الكتاب: الرسائل الرجالية
المؤلف: أبي المعالي محمد بن محمد ابراهيم الكلباسي
الجزء: ١
الوفاة: ١٣١٥
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق: محمد حسين الدرايتي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢ - ١٣٨٠ش
المطبعة: سرور
الناشر: دار الحديث
ردمك: ٩٦٤-٧٤٨٩-١٠-٢
ملاحظات: دار الحديث للطباعة والنشر - قم - شارع آية الله المرعشي النجفي - قرب ساحة الشهداء / الهاتف : ٧٧٤١٦٥ ، ٧٧٤٠٥٢٣ - ص . ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

الرسائل الرجالية
لأبي المعالي محمد بن محمد إبراهيم الكلباسي
(1247 - 1315 ه‍. ق)
تحقيق
محمد حسين الدرايتي
الجزء الأول
1

الكلباسي، محمد بن محمد إبراهيم، 1247 - 1315 ق.
الرسائل الرجالية / أبو المعالي محمد بن محمد إبراهيم الكلباسي؛ تحقيق: محمد حسين الدرايتي. - قم:
دار الحديث 1422 ق / 1380 ش.
4 ج.
المصادر بالهامش.
1. حديث - علم الرجال. الف. العنوان. ب. الدرايتي، محمد حسين، 1343 ش -، المحقق.
5 ر 8 ك / 114 BP 264 / 297
شابك: 2 - 10 - 5985 - 964 ISBN: 964 - 5985 - 10 - 2
مؤسسة
دار الحديث الثقافية
الرسائل الرجالية / ج 1
تأليف: أبو المعالي محمد بن محمد إبراهيم الكلباسي
تحقيق: محمد حسين الدرايتي
المساعدون: عباس تبريزيان، عبد الحليم الحلي، عبد العزيز الكريمي
مقابلة النص: محمود سپاسي، مصطفى أوجي
نضد الحروف: فخر الدين جليلوند
الناشر: دار الحديث
الطبعة: الاولى، 1422 ق / 1380 ش
المطبعة: ستاره
النسخ: 1500
الثمن: 1800 تومان
دار الحديث للطباعة والنشر - قم - شارع آية الله المرعشي النجفي - قرب ساحة الشهداء
الهاتف: 7741650 0251 - 7740523 0251 ص. ب 4468 / 37185
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

فهرست اجمالي
الفهرس الإجمالي
تصدير... 7
مقدمة المحقق... 9
الفصل الأول: في حياة المصنف... 11
الفصل الثاني: في الرسائل الرجالية وطريقة المصنف... 25
خاتمة: عملنا في الرسائل... 26
1 - رسالة في ثقة... 31
2 - رسالة في جواز الاكتفاء في تصحيح الحديث بتصحيح الغير وعدمه... 235
3 - رسالة في تزكية الرواة من أهل الرجال... 355
الفهرس التفصيلي... 473
5

تصدير
لا ريب أن الحديث الحاكي للسنة هو المصدر الثاني في تحصيل العلوم
الإلهية بعد كتاب الله - تبارك وتعالى - فهو من المصادر المهمة التي يدور عليها
مدار الاستنباط والاجتهاد في أحكام الله.
ولما كانت السنة الشريفة بما فيها قول المعصوم أو فعله أو تقريره على هذه
الأهمية العظيمة والخطيرة، فلابد من إحراز صدورها عنهم (عليهم السلام) - بطريق علمي أو
وجداني - من خلال الاطمئنان بصحة سند الروايات التي بطبعها تكون حاكية عنها،
والعلم بما يعرض على متن الحديث، من حيث كونه نصا أو ظاهرا، خاصا أو
عاما، مطلقا أو مقيدا، مجملا أو مبينا، معارضا أو غير معارض، أو موضوعا أم لا.
وذلك لا يتيسر لكل مراجع ومستنبط إلا إذا كان عالما خبيرا بعلوم الحديث،
كعلم الرجال والدراية وفقه الحديث والأصول والأدب؛ وقد اهتم علماء الشيعة
ورواة أخبار آل محمد (صلى الله عليه وآله) - حيث يتوارثونه خلفا عن سلف - برواية الحديث
وحفظه وحمله وجمعه وترتيبه، ونقده وتعديل رواته والتحقيق في تاريخه
وطبقات رجاله وفنون درايته، فصنفوا بذلك كتبا وأصولا ومجموعات حديثية
وألفوا كتبا ورسائل في علم الرجال، وشرح الحديث، وغريب الحديث، ودراية
7

الحديث، مضافا إلى تعرضهم لما يتعلق بأحوال الحديث في كتب الأصول والفقه
والتفسير والكلام. وقد حمل هؤلاء العلماء أعباء الرسالة الإسلامية وشيدوا
بنيانها، وتركوا لنا ميراثا علميا حديثيا عظيما، يصعب على الباحث أن يحيط بكل
من ألف وما ألف؛ ومن المؤسف أن كثيرا من آثارهم مجهول أو مفقود، وكثيرا
منها بقي مخطوطات على رفوف المكتبات العامة والخاصة، بعيدة عن أيدي
الباحثين والطلاب.
هذا، وقد عزم مركز أبحاث دار الحديث لإحياء وتحقيق ما تيسر له من
ميراث الشيعة في هذا المضمار، ومنها هذه المجموعة القيمة في علمي الدراية
والرجال من آثار العالم الفاضل المحقق المدقق والمتتبع الخبير الشيخ أبو المعالي
الكلباسي المتوفى سنة 1315 ق. وكانت أكثرها رسائل مخطوطة لم تطبع إلى
الآن، وقد طبعت بعض الرسائل على طبعة حجرية مشحونة بالأغلاط والأخطاء.
هذا وقد تصدى لتصحيحها وتحقيقها حجة الإسلام الشيخ محمد حسين
الدرايتي يساعده في ذلك جمع من محققينا الأعزاء، فلله درهم وعليه أجرهم،
والله هو المسؤول أن يوفقنا لخدمة المكتبة الإسلامية وإحياء السنة الشريفة.
قسم إحياء التراث
في مركز بحوث دار الحديث
علي أوسط الناطقي
8

مقدمة التحقيق
ويقع في فصلين وخاتمة:
الفصل الأول: حياة المصنف
الفصل الثاني: الرسائل الرجالية وطريقة المصنف
خاتمة: عملنا في الرسائل
9

الفصل الأول
في حياة المصنف (1)
اسمه ونسبه:
العالم الرباني، والمحقق المتبحر، والمتتبع الدقيق، أسوة الورع والتقوى،
الملازم لشدة الاحتياط، الشيخ أبو المعالي محمد ابن محمد إبراهيم بن محمد
حسن بن محمد قاسم الكلباسي (الكرباسي). وينتهي نسبه الشريف إلى مالك
الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام).
والكلباسي أصلها الكرباسي نسبة إلى " حوض كرباس " هرات موطن جده
الحاج محمد حسن، وتبديل حرف الراء في الفارسية إلى اللام شائع. ولذا اختلف
التعبير عن لقبه في كتب التراجم، فمرة يسمى " الكرباسي " ومرة يسمى " الكلباسي "
والكل صحيح على ما بينا، والأصح " الكلباسي ".
مولده:
ولد في مدينة أصفهان قبل طلوع الفجر بساعة، ليلة الأربعاء سابع شهر شعبان

1. اعتمدنا أساسا في هذه الترجمة على ما أورده نجله أبو الهدى في رسالة كتبها باسم " البدر التمام في
ترجمة الوالد القمقام والجد العلام ".
11

المعظم من سنة 1247. ه‍. ق، على ما كتبه بخطه الشريف على ظهر كتاب الكشاف.
نشوؤه ومعاناته:
رباه العالم الرباني السيد الممجد الشهشهاني (قدس سره)، وهو من تلاميذ والده الشيخ
محمد إبراهيم الكلباسي. وكان عنده حتى بلغ إلى حد الاشتغال، وتمكن من
تحصيل الكمال، فاشتغل بتعليمه حتى توفي والده العلامة ولم يكمل له خمس
عشرة سنة، ورأى حينئذ شدائد الأمور، ومن جملتها الابتلاء بضيق المعيشة.
واشتغل حينها على السيد الجليل السيد حسن المدرس وكان يصف حسن
أخلاقه ورشاقة مذاقه من كثرة التأمل، وأنه كان يأمر بكثرة الفكر في المسائل
والتدقيق، وأنه سمع نصيحته في ذلك فابتلى بضعف القلب ووحشة في البال
على وجه لا يوصف بالمقال.
قال في خاتمة البشارات يصف تلك الحال: " ولو وصفت لك انقطاع أسباب
التحصيل عني واختلال أمري في أزمنة التحصيل، وبلغت في الوصف ما بلغت،
لكاف الموصوف به أزيد وأشد بمراتب شتى، وقد أغمضت العين عما انتقل [إلي]
من الوالد الماجد من جهة الاشتغال بالتحصيل إلى أن درج درج الرياح، لكن الله
سبحانه قد تفضل وتصدق علي من فضله وكرمه بعد ذلك سعة في المعيشة
بأسباب خارقة للعادة ".
بل كان يصف ابتلاء المحقق القمي - كما ذكره في مقدمة كتاب الغنائم ويقول:
" إنه أقل من ابتلائه، وكان مع كل ذلك صبورا يتوسل لرفع حاجاته بما يتوسل به
الصالحون، كما أنه قد صام زمانا في الصيف ستة أشهر رجاء رفع الفقر الذي هو
أمر من الصبر؛ نظرا إلى قوله سبحانه وتعالى: (واستعينوا بالصبر والصلوة) (1)
والصبر مفسر بالصوم ".
وقال في آخر الرسالة: " وقد صبرت في محن هذه الدار دار النار - ومنها محنة

1. البقرة (2): 45.
12

الفكر وتعميق النظر بعد محن أصل التحصيل - على طغياء عمياء يشيب فيها
الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ". وقد بالغ في
الوصف بعد ذلك.
وبالجملة استمر تحصيله عند هذا السيد الممجد مع تحمل الشدائد التي لا
تتحمل، ولكنه تحملها كما تحمل نظائرها حتى ظفر بالمراتب العلمية واستقل
بالتصنيف، وشرع في كتاب البشارات الذي لم ير نظيره، وقد أنهاه في ثلاثة
مجلدات ولم يبلغ الأربعين من عمره.
وكان بناؤه في التصنيف هي طريقة المحققين، وهي قلة التصنيف مع كثرة
التحقيق، كما ينقل عن صاحب المدارك وصاحب المعالم.
وبالجملة فقد كان يقول: " كنت أتأمل في بعض المطالب أياما من غير أن
أكتب شيئا، وقد تأملت شهرين في كتابة ورقتين من البشارات ". ولذا صارت تصانيفه
فائقة على غيرها، حاوية لمطالب مختصة بها مع طول الذيل المبني على التصرفات
الدقيقة والتأملات الرشيقة والتتبعات الوافرة، يذكر المقدمات قبل الخوض فيها،
والتنبيهات بعد الخوض فيها لكي لا يغادر مجهولا أو مبهما أو مجملا.
كثرة تفكره واهتمامه:
كان أبو المعالي دائبا مفكرا في المطالب العلمية حتى عند الاشتغال بالأكل أو
حتى في الحمام، وكثيرا ما كان يأمر ولده بكتابة عبارة من موضع مطالعته، سواء
من عبارات نفسه أو سائر العلماء ويستصبحها في الحمام، ويظل يفكر فيها. وربما
كتب في هذا الحال ما يخطر بباله الشريف، فقد يرى في بعض مسوداته آثار الحناء.
قال في آخر الرسالة التي ألفها في لفظة " ثقة " وغيرها: " كنت متشاغلا بالتفكر
في حال المشي حتى في الليالي، وكذا حين كلام الغير معي، بل كنت كلما تيقظت
من النوم أتوجه إلى الفكر بمجرد التيقظ، بل كنت كلما انقلبت في النوم من شق
إلى شق أتوجه إلى الفكر ".
ومن جراء ذلك ابتلي بضعف القلب المفرط، وكان يعود عليه هذا المرض
13

كلما عاود الاشتغال.
عبادته:
نقل بعض الثقات على ما في البدر التمام فقال: " كنت ليلة في منزله في خارج
البلد، فسمعت في نصف الليل صوتا غريبا تحيرت فيه، فلما تفحصت عن حقيقة
الحال وجدته صوت ولي الله غريقا في التضرع والابتهال، حتى إنه كرر لفظ كذلك
ثلاث مرات لأدائه صحيحا ".
وحكى بعض فقال: " إنى كنت ليلة في منزله، فلما انتصف الليل سمعت
صوتا غريبا ما سمعت مثله في مدة العمر، إني كنت ليلة في منزله، فلما انتصف
الليل سمعت صوتا غريبا ما سمعت مثله في مدة العمر، وخفت من شدته حتى
انتهضت للتحقيق عنه، فوجدته متحنكا قائما على التراب متضرعا مبتهلا خائفا
من يوم الحساب ".
وحكى بعض أنه كان كثيرا من الأوقات يصلي صلاة الصبح بوضوء صلاة
المغرب والعشاء، وكذا ينقل غير ذلك مما هو عجيب وأعجب في أمر عبادته.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
زهده:
كان (رحمه الله) معرضا عن الملاذ الدنيوية بأسرها من أكلها وشربها وعزها وجاهها،
بل كان يشمئز من الجلوس في غير المواضع الدانية فضلا عن العالية، وكان يحب
الجلوس على الأرض، وكان يكثر الجلوس عليها خصوصا في أيام مرضه الذي
توفي فيه، حتى كان يعوده الأعيان وهو نائم على التراب لا يرضى بالتحول عنه،
ويذكر هذا الشعر:
من لم يطأ التراب برجله * وطئ التراب بصفحة الخد
وكان جلوسه في حال دعائه ليالي الجمعة وغيرها على الأرض، كما أن دعاءه
في وقت تحويل السنة عليها.
14

قال في بعض تحقيقاته: " المتعارف بين أفراد الإنسان الجلوس على الفرش
عند التضرع إلى الله الملك المنان، مع أن المناسب لمقام التضرع إلى رب الأرباب
طريق التواضع بالجلوس على التراب ".
وكان يباشر بنفسه في ليلة العاشوراء ويومها وليلة الثماني والعشرين من شهر
صفر ويومها الخدمة في مجالس العزاء بنفسه.
شدة احتياطه:
ينقل أنه قد وقعت أمور اضطر فيها إلى التصرف في حمام موقوف من قبل
جده العالم المؤتمن الحاج محمد حسن، وهو قد قرر أن يصرف وجه الإجارة في
دهن السراج لطلاب بعض المدارس المخصوصة، ولما تداول في ذلك الزمان
الاستضاءة بالنفط، فاستدعى غير واحد من الطلاب تغيير المقرر بالنفط مصرا
عليه، فما أذن بالتغيير وما رضي بالتبديل خوفا من أن يقع تغيير فيما قرره الواقف.
وكذا فقد استدعى بعض أبناء السلاطين إذن التصرف في بعض الأملاك منه،
وأهدى له المبلغ الخطير، فما أذن له في التصرف في القرى، ولا قبل منه الهدية
الكبرى؛ نظرا إلى ما جرى من الإشكال في ثبوت الولاية العامة، وقال: " لو أرسل
إلي جميع ما في العالم لما خالفت الله سبحانه ".
وعلى هذا قد استقرت طريقته حتى انقضت مدته.
وكان كثير التحرز عن الأموال المشتبهة، ومتجنبا كل الاجتناب عن استعمال
شيء من أموال أرباب الديوان في أكله وشربه، فضلا عما يتعلق بصلاته و
وضوئه، كما اتفق أنه أخذ لقمة يوما ووضعها في فيه، فظهر له أنها من تلك
الأموال، فأخرجها من فمه وألقاها وقال: " ما دخل في حلقي شيء من الأموال
المشتبهة إلى الآن ".
وفاته ومدفنه:
توفى (رحمه الله) في أصفهان في السابع والعشرين من صفر 1315 ه‍. ق ودفن في
15

بقعة مخصوصة في " تخت فولاد " وقال ولده أبو الهدى في وفاته:
" وكان مرضه بلسان أهل الطب ذو سنطار الكبدي وبلسان المتعارف اسهال
الدموي، ولم يكن من زمان حدوثه إلى انتهاء مدته إلا خمسة أيام، ولم يظهر له
في تلك الأيام القليلة أثر الموت مطلقا، بل كان مشتغلا بالمطالعة والتصنيف في
ثلاثة من تلك الأيام، كما أنه يذكر المطالب العلمية والعملية على سبيل التفصيل
مع الطبيب وغيره في يوم الآخر. وليكن ظهر في هذا اليوم من أول الصبح برودة
في يديه وزاد حتى اشتد قبيل المغرب وبعده، واجتمع عنده الأطباء في هذه
الساعة، وانقلبت حالته الشريفة من هذه الساعة ومتدرجا ما بعدها إلى طلوع
الفجر. فلما رأيته اشتداد الأمر ذهبت للأمر باحضار الطبيب، فلما رجعت أخبرت
بما أخبرت، واشتعل النيران في القلب بما سمعت... وكان وقت وقوع هذه
الداهية بعد طلوع الفجر بدقايق من يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر صفر
المظفر سنة خمسة عشر وثلاثمائة بعد الألف ".
أسرته
أبوه:
هو الشيخ الجليل والعالم النبيل الحاج محمد إبراهيم الكلباسي الأصفهاني
" 1180 - 1261. ه‍. ق " من أعاظم علماء عصره المشاهير، ولد في شهر ربيع الآخر
عام 1180. ه‍. ق في أصفهان، وهاجر إلى العراق فأدرك الوحيد البهبهاني، و
السيد مهدي بحر العلوم، والشيخ كاشف الغطاء، والسيد على الطباطبائي صاحب
الرياض، والمقدس الكاظمي فاشتغل عندهم، وحضر عليهم مدة طويلة. ثم
رجع إلى إيران فحل في بلدة قم، واشتغل بها على المحقق الميرزا القمي صاحب
القوانين، ثم سافر إلى كاشان فحضر على عالمها الشهير المولى محمد مهدي
النراقي صاحب جامع السعادات، ثم عاد إلى إصفهان، فحفت به طبقاتها، وألقت
إليه الرئاسة أزمتها، فإذا به مرجعها الجليل، وزعيمها الروحي، ورئيسها المطاع، و
16

قائدها الديني، وقد نهض بأعباء العلم مع شدة الاحتياط والورع، والتقى
والصلاح، وشغل منصة التدريس طيلة حياته وكان يؤم الناس في مسجد
الحكيم، ويرقى المنبر بعد الصلاة، ويعظ الحضور. وكان في غاية التواضع و
حسن الخلق وسلامة النفس.
وكانت بينه وبين الحجة الكبير - معاصره - السيد محمد باقر حجة الإسلام
صلة وثيقة لم تخل بها زعامة كل منهما ومرجعيته.
وتوفي في اليوم الثامن من جمادى الأولى عام 1261. ه‍، وقبره بمقبرة
تخت فولاد مزار معروف.
وله تصانيف نافعة هامة في الفقه والأصول، منها الإيقاضات أولا، و
الإشارات ثانيا، وله أيضا رسالة الصحيح والأعم، ورسالة تقليد الميت، وشوارع
الهداية إلى شرح الكفاية للسبزواري، ومنهاج الهداية، وإرشاد المسترشدين،
والإرشاد، والنخبة في العبادات انتخبها من الإرشاد باللغة الفارسية، ومناسك الحج
باللغة الفارسية، ورسالة في تفطير شرب التتن كتبها لبعض أبناء السلطان فتح علي
شاه القاجاري، وقد سأله عن حكم استعمال الصائم للدخان، وذكر فيها من أخذ
عنهم العلم وعد من ذكرناهم وغيرهم.
وقد تخرج على يده الكثير من العلماء والمجتهدين منهم أولاده: المصنف،
وولده الأكبر المجاز منه في الاجتهاد الشيخ محمد مهدي صهر السيد حجة
الإسلام، والآخر الشيخ جعفر.
وكذا غيرهم كالميرزا الشيرازى، والميرزا محمد التنكابني صاحب قصص
العلماء، وصاحب الروضات، والسيد حسن المدرس، والسيد محمد
الشهشهاني وغيرهم.
وترجم له تلميذاه في الروضات وقصص العلماء، والسيد حسن الصدر في
التكملة، وولده الشيخ جعفر في رسالة مستقلة في أحوال والده، وألف حفيده
الشيخ أبو الهدى ابن أبي المعالي ابن المترجم كتابه البدر التمام في ترجمة الوالد
17

القمقام والجد العلام، وترجم له أيضا الطهراني في الكلام البررة، والسيد محسن
الأمين في أعيان الشيعة.
جده:
وهو العالم الزاهد الحاج محمد حسن بن محمد قاسم الكاخكي الخراساني.
ولد في خراسان، ومسكنه في محلة منه تعرف بحوض كرباس، وينتهي
نسبه الشريف إلى مالك الأشتر النخعي. وكان من الزاهدين في الدنيا، والراغبين
في الآخرة، وأقام مدة في " كاخك " الذي هو من توابع گناباد، وبنى فيها مدرسة؛
وانتقل منها إلى مشهد المقدس عمر فيها المدرسة المخروبة التي في الخيابان،
وبنى خانا في جنب المقبرة المدعوة بقتلگاه، ووقفها لصرف منافعها في
المدرسة المذكورة. وسافر منه إلى بلدة يزد، وبنى المسجد المعروف فيها
بمسجد ريكي شبستانا. وسافر منها إلى أصفهان، وصحب فيه العالم المعروف
محمد البيد آبادي، وعمر فيه المدارس المعروفة بمدرسة الماسية ومباركية
وشاهزادها.
وتوفي في سنة 1190. ه‍. ق ودفن في تخت فولاد.
ولده:
وهو الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب كتاب سماء المقال، و
هو الآخر من العلماء الكبار، ولد في إصفهان، وشرع في تحصيله للعلوم عند
والده المصنف، وبعد وفاة والده انتقل بصحبة أخيه جمال الدين إلى النجف،
فحضر درس المولى محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية، والسيد محمد
كاظم اليزدي صاحب العروة، حتى بلغ الذروة، وحصل على درجة الاجتهاد، و
عاد بعدها إلى أصفهان، واشتغل بالتدريس فيها. وكان له تخصص في الرجال،
وله كتب فيه وفي غيره من العلوم منها كتاب سماء المقال وزلات الأقدام في
بعض الاشتباهات الرجالية، والفوائد الرجالية، وله حاشية على الكفاية، وكتاب في
18

الفقه وغيرها.
توفي في سنة 1356 ه‍. ش، ودفن في مقبرة والده في تخت فولاذ.
زوجته:
العابدة الزاهدة بنت المرحوم السيد زين العابدين ابن الحاج السيد محمد
باقر حجة الإسلام الشفتي البيد آبادي.
إطراء العلماء له:
1 - قال الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب: " أبو المعالي الإصفهاني
عالم، فاضل، متبحر، دقيق، فكور، كثير التتبع، حسن التحرير، كثير التصنيف،
كثير الاحتياط، شديد الورع، كامل النفس، منقطع إلى العلم والعمل، له مصنفات
في الفقه والأصول والرجال "، إلى آخر ما قال. (1)
2 - قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: " عالم، عامل، فاضل، متجرد، دقيق
النظر، كثير التتبع، حسن التحرير، كثير التصنيف، كثير الاحتياط، شديد الورع،
عالم رباني منقطع إلى العلم، لا يفتر عن التحصيل ساعة، لم يكن في عصره أشد
انكبابا منه على الاشتغال " وذكر له 65 مؤلفا. (2)
3 - قال في الروضات: " رأيته في العقل أفضل جميع أهل زمانه، بل عين إنسان هو إنسان عين جميع أترابه وأقرانه، ووجدته في الدين دانت له قاطبة حفاظه وديانه وخزانه، بل جميع إيمان الخلق جزء من إيمانه، واعتقدته في العلم أفقه من تكلم على حقيقة شيء من برهانه، وتفطن إلى دقيقه فرع من أغصانه ولقيته في الحلم أحلم من كظم الغيظ على الجاهلين بمنزله ومكانه، وأجمل من حمل أعباء الخلائق بحسن خلقه وطيب لسانه. وألفيته في الجود معترفا كل موجود من رهائن إحسانه، بنفسه أو بعلمه أو بماله أو بشأنه ووافيته

1. الكنى والألقاب 1: 159.
2. أعيان الشيعة 2: 433.
19

في العرف معروفا فأبين أهل الجوانب من الأرض بأنه مزين ديوانه ومذيل عنوانه، كيف لا وسجده الأعظم بأصبهان يشهد بعلو كعبه ورفقه ببيانه، بل هو آية من آيات ملكه وعلامة من علامات سلطانه! وشاهدته في البر أوصل كل أحد من قاطعين من رحمه وإخوانه، وأصبرهم في الصبر وأملكهم للنفس عند تراكم أشجانه، وتوارد
هزاهزه وأحزانه، فلم يترجح ميزان أحد من الصابرين على ميزانه، وعاينته في الشكر فوق كل من شكر ربه بجنانه وأظهره بنطقه وبيانه، وثلثها بالعمل بأركانه، وشبهته في اللين بسيد المرسلين صلوات الله تعالى وسلامه عليه مع جميع أقوامه وأخدانه، فاستوفي مراتب المعارف والأخلاق بأسرها، واستقصى مدارج المكارم والآداب بأصبارها، وصار بين أنجم العلماء كأنه بدر التمام، وجنب أبحر الكرماء كأنه البحر الطمطام، علما فائقا في المعالي سائر فضلائنا الأعلام، وحجة كاملا من مواهب الرحمة قد أعطاه الزمام في هذه الأيام " انتهى.
وقال نجله أبو الهدى في وصفه: " إنه شمس سماء العلم والتحقيق،
وبدر فلك الفضل والتدقيق، سلطان العلماء وتاج همتهم، وبرهان الفقهاء
ونجم أئمتهم، خاتم المجتهدين وزبدتهم، وقدوة المحققين وأسوتهم، فحل
الأصوليين وعمادهم، وقريع الرجاليين وسنادهم، الزاهد الورع، العريف العيلم،
والحبر البدل الغطريف، العظمظم العلامة، فاق الأفاضل كلهم، جمعت وأيم الله
فيه مناقب.
سيماه ناطقة بنور علومه * فجنابه فلك وهن كواكب
المولع بافتضاض أبكار الأفكار، والنحرير المتبحر الذي لم يظهر نظيره
في الأعصار ".
قال ذلك في مطلع رسالة كتبها في باسم البدر التمام في ترجمة الوالد القمقام والجد العلام
ذكر فيها لكل منهما شرحا واسعا عن أحوالهما وكراماتهما وقصصهما وغيرهما.
مشايخه:
1 - العالم الجليل السيد حسن المدرس.
20

2 - السيد الأمير محمد بن عبد الصمد الحسيني الشهشهاني.
3 - والأمير محمد الصادقي.
تلامذته:
1 - السيد أبو القاسم بن محمد باقر الحسيني الدهكردي (1353 - 1272 ه‍)
2 - الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب " سماء المقال " ولد المصنف.
3 - الميرزا جمال الدين الكلباسي (1350 ه‍)، ولد المصنف.
4 - السيد حسن بن السيد مهدي النحوي الموسوي (1361 - 1287 ه‍).
5 - المولى محمد حسين بن المولى أسد الله الكرماني الأصفهاني (1330 -
ح 1245 ه‍).
6 - الميرزا حسين بن إبراهيم الطباطبائي المدرس الكهنكي (1376 -
1288 ه‍).
7 - السيد العلامة الحاج حسين بن علي الطباطبائي البروجردي (1380 -
1292 ه‍).
8 - السيد شهاب الدين النحوي الموسوي (1340 - 1263 ه‍).
9 - السيد مهدي بن زين العابدين الموسوي الكرماني (1318 ه‍).
مؤلفاته (1)
الكتب والرسائل الأصولية:
1 - البشارات في أصول الفقه.
2 - رسالة في أن الأصل في الاستعمال الحقيقة.
3 - رسالة في تحرير النزاع في دلالة النهي على الفساد.
4 - رسالة في الفرق بين الجهة الحيثية والتقيدية.

1. ذكر المصنف (رحمه الله) أكثر مؤلفاته في خاتمه شرحه على زيارة العاشوراء المطبوعة.
21

5 - رسالة في الشك في الجزئية والشرطية والمانعية.
6 - رسالة في الفرق بين الشك في التكليف والشك في المكلف به.
7 - رسالة في اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب.
8 - رسالة في تعارض الاستصحابين.
9 - رسالة في تعارض اليد والاستصحاب.
10 - رسالة في تعارض الاستصحاب وأصالة الصحة.
11 - رسالة في الجهة التقيدية والتعليلية. ولعلها عين رسالة الجهة الحيثية والتقيدية.
12 - رسالة في حجية الظن.
13 - رسالة في حكم البغاء على تقليد الميت.
الكتب والرسائل الفقهية:
14 - شرح كفاية السبزواري.
15 - أرجوزة في الوضوء، مبسوطة.
16 - رسالة في الغسالة.
17 - رسالة في العصير العنبي.
18 - رسالة في أن وجوب الطهارات نفسي أم غيرى.
19 - رسالة في النية.
20 - رسالة في الصلاة في الماهوت.
21 - رسالة في الصلاة في الحمام الوقف الذي يتصرف فيه غير أهله.
22 - رسالة في إفساد الغليان للصوم.
23 - رسالة في اشتراط الرجوع إلى الكفاية في الحج.
24 - رسالة في الاستئجار للعبادة.
25 - رسالة في الشرط ضمن العقد.
26 - رسالة في المعاطاة.
27 - رسالة في أصوات النساء.
28 - رسالة في حكم التداوي بالمسكر.
22

29 - رسالة في الصحيح والمعيب.
30 - رسالة الاسرافية في تحقيق الإسراف موضوعا وحكما.
الرسائل الرجالية:
31 - رسالة في " ثقة ".
32 - رسالة في تصحيح الحديث بتصحيح الغير.
33 - رسالة في تزكية الرواة من أهل الرجال.
34 - رسالة في أصحاب الإجماع.
35 - رسالة في النجاشي.
36 - رسالة في ابن الغضائري.
37 - رسالة في الشيخ البهائي.
38 - رسالة في المحقق الخوانساري.
39 - رسالة في الصحيفة السجادية.
40 - رسالة في تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري.
41 - رسالة في أبي بكر الحضرمي.
42 - رسالة في أبي داود.
43 - رسالة في أحمد بن الحسين.
44 - رسالة في حسين بن عبد الله.
45 - رسالة في أحمد بن محمد.
46 - رسالة في حسين بن محمد.
47 - رسالة في حفص بن غياث وسليمان بن داود وقاسم بن محمد.
48 - رسالة في حماد بن عثمان.
49 - رسالة في عبد الله بن محمد.
50 - رسالة في علي بن حكم.
51 - رسالة في علي بن سندي.
52 - رسالة في علي بن محمد.
23

53 - رسالة في محمد بن أبي عبد الله.
54 - رسالة في محمد بن أبي عمير.
55 - رسالة في محمد بن الحسن.
56 - رسالة في محمد بن زياد.
57 - رسالة في محمد به سنان.
58 - رسالة في محمد بن فضيل.
59 - رسالة في محمد بن قيس.
60 - رسالة في معاوية بن شريح.
61 - رسالة في لزوم نقد مشيخة الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيبين.
الكتب والرسائل المتفرقة:
62 - كتاب التفسير في أجزاء قليلة.
63 - حواشي على القرآن الكريم من سورة النساء إلى سورة المعارج.
64 - خطب مؤلفة من الآيات القرآنية.
65 - رسالة في شرح الخطبة الشقشقية.
66 - رسالة في شرح زيارة العاشوراء.
67 - رسالة في الاستخارة بالقرآن.
68 - كتاب الاستخارات.
69 - رسالة في التربة الحسينية.
70 - رسالة في الجبر والتفويض.
71 - رسالة في شبهة الاستلزام.
72 - رسالة في الشبهة الحمارية.
73 - رسالة في الشبهة في حمل المشكوك فيه على الغالب.
74 - مختصر علم الحساب.
75 - رسالة في أحوال الإنسان باللغة الفارسية.
24

الفصل الثاني
في الرسائل الرجالية وطريقة المصنف
إن هذه المجلدات يجمع مؤلفاته في علمي الدراية والرجال، والتي
تحتوي على الفوائد الكثيرة وتتضمن المباحث القيمة من علمي الرجال و
الدراية، وقد جمعت جميع ما يحتاج إليه المجتهد أو المحقق مما غفل عنه
العلماء السابقون، أو لم يستقصه اللاحقون، ومما لم يخطر ببال أحد الغوص فيه،
كالبحث عن الكتب الرجالية ومصنفيها، وامتيازاتها ونقائصها وما يدور فيها، و
البحث في كلمة " ثقة " ونقد المشيخة، بالإضافة إلى المتعارف بحثه في كتب
الأسبقين، كالبحث عن رجال بأعينهم أو عن أسماء مشتركة، أو البحث عن
أصحاب الإجماع.
وتعتمد طريقته في البحث على الاستقصاء التام، والإحصاء الكامل، مع كثرة
التدبر في الجزئيات، والتنبيه على ما لا يحصل إليه الالتفات.
وكذا تمتاز أبحاثه بتوضيح المبهمات توضيحا شافيا، وذلك بتقديم
المقدمات وإلحاق التنبيهات وتدارك كل ما فات، فهو يدخل في مباحث جانبية
من دون أن تشعر أنها مخلة بالبحث، ويبحث عن كل ما يعترض في البين وإن لم
يرتبط بصلب المبحث؛ حرصا منه على عدم التجاوز عن مبهم له وللقارئ، فلا
تجد في كتبه غريبة لم يذكر معناها، ولا شاردة لم يلاحقها ببيان مغزاها، وهذا كله
ينبى عن تفهم وتعقل للأمور وكثرة تدبر في المطاوي والمنعطفات.
بقي الكلام في بيان بعض التعابير الواردة في الرسائل عن العلماء، لا بد من
الإشارة إلى المراد منها تتمة للفائدة:
1 - السيد السند النجفي = السيد مهدي بحر العلوم، وعبر عنه عند الكلام
عن حجية الكتب الأربعة ب‍ " بعض الفضلاء "، ويريد ب‍ " بعض الفضلاء " في غيره
25

السيد مهدي الخونساري.
2 - بعض الفصول = السيد محمد بن السيد على الطباطبائي، صاحب
المناهل ومفاتيح الأصول.
3 - العلامة النجفي = كاشف الغطاء.
4 - بعض الأواخر = صاحب الجواهر الشيخ محمد حسن النجفي.
5 - بعض الأعلام = حجة الإسلام الشفتي صاحب المطالع.
6 - بعض المحققين = صاحب هداية المسترشدين في أصول معالم الدين.
7 - بعض أجلتنا = صاحب الفصول.
8 - سيدنا = السيد حسن المدرس.
9 - شيخنا السيد = السيد محمد الشهشهاني.
10 - بعض الأصحاب = الشيخ الأنصاري.
11 - بعض الأماجد = السيد مهدي بن السيد علي صاحب الرياض.
12 - بعض المتأخرين = صاحب منتهى المقال الشيخ محمد علي الحائري.
خاتمة
عملنا في الرسائل:
إن العمل في هذا السفر القيم كان شاقا وطويلا على رغم وجود التوضيحات
وحل المشكلات في أصل الكتاب، ذلك لأجل قلة النسخ المخطوطة، وكثرة
أخطاء النساخ الناشى من تشابه الأسماء في سلسلة الإسناد، وتكررها في كل
سطر، فكأن الكاتب حينما يكتب كلمة " محمد بن علي " مثلا ويلتفت يمنة أو
يسرة ويرجع ليستمر في الكتابة فيجد هاتين الكلمتين في السطر اللاحق فيبدأ
بالكتابة من بعدها وهو قد ترك سطرا كاملا أو أكثر من دون التفات.
وكذا فإن كثير من الكلمات غير مقروء، فاستعنا بخبراتنا السابقة، وبمراجعة
26

المصادر، والعبارات المشابهة اللاحقة، فلم نتجاوز عن شيء إلا بيقين.
فكان شروع العمل بعد استحصال النسخة الحجرية - وأشرنا إليه ب‍ " ح " - و
المخطوطة - وأشرنا إليه ب‍ " د " - بإعداد نسخة بتوضيح مبهمها وفتح مغلقها وحل
مختصراتها، وتعيين رؤس أسطرها، وتوضيح نقطها، وتقطيعها بفوارز ونقاط
تقطيعا أوليا لا يثقل على الذي صف الحروف الكترونيا.
وفي المرحلة الثانية تمت مقابلة المصفوف مع المصفوف عليه، وتلافي
الأخطاء المطبعية، ومن ثم مقابلته مع النسخة المخطوطة وتثبيت الاختلافات على
قصاصات.
وفي المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الاستخراج، والرجوع إلى المصادر
الأمهات، وقد تم استخراج جميع الآيات، والروايات، وأقوال العلماء، في الرجال
كانت أو في الفقه أو التاريخ أو الأصول أو المعاجم أو من معاجم اللغات. هذا
بالإضافة إلى تذييل بعض التوضيحات.
وقد عمدنا إلى الاستخراج من المصادر الأولى مع تكثير المصادر حد
الإمكان، وعدم الاكتفاء بالجوامع الجامعة ولا بالكتب المعروفة اللامعة، بل حاولنا
استقصاء المصادر المعتبرة، والمنابع المنتشرة، وثم استخراج الأقوال من كتب
قائليها، وإلا فمن أقرب ناقليها، مع رعاية الدقة في الإشارة إلى ما جاء فيها.
وفي المرحلة الرابعة وهي أهم المراحل، مرحلة تقويم النص وتصحيح
المتن من الأخطاء علمية كانت أو املانية أو نحوية أو صرفية أو غيرها، واختيار
الصحيح عند اختلاف النسخ، أو الأرجح مع احتمال الصحة في الجميع مع
الإشارة إلى المرجوح في الهامش، هذا مع تزيين المتن بالفواصل المعقولة
والفاتحة لعقد المطالب، مما يسهل الأمر على القارئ والطالب، وكذا رعاية قواعد
الإملاء الجديد وحذف الزائد وإثبات المفيد، مع الاستعانة بالأقواس لمهمة
الحصر والتنصيص.
27

هذا بالإضافة إلى إضافة العناوين أو تعيينها، وتحديد تحتها من سمينها.
وكل ذلك مع إضافة بعض التوضيحات، وحل بعض المشكلات والإشارة
إلى ما فات أو هو آت. وغير ذلك مما هو عمل المقوم للنص.
وفي المرحلة الخامسة: قمنا بمراجعة الرسائل، وتدارك ما زاغ عن البصر،
وقد كررنا المراجعة عدة مرات لكي يجيء الكتاب بحمد الله تعالى خاليا من
الآفات.
وفي المرحلة السادسة: قمنا باعداد فهرست للموضوعات وفهارس أخرى
نافعات بعد ثبوت أرقام الصفحات.
النسخ المعتمدة:
بعد الفحص والتتبع الكثير عثرنا على نسختين خطيتين للرسائل. وقد اعتمدنا
عليهما في التحقيق، ولم نستطع للحصول على نسخة المصنف رحمه الله.
النسخة الأولى: مخطوطة مكتبة جامعة طهران، وهي عدة رسائل مجموعة
برقم 8732 تأريخ الكتابة 1315 ه‍. ق مع حواش قد كتب عليها: " منه عفي عنه ".
كتبت هذه النسخة في أواخر حياة المؤلف، أو بعد وفاته بقليل.
وهذه النسخة هي الأصل للنسخة المطبوعة على الحجر، والتي تشتمل على
28 عنوانا من الرسائل التي هي للمؤلف (رحمه الله) (1). ورمزنا لها بحرف " ح ".
النسخة الثانية: مخطوطة مكتبة ملك بطهران، مجموعة برقم 3530 مع
حواش كتب عليها: " منه سلمه الله ". وهذه المجموعة مشتملة على 30 رسالة
رجالية ما عدا واحدا منها تخص علم الأصول (2). ورمزنا لها بحرف " د ".
وتجدد الإشارة إلى أن أربعة رسائل رجالية توجد في مخطوطة جامعة طهران

1. فهرست كتب خطى دانشگاه تهران، ج 17، ص 206.
2. فهرست كتب خطى كتابخانه ملك، ج 6، ص 467.
28

فقط، وهي كما يلي:
1 - رسالة في محمد بن جعفر بن عون الأسدي.
2 - رسالة في أحمد بن الحسين.
3 - رسالة في حسين بن عبد الله.
4 - رسالة في الصحيفة السجادية.
وكذلك خمسة رسائل رجالية توجد في نسخة مكتبة ملك فقط وهي كما
يلي:
1 - رسالة في تزكية الرواة.
2 - رسالة في لزوم نقد مشيخة الصدوق والشيخ.
3 - رسالة في معاوية بن شريح.
4 - رسالة في حماد بن عثمان.
5 - رسالة في المحقق الخوانساري.
وبناء على ذلك فقد تم تحقيق تسعة رسائل رجالية معتمدين على نسخة
واحدة فقط، وفيما عداها من الرسائل الرجالية اعتمدنا على نسختين " ح، د "
المشار إليهما أعلاه.
كلمة شكر وتقدير:
وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نتقدم بخالص شكرنا إلى كل من ساهم
بمساعدتنا في تحقيق وإخراج هذا السفر القيم، وشاركنا في إنجاز هذا المشروع.
ونخص بالذكر منهم الإخوان الفضلاء المحققين الأعزاء:
1 - حجج الاسلام: الشيخ عباس تبريزيان، والشيخ عبد الحليم الحلي، والسيد
عبد العزيز الكريمي لمساعدتهم في جميع مراحل العمل منذ البداية حتى النهاية
مساعدة تامة خالصة.
29

2 - حجج الاسلام: السيد محمد رضا الحسيني، السيد محمود الطباطبائي،
والشيخ حسن عالم زاده، والسيد أبو نوفل العميدي، والسيد محمد الموسوي
لمساعدتهم في بعض مراحل العمل.
3 - حجج الاسلام: الشيخ نعمت الله الجليلي والشيخ محمد الباقري
لمراجعتهما النهائية للرسائل.
4 - حجج الاسلام: الشيخ مهدى المهريزي - مسؤول مركز بحوث
دار الحديث - والشيخ على أوسط الناطقى - مسؤول قسم إحياء التراث -
لإشرافهما ومتابعتهما العمل.
نسأل الله تعالى أن يوفق العاملين في خدمة دينه المبين إلى ما يحب ويرضى،
وأن يوفقنا لإحياء التراث الإسلامي، إنه ولي التوفيق. وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين.
محمد حسين الدرايتى
1 اسفند 1379
25 ذي القعدة 1421
30

1 - رسالة في ثقة
31

بسم الله الرحمن الرحيم
ومنه سبحانه الاستعانة للتتميم
وبعد فقد تكثر في الغاية وعلى وجه الكمال لفظة " ثقة " في تراجم الرجال
في الرجال (1)، وقد أعجبني رسم رسالة في تشريحها وشرح الحال، ولم يسبقني
إليها سابق فيما أعلم من الأبدال، ولا أحسب أن يحوم أحد من بعد حيال هذا
الخيال، وكان مدة يتخاطر هذا الخيال بالبال، لكن تمانع عن الإقدام ضيق
المجال، إلى أن ساعد في مرافقة التوفيق في الحال فضل من الله المنعم المفضال،
وعليه التوكل وبه الاعتصام في عموم الأحوال، إنه لا تخيب لديه الآمال، وأسأله
سبحانه إكمال التوفيق بتوفيق الإكمال.
[في معنى الثقة]
فنقول: إن " ثقة " لغة - كما ينصرح من القاموس (2) والمصباح (3) - مصدر " وثق "
من باب " ورث " بمعنى الائتمان، أي الاعتماد. ومنه ما يقال: " بك ثقتي " إلا أنه قد
كثر استعمالها بمعنى المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق.

1. أي في كتب الرجال. وفى " ح ": " في تراجم الرجال للرجال ".
2. القاموس المحيط 3: 416 (وثق).
3. المصباح المنير 2: 647 (وثق).
33

وعن السيد السند العلي القول بصيرورتها حقيقة متشرعة في العادل (1). (2)
وربما يلوح الميل إليه من الشهيد الثاني في رهن المسالك حيث إنه قال في
شرح قول مصنفه: ولو تعذر اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا:
والظاهر أن المراد بالثقة في هذا ونظائره العدل؛ لأن ذلك هو المعتبر
شرعا، مع احتمال الاكتفاء بالثقة العرفية، فإنها أعم من الشرعية على ما
يظهر الآن من عرف الناس (3).
لكن يمكن أن يقال: إن العبارة المذكورة كما تلائم دعوى الحقيقة المتشرعة،
كذلك تلائم دعوى الحقيقة الشرعية.
وربما يظهر منه التوقف في رهن الروضة حيث إنه بعد قول مصنفه -: ولو
تعذر الرهن هنا، أقرض من ثقة عادل غالبا - قال:
هكذا اتفقت النسخ، والجمع بين الثقة والعدل تأكيد، أو حاول تفسير
الثقة بالعدل - لوروده كثيرا في الأخبار (4) وكلام الأصحاب - محتملا (5) لما
هو أعم (6).
لكن يمكن أن يقال: إن هذه العبارة لا تنافي دعوى الظهور في العدالة، كما
اتفق هذه الدعوى في العبارة المتقدمة من رهن المسالك؛ إذ القول بالاحتمال
للمعنى الأعم لا ينافي الظهور في الأخص، أعني العدالة.
لكن نقول: إنه قد صرح في الرعاية: " بأنها مستعملة في أبواب الفقه أعم

1. في " د ": " العدل ".
2. نقله عن صاحب الرياض السيد الصدر الكاظمي في نهاية الدراية: 386.
3. مسالك الأفهام 4: 36.
4. انظر وسائل الشيعة 18: 98، أبواب صفات القاضي، ب 11.
5. محاولة الشهيد الأول لتفسير الثقة بالعدل لاحتمال أن يراد بالثقة ما هو أعم من العدل، ففسرها بالعدل
فقط دفعا للاحتمال.
6. الروضة البهية 4: 74.
34

من العدالة " (1).
وتظهر الثمرة في المطالب الفقهية حيثما يذكر تلك اللفظة في الأخبار أو
كلمات الفقهاء.
ومن هذا الباب ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت
منه فأراد مراجعتها فقال: إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري، فقالت: قد
تزوجت زوجا غيرك وحللت لك نفسي، أيصدق قولها ويراجعها وكيف يصنع؟
قال: " إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها " (2).
وعن المسالك: " أن المراد بالثقة من تسكن [النفس] (3) إلى خبرها وإن لم تكن
متصفة بالعدالة المعتبرة شرعا " (4).
وعن صاحب المدارك في شرح النافع استظهار ذلك (5).
وعن بعض: أن الثقة هنا بمعنى العدل؛ لظهورها فيه، متأيدا بتصريح المحقق
الثاني بأن الأحوط اشتراط الوثاقة بمعنى العدالة (6).
وكذا ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار
من غير وصية وله خدم ومماليك، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك؟ قال: " إن قام
رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس " (7).

1. الرعاية في علم الدراية: 203.
2. التهذيب 8: 34، ح 105، باب أحكام الطلاق؛ الاستبصار 3: 275، ح 980، باب من طلق ثلاث
تطليقات؛ وسائل الشيعة 15: 370، أبواب أقسام الطلاق، ب 11، ح 1.
3. ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
4. مسالك الأفهام 9: 180.
5. نهاية المرام 2: 69.
6. عدة الرجال 1: 110.
7. الكافي 7: 67، ح 3، باب من مات على غير وصية؛ الفقيه 4: 161، ح 563، باب من لم يوص وله
ورثة؛ التهذيب 9: 240، ح 929، باب في الزيادات (كتاب الوصايا)؛ وسائل الشيعة 19: 422،
كتاب الوصايا، ب 88، ح 2.
35

وتظهر الثمرة في استفادة العدالة من تلك اللفظة في توثيقات شيخنا المفيد
في الإرشاد كما ذكر في حق جماعة (1)، بل قد عقد السيد السند النجفي في أواخر
رجاله (2) عنوانا لرجال الإرشاد، وضبط فيه كل من أتى شيخنا المفيد فيه بكلام،
توثيقا كان أو غيره.
إلا أن يقال: إن توثيق شيخنا المفيد قد يكون على وجه الإضافة نحو: فلان
من ثقات الكاظم (عليه السلام) مثلا. والإضافة فيه مظهرة عن إرادة المعنى اللغوي (ولو بناء
على ثبوت الحقيقة المتشرعة في الوثاقة) (3) كما هو المتعارف في العرف حيث
يقال: " فلان من ثقات فلان " والغرض الوثاقة بالمعنى اللغوي بلا شبهة.
نعم، تظهر الثمرة لو كان التوثيق في الإرشاد بقول مطلق؛ أي كان بلفظة " ثقة "
كما هو المتداول في كلمات أرباب الرجال، والمقصود بالبحث عنه في المقام.
لكن يمكن القول بأن توثيق الإرشاد في حكم توثيق أهل الرجال، بناء على
دلالة التوثيق في كلمات أرباب الرجال على العدالة من باب حذف المتعلق، بل
على جميع المشارب الآتية في بعض التذييلات في استفادة العدالة من لفظة " ثقة "
في كلمات أرباب الرجال. فلا تكون توثيقات الإرشاد مورد ظهور الثمرة في تطور
الحقيقة المتشرعة في باب الوثاقة في العدالة.
وقد تأمل بعض - نقلا - في دلالة توثيقات الإرشاد على العدالة، وسيأتي مزيد
الكلام.
وتظهر الثمرة (4) أيضا في توثيقات الرواة، كما في توثيق هشام المشرقي من

1. الإرشاد: 270 - 271.
2. رجال السيد بحر العلوم 4: 63.
3. ما بين القوسين ليس في " ح ".
4. في " ح ": " الثمرات ".
36

حمدويه (1)، (2) لكن تفصيل الحال موكول إلى ما يأتي في بعض التذييلات، وإنما
الإشكال في كلمات أرباب الرجال حيث إن الأصحاب يكتفون بها في تصحيح
الخبر ويعملون به، حتى أن من لا يعمل بالحسن والموثق والقوي يجعل الخبر
صحيحا بتوسط تلك اللفظة ويسكن إليه، بل من يعتبر ذكر السبب في التعديل
يكتفي بها في العمل بالخبر، ومن يعتبر تزكية العدلين يقنع بالتوثيق من عدل
واحد في إطلاق الصحيح، ويقنع بالتوثيق في عدلين في العمل بالخبر، فاتفاقهم
منعقد في البين، فلابد من كون من ذكرت في ترجمته عدلا ضابطا إماميا.
وربما يتوهم استقرار الاصطلاح من أرباب الرجال على ذلك، أعني العدل
الضابط الإمامي، بل اشتهر هذا التوهم في لسان العلماء والمحصلين في هذه
الأعصار، إلا أنه صرح بعض بعدم التصريح بالاصطلاح من أحد من أرباب
الرجال (3)، وربما حكي عن ثلة دخول العدالة والضبط في مفهومها (4).
والظاهر أن الغرض كونها مصطلحة في الأمرين.
وعن شيخنا البهائي في بداية مشرقه التصريح بكونها مصطلحة في الأمرين.
وليس بشيء؛ لأنه قال:
إنهم يريدون بقولهم: " فلان ثقة " أنه عدل ضابط؛ لأن لفظة " الثقة " من
الوثوق، ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره، وهذا هو السر في
عدولهم عن قولهم: " عدل " إلى قولهم: " ثقة " (5).
ولا خفاء في أن مقتضاه تعيين المقصود ب‍ " ثقة " من باب الاجتهاد في المعنى
اللغوي.

1. حمدويه - بفتح المهملتين - (منه عفي عنه).
2. رجال الكشي 2: 790 / 955.
3. انظر نهاية الدراية: 388 - 389.
4. مشرق الشمسين: 35 - 38، وحكاه في نهاية الدراية: 390 عن جده في شرح الاستبصار.
5. مشرق الشمسين: 39 - 40.
37

ودعوى كون المقصود ب‍ " ثقة " هو المعنى اللغوي، فهو يخالف ما نسب إليه
من وجهي: كونه من باب الاجتهاد لا الإخبار، وكونه في المعنى اللغوي لا
الاصطلاحي.
وبوجه آخر: صدر عبارته وإن كان ظاهرا في تطرق الاصطلاح لكن استدلاله
على الدلالة على الضبط يقتضي عدم تطرق الاصطلاح حيث إن مرجعه إلى إناطة
صدق الوثاقة لغة بالضبط، وهذا ينافي تطرق الاصطلاح، فلا أقل من توهين دلالة
الصدر على تطرق الاصطلاح، إذ لو كانت الدلالة (1) بواسطة إناطة صدق المعنى
اللغوي، فلا مجال لكون الدلالة عليه من باب تطرق الاصطلاح، فظهور الصدر
في تطرق الاصطلاح موهون بمنافاة الاستدلال في الذيل مع التطرق.
ومقتضى كلام الشهد الثاني في الدراية كون تلك اللفظة - أعني " ثقة " -
مصطلحة في العادل (2).
وقد ذكر العلامة البهبهاني أن الروية المتعارفة المسلمة أنه إذا قال مثل
النجاشي: " ثقة " ولم يتعرض لفساد المذهب، الحكم بكون الراوي عدلا إماميا؛ إما
لاستقرار سيرة الإماميين من أهل الرجال على التعرض لفساد المذهب دون
حسنه، أو لأن الظاهر التشيع والظاهر من الشيعة حسن العقيدة، أو لأنهم وجدوا
أنهم اصطلحوا ذلك في الإمامي وإن أطلقوا على غيره مع القرينة، أو لأن المطلق
ينصرف إلى الفرد الكامل، ومقتضاه عدم ثبوت الاصطلاح (3).
[لفظ " ثقة " في اصطلاح أرباب الرجال]
أقول: إنه لم يأت أحد من أرباب الرجال بذكر تطرق الاصطلاح في " ثقة " في

1. في " ح ": " الدلالات ".
2. انظر الدراية: 70.
3. تعليقة الوحيد البهباني: 5، ونقله عنه في مقباس الهداية 2: 149.
38

عدل ضابط إمامي (1)، أو عدل ويبعد كمال البعد ثبوت الاصطلاح من أرباب الرجال
مع عدم تصريح به من أحد، كيف! وكل منهم يذكر في اول كتابه ما اصطلح عليه،
بل كل مصنف ومؤلف في كل فن يذكر في أول كتابه ما اصطلح عليه، بل دعوى
التطرق الاصطلاح في المقام من باب التخرص على الغيب، ومع هذا لو
كان " ثقة " مصطلحة في عدل ضابط إمامي أو عدل ضابط، يلزم استعمال اللفظ في
معنى متعدد في استعمال واحد، وهو غير واقع بعد الجواز حتى في الاصطلاحات،
فالبناء عليه بناء على ما يكون المظنون بظن متاخم (2) للعلم عدمه.
ومع هذا قد وقع " ثقة " في كلمات الرواة سؤالا وجوابا، ولم يقل أحد بتطرق
الاصطلاح في لسانهم، والظاهر اتحاد المفاد، فالظاهر الاستعمال في المعنى
اللغوي.
ومع هذا وقع " ثقة " في كلام غير الإمامي كابن عقدة، وابن فضال، وابن نمير،
وابن حجر، والذهبي. والظاهر وحدة المفاد، فالظاهر الاستعمال في المعنى
اللغوي.
إلا أن يقال: إن اصطلاح العامة متحد في العدالة مع الخاصة كما يأتي، فيتأتى
اتحاد المفاد مع ثبوت الاصطلاح.
لكن نقول: إن هذا المقال لا يجري في كلام ابن عقدة وابن فضال؛ لكون
الأول زيديا، وكون الثاني فطحيا.

1. والكلام في الإمامية أقل من الكلام في العدالة، وتقديم الكلام في الأخف كما أو كيفا أوقع في النفس
وأليم بالطبيعة، بل هو المتعارف في التقرير والتحرير في عموم الفنون (منه عفي عنه).
2. قوله: " متاخم " من باب المفاعلة لا التفاعل كما ربما اشتبه على الألسن، وإلا لقيل متتاخم، قال في
القاموس في " تخم ": وأرضنا تتاخم أرضكم: تحادها. فقوله: " تحادها " أي حد أرضنا يواصل حد
أرضكم، وفي الصحاح: التخم منتهى كل قرية وأرض. وفي المصباح: التخم حد الأرض، والجمع
تخوم، مثل فلس وفلوس. (منه عفي عنه). القاموس 4: 84؛ الصحاح 5: 1877؛ المصباح المنير 1:
73 (تخم).
39

ومع هذا، الاستقراء الكامل في كلمات أرباب الرجال - كما يأتي - يفيد الظن
المتاخم للعلم، بل العلم بكون المقصود بالوثاقة في " ثقة " هو المعنى اللغوي،
أعني الاعتماد، ولم يقل أحد بدلالة " ثقة " على الإمامية، أو الضبط بالانفراد أو
الاجتماع.
[أخذ الضبط في " ثقة "]
نعم، قال السيد الداماد في الرواشح: " أما الضبط، وهو كون الراوي متحفظا
مستيقظا غير مغفل ولا ساه ولا شاك في حالتي التحمل والأداء فمتضمن في الثقة " (1).
لكن الظاهر أن المعنى الذي ذكره للضبط خارج عن (2) المعنيين المذكورين
للضبط، ومع هذا يأتي في كل من الضبط والإمامية والعدالة ما يدل على عدم دلالة
" ثقة " عليه، ومقتضاه عدم تجدد الاصطلاح.
[الضبط المعدود من شرائط حجية الخبر الواحد]
وبعد ذلك أقول (3): إن الضبط المعدود من شرائط حجية خبر الواحد يكون
المقصود به - كما ينصرح من جماعة (4) - أن يكون الراوي ذكره (5) غالبا على نسيانه،

1. الرواشح السماوية: 117، الراشحة السادسة والثلاثون.
2. في " د ": " من ".
3. قوله: " وبعد ذلك أقول " إلى آخره، إنما قدمنا الكلام في الضبط على الكلام في الإمامية، والكلام في
الإمامية على الكلام في العدالة؛ لكون الكلام في الضبط أقل من الكلام في الإمامية، والكلام في
الإمامية أقل من الكلام في العدالة، وتقديم الكلام في الأخف كما أو كيفا أوقع في النفس وأليم
بالطبيعة، بل هو المتعارف في التقرير والتحرير في عموم الفنون (منه عفي عنه).
4. كالعراقي في ألفيته، وشارحها السخاوي في فتح المغيث 1: 279، وانظر قوانين الأصول 1: 462.
5. قوله: " ذكره " قد اشتهر في الناس أن الذكر باللسان ضد الإنصات - بالكسر - والذكر بالقلب ضد
النسيان - بالضم - وهو المنقول عن جماعة منهم الفراء والكسائي، لكن مقتضى ما في القاموس
والمجمع أن الذكر - بالكسر - مطلقا، وهو المحكي عن بعض الأواخر في بيان صفات القاضي، وعن
الماوردي عن بعض: أن الكسرة والضمة لغتان لمعنى، وهو ظاهر المصباح، والمنقول في المصباح
عن جماعة منهم أبو عبيدة وابن قتيبة، ففي المقام أقوال ثلاثة (منه عفي عنه). انظر المصباح المنير
1: 208.
40

أي لا يكون كثير النسيان، كما هو - أعني غلبة الذكر وعدم كثرة النسيان - حال أكثر
أفراد نوع الإنسان.
وإليه يرجع التفسير ب‍ " أن لا يكون سهوه غالبا على ذكره ولا مساويا له " كما
جرى عليه شيخنا البهائي في مشرقه (1)، فالمرجع إلى غلبة بقاء المحفوظ (2) في
الخاطر، أي حدا معتدا به في قبال الزوال بسرعة بعد التمكن من الحفظ، فليس
الغرض البقاء مدة العمر، كيف! وما لا يبقى مدة العمر أغلب مما يبقى.
ويرشد إلى ذلك - أعني ما ذكر في معنى الضبط - تفسير الضبط من السيد
السند المحسن الكاظمي بقوة الحفظ بأن يحفظ ما سمعه غالبا، ولا يزول ما
حفظه بسرعة (3).
إلا أن علة اشتراط الضبط بالمعنى المذكور تقتضي اشتراط غلبة التمكن من
الحفظ بالأولوية أو بالالتزام. ولعله الأظهر. ونظيره أن عد التوحيد من أصول
الدين يقتضي كون الإقرار بالألوهية من أصول الدين بالالتزام.
والظاهر أن اشتراط خصوص غلبة الذكر من جهة كمال ندرة عدم التمكن من
الحفظ أو عدم وقوعه.

1. مشرق الشمسين: 39.
2. ربما اشترط الشهيد الثاني في الروضة في القاضي غلبة الحفظ، ونقله عن الشهيد الأول، والغرض
الصيانة عن اختلال المرافعات كما في اشتراط الكتابة، وربما نسب الوالد الماجد إلى الشهيدين
اشتراط الاجتهاد بغلبة الحفظ (منه عفي عنه).
3. عدة الرجال 1: 104.
41

[معنى الضبط لغة]
وعلى أي حال فالمعنى المذكور من باب اصطلاح أهل الأصول، بل أهل
الدراية والرجال كما قيل، وإلا فالضبط قد فسره في المجمع بالحفظ البليغ والحزم
- بالمهملة والمعجمة - وعد من الأخير ما يقال: رجل ضابط. قال: ضبط الشئ
ضبطا: حفظه حفظا بليغا، والضبط: الحزم، ومنه رجل ضابط، أي حازم (1).
والمقصود بالضبط - على الأخير - هو الإتقان في الأمور. واستعمال الضبط
فيه معروف ومتعارف في العرف.
وفسره في الصحاح والقاموس بالحفظ بالحزم، وفسر الحزم بضبط الأمر
والأخذ فيه بالثقة (2).
وما صنعه في المجمع أوجه؛ إذ لا يتحصل للحفظ بالحزم معنى غير الحفظ
البليغ، واستعمال الضبط في مجرد الإتقان معروف ومتعارف في العرف، كما
سمعت.
إلا أن يقال: إن الاستعمال في الإتقان من باب المجاز، وما ذكره في الصحاح
والقاموس هو المعنى الحقيقي، والمجاز أولى من الاشتراك، فما ذكره في
الصحاح والقاموس أولى مما ذكره في المجمع إن كان المقصود بما ذكره الاشتراك
لا مجرد الاستعمال، وإلا فلا منافاة بين ما ذكره في الصحاح والقاموس وما ذكره
في المجمع.
لكنه مدفوع بأن الصحاح والقاموس لا يقتصران في شرح الألفاظ على
المعاني الحقيقية، بل يذكران كل ما استعمل فيه، فمقتضى اقتصارهما في معنى
الضبط على الحفظ البليغ هو عدم الاستعمال في مجرد الإتقان ولو مجازا، فيتأتى

1. مجمع البحرين 2: 4 (ضبط).
2. الصحاح 3: 1139؛ القاموس المحيط 2: 384 (ضبط).
42

التنافي بين مقالة المجمع ومقالة الصحاح والقاموس، بل دعوى الاستعمال في
مجرد الإتقان من صاحب المجمع أقوى؛ قضية تقدم الإثبات على النفي.
والحاصل أن مقالة المجمع ومقالة الصحاح والقاموس متفقتان على الوضع
للحفظ البليغ.
وأما " الحزم " فإن كان الغرض من مقالة المجمع الاشتراك، فتقدم مقالة
الصحاح والقاموس؛ لتقدم المجاز على الاشتراك. وإن كان الغرض مجرد
الاستعمال، فتقدم مقالة الصحاح والقاموس؛ لتقدم الإثبات على النفي.
ويمكن أن يقال: إن " بالحزم " في كلام الصحاح سهو، وكان الغرض أن يقول:
" والحزم " وتبع القاموس للصحاح، فترجع مقالة الصحاح والقاموس إلى مقالة
المجمع.
لكن نقول: إنه على هذا لا ترجع مقالة الصحاح والقاموس إلى مقالة المجمع؛
لعدم اعتبار البليغ في مقالتهما، واعتباره في مقالته، إلا أن يقال: إن المقصود
بالحفظ بالحزم في مقالة الصحاح والقاموس هو الحفظ البليغ، فترجع مقالة
الصحاح والقاموس إلى مقالة المجمع.
ويمكن أن يقال: إن " الحزم " في عبارة المجمع معطوف على " البليغ " وهو
سهو، وكان الغرض أن يقول: " وبالحزم " فالمرجع في مقالة المجمع إلى مقالة
الصحاح والقاموس.
لكن نقول: إن الظاهر كون العطف على " الحفظ " واحتمال العطف على
" البليغ " خلاف الظاهر.
وبعد يمكن أن يقال: إنه يمكن إرجاع " الضبط " في جميع موارد استعماله
إلى " الحفظ البليغ " والمقصود به الصيانة التامة، لا حبس الشيء في الخاطر، فما
ذكره في الصحاح والقاموس أوجه مما ذكره في المجمع لو كان " الحزم " في مقالة
المجمع معطوفا على " البليغ " من باب العطف التفسيري، لا معطوفا على
43

" الحفظ ". وكأن المقصود بالحزم في كلام صاحب الصحاح والقاموس هو " الحفظ
البليغ ".
[تعميم معنى الضبط]
ومن العجيب ما قيل من أن ضبط الراوي كما يكون شرطا في حجية الرواية،
فكذا ضبط مطلق الناقل في النقليات التي يكون خبر الواحد حجة فيها، كاللغات
بالمعنى الأعم والرجال ونقل الإجماعات وغيرها؛ لأن المناط فيها الظن، وهو لا
يحصل بدونه، ويكفي مؤونة ضبط النقلة في غير الروايات بالإخبار وضيق
المجال عن الاختبار (1) أصالة الضبط في البشر حتى يثبت خلافه، بل كما أن الضبط
بنفسه شرط في الحجية، فكذلك الأضبطية من جملة المرجحات بلا كلام، وقد
صرح به بعضهم (2).
والوجه في ذلك: أن المدار في المرجحات على أقوائية الظن في أحد
الجانبين، فكما أن عدم الضبط مؤثر في فقده، فضعفه مؤثر في ضعفه، فيقوى
الجانب الآخر. وهذا أيضا يجري في جميع الفنون النقلية المشار إلى بعضها آنفا.
وطريق معرفة الأضبطية في الجميع إما الإخبار أو الاختبار، ومن أعظم
معداتها صرف ريعان العمر في فن وشأن، بخلاف تفريقه على الفنون والشؤون،
فإن الإنسان يشغله شأن عن شأن، ومن هنا نحكم بتقديم الكليني بل الصدوق
على الشيخ في الحديث، والنجاشي عليه في الرجال، والصحاح على القاموس في
اللغة، وبعض الفقهاء على بعض في نقل الإجماعات. ومع الشك فنحكم بالتساوي؛
لأن الزيادة تحتاج إلى دليل، ولا أصل هنا يقتضيها، بل الأمر بالعكس.
نعم، ربما نحكم بكون أحد الخبرين أتقن ضبطا من الآخر مع قطع النظر

1. في " ح ": " الأخبار ".
2. وصول الأخيار: 77؛ لب اللباب للأسترآبادي: 16؛ وانظر مقباس الهداية 1: 148.
44

عن المخبرين نظرا إلى مدلولهما بأن يشتمل أحدهما على الزيادة؛ لأن السهو
غالبا في السقط لا الزيادة.
ومن هذا الباب أن يدعي أحد اللغويين الوضع للأعم، والآخر الوضع
للأخص، فإن ادعاء النفي أقرب إلى الاشتباه؛ حيث إن المقصود بالضبط في
المقام هو المعنى المصطلح، أعني غلبة الذكر كما سمعت.
والمقصود بالضبط في مثل اللغة بالمعنى الأعم والرجال ونقل الإجماع - مما
يكون المدار فيه على الاجتهاد والفحص - هو المعنى اللغوي أو العرفي، أعني
الإتقان الموجب للاطمئنان. والمدار في الضبط في ذلك على بعد الاشتباه، ولا
مجال لاشتراط عدم غلبة النسيان فيه؛ لابتنائه على الاجتهاد دون السماع، كما أن
المقصود بالضبط في الأضبطية - في ترجيح بعض الناقلين على بعض في الفنون
النقلية التي يكون المدار فيها على الاجتهاد والفحص كاللغات بالمعنى الأعم
والرجال - هو المعنى اللغوي أو العرفي أيضا، فالمقصود بالأضبطية هو زيادة
الإتقان الموجب للاطمئنان، فالمدار على أبعدية الاشتباه في الاجتهاد.
وترجيح الكليني على الشيخ - وإن كان للسماع مداخلة في فن الحديث -
ليس من جهة غلبة نسيان الشيخ بالإضافة إلى الكليني، بل من جهة زياد الاطمئنان
إلى الكليني بالإضافة إلى الشيخ، فالمقصود بالضبط في الأضبطية هنا هو المعنى
اللغوي أو العرفي أيضا، أعني الإتقان، فالمقصود بالأضبطية هو الزيادة في
المعنى المشار إليه للمعنى المصطلح عليه المقصود في المقام، فالاشتباه إنما
حصل من جهة عدم الفرق بين المعنى اللغوي والمعنى المصطلح عليه عند
الأصوليين في باب حجية خبر الواحد.
وكيف كان، فالمقصود بالضبط فيما نحن فيه هو المعنى المقصود به في
اشتراطه في حجية خبر الواحد، أعني غلبة الذكر. ولا خفاء في أن الغالب من
الناس هو الضابط، بل عدم الضبط بالمعنى المذكور من الأمراض النادرة.
45

[الضبط غير داخل في معنى " ثقة "]
فنقول: إن الظاهر - بل بلا إشكال - أن الضبط عند أهل الرجال موكول ومحال
إلى الغلبة، والضبط هو الأصل، وليس داخلا في معنى اللفظ، أعني " ثقة ".
ويرشد إلى ذلك التعرض بسوء الحفظ في بعض التراجم نادرا، كما في
ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (1)، وسماك (2) بن حرب (3)، وفي ترجمة
أبي بكر بن عياش: أنه لما كبر ساء حفظه (4)؛ أن بناء الأصحاب على صحة خبر من
ذكر " ثقة " في ترجمته ليس في إحراز الضبط على استفادته من هذه اللفظة، بل
على الحمل على الغالب (5).
ويرشد إليه بناؤهم على صحة الخبر لو كان التوثيق بغير " ثقة " نحو " عدل " كما
في ترجمة معاوية بن حكيم (6)، أو " العدل " كما في ترجمة أحمد بن محمد
الصائغ (7).
وقال النجاشي في ترجمة عبيد الله بن زياد: " وكان أبو القاسم بن سهل
الواسطي العدل " (8) انتهى.
وفي بعض أخبار العيون في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار في التوحيد

1. خلاصة الأقوال: 165 / 185 وفيها: " روى ابن عقدة، عن عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، عن ابن نمير،
وسئل عن ابن أبي ليلى فقال: كان صدوقا مأمونا ولكنه سيء الحفظ جدا ".
2. قوله: " وسماك " بكسر السين المهملة وتخفيف الميم كما في التوضيح (منه عفي عنه).
3. انظر قاموس الرجال 5: 307 / 3421.
4. انظر ميزان الاعتدال للذهبي 7: 337 / 10024.
5. كذا.
6. انظر خلاصة الأقوال: 167 / 3.
7. الأمالي للصدوق: 144، ح 5، المجلس الثاني والثلاثون؛ و 453، ح 5، المجلس الثالث والثمانون.
وانظر منتهى المقال 1: 329 / 234.
8. رجال النجاشي: 232 / 617. وفيه: " عبيد الله بن أبي زيد ".
46

توصيف الحسين بن محمد الأشناني بالعدل (1)؛ لعدم اتفاق دعوى تطرق
الاصطلاح في العدل بدخول الضبط في مفهومه. وعلى ذلك المنوال الحال في
سائر ألفاظ التوثيق بناء على دلالتها على التوثيق.
ويرشد إليه أيضا بناؤهم على عد الخبر موثقا لو كان من ذكر في ترجمته " ثقة
سيء المذهب " مثلا؛ لعدم اتفاق دعوى دخول الضبط فيه من أحد؛ إذا (2) ما ادعي
الاصطلاح فيه إنما هو " ثقة " في باب الإمامي.
وكذا بناؤهم على حسن الخبر لو كان الراوي ممدوحا؛ لعدم دخول الضبط
في مدلول (3) ألفاظ المدح بلا كلام من أحد، (وكذا بناء المتأخرين ممن خمس
الأقسام بالقوي على قوة الخبر لو كان الراوي سيء المذهب ومذكورا بالمدح؛
لعدم دخول الضبط في مداليل ألفاظ المدح بلا كلام من أحد) (4) كما سمعت.
وربما استدل الفاضل الخواجوئي على ذلك بأن حبيب بن المعلى الخثعمي
قد وثقه النجاشي بقوله: " ثقة ثقة " وهو غير ضابط (5)؛ حيث إنه كثير السهو كما
اعترف به نفسه على ما رواه في الفقيه في باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من
الثياب وجميع الأنواع أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: إني رجل كثير السهو، فما
أحفظ صلاتي إلا بخاتمي أحوله من مكان إلى مكان؟ فقال: " لا بأس " (6) بناء على
أن السائل هو الخثعمي بشاهدة ما ذكره في المشيخة بقوله: وما كان فيه عن
حبيب بن المعلى فقد رويته عن أبي (رضي الله عنه)، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن

1. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 141، ح 40، باب 11، في سؤال اليهودي. والأشنان - بالضم والكسر -
معروف وبائعه الأشناني.
2. كذا في النسخ، والأنسب: " إذ ".
3. في " د ": " مداليل ".
4. ما بين القوسين ليس في " د ".
5. الفوائد الرجالية للخواجوئي: 176.
6. الفقيه 1: 166، ح 777، باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب.
47

الوليد الخزاز، عن حماد بن عثمان، عن حبيب بن المعلى الخثعمي (1).
وفيه: أنه لعل الظاهر كون المقصود بكثرة السهو هو كثرة السهو في
خصوص الصلاة، وكثرة السهو في الصلاة لا تستلزم كثرة السهو في غيرها، كيف
والوسواس في الصلاة أمر شائع، ولا يتعدي الوسواس فيها إلى غيرها. مع أنه
يمكن أن يكون التوثيق المزبور مبنيا على عدم الاطلاع على الحديث المذكور،
وإلا لذكر في ترجمته؛ لتسلم اشتراط الضبط في اعتبار الخبر ولو لم يكن الضبط
داخلا في مدلول التوثيق، بل هذا يرشد إلى كون الغرض من كثرة السهو هو كثرة
السهو في الصلاة بناء على بعد عدم اطلاع النجاشي على كثرة سهو حبيب لو كان
الغرض من كثرة السهو في الحديث هو عموم كثرة السهو.
[طريق معرفة ضبط الراوي]
وبما سمعت يظهر ضعف ما قيل من أنه يعرف ضبط الراوي بأن يعتبر روايته
برواية الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وافقهم في رواياته غالبا - ولو من
حيث المعنى بحيث لا يخالفها أو تكون المخالفة نادرة - عرف حينئذ كونه ظابطا
ثبتا، وإن وجد بعد اعتبار رواياته برواياتهم كثير المخالفة، عرف اختلاف (2) حاله
بالضبط، ولم يحتج بحديثه.
وهذا الشرط إنما يفتقر إليه فيمن يروي الأحاديث من حفظ أو يخرجها بغير
الطرق المذكورة في المصنفات، وأما رواية الأصول المشهورة فلا يعتبر فيها
ذلك (3).
فإنك خبير بأنه مبني على الاشتباه بين المعنيين للضبط - أعني المعنى

1. الفقيه 4: 41 من المشيخة.
2. كذا في النسخ والأنسب: " اختلال "، كما في الفوائد الرجالية: 177.
3. انظر الفوائد الرجالية: 177.
48

المقصود به في اشتراطه في حجية خبر الواحد، والمعنى الآخر المعروف
المتعارف، بل هو المعنى الموضوع له - بحمل الضبط المشروط في حجية خبر
الواحد على المعنى المعروف، لكن المقالة السابقة مبنية على حمل الضبط
المشروط في حجية خبر الواحد على معناه المصطلح؛ لتصريحها بكون المقصود
غلبة الذكر، والاشتباه بين هذا المعنى والمعنى الآخر المعروف.
وبما سمعت يظهر أيضا ضعف ما قيل في باب حبيب بن مظاهر الأسدي (1)
من أنه ذكره العلامة في القسم الأول (2) أي رجال الصحيح، وفي الحاوي في القسم
الثاني (3) أي رجال الحسن، وهو الأوفق؛ لأن الرجل وإن كان في أعلى درجة من
الزهد والورع والعبادة والتوفيق والسعادة إلا أن الضبط في الحديث أمر آخر
يحتاج إلى الثبوت، نظير ما ذكر بعض علماء الرجال في حق الصدوق - المجمع
على عدالته - من أن توقف بعض في اعتبار روايته لعله لعدم ثبوت ضبطه، فإن
الشروط في اعتبار الخبر يكفي فيه أصالة الضبط، ولا حاجة فيه إلى الثبوت،
وغيره لا يكون شرطا حتى يحتاج إلى الثبوت. فالأمر مبني أيضا على الاشتباه في
الضبط بين المعنيين المتقدمين.
والظاهر أن هذه المقالة مبنية على حمل الضبط - المشروط في حجية خبر
الواحد - على المعنى المعروف.

1. قوله " ما قيل في حبيب بن مظاهر " مرجع ما قيل في باب حبيب إلى اعتبار الضبط بالمعنى المذكور
في الدراية، وهو لا يخرج عن اعتبار الإتقان في " ثقة " بنفسه، ومرجع المقالة السابقة إلى اعتبار ما ذكر
في " ثقة " باعتبار اشتهاره في اعتبار الخبر المدار في كلام أرباب الدراية. وأنت خبير بأنه لا دليل على
دخول الضبط بالمعنى المذكور في معنى " ثقة " مضافا إلى انتقاض القول بالدخول بسائر ألفاظ
التوثيق وألفاظ التحسين، أعني حسن الخبر، وباقي الكلام في اعتبار الضبط بالمعنى المذكور في
اعتبار الخبر (منه عفي عنه).
2. خلاصة الأقوال: 61 / 2.
3. حاوي الأقوال 3: 102 / 1067.
49

ولو قيل: إنه لا بأس بكون المقصود بالضبط في معنى " ثقة " غير الضبط
المشترط في حجية خبر الواحد، أعني الإتقان، وهذا يحتاج إلى الثبوت.
قلت: إنه لا دليل على اشتراط غير ما اشترط في حجية خبر الواحد في
الأصول، فيكفي أصالة الضبط بمعنى الإتقان، ولا حاجة إلى ثبوت الضبط بمعنى
الإتقان، فلا حاجة إلى إفادة ثبوت الإتقان بلفظة " ثقة ".
[الضبط في اصطلاح الأصوليين وأرباب الدراية]
وبعد ما مر أقول: إن الظاهر اختلاف المقصود بالضبط - المشروط به حجية
خبر الواحد - في الأصول والدراية؛ إذ الضبط - المشروط به حجية خبر الواحد -
في الدراية فسر بكون الراوي متيقظا غير مغفل إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه
حافظا له من الغلط والتصحيف والتحريف إن حدث منه، عارفا بما يختل به
المعنى إن روى بالمعنى.
وذكر أنه يعرف ضبط الراوي بأن يعتبر روايته برواية الثقات المعروفين
بالضبط والإتقان، فإن وافقهم في رواياته غالبا - ولو من حيث المعنى بحيث لا
يخالفها أو تكون المخالفة نادرة - عرف كونه ضابطا ثبتا، وإن وجد بعد اعتبار
رواياته برواياتهم كثير المخالفة لهم عرف عدم ضبطه.
وهذا - أعني جعل المعيار في تشخيص ضبط الراوي على اعتبار رواياته
بروايات الثقات المعروفين - يرشد إلى الاختلاف؛ حيث إن الضبط - بمعنى غلبة
الذكر - لا حاجة فيه إلى التشخيص والثبوت، بل يكفي فيه الأصل، كما صرح به
بعض، كما مر.
فنقول: إن المقصود بالضبط في كلام أرباب الدراية إنما هو الإتقان الموجب
للاطمئنان، وهو أمر يحتاج إلى الثبوت، وهو فوق الضبط باصطلاح الأصوليين،
كيف وغالب الناس من باب الضابط باصطلاح الأصوليين، بخلاف اصطلاح أرباب
50

الدراية حتى أنه احتمل أن يكون عدم توثيق الصدوق بواسطة عدم ثبوت ضبطه.
لكن نقول: إن مجرد غلبة الذكر - التي يكفي في إحرازها الأصل، أعني
الضبط باصطلاح أهل الأصول - يكفي في الظن بالصدق والصدور بناء على حجية
مطلق الظن، أو حجية الظنون الخاصة.
وأما الضبط بمعنى الإتقان - أعني الضبط باصطلاح أهل الدراية - فإنما نحتاج
إليه لو اعتبر الاطمئنان وغلبة الظن بالصدور. ولا دلالة في لفظة " ثقة " على الضبط
باصطلاح أهل الدراية أيضا بعد اشتراطه بشهادة بناء الفقهاء على صحة الخبر لو
كان التوثيق بغير " ثقة " وكذا على كون الخبر موثقا أو حسنا أو قويا مع عدم دخول
الضبط بالاصطلاح المذكور في غير " ثقة " في باب الإمامي من ألفاظ تعديل
الإمامي أو غير الإمامي وألفاظ المدح.
لكن نقول: إنه لو بني على دخول الضبط في مدلول " ثقة " فالضبط باصطلاح
أرباب الدراية أقرب بالدخول؛ لكون مؤانسة أهل الرجال مع الدراية أزيد
بمراتب شتى من مؤانستهم مع الأصول.
وبعد يمكن القول بانصراف " ثقة " إلى الضابط - سواء كان المقصود به الوثاقة
بالمعنى اللغوي، أو العدالة بالمعنى المصطلح - من باب انصراف المطلق إلى الفرد
الشائع، فيستفاد الضبط من نفس اللفظ لا الخارج، إلا أنه إنما يتم في الضبط باصطلاح
الأصوليين، دون الضبط باصطلاح أرباب الدراية بناء على اختلاف الاصطلاح.
بل يمكن القول بإناطة صدق " ثقة " بالضبط بناء على كون المقصود به الوثاقة
بالمعنى اللغوي، بل هذا المقال مقتضى ما سبق من المشرق (1)، إلا أنه إنما يتم أيضا
في الضبط باصطلاح الأصوليين؛ لعدم الوثوق بإخبار كثير السهو.
وأما الضبط باصطلاح أرباب الدراية بناء على اختلاف الاصطلاح فهو إنما

1. انظر مشرق الشمسين: 39.
51

ينوط به الاطمئنان وغلبة الظن، لا الوثوق الكافي فيه مجرد الظن. ولا دلالة في
" ثقة " على الضبط بالمعنى المشار إليه، لا من باب الصدق، ولا من باب
الانصراف، فتدبر.
ثم إنه قد حكى السيد السند النجفي في ترجمة المرعشي عن الشهيد ومن
وافقه أنهم عرفوا الصحيح بما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل عن مثله في
جميع الطبقات، وأسقطوا قيد الضبط من الحد تعليلا بالاستغناء عنه بالعدالة
المانعة عن نقل غير المضبوط (1)، وحكى عن الأكثر أنهم جعلوا الضبط شرطا
زائدا (2).
وفيه: أنه لم يتفق أخذ الضبط في حد الصحيح من أحد حتى يتأتى الخلاف
بين الأكثر والشهيد ومن وافقه، بل الشهيد إنما قدح في اشتراط الضبط بعد نقل
اتفاق أئمة الأصول والحديث على اشتراطه بكفاية اشتراط العدالة عن اشتراط
الضبط (3).
وقد ذكر الفاضل الخواجوئي:
أنه يؤيد بل يؤكد عدم الحاجة إلى اشتراط الضبط ما رواه النجاشي عن
حماد بن عيسى قال: " سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام) سبعين حديثا، فلم
أزل أدخل الشك على نفسي حتى اقتصرت على هذه العشرين " (4).
وروى الكشي بسند صحيح عنه قال: " سمعت أنا وعباد بن صهيب
البصري من أبي عبد الله (عليه السلام) فحفظ عباد مائتي حديث، وكان يحدث بها
عنه عباد، وحفظت أنا سبعين حديثا، قال حماد: فلم أزل أشك حتى

1. رجال السيد بحر العلوم 2: 192. والمقصود بالمرعشي هو السيد الحسن بن حمزة بن
علي بن.... بن علي بن أبي طالب، ويعرف بالطبري أيضا. انظر رجال السيد بحر العلوم 2: 187.
2. رجال السيد بحر العلوم 2: 192.
3. الرعاية في علم الدراية: 186.
4. رجال النجاشي: 142 / 370.
52

اقتصرت على هذه العشرين التي لم يدخلني فيها الشكوك " (1) فإنه
كالصريح في أن العدل لا يروي إلا ما هو محفوظ عنده على الوجه
المعتبر (2).
وأنت خبير بأن ما وقع من حماد - بعد معارضته بما وقع من عباد، وهو
مصرح بالتوثيق بناء على ظهور العبارة في عدم مراعاة عباد ما وقع رعايته من
حماد - من باب شدة الاحتياط، الخارجة عن طريقة الرواة، أو من باب تطرق
الشكوك الخارجة عن حال الرواة أيضا. وعلى التقديرين لا يجدي في المقصود؛
لفرض الخروج عن طريقة الرواة وحالهم.
ومع هذا، الأمر في باب حماد من باب التفطن باحتمال الاختلال، والغرض
من الضبط الاحتراز عما لا يتفطن باختلاله غير الضابط.
وأما الإمامية فالظاهر أنه تستفاد من عدم ذكر سوء المذهب؛ حيث إن الظاهر
أن بناء أرباب الرجال على ذكر سوء المذهب دون الإمامية، كما يظهر ذلك
بالرجوع إلى كلماتهم.
نعم، ربما ذكر قليلا في بعض التراجم حسن المذهب، كما في ترجمة
حمدويه بن نصير حيث إنه ذكر الشيخ في الرجال أنه حسن المذهب (3)، وذكر
الشيخ في الرجال أيضا في ترجمة حنظلة بن زكريا أنه خاصي (4)، وكذا في ترجمة
حيدر بن شعيب (5)، وعبيد الله بن أبي زيد (6) وحسين بن علي بن سفيان (7).

1. رجال الكشي 2: 604 / 571.
2. الفوائد الرجالية: 172.
3. رجال الشيخ: 463 / 9؛ وانظر خلاصة الأقوال: 62 / 3.
4. رجال الشيخ: 467 / 30.
5. رجال الشيخ: 467 / 31؛ وانظر خلاصة الأقوال 58 / 2.
6. رجال الشيخ: 481 / 31؛ وانظر منتهى المقال 4: 152 / 1661.
7. رجال الشيخ: 466 / 27؛ وانظر خلاصة الأقوال: 50 / 9.
53

والمقصود بالخاص هو الإمامي قبال العامي، ويرشد إليه قوله في الرجال في
ترجمة العياشي: " وكان له مجلس للخاصي ومجلس للعامي " (1).
لكن ربما قيل: إن المقصود بالخاصي كونه من خواصهم (عليهم السلام)، إلا أنه بعيد،
كما أن كون المقصود بالعامي ما يقابل العوام بعيد أيضا، لكن في بعض النسخ: " له
مجلس للخاص (2) ومجلس للعام ".
وذكر الشيخ في الرجال في ترجمة حسن بن موسى أبي محمد النوبختي:
" أنه كان إماميا حسن الاعتقاد " (3).
وذكر النجاشي في ترجمة حبيب بن أوس: " أنه كان إماميا " (4) وفي ترجمة
علي بن إبراهيم بن هاشم: " أنه صحيح المذهب " (5) وفي ترجمة جعفر بن ورقاء (6):
" أنه كان صحيح المذهب " (7) وفي ترجمة جعفر بن أحمد بن أيوب: " أنه كان
صحيح الحديث والمذهب " (8) وذكر النجاشي والشيخ في الفهرست والرجال في
ترجمة بندار بن عبد الله: " أنه إمامي " (9) وذكر النجاشي في ترجمة أيوب بن نوح:
" أنه كان صحيح الاعتقاد " (10) وذكر النجاشي والشيخ في الفهرست والرجال في

1. رجال الشيخ: 497 / 32.
2. في " د ": " للخاصي ".
3. رجال الشيخ: 462 / 4.
4. رجال النجاشي: 141 / 367.
5. رجال النجاشي: 262 / 687.
6. قوله " ورقا " بفتح الواو وسكون الراء المهملة والقاف الممدودة كما في الإيضاح والتوضيح. (منه عفي
عنه).
7. رجال النجاشي: 124 / 319.
8. رجال النجاشي: 121 / 310.
9. رجال النجاشي: 114 / 294؛ الفهرست: 41 / 135؛ رجال الشيخ: 457 / 5. و " بندار " بضم الباء،
وإسكان النون والألف بعد المهملة والراء أخيرا، كما جاء في خلاصة الأقوال: 27 / 2.
10. رجال النجاشي: 102 / 254.
54

ترجمة أحمد بن أبي رافع: " أنه كان صحيح الاعتقاد والعقيدة " (1) إلى غير ذلك من
تراجم أخرى مما لا يخرج عن القلة بالإضافة إلى ما لم يتعرض فيه لحسن
المذهب، فالسكوت عن العقيدة يدل على حسنها.
ويرشد إلى ما ذكرناه ما ذكره صاحب الحاوي من أن إطلاق الأصحاب لذكر
الرجل يقتضي كونه إماميا، فلا يحتاج إلى التقييد بكونه " من أصحابنا " وشبهه،
ولو صرح به، كان تصريحا بما علم من العادة (2).
نعم، ربما يقع نادرا خلاف ذلك، والحمل على ما ذكرناه عند الإطلاق مع
عدم الصارف متعين. واستجوده بعض المتأخرين (3).
لكن يمكن أن يقال: إن دلالة عدم ذكر سوء المذهب على حسنه إنما تختص
بما لو كان الرجل مذكورا بالتوثيق أو المدح، وأما لو لم يذكر في ترجمته شيء
فهو مجهول بالكلية، ولا يدل عدم ذكر سوء المذهب على حسنه.
لكن نقول: إنه لا يقدح هذا المقال في هذا المقام؛ لفرض التوثيق ب‍ " ثقة ".
هذا كله في غير ما كان موضوعا لذكر الإماميين، وأما ما كان موضوعا لذكر
الإماميين ككتاب النجاشي - بناء على ما ذكره أول الكتاب من أن تأليفه لذكر سلف
الإمامية ومصنفاتهم (4)، مضافا إلى ما عن السيد الداماد والشيخ محمد من أن عدم
ذكر النجاشي كون الرجل عاميا يدل على عدم كونه عاميا عنده (5) - فالأمر فيه
أوضح.
وكذا الحال في معالم ابن شهرآشوب نظرا إلى ما ذكره ابن شهرآشوب

1. رجال النجاشي: 84 / 203؛ رجال الشيخ: 445 / 41؛ الفهرست: 32 / 96.
2. حاوي الأقوال 1: 107.
3. انظر منتهى المقال 1: 44، الفائدة الخامسة.
4. رجال النجاشي: 3.
5. الرواشح السماوية: 68، الراشحة الثامنة عشر. ونقله عن الشيخ محمد في نهاية الدراية: 387.
55

في أول المعالم من أنه فهرس كتب الشيعة وأسماء المصنفين منهم
قديما (1).
وربما جعل بعض المتأخرين الحال على هذا المنوال في الفهرست استدلالا
بأنه فهرست كتب الشيعة (2) وأسماء المصنفين منهم، كما هو المصرح به في
نفسه (3).
لكنه عجيب؛ حيث إنه وإن قال الشيخ أول الكتاب:
فإني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا
فهرست كتب أصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الأصول،
ولم أجد منهم أحدا استوفى ذلك وأحاطت به خزائنه من الكتب، ولم
يتعرض أحد منهم باستيفاء جميعه إلا ما كان قصده أبو الحسن أحمد بن
محمد بن الحسين بن عبيد الله (4) فإنه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه
المصنفات، والآخر ذكر فيه الأصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده
وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا،
واخترم هو وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من
الكتب على ما حكى بعضهم عنه. ولما تكرر من الشيخ - أدام الله علوه
وعزه - الرغبة فيما يجري هذا المجرى وتوالى منه البحث على ذلك
ورأيته حريصا عليه عمدت إلى عمل كتاب يشتمل على ذكر المصنفات

1. معالم العلماء: 1.
2. في " د " زيادة: " وأصولهم ".
3. انظر الفوائد الرجالية: 311.
4. قوله: " أحمد بن الحسين بن عبيد الله " الغضائري المعروف على ما جرى عليه جماعة، وعن الشهيد
الثاني في إجازته لوالد شيخنا البهائي التصريح بكون ابن الغضائري هو والد أحمد أعني الحسين، وهو
المحكي عن بعض من تأخر عنه، والحق هو الأول، وقد حررنا رسالة في حاله، فمن أراد تفصيل
الحال فيه فليرجع إليها (منه عفي عنه).
56

والأصول (1).
وظاهر هذه العبارة أن تأليف الفهرست لبيان أرباب المصنفات والأصول من
الإمامية؛ حيث إن مقتضاها أن تأليف الفهرست لاستيفاء ما أراده شيوخ الطائفة من
ضبط كتب أصحابنا وما صنفوه من التصانيف والأصول، وقوله: " أصحابنا " (2) ظاهر
في الإمامية، لكنه قال بعد ذلك بفاصلة قليلة:
فإذا ذكرت كل واحد من المصنفين وأصحاب الأصول فلابد من أن أشير
إلى ما قيل فيه من التجريح أو التعديل، وهل يعول على روايته أم لا،
وأبين عن اعتقاده، وهل هو موافق للحق أو مخالف له؛ لأن كثيرا من
مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن
كانت كتبهم معتمدة (3).
وهذه العبارة صريحة في أن الفهرست موضوع لبيان أرباب المصنفات
والأصول من الرواة الإمامية وغيرهم، وجرى على تعميم أصحابنا في قوله:

1. الفهرست: 1.
2. قد ذكر جماعة منهم التفتازاني أن الأصحاب جمع صاحب، كطاهر وأطهار، وشاهد وأشهاد، وهو
صريح المصباح قال: صحبته أصحبه صحبة، فأنا صاحب والجمع صحب وأصحاب وصحابة، وهو
ظاهر القاموس قال: وهم أصحاب وأصاحيب وصحبان وصحاب وصحابة وصحابة وصحب؛ حيث
إن الظاهر من كلامه كون كل من الجموع المذكورة جمعا لمفرد واحد، والظاهر أنه أحال حال المفرد
على الظهور، وليس غير الصاحب ما يليق بهذه المرحلة، وهو ظاهر الحاشية المحكية عن الشهيد
الثاني في المتن أيضا، وفي الصحاح والمجمع أن جمع الصاحب صحب مثل راكب وركب،
والأصحاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ. وقد حكم الخطابي بأن الفاعل لا يجمع على أفعال وفاقا
لما نقله عن الكشاف وجرى على أن الأصحاب جمع صحب - بالكسر - كنمر وأنمار، أو صحب -
بالسكون - كنهر وأنهار، وجعل الأطهار جمع طهر بالضم، نحو قفل وأقفال، وبنى على أن التوصيف بها
المبالغة نحو: زيد عدل، وربما احتمل بعض كون الأطهار جمع طهر بالفتح اسم جمع لطاهر، كصحب
اسم جمع لصاحب. وقيل: إن الأشهاد جمع شهد كنهر وأنهار (منه عفي عنه).
3. الفهرست: 2.
57

" مصنفي أصحابنا " للإمامي وغيره بشهادة قوله: " ينتحلون المذاهب الفاسدة " وكذا
قوله سابقا على ذلك: " وأبين عن اعتقاده وهل هو موافق للحق أو مخالف له " مع
أنه جرى على ذكر فساد العقيدة من العامية وغيرها في تراجم شتى.
ونظير ما ذكر - أعني تعميم الأصحاب لغير الإمامي - قول العلامة في الخلاصة
في حق إسحاق بن عمار من أنه " شيخ أصحابنا، وكان فطحيا " (1).
وكذا قول الشهيد في اللمعة عند الكلام في طلاق العدة: " وقال بعض
الأصحاب "؛ إذ المقصود بالبعض عبد الله بن بكير، كما ذكره الشارح الشهيد (2)؛ بل
عنه - أعني الشارح في الحاشية -: أنه استعمل الأصحاب لفظ " الصاحب " في غير
الإمامي من فرق الشيعة (3).
وكذا ما نقله الكشي عن محمد بن مسعود من أن عبد الله بن بكير وجماعة
من الفطحية هم فقهاء أصحابنا (4).
فعلى ما ذكر لا مجال للاستدلال المذكور على دلالة عدم تعرض الشيخ في
الفهرست لفساد العقيدة على حسنها.
نعم، يمكن الاستدلال بأنه قد التزم أن يبين العقيدة صحة وفسادا، وهو قد
أهمل بيان العقيدة في تراجم كثيرة وما أشد كثرته، بل لم أقف على تصريح
بالإمامية في ترجمة. نعم، يتعرض لفساد العقيدة، بل كثير ممن لم يتعرض لبيان
عقيدته من الإماميين قطعا، فلابد أن تكون طريقته جارية على عدم تعرض
الإمامية، وكون من لم يتعرض لبيان فساد عقيدته إماميا.
لكن لا إشكال في عدم دلالة سكوت الكشي عن سوء المذهب على الحسن؛

1. خلاصة الأقوال: 200 / 1.
2. اللمعة (الروضة البهية) 6: 38.
3. الروضة البهية: 131 (الطبعة الحجرية).
4. رجال الكشي 2: 635 / 639. ونقله عنه العلامة في خلاصة الأقوال: 106 / 24.
58

حيث إن كتابه موضوع لذكر رجال ورد في بابهم رواية بالمدح أو القدح ليس إلا،
كما صرح به المولى التقي المجلسي (1)، بل يظهر هذا المقال بالتتبع في الاختيار
المختصر من كتابه (2) في هذه الأعصار على ما حررناه في بعض الفوائد المرسومة
في ذيل الرسالة المعمولة في الحسين بن محمد الذي يروي عنه الكليني. نعم،
يأتي بكلام يتعلق بحال الشخص في بعض الأحيان.
وبالجملة، فليس استفادة إماميته من ذكر " ثقة " في ترجمته بتوسط دخولها
بتطرق الاصطلاح، بل إنما هو بتوسط السكوت عن سوء المذهب في غير كلام
الكشي. وأما كلامه فهو خال عن التوثيق والتجريح غالبا.
لكن الشهيد في الذكرى عند الكلام في عدد صلاة الجمعة قد استند على
اعتبار الحكم بن مسكين بأنه ذكره الكشي ولم يتعرض له بذم (3).
وفيه: أنه لو جرى الكشي على شرح الحال - وهو في غاية الندرة -
فالسكوت عن المذهب ظاهر في الإمامية، كما هو الحال في غير الكشي، فمن
كان إماميا من أهل الرجال لو لم يكن كتابه موضوعا لذكر الإماميين، لكان
السكوت عن الذم لا دلالة فيه على الاعتبار كما هو الحال.
لكن قد يقال: إن طريقة أهل الرجال وسيرتهم المستمرة التي كان أمرهم
عليها من قديم الزمان - سواء كانوا من أصحابنا الإمامية كالشيخ والنجاشي
والكشي وغيرهم، أو من العامة - أنهم لا يسكتون عن مذهب الراوي واعتقاده، إلا
فيمن ثبت عندهم موافقة مذهبه لمذهبهم واعتقادهم، فإذا لم يذكروا من مذهبه
شيئا، فظاهرهم أنهم يعتقدون كونه موافقا لهم في الاعتقاد.
وبالجملة، بناؤهم على ذكر المخالفة وعدم العلم بالموافقة، لا على ذكر

1. روضة المتقين 14: 445.
2. في " د " زيادة: " والمعروف من كتابه ".
3. ذكرى الشيعة 4: 108؛ وانظر رجال الكشي 2: 457 / 866.
59

الموافقة إلا لداع كدفع توهم متوهم، وإنكار منكر كان أو ربما يكون لمخالطة (1)
الرجل بالعامة أو غير ذلك.
والدليل عليه الاستقراء والتتبع في كلمات أهل الرجال من العامة والخاصة،
وإنا نراهم ساكتين عن ذكر المذهب فيمن نقطع بموافقة مذهبه لمذهبهم،
وذاكرين مخالفة من كان مشهورا بالمخالفة أو غير مشهور بها.
وكذا يذكرون عدم معلومية المذهب فيمن كان غير معلوم لهم، بل هذا هو
مقتضى القواعد؛ حيث إن الغرض الأصلي لأهل الرجال من الخاصة والعامة بيان
حال رجال رواياتهم الموجودة في كتبهم وفيما بين أصحابهم، لا بيان حال رجال
جميع الروايات.
ولذا ترى أن الغالب في رجال روايات كل فريق من هو منهم، فيكون الغالب
فيما هم بصدد بيان حاله هو الموافقة، فجعلها أصلا، والبناء على ذكر المخالفة
وعدم العلم بالموافقة أولى من العكس ومن ذكرهما معا؛ لما في ذلك من
الاختصار المفقود في غيره.
فعلى هذا لو بنى أحد كتابه في ذكر رجال روايات أهل الإسلام من الخاصة
والعامة، فالواجب ذكر الموافقة والمخالفة معا، أو البيان على أحدهما والإشعار
به، وكذا لو وضع كل من الخاصة والعامة كتابه في بيان رجال الآخر، فالمناسب
البناء على ما هو الغالب فيهم وذكر غيره، فلو تصدى من غير الإمامية لبيان حال
رواتهم ووضع كتابا فيه - مثل أن ابن عقدة مع كونه زيديا جاروديا قد ألف كتابا
في الرجال الذين رووا عن مولانا الصادق (عليه السلام) أربعة آلاف رجل، وأخرج لكل رجل
الحديث الذي رواه كما في الخلاصة (2) - فالمناسب ذكر المخالفة وعدم العلم
بالموافقة، كما هو طريقة أصحابنا.

1. في " د ": " ولمخالطة ".
2. خلاصة الأقوال: 203 / 13.
60

لكنك خبير بأن عد الكشي ممن يدل سكوته عن فساد العقيدة على حسنها
يظهر ضعفه بما تقدم، كما أن دلالة سكوت النجاشي ليست من قبيل دلالة سكوت
غيره ممن يدل سكوته عن فساد العقيدة على حسنها لزيادة دلالته من جهة كون
كتابه موضوعا لبيان الرجال الإماميين كما مر حكايته. وهذه الجهة هي العمدة.
ومع هذا فما يدور عليه الرحى في تشخيص أحوال الرواة غالبا هو كلمات
الإماميين، والظاهر من سكوتهم (1) الإمامية، بل الغالب في الرواة الإمامية، فالإمامية
هي الأصل، ففي موارد التوثيق ب‍ " ثقة " يمكن أن يكون بناء الفقهاء على الإمامية
بواسطة حمل المشكوك فيه على الغالب لا بتوسط " ثقة ".
لكن يخدشه أنه لم يثبت حال الغالب إلا بالسكوت، ففي موارد السكوت
والتوثيق يدعي من يقول بتطرق الاصطلاح باستناد بناء الفقهاء على الإمامية إلى
التوثيق، ولا مجال لاحتمال كون البناء مستندا إلى إلحاق المشكوك فيه بالغالب.
نعم، لو كان إمامية الغالب ثابتة بالتنصيص لكان ما ذكر متجها، مضافا إلى كون
كتاب النجاشي موضوعا لبيان الإماميين فقط، كما توهم وقد تقدم، إلا أنه قد التزم
أن يبين حسن الاعتقاد وفساده، وهو قد أهمل بيان الاعتقاد في غاية الكثرة، بل لم
يتعرض لبيان الإمامية إلا نادرا، نعم يتعرض لبيان فساد العقيدة، بل كثير ممن لم
يتعرض لبيان عقيدته من الإمامية، فلابد أن تكون طريقته جارية على عدم
التعرض للإمامية، فسكوته ظاهر في حسن المذهب، وقد تقدم هذا المقال
والمنوال من الاستدلال، فليس استفادة الإمامية من الفهرست بتوسط " ثقة " أيضا.
وبعد ما مر أقول: إنه لا إشكال ولا كلام من أحد في الحكم بحسن حديث
الراوي وحسن مذهبه بمجرد ذكره مدحه في الفهرست مثلا، ولا إشكال في عدم
دلالة ألفاظ المدح على الإمامية، فما يكفل مؤونة حسن المذهب في حسن الخبر

1. في " د " زيادة: " الموافقة في المذهب باعتراف القائل الظاهر من سكوتهم الإمامية ".
61

فهو الكافل في ضمنه؛ إذ الظاهر وحدة السياق.
وأيضا لا إشكال ولا كلام في صحة الخبر لو ذكر في ترجمة الراوي غير " ثقة "
من ألفاظ التعديل، ولا كلام في عدم دلالة غير " ثقة " على الإمامية، فما يكفل
مؤونة الإمامية في غير " ثقة " فهو الكافل فيها؛ لظهور وحدة السوق والسياق.
[تحقيق في دخول الإمامية في مدلول " ثقة "]
وبعدما مر أقول: إن دخول الإمامية بنفسها في مدلول " ثقة " من باب
الاصطلاح يقتضي التكرار بناء على دخول الإمامية في العدالة، كما هو مقتضى ما
اشتهر مما نقله فخر المحققين عن والده العلامة على ما نقله الشهيد الثاني في
بعض تعليقات الخلاصة في باب أبان بن عثمان من أنه " لا فسق أعظم من عدم
الإيمان " (1).
وكذا ما ذكره السيد الداماد في الراشحة السادسة والثلاثين من الرواشح من
" أن الفسق شريطة وجوب التثبت، وأعظم الفسوق عدم الإيمان " (2).
وكذا الاستدلال من جماعة على اشتراط الإيمان في الراوي في آية النبأ.
وكذا بعض كلمات الشيخ في العدة في تضاعيف الكلام في حجية خبر
الواحد (3).
وكذا بعض كلمات صاحب المعالم في حاشية المعالم عند الكلام في حجية
خبر الواحد (4).
وكذا ما ذكره في المنتقى - نقلا - من أن قيد العدالة مغن عن التقييد بالإمامي؛

1. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 15؛ وانظر نقد الرجال للتفرشي 1: 46 / 22.
2. الرواشح السماوية: 115، الراشحة السادسة والثلاثون.
3. عدة الأصول 1: 66 - 76.
4. معالم الدين: 203 - 205.
62

لأن فاسد المذهب لا يتصف بالعدالة (1)، كيف والعدالة حقيقة عرفية في معنى
معروف؛ لا يجامع مع فساد العقيدة قطعا.
لكن الأظهر عدم الدخول، وفاقا لظاهر العلامة الطوسي في التجريد فيما ذكره
من أن الفسق الخروج عن طاعة الله مع الإيمان (2)، حيث إن الظاهر أن المقصود
بالإيمان في كلامه هو الإسلام؛ لتعريفه الإيمان بالتصديق بالقلب واللسان،
فمقتضاه تطرق العدالة بعدم الخروج عن الطاعة مع الإسلام، بل هو مقتضى
صريح جماعة من اطراد العدالة في الكفر.
والوجه: عدم أخذ الإمامية في تعريف العدالة من أحد من أصحابنا ممن
عرف العدالة، إلا أن يقال بانصراف التعريف إلى الإمامي، وكذا اشتراك العدالة في
الذكر بين الخاصة والعامة، فإن العامة ذكروها في الفقه في مورد اشتراط العدالة
وكذا في الأصول، كما في شرائط حجية خبر الواحد، وكيف لا يقولون بتطرق
العدالة على أنفسهم والظاهر وحدة الاصطلاح، بل الوحدة مقطوع بها، كيف وقد
عرف الحاجبي والعضدي العدالة - عند الكلام في اشتراطها في حجية خبر
الواحد - بما مرجعه أنها ملكة نفسانية توجب الاجتناب عن الكبائر والإصرار
على الصغائر وخلاف المروة.
وهذا تعريف المشهور من الخاصة للعدالة، بل قد ذكر العلامة السبزواري أن
أخذ الملكة في جنس العدالة من العلامة ومن تبعه متابعة للرازي ومن تبعه من
العامة (3).
وكذا تسلم كون الموثق ما كان في سنده عدل غير إمامي، بل تعريفه بما دخل
في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته؛ إذ الظاهر كونه مبنيا

1. منتقى الجمان 1: 5.
2. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 427.
3. كفاية الأحكام: 279.
63

على دلالة " ثقة " على العدالة كما عليه بناؤهم في " ثقة " في باب الإمامي، فضلا عن
أن الشهيد الثاني حكم في الدراية بافتراق الصحيح والموثق في خصوص
المذهب واشتراكهما في الوثاقة (1). وهذا في غاية الصراحة في اطراد العدالة في
سوء المذهب.
وممن صرح باطراد العدالة في الموثق جمال الأصحاب في رسالته المعمولة
في الطينة (2)، لكن عن التنقيح: " أن الموثق ما يرويه المخالف العدل في مذهبه " (3).
ومقتضى كلام شيخنا البهائي في فاتحة مشرقه:
أن المدار في الصحيح على كون كل من رجال السند إماميين مذكورين
بالتوثيق، وفي الموثق على كون (4) رجال السند غير إماميين مع كون الكل
مذكورين بالتوثيق (5).
فمقتضى كلامه أن المدار في الصحيح والموثق على ذكر التوثيق لا العدالة،
فلا دلالة في كلامه على عموم العدالة لغير الإمامي؛ لإمكان القول بعدم دلالة
التوثيق أو توثيق غير الإمامي على العدالة، وإن كان القول بعدم دلالة التوثيق على
العدالة في غاية البعد، بل مقطوع العدم.
والظاهر اشتراك التوثيق المعتبر في كلامه في باب الصحيح والموثق في غير
المذهب، مع أن مقتضى ما سمعت عن الشهيد في الدراية كون المدار في
الاصطلاح في الموثق على العدالة، والظاهر اتحاد الاصطلاح وعدم الاختلاف في
تشخيصه، فالظاهر شركة شيخنا البهائي للمشهور في باب الموثق.

