الكتاب: سماء المقال في علم الرجال
المؤلف: أبو الهدى الكلباسي
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٥٦
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق: السيد محمد الحسيني القزويني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان المعظم ١٤١٩
المطبعة: أمير - قم
الناشر: مؤسسة ولي العصر (ع) للدراسات الإسلامية - قم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٩٠١٣٧-١-٧
ملاحظات: ٩٦٤-٩٠١٣٧-٠-٩ / ٢ VOLS

سماء المقال
في علم الرجال
أبو الهدى الكلباسي
المتوفى 1356 ه‍
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة ولي العصر للدراسات الاسلامية
السيد محمد الحسيني القزويني
تعريف الكتاب 1

شابك 9 - 0 - 90137 - 964 / 2 جزا
ISBN 964 - 90137 - 0 - 9 / 2 VOLS
شابك 7 - 1 - 90137 - 964 ج 1
ISBN 964 - 90137 - 1 - 7 VOL. 1
هوية الكتاب
الكتاب... سماء المقال في علم الرجال ج 2
المؤلف... أبو الهدى الكلباسي، المتوفى سنة 1356 ه‍.
المحقق... السيد محمد الحسيني القزويني
نشر... مؤسسة ولي العصر عليه السلام للدراسات الاسلامية - قم المشرفة
الطبعة... الأولى - شعبان المعظم 1419
المطبعة... أمير - قم
الكمية... 3000 نسخة
السعر... 14000 ريال
مركز النشر
نشر مؤسسة ولي العصر عليه السلام للدراسات الاسلامية - قم، تلفون: 735831
مؤسسة النشر للاستانة الرضوية المقدسة - قم، تلفون: 742183
طهران: 650620، مشهد: 834800 وأصفهان: 674408
ساعدت وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي على طبعه
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من
قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا * ليجزي
الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء
أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما * (سورة الأحزاب)
مقدمة التحقيق 3

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه
وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا
وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى
تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا
مقدمة التحقيق 4

مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله
الطيبين الطاهرين الهداة المهديين لا سيما بقية الله الحجة بن
الحسن إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
من البديهي أن الأساس في تحصيل العلوم الإلهية واستنباط الأحكام
الشرعية، هو الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام، حيث إن القرآن الكريم
جاء بالخطوط الأصلية للدين المبين وترك التفصيل والبيان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن
بعده الأئمة الأطهار عليهم السلام فهم أعلم من غيرهم بالوحي.
فلابد لنا من الاهتمام بدراسة علم الحديث وما يتعلق به، حتى يمكننا
الرجوع إلى السنة المطهرة، التي تعد المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله
العزيز.
ومما ينبغي التصريح به: أنه لا يمكن لنا الاستدلال بكل حديث روي عن
المعصومين عليهم السلام إلا بعد إحراز درجة اعتبار رواته ووثاقتهم، حتى يحصل
عندنا الاطمينان بصدوره عنهم عليهم السلام.
مقدمة التحقيق 5

وذلك لوجود الأدلة النقلية والشواهد التاريخية التي تشير إلى وجود جملة
من الكذابين والوضاعين الذين تلاعبوا في الأحاديث الشريفة حسب ما تملي
عليهم أهواؤهم ومصالحهم الشخصية.
كما ورد في الأحاديث المتضافرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من كذب علي متعمدا
- أو قال علي ما لم أقله - فليتبوأ مقعده من النار) (1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام (إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا
وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال:
أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار.
ثم كذب عليه من بعده وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
رجل منافق يظهر الأيمان، متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدا.
فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا:
هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورآه وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون

(1) الكافي: 1 / 62 ح 1، الفقيه: 4 / 364 ح 5762 و 3 / 569 ح 4942، وسائل الشيعة
طبعة آل البيت: 12 / 249، 27 / 207، مستدرك الوسائل: 9 / 91، 92، 93، 17 / 288،
340.
والمحاسن: 118، علل الشرايع: 223، عيون أخبار الرضا: 2 / 198، ثواب الأعمال:
268، إكمال الدين: 60، كشف الغمة: 1 / 211 و 395 و 460، إعلام الورى: 189، كنز
الفوائد للكراجكي: 2 / 152 ومكارم الأخلاق: 440.
راجع أيضا: صحيح البخاري: 1 / 38، 2 / 102، 4 / 207، 8 / 54 وموسوعة أطراف
الحديث: 8 / 523. ذكر فيه أكثر من ثلاثمائة مصدرا للحديث.
مقدمة التحقيق 6

حاله وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال
عز وجل:
(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم) (1).
ثم بقوا من بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب
والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وإنما
الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله.... (2)
نعم، لقد توسع نطاق الكذب في العهد الأموي المشؤوم والعهد العباسي
المظلم على الرسالة الإسلامية لمصالح سياسية ومطامع دنيوية أو لأغراض
شخصية. ونقلت حكايات كثيرة في المصادر الرجالية وغيرها تشير إلى كثرة
التلاعب بالأسانيد والأخبار.
كما نقل الذهبي عن إبراهيم بن سليمان بأنه قال: سمعت أبا العز بن كادش
يقول: وضعت حديثا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقر عندي بذلك.
وروى عن أبي علي بن الحسن الحافظ يقول: قال لي ابن كادش: وضع
فلان حديثا في حق علي ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثا، بالله أليس
فعلت جيدا.
ثم قال الذهبي: هذا يدل على جهله، يفتخر بالكذب على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).

(1) المنافقون: 4.
(2) الكافي: 1 / 50 ح 1 راجع أيضا: سليم بن قيس: 103، الخصال: 255،
الاحتجاج: 263 و 446، الإيضاح للمفيد: 60، رسالة في المهر، له: 28، الصراط
المستقيم: 3 / 156، الغيبة للنعماني: 75 وتحف العقول: 193.
(3) سير أعلام النبلاء: 19 / 559 وراجع أيضا: لسان الميزان: 1 / 234، ميزان
الاعتدال: 1 / 118، شذرات الذهب: 4 / 78 والمنتظم: 10 / 28.
مقدمة التحقيق 7

وفي أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس: وضاع لم يكن في الكذابين
أقل حياء منه، صنف في مناقب أبي حنيفة أحاديث باطلة كلها موضوعة
وأخرج عن الثقات أخبارا كلها كذب (1).
وفي أحمد بن محمد أبو بشر الكندي، قال ابن حبان: كان ممن يضع المتون
ويقلب الأسانيد... لعله قد قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث،
كتبت أنا منها أكثر من ثلاثة آلاف حديث لم أشك أنه قلبها (2).
وفي الحسن بن عمارة بن المضرب: فقيه كبير، كذاب، ساقط، قال شعبة: من
أراد أن ينظر إلى أكذب الناس فلينظر إلى الحسن بن عمارة (3).
وفي شيخ بن أبي خالد البصري: أنه قال: وضعت أربعمائة حديث وأدخلتها
في برنامج الناس فلا أدري كيف أصنع (4).
وفي علي بن الجهم بن بدر السامي: كان أكذب خلق الله، مشهورا بالنصب،
كثير الحط على علي وأهل البيت، وقيل: إنه كان يلعن أباه لم سماه عليا (5).
وهذا عبد المغيث بن زهير الحنبلي ألف كتابا في فضائل يزيد (6).
ومحمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد، يقول الخطيب فيه: كان لو طار طائر
لقال: حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئا.

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 140 رقم 555، لسان الميزان: 1 / 294 رقم 830،
المجروحين: 1 / 153 والكامل في ضعفاء الرجال: 1 / 199 رقم 44 و....
(2) المجروحين: 1 / 156، الضعفاء والمتروكون: 124، ميزان الاعتدال: 1 / 149 رقم
582 وتذكرة الحفاظ: 3 / 803 رقم 793 و....
(3) ميزان الاعتدال: 1 / 513 رقم 1918 وتهذيب الكمال: 6 / 265 رقم 1252.
(4) ميزان الاعتدال: 2 / 286 رقم 3763، تذكرة الموضوعات: 79 والكامل في
ضعفاء الرجال: 4 / 47 رقم 907.
(5) لسان الميزان: 4 / 242 رقم 5766.
(6) شذرات الذهب: 3 / 453 حوادث سنة 583.
مقدمة التحقيق 8

وصنف جزأ في فضل معاوية (1).
نقل العلامة الأميني عن القرطبي بأنه قيل لأبي عصمة: من أين لك عن
عكرمة، عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت
الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن
إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة (2).
وقال: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ المحدثين أن رجلا من الزهاد
انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لم فعلت هذا؟
فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه فقيل: فإن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، فقال: أنا ما
كذبت عليه إنما كذبت له!!! (3)
قال ابن الجوزي: عن أبي أنس الحراني أن المختار الثقفي قال لرجل من
أصحاب الحديث: ضع لي حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إني كائن بعده خليفة
وطالب له بترة ولده وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة وخادم ومركوب.
فقال الرجل: أما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا! ولكن اختر من شئت من الصحابة
واحطك من الثمن ما شئت.
فقال المختار: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون الحديث أجدى وأنفع.
فقال له المحدث: ولكن العذاب عليه أشد وأبلغ (4).
روى ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي في أحد شيوخ المعتزلة قال: إن

(1) تاريخ بغداد: 2 / 357، لسان الميزان: 5 / 485 رقم 8186 وسير أعلام النبلاء:
15 / 510.
(2) الغدير: 5 / 447 نقلا عن التذكار للقرطبي: 155.
(3) نفس المصدر.
(4) الموضوعات في الآثار والأخبار: 120 نقلا عن الموضوعات لابن الجوزي.
مقدمة التحقيق 9

معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في
علي [عليه السلام]، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب
في مثله فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن
شعبة ومن التابعين: عروة بن الزبير (1).
وقد ألف القوم كتبا عديدة في هذا الموضوع، منها:
الضعفاء الصغير: للبخاري محمد بن إسماعيل المتوفى: 256.
الضعفاء والمتروكون: للنسائي أحمد بن شعيب المتوفى: 303.
الضعفاء الكبير: للعقيلي أبي جعفر محمد بن عمرو المكي المتوفى: 322.
الجرح والتعديل: للرازي عبد الرحمن بن أبي حاتم المتوفى: 327 ه‍.
المجروحين: لابن حبان التميمي البستي المتوفى: 354.
الكامل في ضعفاء الرجال: لأبي أحمد عبد الله الجرجاني المتوفى: 365.
الضعفاء والمتروكون: للدارقطني أبي الحسن البغدادي المتوفى: 385.
معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة: لابن القيسراني، المتوفى: 507.
الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير: للجوزقاني المتوفى: 543.
الضعفاء والمتروكون: لابن الجوزي أبي الفرج المتوفى: 597.
الموضوعات: للصاغاني، أبي الفضائل، المتوفى: 650.
المغني في الضعفاء: للذهبي المتوفى: 748.
اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للسيوطي، المتوفى: 911.
الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: لملا علي القاري المتوفى: 1014.
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: للشوكاني المتوفى: 1250.

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 63 باب 56.
مقدمة التحقيق 10

هذا كله يدل على وجود أحاديث موضوعة كثيرة اصطنعتها الأيادي
الصنيعة وبثتها بين أحاديثهم.
إلا أن للشيعة الإمامية ميزات في هذا الصعيد إذ لم يقعوا في الشراك الذي
وقع فيها علماء المذاهب الإسلامية الأخرى، حيث إن الأئمة الأطهار عليهم السلام قد
تصدوا لهذه الظاهرة من أول يوم انتشر فيه الحديث وأعطوا كل ذي حق حقه.
فلما رأوا أن عدة من أصحاب الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة أخذوا
يتلاعبون في الأحاديث الشريفة ويحرفون الشريعة النبوية ويدسون في آثار
العترة الطاهرة، أعلنوا التبري منهم ووصفوهم بالكذابين والوضاعين ولعنوهم
أشد اللعن ليسقط صدقهم ويذهب بهاؤهم عند الناس وأمروا الشيعة بعدم
الأخذ عنهم، لكي تمحص الأحاديث من الدسائس، والحقائق من المنكرات.
كما روى الكشي أن أحدا من الغلاة حين ذكر شيئا من غلو يونس بن ظبيان،
عند أبي الحسن عليه السلام، فغضب غضبا لم يملك نفسه ثم قال عليه السلام للرجل: أخرج
عني لعنك الله ولعن من حدثك، ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف
لعنة، كل لعنة تبلغك قعر جهنم... أما إن يونس مع أبي الخطاب في أشد العذاب
مقرونان، وأصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون وآل فرعون في أشد
العذاب... (1).
وعن أبي حمزة البطائني قال سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول: لعن الله
محمد بن بشير وأذاقه حر الحديد، إنه يكذب علي، برء الله منه، وبرئت إلى الله
منه... يا علي! ما أحد اجترء أن يتعمد الكذب علينا إلا أذاقه الله حر الحديد،
وإن بيانا كذب على علي بن الحسين عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد، وإن المغيرة

(1) رجال الكشي: 364 رقم 673.
مقدمة التحقيق 11

بن سعيد كذب على أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد، وإن أبا الخطاب
كذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد... (1).
بعد كل هذا، لا يمكننا الاطمينان بكل حديث وصل إلينا، بل يجب علينا
الفحص والتفتيش حتى نحصل على الأخبار الصادرة حقا عنهم عليهم أفضل
الصلاة والسلام.
نظرية عدالة الصحابة:
كل الفرق الإسلامية ما عدى الفرقة المحقة الامامية بادرت إلى الأخذ عن
جميع الصحابة بما أنهم صحابة من دون تحقيق وتمحيص.
وذلك، للاعتقاد السائد عندهم المبني على وثاقة وعدالة جميع الصحابة!!!
وعند الاستقراء السريع لكتب علمائهم يظهر لنا أن هذا الرأي أصبح جزءا
لا يتجزى من اعتقاداتهم وإن لم يكن عندهم الدليل المتين القانع، بل كلما
جاؤوا به، مبني على تأويلات باطلة وفهم خاطئ لبعض النصوص والآيات
القرآنية، أو العواطف وإحساسات! فنذكر بعض ما صرح به علماؤهم قديما
وحديثا في هذا الموضوع:
قال الخطيب البغدادي: (عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم
وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن) (2).
قال المزني: (فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به) (3).

(1) رجال الكشي: 482 رقم 909.
(2) الكفاية: 63 والإصابة: 1 / 19.
(3) جامع بيان العلم: 2 / 89.
مقدمة التحقيق 12

وابن حزم: (الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا) (1).
وكذا عن ابن عبد البر (2) وابن الأثير (3).
وإن صرح جماعة منهم بأن الصحابة غير معصومين وفيهم العدول وغير
العدول، كما عن السعد التفتازاني والمارزي شارح البرهان وابن العماد
الحنبلي والشوكاني (4)، ومن المتأخرين: الشيخ محمود أبو رية والشيخ محمد
عبده والسيد محمد بن عقيل العلوي والسيد محمد رشيد رضا والشيخ المقبلي
والشيخ مصطفى الرافعي (5).
والقول بعدالة كل الصحابة مخالف لما ورد في صحاح القوم بأن عدة من
الأصحاب ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويمنعون عن الحوض ويجرون إلى النار
ولا ينجوا منهم إلا قليل.
كما في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: تحشرون حفاة عراة - إلى أن قال: - ثم يؤخذ برجال من أمتي
فيؤخذ بهم ذات الشمال.
فأقول: يا رب أصحابي؟
فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!.

(1) الإصابة: 1 / 19.
(2) الاستيعاب: 1 / 8.
(3) أسد الغابة: 1 / 3.
(4) الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب أهل السنة: 10 للمحقق الفاضل
المتتبع السيد علي الحسيني الميلاني نقلا عن شرح المقاصد للتفتازاني: 5 / 310 والإصابة:
1 / 19 والنصائح الكافية: 161 وارشاد الفضول.
(5) المصدر السابق، نقلا عن شيخ المضيرة أبو هريرة: 101 وأضواء على السنة
المحمدية والنصائح الكافية وإعجاز القرآن.
مقدمة التحقيق 13

فأقول: كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت
فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد إن
تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (1).
قال فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (2).
وفي رواية أخرى: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا
عرفتهم اختلجوا دوني. فأقول: أصحابي؟ فيقول: لا تدري ماذا أحدثوا
بعدك (3).
وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال
منكم حتى إذا أهويت لأناولهم، اختلجوا دوني. فأقول: أي رب! أصحابي؟
فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك (4). وفي رواية مسلم: ليردن على الحوض
رجال ممن صاحبني.... (5)
وفي رواية أخرى: بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل
من بيني وبينهم. قال: هلم.
قلت: أين؟ قال: إلى النار والله.
قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه
يخلص منهم إلا مثل همل النعم أي القليل (6).
وعن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم... ليوردن علي أقوام أعرفهم

(1) المائدة: 117 - 119.
(2) صحيح مسلم: 7 / 157 وراجع أيضا: صحيح البخاري: 4 / 142 و 110 و 5: 240
(3) صحيح البخاري: 7 / 207 و 8 / 87 وصحيح مسلم: 7 / 71.
(4) صحيح البخاري: 8 / 87.
(5) صحيح مسلم: 7 / 71.
(6) صحيح البخاري: 7 / 208.
مقدمة التحقيق 14

ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم....
فأقول: إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي (1). وفي رواية مسلم: ليذادن رجال عن
حوضي كما يذاد البعير الضال. (2)
أصحاب العقبة الذين أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ذكر أحمد في مسنده: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا يزيد، حدثنا
الوليد يعني ابن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: لما أقبل رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك، أمر مناديا فنادى: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ العقبة
فلا يأخذها أحد.
فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوده حذيفة ويسوق به عمار، إذ أقبل رهط
متلثمون على الرواحل، غشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقبل
عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة: قد، قد، حتى
هبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلما هبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل ورجع عمار فقال يا عمار هل عرفت القوم؟
فقال: قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون.
قال: هل تدري ما أرادوا؟ قال: الله ورسوله أعلم.
قال: أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيطرحوه.
فساب عمار رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: نشدتك بالله كم
تعلم كان أصحاب العقبة؟

(1) صحيح البخاري: 7 / 208 و 8 / 87 وصحيح مسلم: 7 / 66.
(2) صحيح مسلم: 1 / 150.
مقدمة التحقيق 15

فقال: أربعة عشر. فقال: إن كنت فيهم، فقد كانوا خمسة عشر.
فعدد رسول الله صلى الله عليه. آله وسلم منهم ثلاثة، قالوا: والله ما سمعنا منادي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما علمنا ما أراد القوم.
فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة
ويوم يقوم الأشهاد (1).
وروى السيوطي في الدر المنثور: عن عروة قال: رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قافلا من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ناس من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق - إلى أن قال -:
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة: هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحدا؟ قال
حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان. وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم
متلثمون.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا؟ قالوا: لا والله
يا رسول الله.
قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها.
قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم؟
قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا وضع يده في أصحابه!
فسماهم لهما وقال: اكتماهم (2).
وفيما رواه ابن كثير: أن عمارا وحذيفة بن اليمان قالا: يا رسول الله، أفلا
تأمر بقتلهم؟ فقال: (أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) (3)

(1) مسند أحمد بن حنبل: 5 / 527 رقم 23854 (ط دار الكتب العلمية).
(2) الدر المنثور: 3 / 259. إصدار مكتبة آية الله المرعشي بقم.
(3) تفسير ابن كثير: 2 / 322 والبداية والنهاية: 5 / 24. (طبعة دار إحياء التراث
العربي).
مقدمة التحقيق 16

وفي صحيح مسلم، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: في أصحابي إثنا عشر
منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم
تكفيكهم الدبيلة. وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم (1).
وهذا حذيفة بن اليمان يقول على ما ذكره البخاري: إن المنافقين اليوم شر
منهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون (2).
وقال ابن حزم: وأما حديث حذيفة، فساقط، لأنه من طريق الوليد بن
جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنه قد روى أخبارا فيها:
أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولقائه من العقبة في تبوك وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله تعالى
واضعه فسقط التعلق به والحمد لله رب العالمين. انتهى كلامه (3).
ومن الجدير بالذكر أن تضعيف ابن حزم لوليد بن جميع مخالف لما جاء في
المصادر الرجالية لأبناء العامة من التصريح بتوثيقه.
كما صرح بوثاقته العجلي (4) وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث (5).

