الأوقات المنهي عن الصوم فيها وروي عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن صوم يوم الفطر وأيام التشريق (10) فلم يعترض الأمر بفعل الصيام في

(1) في د زيادة " بهذا ".
(2) لفظ د " البيت ".
(3) لفظ ح " يخسفان ".
(4) الحديث روي بألفاظ مختلفة، راجع فتح الباري كتاب الكسوف باب 1، 2، 4، 5، 9، 13، 17 ح 2.
وصحيح مسلم كتاب الكسوف الأحاديث 3، 8، 9، ح 6 والنسائي كتاب الكسوف باب 3، 12، 16، 28
، ح 3 والموطأ كتاب الكسوف حديث 21 واحمد 2 / 109 و 6 / 76، 87، 68.
(5) ما بين القوسين ساقط من د.
(6) في ح " نحو ".
(7) الآية 184 و 185 من سورة البقرة.
(8) الآية 196 من سورة البقرة.
(9) الآية 196 من سورة البقرة و 89 من سورة المائدة.
(10) اخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهي عن صيام يومين: يوم النظر ويوم النحر " صحيح
مسلم كتاب الصيام حديث 141 (8 / 16).
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن نبيشة الهذلي: " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ".
راجع تخريجه في مسلم أيضا كتاب الصيام حديث 144 و 145 (7 / 17) من رواية كعب بن مالك عن أبيه بلفظ
مختلف، وأخرجه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص عن أبيه بلفظ مختلف كتاب الايمان باب 7 (8 / 103).
وعند النسائي أيضا من حديث ابن عباس كتاب التفسير سورة 9 (8 / 485، 486). واحمد 2 / 229.
و 3 / 451، 460 و 4 / 335 و 5 / 7، 76 و 4 / 77 و 5 / 37، 39 والمستدرك 1 / 434 ونيل الأوطار 4 / 292
وفتح الباري كتاب الحج باب 132 ح 3 وكتاب الأضاحي باب 73 ح 10 والدارمي كتاب المناسك باب 72
ح 2 والموطأ كتاب الحج الأحاديث 13 ط، 134 ح‍ 3 وتخريج الروض النضير 2 / 250 والعدة شرح العمدة
4 / 292 وانظر صحيح الجامع الصغير رقم الحديث 29360 وأيام التشريق هي الثلاثة بعد العيد، سمين به
لان لحم الأضاحي يشرق فيها بمعنى، أي يقدد ويبرز للشمس، وقيل يوم العيد من أيام التشريق فتكون أربعة
وعلى الأول لم بعد يوم النحر منها لان له اسما خاصا والا فالمعني يشمه، وهو المذكور في قوله " أيام أكل
وشرب " افاده المناوي في حاشيته على فتح القدير 3 / 135 وراجح صحي الجامع الصغير رقم الحديث 29360
424

الأيام (1) التي ذكرناها مطلقا على حكم الوقت بل (2) كان النهي عن الصيام في الأوقات
المذكورة جاريا على بابه ومحمولا على ما ورد به (3) والأمر بوجوب صيام رمضان وصوم
الحج وصوم الكفارة محمولا على بابه في إيجاب الصوم ونحو قوله تعالى تجمعوا بين
الأختين إلا ما قد سلف (4) (5) فيه بيان حظر (6) الجمع وهو عموم في بابه وقوله تعالى
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم (7) لا نعترض عليه لأنه ورد في إباحة ملك
اليمين بالسبي (8) ولم يتعرض فيه لجهة الجمع (9) فلا يعترض (10) به عليه ولولا اجتماع
الخبرين على هذا الوجه لم يكن يمتنع في كل واحد منهما إذا ورد منفردا عن الآخر
إجراؤه (11) على العموم في جميع ما انتظمه (12) ظاهره إلا أنه لما ورد بإزائه خبر هو أخص منه
في بابه وصار كل واحد منهما واردا على وجه وسبب غير ما ورد فيه الآخر أجرينا كلا منهما
وحملناه على سببه

(1) لفظ د " الآي ".
(2) في ح " فلو ".
(3) في د " فيه ".
(4) ما بين القوسين لم يرد في د.
(5) الآية 23 من سورة النساء.
(6) لفظ ح " حضر " وهو تصحيف.
(7) الآية 24 من سورة النساء.
(8) الآية 24 من سورة النساء.
(9) سقطت هذه الزيادة من د.
(10) لفظ ح " يتعرض ".
(11) لفظ د " اجراء ".
(12) لفظ ح " انتظم ".
425