1. الدراية: 23.
2. الرسالة المعمولة في الطينة لآقا جمال الدين محمد بن الآقا حسين الخوانساري، كتبها باسم الشاه
سلطان حسين الصفوي. الذريعة 15: 197.
3. التنقيح الرائع 1: 8.
4. في " د " زيادة: " جميع ".
5. مشرق الشمسين: 26.
64

وكذا قول أرباب الرجال في ترجمة غير الإمامي كثيرا " ثقة إلا أنه فطحي "
مثلا، بناء على دلالة " ثقة " على العدالة كما هو المشهور؛ لاقتضاء الاستثناء عموم
المستثنى منه للمستثنى، إلا أن يكون الاستثناء من باب الانقطاع. لكنه خلاف
الظاهر.
إلا أن يقال: إن " إلا " هذه للاستدراك، وهي بمنزلة " غير " كما يرشد إليه ما
يقال: " فطحي غير أنه ثقة " كما في ترجمة أحمد بن الحسن بن علي بن فضال (1)،
وكذا ما يقال: " أحفظ الناس غير أنه فطحي " كما في ترجمة علي بن الحسن بن
فضال (2)؛ إذ المدار في الاستثناء على الدخول، ولا مجال هنا للدخول قطعا؛ إذ
الشخص لا يتصف بكونه إماميا وفطحيا، غاية الأمر أنه يحتمل كونه موصوفا
بالإمامية والفطحية، فبعد الاستدراك يظهر كونه فطحيا، وأما لو قيل: " جاء القوم إلا
زيدا " فقبل الاستثناء يكون زيد داخلا في القوم بحسب مفاد القضية، وبالاستثناء
يتأتى الخروج.
ولا فرق في ذلك بين الإطلاق والعموم؛ إذ يصح الاستثناء من الأول كما
يصح من الثاني، مثلا: يصح أن يقال: " أكرمت العالم إلا زيدا " بناء على عدم عموم
المفرد المعرف باللام، كما يصح أن يقال: " أكرمت جميع العلماء إلا زيدا ".
نعم، الاستدراك في المقام يكشف عن عموم " الثقة " بنفسه للفطحي، فلا
فرق بين الاستثناء والاستدراك في الثمرة، إلا أن يقال: إن ما ذكر في الاستدراك
مبني على كون المدار فيه في المقام على تعيين أحد المحتملين بالسوية.
لكن يمكن أن يكون الأمر من باب تعيين خلاف الظاهر، وإقامة القرينة على
التجوز بدخول الإمامية في معنى " ثقة " وكون " إلا " قرينة على عدم الدخول، إلا أن
يقال: إن ذلك - أعني كون الأمر من باب إقامة القرينة على التجوز - خلاف الظاهر،

1. الفهرست 24 / 72؛ رجال الشيخ: 383 / 17.
2. رجال الكشي 2: 812 / 1014.
65

مع أنه قد تكثر الاستدراك ب‍ " إلا " وغيرها بحيث أوجب رفع ظهور " ثقة " في
الإمامية بناء على دخول الإمامية في العدالة وإن كان السكوت عن سوء المذهب
في كلام الإمامي - ولا سيما من كان كتابه موضوعا للإماميين - مقتضيا للحكم
بالإمامية، وكذا اشتراط الإيمان من غير من ندر ظاهرا في موارد اشتراط العدالة في
الأصول كما في باب خبر الواحد، وكذا باب التقليد، وكذا في الفقه كما في صلاة
الجماعة والقضاء والشهادات.
نعم، اكتفى في اللمعة في باب القضاء بالعدالة. واعتذر الشارح عن اشتراط
الإيمان بدخوله في العدالة (1).
ويؤيد ما ذكرنا - أعني عدم دخول الإمامية - رواية البزنطي عن أبي
الحسن (عليه السلام): " طلاق السنة أن يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها
بشاهدين عدلين كما قال الله في كتابه " (2) قلت: فإن أشهد رجلين ناصبين على
الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال: " من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق
بعد أن تعرف منه خيرا " (3).
وكذا رواية عبد الله بن المغيرة قال: قلت للرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته وأشهد
شاهدين ناصبين، قال: " كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت
شهادته " (4).
بل قيل: إنهما محمولتان - بشهادة العدول عن جواب السؤال - على التعبير
بما هو جامع بين التقية والحق الذي لما زالوا يستعملونه، حتى قالوا لبعض

1. اللمعة " الروضة البهية " 3: 67.
2. إشارة إلى قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن).
3. الكافي 6: 67، ح 6، باب أنه لا طلاق قبل النكاح؛ التهذيب 8: 49، ح 152، باب أحكام الطلاق؛
وسائل الشيعة 15: 282، أبواب مقدمات الطلاق، ب 10، ح 4 مع تفاوت.
4. الفقيه 3: 28، ح 83، باب من يجب رد شهادته ومن يجب قبول شهادته؛ التهذيب 6: 284 ح 783،
باب البينات؛ وسائل الشيعة 18: 294، كتاب الشهادات، باب 41، ح 21.
66

أصحابهم في بعض نصوص الطلاق: قلنا معلمين لهم: إنكم لا تحسنون مثل هذا،
أي فتجمعون بينهما بعبارة جامعة، فيراد حينئذ بمعرفة الخير والصلاح في نفسه
المؤمن العدل الذي قد يقال: إنه مقتضى الفطرة، لا الناصب (1) الذي هو كافر
إجماعا.
لكن المشهور اعتبار الإيمان والعدالة في الشهادة على الطلاق، والقول
بكفاية الإسلام فيها (2) مع اعتبار العدالة في المذهب أو مطلقا نادر. وقد حررنا
تفصيل الكلام في دخول الإيمان أو الإسلام في الأصول.
وبعد يمكن أن يقال: إن الغالب في الرواة الإمامية، فإطلاق " ثقة " ينصرف إلى
الإمامي من باب انصراف المطلق إلى الفرد الشائع، كما تقدم نظيره في باب
الضبط، فالدلالة على الإمامية بنفس اللفظ لا بالخارج، لكن تتطرق الخدشة في
دعوى الغلبة بما تقدم في دعوى أصالة الإمامية بواسطة الغلبة. وأيضا بناء على
كون قولهم: " إلا أنه فطحي " - مثلا - من باب تعيين خلاف الظاهر وإقامة القرينة
على التجوز، فالظاهر من " ثقة " هو الدلالة على الإمامية لو لم يرتفع ظهور " ثقة " في
الدلالة على العدالة بواسطة كثرة الاستدراك ب‍ " إلا " وغيرها.
وتلخيص ما تقدم من الكلام في تزييف القول بدلالة " ثقة " على الإمامية

1. قوله: " لا الناصب الذي هو كافر إجماعا " قال المولى التقي المجلسي في حاشية التهذيب: الظاهر أن
المراد بالناصب من كان عمله خلاف الحق كما هو الشائع في الأخبار. هذا، وقد روى في الكافي في
كتاب الإيمان والكفر في باب فطرة الخلق على التوحيد أخبارا يكون مقتضى صريح أكثرها أن
المقصود بالفطرة التي فطر الناس عليها هو التوحيد المتمثل بالإسلام والإقرار بالوحدانية دالتين؟
للقبول، فلو ترك الإنسان عليها لم يفارقها لغيرها. وإنما يعدل عنها لآفة من الآفات، فلا ينافي ذلك
قوله سبحانه: (هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) وإليه يرجع ما في نص الأخبار من أن الفطرة
هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، وكذا ما في بعض الأخبار من أن الفطرة هي
المعرفة بأن الله هو الخالق (منه عفي عنه).
2. التزم بهذا القول الشيخ في النهاية: 510، والراوندي في فقه القرآن 2: 165.
67

النقض بسائر ألفاظ التوثيق، وبألفاظ المدح مع السكوت عن المذاهب؛ والحل
تارة: بأن عمدة كتب الرجال من المتقدمين كتاب الكشي والنجاشي وفهرست
الشيخ ورجاله.
أما كتاب الكشي فهو مقصور غالبا على نقل الروايات القادحة والمادحة.
وأما كتاب النجاشي فهو مقصور على الإماميين، فلا معنى لدلالة " ثقة " في
كلامه بالاصطلاح على الإمامية.
وأما الفهرست فهو وإن قيل بكونه موضوعا لبيان الإماميين من أرباب الكتب
والأصول لكن الحق أنه موضوع لبيان حال الإماميين وغيرهم، إلا أنه التزم بيان
حال الراوي من حيث حسن المذهب وسوئه، لكنه لم يذكر إلا سوء المذهب.
فالظاهر استقرار طريقته على بيان سوء المذهب والسكوت عن حسنه بإفادة
الحسن بالسكوت، ولا أقل من احتمال كون استفادة الفقهاء حسن المذهب في
موارد التوثيق من السكوت لا التوثيق، فانحصر الأمر في رجال الشيخ. وأين هذا
من دعوى استقرار الاصطلاح في لسان أرباب الرجال.
وأخرى: باستقرار طريقة النجاشي وأمثاله على السكوت على الإمامية على ما
ذكره جماعة، بل استقرار أرباب الرجال من الإمامي وغيره على السكوت عن
موافقة المذهب فلعل استفادة الفقهاء إمامية الراوي من جهة دلالة السكوت على
الإمامية، لا دلالة " ثقة " بالاصطلاح.
وثالثة: بدعوى غلبة الإمامية ولحوق المسكوت عنه بالغالب، فلعل بناء
الفقهاء على إمامية الراوي في موارد التوثيق من هذه الجهة، لا دلالة " ثقة "
بالاصطلاح.
ورابعة: بدعوى انصراف " ثقة " إلى الإمامي من باب انصراف المطلق إلى
الفرد الشائع، فلعل بناء الفقهاء على الإمامية من هذه الجهة، لا من جهة تطرق
الاصطلاح.
68

اللهم إلا أن يقال: إن حال الغالب لم يثبت إلا بالسكوت، فجميع موارد
التوثيق من موارد النزاع، ولا مجال لكون البناء [على] الإمامية فيه من باب الحمل
على الغالب أو انصراف " ثقة " إلى الغالب.
نعم، لو ثبتت الإمامية بالتنصيص، لكان احتمال كون البناء على الإمامية في
موارد التوثيق من باب حمل المشكوك فيه على الغالب، أو انصراف " ثقة " إلى
الغالب له وجه.
وخامسة: إن دخول الإمامية في مدلول " ثقة " من باب الاصطلاح يقتضي
التكرار؛ لاختصاص العدالة بالإمامية. لكنه مبني على دخول الإمامية في مدلول
العدالة المصطلحة، والأظهر عدم الدخول.
[لفظة " ثقة " ودلالتها على العدالة بالمعنى اللغوي وهو " الاعتماد "]
وأما العدالة فيمكن أن يقال: إن المقصود ب‍ " ثقة " هو المعنى اللغوي أعني
الاعتماد، والأمر من باب حذف المتعلق، فيبنى على حذف ما كان الظاهر كونه
محذوفا، سواء كان واحدا أو متعددا، وسواء كان خاصا أو عاما.
والظاهر في المقام وأمثاله كون المحذوف خاصا، مثلا قد يقال: " التاجر
الفلاني ثقة " والغرض الاعتماد عليه في المال، وقد يقال: " إن الواعظ الفلاني ثقة "
والغرض الاعتماد عليه في النقل وذكر الأخبار، وقد يقال: " إن العالم الفلاني ثقة "
والغرض الاعتماد عليه في المال بل مع الأقوال، والظاهر من " بك ثقتي " - في
الدعاء - هو الاعتماد في المغفرة.
وفي كلمات أرباب الرجال لما كان المقام مقام ذكر الناقلين ورواة الأخبار
فالظاهر الاعتماد في النقل والأخبار، ولا دلالة في " ثقة " على العدالة، ولا اضطراب
في الباب بناء على عدم اعتبار العدالة في اعتبار الخبر ولو بناء على اعتبار الظنون
الخاصة، كما هو الأظهر، بل الظاهر أنه طريقة الفقهاء في كتبهم وإن نسب الشهيد
69

الثاني في الدراية القول باعتبار العدالة في اعتبار الخبر إلى جمهور أهل الحديث
والأصول (1)، بل ادعى الإجماع عليه جماعة.
وأما التسمية بالصحيح فالمدار فيها على ذلك على ما كان كل واحد من
رجاله إماميا مصرحا بالتوثيق ب‍ " ثقة " أو غيره من ألفاظ التوثيق، نظير أن المدار في
الموثق - بناء على منافاة العدالة لسوء المذهب - على ما كان كل واحد من رجاله أو
بعض رجاله غير إمامي مصرحا بالتوثيق.
ويرشد إلى ذلك أن الشيخ قد يقول في ترجمة بعض الرواة في موضع: " ثقة "
وفي موضع آخر يقول: " ثقة في الحديث " كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن
أحمد؛ حيث إنه في الرجال قال في حقه في باب من لم يرو تارة: " ثقة " (2) وأخرى
قال: " ثقة في الحديث " (3). وكذا [في] ترجمة الحسن بن علي بن فضال؛ حيث إنه
قال في الفهرست: " ثقة في الحديث وفي رواياته " (4) وقال في الرجال: " ثقة " (5) كما أن
الشيخ قال في الفهرست في ترجمة أيوب بن نوح: " ثقة " (6) وقال العلامة في
الخلاصة: " ثقة في رواياته " (7)، فإن مقتضى ما ذكر كون المقصود ب‍ " ثقة " هو الوثاقة
في الحديث، أي اعتبار الحديث من جهته واعتباره في الإسناد، لكنه مبني على
عدم دلالة " ثقة في الحديث " على العدالة كما هو الأظهر، كما يأتي.
ويمكن القدح فيما صنعه الشيخ باضطراب حركاته؛ حيث إنه يأتي بتوثيق
شخص في موضع، ويأتي بتضعيفه في موضع آخر، كما في سالم بن مكرم

1. الدراية: 65.
2. رجال الشيخ: 445 / 44.
3. الفهرست: 30 / 90.
4. الفهرست: 47 / 163.
5. رجال الشيخ: 371 / 2.
6. الفهرست: 16 / 59.
7. خلاصة الأقوال: 12 / 1.
70

الجمال (1) وسهل بن زياد (2)، وكذا محمد بن علي بن بلال حيث إنه جرى على
توثيقه في الرجال (3)، وعنه في كتاب الغيبة أنه من المذمومين (4)؛ ومع ذلك قد عد في
العدة ممن عملت الطائفة بأخباره عبد الله بن بكير (5)، وفي الاستبصار في أوائل
الطلاق صرح بما يدل على فسقه وكذبه وأ نه يقول برأيه (6). وادعى في العدة نقلا
عن الطائفة: لم تزل تعمل بما يرويه عمار بن موسى الساباطي (7)، وفي التهذيب في
باب بيع الواحد بالاثنين: " أنه ضعفه جماعة من أهل النقل، وذكروا أن ما ينفرد
بنقله لا يعمل به؛ لأنه كان فطحيا [غير أنا لا نطعن عليه بهذه الطريقة؛ لأنه وإن
كان كذلك فهو] ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه " (8) وفي الاستبصار في آخر باب
السهو في المغرب: " أنه ضعيف فاسد المذهب لا يعمل بما يختص بروايته " (9).
ومع ذلك كثيرا ما يذكر الراوي تارة في أصحاب بعض الأئمة (عليهم السلام) وأخرى يذكره
في باب من لم يرو.
ومزيد الكلام موكول إلى ما حررناه في الرسالة المعمولة في باب النجاشي.
ويرشد إليه أيضا ما يقال: " ثقة صحيح السماع " كما في ترجمة أحمد بن

1. ضعفه في الفهرست 79 / 337، ونقل عنه التوثيق في خلاصة الأقوال 227 / 2. انظر نقد الرجال
2: 297 / 2171؛ ومنتهى المقال 3: 308 / 1251.
2. ضعفه في الفهرست: 80 / 339، ووثقه في الرجال: 416 / 4.
3. رجال الشيخ: 435 / 4.
4. الغيبة: 353.
5. عدة الأصول 1: 150.
6. الاستبصار 3: 279، ذيل الحديث 982، باب من طلق امرأة ثلاث تطليقات....
7. عدة الأصول 1: 150، وفيه: " عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره " ولم
يصرح باسمه.
8. التهذيب 7: 101، ذيل الحديث: 435، باب بيع الواحد بالاثنين. وما بين المعقوفتين أضفناه من
المصدر.
9. الاستبصار 1: 372، ذيل ح 1413، باب السهو في المغرب.
71

محمد بن طرخان (1)، (2) حيث إن الظاهر منه كون صحة السماع تفسيرا للوثاقة ومن
باب ذكر المرادفات، كما هو المتعارف في موارد المدح، ولولا ذلك يلزم أن
يكون الأمر من باب التوصيف بالأدنى بعد الأعلى، وهو غير متعارف، بل ركيك،
بل لا ريب ولا مرية في ركاكته؛ فمقتضاه أيضا كون المقصود ب‍ " ثقة " هو الوثاقة في
الإسناد؛ إذ الظاهر اتحاد المقصود بثقة فيه وفي ثقة في حال الانفراد.
وكذا ما يقال: " ثقة في الحديث " كما في ترجمة أنس بن عياض (3)، (4)
وعبد السلام بن صالح (5)، ومحمد بن جعفر بن محمد بن عون (6)، بناء على كون
المقصود بصحة الحديث هو اعتبار الإسناد والتحرز عن الكذب كما هو الأظهر
وكون صحيح الحديث تفسير الثقة.
وكذا ما يقال: " ثقة صحيح الحديث، معتمد عليه " كما في ترجمة أحمد بن
الحسن بن إسماعيل بن شعيب (7)، ومحمد بن جعفر بن محمد بن عون (8).
وكذا ما يقال: " ثقة صحيح " كما في ترجمة عباس بن معروف (9)، وجرير بن
عبد الحميد (10)، وأبان بن أبي رجا (11)، أو " كان ثقة " كما في ترجمة عمر بن محمد بن

1. رجال النجاشي: 87 / 210؛ خلاصة الأقوال: 20 / 46.
2. قوله: " طرخان " بفتح الطاء المهملة والراء والخاء المعجمة والنون (منه عفي عنه).
3. رجال النجاشي: 106 / 269؛ خلاصة الأقوال: 22 / 3. وفيهما: " ثقة صحيح الحديث ".
4. قوله: " عياض " بكسر العين المهملة وتخفيف الياء (منه عفي عنه).
5. رجال النجاشي: 245 / 643، وفيه: " ثقة صحيح الحديث ". وفي رجال الكشي 2: 872، ح
1148. وفيه: " نقي الحديث ".
6. رجال النجاشي: 373 / 1020، وفيه: " ثقة صحيح الحديث ".
7. رجال النجاشي: 74 / 179.
8. رجال النجاشي: 373 / 1020.
9. رجال الشيخ: 382 / 34؛ خلاصة الأقوال: 118 / 4.
10. انظر رجال الشيخ: 177 / 43، وفيه: " كوفي نزل الري من أصحاب الصادق (عليه السلام) ".
11. لا ترجمة له يوافق.
72

عبد الرحمن (1) بناء على كون المقصود بالصحة هو صحة الرواية والإسناد، كما هو
الأظهر.
وكذا ما يقال: " ثقة مأمون على الحديث " كما في ترجمة عبد السلام بن صالح
أبي الصلت الهروي (2).
وكذا ما يقال: " ثقة مسكون إلى روايته " كما في ترجمة عبد الله بن الصلت (3).
وكذا ما يقال: " ثقة صدوق " كما في ترجمة يعقوب بن يزيد بن حماد (4)،
وعلي بن عبد الله بن غالب (5)، ومحمد بن أحمد بن أبي قتادة (6)، وريان (7) بن
الصلت (8)، وعلي بن محمد بن شيران (9)، (10) وعبد الله بن إبراهيم ابن محمد بن
علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (11).
وكذا ما يقال: " ثقة يعول عليه " كما في ترجمة علي بن الحسن بن رباط
البجلي (12). (13)

1. خلاصة الأقوال: 119 / 2.
2. رجال الشيخ: 396 / 5.
3. رجال النجاشي: 217 / 564.
4. رجال النجاشي: 450 / 1215.
5. رجال النجاشي: 275 / 722؛ خلاصة الأقوال 102 / 65.
6. رجال النجاشي: 337 / 902؛ خلاصة الأقوال 154 / 82.
7. قوله: " وريان " بالراء المفتوحة والمثناة التحتانية المشددة (منه عفي عنه).
8. خلاصة الأقوال: 70 / 1.
9. قوله: " شيران " بالشين المعجمة والمثناة التحتانية والراء والنون (منه عفي عنه).
10. خلاصة الأقوال: 101 / 57.
11. رجال النجاشي: 216 / 562؛ خلاصة الأقوال: 110 / 38.
12. " البجلي " قال في المصباح: بجيلة قبيلة من اليمن والنسبة إليها بجلي بفتحتين، مثل حنفي في النسبة
إلى بني حنيفة، وبجلة مثال تمرة قبيلة أيضا، والنسبة إليها على لفظها.
13. رجال النجاشي: 251 / 659؛ خلاصة الأقوال: 99 / 39.
73

وكذا ما يقال: " ثقة معتمد عليه " كما في ترجمة إسماعيل بن مهران (1).
وكذا ما يقال: " ثقة يعول عليه " كما في ترجمة هارون بن موسى (2).
وكذا ما يقال: " ثقة مصدق لا يطعن عليه " كما في ترجمة يعقوب بن إسحاق
السكيت (3). (4)
وكذا ما يقال: " ثقة صادقا فيما يرويه " كما في ترجمة زرارة (5).
وكذا ما يقال: " ثقة أعتمد على روايته " كما ذكره في الخلاصة في ترجمة
إبراهيم بن أبي محمود (6).
وكذا ما يقال: " كان ثقة ثقة، معتمدا على ما يرويه " كما في ترجمة
عبد الرحمن بن أبي نجران (7). (8)
وكذا ما يقال: " ثقة نقي الحديث، صحيح الحكايات " كما في ترجمة عمرو
بن عثمان (9)، فتدبر (10).
وكذا ما يقال: " الثقة الصدوق، لا يطعن عليه " كما في ترجمة يحيى بن
زكريا بن شيبان (11).

1. الفهرست: 11 / 32.
2. انظر رجال النجاشي: 439 / 1184، وفيه: " ثقة معتمد لا يطعن عليه ". وانظر خلاصة الأقوال: 180 / 1.
3. قوله: " السكيت " بالسين المهملة المكسورة والكاف المشددة المكسورة والمثناة التحتانية الساكنة
والمثناة الفوقانية (منه عفي عنه).
4. رجال النجاشي: 449 / 1214؛ الخلاصة: 186 / 5.
5. رجال النجاشي: 175 / 463؛ خلاصة الأقوال: 76 / 2.
6. خلاصة الأقوال: 3 / 3.
7. قوله: " نجران " بالجيم والراء بين نونين (منه عفي عنه).
8. رجال النجاشي: 235 / 622؛ خلاصة الأقوال: 114 / 7.
9. رجال النجاشي: 287 / 766؛ خلاصة الأقوال 121 / 6.
10. " فتدبر " إشارة إلى تخلل الفصل بين ثقة ونقي الحديث (منه عفي عنه).
11. رجال النجاشي: 442 / 1190؛ خلاصة الأقوال: 182 / 8.
74

وكذا ما يقال: " ثقة جيد الحديث، نقي الرواية، معتمد عليه " كما في ترجمة
سهل بن راذويه (1). (2)
وكذا ما يقال: " ثقة ثبت " كما في ترجمة إسماعيل بن جعفر (3)، و " ثقة ثقة ثبت "
كما في ترجمة حسين بن إشكيب (4)، (5) وعبد الله بن محمد الأسدي (6)،
وعبد الرحمن بن الحجاج (7)، بناء على كون " الثبت " بمعنى " المعتمد " وعدم دلالته
على العدالة كما هو الأظهر، كما حررناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل
الرسالة المعمولة في أبي داوود الذي يروي عنه الكليني.
وكذا ما يقال: " ثقة سالم فيما يرويه " كما في ترجمة إسماعيل بن شعيب (8).
وكذا ما يقال: " ثقة سليم " كما في ترجمة زياد بن أبي غياث (9)، أو " كان سليما "
كما في ترجمة محمد بن أحمد بن عبد الله بن مهران (10)؛ بناء على كون المقصود
بالسليم السلامة في الرواية، كما هو مقتضى ما يقال: " سالم فيما يرويه " كما
سمعت.

1. " راذويه " بالراء والدال المعجمة بعد الألف (منه عفي عنه).
2. رجال النجاشي: 186 / 492؛ خلاصة الأقوال: 81 / 3.
3. انظر قاموس الرجال 2: 41 / 794؛ ومنتهى المقال 2: 51 / 338.
4. قوله: " إشكيب " بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة والمثناة التحتانية والباء الموحدة، كما ذكره
في الإيضاح وفي بعض تعليقات الكافي بخط العلامة المجلسي في باب مولد الصاحب عجل الله فرجه
عند ذكر الحديث المشتمل سنده على الحسين بن إشكيب: إن بعض أهل الرجال صححوا بالسين
المهملة (منه عفي عنه).
5. رجال النجاشي: 44 / 88؛ خلاصة الأقوال: 49 / 8، وفيها: " اسكيب " بالسين غير المعجمة.
6. رجال النجاشي: 226 / 595؛ خلاصة الأقوال: 105 / 18.
7. رجال النجاشي: 237 / 630.
8. الفهرست: 11 / 33؛ خلاصة الأقوال: 9 / 7.
9. رجال النجاشي: 171 / 452.
10. رجال النجاشي: 346 / 935.
75

لكن قال الصدوق في مشيخة الفقيه في باب أبي حمزة الثمالي: " وهو
ثقة عدل " (1). والظاهر منه كون العدالة تفسيرا للوثاقة، فمقتضاه دلالة " ثقة " على
العدالة.
لكنه لا يقاوم ما تقدم مما يقتضي عدم دلالة " ثقة " على العدالة، مع أن الظاهر
أن الأمر في المقام من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى بكون الغرض من الوثاقة
الاعتماد بالنقل والإخبار، فلا دلالة في " ثقة " على العدالة.
ويرشد إليه أيضا أنه ربما اتفق التوثيق في كلام بعض الرواة كما مر ويأتي،
ولا كلام في أن المراد بالتوثيق المذكور هو المعنى اللغوي. والظاهر اتحاد
المقصود به مع المقصود بالتوثيق المتنازع فيه، أعني التوثيق المذكور في كلام
الإمامي من أرباب الرجال.
ويرشد إليه أيضا أنه تكرر توثيق الإمامي من بعض الرواة وأهل الرجال كما
سيأتي، وإرادة العدالة من هذا التوثيق بعيدة، والظاهر اتحاد المقصود بالتوثيق
المذكور في كلام الإمامي من أرباب الرجال، وهو المتنازع فيه.
ويرشد إليه أيضا أنه قد يقال: " ثقة عند العامة " أو " ثقة في العامة " أو " كان
ثقة عند العامة " أو " وثقه العامة " كما يأتي، وإرادة العدالة من الوثاقة فيما ذكره
بعيدة. والظاهر اتحاد المقصود بالوثاقة فيما ذكر، والمقصود بها في التوثيق
المتنازع فيه.
ويرشد إليه أيضا أنه قد يقال: " ثقة عند المخالف والمؤالف " كما ذكره
الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة في حق عبد السلام بن صالح، قال:
" ومن البعيد كمال البعد الاتفاق على العدالة بالمعنى المصطلح من المخالف
والمؤالف في شخص فضلا عن أشخاص كثيرة بخلاف الاعتماد والصدق " (2)

1. الفقيه 4: 36 من المشيخة.
2. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 56.
76

(فالظاهر أن المقصود بالوثاقة فيما ذكر هو الاعتماد والصدق) (1) ويطرد هذا في غير
ذلك؛ لظهور وحدة السياق.
ويرشد إليه أيضا أنه قال الشيخ في الرجال في ترجمة محمد بن الحسن بن
أحمد بن الوليد: " ثقة " (2). وقال العلامة في الخلاصة: " موثوق به " (3) إذ الاصطلاح بعد
ثبوته لا يطرد في موثوق به، ولا مجال لاستعماله في العدالة.
والظاهر اتحاد المقصود ب‍ " ثقة " و " موثوق به "، وكذا اتحاد المقصود ب‍ " ثقة "
هنا وفي سائر الموارد؛ لظهور وحدة السياق.
ويرشد إليه أيضا كثرة الألفاظ الدالة على الوثوق بالنقل والاعتماد في
الإسناد، نحو: " ثقة في الحديث " و " ثقة في الرواية " و " ثقة في رواياته " بناء على
عدم دلالتها على العدالة كما هو الأظهر، كما مر ويأتي، و " مسكون إلى روايته " و
" مأمون على الحديث " و " صحيح الرواية " و " متقن لما يرويه " (4) و " صدوق " بناء
على عدم دلالة طائفة منها على العدالة، كما حررناه في بعض الفوائد المرسومة
في ذيل الرسالة المعمولة في أبي داوود الذي يروي عنه الكليني؛ إذ مقتضى قضية
إلحاق المشكوك فيه بالغالب منه البناء في " ثقة " على كون الغرض الاعتماد في
الإسناد.
ويرشد إليه أيضا ما يقال: " ليس بذاك الثقة " إذ المقصود به - كما لعله
الظاهر - أنه ليس ممن يوثق به وثوقا تاما، بل فيه نوع وثوق؛ فلا مجال
لكون المقصود بالوثاقة فيه العدالة، بناء على كونها هي نفس الاجتناب، كما
هو الأظهر؛ لعدم قابلية العدالة على ذلك للتفاضل، كيف والأعدام لا تمايز فيها،

1. ما بين القوسين ليس في " ح ".
2. رجال الشيخ: 439 / 23.
3. خلاصة الأقوال: 147 / 43.
4. في " د " زيادة: " وصادق فيما يرويه ".
77

حتى صار من المثل.
ومن ذلك الاستدلال على اعتبار الملكة في العدالة بتضافر النصوص (1)
والفتاوى باعتبار الأعدلية في موارد، كتشاح الإمامين، وتعارض الشاهدين،
واختلاف الروايتين ونحو ذلك، وسيأتي مزيد الكلام.
وأما لو كانت العدالة هي الملكة، فلابد من كون الغرض في المقام هو نفي
زيادة الملكة، وهو بعيد وخلاف الظاهر وخلاف المتعارف في المحاورات،
فالمقصود بالوثاقة في المقام هو الاعتماد في النقل، والغرض نفي زيادة الاعتماد
في النقل، والظاهر اتحاد المقصود بالوثاقة في المقام وفي " ثقة ".
ويرشد إليه أيضا أنه قد يقال: " أوثق من أبيه أو أخيه " بل قد يقال: " أوثق
الناس وأصدقهم لهجة " كما سيأتي؛ حيث إن العدالة لا تقبل التفاضل أو التوصيف
بالتفاضل فيها بعيد، كما يظهر مما سمعت آنفا، فالمقصود الزيادة في الوثاقة في
الإسناد، ولا سيما مع تعقب الأوثق بالأصدق لهجة. والظاهر اتحاد المقصود
بالوثاقة في " الأوثق " و " ثقة ".
ويمكن أن يقال: إن المقصود ب‍ " ثقة " وإن كان هو الاعتماد إلا أن الظاهر في
المقام الاعتماد في جميع المراحل، أي الاعتماد في الدين، فتأتى الدلالة على
العدالة ولو بناء على كون العدالة من باب الملكة، بل تثبت العدالة على جميع
الأقوال في معنى الكبيرة وعددها، وكذا تتأتى الدلالة على الضبط؛ إذ لا وثوق
بخبر غير الضابط وإن كانت هذه الدلالة غير محتاج إليها لكفاية أصالة الضبط.

1. قوله " بتضافر النصوص " بالصاد المعجمة، قد ذكر الفاضل الخوانساري في تعليقات الروضة في كتاب
البيع عند الكلام في جواز بيع المسك في فأره قال: إنه تداول كتابة التضافر بالظاء المعجمة. والذي
يظهر من كتب اللغة أنه بالضاد المعجمة، قال في الصحاح: وتضافروا على الشيء: تظاهروا عليه.
انتهى. وفي المصباح: وتضافر القوم: تعاونوا، وضافرته: عاونته. وفي المجمع: وتضافروا على الشيء:
تعاونوا عليه، انتهى. وقد رأيت في خط من كان عارفا بأمثال ذلك الكتابة بالضاد (منه عفي عنه).
78

وليس الأمر من باب عموم حذف المقتضي؛ إذ الكلام فيه على ما حررناه في
الأصول في إخبار المتعدد مع عدم إمكان إضمار العام، والمضمر في المقام من
باب العام.
ويرشد إلى ذلك أيضا ما يقال في بعض التراجم: " إنه كان على ظاهر العدالة
والثقة " إذ الظاهر كون الأمر من باب الإرداف بالمرادف.
ويرشد إلى ذلك أيضا فهم المشهور حيث إن معظم الطائفة بنوا على الدلالة؛
إذ يكتفى بها في اعتبار الخبر، وهذا المرشد كامل قوي.
لكن يمكن أن يقال: إنه - بعد الإغماض عن الاستقراء الكامل المتقدم النادر
اتفاق مثله في الرجال وغيره - لا يثبت العدالة مع ما ذكر، بناء على اعتبار المروة
في العدالة؛ لصدق الوثاقة والاعتماد في الدين مع ارتكاب خلاف المروة.
لكنه يندفع بأن ارتكاب خلاف المروة من الإنسان لا يتفق إلا في
نادر الأحيان؛ لكونه موجبا تحفة (1) عرضه ومنافيا لدنياه المنحصر فيها همه
وخياله، فالظاهر - بظهور قوي - عدم ارتكاب خلاف المروة، فالأصل المروة،
ويكفي في إحراز الأصل، بخلاف التكاليف الشرعية، فإن ديدن الإنسان مستقر
غالبا على مخالفتها إلا من عصمه الله، وكأ نه لا يستشعر بغير الدنيا، ولا يدري ما
سواها.
قال سيد الأوصياء - عليه آلاف التحية والثناء - على ما في الديوان المنسوب
إليه:
أبنى إن من الرجال بهيمة * في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل رزية في ماله * وإذا أصيب بدينه لا يشعر (2)
كلام الإمام إمام الكلام، ولعمري إن الرباعي المذكور في حواشي الإعجاز من

1. كذا في النسخ.
2. الديوان المنسوب لأمير المؤمنين (عليه السلام): 67.
79

باب علو المفاد، بل الحال على هذا الحال في أكثر أشعار الديوان، وقد حررنا في
الأصول أن علو مفاد أشعاره يوجب جبر ضعف الأشعار، كما هو الحال في
الصحيفة السجادية؛ لارتفاع مضامينها مع قطع النظر عن المحاسن اللفظية، بل علو
المفاد من وجوه الإعجاز.
ويرشد إليه ما ذكر من أن عثمان بن مظعون أسلم بسماع قوله: (إن الله يأمر
بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى (1)) (2) لاحتوائه
على جميع مراتب الخير والشر بما لا يحتوي عليه غيره من الآيات، وليس هذا إلا
من باب علو المفاد.
وبما تقدم يظهر ضعف ما قيل من أن " ثقة " حقيقة اصطلاحية في عدل
ضابط إمامي معتمد عليه في الدين، مع أن دخول " المعتمد عليه في الدين "
لا يساعده كلام أحد من أهل الرجال، ولم يقل به أحد من غيرهم، فظهور ضعفه
بمكان، على أن أخذ الاعتماد عليه في الدين يغني عن أخذ العدالة، كما يظهر مما
يأتي.

1. النحل (16): 90.
2. مجمع البيان 3: 380؛ ونقله عنه في نور الثقلين 3: 78.
80

تذييلات
الأول
[الإشكال على الأخذ بتوثيقات أهل الرجال]
إنه يتطرق على الأخذ بتوثيقات أهل الرجال وجرحهم إشكال مشهور،
وهو: أن مذهب النجاشي - مثلا - من علماء الرجال في العدالة غير معلوم لنا،
فكيف يصح لنا الأخذ بالجرح والتعديل منه بدون ذكر السبب، فربما يأتي
بالتعديل والجرح بما لا نراه موجبا للجرح والتعديل.
بل الشيخ يكتفي في نفس العدالة بظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق (1) لو لم
يكن اكتفاؤه به في باب الكاشف عن العدالة، فكيف يتأتى التعويل (2) على التعديل
منه بمن يقول باعتبار الملكة في العدالة كما هو المشهور (3).
بل الجرح والتعديل من النجاشي ونحوه مأخوذ من كلام القدماء، كابن نوح،
وابن عقدة، ونصر بن الصباح وغيرهم، ونحن لا نعرف مذهبهم أيضا بالفحوى،
مع أنه قد أخذ الفقهاء بأسرهم (4) بالجرح والتعديل من النجاشي والشيخ والكشي

1. الخلاف 1: 229، كتاب الشهادات؛ وانظر غنائم الأيام 2: 36.
2. في " ح ": " التأويل ".
3. كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 372، والشهيد الثاني في روض الجنان: 289.
4. قوله: " بأسرهم " أي بجميعهم، واستعمال الأسر في الجميع في أمثال المقام شائع في الكلمات،
والأسر كان مسار مصدر أسر كضرب، وهو الشد كما في القاموس. وظاهر الصحاح أنه الشد بالقد
وضعا، لكن استعمل بمعنى القد حيث إنه سكت عن معناه رأسا، وأحاله على معنى فعله وهو الشد
بالقد، ثم قال: وهذا الشيء لك بأسره، أي بقده، أي بجميعه. وربما فسر الخطابي في تعليقاته على
الشرح المختصر على التلخيص بالقد الذي يشد به الأسير. وفيه نظر. وفسره في المجمع بالجميع،
وليس بشيء. ولعل التعريض إليه المقصود بما قاله السيد السند شارح الصحيفة السجادية في شرح
دعاء مولانا السيد السجاد زين العباد - عليه آلاف تحية رب العباد - في دعاء يوم الفطر: إن تفسير من
فسر الأسر بالجميع غير جيد، والأسير - كما في الصحاح والمجمع - الأخيذ، أخذا من الأسار،
والأسار هو القد. ومنه قول السيد السجاد - عليه آلاف الثناء من رب العباد -: " فأصبح طليق عفوك
وأسار سخطك وعتيق صنعك من وثاق عدلك " وكانوا يشدون الأخيذ بالأسار، فسمي كل أخيذ
أسيرا، ومن لم يشد به. والظاهر أن استعمال الأسر في الجميع بمناسبة أن الأسير إذا ذهب بأسره
فذهب بجميعه. ومن هذا القبيل ما يقال: برمته، وهي بالضم والتشديد كما في المجمع، وبالكسر كما
في القاموس، وأصله - كما في الصحاح - أن رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه، فقيل ذلك لكل
من دفع شيئا بجملته، بل نقول: إن المتتبع في الكلمات يجد استعماله في كل شيء بجميعه، وأكثر
استعماله في كلماته في حواشي المغني (منه عفي عنه).
81

لو اتفق منه الجرح أو التعديل، وكذا ابن داوود من دون إشكال وكلام، حتى أن من
لا يعمل بغير الصحيح أو يعتبر في اعتبار الخبر تزكية العدلين يأخذ بالتعديل منهم.
وعمدة الإشكال إنما هي في الأخذ بالتوثيق، وإلا فلا إشكال في إفادة الجرح
للشك ولو مع عدم الاطلاع على مذهب الجارح في الجرح. وفيه الكفاية في عدم
اعتبار (الخبر بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر، أو خروج الخبر عن مصداق
الصحيح بناء على عدم الاعتبار في الاعتبار؛ لاعتبار) (1) العدالة في صدق اسم
الصحيح بلا غبار.
ومن ذلك أن عمدة الحاجة إلى ذكر السبب إنما هي في التعديل دون الجرح؛
لكفاية عدم ثبوت العدالة في المعاملة بمعاملة الفسق.
نعم، البناء على الجرح اجتهادا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البناء على العدالة،
فيتأتى في الأخذ بالتوثيق منهم من الإشكال، وكذا تتأتى الحاجة إلى ذكر السبب

1. ما بين القوسين ليس في " ح ".
82

بناء على اشتراط ذكر السبب.
ولعل أصل الإشكال من شيخنا البهائي، إلا أنه إنما يبتني على القول باشتراط
قبول الجرح والتعديل بذكر السبب مطلقا، أو في الجملة.
والظاهر. أن الإشكال في الأخذ بالجرح والتعديل من الإماميين من أهل
الرجال مع أن الأخذ بالجرح والتعديل من غيره أمره صعب؛ لتطرق الكلام في
قبول الجرح والتعديل منه بعد تشخيص العدالة عنده، فالظاهر عدم دخوله في
مورد الإشكال، وإلا لذكر زيادة صعوبة الأمر فيه.
والظاهر أيضا أن الإشكال في الأخذ بالتوثيق إنما هو في الأخذ به في حق
الإمامي والبناء على صحة الخبر، لكنه يطرد في الأخذ بالتوثيق في حق غير
الإمامي والبناء على كون الخبر من الموثق بناء على كون المدار في الخبر الموثق
على عدالة غير الإمامي، بل الأمر هنا أصعب؛ لابتناء الأخذ بالتوثيق بعد قول
المجتهد باطراد العدالة في غير الإمامي على قول الموثق بالاطراد.
ونظير الإشكال المذكور الإشكال في اعتبار مراسيل ابن أبي عمير، بناء على
أنه لا يرسل إلا عن ثقة، كما نقله جماعة كثيرة باحتمال اكتفاء ابن أبي عمير في
العلالة بظهور وعدم ظهور الفسق؛ لعدم ثبوت ما هو المدار في العدالة عنده.
وكذا ما يأتي من الإشكال في نقل الإجماع ممن يقول بطريقة الدخول
كالسيد المرتضى (1) ومن تبعه (2)، أو طريقة اللطف كالشيخ (3) ومن تبعه (4) بالنسبة إلى
من يقول بالحدس وفساد الطريقتين كما هو مشرب الأواخر (5).
بل يأتي نظير الإشكال المشار إليه في كل مورد اختلفت فيه مقالة الفاعل

1. الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 632.
2. المحقق في معارج الأصول: 126، والعلامة في تهذيب الأصول: 65. وانظر معالم الدين: 174.
3. عدة الأصول 2: 602.
4. حكي عن الميرداماد ذهابه إلى مذهب الشيخ الطوسي، وانظر فرائد الأصول 1: 86.
5. نقله الشيخ في الفرائد 1: 86.
83

والقابل، ومنه ما لو اختلفت مقالة الموجب والقابل في العقود.
[الجواب عن الإشكال]
وقد أجاب سيدنا - وأصل الجواب من المحقق القمي (1) -: بأن الجارح والمعدل
وإن أمكنه أن يبني الأمر في الجرح والتعديل على مذهبه على وجه (الإيجاب
الجزئي قبال السلب الكلي من القائل بالقبول على الإطلاق، ولا يلزم التدليس على
وجه) (2) السلب الجزئي قبال الإيجاب الكلي من القائل المذكور إلا أنه لو كان
التزكية والجرح لعامة المكلفين، أو لمن كان قوله حجة عليه، يكون الظاهر موافقة
المراد لمذهب القائل، ولا يصح الإطلاق في محل الخلاف؛ لكونه تدليسا.
وتوضيحه: أن احتمال أن يكون جرحهم وتعديلهم على وفق مذهبهم خاصة
مع علمهم بالاختلاف وتفاوت المذاهب في غاية البعد؛ لأن تصنيفهم وتأليفهم لم
يكن لمقلديهم لعدم حاجتهم إليه، ولا لأهل عصرهم خاصة حتى يقال: إنه صنفه
للعارفين بطريقته، سيما وطريقة أهل العصر من العلماء عدم الرجوع إلى كتب
معاصريهم من جهة الاستناد غالبا، وإنما تنفع المصنفات بعد الموت في الأغلب
سيما إذا تباعد الزمان، فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر،
وأن تكون مرجعا لمن يأتي بعدهم، وأن ينتفعوا بها، وإذا لوحظ هذا المعنى مع
عدالة المصنفين وورعهم وتقواهم وفطانتهم يظهر أن مرادهم من العدالة المعنى
الذي هو مسلم عند الكل، حتى ينتفع الجميع بما ذكروه من التعديل.
واحتمال الغفلة عن ذلك المعنى حين التأليف مع تمادي زمانه بعيد أيضا من
مثل هؤلاء الفحول الصالحين.
ويدل على ما ذكرناه اتفاق أصحابنا على قبولهما مطلقين، فإنهم لم يزالوا

1. القوانين المحكمة 1: 495.
2. ما بين القوسين ليس في " د ".
84

يحكمون بعدالة الرواة، ويستندون في ذلك إلى الشيخ والنجاشي وابن الغضائري
وغيرهم من علماء الرجال، فإذا رجعنا إلى دفاترهم لم نجد في كلامهم (1) إلا
الإطلاق، غير أنهم لا يعولون إلا على أرباب البصائر التامة في هذا الشأن
كالمذكورين، دون من ضعف مقامه إلا أن يذكر السبب، وكذلك وجدناهم
يحكمون بالضعف ويقفون من الأخذ بالخبر إذا رماه واحد من هؤلاء بالضعف.
وبالجملة، لا إشكال في قبول التعديل من علماء الرجال من دون ذكر
السبب؛ لظهور إرادتهم ما هو متفق عليه في زمانهم؛ لكون دأب المصنفين
وطريقتهم في تصانيفهم وتاليفهم ذلك؛ لمنافاة إرادة غيره لمقصودهم الذي هو
رجوع من تأخر عنهم إليها وانتفاعهم بها، ولا يطلقون إلا إذا كان المراد ما لا
خلاف فيه، وإن أرادوا ما فيه خلاف، فطريقتهم الإشارة إلى ذكر السبب، أو بيان
ما وقع الخلاف فيه. وكذلك الجرح، فلا يخرجون مطلقا إلا بما كان عند الكل
جرحا.
فإن قلت: إن ما ذكرت من إرادة المعنى الذي هو متفق عليه وإن كان يستلزم
تعميم النفع لكنه مفوت لفائدة أخرى، وهي أنه قد يكون مذهب المجتهدين
اللاحقين أن العدالة هي المعنى الأدنى، فلا يعلم حينئذ هل كان متصفا بهذا
المعنى أم لا؟ فلو لم يسقط المؤلف اعتبار هذا المقدار لكان النفع (2) أكثر.
قلنا: - مع أن هذا النفع بالنسبة إلى الأول أقل؛ لذهاب الأكثر إلى المعنى
الأعلى، والقول بالمعنى الأدنى بالنسبة إليه نادر كما يظهر من التتبع في كلمات
القوم، بل ادعى بعضهم اتفاق الكلمة على المعنى الأعلى فيه - إنا نراهم يمدحون
الرجل بمدائح كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر، بل وأكثر منه، ومع ذلك
لا يصرحون بعدالتهم، فمن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعم فليأخذ بمقتضى

1. في " د ": " كلماتهم ".
2. في " د " زيادة: " بالنسبة ".
85

هذا المدح ويجعله عدالة.
وهذا من أعظم الشواهد على أنهم أرادوا بالعدالة المعنى الأعم، فهم لاحظوا
الأطراف وأخذوا بمجامع النفع.
بل نقول (1): إن ما يظهر بالتتبع أنهم لا يختلفون في أن العدالة هي الملكة التي
تبعث على ملازمة التقوى، والمشهور صرحوا باعتبار المروة (2) ولم يذكره بعضهم
كشيخنا المفيد (3) وجماعة أخرى، ونسبه في كنز العرفان إلى الفقهاء (4)، فظاهرهم
إجماعهم على اعتباره وليس بذلك البعيد؛ لأن ما ذكره الساكتون عنه في معنى
العدالة يلزمه غالبا، فلعل سكوتهم كان لذلك.
نعم، جماعة من المتأخرين صرحوا بعدم اعتباره (5).
ولا يثمر خلافهم ثمرة فيما نحن بصدده، فإن الكلام في تعديل أهل الرجال،
والظاهر اعتبار المروة عندهم.
سلمنا عدم اعتباره، لكن العدالة المعتبرة في قبول الرواية هي التي توجب
الثقة والاعتماد، ومن لا مروة له لا اعتماد عليه غالبا، فإن عدمها في الأغلب إما
لخبل وضعف عقل أو لقلة الحياء، فإن من لا حياء له يصنع ما يشاء. وكفاك
شاهدا في ذلك قول من قيل له: لم تركت حديث فلان: رأيته يركض على برذون.
وأما اختلافهم في الكاشف عن العدالة فلا يضر ذلك؛ لما مر من أن العدالة
التي تعتبر هنا هي ما توجب الثقة والاعتماد، ولا يحصل ذلك من مجرد ظهور

1. قوله: " بل نقول " هذا الكلام في دفع الإشكال من جهة الخلاف في اعتبار المروة في العدالة (منه عفي
عنه).
2. انظر غنائم الأيام 2: 32.
3. انظر المقنعة: 725، والسرائر 1: 280، وج 2: 118، وانظر غنائم الأيام 2: 32.
4. كنز العرفان 2: 384.
5. حكاه في غنائم الأيام 2: 38.
86

الإسلام مع عدم ظهور الفسق، بل مجرد حسن الظاهر أيضا، بل لا يحصل إلا مع
العلم أو الظن بالملكة المذكورة؛ فقولهم: " فلان ثقة " لا يحتمل الاعتماد فيه على
ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر، بل لابد أن يكون اعتمادهم
فيه على ظهور الملكة، واختلافهم في عدد الكبائر (1) غير قادح أيضا، فإن الوثوق (2)
لا يحصل إلا بمن كان له ملكة الاجتناب عن جميع الذنوب؛ إذ من يصدر عنه
الذنب (3) - ولو كان صغيرة - لا يحصل الوثوق به من كل وجه، فلا أقل من هذه
الجهة.
فالحكم بتوثيق الرجل على الإطلاق لا يتم إلا بعد ظهور ثبوت ملكة اجتناب
الكبائر ولو كانت مما اختلف في كونها كبيرة؛ لأنه إما أن يكون عند الرجل معصية
أو لا، فإن كان الأول فله ملكة الاجتناب عنه، وإن كان الثاني فلا يضر فعله؛ لكونه
مباحا له وإن كان حراما في الواقع، فيكون مرتكبا للمباح لا الحرام. ففعل
المعصية في الجملة وإن لا يضر بعدالة الرجل لكنه يقدح في الوثوق به من كل
وجه، كما هو الظاهر من قولهم: " فلان ثقة ".
فيظهر من جميع ما ذكر أن الظاهر من توثيق علماء الرجال إرادة ما يلزم
العدالة عند الكل، ولو لم يكن لنا إلا اتفاق الطائفة على قبول التعديل من أهل
الرجال ولو كان بدون ذكر السبب، لكفانا في قبول قولهم مع عدم ذكره؛ لكشفه عن
إرادة ما اتفقت عليه كلمتهم؛ فلا إشكال أصلا ولو على القول باعتبار ذكر السبب.

1. قوله: " واختلافهم في عدد الكبائر " إلى آخره، هذا الكلام في دفع الإشكال من جهة الخلاف في عدد
الكبائر، لا التمسك بالوثاقة من كل جهة على الإطلاق، فهو لا يتم إلا بمداخلة المعنى اللغوي، غاية
الأمر أن التمسك بإطلاق اللفظ الموضوع له. وبعبارة أخرى: اللفظ الموضوع له عنه الإطلاق، فهو
ينافي القول بتجدد الاصطلاح في " ثقة ". (منه عفي عنه).
2. في " د ": " التوثيق ".
3. في " ح ": " الذنوب ".
87

[في الإيراد على الجواب بعشرة وجوه]
أقول: إن الجواب المذكور دائر بين دفع الإشكال من جهة الاختلاف في
معنى العدالة والاختلاف في اعتبار المروة فيها، والخلاف في كاشف العدالة،
والخلاف في عدد الكبائر. وما يدفع به الإشكال من الجهة الأولى يدفع به
الإشكال من سائر الجهات أيضا، فما دفع به الإشكال في سائر الجهات من باب
مزيد الجواب.
وكيف كان يتطرق الإيراد على الجواب المذكور كما حررناه في الأصول
بوجوه عشرة:
فأولا: بأنه لم يثبت كون " ثقة " في كلمات علماء الرجال مستعملة في العدالة
بالمعنى المصطلح، كما هو مبنى صدر الجواب المذكور.
وثانيا: بأنه لم يثبت كون النجاشي - مثلا - عارفا بأحكام العدالة ومسائلها،
حتى يتمكن من أخذ المرتبة العليا للعدالة.
وثالثا: بأنه كيف يتمكن النجاشي - مثلا - على تقدير كونه عارفا بمسائل
العدالة من أخذ المرتبة العليا للعدالة وإن كان مقصوده من توثيقاته انتفاع عامة من
تأخر، مع أن بعض الأقوال في الكبيرة قد حدثت في هذه الأعصار (1)، مع أنه من
أين علم أن كتابه يصير مرجعا ومحل انتفاع عامة من تأخر حتى يأخذ بما يوجب
النفع لهم، أي المرتبة العليا للعدالة.
ورابعا: بأن البناء في جميع الفنون على رسم الشخص معتقده في كتابه، ألا
ترى أن متون الفقه بل متون الفنون بحذافيرها لا تزيد على مختار المصنف غالبا،
والمقصود بها انتفاع الغير أيضا، فلا مجال للقول بلزوم أن يلغي من صنف في
الرجال معتقده، ويجري على ما يوافق مذاق جميع من تأخر عنه.

1. انظر غنائم الأيام 2: 33.
88

وإن قلت: إن مجرد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق لا حاجة إلى ذكره
ورسمه.
قلت: إن كثيرا من أهل الإسلام ظاهر الفسق، فليس حفظ الأشخاص الظاهر
منهم الإسلام - غير الظاهر منهم الفسق - غير محتاج إليه للمصنف، بناء على
اكتفائه في العدالة بمجرد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق وإن كان مجرد
ظهور الإسلام لا حاجة إلى رسمه.
نعم، لو كان المقصود ب‍ " ثقة " هو العدالة - بمعنى مجرد ظهور الإسلام مع عدم
ظهور الفسق - لكان على من ارتكب التوثيق أن ينبه على مراده، إلا أنه لو كان
المقصود هو المعنى المتجدد - أي العدالة ولو بالمعنى الأعم - لكان على أرباب
الرجال التنبيه على الاصطلاح، ولم يصدر من أحد منهم، مع أن كلا منهم يصرح
[في] أول كتابه باصطلاحاته لو كان له اصطلاح، بل كل مصنف في كل فن لو كان
له اصطلاح ينبه على اصطلاحه مفتتح كتابه.
وخامسا: بأن المحقق السبزواري نفى القول بالملكة ممن تقدم على العلامة
وقال: " إن الظاهر أن العلامة اقتفى في ذلك الكلام الرازي ومن تبعه من العامة " (1).
والعلامة المجلسي نفى القول باعتبار المروة عن كثير من القدماء (2)، فكيف يتجه
الأخذ بالتوثيق ممن يقول بكون العدالة من باب الملكة، أو يعتبر المروة في
العدالة!؟
وسادسا: بأن دعوى عدم حصول الوثوق بمن لا مروة له قد صدر أيضا ممن
اعتبر المروة في العدالة، وقد زيفناه في محله، مضافا إلى ما تقدم.
وبوجه آخر: إن كانت الوثاقة في " ثقة " مستعملة في العدالة، فلا دلالة فيها
على المروة بناء على عدم اعتبارها. وإن كانت مستعملة في الاعتماد - وهو المعنى

1. كفاية الأحكام: 279.
2. البحار 85: 30 و 32.
89

اللغوي - فلا دلالة فيها على العدالة. وإن كان الغرض الاستعمال في العدالة
والاعتماد معا - كما ربما قيل - فيظهر ضعفه بما مر.
وسابعا: بأنه لو كان الوثوق لا يحصل بمجرد حسن الظاهر - كما في ذيل
الجواب المذكور - فلا حاجة إلى القول بكون المأخوذ في التوثيق هو العدالة
بالمعنى الأعلى المحتاج إلى ارتكاب تكلف تام وتجشم تمام، كما في صدر
الجواب المذكور.
وثامنا: بأن دعوى كون المقصود بالتوثيق هو كون الشخص مجتنبا عن
جميع المعاصي - كما في ذيل الجواب المذكور - بعيدة، كيف وهذه المرتبة لا
تتفق إلا لأندر نادر، والموثقون في غاية الكثرة. وتاسعا: بأن مقتضى ذيل الجواب
أن المقصود بالتوثيق هو ما يلزم العدالة، ومقتضى صدر الجواب كون المقصود به
نفس العدالة، فالتنافي في البين بين.
وعاشرا: بأنه كيف يتأتى الاعتماد على مجرد الاتفاق في هذه المعركة
العظمى من دون الاستناد إلى مدرك وثيق، وسند سديد.
ثم إن المحقق القمي (1) هو الأصل في الجواب المذكور كما مر، والجواب
المذكور منه ينافي ما اختاره في باب قبول الجرح والتعديل بدون ذكر السبب، من
التفصيل بين ما لو علم بموافقة مذهب الجارح والمعدل لمذهب المجتهد - فيما
يتحقق به الجرح والتعديل - فالقبول، وغيره فالعدم؛ حيث إن مقتضى التفصيل
المذكور بعدم القبول في صورة عدم علم المزكي له بموافقة مذهب المزكى لمذهبه.
إلا أن يقال: إن قوله في التفصيل المذكور بعدم القبول في صورة عدم علم
المزكي له بموافقة مذهب المزكى منصرف إلى ما لو لم تكن التزكية مبنية على
الأخذ بالمرتبة العليا (ومنصب فيه، إلا أن يقال: إن الغالب من أفراد التزكية إنما هو

1. القوانين المحكمة 1: 495.
90

تزكية الراوي، والمحقق المفصل جرى على كون تزكية الراوي مبنية على الأخذ
بالمرتبة العليا) (1)، فلا مجال للتفصيل المشار إليه في تزكية الراوي.
[جواب آخر من وجهين]
وقد يجاب أيضا بأن المدار في التوثيقات إنما هو على قول العلماء
المعتمدين والمشاهير المطلعين على سر اشتراط العدالة، ولا شك أنهم عالمون
بما يخل بها بحيث يوجب رد حديث صاحبها، بل لا يراد (2) بالعدالة هنا إلا أمر
معلوم لا يجوز التجاوز عنه، بل المراد بها ما يتوقي بها صاحبها عما يوجب
الاختلاف في المقال، وذلك أمر مختلف باختلاف الناس والأحوال، وإنما عرفت
العدالة بما عرفت بناء على الغالب.
والظاهر أن المقصود به الجواب من وجهين:
أحدهما: أن أرباب التوثيق المتصدين له أشخاص معتمدون معروفون،
عارفون باشتراط العدالة في الرواية وبالأمور المخلة المنافية للعدالة، والموجبة
لرد الرواية، فهم يلاحظون في التوثيقات جميع الأمور المعتبرة في العدالة قطعا.
والآخر: أن المقصود بالعدالة المشروطة في الراوي ليس ما هو المعنى
المصطلح المعروف، بل الحالة الرادعة عن الكذب الموجب لاختلال المقال بين
الراوي والمروي عنه.
وهذه تختلف باختلاف الناس، فبعض الأشخاص يكفي في إمساكه عن
الكذب أدنى حالة رادعة، وبعضهم يحتاج إمساكه عن الكذب إلى حالة رادعة
قوية بواسطة قوة الميل إلى الكذب، كما أنها تختلف باختلاف الأحوال، فرب

1. ما بين القوسين ليس في " ح ".
2. قوله: " بل لايراد " مدار هذه الفقرة على إجمال المراد بالعدالة، وتفسير الإجمال في الفقرة اللاحقة
(منه عفي عنه).
91

شخص لا يميل إلى الكذب في واقعة لعدم تطرق منفعة عليه، ويكفي في إمساكه
عن الكذب أدنى حالة رادعة، لكنه في واقعة أخرى يميل كل الميل إلى الكذب؛
لكونه موجبا لزيادة الشأن مثلا، فإمساكه عن الكذب هنا لابد له من قوة الحالة
الرادعة.
فلا ضير في اختلاف المذاهب في العدالة؛ لأن المختلف فيه غير ما هو
المراد هنا، والمختلف فيه هو المعروف بما عرف به، إلا أن التعريف باعتبار
الغالب؛ حيث إن العدالة المعتبرة في غالب الموارد هي العدالة بالمعنى المعرف
به.
أقول: إن الوجه الأخير لعله مأخوذ من كلام الشيخ الطوسي في العدة؛ حيث
إنه حكم بأن العدالة المشروطة في الراوي مغايرة للعدالة المشروطة في الشهادة،
وجعل العدالة المطلوبة في الرواة حاصلة مع الفسق بأفعال الجوارح وإن كان
الفسق بأفعال الجوارح مانعا عن قبول الشهادة (1).
لكن في كل من الوجهين نظر:
أما الأول: فلأن معروفية أرباب التوثيق ومعرفتهم باشتراط العدالة ومنافيات
العدالة إنما تقتضي أن يلاحظوا ما جرى عليه مذهبهم، غاية الأمر لحاظ أعلى
مذاهب من تقدم عليهم، ولا تقتضي أن يراعوا ما لا يتخيلوه من المذاهب
المتأخرة؛ فالإشكال بحاله ولم يندفع بوجه.
وأما الثاني: فلأن صرف العدالة في كلام أرباب الاشتراط عن ظاهرها - أعني
المعنى المصطلح - بدون الصارف تصرف مردود، كيف! وما نقله فخر المحققين
عن العلامة في باب أبان بن عثمان (2) معروف - وقد تقدم - حيث إن مقتضاه اعتبار

1. عدة الأصول 1: 152.
2. حكاه الشهيد الثاني في تعليقته على خلاصة الأقوال: 15. وانظر نقد الرجال 1: 46 / 22.
92

العدالة بالمعنى المصطلح في اعتبار الخبر.
ومع ذلك لاشك في كون العدالة المعتبرة في إطلاق اسم الصحة على الخبر
إنما هي العدالة بالمعنى المصطلح والمفروض اتفاق أرباب الاصطلاح في الصحة
على القناعة ب‍ " ثقة " في الحكم بالصحة، فيتأتى الإشكال ولا يندفع بالجواب
المذكور.
مضافا إلى أنه لا شك في أن العدالة المعتبرة - بناء على اعتبار تزكية العدلين -
إنما هي العدالة بالمعنى المصطلح، مع أنه لا شك أيضا في القناعة ب‍ " ثقة " في
تزكية العدلين.
[جواب آخر ورد]
وقد يجاب أيضا: بأن تعديلات أهل الرجال إنما هي بلفظة " ثقة "
وهي حقيقة اصطلاحية في عدل ضابط معتمد عليه في الدين، واندفاع
الإشكال بالجزء الأخير؛ حيث إنه يفيد الملكة المكشوفة بحسن الظاهر، ولا أقل
من ذلك.
ويظهر ضعفه - بعد اشتماله على أخذ العدالة في معنى " ثقة " واشتماله على
أخذ الضبط والإمامية فيه أيضا - بما تقدم من أن أخذ " المعتمد عليه في الدين "
لا يساعد كلام أحد من أهل الرجال، ولم يقل به غير المجيب، ومع هذا الملكة
المكشوفة بحسن الظاهر يكفي فيها الملكة المشار إليها، ولا تكفل مؤونة
الاجتناب عما اختلف في كونه كبيرة ولم يكن كبيرة عند الراوي، إلا أن يقال: إنه
لا يتأتى حسن الظاهر مع ارتكاب ما اختلف في كونه كبيرة، ومع ذلك لو كان
الاعتماد عليه في الدين مفيدا للملكة المكشوفة بحسن الظاهر لكان أخذه مغنيا
عن أخذ العدالة.
93

[جواب آخر]
وقد يجاب أيضا (1): بأن تحصيل العلم برأي جماعة من المزكين أمر ممكن
بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية، إلا أنها خفية المواقع، متفرقة
المواضع، فلا يهتدي إلى جهاتها ولا يقدر على جمع أشتاتها إلا من عظم في
طلب الإصابة جده، وكثر في التصفح في الآثار كده، ولم يخرج عن حكم
الإخلاص في تلك الأحوال قصده.
ويضعف - بعد عدم انتهاضه في تزكية من لم يمكن تحصيل العلم برأيه،
وصريح الجواب يقتضي عدم إمكان العلم برأي بعض المزكين لتخصيص من
أمكن تحصيل العلم برأيه بجماعة المزكى - بأنه قد يعلم كون رأي المزكي مما لا
يكفي عند المزكي له، كما هو الحال في تزكية الشيخ بناء على كون المدار عنده في
العدالة على مجرد ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق (2)، فلم ينفع العلم برأي
المزكي في دفع الإشكال.
[جواب آخر]
وقد يجاب أيضا بأن الذي جرت به عادة القوم في التعديل إنما هو التوثيق
بالذي نقول ويتجاوز ما نريد كقولهم: " ثقة ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة "
أو " ورع " أو " تقي " أو نحو ذلك، وأقله أن يقولوا: " ثقة " ولا يقال لمن لا يعرف
منه إلا ظاهر الإسلام ولم يظهر منه الفسق ولو لعدم الاختبار: إنه ثقة، وإنما الثقة
ذاك الذي يوثق به ويعتمد عليه ولا يرتاب فيه، وأقل مراتبه ما جاء في صحيحة

1. قوله " وقد يجاب أيضا بأن تحصيل " إلى آخره، هذا الجواب من المنتقى، وهو قد ادعى أيضا جواز
العلم بعدالة الرواة على المنوال المذكور، كما يأتي نقله (منه عفي عنه).
2. مذهبه في الخلاف 1: 229، كتاب الشهادات؛ وانظر غنائم الأيام 2: 36.
94

ابن أبي يعفور (1).
وإن شئت فارجع إلى نفسك، فإنك لا توثق إلا من اختبرت وجربت فلم تجد
عليه وصمة ولم تعثر على عائبة، فما ظنك بأجلاء الثقات من العلماء الأعلام؟
أتراهم يوثقون من يرتكب الكبائر ولو على مذهب البعض، ولا يعبأ بالمعاصي
ولو عند البعض؟ كلا، حتى يتحرج ويتجنب عن الشبهات، ويكون بمكانة من
الورع والتقوى، أفترى بعد هذا من إشكال في توثيق الثقة.
وهذا أوجه الوجوه في الجواب، لكن مرجعه إلى أن الظاهر من كون الرجل
ثقة - وإن كان المقصود بالثقة هو المعنى اللغوي - هو كونه حاويا لكل ما يمكن أن
يتخيل اعتباره في العدالة، ودونه الكلام.
نعم، يمكن القول بأن الظاهر من " ثقة " - وإن كان المقصود به معناه اللغوي -
كون الشخص متحرزا عن الكبائر والإصرار على الصغائر، أي صاحب الملكة
المكشوفة بحسن الظاهر، بناء على كون الظاهر في المقام الاعتماد في جميع
المراحل.
إلا أنه يتأتى الإشكال مضافا إلى ما مر بناء على لزوم الاختبار في كاشف
العدالة، لكنه إشكال آخر برأسه يتأتى على سائر الأجوبة أيضا غير الجواب
الرابع، ويأتي الكلام فيه.
نعم، المروة - بناء على اعتبارها - هي الأصل في الإنسان بمعنى الظاهر (2)، كما

1. الفقيه 3: 24، ح 65، باب العدالة؛ وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41، ح 1.
2. قوله: " بمعنى الظاهر " لكن يتأتى الإشكال في اعتبار الظاهر بناء على اعتبار العلم في كاشف العدالة،
كما هو مقتضى القول باعتبار الاختبار المفيد للعلم. هذا بناء على كون الكلام في كاشف العدالة في
الكاشف عن ملكة الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر، لا مطلق الملكة الأعم من ملكة
الاجتناب عن منافيات المروة في العدالة وكون المروة من باب الملكة كما هو مقتضى غير واحد من
تعاريف المروة. وبما سمعت يظهر حال ظهور الضبط والظن به، وكذا الحال في ظهور الإمامية والظن
به (منه عفي عنه).
95

أن الظاهر في الإنسان الضبط، فهو الأصل. وكذا الإمامية في الرواة بناء على غلبة
الإمامية فيهم، فهي الأصل والظاهر فيهم أيضا. وقد تقدم الكلام في هذه
المراحل.
ويمكن الجواب بأن الأمر من باب الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة؛
لاكتفاء المشهور بل الكل في صحة الخبر بالتوثيق ب‍ " ثقة " ففيه الكفاية، نظير
دعوى عدم كفاية شهادة المشايخ الثلاثة على اعتبار أخبار الكتب الأربعة بعد
دلالة عباراتهم على الاعتبار؛ لكون الأمر من باب الخبر الصحيح المهجور
بين المشهور.
ويظهر الكلام فيه بما مر من أن الاعتماد على مجرد الشهرة في هذه المعركة
العظمى من دون الاستناد إلى مدرك صحيح غير صحيح.
ومع هذا نقول: إنه يمكن أن يكون ما صنعه المشهور مبنيا على
دلالة الوثاقة بالمعنى اللغوي (على الاعتماد على العدالة من باب الاشتباه،
ونظيره غير عزير، بل يأتي عن بعض القول بالدلالة على) (1) العدالة في " ثقة في
الحديث " بل ظاهر البعض الاتفاق عليه، ويأتي عن بعض آخر القول بالدلالة على
العدالة في " رجل صدق " و " صدوق " فلا اعتماد على الشهرة، ولا يتحصل منها
الظن.
[جواب آخر]
ويمكن الجواب أيضا بأن العدالة المشروطة - بناء على الاشراط - هي العدالة
عند الراوي كما سبق، ولا ارتياب في أن التوثيق ب‍ " ثقة " يكفل مؤونة ذلك، بمعنى
أن المستفاد ب‍ " ثقة " هو كون الرجل مجتنبا عن كبائر يعلم بكبرها، والإصرار على
ما يعلم بحرمتها على وجه الصغر.

1. بدل ما بين القوسين في " د ": " أعني ".
96

لكن نقول: إنه إنما يتم ذلك على تقدير كون من يوثق - كالنجاشي - مثلا -
يفرق بين الكبائر والصغائر.
نعم، على تقدير كون من يوثق غير معروف بين الكبائر والصغائر يبعد كمال
البعد أن يكون الراوي الموثق مرتكبا لما يعلمه كبيرة، أو مصرا على ما يعلمه
صغيرة، إلا أن يقال: إنه لعل الراوي أيضا لم يعلم بالفرق بين الكبائر والصغائر،
لكن كان يظهر منه آثار الزهد والورع، إلا أنه كان يرتكب بعض الكبائر غير عالم
بحرمته، فوثق من وثقه وهو لا يعلم بالحرمة أيضا.
إلا أن يقال: إن الراوي لو لم يعلم بحرمة ما ارتكبه وكبره، فلا بأس عليه، لكن
لو كان الراوي مسامحا في أخذ المسائل، فعليه البأس.
إلا أن يقال: إن الظاهر من " ثقة " عند الإطلاق - أو ملاحظة الطريقة في مقام
التوثيق من أي شخص كان - أن الراوي لا يرتكب ما يعلم بحرمته على وجه
الكبر، ولا يصر على ما يعلم بحرمته على وجه الصغر، ولا يكون مسامحا في أخذ
المسائل، فلو كان ارتكب كبيرة، لكان عن جهل بحرمتها مع عدم التسامح، أي
الجزم بالجواز. ونظيره كثيرا ما يتفق، ولا بأس به.
لكن يمكن القدح في الجواب بناء على جواز نقض الفتوى بالفتوى،
نظير أنه ربما تكون قبالة الوقف بعض أجزائها من المسائل الخلافية،
فلو ثبت كون الواقف بانيا في وقفه على تقليد من كان يرى صحته، يجوز
للمجتهد الحي إبطالها في غير مقام المرافعة بالنسبة إلى ما يأتي، دون ما تقدم، بناء
على جواز نقض الفتوى بالفتوى في الاستمراريات، كما يجوز له الإبطال بالنسبة
إلى ما يأتي في مقام المرافعة، بناء على جواز نقض الفتوى بالحكم في
الاستمراريات.
إلا أن يقال: إنه يتأتى القدح لو كان النقض واجبا، وأما على تقدير الجواز فلا
97

يتأتى القدح (1)؛ لفرض جواز عدم النقض.
إلا أن يقال: إن المقصود من الجواز في جواز النقض هو الجواز المقابل
للحرمة، لا الجواز المقابل للوجوب، والمقصود به الوجوب (2) كما في عنوان جواز
العمل بخبر الواحد.
ويمكن القدح في الجواب أيضا: بأن المدار في الجواب إما على كون
المقصود بالوثاقة هو المعنى اللغوي، أو المعنى المصطلح مع كفاية العدالة باعتقاد
الراوي.
أما على الأول، فإن قلنا بكون الغرض الاعتماد في النقل، فلا جدوى في
الجواب، وإن قلنا بكون الغرض الاعتماد في جميع المراحل، فهو يكفي، كما
يظهر مما مر، ولا حاجة إلى الجواب المذكور.
وأما على الثاني، فالجواب مدفوع بعدم ثبوت الاصطلاح، كما يظهر مما
تقدم.
وبعد ما مر أقول: إن الذي يظهر بالتتبع والاستقراء - كما يظهر مما تقدم على
سبيل الظن المتقارب إلى العلم، بل العلم - أن المقصود بالوثاقة في " ثقة " هو
الاعتماد في الإسناد، واستفادة العدالة منها من باب الغفلة، ولمثله عدم اعتبار
الإتقان عندي، إلا على تقدير كونه من أدقاء النظر وأرباب التعميق، كما حررناه
في الأصول.
وبهذا المقال يتأتى أيضا الجواب عن الإشكال، لكن من قبيل السالبة بانتفاء
الموضوع، نظير الجواب الثاني؛ لابتنائه على كون المقصود بالعدالة المشروطة
في اعتبار الخبر هو التحرز عن الكذب، كما يظهر مما مر.

1. في " د " زيادة: " لا ".
2. في " ح ": " الجواب ".
98

الثاني
[إشكال آخر على قبول توثيقات أهل الرجال]
إنه يتطرق في قبول توثيقات أهل الرجال إشكال آخر على القول بلزوم
الاختبار بالعشرة، أو تزكية العدلين في كاشف العدالة، كما هو صريح طائفة من
الكلمات، بل نسبه في الذخيرة (1) - كما عن البحار (2) - إلى المشهور بين المتأخرين،
بل نسبه في المسالك إلى المشهور (3)، بل ظاهر المدارك إطباق الأصحاب عليه (4)؛
حيث إنه لا يتمكن المجتهد من الاختبار، ولا من تزكية العدلين؛ إذ غاية الأمر
ثبوت تزكية كل واحد من أجزاء السند بتزكية عدلين، وهو بعد ندرته لا جدوى
فيه؛ للزوم ثبوت عدالة العدلين أيضا بتزكية العدلين، وكذا الحال في العدلين إلى
أن يدور أو يتسلسل.
والمفروض - كما تقدم - الاتفاق على قبول التوثيقات في العمل بالخبر، بناء
على اشتراط العدالة، وعمدة الإشكال إنما هي بناء عليه، أو في التسمية بالصحيح
بناء على عدم الاشتراط.
وهذا الإشكال مبني على الخلاف في (الكاشف، كما أن الخلاف السالف
مبني على الخلاف في الكشف، وإن سلف قليل من الكلام في الكاشف في
الخلاف في) (5) المنكشف بالتبع، لكن لو أمكن للمجتهد حصول العلم بالعدالة،
ففيه الكفاية ولو بناء على اعتبار الاختبار؛ قضية حجية العلم مطلقا. وعلى هذا

1. الذخيرة: 306.
2. البحار 85: 33.
3. مسالك الأفهام 1: 313.
4. مدارك الأحكام 4: 66.
5. ما بين القوسين ليس في " د ".
99

المنوال الحال في غير المجتهد.
وفي المعارج: " عدالة الراوي تعلم باشتهارها بين أهل النقل " (1).
ومقتضى صريح المنتقى إمكان العلم بعدالة كثير من الماضين بلا شك، من
جهة القرائن الحالية والمقالية (2).
ومقتضى كلام الفاضل التستري في بعض التعليقات على أوائل التهذيب كون
التوثيقات مبنية على العلم، وتبعه السيد السند التفرشي في ترجمة أحمد بن
محمد بن الحسن بن الوليد (3).
لكن في كلام السيد السند المحسن الكاظمي دعوى استقرار سيرة أهل
الرجال من قديم الدهر على الكتفاء في التزكية بتزكية الواحد (4).
وقيل: إن المستفاد من كلام النجاشي والشيخ وغيرهما أن اعتقادهم في
الجرح والتعديل على النقل من واحد. وقد يقال: إن الظاهر من سيرة أهل الرجال
أن مزكي الرواة للطبقة اللاحقين غير عالمين بتحقق العدالة فيمن زكاه، بل ولا
ظانين بظن العشرة ولو بحسن الظاهر، وكذلك الجارحون، بل إنا نعلم أن بناءهم
في كل منهما على الركون على أقوال من سلف منهم، بل ربما يعللون ترجيحاتهم
صريحا بذلك.
والأظهر أنه لو كان التوثيق من قدماء أرباب الرجال كفضل بن شاذان، وابن
عقدة، وعلي بن الحسن بن علي بن فضال، وغيرهم ممن كان يتفق ملاقاته مع
الموثق، أو كونهما متقاربي العصر بحيث كان حصول العلم لمن كان يرتكب
التوثيق سهلا، فالظاهر كون التوثيق مبنيا على العلم بناء على كون الغرض الوثاقة

1. معارج الأصول: 150.
2. منتقى الجمان 1: 21.
3. نقد الرجال 1: 153 / 306.
4. عدة الرجال 1: 175.
100

بالمعنى اللغوي، وإلا فاستكشاف الملكة بالعلم ولا سيما بالاختبار محل الإشكال
ولو كان من يوثق يلاقي الموثق.
وعلى هذا المنوال الحال في كلام غير القدماء من المتوسطين والمتأخرين
بالنسبة إلى من كان يعاصره أو يقارب عصره أو كان بعيدا عن عصره، لكن كانت
وثاقته في كمال الاشتهار بحيث لا يشوبه شوب الغبار.
وأما بالنسبة إلى غيرهم فلا شبهة في أن التوثيق في كثير من الموارد في كلام
المتأخرين - كالعلامة البهبهاني وغيره - مبني على الظن والاجتهاد، ويمكن أن
يكون مبنيا على العلم في بعض الأحيان.
وأما المتوسطون فيمكن أن تكون توثيقاتهم فيما لم يظهر كونه مبنيا على
الظن - كما هو الغالب - مبنية على العلم، ويمكن أن يكون المدار على توثيقات
القدماء، أو الاستنباط من القرائن الخارجة، أو الشياع الموجب للظن.
هذا هو الكلام في المزكي من حيث حصول الاختبار والعلم له.
وأما المزكى له فلا يتيسر له العلم غالبا، ولا إشكال في عدم اتفاق سند كان
جميع أجزائه ثابت العدالة بتزكية العدلين على حسب ما تقدم، فاعتبار تزكية
العدلين - من المعارج (1) والمنتقى (2) وكذا الفاضل التستري والسيد السند التفرشي في
ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد (3)، وكذا في ترجمة أحمد بن
محمد بن يحيى العطار (4)، بل ترجمة الحسين بن الحسن بن أبان (5)، وهو المحكي
عن كاشف اللثام - لا اعتبار به، فغاية الأمر التزكية من شخصين غير ثابت عدالتهما

1. معارج الأصول: 150.
2. منتقى الجمان 1: 16.
3. نقد الرجال 1: 153 / 306.
4. نقد الرجال 1: 172 / 343.
5. نقد الرجال 2: 84 / 1428.
101

بالعدلين.
والأظهر عدم دخول التوثيقات في الخبر ولا الشهادة؛ لكون المدار في كل
منهما على القول، والتوثيقات من باب المكتوب، بل لا جدوى في دخولها في
باب الخبر؛ لعدم تمامية ما استدل به على حجية خبر الواحد.
فنقول: إن في المقام ظنونا: الظن الناشئ من تزكية الإمامي العدل أو
الممدوح، وغير الإمامي العدل أو الممدوح، والظن الناشئ عن القرائن، بل الظن
الناشئ من تزكية المجهول؛ إذ لا منافاة بين جهالة الشخص وإفادة تزكيته للظن.
والأول وإن كان هو القدر المتيقن في الاعتبار والكفاية، بل طريقة الفقهاء - إلا
من شذ - مستقرة تحصيلا ونقلا على الاكتفاء به، حتى أن المحقق لم يجر في الفقه
على تزكية العدلين وإن بنى في المعارج على اعتبار تزكية العدلين (1)، وكذا صاحب
المعالم لم يقتصر في الفقه على تزكية العدلين وإن بنى في المعالم على اعتبار تزكية
العدلين (2).
وتفصيل الحال موكول إلى ما حررناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل
الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمد بن الحسن، بل لو لم يكن ذلك
كافيا، يلزم إهمال الفقه وانهدام الشريعة.
لكن مقتضى سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير وإخوانه (3) هو
كفاية مطلق الظن؛ إذ الظاهر أن السيرة المذكورة من جهة قضاء الاستقراء في
روايات ابن أبي عمير وإخوانه بعدم الرواية إلا عن ثقة.
وليس المتحصل في الباب غير الظن الناشئ عن القرينة، بل هو مقتضى نقل
الإجماع على قيام الظن مقام العلم كلما تعذر العلم، كما نقله صاحب المعالم عن

1. معارج الأصول: 150.
2. معالم الدين: 204.
3. في " د ": " وأضرابه ".
102

السيد المرتضى في بحث أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط (1)، بل نقله صاحب
المعالم أيضا في غير موضع من كلامه عن السيد المرتضى في بحث حجية خبر
الواحد (2)، بل هو مقتضى حجيته مطلقا في نفس الأحكام، بل هو مقتضى كفاية
مطلق الظن في باب العدالة لو لم نقل بلزوم قوة الظن، ولا يكون المقصود هو
الوثاقة بالمعنى اللغوي، وإن أمكن القول بأن المدار في التصحيح على العدالة وإن
كان المدار في التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي؛ قضية الاصطلاح في الصحة،
إلا أن يمنع عن حصول الظن بالعدالة بناء على كون المدار في التوثيق على الوثاقة
بالمعنى اللغوي؛ لابتناء التصحيح على التوثيق ب‍ " ثقة " غالبا، بل يمكن دعوى
القطع بعدم الفرق بين الظن الناشئ من تزكية العدل الإمامي وغيره.
هذا كله بناء على كون الحجية من الأحكام الوضعية مع اعتبار أصالة العدم،
وإلا فالتعدي عن الظن الناشئ من تزكية العدل الإمامي أسهل. وتمام الكلام في
الرسالة المعمولة في تصحيح الغير.
الثالث
[في اصطلاح: " ثقة ثقة "]
إنه قد تكرر (3) " ثقة " في تراجم جماعة من الرواة من النجاشي وابن الغضائري،
كما صرح به ابن داوود، وهو قد ذكر أن من وقع في ترجمته التكرار من النجاشي
أربعة وثلاثون رجلا، وزاد ابن الغضائري خمسة رجال على ما ذكره النجاشي (4)،
وربما اتفق ذلك من ابن داوود، كما أنه ربما اتفق من الشيخ في الفهرست كما في

1. معالم الدين: 83؛ وانظر الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 163.
2. معالم الدين: 193؛ وانظر الذريعة 1: 528.
3. في " د " زيادة: " صورة ".
4. رجال ابن داوود: 207 و 208.
103

ترجمة أحمد بن داوود بن علي القمي (1).
وقال العلامة في الخلاصة: " خالد بن عبد الرحمن: قال ابن عقدة: عن
محمد بن عبد الله بن أبي حكيمة عن ابن نمير إنه ثقة ثقة " (2) ومقتضى هذا
أن التوثيق قد اتفق من ابن نمير، لكن قال ابن داوود: " خالد بن عبد الرحمن،
قال العقيقي: ثقة ثقة " (3) ومقتضاه كون التوثيق من العقيقي، فمعنى العبارة
المذكورة كون عبد الرحمن راويا عن ابن أبي حكيمة عن ابن نمير. وعلى هذا
لابد من كون أنه غلطا، لكن ذلك خلاف المتعارف في كلماتهم؛ إذ المتعارف ذكر
المروي عنه فقط.
ويرشد إلى الأول: أن العلامة حكى في ترجمة حماد بن شعيب، عن محمد
بن عبد الله بن أبي حكيمة، عن ابن نمير " أنه صدوق " (4). وكذا غيره ممن كان
جاريا على نقل ابن عقدة.
ويمكن أن يكون مقصود ابن داوود أنه ذكر العقيقي توثيق خالد بن
عبد الرحمن من الغير. لكنه خلاف الظاهر وخلاف المتعارف في كلمات أرباب
الرجال حيث ينقلون عن ابن الغضائري والنجاشي، اللهم إلا أن يكون طريقة ابن
عقدة جارية على النقل.
وفي الخلاصة: " إبراهيم بن مهزم - بفتح الزاي - الأسدي ثقة ثقة " (5). وكذا في
ترجمة الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة (6)، وترجمة داوود بن أسد (7)،

1. الفهرست: 29 / 87.
2. خلاصة الأقوال: 66 / 11.
3. رجال ابن داوود: 87 / 555، وفيه: " خالد بن عبد الرحمن أبو الهيثم العطار ".
4. خلاصة الأقوال: 57 / 7.
5. خلاصة الأقوال: 6 / 19.
6. خلاصة الأقوال: 44 / 43.
7. خلاصة الأقوال: 69 / 7.
104

وترجمة عبد الصمد بن بشير (1).
وفيها في ترجمة خلاد الصفار: " قال ابن عقدة: عن عبد الله بن إبراهيم بن
قتيبة، عن ابن نمير: إنه ثقة ثقة " (2).
وحكى الكشي عن حمدويه أنه سئل علي بن الحسن عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع، فقال: " ثقة ثقة عين " (3).
قوله: " علي بن الحسن " الظاهر أنه علي بن الحسن بن فضال؛ لأنه عد من
كتبه الرجال، فإن اطلاعه على أحوال الرجال يقتضي مناسبته للسؤال عن الحال،
ولأنه أشهر من علي بن الحسن الطاطري فضلا عن غيره، والشهرة من
المرجحات في باب المشترك في الأسانيد وغيرها، وعليه تدور رحى
المحاورات العرفية، وإن أنكر المحقق القمي الترجيح بالشهرة في باب المشترك،
لكنه ليس بالوجه.
وقد تعرضنا للكلام فيه في الأصول، وكذا في الرسالة المعمولة في حجية
الظن، وكذا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية
الكليني عن محمد بن الحسن.
مضافا إلى أن الكشي حكى عن حمدويه عن علي بن الحسن بن فضال توثيق
مسمع (4) بن كردين (5)، وكذا حكى الكشي عن ابن مسعود عن علي بن الحسن بن

1. خلاصة الأقوال: 131 / 13.
2. خلاصة الأقوال: 67 / 9.
3. رجال الكشي 2: 564 / 1065.
4. قوله: " مسمع بن كردين " عن خط الشهيد عن يحيى بن سعيد عن كردويه. وكردين اسم مسمع،
ويرشد إليه أنه روى في الفقيه في باب من يجب رد شهادته ومن يجب قبول شهادته، عن مسمع
كردين، وفي باب الصيد والذبائح عن كردين المسمع، وأنه روى في التهذيب عند الكلام في غسل
المقتول فردا عن مسمع كردين، فلفظة " بن " في رواية الكشي غلط، وكذا فيما رواه في الفقيه في باب
ما يستحب من الدعاء في كل صباح ومساء عن مسمع كردين (منه عفي عنه).
5. رجال الكشي 2: 598 / 560. وفيه: " قال محمد بن مسعود: سألت أبا الحسن علي بن الحسن بن
فضال عن مسمع كردين، فقال: هو ابن مالك من أهل البصرة، وكان ثقة ".
105

فضال: " أن أحمد بن عائذ صالح " (1) وكذا " أن إسماعيل جفينة (2) صالح " (3) فهذا يرشد
إلى أن المقصود بعلي بن الحسن هنا هو علي بن الحسن بن فضال.
وكذا يرشد [ذلك] إلى أن المقصود بعلي بن الحسن في توثيق محمد بن
إسماعيل بن بزيع - على ما نقله الكشي عن حمدويه (4) - هو علي بن الحسن بن
فضال من قبيل حمل المطلق على المقيد، بناء على عدم اشتراط اتحاد الراوي
بالنسبة إلى ما رواه ابن مسعود.
وكذا يرشد ذلك إلى أن المقصود بعلي بن الحسن في توثيق الحسن بن
صدقة وأخيه مصدق - على ما نقله ابن عقدة كما في الخلاصة (5) - هو علي بن
الحسن بن فضال، بناء على عدم.
اشتراط ما في حكم حمل المطلق على المقيد باتحاد الراوي.
هذا، وهل الصورة الثانية صورة كالأولى أو بالنون؟ جزم الشهيد الثاني في
الدراية بالأول (6)، وهو مقتضى كلام ابن داوود (7).

1. رجال الكشي 2: 653 / 671.
2. قوله: " إسماعيل جفينة " قال في التوضيح: إسماعيل بن عبد الرحمن جفينة، بضم الجيم وفتح الفاء
والنون بعد الياء على وزن سكينة، وقيل: حقيبة بفتح الحاء المهملة وكسر القاف والباء الموحدة بعد
الياء كمدينة، كما اختاره في خلاصة الأقوال، واللقب للابن لا للأب. انتهى. وما اختاره في التوضيح
نقله في خلاصة الأقوال عن قائل (منه عفي عنه).
3. رجال الكشي 2: 634 / 637. وفيه في الموردين: " بن حقيبة ".
4. رجال الكشي 2: 835 / 1065.
5. خلاصة الأقوال: 173 / 26.
6. الدراية: 76.
7. رجال ابن داوود: 207 - 208.
106

وربما يقتضي القول بالثاني ما قاله في القاموس من أن " ثقة نقة " من الاتباع (1)،
وكذا ما نقله صاحب المعالم في حاشية الدراية نقلا عن جماعة من أهل اللغة،
منهم ابن دريد في الجمهرة من أن من جملة الاتباع " ثقة نقة " وعن نفسه التوقف (2)،
بل عليه جرى الفاضل الهندي في بعض الحواشي على قرب الإسناد.
والأظهر القول بالأول؛ لأنه المتراءى في النسخ، مع أنه لو كانت بالنون
لكانت على زنة " عدة " ولم يوجد " ونق ينق "، وأما النقى فهو من نقي، اللهم إلا أن
يكون الأمر مبنيا على حسبان كون " نقة " من نقي من باب الاشتباه. وهو غير بعيد.
وأما حديث الاتباع فلا يجدي في القول بالنون في الباب؛ لأن المقصود به
إرداف المستعمل بالمهمل، وهو مقطوع العدم في المقام، بل في كلام سائر
أرباب التصنيف والتأليف حتى من أتى بأقل قليل.
[هل يدل تكرار " ثقة " على زيادة العدالة أو لا؟]
ثم إن التكرار بناء على اتحاد الصورة هل يدل على زيادة العدالة أو لا؟ صرح
الشهيد الثاني بالأول (3)، لكنه عبر بزيادة المدح.
وهو كما ترى؛ لفرض دلالة الأولى على العدالة، إلا أن يكون المقصود بزيادة
المدح هو زيادة العدالة إطلاقا للمدح على العدالة، كما في ترجمة إسماعيل بن
جابر الجعفي حيث إنه ذكر الشيخ في الرجال نقلا " أنه ثقة ممدوح " (4).
أقول: إن الاستقراء يقتضي بعدم إرادة زيادة العدالة وعدم الدلالة عليها؛
حيث إن جمعا من أجلاء الرواة - نحو زرارة وأضرابه - لم يتكرر التوثيق في
تراجمهم، بل جماعة من الموثقين بالمكرر من النجاشي قد ذكرهم ابن داوود في

1. القاموس المحيط 4: 399 (نقى).
2. جمهرة اللغة 3: 1253، العمود الثاني، باب جمهرة من الاتباع. وانظر مقباس الهداية 2: 161.
3. البداية: 76.
4. رجال الشيخ: 160 / 93.
107

باب الضعفاء، كما صرح به نفسه (1)؛ فهذا يكشف عن كون الجماعة مورد إنكار
السابقين على النجاشي.
وربما يقال: إن حسن التأكيد في مقام إنكار المخاطب كما بين في علم
المعاني في بحث الإسناد الخبري (2)، وهاهنا لا يعقل الإنكار من المخاطب، فلابد
أن يكون من السابقين من أهل الخبرة.
وفيه: أن التأكيد في مقام الإنكار لازم، كما هو المصرح به في المحل
المذكور، نعم حسنه في مقام تردد المخاطب. اللهم إلا أن يكون المقصود
بالحسن اللزوم قبال الركاكة، مع أن مقام المدح والذم مخالف مع سائر المقامات؛
فإنه كثيرا ما يؤكد المدح والذم من جهة شدة التثبيت، لكن مع ذلك القول بكون
كل من تكرر التوثيق في حقه محل الإنكار لا يخلو عن الإشكال.
بل في ترجمة عبد الله بن المغيرة " أنه ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته
ودينه وورعه " (3). ومقتضاه كونه مصونا ومحصونا عن تطرق وصمة الإنكار.
وبعد، فالقول بالدلالة على زيادة العدالة مبني على قبول العدالة، وهو مبني
على كونها من باب الملكة.
وأما بناء على كونها هي نفس الاجتناب فلا يتم الأمر إلا بالعناية، كما يظهر
مما يأتي.
وأما القول بالدلالة على المدح - لو قيل به - فليس بشيء؛ لدلالة الصورة
الأولى على العدالة بالفرض. والظاهر كمال الظهور اتحاد مفاد الصورتين، فلا
مجال لدلالة الصورة الثانية على المدح.

1. رجال ابن داوود: 256 / 300 حيث ذكر عبد الرحمن بن الحجاج في الضعفاء في حين أنه ذكره في
من قال عنه النجاشي: ثقة ثقة. انظر ص 207.
2. مختصر المعاني: 130.
3. رجال النجاشي: 215 / 561؛ خلاصة الأقوال: 109 / 34.
108

وأما القول بالدلالة على زيادة المدح بالمعنى المقابل للعدالة لو اتفق القول
به، فقد سمعت القول فيه.
ولو كان المقصود بالوثاقة في " ثقة " هو المعنى اللغوي، فالتكرار يفيد زيادة
المدح، كما أن الأصل - أعني " ثقة " - يفيد المدح، إلا أنه يوجب صحة الحديث لو
كان المدار في الصحة على مجرد ذكر " ثقة " في ترجمة الرجل.
وبعد ما مر أقول: إنه على تقدير اتحاد الصورة - كما هو المفروض - لا
إشكال في كون الأمر من باب التأكيد، لكن الداعي على التأكيد لا مجال لكونه هو
إفادة المدح.
إلا أن يقال: إن زيادة الملكة من باب المدح وإن كان أصل الملكة مقابلا
للمدح. فلو كان الداعي إفادة زيادة الملكة، فالمفاد المدح، فلا بأس بإفادة
المدح.
إلا أن يقال: إن المدح بزيادة الملكة بعيد.
ولا مجال أيضا لكون الداعي إفادة زيادة المدح بالمعنى المقابل للعدالة أو
إفادة زيادة العدالة، بناء على كون العدالة من باب الاجتناب، وكون الداعي إفادة
زيادة الملكة بعيد كما سمعت، وليس في البين ما يصلح للدلالة على كون الداعي
دفع توهم الضعف، فيمكن أن يكون الداعي هو التفنن في الكلام.
الرابع
[في اصطلاح: " كان ثقة "]
أنه قد ذكر في كثير من التراجم " كان ثقة " كما في ترجمة سلار (1)،

1. خلاصة الأقوال: 86 / 10.
109

وداوود بن النعمان (1)، وريان بن الصلت (2)، (3) وعبد العزيز بن عبد الله بن
يونس (4)، وحماد بن عيسى (5)، وحميد بن زياد (6)، وجعفر بن محمد بن الحسن بن
جعفر بن الحسن بن علي بن أبي طالب (7). (8) ولا خفاء في كون " الكون " في المقام
ناقصا؛ لكون المدار في التمامية على كون " الكون " بمعنى مصدر الفعل اللازم،
أي الحصول، ولا مجال له في المقام، فاحتمال التمامية في " الكون " من شيخنا
السيد في كمال النقصان.
والظاهر - بل بلا إشكال - أنه بمثابة " ثقة " بمعنى دلالته على وثاقة الراوي إلى
آخر أيامه، لا دلالته على سبق الوثاقة في برهة من الزمان مع السكوت عما عدا
البرهة، سواء كان مع العلم بحال ما بعد البرهة أو عدم العلم به، مع بعد كون الأمر
في الموارد الكثيرة من باب الأخير، أعني سبق الوثاقة والشك في آخر الأمر؛
فيتعين كون الفرض امتداد الوثاقة.
ومع هذا نقول: إن التعبير ب‍ " كان " في غير إفادة الوثاقة كثير أيضا، نحو: " كان
ضعيفا " و: " كان ضعيف الحديث " و: " كان فاسد المذهب " و: " كان غاليا " و: " كان
خطابيا في مذهبه " و: " كان عاميا " و: " كان شيخ المتكلمين " وهكذا.
ولا ريب أن المقصود في هذه الموارد هو الامتداد، فالظاهر أن المقصود

1. انظر خلاصة الأقوال: 69 / 6 وفيها: " ثقة عين ". و " كان ثقة " مذكورة في حق أخيه علي بن النعمان
في رجال النجاشي: 274 / 719.
2. قوله: " ريان بن الصلت " بفتح الراء المهملة وتشديد الياء المثناة التحتانية (منه عفي عنه).
3. رجال النجاشي: 165 / 437؛ خلاصة الأقوال: 70 / 1.
4. رجال الشيخ: 431 / 26.
5. رجال النجاشي: 142 / 370؛ خلاصة الأقوال: 56 / 2.
6. رجال النجاشي: 132 / 339.
7. رجال النجاشي: 122 / 314؛ خلاصة الأقوال: 33 / 17.
8. في " د " زيادة: " وغيرهم ".
110

ب‍ " كان ثقة " هو امتداد الوثاقة؛ قضية ظهور اتحاد السياق.
وبالجملة، فالظاهر أن التعبير ب‍ " كان ثقة " بدل " ثقة " من باب التفنن في
الكلام، والتعبير بهما من باب التعبير عن المعنى المتحد بالوجه المختلف. بل
الاستقراء في كلمات الرجال يوجب القطع بذلك، بل من جهة وضوح الأمر أنه لم
يتعرض ل‍ " كان ثقة " - فيما ظفرت به - غير شيخنا السيد.
ويمكن أن يقال: إن دلالة " كان ثقة " على الوثاقة أقوى من دلالة " ثقة "
بملاحظة أن " كان " من باب الربط بين المبتدأ والخبر، والرابطة المطوية في الجملة
إذا أظهرت (1) تكون الدلالة على الثبوت أقوى.
لكن نقول: إن قوة الدلالة محل المنع؛ إذ لا اعتداد بالفرق بين الإخبار
والإظهار على تقدير ظهور الإخبار كما في المضمار، والأمر فيه من باب التصريح
بما علم ضمنا.
وعلى هذا العيار المعيار في سائر موارد التصريح بما علم ضمنا بلا عثار،
كيف!؟ ولا فرق بين أن يقال: " صلى زيد أول الزوال " أو يقال: " كان زيد يصلي
أول الزوال " وأمثال هذا لا تحصى.
نعم، الإخبار لو كان غير ظاهر، فالإظهار يوجب قوة الدلالة بلا عثار.
لكن يمكن أن يقال: إن الإطناب أصرح وأقوى دلالة؛ لبعده عن الغفلة، نظير
ما ذكرناه في الأصول في باب الترجيح في تعارض الأخبار: من أن طول الكلام
في أحد المتعارضين - كما في بعض الأخبار الدالة على وقوع الاختلاف (2) في
القرآن - يوجب ترجيحه بقوة الظن في جانبه؛ لبعد طول الكلام عن الوضع.
لكن المقالة المذكورة تجدي في قوة الظن بالواقع، لا قوة الدلالة، مع أن
طول الكلام بهذا المقدار القليل لا اعتداد به عرفا، مضافا إلى ما سمعت من أن

1. في " ح ": " ظهرت ".
2. في " د ": " الاختلال ".
111

الاستقراء في كلمات أرباب الرجال يقضي القطع بأن " كان ثقة " بمثابة " ثقة " ولم
يقصد من " كان ثقة " أزيد مما قصد ب‍ " ثقة ".
هذا هو الكلام في شرح الحال من اللاحق للسابق كما هو غالب الوقوع في
الرجال؛ لندرة تعرض المعاصر للمعاصر، بل ندرة لياقة المعاصر للتعرض، بل
التوثيق المزبور مفقود الأثر في الرجال، إلا في باب السؤالات من بعض الرواة عن
حال بعض آخر منهم لو فرض كون المسؤول عن حاله في الحياة، وتلك
السؤالات مذكورة في الرجال وتأتي طائفة منها.
وأما لو كان التوثيق المزبور في كلام المعاصر، فظاهره الرجوع إلى حال
التوثيق، ولا أقل من السكوت عن الحال حال التوثيق. وأما الزمان المتأخر عن
الإخبار فهو مسكوت عنه، كما هو ظاهر غاية الظهور.
وربما احتمل شيخنا السيد وجوها في المقام: كون التوثيق المزبور بمثابة
" ثقة " وكونه آكد، وكون المراد الوثاقة في برهة من الزمان مع السكوت عما لحق،
أو الدلالة على الرجوع، والتفصيل بين ما إذا صدر من لاحق فالثاني، أو معاصر
فالثالث. واختار الأخير؛ نظرا - في كونه بمثابة " ثقة " لو كان من اللاحق - إلى أنه
وإن أفاد سبق زمان الوثاقة لكن بالنسبة إلى الإخبار من جملة أزمان وجود
الموضوع، المتقدمة بحذافيرها على زمان الإخبار في كونه آكد إلى قضية كون
الإظهار أقوى من الإضمار؛ لكون الأمر في " كان " من باب إظهار الرابطة المطوية.
وفي السكوت عما لحق من برهة من زمان الوثاقة إلى أنه إذا أخبر المعاصر بذلك
أفاد الوثاقة في برهة من أزمنة وجود الموضوع المتقدمة على زمان الإخبار، وهو
ساكت عن حاله زمان الإخبار وفيما بعده لو لم يشعر بالخلاف في زمان الإخبار.
ولا بأس بما ذكره إلا دعوى التأكد، فإنها يظهر الكلام فيها بما مر. والظاهر أن
المقصود بالتأكد هو قوة الدلالة على الوثاقة، لا الدلالة على قوة الوثاقة، كما يمكن
دعوى التأكد بالوجه الأخير في " ثقة ثقة " وإلا فدعوى التأكد ظاهرة الفساد. لكن
112

الظاهر أنها غير مرادة كما سمعت، بل لا إشكال في عدم إرادتها بشهادة ما ذكره في
الاستناد.
ومع ذلك، التفصيل المزبور لا وقع له بملاحظة ندرة تعرض المعاصر
للمعاصر بعد ندرة لياقة المعاصر للتعرض، بل عدم اتفاق التوثيق المزبور من
المعاصر، كما مر.
وبما سمعت يظهر الحال في " كان ثقة في الحديث " كما في ترجمة أحمد بن
إبراهيم أبي رافع (1)، وحماد بن عيسى (2)، وعلي بن الحسن الطاطري (3)، و " كان من
ثقات أصحابنا " كما في ترجمة ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي (4)، و " كان وجها من
أصحابنا " كما في ترجمة ثعلبة بن ميمون (5). وكذا الحال في " كان ضعيفا " كما في
ترجمة عبد الرحمن بن كثير (6)، و " كان ضعيفا في الحديث " كما في ترجمة
جعفر بن محمد بن مالك (7)، لو قلنا باطراد الكلام في الأخيرين.
الخامس
[في اصطلاح: " كما يكون ثقة "]
أنه قد ذكر في بعض التراجم " كما يكون الثقة " كما في ترجمة سليمان بن
خالد، حيث إنه سأل حمدويه - على ما نقله الكشي - عن أيوب بن نوح عن حال

1. رجال النجاشي: 84 / 203.
2. رجال النجاشي: 142 / 370. وفيه: " كان ثقة في حديثه ".
3. رجال النجاشي: 254 / 667. وفيه: " كان فقيها ثقة في حديثه "؛ خلاصة الأقوال: 232 / 4.
4. رجال النجاشي: 115 / 296. وفيه: " كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ".
5. رجال النجاشي: 117 / 302. وفيه: " كان وجها في أصحابنا "؛ خلاصة الأقوال: 30 / 1.
6. رجال النجاشي: 234 / 621؛ خلاصة الأقوال: 239 / 3.
7. رجال النجاشي: 122 / 313؛ خلاصة الأقوال: 210 / 3.
113

سليمان بن خالد بقوله: " أثقة هو؟ " فقال: " كما يكون الثقة " (1).
والظاهر عدم اتفاق تلك الكلمة ولا ما بمنزلتها نحو " كالثقة " في ترجمة أخرى.
نعم، قال في آخر الخلاصة عند شرح حال طرق الشيخ في حق حميد بن
زياد: " وكأ نه ثقة لا ثقة " (2).
وبالجملة، فهل تلك الكلمة بمنزلة " ثقة " فمفادها الوثاقة - نظير أنه سأل
حمدويه - على ما نقله الكشي - عن حال هشام المشرقي بقوله: " ثقة هو؟ " فقال:
" ثقة " (3) - أو لا؟ وعلى الثاني المفاد المدح أو الذم؟
مقتضى توثيق سليمان بن خالد من العلامة في الخلاصة (4) هو القول بالدلالة
على الوثاقة؛ قضية أن الظاهر كون منشأ التوثيق هو الكلمة المذكورة، كما يقتضيه
الكلام الآتي من الشهيد الثاني أيضا.
ويقتضي القول بذلك صريح الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة حيث قال:
سليمان بن خالد لم يوثقه النجاشي ولا الشيخ الطوسي، ولكن روى
الكشي عن حمدويه أنه سأل أيوب بن نوح " أثقة هو؟ " فقال: " كما
يكون الثقة " فالأصل في توثيقه أيوب بن نوح، وناهيك به (5).
وهو مقتضى تصحيحه رواية سليمان بن خالد في المسالك في مسألة
وجوب توجيه المحتضر نحو القبلة (6).

1. رجال الكشي 2: 645 / 664.
2. خلاصة الأقوال: 276، وفيه: " وكان ثقة إلا أنه واقفي ".
3. رجال الكشي 2: 498، ذيل الرقم: 956.
4. خلاصة الأقوال: 77 / 2.
5. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 38، وانظر رجال الكشي 1: 664، ح 664.
6. مسالك الأفهام 1: 78، والرواية في الكافي 3: 127، ح 3، باب توجيه الميت إلى القبلة؛ والتهذيب
1: 286، ح 835، باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة؛ ووسائل الشيعة 2: 661، أبواب
الاحتضار، ب 35، ح 2.
114

ويقتضي القول به ما صنعه المحدث الحر في آخر الوسائل حيث حكى عن
الكشي نقل توثيقه عن أيوب بن نوح (1).
وجنح إليه المحدث الجزائري في غاية المرام (2) حيث تنظر فيما يأتي من
صاحب المدارك من عدم ثبوت توثيق سليمان بن خالد (3).
ومال إليه العلامة البهبهاني في تعليقات المدارك (4) كل الميل؛ حيث أورد على
ما يأتي من صاحب المدارك (5) بمسلمية كون سليمان بن خالد ثقة عندهم حتى
صاحب المدارك - يعني في غير ما يأتي من كلامه - بل مقتضاه الاتفاق على القول
بالدلالة.
ومال إليه السيد السند النجفي في المصابيح أيضا كل الميل حيث أورد على
ما يأتي من صاحب المدارك بأنه عجيب، والمناقشة في العبارة المنقولة
عن أيوب بن نوح - بأنها ليست نصا في التوثيق؛ لاحتمال أن يكون المراد منها
القرب من الوثاقة كما يقتضيه حرف التشبيه - ساقطة. قال: " ولذا اتفق أصحابنا
على عد روايات سليمان بن خالد من الصحاح، ولم يتوقف في ذلك أحد منهم
حتى هذا الفاضل في غير هذا المقام ".
وارتضاه في الرياض حيث حكم بصحة رواية سليمان بن خالد في المسألة

1. وسائل الشيعة 20: 211.
2. غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام للسيد الجزائري المتوفى سنة 1112 وهو في ثمان مجلدات.
انظر الذريعة 16: 18 / 72.
3. مدارك الأحكام 2: 53.
4. تعليقة العلامة البهبهاني على المدارك: 82.
5. مدارك الأحكام 2: 53.
115

المذكورة على الصحيح (1).
وربما نسب بعض الفحول إلى العلامة في المختلف (2) وصاحب المدارك (3)
والسيد في الرياض (4) تصحيح ما رواه سليمان بن خالد في رجل دخل المسجد
فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة (5). لكن كل من
الأولين عبر بالصحيح عن سليمان بن خالد، ومثله لا يدل على كون رجال السند
بأجمعهم رجال الصحيح، فلا دلالة في التصحيح منهما على كون سليمان بن
خالد من رجال الصحيح.
ولعل نسبة التصحيح إليهما من جهة عدم الفرق بين أن يقال: " روى فلان في
الصحيح عن الصادق (عليه السلام) " وأن يقال: " روي في الصحيح عن فلان " حيث إن الأول
يدل على كون جميع رجال السند رجال الصحيح حتى فلان، وأما الثاني فهو يدل
على كون من قبل فلان من رجال الصحيح.
وقد جرى صاحب المدارك على القول بعدم الدلالة على الوثاقة حيث إنه في
المسألة المذكورة - بعد ما ذكر كلام جده في تصحيح رواية سليمان بن خالد (6) -
رده بأنه لم يثبت توثيقه، وفي بعض النسخ نقلا " في توثيقه كلام " (7).
وهو مقتضى تعبيره عن رواية سليمان بن خالد ب‍ " الرواية " دون الصحيحة،
مع أن دأبه رعاية اصطلاح المتأخرين في مسألة من ذكر بعد الوضوء أنه ترك

1. رياض المسائل 2: 135.
2. انظر مختلف الشيعة 2: 511 المسألة 369.
3. انظر مدارك الأحكام 4: 381.
4. انظر رياض المسائل 4: 363.
5. الكافي 3: 379، ح 3، باب الرجل يصلي وحده ثم يعيد في الجماعة؛ التهذيب 3: 274، ح 792،
باب فضل المساجد والصلاة فيها؛ وسائل الشيعة 5: 458، أبواب صلاة الجماعة، ب 56، ح 1.
6. روض الجنان: 93.
7. مدارك الأحكام 2: 53.
116

الاستنجاء؛ حيث إنه حكى عن الصدوق تفصيلا، وقال: " وكأ نه استند إلى رواية
سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)، والظاهر أن المنشأ هو سليمان " (2).
ويقتضي القول به ما صنعه بعض في بعض المواضع حيث عبر ب‍ " الصحيح "
عن سليمان بن خالد، وكذا ما ذكره الفاضل التستري في حاشية الخلاصة في قوله:
" قال الكشي: حمدويه، قال: سألت أبا الحسن أيوب ابن نوح بن دراج النخعي
عن سليمان بن خالد أثقة هو؟ فقال: كما يكون الثقة " (3) فلاحظه ولا تعتمد مهما
أمكن؛ حيث إن غرضه الاعتراض على العلامة بأن منشأ توثيقه كلمة " أيوب بن
نوح " ولا دلالة فيه على التوثيق، فلا تعتمد على الخبر الواحد مهما أمكن.
وبالجملة، مبنى القول بالدلالة على الوثاقة هو كون الكاف استعلائية، وقد عد
في المغني من معان الكاف: الاستعلاء، بل نقله عن الأخفش والكوفيين. قال:
" وإن بعضهم قيل له: كيف أصبحت؟ قال: كخير، أي على خير. وقيل: المعنى
بخير. ثم قال: وقيل في " كن كما أنت ": إن المعنى على ما أنت عليه " (4). فساق
الكلام في اختلاف النحويين في أعاريب هذا المثال.
وعد في التوضيح الاستعلاء من معاني الكاف أيضا، وجعل منه قول
بعضهم (5): " كخير " في جواب من قال: " كيف أصبحت " وحكى عن الأخفش أنه
جعل منه قولهم: " كن كما أنت " ومن هذا قوله (صلى الله عليه وآله) نقلا: " كن كما أنت " لمن مشى
وراءه تقليدا، تهكما.

1. التهذيب 1: 49، ح 142، باب الأحداث الموجبة للطهارة؛ الاستبصار 1: 54، ح 158، باب وجوب
الاستنجاء من الغائط والبول؛ وسائل الشيعة 1: 209، أبواب نواقض الوضوء، ب 18، ح 9.
2. مدارك الأحكام 1: 258؛ وانظر المقنع: 11.
3. رجال الكشي 1: 664 / 664.
4. مغني اللبيب 1: 235.
5. قوله: " بعضهم " هو رؤبة، كما في التصريح (منه عفي عنه).
117

ومبنى القول بعدم الدلالة كون الكاف للتشبيه، إلا أنه على هذا إما أن يكون
الغرض المشابهة الحقيقية، أي في الباطن والظاهر، فالغرض المدح؛ أو يكون
الغرض المشابهة في الظاهر مع الاطلاع على مخالفة الباطن، فالغرض الذم؛
لرجوع الأمر إلى التدليس، أو مع عدم الاطلاع على الباطن، فالغرض ظهور
الصلاح كما تعارف أن يقال: " فلان ظاهر الصلاح " فيرجع الأمر إلى المدح، لكن
بناء على كفاية حسن الظاهر تعبدا في كاشف العدالة تثبت العدالة، بخلاف ما لو
كان الغرض المشابهة الحقيقية في الباطن والظاهر؛ لرجوع الأمر إلى الاطلاع على
عدم العدالة والإخبارية.
والظاهر - بل بلا إشكال - أن " الكون " في المقام يكون ناقصا، سواء كانت
الكاف للاستعلاء أو التشبيه، والخبر محذوف أي عليه، إلا على تقدير كون " ما "
بمعنى " من " وأما " ما " فهي موصولة إما بمعنى الحالة أو الحقيقة. وهي على
التقديرين من باب الحقيقة؛ لكون الأمر من باب إطلاق الكلي على الفرد، والأمر
فيه من باب الحقيقة في الغالب، كما يظهر بملاحظة ما حررناه في الأصول عند
الكلام في أن المقيد من باب الحقيقة أو المجاز.
واحتمال كونها بمعنى " من " لا اعتداد به، ولا سيما مع لزوم تعريف الخبر في
الثقة؛ حيث إنه على ذلك يكون خبرا ل‍ " يكون " وهو نادر.
وعلى تقدير كون الكاف للاستعلاء يمكن أن يكون " الثقة " من باب المبتدأ
المؤخر، و " كما " يكون من باب الخبر المقدم، والضمير في " يكون " راجع إلى
سليمان، والأمر من قبيل " الأمير زيد "، فيستفاد كمال الوثاقة من جهة تعريف
المبتدأ؛ بل تقديم الخبر يفيد أيضا كمال الوثاقة بناء على دلالة تقديم ما حقه
التأخير على الحصر.
لكن الاحتمال المذكور بعيد.
وعلى تقدير كون الكاف للتشبيه يمكن أيضا أن يكون " الثقة " من باب المبتدأ
118

المؤخر و " كما " يكون من باب الخبر المقدم، والأمر نحو: " كزيد الأسد " ويستفاد
كمال الوثاقة من جهة جعل ما من شأنه أن يشبه به مشبها، ومن جهة تقديم الخبر
بناء على إفادة تقديم ما حقه التأخير للحصر.
لكن الوجه المذكور أيضا خلاف الظاهر.
ولعل الأظهر القول بالدلالة على الوثاقة بدعوى ظهور الكاف في الاستعلاء
في المقام عرفا، لكن لو قيل: " كالثقة " فالظاهر عدم دلالته على الوثاقة.
لكن يمكن أن يقال: إنه على تقدير كون الكاف للاستعلاء لا يتجاوز المفاد
عن " ثقة ".
ودعوى الدلالة على قوة الوثاقة بملاحظة الدلالة على كون الأمر من باب
الاستيلاء على الملكة لا الاتصاف بها بالتجشم والكلفة كما ترى؛ فيلزم اللغو في
المقال، وهو بعيد.
إلا أن يقال: إن الإطناب أقوى دلالة وأصرح، والداعي إليه قوة الدلالة
والصراحة؛ فلا يلزم اللغو.
وأيضا يمكن أن يقال: إن التوثيق بالوجه المزبور عادم النظير (1) ولو من غير
أرباب تدوين كتب الرجال بعد قلة استعمال الكاف في الاستعلاء، فيتجه حمل
الكاف على التشبيه مع إجمال الحال من حيث الاطلاع على الباطن، فيرجع الأمر
إلى الذم أو عدمه، فيرجع الأمر إلى حسن الظاهر فقط. والغرض على التقديرين
تشبيه حال سليمان بن خالد بحال الثقة، وإلا فتشبيه نفسه بحال الثقة أو حقيقته
كما ترى.
وبعد، فبعد دلالة " كما يكون الثقة " على الوثاقة ثبوت العدالة محل الإشكال،
بل لا تثبت العدالة؛ لاختصاص الاصطلاح بكلمات أهل الرجال، فلا تثبت العدالة

1. في " ح ": " التنظير ".
119

ب‍ " ثقة " في كلمات الرواة فضلا عن الثقة، ويظهر الأمر مزيد الظهور بما يأتي.
بقي أن سليمان بن خالد قد عده الشيخ المفيد في الإرشاد ممن روى النص
عن أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام)، من شيوخ أصحاب أبي
عبد الله (عليه السلام) وخاصة بطانته وثقاته الفقهاء الصالحين (1).
وقد رد العلامة في المنتهى في مسألة عدم جواز غير الماء في البول رواية بأن
راويها سليمان بن خالد ولم ينص الأصحاب على تعديله، بل ذكر أنه خرج مع
زيد بن علي فقطعت يده، كذا قال النجاشي. وقال الشيخ: قطعت إصبعه. قالا:
ولم يخرج [معه] من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) غيره (2).
وذكر المقدس في باب بيع الثمار: أن سليمان بن خالد فيه قول (3)، والمقصود
بالقول هو كونه زيديا، كما قيل.
وقد حكم في الروضة في كتاب إحياء الموات بضعف رواية سليمان بن
خالد (4). وهو إما من جهة بنائه على عدم اعتبار الخبر الموثق بناء على دلالة الكلمة
المذكورة في حقه على الوثاقة، وفساد مذهب سليمان بن خالد، وبملاحظة ما
نقله النجاشي والشيخ من أنه خرج مع زيد ولم يخرج معه من أصحاب
أبي جعفر (عليه السلام) غيره فقطعت يده أو إصبعه (5)، إلا أن حكى في الخلاصة أنه تاب (6)؛ أو
من جهة عدم دلالة الكلمة المشار إليها على الوثاقة.
ويرشد إلى الأول ما مر من حكم الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة بدلالة

1. الإرشاد 2: 216.
2. منتهى المطلب 1: 262؛ رجال النجاشي: 183 / 483؛ رجال الشيخ: 207 / 76.
3. مجمع الفائدة والبرهان 8: 200.
4. الروضة البهية 7: 140.
5. رجال النجاشي: 183 / 484؛ رجال الشيخ: 207 / 76.
6. خلاصة الأقوال: 77 / 2.
120

الكلمة المذكورة على التوثيق (1).
وقال المولى التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه - بعد نقل الروايات التي
رواها الكشي في ترجمته: لا شك في ثقته كما يظهر من الأخبار. وحكم بدلالة ما
في باب الكتمان من الكافي - عن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " أخبرت بما
أخبرتك به أحدا؟ " قلت: لا، إلا سليمان بن خالد. قال: " أحسنت، أما سمعت
قول الشاعر:
فلا يعدون سري وسرك ثالثا * ألا كل سر جاوز اثنين شائع " (2)
- على كون سليمان بن خالد من أصحاب السر الصادق (عليه السلام) (3).
وفي حاشية الكافي بخط العلامة المجلسي: " فيه مدح عظيم لسليمان بن
خالد بل توثيق ".
وظاهر الفاضل الخوانساري في تعليقات الروضة في كتاب إحياء
الموات (4) - عند تضعيف الشهيد الثاني رواية سليمان بن خالد كما تقدم -
التوقف في مذهب سليمان بن خالد بعد وثاقته وقال بالأخرة: المعمول بين
المتأخرين الحكم بصحة رواياته من جهة، ولو كانت موثقة، فمن الموثقات
القوية (5).
ويمكن استفادة حسن حاله مما رواه في الكافي في باب المؤمن وعلاماته
وصفاته:
بالإسناد عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):
" يا سليمان أتدري من المسلم؟ " قلت: جعلت فداك، أنت أعلم. قال:

1. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 38.
2. الكافي 2: 177، ح 9، باب الكتمان.
3. روضة المتقين 14: 143.
4. الروضة البهية 7: 140.
5. حاشية آقا جمال على الروضة: 478.
121

" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ثم قال: " وتدري من
المؤمن؟ " قال: قلت: أنت أعلم. قال: " إن المؤمن من ائتمنه المسلمون
على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله
أو يدفعه دفعة (1) تعنته " (2).
إذ اللطف المستفاد منه من أبي جعفر (عليه السلام) بالنسبة إلى سليمان يكشف عن
حسن حاله.
لكن الراوي لهذا الحديث - كالحديث السابق - هو نفس سليمان، فالأمر من
باب الشهادة على النفس.
إلا أن يقال: إنه تتأتى الاستفاضة، بناء على كون المدار في الاستفاضة على ما
فوق الواحد.
إلا أن يقال: إن المدار في الاستفاضة على تعدد الرواة عن المعصوم عرضا،
ومن هذا أنه لو تعدد الراوي عن الراوي المتحد عن المعصوم (عليه السلام) لا تتأتى
الاستفاضة، والراوي للحديثين هنا عن المعصوم (عليه السلام) متحد.
إلا أن يقال: إنه وإن لم تتأت الاستفاضة في المقام لكن ما يتأتى في المقام في
حكم الاستفاضة؛ إذ المدار في الاستفاضة على بعد الكذب، ومن هذا أنه لو
اختصت بعض الأخبار المستفيضة بحكم، لا توجب الاستفاضة جبر ضعف
السند بالنسبة إلى ذلك الحكم، وبعد الكذب يتأتى في المقام أيضا؛ حيث إن عدم
اعتبار الشهادة على النفس إنما هو من جهة قرب إخبار الشخص بما ينفعه
بالكذب، ولو تعددت رواية الشخص، يبعد كونه كاذبا في الكل.