(1) صحيح مسلم: 8 / 122. (ط د دار الفكر)، مسند أحمد: 4 / 320. (ط إحياء التراث)،
البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 20، (ط دار الفكر) وص 26 (ط. دار إحياء التراث العربي)،
تفسير ابن كثير: 4 / 123، (ط دار الفكر)، 2 / 322 (ط دار القلم)، دلائل النبوة للبيهقي:
5 / 261 (ط دار الكتب العلمية)، موسوعة أطراف الحديث: 5 / 584 عن المغني عن حمل
الاسفار للعراقي: 4 / 162، إتحاف السادة المتقين للزبيدي: 9 / 219. ومشكاة المصباح
للتبريزي: رقم 5917.
(2) صحيح البخاري: 8 / 100.
(3) المحلى: 11 / 224. تحقيق أحمد محمد شاكر، ط. دار الجيل ودار الآفاق
الجديدة، بيروت. والمحلى: 12 / 160 مسألة 2203 ط. دار الفكر، تحقيق: الدكتور عبد
الغفار سلمان البنداري.
(4) تاريخ الثقات: 465 رقم 1773.
(5) الطبقات: 6 / 354.
مقدمة التحقيق 17

وأورده ابن حبان في الثقات (1).
وقد نقل الذهبي وابن أبي حاتم عن أبي عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال
أبي: ليس به بأس. وعن يحيى بن معين أنه قال: ثقة وقال أبو حاتم: صالح
الحديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به (2) وقال الذهبي: وثقه أبو نعيم (3).
الأصحاب والاجتهاد
ومن أعظم الرزايا والخطوب التي حلت بالأمة الإسلامية ما قام به البعض
بتوجيه كل عمل من الأصحاب إذا كان مخالفا للقرآن الكريم أو السنة النبوية
الشريفة، متسترين بما يسمى ب‍ (الاجتهاد).
فأصبح سلاح (اجتهد فأخطأ) الدرع الواقي لتغطية تمردهم وعصيانهم
لأوامر الشريعة الإسلامية، بل واجهة لاعتذارهم في تجاوزهم علماء
الآخرين.
ولم يكفهم هذا وإنما تجرأوا على سن أحكام جديدة وتحريم الواجب أو
المباح.
منها: ما قال القوشجي بعد نقل كلام الطوسي بأن عمر، أعطى أزواج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأفرض، ومنع فاطمة وأهل البيت من خمسهم، وقضى في الجد
بمائة قضية، وفضل في القسمة والعطاء ومنع المتعتين.
وأجيب عن الوجوه الأربعة: بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإنه من

(1) كتاب الثقات: 5 / 492.
(2) الجرح والتعديل: 9 / 8 رقم 34 وتهذيب الكمال: 31 / 35.
(3) تاريخ الإسلام: 9 / 661.
وأعجب ما ورد في هذا الباب: ما ذكره ابن كثير بأن عمر بن الخطاب قال لحذيفة:
أقسمت عليك بالله أنا منهم؟ قال: لا. ولا أبرئ بعدك أحدا. البداية والنهاية: 5 / 25.
مقدمة التحقيق 18

مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية (1).
وقال أيضا في قول العلامة، بأن أبا بكر أحرق الفجأة السلمي، ولم يعرف
الكلالة وميراث الجدة:
بأن إحراقه الفجأة من غلطة اجتهاده، فكم من مثله للمجتهدين.
وأما مسألة الكلالة والجدة فليس بدعا من المجتهدين، إذ يبحثون عن
مدارك الأحكام ويسألون من أحاط بها.
وقال في الاعتراض على أن أبا بكر لم يحد خالدا ولا اقتص منه لقتله مالك
بن نويرة والتزويج بامرأته في ليلته:
وأجيب عنه: بأنا لا نسلم أنه وجب على خالد الحد والقصاص، فإنه قد قيل:
إن خالدا إنما قتل مالكا لأنه تحقق منه الردة وتزوج بامرأته في دار الحرب،
لأنه من المسائل المجتهدين فيها بين أهل العلم!!!....
وإنكار عمر لأبي بكر لا يدل على قدحه في إمامة أبي بكر ولا على قصده
إلى القدح فيها، بل إنما أنكر كما ينكر بعض المجتهدين على بعض (2).
يقول ابن كثير في توجيه قتله مالك: واستمر أبو بكر بخالد على الامرأة وإن
كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ (3).
وهذا ابن حجر يقول في كتابه (تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه
بثلب سيدنا معاوية): كان معاوية مأجورا على اجتهاده، للحديث: إن المجتهد
إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.

(1) شرح تجريد العقائد: 374. (الطبعة الحجرية من إصدارات: رضي - بيدار -
عزيزي).
(2) شرح تجريد العقائد: 373.
(3) تاريخ ابن كثير: 6 / 323.
مقدمة التحقيق 19

ومعاوية مجتهد بلا شك، فإذا أخطأ في تلك الاجتهادات كان مثابا وكان
غير نقص فيه (1).
وفي الصواعق المحرقة لابن حجر: لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره، فإنه من
جملة المؤمنين، وأمره إلى مشية الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه (2).
ويقول ابن خلدون: إن منهم من رأى الإنكار على يزيد ومنهم من رأى
محاربته، ثم قال: هذا كان شأن جمهور المسلمين والكل مجتهدون ولا ينكر
على أحد من الفريقين، فمقاصدهم في البر وتحري الحق معروفة. وفقنا الله
للاقتداء بهم (3).
ويقول ابن حزم: لا خلاف بين أحد من الأمة في أن عبد الرحمان بن ملجم
لم يقتل عليا إلا متأولا مجتهدا مقدرا أنه على صواب (4).
وقال أيضا في قاتل عمار الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتلك الفئة
الباغية (5) وقاتله في النار (6): أبو الغادية متأول مجتهد مخطئ باغ عليه،
مأجور أجرا واحدا.
وليس هذا كقتلة عثمان، لأنه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع

(1) تطهير الجنان: 15.
(2) الصواعق المحرقة: 221.
(3) مقدمة ابن خلدون: 380.
(4) المحلى: 10 / 484.
(6) صحيح البخاري: 3 / 207، كتاب الجهاد باب مسح الغبار عن الناس في السبيل.
صحيح الترمذي ج 5 / 333 ح 3888، المستدرك للحاكم ج 2 / 148
موسوعة أطراف الحديث: 4 / 403 و 11 / 205 من مصادر عديدة، وكذا في
الغدير: 9 / 22، إحقاق الحق: 8 / 422. بل هو من الأحاديث المتواترة كما اعترف ابن حجر
في الإصابة ج 2 / 512 ط السعادة.
(6) دلائل النبوة للبيهقي: 6 / 420.
مقدمة التحقيق 20

ولا زنا بعد إحصان ولا ارتد فيسوغ المحاربة تأويل، بل هم فساق محاربون
سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان، فهم فساق
ملعونون (1).
هل هذا إلا اتباع الهوى (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) (2)
وهل هذا إلا إضلال عن الحق واتخاذ الهوى إلها، (ا فرأيت من اتخذ إلهه هواه
وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن
يهديه من بعد الله) (3)
اهتمام الأئمة عليهم السلام بالدراية
وبالمراجعة إلى أحاديث الباب يعلم اهتمام الأئمة عليهم السلام بدراية الحديث
كما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (عليكم بالدرايات
لا بالروايات) (4).
وعنه أيضا: (همة السفهاء الرواية وهمة العلماء الدراية) (5).
عن الصادق عليه السلام: (حديث تدريه، خير من ألف ترويه، ولا يكون الرجل
منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وأن الكلمة من كلامنا لتنصرف على

(1) الفصل: 4 / 161. من أراد تفصيل الكلام في هذا المضمار فليراجع: مقدمة مرآة
العقول: 2 / 50، للمحقق المتتبع العلامة السيد مرتضى العسكري.
(2) القصص: 50.
(3) الجاثية: 23.
(4) بحار الأنوار: 2 / 160 ح 12 و 206 ح 67.
(5) كنز الفوائد: 2 / 31، إرشاد القلوب: 14، عدة الداعي: 76 وبحار الأنوار: 2 / 160
ح 12.
مقدمة التحقيق 21

سبعين وجها) (1).
وعن أبي جعفر عليه السلام: (يا بني! اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم
ومعرفتهم. فإن المعرفة هي الدراية للرواية وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن
إلى أقصى درجات الأيمان...) (2).
عن أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا حدثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدثكم،
فإن كان حقا فلكم، وإن كان كذبا فعليه) (3).
سأل بعض الأصحاب من يونس بن عبد الرحمان: يا أبا محمد! ما أشدك
في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على رد
الأحاديث؟!
فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لا تقبلوا
علينا حديثا، إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا
المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد - لعنه الله - دس في كتب أصحاب أبي،
أحاديث لم يحدث بها أبي).
قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام
ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم
فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن
تكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام - إلى أن قال عليه السلام -: (فإن مع كل قول منا
حقيقة وعليه نورا، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه، فذلك من قول

(1) بحار الأنوار: 2 / 184 ح 5.
(2) بحار الأنوار: 2 / 184 ح 4.
(3) الكافي: 1 / 42 ح 7.
مقدمة التحقيق 22

الشيطان). (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام: (رواة الكتاب كثير ورعاته قليل، فكم من مستنسخ
للحديث مستغش للكتاب. والعلماء تحزنهم الرواية) (2).
(ما ورد عن الأئمة عليهم السلام في توثيق الرواة وإرجاع الناس إليهم)
عن الحسن بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك! إني
لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد
الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج من معالم ديني؟ فقال: (نعم) (3).
عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته وقلت: من أعامل؟
وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟
فقال: (العمري ثقتي، فما أدى إليك عني، فعني يؤدي. وما قال لك عني،
فعني يقول. فاسمع له! وأطع! فإنه الثقة المأمون).
قال: وسألت أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك؟ فقال: (العمري وابنه ثقتان...) (4).
عن مسلم بن أبي حية، قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام في خدمته فلما أردت
أن أفارقه ودعته وقلت له: أحب أن تزودني قال: (ائت أبان بن تغلب، فإنه قد
سمع مني حديثا كثيرا، فما روى لك عني فارو عني) (5).
عن أبان تغلب، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (جالس أهل المدينة فإني

(1) رجال الكشي: 224 رقم 401.
(2) بحار الأنوار: 2 / 206 ح 98.
(3) رجال الكشي: 490 رقم 935.
(4) وسائل الشيعة: 27 / 138 ح 33419.
(5) رجال الكشي: 331 رقم 604.
مقدمة التحقيق 23

أحب أن يروا في شيعتنا مثلك) (1).
عن يونس بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن زرارة قد روى عن
أبي جعفر عليه السلام... فقال أبو عبد الله عليه السلام: (أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام،
فلا يجوز لي رده) (2).
عن إبراهيم بن عبد الحميد وغيره قالوا: قال أبو عبد الله عليه السلام: (رحم الله
زرارة بن أعين، لولا زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه، لاندرست
أحاديث أبي عليه السلام) (3).
عن سليمان بن خالد الأقطع، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (ما أحد
أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن
مسلم وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء، ما كان أحد يستنبط هذا.
هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه، وهم السابقون
إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة) (4).
عن المفضل بن عمر، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام... قال للفيض بن المختار:
(... فإذا أردت بحديثنا، فعليك بهذا الجالس!) وأومأ إلى رجل من أصحابه.
فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين (5).

(1) رجال الكشي: 330 رقم 603.
(2) رجال الكشي: 133 رقم 211.
(3) رجال الكشي: 136 رقم 217.
(4) رجال الكشي: 136 رقم 219.
(5) رجال الكشي: 135 رقم 216.
مقدمة التحقيق 24

(عرض الكتب على المعصومين عليهم السلام وثناؤهم على مؤلفيها)
عن أبي جعفر الجعفري قال: أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألفه يونس بن
عبد الرحمان، على أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفحه كله، ثم قال:
(هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله) (1).
عن أحمد بن أبي خلف، ظئر أبي جعفر عليه السلام قال: كنت مريضا فدخل علي
أبو جعفر عليه السلام يعودني في مرضي، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة، فجعل
يتصفحه ورقة ورقة، حتى أتى عليه من أوله إلى آخره وجعل يقول: (رحم الله
يونس، رحم الله يونس، رحم الله يونس) (2).
قال الشيخ الطوسي في ترجمة عبيد الله بن علي الحلبي: له كتاب مصنف
معمول عليه. وقيل: إنه عرض على الصادق عليه السلام فلما رآه، استحسنه وقال:
(ليس لهؤلاء (يعني المخالفين) مثله) (3).
عن أبي محمد الفضل بن شاذان... دخل على أبي محمد عليه السلام فلما أراد أن
يخرج، سقط منه كتاب في حضنه، ملفوف في رداء له، فتناوله أبو محمد عليه السلام
ونظر فيه وكان الكتاب من تصنيف الفضل، وترحم عليه وذكر أنه قال: (أغبط
أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم) (4).

(1) رجال الكشي: 484 رقم 915.
(2) رجال الكشي: 484 رقم 913.
(3) الفهرست: 106 رقم 455.
(4) رجال الكشي: 542 رقم 1027.
مقدمة التحقيق 25

(فضل الدراية عند العلماء)
قال الشهيد الثاني رحمه الله: وأما علم الحديث فهو من أجل العلوم قدرا وأعلاها
رتبة وأعظمها مثوبة بعد القرآن... وهو ضربان: رواية ودراية... والثاني
وهو المراد بعلم الحديث عند الإطلاق، وهو علم يعرف به معاني ما ذكر ومتنه
وطرقه وصحيحه وسقيمه وما يحتاج إليه من شروط الرواية، وأصناف
المرويات، ليعرف المقبول منه والمردود، ليعمل به، أو يجتنب. وهو أفضل
العلمين، فإن الغرض الذاتي منهما هو العمل، والدراية هي السبب القريب له (1).
قال المحدث النوري رحمه الله: اعلم أن علم الحديث علم شريف، بل هو أشرف
العلوم، فإن غايته الفوز بالسعادة الأبدية والتحلي بالسنن النبوية، والآداب
العلوية، وبه يدرك الفوز بالمعارف الحقة ما لا يدرك من غيره.
ومنه يتبين الحلال والحرام، والفرائض والسنن، وطرق تهذيب النفس
وصفاتها (2).
قال صاحب المعالم رحمه الله: إن إعطاء الحديث حقه من الرواية والدراية، أمر
مهم لمن أراد التفقه في الدين... وقد كان للسلف الصالح رضوان الله عليهم،
مزيد اعتناء بشأنه وشدة اهتمام بروايته وعرفانه...، ثم خلف من بعدهم
خلف، أضاعوا حقه وجهلوا قدره، فاقتصروا من روايته على أدنى مراتبها
وألقوا حبل درايته على غاربها (3).

(1) منية المريد: 191.
(2) مستدرك الوسائل: 3 / 875.
(3) بحار الأنوار: 109 / 3.
مقدمة التحقيق 26

قال المحقق النوري رحمه الله: وأما قول صاحب المعالم (ثم خلف من بعدهم)
فلعمري أنه لو كان في عصرنا لأقام على الحديث المآتم وبكى عليه بكاء
الثكلى، فإن أهله ألقوا حبل أدنى مراتب الرواية أيضا على غاربها... (1).
قال المحقق التقي المجلسي: ومن غرائب عصرنا هذا، أن القاصرين عن
تعريف القوانين والأصول، سويعات من العمر يشتغلون بالتحصيل وذلك أيضا
لاعلى شرائط السلوك ولا من جواد السبيل، ثم يعدون الحد ويتجرون
في الدين فإذا تفحصوا وريقات قد استوحشوها وهم غير متمهرين في سبيل
علمها ومسلك معرفتها، ولم يظفروا بالمقصود منها، بزعمهم استحلوا الطعن
في الأسانيد والحكم على الأحاديث بالضعف، فترى كتبهم وفيها في مقابلة
سند سند، على الهامش: ضعيف، ضعيف. وأكثرها غير مطابق للواقع).
قال المحدث النوري بعد نقل كلامه هذا: ولقد أجاد في بيانه وصدق
في طعنه على المنخرطين بزعمهم في سلك أقرانه. ولعمري ما فعلوا بكتب
الأحاديث رزية جليلة ومصيبة عظيمة ينبغي الاسترجاع عند ذكرها، وأعجب
منهم الذين جاؤوا من بعدهم وتابعوهم بغير إحسان ولم يصرفوا قليلا من
عمرهم في التفحص عن مقالاتهم والتجسس عن صحة تضعيفاتهم، فصدقوهم
قولا وعملا وأوقعوا في بنيان آثار الأطهار وأحاديث الأبرار - وهو أساس
الدين - خللا من غير داع في أكثر الموارد... (2).
عن والد شيخنا البهائي قدس سره: اعلم أن علم الحديث علم شريف جليل... من

(1) مستدرك الوسائل: 3 / 876.
(2) مستدرك الوسائل: 3 / 771.
مقدمة التحقيق 27

حرمه حرم خيرا عظيما ومن رزقه رزق فضلا جسيما (1).
قال السيد الكاظمي الأعرجي: لما كان معرفة مقامات الرجال مما يدور
عليه قبول الأخبار وردها وخاصة في التراجيح، وجب الفحص عنهم، كيف
لا؟! ونحن إنما نتناول معالم الدين منهم (2).
(منهج التحقيق)
بما أن النسخة المطبوعة كانت كثيرة الأغلاط، لذا اعتمدنا في تصحيح
المتن على النسخة التي كتبها المؤلف قدس سره بخطه الشريف.
لم نغير في المتن إلا ما حصل لنا القطع بأنه وقع سهوا من قلمه الشريف كما
في كتابة الآيات القرآنية الكريمة.
وأما إذا كان في نقل الأحاديث أو كلمات العلماء اختلاف عما عليه
في المصادر، أثبتناه كما هو، احتمالا لموافقته مع ما عند المؤلف من النسخ
وأشرنا إليه في الهامش.
وكل ما ورد في الكتاب من الرموز التي تشير إلى أسماء الكتب الرجالية
كما هو المتعارف في كتابتها مثل: (جش)، (كش)، (صه) و...، بدلناها إلى
الأسماء الصريحة لها. أي: (رجال النجاشي)، (رجال الكشي)، (خلاصة
الأقوال) و....
وكذا بقية الرموز المذكورة في الكتاب مثل: (جخ) و (ق) و (ظم) و...

(1) وصول الأخيار: 121.
(2) عدة الرجال: 1 / 43.
مقدمة التحقيق 28

بدلنا ب‍ (رجال الشيخ) و (رجال الشيخ أصحاب الصادق عليه السلام) و (رجال
الشيخ أصحاب الكاظم عليه السلام) و... وكل ذلك تسهيلا على القارئ الكريم.
إلا فيما ينقل المؤلف - طاب ثراه - كلام أحد العلماء لغرض المناقشة فيما
ذكره من الرموز، أثبتناها كما هي.
وإذا رأينا من اللازم التعليق على ما جاء في المتن - حسب ما بلغه نظرنا
القاصر - ذكرناه في الهامش.
وفي الختام أقدم شكري الجزيل لشيخنا الأستاذ سماحة آية الله الخزعلي،
لأشرافه على المؤسسة ولمراجعته هذا الكتاب من أوله إلى آخره وتصحيح
ما وقع فيه من الأغلاط. فجزاه الله أفضل الجزاء.
وكذا أقدم الشكر وأرجو الجزاء الخير، لسماحة آية الله المرتضى
المقتدائي، حيث كان اقتراح تحقيق هذا السفر القيم من جانبه إذ نقل حين
حضوره في المؤسسة عن بعض الأجلاء المعاصرين بأنه قال: ما رأيته في علم
الرجال كتابا في البسط والتعمق العلمي بمستوى كتاب (سماء المقال)، هذا مع
اختصاره يحتوي نكاتا لا يوجد في الكتب المفصلة، وهو بمنزلة كتاب
(جواهر الكلام) في الرجال، ولكن مع ذلك، مشتمل على أغلاط كثيرة، ينبغي
طبعه بأسلوب جيد وخال عن الأغلاط.
وبعد هذا الاقتراح، شرعنا في تصحيحه وتحقيقه حسب الوسع والحاجة،
ونرجو من أساتذتنا وإخواننا أن يعفوا علينا ما فيه من القصور ويعلمونا ما
شاهدوا فيه من الأشكال، حتى نراعي ذلك في الطبعات الأخيرة.
وأشكر من إخواننا الذين ساعدونا في المقابلة على النسخة المخطوطة
واستخراج بعض مصادره وتقويم نصه ولا سيما من الفاضل الأستاد، أحمد
مقدمة التحقيق 29

مسجد جامعي، القائم مقام وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، لمساعدته في
التحقيق والطبع والنشر.
ونرجوا من الرب الرحمن الرحيم أن يغفر لنا ذنوبنا، ويبدل سيئاتنا
بأضعافها من الحسنات، ويشفع لنا العترة الطاهرة يوم الحساب، ويجعل لنا
هذه البضاعة المزجاة ذخرا ليوم المعاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قم المقدسة - مؤسسة ولي العصر للدراسات الإسلامية.
السيد محمد الحسيني القزويني - جمادي الأولى 1419.
مقدمة التحقيق 30

كلمة عن حياة المصنف قدس سره
بقلم ولده العالم الكامل الأريب و
الفاضل البارع الأديب سماحة آية الله
الميرزا محمد الكلباسي الأصفهاني
دام ظله
مقدمة ولد المؤلف 31

بسمه تعالى
والصلاة والسلام على محمد وآله
أما بعد، فهذه كلمة موجزة كتبتها لسؤال بعض إخواني الأفاضل في
الأعراب عن أحوال الوالد المصنف حجة الإسلام ومولى الأنام، العالم العلم
المتتبع، والفاضل الكامل المحقق، آية الله العظمى الحاج ميرزا أبو الهدى
الملقب بكمال الدين، ابن العالم العلامة، والمحقق المدقق الفهامة، الآقا ميرزا
أبو المعالي (1)، محمد بن قطب الشريعة، وركن الشيعة، وفقيه أهل البيت في
عصره وأوانه، ومفتي الإمامية في دهره آية (الله) العظمى الحاج محمد بن
إبراهيم (2) بن العالم الورع المؤتمن، الحاج محمد حسن الخراساني أعلى الله
تعالى مقامهم.

(1) كان تولده في الليلة السابعة من شهر شعبان المعظم، ليلة الأربعاء قبل طلوع
الفجر بساعة تقريبا سنة 1247، وتوفي بعد طلوع الفجر بدقائق من يوم الأربعاء السابع
والعشرين من شهر صفر سنة 1315.
كذا في البدر التمام ص 20 و 31. ودفن في مقبرته المعروفة باسمه في تخت فولاد
بإصفهان.
(2) ولد في اليوم التاسع عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1180، وتوفي في الساعة
الرابعة من ليلة الخميس ثامن شهر جمادى الأولى سنة 1261، ودفن في ليلة الجمعة في
مقبرة بناها قبل وفاته بسنة في مقابل المسجد المعروف بمسجد الحكيم بإصفهان كما في
البدر التمام أيضا ص 16.
مقدمة ولد المؤلف 32

فلنذكر ذلك في ضمن أمور:
1 - ولادته:
لم أعثر على تاريخ ولادة الوالد المحقق في موضع من المواضع، بل ذكر
نفسه أن والده العلامة لم يكن يهتم بضبط مثل هذه الأمور.
2 - أساتيده:
كان عمدة تحصيله رحمه الله بإصفهان عند والده، فلما مات تشرف بالنجف
الأشرف وحضر عالي مجلس المحقق الخراساني صاحب الكفاية، وقد أدرك
الدورتين الأخيرتين من تدريسه لهذا الكتاب، كما يظهر من تاريخ حواشيه
عليه، والمدقق الطباطبائي صاحب العروة، سنين عديدة حتى برع على أقرانه
وفاق على أترابه، ثم عاد إلى إصفهان فكان إليه تشد الرحال للاستفادة من
محضره الشريف ومجلسه المنيف.
3 - تدريسه:
كان والدي يدرس في الفقه والأصول قبل تشرفه بالنجف الأشرف وبعد
رجوعه عنه فيهما، وفي الرجال والدراية، وكان معظم تدريسه في هذه
الأواخر في فن الرجال من كتابه هذا (سماء المقال) بحيث قد جعله مطرح
النظر ومورد البحث والتحقيق مرات عديدة.
4 - تفرده في فن الرجال والدراية:
أمره قدس سره في الاعتناء بشأن هذا الفن الشريف أشهر من أن يذكر وأجلى من
أن يسطر.
وقد وصفه خريت الصناعة، علامة عصره وفهامة دهره، حجة الإسلام:
السيد أبو محمد الحسن صدر الدين الكاظمي رحمه الله في إجازته المفصلة له قدس سره
بقوله: (... وهو من أفضل علماء الدراية وفقهاء الاحكام والهداية...)
وكان سبب إقباله بشأن هذا الفن واعتنائه بتدريسه والتصنيف فيه ما رآه من
مقدمة ولد المؤلف 33

مهجورية هذا الفن ذلك العصر، وقلة اعتناء معاصريه به، كما يظهر من كتابه
(البدر التمام ص 45) فتلمذ (1) فيه على والده وباحث وصنف وألف وحققه
تحقيقا لا مزيد عليه) وبلغ فيه بما هو فوق المراد كفى بذلك دليلا (سماء
المقال) هذا وغيره من تصانيفه المنيفة.
5 - مشايخه في الرواية:
استجاز والدي قدس سره من جماعة من أكابر علماء عصره وفقهاء دهره، أفضلهم
وأعلمهم وأكملهم: أستاذ الفقهاء والمجتهدين حجة الإسلام والمسلمين آية الله
الميرزا محمد هاشم الموسوي الخوانساري، الشهير ب‍ (چهار سوقي) المتوفى
سنة 1318، فأجازه إجازة عامة لجميع مروياته وتآليفه. أدرجه المجاز
المرحوم في (البدر التمام ص 45).
ويروي أيضا عن سيد المشايخ العظام حجة الإسلام والمسلمين السيد أبي
محمد، الحسن صدر الدين الكاظمي رحمه الله بإجازة مفصلة.
وعن العالم الكامل الحكيم المتأله الأصولي الفقيه، المرحوم الحاج ملا
على محمد النجفي، النجف آبادي الأصل، الراوي عن صاحب (بدائع
الأفكار) عن صاحب الجواهر.
6 - الراوون عنه الأخبار:
يروي عن الوالد المحقق رحمه الله عدة من الأفاضل والأعلام.
منهم: العالم العلامة، حجة الإسلام سيدنا السيد شهاب الدين المرعشي
النجفي رحمه الله.
ومنهم: العالم الفاضل، السيد حسن الخراساني.
ومنهم: الفاضل الكامل البارع، الشيخ عبد الحسين الكروسي رحمه الله.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (تتلمذ) لأنه من باب (تدحرج) لا من باب
(تصرف).
مقدمة ولد المؤلف 34

وليعلم أن صورة هذه الإجازات الشريفة مندرجة في كتاب (رياض
الأبرار) الذي هو مستدرك إجازات البحار لبعض الأفاضل المعاصرين.
7 - مصنفاته:
له قدس سره مصنفات كثيرة وحواشي عديدة على عدة من الكتب، وهي بين فقه
وأصول ورجال وإجازات وغيرها.
فنذكر أسماء جلها:
1 - (التحفة إلى سلالة النبوة) وهي إجازة لسيدنا النسابة المعاصر المشار
إلى جنابه رحمه الله.
2 - (إجازة الرواية) كتبها للشيخ العالم الفاضل المتبحر، الشيخ عبد
الحسين الكروسي رحمه الله. فرغ منه في 20 شوال 1338.
3 - البدر التمام والبحر الطمطام في أحوال الحبرين النحريرين والبحرين
السفسيرين: يعني بهما والده وجده الآيتين الحجتين أعلى الله مقامهما.
فرغ منه في شهر رجب 1317، وطبع ملحقا بالرسائل الأصولية لوالده
الجليل.
4 - الحاشية على كفاية الأصول: من بدايتها إلى النهاية، شرع فيها في ليلة
الاثنين، 27 محرم 1326، وفرغ منها في ليلة الثلاثاء، 18 رجب 1329.
5 - الدر الثمين في جملة من المصنفات والمصنفين: رتبه على ثمانية
أبواب، وذكر بعض خصوصياته في (البدر التمام ص 45).
ويلاحظ ذلك في (الذريعة، ج 8، ص 63).
6 - الدرة البيضاء في إجازة الرواية عن الأمناء: وهي إجازة مفصلة كتبها
للعالم الفاضل السيد حسن خراساني رحمه الله فرغ منه في ليلة الاثنين 16 جمادي
الأولى 1332.
7 - زلات الأقدام: في التنبيه على الاشتباهات الواقعة للعلماء في المطالب
مقدمة ولد المؤلف 35

الرجالية، ذكره بعض الفضلاء المعاصرين في رسالته المعمولة في (قرب
الأسناد ص 10).
8 - سماء المقال في تحقيق علم الرجال: وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا،
شرع في تأليفه في العشر الأول أو الثاني من المائة الثالثة بعد الألف، وفرغ منه
في النجف في 12 جمادى الثانية 1340، ولقد أتعب نفسه الشريفة في تأليف
هذا الكتاب النفيس طول ثلاثين سنة. فجزاه الله تعالى خير جزاء المحسنين
وقد استنسخ عنه من نسخة الأصل الموجودة عندي قبل الطبع عدة من
الأفاضل الأماجد العارفين بشأنه حتى وفقنا الله تعالى لطبعه وإخراجه بحلة
قشيبة.
وكان الوالد المصنف - أعلى الله مقامه - كثيرا ما يقول لي: الله تعالى يعلم ما
تحملت من المشاق في تأليف هذا الكتاب، ألا وهو نتيجة عمري وثمرة
حياتي.
9 - الفوائد الرجالية: تشتمل على ثلاثين فائدة في الرجال والدراية، ذكره
في (تاريخ گويندگان إسلام ج 1 ص 54).
10 - كتاب في الفقه: يشير إليه في مطاوي سماء المقال.
وقد ذكر قدس سره في (البدر التمام ص 45) في أحوال نفسه: أنه كتب بفضل الله
سبحانه مجلدات في الفقه والأصول والرجال.
والأنصاف أن ما كتب في علم الرجال المهجور في غالب الأعصار من
نظائر ما سمح به أنظار الفحول في هذا المضمار... انتهى.
8 - زهده وتقواه: كان قدس سره في عليا مرتبة من مراتب الزهد والورع، بحيث
يضرب به المثل وكان ثاني والده وثالث جده ورابع جده الأعلى في هذه
المراتب والمقامات العالية فكم وقع له من مكاشفات وأمور غريبة لا يتفق إلا
لأوحدي من الخواص.
مقدمة ولد المؤلف 36

ومن أراد الوقوف على ترجمته المفصلة، فليرجع إلى محالها: (ريحانة
الأدب ج 5) و (نقباء البشر في القرن الرابع عشر ج 2) و (مختصر مكارم
الآثار) و (مقالات مبسوطة) و (مقامات معنوي) (1) و (البدر التمام) إلى غير
ذلك من التراجم.
9 - وفاته: توفي - أعلى الله مقامه - في النصف من ليلة الثلاثاء السابع
والعشرين من ربيع الثاني سنة 1356، ودفن بجنب والده المرحوم في المقبرة
المعروفة الواقعة في تخت فولاد بإصفهان.
محمد بن أبي الهدى الكلباسي

(1) كتاب (المقالات المبسوطة في أعيان دولة المشروطة) و (المقامات المعنوية في
أعيان الدورة الفهلوية) للشيخ محمد علي بن زين العابدين الحبيب آبادي الأصفهاني
المولود سنة 1308. الذريعة: 21 / 393.
مقدمة ولد المؤلف 37

مقدمة ولد المؤلف سماحة آية الله الميرزا محمد
الكلباسي الأصفهاني دام ظله أيضا، للطبعة الثانية للكتاب
بسمه تعالى
لما انتقلت من إصفهان إلى قم المقدسة، لإدامة التحصيل، عزمت على طبع
كتاب أبي: أبي الهدى المسمى ب‍ (سماء المقال في تحقيق علم الرجال)،
وجهدت في ذلك كمال الجهد والمواظبة، وتحملت مشاقا عظيمة في طريق
طبعه، لعدم حصول أسبابه لي في ذلك الزمان.
ولكن الكلام الذي سمعته من أبي حيث يقول مشيرا إلى كتابه: (ويعرف
الرجال بالرجال)، هو الذي كان يزيد من عزمي وإرادتي لتحقيق ما أصبو إليه
وأبغيه في نشر الكتاب المذكور.
فبحمد الله وفقت لطبعه، فوقع مورد التوجه لأنظار العلماء والمراجع
العظام، حتى قال لي آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي - أعلى الله
مقامه الشريف -:
(إن أباك أخرج الرجال من قضية النقل والحكاية إلى موضع التحقيق
والدراية، لأنه في ثبوت عدالة الراوي أو عدمها واختلاف علماء الرجال فيها
يبحث كالفقيه الماهر المتتبع في إثبات نظره وما هو الحق فيه عنده).
ولكن لما كانت الطبعة الأولى منه غير جيدة، لرداءة الورق ولوجود
الأخطاء فيها، رأيت من المناسب أن أسعى مرة أخرى لإعادة طبع الكتاب
بحلة جديدة.
ولقد من الله علينا بلطفه وكرمه فهيأ الأرضية المساعدة لتحقيقه واستخراج
مصادره.
مقدمة ولد المؤلف 38

وقال لي المحقق الفاضل السيد محمد الحسيني الذي تصدى لهذا العمل
القيم - فجزاه عن الإسلام خير الجزاء -: إن المصنف استفاد من كتب يلزم لنا
أن نراجع الجوامع المتعددة، لنقدر على الاطلاع على مآخذها، ومع ذلك لم نظفر
على بعضها ونتعجب كمال التعجب كيف ظفر قدس سره على هذه الكتب ونقل عنها مع
قلة الوسائل في زمانه وعدم وجود هذه المجامع في عصره.
وقال آية الله البروجردي رحمه الله: إني كنت أتلمذ أبحاثا من فرائد الشيخ عنده،
ولكن لما وردت النجف الأشرف لتحصيل العلم كنت أحضر مجلس درس
الآخوند الخراساني، وكنت مقررا لدرسه بعد فراغه منه وكان ذلك مرسوما
هناك وإذا رأيته أنه حضر جلسة تقريري، فعلمت أنه عالم رباني خال من
الهوى، وإلا لما كان يحضر عادة هذا المجلس، لأني كنت تلميذا معه في
السابق لأبيه.
وقال: كان - رحمه الله - في منتهى درجة الزهد والتقوى، وكان يشتهر عند
الناس مع أخيه آية الله جمال الدين ب‍ (سلمان) و (أبي ذر). انتهى.
وكان في الليالي في أول وقت المغرب يشتغل لفريضة المغرب حتى كنت
عنده في آخر يوم قريبا من المغرب، فإذا دق الباب، فقال رحمه الله:
(أخبركم بأن هذا الذي يدق الباب أحمق، لأنه ترك صلاة المغرب وأتى هنا).
وكان بعد الفريضة مشتغلا بالذكر والدعاء والسجود إلى ثلاث ساعات، ثم
يقوم من مكانه ويشتغل بالمطالعة ساعتين، ثم يأتي بعد ذلك لصرف مختصر
من الغداء، وكان بيته - حين العبادة خاصة - مضيئا بنور ضعيف كمال الضعف.
ولقد كتب في ابتداء كتاب له للدعاء - وهو الان موجود عندي بخطه
الشريف -: إني سمعت في بعض أحوال اشتغالي للذكر والدعاء من وراء عالم
الغيب (وليستعد الإنسان لطريق الرحمن).
وكنت ليلة من الشتاء حاضرا في بيته وكان متكئا على الوسادة مع ضعفه،
فإذا رأيته جلس مسرورا من غير ضعف، وقال: (إني بعد صلاة المغرب
مقدمة ولد المؤلف 39

احتجت إلى التطهير وتحصيل الوضوء وغلبني الضعف فكنت استرحت،
فمضى زمان ولم أصل صلاة العشاء فسمعت صوتا واضحا صريحا:
(كسيكه موعود به جنات عدن است نبايد در نماز مساهله نمايد).
وقد نقل لي هذا المطلب وكان في كمال الشعف والسرور، وكيف لا يكون
كذلك مع استماعه هذا الكلام رحمه الله؟!
تأخر يوما من الأيام رجوعه إلى المنزل من الدرس، فذهبت إليه ولما كان
مسيره في طريق المسجد المسمى ب‍ (مسجد حكيم) دخلت فيه ولم يكن فيه
ضوء ولا سراج، إذ رأيته في زاوية من زواياه وفي مكان الخلوة مشغولا
بالذكر والدعاء في حالة مخصوصة، كما كان دأبه ذلك في أكثر أوقات الليل
في المنزل، بحيث تجذب هذه الحالة كل ناظر.
والعجب جذبها لي وأنا كنت طفلا صغيرا، ولذا يقال: حسن عمل الوالد
والوالدة في المنزل يؤثر كمال التأثير في الأولاد، وهذا كلام تام لا ريب فيه.
وقال آية الله البروجردي رحمه الله: (كنت أتلمذ مدة عند أبيه المرحوم الميرزا
أبي المعالي - طاب ثراه - وكان ذلك عند عنفوان شبابي وعند شيبه، فأردت
يوما منزله للتدرس، فلما دققت الباب، حضر شخصه لفتح الباب، فلما قربت
الباب قال: ادخل الدار، وأراد أن يقدمني على نفسه فأبيت ولكنه بالغ وأصر
كمال الأصرار على ذلك، فقال: يلزم احترام السادات.
وتذكرت إلى ما نقل لي من الشيخ صاحب الفرائد رحمه الله حين أخبر بحضور
سلطان عصره في منزله، لم يؤثر هذا الخبر أثرا في نفسه.
فحضر السلطان عنده وأخبر أنه يحضر أيضا سيد من السادات بملاقاته.
فقال من كان مصاحبا للشيخ رحمه الله: أثر ذلك الخبر فيه تأثيرا شديدا.
فقلنا له: لم يؤثر في نفسك حضور السلطان شيئا كما في حضور هذا السيد؟
فقال: العظمة والمقام للسادات.
مقدمة ولد المؤلف 40

مقدمة المؤلف قدس سره
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ثواقب الفطن عن اكتناه ذاته حاسرة، ونواقب الفكر عن
إدراك أوصافه حاصرة، وطوامح العقول عن الاستبار في معرفته قاصرة،
وشواهق الأوهام في فيفاء نعوته حائرة، والصلاة والسلام على من خلق
لوجوده السبعة السائرة، وبرع على نظرائه براعة الشمس على النجوم الزاهرة،
وعلى آله الذين هم ذوو الأعراق الفاخرة، والأخلاق الطاهرة، من الان إلى
يوم فيه وجوه ناضرة، وأخرى مكفهرة باسرة.
أما بعد: فيقول العبد المستسلم لقائد الأمل والمنى، ابن أبي المعالي ابن
محمد إبراهيم، أبو الهدى، نجاه الله تعالى بسوابغ نعمه من مرديات الهوى:
إنه لا ريب في شدة الاحتياج إلى معرفة الرجال، بناء على ما هو المشهور
بين الأجلة من لزوم نقد أسانيد الكتب الأربعة، بل بناء على عدمه أيضا في غير
مورد، كما هو غير ستير على المهرة.
3

فلذلك شمرت لنقد شطر من خلاصة نفائس فوائده وكشف الأستار عن
وجوه خرائده، وصرفت برهة من الزمان في تشييد أركان هذا البنيان،
وصنفت هذا الكتاب الذي لم ير مثله في كتب الأصحاب، فسرح بريد نظرك
في مطاويه، واغتنم درر الفوائد من ظاهره وخافيه.
وسميته ب‍ (سماء المقال في تحقيق علم الرجال) ورتبته على أركان أربعة:
فنقول مستعينا بالله:
إن الكلام في المقام يتأتي:
تارة: في المعرفين، وهم المشايخ المتقدمون الذين يحتج بكلماتهم في
مقام الجرح والتعديل وغيرهما، كالكشي وابن الغضائري والنجاشي وغيرهم
من أضرابهم، فقد وقع الخلاف فيهم تارة: في تعيين شخصهم. وأخرى: في
تحقيق حالهم. وثالثة: في اعتبار قولهم.
أما في الجرح خاصة كابن الغضائري، أو في التعديل خاصة كما في العلامة
عند بعض، أو فيهما كما في غيرهما عند آخر.
وأخرى: في المعرفين، وهم رواة الأخبار، وهم على أقسام، فإنهم إما ممن
ظهر شخصه ووصفه، أو شخصه دون وصفه، أو وصفه دون شخصه، أو ممن
لم يظهر شئ منهما.
ولا بحث في الأول، لظهور كل من الأمرين على ما هو المفروض، كما
لا جدوى في البحث عن الثالث، لأن المهم من البحث إنما هو لكشف
الأحوال، فإذا فرض الانكشاف ولو على سبيل الأجمال بحسب المصداق،
فلا وجه للبحث عن التعيين.
ومنه ما ذكره شيخنا الشهيد في الدراية في شرح الدراية، عند الكلام المتفق
4

والمفترق، كرواية الشيخ ومن سبقه من المشايخ عن أحمد بن محمد.
فإن هذا الاسم مشترك بين جماعة ويتميز عند الإطلاق بقرائن الزمان،
ويحتاج ذلك إلى فضل قوة واطلاع على الرجال ومراتبهم، ولكنه مع الجهل
لا يضر، لأن جميعهم ثقات. (انتهى).
فينحصر البحث في القسمين الآخرين:
أحدهما: من اشتبه شخصه وحاله، وقد اشتهر التعبير عنه في كلماتهم
ب‍ (تمييز المشتركات).
والاخر: من اشتبه حاله دون شخصه، وقد عبرنا عنه ب‍ (نقد المشتبهات).
وثالثة: فيما به يعرف الرجال، وهو الألفاظ المتداولة في ألسنة أرباب
الرجال في التراجم، في مقام الجرح والتعديل والتوهين والتجليل وغيرها.
ورابعة: في نبذة من المطالب المهمة، فيقع الكلام على ما سمعت في أركان
أربعة.
5

الركن الأول
في المعرفين
المقصد الأول
في العالم الجليل والفاضل النبيل، الحامي
في طريق ربه الباري
الشيخ الشهير (ابن الغضائري
7

الركن الأول
في المعرفين
وفيه مقاصد:
المقصد الأول
في العالم الجليل والفاضل النبيل، الحامي في طريق ربه الباري
الشيخ الشهير (ابن الغضائري
مقدمة:
الظاهر أنه كان له كتابان في الرجال، كما صرح به شيخ الطائفة في صدر
الفهرست (1) والعلامة في غير واحد من التراجم (2) في الخلاصة (3).