1. قوله: " أو يدفعه دفعة تعنته " بأن يسأل منه شيئا فيرده برد يصير سببا لخذلانه، بل إن لم يكن عنده
شيء يجب أن يرده برد جميل، كما نقله العلامة المجلسي في الحاشية بخطه الشريف عن والده المولى
التقي قال: ويحتمل أن يكون كناية عن مطلق الضرر الفاحش. والعنت: المشقة والفساد والهلاك
والإثم والغلط والخطأ، ذكره الجزري (منه عفي عنه).
2. الكافي 2: 184، ح 12، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.
122

نعم، لابد هنا من مزيد العدد في حصول الظن بالصدق.
إلا أن يقال: فعلى ما ذكر لا يتأتى اعتبار الحديثين المذكورين بناء على كون
المدار في الاستفاضة ما فوق الاثنين؛ للزوم مزيد العدد في حصول الظن بالصدق.
ولإتمام الكلام مقام آخر.
وقد روى الكليني - في باب أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم
الأئمة (عليهم السلام) - بسنده عن سليمان بن خالد:
عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتب الذين
اصطفينا من عبادنا) (1) فقال: " أي شيء تقولون أنتم؟ " قلت: إنها في
الفاطميين. قال: " ليس حيث تذهب " إلى آخر الحديث (2).
وقد ضبطنا موارد اتفق فيها الخطأ في فهم الراوي بالنسبة إلى المراد من اللفظ
في شرح زيارة عاشوراء، والرسالة المعمولة في حجية الظن، وغيرهما.
السادس
[في اصطلاح: " ثقة في الحديث " و...]
أنه كثيرا ما ذكر في التراجم " ثقة في الحديث " كما في ترجمة أحمد بن
بشير (3)، وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال (4)، وأحمد بن محمد بن عاصم (5)،

1. فاطر (35): 32.
2. الكافي 1: 215، ح 2، باب إن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام).
3. لم يكن كذلك؛ حيث نبه على ضعفه النجاشي في رجاله: 348 / 939 في ترجمة محمد بن أحمد بن
يحيى الأشعري، وضعفه الشيخ في الرجال: 412 / 54 و 55، والعلامة في خلاصة الأقوال: 205 / 19.
4. رجال النجاشي: 80 / 194؛ الفهرست: 24 / 72؛ خلاصة الأقوال: 203 / 10.
5. الفهرست: 28 / 85.
123

والحسين بن أبي سعيد (1)، والحسين بن أحمد بن المغيرة (2)، وعلي بن الحسن
الطاطري (3)، وعمار بن موسى (4) وغيرهم.
فهل التوثيق المذكور مفيد للعدالة ك‍ " ثقة " فيكون الحديث باعتباره من باب
الصحيح إن كان الراوي إماميا، ومن باب الموثق إن كان الراوي غير إمامي؛ أو مفيد
للمدح، فيكون الحديث باعتبار من باب الحسن إن كان الراوي إماميا، ومن باب
القوي إن كان الراوي غير إمامي؟
عن المشهور القول بالأول، ويظهر من بعض الأصحاب المصير إليه؛ نظرا
إلى ظهور كون منشأ الوثاقة في الحديث هو العدالة، بل ظاهر البعض الاتفاق
عليه، وهو مقتضى ما في حاشية كتاب النجاشي عند ترجمة محمد بن أحمد بن
يحيى الأشعري. والظاهر أن الحاشية بخط صاحب المعالم، كما أن في ظهر
الكتاب خطه وخاتمه من كفاية شهادة القرائن مع تزكية النجاشي حيث إن
النجاشي قال: " ثقة في الحديث " (5). والمدار في التزكية على التعديل، بلا محيص
عن كون المقالة المذكورة مبنية على دلالة " ثقة في الحديث " على العدالة.
والأظهر القول بالأخير؛ نظرا إلى عدم استلزام الوثوق بالحديث للعدالة،
وعدم ظهوره فيها.
أما الأول: فلأن كثيرا من الناس يصدر منه الغيبة ولا يكذبون، ويطمئن

1. رجال النجاشي: 38 / 78. وفيه: " ثقة في حديثه ".
2. رجال النجاشي: 86 / 165. وفيه: " ثقة فيما يرويه "؛ خلاصة الأقوال: 217 / 11.
3. رجال النجاشي: 254 / 667. وفيه: " وكان فقيها ثقة في حديثه ".
4. رجال النجاشي: 290 / 779. وفيه: " أبو الفضل، مولى وإخوته قيس وصباح رووا عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكانوا ثقات في الرواية "؛ وفي التهذيب 7: 101 بعد كلام طويل قال: " ثقة في
النقل ". وقال في الاستبصار 1: 372 / 1413: " ضعيف فاسد المذهب لا يعمل... ".
5. رجال النجاشي: 348 / 939.
124

النفس (1) بأخبارهم. والظاهر أن المنشأ أن الكذب قبيح في أنظار الناس وموجب
لانتهاك العرض، وهم - ولا سيما أرباب الاحتشام منهم - يتجنبون غاية التجنب
عما يوجب النقص في دنياهم؛ ولذا يتجنبون عن الكذب، بخلاف الغيبة، فإنه لا
قبح فيها عندهم؛ لكونها من باب الصدق، ولذا ربما يعتذر المغتاب عن ارتكابها
بارتكاب الصدق، بل كثير من الناس يرتكب بعض المعاصي ويترك بعضا آخر
من المعاصي؛ بل من يرتكب جميع المعاصي نادر أو منعدم؛ فلا منافاة بين
الفسق والوثوق بالحديث، بل لا منافاة بين ارتكاب معصية ولو مع الإصرار وترك
معصية أخرى بالكلية.
ومن تأمل في أحوال الناس يجد أن كثيرا منهم صاحب ملكة الاجتناب عن
بعض المعاصي مع ارتكاب بعض آخر ولو كان متعددا وحتى مع الإصرار؛ بل
ربما يستبعد الكذب من بعض من يأتي بالفسق الفظيع كالزنا واللواط من أرباب
الاحتشام وتطمئن النفس بخبره، بل من يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب
الاحتشام يحصل الظن بخبره وتطمئن النفس به.
وأما الثاني: فلأن غاية الأمر في دعوى الظهور أن يقال: إن الغالب فيمن
يتحرز عن الكذب العدالة، فيحمل المشكوك فيه على الغالب.
وهو مدفوع بأنه لو لم يكن الغالب فيمن يتحرز عن الكذب الفسق فلا أقل
من المساواة، ومع هذا يترجح جانب المخبر به بإخباره، بل الغالب - بحيث يكون
خلافه في كمال الندرة - أن الإخبار يخرج طرف المخبر به عن حد التساوي مع
الطرف الآخر كما كان الإخبار يوجب رجحانا فيه، بل الإخبار ولو ممن يأتي
بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يوجب الرسوخ في النفس، ويتعسر زوال
أثره، كما يشاهد فيما لو أخبر عن شخص بمذاكرة سوء بالإضافة إلى شخص

1. في " ح ": " الناس ".
125

آخر، فإنه يترسخ مضمون الخبر في نفس الشخص الثاني، ولا يرتفع ولو
بالمبالغة في كون الإخبار كذبا من الشخص الأول في مقام الاعتذار، وإن أمكن
كون عسر الارتفاع بواسطة حسبان كون الاعتذار من باب الاستبراء عن السوء،
بخلاف الإخبار فإنه بحسبان كونه غير معلل بالغرض يتسارع نفوذه، ومن عجيب
الإخبار أن المريض بمرض ضعف القلب ربما يهلك بل هلك بالإخبار بالخبر
الموحش ولو من الصبيان فضلا عن النسوان، بل هلاكه بالإخبار بالخبر الموحش
في كمال السهولة، بل هلك همام ببيان صفات المؤمن من أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد
سؤاله عنها كما رواه في الكافي في باب المؤمن وعلاماته وصفاته (1).
وإن قلت: إن الظاهر من الوثوق بالحديث بنفسه - مع قطع النظر عن الغلبة -
كونه مستندا إلى العدالة.
قلت: إنه محل المنع، ومن هذا أنه لا مجال للقول بالدلالة على العدالة لو
قيل: " صدوق " كما في بعض التراجم، فضلا عما لو قيل: " صادق " وإن يأتي القول
بالدلالة على العدالة فيهما من بعض.
هذا كله على تقدير عموم العدالة لسوء المذهب، وإلا فاتفاق " ثقة في
الحديث " في ترجمة غير الإمامي يمانع عن ظهوره في العدالة، إلا أن يقال: إن
الظواهر لا ترتفع بالتخلف في بعض المواضع، بل الظهور الغير المتخلف مفقود
الأثر.
ومن هذا أن " ثقة " بناء على دلالتها على العدالة لا يرتفع ظهورها في العدالة
على القول باعتبار الإمامية في العدالة بواسطة اتفاقها في ترجمة غير الإمامي،
اللهم إلا أن يدعى كثرة اتفاق " ثقة في الحديث " في غير الإمامي بحيث توجب
ارتفاع الظهور في العدالة، كما سبق دعوى كثرة اتفاق " ثقة " في غير الإمامي بحيث

1. الكافي 2: 177، ح 1، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.
126

تمانع عن دلالة " ثقة " على الإمامية بناء على دلالتها عليها.
وأما الاستدلال - المتقدم - على إفادة العدالة فيندفع بأن الظهور المذكور إن
كان المقصود به الوضوح كما هو ظاهر العبارة، فلا ينفع في المقصود في كمال
الوضوح؛ لوضوح المنع. وإن كان المقصود به الظن قبال العلم، بكون الغرض أن
الظاهر استناد الوثوق في الحديث إلى الوثاقة - ولعل الظاهر أنه المقصود وإن كان
خلاف ظاهر العبارة - فقد سمعت الكلام فيه.
وربما يستدل على إفادة العدالة بأن الشيخ ربما يقول في ترجمة شخص في
موضع: " ثقة " وفي موضع آخر يقول في ترجمته: " ثقة في الحديث " كما تقدم،
فمقتضاه كون المقصود بالوثوق في الحديث هو العدالة، بناء على دلالة " ثقة "
بقول مطلق على العدالة.
أقول: إنه ليس الاستدلال بذلك على دلالة " ثقة في الحديث " على العدالة
أولى من الاستدلال به على عدم دلالة " ثقة " على العدالة، بل قد تقدم تأييده لعدم
الدلالة، أي عدم دلالة " ثقة " على العدالة، فضلا عما مر من الكلام في دلالتها على
العدالة.
وبالجملة، فلا إشكال في عدم استلزام الوثوق بالحديث للعدالة، وظهوره
فيها محل الإشكال، بل الظاهر العدم، فالدلالة على العدالة والظن بها في المقام
محل الإشكال، بل الظاهر العدم، فالغرض الاعتماد في الإسناد والحديث بالمعنى
اللغوي.
ويرشد إليه ما في ترجمة حماد بن عيسى (1)، وظريف (2) بن ناصح (3) من أنه " كان
ثقة في حديثه، صدوقا " حيث إن الظاهر كون الأمر من باب ذكر المرادفات.

1. رجال النجاشي: 142 / 370.
2. قوله: " وظريف بن ناصح " بالظاء المعجمة (منه عفي عنه).
3. رجال النجاشي: 209 / 553؛ خلاصة الأقوال: 91 / 2.
127

ويظهر الحال بما تقدم في أصل المقصود، أعني " ثقة ".
وكذا ما يقال: " كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته " كما في ترجمة
رفاعة بن موسى النخاس (1)، وأحمد بن محمد بن جعفر (2)، وأحمد بن عبد الله بن
أحمد (3).
وكذا ما يقال: " كان ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه " كما في ترجمة أحمد بن
علي بن العباس بن نوح (4).
فلو قال بعض أهل الرجال: " ثقة في الحديث " وقال آخر: " ليس ثقة " فلا
تعارض بناء على دلالة " ثقة " على العدالة. لكن الحديث من جهة " ثقة في
الحديث " إنما يكون قويا لو كان الراوي غير إمامي، بناء على دلالة توثيق غير
الإمامي على عدالته، وعدم دخول الإمامية في العدالة، وإلا فيكون الحديث موثقا؛
لعدم الفرق قطعا.
وقد ذكرنا بعض الكلام في المقام في الرسالة المعمولة في مفطرية الغليان.
[في اصطلاح: " ثقة في روايته "]
وبما ذكرنا يظهر الحال في " ثقة في روايته " كما في ترجمة أيوب بن نوح (5)،
و " ثقة في رواياته " كما في ترجمة الحسن بن علي بن فضال (6)، و " ثقة في
الروايات " كما في ترجمة هشام بن الحكم (7)، و " ثقة فيما يرويه " كما في ترجمة

1. رجال النجاشي: 166 / 438؛ خلاصة الأقوال: 71 / 1.
2. رجال النجاشي: 84 / 202.
3. رجال النجاشي: 85 / 205؛ خلاصة الأقوال 17 / 25.
4. رجال النجاشي: 86 / 209؛ خلاصة الأقوال: 19 / 45.
5. رجال النجاشي: 102 / 254؛ خلاصة الأقوال: 12 / 1. وفيها: " ثقة في رواياته ".
6. الفهرست: 47 / 163. وفيه: " ثقة في الحديث وفي رواياته ".
7. رجال النجاشي: 433 / 1164.
128

الحسين بن أحمد بن المغيرة (1)، و " ثقة في النقل " كما ذكر (2) في حق عمار
الساباطي (3)، وكذا الحال في " صالح الحديث " كما في ترجمة بسام (4) بن عبد الله (5).
وبما ذكرنا يظهر الحال أيضا في " صادق " و " رجل صدق " (6) على سبيل
التوصيف أو الإضافة.
لكن مقتضى صريح صاحب الحاوي القول بالدلالة على العدالة؛ حيث إنه
استدل على عدالة قاسم بن عبد الرحمن بما رواه في أواخر روضة الكافي عن
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي ابن النعمان، عن
القاسم شريك المفضل: " وكان رجل صدق " (7).
قوله: " رجل صدق " الظاهر - بل بلا إشكال - أنه على سبيل الإضافة، كما في
قوله سبحانه (مقعد صدق) (8) و (لسان صدق) (9) وكما يقال: شاهد صدق، وقرين
سوء، وميتة سوء، ونسخة الأصل، وإلا فلو كان على سبيل التوصيف، لكان اللازم
نصب الرجل والصدق.
وربما حمل العبارة على الغلط حسبان كون الأمر من باب التوصيف

1. رجال النجاشي: 68 / 165.
2. قوله: " كما ذكر في حق عمار الساباطي " إنما قلنا: " في حق " دون ترجمة؛ لأن الظاهر في الترجمة ما
ذكر في الرجال في شرح الحال وما ذكر إنما ذكره الشيخ في التهذيب (منه عفي عنه).
3. التهذيب 7: 101، ذيل ح 435، باب بيع الواحد بالاثنين.... وانظر منتهى المقال 5: 92 / 2139.
4. قوله: " في ترجمة بسام بن عبد الله " على ما عن أبي حاتم، وعن آخر: أنه صالح، وعن ثالث: أنه
ثقة. هذا وفي ترجمة أحمد بن هلال أنه صالح يعرف منها وينكر. هذا وبسام بفتح الباء الموحدة
وتشديد السين المهملة (منه عفي عنه).
5. تهذيب الكمال 58 / 664؛ وانظر منتهى المقال 2: 142 / 441.
6. " صدق " في ترجمة نجية بن الحارث: " إنه صادق ". (منه عفي عنه).
7. حاوي الأقوال 2: 168 / 521. والرواية في الكافي 8: 374، ح 562.
8. القمر (54): 55.
9. مريم (19): 50.
129

بملاحظة لزوم النصب، وقد اتفقت تلك العبارة في بعض أخبار نوادر نكاح
الكافي المذكور في آخر كتاب النكاح قبل كتاب العقيقة في قصة زوج أخ القاضي،
المعروفة (1).
وقيل: قد جرى أهل العربية والعرب على أنهم إذا نسبوا شيئا إلى الخير
والصلاح أضافوه إلى لفظة " صدق " كما يقال: " رجل صدق " يعني رجلا صالحا،
وليس المراد بالصدق حينئذ ما يقابل الكذب؛ ومنه قوله تعالى: (ولقد بوأنا بنى
إسرائيل مبوأ صدق) (2). وذكر ذلك القاموس (3) وسائر أرباب اللغة.
وبالجملة، مقتضى صريح كلام بعض رجوع الضمير في " كان " إلى القاسم،
واحتمل بعض رجوعه إلى مفضل، والأول أظهر.
ونظير ذلك في التعرض لحال الراوي في أثناء السند ما عن الصدوق في كمال
الدين مما هذا لفظه:
حدثنا الشريف الدين الصدوق أبو علي محمد بن أحمد بن زيارة بن
عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، عن علي بن محمد بن قتيبة (4).
وقد استظهر منه بعض التوثيق لمحمد بن أحمد، وكذا الحال في بعض
الروايات المذكورة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن (5).
وكذا الحال في قول النجاشي في ترجمة محمد بن يوسف الصنعاني: " له

1. الكافي 5: 556، ح 10، باب نوادر.
2. يونس (10): 93.
3. القاموس المحيط 3: 261، (صدق).
4. إكمال الدين: 239، ح 60، الباب الثاني والعشرون. وفيه: " شريف الدين " بدلا عن الشريف الدين،
و " زئارة " بدلا عن زيارة.
5. رجال الكشي 2: 779 - 783 / 910 و 911 و 919 و 929 و 931.
130

كتاب أخبرنا به محمد بن عثمان المعدل " (1).
وبالجملة، قد أجاد من أورد على الاستدلال المذكور بأن العبارة المذكورة لا
تدل على توثيق قاسم بن عبد الرحمن؛ لأن الصدق أعم من العدالة؛ لجواز أن
يكون الرجل صادقا وليس بعادل.
لكن نقول: إن مجرد الجواز لا يكفي في الإيراد، ولا يتم الإيراد إلا بإضافة
عدم ظهور الصدق في العدالة.
[في اصطلاح: " صدوق "]
وبما ذكرنا يظهر الحال أيضا في " صدوق ".
لكن مقتضى صريح صاحب الحاوي عند الكلام في يحيى بن الحسن بن
جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (2)،
ومحمد بن أحمد بن زيارة بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسين بن
علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3) القول بالدلالة على العدالة أيضا.
وليس بالوجه.
[في اصطلاح: " صادق اللهجة " و " أصدق لهجة "]
وكذا الحال في " صادق اللهجة " كما في ترجمة داوود بن أبي زيد (4)، و " أصدق لهجة "
كما ذكر في ترجمة حسن بن علي بن فضال في حق محمد بن عبد الله بن زرارة (5).
وربما قال بعض في الثاني بالدلالة على التوثيق، ومنع عنه بعض آخر (6).

1. رجال النجاشي: 357 / 956.
2. حاوي الأقوال 2: 388 / 721.
3. حاوي الأقوال 2: 172 / 712 مع تفاوت في سلسلة النسب؛ وانظر منتهى المقال 5: 333 / 2464.
4. الفهرست: 68 / 283؛ رجال الشيخ: 415 / 2؛ خلاصة الأقوال: 68 / 4.
5. رجال النجاشي: 34 / 72.
6. انظر الوجيزة: 306 / 1698؛ وروضة المتقين 14: 216؛ وتعليقة الوحيد البهبهاني: 302.
131

[في اصطلاح: " يصدق علينا "]
وكذا الحال في " يصدق علينا " كما نقله في الخلاصة في ترجمة عبد الله بن
أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) (1).
وبعد ما مر أقول: إنه يمكن أن يقال: إن الوثاقة في الحديث وإن لم تكن
مستلزمة للعدالة ولم تكن ظاهرة في العدالة بنفسها ولا بواسطة الغلبة لكن الظاهر
من التوصيف بالوثاقة في الحديث وتدوينه في الكتاب كونه بواسطة استئناس العدالة
ولو بمذهب الراوي، فالوثاقة في الحديث عنوان للعدالة ورشحة من رشحاتها.
فعلى هذا تثبت العدالة ب‍ " ثقة في الحديث " فضلا عن " ثقة " بناء على عدم
دلالته على العدالة. وكذا الحال في " صادق " و " صدوق " وغيرهما مما مر.
وبوجه آخر: توصيف معلوم الفسق بالوثاقة في الحديث بعيد، والجهل
بالحال من حيث الفسق والعدالة مع الاطلاع على الوثاقة في الحديث بعيد أيضا.
فالظاهر أن التوصيف بالوثاقة في الحديث من جهة الاطلاع على العدالة.
وبوجه ثالث: الوثاقة في الحديث وإن لم تكن بنفسها ولا بواسطة الغلبة
ظاهرة في العدالة لكن الظاهر هنا أن الوثاقة من جهة العدالة.
ثم إن الصدق بنفسه خال عن الحسن كالقبح، ولا يقتضي استحقاق المدح،
كمالا يقتضي استحقاق الذم، وإن كان الكذب قبيحا مقتضيا لاستحقاق الذم على
ما يظهر في النظر، وإن كان الظاهر انطباق أرباب الفنون على حسن الصدق،
كيف! ولو كان غالب محاورات الشخص في اليوم والليل من باب الصدق لا مجال
للقول باستحقاقه المدح الموفور، ولا ملازمة بين قبح الكذب وحسن الصدق من
جهة التضاد، كيف! والتضاد غاية أمره اقتضاء خلو الصدق عن القبح، ولا يستلزم
التضاد اشتمال الصدق على الحسن، كيف! والمباح ضد للحرام كما أن الواجب
ضد له. ولا تقتضي مضادة الوجوب والحرمة انحصار الضد فيها.

1. خلاصة الأقوال: 107 / 25.
132

نعم، ربما يكون الصدق في بعض الموارد حسنا لاستحقاق المدح، كما لو
كان شاقا على النفس وموجبا لكسر القوة الشهوية أو القوة الغضبية، كما أن
المواظبة على الصدق حسن وموجب لاستحقاق المدح باعتبار حسن المواظبة
على ترك القبيح؛ أعني الكذب ومشقة المواظبة على ترك الحرام. وإلا فالمواظبة
على المباح لا تخرج عن الإباحة.
ومن ذلك مدح إبراهيم وإدريس - على نبينا وآله وعليهما السلام - من الله
سبحانه في كتابه الكريم بالصديق (1) بناء على كون المقصود بالصديق كثير الصدق،
لا كثير التصديق للحق من غيوب الله سبحانه وآياته وكتبه ورسله.
وقد حررنا الكلام في الأصول، وكذا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل
الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمد بن الحسن.
فقولهم: " ثقة في الحديث " يوجب حسن الحديث أو قوته لو قلنا: إن المدار
في الحسن والقوة على اعتقاد المترجم، لا المجتهد، بناء على خلو الصدق عن
الحسن. لكن لا يتأتى اعتبار الخبر نظير ما لو ذكر في ترجمة الراوي " أن له كتابا "
حيث إنه يوجب حسن الخبر أو قوته؛ قضية عدم اختصاص المدح الموجب
للحسن والقوة بما يفيد الظن بالصدق، لكن لا يتأتى اعتبار الخبر.
ويمكن أن يقال: إن ذكر كون الراوي صادقا في ترجمته يوجب الظن بالصدور وإن
لم يكن من باب المدح، فيكون الحديث معتبرا وإن لم يتصف بالحسن والقوة، لكنه
يوجب مزيد قسم سادس على الأقسام الخمسة المعروفة في هذه الأعصار.
بقي أنه قد ذكر في ترجمة الضحاك أبي مالك الحضرمي " أنه كان متكلما ثقة
ثقة في الحديث " (2). والثاني إما تأكيد أو استئناف، وعلى التقديرين إما أن يكون
الأول خبرا بعد خبر، أو من باب الاستئناف.

1. (واذكر فى الكتب إبر هيم إنه كان صديقا نبيا) مريم (19): 41 و (واذكر فى الكتب إدريس إنه كان
صديقا نبيا) مريم (19): 56.
2. رجال النجاشي: 205 / 546.
133

السابع
[في اصطلاح: " ثقة في نفسه "]
أنه ربما يقال في ترجمة الراوي: " ثقة في نفسه " كما اتفق في ترجمة
إبراهيم بن محمد بن فارس (1). والظاهر أن الغرض الاحتراز عمن روي عن
المذكور بالتوثيق أو روى المذكور بالتوثيق عنه كلا أو بعضا.
ويرشد إليه قول العلامة في الخلاصة في الترجمة المذكورة: " لا بأس به
بنفسه، ولكن في بعض من يروي عنه " (2).
الثامن
[في دلالة " لا أحسبه إلا ثقة " على التوثيق وعدمه]
أنه لو قيل: " لا أحسبه إلا ثقة " فهل هو معتبر وكاف في التوثيق، أم لا؟
تأمل فيه بعض نقلا بملاحظة أن المدار في حجية الظن في باب التوثيقات
على العلم، والقدر المتيقن منه ما لو كان التوثيق مبنيا على العلم، وأما لو كان مبنيا
على الظن فالإجماع على الحجية غير ثابت (3).
قال العلامة البهبهاني: " والتأمل فيه ظاهر " (4).
أقول: إن التوثيق بناء على كون المقصود به التعديل بالعدالة المصطلحة - كما

1. التحرير الطاووسي: 22 / 11. وانظر تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 8.
2. خلاصة الأقوال: 7 / 25. وفيه: " لا بأس في نفسه ".
3. المتأمل هو الشيخ محمد، كما حكاه عنه الحائري في منتهى المقال 1: 95.
4. تعليقة الوحيد البهبهاني: 11؛ ونقله عنه الحائري في منتهى المقال 1: 95.
134

هو المشهور - فالعلم بالعدالة في كمال الإشكال، سواء كان الغرض العدالة
بالملكة أو بالاجتناب. فلو كان المدار في أكثر التوثيقات على الظن، فلا فرق بين
ما لو كان ظاهر التوثيق الابتناء على العلم، وما لو كان صريحا في الابتناء على
الظن، مع أن مقتضى سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير وأضرابه هو
كفاية مطلق الظن بالوثاقة؛ إذ الظاهر أن السيرة المسطورة من جهة قضاء الاستقراء
في روايات ابن أبي عمير وأضرابه بعدم الرواية إلا عن ثقة.
وليس المتحصل في الباب إلا الظن، على أنه لو كان التوثيق مبنيا على العلم
فلا يتحصل منه أزيد من الظن.
ولا فرق بين الظن المستند إلى العلم والظن المستند إلى الظن، غاية الأمر أن
الظن الأول أقوى من الظن الثاني، لكن لا اعتداد بهذا المقدار القليل من القوة،
مضافا إلى أن الظن بالعدالة يكفي، بناء على دلالة التوثيق على العدالة، كما حررناه
في محله.
التاسع
[في " أخبرني فلان الثقة "]
أنه لو قال الراوي: " أخبرني فلان الثقة " فربما تردد بعض في اعتبار التوثيق
المستفاد منه.
أقول: إنه إن كان منشأ التردد هو كون التوثيق من الراوي، فلا فرق بين الراوي
والنجاشي بعد إحراز الراوي شرط اعتبار توثيقه كعدالته، بناء على اعتبار العدالة
في اعتبار التوثيق. ولا فرق في ذلك بين كون التزكية من باب الشهادة أو الخبر أو
الظن الاجتهادي، وإن كان المنشأ هو كون التوثيق المشار إليه من باب التركيب
التوصيفي في كلمات أرباب الرجال في باب الكنى والألقاب أيضا.
135

نعم، بناء على كون التزكية من باب الشهادة أو الخبر يمكن الإشكال في
صدق الشهادة أو الخبر على التركيب التوصيفي، فضلا عن الشمول.
إلا أنه يمكن دعوى القطع بعدم الفرق بين التركيب الإسنادي والتركيب التوصيفي.
العاشر
[في قول الراوي: " حدثني الثقة " و " سمعت الثقة "]
أنه لو قال الراوي: " حدثني الثقة " - ومنه ما رواه في الكافي باب نادر في حال
الغيبة - بالإسناد عن أبي إسحاق، قال: " حدثني الثقة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)
أنهم سمعوا (عليه السلام).... " (1) إلى آخره، وكذا ما رواه في الكافي - في باب شهادة الواحد -
بالإسناد عن منصور بن حازم، قال: " حدثني الثقة عن أبي الحسن (عليه السلام) " (2).
وكذا ما رواه الصدوق في إكمال الدين - في باب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام)
من وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) - بالإسناد عن هشام بن سالم أبي
إسحاق الهمداني قال: " حدثني ثقة من أصحابنا أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول " (3)
إلى آخره. وكذا ما رواه في التهذيب في زيادات الطهارة (4)، وفي الاستبصار في باب
الماء المستعمل، بالإسناد عن ابن مسكان قال: " حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) " (5) إلى آخره. وكذا ما رواه في التهذيب في باب البينات من أبواب
القضاء (6)، وفي الاستبصار في كتاب الشهادات في باب ما يجوز شهادة النساء فيه

1. الكافي 1: 335، ح 3، باب نادر في حال الغيبة.
2. الكافي 7: 386، ح 6، باب شهادة الواحد ويمين المدعي.
3. إكمال الدين: 302، ح 10، الباب السادس والعشرون.
4. التهذيب 1: 417، ح 1308، باب في زيادات الطهارة.
5. الاستبصار 1: 28، ح 72، باب الماء المستعمل.
6. التهذيب 6: 272، ح 738، باب البينات.
136

وما لا يجوز، بالإسناد عن منصور بن حازم قال: " حدثني الثقة عن أبي
الحسن (عليه السلام) " (1) - فالأمر من باب توثيق مجهول العين.
وقد اختلف فيه في الأصول على القول بالاعتبار وعدمه.
والأظهر القول بالاعتبار، كما يظهر بملاحظة ما حررناه في الأصول، وكذا في
رسالة تصحيح الغير.
وبما سمعت يظهر الحال فيما لو قال الراوي: " سمعت الثقة " كما في ما رواه
الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن عن القتيبي عن الفضل قال: " سمعت
الثقة يقول: سمعت الرضا (عليه السلام) " (2) إلى آخره.
ثم إن الفرق بين هذا العنوان والعنوان السابق أن المذكور هنا مجهول، وفي
العنوان السابق معلوم معين ولا خفاء.
الحادي عشر
[في اصطلاح " ثقة عند العامة " و...]
أنه قد يقال: " ثقة " أو " كان ثقة عند العامة " كما في ترجمة عبد العزيز بن
أبي سلمة (3)، ومحمد بن شهاب الزهري (4)؛ أو " ثقة في العامة " كما في ترجمة
معاوية بن عمار، لكن في حق أبيه (5) (6)؛ أو " وثقه العامة " كما في ترجمة أبي الأسود

1. الاستبصار 3: 31، ح 106، باب ما يجوز فيه شهادة النساء.
2. رجال الكشي 2: 782 / 926.
3. رجال الشيخ: 239 / 193.
4. انظر نقد الرجال 4: 230 / 4775؛ وص 324 / 5077؛ ومنتهى المقال 6: 79 / 2676.
5. رجال النجاشي: 411 / 1096. وفيه: " وكان أبوه ثقة في العامة وجها ".
6. قوله: " لكن في حق أبيه " قال الفاضل التقي المجلسي: يعني يوثقونه ويعظمونه، لا أنه عامي
المذهب (منه عفي عنه).
137

الدؤلي (1) (2).
أقول: إن الظاهر من تقييد التوثيق بالعامة هو عدم الوثاقة بمعنى ثبوت العدم
عند الخاصة، فلا جدوى فيه؛ لعدم إفادة الظن بالوثاقة بمعنى الدلالة والصدق، بل
الظن بالعدم.
وأما لو كان الأمر من باب عدم ثبوت الوثاقة عند الخاصة، فلا إشكال لو كان
المقصود بالوثاقة الصدق بحصول الظن به.
وأما لو كان المقصود العدالة، فالأظهر عدم ممانعة عامية ظرف ثبوت
الوثاقة - بعد إحراز الإمامية بوجه من الوجوه المتقدمة - عن ثبوت العدالة في اعتبار
الخبر أو اتصافه بالصحة، كما ربما يتراءى بادئ الرأي بملاحظة مخالفة العدالة
عند العامة مع العدالة عند الخاصة، وكون العدالة المعتبرة في اعتبار الخبر أو
اتصافه بالصحة هي العدالة عند الخاصة؛ نظرا إلى ما تقدم من اتحاد اصطلاح
الخاصة والعامة في العدالة، بل قد تقدم أن السبزواري قد ذكر أن أخذ الملكة في
جنس العدالة من العلامة من باب المتابعة للرازي ومن تبعه من العامة (3).
نعم، الاختلاف في باب الكبائر من حيث الماهية أو من حيث العدد، أو في
باب منافيات المروة من حيث القدح في العدالة، أو في باب كاشف العدالة لا
يختص بالمقام، بل يطرد في التوثيق الصادر من الإمامي، فلو فرضنا الاتحاد في
المذهب يتأتى الظن بالعدالة؛ وفيه الكفاية كما يظهر مما تقدم.

1. قوله: " أبي الأسود الدؤلي " بضم الهمزة بعدها مفتوحة ويقال: الديلي بكسر المهملة وسكون المثناة
التحتانية، وربما قيل: الدولي بضم الواو بعد الدال المضمومة. اسمه ظالم بن عمرو، والفاضل
الأسترآبادي قد ضبطه على الوجه الأوسط (منه عفي عنه).
2. انظر نقد الرجال 2: 435 / 2687؛ وج 5: 120 / 5920؛ ومنتهى المقال 7: 111 / 3344.
3. كفاية الأحكام: 279.
138

ومن قبيل المقام ما ذكره الشهيد في الدراية (1)، وكذا في حاشية الخلاصة نقلا
عند ترجمة يحيى بن وثاب (2) من أن أصحابنا الذين صنفوا في الرجال تركوا ذكر
الأعمش، ولقد كان حريا بالذكر لاستقامة فضله، وقد ذكره العامة في كتبهم وأثنوا
عليه، مع اعترافهم بتشيعه (3).
ومقصوده بالأعمش هو سليمان بن مهران، وقد يطلق الأعمش على
إسماعيل بن عبد الله (4)، لكن قد تعرض لحال الأعمش - من قبل الشهيد - الشيخ
في الرجال (5) وابن داوود (6) ومن بعده السيد الداماد (7)، وشيخنا البهائي في حاشية
الخلاصة، والعلامة البهبهاني (8) والفاضل الخواجوئي (9) على ما حكي عنهم.
قال شيخنا البهائي نقلا: وكان إمامي المذهب كما هو مذكور في كتب
المخالفين، وله مع أبي حنيفة حكاية تدل على حسن حاله أوردها الغزالي في
الإحياء، وعن ابن حجر: أنه ثقة حافظ عارف بالقراءات وورع لكنه مدلس (10)،
وعن الذهبي أنه أحد الأعلام (11).

1. الدراية: 65.
2. قوله: " يحيى بن وثاب " بالثاء المثلثة المشددة (منه عفي عنه).
3. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 86. وانظر تهذيب التهذيب 4: 195 / 386؛ وتهذيب
الكمال 12: 87 / 2570.
4. رجال الشيخ: 215 / 72؛ و 160 / 101. وانظر نقد الرجال للتفرشي 5: 270 / 6376.
5. رجال الشيخ: 206 / 72.
6. رجال ابن داوود: 106 / 729.
7. الرواشح السماوية: 59، الراشحة الحادية عشرة.
8. تعليقة الوحيد البهبهاني: 404.
9. الفوائد الرجالية: 309.
10. انظر لسان الميزان 3: 107 / 353، وليس فيه ما في المتن.
11. ميزان الاعتدال 3: 315 / 3520 وفيه: " أحد الأئمة الثقات ". وانظر تذكرة الحفاظ 1: 154.
139

الثاني عشر
[لفظة " ثقة " من لسان غير الإماميين]
أنه على القول بتطرق الاصطلاح في " ثقة " فهل يختص الاصطلاح بكلمات
الإماميين من أهل الرجال، أو يطرد في كلمات غير الإماميين كابن عقدة، وابن
فضال، وابن حجر، والذهبي؟
الأظهر الأول بل لا إشكال فيه؛ إذ الظاهر أن من قال بتطرق الاصطلاح إنما
قال به في كلمات الإماميين من أرباب تدوين الرجال، فلا يتعدى إلى غير
الإمامي، ولا سيما لو كان توثيقه بغير التدوين، كما لو كان في جواب السؤال، لكن
يتجه القول بثبوت العدالة لو قلنا بثبوتها فيما لو قيل: " ثقة عند العامة " مثلا، كما
تقدم في التذييل السابق.
الثالث عشر
[لفظة " ثقة " من لسان الرواة]
أنه بناء على ثبوت الاصطلاح في " ثقة " في الكلمات المدونة من أرباب
الرجال لا ينبغي الإشكال في كونها في لسان الرواة وأمثالهم (1) مستعملة في المعنى
اللغوي، ف‍ " ثقة " في السؤال عن الوثاقة في كلام حمدويه في باب سليمان بن
خالد (2) - كما تقدم - وفي كلام الكشي في باب هشام المشرقي (3)، وفي كلام

1. في ترجمة أبي حمزة الثمالي روى الكشي بسنده عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الثقة يقول:
سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: " إنه في زمانه كلقمان في زمانه ". وقال الكشى في ترجمة عبد الله بن
محمد بن خالد الطيالسي فقال: ما علمته إلا ثقة خيرا (منه عفي عنه).
2. رجال الكشي 2: 664 / 664.
3. رجال الكشي 2: 789، ذيل الرقم 955.
140

ابن مسعود في باب سالم بن مكرم (1) محمولة على المعنى اللغوي.
وكذا الحال في الجواب ب‍ " كما يكون الثقة " من أيوب بن نوح في الجواب عن
الأول (2)، و " ثقة " من حمدويه في الجواب عن الثاني (3).
وعلى هذا المنوال الحال في " ثقاتنا " في كلام علي بن إبراهيم بن هاشم حيث
إنه قال في أوائل تفسيره: " ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى إلينا ورواه مشايخنا
وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم " (4) فلا دلالة فيه على عدالة
الرواة الذين رووا عنهم، فلا دلالة فيه على عدالة والده إبراهيم بملاحظة كونه
ممن روى عنه بل أكثر الرواية عنه، كما ربما استدل به على عدالته مضافا إلى
روايته كثيرا عن المجهول والمصرح بالضعف.
لكن يمكن أن يقال: إن الجواب ب‍ " ثقة " يمكن استفادة العدالة من (باب
عموم حذف المتعلق بناء على استفادة العدالة من) (5) " ثقة " في كلمات أرباب
الرجال بناء على كونه مستعملا في المعنى اللغوي.
إلا أن يقال: إنه لو كان السؤال عن الوثاقة في النقل، فينصرف إطلاق الجواب
إليه، ولا يتأتى عموم المتعلق المحذوف لو ادعي (6) في كلمات أرباب الرجال.
إلا أن يذب بما ذكرناه بالأخرة في دلالة التوصيف بالوثاقة في الحديث على
العدالة، أن الظاهر أن التوصيف بالوثاقة في الحديث بواسطة استئناس العدالة ولو
بمذهب الراوي.
إلا أن يقال: إن العمدة في الوجه المشار إليه حكاية تدوين التوصيف بالوثاقة

1. رجال الكشي 2: 641 / 661.
2. رجال الكشي 2: 664 / 664.
3. رجال الكشي 2: 789، ذيل الرقم 955.
4. تفسير القمي 1: 4.
5. ما بين القوسين ليس في " د ".
6. في " د ": زيادة: " في ثقة ".
141

في الحديث في الكتاب، وإلا فمجرد التوصيف بالوثاقة في الحديث لا يكون
الظاهر كونه بواسطة استئناس العدالة. ويظهر الأمر مزيد الظهور بما مر في التذييل
السادس.
لكن نقول: إن مقتضى بعض المشارب المتقدمة في استفادة العدالة من " ثقة "
في كلمات أرباب الرجال - كدعوى أن الظاهر من كون الرجل ثقة وإن كان
المقصود بالثقة هو المعنى اللغوي - هو كونه حاويا لأعلى مراتب العدالة، ولا أقل
مما جاء في صحيحة ابن أبي يعفور (1) اطراد استفادة العدالة في المقام، بل هذا
الوجه يجري في " ثقاتنا " في كلام علي بن إبراهيم، لكن لا يجري فيه عموم
المتعلق المحذوف لكونه واردا مورد الإجمال؛ إذ ليس الغرض فيه إحراز مرتبة
وثاقة الثقة وتشخيصها على التفصيل، فعدم ظهور الخاص لا يوجب ظهور
إضمار العام.
وبما سمعت يظهر الحال في توثيق شيخنا المفيد في الإرشاد (2) وقد تقدم
بعض الكلام في بداءة الرسالة.
الرابع عشر
[في توثيق غير الإمامي للإمامي]
أنه كثيرا ما يقع " ثقة " في كلام غير الإمامي توثيقا للإمامي أو غيره، فهل
التوثيق المزبور معتبر، أو لا؟
ومن توثيق غير الإمامي للإمامي: توثيق علي بن الحسن بن فضال لمحمد بن

1. الفقيه 3: 24، ح 65، باب العدالة؛ وسائل الشيعة 18: 288 كتاب الشهادات، ب 41، ح 1.
2. الإرشاد: 270 - 271.
142

إسماعيل بن بزيع (1) ومسمع (2)، وتوثيق الحسن بن علي بن فضال (3) لداود بن فرقد (4)،
وإسماعيل بن فضل (5)، وعجلان (6)، (7) ومروك (8) بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة (9)،
وجميل (10) بن دراج (11).
وكذا توثيق ابن نمير لخالد بن عبد الرحمن (12)، وحميد بن حماد،
وحرث (13) بن غصيني (14) (15).

1. رجال النجاشي: 330 / 893.
2. رجال الكشي 2: 598 / 560.
3. قوله: " الحسن بن علي بن فضال " هذا مبني على حمل علي بن الحسن عن السؤال علي بن فضال،
وقد تقدم شرح الحال (منه عفي عنه).
4. انظر خلاصة الأقوال: 68 / 2.
5. رجال الكشي 2: 482 / 393.
6. رجال الكشي 2: 685 / 722.
7. قوله: " وعجلان " بفتح العين المهملة وسكون الجيم (منه عفي عنه).
8. قوله: " ومروك " بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الواو والكاف (منه عفي عنه).
9. رجال الكشي 2: 835، ح 1063.
10. رجال النجاشي: 126 / 328.
11. قوله: " وجميل بن دراج " بضم الدال المهملة وتشديد الراء المهملة أيضا كما ذكره في التوضيح،
وذكره الوالد الماجد في بعض فوائده، وهو المحكي عن الفاضل الخليل في شرح الكافي في باب الستر
منه، وهو المناسب مع المنقول عنه أو الظاهر أن المنقول عنه أو الظاهر هو الظاهر. قال في القاموس:
ودراج ك‍ " شداد ": النمام، والقنفذ، وموضع، ك‍ " رمان ": طائر. لكن في الإيضاح في ترجمة أيوب بن
نوح الضبط بفتح الدال (منه عفي عنه).
12. نقله العلامة في خلاصة الأقوال: 66 / 11.
13. خلاصة الأقوال: 59 / 3.
14. قوله: " غصيني " بضم الغين المعجمة وفتح الصاد المهملة. (منه عفي عنه).
15. نقله العلامة في خلاصة الأقوال: 55 / 13.
143

وكذا توثيق ابن عقدة للحسن والحسين بني علوان (1)، والحكم بن حكيم (2) بناء
على كون المقصود بأبي العباس في كلام النجاشي هو ابن عقدة لا ابن نوح،
ويأتي الكلام فيه.
وكذا توثيق ابن حجر لإسماعيل بن أبان (3) وحبيش (4)، وكذا توثيق الذهبي
لأنس بن عياض (5).
ومن توثيق غير الإمامي لغير الإمامي: توثيق ابن حجر لابن نمير (6) وابنه (7).
قال الفاضل الأسترآبادي في باب الكنى: " وإنما ذكرتهما لأن العلامة في
مواضع يروي عن ابن عقدة عنهما التوثيق وغيره فينبغي معرفتهما " (8).
وبالجملة، فمقتضى طائفة من الكلمات عدم اعتبار توثيق غير الإمامي، كما
عن الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة عند الكلام في إبراهيم بن عمر من أن " ابن
عقدة زيدي المذهب لا يعتمد على توثيقه " (9) وما ذكره صاحب التوضيح (10) في
حاشية التوضيح عند الكلام في حميد بن حماد من أنه " روى ابن عقدة أنه ثقة "

1. نقله العلامة في خلاصة الأقوال: 216 / 6.
2. رجال النجاشي: 137 / 353؛ خلاصة الأقوال: 60 / 2.
3. تقريب التهذيب 1: 89 / 411.
4. تقريب التهذيب 1: 187 / 1120. وانظر منتهى المقال 2: 332 / 671.
5. تذكرة الحفاظ 1: 323.
6. تقريب التهذيب 1: 542 / 3679. واسمه " عبد الله بن نمير ".
7. تقريب التهذيب 2: 100 / 6073. واسمه " محمد بن عبد الله بن نمير ".
8. منهج المقال: 398.
9. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 7.
10. نقله عن ابن عقدة في خلاصة الأقوال: 59 / 3 ولعل المراد من التوضيح هو كتاب توضيح المقال،
وهو الرجال الصغير للميرزا محمد الأسترآبادي، كما ذكر في كشف الحجب، والوسيط يسمى تلخيص
المقال، والكبير يسمى منهج المقال. انظر الذريعة 4: 498.
144

وهو لا يقتضي التوثيق كما لا يخفى.
وربما يظهر من العلامة في المختلف في بحث مس خط المصحف - على ما
عن شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة - القول بالاعتبار (1)، وهو مقتضى ما عن
شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة القول بالاعتبار، وهو مقتضى ما عن شيخنا
البهائي في حاشية المشرق في باب حكم بن حكيم من:
أن ابن عقدة وإن كان زيديا إلا أنه ثقة مأمون، وتعديل غير الإمامي إذا
كان ثقة لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد، فإن الفضل ما شهدت
به الأعداء. نعم، جرح غير الإمامي لا عبرة به وإن كان الجارح ثقة (2).
لكن ربما يظهر منه بملاحظة التعليل " بأن الفضل ما شهدت به الأعداء " عدم
اختصاص الاعتبار بما لو كان التوثيق للإمامي.
أقول: إنه يتأتى الكلام في المقام تارة من جهة الناقل، وأخرى من جهة
المنقول.
أما الأول: فالحق عدم ممانعة سوء المذهب عن قبول التوثيق بعد إفادة الظن؛
لكفاية الظن في توثيقات أرباب الرجال وكفاية الظن بالعدالة، بل بناء على اعتبار
خبر الموثق على القول بالظنون الخاصة أو اعتبار حجية مطلق الظن، إلا أن يقال:
إن الخبر في المقام يتعلق بالموضوع؛ لكون الوثاقة من باب الموضوع ولو بناء
على كونها بمعنى العدالة وكون العدالة من باب الحكم الوضعي، كما احتملناه في
الأصول لكون الحكم الوضعي من حيث الوجود كتطرق النجاسة من باب
الموضوع كما هو الحال في الحكم التكليفي من حيث الوجود، لكن الأظهر أن
الحكم من حيث الوجود تكليفيا كان أو وضعيا في حكم الموضوع لا من جنس
الموضوع.

1. مختلف الشيعة 1: 139.
2. مشرق الشمسين: 68.
145

لكن نقول: إن الإخبار في الأخبار الشرعية يتعلق بالموضوع أيضا؛ لتعلق
الأخبار بالإخبار عن المعصوم بلا واسطة أو مع الواسطة أو بنفس تلفظ المعصوم،
والإخبار المشار إليه حجة، غاية الأمر إفادة الإخبار في باب الأخبار المشار إليها
للحكم دون غيرها، وهو لا يوجب الفرق.
وأما الثاني فنقول: إنه إن كان الموثق من غير العامة كما لو كان زيديا أو
واقفيا، فلا جدوى في توثيقه في صحة الخبر أو العمل به بناء على اعتبار العدالة؛
لعدم ثبوت حال العدالة عنده، بناء على اطراد الاصطلاح في كلمات غير الإماميين
من أرباب الرجال كما هو الأظهر كما مر.
وأما لو كان الموثق من العامة فقد تقدم أن اصطلاحهم في العدالة متحد
مع اصطلاح الخاصة فيها، إلا أن الاختلاف في المذهب في خصوصيات العدالة
لا يمانع عن قبول التوثيق، إلا أنه يطرد في توثيقات غير الإمامي.
هذا كله على تقدير اطراد الاصطلاح في " ثقة " في كلمات غير الإماميين من
أهل الرجال، وأما على تقدير عدم اطراد الاصطلاح فعلى القول بعدم انفكاك
الاعتماد اللغوي عن العدالة أو ظهوره فيها يتأتى الاستناد إلى توثيق غير الإمامي،
سواء كان من العامة أو من غيرهم. وأما لو قيل بالانفكاك، فغاية الأمر المدح،
ويبتنى قبوله على كفاية الظن في الرجال.
هذا كله لو كان التوثيق في الكلمات، وإلا فلو كان في جواب السؤال من
الرواة، فلا مجال للقول باطراد الاصطلاح في محاوراتهم، وتتأتى الدلالة على
العدالة بناء على استلزام الاعتماد للعدالة أو ظهوره فيها، وإلا فالمرجع إلى المدح،
ويبتنى قبوله على كفاية الظن في الرجال كما سمعت.
هذا كله في توثيق غير الإمامي للإمامي.
146

[توثيق غير الإمامي لغير الإمامي]
وأما توثيق غير الإمامي لغير الإمامي فلا إشكال في كفايته على القول بحجية
خبر الموثق بناء على كون المدار في الموثق على مجرد ذكر التوثيق؛ قضية عدم
تطرق العدالة مع سوء المذهب. وأما بناء على كون المدار في الموثق على العدالة
بناء على تطرق العدالة مع سوء المذهب، فكما يكفي توثيق الإمامي للإمامي فكذا
يكفي توثيق غير الإمامي لغير الإمامي، ولا إشكال في كفايته. وأما على القول بعدم
حجية خبر الموثق فلا حاجة إلى الكلام في المقام.
الخامس عشر
[تردد التوثيق بين عوده إلى صاحب الترجمة أو إلى غيره]
أنه ربما ذكر التوثيق في الترجمة، لكن يتردد التوثيق بين عوده إلى صاحب
الترجمة المذكورة بالأصالة، وعوده إلى غيره المذكور بالتبع.
ومن هذا الباب قول النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن نعمان الأعلم:
" ثقة له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد " (1) حيث إن قوله: " ثقة " يحتمل
عوده إلى حسن، ويحتمل عوده إلى أبيه.
وقد جرى الفاضل الأسترآبادي على العود إلى حسن (2)؛ نظرا إلى سوق
العبارة؛ لأن الكلام في حسن، لا أبيه.
وجنح إليه المحدث الجزائري في شرح التهذيب قال: كما يعلم من تتبع كتاب
النجاشي وذلك أنه وثق الأب في الابن في بابه ومن عادته أنه إذا وثق الأب من
الابن يكون التوثيق راجعا إلى الابن.

1. رجال النجاشي: 40 / 81.
2. منهج المقال: 105.
147

وعن الفاضل العناية القول به نظرا إلى أن النجاشي لا يذكر التوثيق لرجل
مرتين، سواء ذكر فيه بالأصالة أو بالتبع، كما في محمد بن عطية الموثق في أخيه
حسن لا في ترجمته (1)، وأن التأسيس خير من التأكيد، ولا سيما في كلام النجاشي،
فإنه في نهاية الوجازة والبلاغة كما لا يخفى على المتتبع، وأن المقصود بالذكر هو
حسن؛ فمقتضاه عود التوثيق إليه.
وهو مقتضى ما عن شيخنا البهائي في مشرق الشمسين (2)، وصاحب المعالم في
المنتقى من تصحيح حديث الحسن.
وجنح السيد السند التفرشي (3) والسيد السند النجفي في المصابيح إلى العود
إلى علي، نظرا إلى أن ما ذكره النجاشي في ترجمة علي بن النعمان - حيث قال:
" علي بن النعمان الأعلم، وأخوه داوود أعلى منه، وابنه الحسن بن علي وابنه
أحمد رويا الحديث، وكان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا، له كتاب " (4) - قرينة على
العود إلى علي.
وحكى الفاضل الأسترآبادي في الوسيط (5) عن العلامة في المنتهى والمختلف:
عد حديث الحسن من الحسن اقتصارا على القدر المتيقن.
والظاهر أن الغرض أن العلامة في الكتابين جرى على اشتباه الحال، ولهذا
جرى على حسن حديث الحسن؛ لكونه هو القدر المتيقن بملاحظة قوله: " له
كتاب نوادر صحيح ". وحكى عن بعض التوقف.
وكذا قول الشيخ في الرجال (6)، والعلامة في الخلاصة في ترجمة محمد بن

1. مجمع الرجال 2: 120.
2. مشرق الشمسين: 97.
3. نقد الرجال 2: 50 / 1336.
4. رجال النجاشي: 274 / 719.
5. الوسيط للأسترآبادي (مخطوط).
6. رجال الشيخ: 289 / 146.
148

سالم بن شريح: " ويقال له: سالم الحذاء، وسالم الأشجع، وسالم بن أبي واصل،
وسالم بن شريح بالشين المعجمة وهو ثقة " (1).
وربما جرى العلامة على عود التوثيق في كلام الشيخ إلى محمد، قضية ذكره
في القسم الأول، لكن قد احتمل المحقق الشيخ محمد العود إلى سالم، قال: " بل
ربما يدعى مساواته لاحتمال العود إلى محمد، بل ربما يظهر العود إلى سالم ".
هذا، وقد ذكر السيد السند الماجد في بعض حواشي الحبل المتين: أن
الحسين بن الحسن بن أبان ذكره الشيخ في ترجمة محمد بن أورمة، فقال: يروي
عنه الحسين بن الحسن بن أبان وهو ثقة (2). واحتمال عود الضمير إلى محمد بعيد
جدا، وتوثيق الرجل في غير بابه كثير في كلامهم.
أقول: إن العبارة المذكورة عبارة الشيخ في الرجال ما نقل، وإلا فعبارة
الفهرست (3) خالية عن العبارة المذكورة رأسا، وليس فيما نقل عن الرجال قوله:
" وهو ثقة ".
نعم، قال ابن داوود في ترجمة محمد بن أورمة: " لم [جخ] ضعيف روى عنه
الحسين بن الحسن بن أبان وهو ثقة ". لكن على هذا يتعين عود التوثيق إلى
الحسن؛ لفرض تضعيف محمد.
لكن الظاهر أن نسخة السيد المشار إليه من ابن داوود، وليس بشيء.
وأورمة بإسكان الواو بين الهمزة والراء المضمومتين قبل الميم، على ما ذكره
السيد الداماد، وحكى عن العلامة في الخلاصة أنه قد تقدم الراء على الواو، فتوهم
من ذلك غير المتمهر أن محمد بن أرومة بتقديم الراء، وهو خبط فظيع (4).
ومقصوده بغير المتمهر هو الفاضل الأسترآبادي؛ حيث إنه قد طرح الاتحاد

1. خلاصة الأقوال: 138 / 7.
2. رجال الشيخ: 392 / 75؛ و 512 / 112.
3. انظر الفهرست: 143 / 619.
4. الرواشح السماوية: 108، الراشحة الرابعة والثلاثون.
149

بين محمد بن أورمة ومحمد بن أرومة (1).
فالمرجع إلى ثبوت اسمين لشخص واحد، كما أن المرجع فيما ذكره السيد
الداماد إلى ثبوت اسمين لشخصين، ومستند السيد الداماد على التعدد بقدر العنوان
في كلام الشيخ في الرجال حيث إنه قد عنون محمد بن أورمة في باب " من لم
يرو " (2)، وذكره في الفهرست وقال: " له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد " (3) وعنون
محمد بن أرومة في باب أصحاب الرضا (4) (عليه السلام). لكن تعدد العنوان على الوجه
المذكور بل مطلقا مع الاتحاد غير عزيز في رجال الشيخ.
وتفصيل الحال فيه موكول إلى الرسالة المعمولة في حال النجاشي وغيرها.
وربما حكى السيد الداماد أن المذكور في أصحاب الرضا (عليه السلام) على ما كان
يحضره من نسخ كتاب الرجال " محمد بن اروية " لا أورمة، ولا أرومة (5).
ومن قبيل ذلك قول النجاشي والعلامة في الخلاصة في ترجمة محمد بن
عبد الحميد بن سالم: " روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة " (6).
وقد بنى الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة على عود التوثيق إلى عبد الحميد (7).
وعنه في بعض تعليقات رجال ابن داوود ما يستفاد منه عود التوثيق إلى محمد (8)،
وعليه جرى المدقق الشيرواني في فروعه.
وحكم سبطه بأن عود التوثيق إلى عبد الحميد لا يخلو عن بعد؛ لأن العنوان

1. منهج المقال: 284.
2. رجال الشيخ: 512 / 112.
3. الفهرست: 143 / 620.
4. رجال الشيخ: 392 / 75.
5. الرواشح السماوية: 108، الراشحة الرابعة والثلاثون.
6. رجال النجاشي: 339 / 906؛ خلاصة الأقوال: 154 / 84.
7. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 73. قال: " هذه عبارة النجاشي، وظاهرها أن الموثق
الأب لا الابن ".
8. انظر رجال ابن داوود: 177 / 1439، و 177 / 1441.
150

لمحمد، وذكر الأب لعارض، فمن المستبعد توثيق الأب، قال: " إلا أن الأمر لا
يخلو عن اشتباه " (1).
قوله: " فمن المستبعد توثيق الأب " قال السيد السند النجفي - كما يأتي:
" وهو غريب من مثله، فإن مثل ذلك كثير في كلام النجاشي، كما يظهر بأدنى إلمام
بكتابه " (2).
وعن شيخنا البهائي في حاشية الخلاصة: الحكم بالإجمال؛ تعليلا بأن اسم
" كان " يمكن عوده إلى كل من الأب والابن.
وحكم المولى التقي المجلسي بأن العبارة محتملة لتوثيق الأب والابن قال:
" وإن كان في الابن أظهر " (3).
وكذا قول النجاشي: " محمد بن إسماعيل بن بزيع، أبو جعفر مولى المنصور
أبي جعفر، وولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع، كان من صالحي هذه الطائفة
وثقاتهم كثير العمل، له كتب " (4) وعن بعض النسخ الواو قبل " كان ".
فمقتضى ما عن ابن داوود من ذكر ذيل العبارة - أعني قوله: " كان " إلى آخره (5) -
في شأن محمد بن إسماعيل بن بزيع: رجوع الضمير في " كان " إلى محمد بن
إسماعيل، وعود التوثيق إليه.
وجرى على ذلك شيخنا البهائي أيضا في مشرقه حاكيا عن حواشيه على
الخلاصة، وكذا العلامة البهبهاني (6).

1. انظر منتهى المقال 6: 87 / 2691.
2. رجال السيد بحر العلوم 3: 288.
3. روضة المتقين 14: 377.
4. رجال النجاشي: 330 / 893.
5. رجال ابن داوود: 165 / 1314.
6. تعليقة البهبهاني على خلاصة الأقوال: 126.
151

ومقتضى ما صنعه العلامة حيث ذكر قوله: " كان " إلى آخره، في شأن حمزة (1)
هو رجوع الضمير إلى حمزة وعدد التوثيق إليه. وعده في فواتح المنتقى مما وقع
للمتأخرين من الأوهام في باب التزكية من جهة قلة التأمل وخفة المراجعة؛
اعتمادا في التأليف على طريقة الإكثار، مع مباينته في الغالب لتدقيق النظر وتحرير
الاعتبار (2).
وحكم الفاضل الأسترآبادي بكونه اشتباها (3).
وظاهر المحقق القمي في القوانين في بحث تعارض الجرح والتعديل - بل
جماعة من المحققين على ما نقله: كون الرجوع إلى حمزة من باب التوهم (4).
وظاهر السيد السند التفرشي التوقف (5).
وكذا قول الشيخ في الرجال في ترجمة حماد بن ضمخة (6): " وروى عنه
وهيب بن حفص، وكان ثقة " (7).
وقد احتمل الفاضل الأسترآبادي رجوع التوثيق إلى وهيب (8).
والظاهر أن أرباب العود إلى المذكور بالتبع لا ينكرون عود ما تأخر عن
التوثيق إلى صاحب الترجمة.
ونظير ذلك أنه قال النجاشي - على ما نقله الشيخ عبد النبي: " جعفر بن

1. خلاصة الأقوال: 54 / 5.
2. منتقى الجمان 1: 16.
3. منهج المقال: 283.
4. القوانين المحكمة: 475.
5. نقد الرجال 2: 163 / 1693.
6. قوله: " ضمخة " بالضاد المعجمة المفتوحة والخاء المعجمة بعد الميم كما عن خلاصة الأقوال،
وسكون الميم والحاء المهملة كما عن ابن داوود عن خط الشيخ. (منه عفي عنه).
7. رجال الشيخ: 174 / 149.
8. منهج المقال: 122.
152

يحيى بن العلاء أبو محمد الرازي ثقة وأبوه أيضا، روى أبوه عن أبي عبد الله (عليه السلام) " (1)
وقال في الخلاصة: " روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) " (2).
وذكر الفاضل الشيخ عبد النبي أنه يفهم من عبارة الخلاصة أن جعفرا روى
عن الصادق (عليه السلام) ولم أظفر به في رجال الصادق (عليه السلام) (3).
وقال المحقق الشيخ محمد: الذي رأيته في نسخة النجاشي هذه صورته:
جعفر بن يحيى بن العلاء أبو جعفر الرازي ثقة وأبوه أيضا، روى أبوه عن أبي
عبد الله، وفيها إبهام.
وأيضا قال النجاشي في ترجمة الحسن بن أبي قتادة: " وروى أبو قتادة عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) له كتاب نوادر " (4).
وتردد بعض في رجوع الضمير المجرور إلى حسن، ورجوعه إلى أبي
قتادة (5).
وأيضا قال النجاشي: " الحسن بن علي بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي ثقة
وأبوه روى عن الباقر والصادق، وهو يروي كتاب أبيه عنه (6).
وقد جرى العلامة وابن داوود - نقلا - على رجوع ضمير " روى " إلى الحسن (7)
بكون الغرض من قوله: " وأبوه " المشاركة في الوثاقة.
وجرى المولى التقي المجلسي الرجوع إلى الأب بكون قوله: " وأبوه " مبتدأ،

1. حاوي الأقوال 1: 247 / 133؛ رجال النجاشي: 126 / 327.
2. خلاصة الأقوال: 33 / 22.
3. حاوي الأقوال 1: 247 / 133.
4. رجال النجاشي: 37 / 74.
5. نقله عن البعض في منتهى المقال 2: 358 / 698.
6. رجال النجاشي: 49 / 106.
7. خلاصة الأقوال: 43 / 29؛ رجال ابن داود: 75 / 436، وانظر 135 / 1016.
153

وقوله: " روى " خبرا له (1).
وأيضا قال الشيخ في الفهرست في ترجمة محمد بن جعفر بن عون الأسدي:
" وكان أبوه وجها، روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى " (2).
وقيل: إن الضمير في " عنه " راجع إلى " أبوه "، لا إلى محمد.
وأيضا قال النجاشي: " جميل بن دراج، ودراج يكنى بأبي الصبيح، وأخوه
نوح بن دراج القاضي، كان أيضا من أصحابنا. وكان يخفي أمره، وكان أكبر من
نوح، وعمي في آخر عمره، ومات في أيام الرضا (عليه السلام) " (3).
وقد جرى العلامة في الخلاصة على كون الضمير في قوله: " مات " إلى " دراج "
حيث قال: " ومات دراج في زمان الرضا (عليه السلام) " (4)
اللهم إلا أن يكون " جميل " سقط سهوا، كما ربما احتمل (5).
وقد استظهر المحقق الشيخ محمد عوده إلى جميل، وجنح إليه بعض آخر،
واحتمل العود إلى نوح، وجعل احتمال العود إلى دراج غير واضح.
لكنك خبير بظهور فساد العود إلى " دراج " لتخلل قوله: " وكان أكبر من نوح "
للزوم عوده إلى " جميل " لكون نوح ابن دراج، ولا مجال لإظهار أكبرية دراج من
نوح؛ للزوم أكبرية الولد من الوالد، والظاهر رجوع الضمير في قوله: " عمي "
وقوله: " مات " إلى ما يرجع إليه الضمير في " كان ".
وأيضا قال النجاشي في ترجمة سعد بن عبد الله: " وكان أبوه عبد الله بن أبي
خلف قليل الحديث، روى عن الحكم بن مسكين، وروى عنه أحمد بن

1. روضة المتقين 14: 353.
2. الفهرست 151 / 656؛ وانظر رجال النجاشي: 373 / 1020.
3. رجال النجاشي: 126 / 328.
4. خلاصة الأقوال: 34 / 1.
5. انظر منتهى المقال 2: 290 / 614.
154

محمد بن عيسى، وصنف سعد كتبا كثيرة " (1). حيث إنه يحتمل رجوع الضمير
المرفوع في " روى " ورجوع الضمير المجرور في " روى عنه " إلى سعد وأبيه.
ويؤيد الثاني قوله: " صنف سعد " للزوم الإظهار بعد الإضمار بناء على الأول.
بل رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن سعد لا يناسبها الطبقة؛ لرواية الكليني
عن سعد بلا واسطة، وعن أحمد بن محمد بن عيسى مع الواسطة، ورواية
أحمد بن محمد بن عيسى عن سعد كما يظهر بملاحظة الأسانيد، وكذا ملاحظة
ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى في كلام النجاشي (2).
وأيضا قال النجاشي في ترجمة سهيل بن زياد الواسطي: " أمه بنت محمد بن
نعمان بن جعفر الأحول مؤمن الطاق، شيخنا المتكلم " (3).
وقد جرى العلامة في الخلاصة على عود " شيخنا المتكلم " إلى سهيل (4)، بل
عليه جرى العلامة البهباني (5). وجرى المحقق الشيخ محمد على عوده إلى مؤمن
الطاق؛ فالشيخ المتكلم هو محمد بن النعمان، وهو مقتضى ما صنعه ابن داوود،
وكذا الشيخ عبد النبي حيث جعلا سهيل من الضعفاء (6)؛ إذ في قوله: " شيخنا
المتكلم " مدح بليغ. إلا أن يقال: إن المدح بمثل ذلك لا يوجب اعتبار الشخص،
ولا يوجب حسن الحديث؛ لعدم إفادته الظن بالصدق.
ويرشد إليه أن العلامة أرجعه إلى سهيل، ومع هذا ذكره في عداد الضعفاء (7).

1. رجال النجاشي: 177 / 467.
2. رجال النجاشي: 81 / 189.
3. رجال النجاشي: 192 / 513؛ وانظر منتهى المقال 3: 431 / 1410.
4. خلاصة الأقوال: 229 / 3.
5. تعليقة الوحيد البهبهاني: 178.
6. رجال ابن داوود: 249 / 230؛ حاوي الأقوال 4: 505 / 1625.
7. خلاصة الأقوال: 229 / 3.
155

لكنك خبير بأن المدح الغير المفيد للظن بالصدور يوجب حسن الحديث
وإن لم يوجب اعتباره.
هذا، وابن جعفر الأحول كما فيه سمعت من عبارة النجاشي إنما هو في
بعض نسخ كتاب النجاشي ونقله الفاضل الأسترآبادي والسيد السند التفرشي (1) عن
النجاشي، لكن الظاهر أنه غلط، والصواب ابن أبي جعفر؛ لأن النجاشي وكذا
الشيخ في الفهرست - كما عن الرجال - في ترجمة محمد بن النعمان جعلاه هو
أبا جعفر الأحول (2). وربما ضرب في بعض نسخ النجاشي على الابن وكتب " أبو "
وهو غلط أيضا؛ لأنه يقتضي كون سهيل هو أبا جعفر الأحول، ويظهر فساده بما
سمعت.
وأيضا قال النجاشي في ترجمة جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن
قولويه: " وكان أبوه يلقب مسلمة من خيار أصحاب سعد " (3).
وقد جرى السيد السند التفرشي على عود قوله: " من خيار أصحاب سعد "
إلى محمد؛ حيث إنه في ترجمة محمد بن جعفر حكى عن النجاشي: أنه ذكر
كونه من خيار أصحاب سعد، ثم حكى وثاقة أكثر أصحاب سعد فقال: " وكان قول
النجاشي: من خيار أصحاب سعد، يدل على توثيقه " (4).
وأيضا قال النجاشي في ترجمة علي بن أبي حمزة: " وله أخ يسمى جعفر بن
أبي حمزة، روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثم وقف " (5).
وقد جرى بعض على رجوع الرواية عن أبي الحسن إلى جعفر بن
أبي حمزة، نظير عود التوثيق في أصل العنوان المبحوث عنه في المقام

1. منهج المقال: 177؛ نقد الرجال 2 / 386 / 2495.
2. الفهرست: 80 / 341.
3. رجال النجاشي: 123 / 318.
4. نقد الرجال 4: 305 / 5017.
5. رجال النجاشي: 249 / 656.
156

إلى المذكور، وعود الكلام المتأخر عن التوثيق إلى صاحب الترجمة.
وقد سمعت أن الظاهر أن أحدا من أرباب عود التوثيق إلى المذكور بالتبع
لا ينكر عود الكلام المتأخر عن التوثيق إلى صاحب الترجمة؛ وكذلك أورد
البعض المذكور بخروج الوقف عن المصطلح؛ لكونه مصطلحا في الوقف على
الكاظم (عليه السلام) (1). وجرى بعض آخر على عود الرواية عن أبي الحسن (عليه السلام) إلى علي بن
أبي حمزة، كالرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام)، واستراح عن المحذور المذكور.
وأيضا قال النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل:
" وجده عمر بن يزيد بياع السابري روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) " (2).
قيل: قوله: " روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) " يقتضي أن ضمير " روى "
يعود إلى " أحمد " ويحتمل عوده إلى " عمر بن يزيد ".
وأيضا قال النجاشي في ترجمة سليمان بن داوود المنقري: " أنه روى عنه
جماعة من أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمد (عليهما السلام) " (3).
وقد حكم بعض الأعلام برجوع قوله: " من أصحاب جعفر بن محمد (عليهما السلام) " إلى
قوله: " جماعة من أصحابنا ".
والأظهر رجوعه إلى " سليمان " بكونه خبرا بعد خبر؛ لأن شرح الحال موكول
إلى ما حررناه في الرسالة المعمولة في سليمان بن داوود المنقري، وحفص بن
غياث، والقاسم بن محمد.
وأيضا قال الكشي في ترجمة علي بن الحكم: " حمدويه عن محمد بن
عيسى: أن علي بن الحكم هو ابن أخت داوود بن النعمان بياع الأنماط، وهو

1. في " د " زيادة: " واستراح عن المحذور المذكور بخروج الوقف عن المصطلح؛ لكونه مصطلحا في
الوقف على الكاظم (عليه السلام) ".
2. رجال النجاشي: 83 / 200.
3. رجال النجاشي: 184 / 488.
157

نسيب بني الزبير الصيارفة " (1).
قيل: - وغير بعيد - أن يكون الضمير في " وهو " عائد إلى داوود بن النعمان (2).
وأيضا قال السيد السند التفرشي في ترجمة محمد بن علي ماجيلويه:
" وذكره محمد بن علي بن بابويه في مشيخته كثيرا وقال: (رضي الله عنه) (3)، وروى عن
محمد بن يحيى بن العطار (4)، وعلي بن إبراهيم بن هاشم (5)، وغيرهما (6). (7)
قيل: الضمير - يعني الضمير في " روى " - راجع إلى صاحب العنوان وإن
احتمل عوده إلى محمد بن علي بن بابويه.
ومزيد الكلام موكول إلى ما حررناه في الرسالة المعمولة في رواية الكليني
عن علي بن محمد.
وأيضا قد روى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى قال: " أخبرني يونس أن
أبا الحسن ضمن لي الجنة " (8).
فمقتضى ذكر الحديث من الكشي في ترجمة يونس كون المضمون له هو
يونس، بكون ياء المتكلم عبارة عن محمد بن عيسى.
وأيضا في أواخر روضة الكافي: " محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن علي بن النعمان، عن القاسم شريك المفضل، وكان رجل صدق " (9).

1. رجال الكشي 2: 570 / 1079.
2. التحرير الطاووسي: 370 / 259؛ وانظر منتهى المقال 4: 403 / 2006.
3. الفقيه 4: 6 و 18 و 70 و 120 و....
4. كما في الفقيه 4: 22.
5. كما في الفقيه 4: 18.
6. مثل عمه محمد بن أبي القاسم؛ الفقيه 4: 6.
7. نقد الرجال 4: 280 / 4938.
8. رجال الكشي 2: 779 / 911.
9. الكافي 8: 374، ح 562.
158

وقد جرى غير واحد على رجوع " كان " إلى القاسم، واحتمل بعض رجوعه
إلى المفضل.
أقول: إن المقام مقام بيان حال صاحب الترجمة، فمقتضى المقام عود
التوثيق إلى صاحب الترجمة، فلابد من البناء عليه؛ قضية ظهور اللفظ. فكما أن
أصل الدلالة في العموم والإطلاق والمفهوم مبني على مقام البيان على التحقيق،
فكذا يبنى في المدلول على ما يقتضيه مقام البيان؛ لظهور اللفظ فيما يقتضيه مقام
البيان، وهو المتبع وعليه المعول.
بل نقول: إنه إذا ذكر في الكلام ما هو مقصود بالذات، وعقب ببعض التوابع
والمتعلقات المقصودة بالعرض كالمضاف إليه مثلا، ثم ذكر ما لابد أن يرجع إلى
مرجع كضمير أو حرف جر أو قيد آخر، فالظاهر رجوعه إلى ما هو المقصود
بالذات. وهذه قاعدة مطردة، مثلا: في " غلام زيد من العلماء جاءني " يكون
الظاهر أن المراد توصيف المضاف بالعلم لا المضاف إليه.
ومن هذا أن الظاهر في " محمد بن علي الثاني " في دعاء أيام رجب (1) كون
" الثاني " صفة لمحمد في قبال محمد بن علي الأول مولانا الباقر (عليه السلام)، لا صفة لعلي،
مع قطع النظر عن عدم صحة كونه صفة لعلي؛ إذ على المضاف إليه هو علي بن
موسى، وهو علي الثالث؛ لسبق علي بن أبي طالب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلي
ابن الحسين مولانا السيد السجاد.
وإن أمكن تصحيح توصيف المضاف إليه بكون الغرض الثاني من أولاد أمير
المؤمنين (عليه السلام)، فالأمر في المقام المذكور من باب قيام قرينة الحال والمقام على
الرجوع إلى المقصود بالأصالة، فلابد أن يبنى عليه.
ومن باب القاعدة المذكورة أنه قد يدعى الإجماع بعد المستثنى منه

1. مصباح المتهجد: 805.
159

والمستثنى، كما يقال: " لا عدة على من لم يدخل بها، عدا المتوفى عنها زوجها
إجماعا ". والظاهر عود دعوى الإجماع إلى المستثنى منه.
وأيضا قد روى في التهذيب بالإسناد عن إسماعيل بن جابر قال:
دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله
وهو ميت، قلت: جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما
يموت، ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال: " أما بحرارته فلا بأس، إنما ذاك
إذا برد " (1).
قال الفاضل الخواجوئي في بعض فوائده: " الأكبر صفة للابن لا لإسماعيل،
فلا يتوهم أنه كان له ابنان مسميان بإسماعيل الأكبر والأصغر ".
وأيضا قد روى المحدث الحرفي طهارة الوسائل - في باب ما يستحب من
الأغسال في شهر رمضان - عن ابن طاووس في الإقبال عن كتاب الأغسال
لأحمد بن محمد عباس الجوهري عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحمد الله وأثنى عليه،
إلى أن قال: " حتى إذا كان أول ليلة من العشر من شهر رمضان قام وشمر
وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيى الليل كله، وكان يغتسل كل
ليلة منه بين العشاءين " (2).
ونقل السيد السند النجفي في المصابيح عن المحدث المذكور في حاشية
الوسائل: أن الظاهر عود الضمير في قوله (عليه السلام): " في كل ليلة منه " إلى الشهر، فإنه
أقرب؛ لوجوه، ويحتمل عوده إلى العشر. قال السيد السند المذكور: ولعل تلك
الوجوه تذكير الضمير، وقرب المرجع، وتغيير الأسلوب عن الماضي

1. التهذيب 1: 429، ح 1366 باب تلقين الميت؛ وسائل الشيعة 3: 290، أبواب غسل المس، ب 1، ح 2.
2. الإقبال: 21 بتفاوت، وفيه: " بن محمد بن عياش "؛ وسائل الشيعة 2: 953، أبواب الأغسال
المسنونة، ب 14، ح 6.
160

إلى المضارع، وقوله: " وكان يغتسل " إذ كان المناسب " واغتسل " لو كان الضمير
راجعا إلى العشر.
والأظهر الرجوع إلى العشر. وعليه جرى السيد السند المذكور؛ تعليلا
بأنه المحدث عنه في آخر الحديث. قال: وتذكير الضمير هين، لكن تعليله
يحتاج إلى تحريره بما يظهر مما مر، وأما المساهلة في الضمير فإنما هي مبتنية
على توهم كون حال الضمير في باب العدد من الثلاثة إلى العشرة حال التميز،
لكنه ليس الأمر كذلك، بل الضمير يذكر في الرجوع إلى المذكر، ويؤنث في
الرجوع إلى المؤنث. ويظهر الحال بالرجوع إلى التصريح؛ إذ فيه: ثلاثة من الشجر
غرستها وخمسة من التمر أكلتها، بل عدم ذكر حال الضمير في باب العدد من باب
الحوالة على القانون المعهود.
والظاهر أن نظر العلامة المجلسي فيما ذكره في زاد المعاد من ورود رواية
باستحباب الغسل في كل ليلة من شهر رمضان (1) إلى ما رواه في الوسائل (2) وما ذكره
في الحاشية، وإلا فقد روى تلك الرواية في طهارة البحار في باب الأغسال
وأحكامها (3) وهي خالية عن قوله: " من شهر رمضان بعد العشر ".
ونفى السيد السند النجفي الاطلاع على استحباب الغسل في جميع ليالي
شهر رمضان في شيء من كتب الأخبار.
ويرشد إلى كون الضمير في تلك الرواية راجعا إلى العشر: ما رواه
المحدث المذكور عن ابن طاووس بالإسناد عن بعض الأصحاب عن
الصادق (عليه السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في

1. زاد المعاد: 98.
2. وسائل الشيعة 2: 953، أبواب الأغسال المسنونة، ب 14، ح 6؛ الإقبال: 21.
3. البحار 78: 18، ح 24.
161

كل ليلة " (1). بناء على كون المقصود بالعشر في الرواية المتقدمة هو العشر الأواخر،
كما هو الظاهر، بل بلا إشكال فيه؛ بل اختصاص العشر الأواخر بالاهتمام
لاختصاصه بالاعتكاف، وكذا اختصاصه بطي الفراش كما في بعض الأخبار (2)
مظهر عن اختصاصه بالغسل. إلا أن يقال: إنه يرجع الأمر إلى القياس.
[كلام في شهر رمضان]
هذا، ولما ذكر في المقام " شهر رمضان " فقد أعجبني ذكر كلامين بالمناسبة:
أحدهما: أن المنقول عن سيبويه وأكثر النحويين جواز إضافة لفظ " الشهر "
إلى أسماء الشهور بحذافيرها (3).
وعن الأزهري: أن العرب تذكر الشهور كلها بدون لفظ الشهر، إلا شهري
ربيع وشهر رمضان (4).
وعن بعض: أن العرب قد تستعمل " الشهر " مع ذي القعدة، وعن بعض: أنه
التزمت العرب لفظ " شهر " مع ربيع؛ لأن لفظ " ربيع " مشترك بين الشهر والفصل،
فالتزموا لفظ " شهر " مع اسم الشهر؛ للفرق بينهما.
وعن ثعلب: أنه خصت العرب شهر ربيع وشهر رمضان بذكر " شهر " معها
من دون غيرها من الشهور ليدل على موضع الاسم (5).
وأنت خبير بأن الوجه المذكور لا يقتضي اختصاص الشهر بربيعين ورمضان.
وعن الزمخشري: " أن مجموع المضاف والمضاف إليه في قولك: شهر

1. الإقبال: 195؛ البحار 78: 19، ح 25؛ وسائل الشيعة 1: 953، أبواب الأغسال المسنونة، ب 14،
ح 10.
2. انظر وسائل الشيعة 7: 397، كتاب الاعتكاف، ب 1.
3. كتاب سيبويه 1: 134.
4. نقله عنه في مجمع البحرين 4: 209 (رمض).
5. انظر تمهيد القواعد: 383.
162

رمضان، هو العلم " (1).
وعن التفتازاني في شرح الكشاف: أنهم أطبقوا على أن العلم في ثلاثة أشهر
هو مجموع المضاف والمضاف إليه، شهر رمضان وشهر ربيع الأول وشهر ربيع
الآخر، وفي البواقي لا يضاف إليه.
وعن ابن درستويه: أن الضابط في ذلك أن ما كان من أسماء الشهور اسما
للشهر أو صفة قامت مقام الاسم، هو الذي لا يجوز أن يضاف إليه الشهر ولا يذكر
معه، كالمحرم؛ إذ معناه الشهر المحرم، وكصفر؛ إذ هو معرفة وليس بصفة،
ورجب وهو كذلك، وشعبان وهو بمنزلة عطشان، وشوال وهو صفة جرت
مجرى الاسم وصارت معرفة، وذي القعدة وهو صفة قامت مقام الموصوف،
والمراد القعود عن التصرف كقولك: الرجل ذو الجلسة، فإذا حذفت الرجل قلت:
ذو الجلسة، وذو الحجة مثله. وأما الربيعان ورمضان فليست بأسماء للشهر ولا
صفات له، فلابد من إضافة لفظ " شهر " إليها. ويدل على ذلك إن رمضان " فعلان "
من الرمض، كقولك: شهر الغليان، وليس الغليان بأشهر، ولكن الشهر شهر
الغليان. وربيع اسم للغيث، وليس الغيث بالشهر.
وأنت خبير بأنه يمكن أن يكون الغيث اسما للشهر، كصفر ورجب، إلا أن
الأمر هنا على هذا التقدير يكون من باب الاشتراك، بخلاف صفر ورجب،
ويمكن أن يكون رمضان من باب الاسم أو الصفة الجارية مجرى الاسم نحو
شعبان؛ فليست الضابطة منتهضة.
وعن القائلين بكون العلم في شهر رمضان هو مجموع المضاف والمضاف
إليه (2) الاعتذار عما روي من أن " من صام رمضان " إلى آخره (3)، بكونه من باب

1. الكشاف 1: 226، ذيل الآية 185 من سورة البقرة.
2. كما هو مذهب الزمخشري في الكشاف 1: 226.
3. الكشاف 1: 227.
163

الحذف لجواز الحذف من (1) العلم (2).
الثاني: أنه قد روي من طريق الخاصة والعامة النهي عن التلفظ برمضان من
دون إضافة الشهر؛ تعليلا في بعض طرق الخاصة بأن رمضان من أسماء الله
سبحانه (3).
وعن الشهيد الأول في النكت ما هذا لفظه:
نهي عن التلفظ برمضان، بل يقال: شهر رمضان في أحاديث (4)، أجودها
ما أسنده بعض الأفاضل (5) إلى الكاظم عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): " لا تقولوا:
رمضان، فإنكم لا تدرون ما رمضان، من قاله فليتصدق وليصم كفارة
لقوله، ولكن قولوا كما قال الله عزوجل: (شهر رمضان) (6) " (7).
وعن الشهيدين في الدروس والتمهيد: أن النهي المذكور للتنزيه (8). وعلل
أولهما بأن الأخبار مملوءة من لفظ رمضان (9). وربما حكى في الدروس نقلا عن
بعض العامة أنه لم ينقل من أحد من العلماء أن رمضان من أسماء الله سبحانه.
وأيضا قد روى في الكافي بالإسناد عن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إن للجمعة حقا وحرمة، فإياك أن تضيع أو تقصر في شيء من عبادة الله
والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها، فإن الله يضاعف فيه

1. في " د ": " من الأعلام ".
2. الكتاب لابن درستويه: 90.
3. الكافي 4: 69، ح 1 و 2، باب في النهي عن قول رمضان؛ وسائل الشيعة 7: 231، أبواب أحكام شهر
رمضان، ب 19، ح 1 - 4.
4. انظر وسائل الشيعة 7: 231، أبواب أحكام شهر رمضان، ب 19، ح 1 - 4.
5. منهم السيد ابن طاووس في الإقبال: 3.
6. البقرة (2): 185.
7. غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 299.
8. الدروس الشرعية 1: 286؛ تمهيد القواعد: 383.
9. الدروس الشرعية 1: 286.
164

الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، قال: وذكر أن
يومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل، فإن ربك
ينزل في أول ليلة الجمعة إلى السماء الدنيا، فيضاعف فيه الحسنات،
ويمحو فيه السيئات، وإن الله واسع كريم (1).
قال في الوافي:
" يومه مثل ليلته " يعني هما متماثلان في الحق والحرمة، والأظهر أن
التقديم والتأخير وقعا سهوا من النساخ (2).
أقول: إنه لو تردد الأمر - بعد ذكر ما كان مقصودا بالأصالة ومشروحا بذكر
آثاره - بين كون ذلك مشبها به وكونه مشبها، فالأظهر الأول، فالظاهر أن العبارة في
الأصل " ليلته مثل يومه " والعكس إنما وقع من الرواة أو النساخ، مضافا إلى أن
شرح حال الليلة بعد ذلك في قوله (عليه السلام): " فإن ربك ينزل في أول ليلة الجمعة " إلى
آخره، يرشد إلى ذلك، فضلا عن تعاهد فضيلة ليلة الجمعة بحيث يعرفها عموم
الناس حتى النسوان والصبيان، خصوصا الفقراء؛ حيث إنهم يعتقدون في السؤال
حتى في يوم الخميس بليلة الجمعة، فهي التي تناسب لجعلها أصلا. وتشبيه اليوم
إليها قضاء لحق التشبيه؛ حيث إن المدار فيه على تعاهد وجه الشبه في المشبه به.
وبالجملة، قد تقوم القرينة على الرجوع إلى المقصود بالتبع، فالمدار على
القرينة.
ومن ذلك ما في زيارة الصديقة الطاهرة - روحي وروح العالمين لها
الفدا -: " يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، والسلام عليك يا بنت
محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (3) وما في دعاء عديلة: " بعد الرسول المختار، علي قامع

1. الكافي 3: 414، ح 6، باب فضل يوم الجمعة وليلته.
2. الوافي 8: 1082، ح 7775، أبواب فضل صلاة الجمعة.
3. البلد الأمين للكفعمي: 278.
165

الكفار " (1) فقد بان استنكار إنكار بعض وقوع توصيف المضاف إليه في كلام
العرب.
وكذا ما رواه في الكافي بالإسناد عن سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها، قال: " لا بأس " (2)
حيث إنه طرحه الأصحاب غير الشيخ في النهاية كما في الروضة (3). والطرح من
جهة عدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه، لكنه مبني على رجوع الضمير
إلى الأمة. وكذا الحال في العمل بذلك وهو الأظهر؛ إذ الظاهر في الأذهان اشتراط
إذن المالك في أمثال تمتع الأمة، والظاهر أنه كان السؤال عن تمتع الأمة بغير إذن
المرأة. وربما احتمل رجوع الضمير إلى الأمة، وليس بشيء.
ومع هذا نقول: إنه على تقدير عود التوثيق إلى المذكور بالتبع يلزم خلو
الترجمة عن التعرض لحال صاحب الترجمة من حيث الوثاقة وعدمها؛ لفرض
عدم ذكر شيء آخر يوجب تشريح الحال، وهو بعيد.
إلا أن يقال: إنه يمكن أن يكون صاحب الترجمة مجهول الحال، كما هو
الحال في المجاهيل؛ حيث إنه يعنون المجهول ويسكت عن حاله، أو يقال: إن
وضع كتاب النجاشي - كما يفصح عنه التفحص، ويدل عليه كلامه في أوله (4) - على
ذكر أصحاب الأصول والمصنفات، وبيان الطريق إلى كتبهم من دون التزام الجرح

1. في سفينة البحار 6: 177 - 178: الدعاء منقول عن فخر المحققين في آخر رسالته المسماة بارشاد
المسترشدين في حاشية مستدرك وسائل الشيعة 1: 93 (الطبعة الحجرية) وقال في ذيله: وأما دعاء
العديلة المعروفة فهو من مؤلفات بعض أهل العلم، ليس بمأثور ولا موجود في كتب حملة الأحاديث.
2. وجدناه في التهذيب 7: 257، ح 1114، باب تفصيل أحكام النكاح؛ والاستبصار 3: 219،
ح 795، باب أنه لا يجوز العقد على الإماء إلا بإذن مواليهن؛ ووسائل الشيعة 14: 463، أبواب
المتعة، ب 14، ح 2.
3. الروضة البهية 5: 143.
4. رجال النجاشي: 3.
166

والتعديل، فإن التراجم خالية عنهما في الأغلب.
[توثيق البعض في ترجمة الغير]
ومع هذا نقول: إنه على تقدير عود التوثيق إلى المذكور بالتبع يلزم توثيقه في
غير ترجمته لو كانت ترجمته ساكتة عن حاله، ويلزم تكرار التوثيق لو كانت ترجمته
ناطقة بتوثيقه، والتأسيس أولى من التأكيد، كما ذكره الفاضل العناية (1)، إلا أن هذا
الحديث مشهور، لكن المدار في باب الألفاظ على الظهور، ولا عبرة بغيره.
والظاهر أن المقصود منه الأولوية في باب المتصل وإن يتأتى القدح فيه
بظهور التكرار في التأكيد ولو أمكن التأسيس. نعم يمكن دعوى غلبة التأسيس في
باب المنفصل أيضا، لكن لا سكون ولا ركون إليه في أمثال المقام.
ومع هذا نقول: إنه قد ذكر الفاضل العناية أن النجاشي لم يذكر التوثيق لرجل
مرتين، سواء ذكره فيه بالأصالة أو بالتبع، كما في محمد بن عطية في ترجمة أخيه
الحسن (2).
لكن يمكن القدح فيه صدرا وذيلا:
أما الأول: فبأن دعوى عدم تكرار التوثيق في باب المذكور بالتبع من باب
المصادرة على المدعى.
وأما الثاني: فبأن ما ذكره من توثيق النجاشي محمد بن عطية في ترجمة
أخيه الحسن غير ثابت على وجه التسلم، كما هو ظاهر كلامه؛ إذ قال النجاشي
في ترجمة الحسن بن عطية: " ثقة، وأخواه أيضا محمد وعلي كلهم رووا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " (3).

1. مجمع الرجال 5: 262.
2. مجمع الرجال 2: 120.
3. رجال النجاشي: 46 / 93.
167

وهذه العبارة تحتمل وجهين:
أن يكون الغرض وثاقة الأخوين أيضا كالحسن، فيكون كلهم استئنافا.
ونظيره قوله في ترجمة بسطام بن الحصين: " كان وجها في أصحابنا وأبوه
وعمومته، وكان أوجههم إسماعيل " (1).
وأن يكون الغرض رواية الحسن وأخويه كلا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، فيكون
كلهم تأكيدا.
وقد بنى الشيخ عبد النبي على كون الغرض من قوله: " وأخواه " من العطف
والاستئناف من قوله: " رووا " (2). وتوقف الفاضل الأسترآبادي (3) والسيد السند
التفرشي (4).
فالبناء على توثيق محمد بن عطية على وجه التسلم - كما هو ظاهر كلامه -
كما ترى ولو على تقدير ظهور كون الغرض وثاقة الحسن وأخويه.
وأيضا ظاهر كلامه اختصاص الموثق في ترجمة الحسن بن محمد بن عطية،
مع أن التوثيق لو ثبت مشترك بينه وبين علي.
وأيضا ظاهر كلامه اختصاص الموثق في ترجمة الغير - في كلام النجاشي -
بمحمد بن عطية، مع أن النجاشي قد وثق جمعا كثيرا في ترجمة الغير؛ حيث إنه
وثق في ترجمة حسن بن عمرو بن منهال (5) أباه (6)، وفي ترجمة إسماعيل بن
عبد الخالق عمومته: الشهاب وعبد الرحيم ووهب وأباه عبد الخالق (7)، وفي ترجمة

1. رجال النجاشي 110 / 281.
2. حاوي الأقوال 1: 271 / 160.
3. منهج المقال: 101.
4. نقد الرجال 1: 273 / 695.
5. قوله: " منهال " بكسر الميم وسكون النون (منه عفي عنه).
6. رجال النجاشي 57 / 133.
7. رجال النجاشي: 27 / 50.
168

عمرو بن إلياس أخويه يعقوبا ورقيما (1)، في ترجمة إبراهيم بن أبي بكر أخاه
إسماعيل بن أبي السمال (2)، وفي ترجمة مندل (3) أخاه حيان بن علي (4)، وفي ترجمة
جعفر بن يحيى أباه (5)، وفي ترجمة حفص بن سوقة (6) أخويه زيادا ومحمدا (7)، وفي
ترجمة عبيد الله بن علي بن أبي شعبة أباه وأخوته وهم محمد وعمران وعبد الأعلى (8)،
وفي ترجمة حسن بن علي بن أبي المغيرة أباه (9)، وفي ترجمة عبد الله بن أبي
عبد الله أخاه الحسن (10)، وفي ترجمة إسحاق بن عمار بن أبي حيان إخوته، وهم
يونس ويوسف وقيس وإسماعيل (11)، وفي ترجمة الحسن بن أحمد بن محمد أباه
وجده (12)، وفي ترجمة بسطام بن سابور إخوته زكريا وزيادا وحفصا (13)، وفي
ترجمة إسماعيل بن همام أباه وجده (14)، وفي ترجمة عمر بن سالم أخاه حفصا (15).

1. رجال النجاشي: 289 / 773.
2. رجال النجاشي: 31 / 3.
3. قوله: " مندل " بفتح الميم وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها اللام كما في خلاصة الأقوال.
وفي حاشية التوضيح: نقل تثليث الميم عن قائل (منه عفي عنه).
4. رجال النجاشي: 422 / 1131.
5. رجال النجاشي: 126 /. 327؛ خلاصة الأقوال: 33 / 22.
6. قوله: " سوقة " بضم السين المهملة وسكون الواو (منه عفي عنه).
7. رجال النجاشي 135 / 348؛ خلاصة الأقوال 58 / 5.
8. رجال النجاشي: 230 / 612.
9. رجال النجاشي: 49 / 106؛ خلاصة الأقوال: 43 / 29.
10. رجال النجاشي: 219 / 572.
11. رجال النجاشي: 71 / 169.
12. رجال النجاشي: 65 / 151؛ خلاصة الأقوال: 44 / 46.
13. رجال النجاشي: 110 / 280؛ خلاصة الأقوال: 26 / 1.
14. رجال النجاشي: 30 / 62؛ خلاصة الأقوال: 10 / 19.
15. رجال النجاشي: 285 / 758؛ خلاصة الأقوال: 119 / 7.
169

وبما سمعت يظهر غرابة استبعاد عود التوثيق في ترجمة محمد بن
عبد الحميد إلى عبد الحميد من سبط الشهيد الثاني (1)، مضافا إلى ما ذكره السيد
السند النجفي من قوله - كما تقدم ‍: " وهو غريب من مثله، فإن مثل ذلك كثير في
كلام النجاشي، كما يظهر بأدنى إلمام بكتابه " (2).
ومع ذلك كله أقول: إنه لابد من التأمل والتحري في الموارد، فإن كلمات
أرباب الرجال لم يراع فيها كثيرا ما كان ينبغي مراعاته ورعايته، كما أنه في بعض
التراجم كان التوصيف مختصا بالمذكور بالتبع، وخلا الترجمة عن التعرض لحال
صاحب الترجمة من حيث الوثاقة وعدمها.
قال النجاشي: " الحسين بن القاسم بن محمد بن أيوب بن شمون (3) أبو
عبد الله الكاتب، وكان أبوه القاسم من جملة أصحابنا " (4).
ومع قطع النظر عما ذكر قد يقتضي بعض القرائن الدقيقة عود التوثيق إلى
المذكور بالتبع. مثلا: لو كان قول النجاشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن
بزيع " كان صالحا ثقة " بدل قوله: " كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم " (5) كان
الظاهر عوده إلى حمزة، إذ الظاهر أن تخصيص حمزة بالذكر من بين ولد بزيع
المذكورين بالتبع من جهة اختصاصه بالصلاح والوثاقة.
وقد يؤيد بعض القرائن عود التوثيق إلى المذكور بالأصالة، نظير ما يؤيد عود
" الموت في أيام الرضا (عليه السلام) " في ترجمة جميل بن دراج إلى " جميل " لا إلى دراج،
من لزوم ذكر أكبرية الولد عن الوالد على تقدير العود إلى دراج، كما يظهر مما مر (6).

1. حكاه عن الشيخ محمد في منتهى المقال 6: 87 / 2691، و 4: 85 / 1567.
2. رجال السيد بحر العلوم 3: 288.
3. قوله: " شمون " بفتح الشين المعجمة وضم الميم وتشديد النون أخيرا (منه عفي عنه).
4. رجال النجاشي: 66 / 157. فيه: " من أجلة أصحابنا ".
5. رجال النجاشي: 330 / 893.
6. انظر رجال النجاشي: 126 / 328؛ خلاصة الأقوال 34 / 1.
170

وكذا ما يؤيد عود " الرواية عن الكاظم (عليه السلام) " في ترجمة علي بن أبي حمزة إلى
" علي " لا إلى جعفر، من لزوم الوقف على الصادق (عليه السلام) على تقدير العود إلى جعفر،
كما يظهر مما مر (1).
وكذا ما يؤيد عود " الشيخوخة " في ترجمة الحسين بن محمد (2) إلى محمد بن
إبراهيم، لا جعفر من عد كتاب الغيبة في ترجمة محمد بن إبراهيم من كتبه كما
يظهر مما يأتي (3). فلابد من التأمل والتحري في الموارد.
وأما ما استدل به السيد السند التفرشي على عود التوثيق في ترجمة حسن بن
علي بن النعمان إلى علي (4) فهو بظاهره ظاهر الفساد؛ إذ توثيق علي في ترجمته لا
يقتضي عود التوثيق في ترجمة ابنه إليه، اللهم إلا أن يكون غرضه أن ذكر كون
علي في ترجمته على أعلى من علي، والسكوت عن حال ابنيه يكشف عن عدم
اعتبارهما.
نعم، يمكن أن يقال: إنه على تقدير عود التوثيق إلى علي يلزم خلو المبتدأ -
وهو أبوه - عن الخبر.
إلا أنه يضعف (5) بأن الخبر هو الأعلم، وليس الأعلم صفة كما هو مبنى المقالة
المذكورة، والغرض إظهار كون علي هو الأعلم والإخبار به عنه يكشف عنه
ترجمة علي، المتقدمة؛ إذ الأعلم فيه خبر لعلي كما لا يخفى.
والظاهر أنه من جهة كون علي معروفا بالأعلمية أو (6) كون الأعلمية أمرا نادر

1. رجال النجاشي: 249 / 656؛ خلاصة الأقوال 231 / 1.
2. انظر منتهى المقال 5: 286 / 2397.
3. رجال النجاشي: 383 / 1043؛ وانظر منتهى المقال 5: 286 / 2397.
4. نقد الرجال 2: 50 / 1336.
5. في " د ": " ضعيف ".
6. في " د ": " و ".
171

الوجود قليل الوقوع، إذ الظاهر أن المقصود بالأعلم هو مشقوق الشفة العليا
خلاف الأفلح بالفاء والحاء المهملة حيث إنه بمعنى مشقوق الشفة السفلى.
قال في الصحاح: " وعلم الرجل يعلم علما إذا صار أعلم، وهو المشقوق
الشفة العليا والمرأة علماء " (1).
وفي المصباح: " والعلمة والعلم محركتين شق بالشفة العليا، يقال: علم
الرجال علما إذا صار أعلم، والمرأة علماء مثل أحمر وحمراء " (2).
وفي المجمع: " الأعلم مشقوق الشفة العليا، يقال: علم الرجل علما إذا صار
أعلم، والمرأة علماء، مثل: أحمر وحمراء " (3).
لكن قال في القاموس: " العلمة والعلم محركتين شق في الشفة العليا، أو في
أحد جانبيها، علم كفرح فهو أعلم " (4).
ومقتضاه اشتراك الأعلم بين مشقوق الشفة العليا ومشقوق أحد جانبيها.
لكنه نادر بالإضافة إلى كلمات صاحب الصحاح والمصباح والمجمع،
المقتضية لاتحاد المعنى وتعينه في مشقوق الشفة العليا، بل الظاهر أن الأعلم في
مشقوق الشفة العليا أشهر على تقدير الاشتراك؛ لبعد عدم الاطلاع على المعنى
الآخر عن مشقوق أحد جانبي الشفة العليا على تقدير الاشتراك.
فالظاهر أن المقصود بالأعلم في المقام هو مشقوق الشفة العليا، وهو على
تقدير الاشتراك، فتدبر (5).

1. الصحاح 5: 1990 (علم).
2. المصباح المنير: 427 (علم).
3. مجمع البحرين 2: 238 (علم).
4. القاموس المحيط 4: 155 (علم).
5. " فتدبر " إشارة إلى بعد الاقتصار على أحد معنيي المشترك بواسطة الاشتهار على الاطلاع على
المعنى الآخر (منه عفي عنه).
172

ومقتضى صريح القاموس أن الأفلح مشقوق الشفة السفلى ولو كان الأعلم
مشتركا، قال: الأفلح محركة في الشفة السفلى (1). وقد حكى في التوضيح في بحث
الإضافة وبحث النداء عن الأعلم مضمونا، وذكر في التصريح في البحث الأول
أنه لقب بالأعلم؛ لأنه كان مشقوق الشفة العليا.
[لو اتفق التوثيق في أواسط العنوان أو آخره:]
بقي أنه لو اتفق التوثيق في أواسط العنوان أو آخره، فحينئذ لا مجال لعوده
إلى صاحب العنوان، ويتردد الأمر بين عوده إلى المضاف أو المضاف إليه. ولا
ترجيح للعود إلى المضاف على العود إلى المضاف إليه؛ لكون المضاف مثل
المضاف إليه في جهة التبعية لصاحب العنوان، فلا ترجيح له عليه؛ لانحصار جهة
رجحان المضاف على المضاف إليه في جهة الأصلية، أعني كونه مقصودا
بالأصالة، والمفروض كونه مثل المضاف إليه في التبعية؛ بل القرب يقرب العود
إلى المضاف إليه، نظير الاستثناء الوارد عقيب الجمل المتعاطفة على القول بكونه
موضوعا لمطلق الإخراج بناء على العود إلى الأخيرة.
ونظير ذلك قول النجاشي: " أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن
عامر - وهو الذي قتل مع الحسين بن علي بكربلاء - ابن حسان بن شريح " (2) إلى
آخره؛ حيث إن قوله: " هو الذي قتل مع الحسين بن علي " لا مجال لعوده إلى
أحمد بن عامر، فيتردد عوده بين العود إلى وهب وإلى عامر، إلا أن الظاهر العود
إلى عامر، لكن جرى بعض الأعلام على العود إلى وهب.
وكذا قول النجاشي في ترجمة الحسين بن علي بن الحسين بن محمد بن
يوسف الوزير: " وأمه فاطمة بنت أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر

1. القاموس المحيط 1: 249 (فلح).
2. رجال النجاشي: 100 / 250.
173

النعماني، شيخنا صاحب كتاب الغيبة " (1) حيث إن قوله: " شيخنا " لا مجال لعوده إلى
الحسين صاحب العنوان، بل الظاهر عوده إلى جعفر، كما أن الظاهر عود النعماني
إليه، لكنه عائد إلى محمد بن إبراهيم بشهادة عد كتاب الغيبة من كتبه في الترجمة
المعقودة له (2).
بل يمكن القول بأن قوله: " وأمه " - إلى آخره - كلام مستأنف، والمقصود
بالأصالة في هذا الباب هو محمد بن إبراهيم من باب تعريف فاطمة، فالعود إلى
محمد جار على وفق الظاهر.
هذا كله في أواسط عناوين الرجال أو أواخرها.
[لو اتفق التوثيق في أواسط الأسانيد]
وأما لو كان التوثيق في أواسط أسانيد كتب الأخبار أو أواخرها (3) فحينئذ كل
من رجال السند من البدو وإلى الختم سواء في الأصالة والتبعية، وليس رأس
السند مقصودا بالأصالة؛ إذ الغرض نقل الحديث عن المعصوم، ولا تفاوت فيه
بين رأس السند وغيره. ولا مجال فيه لخيال العود إلى رأس العنوان، وعدم العود
إليه هنا أظهر، لكن يختلف حال المضاف والمضاف إليه هنا وفيما سبق، أعني ما
لو اتفق التوثيق في أواسط العنوان أو آخره في كتب الرجال، حيث إن المضاف هنا
مقصود بالأصالة بالإضافة إلى المضاف إليه؛ لصدور النقل عن المضاف، بخلاف

1. رجال النجاشي 69 / 167.
2. رجال النجاشي: 383 / 1043.
3. في مشيخة الفقيه: " وما كان فيه عن عبد الله بن سنان فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن عبد الله بن
جعفر الحميري عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن سنان، وهو الذي ذكر عند
الصادق (عليه السلام)، فقال: أما إنه يزيد على السن خيرا ".
قوله: " وهو " إلى آخره، قيل: مدح لعبد الله بن سنان. ويمكن أين يكون مدحا لأبيه (منه مد ظله
العالي).
174

ما سبق، فإن المضاف فيه يساوي المضاف إليه في التبعية، فالمقصود بالأصالة هنا
يتعدد على حسب تعدد المضاف. وأما فيما سبق فالمقصود بالأصالة واحد، وهو
المبدوء به العنوان.
تنبيه
قال ابن هشام في المغني في الباب الخامس في باب التابع:
مسألة: نحو (سبح اسم ربك الاعلى) (1) يجوز فيه كون الأعلى صفة للاسم
أو صفة للرب، وأما نحو " جاءني غلام زيد الظريف " فالصفة للمضاف،
ولا تكون للمضاف إليه إلا بدليل؛ لأن المضاف إليه جيء به لغرض
التخصيص، ولم يؤت به لذاته، وعكسه: " وكل فتى يتقي فائز " فالصفة
للمضاف إليه؛ لأن المضاف إنما جيء به لقصد التعميم، لا للحكم عليه
ولذلك ضعف قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان (2)
وتحرير كلامه أنه إذا كان بين المضاف والمضاف إليه اتحاد نحو (سبح اسم
ربك الاعلى) (3) ففي الصفة من حيث الرجوع إلى المضاف أو المضاف إليه وجهان.
وإن لم يكن بين المضاف والمضاف إليه اتحاد بوجه، فإما أن يكون ذكر المضاف
إليه بتبع ذكر المضاف - كما هو الغالب - فالصفة للمضاف، وإما أن يكون المضاف
من قبيل التوطئة والتمهيد لذكر المضاف إليه - كما في إضافة ألفاظ العموم إلى

1. الأعلى (86): 1.
2. مغني اللبيب 2: 739، والبيت لعمرو بن معديكرب، كما في كتاب سيبويه 1: 371، وفي اللسان باب
الألف اللينة، حرف إلا. ونسبه في المؤتلف والمختلف: 116 لحضرمي بن عامر، وفي حاشية كتاب
سيبويه لسوار بن المضرب، وهو في الخزانة 2: 52، وانظر أيضا مغنى اللبيب 1: 101.
3. الأعلى (86): 1.
175

المضاف إليه - فالصفة للمضاف إليه.
ولا بأس بما ذكره، بل قد أجاد فيما أفاد.
لكن يرد عليه أن ما ذكره من جواز الوجهين في باب (سبح اسم ربك الاعلى) (1)
يضعف بترجيح قرب المضاف إليه للعود إليه، نظير عود الاستثناء الوارد عقيب
الجمل المتعاطفة إلى الأخيرة، بناء على كون أدوات الاستثناء موضوعة لمطلق
الإخراج، كما هو الأظهر.
وأما بناء على كونها موضوعة للإخراج عن الأخيرة من باب وضع الهيئة
التركيبية، أعني الاستثناء الوارد عقيب الجمل، فلا يشابه المقام؛ لعدم تمكنه من
العود إلى غير الأخيرة من باب الحقيقة، كما هو المفروض في المقام.
وأيضا ما يقتضيه كلامه - من أن المضاف في إضافة ألفاظ العموم إنما جيء
به لقصد التعميم، لا للحكم عليه - إن كان المقصود بالحكم هو الحمل كما هو ظاهر
الحكم، فهو ظاهر الفساد؛ لظهور كثرة الحمل على العمومات. ومنه المثال المذكور
في كلامه، أعني قوله: " كل فتى يتقي فائز " بل قد يحمل على العموم، ويكون
العموم مقصودا بالأصالة في قبال من ينكر العموم ويسلم ثبوت الحكم في بعض
الأفراد (2)؛ فلولا الحمل على العموم لما تأتي المقابلة، ولما صح التكذيب.
وإن كان المقصود بالحكم هو إجراء شيء على سبيل التوصيف أو نحوه، لا
الحمل ولا الأعم من الحمل - كما هو الظاهر بشهادة ظهور فساد الحمل على
الحمل (3)، ونقل التضعيف ممن ضعف، وهو الحاجبي على ما يظهر من كلام ابن
هشام في بحث " إلا "؛ إذ التضعيف إنما هو من جهة توصيف الكل ب‍ " إلا " بملاحظة
أنه لو كانت " إلا " صفة للأخ لقيل: " إلا الفرقدين ". وكون " إلا " صفة موكول بيانه إلى

1. الأعلى (86): 1.
2. في " د " زيادة: " وكذا قد يتفق تكذيب التعميم بعد التعميم مع تسليم ثبوت الحكم في بعض الأفراد ".
3. قوله: " الحمل على الحمل " أي حمل الحكم على الحمل (منه مد ظله العالي).
176

ما ذكره ابن هشام في ثاني أقسام " إلا " (1) - فتتطرق المؤاخذة عنه بأنه لو تمانع قصد
التعميم عن التوصيف لتمانع عن الحمل أيضا بل بالفحوى، وقد سمعت كثرة
الحمل، بل اتفاق الحمل في المثال المذكور في كلامه، بل كون التعميم في قبال
إنكار العموم في بعض الموارد، مع أنه قد يكون المضاف إليه في التبعية كما في
أواسط العنوان وآخره، فحينئذ لا ترجيح للمضاف على المضاف إليه في عدد
الوصف إليه، بل يقرب القرب العود إلى المضاف إليه، كما تقدم.
السادس عشر
[تردد التوثيق بين عوده إلى صاحب الترجمة]
[وعوده إليه وإلى غيره]
أنه ربما ذكر التوثيق في ترجمة، ويتردد بين عوده إلى صاحب الترجمة،
وعوده إليه وإلى غيره المذكور بالتبع.
والفرق بين هذا العنوان والعنوان المتقدم أن التردد في العنوان المتقدم بين
عود التوثيق إلى صاحب الترجمة وعوده إلى غيره المذكور بالتبع، نظير قصر
القلب، والتردد في هذا العنوان بين عود التوثيق إلى صاحب الترجمة، وعوده إليه
وإلى غيره، نظير قصر الإفراد.
وبوجه آخر: الفرق أن التردد في العنوان السابق في اختصاص التوثيق
بصاحب الترجمة واختصاصه بغيره، والتردد في هذا العنوان في اختصاص
التوثيق بصاحب الترجمة وعمومه لغيره.
وبالجملة، لابد من التحري والتأمل في العموم، فإن ثبت العموم فعليه
المدار، وإلا فيقتصر في الوثاقة على القدر الثابت، وهو وثاقة صاحب الترجمة.

1. مغني اللبيب 1: 101.
177

ومن هذا الباب قول النجاشي في ترجمة إبراهيم بن أبي بكر: " ثقة هو وأخوه
إسماعيل، رويا عن أبي الحسن (عليه السلام) " (1). حيث إن قوله: " ثقة هو وأخوه " يحتمل فيه
أن يكون " ثقة " خبرا لمبتدأ محذوف، أي هو ثقة؛ فيكون " هو وأخوه إسماعيل
رويا عن أبي الحسن " جملة أخرى، فيختص التوثيق بإبراهيم، كما جرى عليه
الفاضل الأسترآبادي (2)، ويحتمل أن يكون " ثقة هو وأخوه إسماعيل " جملة
مستقلة، و " رويا " جملة أخرى؛ كما هو مقتضى ما صار إليه العلامة في الخلاصة
من توثيق إسماعيل (3)؛ إذ الظاهر كون منشأ التوثيق كلام النجاشي.
السابع عشر
[تردد الوصف بين كونه صفة لرأس الكلام ولذيله]
أنه ربما ذكر التوثيق في كلمات أرباب الرجال في باب الكنى على وجه
التوصيف، وتردد كونه صفة لما قبله المذكور بالتبع، وكونه صفة للعنوان، أعني
صاحب الترجمة.
وبعبارة أخرى: يتردد الأمر بين كونه صفة لرأس الكلام، وكونه صفة لذيله،
كما قيل: " أبو عبد الله العاصمي أحمد بن العاصم الثقة " (4) حيث إنه تتردد لفظة
" الثقة " بين كونها صفة لعاصم، وكونها صفة لأبي عبد الله.
ونظيره من التوصيف ب‍ " ثقة " في باب الكنى متكرر، بل نظير هذا العنوان من

1. رجال النجاشي: 21 / 30.
2. منهج المقال: 19.
3. انظر خلاصة الأقوال: 199 / 1. وإليك عبارته: " وهو أخو إبراهيم كان واقفيا، قال النجاشي: إنه ثقة
واقفي، فلا أعتمد على روايته ". وقال في منتهى المقال 2: 47 / 330 بعد نقل قول خلاصة الأقوال:
" ولا يخفى أنه لا يفهم من العبارة المذكورة توثيقه أيضا ".
4. رجال الشيخ: 454 / 97؛ الفهرست: 28 / 85.
178

التوصيف بغير " ثقة " على المساق المذكور في باب الأسامي في حواشي عدم
التناهي؛ حيث إنه يذكر المضاف والمضاف إليه ويذكر صفة بعد المضاف إليه،
فتتردد الصفة بين العود إلى المضاف إليه.
ومنه أنه وقع الكلام في عيسى بن أبي منصور شلقان في كون شلقان صفة
لعيسى أو لأبيه، فمقتضى كلام الشيخ في الرجال أنه صفة لأبي منصور حيث إنه
عنون عيسى بن شلقان (1).
وصريح ما نقله الكشي عن حمدويه (2) يقتضي كونه صفة لعيسى.
وقال الفاضل الأسترآبادي في حاشية المنهج: " قد فهم من كلام الكليني في
باب الهجرة (3) ما يؤيد صريحا (4) أن شلقان هو عيسى، لا أبوه " (5).
وأيضا قال النجاشي: " أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل " (6). وقال
الشيخ عبد النبي: " الظاهر أن الصيقل صفة لأحمد لا لعمر " (7).
وأيضا قد احتمل الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة في أحمد بن إبراهيم
علان كون " علان " صفة للوالد أو ولديه (8). لكن لعل الأول أظهر؛ لبعد تلقب
شخصين فضلا عن أخوين بلقب واحد.