(1) الفهرست: 1.
(2) في المخطوطة بقلم المؤلف قدس سره: التراجيم والصحيح: ما أثبتناه كما في الصحاح
وغيره
(3) الخلاصة: القسم الثاني: 241 رقم 10 ترجمة عمر بن ثابت، و 225، رقم 2،
ترجمة سليمان النخعي، و 256، رقم 54، ترجمة محمد بن عبد الله الجعفري ورقم 56،
ترجمة محمد بن مصادف و....
9

واما ما ينصرح من الفاضل العناية في المجمع من التثليث فيما ذكر
(من أنه صاحب كتاب الرجال الموضوع لذكر المذمومين، وصاحب
كتابين آخرين) (2).
فالظاهر أن المستند للأول، ما اشتهر عنه من التضعيفات المقتضية لما ذكره،
وللأخيرين، ما ينصرح من الفهرس: (من أن الكتابين موضوع أحدهما: لذكر
المصنفات، والاخر: لها مضافا إلى الأصول)، فالظاهر مغايرتهما له.
ويضعف - بعد تسليم الظهور المزبور، مع عدم اقتضاء المقام أزيد من ذلك
في التوصيف - ظواهر إفادات العلامة في غير مورد في الخلاف، وكون
أحدهما في المذمومين (3)، بل صرح الفاضل الخاجوئي رحمه الله (4): (بأن الكتابين

(1) هو المولى زكي الدين عناية الله بن شرف الدين... القهبائي، مؤلف مجمع
الرجال، فرغ منه سنة 1016، من تلاميذ المقدس الأردبيلي والمولى عبد الله التستري
والشيخ البهائي.
راجع: مصفى المقال في مصنفي علم الرجال: 343، الذريعة: 20 / 29، ريحانة الأدب:
4 / 297، روضات الجنات: 4 / 410، أعيان الشيعة: 8 / 381 و....
(2) مجمع الرجال: 1 / 6 و 7.
(3) الخلاصة: القسم الثاني: 241 رقم 10، ترجمة عمر بن ثابت و 256 رقم 56 و
ترجمة محمد بن مصادق.
(4) هو إسماعيل بن محمد حسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي المتوفى سنة
1173. راجع: تتميم أمل الآمل: 76، نجوم السماء في تراجم الرجال: 269، روضات
الجنات: 1 / 114، مستدرك الوسائل: 3 / 396، كشف الأستار: 1 / 132، أعيان الشيعة:
3 / 402، ريحانة الأدب: 2 / 105 والكنى والألقاب: 2 / 179.
10

المذكورين أحدهما: في الممدوحين، والاخر: في المذمومين) (1).
ولكنه لا يخلو من كلام أيضا.
وبالجملة: الظاهر أنه كانت عمدة الغرض من التصنيف ذكر الضعفاء، واشتهر
ذكر تضعيفاته الوافرة من العلامة في الخلاصة وإلا فلم نقف على هذين
الكتابين كما لم يقف عليهما غير واحد من أرباب الرجال، فضلا عن غيرهم
نعم، إنه يظهر مما عزم السيد السند، ابن طاووس (2) على أن يجمع أسماء
الرجال المصنفين وغيرهم في كتابه من كتب خمسة - كما سيأتي - إن شاء الله
تفصيله - وكان منها: كتاب ابن الغضائري أنه كان موجودا عنده.
كما هو الظاهر من الفاضل العناية أيضا على ما يظهر من كلامه في مفضل
ابن عمر وغيره، فإنه وإن ذكر كلام ابن الغضائري في الخلاصة (3) إلا أنه

(1) الفوائد الرجالية: 290.
(2) هو جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس المتوفى سنة 673، أستاذ
العلامة الحلي وابن داود.
قال تلميذه ابن داود في ترجمته: (فقيه أهل البيت... مجتهد، كان أورع فضلاء أهل
زمانه... حقق الرجال والرواية والتفسير تحقيقا لا مزيد عليه، رباني وعلمني وأحسن إلي.
وأكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من إشاراته وتحقيقاته). رجال ابن داود: 45، رقم 140.
هو أول من ألف من أصحابنا في علم الدراية... وواضع للاصطلاح الجديد للإمامية
في تقسيم الأحاديث [للصحيح والحسن والموثق والضعيف]... حتى إن كتابه (حل
الاشكال) مصدر لما جاء به العلامة الحلي في خلاصته، ابن داود في رجاله وصاحب
المعالم في تحرير الطاووسي. الأنوار الساطعة في المائة السابعة: 13 - 14.
راجع: رياض العلماء: 1 / 73، روضات: 1 / 66، ريحانة الأدب: 8 / 72، أعيان الشيعة:
1 / 149 والكنى والألقاب: 1 / 329.
(3) الخلاصة: 258 رقم 1.
11

لم ينسبه إليه وذكره في المجمع ناسبا إليه (1)، والمنسوب موجود في الأصل.
وكذا الفاضل التستري (2) في انتزاعه خاصة من مجمع الخمس على ما ذكره
العلامة المجلسي رحمه الله في فاتحة البحار (3) والفاضل العناية في بداية المجمع:
(وظفرت بحمد الله سبحانه في هذه الأوقات على هذا المنتزع).
وذكر في صدره في وجه الانتزاع: (اني كنت ما سمعت له وجودا في زماننا
هذا، وكان كتاب السيد هذا، بخطه الشريف مشتملا عليه، فحداني التبرك به مع
ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفردا عنه) (4).
وظاهر كلامه، أن المنقول والمنقول منه، كتاب ابن الغضائري بتمامه، مع أن
الظاهر خلافه، كيف وقد حكى عنه في الخلاصة توثيق جماعة مثل: جابر بن
يزيد، والحسين بن القاسم، وليث بن البختري (5)، مع أنهم عير مذكورين في
المنتزع المنتزع رأسا (6).
ودعوى أن المنقول، لعله كان كتابه المخصوص بذكر الضعفاء دون غيره

(1) مجمع الرجال: 6 / 131.
(2) هو عبد الله بن الحسين التستري المتوفى سنة 1021، تلميذ المقدس الأردبيلي
وأستاذ محمد تقي المجلسي والسيد مصطفى التفريشي صاحب نقد الرجال والقهبائي مؤلف
مجمع الرجال، وصرح بأن شيخه هو الذي دون رجال ابن الغضائري واستخرجه من كتاب
السيد بن طاووس. راجع: أعيان الشيعة: 8 / 48، روضات الجنات: 4 / 234، مصفى المقال
في مصنفي علم الرجال: 242، فوائد الرضوية: 245، لؤلؤة البحرين: 141 وخاتمة
المستدرك: 414.
(3) البحار: 1 / 22.
(4) مجمع الرجال: 1 / 11.
(5) الخلاصة: 35، 52، و 136.
(6) راجع: مجمع الرجال: 1 / 12، 193 و 5 / 72.
12

يضعف بأنه حكى عنه في الخلاصة في ترجمة علي بن حسان الواسطي توثيقه
عنه مكررا (1)، وهو مذكور في المنتزع بتوثيقه المكرر (2) مع أنه حكى في
الخلاصة في علي بن أبي حمزة البطائني
أنه ذكر في حقه: (لعنه الله، أصل
الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام) (3). ومع هذا
التضعيف الشديد، ما له فيه، ذكر رأسا (4).
(معنى الغضائري)
ثم إنه ذكر في القاموس: (الغضارة): الطين اللازب الأخضر الحر
كالغضار (5).
وظرف كالقصعة يصنع من غضار الطين، والجمع: غضائر وغضار، وهي
محدثة، لأنها من خزف، وقصاع العرب كلها من خشب والغضائري جماعة
من المحدثين نسبة إلى صنعة الغضائر وبيعها.
أقول: ومنه ما عن الراوندي (6): عن صفوان، (قال): أمر أبو عبد الله عليه السلام

(1) الخلاصة: 96.
(2) مجمع الرجال: 3 / 176.
(3) الخلاصة: 232.
(4) لاحظ: مجمع الرجال، 4 / 157. فيه كما في الخلاصة.
(5) القاموس المحيط: 2 / 106.
(6) هو أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور بقطب الدين الراوندي المتوفى سنة
573 المدفون في الصحن الكبير في حضرة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بقم. راجع: مقدمة
كتاب الخرائج والجرائح والكنى، الألقاب: 3 / 58، روضات الجنات: 4 / 5، أمل الآمل:
2 / 125، رياض العلماء: 2 / 419، منتهى المقال: 148، لؤلؤة البحرين: 304، جامع الرواة:
1 / 364، تنقيح المقال: 2 / 21، أعيان الشيعة: 7 / 260، تكملة الرجال: 1 / 436 و....
13

بإطعام امرأة غضارة مملوة زبيبا مطبوخا) (1).
وما ذكره من الإطلاق، الظاهر أن المراد العامة
ومنه ما ذكره في المعجم: (من المحدثين علي بن عبد الرحيم الغضائري
ثم إن المرسوم في الكلمات ومنها التوضيح: (2) (بالهمزة بين الألف
والراء) (3) ولكن ضبطه في الإيضاح: (بدون الهمزة) (4) ناصا بغير الفصل، وقد
رسم عليه في فاتحة رجال ابن داود (5) وبعض الكلمات أيضا، وكذا
في المحكي عن بعض نسخ الخلاصة.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنه قد اختلف الأصحاب في أنه أحمد بن الحسين
ابن عبيد الله الغضائري، أو والده. والمشهور، الأول.
وهم بين حاكم بضعفه: إما لجهالته، كما هو صريح الحاوي (6)

(1) الخرائج والجرائح: 2 / 614 وبحار الأنوار: 47 / 98 و 66 / 506.
(2) المراد: (توضيح الاشتباه) لمحمد علي الساروي المازندراني، ألفه تاسع شوال
سنة 1193. مصفى المقال: 280. وراجع: الذريعة: 4 / 490، الفوايد الرضوية: 579،
ريحانة الأدب: 3 / 355 وروضات الجنات: 7 / 148.
(3) توضيح الاشتباه: 130، رقم 550.
(4) إيضاح الاشتباه للعلامة الحلي: 161 رقم 222.
(5) رجال ابن داود: 26.
(6) حاوي الأقوال (المخطوط): 8 - 9.
14

والاستقصاء (1) وشرح المشيخة في بعض كلماته (2) وظاهر النقد (3)
وإما لكثرة جرحه، كما هو ظاهر الرواشح (4)
وإما لهما معا، كما هو ظاهر المنهج في إبراهيم اليماني (5)، فإنه بعد ما صرح
بأنه غير مقبول القول، علله: (بأنه مع عدم توثيقه، قد أكثر القدح في جماعة
لا يناسب ذلك، حالهم) (6).
وبين حاكم بوثاقته: وهؤلاء بين معتبر لقوله، كما هو مقتضى مقالة جماعة من
قدماء أصحابنا، وبه صرح الفاضل العناية في مجمع الرجال، بل ذكر:
(أن مع التتبع التام، يعرف نهاية اعتباره في أقواله وغيرها، فيعتبر مدحه
وذمه، وأنه عالم، عارف، جليل، كبير في الطائفة) (7).
وهو الظاهر من شيخنا البهائي رحمه الله في الحبل المتين، فإنه بعد ما جرى على
تصحيح رواية اليماني، استنادا إلى شهادة جمع بوثاقته، قال:
(ولا يقدح تضعيف ابن الغضائري له، فإن الجرح إنما يقدم على التعديل مع
تساوى الجارح والمعدل، لا مطلقا) (8).

(1) هو استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار للشيخ محمد، ابن صاحب المعالم قدس سرهما
مخطوط لم يطبع إلى الآن.
(2) روضة المتقين: 14 / 330.
(3) نقد الرجال: 20 رقم 44.
(4) الرواشح السماوية: 111. الراشحة الخامسة والثلاثون.
(5) هو إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني.
(6) منهج المقال: 25.
(7) مجمع الرجال: 1 / 108.
(8) الحبل المتين: 273.
15

والظاهر أن المراد من عدم التساوي، حيثية الكثرة.
وجرى عليه الفاضل الخاجوئي في رجاله، مصرا فيه في الغاية (1).،،،،،
وجنح إليه الوالد المحقق قدس سره (2)
وبين مضعف لتضعيفاته: كما صرح به السيد الداماد في الرواشح (4)
والعلامة البهبهاني في التعليقات، كما ذكر في اليماني مزيفا لتضعيفاته:
(أنه قل أن يسلم أحد من جرحه، أو ينجو ثقة عن قدحه، وجرح أعاظم
الثقاة، وأجلاء الرواة الذين لا يناسبهم ذلك) (5).
وهو خيرة جماعة من المتأخرين، بل ذكر بعضهم: (أن قوله، لا يفيد ظنا
بالاتصاف).
وصرح المحقق الأنصاري في رجاله: بأنه أحمد، ساكتا عن بيان الحال (6).
نعم، مقتضى صريح كلامه في داود الرقي، ضعف تضعيفاته (7).
وبين من لم يظهر منه شئ من الأمرين، كما هو الظاهر من كلام جدنا
السيد العلامة في المطالع

(1) الفوايد الرجالية: 114 - 115.
(2) هو: الميرزا أبو المعالي ابن محمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي الأصفهاني
المتوفى 1315. له (كتاب الرسائل) فيه عدة رسائل في الفقه والرجال.
(3) رسائل أبي المعالي، رسالة في تزكية الرواة، باب نقل الأقوال في باب التزكية
(4) الرواشح السماوية: 114 و 115.
(5) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 24.
(6) رجال الشيخ الأنصاري قدس سره المخطوط بقلمه الشريف: 47.
(7) رجال الشيخ الأنصاري: 59.
(8) المراد منه السيد محمد باقر الشفتي صاحب (مطالع الأنوار) المتوفى 1260 الذي
قال المحقق الخوانساري فيه: (كان أرفع من أن يصفه الواصفون في أمثال هذا الكتاب أو
يخرج عن عهدة شئ من ثنائه، ألسنة أرباب الخطاب). روضات الجنات: 2 / 99.
وكان معاصرا مع محمد إبراهيم بن محمد حسن الخراساني الكرباسي المتوفى 1261
جد المؤلف الذي قال فيه صاحب الروضات: (إن قلت في الفضل، فمثل الشمس على رابعة
النهار، وإن في الفيض، فأنى يحسن أن تقاس به الأنهار. وبالجملة، فهو أس أساس الفقاهة
والاجتهاد، وأستاذ الكل الذي استكمل من خبره كل أستاذ، - إلى أن قال: - وله ولدان
فاضلان فقيهان... وخصوصا الأكبر منهما المشتهر مصنفاته في الأطراف (أبو المعالي
محمد، أب المؤلف) الذي هو صهر سيدنا العلامة السمي السابق ذكره وتعظيمه، السيد
الشفتي). روضات الجنات: 1 / 34.
16

وينصرح من جماعة، الثاني (1)، كثاني الشهيدين في الإجازة المعروفة (2)
خلافا لما يقتضيه صريح كلامه في تعليقاته على الخلاصة (3)، وهو مقتضى
صريح النظام في النظام (4)، وبه صرح في مجمع الفائدة (5) والعوائد (6)

(1) أي: المراد من أن ابن الغضائري، هو الحسين بن عبيد الله.
(2) راجع البحار: 108 / 160.
(3) تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة (مخطوط) كما في ترجمة: الحسين بن بشار،
الحسين بن أسد، داود بن كثير الرقي، سليم بن قيس وعلي بن ميمون.
(4) فقد ذكر الفاضل المذكور (أعني نظام الدين محمد بن حسين القرشي الساوجي)
في كتابه المسمى بنظام الأقوال: (ولقد صنف أسلافنا ومشايخنا (قدس الله تعالى أرواحهم)
فيه كتبا كثيرة ككتاب الكشي وفهرست الشيخ الطوسي رحمه الله والرجال له أيضا وكتاب الحسين
ابن عبيد الله الغضائري).
وقال أيضا بعد جملة كلام له: (واكتفي في هذا الكتاب، عن أحمد بن علي النجاشي
بقول النجاشي، - إلى أن قال -: وعن الحسين عبيد الله الغضائري بابن الغضائري).
(المؤلف رحمه الله).
(5) مجمع الفائدة والبرهان، للمقدس الأردبيلي: 8 / 455.
(6) عوائد الأيام للمحقق النراقي: 287.
17

والمقابيس (1)
الأول: ما ذكره شيخ الطائفة في صدر الفهرست:
(من أني رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا، عملوا فهرست كتب أصحابنا،
لم يتعرض أحد منهم لاستيفاء جميعه، إلا ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن
الحسين بن عبيد الله، فإنه عمل كتابين، أحدهما: ذكر فيه المصنفات، والاخر:
ذكر فيه المصنفات والأصول) (2).
فإن مقتضى صريحه، أن له كتابين في الرجال.
والتتبع في الخلاصة يشهد بأن صاحبهما، ابن الغضائري كما قال في عمر بن
ثابت: (إنه ضعيف جدا، قاله ابن الغضائري، وقال في كتابه الاخر...) (3)
وفي محمد بن مصادق: (اختلف قول ابن الغضائري فيه، ففي أحد
الكتابين: أنه ضعيف، وفي الاخر: أنه ثقة) (4).
وفي سليمان النخعي: (قال ابن الغضائري: يقال له كذاب النخعي، ضعيف
جدا، وقال في كتابه الاخر: يلقبه المحدثون كذاب النخع) (5).
بل نقول: إنه يمكن إثبات المرام بكل من كلامي الفحلين، بعد انضمام
مقدمة، وهي: أنه لما لم يذكر في كتب أصحابنا كتاب الرجال لوالده، ومن هنا
ما ذكره السيد الداماد: (من أنه لم يبلغني إلى الان من أحد من الأصحاب أن

(1) مقابيس الأنوار للشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي: 8.
(2) الفهرست: 1.
(3) الخلاصة: 241.
(4) الخلاصة: 256.
(5) الخلاصة: 225
18