1. رجال الشيخ: 257 / 558 و 561 و 566.
2. رجال الكشي 2: 621 / 600.
3. الكافي 2: 258، ح 4، باب الهجرة.
4. قوله: " ما يؤيد صريحا " إلى آخره، هو ما رواه الكليني في أصول الكافي في باب الهجرة بسنده عن
علي بن حديد عن عمه مرازم بن حكيم قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) رجل من أصحابنا يلقب
شلقان، وكان قد صيره في نفقته فهجره، فقال لي: يا مرازم تكلم عيسى ساعة؟ فقلت: نعم، قال: قد
أصبت لا خير في المهاجرة ". قوله: " فهجره " كأن المناسب " فهجرته منه ". (منه عفي عنه).
5. حاشية منهج المقال: 254.
6. رجال النجاشي 83 / 200.
7. انظر حاوي الأقوال 1: 173 / 62؛ و 1: 311 / 201؛ و 2: 125 / 468؛ و 4: 137 / 1870.
8. انظر خلاصة الأقوال 18: 31.
179

وأيضا في حمزة بن محمد الطيار جعل العلامة في الخلاصة الطيار صفة
لمحمد، ولذا عنون بحمزة بن الطيار (1)، وجعله ابن داوود صفة لحمزة، ولذا عنون
بحمزة الطيار. بل حكى عن بعض الأصحاب أنه ذكر حمزة ابن الطيار، وحكم
بكونه التباسا (2). والظاهر أن مقصوده ببعض الأصحاب هو العلامة في الخلاصة.
أقول: إن هذا العنوان والعنوان الرابع عشر متراضعان من لبن واحد؛
لاشتراكهما في تعقيب المذكور بالتبع بالتوثيق المتردد بين العود إليه، والعود إلى
المذكور بالأصالة؛ فالظاهر كون الثقة صفة لرأس العنوان، أعني عود التوثيق إلى
المذكور بالأصالة، كما أن الظاهر في ذكر الوصف بعد المضاف إليه كونه صفة
للمضاف. ويظهر المستند في دعوى الظهور بما تقدم في العنوان المتقدم.
لكن نقول: عليك بالتأمل في الموارد في كلمات أرباب الرجال كما سمعت
في العنوان السابق، بل في باب الأوصاف بعد المضاف إليه يتعين الرجوع إلى
المضاف إليه في طائفة من الموارد، نحو: " يا ابن محمد المصطفى "، و " يا ابن علي
المرتضى " و " يا ابن فاطمة الزهراء " ومن هذا الباب صدور فقرات زيارة وارث (3).
ونظير ذلك قول ابن الغضائري على ما نقله العلامة في الخلاصة في قوله:
" عمر بن ثابت أبي المقدام ضعيف "، قاله ابن الغضائري، وقال في كتابه الآخر:
عمر بن أبي المقدام ثابت " إلى آخره (4)، حيث إن مقتضاه رجوع الكنية بالصراحة
في العبارة الأولى إلى اللقب، أعني الثابت، ورجوع اللقب في العبارة الثانية إلى
الكنية. فقد وقع الأمر في الكنية واللقب على خلاف الظاهر، والمتعارف من العود
إلى المضاف.

1. خلاصة الأقوال: 53 / 2.
2. رجال ابن داوود 85 / 534.
3. كامل الزيارات: 226.
4. خلاصة الأقوال: 241 / 10.
180

ومع ذلك يمكن أن يقال: إن دعوى الظهور في المقام إنما تتم لو كان
التوصيف في ذيل تشريح الحال، كما في باب الأسامي. وأما في باب الكنى فليس
الغرض فيه شرح الحال وتفصيل المقال، بل الغرض مجرد تشخيص المسمى
بالكنية ممن تقدم في باب الأسامي، فليس الظاهر كون الثقة وصفا للرأس، بل
الحال في كسوة الإجمال.
لكنه يندفع بأنه في كثير من الموارد في باب الكنى ينصرح كون الغرض
شرح الحال، كما يقال: " ثقة " أو " وثقه النجاشي " أو قال: " وله كتب " وهكذا، بل قد
يقال بعد التوصيف بالثقة - كما تقدم: وليس المتقدم إلا وثاقة رأس العنوان، بل
كثيرا ما يشرح الحال بالبسط أو نوع البسط في المقام (1)، لكن لا يظهر بذلك كون
الغرض من باب الكنى شرح الحال، بل لا إشكال في أن الغرض من أغلب باب
الكنى ليس شرح الحال ففي ما تقدم اسمه كان الغرض تشخيص الاسم، ولا يظهر
كون الوصف صفة للرأس.
وأما ما لم يتقدم اسمه كان الغرض شرح حاله، فالظاهر كون الوصف
صفة للمضاف على حسب الحال في ذكر الوصف بعد المضاف إليه في
باب الأسامي، لكن نقول: إنه مع ذلك لا ينبغي التقاعد عن التأمل في
خصوص الموارد.
الثامن عشر
[تردد التوثيق بين كونه من الناقل والمنقول عنه]
أنه قد يتردد التوثيق بين كونه من الناقل والمنقول عنه كما في قول الكشي
في ترجمة ثعلبة بن ميمون: " حمدويه، عن محمد بن عيسى أن ثعلبة بن ميمون

1. في " ح ": " المقال ".
181

مولى محمد بن قيس الأنصاري، وهو ثقة، خير، فاضل، مقدم، معلوم، معدود
في العلماء والفقهاء والأجلة من هذه العصابة " (1)؛ لتردد التوثيق فيه بين كونه من
كلام الكشي كما هو مقتضى كلام السيد السند التفرشي (2)، وكونه من كلام
محمد بن عيسى، وهو مقتضى عدم توثيق ثعلبة من العلامة في الخلاصة (3) وابن
داوود (4)؛ إذ الظاهر أنه بملاحظة الظاهر (5) اشتراك محمد بن عيسى وكون التوثيق
منه، وإلا فحمدويه منصوص بالتوثيق في الخلاصة (6) والكشي (7)، ووثقه النجاشي (8)
وكذا الشيخ في الرجال (9) ولعله الأظهر؛ لبعد نقل مجرد المولوية بواسطتين كما هو
الحال على تقدير كون التوثيق من الكشي لعدم الاهتمام به؛ فلا يليق بالنقل
بالواسطتين، بل نقل المولوية قليل أو مفقود الأثر، بخلاف الوثاقة فإنها محل
الاهتمام تمام الاهتمام.
وربما احتمل الشيخ عبد النبي كون التوثيق من حمدويه (10). وضعفه ظاهر.
ومثل ذلك قول ابن عقدة في ترجمة الحسن بن صدقة على ما في الخلاصة
نقلا: " أخبرنا علي بن الحسن قال: الحسن بن صدقة المدائني أحسبه أزديا،
وأخوه مصدق، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) وكانوا ثقات " (11) لتردد

1. رجال الكشي 2: 711 / 776. وقوله: " معدود " لم يرد فيه.
2. نقد الرجال 1: 319 / 867.
3. خلاصة الأقوال: 30 / 1.
4. رجال ابن داوود: 60 / 286.
5. كلمة " الظاهر " زيادة من " ح ".
6. خلاصة الأقوال: 30 / 1.
7. رجال الكشي 2: 711 / 776.
8. رجال النجاشي 1: 412 / 302.
9. رجال الشيخ: 421 / 9.
10. حاوي الأقوال 1: 233 / 116.
11. خلاصة الأقوال: 45 / 51.
182

التوثيق بين كونه من ابن عقدة كما عن ظاهر الخلاصة (1)، وكونه من علي بن
الحسن كما هو صريح بعض.
وكذا ما رواه الكشي في ترجمة زكريا بن سابور حيث قال: " محمد بن مسعود،
قال: حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب قال: حدثني العمر كي عن ابن فضال، عن
يونس بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أنه حضر أحد ابني سابور وكان لهما ورع
واخبات " (2) لتردد قوله: " وكان " إلى آخره (3) بين كونه عن ابن مسعود وسعيد.
إلا أن الظاهر الأخير كما جرى عليه غير واحد؛ قضية القرب، مضافا إلى بعد
تتميم الشخص كلام غيره، كما هو الحال على الأول.
وربما احتمل الأول.
وتظهر الثمرة فيما لو كان الناقل أو المنقول عنه مورد الاعتبار بالعدالة أو
الحسن دون الآخر، أو كانت الواسطة متعددة، مع عدم اعتبار بعض الوسائط لو
كان الناقل الأول والمنقول عنه كلاهما معتبرين على تقدير تخلل الواسطة.
وكذا قول النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسن بن علي بن فضال: " أبو
الحسين، وقيل: أبو عبد الله يقال: إنه كان فطحيا، وكان ثقة في الحديث " (4) حيث
إن قوله: " وكان ثقة في الحديث " متردد بين كونه من كلام النجاشي، وكونه من
كلام القائل.
لكن يمكن القول بظهور الأخير؛ نظرا إلى أن فطحية أحمد المذكور أظهر

1. المصدر السابق.
2. رجال الكشي 2: 626 / 614.
3. قوله: " لتردد قوله " إلى آخره، بين كونه من ابن مسعود وسعيد. ويحتمل كونه من الكشي نظير
احتمال كون التوثيق في باب ثعلبة بن ميمون من الكشي، واحتمال كون التوثيق في باب ثعلبة بن
ميمون من حمدويه (منه عفي عنه).
4. رجال النجاشي: 80 / 194.
183

وأشهر من وثاقته، فلو لم تثبت فطحيته عند النجاشي فوثاقته أولى بعدم الثبوت
عنده، اللهم إلا أن يمنع عن الأولوية.
وربما احتمل بعض كونه من كلام القائل؛ نظرا إلى ما ذكر، ومقتضاه ظهور
كونه من كلام النجاشي مع قطع النظر عما ما ذكر.
وليس بالوجه.
وكذا قول النجاشي في ترجمة محمد بن سنان: " وقال أبو العباس [أحمد بن]
محمد بن سعيد: إنه روى عن الرضا (عليه السلام) قال: وله مسائل عنه معروفة، وهو رجل
ضعيف لا يعول عليه ولا يلتفت إليه " (1) حيث إن بعضا جرى على كون قوله: " وهو
رجل ضعيف " - إلى آخره - من كلام أحمد وهو ابن عقدة، وتردد بعض الأعلام -
كالسيد السند النجفي - بين كونه من كلام أحمد، وكونه من كلام النجاشي (2).
لكن نقول: إن وقوع التضعيف من النجاشي في ترجمة المدائني (3) يرشد إلى
كون الكلام المشار إليه من النجاشي.
وربما يشبه المقام قول الكشي في ترجمة سعد بن سعد الأحوص:
حدثني محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله القمي، قال:
حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى، عن رجل، عن علي بن
الحسين بن داوود القمي قال: سمعت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يذكر صفوان
بن يحيى ومحمد بن سنان بخير، وقال: " رضي الله عنهما برضاي
عنهما، فما خالفاني قط " (4).
حيث إنه احتمل الشيخ محمد في قوله: " وقال " كونه ابتداء حديث مرسل من

1. رجال النجاشي: 328 / 888. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2. رجال السيد بحر العلوم 1: 256.
3. انظر منتهى المقال 5: 70؛ و 7: 438.
4. رجال الكشي 2: 792 / 963.
184

الكشي، وكونه متصلا بما قبله من المنقول عنه، أعني علي بن الحسين. وظاهر
العلامة هو الثاني (1). وهو الظاهر.
وكذا ما رواه في كامل الزيارة عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" كل الطين محرم على ابن آدم ما خلا طين قبر الحسين (عليه السلام) " ووجدت في
حديث الحسن بن بهران الفارسي، عن محمد بن أبي سيار، عن
يعقوب، عن يزيد يرفع الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال: " من باع طين قبر
الحسين (عليه السلام) فإنه يبيع لحم الحسين (عليه السلام) ويشتريه " (2).
حيث إن قوله: " ووجدت " متردد بين كونه من كلام صاحب كامل الزيارة،
وكونه من كلام سماعة. لكن الظاهر هنا هو الأول.
ويرشد إليه أنه روى الرواية في البحار (3) عن كامل الزيارة على الوجه
المسطور.
التاسع عشر
[تردد التوثيق بين كونه من الإمامي وغيره]
أنه قد يتردد التوثيق بين كونه من الإمامي وكونه من غيره، كما في ترجمة
حكم بن حكيم حيث إنه قال النجاشي:
الحكم بن الحكيم - بضم الحاء - أبو خلاد الصيرفي، كوفي، مولى ثقة،
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ذكر ذلك أبو العباس في كتاب الرجال، ثم قال:
وقال ابن نوح: هو ابن عم خلاد بن عيسى (4).

1. خلاصة الأقوال: 78 / 2.
2. كامل الزيارة: 300، ح 4؛ وسائل الشيعة 16: 397، أبواب الأطعمة المحرمة، ب 59، ح 4 و 5.
3. البحار 98: 130، ح 48.
4. رجال النجاشي: 137 / 353.
185

وأبو العباس مشترك بين ابن عقدة وابن نوح. لكن نقول: إن تردد التوثيق
مبني على كون اسم الإشارة في قوله: " ذكر ذلك " راجعا إلى جميع ما تقدم من
قوله: " كوفي مولى ثقة روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أو من صدر العنوان لا إلى
خصوص الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام). وهو خلاف الظاهر.
لكن يمكن أن يقال: إن النقل عن ابن نوح بالأخرة يكشف عن كون
المقصود بأبي العباس هو ابن عقدة.
وعلى أي حال فلا بأس بالتردد المذكور بناء على ما تقدم من كفاية توثيق غير
الإمامي.
العشرون
[نقل الراوي عدالة نفسه]
أنه لا نفع ولا جدوى فيما ينقله الراوي مما يدل على وثاقته في وثاقته،
أعني عدالته في عدالته، بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر؛ لأن ثبوت عدالته
بنقله بناء على اعتبار العدالة في اعتبار الخبر يستلزم الدور.
لكن لو فرض حصول الظن بعدالة الراوي مما ينقله بنفسه، فعليه الاعتبار
على القول باعتبار عدالة الراوي بناء على كفاية الظن في الرجال، أو كفاية الظن
بالعدالة.
ونظيره ثبوت الاجتهاد بادعاء الشخص بناء على كفاية الظن بالاجتهاد، لكن
حصول الظن بصدق الراوي فيما نقله مع فرض الجهل بحاله وعدم وجود شيء
آخر غير ما ينقله بعيد وإن يتأتى الظن بصدقه لو نقل شيئا آخر؛ لشدة قرب إخبار
الشخص بما ينفعه بالكذب، واستقرار سيرة الناس على عدم قبول إخبار
الشخص بما ينفعه، بخلاف الإخبار بشيء آخر، فإن سيرة الناس مستقرة على
القبول، والنفوس متسارعة إليه، بل يمتنع مساواة حال الشيء نفيا وإثباتا قبل
186

الإخبار وبعده، وعدم رجحان المخبر به بالإخبار.
وعلى منوال حال ما ينقله الراوي مما يدل على وثاقته: ما ينقله الراوي مما
يدل على حسن حاله، لكن لو كان ممدوحا ونقل ما يدل على عدالته، تثبت
عدالته بنقله، سواء كان إماميا أو غير إمامي على القول باطراد العدالة في سوء
المذهب، بناء على عدم اعتبار الإيمان في اعتبار الخبر.
كما أنه لو كان ثابت العدالة أو حسن الحال بالمعاشرة، ونقل ما يدل على
عدالته أو حسن حاله، تتقوى ثبوت عدالته وحسن حاله، ويحصل الظن بثبوت ما
ينقله.
لكن هذا الفرض لا يتفق في رواة الأخبار، كما أنه لو كان ما ينقله من باب
الإخبار عن المعصوم، وكان متن الخبر المروي عن المعصوم مقرونا بما يشتمل
على الإعجاز من المحاسن البديعية أو المفاد العال، يحصل الظن بالصدق
وصدور الخبر عن المعصوم؛ فتثبت العدالة أو حسن الحال.
إلا أن يقال: إن اشتمال الخبر على الإعجاز لا يقتضي صدور جميع أجزاء
الخبر، فلا بأس بعدم حصول الظن بالصدور بالنسبة إلى ما يقتضي العدالة أو
حسن الحال.
لكن نقول: إنه يمكن الظن بالعدالة أو حسن الحال من باب عدم التفطن
والغفلة عما ذكر من عدم استلزام اشتمال (1) الخبر للإعجاز للظن بصدور جميع
الأجزاء.
وأيضا لو أكثر في نقل ما يفيد العدالة أو حسن الحال، وبلغ النقل حد إفادة
العلم، فعليه التعويل. وكذا الحال لو تجاوز النقل عن الاستفاضة ولم يبلغ حده
إفادة العلم، بناء على حصول الظن بالصدق وإن كان الأمر من باب الشهادة على

1. في " د ": " احتمال ".
187

النفس، ويقرب إخبار الشخص بما ينفع بحاله بالكذب لفرض انجبار الانكسار
بمزيد العدد. وقد تقدم مزيد الكلام.
وقد أكثر الشهيد الثاني في تعليقات الخلاصة تضعيف ما ينقله
الراوي من الخبر في حقه مما يقتضي عدالته أو حسن حاله تعليلا بأنه
شهادة للنفس (1).
فقد حكى في الخلاصة في ترجمة جابر المكفوف عن ابن عقدة، عن علي بن
الحسن، عن عباس بن عامر، عن جابر المكفوف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) [قال: دخلت
عليه (عليه السلام)] فقال: " أما يصلونك؟ " فقلت: ربما فعلوا، فوصلني بثلاثين دينارا، ثم
قال: " يا جابر كم من عبد إن غاب لم يفقدوه، وإن شهد لم يعرفوه في أطمار (2) لو

1. سيأتي تخريجها لاحقا.
2. قوله: " في أطمار " قال في الصحاح: الطمر بالكسر الثوب الخلق. والجمع أطمار. وقال في المغرب
نقلا: الطمر بالكسر الثوب الخلق. والجمع أطمار. ومعنى الحديث أنه لا يبالي به بحقارته، وهو مع
ذلك من الفضل في دينه والخشوع لربه، بحيث إذا دعاه استجاب دعاءه، والقسم على الله أن يقول:
بحقك فافعل كذا، وإنما عدي ب‍ " على " لأنه ضمن معنى التحكم وعن الدر والقدر يقال: برت يمين فلان
إذا صدقت وأبرره إليه، أي أمضاها على الصدق. وفي المجمع: وبر الله قسمه أي صدقه. ومنه: لو أقسم
على الله لأبر قسمه، أي لو حلف على وقوع شيء لأبره أي صدقه وصدق يمينه، ومعناه أنه لو حلف
يمينا على أن يفعل الشيء أو لا يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه وإن أحقر عند الناس. وقيل:
لو دعاه لأجابه. أقول: إن الجار والمجرور المذكور أعني قوله: " في أطمار " إما أن يكون متعلقا
بقوله: " يعرفوه " ولعله الأظهر، أو يكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي هو في أطمار. وقوله: " لأبر
قسمه " لو كان الغرض إجابة الدعاء لكان الضمير في " أبر " راجعا إلى الله، وكذا الحال لو كان الغرض
تصديق اليمين؛ إذ الغرض على هذا أن الله سبحانه قدم الأمر على طبق يمين العبد الموصوف لعلو
منزلته كما يرشد إليه عبارة المجمع، وإلا فلو كان الضمير راجعا إلى العبد الموصوف - كما ربما يتوهم
- فلا مناسبة للمقام بالمقام؛ إذ المقام إنما يقتضي إظهار علو منزلة العبد الموصوف، ولا يتأتى علو
المنزلة على ذلك؛ بخلاف ما لو كان الغرض تصديق اليمين من الله سبحانه، أو إجابة الدعا، ولعل
الأظهر كون الغرض إجابة الدعاء (منه عفي عنه).
188

أقسم على الله لأبر قسمه " (1).
وأورد الشهيد الثاني بأنه من باب الشهادة للنفس.
وحكى في الخلاصة في ترجمة صالح بن ميثم أنه قال له أبو جعفر (عليه السلام): " إني
أحبك حبا شديدا " (2).
وأورد الشهيد الثاني بأنه شهادة للنفس.
وحكى في الخلاصة في ترجمة علي بن سويد عن الكشي أنه روى بسنده
عن علي بن سويد أنه قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)، فذكر حديثا عن أبي الحسن
[موسى] (عليه السلام) يشهد بأنه نزل من آل محمد (عليهم السلام) منزلة خاصة، وغير ذلك من إلهام
الرشد والبصيرة في أمر دينه (3).
وأورد الشهيد الثاني بأنه مع عدم سلامة سنده شهادة للنفس (4).
وحكى في الخلاصة في ترجمة زكريا بن سابق عن الكشي أنه روى بسنده
عن زكريا أنه وصف الأئمة لأبي عبد الله (عليه السلام) وما يشهد بصحة الإيمان منه (5).
وأورد الشهيد الثاني بأنه شهادة الرجل لنفسه (6).
وحكى في الخلاصة في ترجمة حمران بن أعين عن الكشي أنه روى بسنده
عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال له: " أنت من شيعتنا في الدنيا والآخرة " (7).
وأورد الشهيد الثاني بأنه شهادة لنفسه (8).

1. خلاصة الأقوال: 35 / 3.
2. خلاصة الأقوال: 88 / 3.
3. خلاصة الأقوال: 92 / 5؛ رجال الكشي 2: 753 / 859.
4. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 44.
5. خلاصة الأقوال: 75 / 2؛ رجال الكشي 2: 717 / 793.
6. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 37.
7. خلاصة الأقوال: 63 / 5؛ رجال الكشي 1: 412 / 304.
8. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 33.
189

وحكي في الخلاصة في ترجمة عبد الملك بن عمرو أنه قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): " إني لأدعو لك حتى اسمي دابتك، أو قال: ادعو لدابتك " (1).
وأورد الشهيد الثاني بأنه ينتهي إلى المدح، لكنه شهادة لنفسه (2).
وحكى في الخلاصة في ترجمة علي بن ميمون أنه قال: دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله، فقلت له: إني أدين الله بولايتك وولاية آبائك وأجدادك (عليهم السلام)
فادع الله أن يثبتني، فقال: " رحمك الله رحمك الله " واستقرب قبول روايته استنادا
إلى دعاء الصادق (عليه السلام) (3).
وأورد الشهيد على الاستناد إلى الدعاء بأنه شهادة لنفسه (4).
وحكى في الخلاصة في ترجمة الحسين بن المنذر عن الكشي أنه روى عن
الصادق (عليه السلام) " أنه من فراخ الشيعة " ثم قال: وهذه الرواية لا تثبت عندي عدالته،
لكنها مرجحة لقبول قوله (5).
وأورد الشهيد الثاني بأنه شهادة لنفسه (6).
والظاهر من الكلمات المذكورة من العلامة ولا سيما ما ذكره من قبول رواية
علي بن ميمون (7) كفاية ما ينقله الراوي في حقه في حقه، لكن مقتضى ما ذكره في
باب الحسين بن المنذر عدم الكفاية في إثبات العدالة دون الترجيح لقبول القول.
ويأتي الكلام فيه عن قريب.
وقال في ترجمة عبد الله بن ميمون عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " يا ابن ميمون كم

1. خلاصة الأقوال: 115 / 7؛ وانظر رجال الكشي 2: 687 / 730.
2. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 55.
3. خلاصة الأقوال: 96 / 27؛ وانظر رجال الكشي 2: 661 / 680.
4. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 46.
5. خلاصة الأقوال: 50 / 12؛ رجال الكشي 2: 669 / 693.
6. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 28.
7. خلاصة الأقوال 96 / 27.
190

أنتم بمكة؟ " قلت: نحن أربعة، قال: " إنكم نور الله في ظلمات الأرض " (1). فقال:
وهذا لا يفيد العدالة؛ لأنه شهادة منه لنفسه (2).
وذكر في ترجمة كليب بن معاوية: أن رواية الكشي عن أيوب بن نوح، عن
صفوان بن يحيى، عن كليب بن معاوية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) ما يشهد بصحة
عقيدته شهادة لنفسه، فيتوقف في تعديله (4).
ومقتضى هذين الكلامين المذكورين منه عدم كفاية ما ينقله الراوي في حقه
في حقه.
وحكم الشيخ عبد النبي في باب يزيد أبي خالد القماط بأن ما نقله حمدويه
عن يزيد المذكور - من أنه ناظر زيدا فظهر عليه فأعجب الصادق (عليه السلام) - من باب
الشهادة للنفس (5).
وربما قيل: إنه يظهر من الشيخ عبد النبي أن الشهادة للنفس قد تقبل؛ تعليلا
بأنه روى الكشي في ترجمة زيد الشحام أنه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أسمى في
تلك الأسامي يعني في كتاب أصحاب اليمين؟ قال: " نعم ". وقال: دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: " أنت من شيعتنا يا زيد كأني أنظر إليك في درجة من
الجنة " (6).
وأورد الشيخ عبد النبي بضعف الروايتين من دون إضافة عدم اعتبار الشهادة
للنفس (7). لكن يحتمل أن يكون ترك الإضافة من باب الغفلة.

1. خلاصة الأقوال 108 / 29؛ رجال الكشي 2: 687 / 731 و 732.
2. خلاصة الأقوال: 108 / 29.
3. رجال الكشي 2: 631 / 628.
4. خلاصة الأقوال: 135 / 4.
5. حاوي الأقوال 2: 346 / 732.
6. رجال الكشي 2: 627 / 618.
7. حاوي الأقوال 1: 379 / 275.
191

الحادي والعشرون
[ثبوت خلاف التوثيق في بعض الموارد]
أنه بناء على ثبوت الاصطلاح في " ثقة " في العدل الضابط الإمامي لو ثبت
انتفاء العدالة أو الضبط أو الإمامية وحدانيا وثنائيا على الثاني من جانب الموثق في
محل آخر أو من غيره، فهل يوجب ذلك انتفاء الوثوق بالتوثيق فيما عدا ما ثبت
خلافه بوجه من الوجوه المذكورة أم لا؟
الأظهر الأخير؛ لكون الأمر من قبيل العام المخصص والنص المشتمل على
خلاف الإجماع، إلا أن الحق في الأخير أن عدم اعتبار خلاف الإجماع يوجب
عدم اعتبار غيره لو كان عدم اعتبار ذلك مستلزما لعدم اعتبار الغير، لكن
المفروض في المقام عدم الاستلزام.
نعم، لو تكثر ما ذكر، فهو يكشف عن عدم مبالاة الموثق، وينتفي الوثوق
بتوثيقه في غير موارد ثبوت الخلاف.
الثاني والعشرون
[ما لا يكفي في إثبات الوثاقة يكفي في الترجيح]
أن مقتضى طائفة من كلمات العلامة في الخلاصة أن ما لا يكفي في إثبات
الوثاقة - بمعنى العدالة - من الخبر - لقصور الدلالة على العدالة وقصور السند -
يكفي في الترجيح.
فقد حكى في الخلاصة في ترجمة خيثمة (1) بن عبد الرحمن، عن العقيقي " أنه

1. قوله: " خيثمة " بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء (منه عفي عنه).
192

كان فاضلا " فقال: " وهذا لا يقتضي التعديل وإن كان من المرجحات " (1).
وحكم فيها في ترجمة عمران بن عبد الله بعدم ثبوت عدالته بالحديثين
المذكورين في كلام الكشي، فقال: " بل هما من المرجحات " (2).
وأورد الشهيد الثاني في الحاشية بأنه لا وجه لكونهما من المرجحات مع
ضعف السند (3).
وحكم فيها في ترجمة الحكم بن عبد الرحمن " بأن ما نقله ابن عقدة عن
الفضل بن يوسف من أنه قال: الحكم بن عبد الرحمن ثقة ثقة لا أعتمد عليه في
التعديل، لكنه مرجح " (4).
وحكم فيها في ترجمة حماد السمندري بعد نقل رواية عن الكشي " بأن هذا
الحديث من المرجحات، لا أنه من الدلائل على التعديل " (5).
وحكم فيها في ترجمة سفيان بن أبي ليلى بعد نقل حديث من الكشي " بأنه
لم يثبت بهذا عدالة المشار إليه، بل هو من المرجحات " (6).
وأورد الشهيد الثاني بأن في كونه من المرجحات نظرا واضحا.
وحكم فيها في ترجمة علي بن الحسين بن عبيد الله بعد نقل رواية عن
الكشي " بأن هذه الرواية لا تدل على عدالة الرجل، لكنها من المرجحات " (7).
وأورد الشهيد الثاني " بأن كونها من المرجحات محل النظر " (8).

1. خلاصة الأقوال: 66 / 8.
2. خلاصة الأقوال: 124 / 3؛ وانظر رجال الكشي 2: 624 / 608 و 609 و 610.
3. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 59.
4. خلاصة الأقوال: 60 / 4.
5. خلاصة الأقوال: 57 / 5.
6. خلاصة الأقوال: 81 / 2؛ رجال الكشي 1: 327 / 178.
7. خلاصة الأقوال: 98 / 34.
8. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 48.
193

وحكم فيها في ترجمة عبد الرحمن بن حسن - بعد نقل أنه حافظ حسن
الحفظ عن النجاشي - " بأن هذا لا يقتضي التعديل، بل هو مرجح " (1).
وحكم فيها في ترجمة عيسى بن جعفر بن عاصم بعد نقل رواية عن الكشي
" بأن هذه الرواية لا توجب تعديلا، ولكنها من المرجحات " (2).
وأورد الشهيد الثاني بأن كونها من المرجحات إنما يتم مع صحة السند، وأما
مع الضعف فلا كما لا يخفى.
وحكم فيها في ترجمة الحسين بن منذر - كما مر - " بأن ما رواه عن
الصادق (عليه السلام) من أنه من فراخ الشيعة لا يثبت عدالته، لكنها مرجحة لقبول قوله " (3).
ومقتضاه تسليم الفرق بين إثبات العدالة، والترجيح، وإلا لأضاف القدح
بكونه من باب الشهادة للنفس، كما ارتكب العلامة القدح به.
واعتذر الفاضل الأسترآبادي بأنه لا يبعد أن يكون مراد العلامة أن الرواية
المذكورة مرجحة عند التعارض ومؤيدة، أو مرجحة مطلقا، أما الاعتماد على
مجرد ذلك فشيء آخر (4).
أقول: إنه يمكن أن يكون مقصود العلامة أن الخبر المذكور - الموصوف
بالقصور؛ لكونه من باب الشهادة للنفس - لا يكفي في إثبات العدالة، بناء على
اعتبار العدالة في اعتبار الخبر، لكنه يوجب الظن بالعدالة، أو يثبت رجحان
الإسناد والظن بالصدق، أي المدح في صورة قصور السند، أو يثبت المدح في
صورة قصور الدلالة.
لكنك خبير بأنه لو لم تثبت العدالة فلا يثبت المدح أيضا؛ إذ يلزم في ثبوت

1. خلاصة الأقوال: 114 / 10؛ وانظر رجال النجاشي: 236 / 626.
2. خلاصة الأقوال: 121 / 1؛ وانظر رجال الكشي 2: 863 / 1122.
3. خلاصة الأقوال: 50 / 12.
4. منهج المقال: 117.
194

المدح وإحراز حسن الحديث ما يلزم في ثبوت العدالة وإحراز صحة الحديث،
ويكفي فيه ما يكفي فيه. نعم، يتأتى الظن بالعدالة.
هذا في صورة قصور السند، وأما في صورة قصور الدلالة فلا بأس بدعوى
ثبوت المدح، ويكفي فيه ما يكفي فيه.
وأما ما احتمله الفاضل الأسترآبادي من الوجهين فيمكن أن يكون المقصود
به كفاية الرواية القاصرة في ترجيح أحد المتعارضين لو تعارضا في عدالة الرجل
وعدم عدالته، أو تأييد الرواية المعتبرة، أي الموصوف راويها بالعدالة لو وردت
بعدالة الرجل.
لكنك خبير بأنه لو تقاصرت الدلالة فكان غاية الأمر الدلالة على المدح، فهذا
لا يوجب ترجيح ما يدل على العدالة لو تعارض مع ما يدل على عدم الدلالة.
ويمكن أن يكون المقصود الكفاية في ترجيح رواية الراوي في المسائل
الفقهية لو تعارضت روايتان وكانت رواية الراوي المشار إليه موافقة لإحدى
الروايتين؛ لعدم اشتراط الترجيح في تعارض الخبرين بالعدالة، وإن كان اعتبار
الخبر في حال الانفراد مشروطا ومنوطا بالعدالة؛ لكفاية مطلق الظن في باب
الترجيح، أو الكفاية في تأييد رواية الراوي المشار إليه لرواية معتبرة لو وردت في
الفقه واتفق مفاد الروايتين.
ويمكن أن يكون المقصود بالترجيح عند التعارض هو ترجيح الرواية
القاصرة، أو تأييدها لرواية الراوي المشار إليه لو وقع التعارض بين روايته ورواية
أخرى في مسألة فقهية، أو وقعت رواية الراوي المشار إليه في الفقه منفردة.
لكنك خبير بأنه يمكن أن يكون من رواة الرواية الأخرى [من] ثبتت عدالته
بوجه أقوى، فلا مجال لترجيح رواية الراوي المشار إليه، مع أنه يمكن أن يكون
في سند رواية الراوي المشار إليه من كان ثبوت عدالته بوجه أضعف من ثبوت
عدالة رواة الرواية الأخرى كلا أو بعضا. وإن كان عدالة الراوي المشار إليه أقوى
195

ثبوتا من عدالة كل من رواة الرواية الأخرى. فلا مجال لترجيح رواية الراوي
المشار إليه أيضا.
ثم إنه يشبه كلام العلامة كلام ابن الغضائري حيث يقول: إن حديثه يعرف
تارة وينكر أخرى، ويجوز أن يخرج شاهدا، كما في ترجمة إسحاق بن
عبد العزيز (1). ونظيره غير عزيز.
قوله: " ويجوز أن يخرج شاهدا " الغرض الجواز على تقدير الإنكار أو مطلقا.
ولعل الغرض تأييد الرواية المعتبرة.
وربما فسر صدر العبارة المذكورة - وهو بالانفراد غير عزيز الذكر أيضا - بأن
الغرض أنه إن روى عن الثقات فمعروف وحسن، وإن روى عن الضعفاء أو روى
المراسيل فهو منكر.
الثالث والعشرون
[في تصاريف " ثقة "]
أنه بناء على ثبوت الاصطلاح في " ثقة " في كلمات الرجال، ودلالتها على
العدالة، هل يطرد الاصطلاح في تصاريفها، أم لا؟
ومن هذا الباب ما نقله النجاشي عن أصحابنا من أن " الحسن بن محمد بن
جمهور كان أوثق من أبيه " (2).
وكذا ما ذكره النجاشي من أن " علي بن أسباط كان أوثق الناس وأصدقهم
لهجة " (3).

1. حكاه عنه في خلاصة الأقوال: 201 / 7.
2. رجال النجاشي: 62 / 144.
3. رجال النجاشي: 252 / 663.
196

وكذا ما ذكره الشيخ في الفهرست من أن " ابن أبي عمير كان أوثق الناس عند
الخاصة والعامة " (1).
وكذا ما نقله العلامة في الخلاصة عن ابن عقدة من أن " الحسن بن علوان كان
أوثق من أخيه الحسن ومن أحمد عند أصحابنا " (2).
وكذا ما ذكره ابن الغضائري في ترجمة حسن بن علي بن أبي حمزة من أن
أباه أوثق منه (3)، بناء على اجتماع العدالة مع سوء المذهب، وإلا فليس الثقة في
الأوثق بمعنى العدالة قطعا.
لكن يمكن أن يقال: إن المقصود بالأوثقية فيه هو كون الوثوق إلى الأب
أزيد، مع اشتراك الوالد والولد في الضعف. والمرجع إلى الوثوق القليل بالنسبة
إلى الأب، وعدم الوثوق رأسا بالنسبة إلى الولد.
قال ابن الغضائري: " إنه واقف ابن واقف ضعيف في نفسه وأبوه أوثق منه " (4).
فقد بان ضعف الاستدلال بذلك على وثاقة علي بن أبي حمزة.
ومن ذلك الباب أيضا ما قاله العلامة في الخلاصة في ترجمة محمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد من أنه موثوق به (5).
أقول: إنه لا مجال لاطراد الاصطلاح؛ إذ الاصطلاح غير قابل للسراية، كيف
ومن الواضح اختصاص الاصطلاح تعيينا أو تعينا بالمادة الخاصة مع الهيئة
المخصوصة وكونه من شؤون شخص اللفظ الخاص.
نعم، الظاهر أن التعبير بالمشتقات على حسب المعنى المصطلح بالمصدر،

1. الفهرست: 142 / 616.
2. خلاصة الأقوال: 216 / 6.
3. خلاصة الأقوال: 212 / 7.
4. خلاصة الأقوال: 212 / 7.
5. خلاصة الأقوال: 147 / 43.
197

فيتأتى الاصطلاح في المشتقات بالتعين (1) على حسب المعنى المصطلح في
المصدر بالتعيين كما هو المفروض.
لكن تطرق الاصطلاح في أحد المتضادين لا يقتضي كون استعمالات الضد
الآخر فيما يضاد ذلك المعنى المصطلح عليه، كما أن تطرق الاصطلاح في أحد
المتضادين لا يقتضي تطرق الاصطلاح المضاد لذلك الاصطلاح في الضد الآخر،
وقد حررنا في الأصول تطرق النقل على العدالة دون الفسق.
[في تصاريف لفظ " الصحيح "]
ونظير ذلك أن الظاهر أن استعمالات الصحة وتصاريفها في لسان
المتأخرين على حسب الاصطلاح في الصحيح. ودعوى: أن الاصطلاح
إنما هو في الصحة لكنه يسري إلى صروف تصاريفها وشقوق اشتقاقها،
ليست بشيء؛ إذ الظاهر - بل بلا إشكال - أن الاصطلاح قد وقع في الصحيح
كالموثق والحسن، فلا يتجاوز عنه، مع أنه لو كان الاصطلاح واقعا في الصحة فلا
يرى إلى تصاريفها؛ لوضوح عدم اطراد الصحة التي وقع فيها الاصطلاح في
التصاريف.
نعم، ما اطرد فيها إنما هو المهملتان، لكن لم يتطرق الاصطلاح عليهما؛ فما
وقع فيه الاصطلاح لم يطرد، وما اطرد لم يقع فيه الاصطلاح.
هذا كله بناء على ثبوت الاشتقاق. وأما بناء على إنكاره - كما نصرناه (2) في
الأصول - فالأمر أظهر.

1. في " د ": " بالتعيين ".
2. في " د ": " أشرنا ".
198

وربما يشبه المقام ما حررناه في الأصول في تضعيف (1) دعوى
صيرورة العمومات الشرعية مجازات مشهورة في الخصوص من أن المناط
في صيرورة اللفظ مجازا مشهورا هو كون غالب استعمال شخص اللفظ
استعماله في المعنى المجازي، ولم يثبت في العمومات الشرعية الغلبة الشخصية
بكون الغالب في استعمال كل واحد منها استعماله في الخاص، بل غاية ما في
الباب إنما هي كون الغالب في أفراد هذا النوع هو التجوز ولو في الاستعمال
الواحد الذي نحن مطلع عليه بالنسبة إلى كل واحد من الأفراد. وأين ذلك من
المجاز المشهور؟
نعم، ما ذكر إنما يتجه فيما كان عمومه بغير السور، كالجمع المعرف باللام،
أو كان عمومه بالسور وقلنا فيه بكون العام هو المسور، وأما لو كان عمومه بالسور
وقلنا فيه بكون [العام] هو السور فغلبة التخصيص - ولو بالنسبة إلى الموارد -
توجب صيرورة الخصوص من باب المجاز المشهور.
ويعد، فلو قيل في ترجمة: " موثوق به " كما في ترجمة محمد بن الحسن بن
أحمد بن الوليد (2) كما مر، أو " نثق به " فلا مجال للاستعمال في العدالة ولو بناء على
ثبوت الاصطلاح في " ثقة ".
نعم، عموم المتعلق المحذوف المقتضي لثبوت العدالة - لو ثبت العموم - أمر
آخر، فبعض تصاريف " ثقة " بناء على ثبوت الاصطلاح فيها يمكن استعماله في
العدالة، كالثقات وكالأوثق، بناء على كون العدالة هي الملكة، أو نفس الاجتناب
مع ارتكاب العناية كما يظهر مما يأتي. ومن هذا الباب الثقة، بل يمكن القول
باطراد الاصطلاح فيها. وبعضها لا يمكن استعماله في العدالة.

1. في " د ": " تزييف ".
2. خلاصة الأقوال: 147 / 43.
199

الرابع والعشرون
[لو قيل: " فلان أوثق من فلان "]
أنه لو قيل: " فلان أوثق من فلان " كما تقدم في حسن بن علوان (1)، وحسن
بن محمد بن جمهور (2) وعلي بن أبي حمزة (3)، فالظاهر - بل بلا إشكال - دلالته على
وثاقة المفضل عليه بالمعنى اللغوي أو الاصطلاحي.
لكن قد تقدم الكلام في دلالة قول ابن الغضائري - في ترجمة حسن بن
علي بن أبي حمزة " من أن أباه أوثق منه " (4) - على وثاقة علي.
ونظير ذلك ما لو قيل: " فلان أصدق من فلان " كما في ترجمة الحسن بن
علي بن فضال من أن " محمد بن عبد الله أصدق من أحمد بن الحسن بن علي بن
فضال " (5) ففيه دلالة على صدق المفضل عليه، بل على عدالته، بناء على دلالة
الصدق على العدالة كما تقدم من بعض، بل فيه دلالة على عدالة المفضل بناء على
دلالة الصدق على العدالة على تقدير عدالة المفضل عليه.
إلا أن يقال: إن الزيادة في الصدق - سواء كان الكذب بالتعمد أو الخطأ -
لا تقتضي العدالة فضلا عن الأعدلية، فلو كان المفضل عليه عادلا إنما تكون
الأصدقية منه باعتبار قلة الخطأ؛ لعدم إقدام العادل على الكذب بالتعمد وإن جاز
الإقدام نادرا من باب اللمم؛ لكونه من الصغائر أو لم يناف الإقدام بمجرده للعدالة

1. خلاصة الأقوال: 216 / 6.
2. رجال النجاشي: 62 / 144.
3. خلاصة الأقوال: 212 / 7.
4. المصدر السابق.
5. رجال النجاشي: 34 / 72. وفيه: "... قال: وكان والله محمد بن عبد الله أصدق لهجة من أحمد بن
الحسن، فإنه فاضل دين ".
200

لو كان الكذب بالتعمد من باب الكبائر، بناء على زوال العدالة بمجرد ارتكاب
الكبيرة، بناء على كون العدالة من باب الملكة، أو لعدم إصرار العادل على الكذب
بالتعمد، بناء على ظهور الأصدقية في اتفاق الكذب من المفضل عليه كثيرا.
نعم، بناء على دلالة الصدق على العدالة تتأتى الدلالة على عدالة المفضل بناء
على قبول العدالة للتفاضل، بل مطلقا؛ لإمكان الدلالة على العدالة وقصد إفادة
العدالة مع عدم قبول العدالة للزيادة من باب عدم تفطن المترجم بمسألة القبول
رأسا، لا نفيا ولا إثباتا.
الخامس والعشرون
[لو قيل: " فلان أوجه من فلان "]
أنه لو قيل: فلان أوجه من فلان، وكان المفضل عليه ثقة، فهل يدل التفضيل
على وثاقة المفضل، أم لا؟
والفرق بين هذا العنوان والعنوان السابق أن الكلام في العنوان السابق في
الدلالة على وثاقة المفضل عليه، والكلام هنا في الدلالة على وثاقة المفضل.
وبالجملة، قد حكى النجاشي في ترجمة الحسين بن أبي العلاء عن ابن
عقدة أنه قال: " أحمد بن الحسين مولى بني عامر وأخواه علي وعبد الحميد وكان
الحسين أوجههم " (1).
وربما يحكى عن بعض استفادة التوثيق من ذلك؛ تعليلا بأن عبد الحميد ثقة،
والأوجه من الثقة يكون ثقة.
وأورد بأن الوجاهة المستفادة من التفضيل لا تستلزم الوثاقة.
ويرد عليه: أن الوجاهة وإن لا تستلزم بنفسها للوثاقة لكن التفضيل على الثقة

1. رجال النجاشي: 52 / 117.
201

ظاهر في كون مزيد الوجاهة بمزيد الوثاقة. والظهور يكفي ولا حاجة إلى
الاستلزام، كيف! وفي باب الألفاظ يكفي الظن والظهور بالنسبة إلى المراد بل
الموضوع له، على المشهور فيهما.
كيف وقد عد الأصوليون من المنطوق الغير الصريح المدلول بدلالة الإشارة
نحو دلالة آيتي الحمل (1) على كون أقل الحمل ستة أشهر، على ما اشتهر التمثيل به؛
وإن أوردنا عليه بعدم الدلالة في محله.
ولا شك أنه لا تتم دلالة الآيتين على أقل الحمل إلا بانضمام مقدمة خارجية،
هي عدم جواز التناقض في كلام الله سبحانه، كما أن المعدود في كلام الأصوليين
من المنطوق الغير الصريح المدلول بدلالة الإيماء والتنبيه.
والمدار فيها على العلية بملاحظة قضية بعد الاقتران لولا العلية، نحو دلالة
الأمر بالكفارة على علية المواقعة في واقعة الأعرابي، وقضية بعد الاقتران أيضا
خارجية.
بل دلالة ترك الاستفصال على العموم حديث معروف، ولا يتم إلا بمداخلة
العقل كما قيل؛ لفرض إسناد الدلالة إلى الترك، إلا أن الأظهر أن الدلالة مستندة إلى
اللفظ فقط، مضافا إلى أن حديث البناء في المطلق على الفرد الشائع بواسطة
الظهور والانصراف مما شاع وذاع، مع ظهور عدم استلزام المطلق للفرد الشائع.
نعم، ربما وقع التمسك بعدم استلزام العام للخاص من المشهور في باب
عدم دلالة الاستعمال على الحقيقة.
إلا أنه يضعف بما سمعت، فلا بأس باحتمال كون مزيد الوجاهة في غير
الوثاقة؛ لعدم منافاته للظهور المفروض، مضافا إلى أن الاحتمال المشار إليه
ضعيف غير معتد به.
هذا، وقوله: " كان الحسين أوجههم " يمكن أن يكون من كلام النجاشي،

1. البقرة (2): 233؛ الأحقاف (46): 15.
202

ويمكن أن يكون من كلام ابن عقدة. وجرى بعض على القول بالأول.
السادس والعشرون
[لو قيل: هل فلان ثقة؟ فقيل: نعم]
أنه لو قيل: " هل فلان ثقة؟ " فقيل: " نعم " فالظاهر عدم إفادة الجواب
للعدالة، ولا كون السؤال عنها، بناء على ثبوت الاصطلاح في " ثقة "؛ لما تقدم من
اختصاص القول به بالكلمات المدونة في علم الرجال.
نعم، بناء على عدم انفكاك الاعتماد عن العدالة تتأتى استفادة العدالة من
الجواب في الباب؛ لكون الجواب ب‍ " ثقة " بمنزلة التصريح بثقة، فكما تتأتى
استفادة العدالة منها، تتأتى استفادة العدالة من الجواب ب‍ " نعم ".
ومن هذا الباب أنه قيل لمولانا الرضا (عليه السلام): أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ
منه معالم ديني؟ فقال: " نعم " (1).
إلا أن يقال: إن قول القائل: " آخذ منه معالم ديني " يكشف عن كون السؤال
عن العدالة، فالجواب يدل على العدالة. والأمر في السؤال والجواب من باب قيام
القرينة، فيخرج الأمر عن مورد الكلام، إذ الكلام في صورة خلو السؤال عن
القرينة بتمحض السؤال في السؤال عن الوثاقة، كما هو الحال في جميع موارد
البحث عن مداليل الألفاظ.
إلا أن يقال: إنه مبني على كون الغرض من أخذ معالم الدين هو التقليد؛
لاشتراطه بالعدالة. وأما لو كان الغرض هو مجرد الاستعلام عن السنة، فلا دلالة
فيه على كون السؤال عن العدالة؛ إذ كان المدار في قبول الرواية في أعصار
الحضور على الصدق والاعتماد، كما أن الحق عدم اشتراط العدالة في حجية خبر

1. رجال الكشي 2: 779 / 910.
203

الواحد في أعصار الغيبة، ولو بناء على حجية الظنون الخاصة.
السابع والعشرون
[لو قيل: " فلان من ثقات الصادق (عليه السلام) "]
أنه لو قيل في كلمات أهل الرجال: " فلان من ثقات مولانا الصادق (عليه السلام) "
مثلا، فيمكن أن يقال: إن الإضافة قرينة على كون الغرض المعنى اللغوي، كما هو
المتعارف في الاستعمالات العرفية، كما يقال: " زيد من ثقات العالم الفلاني ".
إلا أن يقال: إنه بعد ثبوت الاصطلاح في " ثقة " فيما يدل على العدالة لابد من
الحمل عليه؛ لعدم قيام ما يعاند الحمل عليه، كما هو الحال في حمل الألفاظ على
معانيها الحقيقية.
إلا أن يقال: إن قرينة المجاز لا يلزم فيها التعاند، بل يكفي مجرد كونها مظهرة
عن إرادة المعنى المجازي، ومن هذا الباب حمل المطلق على المقيد فيما لو قيل:
" أعتق رقبة مؤمنة " مثلا، مع عدم ثبوت (1) وحدة المطلوب من الخارج، بناء على
كون التقييد من باب المجاز. ومن هذا جواز الجمع بين القول بالتقييد بالصفة مع
عدم حجية مفهوم الوصف.
وتفصيل الحال موكول إلى ما حررناه في الأصول.
ومن ذلك الباب أيضا التخصيص ببدل البعض، وكذا حمل الجمع المعرف

1. قوله: " مع عدم ثبوت " إلى آخره، حيث إنه لو ثبت وحدة المطلوب من الخارج يتأتى التعاند من جهة
التعيين والتخيير. وإن قلت: إن مع عدم ثبوت وحدة المطلوب من الخارج لابد في التقييد من فهم
وحدة المطلوب عرفا، فيتأتى التعاند. قلت: إن العرف يحكم أولا بكون المقصود من المطلق هو
التقييد ويلزمه وحدة المطلوب، وليس الأمر على سبيل التدريج بأن يحكم العرف بالوحدة أولا ثم
يحكم بكون المقصود بالمطلق المقيد، حتى يكون التقييد مسبوقا بثبوت التعاند. (منه عفي عنه).
204

باللام، والمفرد المعرف باللام، بناء على كونهما موضوعين للعموم على المعهود
مع عدم تعاند العهد للحمل على العموم، بل بناء على عدم وضعهما للعموم
وظهورهما فيه يكون الأمر من باب ارتكاب خلاف الظاهر مع عدم معاندة العهد
للحمل على الظاهر؛ إذ لا فرق في قرينة خلاف الظاهر من حيث اشتراط المعاندة
للظاهر بين كون خلاف الظاهر من باب الحقيقة أو المجاز.
ومن ذلك الباب أيضا تخصيص العام بإرجاع الضمير إلى بعض أفراده، وكذا
تخصيص العام بالسبب وكذا الكناية على القول بكونها من باب المجازية، فلا
بأس في المقام بحمل الوثاقة على المعنى اللغوي، قضية ظهور الإضافة في كون
الفرض المعنى اللغوي، مع عدم معاندة الإضافة للحمل على المعنى المصطلح.
الثامن والعشرون
[في الجواب عن السؤال عن الوثاقة بالصلاح]
أنه قد حكى الكشي في ترجمة سالم بن مكرم (1) عن ابن مسعود أنه سأل
أبا الحسن علي بن الحسن عن وثاقة سالم بن مكرم بقوله: " ثقة؟ " فقال: " صالح " (2).
والظاهر أن المقصود بعلي بن الحسن هو علي بن الحسن بن فضال
بملاحظة ما تقدم من أنه قد عد من كتب علي بن الحسن بن فضال كتاب الرجال؛
حيث إن اطلاعه على أحوال الرجال يقتضي مناسبة للسؤال عن الحال.
وبملاحظة ما تقدم مما نقله الكشي عن حمدويه عن علي بن الحسن بن

1. قوله: " مكرم " بضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء كما عن التوضيح. هذا، ويشبه السؤال والجواب
المذكورين ما نقله الكشي عن ابن مسعود أنه سأل علي بن الحسن عن خالد بن جرير الذي يروي عنه
الحسن بن محبوب، فقال: كان صالحا (منه عفي عنه).
2. رجال الكشي 1: 352 / 661.
205

فضال توثيق مسمع (1) بناء على عدم اشتراط ما يتأتى في الأسانيد مما في حكم
حمل المطلق على المقيد باتحاد الراوي.
وبملاحظة ما نقله الكشي في ترجمة أحمد بن عائذ عن ابن مسعود أنه قال:
" سألت علي بن الحسن بن فضال عن أحمد بن عائذ كيف هو؟ قال: صالح " (2).
وكذا ما نقله الكشي أيضا في ترجمة إسماعيل حقيبة عن ابن مسعود أنه قال:
" سألت علي بن الحسن بن فضال عن إسماعيل حقيبة، قال: صالح " (3).
وبملاحظة أن أحمد بن عائذ - على ما ذكره النجاشي - صحب سالم بن مكرم
وأخذ عنه، وقد سمعت سؤال ابن مسعود عن علي بن الحسن بن فضال عن
حاله (4)؛ فالظاهر كون المسؤول عنه في المتصاحبين متحدا في البين.
وربما يقال: إن المقصود بعلي بن الحسن في المقام هو علي بن الحسن
الطاطري.
ويظهر ضعفه بما سمعت، مضافا إلى اشتهار علي بن الحسن بن فضال.
وبالجملة، فقد حكى الفاضل الخواجوئي أنه يظهر من الجواب المذكور أن
الصلاح فوق الوثاقة، أو بالعكس.
واستظهر الأول تعليلا بأن الصالح هو الخالص عن كل فساد، وحكى عن
قائل أن الصالح هو المقيم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق الناس.
وحكى عن الزجاج في معاني القرآن أن الصالح هو الذي يؤدي إلى الناس
حقوقهم.
أقول: إنه يمكن القول بمساواة الصلاح للوثاقة بناء على كون المقصود
بالوثاقة العدالة، فيكون الجواب بالوثاقة كما تقدم في جواب حمدويه عن الكشي

1. رجال الكشي 1: 310 / 560.
2. رجال الكشي 2: 653 / 671.
3. رجال الكشي 2: 634 / 637.
4. رجال النجاشي: 98 - 99 / 246. رجال الكشي 2: 653 / 671.
206

في باب هشام المشرقي (1).
لكن يمكن أن يقال: إنه بناء على تطرق الاصطلاح في " ثقة " إنما هو في الكلمات
المدونة من أرباب الرجال ولم يتطرق الاصطلاح عليه في محاورات الرواة كما
مر، فالسؤال في المقام إنما كان عن الوثاقة بالمعنى اللغوي، أعني الاعتماد.
والظاهر في المقام كون الغرض الاعتماد في جميع المراحل أي العدالة؛ إذ
الظاهر أن الداعي على السؤال هو تعرف صدق المسؤول عن وثاقته أعني السالم؛
لأنه كان المدار في أعصار الحضور على الصدق، وهذا يتأتى ولو قلنا بأن الغرض
من " ثقة " في كلمات أرباب الرجال هو بيان حال الراوي، ولا ينحصر الغرض في
إظهار الصدق.
فالظاهر الاعتماد في جميع المراحل أي العدالة؛ إذ ليس في البين ما يوجب
الانصراف إلى بعض المراحل أعني النقل.
أو قلنا: إن الظاهر من تدوين الوثاقة بالمعنى اللغوي هو كونها من جهة
استئناس العدالة، أو قلنا بكون الغرض من " ثقة " في كلمات أرباب الرجال العدالة
بملاحظة اشتراطها ممن اشترط.
فالصلاح في الجواب فوق الوثاقة، بناء على ظهوره عرفا في العدالة أو ما
فوقها، وإلا فيمكن القول بظهوره في الصلاح في النقل، بل هذا مقتضى ظهور
تطابق الجواب والسؤال، لفرض كون السؤال عن الاعتماد في النقل.
[في اتحاد سالم بن مكرم مع سالم بن أبي سلمة]
ثم إن سالم بن مكرم يكنى بأبي خديجة، وقال النجاشي: " إن كنيته كانت أبا
خديجة، والصادق (عليه السلام) كناه أبا سلمة " (2). لكن ذكر الشيخ في الفهرست أن أبا سلمة

1. رجال الكشي 2: 790، ذيل الرقم 955.
2. رجال النجاشي: 188 / 501.
207

كنية مكرم (1).
وقد وقع الكلام في اتحاد سالم بن مكرم مع سالم بن أبي سلمة وتعددهما.
فمقتضى ما سمعت من الشيخ في الفهرست طرح الاتحاد، ومال إليه السيد
السند التفرشي (2) وجرى النجاشي على التعدد.
ويكنى بأبي خديجة سالم بن سلمة أيضا، كما هو مقتضى صريح ابن داوود
في ترجمة سالم بن سلمة (3)، وكذا السيد السند التفرشي في باب الكنى (4).
لكن مقتضى كلام العلامة في الخلاصة في باب الكنى انحصار المكنى في
سالم بن مكرم (5)، بل مقتضى صنيعة الكشي والنجاشي حيث لم يذكرا سالم بن
سلمة انحصار سالم في ابن مكرم.
لكن ذكر الشيخ في الرجال سالم بن سلمة (6)، ولم يذكر سالم بن مكرم،
فمقتضاه انحصار سالم في ابن سلمة.
فتارة يتأتى الكلام في اتحاد سالم بن مكرم، وأخرى في انحصار سالم في
ابن مكرم وابن سلمة وتعددهما.
[الكلام في " صالح مرضي "]
بقي أنه قد ذكر الصلاح في حق جماعة، كإبراهيم بن محمد بن العباس (7)

1. الفهرست: 79 / 337.
2. نقد الرجال 2: 298 / 2171.
3. رجال ابن داوود: 100 / 668.
4. نقد الرجال 5: 154 / 5992.
5. خلاصة الأقوال: 227 / 2.
6. رجال الشيخ: 217 / 117.
7. رجال الشيخ: 438 / 6؛ خلاصة الأقوال 7 / 28.
208

الختلي (1)، وعبد الله بن طاهر (2)، وشهاب بن عبد ربه، وإخوانه عبد الرحيم
وعبد الخالق ووهب (3).
ومقتضى صريح الشهيد الثاني في الدراية عدم دلالته على العدالة (4)، ومقتضى
ما عن بعض - من تضعيف نوح بن شعيب (5) مع ما ذكره الشيخ في الرجال في
ترجمته من أنه " كان فقيها صالحا مرضيا " (6) - عدم الدلالة على المدح أيضا،
ومقتضى ما عن المنتقى في باب ما يمنع منه الجنب أو يكره - من عد حديث
نوح بن شعيب حسنا (7) - الدلالة على المدح.
وربما يقال بالدلالة على العدالة استنادا إلى عموم المتعلق المحذوف اللازم
بارتكاب حذفه على حسب لزوم المتعلق للصلاح، وليس ما يليق بالحذف أمرا
خاصا، فلابد من إضمار العام حذرا من لزوم الإجمال المخالف للظاهر، بل
الحكمة كما هو مشرب البعض.
وفيه: أنه يمكن دعوى ظهور كون المضمر النقل أو الحديث أو
الرواية بقرينة المقام، كما تقدم في " ثقة "، وليس هاهنا ما كان يؤيد إضمار
العموم في " ثقة " من فهم المشهور المعارض بالاستقراء المتقدم، بل الاستقراء
مقدم عليه.

1. قوله: " الختلي " بضم الخاء المعجمة وبعدها تاء منقطة فوقها نقطتين، كما في خلاصة الأقوال، وفي
القاموس: الختل كسكر: كورة بما وراء النهر (منه عفي عنه).
2. رجال الشيخ: 479 / 11.
3. رجال الكشي 2: 712 / 778 و 779.
4. الدراية: 77.
5. ذكره عبد النبي في الضعاف، انظر حاوي الأقوال 339 / 2104، وانظر منتهى المقال 6:
390 / 3133.
6. رجال الشيخ: 408 / 1.
7. منتقى الجمان 1: 179.
209

بل يرشد إلى إضمار الحديث ما يقال: " صالح في الحديث " كما هو مقتضى
كلام الشهيد الثاني في الدراية (1). وكذا ما يقال: " صالح الرواية " كما في ترجمة
أحمد بن هلال (2).
لكن " الصلاح " - المستعمل في الشخص - في العرف لا يكون في قبال
الفاسد، بل إنما هو يستعمل في العادل، أو من هو أعلى درجة منه، بل قد قوبل
الصلاح بالسوء في بعض الأخبار (3).
وعلى أي حال لا إشكال في الدلالة على المدح.
وبما تقدم يظهر القول بالدلالة على المدح، والقول بعدم الدلالة عليه في
" صالح مرضي ".
وجرى بعض فيه على القول بالدلالة على العدالة، واستفادة من العلامة حيث
إنه عد نوح بن شعيب من القسم الأول، مع أنه ذكر في ترجمته أنه كان فقيها (4).
ولا مجال لدلالته على العدالة، والظاهر أن المنشأ ما ذكره الشيخ، وسقط
" الصالح مرضي " عن القلم، ولا بأس به.
وقد ضبطنا ما وقع من العلامة من أمثال ما ذكر في الرسالة المعمولة في
النجاشي.
ولعل القول بعدم الدلالة على العدالة أظهر. نعم، لا إشكال في الدلالة على
المدح.

1. الدراية: 77.
2. رجال النجاشي: 83 / 199.
3. قوله: " في بعض الأخبار " هو [ما] روى الكشي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان بلال عبدا
صالحا وكان صهيب عبد سوء " وفي ترجمة نصر بن مزاحم " أنه صالح للأمر " (منه مد ظله العالي).
رجال الكشي 1: 190 / 79؛ رجال النجاشي: 427 / 1148.
4. انظر خلاصة الأقوال: 174 / 1.
210

التاسع والعشرون
[اعتماد النجاشي على جميع من رووا عنه]
أن المستفاد من طريقة النجاشي من عدم الرواية عن الضعفاء والمتهمين -
كما يظهر مما حررناه في الرسالة المعمولة في بابه - اعتماده على جميع من روى
عنه، ووثوقه بهم، وسلامة مذاهبهم ورواياتهم عن الضعف والغمز. ومزيد الكلام
موكول إلى الرسالة المشار إليها.
الثلاثون
[مقتضى حكم النجاشي في طائفة]
[من الطرق بالضعف اعتبار سائر الطرق]
أنه قد حكم النجاشي في طائفة من الطرق بالضعف أو الجهالة، ومقتضاه
اعتبار سائر الطرق ووثاقة رجاله فيما سكت عن حاله ولا سيما مع إكثار النقل.
ومن أراد مزيد الكلام فليراجع إلى الرسالة المسبوقة بالذكر.
الواحد والثلاثون
[في قولهم: " يعتمد المراسيل "]
أن السيد السند النجفي جعل قولهم في مقام التضعيف: " يعتمد المراسيل ويروي
عن الضعفاء والمجاهيل " في قصره التوثيق من القائل لكل من هو يروي عنه.
ولعله لا يخلو عن قوة.
وربما جعل من باب التوثيق قولهم: " ضعفه أصحابنا " أو " غمز عليه أصحابنا،
211

أو بعض أصحابنا " من غير تعيين؛ تعليلا بأنه لولا الوثوق بالكل لما حسن هذا
الإطلاق، بل وجب تعيين المضعف والغامز أو التنبيه إلا أنه من الثقات.
أقول: إن أمر التضعيف سهل؛ لسهولة رفع الظن، بخلاف حصول الظن.
ويكفي في عدم اعتبار الخبر عدم حصول الظن بالصدور، ولا حاجة إلى حصول
الظن بعدم الصدور، بناء على اعتبار الظن (1) الشخصي في الخبر الصحيح كما هو
الأظهر. ولا كلام في اعتباره في غير الخبر الصحيح، فنقل التضعيف - ولو من
بعض الأصحاب - مع عدم ثبوت وثاقته يكفي في الضعف.
إلا أن يقال: إن بعض الأصحاب لعله كان غير إمامي، وكان تضعيفه من جهة
الإمامية.
لكنه بعيد؛ إذ الظاهر أن التضعيف بقول مطلق بأمر مسلم كونه موجبا
للتضعيف، ومع ذلك نقل التضعيف أو الغمز من أصحابنا يوجب الظن بالضعف،
وفيه الكفاية.
وربما يستفاد من السيد السند المشار إليه دلالة رواية أرباب الرجال بمجردها
على التوثيق؛ نظرا إلى اعتذارهم عن الرواية عن ابن فضال والطاطريين وأمثالهم
من الفطحية والواقفية وغيرهم بعمل الأصحاب برواياتهم؛ لكونهم ثقاتا في
النقل، واعتذارهم عن ذكر ابن عقدة باختلاطه بأصحابنا، ومداخلته لهم، وعظم
محله وثقته وأمانته، واعتذار النجاشي عن ذكر من لا يعتد به بالتزامه ذكر من
صنف من أصحابنا أو المنتهين إليهم. قال في محمد بن عبد الملك بن محمد بن
التبان (2): " كان معتزليا ثم أظهر الانتقال ولم يكن ساكنا، وقد ضمنا أن نذكر كل من
ينتهي إلى هذه الطائفة " (3). وقال في باب مفضل بن عمرو: " إنه كوفي فاسد

1. في " د " زيادة: " بعدم الصدور بناء على اعتبار الظن ".
2. قوله: " التبان " بالتاء المثناة الفوقانية والباء الموحدة والنون (منه عفي عنه).
3. رجال النجاشي: 403 / 1069.
212

المذهب، مضطرب الرواية لا يعبأ به وإنما ذكرناه للشرط الذي قدمناه " (1).
أقول: إنه لم أظفر بالاعتذار عن الرواية عن بني فضال وأمثالهم في
الرجال بما ذكر. وأما الاعتذار عن ذكر ابن عقدة فإنما هو من الشيخ في الفهرست،
إلا أنه اعتذر عن ذكره في كتابه مع كون كتابه لبيان الإماميين من أرباب الأصول
والتصانيف، وذكر الأصول والمصنفات، كما يشهد به كلامه صدر الفهرست (2).
واعتذار النجاشي فيما ذكره على هذا المنوال، فإنه اعتذر عن ذكر فاسد
المذهب في كتابه الموضوع لذكر الإماميين من أرباب التصانيف وتصانيفهم، كما
يرشد إليه كلامه صدر كتابه أيضا.
قوله: " أو المنتهين إليهم " لا يتحصل له حاصل، مع أنه مبني على كون قوله:
" من ينتهي " من الانتهاء صحيحا، وليس كذلك، بل النسخة " ينتمي ". ويصح
المعنى مع الانتماء.
الثاني والثلاثون
[لو صدر التوثيق من مجهول الحال وتحصل الظن بالوثاقة]
أنه لو صدر التوثيق من شخص مجهول الحال، أو فاسق غير ممدوح،
وتحصل الظن بالوثاقة بمعنى العدالة أو الاعتماد في الاستناد، فهل يعول على
التوثيق المذكور أم لا يعول عليه، بناء على عدم اعتبار الظن الناشئ من الخبر
الضعيف في باب إثبات الأحكام الشرعية ولو بناء على حجية مطلق الظن؛ لقيام
الإجماع على عدم اعتبار ذلك؟
وبعبارة أخرى: لو ارتكب التوثيق من لا يقبل خبره في باب إثبات الأحكام

1. رجال النجاشي: 416 / 1112.
2. الفهرست: 1 - 2.
213

الشرعية بناء على حجية مطلق الظن، فهل يقبل توثيقه أم لا؟
أقول: إن الأظهر التعويل بناء على كفاية الظن بالعدالة على تقدير كون الوثاقة
مفيدة للعدالة. ولعل الحال على هذا المنوال بناء على عدم كفاية الظن بالعدالة؛ إذ
مدرك اعتبار الظن في الرجال - على ما حررناه في محله - هو الإجماع المستنقذ
من استقرار طريقة الأصحاب على الاكتفاء بالقرينة؛ كما يرشد إليه سيرة
الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير؛ حيث إنه من جهة قضاء الاستقراء في
روايته بعدم روايته من الثقة، وليس هذا إلا من جهة الاكتفاء بمطلق القرينة؛ إذ لا
خصوصية في هذه القرينة قطعا، ويدخل التوثيق المعنون في باب القرينة، ولو لم
يدخل فيها، فلا فرق بينه وبينها قطعا، فيتأتى التعويل عليه.
إلا أن يقال: إنه وإن لم يتأت الإجماع على عدم اعتبار التوثيق المشار إليه لكن
قيام الإجماع على عدم اعتبار الخبر الضعيف ‍ الخالي عن الانجبار في إثبات
الأحكام الشرعية ولو على القول بحجية مطلق الظن - يوهن القطع بعدم الفرق في
المقام على فرض خروج التوثيق المشار إليه عن القرينة.
الثالث والثلاثون
[توثيقات المفيد في الارشاد تفيد العدالة أم لا؟]
إن توثيقات الشيخ المفيد في الإرشاد هل تفيد العدالة، أم لا؟
قد تقدم أن السيد السند النجفي قد عقد في أواخر رجاله عنوانا لرجال
الإرشاد، وضبط كل من أتى الشيخ المفيد بكلام في حقه (1).
وبالجملة، تأمل في المقام بعض - نقلا - تعليلا باتفاق التوثيق في جماعة قد
وقع الاتفاق على ضعفهم.

1. رجال السيد بحر العلوم 4: 63.
214

فهو ربما يرشد إلى كون الغرض من التوثيق أمرا آخرا غير العدالة، ولا أقل
من توهين الدلالة على العدالة.
وقال العلامة البهبهاني: " وعندي أن استفادة العدالة منها لا يخلو عن تأمل،
كما لا يخفى على المتأمل في الإرشاد في مقامات التوثيق. نعم، يستفاد منها القوة
والاعتماد " (1).
أقول: إن مورد الكلام ما لو كان التوثيق بلفظ " ثقة "، وأما لو كان بغير " ثقة "
- كما تقدم أنه ذكر في حق جماعة أنهم من ثقات الكاظم (عليه السلام) - فهو خارج عن
مورد الكلام؛ إذ لو اتفق ذلك في كلام أهل الرجال، يتأتى الكلام في دلالته على
العدالة، كما يظهر مما مر.
والكلام في المقام إنما يختص بما كانت جهة عدم إفادته للعدالة مختصة
بالصدور عن الشيخ في الإرشاد، ومورد هذا المضمون منحصر فيما لو كان التوثيق
ب‍ " ثقة ".
وعلى أي حال، فقد تقدم أنه يمكن القول بدلالة التوثيق ب‍ " ثقة " في الإرشاد
على العدالة لو قلنا بدلالة " ثقة " في كلمات أهل الرجال على العدالة من باب عموم
حذف المتعلق، بل يمكن استفادة العدالة من التوثيق المشار إليه بناء على جميع
المشارب المتقدمة في الجواب عن الإشكال المتقدم في الأخذ بتوثيقات أهل
الرجال وجرحهم.
نعم، لو كانت دلالة التوثيق ب‍ " ثقة " في كلمات أهل الرجال على العدالة من
باب تطرق الاصطلاح، فلا مجال لدلالة التوثيق المشار إليه على العدالة.
هذا، والتأمل المذكور من العلامة البهبهاني ينافي التمسك منه في باب
محمد بن سنان بتوثيق الشيخ المفيد في الإرشاد (2) خصوصا مع كون التوثيق على وجه

1. تعليقة الوحيد البهبهاني (المطبوعة مع منهج المقال للأسترآبادي): 11.
2. تعليقة الوحيد البهبهاني: 298؛ الإرشاد 2: 248.
215

الإضافة إلى مولانا الصادق (عليه السلام)، ولاسيما مع معارضة التوثيق بالتضعيف المحكي عن
الشيخ المفيد في رسالته في الرد على الصدوق في أن شهر رمضان لا ينقص (1).
لكنه تفطن بأصل المنافاة، قال: " ويمكن العلاج، وسيجئ في ترجمته " (2).
ولعل الغرض من العلاج عدم ابتناء توثيق محمد بن سنان على دلالة توثيق الشيخ
المفيد على العدالة انحصار ما يدل على وثاقته وعدالته في ذلك.
لكنك خبير بأن هذا العلاج لا يعالج المنافاة، بل يعالج القول بوثاقة محمد بن
سنان مع القول بعدم توثيق شيخنا المفيد في الإرشاد على العدالة. وأين هذه
المعالجة من معالجة الجمع بين التمسك بتوثيق الشيخ المفيد في الإرشاد لمحمد
بن سنان، والتأمل في دلالة توثيقات الشيخ المفيد في الإرشاد على العدالة وهي
المقصود، وأين إحدى المعالجتين عن الأخرى؟ بل في البين بعد المشرقين.
الرابع والثلاثون
[رواية المعصوم عن الراوي هل تقتضي العدالة أم لا؟]
إن رواية المعصوم عن الراوي هل تقتضي العدالة، أم لا؟
أقول: إنه قد اتفق هذا العنوان في باب جابر بن عبد الله الأنصاري؛ حيث إنه
روى الكشي بالإسناد عن محمد بن مسلم وزرارة قال: سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن
أحاديث، فرواها عن جابر (3).
ويمكن أن يقال: إن الظاهر من الرواية ابتناؤها على الاطمئنان بنقل الراوي.
والظاهر أن الاطمئنان إنما كان مبنيا على استكشاف العدالة، فالظاهر من الرواية

1. الرسالة العددية (ضمن مصنفات الشيخ المفيد) 9: 20.
2. تعليقة الوحيد البهبهاني: 11.
3. رجال الكشي 1: 205 - 235 / 86 - 93.
216

ابتناؤها على انكشاف العدالة، فالرواية تقتضي العدالة. والأمر بمنزلة أن يقول
المعصوم (عليه السلام) في حق الراوي المروي عنه: " ثقة ".
الخامس والثلاثون
[في مشاركة " الحسن " " الصحيح " في أصل العدالة]
أنه قد حكم السيد السند النجفي بأن " الحسن " يشارك " الصحيح " في أصل
العدالة، وإنما يخالفه في الكاشف عنها، فإنه في الصحيح هو التوثيق أو ما
يستلزم، بخلاف الحسن؛ فإن الكاشف فيه حسن الظاهر المكتفى به في ثبوت
العدالة على أصح الأقوال.
وبهذا رفع التنافي بين القول بحجية الحسن، مع القول باشتراط العدالة في
اعتبار الخبر، كما نقله عن المشهور.
أقول: إن المدار في حسن الظاهر المذكور في كلام المشهور على حسن
الظاهر المعلوم برأي العين، وفي حكمه حسن الظاهر المعلوم بالسمع قضية
حجية العلم. وأما حسن الظاهر المظنون بتوسط الخبر - ولا سيما لو كان مستفادا
من الخبر، كما في موارد المدح بمثل " عظيم المنزلة " - فلم تثبت قناعة المشهور به
في العدالة، بل لا إشكال في عدم القناعة، كيف! وتعليق الحكم على الموضوع في
كلمات الفقهاء يقتضي إناطة الحكم بالموضوع واقعا.
ويرشد إليه عدم اعتبار الظن بالموضوع من حيث التحصيل (1) عند المشهور.
وكيف! ومدرك اعتبار حسن الظاهر إنما هو صحيحة ابن أبي يعفور، والمدار فيها
ولا سيما ما رواه في التهذيبين على مشاهدة التعاهد للجماعة في أوقاتها (2).

1. في " د ": " التحصل ".
2. التهذيب 6: 241، ح 596، باب البينات؛ الاستبصار 3: 12، ح 33، باب العدالة المعتبرة في
الشهادة؛ وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41، ح 1 و 2.
217

نعم، قد أخذ في الصحيحة المشار إليها على ما رواه في الفقيه أنه إذا سئل عنه
في قبيلته ومحلته قالوا: " لا نعلم منه إلا خيرا " (1).
إلا أنه لا يجدي في اعتبار الإخبار بحسن الظاهر فقط؛ لأنه قد أخذ السؤال
منضما إلى مشاهدة التعاهد، فلا دلالة فيه على اعتبار الإخبار بحسن الظاهر فقط.
ومزيد الكلام موكول إلى ما حررناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل
الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمد بن الحسن.
السادس والثلاثون
[في رد توثيقات العلامة]
أنه قد حكم صاحب المعالم - على ما حكى عنه نجله الزكي شفاها - بعدم
اعتبار توثيقات العلامة؛ تعليلا بكثرة أوهام العلامة، وقلة مراجعته في الرجال،
وأخذه من كتاب ابن طاووس وهو مشتمل على أوهام.
كما أنه قد حكم النجل المشار إليه بعدم اعتبار تصحيحات العلامة؛ تعليلا
بكثرة ما وقع له من الأوهام في توثيق الرجال. قال: نعم، يشكل الحال في توثيق
الشيخ؛ لأنه كثير الأوهام أيضا. ثم قال: الاضطراب قد علم من العلامة في
التصحيح كما يعرف من المنتهى.
ويقتضي القول بذلك ما ذكره الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة عند
ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس من " أن الغالب من طريقة العلامة في الخلاصة
متابعة السيد جمال الدين بن طاووس، حتى شاركه في كثير من الأوهام " (2).
وكذا ما ذكره السيد السند التفرشي في ترجمة حذيفة بن منصور من " أن

1. الفقيه 3: 24، ح 65، باب العدالة؛ وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41، ح 1.
2. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 8.
218

العلامة في الخلاصة كثيرا ما وثق الرجل بمحض توثيق النجاشي أو الشيخ، وإن
كان ضعفه ابن الغضائري أو غيره " وعد جماعة (1).
وحكى المولى التقي المجلسي عن صاحب المعالم أنه لم يعتبر توثيق
العلامة، والسيد بن طاووس، والشهيد الثاني بل أكثر الأصحاب؛ تمسكا بأنهم
ناقلون عن القدماء (2).
كما أنه قد حكم المولى المشار إليه بعدم اعتبار تصحيحات العلامة؛ تعليلا
بكثرة تصحيحه بالصحة عند القدماء، فلا يجدي في الصحة باصطلاح
المتأخرين، ومع ذلك العلامة كان شديد العجلة كما علم بالاستقراء في الخلاصة،
كما أشار إليه النجل المشار إليه في بعض التراجم.
وقيل: وكأن تجديد النظر لم يكن من عادته، كما لا يخفى على المتتبع (3).
وإن قلت: إنه يرجع إليه دعوى قلة المراجعة من صاحب المعالم كما تقدم.
قلت: إن قلة المراجعة إنما تستدعي العجل في الجملة، وأما شدة العجل
بحيث تمانعت عن تجديد النظر فهي أخص من العجل، والأمر فيه أشد.
وإن قلت: إن المقصود من قلة المراجعة إنما هو تجديد النظر، فيتحد ذلك
مع دعوى قلة المراجعة فيما تقدم.
قلت: إن المدعى فيما تقدم إنما هو قلة الرجوع إلى كلمات أرباب الرجال،
كما هو صريح العبارة المتقدمة، وأين هذا من قلة الرجوع إلى ما تألف المقصود
بقلة تجديد النظر؟

1. نقد الرجال 1: 407 / 1195. والجماعة مثل: محمد بن عيسى اليقطيني، ومحمد بن إسماعيل بن
محمد، ومحمد بن خالد؛ وانظر خلاصة الأقوال - حسب الترتيب -: 141 / 22؛ 154 / 89؛ 139 / 14.
2. روضة المتقين 14: 17.
3. لؤلؤة البحرين: 226.
219

السابع والثلاثون
[كلام ابن داوود في التوثيق أو نقله]
أنه قد ذكر المولى التقي المجلسي أن كلام ابن داوود ومن تأخر عنه: ثقة
جش، أومح، أوست، من باب التوثيق ونقل التوثيق، وبعبارة أخرى من باب
الدراية والرواية وعلى منوال " ثقة " حال غير ثقة.
وليس بالوجه؛ حيث إن الظاهر - بل بلا إشكال - أن الأمر من باب صرف
النقل والرواية، بل الظاهر أن المقالة المذكورة مختصة بالمولى المشار إليه.
الثامن والثلاثون
[في قولهم: " ليس بذاك الثقة "]
أنه قد يقال على ما يقال في بعض التراجم: " ليس بذاك الثقة " وربما قيل
بإشعاره إلى نوع من المدح؛ بملاحظة أن الظاهر كون الغرض أنه ليس بحيث
يوثق به وثوقا تاما، فمقتضاه ثبوت نوع من الوثوق.
ولعله لا بأس به.
وتحريره أن مقتضى ورود النفي على المقيد كون المتقي والمسلوب كمال
الوثوق، فمقتضاه ثبوت نوع من الوثوق.
هذا، ولا مجال لكون المقصود بالوثاقة في المقام هو العدالة؛ بناء على
كونها هي نفس الاجتناب كما هو الأظهر؛ لعدم قابلية العدالة للمرتبة
والتفاضل على ذلك، كيف! والأعدام لا تتمايز حتى صار من المثل، ومن ذلك
الاستدلال على اعتبار الملكة في العدالة بتضافر النصوص والفتاوى باعتبار
الأعدلية في موارد، كتشاح الإمامين، وتعارض الشاهدين، واختلاف الروايتين.
220

فالعدالة لابد أن تكون من الملكة؛ لأن اعتبار الأعدلية يكشف عن قبول
العدالة للمرتبة، فلابد أن تكون من الأمور الوجودية؛ لأن الأعدام لا تمايز فيها ولا
تقبل التفاضل، فبطل كونها نفس الاجتناب، ولابد من كونها هي الملكة؛
فالمقصود بالثقة في " ليس بذاك الثقة " هو المعنى اللغوي أعني الاعتماد، وهو من
الأمور القلبية والموجودات النفسانية.
لكن يشكل الاستدلال المذكور بعد النقض بالأورع في بعض موارد ذكر
الأعدل؛ حيث إن الورع ليس من باب الملكة، بل بمعنى ترك المحارم،
بل بالأترك في بعض أخبار التثليث من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرسلة
الصدوق: " فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك " (1) وإن كان
الظاهر أن المقصود أن من تباعد عن فعل المشتبهات فهو عن فعل الحرام البين
أبعد بأن الترك وإن لا يقبل التفاضل كيفا باعتبار المتعلق - وبعبارة أخرى لا يقبل
الشدة والضعف - إلا أنه يقبل التفاضل كما باعتبار المتعلق؛ حيث إنه ربما يترك
شخص معصية، وآخر معصيتين، وثالث ثلاثة، أو يترك شخص معصية في زمان،
ويترك أخرى في زمان زائدا على ذلك الزمان، وهكذا. والتفاضل في اسم
التفضيل لا يلزم أن يكون من جهة الكيف.
فإن قلت: إن المفروض في العادل كونه مجتنبا عن الكبائر والإصرار على
الصغائر، فكيف يكون أحد العادلين أزيد تجنبا عن الآخر؟
قلت: في المقام عرض عريض؛ حيث إن أحدهما ربما يتكرر منه ارتكاب
كبيرة ويتوب كل مرة، والآخر لا يرتكب الكبيرة رأسا، أو يتكرر منه ارتكاب
كبيرة واحدة مع التوبة كل مرة، وهو أزيد تجنبا من الأول، وهكذا. بل ربما
يتجنب أحدهما عن الشبهات تجنبا عن المحرمات الواقعية، والآخر يقتصر على

1. الفقيه 4: 53، ح 193، باب نوادر الحدود؛ وسائل الشيعة 18: 118، أبواب صفات القاضي، ب 12،
ح 22.
221

الاجتناب عما ثبت حرمته؛ فتجنب الأول أزيد.
لكن الوجه المذكور بعيد في " ليس بذاك الثقة " فالظاهر أن المقصود بالوثاقة
فيه الاعتماد.
ويمكن أن يقال: إنه لو كانت العدالة من باب الملكة، فلابد من كون الغرض
في المقام هو نفي زيادة الملكة.
وهو بعيد وخلاف الظاهر المتعارف في المحاورات، كما مر، فالمقصود
بالوثاقة في المقام هو الاعتماد ولو كانت العدالة من باب الملكة.
[في قولهم: " ليس بذاك الثقة في الحديث "]
وبما ذكرنا يظهر الحال في " ليس بذاك الثقة في الحديث " كما ذكره
في الفهرست في ترجمة أحمد بن علي أبي العباس الرازي الخضيب الأيادي (1)،
ولعله سقط " في الحديث " في كلام من ذكر أنه ذكر ليس بذاك الثقة في بعض
التراجم.
ثم إنه قد يقال: " ليس بذاك " كما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد المذكور
نقلا عن بعض الأصحاب (2) وحنظلة بن زكريا (3) وفضل (4) بن أبي قرة (5)، (6)

1. الفهرست: 30 / 91؛ خلاصة الأقوال: 204 / 14، وفيه: " لم يكن بذاك الثقة ".
2. رجال النجاشي: 97 / 240.
3. رجال النجاشي: 147 / 380. وفيه: " لم يكن بذلك ".
4. وقيل في تفسير " ليس بذاك " في ترجمة فضل بن أبي قرة أي: في كمال الفقه. هذا، وفي ترجمة
عبد الرحمن بن نهيك " لم يكن في الحديث بذاك " وفي ترجمة عيسى بن المستفاد " ولم يكن بذاك ".
(منه عفي عنه).
5. رجال النجاشي: 308 / 842؛ خلاصة الأقوال: 246 / 3. وفيه: " لم يكن بذاك ".
6. قوله: " أبي قرة " بالقاف المضمومة والراء المهملة المشددة (منه عفي عنه).
222

ومصعب (1) بن يزيد (2).
وقد جرى غير واحد على دلالته على العموم.
وظاهر الكلام المحكي عن العلامة البهبهاني الميل إلى دلالته على نوع من
المدح؛ بملاحظة أنه من قبيل " ليس بذاك الثقة "، والغرض أنه ليس بذلك في
الوثاقة، فالمقصود أنه ليس بحيث يوثق به وثوقا تاما، ومقتضاه ثبوت نوع من
الوثوق.
أقول: إن المقام وإن يقتضي تعيين المضمر في الوثاقة بمعنى الاعتماد في
النقل على حسب ما تقدم في " ثقة " خصوصا بملاحظة " ليس بذاك الثقة " لكن ذكر
النجاشي والعلامة في الخلاصة في ترجمة علي بن أبي صالح أنه " لم يكن بذاك
في المذهب والحديث وإلى الضعف ما هو (3) " (4) ومقتضاه عموم المضمر بمعنى
التعدد، كما هو الحال في باب عموم المقتضي لو لم نقل بظهور العموم في نفسه،
ف‍ " ليس بذاك " بمنزلة " ليس على ما ينبغي " كما تعارف في الكلمات، بل يستعمل
" ليس بذلك " في كلام غير أهل الرجال في تضعيف الكلام، حيث يقال: " فلان
كذا وليس بذاك ".
لكن يمكن أن يقال: إنه بعد فرض ظهور المضمر في الوثاقة فظهور خلاف
الظهور على وجه الندور لا يوجب الفتور والقصور في الظهور، فلا يرتفع ظهور
المضمر في الوثاقة لمجرد قوله: " ليس بذاك في المذهب والحديث ".
وأما كون المضمر كمال الوثوق أو نفس الوثوق، فلعل القول بالأخير أوثق.
والأمر من باب اختلاف رجوع النفي إلى القيد والمقيد باختلاف كونه مذكورا

1. قوله: " مصعب " بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح العين المهملة والباء الموحدة (منه عفي عنه).
2. رجال النجاشي: 419 / 1122؛ خلاصة الأقوال: 261 / 13.
3. قوله: " وإلى الضعف ما هو " الظاهر أن " ما " نافية، والغرض أنه ليس على حد الضعف، فالغرض أنه
لم يبلغ إلى الضعف؛ فالمقصود أنه قريب إلى الضعف (منه عفي عنه).
4. رجال النجاشي: 257 / 657؛ خلاصة الأقوال: 234 / 21.
223

وغير مذكور، نظير رجوع النفي إلى الطبيعة في النكرة المنفية ب‍ " لا " المشابهة
ب‍ " ليس " مع رجوع النفي إلى الوحدة لو كانت مذكورة، وكذا رجوع نفي الوجوب
الظاهر في الوجوب التعييني إلى الطبيعة مع رجوع النفي إلى التعيين لو كان مذكورا.
[في قولهم: " حديثه ليس بذاك النقي "]
بقي أنه قد يقال: " حديثه ليس بذلك النقي " كما ذكره النجاشي والعلامة في
الخلاصة في ترجمة أحمد بن أبي زاهر (1) (2)، وسالم بن أبي سلمة (3).
والظاهر أن الغرض نفي كمال النقاوة، مثل " ليس بذاك الثقة " فيفيد الاعتبار
في الجملة.
والظاهر أن المقصود بالنقاوة (4) هو خلو روايات الراوي عن العيوب، كما
يرشد إليه ما في ترجمة حذيفة (5) بن منصور من أن حديثه غير نقي يروي الصحيح
والسقيم (6).
لكن مقتضاه كون المقصود بالحديث هو المعنى المصطلح، فلا دلالة في
" حديثه ليس بذلك النقي " على اعتبار الإسناد.
إلا أن يقال: إن الظاهر من إظهار اعتبار الحديث من جهة من فوق الراوي هو
الفراغ عن اعتبار الحديث من جهة الراوي؛ لبعد إظهار اعتبار الحديث من جهة
من فوق الراوي لو كان الراوي غير معتبر، بل يلزم اللغو في الإظهار، والله العالم.

1. قوله: " زاهر " بالزاي (منه عفي عنه).
2. رجال النجاشي: 88 / 215؛ خلاصة الأقوال: 203 / 11.
3. رجال النجاشي: 190 / 509؛ خلاصة الأقوال: 228 / 4.
4. قال ابن الغضائري في ترجمة محمد بن أورمة: حديثه نقي لا فساد فيه، ولم أر شيئا ينسب إليه
تضطرب فيه النفس (منه عفي عنه).
5. قوله: " حذيفة " بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة (منه مد ظله العالي).
6. انظر خلاصة الأقوال: 60 / 2.
224

خاتمة
والعصر إن الإنسان لفي خسران ولعمري يعجز بنان البيان وتبيان البيان عن
تشريح ما فيه من الطغيان، وناهيك في شرح حاله آيات القرآن، وكأ نه نار، وكل
شعرة من شعارها شرارة من النار، وكل نفس من أنفاسه على شعار الشعار، ولو لم
يكن في هذه النشأة إلا المعاشرة مع شر الأشرار لكفى في البلاء والابتلاء برب
البراري والبحار، كيف وقد قال الله سبحانه: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون) (1)
والفتنة المجعولة من جانب الله سبحانه غير محتاجة إلى شرح الحال.
ولا يتفطن بما ذكرناه في الميزان هذا الحيوان إلا من شرب كأسا كاملا من
المعرفة والفرقان وبالغ في التأمل في ميدان الميزان صديقه عدو الدوران، فكيف
ظنك بعدو البنيان، إن الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وقليل ما هم، إذا نظرت أن حاله مع الله سبحانه بحيث إذا مسه الضر
يدعوه بجنبه أو قائما أو قاعدا، فلما كشف عنه ضره مر كأن لم يدع الضر مسه
وإذا مسه الضر في البحر ضل من يدعوه إلا إياه، فلما نجاه إلى البر أعرض،
لصرت مأيوسا من حبه، وليس بروز الحب منه إلا من جانب الله سبحانه من باب
فوق المعتاد في الأيام، كجعل النار من باب البرد والسلام.
الظلم من شيم الرجال وإن تجد * ذا عفة فلعلة لا يظلم
لو خبرتهم جوزاء خبري * لما طلعت مخافة أن تكادا
هم الذباب تحت الثياب فلا * تكن على أحد منهم بمعتمد
لا تركنن إلى قوم تعلمهم * فكلهم مبغض في زي أحباب
وكيف يسوغ توقع الحب منه! وهو من باب البلاء والابتلاء كما سمعت، بل

1. الفرقان (25): 20.
225

هو من باب العدو، كما هو مقتضى قوله سبحانه: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) (1) بناء
على كون الخطاب لآدم وحواء خطابا لذريتهما.
وكيف يسوغ توقع الحب منه! وقد قال الله سبحانه: (إن من أزواجكم وأولادكم
عدوا لكم فاحذروهم) (2) بناء على كون " من " زائدة، ولعله الأظهر، لا للتبعيض، وليس
المقصود هو الممانعة عن العبادة ونيل الأجور الأخروية قضية قوله سبحانه: (وإن
تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) (3) وقضية التعرض للممانعة المشار إليها
بعد تلك الآية في قوله سبحانه: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) (4).
وكيف يسوغ توقع الحب منه وهو عدو لنفسه قضية ما فيه من الأهواء
المهلكة الموجبة لرادئة حاله في الدنيا والآخرة، كما هو مقتضى بعض الأخبار،
بل مضرة عداوته أزيد من سفرة أعدائه بمراتب كثيرة؛ حيث إن ما يتأتى من مقدار
تضييعه بفعله لا يتمكن منه أعداؤه إلا بمقدمات كثيرة، بل ربما لا يتمكن من ذلك
المقدار رأسا.
وأما عقله فغالب أفراده صرف الجنون، وفي بعض الكلمات " أن عقل أربعين
رجلا يوازن عقل شاة " تعليلا بأن الشاة ترتدع بردع الراوي، والإنسان لا يرتدع
بروادع الله سبحانه والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، ولعمري أن هذا الكلام بلغ سماء
الكلام.
وبالجملة، من كان حاله في الطغيان على ما سمعت، فكيف يليق بوصول الفيض
من جانب الله سبحانه إليه، وما أبعد طول مسافة المجاهدة التي تحتاج إليها في
القابلية للإفاضة؛ فبالغ في المجاهدة وتهذيب الأخلاق، وطهر بيتك للطائفين

1. البقرة (2): 36.
2 و 3. التغابن (64): 14.
4. التغابن (64): 15.
226

والعاكفين، وول وجهك شطر كعبة المقصود، واجب الوجود وخالق الموجود،
وتوجه إلى ولي الخير والجود، واتق الله حق تقاته، فإنه لا يناله إلا التقوى، و (لن
ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (1)، و (ليس البر أن تولوا وجوهكم
قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الاخر) (2).
وكن كثير الذكر لله سبحانه، وقد بالغ سبحانه في تعظيم ذكره حتى جعل
التسمية في ذبح الهدي من ثمرات الحج؛ فإن مقتضاه كلام العظم في ذكر الله
سبحانه ولا تخدعنك هذه الدار بزبرج غدار، فإن ما عند الله خير للأبرار،
(فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (3) فما متاع الحياة الدنيا إلا الغرور وما
صفقتها إلا خاسرة عند أرباب الشعور، وإنما الآخرة هي التجارة التي لن تبور،
وليس قصر الطرف على دار العبور إلا من قصار القصور، والركون إليها من
الجنون، بل الجنون فنون، والركون إليها من أسوء فنون الجنون.
ولن تتيسر لك القوة القدسية إلا بكمال التقوى. كيف، وهذه المرتبة مرتبة
النيابة، ولا تتيسر لأرباب الشقاوة. فانظر أن النيابة تلو الربوبية بتوسط النبوة
والإمامة، فصاحب هذه المرتبة لابد له من الكمالات النفسانية ما يوجب اللياقة
للدرجة الثالثة من الدرجات المتعقبة للربوبية.
وأنصف هل يكون السبع الجامع لجميع النقائص حريا لمرتبة تلو الإمامة بلا
واسطة، وتلو الربوبية بواسطتين؟ كلا وحاشا. ولو أمكن جريان المعجزة على يد
الكاذب لأمكن حصول تلك القوة لغير القابل.
وربما تحمل شدة المحنة في طول المدة من لم يتفق له كمال التقوى، فلم
يتحصل له تلك القوة، بخلاف بعض من لم يكن له استعداد تلك القوة، لكن

1. الحج (22): 37.
2. البقرة (2): 177.
3. فاطر (35): 5.
227

بتوسط التقوى تحصل له القوة، وترتب عليه آثار محمودة وحسن الذكر أبد
المدة، فالتقوى أمام المقصود، بل لا مقصود غير هذا المقصود. وبالله من الفتوى
والحكم بغير ما أنزل (ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكفرون) (1) (فأولئك هم
الفسقون) (2) (فأولئك هم الظلمون) (3) (وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون) (4) و (لكل
نبإ مستقر وسوف تعلمون) (5).
فانظر أنه كيف يتجاسر غير القابل على العصيان، وأرباب الزنا واللواط
والشرب يخفون العصيان، وكيف يلعن هذا على عمر وهو أسوء حالا منه
بمراتب شتى لا تحصى؛ لأن عمر لم يرتكب ما ارتكبه إلا بخيال رئاسة وجه
الأرض، وهذا - أعني غير القابل - لم يرتكب ما ارتكبه إلا بخيال رئاسة قليلة، ولا
سيما بعض من ركب هذا المركب.
وكيف يتوقع هذا التمكين من أرباب الديوان وهو أضعف عنصرا عنهم بمراتب
كثيرة أيضا؛ لأنه لم يتمكن من العصيان إلا ما فعله، وعلى منوال حال ذلك حال
الإجازة من الأهل فضلا من غير الأهل استدعاء لانتشار الاسم وتوجه الوجوه.
ثم - العياذ بالله - كيف يتجاسر الإنسان ذو الطغيان بالعيان على عصيان خالق
الإنس والجان، ومع هذا يظهر النيابة عن إمام الزمان عليه آلاف التحية من الله
الرحيم الرحمن! ولعمري يهزأ الكفار من هذه النيابة وهذا الإيمان، فبئس المطية
التي امتطت أنفسنا من هواها، فواها لها، فواها لها لما سولت لها ظنونها ومناها
وتبا لها لجرأتها على سيدها ومولاها، آه وانفساه، آه وانفساه لا تنفس نفسا لغير
الدنيا ولا تتخاطر على خاطرها الآخرة، بل كأنها لا تستشعر بغير الدنيا ولا تعقل.

1. المائدة (5): 44.
2. المائدة (5): 47.
3. المائدة (5): 45.
4. الشعراء (26): 227.
5. الأنعام (6): 67.
228

ولنعم ما في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام):
أبني إن من الرجال بهمية * في صورة الرجل السميع المبصر
طن بكل رزية في ماله * وإذا أصيب بدينه لا يشعر (1)
بقي أنه قد أعجبني أن أذكر في المضمار طائفة من الأخبار:
فقد روى الكليني نقلا بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام):
إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على أمر دينكم، فإن محب كل شيء
يحوط ما أحب.
وقال: أوحى الله إلى داوود على نبينا وآله وعليه السلام لا تجعل بيني
وبينك عالما مفتونا بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع
طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي
عن قلوبهم (2).
وروى الصدوق في الخصال بإسناده إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:
لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم (3) وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا
إلى صدق الحديث وأداء الأمانة (4).
وروى الصدوق أيضا في الخصال في مرسل إسماعيل بن مهران وعلي بن
أسباط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال في العلماء:
من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه، فذاك في الدرك الأسفل من
النار؛ ومن العلماء من إذا وعظ عنف، فذاك في الدرك الثاني من النار؛
ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذي الثروة والشرف ولا يرى له

1. الديوان المنسوب لأمير المؤمنين (عليه السلام): 67.
2. الكافي 1: 46، ح 4، باب المستأكل بعلمه والمباهي به.
3. في المصادر زيادة: " وكثرة الحج والمعروف ".
4. الأمالي للصدوق: 303، ح 6، المجلس الخمسون؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 51، ح 197، باب
31؛ الاختصاص: 229. ولم نجد هذه الرواية في الخصال.
229

في المساكين وضعا، فذاك في الدرك الثالث من النار؛ ومن العلماء من
يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين فإن رد عليه شيء من قوله
أو قصر في شيء من أمره غضب، فذاك في الدرك الرابع من النار، ومن
العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليعزز به علمه ويكثر به
حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار؛ ومن العلماء من يضع نفسه
للفتيا ويقول: سلوني، ولعله لا يصيب حرفا واحدا والله لا يحب
المتكلفين، فذاك في الدرك السادس من النار؛ ومن العلماء من لا يتخذ
علمه مروة وعقلا، فذاك في الدرك السابع من النار (1).
وروى الصدوق نقلا (2) بسنده أيضا عن كميل بن زياد النخعي عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، إحفظ عني ما أقول لك:
الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع (3) أتباع كل
ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال،
والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق.
يا كميل، [محبة] (4) العلم دين يدان الله، به يكسب الإنسان الطاعة في
حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته.

1. الخصال: 352، ح 33، ونقله عنه الفيض في المحجة البيضاء 1: 129.
2. قوله: " وروى الصدوق نقلا " أيضا قد شرح شيخنا البهائي أجزاء الخبر في الأربعين [: 423] في
شرح الحديث السادس والثلاثين، ورواه العلامة المجلسي في أوائل البحار بطرق متعددة وشرح
أجزاءه أيضا، وهو مذكور في نهج البلاغة (منه مد ظله العالي).
3. الرعاع: كسحاب، العوام والسفلة وأمثالهم، الواحد رعاعة ومنه إن الموسم يجمع رعاع الناس. أي
أسقاطهم وأخلاطهم. مجمع البحرين 1: 194.
4. الزيادة من المصدر.
230

يا كميل، مات خزان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة
وأمثالهم في القلوب موجودة، آه آه إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره -
لعلما جما، لو أصبت له حملة، بلى أصبت له لقنا غير مأمون، يستعمل
آلة الدين في الدنيا، ويستظهر بحجج الله على خلقه وبنعمه على عباده،
أو منقادا للحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول
عارض من شبهة ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللذات سلس القياد
للشهوات أو مغرى بالجمع والإدخار ليسا من رعاة الدين في شيء،
أقرب شبها بهما الأنعام السائمة؛ كذلك يموت العلم بموت حامليه،
اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهر مشهور أو مستتر
مغمور؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين؟ أولئك والله الأقلون
عددا والأعظمون خطرا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يودعوها
نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق
الأمور، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا
بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة
بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آه آه
شوقا إلى رؤيتهم (1).
وقد روى الطبرسي في الاحتجاج عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: قال علي بن
الحسين (عليهما السلام):
إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع
في حركاته فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب
المحارم (2) منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه، فنصب الدين فخا لها،

1. الخصال: 186، ح 257؛ كمال الدين: 289، ح 2، باب 26؛ وانظر الأمالي للمفيد: 247، ح 3،
المجلس 29.
2. في المصدر: " الحرام ".
231

فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فإن تمكن من حرام اقتحمه. وإذا
وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرنكم فإن شهوات الخلق
مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على
شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا
لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا
يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله،
فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغركم حتى تنظروا أمع هواه يغلب
على عقله، أم يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة
وزهده فيها؟ فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا،
ويرى أن لذة الرئاسات الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة
المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة، حتى إذا قيل له: اتق الله،
أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد، فهو يخبط خبط
عشواء، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمده ربه بعد طلبه
لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحلل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، لا
يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها،
فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا أليما. ولكن
الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله، وقواه
مبذولة في رضا الله، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في
الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في
دار لا تبيد ولا تنفد، وأن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى
عذاب لا انقطاع له ولا يزول؛ فذلكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسكوا
وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم فتوسلوا، فإنه لا يرد له دعوة ولا يخيب له
طلبة (1).

1. الاحتجاج 2: 321.
232

وأكثر هذه الأخبار يجدي في مقام الاستبصار واختيار الأخيار، وينجي عن
الاعتذار بظاهر الغرار والغدار، وفيها إرشاد إلى مسالك مهالك أعيان الإنسان،
وكشف الغطاء والرموز عن نكت السرائر بكافي البيان وشافي التبيان.
ولعمري إن كلا من الأخيرين منها ولا سيما الأخير في علو المفاد بمكان وأي
مكان، واحتوى من مجمع البيان كنز العرفان ومن بحار الأنوار عوالي اللآلئ
ومنتقى الجمان، بل علو المفاد من حيث الميزان على حد الإعجاز، كما هو الشأن
في بعض آيات القرآن، أعني آية الأمر بالعدل والإحسان (1)؛ حيث إنه لعلو مفاده
صار موجبا لدخول بعض الكفار في الإيمان على ما ذكر في بعض تفاسير القرآن.
ولنعم النصائح المذكورة في أخبار الأئمة أمناء الرحمان، وأقرب شبها بها
النصائح المحكية عن لقمان، بل اتفاق مثلها في كلام غيرهم خارج عن حد
الإمكان.
وقد فرغ منه ابن محمد إبراهيم أبو المعالي الشريف، والحمد لله المفضل
المكرم المنعام على تراكم الوجوه وأقسام الإكرام، وله الشكر التمام فوق التمام
على إتمام التوفيق بتوفيق الإتمام، والسلام من السلام فوق كل سلام على نبيه
الأتم من تمام الأنام، والخاتم الذي نصب إليه الأنبياء الأولون الأعاظم الكرام عين
الرجاء لشفاعته لدى قيام الساعة وساعة القيام، سيما ابن عمه باب مدينة علمه
وخليفته في التبليغ وإحكام الأحكام من بداية العبادات إلى نهاية الإحكام والعروة
الوثقى التي لا يكون لها انفصال ولا انفصام، الذي كان في نصبه للخلافة إكمال
الدين وإتمام الإنعام، وعلى أهل بيته مصابيح الظلام ومفاتيح دار السلام ما تعاقب
الليالي بالأيام وتتابع الشهور بالأعوام.

1. النحل (16): 90.
233

2 - رسالة في جواز الاكتفاء في تصحيح
الحديث بتصحيح الغير وعدمه
235

بسم الله الرحمن الرحيم
ومنه سبحانه الاستعانة للتتميم
قد اختلف في جواز أن يعامل مع الحديث معاملة الصحة بواسطة تصحيحه
في بعض الكتب الفقهية - من العلامة أو من تأخر عنه ممن يماثله في اصطلاح
الصحة على الحديث الموصوف جميع رجال سنده بالعدالة والإمامية - من دون
رجوع إلى كلمات أرباب الرجال ونقد السند - وبعبارة أخرى: بدون الفحص عن
حال رجال السند - وعدمه.
وينبغي قبل الخوض في المرام تمهيد مقدمات في المقام:
[المقدمة] الأولى
[في معنى الصحة]
إن " الصحة " لغة خلاف السقم، كما صرح به في الصحاح (1)، وينصرح من
المصباح (2).
وعرفا بمعنى تمامية الشيء وخلوه عن الخلل من حيث انتفاء الجزء أو
الشرط أو وجود المانع. وبعبارة أخرى: كون الشيء بحيث تترتب عليه آثاره

1. الصحاح 1: 381، (صحح).
2. المصباح المنير 1: 333، (صحح).
237

المطلوبة منه.
وتفصيل الحال موكول إلى ما حررناه في الأصول.
[معنى الصحة في العبادات]
وفي اصطلاح الفقهاء والمتكلمين في باب العبادات بمعنى إسقاط القضاء
وموافقة أمر الشارع (1) على ما قيل (2).
والظاهر أنها في باب المعاملات بمعنى ترتب الأثر من دون اختلاف في
الاصطلاح، سواء كان الأمر من باب عموم الاصطلاح بمشاركة المتكلمين للفقهاء
في الاصطلاح؛ أو باختصاص الاصطلاح بالفقهاء وعدم محاورة المتكلمين
بالصحة في باب المعاملات، بعدم نشر الكلام في المعاملات - لو كان المقصود
بالمتكلمين أرباب المعقول من الفقهاء - بعدم اتفاق تأليف أبواب المعاملات منه،
أو عدم ذكر الصحة في المعاملات في الكتب الكلامية لو كان المقصود
بالمتكلمين أرباب الكلام.
والحق: أنها لا تخرج في باب العبادات والمعاملات عن المعنى العرفي.
والتفصيل موكول إلى ما حررناه في الأصول.
[معنى الصحة في حال الخبر]
وفي اصطلاح الفقهاء في مقام حال الخبر من زمان العلامة أو ابن طاووس
ومن تأخر عنهما - ويعبر عن التابع والمتبوع بالمتأخرين - وكذا أرباب الدراية
ممن تأخر عن العلامة وابن طاووس، مضافا إلى العلامة أو ابن طاووس، عبارة:
عن كون كل من رجال سند الخبر عدلا إماميا.