للحسين في الرجال كتابا) (1).
فلما ثبت الانتفاء، تعين أن صاحبهما الولد، وأما احتمال غيرهما ففي غاية
السقوط، لاتفاق الكلمة على خلافه.
الثاني: ما ذكره السيد ابن طاووس رحمه الله في أثناء خطبة كتابه على ما
في التحرير:
(من أني قد عزمت على أن أجمع في كتابي هذا، أسماء الرجال المصنفين
وغيرهم من كتب خمسة: كتاب الرجال لشيخنا الطوسي، وكتاب الفهرست له،
وكتاب اختيار الرجال من كتاب الكشي، وكتاب أبي الحسين أحمد بن
الحسين بن عبيد الله الغضائري في ذكر الضعفاء خاصة) (2)
ونحوه ما ذكر في هشام بن سالم: (أنه قال أبو الحسين أحمد بن الحسين
ابن عبيد الله الغضائري: محمد بن عيسى الهمداني، ضعيف) (3).
ونحوه ما صرح به في مواضع من كلامه فيما نقله في كتابه من كتاب ابن
الغضائري على ما في المنتزع منها ما في صدر المنقول (4).
الثالث: ما يظهر من كلام السيد المشار إليه في ترجمة أخي عذافر: (من أن
ابن الغضائري يكنى بأبي الحسين) (5).
ومقتضى كلامه فيما تقدم وفي شريف بن سابق: أن المكنى به: (أحمد بن

(1) الرواشح السماوية: 113.
(2) التحرير الطاووسي: 4 و 5.
(3) التحرير الطاووسي: 599 - 600.
(4) مجمع الرجال: 1 / 10.
(5) التحرير الطاووسي: 419.
19

الحسين (1)، وسيأتي كل من كلاميه عن قريب، إن شاء الله تعالى.
الرابع: ما ذكره العلامة في الخلاصة، فإنه قال في إسماعيل بن مهران: (قال
الشيخ أبو الحسين، أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري رحمه الله: إنه يكنى
أبا محمد، ليس حديثه بالنقي) (2).
والظاهر من إطلاق ابن الغضائري في سائر كلماته هو المصرح به في هذا
المقام، ومن هنا قال الشهيد الثاني في تعليقاته عليها: (إنه يستفاد من هذا، أن
ابن الغضائري المتكرر في هذا الكتاب، هو أحمد بن الحسين بن عبيد الله
الغضائري لا نفسه) (3).
الخامس: ما ذكره فيها أيضا في أحمد بن علي الخضيب في القسم الثاني،
فإنه قال: (قال ابن الغضائري: حدثني أبي: أنه كان في مذهبه ارتفاع) (4).
فإن المقصود بقوله: (أبي) إما الحسين، أو عبيد الله. لا سبيل إلى الثاني،
لعدم ذكره في الرجال رأسا، فضلا عن ذكر تصنيف له في الرجال.
فالظاهر هو الأول، فإنه من العلماء العارفين بالرجال، بل هو من مشائخ
شيخ الطائفة والنجاشي، كما قال العلامة: (إنه كثير السماع، عارف
بالرجال) (5).
ولا يقدح ذلك فيما ذكرناه سابقا، من انتفاء كتاب الرجال له، إذ غايته، هي
المعرفة بالرجال وأحوالهم، وهي لا تستلزم التصنيف فيه، مضافا إلى ما تقدم

(1) التحرير الطاووسي: 153.
(2) الخلاصة: 8 رقم 6.
(3) لم نجده في تعليقة الشهيد على الخلاصة على ما فحصنا.
(4) الخلاصة: 204 رقم 14.
(5) الخلاصة: 50 رقم 11.
20

من دلالة كلام النجاشي (1) والخلاصة (2) عليه، فضلا عن ظهور قوله: (حدثني
أبي) في السماع بالمشافهة.
السادس: ما ذكره فيها أيضا في أحمد بن عبد الله الوراق: (أنه روى عنه
الغضائري (3) ونحوه ما سبقه في رجال الشيخ (4).
والظاهر أن المراد منه، الحسين بن عبيد الله، بشهادة ما ذكر في الفهرست:
(من أنه روى عنه الحسين بن عبيد الله (5)
فيثبت من هذين الكلامين، أن الغضائري هو الحسين.
فإذا ثبت ذلك، يثبت أن ابنه أحمد، ولقد أجاد السيد المحدث البحراني (6)
في توصيفه، ما رواه عن الشيخ في الأمالي عن الحسين بن عبيد الله
بالغضائري.
وإن قلت: إنه ذكر العلامة في سهل بن زياد الادمي: (قال النجاشي: إنه
ضعيف في الحديث، غير معتمد عليه - إلى أن قال -: قال أحمد بن نوح وأحمد
ابن الحسين، وقال ابن الغضائري: إنه كان ضعيفا جدا، فاسد الرواية
والمذهب) (7).

(1) رجال النجاشي: 69 رقم 166.
(2) الخلاصة: 50 رقم 11.
(3) الخلاصة: 17 رقم 25.
(4) رجال الشيخ: 455 رقم 105.
(5) الفهرست: 32 رقم 87.
(6) ذكر في كتابه المسمى بغاية المرام وحجة الخصام في تعيين الأمام من طريق
الخاص والعام (منه رحمه الله).
(7) الخلاصة: 228.
21

ومقتضاه مغايرة ابن الغضائري، لأحمد، وإلا لما كان وجها للنقل بعد النقل.
قلت: الظاهر أن الغرض، نقل عبارته بعينها. نعم، كان المناسب عدم التعبير
بالعبارة المذكورة، إلا أن وقوع نظائره وأسوء منه كثير، كما هو غير خفي على
الخبير.
وهذا هو الظاهر من العلامة البهبهاني (1) وبعض من سبقه، فلا وقع لما أورد
عليه بعض من لحقه، كما هو ظاهر على من أعطى النظر حقه.
السابع: ما ذكره الشيخ في كتاب المجالس على ما في أواخر إثبات الهداة
بقوله: (الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار
عن أبيه) (2).
فإن مقتضى صريحه، أن الحسين هو الغضائري دون ابنه، فيثبت أن ابنه
أحمد، لظهور انحصار الخلاف فيهما.
فظهر مما مر، أنه لا مجال لاحتمال إرادة الوالد من الإطلاقات، ويشبه أن
يكون منشأ الاشتباه - مضافا إلى اشتهار الوالد - عنوانه في الخلاصة في
ترجمة خاصة (3) بخلافه في الولد. فيظن أنه المراد من الإطلاقات، ولكنك
خبير بضعفهما.
ونحوه في الضعف، توهم الاستناد والمستند فيما مر.

(1) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 176 و 382.
(2) إثبات الهداة للحر العاملي: 3 / 758 الحديث 45.
(3) الخلاصة: 50 رقم 11.
22

المبحث الثاني
في بيان حاله
فنقول: الظاهر أنه من عيون الطائفة وأجلائهم، ووجوه الأصحاب
وعظمائهم.
والدليل عليه ما يظهر من التتبع في مطاوي كلمات علمائنا الأعلام:
فمنها: ما سبق من شيخ الطائفة في الفهرست فيه، فقد عده من شيوخ الطائفة
من أصحاب الحديث، بل من متمهريهم في فن الرجال (1)، ومن المعلوم عدم
اعتماد مثله على من لم يكن محل الاعتبار، فهو إمارة الوثاقة وآية العدالة.
ومنها: ما يظهر من عدة من كلمات السيد السند المتقدم، كما ذكر في حماد
السمندري في مقام تضعيف حديث: (إن أحد رجاله، شريف بن سابق
التفليسي وقال أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري: إنه
ضعيف، مضطرب) (2).
وفي عمر، أخي عذافر، مشيرا إلى حديث: (هذا حديث غير ثابت، لأن

(1) الفهرست: 1.
(2) التحرير الطاووسي: 152 رقم 115.
23

أبا الحسين ابن الغضائري قال: القاسم بن محمد بن كاسولا أبو محمد حديثه
يعرف تارة، وينكر أخرى، ويجوز أن يخرج شاهدا، وليس ببعيد أن يكون هو
ذلك، والتجويز قادح في الثبوت) (1).
ومثله ما ذكره في معروف بن خربوذ وغيره
ولا يخفى أن القدح بمجرد التجويز، كاشف عن نهاية الاعتماد بالقدح
والقادح.
ومنها: ما يظهر من غير موضع من كتاب النجاشي: من الاسناد إلى مقاله
والاعتماد على كلامه، كما قال في خيبري (3): (إنه كوفي، ضعيف في مذهبه.
ذكر ذلك: أحمد بن الحسين (4) ومثله في غيرها.
بل قال الفاضل الخاجوئي رحمه الله: (ومن تفحص كتاب النجاشي في الرجال،
عن له، أن أحمد بن الحسين الغضائري عظيم عنده، جليل قدره، حيث إنه
لم يذكره في كتابه هذا، إلا مقرونا بالرحمة، ولم يعهد منه ذلك بالإضافة إلى
سائر أشياخه، بل كثيرا ما، يذكرهم بدون الاقتران بالرحمة والرضوان، حتى
أنه ذكر أبا أحمد هذا، الحسين بن عبيد الله، وهو من أجلاء أشياخه وعظمائهم
في مواضع كثيرة من كتابه. ونقل عنه كثيرا مجردا عن التعظيم وطلب الرحمة،
إلا نادرا (انتهى) (5).
ولكنه لا يخلو من كلام، نظرا إلى أن ما يظهر منه من التزام الاقتران بها،

(1) التحرير الطاووسي: 419 رقم 298.
(2) التحرير الطاووسي: 560 رقم 419.
(3) هو خيبري بن علي بن الطحان.
(4) رجال النجاشي: 154 رقم 408.
(5) الفوائد الرجالية: 286.
24

غير مقرون بالصواب، فإنه على ما هو الحال في النسخة المعتبرة الموجودة
منه، ذكره في الترجمة المذكورة (1) وجعفر بن محمد (2) ومحمد بن عبد الله
الحميري مجردا عنها (3).
ونظيره ما ذكره السيد الداماد رحمه الله من التزامه وغيره، بعدم ذكر أبيه إلا
مقرونا بها (4).
وهو كقرينة غير مقرون به كما سيظهر فيما سيجئ إن شاء الله تعالى.
ومنها: ما يظهر من عدة من كلمات العلامة، فإنه قد اعتمد على جرحه في
الخلاصة مرة بعد أخرى، وكرة غب أولى، معبرا عنه في بعضها بما يظهر منه
علو شأنه وسمو مكانه، كما قال في يونس بن ظبيان، بعد ما حكى تضعيفه عن
الكشي، عن الفضل، وكذا عن النجاشي وابن الغضائري: (فأنا لا أعتمد على
روايته لقول هؤلاء المشائخ العظماء بضعفه) (5).
وفي إبراهيم بن عبد الله، بعد نقل كلام من ابن الغضائري: (وهذا لا أعتمد
على روايته، لطعن هذا الشيخ فيه) (6).
وفي حسن بن حذيفة، بعد نقل تضعيفه عن ابن الغضائري: (والأقوى عندي

(1) أي: خيبري بن علي بن الطحان. راجع: رجال النجاشي: 154 رقم 408.
(2) رجال النجاشي: 119 رقم 305.
(3) رجال النجاشي: 119 رقم 305.
(4) الرواشح السماوية: 105.
(5) الخلاصة: 266 رقم 2.
(6) الخلاصة: 198 رقم 8.
25

رد قوله، لطعن هذا الشيخ فيه) (1).
وفي إسماعيل بن علي، بعد ما حكي عنه تضعيفه: (وهذا لا أعتمد على
روايته، لشهادة المشائخ بالضعف والاختلال) (2).
ولو قيل: سلمنا ولكن يظهر من عدة منها، خلاف ما استظهرته، كما قال في
محمد بن إسماعيل البرمكي، مع ذكره في القسم الموضوع لذكر الموثقين:
(اختلف علمائنا في شأنه، فقال النجاشي: إنه ثقة مستقيم، وقال ابن
الغضائري: إنه ضعيف. وقول النجاشي عندي أرجح) (3).
ومن ثم قال الشارح في وجه الترجيح: (وكأنه لعدم توثيق ابن
الغضائري) (4).
وفي خلف بن حماد، فإنه ذكره في القسم المذكور أيضا، مع حكاية توثيقه
وتضعيفه عن النجاشي وابن الغضائري (5).
فذكره فيه مع الحكاية المذكورة أصدق شاهد على ما ذكر.
وفي إبراهيم بن عمر اليماني، فإنه ذكره أيضا فيما ذكر، حاكيا
عن النجاشي: (أنه شيخ من أصحابنا، ثقة). وعن ابن الغضائري: (أنه ضعيف
جدا، مرجحا قبول روايته مع حصول بعض الشك بالطعن) (6).
قلت: الظاهر أنه ليس المدار في عموم توثيقاته وتضعيفاته، على مجرد

(1) الخلاصة: 215 رقم 15.
(2) الخلاصة: 199 رقم 4.
(3) الخلاصة: 154 رقم 89.
(4) روضة المتقين: 14 / 234.
(5) الخلاصة: 66 رقم 4.
(6) الخلاصة: 6 رقم 15.
26

النقل من أربابهما، بل المدار فيه على ذكر الراجح عنده، بملاحظة المرجحات
ولذا يقدم تارة قول النجاشي على ابن الغضائري كما عرفت فيما تقدم. ويؤخر
أخرى كما وقع منه في سليمان المنقري، فإنه ذكره في القسم الثاني، مع حكاية
توثيقه عن النجاشي وتضعيفه عن ابن الغضائري (1).
فإن الظاهر أن منشأ ذكره فيه، ظهور فساد حاله، من تضعيف ابن
الغضائري ونحوه. فلا دلالة في مجرد المخالفة فيما ذكر، على عدم الاعتماد.
ومما ذكرنا، ظهر ضعف ما ذكره الفاضل الشارح في وجه الترجيح. وكذا ما
ذكره عند التعرض له بقوله: (أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري الظاهر
أنه الذي كتب جزء في ذكر الضعفاء، ولم يذكر له أصحابنا قدحا ولا ذما،
ولكن لما كان العلامة رحمه الله يدخل عليه الشك من جرحه، يتوهم أنه يعتقد، أنه
ثقة وليس كذلك، لأن هذا المعنى من لوازم البشرية يدخل على النفس بعض
الشك من قول الفاسق أيضا، وظهر من كثير من الموارد، أنه لم يكن له قوة
التميز.
إلى أن قال: ولهذا يقدم العلامة توثيق النجاشي والشيخ، على جرحه، مع
أنه ذكر العلامة وغيره في الكتب الأصولية: أن الجرح مقدم على التعديل (2)
يعترض عليه من لا يعبأ به (3) بأنه مخالف لقوله وقولهم) (4).
ففيه أولا: إنه يظهر مما مر، أنه ليس حاله عنده، بهذه المثابة قطعا، بل
الظاهر من التتبع الوافر، جلالة شأنه عنده، وفخامة مكانه لديه.

(1) الخلاصة: 225 رقم 3.
(2) راجع مبادي الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي: 211.
(3) وفي المصدر: ويعترض عليه من لا معرفة له.
(4) روضة المتقين: 14 / 330.
27

ويشهد عليه أمور:
أحدها: ما سمعت فيما تقدم: من ذكر قوله في مقابل فحول علماء الرجال.
وثانيها: توصيفه في مورد من كلامه بالشيخ (1)، وعده في آخر من جملة
المشائخ العظماء (2) ونحوهما.
وثالثها: عده في بعض كلماته من علمائنا (3) كما يظهر مما ذكرناه وغيره.
ورابعها: توقفه تارة بواسطة كلامه وتضعيفه أخرى، بملاحظة مقاله، كما
يظهر مما سبق وما ذكره في كوكب الدم (4).
فإنه ذكر بعد نقل التضعيف عن ابن الغضائري وما يقتضي مدح أبي يحيى
كوكب الدم الموصلي عن الكشي: (فإن يكن هذا تعين التوقف، لمعارضة قول
ابن الغضائري لما روى من مدحه، وإن يكن غيره كان مقبولا) (5).
وخامسها: تقديم ذكره في بعض الموارد، على أجلة العلماء، كما ذكر في
ترجمة أبان بن عياش - بعدما حكى عن العقيقي من أنه كان شيخا متعبدا، له
نور يعلوه -: (الأقوى عندي، التوقف فيما يرويه، بشهادة ابن الغضائري عليه
بالضعف وكذا شيخنا الطوسي (6).

(1) الخلاصة: 198 رقم 8.
(2) الخلاصة: 266 رقم 2.
(3) الخلاصة: 154 رقم 89.
(4) هو زكريا أبو يحيى الموصلي كوكب الدم.
(5) الخلاصة: 224 رقم 2. وقال في القسم الأول بعد ذكر كلام الكشي وابن الغضائري:
(فالأقرب، التوقف فيه). الخلاصة: 75 رقم 5.
(6) الخلاصة: 206 رقم 3.
28

وسادسها: استرحامه له في بعض الموارد (1) والرحملة من إمارات الكاشفة
عن حسن الحال.
فظهر مما ذكرنا: أنه من جملة العلماء العظام وجلة المشائخ الفخام.
ولقد أجاد الفاضل البحراني في المعراج، فيما ذكر من أن: (من تتبع كتاب
خلاصة الأقوال، علم جلالة قدر الرجل واعتماد العلامة وتأدبه في حقه، عند
ذكر كلامه) (2) (انتهى).
فشتان بين كلامه وكلامه (3).
وأضعف منه، ما ذكره في موضع آخر، من أنه مجهول الحال (4).
وثانيا: إن ما استظهره من نفي قوة التميز له، في غاية الضعف عند المتتبع
المتأمل في كلماته، بل لا يبعد أن يكون أعلم من النجاشي بأحوال الرجال
وتصانيفهم الذي هو من رؤساء هذا الفن، وكذا من العلامة على الإطلاق.
ويدل عليه، تقدم زمانه على زمانهما، ومن الظاهر كمال مدخلية التقدم في
الاطلاع بأحوال المتقدمين.
وإن قلت: إنه لم يثبت تقدم عصره، على عصر النجاشي، إلا بما ثبت نقله
عنه في كتابه، كما يظهر من عدة من التراجم وبما ثبت من تتلمذه عنده، كما
يظهر مما ذكره في علي بن محمد بن شيران: (من أنه شيخ من أصحابنا، ثقة،
صدوق، له كتاب، مات سنة عشر وأربعمائة. كنا نجتمع معه عند أحمد بن

(1) بل في أكثر الموارد، كما أشرنا إليه آنفا فراجع.
(2) معراج أهل الكمال: 67.
(3) أي بين كلام الفاضل البحراني وكلام الفاضل الشارح محمد تقي المجلسي.
(4) روضة المتقين: 14 / 357. ترجمة الحسين بن عبيد الله الغضائري.
29

الحسين (1)
واقتضاء كل منهما، لتقدم زمانه على النجاشي، محل المنع، إذ من الجائز أن
يكونا متعاصرين، ولكن لكثرة فضل ابن الغضائري، نقل عنه وتتلمذ عنده، مع
أنا لو سلمنا التقدم، فلا ريب في أنه كان في قليل من الزمان، كما يشهد به
حديث التتلمذ.
وأوضح منه، ما يظهر من بعض التراجم: من أنهما كانا شريكين
في الاستفادة عند الغضائري (2).
واقتضاء هذا المقدار لما ذكر، محل الإنكار. نعم، إنه وجه وجيه لاثبات
أعلميته عن العلامة، لثبوت تقدم زمانه عليه بكثير.
فإن الظاهر أنه كان في زمان شيخ الطائفة، كما يشهد به ما ذكره في
الخلاصة، من سماعه عن الحسين بن عبيد الله الغضائري (3)، وتوفى شيخ
الطائفة كما فيها: في ليلة الثاني والعشرين من المحرم سنة ستين وأربعمائة (4)
وزمان تولد العلامة كما فيها أيضا: في التاسع والعشرين من شهر رمضان من
سنة ثمان وأربعين وستمائة (5)، والفاصلة في البين قريبة إلى مائتين.
قلت: الغرض ثبوت الأعلمية على سبيل القضية الموجبة الجزئية، ويكفي

(1) رجال النجاشي: 269 رقم 705.
(2) رجال النجاشي: 182 رقم 483، وقال: عند ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر
الصيقل: (... له كتب... قرأته أنا وأحمد بن الحسين رحمه الله على أبيه) راجع: كليات في علم
الرجال، 80.
(3) الخلاصة: 50 رقم 11.
(4) الخلاصة: 148 رقم 46.
(5) الخلاصة: 48.
30

في إثباته، إثبات التقدم على نحو تقدم زمان المشائخ على التلاميذ، وقد
عرفت ثبوته.
ومن الظاهر أنه كلما كان الإنسان أقرب إلى المعنونين، فاطلاعه على
أحوالهم أكثر، ولا نعني إلا هذا.
ومن هنا أن اطلاع النجاشي على الأحوال، أكثر من العلامة بلا إشكال، بل
الخلاصة مأخوذة بتمامها منه غالبا، كما أن (المنتهى) (1) مضاه لها، بالإضافة
إلى المعتبر (2).
وإن قلت: إن وجه الأعلمية غير منحصر فيما ذكر، بل العمدة فيهما كثرة
البحث وشدة الفحص. وهي مما ثبت ثبوته له بشهادة كتابه الكاشف عما ذكر.
وذلك بخلاف ابن الغضائري لعدم ثبوته، لو لم نقل بثبوت عدمه.
قلت: إن النظر في المنتزع، مضافا إلى كلماته المحكية عنه، يكشف عن
حسن اطلاعه وسعة باعه، كما ذكر في ترجمة حسن بن أسد: (من أنه يروي
عن الضعفاء ويروون عنه وهو فاسد المذهب وما أعرف له شيئا أصلح منه، إلا
روايته كتاب على بن إسماعيل بن ميثم وقد رواه عنه غيره) (3).
وفي حسن بن محمد بن يحيى بن الحسن أبو محمد العلوي الحسيني
المعروف بابن أخي طاهر: (من أنه كان كذابا يضع الحديث مجاهرة، ويدعي

(1) هو: (منتهى المطلب في تحقيق المذهب) للعلامة الحلي قدس سره. ذكر فيه مذاهب
جميع المسلمين في الأحكام وحججهم عليها والرد على غير ما يختاره. راجع: الذريعة:
23 / 11.
(2) هو: (المعتبر في شرح المختصر) للمحقق الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن
الحسن الحلي المتوفى 676 (أستاذ العلامة الحلي). راجع: الذريعة: 21 / 209.
(3) الخلاصة: 213 رقم 9 ومجمع الرجال: 2 / 98.
31

رجالا غرباء لا يعرفون، ويعتمد على مجاهيل لا يذكرون، وما تطيب الأنفس
من روايته إلا فيما يرويه من كتب جده التي رواها عنه غيره وعن علي بن
أحمد العقيقي من كتبه المشهورة) (1).
وكذا يظهر أمثاله من التتبع فيها بالتتبع فيه وفيها.
وإن قلت: إنه قد اقتصر في كتابه على ذكر الضعفاء بخلافه، فإنه قد استوفى
حال كثير من الثقات والضعفاء. وذكرهم مسبوق بالفحص والاطلاع، فلا محالة
هو أعرف.
قلت: إنه إنما ينتهض لو فرض عدم اطلاع ابن الغضائري على أحوال غير
المذكورين، ومن المعلوم خلافه، لظهور أن تخصيص كتاب بذكر نوع خاص
مختلط في الأنواع، يستلزم تقدم المعرفة به وبغيره من الأنواع. قضية أن فصل
شئ عن الشيئين وما زاد، متوقف على المعرفة بهما وبغيرهما، مع أن الظاهر
عدم انحصار كتابه بما فيه الاقتصار.
وثالثا: إن ما استند إليه من تقديم العلامة توثيقهما على جرحه غير سديد،
لمنع التقديم على الإطلاق وعدم قدح غيره. فبان مما ذكر، جلالته ووثاقته،
يشهد عليه ما ذكره في حقه، جملة من الأجلة، كما قال الفاضل البحراني (2)
بعد استغرابه ما حكى عن بعض، غير معروفيته -: (إنه الشيخ أبو الحسين أحمد
بن الحسين وهو من عظماء أصحابنا وأجلائهم) (3).

(1) الخلاصة: 214 رقم 14 ومجمع الرجال: 2 / 154.
(2) وقال في حواشي البلغة: إنه لم ينص عليه في كتب الرجال بتعديل ولا مدح،
ولكن الحق جلالته. (منه رحمه الله).
(3) معراج أهل الكمال: 67.
32

والعلامة البهبهاني: (إنه من المشائخ الأجلة والثقات الذين لا يحتاجون إلى
النص بالوثاقة) (1).
الفاضل الخاجوئي تارة: (إنه من عظماء الدين ومن أهل الفضل والتحقيق
باليقين) (2).
وأخرى: (إنه كان إماميا، عارفا، عالما، متقنا، شيخا في هذه الطائفة
والتشكيك فيه، تشكيك في العاديات وما يجري مجراها من الضروريات (3).
وأبلغ منها، ما ذكره بعض المعاصرين: (من أن ساحة جلالة الرجل، أرفع
من أن يسرع إليها خيال الإنكار. وباحة وثاقته، أمنع من أن يركم عليها خيال
الأنظار، بل هو في عالي درجة من العلم والدين وسامي مرتبة من مراتب
المشائخ المعتمدين.
هذا، وربما استدل عليه أيضا بوجوه، أقواها وجهان (4):
أحدهما: إن الشيخ صدر الفهرست بأن الداعي على رسمه امتثال أمره لقوله:
(ولما تكرر من الشيخ الفاضل - أدام الله تأييده - الرغبة فيما يجري
هذا المجرى وتوالي منه الحث على ذلك، عمدت إلى تصنيف هذا الكتاب) (5).
ومقصوده منه، (أحمد)، بشهادة ذكره في العبارة المتقدمة، ولا خفاء فيما
في كلامه من التجليل والتبجيل منه بالإضافة إليه، لتعبيره عنه بالشيخ وهو

(1) تعليقة الوحيد على منهج المقال: 35.
(2) الفوائد الرجالية: 296.
(3) الفوائد الرجالية: 292 و 293.
(4) المستدل: الوالد المحقق المدقق قدس سره في رسالته المعمولة (منه رحمه الله). (5) الفهرست: 2.
33

ظاهر في وثاقته، ووصفه أيضا بالفضل داعيا له بدوام التأييد، مصرحا بأن
رسم الفهرست من باب امتثال أمره. ومع ذلك قال في آخر الخطبة:
(وألتمس بذلك القربة من الله تعالى وجزيل ثوابه ووجوب حق الشيخ
الفاضل - أدام الله تأييده - وأرجو، أن يقع ذلك موافقا لما طلبه) (1).
ففي كلامه تجليل له من وجوه شتى.
وثانيهما: إنه ذكر شيخنا الشهيد الثاني - رحمه الله تعالى - في جملة كلام له
في شرح الدراية:
(وقد كفانا السلف الصالح من العلماء بهذا الشأن، مؤونة الجرح والتعديل
غالبا في كتبهم التي صنفوها في الضعفاء كابن الغضائري أو فيهما معا
كالنجاشي والشيخ أبي جعفر الطوسي والسيد جمال الدين بن طاووس والشيخ
تقي ابن داود وغيرهم (2) وظهوره في اعتبار نفسه وكلامه ظاهر
أقول وفي كل من الوجهين نظر:
أما الأول: فلأن مقتضى صريح كلام الشيخ فيه، وقوع فوته قبل زمان
تصنيفه، فكيف يصح له الدعاء بدوام التأييد وغيره، فسقط الاستدلال
بحذافيره، فإنه قال: (إني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب
التصانيف، عملوا فهرست كتب أصحابنا ولم أجد فيهم أحدا استوفى ذلك، إلا
ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله رحمه الله فإنه عمل كتابين:
أحدهما: فيه ذكر المصنفات. والاخر: ذكر فيه الأصول واستوفاهما على
مبلغ ما وجده، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم

(1) الفهرست: 3.
(1) الرعاية في علم الدراية: 177 والدراية في مصطلح الحديث: 63.
34

- رحمه الله تعالى - وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما
- على ما حكى بعضهم عنه - ولما تكرر) (1). - إلى آخر ما ذكر -.
وظني أن المراد بالشيخ الموصوف، شيخنا المفيد رحمه الله ويوافقه الأمور
المذكورة وغيرها.
هذا، ولا يخفى أن ما ذكره من عدم الاستنساخ، مخالف للنقل عنهما
في كلمات العلامة غير مرة، بل قد مر الظفر على كتابه ممن تأخر، فهو يكشف
عن عدم صحة الحكاية المذكورة.
وأما الثاني: فلابتنائه على أن يكون المقصود ب‍ (ابن الغضائري عنده
(أحمد)، مع أنه قد جزم المستدل وثلة: بأن المختار عنده فيه والده، كما هو
مقتضى صريح كلامه في إجازته كما تقدم.
نعم، إنه بناء على ما نقلنا عنه مما يقتضي اختياره المختار، فيتردد كلامه
بين الأمرين. فلا يظهر شئ منه على كلا التقديرين، بل يظهر عدمه على أول
الوجهين.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما ذكره الفاضل الجزائري في الحاوي: (من أن
الرجل مجهول الحال) (2).
فلا ترتاب في رد تضعيفه لبعض الرجال مع توثيق بعض الثقات كالشيخ
والنجاشي، وإن قلنا إن الجرح، مقدم.
هذا تمام الكلام في المرام.

(1) الفهرست: 1 و 2.
(2) الحاوي للرجال (المخطوط) 9، أواخر مقدمة الكتاب.
35

والد الغضائري
أبو عبد الله
حسين بن عبيد الله الغضائري
وأما والده: فهو أيضا من أعاظم الثقات، وأفاخم الرواة كما يشهد عليه
وجوه:
أحدها: شيخوخته لمثل الشيخ والنجاشي كما يستفاد الأول مما ذكره
في الرجال:
(من أنه كثير السماع، عارف بالرجال وله تصانيف، ذكرناها في الفهرست
سمعنا وأجاز لنا بجميع رواياته) (1).
ولا يخفى أنه غير مذكور فيما ذكره كما هو المصرح به في كلام جماعة من

(1) رجال الطوسي: 470 رقم 52.
37

الأصحاب أيضا كالفاضل الأستر آبادي (1)
والتفرشي (2) والبحراني (3)
وأما ما يقتضيه كلام ابن داود من الخلاف (4)، فمن الخلاف.
والثاني: مما ذكره في رجاله: (من أنه شيخنا رحمه الله له كتب - إلى أن قال: -
أجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه. مات رحمه الله في نصف صفر سنة
إحدى عشرة وأربعمائة (5) وظاهر شيخوخة الإجازة، الوثاقة، ولا سيما لمثل
هذين الشيخين الجليلين.
ثانيها: ما حكاه السيد السند النجفي من التصريح بوثاقته عن السيد بن
طاووس رحمه الله في كتاب النجوم (6).
ونحوه ما في الأقبال من قوله: (أخبرنا جماعة بطرقهم المرضيات إلى
المشائخ المعظمين محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وجعفر

(1) منهج المقال: 114.
(2) نقد الرجال: 106 رقم 75. فيه: (وقوله: (ذكرناها في الفهرست) ليس بمستقيم
لأني لم أجده في الفهرست أصلا).
(3) معراج أهل الكمال: 15.
(4) رجال ابن داود: 80 رقم 482. حيث قال: (الحسين بن عبد الله بن إبراهيم
الغضائري أبو عبد الله. لم [جش، جخ، ست] كثير السماع، عالم بالرجال، شيخنا، روى
عنه الشيخ سماعا وأجازه وكذا النجاشي...). قوله: (ست) خلاف، لأنه لم يذكره في
الفهرست.
(5) رجال الشيخ: 470 رقم 52.
(6) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 305 وفرج المهموم في معرفة نهج الحلال من
علم النجوم: 97. فيه: (روينا بأسانيد جماعة عن الشيخ الثقة الفقيه الفاضل، الحسين بن عبيد الله الغضائري...).
38

ابن قولويه وأبي جعفر الطوسي وغيرهم) (1)، بل في كلامه هذا، وجوه من
الدلالة على جلالته ووثاقته.
ثالثها: عنونه العلامة في الجزء الأول، مصرحا بشيخوخته وإجازته لهما (2)
ومن الظاهر، أن ظاهر السياق، ثبوت الوثاقة.
رابعها: تصحيحه جملة من الطرق المشتملة عليه، كطرق الشيخ إلى الكليني
ومحمد بن إسماعيل ومحمد بن علي بن محبوب (3).
خامسها: ما يظهر علو مقامه من الشيخين المذكورين، لاكثار أحدهما من
الرواية (4) والاخر من الحكاية (5).
مضافا إلى إرداف النجاشي ذكره في نبذة من المواضع بالرحملة (6)، بل
صريح السيد السند الالتزام به. ولا بأس بذكر كلامه لمناسبة المقام.
قال: (إن لمشايخنا الكبراء، مشيخة يوقرون ذكرهم ويكثرون من الرواية
عنهم والاعتناء بشأنهم ويلتزمون إرداف تسميتهم بالرضيلة والرحملة لهم
البتة، فأولئك ثبت، فخماء وأثبات أجلاء، ذكروا في كتب الرجال، أو
لم يذكروا. والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه، نص عليهم بالتزكية، أو
لم ينص. وهم كأبي الحسين، علي بن أحمد بن أبي جيد وأبي عبد الله

(1) إقبال الأعمال: 428 وعنه البحار: 91 / 60.
(2) الخلاصة: 50 رقم 11.
(3) الخلاصة: 275، الفائدة الثامنة.
(4) رجال النجاشي: 77 رقم 182 في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد و 80
رقم 192، في ترجمة أحمد بن محمد بن سيار و....
(5) الفهرست: 50، 51، 52 و....
(6) رجال النجاشي: 69 رقم 166.
39

الحسين بن عبيد الله الغضائري، وأبي عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن
الحاشر، أشياخ شيخ الطائفة والنجاشي - رحمهما الله تعالى -.
وشيخنا العلامة الحلي رحمه الله في الخلاصة عد طريق الشيخ إلى جماعة: كمحمد
ابن إسماعيل بن بزيع ومحمد بن علي بن محبوب ومحمد بن يعقوب الكليني
وغيرهم صحيحا، أولئك الأشياخ في الطريق واستصح في مواضع كثيرة عدة
جمة من الأحاديث وهم في الطريق) (1).
ولكن لا يخفى أن ما ذكر من الالتزام، ليس ما ينبغي، لما نرى خلافه كثيرا
من النجاشي، بل ذكر جدنا السيد العلامة - أعلى الله تعالى في الجنان مقامه -:
(ما رأينا في كلامهما إردافهم بهما).
ولكن الأول كما أفرط، فالاخر قد فرط، لوقوع الرحملة من النجاشي
بالإضافة إلى الثاني المعنون كثيرا، كما وقعت في موضعين من الترجمة (2).
كما أن ما ذكر من ذكره الطريق إلى ابن بزيع غير صحيح، لأنه ذكر الطريق
إلى محمد بن إسماعيل. والطريق إليه، الطريق الذي ذكره إلى الكليني ومحمد
ابن إسماعيل الراوي عن الفضل الذي يروى عنه الكليني محل خلاف معروف.
والظاهر وفاقا لكافة المتأخرين أنه النيشابوري وإليه ذهب السيد
المشار إليه أيضا (3) فلا مسرح لكلامه.
وأما ما أورد عليه من خلو طريق الشيخ إلى الكليني عن ابن أبي جيد وابن
الغضائري، نظرا إلى أن الشيخ قال في المشيخة: (وما ذكرته في هذا الكتاب

(1) الرواشح السماوية: 105، الراشحة الثالثة والثلاثون.
(2) رجال النجاشي: 69 رقم 166. فيه: (الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم، أبو عبد
الله الغضائري، شيخنا، رحمه الله. - إلى أن قال: - مات رحمه الله في نصف صفر.. (3) الرواشح السماوية: 71، الراشحة التاسعة عشر.
40

عن الكليني فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان عن أبي القاسم
ابن قولويه، عن محمد بن يعقوب وأخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن أبي
غالب والتلعكبري وأبي القاسم بن قولويه والصيمري وأبي الفضل الشيباني
وغيرهم، كلهم عن الكليني.
وأخبرنا به أيضا ابن الحاشر عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحشين عن
الكليني جميع مصنفاته (1).
ونحوه الطريق إلى محمد بن إسماعيل (2)
فيتجه من الوجه الأول وخلافه اشتباه من المدعي.
وما ذكر له من وجوه من الاعتذار غير وجيه دون الثاني، لأنه إن أريد منه،
أحمد بن الحسين، فمسلم، ولكنه غير المدعى. وإن أريد منه والده، فممنوع.
ومن العجيب ما ذكره المورد المذكور من اشتمال الطريق إلى محمد بن علي
ابن محبوب، على ابن الغضائري دون الآخرين، فإنه قال: (وما ذكرته في هذا
الكتاب عن محمد بن علي بن محبوب، فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله
عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه (3)
فليت شعري هل يزيد هذا الطريق عما سبقه، عدا في اشتماله، على
الحسين بن عبيد الله المذكور في الطرق السابقة، فكيف حصل التفرقة.
وأيضا قوله دون الأخيرين، مبني على استظهار أن مراد السيد المشار إليه،
دخول كل منهم في كل من طرقه إليهم ولا دليل عليه.

(1) التهذيب: 10 / 5، (المشيخة).
(2) التهذيب: 10 / 37، (المشيخة).
(3) التهذيب: 10 / 72، (المشيخة).
41

سادسها: ما ذكره جماعة من الأجلاء في حقه كما قال السيد المشار إليه
من: (أنه العالم الخبير البصير المشهور، العارف بالرجال والأخبار، شيخ
الشيخ الأعظم والنجاشي، - إلى أن قال -: والعلامة ومن تأخر عنه من
الأصحاب إلى زمننا هذا في كتبهم الاستدلالية، قد استصحوا أحاديث كثيرة
هو في أسانيدها، وأمره أجل من ذلك، فإنه من أعاظم فقهاء الأصحاب
وعلمائهم، وله تصانيف معتبرة في الفقه وغيره، وفتاواه وأقواله في الأحكام
الفقهية منقولة، فشيخنا الشهيد في شرح الإرشاد في باب المياه ذكر مذهب
الشيخ علي بن أبي الحسين بن عقيل، ثم قال: ونقله السيد الشريف أبو يعلى (1)
الجعفري عن الحسين بن عبيد الله الغضائري (2) (انتهى).
وفيه شئ لا يخفى على المتتبع، على أنه ينافي كلامه هذا، ما ذكره
في موضع من عيونه، من أن في طريق مضمرة الحلبي في الاستبصار، الحسين
ابن عبيد الله الغضائري الممدوح ولعل العلامة لذلك عدها في المنتهى (3) من
الحسان.
وقال في المعراج (4): (إن جلالته وعدالته مما لا ينبغي الريب فيها) (5).
وقال في البلغة: (إنه ثقة) (6).

(1) في المصدر: أبو علي.
(2) الرواشح السماوية: 111.
(3) منتهى المقال: 49.
(4) حكي في حواشي البلغة عن الذهبي في ميزان الاعتدال [1 / 541 رقم 2032]
(أنه قال: إن الحسين بن عبيد الله الغضائري شيخ الرافضة). (منه رحمه الله).
(5) معراج أهل الكمال: 15.
(6) بلغة المحدثين: 351.
42

وقال السيد السند النجفي: (الأمر فيه واضح جلي) (1).
هذا، مضافا إلى توثيق الشهيد الثاني للمشائخ المشهورين من عصر
الكليني إلى رمانه (2).
ومما ذكرنا ظهر ما في حرمة الرباء من مجمع الفائدة: (من أنه قد وثق
إبراهيم، النجاشي وقبله المصنف، وإن ضعفه الغضائري والأول أرجح وهو
ظاهر، لأن الغضائري مع كونه واحدا، ما ثبت توثيقه) (3).
والظاهر أنه التباس في التباس وكذا ما جنح إليه في أوائل المشارق من
عدم ثبوت توثيقه (4).