1. قوله: " بمعنى إسقاط القضاء وموافقة أمر الشارع " على سبيل اللف والنشر المرتب، حيث إن اصطلاح
الفقهاء على إسقاط القضاء، واصطلاح المتكلمين على موافقة الأمر (منه (رحمه الله)).
2. انظر مفاتيح الأصول: 44.
238

والمتصف بالصحة هو الخبر، لكن تطلق الصحة على نفس السند أيضا (1).
كما أن الضعيف مصطلح في الخبر، لكن يطلق على نفس السند أيضا.
بل على هذا المنوال الحال في الموثق والحسن والقوي وإن أمكن القول في
الأخير بأن الاصطلاح فيه بما يقابل الأقسام الأربعة المعروفة - كما يأتي - إنما اتفق
في الأواخر، وإطلاقه على نفس السند غير ثابت.
وربما ذكر المولى التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه:
إن العلامة وإن ذكر القاعدة في تسمية الأخبار بالصحيح والحسن
والموثق، فكثيرا ما يقول ويصف على قوانين القدماء، والأمر سهل.
واعترض عليه كثيرا بعض الفضلاء؛ لغفلته عن هذا المعنى، ولا مجال
للحمل على السهو؛ لأنه إنما يتأتى فيما كان مرة أو مرتين مثلا، وأما ما
كان في صفحة واحدة عشر مرات - مثلا - فلا يمكن أن يكون سهوا (2).
والظاهر أن مقصوده ببعض الفضلاء هو الفاضل التستري.
وتطلق الصحة أيضا - شائعا - على الخبر باعتبار بعض أجزاء السند، أو على
بعض أجزاء السند فيما يقال: " في صحيح زرارة " أو: " في الصحيح عن زرارة ".
ومن هذا الباب إطلاق الصحة على الطريق - كطريق الشيخ في التهذيب
والاستبصار، والصدوق في الفقيه، كما اتفق للعلامة وغيره [في] (3) شرح حال
الطرق - إذ الطريق بعض أجزاء السند.
لكن احتمال إطلاق الصحة على الطريق - كطريق الشيخ في التهذيب

1. في بعض أخبار الديات: إن كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عرض على الرضا (عليه السلام)، فقال: " إنه
صحيح " (منه (رحمه الله)). انظر الأخبار في الكافي 7: 330 ح 1، باب آخر، ووسائل الشيعة 29: 289،
أبواب ديات الأعضاء، ب 2، ح 1 و 2.
2. روضة المتقين 14: 274.
3. أضفناه لاستقامة المعنى.
239

والاستبصار - بعيد، بل غير جار في المقام.
وربما جعل الفاضل التستري في بعض تعليقات الخلاصة صحة الطريق من
باب الصحة الإضافية لو كان المذكور - متحدا كان أو متعددا - خارجا عن رجال
الصحة، وإلا فالصحة حقيقية.
والظاهر بل بلا إشكال أن الغرض من الصحة الإضافية إنما هو الصحة بالنسبة
إلى المذكور.
ولكن هذا خلاف ما يقتضيه إطلاق الإضافة في سائر الموارد؛ إذ المدار في
الإضافة في سائر الموارد على ملاحظة بعض أفراد الشيء وأزواجه، فمقتضاه
كون الإضافة هنا بالنسبة إلى خبر ضعيف.
وأما الحكم بالصحة الحقيقية لو كان المذكور من رجال الصحة، ففيه: أنه لا
خفاء في أنه لا يختلف حال الطريق باختلاف حال المذكور، نظير أن صحة الجزء
لا تختلف في العبادات والمعاملات باختلاف حال سائر الأجزاء، فتتأتى صحة
الجزء مع العلم بفساد سائر الأجزاء.
نعم، يختلف حال المجموع، فتكون صحته حقيقية لو كان جميع رجال
السند من رجال الصحة، وتكون الصحة إضافية - بمعنى الصحة إلى فلان
الضعيف - لو كان فلان الضعيف في آخر السند، أو صحة السابق واللاحق لو كان
فلان الضعيف واقعا أواسط السند.
لكن هذا إنما يناسب إطلاق الصحة على السند، وأما لو كان إطلاق الصحة
على الخبر باعتبار السند، فلا يناسب إطلاق الإضافة.
وقد تطلق الصحة على الخبر باعتبار سلامة سنده عن الطعن، أو على السند
باعتبار خلوه عن الطعن وإن اعتراه إرسال أو قطع كما ذكره الشهيدان في الذكرى (1)

1. ذكرى الشيعة 1: 48.
240

والدراية (1).
وقد تطلق الصحة في كلمات أرباب الرجال على الراوي، كما يقال: " ثقة
صحيح " كما في ترجمة حبيب الخثعمي (2)، وجوير بن عبد الحميد، وعمر بن
محمد بن عبد الرحمن (3)، وغيرهم (4).
لكن يدور الأمر في المقام بين كون الأمر في المقام (5) من باب الإضمار
- بإضمار المضاف إليه، أي: " صحيح الحديث " أو إضمار غير المضاف إليه، بأن
يكون المضمر هو لفظة: " في الحديث " - وكون الأمر من باب إطلاق الصحة على
الراوي باعتبار الخبر.
ولعل الأول أظهر.
وربما وقع إطلاق الصحة في بعض كلمات الفقهاء المتأخرين على بعض
أجزاء السند مع اشتمال البعض على غير الإمامي، بواسطة نقل إجماع العصابة
على التصحيح من الكشي، كما ذكره العلامة في الخلاصة في الفائدة الثامنة من
الفوائد المرسومة في آخرها من أن:
طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه
أبان بن عثمان، وهو فطحي (6)، لكن الكشي قال: إن العصابة أجمعت

1. الدراية: 20.
2. انظر رجال النجاشي: 141 / 368، خلاصة الأقوال: 62.
3. رجال النجاشي: 283 / 752؛ خلاصة الأقوال: 119 ولم نعثر على ترجمة جوير بن عبد الحميد في
كتب الرجال.
4. كعلي بن النعمان؛ انظر رجال النجاشي: 274 / 719.
5. في " ح " زيادة: " بين كون الأمر ".
6. قوله: " وهو فطحي " لم يقل أحد بكونه فطحيا حتى نفسه في الخلاصة في ترجمة أبان؛ إذ المذكور
في ترجمته: أنه من الناووسية. [خلاصة الأقوال: 21] نعم جرى على القول بكونه فطحيا في المنتهى
في بحث صلاة العيدين، كما أنه ذكر في المنتهى في بحث الحلق والتقصير [المنتهى 2: 763]: " أنه
واقفي، وكل منهما فاسد " إلا أنه ربما احتمل كون المقصود بالوقف: هو الوقف على أحد الأئمة،
فيدخل في الناووسية، لأنهم كانوا يقفون على الصادق (عليه السلام) لكنه خلاف الظاهر قطعا (منه (رحمه الله)).
241

على تصحيح ما يصح عنه (1).
وهو خارج عن الاصطلاح المعروف.
وكذا ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك - وهو أول من جرى على الكلام في
اتفاق الخروج عن الاصطلاح في كلماتهم - عند الكلام في حلية الغراب وعدمها
في قوله:
وفي طريق الرواية أبان، وهو مشترك بين جماعة منهم أبان بن عثمان،
والأظهر أنه كان ناووسيا، إلا أن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح
عنه، وهذا مما يصح سنده (2).
وكذا ما صنعه شيخنا البهائي في الحبل المتين عند الكلام في مسح الرأس
والقدم، حيث إنه ذكر رواية حماد بن عيسى عن بعض الأصحاب عن
أحدهما (عليهما السلام)، وقد ذكر في الحاشية صدر الفصل المعقود لذلك: أن الأخبار التي
ذكرها تسعة صحاح، والآخر موثق.
ومقتضاه: كون الخبر المذكور صحيحا، مع أنه قال في الحاشية المتعلقة
بالرواية المذكورة:
لا يضر جهل الواسطة بينه - أي: حماد بن عيسى - وبين المعصوم؛ لأن
حماد بن عيسى من الجماعة الذين أجمع الأصحاب على تصحيح ما
يصح عنهم، وإطلاق الصحيح على ما يرويه أحدهم مرسلا متعارف (3).
وكذا ما ذكره العلامة الخونساري في شرح قول المصنف: " والمستعمل في

1. خلاصة الأقوال: 277، وهو في رجال الكشي 2: 673 / 705.
2. مسالك الأفهام 12: 39. وفيه: " وهذا مما يصح سنده عنه ".
3. الحبل المتين: 15.
242

الاستنجاء طاهر ما لم يتغير أو تلاقيه نجاسة أخرى " (1) من قوله: " ومنها ما رواه أيضا
في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن النعمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) " (2) وقال في
الحاشية: " في طريق هذه الرواية أبان، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما
يصح عنه؛ فلذا حكمنا عليها بالصحة " (3).
وإن يحتمل كون الغرض من الصحة في قوله: " في الصحيح " هو الصحة
باعتبار بعض أجزاء السند - أعني: من تقدم على محمد بن النعمان - بل هو الظاهر
كما يظهر مما يأتي، لكنه حكم بصحة الرواية في قوله: " فلذا حكمنا عليها
بالصحة " إلا أن يكون الضمير راجعا إلى الطريق؛ لأنه يذكر في لغة نجد، ويؤنث
في لغة الحجاز (4).
لكن الظاهر - بل بلا إشكال - أن حال البعض لا يتخلف عن حال الكل
بالنسبة إلى أجزاء البعض.
ومن هذا ما مر من خروج العلامة عن الاصطلاح في تصحيح طريق الصدوق
إلى أبي مريم الأنصاري، فلا مجال للحكم بصحة ما تقدم من السند على
محمد بن النعمان مع اشتماله على أبان.
وكذا ما ذكره صاحب الحدائق - عند الكلام في جواز المسح على الحائل
للضرورة - من صحة رواية أبي الورد (5) مع أنه غير مصرح بالتوثيق؛ لسبق حماد بن
عثمان مع كونه من أهل إجماع العصابة (6). لكنه مبني على اتحاد حماد بن عثمان

1. الدروس الشرعية 1: 122.
2. مشارق الشموس: 252.
3. لم نعثر فيه على هذه الحاشية.
4. انظر المصباح المنير 2: 372، (طرق).
5. في الحجري: " أبي ولاد " والصحيح ما أثبتناه موافقا للمصدر، لأن أبي ولاد ثقة، انظر منتهى المقال
3: 91 / 952.
6. الحدائق الناضرة 2: 310.
243

في الناب أو انصرافه إليه بواسطة الاشتهار، وإن كان مشتركا بين الناب والعرزمي (1).
وتحرير الحال موكول إلى ما حررناه في الرسالة المعمولة في باب حماد بن
عثمان.
بل قد ذكر السيد الداماد في الرواشح موارد أخرى للخروج عن الاصطلاح (2)،
كما في المختلف في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة من أن حديث عبد الله بن
بكير صحيح مع أنه فطحي؛ استنادا إلى الإجماع المذكور (3).
وما في شرح الإرشاد للشهيد الأول في كتاب الحج في مسألة تكرر الكفارة
بتكرر الصيد عمدا أو سهوا من التعليل برواية ابن أبي عمير في الصحيح عن
بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (4).
وما في المسالك في مبحث الارتداد من التعليل بصحيحة الحسن بن محبوب
عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (5).
وقد ذكر شيخنا البهائي في مبادئ مشرقه (6) ما سمعت من المختلف والمسالك
في شرح ما وقع فيه الخروج عن الاصطلاح.
ولكنك خبير بأن مدار تعليل الشهيدين على إطلاق الصحة على الخبر باعتبار
بعض أجزاء السند كما في المسالك، أو على بعض أجزاء السند كما هو ظاهر
شرح الإرشاد؛ لتذكير الصحيح بعد ذكر الرواية؛ إذ لو كان الغرض صحة الرواية

1. قوله: " والعرزمي " بالزاي بعد الراء كما ضبطه العلامة في الخلاصة في ترجمة عيسى بن صبيح
[خلاصة الأقوال: 123]، وبفتح العين المهملة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وتخفيف
الميم نسبة إلى عرزم - كما عن الفاضل القزويني - وهو موضع بالكوفة (منه (رحمه الله)).
2. الرواشح السماوية: 47، الراشحة الثالثة.
3. مختلف الشيعة 2: 497، المسألة 357.
4. غاية المراد 1: 413.
5. مسالك الأفهام 15: 25.
6. مشرق الشمسين: 34 - 35.
244

لكان المناسب التأنيث، ولا يناسب كون التذكير باعتبار كون الموصوف
المحذوف هو الخبر بعد سبق الرواية. والغرض الصحة إلى ابن أبي عمير
والحسن بن محبوب. وقد سمعت شيوع الإطلاق المشار إليه من المتأخرين.
ومنه قول العلامة في الخلاصة في شرح حال طرق الفقيه: " وعن زرعة
صحيح، وإن كان زرعة فاسد المذهب إلا أنه ثقة " (1).
ولا دلالة في شيء من التعليلين (2) على انجبار ضعف الإرسال بوجود ابن أبي
عمير والحسن بن محبوب، وصحة الحديث أو السند.
وعلى المنوال المذكور حال ما في المختلف؛ لأنه قال: " وما رواه فضالة في
الصحيح عن عبد الله بن بكير " ثم ذكر أن عبد الله بن بكير وإن كان فطحيا إلا أنه
ثقة؛ للإجماع المنقول في كلام الكشي (3).
فمقتضى الكلام المذكور: هو الصحة إلى عبد الله، لا صحة الحديث أو تمام
السند، فالمرجع إلى إطلاق الصحة على بعض أجزاء السند أو على الخبر باعتبار
بعض أجزاء السند.
ومنشؤ خيال الخروج عن الاصطلاح من السيد الداماد وشيخنا البهائي في
الموارد المذكورة كلام الشهيد في الدراية، وهو قد ذكر: أنهم قالوا كثيرا: " روى
ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه " مع كون الرواية مرسلة. قال:
ومثله وقع لهم في المقطوع كذلك، وأ نهم قالوا: " في صحيحة فلان " مع
كون فلان غير إمامي. وأ نه قال في الخلاصة وغيرها: إن طريق الفقيه إلى
معاوية بن ميسرة وإلى عائذ الأحمسي وإلى خالد بن نجيح وإلى
عبد الأعلى مولى آل سام صحيح، مع أن الثلاثة الأول لم ينص عليهم

1. خلاصة الأقوال: 227.
2. أي التعليل بأن إطلاق الصحة على الخبر باعتبار بعض أجزاء السند، أو على بعض أجزاء السند.
3. مختلف الشيعة 2: 497، المسألة 357.
245

بتوثيق ولا غيره. قال: وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عن
أبان بن عثمان مع كونه فطحيا (1).
ويظهر الكلام فيما ذكره من قولهم: " روى ابن أبي عمير في الصحيح عن
بعض أصحابه " أو " في صحيحة فلان " مع كون فلان غير إمامي، وكلام العلامة في
الخلاصة بما مر.
قوله: " ومثله وقع لهم في المقطوع كذلك " يعني: أنهم قالوا كثيرا: " في صحيح
ابن أبي عمير قال " مثلا، مع كون المدار في الصحيح على نقل السنة، ورجوع
القول هنا إلى ابن أبي عمير وكون المقال مقالته، لكن عهدته عليه وعليه الإثبات.
قوله: " وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع
كونه فطحيا " (2).
قال شيخنا البهائي بخطه في الحاشية (3): " وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح
ما يصح عن عبد الله بن بكير، وقد عد العلامة - فيما لو ظهر فسق الإمام - روايته
من الصحيح " (4).
والظاهر أن مقصود الشهيد: أنهم قد ادعوا الإجماع على صحة الخبر
المحكي صحيحا عن أبان بن عثمان، مع أن أبان بن عثمان يمانع عن صحة
الخبر؛ لكونه فطحيا.
لكن لم يعهد نقل الإجماع من المتأخرين، وإنما وقع من الكشي (5)، مع أنه
مبني على حمل الموصول على الخبر. وأما بناء على حمله على الإسناد - كما هو

1. الدراية: 20.
2. قوله: " مع كونه فطحيا " يظهر الكلام فيه بما تقدم في الحاشية في تزييف دعوى الفطحية من العلامة
(منه (رحمه الله)).
3. أي في حاشية الحبل المتين.
4. الحبل المتين: 5.
5. انظر رجال الكشي 2: 673 / 705، وص 830 / 1050.
246

أقرب إلى السداد - يكون الغرض الإجماع على صحة الإسناد المحكي صحيحا،
أي الإجماع على الصدق، فلا مجال لما ذكره.
ولعله كان الغرض الاستناد إلى الكلام المتقدم من العلامة في الخلاصة، ووقع
ما وقع من باب الاشتباه.
وأما ما ذكره شيخنا البهائي في الحاشية فيظهر فساد الاستناد إلى نقل الإجماع
على التصحيح بما ذكر آنفا، وفساد الاستناد إلى كلام العلامة بما تقدم سالفا.
وقد حكى في المنتقى مشاركة الشهيد لجماعة من المتأخرين (1).
وربما تطرق الخروج عن الاصطلاح من السيد الداماد في اصطلاحه
ب‍ " الصحي " فيما لو كان بعض أجزاء السند بعض أصحاب الإجماع، مع كونه أو
كون من روى عنه غير إمامي وغير ذلك (2)، ففيه كر على ما فر عنه من الخروج عن
الاصطلاح بإطلاق الصحيح على الخبر فيما ذكر وغيره، إلا أنه مبني على عدم
اختصاص الاصطلاح بالصحيح واطراده في الصحة، والظاهر اطراد الاصطلاح.
نعم، غاية الأمر أن الظاهر اختلاف الحال في الصحيح والصحة بكون الاصطلاح
في الصحيح بالتعيين، وفي الصحة بالتعين.
[الصحيح عند القدماء]
وأما القدماء - أعني قدماء الفقهاء - فالمدار في إطلاق الصحة على الحديث
إنما كان عندهم - على ما يقتضيه كلام شيخنا البهائي في فاتحة مشرقه - على كون
الخبر مظنون الصدور ولو من جهة القرائن والأمور الخارجية، كوجوده في كثير
من الأصول الأربعمائة؛ أو تكرره في أصل أو أصلين فصاعدا بطرق مختلفة
وأسانيد عديدة معتبرة؛ أو وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد من

1. منتقى الجمان 1: 12.
2. الرواشح السماوية: 48، الراشحة الرابعة.
247

أصحاب الإجماع المدعى في كلام الكشي أو الشيخ؛ أو اندراجه في أحد الكتب
التي عرضت على أحد الأئمة (عليهم السلام) فأثنوا على مؤلفها، ككتاب عبيد الله الحلبي الذي
عرض على الصادق (عليه السلام)، وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان
المعروضين على العسكري (عليه السلام)؛ أو أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم
الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلفوها من الإمامية، ككتاب الصلاة
لحريز بن عبد الله السجستاني، وكتب بني سعيد (1) وعلي بن مهزيار، أو من غير

1. قوله: " وكتب بني سعيد " هذا مأخوذ من عبارة النجاشي قال: " وكتب بني سعيد كتب حسنة معمول
عليها وهي ثلاثون كتابا ". [رجال النجاشي: 58 / 136]. إنما سقطت همزة " ابن " في كلام النجاشي
سهوا، ووافقه شيخنا البهائي من دون تأمل، كما أنه ذكر النجاشي سابقا على ذلك: أن الحسين بن
سعيد شارك أخاه الحسن في الكتب الثلاثين المصنفة، وإنما كثر اشتهار الحسين أخيه بها، والحسين
في كلامه أولا وثانيا سهو كما لا يخفى، ويرشد إلى كونه سهوا - أولا - عن الحسن: أنه ذكر في كنيته
الحسين المعقود له العنوان: أبا محمد، وهو كنية الحسن على ما في الخلاصة [خلاصة الأقوال: 39].
وإن قلت: إن سعيدا لعله كان من ابن آخر صاحب الكتاب غير الحسين، فكانت عبارة النجاشي
على وجه الجمعية ولا بأس به.
قلت: إن صريح النجاشي فيما سمعت من كلامه أن الكتب الحسنة المعمول عليها ثلاثون، وقد
ذكر في كلامه كما سمعت أن الكتب الثلاثين بين الأخوين، فلابد أن تكون الكتب الحسنة المعمول
عليها وهي ثلاثون، وإلا يلزم شركة غير الأخوين فيها، وهو خلاف المفروض، ومع ذلك قال الشيخ:
" الحسن والحسين ابنا سعيد من أصحاب الرضا (عليه السلام) " وهو يرشد إلى ما ذكرنا من سقوط همزة " ابن "
وكون الأمر على وجه التثنية.
وإن قلت: إنه لعل الهمزة حذفت خطا كما هو الحال في الابن في بعض الأحوال.
قلت: إنه تسقط همزة " ابن " في الخط لو كان بين العلمين مع كونه صفة، نحو: زيد بن عمرو جاء،
لا خبرا نحو: زيد ابن عمر، هذا في المفرد، وأما في المثنى والمجموع فلا تحذف الهمزة فيهما.
وإن قلت: إنه لعله كان قوله " بني " مثنى الابن، كما أن البنين جمع الابن.
قلت: إن الابن لا يكون مثناه البنان وإنما المثنى الابنان كما صرح به.
ثم إن من أغلاط المقام قول الكشي: " الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد بن سعيد موالي
علي بن الحسين (عليهما السلام) " وكان الصواب: " من موالي " مع أن حماد بن مهران - كما في كلام النجاشي
والشيخ والعلامة في الخلاصة - لا ابن سعيد، وقد ضبطنا أغلاط النجاشي والكشي والعلامة في
الخلاصة في الرسالة المعمولة في النجاشي، وضبطنا أغلاط ابن داوود في بعض الفوائد المرسومة في:
ابن معاوية بن شريح متحد مع معاوية بن ميسرة أو مختلف معه؟ (منه (رحمه الله)).
248

الإمامية، ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد الله السعدي، وكتاب
القبلة لعلي بن الحسن الطاطري، وحكم (1) بأن ما حكم به الصدوق في أول الفقيه
من صحة جميع ما أورده في الفقيه جار على متعارف القدماء في إطلاق الصحيح
على ما يركن إليه ويعتمد عليه. قال:
وقد سلك على ذلك المنوال جماعة من أعلام علماء الرجال، فحكموا
بصحة حديث بعض الرواة الغير الإمامية، كعلي بن محمد بن رباح،
وغيره؛ لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم،
وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الذين انعقد الإجماع على تصحيح ما
يصح عنهم (2).
ومن قبيل ما ذكره من القرائن والأمور الخارجة عمل المشهور بالخبر
الضعيف.
ويرشد إليه ما ذكره العلامة البهبهاني: من أن الخبر الضعيف المنجبر بعمل
المشهور صحيح عند القدماء (3). وكذا الحال في مطابقة الشهرة على القول بكونها
جابرة.
قال المولى التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه: " والظاهر من طريقة
القدماء سيما أصحابنا أن مرادهم بالصحيح ما علم وروده عن المعصوم " (4).

1. أي الشيخ البهائي.
2. مشرق الشمسين: 26 - 30.
3. قال به في الفوائد الحائرية: 143 وص 487، الفائدة 31.
4. روضة المتقين 14: 10.
249

[إطلاق الصحة باصطلاح القدماء]
والظاهر أن من إطلاق الصحة باصطلاح القدماء قول أهل الرجال: " صحيح
الحديث " كما في ترجمة أنس بن عياض (1)، وعبد السلام بن صالح أبي الصلت
الهروي (2)، وأحمد بن إسماعيل (3).
وربما حكم الفاضل الجزائري في ترجمة عبد السلام بأن قولهم: " صحيح
الحديث " ينافي كون الراوي عاميا (4).
ومقتضاه: كون رجال أسانيد الفقيه من المذكورين والمحذوفين من رجال
الصحيح، نظرا إلى ما ذكره في أول الفقيه من أن ما أورد فيه مما يحكم بصحته (5).
وقد حكم الفاضل الأسترآبادي في شرح مشيخة الفقيه في حق جماعة من
رجال طرق الفقيه بالجهالة إلا ما يظهر مما ذكره في أول الفقيه.
ومقصوده: إما كونهم من رجال الصحيح بملاحظة ما ذكره في أول الفقيه مما
ذكر، أو كونهم معتبرين بملاحظة ما ذكره في أول الفقيه من أن الفقيه مستخرج من
كتب مشهورة، عليها المعول وإليها المرجع.
وأورد على الفاضل الجزائري المحقق الشيخ محمد: بأن الصحيح عند
المتقدمين ليس المراد به ما يرويه الإمامي، بل معناه ما ثبت بالأصل المأخوذ منه
بأي نوع كان من أنواع الثبوت.
وبمعناه ما أورد به الفاضل الكاظمي من أن: " الصحيح في كلام النجاشي في

1. رجال النجاشي: 106 / 269.
2. رجال النجاشي: 245 / 643.
3. لم ترد هذه العبارة في ترجمة أحمد بن إسماعيل.
4. حاوي الأقوال 2: 110.
5. الفقيه 1: 3، مقدمة الكتاب.
250

الترجمة المشار إليها غير المصطلح عليه عند المتأخرين " (1). وهو في محله.
فقد بان ضعف ما جرى عليه الشهيد الثاني في الدراية من كون الحديث
بمنزلة ثقة (2).
وكذا ما حكم به بعض - نقلا - في ترجمة الحسن بن علي بن نعمان من أن
توصيف الكتاب بأنه صحيح الحديث يقتضي وثاقة الراوي (3).
وكذا ما يقتضيه كلام الفاضل الأسترآبادي في الترجمة المشار إليها آنفا من أن
التوصيف المشار إليه يقتضي وثاقة الراوي حال رواية أحاديث الكتاب
الموصوف بصحة أحاديثه (4).
فقد أجاد من أورد عليه: بأن تصحيح الحديث لا يستلزم الوثاقة؛ إذ لعله
عرف من القرائن الخارجية (5).
لكن يمكن أن يقال: إن تصحيح حديث الراوي ظاهر في وثاقته من باب
انصراف الإطلاق إلى بعض الأفراد، لا تطرق الاصطلاح، ولا الاستلزام العقلي، بل
توصيف الكتاب بأنه صحيح الحديث ظاهر أيضا في وثاقة الراوي مطلقا.
نعم، لا دلالة في تصحيح الحديث على كون الراوي إماميا رأسا، سواء كان
في حق الراوي أو في حق الكتاب، فلا دلالة في تصحيح حديث الكتاب على
كون الراوي إماميا حال رواية أحاديث الكتاب.
إلا أن يقال: إنه لا مجال لدعوى الانصراف إلى العدالة بالمعنى الأخص،
والانصراف إلى العدالة بالمعنى الأعم محل المنع.

1. انظر عدة الرجال 1: 348.
2. الدراية: 76.
3. انظر منتهى المقال 2: 436 / 775.
4. منهج المقال: 105.
5. منتهى المقال 2: 437 / 775.
251

[معنى الموثق والحسن والضعيف]
ثم إن المتأخرين المتقدم ذكرهم كما اصطلحوا برئاسة العلامة أو ابن
طاووس، كذا اصطلحوا برئاسة الرئيس في الصحيح إخوانه المعروفين، أعني
الموثق والحسن والضعيف.
والمدار في الأول على كون كل واحد من رجال السند أو بعضهم عدلا غير
إمامي.
ومقتضاه عموم العدالة لغير الإمامي، بل هو مقتضى عدم أخذ الإمامية في
تعريف العدالة من أحد من أصحابنا، وكذا اشتراك العدالة في الذكر بين الخاصة
والعامة، وكذا قول أرباب الرجال في ترجمة غير الإمامي كثيرا: " ثقة إلا أنه
فطحي " مثلا؛ لاقتضاء الاستثناء عموم المستثنى منه للمستثنى، وكذا اشتراط
الإيمان من غير من ندر ظاهرا في موارد اشتراط العدالة في الأصول والفقه.
ويؤيده بعض الأخبار. وتفصيل الحال موكول إلى ما حررناه في الرسالة
المعمولة في " ثقة ".
وممن صرح باطراد العدالة في الموثق جمال الأصحاب في رسالته المعمولة
في الطينة (1)، لكن عن التنقيح: " أن الموثق ما يرويه المخالف العدل في مذهبه " (2).
ومقتضى صريح شيخنا البهائي في فاتحة المشرق: أن المدار على ذكر التوثيق
لا العدالة، كما أن مقتضى صريح كلامه أيضا: أن المدار في الصحيح على ذكر
التوثيق أيضا، فلا دلالة في كلامه على عموم العدالة لغير الإمامي (3)؛ لإمكان القول
بعدم دلالة التوثيق، أو توثيق غير الإمامي على العدالة.

1. " رسالة في الطينة " لآقا جمال الدين محمد بن الآقا حسين الخوانساري، كتبها باسم الشاه سلطان
حسين الصفوي. الذريعة 15: 197.
2. التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 1: 8 من المقدمة.
3. مشرق الشمسين: 26.
252

[معنى الحسن]
والمدار في الثاني على كون كل واحد من رجال السند أو بعضهم إماميا
ممدوحا؛ على ما تقتضيه تعريفات الحسن (1).
لكنك خبير بأن كثيرا من الأمور يوجب حسن الحديث واعتبار القول والظن
بصدق الراوي، ولا يصدق عليه المدح، سواء كان من باب اللفظ أو غيره.
أما الأول: فهو نحو الترحم والاسترضاء، كما في الحسين بن إدريس، حيث
إنه حكى المولى التقي المجلسي: " أن الصدوق ترحم عليه عند أزيد من ألف
مرة " (2). وكذا حمزة بن محمد القزويني العلوي حيث إنه حكى المولى المشار إليه:
" أن الصدوق ترحم عليه كلما ذكره واسترضى الله له " (3) بل العنوان المذكور
معروف.
وأما الثاني: فهو نحو كون الراوي وكيلا لأحد من الأئمة (عليهم السلام)، أو كونه ممن
تترك بروايته رواية الثقة، أو تؤول محتجا بروايته، مرجحة على رواية الثقة، أو
يخصص بروايته الكتاب كما اتفق كثيرا - نقلا - أو كونه كثير الرواية، أو رواية الثقة
عنه، أو رواية الأجلاء عنه، أو كونه ممن يروي عن الثقات، أو كونه ممن أخذ
توثيقه وعمل به، أو اعتماد القميين عليه، أو كون رواياته كلا أو جلا مقبولة، أو
كونه صاحب المسائل أو الرسائل إلى إمام فضلا عن إمامين أو أئمة (عليهم السلام)، أو ذكر
النجاشي والشيخ في الفهرست - مثلا - أو الصدوق أو الشيخ في مشيخة الفقيه أو
التهذيبين طريقا إلى كتابه أو رواياته فضلا عن طريقين أو طرق، أو ذكرهم في
ذيل الترجمة، أو في المشيخة إخباره بكتابه أو رواياته إجازة وسماعا.
فالأحسن جعل المدار في الحسن على كون بعض رجال السند موصوفا

1. انظر الدراية: 21.
2. روضة المتقين 14: 66، وفيه: " الحسين بن أحمد بن إدريس الأشعري القمي ".
3. روضة المتقين 14: 360.
253

بالحسن، وبعبارة أخرى: موصوفا ببعض أسباب اعتبار القول والظن بالصدق،
سواء كان الأمر من باب المدح أم لا.
وإن قلت: إن أخذ الحسن في تعريف الحسن يوجب الدور.
قلت: إن الحسن في جانب الحد هو الحسن اللغوي، والحسن في جانب
المحدود هو الحسن الاصطلاحي، فيختلف الطرفان، فلا يتأتى الدور؛ هذا.
وهل المدار في المدح - على تقدير اعتباره في الحسن، أو على فرض اتفاقه
في ترجمة الراوي - على اعتقاد المترجم، أو على اعتقاد المجتهد؟
لا إشكال في عدم اعتبار الخبر لو لم يتأت المدح باعتقاد المجتهد، ولم يكن
ما ذكر إفادة للمدح موجبا للظن بالصدق، وكان المدار في إطلاق الحسن على
المدح باعتقاد المجتهد.
نعم، لو لم يتأت المدح باعتقاد المجتهد، لكن كان ما ذكر إفادة للمدح موجبا
للظن بالصدق - مثل الصدق لو قلنا بخلوه عن القبح دون اشتماله على الحسن كما
حررناه في الأصول - فيتأتى اعتبار الخبر ولو لم يكن من باب الحسن، لكن حينئذ
يزيد قسم آخر.
إلا أن يقال: إن الصدق بنفسه وإن لم يشتمل على الحسن لكن توصيف
الرجل بأنه صادق يكون المقصود به المداومة على الصدق، وهي تشتمل على
الحسن كما يرشد إليه توصيف إدريس من الله سبحانه ب‍ (إنه كان صديقا) (1).
ومزيد الكلام موكول إلى ما حررناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل
الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن محمد بن الحسن.
[معنى الضعيف والقوي]
وأما الضعيف: فأمره ظاهر، إلا أنه أعم في لسان الأواخر مما لو كان في السند

1. سورة مريم (19): 56: (واذكر فى الكتب إدريس إنه كان صديقا نبيا).
254

كلا أو بعضا إمامي مجهول الحال، أو مصرح بالطعن أو الجهالة.
وقد خص السيد الداماد الضعيف بالثاني، أعني المصرح بأحد الأمرين،
وبنى في الأول على التعبير بالقوي (1).
ولا جدوى فيه، إلا بناء على كفاية ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق في أصل
العدالة أو في كاشفها، واشتراط الإيمان في اعتبار الخبر، وإلا فلا فرق في البين في
عدم الحجية، بناء على عدم كفاية ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق في العدالة، لا
في أصلها ولا في كاشفها. فالمناسب تعميم الضعيف للأول.
لكن الحصر المذكور غير حاصر؛ لخروج ما كان كل واحد من رجال سنده أو
بعضهم غير إمامي ممدوح، ولذا زيد في الأواخر قسم خامس يعبر عنه بالقوي (2)،
كما جرى عليه السيد السند العلي في الرياض (3)، وكذا الوالد الماجد (رحمه الله)، وقد حكى
الشهيد في الذكرى إطلاقه على الموثق (4)، وكذا على ما سمعت الاصطلاح به من
السيد الداماد، وكذا على غيره (5) على وجه الترديد بين الأخيرين أو التقسيم.
ولعل الثاني أظهر.
وقد حكى السيد الداماد أيضا إطلاقه على الموثق (6).
والظاهر بل بلا إشكال أن المدار في الموثق والحسن والقوي على ملاحظتها
بالنسبة إلى الصحيح، فلو كان بعض رجال السند غير إمامي مصرحا بتوثيقه أو
مدحه، أو إماميا مصرحا بالمدح، لابد من كون الباقي إماميا موثقا.

1. الرواشح السماوية: 41 - 42 الراشحة الأولى.
2. انظر الرواشح السماوية: 41، الراشحة الأولى؛ وتعليقات الخواجوئي على مشرق الشمسين: 25.
3. رياض المسائل 1: 45 و 353.
4. ذكرى الشيعة 1: 48.
5. قوله: وكذا على غيره، قال في ذكرى الشيعة [1: 48] وقد يراد بالقوي مروي الإمامي غير المذموم
ولا ممدوح، أو مروي المشهور في التقدم عن الموثق (منه (رحمه الله)).
6. الرواشح السماوية: 41، الراشحة الأولى، قال: " وربما بل كثيرا ما يطلق القوي على الموثق ".
255

بل قد اعتبر شيخنا البهائي في الموثق والحسن - على تقدير كون بعض رجال
السند غير إمامي موثقا أو إماميا ممدوحا - كون سائر رجال السند من الإمامي
الموثق (1).
فيبقى ما كان سنده ثنائي الوصف، وهو ثلاثة: ما اشتمل سنده على غير إمامي
موثق، وإمامي أو غير إمامي ممدوح، أو اشتمل سنده على إمامي ممدوح وغير
إمامي ممدوح؛ وما كان سنده ثلاثي الوصف - وهو واحد، أعني ما اشتمل سنده
على غير إمامي موثق وإمامي ممدوح وغير إمامي ممدوح - خارجا عن الأقسام
الخمسة.
لكن مقتضى تعريف الموثق من الشهيد في الدراية - بما دخل في طريقه من
نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ولم يشتمل باقيه على الضعف (2) -
كون الثلاثي والأولين من الثنائيات من الموثق، كما أن مقتضاه عموم الضعف
للجهل؛ لوضوح عدم اطراد الموثق لو كان بعض رجال السند غير إمامي موثق مع
جهالة الباقي، ولو كان الجهل خارجا عن الضعف - ‍ كما قد يقال (3) - للزم الاطراد
المذكور.
وربما يتوهم كون كل من الأقسام المذكورة داخلا في الأخس (4) بكون الثلاثي
والأخيرين من الثنائيات من القوي، والأول من الثنائيات من الموثق بناء على كونه
أخس من الحسن، ومن الحسن بناء على كونه أخس من الموثق، بملاحظة أن
عموم التسمية بالموثق والحسن والقوي لما لو كان بعض رجال السند غير إمامي
كان موثقا أو ممدوحا، أو كان إماميا مع كون سائر رجال السند إماميا موثقا؛ من

1. مشرق الشمسين: 26.
2. الدراية: 23.
3. انظر مشرق الشمسين: 26، الهامش رقم 2.
4. المصدر.
256

باب التسمية بالأخس، لكن الظاهر أن عموم التسمية بملاحظة الأخسية بالنسبة
إلى خصوص الصحيح؛ فلا يطرد الاصطلاح في غير ما ذكر، ويلزم الاقتصار فيه
على ما ثبت وقوعه فيه. وعلى هذا المنوال الحال في سائر المحال.
ويرشد إلى ما ذكرنا الخلاف في الأخس من الموثق والحسن؛ إذ لا مجال
لاختلاف الاصطلاح باختلاف الاجتهاد، بل الاجتهاد بعد إحراز الاصطلاح؛ قضية
أن الاجتهاد في الحكم بعد إحراز الموضوع، فما كان سنده مشتملا على غير
الإمامي الموثق والإمامي الممدوح لا مجال لعده من الموثق بناء على كونه أخس
من الحسن، ومن الحسن بناء على كونه أخس من الموثق.
اللهم إلا أن يقال: إنه لا بأس بذلك.
وينبغي أن يعلم أن الظاهر - لعله - عموم الاصطلاح في الحسن والقوي لما لو
كان الراوي ممدوحا بأدنى درجات المدح مما لا يفيد الظن بصدق الراوي
وصدور الخبر، نحو: " له كتاب " كما يتفق في التراجم كثيرا (1)، بل " فاضل " كما ذكر
في ترجمة علي بن محمد بن قتيبة وغيره (2)، أو " ما رأيت أفضل منه " كما ذكر في
ترجمة القاسم بن محمد بن أبي بكر (3).
بل صريح بعض يقتضي عموم الاصطلاح في الحسن لما ذكر، إلا أن الحق
التفصيل في الحجية بالحجية فيما لو كان المدح بما يوجب الظن بالصدق
والصدور، وعدم الحجية في غير ذلك.
والظاهر أن " الإمامية " في الحسن كالصحيح غير دخيلة في الظن بالصدق
والصدور؛ إذ المدار في الظن بالصدق والصدور على التحرز عن الكذب، كيف!؟
وفي الموثق يتأتى الظن بالصدق والصدور مع عدم إمامية رجال السند كلا أو

1. انظر رجال النجاشي: 228 / 601 و 229 / 607.
2. خلاصة الأقوال: 94 و 101.
3. منتهى المقال 5: 230 نقلا عن يحيى بن سعيد.
257

بعضا، بل الظاهر عدم مداخلة العدالة إلا من جهة اشتمال العدالة على التحرز عن
الكذب.
ففي باب التعارض يتأتى التساوي بين الصحيح والموثق، بل يتأتى التساوي
بين الصحيح والقوي لو كان المدح في القوي بما يساوي التوثيق في إفادة الظن
بالتحرز عن الكذب، وإلا فالموثق مقدم، إلا أن يفرض كون المدح بما يكون الظن
الحاصل منه بالتحرز عن الكذب أقوى من الظن الحاصل بالتحرز عن الكذب في
التوثيق، فيقدم الحسن.
والموثق أقوى من الحسن، الا أن يكون المدح في الحسن بما يساوي
التوثيق في إفادة الظن بالتحرز عن الكذب، فيتأتى التساوي، أو يفرض كون
المدح بما يكون الظن الحاصل منه بالتحرز عن الكذب أقوى من الظن الحاصل
بالتحرز عن الكذب في التوثيق، فيقدم الحسن.
والحسن والقوي سيان بذاتهما، إلا أنه يختلف الأمر باختلاف المدح أيضا،
فما كان المدح فيه أقوى يقدم، سواء كان هو من باب الحسن أو القوي. وإن
تساوى المدح فيهما فيتساويان.
وربما وقع الكلام في تعارض الموثق والحسن، فالسيد الداماد على تقديم
الأول (1)، وعن بعض تقديم الثاني (2)، وقد ظهر الحال بما سمعت.
ويمكن (3) أن يقال في تضعيف ترجيح الحسن: إن الإمامية لو كانت موجبة

1. الرواشح السماوية: 115، الراشحة السادسة والثلاثون.
2. حكاه عنه السيد الداماد في الرواشح السماوية: 115.
3. قد جرى جماعة على توصيف ما رواه ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والسنجاب
والفنك وغيره بكونه موثقا [انظر مختلف الشيعة 2: 94، والمستند 4: 307] مع أن ابن بكير مسبوق
بإبراهيم بن هاشم، ومقتضاه كون الموثق أخس من الحسن لو كان إبراهيم بن هاشم عند الجماعة من
رجال الحسن لا الصحيح، كما جرى عليه بعض [انظر الرواشح السماوية: 48]، وجرى الفاضل
الخوانساري في تعليقات الروضة على التوصيف بالحسن بواسطة إبراهيم بن هاشم، ومقتضاه كون
الحسن أخس من الموثق كما هو المشهور، لكن حكم في الذخيرة عند الكلام فيما لو مات من أعتق
من الزكاة ولا وارث له بضعف ابن بكير [الذخيرة: 469] والظاهر أنه لم يتفق مثله في الذخيرة في غير
هذا الموضع. وجرى في المشارق في شرح قول الشهيد: " فإن تعدد الوضوء ولم يعلم محل المتروك
أجزء الواجبان والنفلان "، على الإشكال في توثيق ابن بكير [مشارق الشموس: 147] لكن مقتضى
كلمات أخرى من المشارق - سابقا على ذلك ولاحقا له - الجريان على وثاقة ابن بكير.
وحكى السيد الداماد في بعض تعليقات الكشي عن ابن طاووس القدح في ابن بكير، وعن الشهيد
الثاني في حاشية الخلاصة: الحكم بضعف ابن بكير [حواشي الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 18]
بل نقله عن جماعة عده في قسم الضعاف.
وقال ابن داوود: وسيأتي في الضعاف [رجال ابن داوود: 117 / 842] لكنه لم يف بما وعد.
وتحرير الحال موكول إلى ما حررناه في الرسالة المعمولة في الصلاة في الماهوت (منه (رحمه الله)).
258

للرجحان لكانت موجبة له في مقابل القوي الخالي - بعد اشتراك المدح بين
الحسن والقوي - عما يقابل الإمامية، ففي تعارضه مع الموثق لا أقل من التساوي؛
لرجحان الموثق على القوي بمقدار زيادة التوثيق ورجحانه على المدح.
إلا أن يقال: بكون الإمامية مزية كاملة توجب الرجحان على ما خلي
عما يقابلها بالكلية، أو اشتمل على القدر الزائد والراجح من التوثيق على
المدح.
هذا حال التعارض بحسب ملاحظة الإمامية، وأما بحسب ملاحظة
العدالة فالصحيح مساو للحسن لو كان المدح بما يساوي التوثيق في إفادة الظن
بالتحرز عن الكذب، وإلا فالصحيح مقدم، إلا أن يفرض كون المدح بما يكون
الظن الحاصل منه بالتحرز عن الكذب أقوى من الظن الحاصل بالصدق في
التوثيق.
وعليك بالتدبر فيما ذكرناه من المقال، فإني لم أظفر بمن جرى على هذا
المنوال، وليعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال (1).

1. مأخوذ من رواية أمير المؤمنين (عليه السلام): " اعرف الحق، تعرف أهله " البحار 40: 125، ح 18.
259

[المقدمة] الثانية
إنه لا إشكال في جريان النزاع في المقام في تصحيح السند المذكور في
الكافي، وكذا في تصحيح السند المركب من المذكورين والمحذوفين في الفقيه
والتهذيبين.
وأما عموم النزاع لخصوص المذكورين في الفقيه والتهذيبين بناء على عدم
وجوب نقد الطريق أو لخصوص المحذوفين فيها بناء على وجوب نقد الطريق،
فلا يخلو عن الإشكال، لكن لا إشكال في اطراد النزاع.
[المقدمة] الثالثة
إن الكلام في المقام أعم مما لو عين المصحح من انتهى إليه السند، كأن قال:
" في صحيح زرارة " أو: " في الصحيح عن زرارة " أو أهمل بالكلية، كأن قال: " في
الصحيح كذا ". ولا يختلف الحال بالتعيين والإهمال بخلاف ما بعد الفحص،
أعني ما لو اتفق التصحيح لكن رأينا حديثا بسند بعض رجاله لم نظفر بعد
الفحص في كتب الرجال على توثيقه، كما يأتي في بعض التنبيهات - إذ ظهور
اطلاع المصحح على غير السند الذي اطلعنا عليه في صورة التعيين أقوى منه في
صورة الإهمال.
[المقدمة] الرابعة
إن قبول الجرح والتعديل مشروط بالفحص عن المعارض، أو غير مشروط به؟
أقول: إن الكلام في الباب يقع تارة من حيث حصول الظن وعدمه قبل
الفحص، ويقع أخرى من حيث اعتبار الظن الحاصل بعد القول بالحصول وعدمه.
260

أما الأول: فالمستفاد من كلام صاحب المعالم القول بالاشتراط، فلا يجوز
العمل بقول أحد من علماء الرجال إلا بعد البحث عما يعارضه حتى يغلب على
الظن انتفاؤه (1)، فيكون الجرح والتعديل كالعمومات الشرعية، وغيرها من الأدلة
المتعارضة؛ فكما لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص، بل لا يجوز
العمل بخبر حتى يتفحص عن معارضه، فكذا لا يجوز العمل بالجرح والتعديل
إلا بعد البحث عن المعارض.
ومقتضى كلامه: أن لزوم الفحص من جهة عدم حصول الظن من الجرح
والتعديل بدون الفحص؛ لوقوع التعارض في شأن كثير من الرواة - كما أن لزوم
الفحص في العمل بالخبر من جهة عدم حصول الظن قبل الفحص؛ لوقوع
تعارض الأخبار في كثير من الموارد - لا الظن بالخلاف، كيف!؟ والظن بالخلاف
لا يتأتى بدون الترجيح، والمفروض عدم الاطلاع لو فرض الحصول، بخلاف
لزوم الفحص عن المخصص في العمل بالعام، فإنه يمكن أن يكون لزوم الفحص
فيه من جهة الظن بالتخصيص قبل الفحص، كما أنه يمكن أن يكون من جهة
عدم حصول الظن بالعموم قبل الفحص، والمنشأ حال غلبة التخصيص قوة
وضعفا.
لكن الظاهر أنه لم يدع أحد زائدا على عدم حصول الظن بالعموم، أعني
الظن بالتخصيص، وإن كان مقتضى ما يأتي من السيد السند المحسن الكاظمي
دعوى الظن بالتخصيص (2).
وبالجملة، غاية الأمر في المقام الشك في مورد الجرح والتعديل بثبوت قوة
غلبة الاختلاف؛ إذ غاية الأمر الظن بالاختلاف، ولا يتمشى منه الزائد على الشك،
كما أن في باب العمل بالخبر قبل الفحص عن المعارض، غاية الأمر الشك؛ لعدم

1. معالم الدين: 208.
2. عدة الرجال 1: 181.
261

انحصار المعارض.
وأما لو لم تكن لغلبة الاختلاف قوة، فلا يتأتى الشك في المقام.
وأما في باب العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص يمكن الظن
بالتخصيص كما يمكن الشك فيه؛ لانحصار المعارض والضد. فالمقام يشبه
العمل بالخبر قبل الفحص عن المعارض؛ لاشتراكهما في عدم تجاوز الأمر عن
الشك.
وعلى ما ذكر يجري الحال في جميع الأضداد، فإن الظن بثبوت ضد مع
الانحصار (1) يوجب الظن بانتفاء الضد الآخر، وأما مع عدم الانحصار فالظن بثبوت
أحد الأضداد لا يوجب إلا عدم الظن بضد خاص، ولا يمكن تحصل الظن بضد
خاص أو الظن بانتفاء ضد خاص.
وتحقيق الحال: أن وجود أحد الضدين علما أو ظنا لا يوجب العلم أو الظن
بانتفاء ضد معين.
نعم، يوجب العلم أو الظن بانتفاء أحد الضدين الباقيين، أو أحد الأضداد
الباقية على وجه الإجمال.
وأما الإخبار بوجود أحد الضدين في صورة الإخبار بوجود الضد الآخر فلا

1. قوله: " فإن الظن بثبوت ضد مع الانحصار " إلى آخره. هذا ما كتبته سابقا، والأظهر أن في باب العمل
بالعام قبل الفحص عن المخصص يكون المظنون هو التخصيص، لا مجرد ورود الخاص، فيلزم الظن
بانتفاء العموم. وبعبارة أخرى: يكون المظنون هو ورود الخاص بعد فرض كونه مقدما على العام، ولذا
يعبر بالمخصص، فيلزم أيضا الظن بانتفاء العموم، بل الظن بالتخصيص عين الظن بانتفاء العموم بناء
على أن الأمر بالشيء عين النهي عن الضد العام، وأما في باب تعارض الأخبار فالمظنون هو مجرد
ورود المعارض، فلا يلزم الظن بانتفاء الحكم المستفاد من الخبر الذي قد ظفر به المجتهد، كيف لا!؟
ويحتمل كون الحكم الواقعي هو الحكم المستفاد من المعارض. ومما ذكر [يظهر] أنه لو فرض الظن
بكون الحكم الواقعي هو الحكم المستفاد من المعارض مرددا بين أحكام، يكون المظنون انتفاء الحكم
المستفاد من الخبر الذي ظفر به المجتهد (منه (رحمه الله)).
262

يوجب إلا الشك في المخبر به بالإخبار بوجود الضد الآخر.
كيف!؟ ولا مجال لحصول الظن فضلا عن العلم؛ لعدم تطرق الظن في صورة
تعارض الخبرين بدون المرجح.
نعم، يتأتى الظن أو العلم بالمخبر به بأحد الخبرين على تقدير رجحانه ظنا
أو علما، ففي العام المخصص لما كانت غلبة الإخبار بالتخصيص مقرونة
بالترجيح، ولا تتخلل الواسطة بين العموم والخصوص في موارد تعليق الحكم
على العام، فيتأتى الظن بالتخصيص لو كانت غلبة الإخبار بالتخصيص قوية، وإلا
فيتأتى الشك.
لكن غلبة تعارض الإخبار لا تفيد الظن بالعدم لو اطلعنا على خبر في مورد
قبل الفحص عن المعارض لا على وجه الظن بضد مخصوص؛ لعدم انحصار
الضد، ولا على وجه الظن بأحد الأضداد في الجملة؛ لعدم اقتران الغلبة بالترجيح،
ففي باب العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص يمكن الظن بالتخصيص ولو
لم يقع؛ لعدم وقوع الغلبة المقتضية للظن بالتخصيص من جهة زيادة القوة لزيادة
الكثرة، بخلاف الخبر قبل الفحص عن المعارض، فإنه لا يمكن اتفاق الظن
بالخلاف فيه.
والمقام يشابه الخبر قبل الفحص عن المعارض، لا العام قبل الفحص عن
المخصص؛ لاختلاف الحال من حيث إمكان اتفاق الظن بالخلاف في العام قبل
الفحص دون المقام، والشك والظن بالخلاف المتأتى في العام قبل الفحص - على
حسب اختلاف قوة الغلبة - يمانع عن العمل بالعموم ولو لم يكن الأمر من باب
كون العام المخصص في العمومات الشرعية من باب المجاز المشهور مع الشك
في التخصيص أو الظن به - على حسب اختلاف الحال في المجاز المشهور - كما
هو التحقيق؛ إذ المجاز المشهور لابد فيه كالحقيقة العرفية - من اتحاد اللفظ
شخصا، وكذا اتحاد المعنى شخصا. [وأما لو] استعمل عام مخصوص في الخاص
263

مع اختلاف الخاص في موارد الاستعمال على وجه الكثرة بحيث لو كانت الكثرة
مقرونة باتحاد الخاص لاتفق المجاز المشهور، لا يتطرق المجاز المشهور؛
لاختلاف المعنى المجازي بواسطة اختلاف الخاص؛ إذ المعنى المتشخص الذي
يستعمل فيه العام هو مصداق الخاص، لا مفهومه، والمصداق مختلف باختلاف
الموارد وإن اتحد المفهوم، لكنه غير مستعمل فيه.
ومما ذكرنا [يظهر] (1): أنه لو ثبت استعمال الأمر غالبا في لسان الأئمة في
الندب غلبة قابلة لإحداث المجاز المشهور - مع اختلاف الأمر في موارد استعماله
في الندب - لا يتأتى المجاز المشهور كما توهم، وإن يتأتى الشك في إرادة
الوجوب أو الظن بإرادة الندب بناء على كون وضع الأمر شخصيا كما هو الأظهر،
بناء على ما هو الأظهر من كون وضع المشتقات - فعلا واسما - شخصيا.
نعم، بناء على كون وضع الأمر للوجوب نوعيا يتأتى المجاز المشهور في
الهيئة المتكررة في موارد استعمال الأمر في الندب.
فلو اختلف اللفظ والمعنى معا - كما في العمومات الشرعية، سواء قلنا بكون
العام هو السور أو المسور - فلا مجال لاتفاق المجاز المشهور - كما توهم -
بالأولوية مما سمعت في صورة اتحاد اللفظ.
ومما ذكر ظهر أن في العام قبل الفحص عن المخصص يتأتى الشك في
العموم أو الظن بالتخصيص من جهة الغلبة، لا من جهة تطرق المجاز المشهور،
نظير الحال في سائر موارد الغلبة.
وعلى ذلك المنوال الحال في الأمر الوارد في لسان الأئمة بعد كثرة الاستعمال
في الندب.
وعن الفخري والعلامة في النهاية والشهيد في الدراية القول بما سمعت من

1. أضفناها لإستقامة العبارة.
264

صاحب المعالم (1).
وإليه يرجع ما حكم به المحقق القمي من وجوب الفحص في قبول جرح
الرواة وتعديلهم، نظير العمل بالعام في أعصار الغيبة، وعدم وجوب الفحص في
قبول جرح غير الرواة وتعديله، كأن يزكي عدل في هذا الزمان رجلا موجودا فيه
عند الحاكم لاستئجاره الصوم والصلاة - مثلا - مع عدم ظهور خلاف في ذلك،
نظير العام المسموع من الإمام شفاهة حين المخاطبة (2)، حيث إن مفاد كلام
صاحب المعالم لا يتجاوز عن لزوم الفحص في جرح الرواة وتعديلهم، بل من
البعيد غاية البعد دعوى لزوم الفحص عن المعارض للحاكم عند جرح الشاهد أو
تعديله.
قوله: " عند الحاكم " الظاهر منه تعديل العدل الواحد الشاهد عند الحاكم، مع
أن الاكتفاء بالعدل الواحد في تعديل الشاهد دونه الإشكال ولو قلنا بكفاية مطلق
الظن في العدالة - كما هو الأظهر - لظهور الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء، وإن كان
الجواز لا يخلو عن قوة. وقد حررنا الكلام فيه في الأصول عند الكلام في العدالة.
قوله " مع عدم ظهور خلاف في ذلك " الظاهر أن مقصوده وجوب الفحص
عن التزكية في هذه الأزمان؛ إذ المرتفع الاختلاف بين عدول البلد في الجرح
والتعديل، وإليه يرشد قوله بقبول تزكية مجهول العين لو كان التزكية في هذه
الأزمان؛ إذ المرتفع الاختلاف بين عدول البلد في الجرح والتعديل.
لكنك خبير بأنه لا يشترط في عدم وجوب الفحص عدم ظهور الخلاف رأسا
كما هو الظاهر منه، بل الشرط عدم غلبة الاختلاف إلى حد يمانع عن حصول
الظن؛ لعدم ممانعة الاختلاف النادر عن حصول الظن، والمدار على حصوله
وعدم ممانعة كثرة الاختلاف أيضا لو كان الاتفاق أكثر بمراتب.

1. الدراية: 74، وحكاه عنهم السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 404.
2. القوانين المحكمة 1: 477.
265

فما يظهر من صاحب المعالم - من ممانعة كثرة الاختلاف (1) - إن كان المقصود
به كثرة بالغة حد الممانعة، ففيه ما يظهر مما يأتي، وإلا فالكثرة بمجردها لا تمانع
عن حصول الظن.
وما لو قيل: إن المقصود عدم ظهور خلاف عدالة ذلك الرجل عند الحاكم،
مدفوع بوضوح عدم تأتي وجوب الفحص حينئذ، وهذا ليس أمرا قابلا للذكر.
مع أنه على هذا كان المناسب أن يقول: " مع عدم ظهور خلاف ذلك " لا
" خلاف في ذلك " على أن مقتضى كلامه وجوب الفحص على تقدير ظهور
الخلاف، ولا خفاء في عدم وجوب الفحص على تقدير كون الظهور بالعلم؛
لوجوب رد التعديل حينئذ.
وكذا الحال على تقدير كون الظهور بالظن لو كان التعديل من عدل واحد، وأما
لو كان من عدلين، فلابد من القبول لو كانت شهادة العدلين حجة تعبدا، وإلا فلابد
من الرد؛ لوجوب الفحص، مضافا إلى أن مدار ما ذكر من الإيراد على كون المقصود
من قوله المزبور هو عدم ظهور الاختلاف في جرح غير الرواة وتعديله نوعا.
ومدار المقالة المذكورة على كون الغرض عدم ظهور الاختلاف في ذلك
شخصا، أي خصوص الشخص المجروح أو المعدل، ومقتضى اشتراطه في باب
تزكية مجهول العين عدم وقوع الاختلاف في النوع؛ إذ مع فرض الجهل بالعين لا
مجال للاختلاف شخصا.
إلا أن يقال: إن مقتضى ما ذكر وإن كان هو كون الغرض عدم ظهور الاختلاف
في النوع لكن مقتضاه اشتراط عدم وقوع الاختلاف في عدول البلد كلا أو جلا
بحيث لا يتحصل الظن بالعدالة من التعديل، فالغرض من القول المزبور هو عدم
ظهور الاختلاف بحيث يوجب عدم حصول الظن من الجرح والتعديل.

1. معالم الدين: 208.
266

وبعد يمكن أن يكون المقصود من القول المزبور عدم ظهور الخلاف في
مورد الجرح أو التعديل، أعني الخلاف الشخصي رأسا، ولا بأس به.
وإلى ذلك يرجع أيضا ما ذكره الوالد الماجد (رحمه الله): من وجوب الفحص عن
جرح الرواة وتعديلهم، بخلاف الجرح والتعديل في المرافعات وأمثالها.
وقال السيد السند المحسن الكاظمي بعد نقل ما حكم به صاحب المعالم:
قلت: هذا وإن كان لا يعرف لغيره إلا أنه ليس بذلك البعيد، لكن
الوجدان يخص [ذلك] (1) بما إذا كانت مظنة اختلاف دون ما لم يكن
كذلك، فإن الاختلاف في الرواة لم يبلغ في الكثرة حدا يكون عدمه
مرجوحا؛ ليكون التعويل على التعديل من دون بحث، تعويلا على
المرجوح كما قلنا في العموم والخصوص؛ لظهور الفرق بينهما، كيف
لا!؟ وقد قيل هناك: ما من عام إلا وقد خص (2).
ومرجع كلامه إلى التفصيل بين ما لو ظن بوجود المعارض فيجب الفحص،
وغيره - كما هو الغالب؛ لعدم غلبة المعارض في باب الجرح والتعديل على
حسب غلبة التخصيص في باب العمومات الشرعية - فلا يجب الفحص.
ومقتضى كلامه تفرد صاحب المعالم في القول بوجوب الفحص.
قوله: " ليكون التعويل على التعديل من دون بحث، تعويلا على المرجوح ".
أقول: إن الظن باتفاق الاختلاف في مورد الجرح أو التعديل لا يوجب الظن
بالخلاف، بل غاية الأمر الشك الشخصي. وليس المقام من قبيل الظن
بالتخصيص قبل الفحص كما هو مقتضى كلامه؛ إذ الظن بالتخصيص يوجب كون
العموم من باب الموهوم؛ قضية أن الظن بأحد الضدين يوجب كون الآخر من
باب الموهوم.

1. ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
2. عدة الرجال 1: 181.
267

ومن هذا أن القول بوجوب متابعة أقوى الظنين من صاحب المعالم في الدليل
الرابع (1) ليس بالوجه إن كان الغرض من أقوى الظنين هو الأقوى من الظنين
شخصا، كما فهمه المحقق القمي (2).
لكن الظاهر أن الغرض الأقوى من الظنين نوعا، كما حررناه في الرسالة
المعمولة في حجية الظن، بخلاف الظن بالاختلاف من الضدين. وقد تقدم مزيد
الكلام.
ومع هذا أقول: إن مقتضى كلامه قبول الجرح والتعديل في صورة الشك،
ويبعد منه التزامه به؛ لعدم ارتباطه بوجه يقتضيه؛ إذ لا يتصور وجه لصحته غير
اعتبار الظن النوعي، وهو مخصوص بباب ظواهر الحقائق وسند الأخبار
الصحيحة، ولا يرتبط بالمقام.
إلا أن يقال: إن القول باعتبار خبر العدل في صورة الشك وعدم إفادة الظن
بالواقع بعض الأقوال في باب خبر العدل، والكلام في هذا الباب إنما يتأتى في
الإخبار عن المضمون - ك‍ " قام زيد " و " قعد عمرو " ومنه نقل فعل المعصوم أو
تقريره - لا الإخبار عن مخبر بالإخبار، كما لو أخبر زيد عن عمرو أنه قال: مات
خالد، ومنه أكثر الأخبار الشرعية؛ لابتنائه على نقل قول المعصوم.
والكلام في هذه الجهة لا يرتبط بالكلام في السند؛ لعدم توسط الواسطة، ولا
بالكلام في الدلالة كما لا يخفى، فليس القول باعتبار الجرح والتعديل من العدل
مع الشك بالمكان الذي أظهر من البعد.
إلا أن يقال: إنه لم يعهد منه القول باعتبار خبر العدل مع الشك.
مع أن الكلام في الجرح والتعديل لا يختص بالعدل، ولا سيما بناء على
اختصاص العدالة بالإيمان، وإن أمكن القول بأن الفرد الظاهر من المتنازع فيه في

1. انظر معالم الدين: 193.
2. القوانين المحكمة 1: 440.
268

المقام إنما هو الجرح والتعديل من العدل مع الإيمان ولو بناء على خروج الإيمان
عن العدالة؛ إذ مورد البحث في كلماتهم تصحيح مثل العلامة.
ويمكن أن يقال: إن المدار في كلامه على الفرق بين الظن بالاختلاف وعدمه
كما هو مقتضى صدر عبارته، فالمرجع إلى التفصيل بين صورة حصول الظن
بالجرح والتعديل وصور الشك الشخصي، إلا أن مقتضى كلامه في الذيل والتعليل
إنكار الظن بالاختلاف، فالمرجع إلى دعوى عموم حصول الظن وعدم لزوم
الفحص رأسا.
وخيال " اقتضاء الظن بالاختلاف الظن بالخلاف في الذيل " من باب الاشتباه
لموضوعي، ولا عبرة به.
فالمرجع إلى التفصيل بين صورة حصول الظن وصورة استقرار الشك - أعني
الشك الشخصي - لو لم يكن إنكار الظن بالاختلاف في الذيل المقتضي لدعوى
عموم حصول الظن من الجرح والتعديل، مع أنه بعد دعوى عدم الظن
بالاختلاف لا جدوى في تشخيص حال صورة الظن بالاختلاف من حيث
حصول الظن بالخلاف واستقرار الشك، والمرجع إلى دعوى عموم حصول الظن
من الجرح والتعديل وعدم لزوم الفحص رأسا.
لكن نقول: إن غاية ما يقتضيه كلامه إنكار الظن بالاختلاف، وهو لا يوجب
حصول الظن من الجرح والتعديل؛ لاحتمال الشك في الاختلاف، فلا يرجع
الأمر إلى دعوى حصول الظن من الجرح والتعديل.
إلا أن يقال: إن الأمر من باب الشك في وجود المانع مع اقتضاء المقتضي؛
لاقتضاء إخبار أهل الخبرة الظن بالصدق، والمعروف عدم ممانعة الشك في
وجود المانع؛ فالمرجع إلى دعوى حصول الظن من الجرح والتعديل.
وصرح سيدنا بعدم وجوب الفحص رأسا؛ نظرا إلى ندرة المعارض في
الجرح والتعديل ولو في رواة أصحابنا، كما يظهر بالتتبع.
269

ووجود المعارض نادرا لا يقدح. كيف لا!؟ ولو كان قادحا ويرفع به الوثوق
بتعديل أهل الخبرة وجرحهم قبل البحث لما صح الاعتماد بقولهم فيما انفرد
واحد منهم بالتعرض لحاله؛ لاحتمال الاشتباه ووجود المعارض في نفس الأمر،
وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، سيما مع عدم التعرض؛ إذ لعلهم لو
تعرضوا له لذكروا في شأنه خلاف ما ذكر، فكثيرا ما ينفرد شيخ الطائفة بالتعرض
لحال الرجل ويذكر له جرحا أو تعديلا، ولم يكن غيره متعرضا له (1)، فالواجب
على ذلك أن لا يعتمد عليه؛ لاحتمال اشتباهه ووجود المعارض لقوله. والمعلوم
من حال الطائفة خلاف ذلك. فوجود المعارض نادرا والاشتباه كذلك لا يقدح
في حصول الظن قبل الفحص، ولا ريب في كفايته.
بل نقول: إن القائل بلزوم الفحص يقول بكفاية الظن بعدم المعارض،
والظاهر حصوله قبل الفحص أيضا؛ لندرة المعارض، فلا إشكال في عدم
وجوب الفحص.
وهذه المقالة عين مقالة السيد السند المحسن الكاظمي، بناء على كون مرجع
كلامه إلى دعوى حصول الظن من الجرح والتعديل بكون المدار في مقالة السيد
المشار إليه على الفرق بين الظن بالاختلاف وعدمه، وإنكار الظن بالاختلاف، إلا
أن الفرق بادعاء حصول الظن من جهة الاستقراء في مقالة سيدنا، وغاية الأمر في
مقالة السيد المشار إليه دعوى حصول الظن من جهة عدم ممانعة الشك في وجود
المانع عن اقتضاء المقتضي.
ولا تختلف مقالة سيدنا مع مقالة السيد المشار إليه في باب القبول، بناء على
كون مرجع كلام السيد المشار إليه إلى الفرق بين صورة الظن من جهة الظن

1. انظر منتهى المقال 1: 154 / 31؛ وص 175 / 52؛ وص 197 / 71؛ وكما في ترجمة سهل بن زياد،
حيث قال في رجاله رجال الشيخ: 416 / 4 في أصحاب الهادي (عليه السلام): " سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا
سعيد ثقة رازي " وضعفه النجاشي في رجاله: 185 / 490.
270

بالاختلاف وعدم ممانعة الشك في وجود المانع عن اقتضاء المقتضي؛ إذ مقتضى
كلام السيد المشار إليه عموم القبول أيضا، غاية الأمر القول بالقبول مع الشك،
والمدار في مقالة سيدنا على عموم حصول الظن.
فالمقالتان تشتركان في عموم القبول، إلا أن الفرق في دعوى حصول الظن،
ودعوى عدم حصول الظن بالخلاف، وجواز القبول مع الشك.
أقول: إنه يتفرع على الخلاف المذكور كفاية تزكية مجهول العين، وكذا كفاية
رواية من لا يروي إلا عن العدل عن شخص معين مجهول الحال في تعديل
المروي عنه، وكذا حجية المرسل ممن لا يرسل إلا عن ثقة، أو كان الإرسال بإبهام
الواسطة، وكذا قبول تصحيح مثل العلامة قبل الفحص. وهو عمدة الثمرات.
لكن لا ثمرة يعتد بها بالنسبة إلى قبول الجرح والتعديل من علماء الرجال قبل
الفحص؛ إذ الكتب المتأخرة المتداولة من كتب الرجال حاوية للمعارضات،
والكتب الخالية عن المعارض - وهي التي حصل بها التعارض - متروكة في هذه
الأعصار.
فقد علمت أن عمدة ثمرة الخلاف المذكور إنما تجري في أصل العنوان
المبحوث عنه.
وكيف كان، فلعل الأظهر القول بحصول الظن من الجرح والتعديل قبل
الفحص عن المعارض، لا سيما على تقدير التعدد؛ لوجوه:
الأول: غلبة عدم التعارض، حيث إنه كثيرا ما يتفق المتفق عليه في الوثاقة مع
الإيمان، وكذا في الوثاقة مع عدم الإيمان، وكذا في المدح مع الإيمان، وكذا في
المدح مع عدم الإيمان، وكثيرا ما أيضا يتفق المتفق عليه في الفسق، وكذا في
الجهل، أي عدم التعرض لحال الشخص لجرح أو تعديل أو غيرهما من كل من
تعرض له، بل من تعرض له أرباب الرجال دون بعض كثير أيضا. فهذه أصناف
سبعة قد اتفق المتفق عليه في ستة منها.
271

وغاية الأمر كون المختلف فيه على حد أحد الأصناف المذكورة، فالمتفق
عليه أزيد بمراتب، فالمشكوك فيه يلحق بالأعم الأغلب، بل مع إضافة الصنف
الأخير تصير أقلية المختلف فيه من غيره أزيد.
لكن يمكن أن يقال: إن أنواع المتفق عليه وإن كانت أكثر من نوع المختلف
فيه بمراتب لكن المدار على الأفراد، فلعل أفراد المختلف فيه كانت أكثر من أفراد
المتفق عليه بمراتب، مثلا: كان لكل من الأنواع الستة المتفق عليه فردان، وكان
لنوع المختلف فيه مائة فرد.
الثاني: الاستقراء في التراجم، حيث إن الاستقراء فيها يكشف عن قلة
المختلف فيه.
الثالث: أنه لو كان الغالب الاختلاف، لزم أن لا يجوز الأخذ بالجرح أو
التعديل لو صدر من واحد من أهل الرجال، أو أهمل المجروح والمعدل غيره،
كما أنه لو فرضنا أنه أخبر زيد بخبر في موارد كثيرة، وأخبر آخر بضد ما أخبر به
زيد في أكثر تلك الموارد، فلو أخبر زيد بخبر ولم يحضر الآخر، فلا يحصل الظن
من إخبار زيد بلا شبهة، ولا يلتزم القول بما ذكر - أعني عدم جواز الأخذ بالجرح
والتعديل في صورة الجرح والتعديل من البعض وإهمال غيره - أحد.
ولو قيل: إن المدعى غلبة التعارض فيمن تعرض له غير واحد، وهذا إنما
ينافي حصول الظن بالصدق فيمن تعرض له غير واحد، لكن قد اطلعنا على
الجرح أو التعديل من واحد، ولا ينافي حصول الظن بالصدق فيمن تعرض له
واحد دون غيره، فليس مورد النقض من موارد دعوى الغلبة.
قلت: لا فرق في البين لو كان الغالب فيمن تعرض له غير واحد هو
الاختلاف، فلا يحصل الظن بالصدق فيمن تعرض له واحد فقط أيضا.
وإن قلت: إن حصول الظن فيما ذكر - أعني صورة تعرض الواحد دون غيره -
من جهة وقوع الفحص وعدم الظفر بذكر المعارض، لا من جهة عدم غلبة
272

الاختلاف، كيف!؟ وفي باب الأخبار لو تفحص المجتهد ولم يظفر بالمعارض
يتحصل الظن بعدم المعارض مع تسلم غلبة المعارض، والكلام فيما قبل
الفحص، فالنقض من باب نقض دعوى عدم حصول الظن فيما قبل الفحص
بحصول الظن في بعض الموارد بعد الفحص، فليس مورد النقض من موارد
دعوى الغلبة، بل النقض مدفوع بوضوح الفرق بين ما قبل الفحص وما بعده من
حيث حصول الظن في الثاني، وعدمه في الأول.
قلت: إن عدم الظفر بذكر المعارض بعد الفحص إنما يوجب الظن بانتفاء
المعارض لو لم يكن الأمر من باب عدم ذكر الموضوع، والمفروض فيما فرض
هو الإهمال من غير الجارح والمعدل، كيف!؟ وعدم ذكر الصفة لا يمكن أن يكون
كاشفا عن عدم الصفة مع عدم ذكر الموصوف وعدم الاطلاع عليه.
نعم، لو تعرض الكل لحال شخص وعدله بعض دون غيره، فحينئذ عدم ذكر
المعارض يوجب الظن بانتفاء المعارض لو لم يكن سكوت الساكتين موجبا
للوهن في البين، وإن أمكن القول بأن الأمر فيه من باب الاطلاع على عدم صدور
المعارض، كما في الأخبار لو لم يظفر بالمعارض بعد الفحص. والأمر في المقام
من باب الأخير؛ فصورة الاستدراك خارجة عما نحن فيه.
وإن قلت: فعلى ما ذكرت ينحصر حصول الظن بانتفاء المعارض في باب
الأخبار بما لو تعرض الكل لخبر من غير نقل المعارض، ولا يجري فيما لو نقل
بعض خبرا وغيره لم يأت بنقله ولا بنقل معارضه.
قلت: إن الخبر الذي نقله بعضهم دون غيره ليس من قبيل الموصوف بالنسبة
إلى معارضه، حتى لا يتمكن عدم ذكر معارضه مع عدم ذكره عن الكشف عن
انتفاء المعارض، بل هما في عرض واحد. وعدم نقل الخبر الذي نقله البعض لا
يوجب عدم حصول الظن بانتفاء معارضه من عدم نقله.
ثم إن الغرض من الفحص عن المخصص - بناء على كون العمومات الشرعية
273

من باب المجاز المشهور في الخصوص - إنما هو الظن بالمراد، بخلاف تعارض
الأخبار، فإن الغرض من الفحص عن المعارض فيها إنما هو الظن بالمطابقة
للواقع؛ إذ وجود المعارض قد يوجب الظن بعدم الصدور، وقد يوجب الحمل
على التقية، أي الظن بعدم المطابقة للواقع مع الظن بالإرادة، وقد يوجب الشك
في المطابقة للمواقع مع الظن بالإرادة كما في صورة التعادل.
وعلى منوال تعارض الأخبار الحال في الفحص عن المخصص والمقيد بناء
على كون التخصيص والتقييد من باب الحقيقة.
وعلى منوال ذلك الحال في الفحص في باب الجرح والتعديل أيضا.
[في حجية الظن الحاصل من الجرح والتعديل قبل الفحص]
وأما الثاني (1): فالكلام فيه مبني على الكلام في أن اعتبار الجرح والتعديل من
أرباب الرجال من باب اعتبار الشهادة، أو الخبر، أو الظنون الاجتهادية؟ قد
اختلف فيه.
لكن العمدة إنما هو التعديل؛ إذ الجرح لا حاجة فيه إلى الثبوت حتى يداق
في كونه من باب الشهادة أو غيرها؛ لكفاية عدم ثبوت العدالة في عدم اعتبار
الخبر، بناء على اعتبار العدالة كما هو المفروض.
كيف!؟ ولا إشكال في عدم اعتبار خبر المجهول والمهمل حتى ممن لم يقل
باعتبار العدالة. فلا حاجة إلى الكلام في الجرح. ومن هذا أن كلماتهم وقعت في
التزكية.
والظاهر بل بلا إشكال أن الكلام فيما لو كان الجرح والتعديل غير مبين في
كونه من باب الاجتهاد، بأن كان مبنيا على نقل الخلاف واختيار المختار، كما يتفق
ذلك غالبا.

1. أي: الثاني من المقدمة الرابعة في حجية الظن الحاصل من الجرح والتعديل، والأول تقدم في ص 261.
274

كيف!؟ والأمر على ذلك بمنزلة أن يقال: " زيد قائم على ظني ".
والظاهر الاتفاق على خروجه عن الإخبار كما مر، ولا إشكال في خروجه عن
الشهادة.
ويبتني على الخلاف المشار إليه النزاع المعروف في باب كفاية تزكية الراوي
من عدل واحد، أو لزوم التزكية من عدلين.
بل نقول: إن مرجع النزاع المذكور إلى النزاع في كفاية الظن أو لزوم تحصيل
العلم أو ما يقوم مقامه، أعني البينة.
فمن يقول بعدم كفاية التزكية من عدل واحد ولزوم التزكية من عدلين - بناء
على كون التزكية من باب الشهادة - لابد أن يقول بعدم كفاية سائر ما يفيد الظن
بالعدالة.
فما يظهر من صاحب المعالم من القول بثبوت عدالة الراوي بالاختبار
والصحبة المتأكدة - بحيث تظهر أحواله ويطلع على سريرته حيث يكون ذلك
ممكنا، وهو واضح، ومع عدمه باشتهارها بين العلماء وأهل الحديث وشهادة
القرائن المتكثرة - مع قوله بلزوم التزكية من عدلين (1)، إن كان المقصود به حصول
الظن من الاختبار - كما هو ظاهر الاشتهار - فهو كما ترى، إلا أن يدعي الإجماع
على كفاية الظن الحاصل من الاختبار أو الاشتهار.
ولكنه ينكر جواز الاطلاع على وقوع الإجماع في هذه الأعصار مع وجود
القول بلزوم تحصيل العلم في باب العدالة، كما عن العلامة في المختلف - بعد أن
حكى عن ابن الجنيد: أن كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر ما يزيلها، من أنه
يشعر بجواز إمامة المجهول حاله إذا علم إسلامه -: " والمعتمد المنع إلا بعد العلم
بالعدالة؛ لأن الفسق مانع، فلا يخرج عن العهدة إلا بعد العلم بالعدالة " (2).

1. معالم الدين: 204.
2. مختلف الشيعة 2: 513، المسألة 372.
275

وكذا ما عن الشهيد في الذكرى: من أن الأقرب اشتراط العلم بالعدالة
بالمعاشرة الباطنية، أو صلاة عدلين خلفه، ولا يكفي الإسلام في معرفة العدالة،
ولا حسن الظاهر (1).
وما عن الدروس: من أنه تعلم العدالة بالشياع والمعاشرة الباطنية، وصلاة
عدلين خلفه، ولا يكفي الإسلام في معرفة العدالة، ولا حسن الظاهر (2).
ولعله الظاهر من سائر أرباب اعتبار الاختبار والمعاشرة الباطنية أو التزكية من
عدلين في باب العدالة، ولا سيما العميدي؛ لقوله: " ولما كانت العدالة كامنة لم
يكن لنا وسيلة إلى معرفتها إلا بظواهر الأفعال الدالة عليه، فهي إذن تحصل من
الاختبار الحاصل من الممازجة المتأكدة، والصحبة المتكررة خلوة وجلوة، ومن
تزكية عدلين " (3) إلا أن العلامة حكم في موضع آخر من المختلف - نقلا - باستحالة
العلم بالعدالة (4).
وعن التحرير التصريح بكفاية الظن المستند إلى تأكد الصحبة وكثرة الملازمة
والمعاملة (5)، أي الاختبار.
وعن الشهيد في موضع آخر من الذكرى دعوى امتناع العلم بالعدالة (6).
مع أن مجرد القول لا ينافي الإجماع بعد إمكان الاطلاع عليه، وإن كان الظاهر
من دعوى الإجماع هو انتفاء الخلاف.

1. ذكرى الشيعة 4: 391.
2. الدروس الشرعية 1: 218.
3. حكاه عن منيته في مفاتيح الأصول: 384.
4. مختلف الشيعة 8: 498 المسألة 77.
5. تحرير الأحكام 2: 184.
6. ذكرى الشيعة 4: 101 و 392.
276

وإن كان المقصود حصول العلم (1) - كما هو ظاهر كلامه في باب الاختبار؛
لظهور الظهور هنا في العلم وإن يطلق الظهور على الظن فيما يقال: إن الظاهر كون
الأمر كذا - فلا بأس به، لكن ظاهر كلامه في باب الاشتهار وشهادة القرائن إنما هو
الظن، فقد بان فساد ما صنعه في المعارج حيث إنه مع القول بلزوم التزكية من
عدلين قال: " عدالة الراوي تعلم باشتهارها بين أهل النقل، فمن اشتهرت عدالته
من الرواة أو جرحه عمل بالاشتهار " (2).
لكن نقول: إن القول بلزوم التزكية من عدلين بناء على كون التزكية من باب
الشهادة إنما يتم على القول بعدم اختصاص حجية الشهادة بالمجتهد في باب
المرافعات، وإلا فلا تتأتى كفاية التزكية من عدلين.
ولو كانت التزكية من باب الشهادة، فالقول بكفاية التزكية من عدلين مبني
على عدم اختصاص حجية الشهادة بالمجتهد في باب المرافعات.
والظاهر أن من يقول بعدم اعتبار الظن في الشهادة في باب المرافعات يقول
به في المقام لو تم اعتبار الشهادة فيه.
وبالجملة، فالكلام المتقدم - أعني الخلاف في أن الجرح والتعديل من باب
الشهادة، أو الخبر، أو الظنون الاجتهادية - مبني على الكلام في معنى الشهادة
والخبر.
[معنى الشهادة]
فنقول: " إن الشهادة لغة اسم من المشاهدة، وهي الاطلاع على الشيء عيانا "
كما في المصباح (3).

1. أي: إن كان مقصود صاحب معالم الدين من القول بثبوت عدالة الراوي بالاختبار والصحبة حصول
العلم....
2. معارج الأصول: 150.
3. المصباح المنير 1: 325، (شهد).
277

قوله: " وهي " وإن كان الظاهر رجوعه إلى الشهادة - بناء على ما حررناه
بالتفصيل في الرسالة المعمولة في " ثقة " من أن الظاهر رجوع الضمير وغيره
من توابع الكلام إلى المقصود بالأصالة لا المذكور بالتبع - لكن التفسير بالاطلاع
يقضي بالرجوع إلى المشاهدة.
وفي القاموس: " أنه الخبر القاطع. ولعله يعم الخبر عن غير المحسوس على
وجه القطع " (1).
وجرى عليه الوالد الماجد (رحمه الله)، وهو مقتضى ما في المسالك من أنه الإخبار عن
اليقين (2).
وعن ابن فارس: أنه الإخبار بما شوهد (3). والمقصود به الإخبار عن
المحسوس قطعا.
وعن بعض: أنه حقيقة في الحضور نحو: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (4)
أي: حضره ولم يسافر. وشهدت المجلس، أي حضرته (5).
وعن آخر: اشتراكه بين الخبر القاطع والحضور (6).
وعن ثالث: كونه حقيقة في العلم، نحو: أشهد أنه لا إله إلا هو، أي أعلم (7).
وظاهر الرياض - صدر كتاب الشهادات - التوقف بين الحضور والعلم، حيث
إنه ذكر: أن الشهادة لغة إما من " شهد " بمعنى حضر، أو من " شهد " بمعنى علم (8).

1. القاموس المحيط 1: 316، (شهد).
2. مسالك الأفهام 14: 153.
3. مجمل اللغة 3: 181 باب الشين والنون.
4. البقرة (2): 185.
5. مجمع البحرين 3: 80، (شهد).
6. انظر لسان العرب 3: 239، (شهد).
7. المصدر.
8. رياض المسائل 2: 423.
278

واصطلاحا: عرفه الشهيد الثاني في المسالك ب‍ " إخبار جازم عن حق لازم
لغيره، واقع من غير حاكم " (1) إلا أنه عرف به شرعا.
وهو قد احترز بالقيد الأخير عن إخبار الله سبحانه ورسوله والأئمة، وإخبار
الحاكم حاكما آخر، معللا بأن ذلك لا يسمى شهادة، وهو مبني على كون الحاكم
في التعريف بمعنى القاضي الماضي حكمه على الناس شرعا؛ فهو أعم من الله
ورسوله والأئمة والقاضي.
وينتقض عكسا: بما لو كانت الشهادة مبنية على الاستصحاب، وهو لا يفيد
أزيد من الظن، أو على شهادة العدلين، ولا سيما على تقدير عدم اشتراط الظن.
وأيضا: الظاهر إطباقهم على قبول تزكية الشاهد بشهادة عدلين، مع عدم
اعتبار العلم عند الأكثر، وعدم كون العدالة حقا لازما للغير؛ فانتقاض العكس من
وجهين.
وأيضا: لا إشكال في صدق الشهادة على شهادة العدلين برؤية الهلال،
وإطلاقها عليها في كلماتهم ولو لم يكن حجة، بل أفراد الانتقاض لا تحصى، بناء
على عموم حجية الشهادة لغير المجتهد في مقام المرافعات بل مطلقا؛ لعدم
اختصاص الشهادة بالمقبولة؛ قضية عموم الألفاظ اللغوية والاصطلاحية للصحيح
والفاسد بلا كلام.
كيف؟ ولو كانت الشهادة مختصة بالمقبولة، للزم اعتبار العدالة بل الإيمان،
بناء على عدم اختصاص العدالة بالإيمان في التعريف.
إلا أن يقال: إن عدم اعتبار العدالة من جهة اعتبار شهادة الكافر ولو لم يكن
عادلا، بناء على اطراد العدالة في الكفار في بعض الموارد، مع نفي القبول عن
الشهادة في الأخبار وكلمات الفقهاء في موارد شتى، كنفي القبول عن شهادة

1. مسالك الأفهام 14: 153.
279

المجنون والكافر وغير المؤمن والفاسق (1)، والشريك لشريكه فيما هو شريك
فيه (2)، والنساء في الأموال والديون منفردات وإن كثرن (3)، وغير ذلك.
وأيضا لا ينبغي الإشكال في صدق الشهادة مع علم الشاهد بكذبه، وكثيرا ما
يتفق هذا.
وإن قلت: إنه كيف يرتكب العادل الشهادة مع العلم بكذبه!؟
قلت: إنه كثيرا ما يشهد من كان ثابت العدالة بحسب شهادة العدلين، أو
حسن الظاهر، وهو في متن الواقع فاسق، ويعلم بكذب شهادته.
وينتقض طردا: بإخبار غير الحاكم من الرجال والنسوان أو الصبيان بعض
الرجال أو النسوان أو الصبيان بكونه مديونا لزيد بمبلغ معين.
ومع جميع ذلك نقول: إن قوله: " شرعا " ظاهر في تحقق الحقيقة الشرعية في
الشهادة. وهو غير ثابت، بل ثابت العدم.
وأيضا: الاحتراز بغير الحاكم عن إخبار الله سبحانه ورسوله والأئمة يقتضي
تعميم الحاكم في الحد لله سبحانه ورسوله والأئمة، وهو خلاف الظاهر، فارتكابه
في الحد معيب، كما أن الاحتراز بذلك عن إخبار الحاكم حاكما آخر مردود
بصدق الشهادة على إخبار الحاكم عند حاكم آخر في باب المرافعة بلا شبهة.
فقد بان أن الشهادة بالمعنى المتجدد لا تخرج عن القول، وكذا الحال بالنسبة
إلى المعنى اللغوي في كلام غير صاحب المصباح.
ومدركها بالمعنى المتجدد غالبا هو العلم، فتزكية الرواة لا تدخل في الشهادة
من وجه، بل من وجهين، بناء على اعتبار العلم في مدرك الشهادة.
وما ينصرح من السيد السند التفرشي تبعا للفاضل التستري: من كون

1. انظر مسالك الأفهام 14: 153.
2. انظر تحرير الأحكام 2: 209.
3. انظر قواعد الأحكام 2: 239.
280

التوثيقات المبنية على العلم - كما يأتي - ليس بشيء (1)، مع أن التزكية لا تخرج
بالنسبة إلينا عن الكتابة، بل عن المكتوب مرات متعددة، وسيظهر تفصيل الحال،
والمعتبر في الشهادة القول.
[معنى الخبر]
وأما الخبر فهو لغة: القول المخصوص، أعني ما يقابل الإنشاء كما ذكره ثلة (2)،
بل حكي عن جماعة دعوى الإجماع عليه.
وجعله السيد السند المحسن الكاظمي بمعنى النبأ، قال: " وهو المخبر به من
حيث إنه أخبر به، كما يقال: جاءهم خبر شنيع " (3).
وذكر التفتازاني في شرح التلخيص إطلاقه بمعنى الإخبار في قوله: " الصدق
هو الخبر عن الشيء على ما هو به " قال: " بدليل تعديته ب‍ " عن " ولعل القول بكونه
حقيقة في القول المخصوص أظهر " (4) وإن قلت سابقا في الأصول: إنه لعل القول
بكونه بمعنى الإعلام - سواء كان بالقول أو بغيره - غير بعيد؛ نظرا إلى التبادر ونقل
الإجماع من جماعة على ذلك.
وفي المقام أقوال.
وهو في اصطلاح النحويين ما يقابل المبتدأ (5)، وعند أرباب المعاني بل أهل
الأصول والعربية - كما ذكره السيد السند المحسن الكاظمي - ما يقابل الإنشاء (6)،
لكنه من باب الجريان على المعنى اللغوي بناء على كونه حقيقة في القول

1. انظر نقد الرجال 1: 153 / 306.
2. انظر لسان العرب 4: 226، (خبر).
3. عدة الرجال 1: 170.
4. المطول: 38.
5. انظر شرح ابن عقيل 1: 185.
6. انظر المطول: 37.
281

المذكور لغة.
وفي اصطلاح أرباب الرجال، بل الحديث، بل الفقهاء: ما يرادف الحديث،
فهو كلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره على ما عرف به الحديث (1).
والظاهر أن المقصود بالكلام هو القول المتلفظ به، فإطلاق الخبر والحديث
على المكتوب من باب المجاز.
كما أن الظاهر أن المقصود بالقول في تعريف السنة هو ما يتلفظ به (2)، فإطلاق
السنة على كتابة المعصوم من باب المجاز، اللهم إلا أن يعمم القول للكتابة
تجوزا.
فكتاب فقه الرضا - بناء على اعتباره (3) - يلحق بالسنة بناء على اختصاص القول
بالمتلفظ به، ومن باب السنة بناء على تعميم القول للكتابة، وكذا الحال فيما تكرر
في الأخبار من نقل مكاتبات المعصوم.
والخبر فيما يقال: " قال الصادق (عليه السلام) " إنما هو مقول القول، لا نفس القول،
وليس القول جزءا من الخبر. ولا ينافيه قولهم: " متن الحديث " أو " متن الخبر "؛ إذ
الظاهر أن الإضافة بيانية، والمعنى أصل الحديث ونفسه، فلا تغاير بين المتن
والخبر والحديث، كما في متن اللغة.
وما يقتضيه كلام المحقق القمي - من كون الحديث والخبر نفس القول (4) -
ليس بالوجه.
فقد بان أن التزكية لا ارتباط له بالخبر بحسب معناه المصطلح، وأما بحسب
معناه اللغوي فالظاهر أن معناه اللغوي لا يخرج عن القول بناء على ما سمعت،

1. انظر الدراية: 6؛ ومشرق الشمسين: 21.
2. انظر مشرق الشمسين: 24؛ ونهاية الدراية: 85.
3. قال باعتباره العلامة المجلسي في البحار 1: 11، والنراقي في عوائد الأيام: 717.
4. القوانين المحكمة 1: 409 - 410.
282

فلا تدخل التزكية فيه أيضا.
وقد يقال: إن المعتبر في حقيقة الخبر بالمعنى اللغوي علم المخبر بحقيقة
النسبة، مع استظهار هذه الدعوى من الشهيد في القواعد، حيث حكم بأن الشهادة
والرواية تشتركان في الجزم (1).
وكذا من أهل (2) البيان، حيث قالوا: " لا شك أن قصد المخبر بخبره إما الحكم
أو كونه عالما به، ويسمى الأول فائدة الخبر، والثاني لازمها " وقرروا التلازم بأنه لا
يمكن أن ينفك الثاني عن الأول، دون العكس.
فالمقصود بالخبر في حصر الكلام في كلماتهم في الخبر والإنشاء هو الأعم
من العلم، وإلا فصور غير العلم من التصديقات وسائط بين الخبر والإنشاء.
بل قد يقال: إن صيغ الخبر - وهي أنفس الجمل - كذلك، فيكون مدلول " زيد
قائم " - مثلا - هو الإذعان بتحقق النسبة في الواقع إذعانا علميا. وبه صرح بعض
الفحول أيضا.
وبالمقالة الأولى تخرج التزكية عن الخبر؛ لابتنائها على الظن.
لكن نقول: إنه لا يلزم في صدق الخبر كون المتكلم عالما بالنسبة
قطعا، بل يكفي في صدقه مجرد إسناد المحمول إلى الموضوع ولو مع العلم
بكونه كذبا. ولا إشكال فيه لو لم يكن المخاطب عالما بكون المتكلم غير عالم
بالنسبة.
نعم، يتأتى الإشكال في صورة تقييد النسبة من المتكلم بالظن، كما لو قال:
" زيد قائم على ظني " وإن كان الظاهر الاتفاق على عدم صدق الخبر، لكن
لا إشكال في عدم صدق الخبر في صورة تقييد النسبة من المتكلم بالشك، كما لو
قال: " زيد قائم على الشك ".

1. القواعد والفوائد 1: 247، القاعدة 82.
2. منهم الخطيب القزويني في التلخيص، والتفتازاني في شرحه، انظر مختصر المعاني: 78.
283

نعم، الفرد الظاهر من الخبر هو ما كان عن علم، كما أن الظاهر من صيغ
الإخبار - أعني الجمل الخبرية - هو كونها عن علم، إلا أنه غير داخل في مفرداتها،
ولا وضع لتركيبها.
وأما استظهار دخول العلم في مادة الخبر من أهل البيان فهو مدفوع بأن
التفتازاني صرح في شرح التلخيص بأنه ليس المراد بالعلم هو الاعتقاد الجازم
المطابق، بل حصول هذا الحكم في ذهن المتكلم وإن كان خبره مظنونا أو
مشكوكا أو موهوما أو كذبا محضا (1). وهذا ضروري لكل عاقل تصدى للإخبار،
وأهل البيت أدرى بما في البيت.
ومقتضى تزييف الاستدلال بآية النبأ (2) على حجية الإجماع المنقول - بعدم
صدق النبأ على ما كان مستندا إلى غير الحس - القول بخروج التزكية عن الخبر
بواسطة مداخلة الاستناد إلى الحس في مدلول الخبر؛ لكون العدالة من باب غير
المحسوس، لكن حررنا في محله ضعف القول باختصاص صدق الخبر بما كان
مستندا إلى الحس.
فقد ظهر أن خروج التزكية عن الخبر إما بواسطة دخول القول في معنى
الخبر، أو دخول العلم أو الاستناد إلى الحس في معناه، لكن القول بدخول العلم
أو الاستناد إلى الحس مدخول.
ثم إنه بما مر عسى أن يظهر، بل لا خفاء في أن الكلام في دخول الجرح أو
التعديل في الخبر بالمعنى اللغوي، والشهادة بالمعنى المصطلح.
وأما الخبر بالمعنى المصطلح فلا يرتبط بالمقام، كما أن الشهادة بالمعنى
اللغوي لا يرتبط بالمقام أيضا.

1. المطول: 46؛ مختصر المعاني: 67.
2. الحجرات (49): 6.
284

[الفرق بين الخبر بالمعنى اللغوي والشهادة بالمعنى الاصطلاحي]
فلا جدوى في الكلام في الفرق بين الخبر بالمعنى اللغوي والشهادة بالمعنى
اللغوي، ولا في الفرق بين الخبر بالمعنى المصطلح والشهادة بالمعنى اللغوي.
لكن الفرق بين الخبر بالمعنى اللغوي والشهادة بالمعنى المصطلح بعد كونه
مهما في نفسه من المناسب بيانه وشرح حاله.
فنقول: إن الشهادة تطلق تارة على الاطلاع، ومنه قوله سبحانه: (وأشهدوا
ذوى عدل منكم) (1) إذ الغرض أخذ المطلع بإحداث الاطلاع، ولا مجال لحمل
الشهادة فيه على الإخبار، بل منه التعبير بأداء الشهادة؛ إذ الغرض إظهار الاطلاع،
ولا معنى لأداء الإخبار.
وتطلق أخرى على الإخبار، كما في كثير من موارد إطلاق الشهادة، بل
أكثرها:
والفرق بين الخبر والإطلاق الأول للشهادة ظاهر.
وأما الفرق بين الخبر والإطلاق الثاني للشهادة فالأحسن والأسهل فيه الرجوع
إلى العرف، بناء على تسري المعنى المصطلح عليه للشهادة إلى العرف.
وقد بنى بعض الأكابر في الفرق بين الخبر والشهادة على العرف، وهو لا يتم
على إطلاقه؛ لما سمعت من اختلاف إطلاق الشهادة ووضوح الفرق بين الخبر
والشهادة على الإطلاق الأول. إلا أن يقال: إن الإطلاق الأول من باب المعنى
اللغوي، والكلام في المعنى الاصطلاحي.
وقال السيد السند المحسن الكاظمي:
إن الشهادة وإن كانت إخبارا أيضا إلا أنه قد أخذ في [مفهومها] (2) أن يكون

1. الطلاق (65): 2.
2. أضفناه من المصدر.
285

إنشاء الإخبار بين يدي الحاكم، فإذا اطلع على قتل - مثلا - أو دين أو
سرقة أو نحو ذلك فحكى ذلك ابتداء، كان إخبارا، وإن دعي للتسجيل،
كان شهادة (1).
ومرجع كلامه إلى أن المدار في الشهادة على كونها في الخصومة بين يدي
الحاكم، وكونها للتسجيل. وبعبارة أخرى: بعد الاستشهاد، بخلاف الخبر.
فالمدار في الشهادة على أمرين، بخلاف الخبر، فإنه لا يعتبر فيه شيء منهما.
ويندفع: بأن الشهادة لا تختص بباب المرافعات ولو بناء على عدم عموم
حجيتها؛ لثبوت ذكرها في بعض الموارد غير موارد الخصومة، ولا تختص
الشهادة أيضا بكونها بعد الاستشهاد، كما يظهر مما يأتي.
وقال سيدنا:
إن الشهادة وإن كانت إخبارا أيضا إلا أنها قد أخذ في مفهومها أن يكون
الغرض من الإخبار إثبات ما يخبر به ولو مع انضمام إخبار آخر إليه،
وذلك لا يكون إلا عند الاستشهاد، وأما الخبر غير الشهادة فالغرض منه
إعلام السامع بوقوع النسبة أو لا وقوعها، أو كون المتكلم عالما بذلك،
أو نحوهما من إظهار الفجع والتحسر والحث على الفعل وغيرها. فإذا
قال قائل: إني قد رأيت اليوم زيدا يقتل عمروا، أو يقذفه، أو يعطيه مالا،
قصدا إلى إعلام المخاطبين بذلك، كان ذلك إخبارا، فإذا تنازعا ودعي
للإخبار بما اطلع عليه منهما فأخبر، كانت شهادة (2).
ومرجع كلامه إلى أن المدار في الشهادة على أمر واحد.
ويندفع: بأنه لا يلزم في صدق الشهادة الاستشهاد، بل لو بادر أحد عند
الحاكم في مقام المرافعة إلى الإخبار، يعد شهادة. كيف لا!؟ وقد حكموا بأن التبرع

1. عدة الرجال 1: 170.
2. عدة الرجال 1: 171.
286

بأداء الشهادة قبل الاستنطاق وطلب الحاكم إياه من الشاهد يمنع عن القبول (1).
وهذا العنوان - أعني التبرع بالشهادة - مشهور معروف، إلا أن يقال: إن
الغرض الاستشهاد ولو من غير المتبرع، وفي مقام المرافعة يتفق الاستشهاد لا
محالة، فالتبرع لا ينافي الاستشهاد.
لكن نقول: إنه ربما لا يكون شاهد في البين ولم يستشهد الحاكم وتبرع
المتبرع، فالتبرع هنا ينافي اعتبار الاستشهاد.
بل يمكن القول بأن الظاهر من اعتبار الاستشهاد إنما هو الاستشهاد عن
المخبر، فالتبرع هنا ينافي اعتبار الاستشهاد.
ويقال: إنه اعتبر كون الشهادة عند الاستشهاد، لا كونها بعد الاستشهاد، وهذا
لا ينافي التبرع.
نعم، مقتضى كلام السيد السند المحسن الكاظمي اعتبار كونها بعد
الاستشهاد (2)، وهذا ينافيه التبرع، بناء على ظهوره في الاستشهاد عن المخبر، لا في
الجملة ولو عن غير المخبر.
لكن نقول: إن الظاهر من اعتبار كون الشهادة عند الاستشهاد هو كونها عند
الاستشهاد عن المخبر كما مر، لا في الجملة ولو من غير المخبر، فالتبرع ينافي
اعتبار الاستشهاد.
وأيضا: في كثير من موارد الشهادة - بناء على عموم حجيتها بل مطلقا - لا
يتأتى الاستشهاد، كما في الشهادة بالطهارة أو النجاسة أو غيرهما. وأيضا:
الاستعلام لا ينافي صدق الخبر، بل لا إشكال في الصدق مع سبق الاستعلام.
وأيضا: اعتبار الاستشهاد يستلزم الدور؛ لعدم معرفة الاستشهاد إلا بالشهادة،
والمفروض اعتبار الاستشهاد في تعريف الشهادة.

1. كالشهيدين في اللمعة والروضة 2: 134.
2. عدة الرجال 1: 171.
287

[في بيان اصطلاح صاحب المنتقى]
إذا عرفت ما تقدم، فنقول: إن المحقق قد جرى في المعارج على كون اعتبار
التزكية من باب اعتبار الشهادة (1)، واختاره صاحب المعالم (2)، ومن هذا تأسيسه
أساس " الصحي " و " الصحر " في المنتقى (3). والمقصود ب‍ " الصحي " هو الصحيح
عندي، كما أن المقصود ب‍ " الصحر " هو الصحيح عند المشهور. ويمكن أن يكون
" الصحي " إشارة إلى صحيحي، و " الصحر " إشارة إلى صحيح المشهور.
وربما جعل السيد السند النجفي " الصحي " إشارة إلى صحيحي، و " الصحر "
إشارة إلى الصحيح عند المشهور (4). ولا دليل عليه، بل هو بعيد. والأمر من باب
الرمز والإشارة، كما أنه جعل صورة " النون " من باب الرمز والإشارة إلى الحسن.
وعلى أي حال، ف‍ " الصحي " - بتخفيف الياء وفتح الصاد المخففة لا تشديد
الحاء والياء وكسر الصاد كما في " الصحي " - على ما اصطلحه السيد الداماد (5) فيما
كان بعض رجال سنده بعض أصحاب الإجماع مع خروج ذلك البعض أو بعض
من تقدم على ذلك البعض عن رجال الصحة، والمقصود به المنسوب إلى الصحة
باعتبار دعوى الإجماع على الصحة.
فالغرض النسبة إلى الصحة المستفادة من نقل الإجماع ولو في الطبقة الأولى
من الطبقات الثلاث المأخوذ فيها الإجماع على التصديق، وليس الغرض النسبة
إلى الصحة المذكورة في ضمن التصحيح المأخوذ في دعوى الإجماع في
الطبقتين الأخيرتين، فلا بأس بتعميم التسمية والاصطلاح، وإلا فلو كان المقصود

1. معارج الأصول: 149.
2. معالم الدين: 204.
3. منتقى الجمان 1: 22.
4. رجال السيد بحر العلوم 2: 197.
5. انظر الرواشح السماوية: 47 - 48، الراشحة الثالثة.
288

النسبة إلى الصحة المذكورة في ضمن التصحيح، فلا تتم التسمية والاصطلاح إلا
في الطبقتين الأخيرتين.
وقد اشتبه الحال على السيد الداماد، فأورد بأن ما يقال: " الصحي " ويراد به
النسبة إلى المتكلم على معنى " الصحيح عندي " لا يستقيم على قواعد العربية؛ إذ
لا تسقط " تاء " الصحة إلا عند " الياء " المشددة التي هي للنسبة إليها، وأما " الياء "
المخففة التي هي للنسبة إلى المتكلم فلا يصح معها إسقاط " تاء " الكلمة أصلا،
كسلامتي، وكتابتي، وصنعتي، وصحبتي مثلا (1).
ويندفع الإيراد بما يظهر مما سمعت: من أن " الصحي " في كلام صاحب
المنتقى بفتح " الصاد " وهو الرمز والإشارة، كما يرشد إليه الرمز في " الصحر " وكذا
في صورة " النون " كما سمعت. والمقصود بذلك: الصحيح عندي، قبال " الصحر "
المقصود: الصحيح عند المشهور من باب الرمز والإشارة، كما مر. فليس
" الصحي " في كلام صاحب المعالم في المنتقى - بكسر الصاد وتخفيف الياء -
بمعنى الصحة المنسوبة إلى المتكلم كما زعمه السيد الداماد، حتى يرد ما أورد.
والمعروف أن صاحب المعالم لا يتجاوز عن " الصحي " في المسائل الفقهية،
لكن مقتضى كلامه عند الكلام في " الصحي " و " الصحر " أنه لو قامت شهادة العدل
الواحد، أو شهادة العدلين مع كون شهادة أحدهما مأخوذة من شهادة الآخر - كما
في توثيقات العلامة في الخلاصة، حيث إنها مأخوذة من النجاشي مع قيام القرائن
الحالية التي يطلع عليها الممارس - فهو في حكم " الصحي " عملا، لكنه ذكر أنه
أدرجه في " الصحر " اسما، لكن الظاهر أنه جرى على إمكان تحصيل العلم بعدالة
الرواة.
والظاهر أن المقصود بالقرائن المشار إليها إنما هو ما يفيد العلم، فالأمر فيما

1. الرواشح السماوية: 48، الراشحة الثالثة، وفيها: " منسوبا إلى الصحة ومعدودا في حكم الصحيح "
ولم نعثر عليها غير هذه العبارة.
289

في حكم " الصحي " من باب قيام القرينة الموجبة للعلم.
ويرشد إلى ما ذكر قوله: " فإن تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين وبرأي
جماعة من المزكين أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية، إلا
أنها خفية المواقع، متفرقة المواضع، فلا يهتدى إلى جهاتها، ولا يقدر على جمع
أشتاتها إلا من عظم في طلب الإصابة جهده، وكثر في تصفح الآثار كده،
ولم يخرج عن حكم الإخلاص في تلك الأحوال قصده ".
وقال في المنتقى في بحث الركوع والسجود: " وحيث إن الرجل ثقة بمقتضى
شهادة النجاشي لجميع آل أبي شعبة بالثقة، فالأمر سهل " (1).
ومقتضاه القناعة في التوثيق بتوثيق شخص واحد.
وحكى عنه نجله أنه كان يقنع بالرواية الدالة على العدالة في صورة الانضمام
إلى التزكية من عدل واحد.
وحكى السيد السند النجفي في ترجمة الصدوق: " أنه جعل الحديث
المذكور في الفقيه من الصحيح عنده وعند الكل " (2).
لكنه قال في المنتقى بعد ذكر بعض أخبار الخمس:
وهذا الحديث وإن لم يكن على أحد الوصفين، فلطريقه جودة يقويها
إيراده في كتاب من لا يحضره الفقيه (3)، فقد ذكر مصنفه أنه لا يورد فيه إلا
ما يحكم بصحته، يعني: صدقه، ويعتقد فيه أنه حجة بينه وبين ربه،
وأن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول وإليها
المرجع (4).

1. منتقى الجمان 2: 43.
2. رجال السيد بحر العلوم 3: 300.
3. الفقيه 2: 23، ح 87، باب 7.
4. منتقى الجمان 2: 444، وقول الصدوق في الفقيه 1: 3.
290

ومقتضاه عدم اعتبار الحديث المذكور في الفقيه.
والظاهر أن مقصوده بأحد الوصفين هو كون الخبر من " الصحي " أو مما في
حكم " الصحي " وقد عرفت المقصود بما في حكم " الصحي ".
وربما حكى السيد السند المشار إليه أنه حكى عن صاحب المعالم تلميذه
الشيخ الجليل عبد اللطيف بن أبي جامع في رجاله: أنه سمع منه مشافهة يقول:
" كل رجل يذكره في الصحيح عنده فهو شاهد أصل بعدالته، لا ناقل " (1).
قال في الأمل:
عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي جامع العاملي، كان فاضلا،
محققا، صالحا، فقيها، قرأ عند شيخنا البهائي والسيد محمد بن علي بن
أبي الحسين العاملي وغيرهم، وأجازوه، وله مصنفات منها: كتاب
الرجال وهو لطيف، وكتاب جامع الأخبار في إيضاح الاستبصار، وغير
ذلك (2). انتهى.
والمقصود بالسيد محمد: صاحب المدارك (3). وقد حررنا الكلام في المقام
أيضا في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن
محمد بن الحسن.
وسلك الفاضل التستري المسلك المتقدم بالنقل عن المحقق وصاحب
المعالم، واقتفاه السيد السند التفرشي في ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن
الوليد (4)، وكذا في ترجمة أحمد بن محمد بن يحيى العطار، بل ترجمة الحسين

1. رجال السيد بحر العلوم 3: 300.
2. أمل الآمل 1: 111.
3. هو السيد شمس الدين محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي، سبط
الشهيد الثاني وقد جعل كتابه مدارك الأحكام بمنزلة التتمة للمسالك (للشهيد الثاني) لأنه مختصر في
العبادات ومطول في المعاملات، انظر مقدمة كتاب مدارك الأحكام 1: 31.
4. نقد الرجال 1: 153 / 306.
291

بن الحسن بن أبان (1). وصرح به كاشف اللثام نقلا (2).
ومقتضاه انحصار اعتبار التصحيح فيما كان كل من رجال سنده منقول العدالة
من عدلين.
إلا أن يقال بالإجماع على كفاية الظن في الباب، لكن يتفق القول بكفاية الظن
مع كون الأمر من باب الشهادة.
[القول باعتبار شهادة العدلين بالتوثيق]
وقد سمعت الكلام في اقتصار صاحب المعالم على الخبر المشار إليه، أعني
ما كان كل من رجال سنده منقول العدالة من عدلين.
وقد ذكر الفاضل الخواجوئي في رجاله:
أنه يستفاد القول بذلك من العلامة في الخلاصة في ترجمة إسماعيل بن
مهران، حيث إنه - بعد أن حكى تضعيفه عن ابن الغضائري - حكم بأن
الأقوى الاعتماد على روايته؛ لشهادة الشيخ والنجاشي بوثاقته (3)، وظاهر

1. نقد الرجال 1: 172 / 343 وج 2: 84 / 1428.
2. لم نعثر عليه في كشف اللثام، وحكاه عنه في مفاتيح الأصول: 410 س 30.
3. أقول: وهذا من الفاضل المشار إليه عجيب، فإن المتأمل في الخلاصة لا يستريب في أن بناء العلامة
فيها على أن التزكية من باب الخبر لا يعتبر التعدد في المزكي كما قال في ترجمة إدريس بن زياد
الكفرثوثي: والأقرب عندي قبول روايته لتعديل النجاشي. [خلاصة الأقوال: 12 / 2] وقال في
ترجمة الحسين بن شاذويه بعد نقل توثيقه عن النجاشي ونقل رميه بالغلو من ابن الغضائري عن
القميين: والذي أعمل عليه قبول روايته حيث عدله النجاشي. [خلاصة الأقوال: 52 / 21] وقال في
ترجمة علي بن السري بعد نقل توثيقه عن النجاشي وابن عقدة وغيرهما: الاعتماد على تعديل
النجاشي له. [خلاصة الأقوال: 96 / 28]
هذا مضافا إلى أن ما ينصرح منه من حكاية العلامة تضعيفه عن ابن الغضائري، ضعيف، بل حكي
عنه أنه قال: ليس حديثه بالنقي، يضطرب تارة ويصلح أخرى، وروى عن الضعفاء كثيرا، ويجوز أن
يخرج شاهدا فضلا عما يلوح من كلامه من أن ذيل الكلام في الاستظهار المزبور من كلام العلامة
ضعيف أيضا؛ لخلو كلامه منه رأسا، ومنه ينصرح ما في كلام الوالد المحقق (قدس سره) من تضعيفه بما هو مبني
على قبول كلا المذكورين منه، فالتحقيق في الضعيف ما ذكرناه
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما لو استفيد أيضا من قوله في ترجمة الحسين بن بشار: فأنا اعتمد على
ما يرويه؛ لشهادة الشيخين. [خلاصة الأقوال: 49 / 6]
وفي كلام العلامة في المقام كلام آخر، وهو عدم مسبوقية التوثيق به إلا من الشيخ الطوسي، كما
يظهر أيضا ضعف ما ذكره الفاضل المشار إليه من أن ما ضعفه العلامة في الخلاصة يخالف ما في كتبه
الأصولية من أن التزكية من باب الخبر لا من قبيل الشياع. (أبو الهدى).
292

أن شهادة العدلين مقدمة على شهادة العدل الواحد.
قال:
يشبه أن يكون بناء كلامه في ترجمة إبراهيم بن سليمان على هذا، حيث
قال: ضعفه ابن الغضائري، فقال: إنه يروي عن الضعفاء، وفي مذهبه
ضعف، والنجاشي وثقه أيضا كالشيخ، وحينئذ يقوى عندي العمل بما
يرويه. ويضعف أنه بناء على كون اعتبار كون التزكية من باب الشهادة،
فالمدار على جواز العدلين ليس إلا، فلا مجال لترجيح شهادة العدلين
على شهادة العدل الواحد بعد اعتبار شهادة العدل الواحد، فالظاهر أن
المدار - في ترجيح التوثيق من الشيخ والنجاشي في باب إسماعيل بن
مهران على التضعيف من ابن الغضائري - على كون الجرح والتعديل من
باب الخبر، وإن عبر بالشهادة (1).
وبما ذكر يظهر الحال في ترجيح التوثيق من الشيخ والنجاشي على تضعيف
ابن الغضائري في باب إبراهيم بن سليمان (2)، بل لا دلالة فيه على كون الجرح
والتعديل من باب الشهادة بوجه.

1. الفوائد الرجالية: 208، وانظر إيضا تعليقاته على مشرق الشمسين: 43.
2. انظر رجال النجاشي: 18 / 20، والفهرست: 6 / 8.
293

[هل اعتبار التزكية من باب اعتبار الخبر؟]
وظاهر شيخنا البهائي في أصوله كون اعتبار التزكية من باب اعتبار الخبر،
حيث إنه قال: " تزكية العدل الإمامي كافية ".
ثم استدل بعموم مفهوم آية النبأ، بل نسب مختاره إلى العلامة والشيخ وسائر
المتأخرين (1).
وبسط الكلام في مبادئ مشرق فروعه، وقال:
ولقد بالغ بعض أفاضل معاصرينا - قدس الله روحه - في الإصرار على
اشتراط العدلين في المزكي؛ نظرا إلى أن التزكية شهادة، ولم يوافق القوم
على تعديل من انفرد الكشي أو الشيخ الطوسي أو النجاشي أو العلامة -
مثلا - بتعديله، وجعل الحديث الصحيح عند التحقيق منحصرا فيما
توافق اثنان فصاعدا على تعديل رواته (2).
ومقصوده ببعض أفاضل معاصريه هو صاحب المعالم في المنتقى.
وحكى في المنتقى في المقام عن بعض فضلاء معاصريه بعض الكلام (3)،
لكن لم يظهر لي كون المقصود به شيخنا البهائي، وإن حكى في بعض المواضع
عن المنتقى عن بعض المتأخرين، وقيل: وكان المراد الشيخ البهائي.
وقد حررنا في الرسالة المعمولة في باب شيخنا البهائي ما وقع بينه وبين
صاحب المعالم من الملاقاة وغيرها.
وقد ذكر المولى التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه: أن بعض الأصحاب
- المقصود به صاحب المعالم بقرينة نقل تقسيم الأخبار إلى " الصحي " و " الصحر "

1. زبدة الأصول: 70.
2. مشرق الشمسين: 46 - 47.
3. منتقى الجمان 1: 14.
294

عنه - بالغ في اشتراط تزكية العدلين ردا على شيخنا البهائي (1).
وذكر شيخنا البهائي وجوها في الرد عليه.
وجرى السيد الداماد (2) على القول بتلك المقالة.
وهو مقتضى ما عن صريح العلامة في التهذيب من أن الجرح والتعديل من
باب الخبر. ومقتضاه عدم كفاية تزكية غير الإمامي؛ لاشتراط الإيمان والعدالة في
اعتبار خبر الواحد (3).
وهو مقتضى بعض كلماته في الخلاصة، كقوله في ترجمة الحسن بن سيف
بن سليمان التمار - بعد نقل توثيقه عن ابن عقدة عن علي بن الحسن - " ولم أقف
له على مدح وجرح من طرقنا سوى هذا، والأولى التوقف حتى تثبت عدالته " (4).
وكذا قوله في الترجمة اللاحقة لتلك الترجمة، أعني ترجمة الحسن بن
صدقة - بعد نقل توثيقه وتوثيق أخيه مصدق، عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن -
" وفي تعديله بذلك نظر " (5).
وقد ذكرت هنا عبارات أخرى منه في الخلاصة تقتضي القدح في الشهادة
للنفس أو غيرها بعدم إثبات العدالة وإن كانت مرجحة للقبول، حيث إن الظاهر
منها لزوم ثبوت عدالة الراوي في اعتبار الرواية، والظاهر من العدالة إنما هو
المعنى الأخص، فالظاهر منها لزوم ثبوت عدالة الراوي. وقد حررنا تلك
العبارات في الرسالة المعمولة في " ثقة ".

1. روضة المتقين 14: 17.
2. الرواشح السماوية: 101، الراشحة الحادية والثلاثون.
3. تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 78. وحكاه عنه في معالم الدين: 204 وتعليقات الخواجوئي على
مشرق الشمسين: 46.
4. خلاصة الأقوال: 44 / 49.
5. خلاصة الأقوال: 45 / 51.
295

لكنه صرح في الخلاصة بقبول رواية جماعة من فاسدي المذهب، كقوله في
ترجمة أبان بن عثمان - بعد نقل كونه ناووسيا عن الكشي عن علي بن الحسن - ‍:
" والأقوى عندي قبول روايته وإن كان فاسد المذهب " (1).
وقوله في ترجمة الحسن بن علي بن فضال: " وأنا أعتمد على روايته وإن كان
مذهبه فاسدا " (2).
وقوله في ترجمة علي بن أسباط - بعد نقل كونه فطحيا عن النجاشي
والكشي - ‍: " وأنا أعتمد على روايته " (3).
بل قد ذكر المحقق القمي أنه أكثر في الخلاصة من قبول رواية فاسدي
المذهب (4).
ونظير ذلك: أنه جرى في النهاية فيما لا يمكن فيه الجمع بين الجرح والتعديل
على تقديم الجرح (5)، وجرى في الخلاصة على ترجيح التوثيق بزيادة العدد، كما
سمعت من ترجيحه توثيق الشيخ والنجاشي على تضعيف ابن الغضائري في باب
إسماعيل بن مهران (6)، وإبراهيم بن سليمان (7)، بل جرى على الترجيح بدون زيادة
العدد، كما صنعه في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بشير البرمكي، حيث إنه نقل
توثيقه عن النجاشي وتضعيفه عن ابن الغضائري ورجح التوثيق (8).
اللهم إلا أن يكون الترجيح مبنيا على زيادة ضبط النجاشي كما هو معروف بها.

1. خلاصة الأقوال: 21 / 3.
2. خلاصة الأقوال: 93 / 15.
3. خلاصة الأقوال: 99 / 38.
4. القوانين المحكمة 1: 458.
5. حكاه عنها العلامة المحقق الخواجوئي في الفوائد الرجالية: 173.
6. خلاصة الأقوال: 8 / 6؛ رجال النجاشي: 26 / 49؛ الفهرست: 11 / 32.
7. خلاصة الأقوال: 5 / 11؛ رجال النجاشي: 18 / 20؛ الفهرست: 6 / 8.
8. خلاصة الأقوال: 154 / 89.
296

ويمكن أن يقال: إن تقديم الجرح لا ينافي الترجيح بالعدد؛ لانصراف الأول
إلى صورة مساواة الجرح والتعديل في العدد.
وإن قلت: إنه قد علل تقديم الجرح بإمكان اطلاع الجارح على ما لم يطلع
عليه المعدل، وهذا يجري في صورة زيادة العدد.
قلت: إن التعليل المذكور ينصرف أيضا إلى صورة مساواة الجرح والتعديل
في العدد؛ لبعد اطلاع المعدل على ما لم يطلع عليه الجارح، مع زيادة عدد
المعدل.
ويقتضي القول بتلك المقالة ما قاله العلامة في الخلاصة في ترجمة ليث بن
البختري - بعد أن حكى عن ابن الغضائري نقل اختلاف أصحاب ليث في شأنه،
والحكم بأن الطعن في دينه - من أن الطعن عن ابن الغضائري في دينه لا يوجب
الطعن؛ لأنه اجتهاد منه، إلا أن يقال: إنه يمكن أن يكون من باب كون الجرح
والتعديل من باب الشهادة (1).
ومقتضى تلك المقالة انحصار اعتبار الصحيح فيما كان كل من رجال سنده
منقول العدالة ولو من عدل واحد.
لكن صرح سيدنا أيضا بكون التزكية من باب الخبر، إلا أنه جعل المدار على
مطلق الظن، بناء على دلالة آية النبأ على ثبوت العدالة والفسق بالظن (2)، كما يأتي
منه.
وظاهر المحقق القمي أنه لا ينكر صدق الخبر على التزكية، لكنه إنما يقول
بحجية الخبر من جهة حجية مطلق الظن الاجتهادي بعدالة الراوي، سواء كان من
جهة التزكية وهي من باب الخبر، أو غيرها من جهة حجية مطلق الظن بالأحكام

1. خلاصة الأقوال: 136 / 2.
2. عدة الرجال 1: 171.
297

الشرعية (1).
فمن يقول بتلك المقالة لابد أن يقتصر على تزكية العدل الإمامي ولا يتعدى
عنه إن قال باعتبار العدالة في اعتبار خبر الواحد، أو قال باعتبار العدالة في اعتبار
الخبر الواحد، لكن قال باعتبار الإيمان في العدالة، إلا أن يقول بالإجماع على
كفاية مطلق الظن في المقام، أو دلالة آية النبأ على كفاية الظن في تشخيص العدالة.
وإن قال باعتبار أخبار الكتب الأربعة، فلابد من الاقتصار على أخبار الكتب
الأربعة، إلا أن يقول بأحد الأمرين المذكورين آنفا.
وإن قال باعتبار الخبر من باب اعتبار مطلق الظن، فيبتني على اعتبار مطلق
الظن في المقام.
واختار غير واحد (2) من الأواخر كون اعتبار التزكية من باب اعتبار الظنون
الاجتهادية. ومقتضاه كفاية القرائن في ثبوت العدالة، وكذا تزكية غير الإمامي
الممدوح، فضلا عن تزكية غير الإمامي الموثق، أو الإمامي الممدوح، بناء على
رجحانه على غير الإمامي الممدوح، وفضلا عن تزكية العدل الواحد.
وقد جرى المحدث الحر في الفائدة الثانية عشرة من الفوائد الاثنتي عشرة
المرسومة في خاتمة الوسائل على أن اعتبار التزكية من باب القطع، حيث إن توثيق
بعض علماء الرجال الأجلاء والثقات الأثبات كثيرا ما يفيد القطع، مع اتحاد
المزكي؛ لانضمام القرائن التي يعرفها الماهر المتتبع، ألا ترى أنا نرجع إلى
وجداننا، فنجد جزما بثقة كثير من رواتنا وعلمائنا الذين لم يوثقهم أحد؛ لما بلغنا
من آثارهم المفيدة للقطع بثقتهم، وقد تواتر الأخبار في حجية خبر الثقة (3).
وقد حكى في غاية المأمول عن شيخنا البهائي في بعض تحقيقاته قبول تزكية

1. القوانين المحكمة 1: 477.
2. كالمحقق القمي في القوانين المحكمة 1: 477؛ وانظر مقباس الهداية للمامقاني 2: 73.
3. وسائل الشيعة 20: 290، الفائدة الثانية عشر.
298

غير الإمامي للإمامي إذا كان عدلا؛ تعويلا على أن الفضل ما شهد به الأعداء،
وعدم قبول الجرح من غير الإمامي (1).
وربما توهم منه التفصيل بين تزكية الإمامي للإمامي، فاعتبار التزكية من باب
اعتبار الخبر يكفي عدل واحد، وغيره من تزكية غير الإمامي للإمامي، وتزكية غير
الإمامي لغير الإمامي، وتزكية الإمامي لغير الإمامي، فاعتبار التزكية من باب اعتبار
الشهادة، فلابد من عدلين.
وليس بشيء؛ حيث إنه لو اكتفى بعدل واحد في التزكية من غير الإمامي،
فيكتفى في التزكية من الإمامي قطعا، مع أن الشهادة لابد فيها من الإيمان إلا نادرا،
فلا يكفي تزكية غير الإمامي إذا كان عدلين لغير الإمامي.
على أن الكلام المذكور تفصيل في حال غير الإمامي بين تعديله وجرحه،
ولا يكون تفصيلا في قبول التزكية.
نعم، لو فصل بقبول تزكية غير الإمامي إذا كان عدلا دون غيره، لكان دالا
على التفصيل المتوهم من كلامه، فلا دلالة في كلامه على التفصيل المزبور بوجه.
لكن نقول: إن الكلام المذكور مبني على عموم العدالة لغير الإمامي كما هو
الأظهر؛ لوجوه حررناها في الرسالة المعمولة في " ثقة " لكن من اشترط العدالة في
اعتبار الخبر - كما هو المدار في أصل العنوان كما مر - قد اعتبر الإيمان أيضا،
والظاهر بل بلا إشكال أن القول باعتبار العدالة دون الإيمان مفقود الأثر، فبعد
اعتبار العدالة لا مجال لتزكية غير الإمامي.
وربما يظهر من العلامة المجلسي في حاشية الخلاصة - في أوائل الكتاب -:
التفصيل بين كون التزكية بصورة الاجتهاد، بأن كانت في مقام ذكر الخلاف من
المزكي وبين غيره؛ لرجوع القبول إلى التقليد وما لو كانت على سبيل الشهادة

1. حكاه في الفوائد الطوسية: 9.
299

والإخبار، بأن كان في مقام يذكر المزكي فيه الخلاف، فيجب على المجتهد
اعتباره والنظر فيه وفيما يعارضه ليستبين له حال الرجال ويترجح لديه الرد أو
القبول.
وربما يظهر من صاحب المعالم توقف العلامة في النهاية، حيث إنه نسب إليه
نسبة القول بكفاية العدل الواحد إلى الأكثر من غير تصريح بالترجيح (1)، إلا أن
العلامة ذكر دليل القول بلزوم التعدد وزيفه (2)، فهو قائل بكفاية تزكية العدل الواحد.
[أدلة اعتبار العدد في التزكية]
واستدل صاحب المعالم على اعتبار العدد في التزكية - قولا (3) بالقول
الأول - بوجهين (4):
الأول: أن التزكية شهادة، ومن شأنها اعتبار العدد فيها، كما هو ظاهر.
وفيه أولا: إنه يمكن أن تكون التزكية من باب الخبر كما تقدم نقل القول به،
فدعوى أنها من باب الشهادة تحتاج إلى إقامة الدليل عليها.
وثانيا: أن المدار في الشهادة على القول، وتزكية أرباب الرجال لا تخرج عن
المكتوب، بل الأمر في تزكية أرباب الرجال ليس من باب كتابة الشاهد (5)، بل من
باب المكتوب عن مكتوبه بوسائط عديدة.