(1) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 306.
(2) الدراية: 69، طبعة النجف الأشرف. وراجع أيضا: الإجازة المعروفة للشهيد الثاني
في البحار: 108 / 146.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 455.
(4) مشارق الشموس: 13. فيه: (... لأن فيه حسين بن عبيد الله الغضائري، ولم ينص
الأصحاب على توثيقه).
43

المبحث الثالث
في اعتبار تضعيفاته وعدمه (1)

(1) قد ذكر في الرواشح من أقسام الحديث المقلوب، قال: وهو يقع تارة في السند
وأخرى في المتن.
أما الأول: فكما لو ورد حديث بطريق، فيقلب الطريق طريقا آخر غيره، إما لمجموعه،
أو ببعض رجاله خاصة، وإما بالأبدال بأجود منه وأثبت منه، ليكون مرغوبا فيه كإبدال ابن
الغضائري مثله وهو أحمد بن الحسين بأبيه الحسين بن عبيد الله، وهما جميعا ثقتان ثبتان،
ولكن الحسين أوجه وأوثق وأضبط وأثبت.
أو بالقلب سهوا كحديث رواه محمد بن أحمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن عيسى.
ومثله محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبيه أحمد بن محمد بن يحيى، عن محمد بن يحيى.
فينقلب الاسم وكثيرا ما يتفق ذلك في أسناد التهذيب.
وأما الثاني: فكما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في عرشه، وفيه رجل تصدق
بصدقة فأخفاها حتى لا يعلم يمينه ما ينفق شماله، فهذا مما انقلب على بعض الرواة، وإنما
أصله حتى لاتعلم شماله ما ينفق بيمينه كما هو الوارد في الأصول المعتبرة.
أقول: إن كان الغرض من القلب، وقوعه على وجه التعمد، فلا ينبغي وقوعه بوجه، سواء
كان في المجموع، أو في البعض، أو بالأبدال، كما هو ظاهر.
وإن كان الغرض وقوعه على وجه السهو كما هو الغالب، فلا مجال لذكر إبدال ابن
الغضائري بأبيه لما ذكر.
ومن عجيب ما ذكره فيه، أنه ذكر أنه ربما يتفق هذا القلب لامتحان بعضهم بعضا في
الحفظ والضبط.
قال الطيبي: وكذلك ما روينا أن البخاري قدم بغداد فاجتمع قوم من أصحاب الحديث
وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الأسناد لأسناد آخر
وإسناد هذا المتن، لمتن آخر، ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه، فلما فرغوا من إلقائها،
التفت إليهم فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، فأذعنوا له بالفضل. (منه رحمه الله)
45

قد ظهر مما مر أن فيه قولين:
وللأول ما تقدم من اعتماد الأجلاء عليه ورجوع الفحول إليه.
فقد ذكر بعض الفضلاء: (1) (أنه قد اعتمد عليه أساطين الدين وامناء الحق
واليقين، العارفين بالرجال، الواقفين بالأحوال).
وكذا ما يلوح بملاحظة كثير من كلماته المنقولة: من أنه كان متأملا متثبتا
في التضعيف.
فمنها ما صنعه في محمد بن أورمة (2) فإنه لم يجرحه مع اجتماع أسبابه (3)،
لأنه كان مغموزا عليه، مرميا بالغلو، منسوبا إليه كتاب في تفسير الباطن،
مختلط، في رواياته تخليط، كما قاله في الفهرست (4).
ونقل عنه ابن بابويه: أنه مطعون عليه بالغلو وكما تفرد به، لم يجز العمل

(1) المراد منه، الفاضل الخواجوئي. راجع: الفوائد الرجالية: 295 و 306.
(2) بضم الهمزة وسكون الواو وفتح الراء والميم. إيضاح الاشتباه: 271 رقم: 587،
الخلاصة: 252 رقم 28، تنقيح المقال: 3 / 83 رقم 10425 وتوضيح الاشتباه: 264. وقال
ابن داود: بضم الهمزة وسكون الواو قبل الراء المضمومة. رجال ابن داود: 270 رقم 431.
(3) مجمع الرجال: 5 / 160.
(4) الفهرست: 143 رقم 610.
46

عليه (1).
وعلى منواله نسج النجاشي (2).
فلو كان مبادرا إلى التضعيف والجرح بأدنى سبب لقدح فيه بها، ولكنه لما
كان متثبتا متأملا فيه، نظر في كتبه ورواياته كلها متأملا فيها فوجدها نقية
لا فساد فيها إلا ما كان في أوراق من التخليط، فحمله على أنه موضوع عليه،
فصرح ببراءته عما قذف به، ولم يفعله غيره من مهرة هذا الفن.
فهذا وما شابهه يدلان على غاية احتياطه في الجرح والتعديل، وإن
المسارعة إلى الجرح لا ضير فيها، لأن من جرحه، فهو عنده غير ثقة. ووثاقته
عند غيره غير قادح، وليس هذا مختصا به، بل النجاشي قد جرح كثيرا من
الثقات عند آخر، فإنه جرح داود الرقي (3) ووثقه شيخنا المفيد (4).
وجعفر بن محمد بن مالك (5) ووثقه الشيخ (6).
وجابر بن يزيد الجعفي (7).

(1) الفهرست: 143 رقم 610 والفوائد الرجالية: 306 و 299.
(2) رجال النجاشي: 329.
(3) رجال النجاشي: 156. فيه: (ضعيف جدا).
(4) الإرشاد: (فيمن نص على علي بن موسى عليهما السلام بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه
بذلك من خاصته وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، داود بن كثير الرقي و...).
(5) رجال النجاشي: 122 رقم 313. فيه: (قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث
وضعا ويروي عن المجاهيل. وسمعت من قال كان أيضا فاسد المذهب...).
(6) رجال الشيخ: 458 رقم 4. فيه: (ثقة).
(7) رجال النجاشي: 128 رقم 332. فيه: (روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا...
وكان في نفسه مختلطا...).
47

ووثقه ابن الغضائري (1) وأثنى عليه العقيقي (2).
وكذلك الشيخ، جرح جماعة قد وثقهم النجاشي (3).
أقول: ويمكن انتصاره بما ذكره في ترجمة زيد النرسي وزيد الزراد: (من
أنه قال أبو جعفر بن بابويه: إن كتابهما موضوع وضعه محمد بن موسى
السمان، وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإني رأيت كتبهما مسموعة من محمد
ابن أبي عمير) (4) (انتهى).
فإنه بعد التصريح بالوضع من مثل الصدوق المطلع بالأحوال والمصدق في
المقال، لم يلتفت بهذا التضعيف، بل جرى على تضعيفه بهذا الوجه العنيف.
وبما ذكره في أحمد بن الحسين بن سعيد: من أنه قال القميون: كان غاليا
ومع ذلك قال: (حديثه فيما رأيته سالم والله أعلم) (5).

(1) الخلاصة: 35 رقم 2 فيه: (قال ابن الغضائري: إن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي
ثقة في نفسه...) وكذا في مجمع الرجال: 2 / 12.
(2) الخلاصة: 35. فيه: (قال السيد علي بن أحمد العقيقي... إن الصادق عليه السلام ترحم
عليه وقال: إنه كان يصدق علينا...).
(3) قال الشيخ في عبد الكريم بن عمر الخثعمي: (واقفي خبيث). رجال الشيخ: 354
رقم 12.
قال النجاشي فيه: (كان ثقة عينا). رجال النجاشي: 245 رقم 645.
وكذا قال الشيخ في محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: (ضعيف). رجال الشيخ: 422
رقم 10.
قال النجاشي فيه: (جليل في أصحابنا، ثقة، عين). رجال النجاشي: 333 رقم 896.
(4) الخلاصة: 222 رقم 4 ومجمع الرجال: 3 / 84.
(5) مجمع الرجال: 1 / 105. قال العلامة: (روى عن جميع شيوخ أبيه، إلا عن حماد
ابن عيسى فيما زعم القميون وذكروا أنه غال وحديثه ينكر ويعرف. قال ابن الغضائري:
وحديثه فيما رأيته سالم. الخلاصة: 202 رقم 8.
48

ونحوه ما ذكره في البرقي (1) من أنه طعن القميون عليه وليس الطعن فيه،
إنما الطعن فيمن يرويه، فإنه كان لا يبالي عمن يأخذ (2).
وكذا ما في الحسين بن شاذويه (3): (من أنه زعم القميون أنه كان غاليا،
رأيت له كتابا في الصلاة سديدا) (4).
وفي الكل نظر:
أما الأول: فلأنه يظهر من التتبع التام، عدم اعتماد النجاشي عليه كل
الاعتماد في الجرح والتعديل، بل خالفه في غير مورد.
أما في الأول: فكما قال في إبراهيم بن سليمان بن حنان (5): (من أنه يروي
عن الضعفاء وفي مذهبه ضعف) (6). وقال النجاشي: (إنه ثقة) (7).
وفي إبراهيم بن عمر اليماني: (من أنه ضعيف جدا) (8). وقال النجاشي:
(إنه شيخ من أصحابنا ثقة (9).

(1) هو: أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
(2) مجمع الرجال: 1 / 138.
(3) هو: الحسين بن شاذويه، أبو عبد الله الصفار القمي.
(4) الخلاصة: 52 رقم 21 ومجمع الرجال: 2 / 180.
(5) في رجال النجاشي: (إبراهيم بن سليمان بن عبيد الله بن خالد) وفي رجال
الطوسي ومجمع الرجال عن ابن الغضائري: (إبراهيم بن سليمان بن عبد الله بن حيان).
(6) مجمع الرجال: 1 / 45.
(7) رجال النجاشي: 18 رقم 20.
(8) مجمع الرجال: 1 / 60.
(9) رجال النجاشي: 20 رقم 26.
49

وفي إسماعيل بن مهران: (من أنه ليس حديثه بالنقي، يضطرب تارة
ويصلح أخرى) (1). وقال النجاشي: (ثقة معتمد عليه (2).
ونظائرها غير عزيز.
وأما الثاني: فكما قال في جابر الجعفي: (من أنه ثقة في نفسه، ولكن جل
من روى عنه ضعيف) (3) وقال النجاشي: (روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا
وكان في نفسه مختلطا) (4).
نعم، إنه يظهر من العلامة كثرة الاعتماد عليه، فإنه قلما خالفه. وما خالفه
في الغالب، إنما هو لتوثيق الشيخ والنجاشي، وترجيح توثيقهما على جرحه،
ولكن لما كان النجاشي أعرف منه في هذا الفن، وظهر عدم اعتماد منه إليه،
فيصير سببا لوهن جرحه وضعف تضعيفاته، بل قد مر أن العلامة في بعض
التراجم لم يلتفت إلى جرحه أيضا وجرى على توثيق من جرحه (5).
ومن هنا ينقدح القدح في مقالة بعض (6) في بعض المواضع من أنه: (يظهر
بأدنى تأمل، جلالة قدر الرجل، وكمال اعتباره عندهم، في قوله ونقله
وجرحه وتعديله) (7).
وفي آخر: (لم يقدح فيه ولا في كتابه أحد من الطائفة، بل كل تلقاه

(1) مجمع الرجال: 1 / 225.
(2) رجال النجاشي: 26 رقم 49.
(3) الخلاصة: 35.
(4) رجال النجاشي: 128 رقم 332.
(5) الخلاصة: 96 رقم 27 و 256 رقم 56.
(6) هو الفاضل الخاجوئي رحمه الله في كتاب رجاله (منه رحمه الله).
(7) الفوائد الرجالية: 302.
50

بالقبول) (1).
وأما الثاني: (2) فلأن ما ذكر من الاجتماع المذكور ممنوع، إذ النجاشي
الذي له الرئاسة، قد شهد بصحة كتبه وقال: (كتبه صحاح إلا كتابا ينسب إليه
في ترجمة تفسير الباطن فإنه مختلط) (3).
واستظهر الفاضل الشارح منه: (أنه كان في بيان ارتباط الأئمة عليهم السلام بالله
تعالى وكانوا لا يفهمونه، فنسبوه إلى ما نسبوه.
نعم، إنه نقل عن القميين رميه بالغلو، ولكن صرح بعده بتوقفهم فيه لما رأو
منه من الاشتغال بالصلاة من أول الليل إلى آخره (4).
فالعمدة في التضعيف، الاتهام بالغلو وهو ضعيف، لضعف تضعيفات القميين
ولا سيما بالغلو) (5).
ولقد أجاد من قال (6) بعد تضعيف التضعيف: (من أن أجل علمائنا
وأوثقهم، غال على مذهبهم ولو وجدوه في قم، لأخرجوه منه لا محالة، مضافا
إلى رجوعهم عنه لما رأوا ما رأو منه، مع أنه قد عد من جملة كتبه: كتاب الرد
على الغلاة) (7).

(1) الفوائد الرجالية: 292.
(2) المراد من الثاني: محمد بن أورمة.
(3) رجال النجاشي: 329 رقم 891.
(4) مجمع الرجال: 5 / 160.
(5) روضة المتقين: 14 / 330.
(6) هو الفاضل الشيخ أبو علي في كتابه المسمى بمنتهى المقال (منه رحمه الله). لاحظ
منتهى المقال: 264 ترجمة محمد بن أورمة، أبو جعفر القمي.
(7) ومن تضعيفاتهم في غير المحل، تضعيفهم ليونس بن عبد الرحمن المتفق على
وثاقته. (منه رحمه الله)
51

قيل: (1) (وأحاديثه في كتبه، صريحة في عدم غلوه وصحة اعتقاده على
أنه قد ذكر من رؤية مكاتبة، من مولانا أبي الحسن الخامس عليه السلام في براءة
ساحته مما قذفوه به.
وأما الثالث (2): فلأنه إنما ينتهض، لو كان المراد مجرد المخالفة لبعض في
بعض الموارد، ولكن من المعلوم خلافه، إذ المراد مخالفته فيه لكثير في
كثير (3) وهي غير بعيد - على ما سيجيئ إن شاء الله تعالى -.
وللقول الثاني وجوه أيضا: من أنه مسارع إلى الجرح، حتى جرح كثيرا من
الأجلاء الثقات والعلماء الأثبات كما قال في موضع من الرواشح: (إنه مسارع
في الأكثر إلى التضعيف بأدنى سبب) (4).
وفي آخر: (إنه مسارع إلى الجرح حردا (5) مبادرا إلى التضعيف
شططا) (6).
وقال العلامة البهبهاني بعد ما تقدم: (وهذا يشير إلى عدم تحقيقه حال

(1) القائل هو المحقق المامقاني رحمه الله راجع: تنقيح المقال: المجلد الثاني، القسم
الأخير، 84. (2) المراد منه، قول الفاضل الخاجوئي: فلو كان مبادرا إلى التضعيف والجرح بأدنى
سبب إلى آخره.
(3) أي مخالفة ابن الغضائري في التضعيف والجرح لكثير من العلماء في كثير من
الرواة.
(4) الرواشح السماوية: 113.
(5) أي: قصدا، كما في هامش الكتاب عن الصحاح، ولكنه بمعنى الغضب، كما في
مجمع البحرين. ويأتي عن المؤلف زيادة توضيح فيه.
(6) الرواشح السماوية: 59، الراشحة العاشرة.
52

الرجال أو كون أكثر ما يعتقده، ليس في الحقيقة جرحا) (1).
وقال عند الكلام في المعلى بن خنيس، موردا على ما ذكره ابن الغضائري
- من أنه كان أول أمره مغيريا (2) ثم دعى إلى محمد بن عبد الله المعروف
بالنفس الزكية وفي هذه الظنة، أخذه داود بن علي فقتله - (بأنه يظهر بالتأمل
في كلام ابن الغضائري هنا وأمثاله مما هو خلاف الواقع قطعا، أو ظنا قريبا
منه، فساد تضعيفاته) (3)، وإن كان يعتمد على أمور لا أصل لها يجرح بسببها
البراء، وتبعه بعض من تأخر فذكر ما ذكر وقال: وبالجملة، تضعيفه لا يفيد ظنا
بالاتصاف بما هو جرح في نفس الأمر، وإنه ممن لم يعرف حاله في الرجال
فلا اعتماد عليه في حال من الأحوال، وإن الاعتماد على كتابه وقوله في
جرحه، يوجب رد أكثر أخبار الكتب المشهورة (4).
أقول: أما الأخيران فغير وجهين:

(1) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 24، في ترجمة إبراهيم بن عمر اليماني.
(2) المغيرية: هم أتباع المغيرة بن سعيد العجلي الكوفي، الذين أنكروا إمامة أبي
عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام واعتقدوا بإمامة المغيرة بن سعيد الذي زعم أنه رسول نبي، وأن
جبرئيل يأتيه بالوحي من عند الله.
فأخذه خالد بن عبد الله القسري فسأله عن ذلك فأقر به، ودعا خالدا إليه فاستتابه خالد
فأبى أن يرجع عن قوله فقتله وصلبه، وكان يدعي أنه يحيي الموتى وقال بالتناسخ وكذلك
قول أصحابه إلى اليوم. فرق الشيعة للنوبختي: 63.
وراجع أيضا: الفرق بين الفرق: 229 وميزان الاعتدال: 3 / 191 المقالات والفرق:
43 - 184 وأصول الحديث وأحكامه: 184 وفرهنگ فرق إسلامي: 422.
(3) منهج المقال: 337.
(4) هذه العبارة الأخيرة عن العلامة المجلسي في البحار: 1 / 41، وما وجدناها في
كلام العلامة البهبهاني.
53

وأما الأول: فربما يجاب عنه بما تقدم في مستند القول الأول، من الأمرين
الثانيين وقد مر ضعفهما.
ومن العجيب ما ذكره بعض (1) (من أنه (2) لما كان في الأكثر مسارعا إلى
التعديل، مبادرا إلى التوثيق من غير اكتراث ومبالات، ولذا وثق السكوني
والنوفلي ومن يشاكلهما من العامة، وكان ابن الغضائري قد ضعف أكثر من
وثقه، نسب إليه ما نسب وهو برئ منه) (3).
وأعجب منه ما ذكره بعد ذكر كلاميه: (من أنه بظاهره يقتضي نوع سوء ظن
منه به، ولكن بعد التأمل في أطراف كلامه هنا، ينكشف أن الأمر ليس
كذلك) (4).
وقال بعده بفاصلة بعد ذكر ثاني الكلامين: (هذا منه قدح عظيم فيه، فإنه
يفيد أنه كان في جرحه وتضعيفه بعيدا عن الحق مفرطا في الظلم، فكان يجرح
سليما ويقدح في برئ من غير تثبت منه في حاله، وتبين في مقاله) (5).
مضافا إلى أن من الظاهر ولا أقل من الاحتمال، أن غرضه تضعيف
تضعيفاته بلحاظ ضعف براءته التي مرجعها إلى كثرة احتياطه، أو غيرها مما
ستعرف، لا بلحاظ عدم مبالاته.
ومن الظاهر أن هذا ليس قدحا في رفعته وجلالته، بل هو شاهد قوة إيمانه
وتصلبه في مقامه

(1) هو الفاضل الخاجوئي (منه رحمه الله)
(2) الضمير يرجع إلى السيد الداماد.
(3) الفوائد الرجالية للفاضل الخواجوئي: 307.
(4) الفوائد الرجالية: 296.
(5) الفوائد الرجالية: 306.
54

وظهر مما ذكر، ضعف ما ذكره بعض أفاضل من عاصرناهم في الجواب عن
استفادة القدح: (بأنه ليس يعني بهذا قدحا في الرجل).
كيف وقد صرح مرارا، بل بالبناء على جرحه وتعديله، بل تمنيا في مثله
خلاف ذلك، مع أن وضع كتابه المشهور لما كان لذكر الضعفاء، لا يذكر اسمه
غالبا إلا في مقام التضعيف. ولا نقل عن كتابه المقصور على ذكر الممدوحين أو
غيره من كتبه إلا نادرا، مع ظهور أن فيها من التوثيقات المفرطة، ما لو انكشف
لانقلب ذلك الاحتمال في حقه، خيل أن وضع جبلته، كأنه كان على التضعيف
مهما استطاع، من قبيل أهل اللجاج والغرض، بأن توثيقه في غاية القلة.
واستناد السيد إلى توثيقه في مرتبة فوقها لو لم نقل بعدمه، مع أن ما يظهر
منه - من منع ثبوت الكثرة - في غاية الفترة، مضافا إلى أن دعوى ظهور
التوثيقات المفرطة مجازفة بينة.
والذي يختلج بالبال أن يقال: إن دعوى التسارع غير بعيد، نظرا إلى أمور:
الأول: (1) إن الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره، أنه كان يرى
نقل بعض غرائب الأمور من الأئمة عليهم السلام من الغلو على حسب مذاق القميين.
فكان إذا رأى من أحدهم، ذكر شئ غير موافق لاعتقاده فيهم عنهم، يجزم
بأنه من الغلو، فيعتقد بكذبه وافترائه، فيحكم بضعفه وغلوه، ولذا تكثر حكمه

(1) إن المركوز في الأذهان أن الغلو مجاوزة الحد في الرفعة، مع أن الظاهر أنه بمعنى
المجاوزة عن الحد مطلقا، سواء كان في الارتفاع أو الانحطاط، كما عن صريح الطبرسي:
(أن أصل الغلو، المجاوزة عن الحد) واستظهره في المطالع: عن الكشاف البيضاوي
وغيرهم، لأنهم قالوا في تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم): (أن
الخطاب لليهود والنصارى، غلت اليهود في حط عيسى، حتى رموه بأنه ولد لغير رشده.
والنصارى في رفعه، حتى اتخذوه إلها. (منه رحمه الله).
55

بهما، في غير محلهما.
ويظهر ذلك مما ذكره في موضع: (من أنه كان غاليا، كذابا)، كما في
(سليمان الديلمي (1).
وفي آخر: (من أنه ضعيف جدا، لا يلتفت إليه، في مذهبه غلو)، كما في
عبد الرحمن بن أبي حماد (2)،
فإن الظاهر أن منشأ تضعيفه بما ذكره، غلوه.
ومثله ما في خلف بن محمد: (من أنه كان غاليا، في مذهبه ضعف، لا يلتفت
إليه) (3).
وما في سهل بن زياد: (من أنه كان ضعيفا جدا، فاسد الرواية والمذهب،
وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه عن قم) (4).
والظاهر أن منشأ جميعه، ما حكاه النجاشي عن أحمد المذكور، من أنه
كان يشهد عليه بالغلو والكذب، أخرجه عنه (5).
وما في حسن بن مياح: (من أنه ضعيف، غال) (6).
وفي صالح بن سهل: (غال، كذاب، وضاع للحديث، لا خير فيه، ولا في
سائر ما رواه) (7).