1. معالم الدين: 204.
2. انظر تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 79.
3. أي: مع أنه قائل بالقول الأول، وهو عدم اعتبار العدد في التزكية.
4. منتقى الجمان 1: 14.
5. قال المحقق الشيخ محمد في بعض تعليقات التهذيب: ذكرت للوالد (قدس سره) أن الاعتماد على كون المزكي
شاهدا محل كلام؛ لأن العلم من المستبعد حصوله لأمثالهم، أي المصنفين في الرجال كالنجاشي
والشيخ، وربما يرجح كون التزكية إخبارا لا شهادة. وأجاب الوالد (قدس سره) بأنه علم اعتماد النجاشي على
الشاهدين. وللمحقق المذكور رسالة في باب تزكية أهل الرجال. (منه (رحمه الله)).
300

مثلا: ما صدر من التوثيق عن النجاشي ليس بخطه فيما بين أيدينا، بل ما بين
أيدينا مكتوب عن مكتوبه بوسائط عديدة.
إلا أن يقال بالقطع بعدم الفرق بين كتابة الشاهد والمكتوب عن مكتوبه
بوسائط بعد اعتبار كتابة الشاهد.
هذا لو كان التوثيق من النجاشي مثلا دراية، وأما لو كان من باب الرواية بأن
نقل النجاشي التوثيق عن غيره في كتابه، فالأمر من باب نقل المكتوب بوسائط
عديدة بالمكتوب بوسائط عديدة.
وثالثا: أن الشهادة مبنية على العلم، وتزكية أرباب الرجال لا تخرج غالبا عن
الظن.
إلا أن يقال: إنه مبني على اعتبار الاستناد إلى العلم في الشهادة، وقد تقدم
عدم الاعتبار.
إلا أن يقال: إن اعتبار الشهادة في صورة الاستناد إلى الظن غير ثابت وإن لم
يكن الاستناد إلى العلم معتبرا في معنى الشهادة.
لكن نقول: إن الأظهر كفاية الظن بالعدالة، كما يأتي.
ورابعا: أن لزوم التعدد في عموم الشهادات غير ثابت، قال شيخنا البهائي في
مشرقه: " والسند قبول شهادة الواحد في بعض الموارد عند بعض علمائنا، بل
شهادة المرأة الواحدة في بعض الأوقات عند أكثرهم " (1).
إلا أن يقال: إن القدر الثابت اعتبار شهادة العدلين، وغيرها غير ثابت الاعتبار،
بل نادر الاعتبار على تقدير الاعتبار، فلابد من الاقتصار عليها.
وخامسا: أنه مبني على عموم حجية البينة، وهو غير بين ولا مبين في
الاستدلال، فهو من باب الدعوى بلا بينة.

1. مشرق الشمسين: 45.
301

نعم، الأظهر القول بعموم حجية البينة، لكنه أمر آخر.
وسادسا: أنه يحتمل أن تكون التزكية من باب الخبر، فكان عليه سد هذا
الاحتمال.
قال شيخنا البهائي في المشرق:
وهلا كانت تزكية الراوي كأغلب الأخبار في أنها ليست شهادة كالرواية،
وكنقل الإجماع، وتفسير مترجم القاضي، وإخبار المقلد مثله بفتوى
المجتهد، وقول الطبيب بإضرار الصوم بالمريض، وإخبار أجير الحج
بإيقاعه، وإعلام المأموم الإمام بوقوع ما شك فيه، وإخبار العدل العارف
بالقبلة الجاهل العلامات (1).
لكن يمكن الذب بأن الغرض أن عموم مفهوم آية النبأ غير واف باعتبار
التزكية؛ قضية لزوم التناقض على تقدير العموم، ولا جدوى في مجرد صدق
الخبر، فلابد من البناء على التعدد؛ بناء على عموم حجية البينة، فلا يتطرق الإيراد
المزبور.
ولكن نقول: إنه خلاف ظاهر الاستدلال بلا إشكال.
وبعد ما سمعت أقول: إنه لو كان المدار على الشهادة، فلابد في المزكى من
شهادة العدلين أيضا، وهكذا إلى أن يدور الأمر أو يتسلسل كما يأتي.
وهذا المحذور يتطرق أيضا على القول باشتراط العدالة والإيمان في اعتبار
الخبر.
وبعد هذا أقول: إنه لا جدوى في التوثيق من باب الشهادة لو كان مبنيا على
كلام الغير ولو احتمالا، واحتمال الابتناء جار في عموم التوثيقات مع قطع النظر
عن الظهور في البعض، فلا مجال للعمل بالتوثيقات رأسا.
ومن ذلك أن المولى التقي المجلسي قد حكى عن صاحب المعالم أنه لم

1. مشرق الشمسين: 43 - 44.
302

يعتبر توثيق العلامة والسيد ابن طاوس والشهيد الثاني بل أكثر الأصحاب؛ تمسكا
بأنهم ناقلون عن القدماء (1).
إلا أنه لو ثبت النقل في حق الأكثر، فاحتمال النقل جار في كل واحد من
التوثيقات ولو مع القطع بالاجتهاد في البعض إجمالا بالنسبة إلى بعض أهل
الرجال، فيلزم إهمال التوثيقات بالكلية.
وفيه من المحذور ما لا يخفى.
الثاني: أن العدالة شرط في قبول الخبر، ومقتضى اشتراط العدالة اعتبار العلم
في حصولها، إلا أن البينة تقوم مقام العلم شرعا، وأما غيرها فيتوقف الاكتفاء به
على الدليل، وهو غير ثابت.
وفيه أولا: أنه يحتمل أن يكون الأمر من باب ممانعة الفسق لا اشتراط
العدالة، وممانعة الفسق لا تقتضي اشتراط العدالة.
ونظير هذا المقال يتأتى في كثير من الموارد، مثلا: يتأتى الكلام في أن القلة
شرط لانفعال الماء بملاقاة النجاسة أو الكرية مانعة؟ وأن التزكية أو جواز أكل
اللحم شرط لصحة الصلاة، أو عدم التزكية أو عدم جواز أكل اللحم مانع؟ وأن
البلوغ شرط لكون الدم حيضا، أو الصغر مانع؟ وأن القدرة على التسليم شرط في
صحة البيع، أو العجز مانع؟ وأن القبض قبل التفرق شرط في صحة بيع الصرف
والسلف، أو التفرق مانع؟ بل يتأتى الكلام في جميع العمومات المخصصة في
خلو الخاص عن الشرط، أو وجود المانع فيه.
والمدار في الفرق بين اشتراط أحد المتقابلين وممانعة الآخر هو إصلاح حال
الاقتضاء، وإناطة تعلق الحكم بوجود الشرط بكون الموضوع غير قابل بذاته
لتعلق الحكم في الأول، وإفساد الحال بكون الموضوع قابلا بذاته لتعلق الحكم

1. روضة المتقين 14: 17.
303

في الثاني.
مثلا: وصول الدهن إلى فتيلة السراج شرط لإضاءة السراج، وهبوب الريح
مانع، وليس عدم هبوب الريح مما يتم به اقتضاء الإضاءة.
وكذا سوء خلق العالم أو الشخص المتعزز أو المتمول مانع عن ميل النفس،
وليس حسن الخلق شرطا للميل؛ إذ كل من العلم والعز والتمول مما يقتضي ميل
النفس، لكن حسن الخلق شرط لميل النفس في الجاهل والشخص الذليل
والفقير، لكون الجهل والذلة والفقر مما يوجب انزجار النفس.
إلا أن يقال: إن حسن الخلق - على ذلك - سبب لميل النفس لا شرط له، كما
أن منع الثقيل عن الهبوط من باب المانع، ولا مجال لكون عدمه من باب الشرط.
وكذا عدم تعاهد بعض الأفراد شرط لحمل المفرد المعرف باللام على
العموم بحكم الحكمة؛ لأن الحمل على العموم مبني على مساواة الأفراد،
والتعاهد موجب للرجحان، فالتعاهد لا يكون من باب المانع، بل عدمه من باب
الشرط؛ إذ اقتضاء الحكمة للحمل على العموم منوط بانتفاء العهد؛ قضية رجحان
المعهود، والمدار في المانع على منع الاقتضاء بل استكماله.
ونظير ذلك: أن الواجب وأخواته مصطلحة في الأفعال، والمدار بحكم العقل
في الواجب على ثبوت المصلحة فيه، وفي الحرام على ثبوت المفسدة فيه، وفي
المستحب على ثبوت الرجحان فيه، وفي المكروه على ثبوت الحزازة فيه.
فترك الواجب لا يقتضي ترتب المفسدة، وترك الحرام يقتضي تطرق
الحزازة، وترك المكروه لا يقتضي تطرق الرجحان، فترك الواجب ليس من قبيل
فعل الحرام، وترك الحرام ليس من قبيل فعل الواجب، وقس حال ترك المستحب
وترك المكروه.
ومع قطع النظر عن حكم العقل فالظاهر من التعمد بالأمر وجوبا أو ندبا إلى
جانب الفعل، والتعمد بالنهي تحريما أو تنزيها إلى جانب الترك هو كون
304

المصلحة والرجحان في الواجب والمندوب في جانب الفعل، وكون المفسدة
والحزازة في الحرام والمكروه في جانب الفعل.
بل نقول: إن ظاهر التعمد إلى جانب خبر الفاسق بتوجيه الكلام لبيان حكمة
هي ممانعة الفسق.
نعم، التعمد إلى جانب أحد المتقابلين بالأمر به في ضمن العبادة أو المعاملة
أو النهي عنه في ضمنها لا يستلزم ممانعة الآخر في الأول، واشتراط الآخر في
الأخير، بل يمكن أن يكون الأمر بأحد المتقابلين من باب التقريب إلى ممانعة
الآخر، والنهي عن أحد المتقابلين من باب التقريب إلى اشتراط الآخر، إلا أنه
خلاف الظاهر.
ويبتني عليه ثبوت عدم اشتراط المأمور به وعدم ممانعة المنهي عنه. كما لو
قيل: " صل إن كان لباسك مباحا أو مزكى " وثبتت ممانعة الغصب دون اشتراط
الإباحة، وكذا ممانعة عدم التذكية دون اشتراط التذكية، نظير قوله سبحانه: (فكلوا
مما أمسكن عليكم) (1) من باب التقريب لعدم حرمة أكل اللحم بواسطة الاصطياد،
حيث إن جواز الأكل ولو في الجملة يستلزم عدم حرمته.
وثانيا: أن كفاية البينة في المقام مبنية على عموم حجية البينة، وهو غير بين،
ولم يأت بالإشارة إلى الحجة والبينة عليه في الاستدلال، وإن كان الأظهر القول
بهذا المقال.
وثالثا: أن الأظهر كفاية الظن في باب العدالة، كما حررناه في محله، ويأتي
قليل من الكلام فيه ولو في باب الشهادة والفتوى، وإن حكي عن البحار دعوى أن
الظاهر من الأخبار أن أمر العدالة في الصلاة أسهل منه في الشهادة، وتعليلها بأنه
لعل السر أن الشهادة تبتني عليها الفروج والدماء والحدود والمواريث، فينبغي

1. المائدة (5): 4.
305

الاهتمام فيها، بخلاف الصلاة، فإنه ليس الغرض منها إلا اجتماع المؤمنين وائتلافهم
واستجابة دعواتهم، ونقص الإمام وفسقه أو كفره لا يضر بصلاة المأموم (1).
بل مقتضى ما قاله في المعارج " من أن الرواية لا يقبل فيها إلا (2) ما يقبل في
تزكية الشاهد وهو شهادة عدلين " (3) تسلم لزوم البينة في تزكية الشاهد والإجماع
عليه.
وجرى المحدث البحراني في الحدائق والدرر على اعتبار الاتصاف بمحاسن
الأخلاق في العدالة المعتبرة في القضاء والفتوى (4)؛ استنادا إلى رواية لا تدل على
المقصود كما حررناه في محله.
وبعد ما مر أقول: إن اعتبار ما في حكم " الصحي " بناء على كون التزكية من
باب الشهادة غير متجه؛ لعدم خروج الأمر عن الظن. ولا جدوى فيها بناء على
كون التزكية من باب الشهادة.
كما أن اعتبار ما في الفقيه لو ثبت القول به غير متجه أيضا، حيث إن
الصدوق - بعد الكلام في شهادته - لا جدوى في شهادته بوصف الوحدة بناء على
كون التزكية من باب الشهادة.
وشهادة صاحب المعالم إن كانت مبنية على العلم، فلا حاجة إلى شهادة الغير
له، وإلا فلا جدوى في شهادته لنفسه ولا في شهادة الغير له.
وبالجملة، شهادة العدلين إنما تنفع في حق شخص ثالث، لا في حق أحد
العدلين.
وبما ذكرنا يظهر الحال فيما مر حكايته عنه من أنه شاهد أصل في باب

1. البحار 85: 24، باب أحكام الجماعة.
2. في المصدر زيادة: " على ".
3. معارج الأصول: 150.
4. الحدائق الناضرة 10: 58؛ الدرة النجفية: 291.
306

" الصحي " لكن نقول: إن مقتضى كلامه أن الأمر فيما في حكم " الصحي " من باب
الخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعية، ولعله الحال في غير ذلك مما تقدم
ذكره، لكن مقتضى التعبير ب‍ " الصحي " قيام شهادة العدلين من الخارج على عدالة
كل من أجزاء السند.
[وجه اعتبار التزكية من باب اعتبار الخبر]
والمعروف في الاستدلال على القول الثاني وجهان:
[الوجه] الأول: عموم مفهوم آية النبأ (1).
ويرد عليه - بعد ما حررناه في الأصول من الإشكال في الاستدلال بمفهوم آية
النبأ على حجية خبر العدل - أن التزكية التي بين أيدينا وتنفع بحالنا من باب
المكتوب، بل المكتوب عن المكتوب بوسائط عديدة، بل من باب نقل المكتوب
بوسائط عديدة بالمكتوب بوسائط عديدة في بعض الموارد كما تقدم، والنبأ لا
يصدق على غير القول، ولا أقل من عدم الشمول أو الشك في الشمول.
مع أن الظاهر من النبأ كونه عن علم بعد صدقه على ما كان عن ظن، والظاهر
منه أيضا ما كان العلم فيه مستندا إلى الحس، والتزكية عن ظن ومستندة إلى غير
الحس، فلا يشملها النبأ في مفهوم آية النبأ.
إلا أن يقال: إن ظهور النبأ فيما لو كان مستندا إلى المحسوس بدوي، والظاهر
- بعد التدبر - الشمول لغير المحسوس، وكيف لا!؟ ونقل خبر الواحد بالمعنى
يشمله مفهوم آية النبأ بلا إشكال من أحد، وأمره من باب غير المحسوس. ومن
ذلك أن الأظهر اعتبار الإجماع المنقول؛ بناء على حجية الظنون الخاصة؛ لشمول
مفهوم آية النبأ.
وأورد عليه في المعالم والمنتقى بأن اشتراط العدالة في الراوي مبني على أن

1. الحجرات (49): 6.
307

المراد بالفاسق في الآية من له هذه الصفة في الواقع، فيتوقف قبول الخبر على
العلم بانتفائها، وهو موقوف على العدالة، فلابد من ثبوتها بالعلم أو ما يقوم مقامه
من البينة. وفرض العموم في المفهوم على وجه يتناول الإخبار بالعدالة يؤدي إلى
حصول التناقض (1)، حيث إن مقتضى منطوق الآية رد رواية محتمل الفسق ولو زكاه
عدل واحد؛ لأن المراد بالفاسق في الآية هو الفاسق الواقعي، ففي الحقيقة يراد به
غير معلوم العدالة، سواء كان معلوم الفسق أو محتمله مطلقا. ومقتضى المفهوم
على الفرض المذكور قبول كل خبر عدل واحد حتى في تزكية الراوي، ومقتضى
ذلك قبول رواية محتمل الفسق مطلقا، فلو عملنا بالمفهوم أيضا على سبيل
الإطلاق حتى في تزكية العدل الواحد للراوي، يلزم التناقض بين جهتي كلام
واحد.
وتحرير الإيراد المذكور بأن يقال: إن العدالة شرط في قبول الرواية، فلابد
من ثبوتها بالعلم أو ما تقوم مقامه من البينة.
أما الثانية: فقد أحال حالها على الظهور.
وأما الأولى: فقد استدل عليها بممانعة الفسق الواقعي بحكم الآية، بتقريب
أن المراد بالفاسق في الآية من له صفة الفسق في الواقع، فلابد من إحراز العدالة
بالعلم أو ما يقوم مقامه من البينة.
وإن قلت: إن تزكية العدل الواحد تقوم مقام العلم بحكم مفهوم آية النبأ.
قلت: إن مفهوم آية النبأ لا يمكن شمولها لواقعة التزكية؛ للزوم التناقض؛ إذ
لو زكى واحد بعض الرواة، فمقتضى منطوق الآية وجوب رد روايته؛ لاحتمال
الفسق، بناء على كون المقصود بالفاسق هو الفاسق الواقعي كما هو المفروض،
ومقتضى المفهوم وجوب قبول روايته؛ بناء على كون المقصود بالعادل هو العادل

1. معالم الدين: 206؛ منتقى الجمان 1: 20.
308

الواقعي كما هو المفروض أيضا، فالرواية المذكورة يجب ردها بحكم منطوق
الآية، ويجب قبولها بحكم مفهومها؛ فيلزم التناقض في جهتي كلام واحد.
أقول: إنه بظاهره من قبيل الأكل من القفا، حيث إنه أولى باشتراط العدالة
بتقريب ممانعة الفسق الواقعي، فلابد في انتفائها من العلم أو ما يقوم مقامه من
البينة.
إلا أن يقال: إن إدراج مقدمة اشتراط العدالة بواسطة كفاية أصالة عدم المانع
في البناء على انتفاء المانع، وعدم لزوم انتفاء المانع بالعلم أو ما يقوم مقامه.
لكن نقول: إنه بناء على أصالة العدالة حال الاشتراط كحال البينة، ولا يلزم
العلم أو البينة، ويكفي الأصل، وأصالة العدالة مقدمة على أصالة عدم الشرط؛
لكونها من باب الوارد.
نعم، أصالة العدالة لا تتم على ما حررناه في محله، لكنه بنى على لزوم انتفاء
الفسق بالعلم، قال: " وهو موقوف على العدالة " (1) نظير أن العلامة في المختلف
حكم بعدم جواز الاقتداء في الصلاة إلا بعد العلم بالعدالة؛ تعليلا بأن الفسق مانع،
فلا يخرج عن العهدة إلا بعد العلم بالعدالة (2).
فأخذ لزوم انتفاء الفسق بالعلم ينافي التدبير المذكور في باب إدراج اشتراط
العدالة؛ إذ ربما يحصل العلم بعدالة الشخص مع كونه فاسقا، إلا أن يكون
المقصود بالعلم هو الجزم المطابق للواقع، لكنه خارج عن المبحوث عنه في
جميع المباحث، بل لا يتوقف العلم بانتفاء الفسق على العلم بالعدالة؛ إذ العلم
بانتفاء الفسق عين العلم بالعدالة.
فكان المناسب لحاله الإيراد بممانعة الفسق ولزوم انتفائه بالعلم أو ما يقوم
مقامه، مع أن العلم بانتفاء الفسق لا يتوقف على العدالة.

1. معالم الدين: 206.
2. مختلف الشيعة 2: 513، المسألة 373.
309

ومع ذلك نقول: إن منطوق الآية لا يقتضي وجوب رد الرواية في الصورة
المفروضة؛ لعدم ثبوت الفسق.
نعم، يتأتى وجوب الرد من باب وجوب مقدمة العلم أو لابديته، على
الخلاف في باب وجوب مقدمة الواجب.
وعلى هذا المنوال حال المفهوم، فهو لا يقتضي أيضا وجوب القبول، بل
يتأتى وجوب القبول من باب وجوب مقدمة الواجب أو لابديته، فالتناقض يتأتى
في الباب من جهة شمول المفهوم لصورة تزكية العدل، لكنه بانضمام وجوب
مقدمة العلم أو لابديته.
إلا أن لزوم التناقض مبني على شمول إطلاق التكاليف لحال الجهل بعد
وضع الألفاظ للمعاني الواقعية واستعمالها فيها.
وأما بناء على انصرافها في باب الموضوعات العرفية إلى حال العلم بالفعل -
كما هو الأظهر، كما أن الأظهر انصرافها في باب الأحكام والموضوعات الشرعية
المخترعة إلى حال إمكان العلم - فلا يتأتى شمول المنطوق ولا المفهوم، فلا يتأتى
التناقض بوجه.
ومع ذلك نقول: إن محذور التناقض لا يخرج عن محذور التعارض بين
جهتي كلام واحد، ولا بأس بدفع التعارض بين الجهتين بما يدفع به التعارض بين
الخبرين.
وما لو قيل: " إن التعارض بين جهتي كلام واحد غير جائز ولو جاز التعارض
بين الكلامين " ليس بشيء.
وإن قلت: إن المفهوم تابع للمنطوق، فلا مجال لمعارضته معه.
قلت: إن التبعية إنما تنافي التعارض بالتباين، والتعارض في المقام من باب
العموم والخصوص من وجه.
ومع ذلك نقول: ظاهر الإيراد بالتناقض سلامة المنطوق عن المحذور، مع
310

أنه لو كان المفهوم مستلزما للتناقض، فلا مجال للتمسك بالمنطوق؛ إذ يلزم من
وجوده العدم.
وقد يجاب عن الإيراد المذكور بأن النسبة بين المتناقضين في المقام عموم
وخصوص من وجه؛ لوجود المنطوق في رواية معلوم الفسق ومحتمل الفسق
الذي لم يزكه عدل واحد - كما لو كان مجهول الحال بالمرة، أو زكاه فاسق أو
مجهول الحال - ووجود المفهوم في إخبار العدل بغير العدالة كأصل الرواية،
واجتماعهما في إخبار العدل بعدالة الراوي، فمقتضى المنطوق رد روايته
ومقتضى المفهوم قبوله.
ويمكن دفعه بواحد من وجهين - كما هو الشأن في أمثاله -: إما بتخصيص
العموم المنافي بالمفهوم، بأن يقال: يجب رد خبر كل فاسق أو يحتمل الفسق إلا
من زكاه عدل واحد. أو بتخصيص العموم المفهومي بالمنطوق، بأن يقال: يجب
قبول كل خبر عدل إلا إخباره بالعدالة.
إلا أن التخصيص الأول أرجح؛ لانطباقه مع الشهرة؛ لشهرة كفاية المزكي
الواحد.
ومرجع الجواب إلى تسليم التناقض وترجيح المفهوم بالشهرة.
لكن نقول: إن ملاحظة التعادل والترجيح في التعارض بالعموم والخصوص
من وجه بل مطلق التعارض إنما هي في التعارض بين الدليلين المنفصلين، أما
الكلام الواحد فالتعارض بين منطوقه ومفهومه وترجيح أحدهما على الآخر فاقد
النظير.
نعم، لابد من ملاحظة التعادل والترجيح أيضا في التعارض بين كلامين من
دليل واحد، وكذا التعارض بين جزءي كلام واحد، كما في المخصصات المتصلة
والمقيد المتصل، نحو: " أعتق رقبة مؤمنة " بناء على تحقق التعارض فيها، كما هو
الأظهر على ما حررناه في الأصول.
311

بل على هذا المنوال الحال في جميع موارد التجوز مع القرينة المتصلة، مثلا:
في " رأيت أسدا يرمي " أو " في الحمام " يقع التعارض بين التجوز في الأسد عن
الرجل الشجاع، والتجوز في الرمي عن إثارة التراب، والتجوز في الحمام عن
الفلاة الحارة، ولابد من ملاحظة الترجيح والتعادل، لكن المرجح هو العرف.
وربما يقتضي كلام الشيخ في الاستبصار ملاحظة التعارض بين دليل واحد
وجزء كلام من دليل آخر، حيث إنه روى في الاستبصار في باب أنه يجوز الإحرام
بعد صلاة النافلة، عن الكليني بإسناده، عن أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): أرأيت لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة غير مكتوبة أكان يجزئ؟ قال:
" نعم " (1) وروى عن الكليني بإسناده، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: " لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم " (2)
فحمل الرواية الثانية على كون الغرض أن الأفضل كون الإحرام عقيب الصلاة
المفروضة، ثم استشهد بأن معاوية بن عمار الراوي للرواية الثانية روى بعد
حكايته ما قال (عليه السلام): " وإن كانت نافلة صليت الركعتين " (3) نظرا إلى أنه لولا كون
الغرض أن الأفضل كون الإحرام عقيب الفريضة للزم التناقض في حديث واحد.
لكنه خارج عما تقتضيه كلمات الفقهاء والأصوليين من اختصاص التعارض
في اصطلاحهم بملاحظته بين الدليلين، أو بين كلامين من دليل واحد، أو بين
جزءين من كلام واحد.
ومزيد الكلام في ذلك موكول إلى ما حررناه في الأصول.

1. الاستبصار 2: 166، ح 547، باب أنه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة. وهي في الكافي 4: 333،
ح 10، باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه. وفي الكافي: " في دبر صلاة مكتوبة " بدون " غير ".
2. الاستبصار 2: 166، ح 548، باب أنه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة. وهي في الكافي 4: 331،
ح 2، باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه.
3. الاستبصار 2: 166، ذيل ح 548، باب انه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة.
312

وأجاب سيدنا: بأن مفهوم آية النبأ عدم وجوب التبين عند إخبار من علمت
عدالته، أو حصل الظن بها من أي شيء كان حصوله. فالملحوظ عند ذكر الصفات
في المحاورات إنما هو المعرفة العرفية لا العلم القطعي، فالمتبادر من الفاسق من
علم فسقه، وتعليق الحكم عليه يقتضي انتفاءه فيمن عرف عدم فسقه كذلك، ولا
ريب في حصول المعرفة العرفية من أي شيء حصل؛ لبناء أهل العرف في معرفة
الأشياء على الظن، وعدم الاقتصار على العلم، فمفاد الآية وجوب التبين عن خبر
من عرفت عدالته علما أو ظنا.
ومرجع هذا الجواب إلى منع التناقض بدعوى شمول المفهوم دون المنطوق.
وقد يورد أيضا على الاستدلال المتقدم بأن مفهوم آية النبأ شامل للشهادة،
ومنه استدلال الفقهاء بمنطوق الآية على رد شهادة الفاسق والمخالف، فالمقصود
بالمفهوم قبول خبر العادل في الجملة، المردد بين قبوله بالاستقلال، وقبوله
بشرط انضمامه إلى خبر آخر، فلا إطلاق للمفهوم حتى يتمسك به في الباب.
بل هذا الوجه يدل على عدم انتهاض الاستدلال بالمفهوم على حجية خبر
العدل في الأحكام الشرعية.
ولو قيل: إنا نقول بإطلاق المفهوم، وكون الأصل والظاهر من المفهوم حجية
خبر العدل مستقلا في حال الوحدة، غاية الأمر أنا نقول بخروج خبر العدل في
مقام الشهادة.
قلت: إنه لا مجال للقول بالخروج؛ إذ خبر الواحد في الشهادة لا يكون حجة
بشرط الانضمام، بل الحجة إنما هي المجموع المركب، فالشهادة غير داخلة في
المفهوم لا مخرجة بالدليل.
مع أن إخراج الشهادة من باب إخراج المورد؛ لكون مورد الآية من باب
الشهادة.
على أنه لو لم يكن المفهوم هو قبول خبر الواحد في الجملة، لا يكون
313

المنطوق وجوب التبين عن خبر الفاسق في الجملة أيضا؛ لظهور تطابق المفهوم
والمنطوق في مثله. فلو كان المفهوم حجية خبر العدل مطلقا، فلابد أن يكون
المنطوق حجية خبر الفاسق المتبين مطلقا أيضا، فحينئذ يلزم تخصيص المنطوق
أيضا بإخراج الشهادة؛ لعدم حجية الظن الحاصل من التبين عن خبر الفاسق في
الشهادة قطعا، والتخصيص خلاف الظاهر، مع أن التخصيص المذكور يقتضي
إخراج المورد؛ لكون مورد الآية من باب الشهادة.
أقول: إن استدلال الفقهاء فاسد؛ لأن الأمر بالتبين لا يقتضي الرد، فلا مجال
للاتكال عليه.
نعم، على تقدير اختصاص التبين بالعلم فللاستدلال وجه، لكن القول
بالاختصاص ضعيف، كما حررناه في الأصول.
وأيضا إخراج الشهادة عن المفهوم بكون المقصود وجوب قبول خبر العدل
الواحد في حال الوحدة - إلا إذا كان في الشهادة - لا بأس به. ولا يلزم منه القول
بحجية خبر العدل في الشهادة بشرط الانضمام، بل هو أعم منه ومن عدم الحجية
رأسا بكون الحجة هي المجموع المركب، ولا خفاء.
وأيضا دعوى كون مورد الآية - أعني حكاية الوليد - من باب الشهادة بالمعنى
المتجدد كما ترى.
وأيضا مورد الآية وشأن نزولها حكاية الوليد، وهو فاسق، فخروج حكم
شهادة العدل الواحد عن مفهوم الآية ليس من باب تخصيص المورد؛ إذ المقصود
بتخصيص المورد خروج ما ورد لأجله الوارد عن عموم الوارد، والوارد في المقام
هو منطوق الآية، وما ورد لأجله الآية إنما هو الفاسق، وهو وإن كان خارجا من
المنطوق لكنه غير ما ادعاه المورد؛ إذ ما ادعاه المورد خروج العادل عن المفهوم،
فليس الخارج من باب المورد، ولا المخرج عنه من باب الوارد.
ونظيره ما أورد على الاستدلال بمفهوم آية النبأ على حجية خبر العدل من
314

عدم حجية خبر العدل في الارتداد، وهو مورد الآية؛ قضية أن شأن النزول واقعة
إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق، وقد زيفناه في الأصول.
وأيضا تخصيص المورد لازم وإن كان المدار في المنطوق والمفهوم على
خبر العادل والفاسق في الجملة؛ لعدم حجية شهادة الفاسقين في الإخبار عن
الارتداد، ومورد آية النبأ هو إخبار الفاسق - أعني الوليد - بالارتداد.
وأيضا كما أن إجمال المفهوم يمنع عن جواز التمسك به على حجية خبر
العدل الواحد، فكذا إجمال المنطوق يمنع عن صحة التمسك به على رد شهادة
الفاسقين؛ لاحتمال الاختصاص بخبر الفاسق في حال الوحدة، فدعوى إجمال
المفهوم والمنطوق تنافي صحة استدلال الفقهاء، فلا يتجه الاستناد إليه.
وأيضا قد يقال: إن مفهوم الآية لا يشمل الشهادة؛ لأنها ليست مجيئا بالنبأ
عرفا.
ويمكن أن يقال: إن هذا من جهة الأنس بالمعنى المتجدد للشهادة، وأما قبل
التجدد فالظاهر شمول النبأ للشهادة، فتدبر.
[الوجه] الثاني: أن شرط الشيء لا يزيد عن أصله إن لم ينقص عنه، كما
اكتفوا في إثبات الإحصان - الذي هو الشرط في إيجاب الزنا للرجم - بشاهدين،
ولم يكتفوا في أصله - أعني الزنا - إلا بأربعة شهداء. وحيث اكتفي في إثبات
الأصل - الذي هو الرواية - بالواحد، وجب الاكتفاء به في إثبات شرط قبولها
- أعني العدالة - بطريق أولى.
أقول: إنه إن كان المقصود امتناع زيادة الشيء عن أصله عقلا من باب ما
تداول القول بامتناع زيادة الفرع على الأصل، كما يرشد إليه صدر الاستدلال،
ففيه: أنه لا يمتنع عقلا، ولا يحكم العقل بقبح أن يحكم الشارع بوجوب قبول
خبر الواحد إذا كان المخبر به حكما شرعيا، وعدم جواز قبوله عند تزكية المخبر
عن الحكم الشرعي.
315

وبعبارة أخرى: لا قبح عند العقل في حكم الشارع بوجوب قبول خبر الواحد
في الأحكام الشرعية إذا عدله اثنان، وعدم جواز قبوله إن عدله واحد.
والقول المتداول من امتناع زيادة الفرع على الأصل مجرد كلام جرى على
الألسن، لا مبنى له ولا عبرة به. ألا ترى (1) أن الولد فرع الوالد، وكثيرا ما يكون والد
غير قابل [لأن] يكون له ولد جامع لمراتب الكمال.
وإن كان المقصود هو القياس بطريق أولى، كما يرشد إليه ذكر طريق
الأولوية، ففيه - بعد تسليم الأولوية في غير ما نحن فيه، وتسليم حجية القياس
المشار إليه ولو لم يكن الأمر من باب مفهوم الموافقة -: المنع عن الأولوية في
المقام باعتبار أن الرواية لا تتوقف إلا على السماع، واحتمال الخطأ فيها أقل من
احتمال الخطأ في التزكية، حيث إن العدالة وكون الشخص معتمدا عليه واقعا مما
يعسر الاطلاع عليه، خصوصا مع رجحان الفسق لغلبته، فالظن الحاصل من
التزكية أدنى من الظن الحاصل من الرواية. فلا بأس باعتبار التعدد في التزكية إتقانا
وإحكاما في الباب، والاكتفاء بالواحد في الرواية.
وبوجه آخر: أن التوثيق بناء على كون المقصود به التزكية بالعدالة بالملكة لا
مجال لابتنائه على العلم غالبا؛ إذ لا مجال للعلم بالملكة غالبا، فالتوثيق مبني على
الظن. وأما الرواية فهي صادرة على العلم، فالمتعدد في التزكية لا يكون أقوى ظنا

1. يمكن أن يقال: إنه لا مبنى لهذا الاستشهاد، نظرا إلى أن المدار في امتناع زيادة الفرع على الأصل
على امتناع زيادته عليه في حيثيته الفرعية لا مطلقا، ومن الظاهر أن جامعية الولد لمراتب الكمال لا
ترتبط بحيثيته الفرعية، فإن منشأ الجامعية أمور منها: رجوع الولد إلى محال المراتب ومظانها ساعيا
في تحصيلها وإكمالها، فجامعية الولد لمرتبة علم الفقه مثلا رجوعه إلى الفقهاء وكتبهم ساعيا في
التحصيل والإكمال، ولا تزيد مرتبته عليهم ولا عن كتبهم في حيثيته الفرعية أيضا. نعم إن للولد فرعية
من جهة حدوث الوجود، فلا يقدم عليه زمانا، وكذا من حيثيات أخرى لا تزيد عليه لا محالة، كيف
لا!؟ وأن الزيادة تستلزم إما تأثير الأمر العدمي في الشيء الوجودي، أو تأثر الشيء الوجودي، عن
الأمر العدمي، وكل منهما محال بالضرورة (أبو الهدى).
316

من الواحد في الرواية.
وإن كان المقصود الاستقراء الناقص - كما ربما يرشد إليه ذكر حديث
الإحصان والزنا لو كان ذكره من باب المثل، وإلا فملاحظة مورد واحد لا يكفي
في الاستقراء بلا كلام - ففيه: أن الشأن في إثبات الاستقراء إن قلنا بحجيته.
وأيضا عد المقدمات من الأصل أولى من عد الشروط منه. ومن ذلك ما
اشتهر من عدم كفاية الظن في مسائل الأصول، كما ذكروه في مباحث قد
استوفيناها في الرسالة المعمولة في حجية الظن.
وأما ما جرى عليه المحدث الحر، فدعوى " كون تزكية العدل مفيدة للقطع
بانضمام غيرها من القرائن التي يعرفها الماهر المتتبع " (1) عهدتها عليه، وإلا فلا
نستأنس من النفس حصول القطع بالعدالة إلا في أندر الموارد بعد فرض حصول
القطع فيه، بل تلك الدعوى مقطوعة الفساد غالبا لو لم نقل كلية.
وحصول القطع بالعدالة في بعض الموارد مع عدم التوثيق - بعد تسليمه - لا
يجدي في دعوى الموجبة الكلية، غاية الأمر رفع الوحشة عن حصول العلم
بالعدالة.
ومع هذا نقول: إنه لو تحصل القطع، ففيه الكفاية، ولا حاجة إلى دعوى دلالة
الأخبار المتواترة على اعتبار خبر الثقة.
بل نقول: إنه لو جرى على كون اعتبار تزكية العدل من باب اعتبار الخبر
- لدلالة الأخبار المتواترة على اعتبار خبر الثقة - لكان أولى وأنسب.
وأما ما تقدمت حكايته عن شيخنا البهائي في بعض تحقيقاته فهو مردود بما
تقدم (2) من أن من جرى على اعتبار العدالة جرى على اعتبار الإيمان أيضا، فلا
اعتبار بتزكية غير الإمامي، مع أن ما استدل به على اعتبار تزكية غير الإمامي - من أن

1. وسائل الشيعة 20: 115.
2. في ص 294.
317

الفضل ما شهد به الأعداء - لا يرجع إلى محصل، ولا اعتبار به.
[في توثيقات أرباب الرجال]
وأما ما تقدم عن العلامة المجلسي (1)، ففيه: أنه لو ثبتت حجية اجتهادات
أرباب الرجال من باب الظنون الاجتهادية، فهو يمنع عن صدق التقليد المصطلح
بين الأصوليين؛ إذ المدار فيه على قيام الدليل على كون القول المتبع طريقا إلى
الواقع في حق الشخص وإن قام الدليل على جواز قبول القول المذكور في مقام
العمل، والعمل به، وإلا فيخرج الأمر عن التقليد، ولا يتأتى صدق التقليد، فيكون
الأمر من باب الاجتهاد.
ومن هذا: أن التقليد - بناء على كون حجيته من باب الظن - يكون قسما من
الاجتهاد، فما يدل على حجية قول الغير في مقام العمل وجواز قبوله لا يمانع عن
صدق التقليد، بل التقليد لابد في جوازه من دليل يدل على اعتبار قول الغير عملا،
وإلا فلا يجوز.
وأما ما لو دل على حجية قول الغير اجتهادا - أي: من باب الطريق إلى الواقع -
فهو يرفع صدق التقليد، ويقدم على ما دل على حرمة التقليد للمجتهد؛ لكونه
رافعا لموضوعه، نظير تقدم الاستصحاب الوارد على المورود، بل في باب
تعارض الاستصحاب الوارد والمورود يكون تقدم الاستصحاب الوارد من باب
كونه رافعا لموضوع الاستصحاب المورود تعبدا وإن أمكن الإشكال فيه بأن مفاد
غالب أخبار اليقين عدم جواز نقض اليقين بالشك اللغوي، والأمر لا يخرج في
الاستصحاب الوارد عن الشك، فلا يتأتى رفع موضوع الاستصحاب المورود.
وأما ما دل على عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين، والاستدلال به على حجية
الاستصحاب مطلقا أولى مما دل على عدم جواز نقض اليقين بالشك، كما قيل.

1. في ص 294.
318

وقد زيفناه في محله، فهو إنما يدل على عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين
اللغوي، فلا يثبت كون مورد الاستصحاب المورود مما ثبت فيه البقاء باليقين
الشرعي بحكم الاستصحاب الوارد، فلا يبقى موضوع للاستصحاب المورود،
فلا يتأتى أيضا رفع موضوع الاستصحاب المورود.
نعم، يتأتى تقدم الاستصحاب الوارد على الاستصحاب المورود من غير
جهة رفع الموضوع من الاستصحاب الوارد عن الاستصحاب المورود كما
حررناه في محله.
وأما في مقامنا هذا فما يدل على حجية قول الغير من باب الطريق إلى الواقع
إنما يرفع موضوع ما دل على حرمة التقليد للمجتهد لغة وواقعا.
وبما ذكرنا يظهر الحال في اجتهادات أرباب اللغة، وربما حكم القاضي في
تعليقات الروضة بعدم اعتبار اجتهادات أرباب اللغة، وحكم بعض آخر بجواز
التقليد في اللغة (1).
ويظهر ضعف كل منهما بما سمعت.
ومع هذا نقول: إن الظاهر، بل بلا إشكال خروج اجتهادات أهل الرجال في
القسم الأول عن مورد النزاع كما مر، فالتفصيل غير جار في المتنازع فيه.
ومع هذا نقول: إن جعل القسم الثاني منه ومن باب الإخبار والشهادة كما
ترى؛ لمنافاة الشهادة مع الإخبار.
ومع هذا نقول: إنه لو كان الأمر في القسم الثاني من باب الشهادة، فلا يتأتى
وجوب الفحص عن المعارض والعمل بالراجح؛ لعدم مجيئهما في باب الشهادة.
هذا لو كان غرضه وجوب الفحص، وأما لو كان الغرض وجوب العمل
بالراجح عند الاطلاع على التعارض، فالترجيح وإن يتأتى في تعارض البينتين في

1. مفاتيح الأصول: 601.
319

الجملة إلا أنه - كما قال بعض أصحابنا - مقصور على مقام خاص، بمرجح
خاص، لدليل خاص.
قال: بل لو رجح إحدى البينتين على الأخرى بشهادة جماعة من الفساق
لكان من منكرات الفقه، لكن لو كانت حجية البينة بشرط الظن - كما قال به بعض
الأعلام، بل ادعى الإجماع عليه - فلا بأس بالقول بلزوم البناء على الراجح بعد
الاطلاع على الرجحان وإن لم يجب الفحص عن الرجحان، وإن أمكن القول
بكونه خلاف الإجماع كما هو مقتضى ما سمعت من بعض الأصحاب، مع أن
اعتبار الظن في الشهادة من باب الاجتهاد غير ثابت وإن كان القدر المتيقن من
اعتبار الشهادة هو صورة إفادة الظن، كما حررناه في بعض المباحث في الأصول.
[حقيقة التوثيقات الرجالية]
والتحقيق أن يقال: إنه يتأتى الكلام تارة في أن توثيقات أرباب الرجال عن
علم أو عن ظن. وأخرى في أن حجيتها لنا على الأول بناء على اعتبار العلم في
الخبر، أو مطلقا بناء على عدم الاعتبار من باب حجية الشهادة أو الخبر أو الظن
الاجتهادي.
وأما دعوى كون حجيتها من باب حجية القطع فلا اعتداد بها.
أما الأول: فالظاهر أن مدار التوثيقات على الظن، كما يرشد إليه ما ذكره السيد
السند المحسن الكاظمي من:
أن الذي استقامت عليه طريقة أصحابنا من قديم الدهر - كما يظهر من
كتب الرجال - هو الاكتفاء في الجرح والتزكية بالواحد، خصوصا إذا كان
من الأجلاء.
وعن بعض الأواخر: أن الذي يستفاد من كلام النجاشي والشيخ وابن
طاووس وغيرهم أن اعتمادهم في الجرح والتعديل على الظن كما يظهر
لمن تصفح كتبهم.
320

وقد يقال: إن الظاهر من سيرة أهل الرجال أن مزكي الرواة للطبقة
اللاحقة غير عالمين بتحقق العدالة فيمن زكاه، بل ولا ظانين بظن
العشرة ولو بحسن الظاهر، وكذلك الجارحون. بل نعلم أن بناءهم في
كل منهما على الركون على أقوال من سلف منهم، بل ربما يعللون
ترجيحاتهم صريحا بذلك (1). انتهى.
والظهور المتقدم بالادعاء أقوى في كلام بعض أرباب الرجال كالعلامة في
الخلاصة، وغيره، حيث إن العلامة في الخلاصة كثير الأخذ من كتاب النجاشي،
كما يرشد إليه ما ذكره الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة عند ترجمة
عبد الله بن ميمون من " أن الذي اعتبر بالاستقراء من طريقة العلامة في الخلاصة أن
ما يحكيه أولا من كتاب النجاشي، ثم يعقبه غيره إن اقتضى الحال " (2).
وكذا ما ذكره عند ترجمة حجاج بن رفاعة من " أن المعلوم من طريقة العلامة
في الخلاصة أنه ينقل في كتابه لفظ النجاشي في جميع الأبواب، ويزيد عليه ما
يقبل الزيادة " (3).
ومقتضى كلامه في ترجمة عباس بن معروف: المبالغة في متابعة الخلاصة
لكتاب النجاشي (4).
ولعله مقتضى كلامه في ترجمة الحسن بن محمد بن الفضل (5).
بل وقع للعلامة في الخلاصة اشتباهات في متابعة النجاشي.
وتفصيل تلك المراحل موكول إلى الرسالة المعمولة في حال النجاشي.

1. عدة الرجال 1: 174.
2. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 52؛ وانظر خلاصة الأقوال: 108 / 29.
3. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 33؛ وانظر خلاصة الأقوال: 64 / 6.
4. تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة 56؛ وانظر خلاصة الأقوال: 118 / 4.
5. خلاصة الأقوال: 43 / 31؛ تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 7.
321

وأيضا ذكر الشهيد الثاني في ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس: " أن الغالب
من طريقة العلامة في الخلاصة متابعة السيد جمال الدين بن طاووس حتى شاركه
في كثير من الأوهام " (1).
وأيضا ذكر في فواتح المنتقى: " أن العلامة كثير المتابعة للسيد ابن طاووس
بحيث يغلب على الظن أنه لم يتجاوز كتابه " (2).
وأيضا ذكر السيد السند التفرشي في ترجمة حذيفة بن منصور: " أن العلامة
في الخلاصة كثيرا ما وثق الرجل بمحض توثيق النجاشي وإن كان ضعفه ابن
الغضائري " (3) وعد جماعة.
وأيضا ابن داوود كثير الأخذ من العلامة، حيث إن السيد السند التفرشي ذكر
في ترجمة حميد بن شعيب، وعبد الله بن علاء، وبشر بن الربيع: " أن دأب ابن
داوود الأخذ من العلامة من دون إظهار المأخذ " (4).
ولا ينبغي التأمل في ابتناء التوثيق الصادر من مثل الفاضل الأسترآبادي والسيد
السند التفرشي على الظن.
بل قد يقال: إن المعلوم من حال المتأخرين - كالعلامة وابن داوود وأمثالهما -
بالاستقراء في كلامهم أن بناءهم على الاعتماد على مجرد توثيقات السلف، بل
نقول: إن التوثيق كان مداره على إفادة العدالة بالملكة، فالعلم بها لأرباب الرجال
محل الإشكال، بل من باب المحال في أغلب الأحوال، بل عن العلامة في موضع
من المختلف والشهيد في موضع من الذكرى دعوى استحالة العلم في أصل باب

1. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 8. ولا يخفى عدم مطابقة ما نقل عنه مع ما في الحواشي.
انظر الخلاصة: 7 / 25، والتحرير الطاووسي: 22 / 11.
2. منتقى الجمان 1: 18.
3. نقد الرجال 1: 406 - 407 / 1195، وفاعل " عد " هو السيد التفرشي.
4. نقد الرجال 2: 172 / 1724، وج 3: 124 / 3145، وج 1: 279 / 719؛ وانظر رجال ابن داوود:
236 / 110، وخلاصة الأقوال: 219 / 6.
322

العدالة (1) وإن جرى كل منهما في موضعين آخرين - نقلا - على اعتبار العلم في
العدالة (2).
والظاهر أن الحال على هذا المنوال لو كانت العدالة هي الاجتناب المستمر،
كما هو المقصود بالقول بكون العدالة هي نفس الاجتناب، وهو الأظهر كما
حررناه في محله.
نعم، لو كان المدار على إفادة الوثاقة بالمعنى اللغوي، فيمكن حصول العلم
بالوثاقة ولو تباعد من يوثق عصرا عن عصر الموثق.
والأوجه أن يقال: إن الظاهر أن التوثيق من قدماء أرباب الرجال - كالفضل بن
شاذان، وعلي بن الحسن بن فضال، وابن عقدة وغيرهم ممن كان الظاهر ملاقاته
مع الموثق وكان عصره مقاربا لعصره بحيث كان حصول العلم بالوثاقة لمن
يرتكب التوثيق سهلا - مبني على العلم، بناء على كون المقصود إفادة الوثاقة
بالمعنى اللغوي، وإلا فاستكشاف العدالة بالعلم محل الإشكال ولو كان من
يرتكب التوثيق يلاقي الموثق.
ولا إشكال في الإشكال لو كانت العدالة من باب الملكة، بل على هذا المنوال
الحال لو كانت العدالة هي نفس الاجتناب كما سمعت.
وعلى ما ذكر يجري الأمر إن كان التوثيق في كلام غير القدماء من المتوسطين
والمتأخرين بالنسبة إلى من كان يعاصرهم، أو كان بعيدا عن عصرهم، لكن كانت
وثاقته في غاية القوة من جهة الاشتهار أو غيره.
ولعل من هذا الباب الموثق بتكرار التوثيق، أعني " ثقة ثقة " كما اتفق كثيرا في
كلام النجاشي (3)، حيث إنه ظاهر في العلم ولو كان الموثق بعيد العصر عن عصر

1. مختلف الشيعة 8: 500، المسألة 77؛ ذكرى الشيعة 4: 101.
2. مختلف الشيعة 8: 435، المسألة 40؛ ذكرى الشيعة 4: 391.
3. رجال النجاشي: 22 / 31، و 62 / 147، و 73 / 175.
323

من يرتكب التوثيق، بل كلما ازداد التأكيد يزداد ظهور استناد التوثيق إلى العلم.
وأما بالنسبة إلى غيرهم فلا شبهة في أن التوثيق في كثير من الموارد من كلام
المتأخرين - كالعلامة البهبهاني - مبني على الظن والاجتهاد والاستدلال.
وأما المتوسطون فيمكن أن يكون مدار توثيقاتهم فيما لم يعلم كونه مبنيا
على توثيق بعض القدماء - كما هو الغالب - على العلم.
ويمكن أن يكون المدار على توثيقات القدماء أو الاستنباط من القرائن
الخارجة أو على الشياع الموجب للظن.
بل قد سمعت دعوى أن الظاهر من سيرة أهل الرجال أن بناء مزكي الرواة
للطبقة اللاحقة إلى التزكية على السكون والركون إلى أقوال من سلف منهم من
دون علم ولا ظن بظن العشرة ولو بحسب حسن الظاهر.
والحاصل: أنه إن كان المقصود بالتزكية والتوثيق هو التعديل بالعدالة
بالملكة، فالعلم بالعدالة في كمال الإشكال، بل على هذا المنوال الحال لو كان
المقصود بالعدالة نفس الاجتناب.
وإن كان المقصود بالوثاقة هو المعنى اللغوي، فإن كان من قدماء أرباب
الرجال، فالظاهر كونه مبنيا على العلم.
وإن كان من المتوسطين، فإن كان التوثيق لمن عاصرهم أو قارب عصرهم أو
بعد عن عصره لكن كان في غاية الاشتهار بالوثاقة، فالظاهر كونه مبنيا على العلم،
وإلا فيمكن أن يكون مبنيا على العلم، ويمكن أن يكون مبنيا على توثيقات
القدماء أو الاستنباط أو الشياع الموجب للظن، ففيه وجهان: البناء على العلم،
والبناء على الظن.
وإن كان من المتأخرين، فإن كان التوثيق لمن عاصرهم أو قارب عصرهم أو
بعد عن عصرهم لكن كان في غاية الاشتهار، فالظاهر كونه مبنيا على العلم، وإلا
فالظاهر كونه مبنيا على الظن.
324

وعلى منوال حال التوثيق حال الجرح، فالظاهر من قولهم: " فلان ضعيف
جدا " (1) هو العلم بالحال وإن كان فلان بعيد العصر بالنسبة إلى من جرى على
التضعيف، وكلما ازداد تأكيد الضعف يزداد الظهور المذكور، نظير ما مر في
التوثيق.
ثم إن نقل التوثيق والجرح - كما عليه المدار في مثل النقد غالبا - خارج عما
نحن فيه، حيث إن نقل التوثيق والجرح غير التوثيق والجرح.
وأما التقرير المستفاد من نقل التوثيق والجرح والسكوت عن التزييف مما هو
معلوم المأخذ، فهو مبني على الظن بلا شبهة، إلا أن يكون التوثيق إلى حد يوجب
العلم، لكن استفادة التقرير إنما تأتى في صورة خلو التوثيق - مثلا - عن
التضعيف، وإلا فلا مجال للتقرير.
بل يمكن الإشكال في التقرير في صورة الخلو عن التضعيف؛ لاحتمال كون
الغرض من الكتاب صرف جمع الكلمات وإدراج بعض التصرفات والتتبعات لو
اتفق.
وربما جرى المولى التقي المجلسي على أن: " ثقة جش - أو - ست " - مثلا -
في مثل النقد من باب التوثيق ونقل التوثيق، ونظيره الحال في غير ثقة (2).
وليس بالوجه، حيث إن الظاهر - بل بلا إشكال - أن الأمر من باب النقل، بل
الظاهر أن المقالة المذكورة مختصة بالمولى المذكور.
[التزكية غير داخلة في باب الشهادة]
وأما الثاني فنقول: إن التزكية غير داخلة في باب الشهادة؛ لأن المدار فيها
على القول، والتزكية لا تخرج غالبا عن المكتوب، بل الأمر ليس من باب كتابة

1. انظر رجال النجاشي: 365 / 987، وخلاصة الأقوال: 215 / 15.
2. روضة المتقين 14: 17.
325

الشاهد، بل ربما يكون الأمر من باب نقل المكتوب، بل من باب المكتوب على
المكتوب بوسائط عديدة كما يظهر مما تقدم.
بل المدار في الشهادة على العلم، والتزكية لا تخرج غالبا عن الظن، إلا أنه
إنما يتم بناء على اعتبار الاستناد إلى العلم في الشهادة.
بل لا جدوى في دخولها في باب الشهادة على القول بانحصار اعتبار الشهادة
بباب المرافعات عند الحاكم.
بل لا جدوى في الدخول أصلا؛ إذ لو كان اعتبار التزكية من باب اعتبار
الشهادة، للزمت عدالة المزكي ثم المزكي للمزكي وهكذا بتزكية عدلين، فلا يعتبر
من الأسانيد إلا ما كان كل واحد من رجاله عدلا بتزكية عدلين ثبتت عدالتهما، ثم
عدالة من زكاهما ومن زكى المزكى بتزكية عدلين، وهذا يستلزم الدور أو
التسلسل.
إلا أن يقال: إنه لا شك في كفاية العلم بالعدالة بناء على كون اعتبار التزكية من
باب الشهادة، ويمكن انتهاء سلسلة التزكية إلى العلم بالعدالة بتوسط العشرة.
لكن هذا المقال إنما يتم بناء على إمكان حصول العلم بالعدالة بواسطة
العشرة، وهي غير داخلة في الخبر غالبا أيضا؛ إذ المدار فيه على القول، وهي لا
تخرج عن المكتوب بوسائط كما سمعت. بل الظاهر من أدلة اعتباره - على تقدير
الدلالة - إنما هو ما كان مستندا إلى العلم وإن كان الخبر صادقا على ما كان مستندا
إلى الظن، أو المدار في الخبر على الاستناد إلى العلم أو الحس على القول به،
والمدار في التزكية غالبا على الظن.
بل لا جدوى في الدخول في الخبر؛ لعدم تمامية أدلة اعتبار الخبر، بل
الإخبار هنا من باب الإخبار عن الموضوع من حيث التحصل، والمشهور فيه لزوم
تحصيل العلم.
لكن نقول: إن في المقام ظنونا: الظن الناشئ من تزكية الإمامي العدل
326

أو الممدوح وغير الإمامي العدل أو الممدوح، والظن الناشئ من القرائن، بل الظن
الناشئ من تزكية المجهول؛ إذ لا منافاة بين جهالة الشخص وإفادة تزكيته للظن.
والأول وإن كان هو القدر المتيقن في الاعتبار والكفاية - بل طريقة الفقهاء إلا
من شذ مستقرة تحصيلا ونقلا على الاكتفاء، حتى أن المحقق لم يجر في الفقه
على اعتبار تزكية العدلين وإن بنى في المعارج على اعتبار تزكية العدلين (1) - لكن
مقتضى سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير وأحزابه هو كفاية مطلق
الظن؛ إذ الظاهر أن السيرة المذكورة من جهة قضاء الاستقرار في روايات ابن أبي
عمير وأحزابه بعدم الرواية إلا عن ثقة، وليس المتحصل في الباب غير الظن
الناشئ من القرينة.
بل نقول: إن مقتضى عموم حجية الظن في نفس الأحكام حجية الظن في
المقام ولو كان مستندا إلى القرينة.
بل نقول: إن العلم بالعدالة متعذر في المقام.
ومقتضى كلام السيد المرتضى في باب الأمر بالفعل المشروط مع العلم بانتفاء
الشرط - على ما حكاه في المعالم - تسلم قيام الظن مقام العلم عند تعذره (2).
بل حكى في المعالم في باب حجية خبر الواحد دعوى الإجماع على القيام
المذكور (3).
بل مقتضى ما عن التذكرة من قوله: " لا يجوز التعويل في دخول الوقت على
الظن مع القدرة على العلم، فإن تعذر العلم، اكتفي بالظن المبني على الاجتهاد
لوجود التكليف بالفعل " (4) وما عن النهاية في بحث الواجب الكفائي من قوله:

1. معارج الأصول: 150.
2. معالم الدين: 86؛ انظر الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 164.
3. انظر معالم الدين: 189.
4. تذكرة الفقهاء 6: 74.
327

" التكليف فيه موقوف على الظن؛ لأن تحصيل العلم بأن غيره لم يفعل غير
ممكن، بل الممكن الظن " (1) وما عن الذكرى من قوله: " ولو غلب على ظنه أحد
طرفي ما شك فيه في الصلاة، بنى عليه؛ لأن تحصيل اليقين عسر في كثير من
الأحوال، فاكتفي بالظن تحصيلا لليسر ودفعا للجرح " (2) وما عن المقدس من قوله:
" أما وجوب الاجتهاد في القبلة: فلأنه إذا لم يحصل العلم، وجب ما يقوم مقامه،
وهو الظن عن أمارات شرعية، وهو الذي يحصل بالاجتهاد " (3) هو دعوى قيام الظن
مقام العلم عند التعذر أيضا.
إلا أن مقتضى العبارة الأخيرة هو قيام الظن الثابت حجيته بالخصوص.
وحكي ذلك - أعني دعوى القيام المذكور - عن السرائر (4) والتنقيح (5) وغيرهما (6)،
بل اكتفى بعض الفحول في بعض أدلته على حجية مطلق الظن في نفس الأحكام
بمجرد انسداد باب العلم، وتحقق الإجماع على قيام الظن مقام العلم عند التعذر (7).
وما نحن فيه هو القدر المتيقن مما يدخل في دعوى الإجماع على قيام الظن
مقام العلم عند التعذر، حيث إن المقصود بدعوى الإجماع المذكور إما ادعاء
الإجماع فيما علم بقاء الحكم فيه من الخارج، أو المقصود دعوى الإجماع على
أمرين: بقاء الحكم فيما تعذر فيه العلم ولو لم يثبت البقاء من الخارج، وحجية
الظن، والأخير محل الكلام، إلا أن المفروض في المقام بقاء الحكم في موارد
اشتراط العدالة وجوبا واستحبابا.

1. نقله عنه في هداية المسترشدين: 273.
2. ذكرى الشيعة 4: 54.
3. مجمع الفائدة والبرهان 2: 52.
4. السرائر: 1: 86.
5. التنقيح الرائع 1: 171.
6. انظر المعتبر 2: 70.
7. المراد به الميرزا القمي في القوانين المحكمة 1: 440.
328

[المعتبر في العدالة هو الظن لا العلم]
بل نقول: إن اعتبار العلم في العدالة يستلزم التكليف بما لا يطاق لو ابتنى على
العدالة حكم وجوبي، بل يستلزم تعطيل حقوق الناس وتضييعها في المرافعات،
بل يستلزم مشارفة الأحكام المشروطة بالعدالة على الإهمال بالكلية.
فالمعتبر في أصل العدالة مطلقا هو الظن، فيكفي الظن بالعدالة، الناشئ من
التصحيح ولو قلنا بأن المدار في التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي، كما هو
الأظهر، كما حررناه في الرسالة المعمولة في " ثقة " لا العدالة بالمعنى المصطلح؛
لوضوح كون المقصود بالتصحيح العدالة بالمعنى المصطلح على حسب
الاصطلاح في الصحيح.
إلا أن يمنع عن حصول الظن بالعدالة من التصحيح، بناء على كون المدار في
التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي؛ لابتناء التصحيح على التوثيق بثقة غالبا.
لكن نقول: إنه يمكن القول باعتبار الظن القوي الموجب للوثوق في أصل
العدالة وإن اكتفي بتزكية العدل الواحد هنا بمقتضى الإجماع ولزوم إهمال الفقه،
بل بمطلق الظن بمقتضى ما سمعت من سيرة الأصحاب، بل ما مر من نقل
الإجماع على قيام الظن مقام العلم عند التعذر، وإن أمكن ادعاء انصرافه إلى
صورة قوة الظن. لكنه ليس شيء.
والوجه: أن انسداد باب العلم بالعدالة وعدم جواز الرجوع في جميع موارد
الجهل بها إلى أصالة عدمها؛ للزوم بطلان أكثر الحقوق وإن يقتضي الرجوع إلى
الظن - كما في نظائره من الموضوعات مع فرض ثبوت بقاء التكليف فيها مع انسداد
باب العلم بها، كما هو المفروض في المقام - إلا أن غاية الأمر جواز العمل بالظن
في الجملة، فيجب الاقتصار على الظن القوي المعبر عنه عرفا بالوثوق والأمن.
مع أنه يمكن استفادة حجية هذه المرتبة من النصوص.
329

مثل: قوله (عليه السلام): " لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته " (1).
وقوله (عليه السلام): " إذا كنت خلف إمام تولاه وتثق به فإنه تجزئك قراءته " (2).
وقوله (عليه السلام): " إذا كان صاحبك ثقة ومعه ثقة فاشهد له " (3).
على أنه القدر المتيقن من جميع الإطلاقات الدالة على اعتبار حسن الظاهر،
وكذا الإطلاقات الدالة على كفاية ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق وإن أمكن
القول بأن مقتضى هذه الإطلاقات هو اعتبار مطلق الظن، بناء على أن القدر
المتيقن من الخروج عن إطلاقها هو صورة عدم حصول الظن، فيبقى الباقي.
بل هو مقتضى قوله (عليه السلام): " من صلى الخمس في جماعة فظنوا به كل خير " (4).
وفي رواية أخرى: " خيرا " (5).
وفي رواية ثالثة: " وأجيزوا شهادته " (6).
إلا أنه يمكن القول بأن الإطلاقات الدالة على اعتبار حسن الظاهر تنصرف
إلى صورة الوثوق، ولو لم تنصرف إليه، لابد من تقييدها بما سمعت مما يدل على

1. الكافي 3: 374، ح 5، باب الصلاة خلف من لا يقتدي به؛ التهذيب 3: 266، ح 754، باب فضل
المساجد والصلاة فيها؛ وسائل الشيعة 5: 388، أبواب صلاة الجماعة، باب 10، ح 2.
2. التهذيب 3: 33، ح 120، باب أحكام الجماعة وأقل الجماعة...؛ وسائل الشيعة 5: 424، أبواب
صلاة الجماعة، باب 31، ح 15.
3. الكافي 7: 382، ح 1، باب الرجل ينسى الشهادة...؛ الفقيه 3: 43، ح 145، باب الاحتياط في
إقامة الشهادة؛ التهذيب 6: 258، ح 681، باب في البينات؛ الاستبصار 3: 22، ح 68، باب أنه لا
يجوز إقامة الشهادة إلا بعد الذكر؛ وسائل الشيعة 18: 234، كتاب الشهادات، باب 8، ح 1.
4. الفقيه 1: 246، ح 1093، باب الجماعة وفضلها؛ وسائل الشيعة 5: 371، أبواب صلاة الجماعة،
باب 1، ح 6 وباب 11، ح 3.
5. الكافي 3: 371، ح 3، باب فضل الصلاة في الجماعة؛ وسائل الشيعة 5: 371، أبواب صلاة
الجماعة، باب 1، ح 4.
6. الأمالي للصدوق: 278، ح 23، المجلس الرابع والخمسون؛ وسائل الشيعة 18: 291، كتاب
الشهادات، باب 41، ح 12.
330

اعتبار الوثوق.
وأما الإطلاقات الدالة على كفاية ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق فلابد
من تقييدها بما سمعت مما يدل على اعتبار الوثوق.
وأما احتمال لزوم الاقتصار على القدر المتيقن - أعني المجمع عليه، وهو
الظن المتحصل من المعاشرة أو شهادة العدلين أو الشياع - فهو مدفوع بعدم ثبوت
الإجماع؛ إذ الظاهر من أرباب القول باعتبار العشرة أو شهادة العدلين أو الشياع هو
اعتبار العمل، ولا سيما بعضهم كالعميدي (1)، بل هو صريح العلامة في موضع من
المختلف (2)، والشهيد في موضع من الذكرى نقلا (3)، إلا أن العلامة في موضع آخر من
المختلف حكم - نقلا - باستحالة العلم بالعدالة (4)، وكذا الشهيد في موضع آخر من
الذكرى نقلا كما مر (5).
وعن التحرير - كما مر - التصريح بكفاية الظن المستند إلى تأكيد الصحبة
وكثرة الملازمة والمعاملة، أي الاختبار (6).
بل نقول: إنه لو ثبت الإجماع على ما ذكر - أعني الظن الناشئ من العشرة - فلا
فرق بينه وبين غيره مما يفيد الظن؛ للقطع بعدم الفرق بين الظن الناشئ من العشرة
وغيره.
إذا عرفت ما تقدم، فنقول: إنه على القول بحجية مطلق الظن يتأتى القول
بحجية الظن قبل الفحص في المقام.

1. نقل كلامه في مفاتيح الأصول: 410.
2. مختلف الشيعة: 8: 435، المسألة 40.
3. ذكرى الشيعة 4: 392.
4. مختلف الشيعة 8: 500، المسألة 77.
5. ذكرى الشيعة 4: 101.
6. تحرير الأحكام 2: 184.
331

وأما على القول بحجية الظنون الخاصة، فإن قلنا بكون الجرح والتعديل من
باب الشهادة، فلا مجال للقول بلزوم الفحص؛ إذ لا إشكال في عدم وجوب
فحص الحاكم لو شهد بعدالة شاهدين عنده عادلان وتحصل الظن له من شهادة
الشاهدين، وجواز الحكم للحاكم على طبق شهادة الشاهدين، وصرح بانتفاء
الخلاف غير واحد أيضا.
هذا على القول باختصاص حجية البينة بصورة الظن، وأما على القول
باختصاص حجية البينة بصورة الظن بحجيته تعبدا، فلزوم الفحص غير معقول؛
إذا ليس الغرض من الفحص إلا الظن، والمفروض عدم الحاجة إليه، بل اعتبار
البينة مع الشك، بل مع الظن بالخلاف.
واما على القول بكونه من باب الخبر، فمقتضى الاستدلال على كفاية تزكية
الواحد - بأن مفهوم آية النبأ قبول خبر الواحد وإن كان مظنون العدالة - هو جواز
قبول خبر العدل في الأحكام الشرعية وإن كان مظنون العدالة بظن حاصل قبل
الفحص؛ لعدم الفرق في شمول الآية بين الظن الحاصل قبل الفحص والظن
الحاصل بعده.
نعم، سائر ما استدل به على كفاية تزكية العدل الواحد من الإجماع ولزوم
انهدام الشرعية لولاه لا يجري فيما قبل الفحص.
وأما على القول بكونه من باب الظنون الاجتهادية فلا يتجه القول بجواز
القبول قبل الفحص، إلا أن يقال بالإجماع على عدم الفرق بين الظن الحاصل قبل
الفحص والظن الحاصل بعد الفحص كما ربما يستفاد (1) مما ذكره سيدنا فيما تقدم
من كلامه عند الكلام في اشتراط قبول الجرح والتعديل بالفحص عن المعارض.

1. قوله: " كما ربما يستفاد مما ذكره سيدنا " أنت خبير بأن مقتضى كلام سيدنا دعوى الإجماع على قبول
التعديل من بعض أهل الرجال لو لم يتعرض للرجل غير ذلك، وهذا مما لا يمكن فيه الفحص، فأين
هذا مما يمكن فيه الفحص كمورد البحث؟ (منه (رحمه الله)).
332

بل نقول: إنه على ذلك لابد أن يقتصر على أعلى مراتب الظن، أي الظن
المتآخم للعلم، ولا يقول به أحد، إلا أن يقال: إن الإجماع قائم على كفاية الظن
الحاصل بعد الفحص وإن لم يكن متآخما للعلم كما اعترفت به، فبه يتأتى الفرق
بين الظن الحاصل قبل الفحص وبعده.
هذا كله بناء على كون الحجية من الأحكام الوضعية مع اعتبار أصالة العدم،
وأما بناء على كون المرجع إلى جواز العمل بالظن قبل الفحص وحرمته، أو عدم
اعتبار أصالة العدم، فيتأتى جواز القبول قبل الفحص.
ثم إنه ربما يتوهم: أنه لا خلاف في جواز العمل بالظن الحاصل من الجرح
والتعديل قبل الفحص لو لم يكن الفحص.
ويندفع: بأنه قد صرح جماعة بعدم اعتبار تعديل مجهول العين؛ لكون
العمل به من باب العمل بالظن قبل الفحص مع عدم إمكان الفحص.
[المختار في أصل المسألة]
إذا تمهد ما تقدم - وقد زادت المقدمة عن أصل المقصود بمراتب كثيرة -
فنقول: إن مقتضى كلام من تقدم منه عدم جواز العمل بالجرح والتعديل في باب
الرواة قبل الفحص - كصاحب المعالم (1) والمحقق القمي (2) والوالد الماجد (رحمه الله) كما عن
العلامة في النهاية والشهيد الثاني في الدراية (3) والفخري - ‍: هو القول هنا أيضا بعدم
جواز العمل بالتصحيح.
ومن ذلك: قول صاحب المعالم - بعد أن بنى على عدم جواز العمل بالجرح
والتعديل قبل الفحص في ذيل الفائدة التي رسمها في أن قول العدل: " حدثني

1. معالم الدين: 208.
2. القوانين المحكمة 1: 302 و 477.
3. الدراية: 74.
333

عدل " هل يكفي في العمل بروايته أم لا -:
إذا عرفت هذا، فاعلم أن وصف جماعة من الأصحاب كثيرا من الروايات
بالصحة من هذا القبيل؛ لأنه في الحقيقة شهادة بتعديل [رواتها]، وهو
بمجرده غير كاف في جواز العمل بالحديث، بل لابد من مراجعة السند
والنظر في حال الرواة؛ ليؤمن من معارضة الجرح. وهو مقتضى مقالة
من ينكر حجية الظن الحاصل من الجرح والتعديل قبل الفحص (1).
وجرى السيد الداماد على القول بذلك؛ تمسكا بأنه يمكن أن يكون
التصحيح من العلامة وأمثاله بناء على ما ترجح عندهم في أمر كل من الرواة من
جهة الاجتهاد، فلا يكون حكمهم حجة على مجتهد آخر (2).
ومقتضى مقالة من قال بجواز العمل بالجرح والتعديل قبل الفحص - كسيدنا -
هو القول هنا أيضا بالجواز.
ومقتضى مقالة السيد السند المحسن الكاظمي - من التفصيل بين صورة الظن
بالخلاف وغيرها بوجوب الفحص في الأول، وعدمه في الثاني (3) - هو التفصيل هنا
بين صورة الظن بعدم الصحة وغيرها، بالجواز في الثاني، دون الأول.
ويظهر تحقيق الحال بما تقدم من الكلام في جواز العمل بالجرح والتعديل
قبل الفحص.
وأما ما تمسك به السيد الداماد فمقتضاه عدم اعتبار التصحيح ولو بعد
الفحص، بل هو مقتضى صريح كلامه.
أقول: إن حجية ظن العلامة وأمثاله للمصحح له من جهة حجية الظن الناشئ
من الظن المذكور، وتظهر حجيته بما تقدم للمصحح له.

1. معالم الدين: 208.
2. الرواشح السماوية: 59، الراشحة الحادية عشرة.
3. عدة الرجال 1: 181.
334

وإن قلت: إن المنع عن حجية ظن المصحح ليس من جهة عدم حجيته بنفسه
مع قطع النظر عن حصول الظن منه للمصحح له حتى يورد بحجية الظن الحاصل
عن الظن المزبور للمصحح له، بل الغرض كون العمل بالتصحيح من باب التقليد
ولو تحصل الظن للمصحح له.
قلت: إن التقليد غير صادق، ولاسيما بناء على عدم اعتبار الظن في التقليد
كما هو الحال في الرجوع إلى كلمات أرباب الرجال واللغة والتفسير، ويظهر
الحال بما مر.
كيف لا، ولو كان الظن المتحصل من التصحيح غير معتبر بعد الفحص لما
كان الظن المتحصل من قول أرباب الرجال معتبرا أيضا بلا إشكال.
وإن قلت: إن الغرض عدم اعتبار الظن الحاصل من قول الفقيه الواحد للمجتهد
بملاحظة الإجماع على عدم اعتبار الظن الناشئ من قول الفقيه الواحد للمجتهد.
قلت أولا: إن الإجماع محل المنع، كيف وقد حكى الشهيد في الذكرى عن
الأصحاب أنهم كانوا يتمسكون بفتاوى ابن بابويه في الشرائع عند إعواز
النصوص؛ لحسن ظنهم به، وأن فتواه كروايته (1).
وهذا لو لم يقتض الإجماع على الجواز، فلا أقل من اقتضائه اشتهار القول
بالجواز.
بل يرشد إلى الجواز ذكر الصدوق فتاوى والده - أعني ابن بابويه - في رسالته
إليه حيث إنه قد تعهد في فاتحة الفقيه أن لا يورد فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته
ويعتقد أنه حجة فيما بينه وبين ربه (2) بناء على عدم الرجوع عنه.
وقال في الذكرى عند الكلام في موالاة الوضوء: " وفي من لا يحضره الفقيه

1. ذكرى الشيعة 1: 51.
2. الفقيه 1: 3.
335

اقتصر على حكاية كلام والده، وظاهره اعتقاده " (1).
والشرائع إنما هو الرسالة على ما يقتضيه كلام النجاشي (2)، وغيرها كما هو
ظاهر الفهرست (3)، وكلام بعض الأعلام (4).
وحكى في الذكرى عن ابني بابويه كفاية الحائط عن يسار المصلي في
استحباب التسليمتين إلى جانب اليمين واليسار، فقال: " لا بأس باتباعهما؛ لأنهما
جليلان، ولا يقولان إلا عن ثبت " (5) ومزيد الكلام في الأصول.
وثانيا: أن الإجماع إنما هو في باب استنباط الأحكام الشرعية، وأما الظنون
الرجالية فليس الإجماع على عدم اعتبار الظن الناشئ من قول الفقيه في الأصول
الرجالية بثابت، فتتأتى حجيته بناء على حجية مطلق الظن. وكذا تتأتى حجيته بناء
على حجية الظنون الخاصة بمقتضى ما تقدم.
وبما تقدم يظهر ضعف ما ذكره الفاضل التستري في بعض الحواشي على
التهذيب في أوائل الكتاب في تزييف ما قيل " من أن حكم العلامة - مثلا - بصحة
الرواية المشتملة على المجهول مما يدل على توثيقه؛ إذ هو بمنزلة حكمه ابتداء "
بأن الحكم بالتوثيق من باب الشهادة على ما يفهم من الكتب المصنفة في الرجال،
بخلاف الحكم بصحة الرواية؛ إذ هو من باب الاجتهاد، لأنه مبني على تمييز
المشتركات.
وربما كان الحكم بالصحة مبنيا على ما رجحه في كتاب الرجال من توثيق
المجتهد فيه من دون قطع بالتوثيق وشهادته عليه.

1. ذكرى الشيعة 2: 165.
2. رجال النجاشي: 389 / 1049.
3. الفهرست: 156 / 695.
4. معالم العلماء: 65.
5. ذكرى الشيعة 3: 434، وهو في الفقيه 1: 210، والمقنع: 29.
336

مضافا إلى أن المصحح خبره ربما لا يكون مشتركا، كما في محمد بن علي
ماجيلويه (1)، حيث إن العلامة صحح طرقا هو فيه، وهو لا يكون مشركا وإن قلنا
باشتراك ماجيلويه (2) وقد حررنا الكلام في باب اشتراكه في الرسالة المعمولة في
رواية الكليني عن علي بن محمد، فلا يتم التزييف المذكور على إطلاقه.
إلا أن يقال: إن الغرض سلب العموم في قبال دعوى العموم، وفضلا عن أن
معرفة كون التوثيق من باب الشهادة لا يتيسر حصولها بالرجوع إلى كتب الرجال،
بل لابد في المعرفة من الرجوع إلى معنى الشهادة اصطلاحا.
اللهم إلا أن يكون الغرض أنه يعرف بالرجوع إلى كتب الرجال ابتناء
توثيقات أهل الرجال على العلم. وبهذا يظهر كون الأمر من باب الشهادة.
لكنك خبير بأن ابتناء التوثيق على العلم لا يجدي بمجرده في كون الأمر من
باب الشهادة؛ لإمكان ابتناء الخبر على العلم، بل ابتناؤه عليه على القول به.
ومع ما ذكر نقول: إن الظاهر أن المدار في الكلام المذكور على التمسك بوجه
واحد، ولا خفاء في أن قوله: " وربما كان " على ذلك أجنبي بالنسبة إلى سابقه،
أعني دعوى ابتناء التصحيح على تمييز المشتركات.
إلا أن يقال: إن المدار في ذلك على التمسك تارة بأن التصحيح مبني على
تمييز المشتركات، وربما كان التمييز بالظن. وأخرى: بأن التصحيح ربما كان مبنيا
على ما جرى عليه المصحح في كتاب الرجال من الحكم بالتوثيق بالاجتهاد.
لكن نقول: إنه يندفع الوجه الأول بأنه ربما يكون التوثيق أيضا مبنيا على
تمييز المشترك، بأن يميز الرجل المشترك بين شخصين ويوثق أحد الشخصين.
ويندفع الوجه الثاني: بأنه لو كانت توثيقات أهل الرجال مبنية على العلم،
فتصحيح العلامة لو كان مبنيا على توثيقه في كتاب الرجال - والمفروض ابتناء

1. في " ح ": " محمد بن علي بن محمد بن ماجيلويه "، ولعل الصحيح ما أثبتناه موافقا لكتب الرجال.
2. خلاصة الأقوال: 278، الفائدة الثامنة.
337

التوثيق على العلم - فالتصحيح يكون مبنيا على العلم.
إلا أن يقال: إن المقصود من ابتناء التوثيقات المذكورة في الرجال على العلم
إنما هو ابتناء التوثيقات الغير المقرونة بذكر الخلاف ولو مع اختصاص التعرض
بمن جرى على التوثيق أو السكوت عن المدح والقدح عن غيره، فلا ينافيه بناء
التوثيق المأخوذ في التصحيح على الظن؛ لاحتمال كون التوثيق المشار إليه في
مورد الخلاف.
إلا أنه مدفوع: بأن المفروض الجهالة وعدم قيام الخلاف، وأيضا المفروض
في الكلام المذكور عدم اتفاق التوثيق في الرجال؛ إذ الكلام في توثيق المجهول
الواقع في السند بتصحيح السند، فلا مجال لابتناء الصحيح على التوثيق المدخر
في كتاب الرجال.
وبعبارة أخرى: الكلام في التصحيح بعد الفحص، وأيضا المصحح ربما لا
يكون له كتاب في الرجال.
وإن قلت: إن الغرض أن التوثيق في الرجال إنما يرد على الشخص
المشخص تفصيلا، وأما التصحيح فهو إنما يرد على السند، وهو في معرض
اشتراك بعض الرجال، فربما يكون التصحيح مبنيا على تميز المشترك بالظن.
ومن ذلك أن المسمعي يطلق على مسمع بن عبد الملك (1)، وهو ثقة، وعلى

1. قوله: " مسمع بن عبد الملك " عن خط الشهيد عن يحيى بن سعيد أن كردويه وكردين اسمان
لمسمع بن عبد الملك، ويرشد إليه أنه روى في الفقيه في باب من يجب رد شهادته ومن يجب قبول
شهادته عن مسمع كردين [الفقيه 3: 30 ح 90] وباب الصيد والذبائح عن كردين المسمعي [الفقيه
3: 206 ح 904] وأ نه روى في التهذيب عند الكلام في غسل المقتول قولا عن مسمع كردين
[التهذيب 1: 334 ح 978] لكن في الفقيه في باب ما يستحب من الدعاء في كل صباح ومساء وروى
مسمع بن كردين ولفظة " ين " سهو من الناسخ، لكن عن بعض النسخ مسمع بن زيد وعن بعض
النسخ: بن رزين. هذا وقد يقال: مسمع بن مالك [الفقيه 1: 223 ح 983] وقد ذكر في مشيخة الفقيه
طريقا إلى مسمع بن مالك، إلى أن قال: ويقال: إن الصادق (عليه السلام) قال له أول ما رآه: ما اسمك؟ فقال: بل
أنت مسمع بن عبد الملك [الفقيه 4: 44] قال العلامة المجلسي في الحاشية بخطه الشريف: لعله
لكراهة اسم مالك كما ورد في غيره، ويحتمل أن يكون (عليه السلام) علم أن كان يقال لأبيه: عبد الملك أيضا،
فذكره على سبيل الإعجاز [روضة المتقين 14: 268] هذا وفي لفظ " عن " غلط موقع " بن " ولا خفاء
(منه (رحمه الله)).
338

عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، وهو ضعيف، وعلى محمد بن عبد الله، وهو
مجهول، إلا أن الأول أظهر.
وقد وقع مسمع في طريق الصدوق إلى المعلى بن خنيس، وجرى العلامة على
صحة الطريق المذكور (1). وهو مبني على حمل المسمعي على ابن عبد الملك.
قلت: بعد عدم مساعدة العبارة لذلك إنه قد سمعت أن التوثيق قد يكون مبنيا
على تميز المشترك بالظن.
وإن قلت: إن الغرض أن التصحيح ربما يكون مبنيا على توثيق بعض أهل
الرجال، فالتصحح يكون ظنيا.
قلت: إن ظاهر العبارة اتحاد المصحح والموثق، مع أن التوثيق في الرجال
ربما يكون مبنيا على توثيق الغير، كما يتفق في توثيقات العلامة في الخلاصة
كثيرا؛ لابتنائها على توثيق النجاشي، بل حكى المولى التقى المجلسي عن
صاحب المعالم أنه لم يعتبر توثيق العلامة والسيد ابن طاووس والشهيد الثاني، بل
أكثر الأصحاب؛ تمسكا بأنهم ناقلون عن القدماء (2).
على أنه على ذلك يلزم عدم اعتبار توثيق الفقهاء؛ لاحتمال ابتنائه على توثيق
بعض أهل الرجال، ولا يلتزم به ملتزم.
وإن قلت: إن الغرض أن التصحيح ربما يكون مبنيا على التوثيق في الأنظار
الرجالية، وما ادعاه من أن التوثيقات مبنية على العلم إنما هو فيما كان مدخرا في

1. خلاصة الأقوال: 278 الفائدة الثامنة.
2. روضة المتقين 14: 17.
339

كتب الرجال.
قلت: إن مقتضى قوله في كتب الرجال أن الغرض اتفاق التوثيق من المصحح
مدخرا في كتابه في الرجال، فلابد من ابتناء التوثيق على العلم على ما ذكره.
وبما سمعت يظهر فساد ما ذكره السيد السند التفرشي في ترجمة أحمد بن
محمد بن الحسن بن الوليد من عدم كفاية تصحيح العلامة السند المشتمل على
أحمد في توثيق أحمد؛ تعليلا بأن الحكم بالتوثيق من باب الشهادة، بخلاف
الحكم بصحة الرواية، فإنه من باب الاجتهاد؛ لأنه مبني على تمييز المشتركات،
وربما كان الحكم بالصحة مبنيا على ما رجحه في كتاب الرجال من التوثيق
المجتهد فيه من دون قطع بالتوثيق وشهادته بذلك (1).
ولا يخفى عليك أن هذا الوجه عين الوجه المتقدم من الفاضل المتقدم، إلا أن
هذا الوجه خال عن إظهار مأخذ دعوى كون التوثيق من باب الشهادة، بخلاف
الوجه المتقدم، فإن المدار فيه على الانفهام من كتب الرجال.
وربما يقال: إن الحكم بصحة السند لا يستلزم العلم بالتوثيق؛ لأن الحكم
بصحة السند من باب الاجتهاد، والعلم بالتوثيق يحصل من الشهادة.
وأنت خبير بأن المدار فيه على ابتناء التصحيح على الظن وإفادة التوثيق
للعلم، والمقابلة تقتضي البناء على الابتناء في كل من التصحيح والتوثيق، أو البناء
على الابتناء في كل منهما أيضا بدعوى ابتناء التصحيح على الظن وابتناء التوثيق
على العلم، أو بدعوى إفادة التصحيح للظن وإفادة التوثيق للعلم، فالمقابلة غير
مناسبة.
إلا أن يقال: إن الغرض إفادة التصحيح للظن؛ قضية ابتنائه على الظن، بخلاف
الشهادة بالوثاقة، فإنها تفيد العلم.

1. نقد الرجال 1: 153 / 306.
340

لكن نقول: إن الشهادة بالوثاقة إنما تكون مبنية على الظن أيضا في كثير من
الأحيان.
وإن قلت: إن التعدد في الشهادة بالوثاقة يوجب حصول العلم.
قلت: غاية الأمر في التعدد إفادة الظن ولو في بعض الأحيان، مع أنه قد
يتعدد، فلابد من التفصيل في التصحيح بين الوحدة والتعدد.
[ما استدل به على عدم اعتبار التصحيح]
وقد يستدل على عدم اعتبار التصحيح بأن التصحيح ربما يكون مبنيا على
قرائن تقتضي الوثوق والظن بالصدور مع عدم ثبوت عدالة جميع أجزاء السند،
فلا تثبت عدالة جميع أجزاء السند مع عدم اعتبار الظن المستند إلى القرائن.
وبأن خلو الخلاصة عن التوثيق ينافي التصحيح من العلامة، فلا اعتبار
بالتصحيح.
وبأنه لا مجال لاعتبار التصحيح بناء على اعتبار العدد في التوثيق.
وفي الكل نظر:
أما الأول: فلأن الكلام في التصحيح باصطلاح المتأخرين، فلابد من استناد
التصحيح إلى العدالة، مع أن التوثيق مبني على الظن غالبا كما مر، مضافا إلى ما مر
من الكلام في اعتبار الظن في المقام (1).
وأما الثاني: فلعدم جريانه في تصحيح غير العلامة، مع أنه يمكن أن يكون
الاطلاع على العدالة بعد الفراغ عن الخلاصة.
وأما الثالث: فلأن الكلام في التصحيح من حيث إنه هو، وإلا فعلى القول
باعتبار العدد في التوثيق يتأتى اعتبار العدد في التصحيح.

1. ص 320.
341

تنبيهات
[التنبيه] الأول
إنه لا ثمرة للعنوان المبحوث عنه لو كان التصحيح موافقا لما في كتب
الرجال، كما أنه لا ثمرة له أيضا لو كان التصحيح مخالفا لما في كتب الرجال كلا
بأن كان بعض رجال السند متفقا عليه بين أرباب الرجال بالتضعيف، فلا اعتبار
بالتصحيح هنا ولو على القول باعتباره.
وعمدة الثمرة فيما لو كان بعض رجال السند غير مذكور في كتب الرجال
بالتوثيق بأن لم يتعرضوا له، أو تعرضوا له لكن لم يذكروا له توثيقا.
وبعبارة أخرى: لو كان بعض رجال السند مهملا أو مجهولا كما في الأول أو
الثاني، على الخلاف في المهمل والمجهول.
وتتأتى الثمرة أيضا في الترجيح، أعني ترجيح كلام بعض أهل الرجال على
كلام بعض آخر؛ لاعتضاده بالتصحيح لو كان بعض رجال السند مختلفا فيه بين
أرباب الرجال.
ويمكن أن يقال: إن الكلام في العنوان المبحوث عنه إنما هو فيما قبل الفحص
بالفرض، فلا يتأتى شيء مما ذكر من انتفاء الثمرة لو كان التصحيح موافقا لما في
كتب الرجال أو مخالفا له، وظهور الثمرة في باب الجهل والإهمال والترجيح.
[التنبيه] الثاني
إن العنوان المبحوث عنه إنما هو في جواز العمل بالتصحيح قبل الفحص كما
يظهر مما تقدم في العنوان، وهو معروف. وقد تطرق الخلاف أيضا في جواز
العمل بالتصحيح بعد الفحص.
342

وبعبارة أخرى: قد وقع الخلاف أيضا في أنه لو اتفق من مثل العلامة تصحيح
حديث ولم يعين سندا رأسا، كأن قال: " وفي الصحيح كذا " أو عين من انتهى إليه
السند، كأن قال: " في صحيح زرارة كذا " أو قال: " في الصحيح عن زرارة كذا " كما
يتفق كثيرا في كلمات الفقهاء، لكن رأينا الحديث بسند بعض رجاله لم نظفر بعد
الفحص في كتب الرجال بتوثيقه، فهل التوثيق المزبور يفيد توثيق البعض
المذكور، فيقتضي التصحيح وثاقة البعض المذكور ولو في سند آخر وصحة السند
الآخر لو انحصر المجهول أو المهمل فيه وكان سائر رجال السند مورد الاعتبار،
أو لا؟
وعلى التقديرين هل يحكم بصحة الحديث المصحح ويلزم العمل به، أو لا؟
فيه أقوال:
فعن الفاضل الأسترآبادي: القول بالدلالة على التوثيق؛ تعويلا على أن الصحة
مصطلحة في لسان العلامة ومن تأخر عنه في الحديث الذي كان جميع رجاله
عدلا إماميا، فالتصحيح يقتضي الحكم من المصحح بعدالة جميع رجال السند،
فالتصحيح يدل على عدالة البعض المجهول (1).
وقد يعترض عليه: بأنه لو كان البعض المجهول من مشايخ الإجازة، يمكن
أن يكون التصحيح مبنيا على دلالة شيخوخة الإجازة على العدالة، فلو كان
المصحح له لا يرى دلالة شيخوخة الإجازة على العدالة بل على المدح، فلا مجال
لأن يحكم بعدالة البعض المجهول بواسطة التصحيح.
ومن أجل الاعتراض المذكور فصل شيخنا السيد بين ما لو كان البعض
المجهول من مشايخ الإجازة، فلا تتأتى الدلالة على التوثيق، وغيره فتتأتى الدلالة
على التوثيق.

1. منهج المقال: 106 في ترجمة الحسن بن متيل، وهكذا في ترجمة إبراهيم بن مهزيار، وأحمد بن
عبد الواحد. منهج المقال: 28 و 38.
343

وربما يظهر القول به من بعض آخر.
والظاهر أن مدار القول بالدلالة على التوثيق على الحكم بصحة الحديث
ولزوم العمل به.
لكن أنكره السيد السند التفرشي تبعا للفاضل التستري تعليلا بما تقدم (1).
وتحريره: أن التوثيق من باب الشهادة، فلابد في اعتباره من كونه مستندا إلى
العلم، والتصحيح ربما يكون مبنيا على تشخيص بعض رجال السند المشترك في
شخص بالقرائن الظنية أولا، وتوثيق الشخص المشخص فيه البعض المشترك
بالظن توثيقا مبنيا على البعض ثانيا. فكيف يتأتى اعتبار التصحيح؟
ويظهر ضعفه بما مر.
والأظهر التفصيل بين إكثار تصحيح أحاديث كثيرة مشتمل سندها على بعض
مجهول خاص، أو إكثار تصحيح حديث واحد مرات متكثرة، فتتأتى الدلالة على
التوثيق، إلا أن المحتاج إليه من الكثرة على الأخير أزيد من الكثرة المحتاج إليها
على الأول وغير ذلك، فلا تتأتى الدلالة على التوثيق.
والأوجه حوالة الحال إلى حصول الظن وعدمه؛ إذ ربما يحصل الظن مع عدم
الإكثار - كما لو كان التصحيح من شخص دقيق، متقن الأمر، شديد الاحتياط، ماهر
في الرجال - فلابد من البناء على عدالة الرجل المجهول. وقد لا يحصل الظن مع
الإكثار بتصحيح أحاديث متعددة، أو تصحيح حديث واحد مرات متعددة.
إلا أن يقال: إنه بعيد، لكن حكم العلامة في الخلاصة بالحسن في طرق شتى
من الفقيه - والطرق تبلغ العشرين - وهي تشتمل على إبراهيم بن هاشم، ومع هذا
حكم بالصحة في ثلاثة طرق من الفقيه، وهي تشتمل على إبراهيم بن هاشم (2).
ومقتضاه - بناء على صحة حديث إبراهيم بن هاشم كما هو الأظهر - تطرق

1. انظر نقد الرجال 1: 153 / 306.
2. خلاصة الأقوال 277، الفائدة الثامنة.
344

الخطأ مع الإكثار، بل مقتضاه التفطن بالخطأ في الإكثار، إلا أنه إنما يتم لو كان
الحكم بالصحة بعد الحكم بالحسن.
والأظهر أنه لو قيل بعدم الدلالة على التوثيق مطلقا، لا يجوز العمل بالحديث
المصحح، فضلا عن غيره المشتمل على من اشتمل عليه الحديث المصحح من
البعض المجهول؛ لعدم حصول الظن بوثاقة البعض المجهول الذي اشتمل عليه
السند المصحح بعد الفحص في كتب الرجال وعدم الظفر بتوثيقه - كما هو
المفروض - على تقدير عدم الإكثار، بل حصول الظن بخطأ المصحح وضعف
الحديث المصحح فضلا عن غيره على التقدير المذكور، ولاسيما لو كان في
صورة تعيين من انتهى إليه السند.
لكن جرى بعض الفحول على جواز العمل بالحديث المصحح؛ تعويلا على
أن سند الحديث المصحح إما أن يكون هو ذلك السند الذي اشتمل على ذلك
المجهول أو غيره، وعلى أي تقدير يحصل الظن بكون الحديث صحيحا.
أما على الأول: فلأن التصحيح يكون توثيقا للبعض المجهول.
وأما على الثاني: فلأن التصحيح يكون تصحيحا لسند لم نعثر عليه، وهو
كاف بناء على اعتبار تعديل مجهول العين (1).
وهو مدفوع: بأن المظنون بعد الفحص عدم اطلاع المصحح على سند غير
السند الذي اطلعنا عليه، ولاسيما في صورة تعيين من انتهى إليه السند، فالمظنون
انحصار السند فيه، ولا يحصل الظن بوثاقة البعض المجهول الذي اشتمل عليه
ذلك السند بعد الفحص في كتاب الرجال وعدم الظفر بما يدل على وثاقته على
تقدير عدم الإكثار، بل المظنون على تقدير عدم الإكثار خطأ المصحح، فلا
يحصل الظن بصحة السند المشار إليه، بل المظنون ضعفه.
وتفصيل المراحل المذكورة موكول إلى ما حررناه في الأصول.

1. انظر الرسائل الرجالية لحجة الإسلام الشفتي: 83.
345

[التنبيه] الثالث
إنه يظهر بما مر في أصل العنوان حال تصحيح العلامة في الخلاصة أو غيره
طريقا من طرق الفقيه أو التهذيب أو الاستبصار بناء على لزوم نقد الطرق بعد القول
بلزوم نقد أخبار الكتب الأربعة، بل يتأتى الكلام هنا بعد الفحص أيضا، لكن لا
مجال هنا للاطلاع على طريق آخر.
هذا، وقال العلامة في الفائدة الثامنة من الفوائد المرسومة في آخر الخلاصة:
اعلم أن الشيخ الطوسي ذكر أحاديث كثيرة في كتابي التهذيب
والاستبصار عن رجال لم يلق زمانهم، وإنما روى عنهم بوسائط كثيرة،
وحذفها في الكتابين، ثم ذكر في آخرهما طريقه إلى كل رجل مما ذكره
في الكتابين، وكذلك فعل الشيخ أبو جعفر بن بابويه. ونحن نذكر في
هذه القاعدة على سبيل الإجمال صحة طرقهما إلى كل واحد واحد ممن
يوثق به، أو يحسن حاله، أو وثق وإن كان على مذهب فاسد، أو لم
يحضرني حاله، دون من ترد روايته ويترك قوله، وإن كان الطريق فاسدا
ذكرناه، وإن كان في الطريق من لا يحضرنا حاله من جرح أو تعديل،
تركناه أيضا، كل ذلك على سبيل الإجمال (1).
وتلخيص المقال وتحرير الحال: أنه لم يتعرض من صور أحوال أول
المذكورين لما لو كان أول المذكورين ضعيف الحال، ولم يتعرض من صور
أحوال الطريق لما لو كان في الطريق مجهول الحال، فهو قد تعرض لما لو كان
أول المذكورين مجهول الحال دون ما لو كان أول المذكورين ضعيف الحال،
فذكر الطريق نفيا وإثباتا بالنسبة إلى أول المذكورين والطريق ضعفا وجهلا
متعاكس الحال.

1. خلاصة الأقوال: 275، الفائدة الثامنة.
346

ثم إنه قد أعجب العلامة في باب طرق التهذيبين (1)، حيث إنه مع اتحاد طرقهما
قد تعرض في شرح حال طرق الاستبصار لما تعرض لشرح حاله من طرق
التهذيب، إلا أنه قد تعرض في شرح حال طرق التهذيب للطريق إلى أحمد بن
محمد بن خالد وأحمد بن أبي عبد الله وهما متحدان، لكن الطريق مختلف.
وفي شرح حال طرق الاستبصار كرر شرح حال الطريق إلى الفضل بن
شاذان، واقتصر في شرح حال طرق التهذيب على واحد.
وتعرض في شرح حال طرق التهذيب لشرح حال الطريق إلى كتب الحسن
بن محبوب ومصنفاته بعد شرح حال الطريق إلى الحسن بن محبوب، واقتصر
في شرح حال طرق الاستبصار على شرح حال الطريق إلى الحسن بن محبوب.
وبالجملة، فالمشروح من طرق التهذيب سبعة وعشرون طريقا، والمشروح
من طرق الاستبصار ستة وعشرون طريقا، ورؤوس طرق التهذيب والاستبصار
تبلغ خمسة وأربعين طريقا، لكن كثير منها متعدد.
واعلم أن العلامة قد تعرض من طرق الفقيه لشرح مائتين وأربعين طريقا،
ورؤوس طرق الفقيه تبلغ ثلاثمائة وتسعون وأربعة طرق، لكن كثير منها متعدد،
وبعض منها متكرر.
ثم إنه قد حكم الفاضل التستري - على ما نقل عنه المولى التقي المجلسي -
بأن مثل محمد بن إسماعيل الذي في أوائل سند الكافي، وأحمد بن محمد بن
يحيى العطار الذي يروي الشيخ عنه بواسطة الحسين بن عبيد الله الغضائري،
وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي يروي الشيخ عنه بواسطة المفيد،
ومحمد بن علي ماجيلويه (2) الذي يروي الصدوق عنه ممن عد العلامة خبره

1. خلاصة الأقوال: 275 - 276، الفائدة الثامنة.
2. في " ح ": " محمد بن علي بن ماجيلويه " وكذا في ما بعده، ولعل الصحيح ما أثبتناه.
347

صحيحا وتحير في أمره المتأخرون. فالظاهر أن تصحيح (1) هذه الأخبار لكونهم من
مشايخ الإجازة، وكان المدار على الكتب، فجهالتهم لا تضر (2).
أقول: إن ما ذكره من كون محمد بن إسماعيل من مشايخ الإجازة إن كان
المقصود به أن محمد بن إسماعيل من مشايخ إجازة الكليني، وشيخوخة الإجازة
تدل على الوثاقة، ففيه: بعد تسليم عموم الذيل - وشرح الحال موكول إلى ما
حررناه في الأصول والرسالة المعمولة في نقد الطرق - أن الصدر غير مربوط
بوجه يقتضيه. كيف لا، ولا ريب في احتمال كون محمد بن إسماعيل واسطة في
رواية الكليني، بعد الاعتماد على انتساب الكتاب إليه بأخذ الكليني الرواية من
كتاب محمد بن إسماعيل، دون أن يكون محمد بن إسماعيل مجيزا للكليني.
وبما ذكر يظهر ضعف ما لو كان المقصود أن محمد بن إسماعيل من مشايخ
إجازة الكليني أو مشايخ إجازة الكليني وغيره، وشيخوخة الإجازة تدل على
الوثاقة، أو مشايخ الإجازة يتساهل فيهم.
وبما سمعت تعرف ضعف دعوى كون الأحمدين من مشايخ الإجازة.
وأما ما ذكره من أن تصحيح العلامة طريق الصدوق المشتمل على محمد بن
علي ما جيلويه من جهة كون محمد بن علي بن ماجيلويه من مشايخ الإجازة،
ففيه أولا: أنه لا مجال لهذه الدعوى بعد كون المفروض استخراج الصدوق
الروايات من كتب صدور المذكورين، كما حررناه في الرسالة المعمولة في نقد
الطرق.
وثانيا: أنه لو كان الأمر على ما ذكره فطرق الصدوق سواسية، ولا حاجة إلى
نقد شيء منه، كيف لا، ومن أدلة من يقول بعدم وجوب نقد تلك الطرق كون
رجال الطرق من مشايخ الإجازة، فلا مجال لتضعيف بعض الطرق.

1. في " ح ": " صحة " وما أثبتناه من المصدر.
2. روضة المتقين 14: 39.
348

وثالثا: أن ظاهر العلامة من التعرض لشرح حال الطرق كون رجال الطرق
وسائط الرواية، وإلا لكان التعرض له غير محتاج إليه.
وعلى ما ذكر يجري الحال في كل من تعرض لشرح حال الطرق وإن تعرض
السيد السند التفرشي لشرح حال الطرق وجنح إلى عدم وجوب نقد الطرق (1).
وبما ذكر يظهر ضعف ما ذكره في باب تصحيح العلامة طرق الشيخ بناء على
كون قوله: " ممن " إلى آخره، عائدا إلى جميع من تقدم من الأحمدين ومحمد بن
علي ما جيلويه، لا خصوص الأخير.
وربما أورد المولى التقي المجلسي بأن مشايخ الإجازة على قسمين: فبعضهم
كان له كتاب يمكن أن يكون الخبر مأخوذا من كتابه، فيكون صاحب الكتاب من
مشايخ الإجازة. وبعضهم من كان المعلوم أو المظنون أنه لم يكن له كتاب، وكان
ذكره لمجرد اتصال السند، فلا يقتضي تصحيح الطريق وثاقة الراوي؛ بل أرباب
الكتب على قسمين: فبعضهم من كان كتابه متواترا، فلا يقتضي تصحيح الطرق
وثاقة الراوي؛ لكون الغرض من ذكره مجرد اتصال السند. وبعضهم من لم يذكره
الأصحاب ولا كتابه، فلا يقتضي تصحيح الطريق وثاقة الراوي (2).
أقول: إن تواتر الكتاب من الراوي لا يوجب جواز التساهل فيه، أي لا
يقتضي صحة الخبر مع ضعف الراوي.
نعم، تواتر الكتاب ممن روى عنه الراوي يوجب عدم إضرار ضعف الراوي
لو علمنا بأن من روى عن الراوي الضعيف أخذ الرواية من كتاب من روى عنه
الراوي بعد اعتماده على انتساب الكتاب.
وأما لو روى الراوي الضعيف وكان كتابه متواترا لم نعلم أن من روى عن
ذلك الراوي أخذ الرواية عن كتاب من روى عنه ذلك الراوي كما لو روى الكليني

1. نقد الرجال 5: 329، الفائدة الرابعة.
2. روضة المتقين 14: 39، مع اختلاف يسير.
349

عن بعض الضعفاء، وكان كتابه متواترا ولم نعلم بأن الكليني أخذ الرواية من كتاب
من روى عنه ذلك الراوي بعد اعتماده على انتساب الكتاب فلا يجدي تواتر
الكتاب بلا ارتياب، فالأمر مبني على الاشتباه بين تواتر الكتاب من الراوي،
وتواتره من المروي عنه.
[التنبيه] الرابع
إنه يتطرق الكلام في تصحيح السند من العلامة في المنتهى والمختلف
ولو بعد الفحص، بعد اعتبار أصل التصحيح ولو قبل الفحص، حيث إنه - على ما
يقتضيه كلام المحقق الشيخ محمد - كثير الأوهام في توثيق الرجال، وكثير الأخذ
من كتاب ابن طاووس، وهو مشتمل على أوهام (1)، ولذلك لم يعتبر المحقق
المذكور تصحيحاته.
وقد صرح الشهيد الثاني أيضا في بعض تعليقات الخلاصة بحديث كثرة
الأخذ من كتاب ابن طاووس، ولذا وقع في أوهام (2).
وأيضا قد حكى المولى التقي المجلسي: أن العلامة قد أكثر في التصحيح
بالصحة عند القدماء، فلا يجدي تصحيحه في الصحة باصطلاح المتأخرين. قال
المولى المذكور كما مر:
إن العلامة وإن ذكر القاعدة في تسمية الأخبار بالصحيح والحسن
والموثق، فكثيرا ما يقول ويصف على قوانين القدماء، والأمر سهل،
واعترض عليه كثيرا بعض الفضلاء لغفلته عن هذا المعنى، ولا مجال
للحمل على السهو؛ لأنه إنما يتأتى فيما كان مرة أو مرتين، وأما ما كان في

1. انظر سماء المقال 1: 226.
2. انظر المصدر.
350

صفحة واحدة عشر مرات - مثلا - فلا يمكن أن يكون سهوا (1).
وأيضا قد تقدم اختلال تصحيحه بعض الطرق، كما ذكره من أن طريق
الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان وهو
فطحي، لكن الكشي قال: " إن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عنه ".
وما حكم به من صحة طريق الصدوق إلى معاوية بن شريح وإلى سماعة، مع
وجود عثمان بن عيسى في الطريق، وهو واقفي، لكن الكشي حكى عن بعض
نقل الإجماع على التصديق والتصحيح في حقه، وإن احتمل أن يكون تصحيح
الطريق إلى معاوية بن شريح بواسطة اتحاده مع معاوية بن ميسرة وصحة الطريق
إليه، لكن نقول: إن اختلاف دعوى من الدعاوي في مجرى من المجاري لا
يوجب اختلاف أصل الدعوى. كيف، وخروج بعض الأفراد عن تحت العموم
والإطلاق لا يوجب عدم اعتبار العموم أو الإطلاق، فظهور اختلاف تصحيح
الطريق في بعض الأحيان لا يوجب عدم اعتبار تصحيح السند بالأولوية؛ لأن
النسبة في البين هنا من قبيل التباين.
وأيضا أكثر توثيقاته، بل أكثر كلماته مأخوذة من النجاشي، كما يرشد إليه ما
تقدم من كلمات الشهيد الثاني.
وكذا ما مر (2) من حكاية المولى التقي المجلسي عن صاحب المعالم: أنه لم
يعتبر توثيق العلامة وابن طاووس والشهيد الثاني بل أكثر الأصحاب؛ تمسكا
بأنهم ناقلون عن القدماء.
وكذا ما ذكره السيد السند النجفي: " من أن العلامة في الخلاصة شديد
التمسك بكلام النجاشي، كثير الاتباع له وعباراته حيث يحكم ولا يحكي هي

1. روضة المتقين 14: 274.
2. في ص 339.
351

عبارات النجاشي بعينها " (1).
ولكنك خبير بأن هذا الوجه إنما يقدح بناء على اعتبار تزكية العدلين في
اعتبار الخبر، وإلا فلا يجري الوجه المذكور بعد الفحص؛ لفرض اختصاص
التوثيق بالعلامة، ولا ضير فيه بالنسبة إلى ما قبل الفحص.
وأيضا الاستقراء في الخلاصة يقضي بأنه كان شديد العجلة، كما أشار إليه
المحقق الشيخ محمد في بعض التراجم.
قيل: وكأن تجديد النظر لم يكن من ديدنه، كما لا يخفى على المتتبع.
وذكر العلامة البهبهاني في ترجمة بريد بن معاوية: " أن العلامة كان قليل
التأمل؛ لكثرة تصانيفه وسائر أشغاله، فلا وثوق بتوثيقاته فضلا عن تصحيحاته " (2).
وبما سمعت يظهر الحال في تصحيح الطريق في الخلاصة، مضافا إلى ما
تقدم من أنه جرى في الخلاصة على الحكم بحسن الطريق المشتمل على
إبراهيم بن هاشم بالغا إلى العشرين، وحكمه بصحة ثلاثة طرق تشتمل على
إبراهيم بن هاشم، بناء على صحة حديث إبراهيم بن هاشم (3)، فإنه يوجب الوهن
في تصحيحاته في الخلاصة؛ لفرض ظهور الخطأ في الإكثار.
[التنبيه] الخامس
إن الأنسب بناء على كفاية التصحيح في صحة الخبر عدم التعبير بالتصحيح؛
لأنه موهم، بل ظاهر في أن منشأ عد الخبر صحيحا هو اجتهاد من عبر بالصحيح،
فربما يقع من ينظر فيه في ورطة الجهل، فيذعن بصحة الحديث اعتمادا على
تعدد التصحيح لو اطلع على تصحيحين، أو على التصحيح اللاحق المبني على

1. رجال السيد بحر العلوم 3: 38.
2. تعليقات الوحيد على منهج المقال: 66.
3. خلاصة الأقوال: 277، الفائدة الثامنة.
352

التصحيح السابق من باب الاعتماد على المصحح اللاحق دون السابق لو اطلع
على التصحيح اللاحق فقط.
فالأنسب التعبير ب‍ " المصحح " كما عن بعض الفحول الجريان عليه في الفقه.
وعلى ما ذكر يجري الحال فيما بعد الفحص، إلا أنه لو وقع البعض المحكوم
بصحة حديثه بسند في سند آخر، فالأنسب التعبير بالخبر كالمصحح.
وأما التعبير بالخبر كما عده شيخنا السيد من بعض التعبيرات، فهو كما ترى.
[التنبيه] السادس
إنه يطرد ما مر من الكلام والأقوال في التصحيح قبل الفحص في الحكم
بكون الخبر موثقا أو حسنا أو قويا.
وأما الحكم بضعفه فالكلام فيه غير محتاج إليه؛ لكفاية عدم ثبوت حال الخبر
في عدم اعتباره وعدم الحاجة إلى ثبوت عدم اعتباره.
وقد تقدم نظيره عند الكلام في أن التزكية من باب الشهادة أو الخبر أو
غيرهما.
[التنبيه] السابع
إن الظاهر أن من قال بعدم حصول الظن من التصحيح قبل الفحص لا يقول
بعدم حصول الظن قبل الفحص من الأخبار بالاستفاضة أو شهرته أو تواتره؛ لعدم
اطراد مستنده.
353

3 - رسالة في تزكية الرواة
من أهل الرجال
355

بسم الله الرحمن الرحيم
ومنه سبحانه الاستعانة للتتميم
أما بعد، فهذه كلمات في تزكية الرواة (1) من أهل الرجال (2) قد اختلف فيها
جماعة من علمائنا الأبدال.
وتحقيق المقال على حد الكمال يستدعي تمهيد مقدمات تتضح بها حقيقة
الحال.
المقدمة الأولى
[في معنى الشهادة]
[معنى الشهادة لغة]
إن الشهادة لغة اسم من المشاهدة، وهي " الاطلاع على الشيء عيانا " كما في

1. قوله: " في تزكية الرواة " التزكية المذكورة في كلماتهم في المقام وأمثاله مرسومة بالزاي أخذا من
الزكاة بمعنى الطهارة؛ لأنها تطهر المال من الخبث والنفس البخيلة من البخل. ومن هذا الباب قوله
سبحانه: (قد أفلح من زكيها) وغيره من آيات شتى. ويمكن أن يكون بالذال أخذا من الذكاة بمعنى
الطهارة أيضا. ومن هذا الباب ما في الخبر: " ذك بالأدب قلبك "، وكذا قوله (عليه السلام): " ذكاة الأرض يبسها "
أي طهارتها من النجاسة، وبما سمعت يظهر الكلام في المزكى ونحوه.
2. يمكن القول إنه تجوز في هذا التركيب بحذف المضاف، ومقصوده: من أهل كتب الرجال.
357

المصباح (1)، وهي " الخبر القاطع " كما في القاموس (2).
والظاهر أن الغرض منه الإخبار عن المحسوس، لكن يمكن عمومه للإخبار
عن غير المحسوس.
والظاهر منه في ظواهر الأنظار أن الغرض استناد الخبر إلى القطع، مع صراحة
الخبر أو ظهوره في القطع، وإلا فمجرد استناد الخبر إلى القطع لا يكفي في صدق
الشهادة؛ لوضوح [عدم] صدق الشهادة - لو كان الخبر مستندا إلى القطع - لو كان
الإخبار على وجه الظن؛ فالتوصيف من قبيل الإسناد المجازي نحو: " نهاره
صائم ".
والحق أن الشهادة يكفي فيها الصراحة أو الظهور في الجزم، ولا محيص عن
اعتبار ما ذكر في الشهادة.
وأما الاستناد إلى الجزم فلا ينبغي الارتياب في عدم اعتباره في الشهادة؛
لظهور صدق الشهادة مع قطع الشاهد بكذبه، فضلا عن الشك أو الظن بالخلاف،
كيف لا، وقد شاع وذاع إطلاق الشهادة على ما كان مبنيا على الرشوة.
وعلى أي حال، فالتوصيف بالقاطع من باب الإسناد المجازي نحو " نهاره
صائم "، سواء قلنا بكون المدار في الشهادة على كل من الاستناد إلى القطع وكونه
مظهرا وحاكيا عن القطع، أو كفاية الثاني فقط.
والظاهر أن المقصود بالخبر القاطع هو الخبر المفيد بالصراحة أو الظهور
لقطع المخبر. فالغرض منه الاحتراز عن الإخبار على وجه الشك أو الظن.
ولو كان المتعاهد والمعلوم لكل من سمع الخبر أو اطلع عليه ظن المخبر وإن
كان الخبر بصورة الجزم - كما في الشهادة على العدالة؛ لوضوح غاية العسر في
العلم بالعدالة - فليس الخبر من الشهادة، وهو في حكم الإخبار على وجه الظن.

1. المصباح المنير 1: 324، (شهد).
2. القاموس المحيط 1: 316، (شهد).
358

نظير ما أورد به على الاستدلال على حجية المرسل بحذف الواسطة - كما لو
قال الفرع العدل في أعصار الغيبة: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " مثلا - بأنه يدل على جزم
الفرع العدل بصدور الرواية، وهو يوجب لنا الظن بعدالة المحذوفة (1)، أو كونها
محل الاعتماد المفيد للظن بصدقها، فالخبر يصير مظنون الصدور، فيجب قبوله
من أن الاستناد وإن كان ظاهرا في كون الفرع العدل جازما بالصدور إلا أن المدار
على الظاهر لو لم يكن في البين قرينة صارفة عن ذلك. والقرينة في أمثال المقام
متحققة، وهي العلم بعدم إدراك الفرع العدل للمروي عنه، بل الظاهر من ذلك
عدم جزم الفرع العدل؛ لكثرة استعمال أمثال ذلك في صورة عدم العلم.
بل يدل على ذلك تتبع العادات، ألا ترى أنه لو قيل في زماننا: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " - كما يتفق للوعاظ في المنابر، والفقهاء في التدريس، وأرباب
التواريخ - لم يفهم منه أن المخبر جازم بما أخبر به، بل الظاهر منه عدم تحقق
الجزم.
لكن الإيراد المذكور لعل الظاهر منه إنكار ظهور المرسل بحذف الواسطة في
ظن الفرع بالمخبر عنه، أي الظن بصدق الواسطة. والأظهر الظهور فيما ذكر، بل
الظاهر ظهور الخبر في الإخبارات العرفية في الجزم، لكنه لا يمانع عن صدق
استناده على الإخبار المستند إلى الظن أو الشك.
وإن قلت: إن مقتضى ما ذكرت - من عدم صدق الشهادة لو كان المتعاهد
والمعلوم لكل من سمع الخبر واطلع عليه ظن المخبر وإن كان بصورة الجزم -
عدم صدق الشهادة على الخبر لو علم السامع بكذب المخبر.
قلت: كلا وحاشا، أين هذا من ذاك؟ إذ المدار فيما ذكرناه ظهور كون الغرض
إفادة الظن بحيث يعرفه كل من سمع الخبر، وأما لو علم السامع بكذب الخبر،

1. أي الواسطة المحذوفة.
359

فالغرض إفادة الجزم، ولا يطلع على كذب المخبر إلا السامع المخصوص. فالبون
بعيد في البين، بل في البين بعد المشرقين. ويأتي مزيد الكلام في معنى الشهادة
في أواخر المقدمة الثانية (1).
وعن ابن فارس: أنه الإخبار بما شوهد (2). والمقصود به الإخبار عن
المحسوس قطعا.
وعن بعض: أنه حقيقة في الحضور، نحو: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (3)
أي حضره ولم يسافر. وشهدت المجلس، أي حضرته (4).
وعن آخر: اشتراكه بين الخبر القاطع والحضور (5).
وعن ثالث: كونه حقيقة في العلم، نحو: " أشهد أنه لا إله إلا هو " أي أعلم (6).
وظاهر الرياض - صدر كتاب الشهادات - التوقف بين الحضور والعلم، حيث
إنه ذكر أن الشهادة إما من " شهد " بمعنى حضر، أو من " شهد " بمعنى علم (7).
[معنى الشهادة اصطلاحا]
واصطلاحا عرفه الشهيد الثاني في المسالك بإخبار جازم عن حق لازم لغيره،
واقع من غير حاكم، إلا أنه عرف به شرعا (8).
وهو قد احترز بالقيد الأخير عن إخبار الله سبحانه ورسوله والأئمة، وإخبار

1. يأتي في ص 73.
2. مجمل اللغة 3: 181. ونقله عنه في المصباح المنير 1: 324، (شهد).
3. البقرة (2): 185.
4. المحيط للبستاني 1: 1131؛ النهاية 2: 513؛ الصحاح 2: 494؛ مجمع البحرين 3: 81، (شهد).
5. نقله في مسالك الأفهام 2: 400 و 410.
6. ذكره في القاموس المحيط 1: 317.
7. رياض المسائل 2: 423.
8. مسالك الأفهام 2: 400 و 410.
360

الحاكم آخر؛ معللا بأن ذلك لا يسمى شهادة، وهو مبني على كون الحاكم في
التعريف بمعنى القاضي الماضي حكمه على الناس شرعا، فهو أعم من الله
ورسوله والأئمة (عليهم السلام) والقاضي.
وفي القوانين نسب التعريف المذكور إلى الفقهاء (1). وفيه نظر.
وفي الرياض نسبه إلى قائل (2).
ولا يذهب عليك أن الظاهر - بل بلا إشكال - أن لفظ " إخبار جازم " في
التعريف المذكور من باب التركيب التوصيفي، ويمكن أن يكون من باب التركيب
الإضافي.
لكنه في غاية البعد. وعلى التقديرين يظهر الكلام فيه بما تقدم.
[في الإشكال على التعريف]
وبالجملة، ينتقض التعريف المذكور عكسا بما لو كانت الشهادة مبنية على
الاستصحاب، وهو لا يفيد أزيد من الظن، أو على شهادة العدلين - ولا سيما بناء
على عدم اشتراط الظن فيها - أو على الاستفاضة على القول بإناطتها موضوعا - أي
بحسب صدق الاسم - بإفادة الظن الغالب أو مطلق الظن بناء على اعتبار الشهادة
في الموارد المذكورة.
بل يتأتى الانتقاض بناء على عدم اعتبار الشهادة فيها؛ إذ عدم الاعتبار
لا يمانع عن صدق الاسم، ولا ريب في أن الحقائق الاصطلاحية بل الحقائق
المتشرعة والحقائق الشرعية في غير ألفاظ العبادات أعم من الصحيح والفاسد.
وأيضا الظاهر إطباقهم على قبول تزكية الشاهد بشهادة (3) عدلين، مع عدم

1. القوانين المحكمة 1: 464.
2. رياض المسائل 2: 424.
3. في " د ": " لشهادة ".
361

اعتبار العلم في استكشاف العدالة عند الأكثر، وعدم كون العدالة من حق لازم
للغير؛ فانتقاض العكس به من وجهين.
وأيضا لا يصدق التعريف على الشهادة برؤية الهلال، فالعكس منتقض به
أيضا؛ بل أفراد انتقاض العكس لا تحصى بناء على عموم حجية الشهادة لغير
المجتهد في مقام المرافعات.
وأيضا اللازم من التعريف المذكور عدم جواز الاكتفاء بقول المزكي أنه
مظنون العدالة عندي، وعدم عده من الشهادة، إلا أن يقال: إنه ليس من باب
الشهادة، لكنه حجة من جهة إفادة الظن بالعدالة.
وينتقض طردا بما لو قال رجل غير الحاكم في غير مقام المرافعة - بل من باب
توضيح الواضح -: على هؤلاء الرجال الخلة والكسوة والنفقة على أزواجهم.
ولا يذهب عليك أن ظاهر قول الشهيد في المسالك: " شرعا " (1) هو تحقق
الحقيقة الشرعية في الشهادة. وهو غير ثابت، بل ثابت عدمه.
ونظيره تعريف الفقهاء المعاملات شرعا. وقد ذكر العلامة البهباني وجوها
فيه: كون الغرض المعنى المجازي أو المعنى الحقيقي عند المتشرعة، أو المعنى
الصحيح شرعا والمعتبر عند الشارع. واستقرب الأخير (2).
وغرضه الجمع بين التعريف المذكور وما ذكره الفقهاء من أن المدار في
المعاملات على المعنى اللغوي أو العرفي، مثلا يقولون: إن البيع هو ما يعد في
العرف بيعا، والصلح ما يعد في العرف أو اللغة صلحا، ويجعلون ما ورد من
الأمور المعتبرة في الشرع شرطا للصحة.
لكن الوجوه المذكورة ضعيفة.
وأيضا تعميم الحاكم في التعريف المذكور لغير القاضي خلاف الظاهر،

1. مسالك الأفهام 2: 400 و 410.
2. الفوائد الحائرية: 326، الفائدة: 34.
362

وارتكابه في التعريف سخيف، مع أن الظاهر كون إخبار القاضي للقاضي في مقام
المرافعة على سبيل إخباره به من باب الشهادة.
وبما مر يظهر أن الشهادة بالمعنى المتجدد لا تخرج عن القول، بل على هذا
الحال حال المعنى اللغوي. لكن مقتضى ما تقدم من المصباح (1) عدم اعتبار القول
في الشهادة لغة. وتزكية الرواة لا تخرج بالنسبة إلينا عن الكتابة، بل المكتوب عن
المكتوب بوسائط عديدة لو كان التوثيق من النجاشي - مثلا - دراية.
وأما لو كان من باب الرواية بأن نقل النجاشي التوثيق عن الغير، فالأمر من
باب نقل المكتوب بوسائط عديدة (2).
وتزكية الرواة لا تدخل في الشهادة، بل نقول: إن المعهود ابتناء تزكية الرواة
على الظن بناء على دلالة التوثيق على العدالة بمعنى الملكة لا الاعتماد - كما هو
المنصور خلافا للمشهور. وقد حررنا الحال في الرسالة المعمولة في " ثقة " - قضية
أن العلم بالعدالة في غاية العسر، بل على ذلك المنوال الحال بناء على كون العدالة
هي نفس الاجتناب.
وما ينصرح من السيد السند التفرشي تبعا للفاضل التستري - كما يأتي (3) - من
أن التوثيقات مبنية على العلم، ليس بشيء.
[في حجية شهادة العدلين]
ثم إنه يتأتى الكلام تارة في أن الشهادة حجة تعبدا مطلقا، أو بشرط الظن
بالواقع، أو من باب الظن به، وأخرى في أنها على تقدير كونها حجة تعبدا هل
تقتضي قبول الشهادة مطلقا بدون ذكر السبب ولا ظهور موافقة مراد الشاهد

1. المصباح المنير 1: 324.
2. في " د " زيادة: " بالمكتوب بوسائط عديدة ".
3. في ص 428.
363

لمذهب المشهود له، أو لا؟
أما الأول فنقول: إنه لم يقل أحد بكفاية مطلق الظن في مقام الشهادات؛
فليس حجية البينة من باب الظن.
نعم، الشهيد في المسالك (1) احتمل القول بحجية الاستفاضة على تقدير كفاية
الظن الغالب المتآخم للعلم في صدقها، وعدم لزوم العلم في الصدق؛ نظرا إلى أن
الظن (2) المستفاد منه من الظن المتآخم للعلم أقوى من الظن الحاصل من أدنى
مراتب البينة؛ لاختلاف البينة في إفادة الظن باختلاف العدالة والأعدلية، بل قد
تفيد العلم.
فالظن الحاصل من الاستفاضة أقوى من أدنى مراتب الظن الحاصل من البينة
وإن كان مساويا للظن الحاصل منها في بعض المراتب، أعني ما لو أفادت الظن
المتآخم للعلم، وكان أدنى من أعلى مراتبها، أعني صورة إفادة العلم.
واحتمل أيضا إلحاق الاستفاضة بالبينة في الحجية على تقدير الاكتفاء بالظن
الغالب لو فرض حصول الظن الغالب من الاستفاضة زيادة على ما يحصل من
البينة من باب مفهوم الموافقة (3).
والظاهر أن الغرض من الاكتفاء بالظن الغالب إنما هو الاكتفاء في الاعتبار، لا
في صدق الاستفاضة، فالاستفاضة لا تصدق على تقدير إفادة الظن الغالب بناء
على اعتبار الظن الغالب، كما أن الشهرة لا تسمى بها، بل يسمى ب‍ " الإجماع " في
اصطلاح الخاصة على تقدير إفادة العلم.
بل قد حكى في الرياض الاختلاف في الاستفاضة على القول باعتبار العلم
والقول باعتبار الظن الغالب والقول باعتبار مطلق الظن (4).

1. مسالك الأفهام 2: 400 و 410.
2. في " د ": " الظاهر ".
3. مسالك الأفهام 2: 51.
4. رياض المسائل 5: 408.
364

والظاهر - بل بلا إشكال - أن الغرض الاختلاف في الاعتبار، لا في صدق
الاسم وإن يظهر من بعض كون الغرض الاختلاف في صدق الاسم (1).
بل حكم العلامة في التذكرة بجواز التعويل على استفاضة رؤية الهلال لو
حصل من الاستفاضة ظن غالب بالرؤية، استنادا إلى أن الظن الحاصل بشهادة
العدلين حاصل مع الاستفاضة (2).
إلا أن الظن الغالب المتآخم للعلم أو مطلق الظن ليس حجة على الإطلاق،
كيف لا، ولا يكون الظن الحاصل (3) من شهادة الفاسق أو من مجرد الدعوى حجة
بالإجماع ولو كان متآخما للعلم.
إلا أن الظن الغالب المتآخم للعلم أو مطلق الظن ليس حجة في الشهادات
على الإطلاق، كيف لا، ولا يكون الظن الحاصل من شهادة الفاسق أو من مجرد
الدعوى حجة بالإجماع ولو كان متآخما للعلم.
فالأمر في البيئة من باب التعبد، غاية الأمر اشتراط اعتبارها بالظن، فلا مجال
لإلحاق الاستفاضة بالبينة.
وبوجه آخر: لا مجال لقياس المساواة، فضلا عن القياس بالأولوية في صورة
احتمال مداخلة خصوصية الأصل في الحكم، فضلا عن صورة ثبوت الخصوصية
كما في المقام؛ لفرض عدم اعتبار الظن المستفاد من شهادة الفاسق ونحوه.
وما استند إليه العلامة في التذكرة للإلحاق من باب قياس المساواة (4). وما
استند إليه الشهيد في المسالك (5) في الاحتمال الأول من الاحتمالين المذكورين

1. انظر القوانين المحكمة 1: 429 - 430.
2. تذكرة الفقهاء 6: 146، المسألة 80.
3. في " د " زيادة: " في اصطلاح الخاصة على تقدير العلم ".
4. تذكرة الفقهاء 6: 146.
5. مسالك الأفهام 2: 52.
365

لا يخرج عن القياس بالأولوية الظنية.
وما استند إليه في الاحتمال الثاني من الاحتمالين المذكورين مدخول بأن
المدار في مفهوم الموافقة على كون اطراد حكم الموضوع المذكور في غيره مما
كان أولى منه، أو مساويا له، أو أدنى منه مفهوما في العرف من باب الكناية والتنبيه
بالخاص على العام، وإن قيل بعدم اطراد الحكم في المساوي والأدنى، بل لعله
المشهور. وأين ما ذكر من انفهام اعتبار الاستفاضة مما دل على اعتبار البينة.
وبالجملة، فالأمر دائر في الشهادة بين كونها حجة بشرط الظن، وكونها حجة
مع الشك بل مع الظن بالخلاف تعبدا.
[عدم حجية البينة مع العلم بالخلاف]
وربما ادعى بعض قضاة الزور، وأتباع خلفاء الجور ممن غرته الحياة الدنيا
وغره بالله الغرور: حجية البينة مع العلم بالخلاف؛ غرورا مما سمع عن بعض من
حجية البينة مع العلم بالخلاف.
فأنكر عليه بعض أهل العلم فقال له: أنت لا تفهم، وربما استجار الصوم
والصلاة وقال: إنى أعلم أنه لا يأتي بالصوم والصلاة، لكن شهدت البينة بعدالته،
بل ربما أراد الحكم بالقتل عفا الله سبحانه عنه. ولنعم ما قيل:
فويل ثم ويل ثم ويل * لقاضي الأرض من قاضي السماء
وكيف كان فصرح بالأول بعض الأعلام استنادا إلى أن التعويل على البينة في
الحكم وغيره موجب لمخالفة الأصل، واللازم فيما خالف الأصل الاقتصار على
المتيقن. وهو صورة استفادة المظنة من البينة؛ لوضوح أن الغالب استفادة المظنة
من العادل الواحد فضلا عن العدلين، فما يدل على الحكم بالبينة والتعويل عليها
ينصرف إليه، فتبقى صورة عدم استفادة المظنة خالية عما يدل على الحجية، فلا
يسوغ التعويل عليها، بل ربما تظهر منه دعوى الإجماع على ذلك، ولعله مقتضى
366

أكثر عبارات الفقهاء (1).
فقد استدل السيد في الانتصار على جواز أن يقضي القاضي بعلمه: بأن البينة
إنما اعتبرت لإبانتها وكشفها عن الواقع، فاعتبار العلم أولى (2).
ومقصوده من الإبانة والكشف إما الظهور على وجه الظن الغالب كما فهمه
الفاضل في الكشف (3)، أو على وجه مطلق الظن كما فهمه بعض الأعلام. وهو
الأظهر.
واستدل الشيخ في الخلاف على جواز الحكم بالعلم أيضا بأن الشاهدين إذا
شهدا عند الحاكم حكم بقولهما بغالب الظن، لا بالقطع واليقين. وإذا حكم بعلمه،
حكم بالقطع واليقين، واليقين أولى من غالب الظن، ألا ترى أن العمل بالخبر
المتواتر أولى من العمل بخبر الواحد؛ لمثل ما قلنا (4).
واستدل ابن زهرة في الغنية على ذلك أيضا بأنه إنما يحتاج إلى البينة ليغلب
في الظن صدق المدعي، ولا شبهة في أن العلم بصدقه آكد من غلبة الظن، فإذا
وجب الحكم مع ظن ذلك، فلأن يجب مع العلم به أولى وأحرى (5).
واستدل في التنقيح على ذلك أيضا بأن القضاء بالعلم رجوع إلى يقين،
وبالشهادة رجوع إلى ظن، ويستحيل في الحكمة جواز الثاني دون الأول (6).
وأورد المحقق في المعتبر على القول " بأنه لا يقبل في الهلال مع الصحو إلا
شهادة خمسين من أهل البلد، أو شاهدين من خارج البلد " بأن اشتراط الخمسين

1. انظر مفاتيح الأصول للسيد المجاهد: 547.
2. الانتصار: 237.
3. كشف اللثام 1: 329 - 330.
4. الخلاف 1: 235، المسألة 641، كتاب آداب القضاء.
5. الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 624.
6. التنقيح الرائع 4: 242.
367

لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم، ثم لا يفيد اليقين بل قوة الظن، وهي تحصل
بشهادة العدلين (1).
وقريب منه ما أورد به العلامة في المنتهى من أن قول الخمسين قد لا يفيد
اليقين بل الظن، وهو حاصل بشهادة العدلين (2).
وحكم العلامة في المختلف باشتراط العدالة في الشاهد؛ استنادا إلى أن الظن
إنما يحصل بإخبار العدل، دون الفاسق، ومع انتفاء الظن لا يجوز الحكم
بالشهادة (3).
وحكم في التذكرة بأن من رأى الهلال في شهر رمضان وجب عليه الصوم،
سواء كان عدلا أم غيره، شهد عند الحاكم أم لا؛ تعليلا بأن الرؤية أبلغ في باب
العلم من الشاهدين، بل الشاهدان يفيدان الظن، والرؤية تفيد القطع، فإذا حكم
بالوجوب بأضعف الطريقين فالأقوى أولى (4).
وحكم في التحرير بعدم جواز القضاء للقاضي بالظن الذي لا يستند إلى البينة (5).
واستدل العميدي (6) على اعتبار التعدد في الجرح والتعديل لو كان بالشهادة

1. المعتبر 2: 688، والقول للشيخ في النهاية: 150، وابن البراج في المهذب 1: 189.
2. منتهى المطلب 2: 589.
3. مختلف الشيعة 8: 440 المسألة 40.
4. تذكرة الفقهاء 6: 118.
5. تحرير الأحكام 2: 183.
6. العميدي (681 - 754) السيد عبد المطلب بن مجد الدين أبي الفوارس محمد بن أبي الحسن علي
فخر الدين، عميد الدين، العميد، العميدي، فاضل محقق، أصولي، مجتهد، محدث، أديب، شاعر،
ينتهي نسبه إلى عبيد الله الأعرج بن الحسين بن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، كانت أمه بنت الشيخ سديد
الدين والد العلامة. يروي عن جماعة منهم والده مجد الدين أبو الفوارس محمد، ويروي عنه الشيخ
الشهيد.
له مصنفات مشهورة أكثرها شروح وتعاليق على كتب خاله العلامة، منها: " منية اللبيب في شرح
تهذيب الأصول " و " كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد " و " تبصرة الطالبين في شرح نهج
المسترشدين " وشرح كتاب أنوار الملكوت للعلامة في شرح كتاب الياقوت في أصول الكلام لابن
نوبخت، يجري مجرى المحاكمات بين المصنف والشارح. انظر روضات الجنات 4: 264، لؤلؤة
البحرين: 199، أمل الآمل 2: 164، الكنى والألقاب 2: 487، أعيان الشيعة 8: 100.
368

بأن الظن الحاصل من المتعدد يجب العمل به اتفاقا، والظن الحاصل بالواحد ليس
كذلك (1).
والشهيد في الروضة في كتاب الصوم عرف الشياع بإخبار جماعة بها تأمن
النفس من تواطئهم على الكذب، ويحصل بخبرهم الظن المتآخم للعلم، فقال:
" ولا ينحصر في عدد. نعم، تشترط زيادتهم عن اثنين، ليفرق بين العدل وغيره " (2).
ومقتضى ما ذكره في وجه التفرقة انحصار ما به الفرق فيه، وهو يستقيم إذا
كانت حجية شهادة العدلين بشرط الظن، وإلا لكان الفرق عن وجه آخر أيضا،
وهو أن المعتبر في الشياع إفادة المظنة دون شهادة العدلين.
إلا أن مقتضى كلامه على هذا اشتراط حجية البينة بإفادة الظن المتآخم للعلم،
وليس هذا شرطا قطعا.
وذكروا في مباحث الطهارة أنهم اختلفوا في ثبوت النجاسة بالمظنة وعدمه.
فقيل به مطلقا، وهو المحكي عن أبي الصلاح (3).
وقيل بالعدم كذلك ولو كانت مستندة إلى سبب شرعي كشهادة العدلين، وهو
المحكي عن ابن البراج (4).
وقيل بالتفصيل بين الظن المستند إلى سبب شرعي كالعدلين مثلا فالأول،
وإلا فالثاني (5).

1. نقله عنه السيد المجاهد عن كتابه منية اللبيب: 410.
2. الروضة البهية 2: 109.
3. الكافي في الفقه؛ 104.
4. جواهر الفقه: 9؛ المهذب 1: 27.
5. نقله في الحدائق الناضرة 5: 244 عن المنتهى والتذكرة.
369

وفي الكفاية حكى القول الأخير عن المشهور (1).
قال بعض الأعلام: إن هذا التعبير والتفصيل في الاختلاف إنما يليق إذا كانت
حجية البينة لأجل المظنة، أو في صورة إفادتها كما لا يخفى على المتأمل.
ومثل تلك العبارات عبارات أخرى.
ولا يذهب عليك أن الظاهر - بل بلا إشكال - أنه على القول المذكور يطرد
اشتراط الظن في سائر أقسام الشهادة، كرجل وامرأتين، وشاهد ويمين، وثلاثة
رجال وامرأتين، ورجلين وأربع نسوة، والرجال والنساء ولو منفردات.
وصرح سيدنا بالقول الأخير، استنادا إلى إطلاق ما دل على قبول البينة، وعدم
تقييدها بصورة إفادة الظن، ولو كان قبولها مشروطا به، لورد في الشرعية ما يدل
عليه، وليس، بل ظاهر الأدلة عدمه.
ودعوى انصرافها إلى صورة حصول الظن ممنوعة، بل الظاهر العدم. فإن
ظاهر قوله (عليه السلام): " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر " (2) قبول البينة من
المدعي، ولا ريب في عدم توقف صدقها عرفا على حصول الظن، ولا يسبق إلى
الذهن منها أيضا ذلك، بل السابق إلى الذهن هو المعنى العام؛ فيدل على أن على
المدعي إقامة البينة بالمعنى العام، ويلزمه قبولها منه. وكذا سائر الأخبار والآيات.
ويشهد به خلافهم في تعارض البينتين مع كون أحدهما أكثر عددا أو أقوى
تأيدا.
وذهب الأكثر إلى ترجيح بينة الخارج على ما حكي عنهم (3) وجماعة إلى
ترجيح بينة الداخل من دون ملاحظة الأعدلية والأكثرية في شيء من القولين (4)، مع

1. كفاية الأحكام: 52.
2. سنن البيهقي 10: 252، كتاب الدعوى والبينات.
3. حكاه عن الصدوقين والمفيد في المهذب البارع 4: 494؛ وانظر كتاب المقنع: 399.
4. أنظر الخلاف 1: 254، كتاب الدعاوي والبينات، المسألة 2.
370

أنه إذا كان أحدهما أكثر عددا أو أقوى عدالة يكون الظن معه. فلو كانت حجيتها
مشروطة بالظن، لزم ترجيح ذلك؛ لوجود الشرط فيه وانتفائه في الآخر، فيكون
هو الحجة من دون معارض.
فكذا غيرها من صور التعارض، فإن كثيرا منها لا يتم ما ذكره (1) فيها مع اشتراط
الحجية بالظن، ولا فرق بين أفراد البينة. قال: ويؤيد ذلك كون الإقرار من مثبتات
الحق كالبينة، ولا يعتبر فيه الظن إجماعا، وكذا الفتوى على الأقوى، مع أنه لا
يعتبر في الشاهد علمه بالمشهود به، بل ولا الظن؛ لجواز بنائه على الاستصحاب،
فكيف يعتبر حصول الظن لغيره!؟
وصريح الشهيد الثاني في بعض كلماته في المسالك يقتضي القول بذلك،
حيث إنه أورد على ما حكى من العلامة - مما يدل على أن اعتبار العدالة في
الشهادة لحصول المظنة - بأن الظن ليس بشرط، وإنما الشرط من نصبه الشارع
دليلا، سواء ظن الحاكم صدقه أو لا (2).
إلا أنه مخالف لما تقدم منه.
وهو مقتضى ما صنعه المقدس، حيث أورد على احتمال حجية الاستفاضة -
على تقدير كفاية الظن الغالب من الشهيد الثاني بملاحظة الأولوية كما تقدم - بأنه
قد لا يحصل الظن من البينة ويعمل بمقتضاها، فليس المدار في الشهادة على
الظن، وليس علة الحجية فيها هو الظن.
إلا أنه حكم بعد ذلك بأنه لا شك في أن الفسق (3) مانع من قبول الشهادة
بالعقل والنقل، كتابا وسنة - وهي أخبار كثيرة جدا - وإجماعا، ولابد للحكم بقبول
الشهادة من العلم الشرعي برفع المانع بديهة، وذلك لم يحصل إلا بالعلم أو الظن

1. في " ج ": " ذكروه ".
2. مسالك الأفهام 2: 51 و 410؛ وانظر منتهى المطلب 2: 590.
3. في " د " زيادة: " والعصيان ".
371

الشرعي بالعدالة إما بشهادة العدلين، أو المعاشرة المطلعة على الحال.
ومقتضاه اعتبار الظن في الشهادة بالعدالة، ولا فرق بين أفراد الشهادة.
وهو قد حكم أيضا بثبوت العدالة بالاستفاضة لو كانت مفيدة للظن المتآخم
للعلم، أو ظن أقوى من المعاشرة وشهادة العدلين (1).
وهو ظاهر صاحب المعالم في الدليل الرابع، حيث إنه - بعد أن حكم بأن كثيرا
من أخبار الآحاد يحصل به من الظن ما لا يحصل من سائر الأدلة، فيجب تقديم
العمل بأخبار الآحاد - أجاب عن الإيراد - بأنه لو تم ذلك لوجب فيما إذا حصل
للحاكم من شهادة العدل الواحد أو دعواه ظن أقوى من الظن الحاصل بشهادة
العدلين أن يحكم بالواحد أو بالدعوى، وهو خلاف الإجماع - بأنه ليس الحكم
في الشهادة منوطا بالظن، بل لشهادة العدلين، فينتفي بانتفائها. ومثلها الفتوى
والإقرار، فهي - كما أشار إليه المرتضى (2) - في معنى الأسباب والشروط الشرعية،
كزوال الشمس وطلوع الفجر بالنسبة إلى الأحكام المتعلقة بهما (3).
وربما يقال: إن غاية ما تقتضيه العبارة أن الحكم في الشهادة ليس من جهة
الظن، حتى يلزم منه التعدي إلى ما يفيد ظنا أقوى من الظن الحاصل بالشهادة، فلا
دلالة في العبارة على عدم اشتراط الظن في الشهادة وحجيته، حتى في صورة
الشك، فغاية الأمر دلالة العبارة على أن حجية الشهادة ليس من باب الظن، ولا
دلالة فيها على عدم اشتراطها بالظن.
وهو ظاهر السيد في المدارك أيضا، حيث إنه استشكل في احتمال حجية
الاستفاضة على تقدير كفاية الظن الغالب لو فرض حصول الظن منها زيادة على

1. مجمع الفائدة والبرهان 5: 287.
2. الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 537، ونقله عنه في معالم الدين: 193.
3. معالم الدين: 193.
372

ما يحصل من البينة، كما وقع من جده (1).
وقد سبق بأن ذلك متوقف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين للظن؛
معللا بإفادتها، فيتعدى إلى ما حصل به الظن وتتحقق به الأولوية، وليس في
النص ما يدل على هذا التعليل، وإنما هو مستنبط، فلا عبرة به.
وقد يقال: إن الاحتمال السابق - من كون المقصود عدم حجية الشهادة من
جهة الظن حتى يتأتى التعدي - هنا أقوى.
وصرح بذلك في الرياض حيث أورد على احتمال حجية الاستفاضة - على
التقرير المذكور وفي الفرض المزبور - بأن الأولوية إنما تنتهض حجة لو كان
المناط والعلة في حجية شهادة العدلين إنما هو إفادتها للظن، وليس كذلك، بل
هي من جملة الأسباب الشرعية حتى أنها لو لم تفد مظنة بالكلية لكانت حجة
أيضا بلا شبهة، إلى آخر الإيراد (2).
وأيضا قد حكم في بحث تعارض البينات بأن مناط العمل بالبينة
خصوصيتها، لا إفادة المظنة، وأ نها من قبيل الأسباب، ولذا يعمل عليها ولو لم
تفد المظنة بالكلية، بل لو حصل من شهادة الفاسق ونحوه ظن أقوى من الظن
الحاصل من البينة بمراتب شتى يعمل بهما دون شهادتهما، أي الفاسق ونحوه (3).
والمنشأ أن مفاد ما دل على حجية البينة حجيتهما من حيث البينة، لا من حيث
إفادتها المظنة. وهو المحكي في الرياض عن جماعة من الأصحاب (4).
وفصل بعض أصحابنا بين ما لو كان احتمال المخالفة للواقع من جهة التعمد

1. مدارك الأحكام 6: 166، وانظر مسالك الأفهام 2: 410.
2. رياض المسائل 5: 409.
3. المصدر.
4. رياض المسائل 5: 413. وأما الجماعة فمنهم السيد محمد في مدارك الأحكام 6: 167، و
السبزواري في الذخيرة: 530.
373

في الكذب، فتقبل الشهادة حتى في صورة الظن بالمخالفة، وما كان احتمال
المخالفة من جهة احتمال الخطأ والاشتباه، فيشترط الظن بالمطابقة، أي كون
الاحتمال موهوما.
ومرجع التفصيل إلى اشتراط حجية الشهادة بالظن بعدم الخطأ والاشتباه،
وحجيتها في صورة الظن بالكذب.
وتحرير ما استدل به بأن مقتضى ما دل على تصديق العادل بل المؤمن مثل
قوله (عليه السلام): " كذب عينك وبصرك عن أخيك " (1) عدم اعتبار احتمال الكذب حتى في
صورة كونه مظنونا.
وأما احتمال الخطأ والاشتباه، فالدليل على عدم اعتباره إنما هو طريقة
العقلاء، وإنما هي تختص بصورة كون الاحتمال موهوما؛ حيث إنها قد استقرت
على عدم الاعتناء باحتمال الاشتباه في صورة كون الاحتمال موهوما، ولا يتجاوز
عنها، فلابد من الاقتصار على ما تقتضيه طريقة العقلاء.
أقول: إن ما استدل به سيدنا على عموم اعتبار حجية البينة - من إطلاق ما دل
على قبول البينة - ينقدح بأن المقصود بالإطلاق المذكور إن كان هو إطلاق النبوي
المعروف - أعني قوله (صلى الله عليه وآله): " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر " (2) - كما هو
الظاهر، ففيه - بعد أنه يختص ذلك بالقاضي في مقام القضاء، ولا يطرد في حق
غير القاضي، ولا في حق القاضي في غير مقام القضاء. والنزاع في المقام لا
يختص بالقاضي في مقام القضاء، بل يعم غير القاضي والقاضي في غير مقام
القضاء؛ إلا أن يقال: إنه يتم المرام بعدم القول بالفصل، بل لو ثبت عموم اعتبار
البينة في مقام القضاء فيتأتى عموم الاعتبار في غير مقام القضاء بالأولوية -: أن
الإطلاق المذكور وارد مورد الإجمال، ومثله ما دل على أمهات المعاملات، فضلا

1. ثواب الأعمال: 295.
2. سنن البيهقي 10: 252، كتاب الدعاوى والبينات.
374

عن إطلاقات الكتاب، ولا اعتبار بالإطلاق الوارد مورد الإجمال، كما حررناه في
محله.
وإن كان المقصود إطلاق ما دل على حجية عموم البينة، فينقدح القدح فيه
بما يأتي.
نعم، دعوى انصراف ما دل على حجية البينة (1) إلى صورة إفادة الظن - كما
تقدم ممن استدل على القول الأول - محل الإشكال؛ بل الظاهر عدم الانصراف.
لكن أغلب أفراد البينة مفيد للظن بلا إشكال.
وهذه الغلبة وإن لا توجب الظن بخروج البينة الغير المفيدة للظن لكنها
توجب الشك في الشمول مع مساعدة طائفة من العبارات، لا اشتراط الظن في
الحجية.
بل نقول: إنه وإن لا يكون في البين انصراف يوجب الظن بخروج البينة الغير
المفيدة للظن عن الإطلاق - بل فرضنا عدم كون غلبة إفادة الظن في البينة موجبا
للشك في دخولها في الإطلاق - لكن لا يكون في البين إطلاق وارد مورد التفصيل
بحيث يوجب الظن بالشمول لصورة عدم حصول الظن، فضلا عن صورة حصول
الظن بالخلاف كما يظهر مما يأتي، فحجية البينة في هذه الصورة مشكوكة،
فمقتضى أصالة عدم الحجية الاقتصار على صورة إفادة الظن، إلا أنه إنما يتم بناء
على اعتبار أصالة العدم، وأما بناء على عدم اعتبار أصالة العدم - كما هو الأقوم -
فلا دليل على الوجوب أو الحرمة لو اقتضت البينة الوجوب أو الحرمة، فوجود
البينة في صورة عدم إفادة الظن كالعدم وإن قلنا بعدم اعتبار أصالة العدم.
وأما الاستشهاد على التعبد بعدم ملاحظة الترجيح في تعارض بينة الداخل
والخارج، فيضعف بأن خروج هذه الصورة بالإجماع لا ينافي أصالة اشتراط إفادة

1. وسائل الشيعة 18: 170، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، ب 3.
375

الظن، مع أن المشهور في صورة تعارض البينتين لو كان المدعى به في يد ثالث
هو البناء على الترجيح.
كما أنه في صورة التعارض مع كون المدعى به في يد المتداعيين وإن كان
المشهور الحكم لكل منهما بما في يد الآخر إلا أنه حكى في الرياض عن جماعة
بناء الأمر على الترجيح (1).
وأما ما تأيد به ففيه: أن من تقدم منه الاستدلال على اشتراط إفادة الظن يقول
باشتراط الإقرار بإفادة الظن اجتهادا كالشهادة، إلا أن الأظهر أن حاله على منوال
حال الشهادة اجتهادا وعملا.
وأما الفتوى فالأظهر أن حجيتها من باب الظن، بل هو المشهور.
وقضية استدلال المشهور على وجوب تقليد الأعلم بأن الظن في جانب قول
الأعلم وأقوال المجتهدين بالنسبة إلى المقلد نظير أخبار الآحاد بالنسبة إلى
المجتهدين، فيجب على المقلد مراعاة الظن الأقوى (2).
وجواز استناد الشهادة إلى الاستصحاب في الشهادة بالملكية حال الأداء على
القول به لا ينافي أصالة استنادها إلى العلم.
كيف لا، وقد اشترط الفقهاء في الشهادة العلم ولو شرعا، مع أن الشهادة على
الملكية تفيد الظن وإن كانت مبنية على الاستصحاب؛ لظهورها في العلم.
على أن الاستصحاب يفيد الظن للشاهد، وكل إخبار مبني على الظن يفيد
الظن للسامع، إلا أن الظن الحاصل للمخبر أقوى من الظن الحاصل للسامع، وإن
أمكن منع الأقوائية.
فقد بان أنه ليس في البين إطلاق نافع يوجب الظن بدخول صورة عدم إفادة
الظن، ولا مقيد يوجب خروج هذه الصورة عن الإطلاقات لو كانت نافعة،

1. رياض المسائل 2: 422.
2. انظر رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ الأنصاري: 71.
376

ولا ظهور لهذه الإطلاقات في صورة إفادة الظن بحيث يصير صورة عدم إفادة
الظن مظنون الخروج، ففي صورة عدم إفادة الظن تكون البينة مشكوكة الحجية،
فوجودها كالعدم ولو قلنا بعدم اعتبار أصالة العدم.
[في اعتبار الشهادة تعبدا]
ثم إنه هل يطرد اعتبار الشهادة تعبدا فيما كان الأمر فيه منوطا بالظن - كما في
جواز الإفطار في شهر رمضان قضية إناطته بالظن - أو لا؟
مقتضى ما يأتي من بعض الفحول - من عدم اعتبار شهادة العدلين من الأطباء
أو من غيرهم بترتب الضرر على الصوم مع عدم حصول الظن بالضرر - القول
بالأخير.
لكن يمكن أن يقال: إن اعتبار الظن بالضرر في جواز الإفطار إنما هو من جهة
المرآتية، لا الموضوعية قطعا، فلو ثبت (ترتب الضرر بطريق تعبدي - كشهادة
العدلين على القول به - يجوز الإفطار.
نعم، لو ثبت) (1) اعتبار الظن على وجه الموضوعية في موضع، لا يتم فيه
اعتبار (2) شهادة العدلين بناء على اعتبارها (3) تعبدا.
(إلا أن يقال: إن مقتضى أخذ الضرر في الأخبار في جواز الإفطار (4) قضية أخذ
الخوف فيها في باب جواز الإفطار إنما هو موضوعية الظن بالضرر) (5).
إلا أن يقال: إن غاية ما يقتضيه ذلك إنما هي وجوب القضاء على تقدير
انكشاف عدم الضرر، بناء على كون القضاء بالفرض الأول دون عدم اعتبار

1. ما بين القوسين ليس في " د ".
2. كلمة " اعتبار " ليس في " د ".
3. بدلها في " د ": " اعتبار الظن بها ".
4. وسائل الشيعة 7: 156، أبواب من يصح منه الصوم، ب 20.
5. ما بين القوسين ليس في " د ".
377

تحصيل الواقع بالتعبد. وعلى هذا المنوال يجري الحال فيما لو شهد عدلان
بالركعات حال الصلاة، مع عدم حصول الظن من الشهادة.
إلا أن يقال: إن مقتضى موضوعية الظن الإغماض عن الواقع، فلا مجال
لترتيب آثار الواقع مع استخراج الواقع بالتعبد.
إلا أن يقال: إن غاية ما تقتضيه الموضوعية إنما هي الإغماض عن الواقع في
صورة ثبوت الظن بالشيء وانتفاء الشيء واقعا، أي مخالفة الظن للواقع بمعنى
ترتيب آثار الوجود على تقدير ثبوت الظن بالشيء مع انتفاء الشيء واقعا، لكنه لا
يقتضي الإغماض عن الواقع في جانب انتفاء الظن بالشيء وثبوت الشيء واقعا.
وبعبارة أخرى: غاية ما تقتضيه الموضوعية إنما هي تعميم آثار وجود الشيء
في صورة انتفائه واقعا. لكنه لا يقتضي تقليل آثار الوجود بعدم ترتيب آثار
الوجود مع قيام الطريق التعبدي.
والمستند في ذلك عدم التعارض بين ما دل على اعتبار الظن وما دل على
اعتبار الطريق تعبدا، فلابد من العمل بكل من الظن والطريق التعبدي.
نعم، لو ثبت المفهوم لما دل على اعتبار الظن، يتأتى التعارض، ولابد من
ملاحظة الترجيح والتعادل.
ثم إنه يتأتى الكلام في اشتراط اعتبار الشهادة في صورة كون المثبت لعدالة
الشاهدين هو حسن الظاهر بالظن بالعدالة وعدمه.
والمرجع إلى الكلام في اشتراط اعتبار حسن الظاهر في كاشف العدالة بالظن
بالعدالة وعدمه.
والأظهر أن المدار في العدالة على الظن، فاعتبار حسن الظاهر من باب الظن،
لا من باب التعبد بشرط الظن، ولا من باب التعبد الصرف.
فيتأتى الكلام تارة في الشهادة في اشتراط اعتبارها بالظن بما قامت عليه
وعدمه، وأخرى في اشتراطها في صورة كون المثبت لها حسن الظاهر بالظن
378

بالعدالة وعدمه.
ونظير ذلك أنه يتأتى الكلام في اشتراط اعتبار الشهادة بالظن بالعدالة وعدمه
لو كان المثبت لعدالة الشاهدين هو شهادة العدلين، على حسب الخلاف في
اشتراط اعتبار الشهادة بالظن بالواقع وعدمه.
وأما الثاني فنقول: إنه تارة يتأتى الاختلاف في معنى الشيء، وتشهد البينة
بالشيء، وأخرى يتأتى الاختلاف في أسباب حدوث الشيء، وتشهد البينة
بالحدوث، وثالثة يتأتى الاختلاف في أسباب صحة الشيء، وتشهد البينة
بالصحة.
أما الأول: فالتعبد في الشهادة إنما يوجب الحجية مع الشك في مطابقة مراد
الشاهد للواقع، ولا يوجب الحجية مع الشك في المراد.
وبوجه آخر: التعبد في الشهادة إنما يوجب الحجية مع الشك في مطابقة مراد
الشاهد للواقع، ولا يوجب الحجية مع الشك في المشهود به، كيف لا، ولا مجال
لحجية الشهادة تعبدا لو وقعت الشهادة بلفظ مجمل للاشتراك.
والاختلاف في معنى العدالة من هذا القسم؛ حيث إنها ترجع إلى الاختلاف
في معنى العدالة، فهو يوجب الإجمال في المشهود به.
نعم، المدار في عدالة المشهود بعدالته على العدالة بحسب معتقد المشهود
بعدالته إن كان مجتهدا، أو معتقد مجتهده إن كان مقلدا، ولا ريب أن الشاهد
العارف بأحكام العدالة لو شهد بعدالة شخص يكون مقصوده عدالة الشخص
بحسب اجتهاده، أو اجتهاد مجتهده؛ فتقبل الشهادة.
لكن قد تطرق في توثيق الرواة من أهل الرجال إشكال معروف من جهة
احتمال مخالفة مذهب المزكي والمزكى له.
وأجيب عنه بوجوه عشرة. وقد حررنا الحال في الأصول والرسالة المعمولة
في " ثقة ".
379

وأما الشهادة بالفسق فتقبل أيضا بدون ذكر السبب؛ حيث إن الظاهر من
الشهادة بلا شبهة كون المراد هو الفسق ولو باعتقاد المشهود بفسقه، فيحكم
بفسق المشهود بفسقه.
فعند الشهادة بالعدالة - لو قلنا باشتراط حجية الشهادة بالظن - لابد من الظن
بعدالة المشهود بعدالته باعتقاده أو اعتقاد مجتهده، وإلا فلابد من القبول ولو كانت
عدالة المشهود بعدالته باعتقاده أو اعتقاد مجتهده مشكوكا فيها.
وربما يتوهم أن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية، فتحمل الشهادة على
العدالة - مثلا - على العدالة الواقعية؛ قضية أصالة حمل اللفظ على المعنى الحقيقي.
وليس بشيء؛ إذ المدار (1) في حمل اللفظ على معناه الواقعي الظن بإرادته، بناء
على اعتبار الظن الشخصي في باب الحقيقة، كما هو الأظهر.
وبعد اختلاف الشاهد والمشهود له في باب المعنى الحقيقي لا يحصل الظن
بإرادة المعنى الحقيقي؛ لأن الشاهد غير مطلع عليه لو كان مخالفا لمعتقده؛ بل
الظاهر إرادة ما يعتقد المشهود بعدالته كونه عدالة على ما سمعت.
بل على ما ذكر يجري الحال بناء على اعتبار الظن النوعي في باب الحقيقة
لاختصاص (2) القول به بما لو ارتفع الظن بإرادة المعنى الحقيقي بمعارضة الظن
الناشئ من الأمر الغير المعتبر، أو معارضة الشك الناشئ من الأمر الغير المعتبر، أو
الأعم على الخلاف.
فلا يطرد القول المذكور فيما لم يحصل الظن بإرادة المعنى الحقيقي من
اللفظ بنفسه، كما لو شك في شمول الإطلاق لبعض الأفراد كما حررناه في محله.
وأما الثاني: فهو كما لو شهدت البينة بملكية زيد لدار مع الاختلاف في
أسباب الملكية، فحينئذ لو قلنا باشتراط حجية الشهادة بالظن، لابد من السؤال

1. في " د ": " المراد ".
2. في " ح ": " لا اختصاص ".
380

عن السبب، وإلا فلا، إلا أن يقال: إن الملكية تختلف باختلاف الآراء والأقوال،
فلا تثبت بالشهادة بناء على عدم اشتراط حجية الشهادة بالظن.
وأما الأخير: فهو كما لو شهدت البينة باشتراء زيد داره من عمرو، فالاشتراء
لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في صحته، فحينئذ يثبت أصل الاشتراء - الأعم من
الصحيح والفاسد - بالبينة.
وأما صحة الاشتراء فهي مبنية على أن يقال بأن الظاهر من الشهادة - بالظهور
اللفظي - هو كون المشهود به القسم الصحيح من الاشتراء.
ولكن يمكن القدح فيه بأن الصحة تختلف باختلاف الآراء والأقوال، فلا
تثبت بالشهادة كما سمعت.
إلا أن يجاب عنه: بأن المستفاد من الشهادة ومفادها الصحة عند المشتري
اجتهادا أو تقليدا، وهو يكفي في الحكم بالصحة من القاضي، ولا تلزم فيه
الصحة باعتقاد القاضي.
إلا أن الاستفادة محل الإشكال.
أو يجاب عنه: بأن الشهادة لا يثبت بها من الاشتراء أزيد من القدر المشترك
بين الصحيح والفاسد، إلا أن الظاهر من فعل المسلم الصحة؛ فالاشتراء محمول
على الصحيح.
إلا أن يقال: إن المدار في أصالة صحة فعل المسلم على الصحة عند الفاعل،
فلا يجدي في الحكم بالصحة باعتقاد القاضي.
إلا أن يقال: إن صحة المعاملة - اجتهادا أو تقليدا - تكفي في الحكم بالصحة
من القاضي، ولا يلزم في حكمه بالصحة الصحة باعتقاده.
أو يقال: إن أفعال المسلمين محمولة على الصحة الواقعية.
لكنه يندفع بأنه مبني على ثبوت أصالة صحة أفعال المسلمين من باب
التعبد، لكنها غير ثابتة، بل لم يثبت الأصل المذكور من باب الظن لغاية مسامحة
381

الناس في عباداتهم، بل على هذا المنوال حال معاملاتهم مع غاية اهتمامهم في
الأمور الدنيوية. وقد حررنا الحال في محله.
أو يقال: إن طريقة الناس جارية - في أمثال موارد البينة من الاشتراء ونحوه
من المعاملات الخطيرة - على الإتيان بالوجه الصحيح المتفق عليه اهتماما منهم في
الأمور الدنيوية، إلا أن مجرد هذا الظهور لا يليق بأن يصير منشأ لحكم الحاكم
بالصحة وملكية الدار لزيد، بل قد سمعت شدة مسامحة الناس حتى في معاملاتهم.
وبما ذكرنا يظهر فساد ما استدل به سيدنا على عدم لزوم ذكر السبب في
الشهادة بالعدالة من أنه لو كان ذكر السبب شرطا فيه، يلزم ذكر السبب في الشهادة
بالبيع؛ للاختلاف في صحة البيع بالمعاطاة وغيره من سائر الاختلافات، بل يلزم
ذكر السبب في سائر موارد الشهادة - غير الشهادة بالعدالة - بأسرها؛ للاختلاف في
الأسباب في جميع الموارد.
وبعد اللتيا والتي يمكن أن يقال: إن القسم الأخير يرجع إلى القسم الثاني؛
لوضوح عدم شهادة البينة بصحة الاشتراء.
[في الخلاف بين الشاهد والمشهود له]
وبعدما مر أقول: إن الخلاف بين الشاهد والمشهود له إما أن يكون من جهة
الاختلاف في الاصطلاح، كما لو شهد الشاهد بمائة رطل من مال زيد في ذمة
عمرو، وكان الرطل في اصطلاح الشاهد غير ما يكون في اصطلاح الحاكم.
وإما أن يكون من جهة الاختلاف في معنى المشهود به، كما لو شهد الشاهد
بعدالة زيد وكانت العدالة عنده مجرد الترك وعند المشهود له الملكة، بناء على
انفكاك الترك عن الملكة.
وإما أن يكون من جهة الاختلاف في سبب المشهود به بحسب الحكم، كما
لو شهد الشاهد بنجاسة ثوب، والمنشأ ملاقاة الثوب لعرق الجنب عن الحرام،
382

والشاهد يرى نجاسة عرق الجنب عن الحرام، بخلاف المشهود له.
وإما أن يكون من جهة الاختلاف في سبب المشهود به بحسب الموضوع من
حيث التحصل، كما لو شهد الشاهد بنجاسة ثوب مرطوب باعتقاد أن الثوب لاقى
الكلب، والمشهود له يعتقد أن الثوب لاقى الهرة.
وإما أن يكون من جهة الاختلاف في سبب المشهود به بحسب الموضوع من
حيث الاستنباط، كما لو شهد الشاهد بفسق زيد؛ لاستماعه الصوت المرجع أو
المطرب، بناء على كون المدار في الغناء على الترجيع أو الإطراب، مع كون
المدار في الغناء عند المشهود له على الإطراب والترجيع.
أما الصورة الأولى: فالكلام فيها موكول إلى مسألة تعارض عرف الراوي
والمروي عنه. وقد حررنا الكلام فيها في محله.
وأما الصورة الثانية: فيظهر الكلام فيها بما تقدم في الصورة الأولى من الصور
المتقدمة.
وأما الصور الثلاث الباقية: فيظهر الكلام فيها بما تقدم في الصورة الثانية من
الصور المتقدمة.
[اختصاص حجية البينة بالقاضي وعدمه]
ثم إنه قد اختلف في اختصاص حجية البينة بالقاضي في القضاء، واطراد
حجيتها في حق القاضي وغيره في الموضوع من حيث التحصل وتحصل الحكم
الوضعي.
فعن ظاهر الذريعة (1) والمعارج (2) والجعفرية (3) القول بالعدم، حيث إنهم حكموا

1. الذريعة 2: 80.
2. معارج الأصول: 201.
3. الجعفرية (ضمن رسائل المحقق الكركي) 1: 80.
383

بعدم ثبوت الاجتهاد بها؛ استنادا إلى عدم دليل على عموم اعتبارها.
وهو ظاهر الوافية، حيث تأمل في ثبوته بها (1).
وهو المحكي عن ابن البراج، حيث حكم بالطهارة مع شهادة العدلين
بالنجاسة؛ نظرا إلى أن الطهارة معلومة بالأصل؛ وشهادة الشاهدين لا تفيد إلا
الظن، فلا يترك لأجله المعلوم (2).
وينصرح القول به من المدارك، حيث إنه حكى عن المحقق الثاني (3) أنه لو شهد
بالغروب عدلان ثم بان كذبهما، فلا شيء على المفطر؛ لأن شهادتهما حجة شرعية،
فاستشكل فيه بانتفاء ما يدل على جواز التعويل على البينة على وجه العموم (4).
وأيضا حكم بأن النجاسة لا يحكم بها إلا مع اليقين أو الظن الذي ثبت اعتباره
شرعا كشهادة العدلين إن سلم عمومها (5).
وجنح إليه المحقق الشيخ محمد في تعليقات الاستبصار، حيث اختار عدم
ثبوت النجاسة بها، بل قال عند الكلام في صلاة المسافر: إن كون البينة حجة
شرعية في جميع الأحكام موضع البحث، وأيضا لم يكتف بها في دخول الوقت.
وهو صريح الذخيرة، حيث استحسن ما علل في المدارك استشكاله المشار
إليه، وأيضا استشكل في الاعتماد عليها في دخول الوقت بعد أن حكى عن ظاهر
أكثر الأصحاب الاعتماد عليه؛ لكونها شهادة اعتبرها الشارع. وأيضا قال:
إن إخبار العدلين بأن الفعل - أي واجبات الميت - قد وقع إذا لم يحصل
العلم به إنما ينفع لو ثبت أن الشارع جعله حجة في جميع المواضع (6).

1. الوافية: 129 و 161.
2. جواهر الفقه: 9، المسألة 9؛ وانظر المهذب 1: 30.
3. جامع المقاصد 3: 65.
4. مدارك الأحكام 6: 94.
5. جامع المقاصد 1: 154.
6. الذخيرة: 502.
384

وللتأمل فيه مجال.
وهو مقتضى ما حكم به في المشارق - في تزييف القول بقبولها في النجاسة -
من أن اعتبارها في نظر الشارع مطلقا ممنوع (1).
وقال المدقق الشيرواني في تعليقات الشرائع عند الكلام في صلاة المسافر: إن
التعويل على العدلين إنما هو في الدعاوي، ولم يعلم وجوب التعويل عليه في كل
موضع، ولذا نرى جماعة من أصحابنا (2) يترددون في التعويل على العدلين في باب
الطهارة والنجاسة.
واختاره العلامة البهبهاني في تعليقات المدارك عند الكلام في إخبار العدلين
بهلال رمضان، بل حكى أن الفقهاء في كتاب القضاء صرحوا بأن العمل بالشهادة
منصب الفقيه (3).
ومال إليه الوالد الماجد حيث صرح في بحث الواجب الكفائي بعدم حجة
على عموم حجيتها، وكذا بعض الفحول حيث حكم بعدم اعتبار شهادة العدلين
من الأطباء أو من غيرهم بترتب الضرر على الصوم مع عدم حصول الظن بالضرر،
بناء على عدم اشتراط اعتبار شهادة العدلين عنده بالظن.
ويظهر القول بالثبوت مما عن المحقق في المعتبر (4) وابن إدريس (5) والعلامة في
المنتهى (6) من قبولها في النجاسة، بل عن الشيخ في المبسوط (7)، وابن إدريس (8)،

1. مشارق الشموس: 283.
2. مثل القاضي ابن البراج في جواهر الفقه: 9، والكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 78.
3. حاشية مدارك الأحكام (الطبعة الحجرية): 26؛ وانظر مدارك الأحكام 6: 167.
4. المعتبر 1: 54.
5. السرائر 1: 86.
6. منتهى المطلب 1: 9.
7. المبسوط 1: 267.
8. السرائر 1: 86.
385

والعلامة في المنتهى (1) أن الشارع جعل البينة حجة شرعية.
وهو المنصرح من العلامة في مواضع من المختلف، بل حكم فيه عند الكلام
في إخبار العدلين بهلال رمضان بأنه عرف من قضية الشرع قبول الشاهدين في
الأحكام كلها إلا ما شذ (2).
وهو ظاهر أول الشهيدين في البيان حيث بنى الأمر على قبولها في النجاسة (3)،
والمحقق الثاني، حيث حكم بما مر حكايته عن المدارك عنه (4)، والعميدي في
الميتة في بحث الواجب الكفائي، حيث اكتفى بها في وقوع الواجب الكفائي،
والشهيد الثاني في المسالك كما عن الروض والمقاصد العلية، حيث احتمل في
الأول القول بعدم قضاء الصوم للصائم لو ترك مراعاة طلوع الفجر ثم ظهر الطلوع
لو أخبر عدلان بعدم الطلوع؛ استنادا إلى أنه حجة شرعية، بل حكم بأنه لو كان
المخبر بالطلوع عدلين فتناول، وجبت الكفارة؛ للحكم بقولهما شرعا، فهو في
قوة تعمد الإفطار ممن تيقن الطلوع (5). واكتفى بها في الأوسط في واجبات
الميت (6). وارتضى في الأخير ثبوت الاجتهاد بها (7).
والمقدس في المجمع، حيث جوز الصلاة عند شهادة العدلين بدخول
الوقت؛ احتجاجا بأنه حجة شرعية (8)، بل نقل عنه أنه يعلم كون البينة حجة
شرعية من قول الأصحاب.

1. منتهى المطلب 1: 9.
2. مختلف الشيعة 3: 353 المسألة 88.
3. البيان: 96.
4. جامع المقاصد 1: 154؛ وانظر مدارك الأحكام 6: 94.
5. مسالك الأفهام 2: 25.
6. روض الجنان: 92.
7. المقاصد العلية (شرح الألفية): 114.
8. مجمع الفائدة والبرهان 2: 53.
386

وصاحب المعالم حيث اكتفى بها في ثبوت الاجتهاد؛ تعليلا بأنها حجة
شرعية (1).
وشيخنا البهائي في تعليقات الزبدة في بحث الواجب الكفائي، حيث اكتفى
بها في وقوع الواجب الكفائي، وكذا في تعليقات الفقيه نقلا، حيث يظهر منه
الاكتفاء بها في النجاسة (2).
والفاضل الهندي في نكاح الكشف، حيث جعل الأصل فيها القبول (3).
والفاضل الخونساري في تعليقات الروضة، حيث قضى بتعين متابعة إخبار
العدلين في القبلة؛ نظرا إلى أنه حجة شرعية (4).
والعلامة البهبهاني في شرح المفاتيح - بل حكى فيه أنه صار من المسلمات
عند الفقهاء - أن شهادة العدلين حجة إلا فيما منع الشارع، بل ربما كان هذا
إجماعيا؛ إذ نرى القدماء والمتأخرين يجعلونها حجة شرعية يحتجون بها، ولا
نرى من خصم تأملا فيها، بل يتلقون بالقبول.
وحكى أيضا في رسالته الاستصحابية: أنهم فهموا من تتبع تضاعيف أحكام
الشرع واستقرائها حجية شهادة العدلين على الإطلاق إلا فيما ثبت خلافه (5).
والمحقق القمي في القوانين في بحث الواجب الكفائي، حيث اكتفى بها في
وقوع الواجب الكفائي (6). وكذا في بحث الاستقراء حيث إنه فيه جعل اعتبارها من
فروع الاستقراء (7).

1. معالم الدين: 244.
2. زبدة الأصول: 41.
3. كشف اللثام 2: 33 و 34.
4. التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية لآقا جمال الخونساري: 178.
5. الرسائل الأصولية: 429.
6. القوانين المحكمة 1: 53.
7. القوانين المحكمة 1: 122.
387

ووافقه الوالد الماجد - (رحمه الله) - في الأخير.
وكذا في كتاب القضاء من الغنائم، بل صرح فيه بأن استقراء الأحكام يقتضي
أن قول العدلين يدل على تحقق ما قالاه شرعا في غير الدعاوي أيضا، لكنه توقف
في ثبوت النجاسة بها.
والسيد السند العلي في الرياض في كتاب الصوم، حيث حكم بأن الأصل في
شهادة العدلين الحجية ولو في نحو المسألة - يعني رؤية الهلال - إلا مع حصول
التهمة، وادعى عموم ما دل على الحجية (1).
وكذا في كتاب الحجر، حيث حكم بثبوت الرشد وغيره من أمارات البلوغ
بها، وادعى عموم ما دل على القبول والاستقراء (2).
لكنه حكم في كتاب الطهارة بأن الاكتفاء بها في النجاسة في الظاهر أشهر
أقوالهم وأحوطها وإن لم ينهض عليه دليل تطمئن إليه النفس أصلا (3).
وبعض الأصحاب وبعض الأعاظم بل هو قد ادعى القطع بعموم الاعتبار من
جهة الاستقراء (4).
وبعض الأعلام في باب صلاة الجماعة، حيث حكم بثبوت العدالة بها؛ بل
قال تارة: إن الإنصاف أن الظاهر من تتبع النصوص الواردة من أهل بيت العصمة
والطهارة أن حجية قول العدلين كانت من الأمور المسلمة التي ليس فيها خفاء،
والظاهر أن ذلك مما أطبق عليه الأصحاب إلا في موارد قليلة.
وأخرى قال: إن الظاهر منهم حجية قول العدلين في حقوق الناس بأسرها
وأكثر حقوق الله سبحانه.
ويمكن الاستدلال للقول الأخير بالكتاب والسنة.

1. رياض المسائل 6: 414.
2. رياض المسائل 2: 591.
3. رياض المسائل 1: 424.
4. انظر رياض المسائل 1: 425.
388

[أدلة اعتبار عموم شهادة العدلين]
أما الكتاب: فهو قوله سبحانه في سورة البقرة: (ومن أظلم ممن كتم شهدة
عنده من الله) (1).
وقوله سبحانه في سورة البقرة أيضا: (يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى
أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل... واستشهدوا شهيدين من
رجالكم) (2).
وقوله سبحانه في سورة البقرة أيضا: (ولا يأب الشهدآء إذا ما دعوا) (3) حيث إن
الغرض النهي عن إباء الشهداء - عند الدعوة لإقامة الشهادة - عن الشهادة، فتجب
الشهادة عند الدعوة، وليس ذلك إلا لاعتبار الشهادة ووجوب قبولها، وإلا يلزم
اللغو في وجوب الشهادة؛ بل عن غير واحد من الفقهاء التصريح بوجوب الشيء
لوجوب مقدمته (4)؛ بل قيل: لا كلام لأحد فيه.
وقوله سبحانه في سورة البقرة أيضا: (ولا تكتموا الشهدة ومن يكتمها فإنه ءاثم
قلبه) (5).
وقوله سبحانه في سورة النساء: (يأيها الذين ءامنوا كونوا قو مين بالقسط شهدآء
لله ولو على أنفسكم أو الو لدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) (6).

1. البقرة (2): 140.
2 و 3. البقرة (2): 282.
4. كالمقدس الأردبيلي حيث صرح بمذهب وجوب المقدمة في مواطن عديدة من مجمع الفائدة
والبرهان وزبدة البيان، منها في ج 1: 66 و 68: وج 4: 226، وج 5: 369، وج 2: 52؛ وفي زبدة
البيان ص 17، 173، 505.
5. البقرة (2): 283.
6. النساء (4): 135.
389

وقوله سبحانه في سورة المائدة: (يأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم
ومن قتله منكم متعمدا فجزآء مثل ما قتل من النعم يحكم بهى ذوا عدل منكم هديا بلغ
الكعبة) (1).
وقوله سبحانه في سورة المائدة أيضا: (يأيها الذين ءامنوا كونوا قو مين لله
شهدآء بالقسط) (2).
وقوله سبحانه في سورة المائدة أيضا: (يأيها الذين ءامنوا شهدة بينكم إذا
حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم) (3).
وقوله سبحانه في سورة الطلاق: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) (4).
وفي الكل نظر.
أما الأول: فلأن إطلاقه في مقام حرمة الكتمان، فلا اعتبار به مع قطع النظر
عن عدم اعتبار إطلاقات الكتاب.
ونظير ذلك التمسك بالنبوي المعروف: " الصلاة خير موضوع، فمن شاء
استقل ومن شاء استكثر " (5) على دفع الجزئية أو الشرطية أو المانعية في الصلاة،
وكذا التمسك بالنبوي المعروف: " النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس
مني " (6) على دفع الجزئية أو الشرطية أو المانعية في النكاح؛ لكون الأول في بيان
جواز الاستقلال والاستكثار، وكون الثاني في بيان كراهة الرهبانية، مضافا إلى عدم
دلالته على اعتبار شهادة الاثنين، فضلا عن العدلين.

1. المائدة (5): 95.
2. المائدة (5): 8.
3. المائدة (5): 106.
4. الطلاق (65): 2.
5. معاني الأخبار: 333، ضمن ح 1، باب معنى تحية المسجد ومعنى الصلاة....
6. جامع الأخبار: 101، البحار 103: 220، ح 23.
390

وبما ذكر يظهر الكلام في الرابع.
وأما الثاني: فلأن غاية الأمر دلالته على اعتبار شهادة الاثنين في باب
المداينة، ولا دلالة فيها على اعتبار شهادة الشهيدين على الإطلاق.
وإن قلت: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.
قلت: إن المدار في المورد في باب اعتبار عموم اللفظ دون خصوص المورد
على ما كان خارجا عن الكلام من سؤال السائل، أو وقوع الواقعة، أو شأن نزول
الآية.
وأما لو كان المورد الخاص مذكورا في الكلام، فلا محيص عن الاختصاص
بالمورد، وإلا للزم القول في " إن جاءك زيد فأكرمه " بدلالته على وجوب إكرام زيد
وإن لم يجئ، ولا يقول به عاقل.
نعم، قد اتفق توهم اعتبار عموم اللفظ مع اختصاص المورد المذكور في
الكلام في موارد من كلامهم، وقد زيفناه في محله.
ومع هذا إطلاقات الكتاب لا اعتبار بها، فلا اعتبار بإطلاق الآية بعد دلالتها
على العموم، ومع هذا لا دلالة في الآية على اعتبار شهادة خصوص العدلين، بل
مقتضاها اعتبار شهادة الشهيدين مطلقا.
وإن قلت: إنه يقيد إطلاق الآية بالتقييد بالعدلين في آية الطلاق (1).
قلت: إنه قد ورد التقييد بالعدالة في الطلاق المذكور في الكلام، فكيف يقيد
الإطلاق الوارد في مورد مخصوص مذكور في الكلام بالمقيد الوارد في مورد
مخصوص مذكور في الكلام.
نعم، يتم التقييد بناء على اعتبار عموم اللفظ مع خصوص المورد المذكور
في الكلام. وقد سمعت عدم اعتباره.

1. الطلاق (65): 2.
391

وأما الثالث: فلما يظهر مما تقدم في الأول، مضافا إلى أن مقتضى طائفة من
النصوص أن الغرض حرمة الإعراض عن تحمل الشهادة، فضلا عن دلالتها على
اعتبار شهادة الشهيدين، فضلا عن العدلين؛ لعمومها لشهادة الواحد، لكون الأمر
من باب مقابلة الجمع بالجمع وهي تفيد التوزيع، إلا أن التوزيع لا يختص بمقابلة
الواحد بالواحد، بل هو أعم من الواحد والاثنين؛ إذ المرجع إلى مقابلة اسم
الجنس باسم الجنس، إذ المدار على مقابلة المفرد المقابل للمثنى والمجموع
بالمفرد المقابل لهما، والمفرد المقابل لهما لا يخرج عن اسم الجنس.
وبهذا يندفع توهم المحذور في قوله سبحانه: (وأرجلكم إلى الكعبين) (1)
لاقتضائه اشتمال كل واحد من رجلي المتوضئ على كعبين؛ حيث إن " الرجل "
التي هي مفرد " الأرجل " من باب اسم الجنس، فتصدق على الرجلين،
والمفروض اشتمال الرجلين على الكعبين، فلا محذور في البين.
وأما الخامس: فلأن مقتضى اقتضاء مقابلة الجمع بالجمع للتوزيع كون
الشهادة من الواحد؛ قضية أن منفرد ضمير الجمع الحاضر (2) هو الفرد الواحد،
فمقتضاه اعتبار شهادة الشاهد الواحد؛ فلا دلالة في ذلك على اعتبار شهادة
الشاهدين فضلا عن العدلين.
وإن قلت: إنه يتأتى اعتبار شهادة الشاهدين فضلا عن العدلين بالأولوية.
قلت: إن شهادة الشاهد الواحد غير معتبرة غالبا، ولا مجال للأولوية مع عدم
اعتبار الأصل، كما حررناه في بحث المنطوق والمفهوم.
وبما ذكر يظهر الكلام في السابع.
وأما السادس: فلأن مقتضى ما رواه في الكافي صحيحا، عن صفوان بن
يحيى، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال، قلت له: المحرم يقتل

1. المائدة (5): 6.
2. في " د ": " الآخر "، وقد تقرأ " الأخير ".
392

نعامة؟ قال: " عليه بدنة " (3) أن الغرض من المماثلة هو المماثلة في الخلقة، لا
المماثلة في الجثة، ولا المماثلة في القيمة.
وحكى الطبرسي في مجمع البيان:
أن الذي عليه معظم أهل العلم أن المماثلة معتبرة في الخلقة، ففي النعامة
بدنة، وفي حمار الوحش وشبهه بقرة، وفي الضبي أو الأرنب شاة. قال:
وهو مروي عن أهل البيت. وتشخيص المماثلة في الخلقة شأن النبي (صلى الله عليه وآله)
والأئمة (عليهم السلام) والفقيه لو أمكن له التشخيص، وليس ذلك من شأن العدلين (1).
ومع هذا قد فسر الطبرسي في جوامع الجامع " ذوي عدل " بالفقيهين. وهو
المحكي عن ابن عباس (2).
ومع هذا ثبوت اعتبار شهادة العدلين في مورد لا يقتضي ولا يقضي بعموم
الاعتبار.
إلا أن يقال: إنه لا قائل بالفصل.
لكن نقول: إنه لا وثوق لي بتتالي الفتاوى غالبا بعد ثبوت الاتفاق في المقام
والتفطن بمفاد الآية، مضافا إلى ما تقدم من القول باختصاص اعتبار الشهادة
بالقاضي في القضاء، بل من منع عن اعتبار عموم شهادة العدلين لو ثبت اعتبارها
في غير مقام القضاء يقول به، ويمنع عن الاعتبار في أمثاله.
وأما الثامن: فلأن مقتضاه اعتبار شهادة العدلين في مقام الوصية، وهو لا
يقتضي اعتبار عموم شهادة العدلين.

3. الكافي 4: 386، ح 4 باب كفارات ما أصاب المحرم من الوحش؛ وسائل الشيعة 9: 181
أبواب كفارات الصيد، ب 1، ح 4. وتتمة الحديث: من الإبل، قلت: يقتل حمار وحش؟ قال: عليه
بدنة، قلت: فالبقرة؟ قال: بقرة.
1. مجمع البيان 2: 245 في تفسير الآية 96 من سورة المائدة.
2. جوامع الجامع 1: 405.
393

إلا أن يقال: إنه لا قائل بالفصل. لكنه مدفوع بما يظهر مما تقدم.
ومع هذا مقتضى الآية التخيير بين العدلين والاثنين من غير المسلم؛
فالتمسك بذلك على اعتبار عموم الشهادة يقتضي القول بعموم التخيير، ولا يقول
به أحد.
وأما الأخير: فلأن مقتضاه اعتبار شهادة العدلين في باب الطلاق، وأين هذا
من اعتبار عموم الشهادة؟ والقائل بالفصل موجود. كيف لا، ومن يمنع عن اعتبار
عموم الشهادة لا ينكر اعتبار شهادة العدلين في باب الطلاق.
إلا أن يقال: إن من يمنع عن اعتبار عموم الشهادة بالطلاق في غير مورد
القضاء، ولا يثبت بالآية اعتبار الشهادة بالطلاق على الإطلاق.
ومع هذا ظاهر الآية (1) اشتراط صحة الطلاق بالإشهاد، وهو - أعني الاشتراط -
صريح أخبار مستفيضة (2)، والظاهر انعقاد الإجماع عليه، بل في المسالك نقل
إجماع الأصحاب عليه (3)، فلا دلالة في الآية على اعتبار الشهادة.
وأما السنة: فهي ما رواه في الكافي في كتاب الصلاة في باب اللباس الذي
تكره الصلاة فيه وما لا تكره، ونقله في الوسائل عن الشيخ في صحيحة الحلبي،
قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في
الصلاة فيها؟ فقال: " صل فيها حتى يقال لك: إنها ميتة بعينه " (4).

1. الطلاق (65): 2.
2. وسائل الشيعة 15: 302، أبواب مقدمات الطلاق، ب 10.
3. مسالك الأفهام 9: 111.
4. الكافي 3: 403، ح 28 باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه وما لا تكره؛ التهذيب 2: 234، ح 920،
باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و...؛ وسائل الشيعة 2: 1071، أبواب النجاسات، ب 50، ح 2؛
وأبواب لباس المصلي، ب 38، ح 2.
394

وما رواه في الكافي في أواخر المعيشة، في الصحيح على الصحيح، بالإسناد
عن حريز، قال:
كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) دنانير، وأراد رجل من قريش أن
يخرج إلى اليمن، فقال إسماعيل: يا أبة إن فلانا يريد الخروج إلى اليمن
وعندي كذا وكذا دينار، أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من
اليمن؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " يا بني، أما بلغك أنه يشرب الخمر؟ " فقال
إسماعيل: هكذا يقول الناس. فقال: " يا بني، لا تفعل " فعصى إسماعيل
أباه ودفع دنانيره، فاستهلكها ولم يأته بشيء منها، فخرج إسماعيل،
وقضى أن أبا عبد الله (عليه السلام) حج، وحج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف
بالبيت ويقول: اللهم أجرني واخلف علي. فلحقه أبو عبد الله (عليه السلام) فهمزه
بيده من خلفه وقال له: " مه يا بني، فلا والله، ما لك على الله هذا حجة،
ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك، وقد بلغك أنه يشرب الخمر
فائتمنته " فقال إسماعيل: يا أبة، إني لم أره يشرب الخمر، إنما سمعت
الناس يقولون، فقال: " يا بني إن الله عزوجل يقول في كتابه: (يؤمن بالله
ويؤمن للمؤمنين) (1) يقول: يصدق لله ويصدق للمؤمنين، فإذا شهد عندك
المؤمنون شهادة فصدقهم، ولا تأتمن شارب الخمر، فإن الله عز وجل
يقول في كتابه: (ولا تؤتوا السفهآء أموالكم) (2) فأي سفيه أسفه من شارب
الخمر، لا يزوج إذا خطب، ولا يشفع إذا شفع، ولا يؤتمن على أمانة،
فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن الذي ائتمنه على الله أن يأجره
ولا يخلف عليه " (3).

1. التوبة (9): 61.
2. النساء (4): 5.
3. الكافي 5: 299، ح 1 باب آخر منه في حفظ المال وكراهة الإضاعة؛ وسائل الشيعة 13: 230 كتاب
الوديعة ب 6، ح 1.
395

وما رواه في الكافي في نوادر المعيشة موثقا بالإسناد عن مسعدة بن صدقة،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول:
كل شيء هو لك حلال أبدا حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل
نفسك، وذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك
عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع، أو امرأة تحتك وهي أختك
أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو
يقوم به البينة (1).
حيث إن البينة وإن كانت حقيقة فيما يظهر وتعلم منه الشيء لكن المستعمل
فيه في الأخبار إنما هو الشاهد.
وما رواه في الكافي في كتاب الأطعمة في باب الجبن بالإسناد عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الجبن قال: " كل شيء لك حلال حتى يجئك شاهدان يشهدان
عندك أن فيه ميتة " (2).
وما رواه في الكافي في كتاب الشهادات في باب كتمان الشهادة، وفي
التهذيب في كتاب القضاء في باب البينات بالإسناد عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم،
أو ليزوي بها مال امرئ مسلم، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد
البصر، وفي وجهه كدوح (3) تعرفه الخلائق باسمه ونسبه. ومن شهد
شهادة حق ليحيي بها حق امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد
البصر، تعرفه الخلائق باسمه ونسبه، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا ترى أن الله

1. الكافي 5: 313، ح 40، باب النوادر.
2. الكافي 6: 339، ح 2، باب الجبن؛ وسائل الشيعة 17: 91 أبواب الأطعمة المباحة، ب 61، ح 2.
3. الكدوح: الخدوش، وقيل: هي أكبر من الخدوش. الصحاح 1: 398 (كدح).
396

عز وجل يقول: (وأقيموا الشهدة لله (1)) (2).
وما رواه في الكافي في الصحيح في كتاب الشهادات في باب الرجل يدعى
إلى الشهادة بالإسناد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل:
(ولا يأب الشهدآء إذا ما دعوا) (1) فقال: " لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها
أن يقول: لا أشهد لكم " (2).
وما رواه في الكافي في كتاب القضاء في باب كيفية الحكم، بالإسناد عمن
رواه قال:
تستخرج الحقوق بأربعة وجوه: شهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا
رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي،
فان لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه (3).
والنصوص بهذا المضمون كثيرة (4).
وما رواه في الفقيه في باب الشهادة على الشهادة مرسلا عن الصادق (عليه السلام):
إذا شهد رجل على شهادة رجل فإن شهادته تقبل، وهي نصف
شهادة، وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل قد ثبتت شهادة رجل

1. الطلاق (65): 2.
2. الكافي 7: 380 ح 1، باب كتمان الشهادة؛ الفقيه 3: 58، ح 3329، باب الامتناع من الشهادة؛ عقاب
الأعمال: 268، ح 3؛ التهذيب 6: 276، ح 756، باب البينات؛ وسائل الشيعة 18: 227، كتاب
الشهادات، ب 2، ح 2.
3. البقرة (2): 282.
4. الكافي 7: 379 ذ ح 2 باب الرجل يدعى إلى الشهادة؛ وسائل الشيعة 18: 225 كتاب الشهادات ب 1،
ح 2 و 4.
5. الكافي 7: 416 ح 3 باب كيفية الحكم؛ التهذيب 6: 231 ح 562، باب في كيفية الحكم والقضاء؛
وسائل الشيعة 18: 198، أبواب كيفية الحكم، ب 15، ح 2.
4. انظر وسائل الشيعة 18: 227 كتاب الشهادات ب 2.
397

واحد (1).
وما رواه الصدوق في المجالس في المجلس الثاني والعشرين بالإسناد عن
علقمة قال: قال الصادق (عليه السلام) وقلت له:
يا بن رسول الله أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال: " يا
علقمة، كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته " قال: فقلت له:
تقبل شهادة معترف بالذنوب؟ فقال: " يا علقمة، لو لم تقبل شهادة
المعترفين بالذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء والأوصياء صلوات الله
عليهم؛ لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك
يرتكب ذنبا، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة
والستر، وشهادته مقبولة " (2) إلى آخر الحديث.
وفي الكل نظر.
أما الأول: فلكونه أعم من شهادة الواحد والاثنين، مع عمومه للعادل
والفاسق، مضافا إلى أن غاية الأمر ثبوت اعتبار شهادة العدلين في مورد
مخصوص. وأين هذا من عموم اعتبار شهادة العدلين، إلا أن يتمسك بعدم القول
بالفصل. ويظهر الكلام فيه بما تقدم.
وأما الثاني: فلأن ما يمكن الاستدلال به إنما هو قوله (عليه السلام): " فإذا شهد عندك
المؤمنون شهادة فصدقهم " (3) لكن الظاهر من الجمع المعرف باللام في المقام هو

1. الفقيه 3: 41، ح 135، باب الشهادة على الشهادة؛ وسائل الشيعة 18: 298، كتاب الشهادات،
ب 44، ح 5.
2. الأمالي للصدوق: 91، ح 3، المجلس الثاني والعشرون؛ وسائل الشيعة 18: 292، كتاب الشهادات،
ب 41، ح 13. وفي وسائل الشيعة بدل " معترف بالذنوب " يوجد: " مقترف الذنوب " وبدل
" المعترفين بالذنوب " يوجد: " المقترفين للذنوب ".
3. الكافي 5: 299، ح 1، باب آخر منه في حفظ المال وكراهة الإضاعة؛ وسائل الشيعة 13: 230،
كتاب الوديعة، ب 6، ح 1.
398

الاستغراق العرفي والجمع الكثير، بل القول بدلالة الجمع المعرف باللام على
العموم هو المشهور بين الخاصة والعامة، بل حكم المحقق القمي بأنه من باب
الوضع التركيبي (1). وقد حررنا الحال في محله.
ويرشد إلى ذلك قول إسماعيل: " سمعت الناس يقولون " (2) فلا يرتبط الخبر
المذكور بالمقصود، مضافا إلى أنه أعم من شهادة العادل والفاسق.
وأما الثالث - وهو أمتن من أخواته -: فلأنه يحتمل أن يكون المقصود بالبينة
هو ما يعلم به الشيء، أي مثبت الشيء، فالمقصود بقوله (عليه السلام): " حتى يستبين لك
غير ذلك أو تقوم به البينة " أنه حتى تستعلم وتتفحص أو يحصل لك العلم بدون
الاستعلام والتفحص.
ومن ذلك استعمال البينة في الكتاب العزيز قريبا من العشرين، وكذا البينات
متجاوزا عن الخمسين، وكذا ما قاله الفاضل اليزدي في فاتحة تعليقاته على
التهذيب، فكان كدعوى الشيء ببينة وبرهان.
بل من ذلك ما في بعض الأخبار - على ما رواه في أصول الكافي في باب
الكبائر - من عد الربا بعد البينة من الكبائر (3)؛ حيث إن الظاهر أن الغرض من " بعد
البينة " هو بعد العلم الشرعي بما تثبت به الحرمة، والظاهر - بل بلا إشكال - أن
اشتراط العلم إنما هو في باب الحرمة لا الكبر.
لكن قال العلامة المجلسي في الحاشية بخطه الشريف: " أي بعد علمه
بالتحريم " (4).

1. القوانين المحكمة 1: 216.
2. المتقدم في رواية حريز، وهي في الكافي 5: 299 ح 1؛ ووسائل الشيعة 13: 230، كتاب الوديعة،
ب 6، ح 1.
3. الكافي 2: 280، ح 10، باب الكبائر.
4. مرآة العقول 10: 25.
399

ولعله يكون قبل البينة من الصغائر، لكنه ليس على ما ينبغي، فلا يثبت بذلك
اعتبار عموم شهادة العدلين، بل لابد في كل مورد من تشخيص المثبت.
نعم قد ذكرت البينة في كثير من الأخبار، والمدار على شهادة العدلين؛ فالأمر
إما من باب استعمال الكلي في الفرد، أو من باب إطلاق الكلي على الفرد كما في
تعارض البينتين، وكذا فيما لو تزوج امرأة وادعى آخر أنه تزوجها، وكذا فيما لو
ادعى مدع زوجية امرأة وأقام بينة، فأنكرت وادعت أختها زوجيته وأقامت البينة،
وكذا في جواز شراء الرقيق لو ادعى الحرية بدون البينة، وعدم الجواز لو ادعى
الحرية مع البينة، وكذا فيما لو ادعى مدع ولم يكن له بينة فله استحلاف المنكر،
فإن رد اليمين على المدعي وحلف، ثبت المدعى به، وغير ذلك.
لكن يمكن أن يقال: إن في تعارض البينتين - مثلا - تكون البينة أعم من
رجلين، ورجل وامرأتين. فالغرض تعارض المثبتين، وليس الأمر من باب إطلاق
المثبت على العدلين إطلاقا للكلي على الفرد؛ لعدم اختصاص المصداق، أي
عدم انحصار المثبت في العدلين.
إلا أن يقال: إن الأمر في تعارض رجل وامرأتين من باب اطراد الحكم،
لا شمول اللفظ، أعني البينة؛ إذ اطراد الحكم لا يمانع عن كون الغرض من البينة
هو شهادة العدلين، نظير المطلق المنصرف إلى الفرد الشائع لو ثبت اطراد حكمه
في الفرد النادر بالخارج، حيث إن اطراد الحكم لا يمانع عن كون المقصود
بالمطلق هو الفرد الشائع.
وكذا اللفظ الموضوع لمعنى لو ثبت اطراد الحكم المتعلق باللفظ في معنى
آخر بالإجماع مع إمكان التجوز باللفظ الأعم من المعنيين، حيث إن إمكان التجوز
باللفظ عن الأعم لا يمانع عن كون اللفظ مستعملا في معناه، كما في قوله سبحانه:
(فإن كان لهو إخوة فلامه السدس) (1) حيث إن " الإخوة " حقيقة فيما فوق الاثنين،

1. النساء (4): 11.
400

بناء على كون أقل الجمع ثلاثة، كما هو الأظهر.
والحكم المذكور - أعني الحجب - ثابت للأخوين أيضا وإن أمكن استعمال
الإخوة فيما فوق الواحد مجازا إلا أن إمكان الاستعمال فيما فوق الواحد مجازا لا
يمانع عن الاستعمال فيما فوق الاثنين، وكذا الحكم المطرد في غير مورد التعليل
بناء على عدم اعتبار مفهوم العلة وثبوت التخصيص بها، حيث إن الاطراد لا يمانع
عن التخصيص.
وكذا الحكم المعلق باللام على الجمع المعرف بناء على ظهوره في
الاستغراق، أو كونه موضوعا له ثبت له - لو اطرد الحكم في الفرد الواحد -
بالخارج؛ حيث إن اطراد الحكم لا يمانع عن كون المقصود بالجمع المعرف
باللام هو الاستغراق.
ويمكن أن يقال: إنه قد ذكرت البينة موصوفة بالعادلة في غير واحد من
الأخبار، وكذا بالعدول في بعض الأخبار في سؤال السائل (1)، ومقتضاه كون
المقصود بالبينة هو مطلق المثبت. فالمقصود بالبينة في الخبر المتقدم هو مطلق
المثبت، ولابد في كل مورد من تشخيص المثبت.
وأما الرابع: - فبعد اعتبار سنده - لأن غاية ما هو يقتضيه إنما هي اعتبار البينة
في مورد النص، ولا يثبت به اعتبار عموم البينة إلا بدعوى عدم القول بالفصل.
ويظهر الكلام فيه بما مر في تزييف الاستدلال بالكتاب.
وأما الخامس والسادس: فلما يظهر مما تقدم في تزييف الاستدلال
بالكتاب.
وأما السابع: - فبعد اعتبار سنده كما هو الأسد - لأن غاية الأمر اعتبار شهادة
العدلين في باب الشهادة على الشهادة، ولا يثبت به اعتبار عموم البينة إلا بدعوى

1. انظر وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41.
401

عدم القول بالفصل. ويظهر الكلام فيه بما تقدم.
وأما الأخير: - فبعد اعتبار سنده - لأنه إن كان الاستدلال باعتبار دلالته على
اعتبار الشهادة على العدالة، فلا يثبت به اعتبار عموم البينة إلا بدعوى عدم القول
بالفرق. ويظهر الكلام فيه بما تقدم.
وإن كان الاستدلال باعتبار إطلاقه في الحكم باعتبار قبول الشهادة، ففيه: أن
هذا الإطلاق في مقام بيان عدم منافاة ارتكاب الذنب لقبول الشهادة، فلا يثبت به
اعتبار عموم شهادة العدلين، مضافا إلى كونه أعم من العادل والفاسق، فضلا عن
كونه أعم من الواحد والاثنين.
[الاستدلال بالاستقراء على اعتبار عموم شهادة العدلين]
وقد يستدل بالاستقراء في الأخبار الدالة على جواز شهادة المملوك ونفوذه
قبل العتق وبعده، والمكاتب (1)، والصبي بعد الكبر (2)، واليهودي والنصراني بعد
الإسلام (3)، والخصي (4)، والأعمى والأصم (5)، والولد، والوالد (6)، والوصي (7)،
والشريك (8)، والأجير (9)، والصديق والضيف (10)، والمحدود إذا تاب (11)، والعدل،

1. وسائل الشيعة 18: 253، كتاب الشهادات، ب 23.
2. وسائل الشيعة 18: 251، كتاب الشهادات، ب 21 و 22.
3. وسائل الشيعة 18: 285، كتاب الشهادات، ب 39 و 40.
4. وسائل الشيعة 18: 300، كتاب الشهادات، ب 47.
5. وسائل الشيعة 18: 295، كتاب الشهادات، ب 42.
6. وسائل الشيعة 18: 270، كتاب الشهادات، ب 26.
7. وسائل الشيعة 18: 273، كتاب الشهادات، ب 28.
8. وسائل الشيعة 18: 271، كتاب الشهادات، ب 27.
9. وسائل الشيعة 18: 273، كتاب الشهادات، ب 29.
10. وسائل الشيعة 18: 273، كتاب الشهادات، ب 29.
11. وسائل الشيعة 18: 300، كتاب الشهادات، ب 47.
402

والمولود على الفطرة (1).
أقول: إن الأخبار المذكورة واردة في الموارد المذكورة في بيان أمور أخرى
غير تفضيل حكم الطبيعة بحسب الأفراد، أعني اعتبار شهادة العدلين بحسب
مواردها. مثلا: ما دل على اعتبار شهادة المملوك (2) إنما يكون الغرض منها عدم
ممانعة المملوكية عن اعتبار الشهادة، ولا يكون المقصود منها اعتبار شهادة
المملوك على الإطلاق، فلا يثبت بتلك الأخبار اعتبار شهادة العدلين في الموارد
المذكورة. فمن أين يقضي الاستقراء باعتبار شهادة العدلين على الإطلاق؟
نعم، لو ثبت اعتبار شهادة العدلين في تلك الموارد على الإطلاق، يقضي
الاستقراء باعتبار شهادة العدلين على الإطلاق.
وما اعتذر عنه المستدل - من اشتراط اعتبار الإطلاق بعدم الورود مورد حكم
آخر - إنما يتم في عموم الحكمة، وأما عموم السريان في تعليق الحكم على
الطبيعة - كما في المقام - فلا يشترط اعتبار الإطلاق فيه بذلك.
نعم، لو علم فيه بعدم ورود الإطلاق في بيان حكم الطبيعة، فلا عبرة
بالإطلاق؛ لثبوت عدم تعلق الحكم بالطبيعة في هذا الفرض.
فيشترط الإطلاق في عموم السريان بعدم العلم بعدم كون الكلام منساقا لبيان
حكم الطبيعة، ففي عموم الحكمة يكون المقتضي للعموم قاصرا عن إفادة
العموم، ولا جابر للقصور، فلا يثبت العموم.
وأما عموم السريان، فينجبر قصور المقتضي فيه بأصالة الإطلاق فيثبت العموم.
ومرجعه إلى القول بكون عدم ورود الإطلاق مورد حكم آخر شرطا في عموم
الحكمة، فلا يبنى على العموم في صورة الشك في ورود الإطلاق مورد الإجمال،
ومانعا عن العموم في عموم السريان، فيبنى على العموم في الصورة المذكورة.

1. وسائل الشيعة 18: 288، كتاب الشهادات، ب 41.
2. وسائل الشيعة: 18: 253، كتاب الشهادات، ب 23.
403

وهو مردود: بأن عموم الحكمة بعد اعتباره إنما يبتني على قبح إجمال
الكلام، وهو مطرد فيما لو كان الغرض من المطلق بيان حكم آخر، فيطرد اشتراط
اعتبار الإطلاق بعدم الورود مورد بيان حكم آخر في عموم السريان.
إلا أن يقال: إن قبح الإجمال لا يكون بالذات، بل إنما هو بالغير، أعني قبح
خلو الكلام عن الفائدة، وهو الأربط بما ادعاه صاحب المعالم - مؤسس أساس
عموم الحكمة بعد المحقق - في قبح الإجمال من أنه لا معنى لتحليل بيع من البيوع
وتحريم فرد من أفراد الربا، وعدم تنجيس مقدار الكر من بعض الماء؛ إذ الظاهر
أن الغرض من نفي المعنى هو نفي الفائدة لا نفي الجواز، فلو كان الغرض من المطلق
بيان حكم آخر، لا يطرد قبح الإجمال، فلا تقضي الحكمة بالعموم، فلا يتم
المقتضي للعموم، فيشترط عموم الحكمة بعدم ورود المطلق مورد بيان حكم آخر.
ومع هذا أصالة الإطلاق إنما تتم بناء على كون التقييد من باب المجاز، وأما
بناء على كونها من باب الحقيقة - كما هو الأظهر - فالتمسك بالإطلاق إنما هو من
باب ظهور عدم ذكر القيد في عدم القيد.
فغاية الأمر جواز التمسك بالإطلاق من باب أصالة الإطلاق فيما لو شك في
كون الكلام في مقام بيان حكم الطبيعة أو في مقام الإجمال لو ثبت كون غلبة
الإطلاق في مقام التفضيل.
وأما لو ثبت كون الإطلاق في مقام بيان حكم آخر، فلا مجال للتمسك بالإطلاق،
بل نقول: إنه بناء على كون التقييد من باب المجاز إنما يكون التمسك بالإطلاق
من باب أصالة الحقيقة من جهة الظن بإرادة المعنى الحقيقي؛ قضية الغلبة؛ دفعا
للشك البدوي بملاحظة الغلبة، كما يقال: المشكوك فيه يلحق بالأعم الأغلب.
وأما لو كان الشك مستقرا، كما لو كان الإطلاق واردا مورد حكم آخر، فلا
يتم أصالة الحقيقة بناء على اعتبار الظن الشخصي في باب الحقيقة؛ بل بناء على
اعتبار الظن النوعي فيه على القول باختصاص اعتبار الظن النوعي في صورة
404

الشك في إرادة المعنى الحقيقي بما لو كان الشك ناشئا من الأمر غير المعتبر في
إرادة المعنى الحقيقي.
نعم بناء على اطراد اعتبار الظن النوعي فيما لو كان الشك ناشئا من الأمر
المعتبر تتم أصالة الحقيقة، بناء على كون التقييد من باب المجاز.
إلا أن القول بذلك إنما هو في صورة عدم إجمال اللفظ عرفا، ولو كان المطلق
واردا مورد حكم آخر، يتطرق عليه الإجمال عرفا.
ومع ذلك نقول: إن القول بعموم الحكمة مبني على القول بعدم جواز ورود
الإطلاق مورد الإجمال، فكيف يشترط في عموم الحكمة عدم الورود مورد
الإجمال!؟ وكيف يمنع عن عموم السريان لو ثبت ورود الإطلاق مورد الإجمال!؟
وربما يتوهم: أن في مورد العموم السرياني يلزم العموم عقلا قهرا، ويمتنع
تخلفه؛ قضية أن الحكم المعلق على الطبيعة لا بشرط يسري إلى الأفراد قهرا
عقلا، فلا مجال لاشتراط العموم السرياني بعدم الورود مورد حكم آخر.
ويندفع: بأن السريان إنما يلزم لو ثبت تعلق الحكم بالطبيعة لا بشرط، ولو
كان المطلق واردا مورد حكم آخر، فلا يثبت كون متعلق الحكم هو الطبيعة لا
بشرط، أي الطبيعة المطلقة، أو مطلق الطبيعة الأعم من الطبيعة لا بشرط والطبيعة
بشرط شيء.
[في سائر أدلة اعتبار عموم شهادة العدلين]
وقد يستدل بالأخبار الواردة في الوصية (1) والنكاح (2) والطلاق (3) والحدود (4)

1. انظر وسائل الشيعة 13: 402، أبواب أحكام الوصايا، ب 26، ح 6.
2. انظر وسائل الشيعة 14: 226، أبواب عقد النكاح، ب 23، ح 3.
3. انظر وسائل الشيعة 15: 282، أبواب مقدمات الطلاق، ب 10، ح 2.
4. انظر وسائل الشيعة 18: 577، أبواب بقية الحدود، ب 3، ح 1.
405

وغيرها.
أقول: إنه إن كان الغرض دلالة تلك الأخبار على اعتبار عموم شهادة
العدلين - كما هو الظاهر - فعهدته على من يدعيه، بل الظاهر عدم الدلالة. وإن كان
الغرض التمسك بالاستقراء، فكان المناسب إضافة تلك الأخبار إلى الأخبار
السابقة.
مع أنه لا يثبت الاستقراء بتوافق الأخبار في موارد أربعة؛ قضية أخذ التصفح
في كثير من الموارد أو أكثر الموارد في تعريف الاستقراء الناقص؛ لعدم شمول
الكثرة، بل عدم صدقها فضلا عن عدم صدق الأكثر على التصفح في أربعة موارد
وإن ذكر بعض صدق الخبر المتواتر المأخوذ في تعريفه الكثرة على إخبار الثلاثة،
وحكم بصدق كثرة الشك في الصلاة على التوالي ثلاثا، وجرى بعض على الإتمام
لمن كثر سفره فسافر ثلاث مرات على الوجه المشروط.
وفي الروضة - بعد قول الماتن في كفارات الإحرام: وفي كثير الجراد شاة -:
" والمرجع في الكثرة إلى العرف، ويحتمل اللغة، فيكون الثلاثة كثيرا " (1).
وربما يقتضي كلام التفتازاني عند الكلام في تعريف الفصاحة في شرحه
المطول على التلخيص متنا وحاشية، ومتنا في شرحه المختصر: أن الكثرة قد يراد
بها ما يقابل الوحدة، فالمقصود بها ما فوق الواحد، فتصدق على الاثنين فضلا عن
الثلاثة. وقد يراد بها ما يقابل القلة، وهو الغالب المتعارف، فلا تصدق على الثلاثة
فضلا عن الاثنين (2).
لكن لم أظفر بمورد يتعين فيه كون المقصود بالكثرة ما يقابل القلة. ومزيد
الكلام موكول إلى ما حررناه عند الكلام في تعريف الخبر المتواتر.
ونظير ذلك ما صنعه المحدث البحراني في الحدائق، حيث تمسك في

1. الروضة البهية 2: 346.
2. المطول: 23؛ المختصر: 51.
406

وجوب الاجتناب عن شبهة المحصور بالاستقراء في الأخبار، وعد أربعة موارد (1).
ويمكن أن يقال: إن المدار على أخبار حرمة القياس (2)، وإلا فالاستقراء من
الألفاظ المصطلحة، وتلك الأخبار ظاهرة في إلحاق الفرد الواحد بالفرد الواحد،
ولا تشمل إلحاق أكثر الأفراد بطائفة من الأفراد.
أو يقال: إن ذكر الموارد الأربعة من باب المثال بشهادة قوله بعد ذكر تلك
الموارد: لكن الإيراد السابق حينئذ - أعني: كون المناسب إضافة تلك الموارد إلى
الموارد المتقدمة - بحاله.
وقد يستدل برواية معتبرة بل برواية صحيحة تدل على اعتبار عموم شهادة
العدلين.
قال السيد السند صاحب المفاتيح في مصابيحه: " سمعت من الوالد وجود
رواية معتبرة دالة على حجية شهادة العدلين مطلقا ".
وحكى في المناهل عن بعض المحققين دعوى وجود رواية صحيحة تدل
على اعتبار شهادة العدلين في جميع الموارد (3).
أقول: إنه يتأتى الكلام في المقام تارة في اعتبار السند، وأخرى في اعتبار
المدلول.
أما الأول فيبتني على اعتبار تصحيح الغير ولو قلنا بكون المدار في الاستفاضة
على ما فوق الواحد، لا ما فوق الاثنين، ولا ما فوق الثلاثة؛ إذ الاستفاضة إنما هي
في الخبر المعلوم بعينه، والمفروض في المقام الجهل بعين الخبر.
وأما الثاني فيثبت بتوسط اعتبار المنقول بالمعنى. ونظير ذلك ما في الوسائل
كثيرا: وتقدم ما يدل، أو يأتي ما يدل عليه.

1. الحدائق الناضرة 5: 278.
2. الكافي 7: 299، ح 6، باب الرجل يقتل المرأة والمرأة تقتل الرجل....
3. المناهل: 53. ومقصوده من بعض المحققين الأردبيلي والسيد علي صاحب الرياض.
407

ويمكن أن يقال: إنه في المقام لا يحصل الظن بالدلالة، فضلا عن الظن
بالحكم، لفرض عدم الفحص؛ قضية عدم إمكانه. وبعد فرض حصول الظن لا
دليل على اعتباره، نظير ما يتأتى من الكلام في حصول الظن واعتباره في باب
العمل بالعموم قبل الفحص.
لكن يمكن القول: بأن الظاهر - بل بلا إشكال - حصول الظن بالدلالة المفيدة
للظن بالحكم. رسالة في تزكية الرواة من أهل الرجال
نعم، في باب العمل بالعموم قبل الفحص لا يتأتى الظن بالعموم؛ لكثرة
التخلف - أعني كثرة التخصيص - بخلاف المقام.
وأما اعتبار الظن المذكور بالدلالة فيتأتى بناء على اعتبار مطلق الظن، بل لو لم
يتأت الاعتبار في المقام لا يتأتى الاعتبار في باب المنقول بالمعنى.
لكن يتأتى الإشكال بناء على اعتبار الظنون الخاصة؛ لأن المدار في الظن
اللفظي - بناء على اعتبار الظنون الخاصة - على الظن المتعارف بين أهل اللسان،
والظن الحاصل في المقام متعلقا بالدلالة لا يكون مما تعارف بين أهل اللسان وإن
اتفق على اعتبار الظن الحاصل من المنقول بالمعنى متعلقا بالدلالة.
إلا أن يدعى القطع بعدم الفرق بين الظن الحاصل قبل الفحص والظن
الحاصل بعد الفحص، أو يدعى القطع بعدم الفرق بين الظن الحاصل في المقام
متعلقا بالدلالة، والظن الحاصل من المنقول بالمعنى متعلقا بالدلالة.
لكن دون كل منهما الكلام، بل صرح الباغنوي في بحث التخصيص بأن
الاعتقاد بأن هاهنا دليلا إجمالا لا يكفي ما لم تحصل معرفته بعينه. بل استظهره
الوالد الماجد (رضي الله عنه) الاتفاق منا، بل من أكثر أهل العلم على عدم اعتبار كفاية الظن
بوجود الدليل على الحكم مع الجهل بعينه نوعا أو صنفا أو شخصا، لكن قيل: إن
اشتراط العلم بعين الدليل خلاف مذهب العلماء وطريقتهم.
وعلى أي حال لا وثوق لي غالبا بتتالي الفتاوى، فكيف يحصل الوثوق
بدعوى واحد أو غير واحد!؟
408

[في الشهادة على الشهادة]
ويتفرع على اعتبار عموم الشهادة اعتبار الشهادة على الشهادة، لكن مع قيام
فرعين على كل من الأصلين، سواء اتحد الفرعان أو اختلفا، وإلا فلو قام فرع على
كل من الأصلين، أي قام فرع على أصل وفرع آخر على أصل آخر، فلا مجال
لاعتباره؛ للزوم ثبوت شهادة كل من الأصلين بشهادة الواحد؛ إذ المشهود به في
الشهادة الثانية هو شهادة الأصلين، لا ما شهدا به، أعني المشهود به في الشهادة
الأولى.
وربما فرق بعض في البين، حيث إنه تمسك في اعتبار عموم الشهادة بعموم
دليل اعتبار البينة، وبنى على عدم اعتبار الشهادة على الشهادة؛ تمسكا بالأصل،
وعدم الدليل، واختصاص حجية البينة بالأموال وحقوق الآدميين.
وليس بالوجه.
نعم، ربما حكي عن العلامة في التذكرة دعوى الإجماع على عدم اعتبار
الشهادة على الشهادة في باب رؤية هلال شوال (1).
لكنه لا يجري في غير رؤية هلال شوال، ولا يجدي في غيرها.
بل عن الشهيد الثاني (2) وسبطه صاحب المدارك: القول بكفاية الشهادة على
الشهادة في رؤية هلال شوال (3).
وفي الرياض: قد ادعى الإجماع على كفاية الشهادة على الشهادة، ونقله عن
ظاهر الغنية (4) والمسالك (5) وغيرهما (6).

1. تذكرة الفقهاء 6: 135.
2. مسالك الأفهام 2: 415.
3. مدارك الأحكام 6: 170.
4. الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 570.
5. مسالك الأفهام 2: 415.
6. رياض المسائل 2: 454.
409

ولو قيل: إن المدار في اعتبار عموم شهادة العدلين على التعدي بالنسبة إلى
السامع، أعني التعدي عن الحاكم إلى غيره، لا التعدي بالنسبة إلى المتعلق.
قلت: إن التعدي بالنسبة إلى السامع يستلزم التعدي بالنسبة إلى المتعلق،
كيف لا والمفروض في اعتبار عموم البينة التعدي عن مورد الخصومة عند الحاكم
إلى غيره، مع أن حجية الشهادة في حق الحاكم بالنسبة إلى غير مورد الخصومة
تستلزم التعدي عن المتعلق، على أن الغالب في البينة عند الحاكم في غير
المرافعات أو عند غير الحاكم إنما هو غير المال وغير حقوق الآدميين، ولو ثبت
اعتبار البينة في غير المال وغير حقوق الآدميين عند غير الحاكم أو عند الحاكم في
غير المرافعات، فيثبت اعتبارها في غير المال وغير حقوق الآدميين عند الحاكم
في المرافعات - لو كانت الشهادة على الشهادة في المرافعة كما هو المقصود
بالعنوان في الفقه - بالأولوية.
ولا يذهب عليك: أن الشهادة تارة تكون للقضاء بالمشهود به، وأخرى تكون
للشهادة بالمشهود به، وثالثة: تكون لبناء السامع على المشهود به من تحصل
الموضوع كرؤية الهلال، أو تحصل الحكم الوضعي كالطهارة والنجاسة، أو
تحصل الحكم التكليفي لو لم يرجع الأمر إلى تحصل الموضوع، كوجوب الصلاة
على الميت. وقد ظهر الحال في الكل بما مر.
وأيضا الغالب أن متعلق الحكم هو الشهادة، وقد يكون المتعلق هو الإشهاد
والاستشهاد، كما في الطلاق والمداينة.
[في الشهادة على المشهود به]
ويمكن أن يقال: إنه لا تجوز الشهادة على المشهود به بشهادة العدلين ولو
بناء على اعتبار عموم الشهادة، بناء على اعتبار العلم في الشهاة، فضلا عن اعتبار
الإحساس بالرؤية أو السماع فيه، وفاقا لبعض الأواخر.
410

والفرق بين هذا وما قبله: أن الشهادة هنا على المشهود به، وفيما قبله على
الشهادة، كما مر.
والظاهر - بل بلا إشكال - أنه لا فرق فيما ذكر بين الشهادة عند الحاكم في
المرافعات، والشهادة عند الحاكم في غير المرافعات، أو عند غير الحاكم.
[في نفوذ حكم الحاكم بالرؤية بالشهادة]
واعلم أنه اختلف - فيما لو شهد العدلان عند الحاكم برؤية الهلال - في نفوذ
حكم الحاكم بالرؤية بعد ثبوت مقتضي الرؤية في حق الحاكم بالشهادة على
القول بالنفوذ، كما عن العلامة البهبهاني؛ تمسكا بدلالة بعض الأخبار على جواز
أن يحكم الإمام بالهلال لو شهد به العدلان؛ قضية أصالة اشتراك حكام الشرع مع
الإمام في عموم الأحكام (1).
والقول بالعدم، كما اختاره بعض الفحول؛ تمسكا بعدم ثبوت الأصل
المذكور بشيء من الأدلة الأربعة.
لكن لا ريب في الأول بناء على ثبوت عموم الولاية، وأما بناء على عدمه،
فيبتني الأمر على انصراف الحكم في مقبولة عمر بن حنظلة (2) إلى الحكم في
الدعاوي، وعمومه للحكم في غير الدعاوي، بل لصرف الفتوى، فيتم النفوذ على
الثاني دون الأول، وكذا انصراف الإمام - في الخبر المذكور - إلى الأئمة الاثني
عشر (عليهم السلام)، وعمومه لنوابهم، فيتم النفوذ على الثاني أيضا دون الأول.
والخلاف المذكور مع قطع النظر عن ظهور استناد حكم الحاكم إلى الرؤية

1. الفوائد الحائرية: 502، الفائدة 33.
2. الكافي 7: 412، ح 5، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور؛ الفقيه 3: 5، ح 18، باب الاتفاق على
عدلين في الحكومة؛ التهذيب 6: 301، ح 845، باب في الزيادات في القضايا والأحكام؛ وسائل
الشيعة 18: 75، أبواب صفات القاضي، ب 9، ح 1.
411

وجهالة المستند. وأما صورة ظهور استناد الحكم إلى الرؤية أو جهالة المستند
فكل منهما عنوان على حدة كما يأتي.
والظاهر أنه لا كلام في عدم نفوذ الحكم بنجاسة شيء بعد شهادة العدلين بها
عند الحاكم. هذا.
ولو حكم الحاكم بوجوب الصوم أو الإفطار مع كون مدرك الحكم هو الرؤية،
أو مع الجهل بالمدرك، فكل منهما عنوان على حدة. وفي الأول قول - باعتبار
الحكم - عن الشهيد في الدروس (1)، والتوقف من صاحب المدارك (2) والذخيرة (3) بناء
على ما يظهر من بعض الفحول في فهم كلام الشهيد وصاحب المدارك والذخيرة.
واحتمله المحقق القمي في الغنائم (4)، لكنه جرى على كون المدار في العنوان الأول
على شهادة الحاكم حاكما بعدم اعتبار شهادة الحاكم، وكون المدار في العنوان
الثاني على حكم الحاكم.
فلا إشكال في أن المدار في العنوان الثاني على حكم الحاكم وجهالة مستنده،
والإشكال في العنوان الأول.
وامتيازه في العنوان الثاني إما بالمخالفة لذيل العنوان الثاني بكون المدار في
العنوان الأول على شهادة الحاكم، أو المخالفة لذيله بكون المدار في العنوان
الأول على ظهور استناد الحكم إلى رؤية الحاكم.
وفي العنوان الثاني وجوه، ثالثها: اعتبار الحكم في حق مقلد الحاكم
المذكور، دون مجتهد آخر أو مقلده، إلا أن يستفسر عن المدرك ويعمل عليه على
تقدير اعتباره عند المجتهد أو مجتهد المقلد.

1. الدروس الشرعية 1: 286.
2. مدارك الأحكام 6: 169.
3. الذخيرة: 530.
4. غنائم الأيام: 474.
412

واختاره المحقق القمي في الغنائم (1) وظاهر الدروس التوقف (2).
وفي المقام عنوان آخر: هو أنه هل يكفي ثبوت الرؤية بشهادة العدلين عند
الحاكم أو لا؟ وفيه قولان. ونظيره الكلام في كفاية شهادة العدلين بنجاسة ثوب
مثلا عند بعض العوام في حق غيره ممن علم بشهادة العدلين عند ذلك بالنجاسة،
سواء كان مجتهدا أو مقلدا.
وربما يتأتى الكلام في نفوذ حكم الحاكم بثبوت الهلال لو كان الحكم مبنيا
على رؤية الحاكم في الشهر السابق، أو شهادة العدلين بها فيه، وعدمه.
وكذا يتأتى الكلام في اعتبار الشهادة لو شهد أحد العدلين بالرؤية في أول
شهر شعبان، وشهادة الآخر بالرؤية في أول شهر رمضان، مع مساعدة الأول
للثاني بانقضاء ثلاثين يوما من الأول.
وربما نقل عن الوالد الماجد (رحمه الله) وبعض آخر عدم اعتبار حكم الحاكم في باب
الهلال في حق حاكم أعلم. ولتفصيل الكلام في الكل مقام آخر.
[في شرائط اعتبار شهادة العدلين]
وينبغي أن يعلم أنه لا ريب في اشتراط اعتبار شهادة العدلين بناء على عموم
اعتبارها بما يشترط به، بناء على اختصاص اعتبارها بالمرافعات.
وأيضا يتأتى الكلام في اشتراط اعتبار شهادة العدلين - بناء على اختصاص
اعتبارها بالمرافعات، أو عموم اعتبارها لغير المرافعات - بكون العدلين من أهل
الخبرة.
لكن مورد الكلام منحصر فيما يختلف حال التشخيص المشهود به بكون
العدلين من أهل الخبرة. وأما ما لا يختلف حال تشخيصه بكون العدلين من أهل

1. غنائم الأيام: 474.
2. الدروس الشرعية 1: 286.
413

الخبرة، فلا إشكال في عدم اشتراط اعتبار شهادة العدلين به بكون العدلين من
أهل الخبرة، وبالجملة، لا إشكال في الاشتراط بناء على اشتراط اعتبار شهادة
العدلين بالظن، ولا إشكال في عدم الاشتراط بناء على عدم اشتراط اعتبار شهادة
العدلين [بالظن].
وربما يظهر من صاحب المعالم القول باشتراط اعتبار شهادة العدلين بكون
العدلين من أهل الخبرة مع القول بعموم الاعتبار (1)؛ حيث إن الظاهر منه القول بعدم
ثبوت الاجتهاد بشهادة العدلين مع عدم كون العدلين من أهل الخبرة، وهو مبني
على القول باشتراط اعتبار شهادة العدلين بالظن، لكنه ينافي ما تقدم من أن الظاهر
منه اعتبار شهادة العدلين في صورة الشك.
ويمكن أن يقال: إنه لو شهد العدلان من غير أهل الخبرة بما يختلف
تشخيصه بالخبرة وعدمها، فينكشف كون العدلين من أهل التدليس وتزيين
الظاهر؛ فلا ينافي القول باشتراط اعتبار شهادة العدلين بكون العدلين من أهل
الخبرة مع القول بكون اعتبار شهادة العدلين من باب التعبد.
وأيضا الظاهر - بل بلا إشكال - قيام الاتفاق على اشتراط اعتبار الشهادة
باستنادها إلى المشاهدة.
وينافيه ما عن جماعة من ثبوت الاجتهاد بشهادة العدلين (2).
وكذا ما في الروضة من نفي الخلاف عن ثبوت ولاية القاضي المنصوب من
جانب الإمام (عليه السلام) بشهادة العدلين (3).
وعن الكفاية استظهار نفي الخلاف عنه، وكذا ما نقل من ظهور الاتفاق على

1. معالم الدين: 244.
2. منهم النراقي في مناهج الأحكام: 182؛ وانظر عوائد الأيام: 812.
3. الروضة البهية 3: 67.
414

ثبوت العدالة بشهادة العدلين (1).
لكن المنافاة إنما تتم بناء على كون العدالة هي الملكة - كما هو المشهور (2) -
لامتناع الاطلاع على الملكة بالمشاهدة، وأما بناء على كونها هي نفس الاجتناب،
فيمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة، فلا منافاة في الباب.
ومع ذلك المدار في اعتبار الشهادة على استنادها إلى العلم، والعلم بالعدالة
متعذر، خصوصا بناء على كونها هي الملكة، وقد صرح العلامة في موضع من
المختلف (3) وكذا الشهيد في موضع من الذكرى (4) باستحالة العلم بالعدالة أيضا.
بقي أن الشهادة بالفعل أو الكتابة مثل الشهادة بالقول، فتثبت عدالة الرجل
بصلاة عدلين خلفه، وكذا بكتابتهما، أم لا؟
يمكن القول بالأول بملاحظة عموم ما دل على وجوب تصديق العادل (5) - بل
المؤمن - الشامل لتصديق قوله وفعله وكتابته، فإن الفعل والكتابة كالقول منبىء
ومخبر كل واحد منهما عما في الضمير، فيتصف بالصدق والكذب.
إلا أن يقال بانصراف ذلك إلى القول بعد ثبوت ذلك وعدم اختصاصه
بالعدلين.
إلا أن يقال بكون الانصراف بدويا، أو يقال: إن الفرق مقطوع العدم، نظير أنه
لو قيل: " إئتني بالماء " ينصرف الماء في كلام الغالب إلى ماء البئر، لكن يكفي ماء
النهر قطعا.

1. كفاية الأحكام: 262.
2. منهم الشهيد الأول في ذكرى الشيعة 4: 392، والكركي في جامع المقاصد 2: 372، والشهيد الثاني
في روض الجنان: 289.
3. مختلف الشيعة 8: 500 المسألة 77.
4. ذكرى الشيعة 4: 392.
5. راجع وسائل الشيعة 18: 52، أبواب صفات القاضي، ب 8 و 9.
415

لكن نقول: إن عهدة دعوى عدم الفرق على من يدعيه، وإن يك كاذبا فعليه
كذبه.
ويرشد إلى ذلك - أعني القول الأول - أنه لم يتأمل أحد في كفاية تعديلات
أهل الرجال حتى على القول بكونها من باب الشهادة أو الخبر.
وكذا الاستدلال على حجية الأخبار المودعة في الكتب بآية النبأ (1) منطوقا
ومفهوما. فعلى ما ذكر لابد أن يثبت اعتبار التلفظ وعدم كفاية الكتابة من الخارج،
بخلاف القول الثاني.
هذا، وغاية ما في الباب إنما هي جواز الصلاة خلف من صلى عدلان خلفه
مثلا، وأما جواز الشهادة على عدالته فهو مبني على جواز استناد الشهادة إلى ما
يجوز العمل به، كالاستصحاب والبينة.
المقدمة الثانية
[في معنى الخبر]
إن الخبر لغة هو القول المخصوص، أعني ما يقابل الإنشاء، كما ذكره ثلة (2)،
بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه.
وحكى العميدي عن قائل اشتراكه بين القول المذكور وغيره من الإشارات
والدلائل والأحوال إذا كانت بحيث يفهم منها معنى الخبر. ومنه: " تخبرني العينان
ما القلب كاتم ".
وجعله السيد السند المحسن الكاظمي بمعنى النبأ، قال: " وهو المخبر به من

1. الحجرات (49): 6.
2. لسان العرب 4: 7 - 266؛ النهاية 2: 6؛ القاموس المحيط 2: 17؛ تاج العروس 3: 166؛ المصباح
المنير: 162؛ وانظر معجم مقاييس اللغة 2: 238؛ ومجمع البحرين 1: 618 (خبر).
416

حيث إنه أخبر به كما يقال: جاءهم خبر شنيع ". وذكر استعماله بمعنى العبرة
والقصة.
وذكر التفتازاني في شرح التلخيص إطلاقه بمعنى الإخبار في قولهم: الصدق
هو الخبر عن الشيء على ما هو به. قال: بدليل تعديته ب‍ " عن " (1).
ولعل القول بكونه بمعنى الإعلام - سواء كان بالقول أو بغيره كما جريت عليه
سابقا في الأصول - غير بعيد.
ولعل الأظهر القول بكونه حقيقة في القول المخصوص كما جريت عليه
سابقا في الرسالة المعمولة في تصحيح الغير؛ نظرا إلى التبادر، ونقل الإجماع من
جماعة.
وعن ثلة: اشتراكه بين القول المذكور والكلام النفسي الذي هو حكم النفس
بالأمر الخارجي من انتساب أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا.
وعن بعض: التوقف.
وعن المعتزلة: كونه في غير القول غير حقيقة ولا مجاز.
وقد اختلف في قبوله التحديد على قولين. وعلى كل من القولين أيضا على
قولين.
وفيه كلمات كثيرة يطول المقام بالتعرض لها، مع أنها لا تجدي ولا تنفع.
وعلى أي حال مقتضى ما سمعت من نقل الإجماع من جماعة على كونه
حقيقة في القول المخصوص: كونه صفة اللفظ على جميع الأقوال.
لكن ينافيه ما حكاه السيد السند المحسن الكاظمي في استدلال من قال
بقبوله التحديد بالعسر، من أنه إذا قيل: " زيد كاتب " مثلا، فلا ريب أن هناك خبرا،
وهل هو هذا اللفظ من حيث هو دال، أو مدلوله الأصلي، أعني النسبة الخارجية،

1. المطول: 38.
417

أو التبعي، أعني الحكم النفسي؟
وهو في اصطلاح النحاة: ما يقابل المبتدأ، قال ابن مالك: " مبتدأ زيد وعاذر
خبر " (1).
وعند أرباب المعاني بل أهل الأصول والعربية كما ذكره السيد السند المحسن
الكاظمي: ما يقابل الإنشاء (2).
وهو من باب الجريان على المعنى اللغوي بناء على كونه حقيقة في القول
المذكور لغة، وإلا فهو اصطلاح طارئ، والكلام في تعريفه بهذا المعنى لا يليق
بالمقام.
وفي اصطلاح أرباب الرجال بل أهل الأصول والفقه بمعنى الحديث. وقد
عرف الحديث في الأصول بكلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره (3).
لكن الكلام فيه لا يليق بالمقام أيضا، وقد حررنا الكلام فيه في محله.
وبالجملة، الخبر بالمعنى اللغوي لا يخرج عن القول، بناء على ما سمعت من
نقل الإجماع من جماعة على كونه حقيقة في القول المخصوص، فلا تدخل التزكية
فيه، كما لا تدخل في الشهادة بالمعنى اللغوي ولا بالمعنى المتجدد. ويظهر
الحال بما تقدم، ولا مجال لدخولها في الخبر بالمعنى المصطلح كما لا يخفى.
وقد يقال: إن المعتبر في الخبر بالمعنى اللغوي علم المخبر بحقيقة النسبة مع
استظهار هذه الدعوى من الشهيد في القواعد، حيث حكم بأن الشهادة والرواية
تشتركان في الجزم (4)، وكذا من أهل البيان حيث قالوا: " لا شك أن قصد المخبر

1. الألفية (ضمن شرح ابن عقيل): 72.
2. انظر مختصر المعاني: 78، والقوانين المحكمة 1: 409.
3. القوانين المحكمة 1: 408.
4. القواعد والفوائد 1: 247، القاعدة 82.
418

بخبره إما الحكم، أو كونه عالما به، ويسمى الأول فائدة الخبر، والثاني لازمها " (1).
وقرروا التلازم بأنه لا يمكن أن ينفك الثاني عن الأول دون العكس.
فالمقصود بالخبر في حصر الكلام في كلماتهم في الخبر والإنشاء هو الأعم
من الخبر الحقيقي والمجازي، أي القدر المشترك بين الحقيقة والمجاز، والقرينة
مقابلة الخبر بالإنشاء، وإلا فصور غير العلم من التصديقات وسائط بين الخبر
والإنشاء.
بل يقال: إن صيغ الخبر - وهي أنفس الجمل - كذلك، فيكون مدلول " زيد قائم "
- مثلا - هو الإذعان بتحقق النسبة في الواقع إذعانا علميا. وبه صرح بعض الفحول.
وبالمقالة الأولى تخرج التزكية عن الخبر؛ لابتنائها على الظن.
وليس بالوجه؛ لصدق الخبر قطعا على ما كان مقطوع الخلاف، فضلا عما
كان مبنيا على الظن لو كان ظاهرا في العلم، كما هو الغالب في الإخبارات.
ومن ذلك صدق " الخبر الصادق " على ما كان مخالفا للاعتقاد مطابقا للواقع،
كما هو مقتضى اعتبار المطابقة والمخالفة للواقع في صدق الخبر وكذبه من المشهور.
نعم، لو أخبر عن ظن أو كان المعلوم أو الظاهر للسامع وغيره ابتناء الخبر
على الظن - أي كان المعهود والمتعارف ابتناء مثل خبر المخبر على الظن - فلا
يصدق الخبر.
وأما لو كان الظاهر عند السامع أو المعلوم عنده فقط ابتناء الخبر على الظن،
فيصدق الخبر.
فالحال في الخبر على منوال ما تقدم في الشهادة.
واستظهار مداخلة العلم في معنى مادة الخبر من أهل البيان مدفوع بأن
التفتازاني صرح في شرح التلخيص بأنه ليس المراد بالعلم ثم هو الاعتقاد الجازم
المطابق للواقع، بل حصول هذا الحكم في ذهن المتكلم وإن كان خبره مظنونا أو

1. مختصر المعاني: 78.
419

مشكوكا أو موهوما أو كذبا محضا (1). وهذا ضروري لكل عاقل تصدى للإخبار،
وأهل البيت أدرى بما في البيت.
ومقتضى تزييف الاستدلال بآية النبأ (2) على حجية الإجماع المنقول - بعدم
صدق النبأ على ما كان مستندا إلى الحس - القول بخروج التزكية عن الخبر بواسطة
مداخلة الاستناد إلى الحس في مدلول الخبر، لكون العدالة من باب الأمر الغير
المحسوس، لكن حررنا في محله ضعف القول باختصاص صدق الخبر بما كان
مستندا إلى الحس.
فقد ظهر أن خروج التزكية عن الخبر إما بواسطة دخول القول في معنى الخبر
أو دخول العلم أو الاستناد إلى الحس في معناه، لكن القول بدخول العلم أو
الاستناد إلى الحس مدخول.
[الفرق بين الشهادة والخبر]
وبما مر يظهر أن الخبر لغة يساوي الشهادة بالمعنى اللغوي بعموم كل منهما
لما كان عند المخبر مظنونا أو مشكوكا فيه أو موهوما أو مقطوع العدم، لكن لا
يصدق شيء منهما على ما كان مقيدا بالظن، فكذا ما كان المعهود استناده للظن،
ولعل مقالة الأكثر التساوي أيضا، لكن باختصاص كل منهما بما كان مستندا إلى
العلم.
وأما الفرق بينهما بحسب المعنى المصطلح عليه عند الفقهاء والأصوليين فهو
بين لا خفاء فيه.
وأما الخبر بالمعنى اللغوي فهو أعم من الشهادة بالمعنى المصطلح عليه
المذكور.

1. مختصر المعاني: 67.
2. الحجرات (49): 6.
420

قال السيد السند المحسن الكاظمي:
إن الشهادة وإن كانت إخبارا أيضا إلا أنه قد أخذ فيها أن يكون إنشاء
الإخبار بين يدي الحاكم، فإذا اطلع على قتل مثلا أو دين أو قذف أو
سرقة أو نحو ذلك فحكى ذلك ابتدأ، كان إخبارا، وإن دعي للتسجيل،
كان شهادة (1).
وقال سيدنا:
إن الشهادة وان كانت إخبارا أيضا إلا أنها قد أخذ في مفهومها أن يكون
الغرض من الإخبار إثبات ما يخبر به ولو مع انضمام آخر إليه، وذلك
لا يكون إلا عند الاستشهاد.
وأما الخبر غير الشهادة فالغرض منه إعلام السامع بوقوع النسبة أو لا
وقوعها، أو كون المتكلم عالما بذلك، أو نحوهما من إظهار التفجع
والتحسر والحث على الفعل وغيرها.
فإذا قال قائل: " إني قد رأيت اليوم زيدا يقتل عمروا، أو يقذفه، أو يعطيه
مالا " قصدا إلى إعلام المخاطبين بذلك، كان ذلك إخبارا، فإذا تنازعا
ودعي للإخبار بما اطلع عليه منها فأخبر، كان شهادة (2).
لكن لا يلزم في صدق الشهادة الاستشهاد. بل لو بادر أحد عند الحاكم في
مقام المرافعة إلى الإخبار، يعد شهادة. كيف لا، وقد حكموا بأن التبرع بأداء
الشهادة قبل الاستنطاق وطلب الحاكم إياه من الشاهد يمنع عن القبول (3).
مع أنه لا يلزم في صدق الشهادة كونها بين يدي الحاكم في مقام الحكومة،
كما هو ظاهر ما تقدم من كلام السيد السند المحسن الكاظمي، بل هو الظاهر مما

1. عدة الرجال 1: 170.
2. عدة الرجال 1: 171.
3. كالشهيدين في اللمعة والروضة 2: 134.
421

مر من كلام سيدنا، ولا مطلقا، بل القول بإناطة صدق الشهادة بكونها عند الحاكم
ولو كانت في مثل رؤية الهلال والطهارة والنجاسة لا يقول به قائل.
والأظهر حوالة الفرق إلى العرف وفاقا لبعض الأكابر، كما أن الأظهر حوالة
الفرق بين الصدق والكذب إلى العرف، كما حررناه في الرسالة المعمولة في
حجية الظن.
لكن لا يصدق الخبر في غالب موارد صدق الشهادة، مع أن أهل العرف العام
لا يطلعون على المعنى المصطلح عليه في الشهادة، إلا أن يحال الفرق إلى العرف
الخاص بالأصالة بالنسبة إلى الشهادة، ومن باب المتابعة للغة بالنسبة إلى الخبر.
أو يقال: إنه قد يسري المعنى الاصطلاحي إلى العرف العام، فإن أهل العرف
العام يفرقون بين الخبر بالمعنى اللغوي والشهادة بالمعنى الاصطلاحي، فلا بأس
بحوالة الفرق بينهما إلى العرف العام.
وبعدما سمعت أقول: إنه كثيرا ما تطلق الشهادة في العرف على الاطلاع، كما
يقال: " جئت أمس ببابك " و " زيد شاهد عليه ".
بل منه قول القاضي: " ائتني بشاهدك " و " من شاهدك ".
فيمكن أن يقال: إن الشهادة حقيقة في مطلق الاطلاع، كما هو مقتضى ما
تقدم من كلام صاحب المصباح (1)، وقد صارت حقيقة في الاطلاع الخاص.
وبعد، فعسى أن يظهر بما مر، بل لا خفاء في أنه يتأتى الكلام في دخول
التزكية في الخبر بالمعنى اللغوي والشهادة بالمعنى المصطلح عليه.
وأما الخبر بالمعنى المصطلح عليه والشهادة بالمعنى اللغوي فلا يرتبط
بالمقام، كما أن الشهادة بالمعنى اللغوي لا ترتبط بالمقام أيضا، فلا حاجة إلى
الفرق بين الخبر بالمعنى اللغوي والشهادة بالمعنى اللغوي. وكذا الفرق بين الخبر

1. المصباح المنير 1: 324 (شهد).
422

بالمعنى المصطلح عليه والشهادة بالمعنى اللغوي.
ثم إن الشهيد في القواعد حكم باشتراك الرواية والشهادة في الجزم،
واختلافهما باختصاص الرواية بكون المخبر به أمرا عاما لا يختص بمعين،
كالأخبار الواردة في بيان الأحكام، واختصاص الشهادة باختصاص المشهود به
بالمعين، كقوله عند الحاكم: أشهد بكذا لفلان.
فحكم بوقوع اللبس في رؤية الهلال من جهة عدم اختصاصه بشخص معين
واختصاصه بشهر معين، وإخبار المترجم عند الحاكم من جهة عمومه للترجمة،
فقال:
والأقوى التعدد في الموضعين، وإخبار المقوم من جهة نصبه
لتقويمات لا نهاية لها فهو رواية وإلزامه بمعين، وإخبار القاسم من جهة
نصبه لكل قسمة ومن حيث التعيين في كل قضية، والإخبار عن عدد
الركعات أو الأشواط من جهة أنه لا يخبر عن إلزام حكم لمخلوق بل
للخالق سبحانه فهو كالرواية، وأنه إلزام لمعين لا يتعدى، والإخبار
بالطهارة والنجاسة، أما لو كان ملكه فلا شك في القبول، والإخبار عن
دخول الوقت، والإخبار عن القبلة، وإخبار الخارص.
فقال: والأقرب في هذه الخمسة الاكتفاء بالواحد إلا في الإخبار
بالنجاسة إلا أن تكون يده ثابتة عليه بإذن المالك.
فقال: أما المفتي فلا خلاف في أنه لا يعتبر فيه التعدد، وكذا الحاكم؛ لأنه
ناقل عن الله عز وجل إلى الخلق، فهو كالراوي، ولأنه وارث النبي (صلى الله عليه وآله) أو
الإمام الذي هو واحد.
فقال: وأما قبول الواحد في الهدية وفي الإذن في دخول دار الغير فليس
من باب الشهادة؛ لا لأنه رواية؛ إذ هو حاكم خاص لمحكوم عليه
خاص، بل هو شهادة، لكن اكتفي فيها بالواحد عملا بالقرائن المفيدة
للقطع؛ ولهذا قيل: وإن كان صبيا. ومنه إخبار المرأة في إهداء العروس
423

إلى زوجها (1).
أقول: إن الظاهر من تعبيره بالرواية وحكمه باختصاصها بالأمر العام كون
الغرض من الرواية هو الخبر بالمعنى المصطلح عليه، لكن مقتضى ما ذكره من
موارد اللبس كون الغرض منها هو الخبر بالمعنى اللغوي.
لكنك خبير - بعد الإغماض عن التناقض في كلامه - بأن الفرق بين الخبر
بالمعنى الاصطلاحي والشهادة بالمعنى الاصطلاحي بعد ظهوره - كما مر - لا نفع
فيه، ولو تطرق نفع في الباب، لكان النفع في الفرق بين الخبر بالمعنى اللغوي
والشهادة بالمعنى الاصطلاحي، لكن لا نفع فيه أيضا كما يظهر مما يأتي.
وأيضا مقصوده من التعدد إنما هو الاثنان من الذكور، فالمقصود من لزوم
التعدد في رؤية الهلال والترجمة - بناء على كون الأمر فيهما من باب الشهادة - إنما
هو عدم كفاية الواحد، وعدم لزوم الزائد على الاثنين.
لكنك خبير بأنه لابد في اللواط والسحق من شهود أربعة، ويثبت كثير من
الأمور بشاهدين، وشاهد وامرأة، وشاهد ويمين، كالديون والأموال، ويثبت
بعض الأمور بثلاثة رجال وامرأتين، كالزنا الموجب للرجم، وبعضها برجلين
وأربع نسوة، وبعضها بالرجال وبعضها بالنساء، منفردات ومنضمات، كالولادة
والاستهلال وغيرهما.
وأيضا مقتضى كلماته: أن المدار في لزوم التعدد على صدق الشهادة،
والمدار في كفاية الواحد على صدق الإخبار.
لكنك خبير بأن كفاية الواحد في الموضوعات لا تتم إلا بالعناية، أعني دعوى
الاستقراء في الأخبار. وظاهر كلامه تسلم كفاية الواحد في الإخبار عن
الموضوعات.

1. القواعد والفوائد: 247 - 248، الفائدة 1.
424

وأيضا مقتضى ما ذكره في آخر كلامه تخلل الواسطة بين الإخبار والشهادة.
لكنك خبير بأن الواسطة بينهما غير معقولة، كيف لا، ولا واسطة بين الإخبار
والإنشاء.
[القول بدلالة الخبر على الصدق والرد عليه]
ثم إنه قد حكم التفتازاني في شرحه المطول على التلخيص في أوائل بحث
الإسناد الخبري - تبعا لما نقله عن بعض المحققين المقصود به المحقق الرضي -
بأن الخبر يدل على الصدق، وأما الكذب فليس بمدلوله بل هو نقيضه، قال:
وقولهم: يحتمله، لا يريدون أن الكذب مدلول اللفظ كالصدق، بل
المراد أنه يحتمله من حيث إنه هو، أي لا يمتنع عقلا أن لا يكون مدلول
اللفظ ثابتا، ومقتضاه أصالة صدق الخبر كما حكم بها من غر عن ذلك (1).
أقول: إن الصدق إنما هو مطابقة الخبر للواقع بناء على كون المدار في الصدق
والكذب على المطابقة والمخالفة للواقع، لا الاعتقاد، كما هو المشهور والمنصور،
حيث إن الصدق - كالكذب - صفة للخبر، ولا يكون الصدق نفس الواقع.
كيف لا، ومن الواضح غاية الوضوح أن قيام زيد - مثلا - لا يتصف بالصدق لو
قيل: " قام زيد " و " كان زيد قائما " ولا مجال لدلالة الخبر على مطابقته للواقع.
كيف لا، ولا مجال لدلالة الذات على وصفه، مع أن الخبر بنفسه بالنسبة إلى
مطابقته للواقع ومخالفته له على السواء، فلا وجه لدلالته على المطابقة للواقع.
والظاهر أن منشأ الحديث اشتباه المطابقة للواقع بالواقع؛ إذ لو قيل مثلا: " قام
زيد " و " كان زيد قائما " فقيام زيد مدلول الخبر، إلا أنه مبني على فرض تحقق
القيام لزيد في الواقع، فلا تتأتى الدلالة على الصدق بالكلية ولو كان الصدق هو
الواقع.

1. المطول: 44.
425

مع أن القيام المتحقق في الواقع إنما هو القيام الجزئي المتشخص، والقيام
الواقع محمولا في القضية الخبرية المدلول عليه بها إنما هو القيام الكلي، فلابد في
الدلالة على الصدق من قيام أمارة من الخارج، كغلبة الصدق على فرض ثبوتها،
أو قيام ما يقتضي ويقضي بلزوم البناء على الصدق تعبدا.
هذا ومقتضى المقالة المذكورة أصالة الصدق - كما مر - من باب الأصل
الكاشف عن الواقع، لكن لا يتأصل أصل في مورد بواسطة نفس المورد، بل لابد
في تأصيل الأصل من الرجوع إلى ما يقتضي من الخارج تأسيس أصل كاشف عن
الواقع أو أصل تعبدي.
المقدمة الثالثة
[في تحرير محل النزاع من وجوه]
إن النزاع في المقام إنما يبتني على القول باشتراط اعتبار الخبر بالعدالة وكذا
الإمامية، بناء على عدم دخولها في العدالة، كما هو الأظهر على ما حررناه في
الرسالة المعمولة في " ثقة ".
فلا يجري النزاع وكذا لا يطرد على القول بعدم اشتراط اعتبار الخبر بالعدالة
والإمامية.
فالنزاع مبني على القول باعتبار الظنون الخاصة، فلا يجري النزاع وكذا لا
يطرد بناء على اعتبار مطلق الظن.
والوجه في ذلك: أنه على القول بعدم اشتراط اعتبار الخبر بالعدالة والإمامية
يعتبر الخبر الحسن والخبر الموثق.
وعلى هذا لا مجال لاعتبار التعدد - فضلا عن العدالة - في المادح، وكذا لا
مجال لاعتبار التعدد فضلا عن العدالة، بناء على اطرادها في غير الإمامي في
الموثق الغير الإمامي.
426

فالمقصود بالتزكية في العنوان إنما هو توثيق الإمامي، ولا يجري النزاع وكذا لا
يطرد في توثيق غير الإمامي، وكذا المدح من الإمامي، فضلا عن غير الإمامي.
وأيضا النزاع إنما هو وارد مورد المتعارف من كون المزكي من أهل الخبرة
كما هو المتداول في تزكية الرواة من أهل الرجال، فلا يجري النزاع بل لا يطرد في
التزكية من غير أهل الخبرة.
وأيضا الظاهر أن مرجع النزاع إلى النزاع في كفاية الظن ولزوم تحصيل العلم
أو ما يقوم مقامه، أعني شهادة العدلين، فمن يقول بعدم كفاية التزكية من عدل
واحد ولزوم كون التزكية من عدلين لابد أن يقول بعدم كفاية سائر ما يفيد الظن
بالعدالة أيضا.
فما يظهر من صاحب المعالم - من القول بثبوت عدالة الراوي بالاختبار
والصحبة المتأكدة بحيث تظهر أحواله ويطلع على سريرته حيث يكون ذلك
ممكنا وهو واضح، ومع عدمه باشتهارها بين العلماء وأهل الحديث وشهادة
القرائن المتكثرة المتعاضدة مع قوله بعدم كفاية تزكية عدل واحد (1) - كما ترى.
إلا أن يقال بوقوع الاتفاق على حجية الظن الحاصل من الاختبار والاشتهار،
لكنه ينكر جواز الاطلاع على وقوع الإجماع في أمثال هذه الأعصار مع وجود
القول بلزوم تحصيل العلم في باب العدالة كما حررناه في محله. وإن كان
المقصود به حصول العلم، فلا بأس به، لكنه خلاف ظاهر العبارة.
إلا أن يقال: إن الظاهر من الظهور في المقام هو العلم، لكنه إنما يتم فيما أخذ
فيه الظهور، أي في باب الاختبار.
وأما كلامه في باب الاشتهار وشهادة القرائن، فظاهره الظن، ولم يؤخذ فيه
الظهور.
فقد ظهر فساد ما صنعه في المعارج، حيث إنه منع المنع عن كفاية التزكية من

1. معالم الدين: 204.
427

عدل واحد كما يأتي، قال: " عدالة الراوي تعلم باشتهارها بين أهل النقل، فمن
اشتهرت عدالته من الرواة أو جرحه عمل بالاشتهار " (1).
وأيضا هل المدار على القول بلزوم التزكية من عدلين على حصول الظن في
المقام - ولو قيل بعدم اشتراط الظن في شهادة العدلين؛ للزوم حصول الظن في
الأحكام الشرعية - أو لا؟ الأظهر الأخير.
وأيضا إنما جعلنا النزاع في تزكية الراوي لأنه المناسب للبحث عنه في
كلمات الأصوليين في مباحث خبر الواحد بالمعنى المصطلح عليه.
وربما عممه ثلة لتزكية الشاهد، ولذا ذكروا من أقوال المسألة القول بالتفصيل
بين تزكية الراوي وتزكية الشاهد.
وليس بالمناسب، بل لو كان البناء على التعميم، لكان المناسب جعل النزاع
في مطلق التزكية، ولا وجه للتعميم لخصوص تزكية الشاهد.
وأيضا الجرح وإن يطرد فيه النزاع لكن لا جدوى للنزاع فيه؛ إذ لا يلزم في
ضعف الخبر ثبوت عدم اعتبار الراوي، بل يكفي فيه عدم ثبوت الاعتبار، وكيف
لا ومن الضعيف رواية المجهول والمهمل.
[في أن اعتبار التزكية من باب الشهادة أم لا؟]
إذا عرفت ما تقدم، فنقول: إن المحقق قد جرى في المعارج على كون اعتبار
التزكية من باب الشهادة (2)، واختاره صاحب المعالم (3). ومن هذا تأسيسه أساس
" الصحي " و " الصحر " في المنتقى (4).

1. معارج الأصول: 149.
2. معارج الأصول: 149.
3. معالم الدين: 204.
4. منتقى الجمان 1: 22.
428

والمقصود ب‍ " الصحي " هو الصحيح عندي، كما أن المقصود ب‍ " الصحر " هو
الصحيح عند المشهور. ويمكن أن يكون " الصحي " إشارة إلى صحيحي،
و " الصحر " إشارة إلى صحيح المشهور.
وربما جعل السيد السند النجفي " الصحي " إشارة إلى صحيحي و " الصحر "
إشارة إلى الصحيح عند المشهور (1). ولا دليل عليه، وهو بعيد. والأمر من باب الرمز
والإشارة، كما أنه جعل صورة النون من باب الرمز والإشارة إلى الحسن.
فالصحي بتخفيف الياء وفتح الصاد المخففة.
وجرى على ذلك الفاضل التستري، واقتفاه تلميذه السيد السند التفرشي في
ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد (2)، وكذا في ترجمة أحمد بن
محمد بن يحيى العطار (3)، بل ترجمة الحسين بن الحسن بن أبان (4). وصرح به
كاشف اللثام نقلا.
ومقتضاه: انحصار اعتبار التصحيح فيما لو كان كل من رجال سنده منقول
العدالة من عدلين، إلا أن يقال بالإجماع على كفاية الظن في الباب، لكن لم يتفق
القول بكفاية الظن مع كون الأمر من باب الشهادة.
ويأتي الكلام في اقتصار صاحب المعالم على الخبر المشار إليه، أعني ما كان
كل من رجال سنده منقول العدالة من عدلين.
وقد ذكر الفاضل الخواجوئي في رجاله:
أنه يستفاد القول بذلك من العلامة في الخلاصة في ترجمة إسماعيل بن
مهران (5)، حيث إنه بعد أن حكى تضعيفه عن ابن الغضائري حكم بأن

1. رجال السيد بحر العلوم 2: 197.
2. نقد الرجال 1: 153.
3. نقد الرجال 1: 172.
4. نقد الرجال 2: 84.
5. خلاصة الأقوال: 8 / 6.
429

الأقوى الاعتماد على روايته؛ لشهادة الشيخ (1) والنجاشي (2) بوثاقته.
وظاهر أن شهادة العدلين مقدمة على شهادة العدل الواحد.
قال:
ويشبه أن يكون بناء كلامه في ترجمة إبراهيم بن سليمان على هذا،
حيث قال: وضعفه ابن الغضائري فقال: إنه يروي عن الضعفاء وفي
مذهبه ضعف، والنجاشي وثقه أيضا كالشيخ (3)، وحينئذ يقوى عندي
العمل بما يرويه. ويضعف بأنه بناء على كون التزكية من باب الشهادة،
فالمدار على شهادة العدلين ليس إلا، فلا مجال لترجيح شهادة العدلين
على شهادة العدل الواحد، فالظاهر أن المدار في ترجيح التوثيق من
الشيخ والنجاشي في باب إسماعيل بن مهران على أن التضعيف من ابن
الغضائري على كون الجرح والتعديل من باب الخبر وإن عبر بالشهادة (4).
وبما ذكر يظهر الحال في ترجيح التوثيق من الشيخ والنجاشي على تضعيف
ابن الغضائري في باب إبراهيم بن سليمان (5)، بل لا دلالة فيه على كون الجرح
والتعديل من باب الشهادة بوجه.
[في اعتبار أن التزكية من باب الخبر أم لا؟]
وظاهر شيخنا البهائي في أصوله: كون اعتبار التزكية من باب اعتبار الخبر،
حيث إنه قال: " تزكية العدل الإمامي كافية " ثم استدل بعموم مفهوم آية النبأ (6)، بل

1. الفهرست: 11 / 32.
2. رجال النجاشي: 26 / 49.
3. خلاصة الأقوال: 5 / 11؛ وانظر رجال النجاشي: 18 / 20.
4. الفوائد الرجالية للخواجوئي: 208. انظر رجال النجاشي: 26 / 49، والفهرست: 11 / 32.
5. انظر رجال النجاشي: 18 / 20، والفهرست: 6 / 8.
6. الحجرات (49): 6.
430

نسب مختاره إلى العلامة (1) والشيخ (2) وسائر المتأخرين (3) (4).
وأبسط الكلام في مبادئ مشرق فروعه وقال:
ولقد بالغ بعض أفاضل معاصرينا - قدس الله روحه - في الإصرار على
اشتراط العدلين في المزكي؛ نظرا إلى أن التزكية شهادة، ولم يوافق القوم
على تعديل من انفرد الكشي أو الشيخ الطوسي أو النجاشي أو العلامة
- مثلا - بتعديله، وجعل الحديث الصحيح عند التحقيق منحصرا فيما
توافق اثنان فصاعدا على تعديل رواته (5).
ومقصوده ببعض أفاضل معاصريه هو صاحب المعالم في المنتقى.
وحكى في المنتقى (6) في المقام عن بعض فضلاء معاصريه بعض الكلام.
لكن لم يظهر لي كون المقصود به شيخنا البهائي وإن حكى في بعض
المواضع في المنتقى عن بعض المتأخرين وقيل: وكأن المراد الشيخ البهائي.
وقد حررنا في الرسالة المعمولة في باب شيخنا البهائي ما وقع بينه وبين
صاحب المعالم من الملاقاة وغيرها.
وقد ذكر المولى التقي المجلسي في شرح مشيخة الفقيه: أن بعض الأصحاب
- المقصود به صاحب المعالم، بقرينة نقل تقسيم الأخبار إلى " الصحي " و " الصحر "
عنه - بالغ في اشتراط تزكية العدلين ردا على شيخنا البهائي (7).

1. مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 206؛ تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 78.
2. عدة الأصول: 61. وفي الطبعة الجديدة 1: 382.
3. كالمحقق في معارج الأصول: 149؛ والفاضل السيوري في كنز العرفان 2: 384 و 2: 51؛ وانظر
مقباس الهداية 2: 33.
4. زبدة الأصول: 70.
5. مشرق الشمسين: 46 - 47.
6. منتقى الجمان 1: 14.
7. روضة المتقين 14: 17، وانظر منتقى الجمان 1: 14.
431

وذكر شيخنا البهائي وجوها في الرد عليه.
وجرى السيد الداماد (1) على القول بتلك المقالة، وهو مقتضى ما عن صريح
العلامة في التهذيب من أن الجرح والتعديل من باب الخبر (2)، ومقتضاه عدم كفاية
تزكية غير الإمامي؛ لاشتراطه الإيمان والعدالة في اعتبار خبر الواحد.
وهو مقتضى بعض كلماته في الخلاصة، كقوله في ترجمة سيف بن سليمان
التمار - بعد نقل توثيقه عن ابن عقدة عن علي بن الحسن -: " ولم أقف له على
مدح وجرح من طرقنا سوى هذا، والأولى التوقف حتى تثبت عدالته " (3).
وكذا قوله في الترجمة اللاحقة لتلك الترجمة، أعني ترجمة الحسن بن
صدقة - بعد نقل توثيقه وتوثيق أخيه عن ابن عقدة عن علي بن الحسن -: " وفي
تعديله بذلك نظر " (4).
وهو ظاهر عبارات أخرى في الخلاصة تقتضي القدح في الشهادة للنفس أو
غيرها بعدم إثبات العدالة وإن كانت مرجحة للقبول؛ حيث إن الظاهر منها لزوم
ثبوت عدالة الراوي في اعتبار الرواية، والظاهر من العدالة إنما هو المعنى
الأخص، فالظاهر منها لزوم ثبوت عدالة الراوي، وقد حررنا تلك العبارات في
الرسالة المعمولة في " ثقة ".
لكنه صرح في الخلاصة بقبول رواية جماعة من فاسدي المذهب، كقوله في
ترجمة أبان بن عثمان - بعد نقل كونه ناووسيا عن الكشي عن علي بن الحسن (5) -:
" والأقوى عندي قبول روايته وإن كان فاسد المذهب " (6).

1. الرواشح السماوية: 80، الراشحة الحادي والثلاثون.
2. تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 78.
3. خلاصة الأقوال: 44 / 49.
4. خلاصة الأقوال: 45 / 51.
5. رجال الكشي 2: 640 / 660، وص 673 / 705.
6. خلاصة الأقوال: 21 / 3.
432

وقوله في ترجمة الحسن بن علي بن فضال: " وأنا أعتمد على روايته وإن كان
مذهبه فاسدا " (1).
وقوله في ترجمة علي بن أسباط بعد نقل كونه فطحيا عن النجاشي (2)
والكشي (3): " وأنا أعتمد على روايته " (4).
بل قد ذكر المحقق القمي: أنه أكثر في الخلاصة من قبول رواية فاسد المذهب (5).
ونظير ذلك: أنه جرى في النهاية فيما لا يمكن فيه الجمع بين الجرح
والتعديل على تقدم الجرح (6)، وجرى في الخلاصة على ترجيح التوثيق بزيادة
العدد، كما سمعت من ترجيحه توثيق الشيخ والنجاشي على تضعيف ابن
الغضائري في باب إسماعيل بن مهران (7) وإبراهيم بن سليمان (8)، بل جرى على
الترجيح بدون زيادة العدد، كما صنعه في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بشير
البرمكي، حيث إنه نقل توثيقه عن النجاشي (9)، وتضعيفه عن ابن الغضائري،
ورجح التوثيق (10).
اللهم إلا أن يكون الترجيح مبنيا على زيادة ضبط النجاشي كما هو معروف بها.

1. خلاصة الأقوال: 37 / 2.
2. رجال النجاشي: 252 / 663.
3. رجال الكشي 2: 562 / 1061.
4. خلاصة الأقوال: 99 / 38.
5. القوانين المحكمة 1: 476.
6. حكاه عنها في الفوائد الرجالية: 173. والنهاية (نهاية الوصول إلى علم الأصول) للعلامة الحلي
مخطوط.
7. انظر رجال النجاشي: 26 / 49، وفهرست الشيخ: 11 / 32، وخلاصة العلامة: 8 / 6.
8. انظر رجال النجاشي: 18 / 20، الفهرست: 6 / 8، وخلاصة الأقوال: 5 / 11.
9. رجال النجاشي: 341 / 915.
10. خلاصة الأقوال: 154 / 89.
433

ويمكن أن يقال: إن تقديم الجرح لا ينافي الترجيح بالعدد؛ لانصراف الأول
إلى صورة مساواة الجرح والتعديل في العدد.
وإن قلت: إنه قد علل تقديم الجرح بإمكان اطلاع الجارح على ما لم يطلع
عليه المعدل، وهذا يجري في صورة زيادة العدد.
قلت: إن التعليل المذكور ينصرف إلى صورة مساواة الجرح والتعديل في
العدد؛ لبعد اطلاع المعدل على ما لم يطلع عليه الجارح مع زيادة عدد المعدل.
ويقتضي القول بتلك المقالة ما قاله العلامة في الخلاصة في ترجمة ليث بن
البختري - بعد أن حكى عن ابن الغضائري نقل اختلاف أصحاب ليث في شأنه
والحكم بأن الطعن في دينه - من أن الطعن من ابن الغضائري في دينه لا يوجب
الطعن (1)؛ لأنه اجتهاد منه.
إلا أن يقال: إنه يمكن أن يكون من باب كون الجرح والتعديل من باب
الشهادة.
ومقتضى تلك المقالة انحصار اعتبار الصحيح فيما كان كل من رجال سنده
منقول العدالة ولو من عدل واحد.
لكن صرح سيدنا أيضا بكون التزكية من باب الخبر (2)، لكنه جعل المدار على
مطلق الظن بناء على دلالة آية النبأ على ثبوت العدالة والفسق بالظن، كما يأتي
منه.
وظاهر المحقق القمي: أنه لا ينكر صدق الخبر على التزكية (3)، لكنه إنما يقول
بحجية الخبر من جهة حجية مطلق الظن الاجتهادي، فهو يقول بحجية مطلق
الظن الاجتهادي بعدالة الراوي، سواء كان من جهة التزكية وهي من باب الخبر، أو

1. خلاصة الأقوال: 136 / 2.
2. عدة الرجال 1: 171.
3. القوانين المحكمة 1: 472.
434

غيرها من جهة حجية مطلق الظن بالأحكام الشرعية.
فمن يقول بتلك المقالة لابد أن يقتصر على تزكية العدل الإمامي ولا يتعدى
عنه إن قال باعتبار العدالة والإيمان في اعتبار خبر الواحد، أو قال باعتبار العدالة
في اعتبار خبر الواحد لكن قال باعتبار الإيمان في العدالة، إلا أن يقول بالإجماع
على كفاية مطلق الظن في المقام، أو دلالة آية النبأ على كفاية الظن الشخصي في
تشخيص العدالة.
وإن قال باعتبار أخبار الكتب الأربعة، فلابد أن يقتصر على أخبار الكتب
الأربعة، إلا أن يقول بأحد الأمرين المذكورين آنفا.
وإن قال باعتبار الخبر من باب اعتبار مطلق الظن، يبنى على اعتبار مطلق
الظن في المقام.
[هل اعتبار التزكية من باب الظنون الاجتهادية؟]
واختار غير (1) واحد من الأواخر كون اعتبار التزكية من باب اعتبار
الظنون الاجتهادية، ومقتضاه كفاية القرائن في ثبوت العدالة، وكذا تزكية
غير الإمامي الممدوح، فضلا عن تزكية غير الإمامي الموثق أو الإمامي
الممدوح بناء على رجحانه على غير الإمامي الممدوح، وفضلا عن تزكية العدل
الواحد.
وقد جرى المحدث الحر في الفائدة الثانية عشرة المرسومة في خاتمة
الوسائل على أن اعتبار التزكية من باب القطع، حيث إن توثيق بعض علماء الرجال
الأجلاء الثقات الأثبات كثيرا ما يفيد القطع مع اتحاد المزكي؛ لانضمام القرائن
التي يعرفها الماهر المتتبع.

1. كالمحقق القمي في القوانين المحكمة 1: 477؛ وانظر مقباس الهداية للمامقاني 2: 73.
435

ألا ترى أنا نرجع إلى وجداننا فنجد جزما بثقة كثير من رواتنا وعلمائنا الذين
لم يوثقهم أحد؛ لما بلغنا من آثارهم المفيدة للقطع بثقتهم، وقد تواترت الأخبار
في حجية خبر الثقة (1).
وقد حكى في غاية المأمول عن شيخنا البهائي في بعض تحقيقاته قبول تزكية
غير الإمامي للإمامي إذا كان عدلا؛ تعويلا على أن الفضل ما شهد به الأعداء،
وعدم قبول الجرح من غير الإمامي (2).
وربما توهم منه التفصيل بين تزكية الإمامي للإمامي فاعتبار التزكية من باب
اعتبار الخبر ويكفي عدل واحد، وغيره من تزكية الإمامي غير الإمامي، وتزكية غير
الإمامي لغير الإمامي، وتزكية الإمامي لغير الإمامي، فاعتبار التزكية من باب اعتبار
الشهادة؛ فلابد من عدلين.
وليس بشيء؛ حيث إنه لو اكتفي بعدل واحد في التزكية من غير الإمامي
فيكتفي به في التزكية من الإمامي قطعا، مع أن الشهادة لابد فيها من الإيمان إلا
نادرا؛ فلا تكفي تزكية غير الإمامي إذا كانا عدلين لغير الإمامي.
على (3) أن الكلام المذكور تفصيل في حال غير الإمامي بين تعديله وجرحه،
ولا يكون تفصيلا في قبول التزكية.
نعم، لو فصل بقبول تزكية غير الإمامي إذا كان عدلا دون غيره، لكان دالا على
التفصيل المتوهم من كلامه، فلا دلالة في كلامه على التفصيل المذكور بوجه.
لكن نقول: إن الكلام المذكور مبني على عموم العدالة لغير الإمامي كما هو
الأظهر؛ لوجوه حررناها في الرسالة المعمولة في " ثقة ". لكن من اشترط العدالة

1. وسائل الشيعة 20: 113، الفائدة الثانية عشرة.
2. قاله في مشرق الشمسين: 40. وحكى السيد الصدر في نهاية الدراية: 130 عن البهائي في بحث
حواشي على الزبدة اعتبار تزكية العدل المخالف.
3. في " د ": " على " بدل " إلا ".
436

في اعتبار الخبر - كما هو المدار في أصل الكلام في المقام كما تقدم - قد اعتبر
الإيمان أيضا، والظاهر - بل بلا إشكال - أن القول باعتبار العدالة دون الإيمان
مفقود الأثر، فبعد اعتبار العدالة لا مجال لتزكية غير الإمامي.
وربما يظهر من العلامة المجلسي في حاشية الخلاصة في أوائل الكتاب:
التفصيل بين ما لو كانت التزكية بصورة الاجتهاد بأن كانت في مقام ذكر الخلاف
من المزكي، فلا عبرة به؛ لرجوع القبول إلى التقليد، وما لو كانت على سبيل
الشهادة والإخبار بأن كان في مقام لم يذكر المزكي فيه الخلاف، فيجب على
المجتهد اعتباره والنظر فيه وفيما يعارضه ليستبين له حال الرجال، ويترجح لديه
الرد أو القبول.
وربما يظهر من صاحب المعالم توقف العلامة في النهاية، حيث إنه نسب إليه
نسبة القول بكفاية العدل الواحد إلى الأكثر من غير تصريح بالترجيح (1).
لكن العلامة ذكر دليل القول بلزوم التعدد وزيفه (2)، فهو قائل بكفاية تزكية
العدل الواحد.
[أدلة اعتبار العدد في التزكية]
واستدل صاحب المعالم على اعتبار العدد في التزكية - قولا (3) بالقول الأول -
بوجهين (4):
[الوجه] الأول: أن التزكية شهادة، ومن شأنها اعتبار العدد فيها، كما هو
ظاهر.

1. معالم الدين: 204. وانظر منتقى الجمان 1: 14 - 21 الفائدة الثانية، وانظر مقباس الهداية 2: 65.
2. أنظر تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 79.
3. أي: مع أنه قائل بالقول الأول، وهو عدم اعتبار العدد في التزكية.
4. منتقى الجمان 1: 14.
437

وفيه أولا: أنه يمكن أن تكون التزكية من باب الخبر كما تقدم نقل القول به،
فدعوى أنها من باب الشهادة تحتاج إلى إقامة الدليل عليها.
وثانيا: أن المدار في الشهادة على القول، وتزكية أرباب الرجال لا تخرج عن
المكتوب، بل الأمر في تزكية أرباب الرجال ليس من باب كتابة الشاهد، بل من
باب المكتوب عن مكتوبه بوسائط عديدة.
إلا أن يقال بالقطع بعدم الفرق بين كتابة الشاهد والمكتوب عن مكتوبه
بوسائط بعد اعتبار كتابة الشاهد.
هذا لو كان التوثيق من النجاشي - مثلا - دراية، وأما لو كان من باب الرواية -
بأن نقل النجاشي التوثيق عن غيره في كتابه - فالأمر من باب نقل المكتوب
بوسائط عديدة بالمكتوب بوسائط عديدة.
وثالثا: أن الشهادة مبنية على العلم، وتزكية أرباب الرجال لا تخرج غالبا عن
الظن.
إلا أن يقال: إنه مبني على اعتبار الاستناد إلى العلم في الشهادة، وقد تقدم
عدم الاعتبار.
إلا أن يقال: إن اعتبار الشهادة في صورة الاستناد إلى الظن غير ثابت وإن لم
يكن الاستناد إلى العلم معتبرا في معنى الشهادة.
لكن نقول: إن الأظهر كفاية الظن بالعدالة، كما يأتي.
ورابعا: أن لزوم التعدد في عموم الشهادات غير ثابت.
قال شيخنا البهائي في مشرقه: " والسند قبول شهادة الواحد في بعض الموارد
عند بعض علمائنا؛ بل شهادة المرأة الواحدة في بعض الأوقات عند أكثرهم " (1).
إلا أن يقال: إن القدر الثابت اعتبار شهادة العدلين، وغيرها غير ثابت الاعتبار،

1. مشرق الشمسين: 45.
438

بل نادر الاعتبار، فلابد من الاقتصار عليها.
وخامسا: أنه مبني على حجية عموم شهادة العدلين.
وهو غير بين ولا مبين في الاستدلال، فهو من باب الدعوى من دون شاهد
وبينة.
وسادسا: أنه يحتمل أن تكون التزكية من باب الخبر، فكان عليه سد هذا
الاحتمال وإن فرضنا كون القول بكونها من باب الشهادة أقوى.
قال شيخنا البهائي في المشرق:
وهلا كانت تزكية الراوي كأغلب الأخبار في أنها ليست شهادة،
كالرواية، ونقل الإجماع، وتفسير مترجم القاضي، وإخبار المقلد مثله
بفتوى المجتهد، وقول الطبيب بإضرار الصوم بالمرض، واخبار أجير
الحج بإيقاعه، وإعلام المأموم الإمام بوقوع ما شك فيه، وإخبار العدل
العارف بالقبلة بجاهل العلامات (1).
لكن يمكن الذب بأن الغرض أن عموم مفهوم آية النبأ غير واف باعتبار
التزكية؛ قضية لزوم التناقض على تقدير العموم، ولا جدوى في مجرد صدق
الخبر، فلابد من البناء على التعدد بناء على حجية عموم شهادة العدلين، فلا
يتطرق الإيراد المذكور.
لكن نقول: إنه خلاف ظاهر الاستدلال بلا إشكال.
وبعد ما سمعت أقول: إنه لو كان المدار على الشهادة، فلابد في المزكي من
شهادة العدلين أيضا، وهكذا إلى أن يدور أو يتسلسل كما يأتي، وهذا المحذور
يتطرق أيضا على القول باشتراط العدالة والإيمان في اعتبار الخبر.
وبعد هذا أقول: إنه لا جدوى في التوثيق من باب الشهادة لو كان مبنيا على
كلام الغير ولو احتمالا. واحتمال الابتناء جار في عموم التوثيقات مع قطع النظر

1. نفس المصدر: 43 - 44.
439

عن الظهور في البعض، فلا مجال للعمل بالتوثيقات رأسا.
ومن ذلك أن المولى التقي المجلسي قد حكى عن صاحب المعالم: أنه لم
يعتبر توثيق العلامة والسيد ابن طاووس والشهيد الثاني، بل أكثر الأصحاب؛
تمسكا بأنهم ناقلون عن القدماء، إلا أنه لو ثبت النقل في حق الأكثر، فاحتمال
النقل جار في كل واحد من التوثيقات ولو مع القطع بالاجتهاد في البعض إجمالا
بالنسبة إلى بعض أهل الرجال، فيلزم إهمال التوثيقات بالكلية (1).
وفيه من المحذور ما لا يخفى.
[الوجه] الثاني: أن العدالة شرط في قبول الخبر، ومقتضى اشتراط العدالة
اعتبار العلم في حصولها، لكن شهادة العدلين تقوم مقام العلم شرعا، وأما غيرها
فيتوقف الاكتفاء به على الدليل، وهو غير ثابت.
وفيه أولا: أنه يحتمل أن يكون الأمر من باب ممانعة الفسق لا اشتراط
العدالة، وممانعة الفسق لا تقتضي اشتراط العدالة. ونظير هذا المقال يتأتى في
كثير من الموارد، مثلا: يتأتى الكلام في أن القلة شرط لانفعال الماء بملاقاة
النجاسة أو الكرية مانعة، وأن التذكية أو جواز أكل اللحم شرط لصحة الصلاة، أو
عدم التذكية أو عدم جواز أكل اللحم مانع، وأن البلوغ شرط لكون الدم حيضا أو
الصغر مانع، وأن القدرة على التسليم شرط في صحة البيع أو العجز عنه مانع، وأن
القبض قبل التفرق شرط في صحة بيع الصرف والسلف أو التفرق مانع، بل يتأتى
الكلام في جميع العمومات المخصصة في خلو الخاص عن الشرط أو وجود
المانع فيه.
والمدار في الفرق بين اشتراط أحد المتقابلين ومانعية الآخر هو إصلاح حال
الاقتضاء، وإناطة تعلق الحكم بوجود الشرط بكون الموضوع غير قابل بذاته

1. روضة المتقين 14: 17؛ وانظر منتقى الجمان 1: 14.
440

لتعلق الحكم في الأول، وإفساد الحال بكون الموضوع قابلا بذاته لتعلق الحكم
في الثاني.
مثلا: وصول الدهن إلى فتيلة السراج شرط لإضاءة السراج، وهبوب الريح
مانع، وليس عدم هبوب الريح مما يتم به اقتضاء الإضاءة. وكذا سوء خلق العالم
أو الشخص المتعزز أو المتمول مانع عن ميل النفس وليس حسن الخلق شرطا
للميل؛ إذ كل من العلم والعز والتمول مما يقتضي ميل النفس لكن حسن الخلق
شرط لميل النفس في الجاهل والشخص الذليل والفقير؛ لكون الجهل والذل
والفقر مما يوجب انزجار النفس.
إلا أن يقال: إن حسن الخلق على ذلك سبب لميل النفس، لا شرط له، كما أن
منع الثقيل عن الهبوط من باب المانع، ولا مجال لكون عدمه من باب الشرط.
وكذا عدم تعاهد بعض الأفراد شرط لحمل المفرد المعرف باللام على
العموم بحكم الحكمة؛ لأن الحمل على العموم مبني على مساواة الأفراد،
والتعاهد موجب للرجحان. فالتعاهد لا يكون من باب المانع، بل عدمه من باب
الشرط؛ إذ اقتضاء الحكمة للحمل على العموم منوط بانتفاء العهد؛ قضية رجحان
المعهود. والمدار في المانع على منع الاقتضاء، بل استكماله.
ونظير ذلك: أن الواجب وإخوانه مصطلحات في الأفعال، والمدار بحكم
العقل في الواجب على ثبوت المصلحة فيه، وفي الحرام على ثبوت المفسدة فيه،
وفي المستحب على ثبوت الرجحان فيه، وفي المكروه على ثبوت الحزازة فيه.
فترك الواجب لا يقتضي ترتب المفسدة، وترك الحرام لا يقتضي ترتب
المصلحة، وترك المستحب لا يقتضي تطرق الحزارة، وترك المكروه لا يقتضى
تطرق الرجحان، فترك الواجب ليس من قبيل فعل الحرام، وترك الحرام ليس من
قبيل فعل الواجب. وقس حال ترك المستحب وترك المكروه.
ومع قطع النظر عن حكم العقل فالظاهر من التعمد بالأمر وجوبا أو ندبا إلى
441

جانب الفعل والتعمد بالنهي تحريما أو تنزيها إلى جانب الترك هو كون المصلحة
والرجحان في الواجب والمندوب في جانب الفعل، وكون المفسدة والحزازة في
الحرام والمكروه في جانب الفعل.
بل نقول: إن ظاهر التعمد إلى جانب خبر الفاسق بتوجيه الكلام لبيان حكمه
هو ممانعة الفسق.
نعم، التعمد إلى جانب أحد المتقابلين بالأمر به في ضمن العبادة أو
المعاملة، أو النهي عنه في ضمنها لا يستلزم ممانعة الأخرى في الأول،
واشتراط الآخر في الأخير، بل يمكن أن يكون الأمر بأحد المتقابلين من باب
التقريب إلى ممانعة الآخر، والنهي عن أحد المتقابلين من باب التقريب إلى
اشتراط الآخر.
إلا أنه خلاف الظاهر، ويبتني على ثبوت عدم اشتراط المأمور به وعدم
ممانعة المنهي عنه، كما لو قيل: " صل إن كان لباسك مباحا أو مذكى " وثبتت
ممانعة الغصب دون اشتراط الإباحة، وكذا ممانعة عدم التذكية دون اشتراط
التذكية، نظير أن قوله سبحانه: (فكلوا ممآ أمسكن عليكم) (1) من باب التقريب إلى عدم
حرمة أكل اللحم بواسطة الاصطياد؛ حيث إن جواز الأكل ولو في الجملة يستلزم
عدم حرمته.
وثانيا: أن كفاية شهادة العدلين في المقام مبنية على حجية عموم شهادة
العدلين، وهي غير بينة، ولم يأت بالإشارة إلى الحجة والبينة عليه في الاستدلال.
وثالثا: أن الأظهر كفاية الظن بالعدالة كما حررناه في محله ولو في باب
الشهادة والفتوى، وإن حكي عن البحار دعوى أن الظاهر من الأخبار أن أمر العدالة
في الصلاة أسهل منه في الشهادة، وتعليلها بأنه لعل السر أن الشهادة تبتني عليها

1. المائدة (5): 4.
442

الفروج والدماء والحدود والمواريث، فينبغي الاهتمام فيها، بخلاف الصلاة، فإنه
ليس الغرض منها إلا اجتماع المؤمنين وائتلافهم واستجابة دعواتهم، ونقص
الإمام وفسقه أو كفره لا يضر بصلاة المأموم (1).
بل مقتضى ما قاله في المعارج - من أن الرواية لا يقبل فيها إلا ما يقبل في
تزكية الشاهد، وهو شهادة عدلين (2) - تسلم لزوم شهادة العدلين في تزكية الشاهد
والإجماع عليه.
وجرى المحدث البحراني في الحدائق (3) والدرر النجفية (4) على اعتبار الاتصاف
بمحاسن الأخلاق في العدالة المعتبرة في القضاء والفتوى؛ استنادا إلى رواية (5)
لا تدل على المقصود، كما حررناه في محله.
وبعد ما مر أقول: إن اعتبار ما في حكم " الصحي " بناء على كون التزكية من
باب الشهادة غير متجه؛ لعدم خروج الأمر عن الظن، ولا جدوى فيه بناء على كون
التزكية من باب الشهادة. كما أن اعتبار ما في الفقيه لو ثبت القول به غير متجه
أيضا، حيث إن الصدوق بعد الكلام في شهادته لا جدوى في شهادته بوصف
الوحدة، بناء على كون التزكية من باب الشهادة.
وشهادة صاحب المعالم إن كانت مبنية على العلم، فلا حاجة إلى شهادة الغير
له، وإلا فلا جدوى في شهادته لنفسه ولا في شهادة الغير له.

1. البحار 85: 24، باب أحكام الجماعة.
2. معارج الأصول: 149.
3. الحدائق الناضرة 10: 58، وانظر ج 25: 262.
4. الدرر النجفية: 48.
5. استدل المحدث في الحدائق بروايتين: الأولى: رواها الكليني في الكافي 7: 406، ح 2، باب أن
الحكومة إنما هي للإمام (عليه السلام)، والصدوق في الفقيه 3: 4، ح 8، باب اتقاء الحكومة، والشيخ في التهذيب
6: 217، ح 509، باب من إليه الحكم وأقسام القضاة والمفتين، وفي وسائل الشيعة 18: 6 أبواب
صفات القاضي، ب 3، ح 20، والثانية في الاحتجاج: 164.
443

وبالجملة، شهادة العدلين إنما تنفع في حق شخص لا في حق أحد العدلين.
وبما ذكرنا يظهر الحال فيما مرت حكايته من أنه شاهد أصل في باب
" الصحي ".
لكن نقول: إن مقتضى كلامه أن الأمر فيما في حكم " الصحي " من باب الخبر
الواحد المحفوف بالقرينة، ولعله الحال في غير ذلك مما تقدم ذكره، لكن
مقتضى التعبير ب‍ " الصحي " قيام شهادة العدلين من الخارج على عدالة كل من
أجزاء السند.
[أدلة عدم اعتبار العدد في التزكية]
والمعروف في الاستدلال على القول الثاني وجهان:
[الوجه] الأول: عموم مفهوم آية النبأ (1).
ويرد عليه - بعد ما حررناه في الأصول من الإشكال في الاستدلال بمفهوم آية
النبأ على حجية خبر العدل - أن التزكية التي بين أيدينا وتنفع بحالنا من باب
المكتوب، بل المكتوب عن المكتوب بوسائط عديدة، بل من باب نقل المكتوب
بوسائط عديدة بالمكتوب بوسائط عديدة في بعض الموارد كما تقدم، والنبأ
لا يصدق على غير القول، ولا أقل من عدم الشمول أو الشك في الشمول، مع أن
الظاهر من النبأ كونه عن علم بعد صدقه على ما كان عن ظن. والظاهر منه أيضا ما
كان العلم فيه مستندا إلى الحس، والتزكية عن ظن، ومستنده إلى غير الحس، فلا
يشملها مفهوم آية النبأ.
إلا أن يقال: إن ظهور النبأ فيما لو كان مستندا إلى المحسوس بدوي، والظاهر
- بعد التدبر - الشمول لغير المحسوس.

1. الحجرات (49): 6.
444

كيف لا، ونقل خبر الواحد بالمعنى يشمله مفهوم آية النبأ بلا إشكال من
أحد، وأمره من باب غير المحسوس.
ومن ذلك: أن الأظهر اعتبار الإجماع المنقول بناء على حجية الظنون الخاصة
لشمول مفهوم آية النبأ.
وأورد عليه في المعالم (1) والمنتقى (2): بأن اشتراط العدالة في الراوي مبني على
أن المراد بالفاسق في الآية من له هذه الصفة في الواقع، فيتوقف قبول الخبر على
العلم بانتفائها، وهو موقوف على العدالة، فلابد من ثبوتها بالعلم أو ما يقوم مقامه
من البينة. وفرض العموم في المفهوم على وجه يتناول الإخبار بالعدالة يؤدي إلى
حصول التناقض، حيث إن مقتضى منطوق الآية رد رواية محتمل الفسق ولو زكاه
عدل واحد؛ لأن المراد بالفاسق في الآية هو الفاسق الواقعي، ففي الحقيقة يراد به
غير معلوم العدالة، سواء كان معلوم الفسق أو محتمله مطلقا، ومقتضى المفهوم
على الفرض المذكور قبول كل خبر عدل واحد حتى في تزكية الراوي، ومقتضى
ذلك قبول رواية محتمل الفسق مطلقا، فلو عملنا بالمفهوم أيضا على الإطلاق
حتى في تزكية العدل الواحد للراوي، يلزم التناقض بين جهتي كلام واحد.
وتحرير الإيراد المذكور بأن يقال: إن العدالة شرط في قبول الرواية، فلابد
من ثبوتها بالعلم أو ما يقوم مقامه من البينة.
أما الثانية: فقد أحال حالها على الظهور.
وأما الأولى: فقد استدل عليها بممانعة الفسق الواقعي بحكم الآية؛ بتقريب
أن المراد بالفاسق في الآية من له صفة الفسق في الواقع، فلابد من إحراز العدالة
بالعلم أو ما يقوم مقامه من البينة.

1. معالم الدين: 206.
2. منتقى الجمان 1: 20.
445

وإن قلت: إن تزكية العدل الواحد تقوم مقام العلم بحكم مفهوم آية النبأ.
قلت: إن مفهوم آية النبأ لا يمكن شمولها لواقعة التزكية؛ للزوم التناقض؛ إذ
لو زكى واحد بعض الرواة، فمقتضى منطوق الآية وجوب رد روايته بناء على كون
المقصود بالفاسق هو الفاسق الواقعي كما هو المفروض، ومقتضى المفهوم
وجوب قبول روايته بناء على كون المقصود بالعادل هو العادل الواقعي كما هو
المفروض أيضا، فالرواية المذكورة يجب ردها بحكم منطوق الآية، ويجب
قبولها بحكم مفهومها، فيلزم التناقض في جهتي كلام واحد.
أقول: إنه بظاهره من قبيل الأكل من القفا، حيث إنه أورد باشتراط العدالة
بتقريب ممانعة الفسق الواقعي، فلابد في انتفائها من العلم أو ما يقوم مقامه من
البينة.
إلا أن يقال: إن إدراج مقدمة اشتراط العدالة بواسطة كفاية أصالة عدم المانع
في البناء على انتفاء المانع وعدم لزوم انتفاء المانع بالعلم أو ما يقوم مقامه.
لكن نقول: إنه بناء على أصالة العدالة حال الاشتراط كحال الممانعة، ولا يلزم
العلم أو البينة، ويكفي الأصل، وأصالة العدالة مقدمة على أصالة عدم الشرط؛
لكونها من باب الوارد.
نعم، أصالة العدالة لا تتم على ما حررناه في محله، لكنه بنى على لزوم انتفاء
الفسق بالعلم، قال: وهو موقوف على العدالة، نظير أن العلامة في المختلف حكم
بعدم جواز الاقتداء في الصلاة إلا بعد العلم بالعدالة (1)؛ تعليلا بأن الفسق مانع، فلا
يخرج عن العهدة إلا بعد العلم بالعدالة.
فأخذ لزوم انتفاء الفسق بالعلم ينافي التدبير المذكور في باب إدراج اشتراط

1. مختلف الشيعة 2: 513، المسألة 373.
446

العدالة، فكان المناسب بحاله الإيراد بممانعة الفسق، ولزوم انتفائها بالعلم أو ما
يقوم مقامه، مع أن العلم بانتفاء الفسق لا يتوقف على العدالة؛ إذ ربما يحصل
العلم بعدالة شخص مع كونه فاسقا.
إلا أن يكون المقصود بالعلم هو الجزم المطابق للواقع، لكنه خارج عن
المبحوث عنه في جميع المباحث، بل لا يتوقف العلم بانتفاء الفسق على العلم
بالعدالة؛ إذ العلم بانتفاء الفسق عين العلم بالعدالة.
ومع ذلك نقول: إن منطوق الآية لا يقتضي وجوب رد الرواية في الصورة
المفروضة؛ لعدم ثبوت الفسق.
نعم، يتأتى وجوب الرد من باب وجوب مقدمة العلم، أو لابديته، على
الخلاف في باب وجوب مقدمة الواجب.
وعلى هذا المنوال حال المفهوم، فهو لا يقتضي أيضا وجوب القبول، بل
يتأتى وجوب القبول من باب وجوب مقدمة الواجب أو لابديته.
فالتناقض يتأتى في الباب من جهة شمول المفهوم لصورة تزكية العدل، لكنه
بانضمام وجوب مقدمة العلم أو لابديته.
لكن لزوم التناقض مبني على شمول إطلاق التكاليف لحال الجهل بعد وضع
الألفاظ للمعاني الواقعية واستعمالها فيها، وأما بناء على انصرافها في باب
الموضوعات العرفية إلى حال العلم بالفعل - كما هو الأظهر، كما أن الأظهر
انصرافها في باب الأحكام والموضوعات الشرعية المخترعة إلى حال إمكان
العلم - فلا يتأتى شمول المنطوق ولا المفهوم، فلا يتأتى التناقض بوجه.
ومع ذلك نقول: إن محذور التناقض لا يخرج عن محذور التناقض بين
جهتي كلام واحد.
ولا بأس بدفع التعارض بين الجهتين بما يدفع به التعارض بين الخبرين.
وما لو قيل: " إن التعارض بين جهتي كلام واحد غير جائز ولو جاز التعارض
447

بين الكلامين " ليس بشيء.
وإن قلت: إن المفهوم تابع للمنطوق، فلا مجال لمعارضته معه.
قلت: إن التبعية إنما تنافي التعارض بالتباين، والتعارض في المقام من باب
العموم والخصوص من وجه.
ومع ذلك نقول: ظاهر الإيراد بالتناقض سلامة المنطوق عن المحذور، مع
أنه لو كان المفهوم مستلزما للتناقض فلا مجال للتمسك بالمنطوق؛ إذ يلزم من
وجوده العدم.
وقد يجاب عن الإيراد المذكور بأن النسبة بين المتناقضين في المقام عموم
وخصوص من وجه؛ لوجود المنطوق في رواية معلوم الفسق ومحتمل الفسق
الذي لم يزكه عدل واحد، كما لو كان مجهول الحال بالمرة، أو زكاه فاسق أو
مجهول الحال، ووجود المفهوم في إخبار العدل بغير العدالة كأصل الرواية،
واجتماعهما في إخبار العدل بعدالة الراوي، فمقتضى المنطوق رد روايته،
ومقتضى المفهوم قبولها.
ويمكن دفعه بواحد من وجهين - كما هو الشأن في الشأن في أمثاله -: إما
بتخصيص العموم المنطوقي بالمفهوم بأن يقال: يجب رد خبر كل فاسق أو
محتمل الفسق إلا من زكاه عدل واحد؛ أو بتخصيص العموم المفهومي بالمنطوق
بأن يقال: يجب قبول كل خبر عدل إلا إخباره بالعدالة.
إلا أن التخصيص الأول أرجح؛ لانطباقه مع الشهرة؛ لشهرة كفاية المزكي
الواحد. ومرجع الجواب إلى تسليم التناقض وترجيح المفهوم بالشهرة.
لكن نقول: إن ملاحظة التعادل والترجيح في التعارض بالعموم والخصوص
من وجه - بل مطلق التعارض - إنما هي في التعارض بين الدليلين المنفصلين، أما
الكلام الواحد فالتعارض بين منطوقة ومفهومه وترجيح أحدهما على الآخر فاقد
النظير.
448

نعم، لابد من ملاحظة التعادل والترجيح أيضا في التعارض بين كلامين من
دليل واحد، وكذا التعارض بين جزءي كلام واحد، كما في المخصصات المتصلة
والمقيد المتصل، نحو: " أعتق رقبة مؤمنة " بناء على تحقق التعارض فيها، كما هو
الأظهر، على ما حررناه في الأصول.
بل على هذا المنوال الحال في جميع موارد التجوز مع القرينة المتصلة، مثلا:
في " رأيت أسدا يرمي، أو في الحمام " يقع التعارض بين التجوز في الأسد عن
الرجل الشجاع، والتجوز في الرمي عن إثارة التراب، والتجوز في الحمام عن
الفلاة الحارة. ولابد من ملاحظة التعادل والترجيح، لكن المرجح هو العرف.
وربما يقتضي كلام الشيخ في الاستبصار ملاحظة التعارض بين دليل وجزء
كلام من دليل آخر؛ حيث إنه روى في الاستبصار - في باب أنه يجوز الإحرام بعد
صلاة النافلة - عن الكليني بإسناده، عن أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): أرأيت لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة غير مكتوبة أكان يجزي؟ قال:
" نعم " (1).
وروى عن الكليني بإسناده عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم " (2).
فحمل الرواية الثانية على كون الغرض أن الأفضل كون الإحرام عقيب الصلاة
المفروضة. ثم استشهد بأن معاوية بن عمار الراوي للرواية الثانية روى بعد
حكايته ما قال (عليه السلام): " وإن كانت نافلة صليت الركعتين " (3) نظرا إلى أنه لولا كون

1. الاستبصار 2: 166، ح 547، باب أنه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة. وهي في الكافي 4: 333،
ح 10، باب صلاة الاحرام وعقده والاشتراط فيه؛ والتهذيب 5: 77، ح 254، باب صفة الإحرام؛
ووسائل الشيعة 9: 27، أبواب الإحرام، ب 18، ح 2.
2. الاستبصار 2: 166، ح 548، باب انه يجوز الاحرام بعد صلاة النافلة. وهي في الكافي 4: 331،
ح 1، باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه؛ وسائل الشيعة 9: 27، أبواب الإحرام، ب 18، ح 1.
3. الاستبصار 2: 166، ذيل ح 548، باب انه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة.
449

الغرض أن الأفضل كون الإحرام عقيب الفريضة للزم التناقض في حديث واحد.
لكنه خارج عما تقتضيه كلمات الفقهاء والأصوليين من اختصاص التعارض
في اصطلاحهم بملاحظته بين الدليلين، أو بين كلامين من دليل واحد، أو بين
جزءين من كلام واحد.
ومزيد الكلام في ذلك موكول إلى ما حررناه في الأصول.
وأجاب سيدنا: بأن مفهوم آية النبأ عدم وجوب التبين عند إخبار من علمت
عدالته، أو حصل الظن بها من أي شيء كان حصوله.
فالملحوظ عند ذكر الصفات في المحاورات إنما هو المعرفة العرفية، لا العلم
القطعي؛ فالمتبادر من الفاسق من علم فسقه، وتعليق الحكم عليه يقتضي انتفاءه
فيمن عرف عدم فسقه كذلك، ولا ريب في حصول المعرفة العرفية من أي شيء
حصل؛ لبناء أهل العرف في معرفة الأشياء على الظن وعدم الاقتصار على العلم.
فمفاد الآية وجوب التبين عن خبر من عرفت عدالته علما أو ظنا.
ومرجع هذا الجواب إلى مع التناقض بدعوي شمول المفهوم دون المنطوق.
وقد يورد أيضا على الاستدلال المتقدم بأن مفهوم آية النبأ شامل للشهادة،
ومنه استدلال الفقهاء بمنطوق الآية على رد شهادة الفاسق والمخالف. فالمقصود
بالمفهوم قبول خبر العادل في الجملة المردد بين قبوله بالاستقلال، وقبوله بشرط
انضمامه إلى خبر آخر، فلا إطلاق للمفهوم حتى يتمسك به في الباب، بل هذا
الوجه يدل على عدم انتهاض الاستدلال بالمفهوم على حجية خبر العدل في
الأحكام الشرعية.
ولو قيل: إنا نقول بإطلاق المفهوم، وكون الأصل والظاهر من المفهوم حجية
خبر العدل مستقلا في حال الوحدة، غاية الأمر إنا نقول بخروج خبر الواحد في
مقام الشهادة.
قلت: إنه لا مجال للقول بالخروج؛ إذ خبر الواحد في الشهادة لا يكون حجة
450

بشرط الانضمام، بل الحجة إنما هي المجموع المركب، فالشهادة غير داخلة في
المفهوم، لا مخرجة بالدليل. مع أن إخراج الشهادة من باب إخراج المورد؛ لكون
مورد الآية من باب الشهادة.
على أنه لو لم يكن المفهوم هو قبول خبر الواحد في الجملة، لا يكون
المنطوق وجوب التبين عن خبر الفاسق في الجملة أيضا؛ لظهور تطابق المنطوق
والمفهوم في مثله.
فلو كان المفهوم حجية خبر العدل مطلقا، فلابد أن يكون المنطوق حجية
خبر الفاسق المتبين مطلقا أيضا، فحينئذ يلزم تخصيص المنطوق أيضا بإخراج
الشهادة؛ لعدم اعتبار الظن الحاصل من التبين عن خبر الفاسق في الشهادة قطعا،
والتخصيص خلاف الظاهر، مع أن التخصيص المذكور يقتضي إخراج المورد؛
لكون مورد الآية من باب الشهادة.
أقول: إن استدلال الفقهاء فاسد؛ لأن الأمر بالتبين لا يقتضي الرد، فلا مجال
للاتكال عليه.
نعم، على تقدير اختصاص التبين بالعلم فللاستدلال وجه، لكن القول
بالاختصاص ضعيف كما حررناه في الأصول.
وأيضا إخراج الشهادة من المفهوم بكون المقصود وجوب قبول خبر العدل
الواحد في حال الوحدة إلا إذا كان في الشهادة لا بأس به، ولا يلزم منه القول
بحجية خبر العدل في الشهادة بشرط الانضمام، بل هو أعم منه ومن عدم الحجية
رأسا بكون الحجة هي المجموع المركب، ولا خفاء.
وأيضا دعوى كون مورد الآية - أعني حكاية الوليد - من باب الشهادة بالمعنى
المتجدد كما ترى.
451

وأيضا مورد الآية وشأن نزولها (1) حكاية الوليد، وهو فاسق، فخروج حكم
شهادة العدل الواحد عن مفهوم الآية ليس من باب تخصيص المورد؛ إذ المقصود
بتخصيص المورد خروج ما ورد لأجله الوارد عن عموم الوارد، والوارد في المقام
هو منطوق الآية، وما وردت لأجله الآية إنما هو الفاسق، وهو وإن كان خارجا عن
المنطوق لكنه غير ما ادعاه المورد؛ إذ ما ادعاه المورد إنما هو خروج العادل عن
المفهوم، فليس الخارج من باب المورد، ولا المخرج عنه من باب الوارد.
ونظيره ما أورد على الاستدلال بمفهوم آية النبأ على حجية خبر الواحد
العدل في الارتداد، وهو مورد الآية؛ قضية أن شأن النزول واقعة إخبار الوليد
بارتداد بني المصطلق، وقد زيفناه في الأصول.
وأيضا تخصيص المورد لازم وإن كان المدار في المنطوق والمفهوم على
خبر العادل والفاسق في الجملة؛ لعدم حجية شهادة الفاسقين في الإخبار عن
الارتداد، ومورد آية النبأ هو إخبار الفاسق - أعني الوليد - بالارتداد.
وأيضا كما أن إجمال المفهوم يمنع عن جواز التمسك به على حجية خبر
العدل الواحد، فكذا إجمال المنطوق يمنع عن صحة التمسك به على رد شهادة
الفاسقين؛ لاحتمال الاختصاص بخبر الفاسق في حال الوحدة، فدعوى إجمال
المفهوم والمنطوق تنافي صحة استدلال الفقهاء، فلا يتجه الاستناد إليه.
وأيضا قد يقال: إن مفهوم الآية لا يشمل الشهادة؛ لأنها ليست مجيئا بالنبأ
عرفا.
ويمكن أن يقال: إن هذا من جهة الأنس بالمعنى المتجدد للشهادة، وأما قبل
التجدد فالظاهر شمول النبأ للشهادة، فتدبر.
[الوجه] الثاني: إن شرط الشيء لا يزيد عن أصله إن لم ينقص عنه، كما

1. راجع أسباب النزول للواحدي: 222. والوليد هو ابن الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
452

اكتفوا في إثبات الإحصان - الذي هو الشرط في إيجاب الزنا للرجم - بشاهدين،
ولم يكتفوا في أصله - أعني الزنا - بالأربعة شهداء. وحيث اكتفي في إثبات الأصل
- الذي هو الرواية - بالواحد، وجب الاكتفاء به في إثبات شرط قبولها - أعني
العدالة - بطريق أولى.
أقول: إنه إن كان المقصود امتناع زيادة الشيء عن أصله عقلا من باب ما
تداول القول به من امتناع زيادة الفرع على الأصل، كما يرشد إليه صدر
الاستدلال.
ففيه: أنه لا يمتنع عقلا، ولا يحكم العقل بقبح أن يحكم الشارع بوجوب
قبول خبر الواحد إذا كان المخبر به حكما شرعيا، وعدم جواز قبوله عند تزكية
المخبر عن الحكم الشرعي.
وبعبارة أخرى: لا قبح عند العقل في حكم الشارع بوجوب قبول خبر الواحد
في الأحكام الشرعية إذا عدله اثنان، وعدم جواز قبوله إن عدله واحد.
والقول المتداول من امتناع زيادة الفرع على الأصل مجرد كلام جرى على
الألسن، لا مبنى له، ولا عبرة به، ألا ترى أن الولد فرع الوالد، وكثيرا ما يكون والد
غير قابل لأن يكون له ولد جامع لمراتب الكمال.
وإن كان المقصود هو القياس بطريق أولى، كما يرشد إليه ذكر طريق الأولوية.
ففيه - بعد تسليم الأولوية في غير ما نحن فيه، وتسليم حجية القياس المشار
إليه ولو لم يكن الأمر من باب مفهوم الموافقة - المنع عن الأولوية في المقام،
باعتبار أن الرواية لا تتوقف إلا على السماع، واحتمال الخطأ فيها أقل من احتمال
الخطأ في التزكية؛ حيث إن العدالة وكون الشخص معتمدا عليه واقعا مما يعسر
الاطلاع عليه، خصوصا مع رجحان الفسق لغلبته.
فالظن الحاصل من التزكية أدنى من الظن الحاصل من الرواية، فلا بأس
باعتبار التعدد في التزكية إتقانا وإحكاما في الباب، والاكتفاء بالواحد في الرواية.
453

وبوجه آخر: أن التوثيق بناء على كون المقصود به التزكية بالعدالة بالملكة لا
مجال لابتنائه على العلم غالبا؛ إذ لا مجال للعلم بالملكة غالبا، فالتوثيق مبني على
الظن، وأما الرواية فهي صادرة عن العلم، فالمتعدد في التزكية لا يكون أقوى ظنا
من الواحد في الرواية.
وإن كان المقصود الاستقراء الناقص، كما ربما يرشد إليه ذكر حديث
الإحصان والزنا لو كان ذكره من باب المثل، وإلا فملاحظة مورد واحد لا تكفي
في الاستقراء بلا كلام.
ففيه: أن الشأن في إثبات الاستقراء إن قلنا بحجيته.
وأيضا عد المقدمات من الأصل أولى من عد المشروط منه.
ومن ذلك ما اشتهر من عدم كفاية الظن في مسائل الأصول كما ذكروه في
مباحث قد استوفيناها في الرسالة المعمولة في حجية الظن.
وأما ما جرى عليه المحدث الحر، فدعوى " كون تزكية العدل مفيدة للقطع
بانضمام غيرها من القرائن التي يعرفها الماهر المتتبع " (1) عهدتها عليه، وإلا فلا
نستأنس من النفس حصول القطع بالعدالة إلا في أندر الموارد بعد فرض حصول
القطع فيه، بل تلك الدعوى مقطوعة الفساد غالبا لو لم نقل كلية.
وحصول القطع بالعدالة في بعض الموارد مع عدم التوثيق بعد تسليمه لا يجدي
في دعوى الموجبة الكلية، غاية الأمر رفع الوحشة عن حصول العلم بالعدالة.
ومع هذا نقول: إنه لو يحصل القطع، ففيه الكفاية، ولا حاجة إلى دعوى دلالة
الأخبار المتواترة على اعتبار خبر الثقة، بل نقول: إنه لو جرى على كون اعتبار
تزكية العدل من باب اعتبار الخبر - لدلالة الأخبار المتواترة على اعتبار أخبار الثقة -
لكان أولى وأنسب.
وأما ما تقدمت حكايته عن شيخنا البهائي في بعض تحقيقاته فهو مردود بما

1. وسائل الشيعة 20: 115.
454

تقدم من أن من جرى على اعتبار العدالة جرى على اعتبار الإيمان أيضا، فلا
اعتبار بتزكية غير الإمامي، مع أن ما استدل به على اعتبار تزكية غير الإمامي - من أن
الفضل ما شهد به الأعداء - لا يرجع إلى محصل، ولا اعتبار به.
[رد كلام العلامة المجلسي، وفيه كلام في معنى التقليد]
وأما ما تقدم عن العلامة المجلسي، ففيه: أنه لو ثبتت حجية اجتهادات
أرباب الرجال من باب الظنون الاجتهادية، فهو يمنع عن صدق التقليد المصطلح
بين الأصوليين؛ إذ المدار فيه على عدم الدليل على كون القول المتبع طريقا إلى
الواقع في حق الشخص وإن قام الدليل على جواز قبول القول المذكور في مقام
العمل والعمل به، وإلا فيخرج الأمر عن التقليد، ولا يتأتى صدق التقليد، فيكون
الأمر من باب الاجتهاد.
ومن هذا أن التقليد بناء على كونه من باب الظن يكون قسما من الاجتهاد،
فما يدل على حجية قول الغير في مقام العمل وجواز قبوله لا يمانع عن صدق
التقليد، بل التقليد لابد في جوازه من دليل يدل على اعتبار قول الغير عملا، وإلا
فلا يجوز.
وأما لو دل على حجية قول الغير اجتهادا، أي من باب الطريق إلى الواقع،
فهو يرفع صدق التقليد، ويقدم على ما دل على حرمة التقليد للمجتهد؛ لكونه
رافعا لموضوعه.
ومع هذا نقول: إن الظاهر - بل بلا إشكال - خروج اجتهادات أهل الرجال في
القسم الأول عن مورد النزاع كما مر، فالتفصيل غير جار في المتنازع فيه.
ومع هذا نقول: إن جعل القسم الثاني منه من باب الإخبار والشهادة كما ترى؛
لمنافاة الشهادة مع الإخبار.
ومع هذا نقول: إنه لو كان الأمر في القسم الثاني من باب الشهادة، فلا يتأتى
455

وجوب الفحص عن المعارض والعمل بالراجح؛ لعدم حجيتها في باب الشهادة.
هذا لو كان غرضه وجوب الفحص، وأما لو كان الغرض وجوب العمل
بالراجح عند الاطلاع على التعارض، فالترجيح وإن يتأتى في تعارض البينتين في
الجملة إلا أنه - كما قال بعض أصحابنا - مقصور على مقام خاص بمرجح خاص،
قال: بل لو رجح إحدى البينتين على الأخرى بشهادة جماعة من الفساق، لكان
من منكرات الفقه.
لكن لو كانت حجية البينة بشرط الظن، فلا بأس بالقول بلزوم البناء على
الراجح بعد الاطلاع على الرجحان وإن لم يجب الفحص عن الرجحان إن أمكن
القول بكونه خلاف الإجماع كما هو مقتضى ما سمعت من بعض الأصحاب.
مع أن اعتبار الظن في الشهادة من باب الاجتهاد غير ثابت وإن كان القدر
المتيقن من اعتبار الشهادة هو صورة إفادة الظن، كما يظهر مما تقدم.
[في حقيقة التوثيقات الرجالية]
والتحقيق أن يقال: إنه يتأتى الكلام تارة في أن توثيقات أرباب الرجال عن
علم أو عن ظن، وأخرى في أن حجيتها لنا على الأول بناء على اعتبار العلم في
الخبر، أو مطلقا بناء على عدم الاعتبار من باب حجية الشهادة أو الخبر أو الظن
الاجتهادي. وأما دعوى كون حجيتها من باب حجية القطع فلا اعتداد بها.
أما الأول: فالظاهر أن مدار التوثيقات على الظن، كما يرشد إليه ما ذكره
السيد السند المحسن الكاظمي من:
أن الذي استقامت عليه طريقة أصحابنا على قديم الدهر - كما يظهر من
كتب الرجال - هو الاكتفاء في الجرح والتزكية بالواحد، خصوصا إذا كان
من الأجلاء.
وعن بعض الأواخر: أن الذي يستفاد من كلام النجاشي والشيخ وابن
طاووس وغيرهم أن اعتقادهم في الجرح والتعديل على الظن، كما
456

يظهر لمن تصفح كتبهم.
وقد يقال: إن الظاهر من سيرة أهل الرجال أن مزكي الرواة للطبقة
اللاحقة غير عالمين بتحقق العدالة فيمن زكاه، بل ولا ظانين بظن
العشرة ولو بحسن الظاهر. وكذلك الجارحون؛ بل نعلم أن بناءهم في
كل منهما على الركون على أقوال من سلف منهم، بل ربما يعللون
ترجيحاتهم صريحا بذلك (1). انتهى.
والظهور المتقدم بالادعاء أقوى في كلام بعض أرباب الرجال كالعلامة في
الخلاصة وغيره، حيث إن العلامة في الخلاصة كثير الأخذ من كتب النجاشي، كما
يرشد إليه ما ذكره الشهيد الثاني في بعض تعليقات الخلاصة عند ترجمة
عبد الله بن ميمون من " أن الذي اعتبرناه بالاستقراء من طريقة العلامة في الخلاصة
أن ما يحكيه أولا من كتاب النجاشي ثم يعقبه بغيره إن اقتضى الحال " (2).
وكذا ما ذكره عند ترجمة حجاج بن رفاعة من " أن المعلوم من طريقة العلامة
في الخلاصة أنه ينقل في كتابه لفظ النجاشي في جميع الأبواب، ويزيد عليه ما
يقبل الزيادة " (3).
ومقتضى كلامه في ترجمة عباس بن معروف: المبالغة في متابعة الخلاصة
لكتاب النجاشي (4).
ولعله مقتضى كلامه في ترجمة الحسن بن محمد بن الفضل (5).
بل وقع للعلامة في الخلاصة اشتباهات في متابعة النجاشي. وتفصيل تلك

1. عدة الرجال 1: 174.
2. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 52؛ وانظر خلاصة الأقوال: 108 / 29.
3. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 33؛ وانظر خلاصة الأقوال: 64 / 6.
4. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 56؛ وانظر خلاصة الأقوال: 118 / 4.
5. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 7؛ خلاصة الأقوال: 43 / 31.
457

المراحل موكول إلى الرسالة المعمولة في حال النجاشي.
وأيضا ذكر الشهيد الثاني في ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس: " أن الغالب
من طريقة العلامة في الخلاصة متابعة السيد جمال الدين ابن طاووس حتى شاركه
في كثير من الأوهام " (1).
وأيضا ذكر في فواتح المنتقى: " أن العلامة كثير المتابعة للسيد ابن طاووس
بحيث يغلب على الظن أنه لم يتجاوز كتابه " (2).
وأيضا ذكر السيد السند التفرشي في ترجمة حذيفة بن منصور: " أن العلامة
في الخلاصة كثيرا ما وثق الرجل بمحض توثيق النجاشي وإن كان ضعفه ابن
الغضائري " (3) وعد جماعة.
وأيضا ابن داوود كثير الأخذ من العلامة، حيث إن السيد السند التفرشي ذكر
في ترجمة حميد بن شعيب (4)، وعبد الله بن علاء (5)، وبشر بن الربيع (6): " أن دأب
ابن داوود الأخذ من العلامة من دون إظهار المأخذ ".
ولا ينبغي التأمل في ابتناء التوثيق الصادر من مثل الفاضل الأسترآبادي والسيد السند
التفرشي على الظن، بل قد يقال: إن المعلوم من حال المتأخرين - كالعلامة وابن داوود
وأمثالهما - بالاستقراء في كلامهم أن بناءهم على الاعتماد على مجرد توثيقات السلف.
بل نقول: إن التوثيق لو كان مداره على إفادة العلم بالملكة، فالعلم بها لأرباب

1. تعليقة الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 8؛ وانظر خلاصة الأقوال: 7 / 25، والتحرير الطاووسي:
22 / 11.
2. منتقى الجمان 1: 18.
3. نقد الرجال 1: 406 - 407 / 1195؛ وانظر خلاصة الأقوال: 60 / 2، ورجال النجاشي: 147 / 383.
4. نقد الرجال 2: 172 / 1724، وج 3: 124 / 3145، ج 1: 279 / 719؛ وانظر رجال ابن داوود:
236 / 110، وخلاصة الأقوال: 219 / 6.
5. نقد الرجال 3: 124؛ وانظر رجال ابن داوود: 115 / 828، وخلاصة الأقوال: 111 / 43.
6. نقد الرجال 1: 279؛ وانظر رجال ابن داوود: 233 / 77، وخلاصة الأقوال: 208 / 3.
458

الرجال محل الإشكال، بل من باب المحال في أغلب الأحوال، بل عن العلامة في
مواضع من المختلف والشهيد في مواضع من الذكرى دعوى استحالة العلم في
أصل باب العدالة (1)، وإن جرى كل منهما في موضعين آخرين نقلا على اعتبار
العلم في العدالة (2).
والظاهر أن الحال على هذا المنوال لو كانت العدالة هي الاجتناب المستمر
كما هو المقصود بالقول بكون العدالة هي نفس الاجتناب، وهو الأظهر كما
حررناه في محله.
نعم، لو كان المدار على إفادة الوثاقة بالمعنى اللغوي، فيمكن حصول العلم
بالوثاقة ولو تباعد من يوثق عصرا عن عصر الموثق.
والأوجه أن يقال: إن الظاهر أن التوثيق من قدماء أرباب الرجال - كالفضل بن
شاذان، وعلي بن الحسن ابن فضال، وابن عقدة وغيرهم ممن كان الظاهر ملاقاته
مع الموثق، أو كان عصره مقاربا لعصره بحيث كان حصول العلم بالوثاقة لمن
يرتكب التوثيق سهلا - مبني على العلم بناء على كون المقصود إفادة الوثاقة
بالمعنى اللغوي، وإلا فاستكشاف العدالة بالعلم محل الإشكال ولو كان من
يرتكب التوثيق يلاقي الموثق.
ولا إشكال في الإشكال لو كانت العدالة من باب الملكة، بل على هذا المنوال
الحال لو كانت العدالة هي نفس الاجتناب كما سمعت.
وعلى ما ذكر يجري الأمر إن كان التوثيق في كلام القدماء من المتوسطين
والمتأخرين بالنسبة إلى من كان يعاصرهم، أو كان بعيدا عن عصرهم، بل كانت
وثاقته في غاية القوة من جهة الاشتهار أو غيره.
ولعل من هذا الباب: الموثق بتكرار التوثيق، أعني " ثقة ثقة " كما اتفق كثيرا في

1. مختلف الشيعة 8: 500، المسألة 77؛ ذكرى الشيعة 4: 101.
2. مختلف الشيعة 8: 435، المسألة 40؛ ذكرى الشيعة 4: 391.
459

كلام النجاشي (1)، حيث إنه ظاهر في العلم لو كان الموثق بعيد العصر عن عصر من
يرتكب التوثيق. بل كلما ازداد التأكيد يزداد ظهور استناد التوثيق إلى العلم.
وأما بالنسبة إلى غيرهم فلا شبهة في أن التوثيق في كثير من الموارد من كلام
المتأخرين - كالعلامة البهبهاني - مبني على الظن والاجتهاد والاستدلال.
وأما المتوسطون فيمكن أن يكون مدار توثيقاتهم - فيما لم يعلم كونه مبنيا
على توثيق بعض القدماء كما هو الغالب - على العلم.
ويمكن أن يكون المدار على توثيقات القدماء، أو الاستنباط من القرائن
الخارجة، أو على الشياع الموجب للظن.
بل قد سمعت دعوى أن الظاهر من سيرة أهل الرجال أن بناء مزكي الرواة
للطبقة اللاحقة في التزكية على الركون والسكون إلى أقوال من سلف من دون علم
ولا ظن بظن العشرة ولو بحسب حسن الظاهر.
والحاصل أنه إن كان المقصود بالتزكية والتوثيق هو التعديل بالعدالة بالملكة،
فالعلم بالعدالة في كمال الإشكال. بل على هذا المنوال الحال لو كان المقصود
بالعدالة هو المعنى اللغوي.
فإن كان من قدماء أرباب الرجال، فالظاهر كونه مبنيا على العلم، وإن كان من
المتوسطين فإن كان التوثيق لمن عاصرهم أو قارب عصرهم أو بعد عن عصرهم
لكن كان في غاية الاشتهار بالوثاقة، فالظاهر كونه مبنيا على العلم، وإلا فيمكن أن
يكون مبنيا على العلم، ويمكن أن يكون مبنيا على توثيقات القدماء، أو الاستنباط،
أو الشياع الموجب للظن، ففيه وجهان: البناء على العلم، والبناء على الظن.
وإن كان من المتأخرين فإن كان التوثيق ممن عاصرهم أو قارب عصرهم أو
بعد عن عصرهم لكن كان في غاية الاشتهار، فالظاهر كونه مبنيا على العلم، وإلا
فالظاهر كونه مبنيا على الظن.

1. رجال النجاشي: 22 / 31، و 62 / 147، و 73 / 175.
460

وعلى منوال حال التوثيق حال الجرح، فالظاهر من قولهم: " فلان ضعيف
جدا " (1) هو العلم بالحال وإن كان فلان بعيد العصر بالنسبة إلى من جرى على
التضعيف، وكلما ازداد تأكيد الضعف يزداد الظهور المذكور، نظير ما مر في التوثيق.
[في نقل التوثيق والجرح]
ثم إن نقل التوثيق والجرح - كما عليه المدار في مثل النقد غالبا - خارج عما
نحن فيه، حيث إن نقل التوثيق والجرح غير التوثيق والجرح.
وأما التقرير المستفاد من نقل التوثيق والجرح والسكوت عن التزييف مما هو معلوم
المأخذ، فهو مبني على الظن بلا شبهة، إلا أن يكون التوثيق إلى حد يوجب العلم.
لكن استفادة التقرير إنما تتأتى في صورة خلو التوثيق - مثلا - عن التضعيف،
وإلا فلا مجال للتقرير.
بل يمكن الإشكال في التقرير في صورة الخلو عن التضعيف؛ لاحتمال كون
الغرض من الكتاب صرف جمع الكلمات، وإدراج بعض التصرفات والتتبعات لو اتفق.
وربما جرى المولى التقي المجلسي على أن " ثقة " النجاشي أو الفهرست
- مثلا - في مثل النقد من باب التوثيق ونقل التوثيق، ونظيره الحال في غير ثقة (2).
وليس بالوجه؛ حيث إن الظاهر - بل بلا إشكال - أن الأمر من باب النقل، بل
الظاهر أن المقالة المذكورة مختصة بالمولى المذكور.
[التزكية غير داخلة في باب الشهادة]
وأما الثاني: فنقول: إن التزكية غير داخلة في باب الشهادة؛ لأن المدار فيها
على القول، والتزكية لا تخرج غالبا عن المكتوب، بل الأمر ليس من باب كتابة

1. انظر رجال النجاشي: 365 / 987، وخلاصة الأقوال: 215 / 15.
2. روضة المتقين 14: 17.
461

الشاهد، بل من باب المكتوب عن المكتوب بوسائط عديدة، بل ربما يكون الأمر
من باب نقل المكتوب بوسائط عديدة بالمكتوب بوسائط عديدة كما يظهر مما
تقدم.
بل المدار في الشهاة على العلم، والتزكية لا تخرج غالبا عن الظن. إلا أنه إنما
يتم بناء على اعتبار الاستناد إلى العلم في الشهادة.
بل لا جدوى في دخولها في باب الشهادة على القول بانحصار اعتبار الشهادة
بباب المرافعات عند الحاكم.
بل لا جدوى في الدخول أصلا؛ إذ لو كان اعتبار التزكية من باب اعتبار
الشهادة، للزمت عدالة المزكي، ثم المزكي للمزكي وهكذا بتزكية عدلين، فلا
يعتبر من الأسانيد إلا ما كان كل واحد من رجاله عدلا بتزكية عدلين ثبتت
عدالتهما، ثم عدالة من زكاهما ومن زكى المزكى بتزكية عدلين. وهذا يستلزم
الدور أو التسلسل.
إلا أن يقال: إنه لا شك في كفاية العلم بالعدالة بناء على كون اعتبار التزكية من
باب الشهادة، ويمكن انتهاء سلسلة التزكية إلى العلم بالعدالة بتوسط العشرة.
لكن هذا المقال إنما يتم بناء على إمكان حصول العلم بالعدالة بواسطة
العشرة، وهي غير داخلة في الخبر غالبا أيضا؛ إذ المدار فيه على القول، وهي لا
تخرج عن المكتوب بوسائط كما سمعت.
بل الظاهر من أدلة اعتباره - على تقدير الدلالة - إنما هو ما كان مستندا إلى
العلم وإن كان الخبر صادقا على ما كان مستندا إلى الظن، أو المدار في الخبر على
الاستناد إلى العلم أو الحس على القول به، والمدار في التزكية غالبا على الظن.
بل لا جدوى في الدخول في الخبر؛ لعدم تمامية أدلة اعتبار الخبر، بل
الإخبار هنا من باب الإخبار عن الموضوع من حيث التحصل، والمشهور فيه لزوم
تحصيل العلم.
462

لكن نقول: إن في المقام ظنونا: الظن الناشئ عن تزكية الإمامي العدل أو
الممدوح، والظن الناشئ من القرائن، بل الظن الناشي من تزكية المجهول؛ إذ لا
منافاة بين جهالة الشخص وإفادة تزكيته للظن.
والأول وإن كان هو القدر المتيقن في الاعتبار والكفاية - بل طريقة الفقهاء إلا
من شذ مستقرة تحصيلا ونقلا على الاكتفاء، حتى أن المحقق لم يجر في الفقه
على اعتبار تزكية العدلين وإن بنى في المعارج على اعتبار تزكية العدلين (1) - لكن
مقتضى سيرة الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير وأحزابه هو كفاية مطلق
الظاهر؛ إذ الظاهر أن السيرة المذكورة من جهة قضاء الاستقراء في روايات ابن
أبي عمير وأحزابه بعدم الرواية إلا عن الثقة، وليس المتحصل في الباب غير الظن
الناشئ من القرينة.
بل نقول: إن مقتضى عموم حجية الظن في نفس الأحكام حجية الظن في
المقام ولو كان مستندا إلى القرينة.
بل نقول: إن العلم بالعدالة متعذر في المقام.
ومقتضى كلام السيد المرتضى في باب الأمر بالفعل المشروط مع العلم بانتفاء
الشرط - على ما حكاه في المعالم - تسلم قيام الظن مقام العلم عند تعذره (2).
بل حكى في المعالم في باب حجية خبر الواحد دعوى الإجماع على القيام
المذكور (3).
بل مقتضى ما عن التذكرة من قوله: " لا يجوز التعويل في دخول الوقت على
الظن مع القدرة على العلم، فإن تعذر العلم، اكتفي بالظن المبني على الاجتهاد؛
لوجود التكليف بالفعل " (4).

1. معارج الأصول: 150.
2. معالم الدين: 86؛ وانظر الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 164.
3. معالم الدين: 189.
4. تذكرة الفقهاء 6: 74.
463

وما عن النهاية في بحث الواجب الكفائي من قوله: " التكليف فيه موقوف
على الظن؛ لأن تحصيل العلم بأن غيره لم يفعل غير ممكن، بل الممكن الظن " (1).
وما عن الذكرى من قوله: " ولو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه في
الصلاة، بنى عليه؛ لأن تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال، فاكتفي بالظن
تحصيلا لليسر ودفعا للحرج " (2).
وما عن المقدس من قوله: " أما وجوب الاجتهاد في القبلة: فلأنه إذا لم
يحصل العلم، وجب ما يقوم مقامه، وهو الظن عن أمارات شرعية، وهو الذي
يحصل بالاجتهاد " (3) هو دعوى قيام الظن مقام العلم عند تعذره أيضا.
إلا أن مقتضى العبارة الأخيرة هو قيام الظن الثابت حجيته بالخصوص.
وحكى ذلك - أعني دعوى القيام المذكور - عن السرائر (4) والتنقيح (5)
وغيرهما (6)، بل اكتفى بعض الفحول في بعض أدلته على حجية مطلق الظن
في نفس الأحكام بمجرد انسداد باب العلم، وتحقق الإجماع على قيام الظن
مقام العلم عند التعذر (7).
وما نحن فيه هو القدر المتيقن مما يدخل في دعوى الإجماع على قيام الظن
مقام العلم عند التعذر؛ حيث إن المقصود بدعوى الإجماع المذكور إما ادعاء
الإجماع فيما علم بقاء الحكم فيه من الخارج، أو المقصود دعوى الإجماع على
أمرين: بقاء الحكم فيما تعذر فيه العلم ولو لم يثبت البقاء من الخارج، وحجية

1. النهاية مخطوط، نقله عنه في هداية المسترشدين: 273.
2. ذكرى الشيعة 4: 54.
3. مجمع الفائدة والبرهان 2: 52.
4. السرائر 1: 86.
5. التنقيح الرائع 1: 171.
6. انظر المعتبر 2: 70.
7. المراد به الميرزا القمي في القوانين المحكمة 1: 440.
464

الظن. والأخير محل الكلام، إلا أن المفروض في المقام بقاء الحكم في موارد
اشتراط العدالة وجوبا واستحبابا.
[المعتبر في العدالة هو الظن لا العلم]
بل نقول: إن اعتبار العلم في العدالة يستلزم التكليف بما لا يطاق لو ابتنى على
العدالة حكم وجوبي، بل يستلزم تعطيل حقوق الناس وتضييعها في المرافعات،
بل يستلزم مشارفة الأحكام المشروطة بالعدالة على الإهمال بالكلية.
فالمعتبر في أصل العدالة مطلقا هو الظن، فيكفي الظن بالعدالة، الناشئ من
التصحيح ولو قلنا بأن المدار في التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي، كما هو
الأظهر، كما حررناه في الرسالة المعمولة في " ثقة " لا العدالة بالمعنى المصطلح؛
لوضوح كون المقصود بالتصحيح العدالة بالمعنى المصطلح على حسب
الاصطلاح في التصحيح.
إلا أن يمنع عن حصول الظن بالعدالة من التصحيح بناء على كون المدار في
التوثيق على الوثاقة بالمعنى اللغوي؛ لابتناء التصحيح على التوثيق بثقة غالبا.
لكن نقول: إنه يمكن القول باعتبار الظن القوي الموجب للوثوق في أصل
العدالة وإن اكتفي بتزكية العدل الواحد هنا بمقتضى الإجماع ولزوم إهمال الفقه،
بل بمطلق الظن بمقتضى ما سمعت من سيرة الأصحاب، بل ما مر من نقل
الإجماع على قيام الظن مقام العلم عند التعذر، وإن أمكن ادعاء انصرافه إلى
صورة قوة الظن. لكنه ليس بشيء.
والوجه: أن انسداد باب العلم بالعدالة وعدم جواز الرجوع في جميع
موارد الجهل بها إلى أصالة عدمها؛ للزوم بطلان أكثر الحقوق - وإن يقتضي
الرجوع إلى الظن - كما في نظائره من الموضوعات مع فرض ثبوت بقاء التكليف
فيها مع انسداد باب العلم بها، كما هو المفروض في المقام - إلا أن غاية الأمر
465

جواز العمل بالظن في الجملة، فيجب الاقتصار على الظن القوي المعبر عنه عرفا
بالوثوق والأمن.
مع أنه يمكن استفادة حجية هذه المرتبة من النصوص.
مثل قوله (عليه السلام): " لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته " (1).
وقوله (عليه السلام): " إذا كنت خلف إمام تولاه وتثق به فإنه تجزئك قراءته " (2).
وقوله (عليه السلام): " إذا كان صاحبك ثقة ومعه ثقة فاشهد له " (3).
على أنه القدر المتيقن من جميع الإطلاقات الدالة على اعتبار حسن الظاهر،
وكذا الإطلاقات الدالة على كفاية ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق وإن أمكن
القول بأن مقتضى هذه الإطلاقات هو اعتبار مطلق الظن، بناء على أن القدر
المتيقن من الخروج عن إطلاقها هو صورة عدم حصول الظن، فيبقى الباقي.
بل هو مقتضى قوله (عليه السلام): " من صلى الخمس في جماعة فظنوا به كل خير " (4).
وفي رواية أخرى: " خيرا " (5) وفي رواية ثالثة: " وأجيزوا شهادته " (6).

1. الكافي 3: 374، ح 5، باب الصلاة خلف من لا يقتدي به؛ التهذيب 3: 266، ح 755، باب في فضل
المساجد والصلاة فيها؛ وسائل الشيعة 5: 388، أبواب صلاة الجماعة، ب 10، ح 2.
2. التهذيب 3: 33، ح 120، باب أحكام الجماعة وأقل الجماعة....؛ وسائل الشيعة 5: 424، أبواب
صلاة الجماعة، ب 31، ح 15.
3. الكافي 7: 382، ح 1، باب الرجل ينسي الشهادة...، الفقيه 3: 43، ح 145، باب الاحتياط في
إقامة الشهادة؛ التهذيب 6: 258، ح 681، باب في البينات؛ الاستبصار 3: 22، ح 68، باب أنه لا
يجوز إقامة الشهادة إلا بعد الذكر؛ وسائل الشيعة 18: 234، كتاب الشهادات، ب 8، ح 1.
4. الفقيه 1: 246، ح 1093، باب الجماعة وفضلها؛ وسائل الشيعة 5: 371، أبواب صلاة الجماعة،
ب 1، ح 4، وب 11، ح 3.
5. الكافي 3: 371، ح 3، باب فضل الصلاة في الجماعة؛ وسائل الشيعة 5: 371، أبواب صلاة
الجماعة، ب 1، ح 4.
6. أمالي الصدوق: 278، ح 23، المجلس الرابع والخمسون؛ وسائل الشيعة 18: 291، كتاب
الشهادات، ب 41، ح 12.
466

إلا أنه يمكن القول بأن الإطلاقات الدالة على اعتبار حسن الظاهر تنصرف
إلى صورة الوثوق، ولو لم تنصرف إليه، لابد من تقييدها بما سمعت مما يدل على
اعتبار الوثوق.
وأما الإطلاقات الدالة على كفاية ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق فلابد
من تقييدها بما يدل على اعتبار الوثوق.
وأما احتمال لزوم الاقتصار على القدر المتيقن - أعني المجمع عليه،
وهو الظن المتحصل من المعاشرة أو شهادة العدلين أو الشياع - فهو مدفوع
بعدم ثبوت الإجماع؛ إذ الظاهر من أرباب القول باعتبار العشرة أو شهادة العدلين
أو الشياع إنما هو اعتبار العلم، ولا سيما بعضهم كالعميدي (1)، بل هو صريح العلامة
في موضع من المختلف (2)، والشهيد في موضع من الذكرى (3) نقلا، إلا أن العلامة في
موضع آخر من المختلف (4) حكم - نقلا - باستحالة العلم بالعدالة، وكذا الشهيد في
موضع آخر من الذكرى (5) نقلا كما مر.
وعن التحرير (6) - كما مر - التصريح بكفاية الظن المستند إلى الصحبة وكثرة
الملازمة والمعاملة، أي الاختبار.
بل نقول: إنه لو ثبت الإجماع على ما ذكر - أعني الظن الناشئ من العشرة - فلا
فرق بينه وبين غيره مما يفيد الظن؛ للقطع بعدم الفرق بين الظن الناشئ من العشرة
وغيره.

1. نقله عنه السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 410.
2. مختلف الشيعة 8: 435 المسألة 40.
3. ذكرى الشيعة 4: 392.
4. مختلف الشيعة 8: 500 المسألة 77.
5. ذكرى الشيعة 4: 392.
6. تحرير الأحكام 2: 184.
467

تنبيهات
[التنبيه] الأول
إن المحقق وإن جرى في المعارج على اعتبار العدلين في التزكية (1) لكنه لم يجر
عليه في الفقه كما مر، بل أورد في المعتبر على القول بوجوب الاقتصار في الخبر
على سليم السند بأن الكاذب قد يصدق، والفاسق قد يصيب، وأن ذلك قدح في
علماء الشيعة؛ إذ لا مصنف إلا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر المعدل (2).
وكل من الوجهين عجيب، إلا أن يكون الغرض منهما التمهيد لما ذكره - بعد
نقل القول المذكور، والقول بجواز العمل بكل خبر، والقول باستحالة العمل بخبر
الواحد عقلا ونقلا، والقول بجواز العمل بخبر الواحد عقلا لا نقلا - من قوله:
" والتوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به، وما
أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب إطراحه " (3) بكون الغرض عدم ممانعة الفسق
عن جواز العمل بخبر الواحد لو كان منجبرا بالشهرة أو القرينة؛ لإمكان أن يصدق
الكاذب، وقيام طريقة الفقهاء على العمل بخبر الفاسق لو كان منجبرا بالشهرة أو القرينة.
وربما نسب الشهيد الثاني في الدراية إلى الشيخ الطوسي العمل بأخبار
ضعيفة (4). وهو في كمال البعد، إلا أن يكون غرورا من ذكر الشيخ في النهاية الأخبار
الضعيفة، لكن الظاهر أن الغرض من النهاية مجرد إيراد الرواية، لا الاعتقاد بها،
كما تكرر القول به من ابن إدريس، بل قال: " إن النهاية كتاب خبر لا كتاب فتوى " (5)
وربما نسب إليه بعض في بعض المباحث أنه جرى على التخصيص بالخبر الضعيف.

1. معارج الأصول: 150.
2. المعتبر 1: 29.
3. المصدر.
4. الدراية: 27.
5. السرائر 1: 304.
468

[التنبيه] الثاني
إن صاحب المعالم وإن بنى على اعتبار العدلين في التزكية، ومن هذا تأسيسه
أساس " الصحي " و " الصحر " كما مر، لكن مقتضى كلامه في المنتقى (1) عند
الكلام في " الصحي " و " الصحر " أنه لو قامت شهادة العدل الواحد، أو شهادة
العدلين مع كون شهادة أحدهما مأخوذة من شهادة الآخر - كما في توثيقات
العلامة في الخلاصة، حيث إنها مأخوذة من النجاشي مع قيام القرائن الحالية التي
يطلع عليها الممارس - فهو في حكم الصحي عملا، لكنه ذكر أنه أدرجه في
الصحر اسما.
والظاهر أنه جرى على إمكان تحصيل العلم بعدالة الرواة.
والظاهر أن المقصود بالقرائن المشار إليها إنما هو ما يفيد العلم، فالأمر فيما
في حكم الصحي من باب قيام القرينة الموجبة للعلم.
ويرشد إلى ما ذكر قوله:
فإن تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين وبرأي جماعة من المزكين
أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية، إلا أنها
خفية المواقع، متفرقة المواضع، فلا يهتدى إلى جهاتها، ولا يقدر
على جمع أشتاتها إلا من عظم في طلب الإصابة جهده، وكثر في تصفح
الآثار كده، ولم يخرج عن حكم الإخلاص في تلك الأحوال قصده (2).
وقال في المنتقى في بحث الركوع والسجود: " وحيث إن الرجل ثقة بمقتضى
شهادة النجاشي لجميع آل أبي شعبة بالثقة فالأمر سهل " (3).

1. منتقى الجمان 1: 14.
2. منتقى الجمان 1: 21.
3. منتقى الجمان 2: 43.
469

ومقتضاه القناعة في التوثيق بتوثيق شخص واحد.
وحكى عنه نجله أنه كان يقنع بالرواية الدالة على العدالة في صورة الانضمام
إلى التزكية من عدل واحد.
وحكى السيد السند النجفي في ترجمة الصدوق: " أنه جعل الحديث
المذكور في الفقيه من الصحيح عنده وعند الكل " (1) لكنه قال في المنتقى بعد ذكر
أخبار الخمس:
وهذا الحديث وإن لم يكن على أحد الوصفين، فلطريقه جودة يقويها
إيراده في كتاب من لا يحضره الفقيه، فقد ذكر مصنفه أنه لا يورد فيه إلا
ما يحكم بصحته يعني صدقه، ويعتقد فيه أنه حجة بينه وبين ربه، وأن
جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع (2).
ومقتضاه عدم اعتبار الحديث المذكور في الفقيه بنفسه.
والظاهر أن مقصوده بأحد الوصفين هو كون الخبر من " الصحي " أو مما في
حكم " الصحي " وقد عرفت المقصود بما في حكم الصحي.
وربما حكى السيد السند المشار إليه أنه حكى عن صاحب المعالم تلميذه
الشيخ الجليل عبد اللطيف بن أبي جامع في رجاله: أنه سمع منه مشافهة يقول:
" كل رجل يذكر في الصحيح عنده فهو شاهد أصل بعدالته، لا ناقل " (3).
وقال في الأمل:
عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي جامع العاملي، كان فاضلا،
محققا، صالحا، فقيها، قرأ عند شيخنا البهائي، وعند الشيخ حسن بن
الشهيد الثاني، والسيد محمد بن علي بن أبي الحسن العاملي وغيرهم،

1. رجال السيد بحر العلوم 3: 300.
2. منتقى الجمان 2: 444؛ وانظر الفقيه 1: 3 من المقدمة.
3. رجال السيد بحر العلوم 3: 299؛ وانظر خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 4: 6، الفائدة الخامسة.
470

وأجازوه. وله مصنفات منها: كتاب الرجال، وهو لطيف، وكتاب جامع
الأخبار في إيضاح الاستبصار وغير ذلك (1). انتهى.
والمقصود بالسيد محمد هو صاحب المدارك.
وقد حكى المحقق الشيخ محمد في بعض تعليقات التهذيب عن والده
صاحب المعالم أنه ادعى العلم باعتماد النجاشي على شاهدين عدلين. لكنه بعد
صحته لا يسمن ولا يغني من جوع.
[التنبيه] الثالث
أن ما تقدم من المنتقى من الاصطلاح ب‍ " الصحي " في قبال " الصحر " - بفتح
الصاد وتخفيف الياء - هو من باب الرمز والإشارة، والمقصود به الصحيح عندي.
كما أن " الصحر " من باب الرمز والإشارة، والمقصود به الصحيح عند المشهور.
وكما أنه جعل صورة النون من باب الرمز والإشارة إلى الحسن (2).
وربما جعل السيد السند النجفي " الصحي " إشارة إلى صحيحي و " الصحر "
إشارة إلى الصحيح عند المشهور (3). ولا دليل عليه بل هو بعيد.
واصطلح السيد الداماد " الصحي " - بكسر الصاد وتشديد الحاء - فيما كان
بعض رجال سنده بعض أصحاب الإجماع مع خروج ذلك البعض أو بعض من
تقدم عليه عن رجال الصحة (4).
والمقصود به المنسوب إلى الصحة باعتبار دعوى الإجماع على الصحة.
فالغرض النسبة إلى الصحة المستفادة من نقل الإجماع ولو في الطبقة الأولى

1. أمل الآمل 1: 111؛ وانظر الذريعة 10: 128 / 253.
2. منتقى الجمان 1: 46.
3. رجال السيد بحر العلوم 2: 197.
4. الرواشح السماوية: 47، الراشحة الثالثة.
471

من الطبقات الثلاث المأخوذ فيها الإجماع على التصديق، وليس الغرض النسبة
إلى الصحة المذكورة في ضمن التصحيح المأخوذ في دعوى الإجماع في
الطبقتين الأخيرتين.
فلا بأس بتعميم التسمية والاصطلاح، وإلا فلو كان المقصود النسبة إلى
الصحة المذكورة في ضمن التصحيح، فلا تتم التسمية والاصطلاح إلا في
الطبقتين الأخيرتين.
وقد اشتبه الحال على السيد الداماد، فأورد بأن ما يقال: " الصحي " ويراد به
النسبة إلى المتكلم على معنى الصحيح عندي، ولا يستقيم على قواعد العربية؛ إذ
لا تسقط تاء الصحة إلا عند الياء المشددة التي هي للنسبة إليها، وأما الياء المخففة
التي هي للنسبة إلى المتكلم فلا يصح معها إسقاط تاء الكلمة أصلا، كسلامتي
وصنعتي وصحبتي مثلا (1).
ويندفع الإيراد: بما يظهر مما سمعت من أن " الصحي " في كلام صاحب
المنتقى - بفتح الصاد - وهو من باب الرمز والإشارة، كما يرشد إليه الرمز في
" الصحر " وكذا في صورة النون كما سمعت، والمقصود بذلك الصحيح عندي،
قبال " الصحر " المقصود به الصحيح عند المشهور من باب الرمز والإشارة كما مر،
فليس " الصحي " في كلام صاحب المنتقى - بكسر الصاد وتخفيف الياء - بمعنى
الصحة إلى المتكلم - كما زعمه السيد الداماد - حتى يرد ما أورد.
والله العالم بالحقائق

1. الرواشح السماوية: 47، الراشحة الثالثة.
472