(1) مجمع الرجال: 3 / 165.
(2) مجمع الرجال: 4 / 71.
(3) مجمع الرجال: 2 / 272.
(4) مجمع الرجال: 3 / 179.
(5) رجال النجاشي: 185 رقم 490.
(6) الخلاصة: 217 رقم 12.
(7) مجمع الرجال: 3 / 205.
56

وفي صالح بن عقبة: (غال، كذاب، لا يلتفت إليه) (1).
وفي عبد الله بن بكر: (مرتفع القول، ضعيف) (2).
وفي عبد الله بن حكم: (ضعيف، مرتفع القول) (3).
ونحوه في عبد الله بن سالم (4).
وعبد الله بن بحر (5).
وعبد الله بن عبد الرحمن (6).
وبعد ما اختلج بالبال ما ذكر مستفيدا مما سطر، رأيت أنه قد تفطن به
العلامة البهبهاني رحمه الله أيضا.
فقال في التعليقات: (إعلم أن ابن الغضائري ربما ينسب الراوي إلى الكذب
ووضع الحديث بعد ما نسبه إلى الغلو. وكأنه لرواية ما يدل عليه ولا يخفي ما
فيه، بل قد صرح قبله بأن الظاهر، أن كثيرا من القدماء، سيما القميين ومنهم
ابن الغضائري، كانوا يعتقدون للأئمة عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة،
وكانوا يعدون التعدي عنها، ارتفاعا وغلوا على حسب معتقدهم، حتى أنهم
جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا) (7).
ولقد أجاد فيما أفاد، وهو من باب توافق الخيال، وتطابق التخاطر بالبال،

(1) مجمع الرجال: 3 / 206.
(2) مجمع الرجال: 3 / 268.
(3) مجمع الرجال: 3 / 278.
(4) مجمع الرجال: 3 / 284.
(5) مجمع الرجال: 3 / 266.
(6) مجمع الرجال: 4 / 25.
(7) منهج المقال: 8 والفوائد الرجالية: 38. المطبوعة في آخر رجال الخاقاني.
57

كما أنه ربما يلوح أيضا مما ذكره شارح المشيخة:
(من أن الذي يظهر بالتتبع، أن جابر بن يزيد، ثقة، جليل، من أصحاب
الأسرار، والعامة يضعفونه، وتبعهم بعض الخاصة، لأن أحاديثه تدل على
جلالتهم، ولما لم يمكنه القدح لجلالته، قدح في روايته.
وإذا تأملت فيها، يظهر أنه ليس فيهم، بل في قادحهم، باعتبار عدم معرفة
الأئمة عليهم السلام كما ينبغي.
والذي ظهر لنا من التتبع التام، أن أكثر المجروحين سبب جرحهم، علو
حالهم، كما يظهر من الأخبار الدالة على معرفة منازل الرواة على قدر
الروايات (1).
والظاهر أن المراد به، علوها مما لا يصل إليه أكثر العقول وقد ورد متواترا
(إن حديثنا صعب مستصعب (2).
ولهذا ترى: أن ثقة الإسلام وعلي بن إبراهيم والصفار وأضرابهم، ينقلون
أخبارهم معتمدين عليهم، وابن الغضائري المجهول حاله وشخصه يجرحهم.
والمتأخرون يعتمدون على قوله، وبسببه يضعف أكثر الأخبار) (3). (انتهى).
وفي كلامه مواقع للنظر.

(1) إشارة إلى ما روى عن أبي عبد الله عليه السلام: (إعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم
عنا). الكافي: 1 / 50 والبحار: 1 / 106 و 2 / 150.
(2) الكافي: 1 / 401 ح 1، 2، 3، وسائل الشيعة: (طبعة آل البيت): 9 / 485 -
27 / 93. مستدرك الوسائل: 12 / 297، البحار: 2 / 71، 182، 189، 192، 194، 197،
208 و 212، 25 / 366 و 383، 26 / 252، 37 / 234، 42 / 189، 52 / 318، 96 / 191
و 110 / 78.
(3) روضة المتقين: 1 / 95.
58

الثاني: إن الظاهر أنه كان غيورا في دينه حاميا فيه، فكان إذا رأى مكروها
اشتدت عنده بشاعته، وكثرت لديه شناعته، مكثرا على مقترفه من الطعن
والتشنيع واللعن والتفضيع.
ويشهد عليه أمران:
أحدهما: سياق عباراته. فأنت ترى أن غيره في مقام التضعيف، يقتصر بما
فيه بيان الضعف، بخلافه، فإنه يرخى عنان القلم في الميدان بخبث وتهالك
ولعان، فيضعف مؤكدا، كما قال في المسمعي (1): (إنه ضعيف، مرتفع القول، له
كتاب في الزيارات، يدل على خبث عظيم، ومذهب متهافت، وكان من كذابة
أهل البصرة) (2).
وقال في علي بن العباس: (له تصنيف يدل على خبثه وتهالك مذهبه،
لا يلتفت إليه، ولا يعبأ بما رواه) (3).
وقال في جعفر بن مالك (4): (كذاب، متروك الحديث جملة، وكان في
مذهبه ارتفاع، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل، وكل عيوب الضعفاء مجتمعة
فيه (5).
وقال في السياري (6): (ضعيف، متهالك، غال، منحرف، وكل ذلك، لعظم

(1) هو: عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، أبو محمد.
(2) مجمع الرجال: 4 / 25.
(3) مجمع الرجال: 4 / 202.
(4) هو جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى.
(5) الخلاصة: 210 رقم 3 ومجمع الرجال: 2 / 42.
(6) هو أحمد بن محمد بن سيار السياري.
59

جهات الضعف في نظره، وقبح ارتكابها ومقترفه (1).
وثانيهما: اختلاف سلوكه مع غيره في مقام التضعيف، كما ترى تارة، أنه
ربما صدر تضعيف بعض من بعض، وإن وقع تحسينه ونحوه من آخر، يجري
على التضعيف مصرا فيه، كما وقع في: (عبد الله بن محمد (2).
فإنه ذكر الشيخ: (أنه كان واعظا، فقيها) (3).
والنجاشي: (أنه ضعيف) (4).
ولما اطلع ابن الغضائري على شئ من أسباب الضعف، فذكر: (أنه كذاب،
وضاع للحديث، لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبأ به) (5).
وأخرى، أنه ربما يتردد بعض في بعض، لما رأى فيه من الأمرين، يحكم
ابن الغضائري بالضعف على الإطلاق كما في صالح بن حماد
فإنه ذكر النجاشي: (أنه كان أمره ملتبسا يعرف وينكر) (6).
ولما رأى ابن الغضائري منكر الروايات، أطلق في تضعيفه (7).
وثالثة، أنه قد يضعف بعض في الرجال، فيضعفه بأشد المقال كما في

(1) مجمع الرجال: 1 / 149.
(2) هو عبد الله بن محمد بن عمير بن محفوظ البلوي، أبو محمد المصري.
(3) الفهرست: 103 رقم 433.
(4) رجال النجاشي: 324 رقم 884. ذكره في ترجمة محمد بن الحسن بن عبد الله
الجعفري.
(5) الخلاصة: 236 رقم 14 ومجمع الرجال: 4 / 47.
(6) رجال النجاشي: 198 رقم 526.
(7) مجمع الرجال: 3 / 202.
60

البطائني (1).
فإنه ذكر الشيخ في عدة مواضع: (أنه واقفي (2).
والعلامة: (أنه أحد عمد الواقفة) (3).
وأما ابن الغضائري فقال كما مر: (علي بن أبي حمزة، لعنه الله، أصل
الوقف وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام) (4).
وإسحاق بن أحمد المكنى بأبي يعقوب، أخي الأشتر (5).
قال النجاشي: (معدن التخليط وله كتب في التخليط) (6).
وقال ابن الغضائري: (فاسد المذهب، كذاب في الرواية، وضاع للحديث،
لا يلتفت إلى ما رواه، ولا يرتفع بحديثه) (7).
والحسين بن حمدان. قال النجاشي: (كان فاسد المذهب) (8).
وقال ابن الغضائري: (كذاب، فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة،
لا يلتفت إليها) (9).
ولقد أجاد السيد السند النجفي في رجاله من قوله:

(1) هو علي بن أبي حمزة البطائني.
(2) رجال الطوسي: 353 رقم 10 والفهرست: 96 رقم 408.
(3) الخلاصة: 231 رقم 1.
(4) مجمع الرجال: 4 / 157.
(5) هو إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان بن مرار بن عبد الله، أبو يعقوب.
(6) رجال النجاشي: 73 رقم 177.
(7) مجمع الرجال: 1 / 197.
(8) رجال النجاشي: 67 رقم 159.
(9) مجمع الرجال: 2 / 172.
61

(أنه إذا وجد في أحد ضعفا بينا، أو طعنا ظاهرا، سيما إذا تعلق بصدق
الحديث، فإنه يقيم عليه النوائح، ويبلغ منه كل مبلغ، ويمزقه كل ممزق، فهذا
الاكثار والتسارع يقتضيان الوهن في جرحه) (1).
ويمكن استفادته مما مر من الرواشح من قوله (حردا) (2).
فإن الظاهر أنه بمعنى الغضب، كما قال في المجمع: (حرد حردا مثل غضب
غضبا وزنا ومعنى) (3).
والمراد، الغضب في الله كما ورد مدحه في الأخبار المتكثرة.
وأما احتمال أن يكون بمعنى القصد كما جزم به بعض المحققين، نظرا إلى
ما ذكره في الصحاح (4)، فبعيد في الغاية، فتأمل.
الثالث: كثرة تضعيفه للأجلاء والموثقين، فضلا عن غيرهم من المهملين
والمجروحين.
ومنه تضعيفه، لأحمد بن مهران، كما قال في كتابه: (أحمد بن مهران، روى
عنه الكليني، ضعيف (5).
مع أن الظاهر أنه من مشايخ ثقة الإسلام، كما يشهد عليه روايته عنه
بلا واسطة في غير مورد في الكافي، مضافا إلى إرداف ذكره في غير موضع،
بالرحملة، كما قال في باب مولد الزهراء عليها السلام: (أحمد بن مهران رحمه الله

(1) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 369.
(2) الرواشح السماوية: 59، الراشحة العاشرة.
(3) مجمع البحرين: 3 / 36 مادة (حرد).
(4) الصحاح: 2 / 464 مادة (حرد) فيه: (حرد يحرد بالكسر حردا: قصد. تقول:
حردت حردك أي: قصدت قصدك).
(5) مجمع الرجال: 1 / 169.
62

رفعه وأحمد بن إدريس عن الجبار) (1).
وفي باب مولد أبي الحسن موسى عليه السلام: (أحمد بن مهران رحمه الله عن
محمد بن علي..) (2).
وفي باب مولد مولانا الرضا (عليه آلاف التحية والثناء): (أحمد بن مهران
عن محمد بن علي...) (3).
وفي باب فيه نكت ونتف: (أحمد بن مهران رحمه الله عن
عبد العظيم...) (4). إلى غير ذلك من الموارد.
ولقد أجاد المحدث المحقق النوري في جملة كلام له: (وهذا الأصرار في
الترحم عليه، ينبئ عن علو قدره وحسن حاله، مضافا إلى كونه من مشائخه،
فقول الغضائري، كما في الخلاصة: (إنه ضعيف) (5) ينبغي أن يعد من قوادح
ابن الغضائري المتأخر عنه بقرون) (6).
هذا هو الكلام في تضعيفه.

(1) الكافي: 1 / 458 ح 3.
(2) الكافي: 1 / 484 ح 7.
(3) الكافي: 1 / 487 ح 3.
(4) الكافي: 1 / 424 ح 60.
(5) الخلاصة: 205 رقم 22.
(6) خاتمة المستدرك: 780، الفائدة العاشرة.
63

(توثيقات ابن الغضائري)
وأما توثيقه، فالظاهر اعتباره لما ثبت في ثالث المباحث، من وثاقته وعدم
جريان ما دل على عدم اعتبار تضعيفاته، بل الظاهر أن توثيقه في غاية
الاعتبار، كما هو غير خفي على ذوي الأنظار.
ولكن الخطب هين، لقلة توثيقه، بل نفي الوالد المحقق الظفر بتوثيقه في غير
الحسن بن القاسم (1) وعمرو بن أبي المقدام (2).
وقال في القاسم بن الحسن (3): (بأن في مذهبه ارتفاعا والأغلب عليه
الخير) (4). قال العلامة: (وهذا يعطي تعديله منه) (5).
وصرح في أحمد بن الحسين بن سعيد (6) (بسلامة حديثه) (7).

(1) هو، الحسين بن القاسم بن محمد بن أيوب بن شمون أبو عبد الله. كما عن العلامة:
(قال الغضائري: الحسين بن القاسم بن محمد بن أيوب بن شمون، ضعفوه وهو عندي: ثقة).
الخلاصة: 52 رقم 25.
(2) هو عمر بن ثابت بن هرمز أبو المقدام، يعبر عنه بابن ثابت وبابن أبي المقدام أيضا.
راجع: مجمع الرجال: 4 / 257، 274 و 277.
قال العلامة: (ضعيف جدا قاله الغضائري. وقال في كتابه الاخر: عمر بن أبي المقدام
ثابت العجلي، مولاهم، الكوفي، طعنوا عليه من جهة، وليس عندي كما زعموا وهو ثقة).
الخلاصة: 241 رقم 10.
(3) هو القاسم بن الحسن بن علي بن يقطين بن موسى أبو محمد، مولى بني أسد.
(4) مجمع الرجال: 5 / 45.
(5) الخلاصة: 248 رقم 7.
(6) هو: أحمد بن الحسين بن سعيد بن حماد بن سعد بن مهران.
(7) مجمع الرجال: 1 / 105 والخلاصة: 202 رقم 8، فيه: (قال ابن الغضائري: حديثه
فيما رأيته سالم).
64

ولكن الذي يظهر من إكثار التتبع، أنهم أكثر مما استوفاهم، لقوله في جابر
ابن يزيد الجعفي: (إنه ثقة في نفسه، ولكن جل من روى عنه ضعيف) (1).
وفي حسين بن القاسم (2)
: (ضعفوه وهو عندي ثقة) (3).
وفي ليث بن البختري: (وهو عندي ثقة) (4).
وفي علي بن حسان الواسطي: (أنه ثقة، ثقة) (5).

(1) الخلاصة: 35 رقم 2.
(2) هو الحسين بن القاسم بن محمد بن أيوب بن شمون.
(3) الخلاصة: 52 رقم 25.
(4) الخلاصة: 136 رقم 2.
(5) الخلاصة: 96 رقم 30 ومجمع الرجال: 4 / 176.
65

المقصد الثاني
في العالم بالأخبار والمضطلع في الآثار
محمد بن عمر بن عبد العزيز
المعروف ب‍ (الكشي)
67

المقصد الثاني
في العالم بالأخبار والمضطلع في الآثار
محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف ب‍ (الكشي) (1)
فنقول: الكشي بفتح الكاف والشين المعجمة المشددة، نسبة إلى (كش)
بالفتح والتشديد: البلد المعروف على مراحل من سمرقند، خرج منه كثير من
مشائخنا ورجالنا وعلمائنا (2).

(1) راجع ترجمته: رجال النجاشي: 372 رقم 1018، الفهرست: 141 رقم 604،
رجال الشيخ: 497 رقم 38 (فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام) الخلاصة: 146 رقم 39، رجال ابن
داود: 180 رقم 1471، معالم العلماء: 101، نقد الرجال: 325، جامع الرواة: 2 / 164،
منهج المقال: 312، هداية المحدثين: 247، مجمع الرجال: 6 / 10، منتهى المقال: 285،
حاوي الأقوال: 143، بهجة الآمال: 6 / 534، إتقان المقال: 128، الوجيزة للمجلسي: 310
رقم 1742، تنقيح المقال: 3 / 165 رقم 1185 ومعجم رجال الحديث: 17 / 63 رقم 11432.
(2) خرج منه من علمائنا:
إبراهيم بن نصير الكشي: معجم رجال الحديث: 1 / 311 رقم 325، جعفر بن معروف
أبو محمد الكشي: معجم رجال الحديث: 4 / 131، حمدويه بن نصير الكشي: معجم رجال
الحديث: 6 / 255، خلف بن محمد الكشي: معجم رجال الحديث: 7 / 69، سعد بن
جناح الكشي: معجم رجال الحديث: 8 / 56، محمد بن سعيد الكشي: معجم رجال الحديث:
16 / 116، محمد بن سعيد بن مزيد الكشي: إتقان المقال: 228، محمد بن مسعود بن مزيد
الكشي: معجم رجال الحديث: 17 / 230 ومحمد بن نصير الكشي: معجم رجال الحديث:
17 / 298 و....
خرج منه من العامة:
أحمد بن جرير الكشي: ميزان الاعتدال: 1 / 87، الحسن بن أحمد بن محمد أبو علي
الكشي الشيرازي: سير أعلام النبلاء: 17 / 209، الفتح بن شخرف الكشي: تاريخ الإسلام:
20 / 412 ولسان الميزان: 5 / 125، أبو نصر الفتح بن عمرو الكسي: وأبو الفضائل محمد بن
عبد الله الكسي: الأنساب: 5 / 71، حامد بن شاذي الكشي: تاريخ الإسلام: 22 / 123،
عبد الحميد بن حميد بن نصر الكشي: ثقات ابن حبان 8 / 401 وسير أعلام النبلاء: 2 / 235،
محمد بن الطيب الكشي: تاريخ الإسلام: 23 / 572، محمد بن حاتم بن خزيمة الأسامي
الكشي: تاريخ الإسلام: 25 / 178 وسير أعلام النبلاء: 15 / 380، محمد بن راهب الكشي:
تاريخ الإسلام: 26 / 65، محمد بن يوسف أبو زرعة الكشي: تاريخ الإسلام: 27 / 206 و
سير أعلام النبلاء: 17 / 44 ومعجم البلدان: 4 / 462 وهبة الله بن أبي بكر بن شعيب الكشي:
لسان الميزان: 6 / 187 و....
راجع أيضا خاتمة مستدرك الوسائل: 530، آخر الفائدة الثالثة.
69

وقد ضم النجاشي (الكاف) وقال الفاضل المهندس البيرجندي في كتابه
المعروف في مساحة الأرض وبلدان الأقاليم (1): (كش: بفتح الكاف وتشديد
الشين المعجمة، من بلاد ما وراء النهر، بلد عظيم، ثلاثة فراسخ في ثلاثة
فراسخ والنسبة إليه كشي) (2).

(1) هو ترجمة (تقويم البلدان في مساحة الأرض) تأليف عماد الدين أبي الفداء
إسماعيل المورخ. والترجمة للمولى عبد العلي بن محمد بن الحسين البيرجندي المتوفى
934. راجع: الذريعة: 4 / 90.
(2) مستدرك الوسائل: 3 / 530.
70

وأما ما في القاموس: (الكش بالضم: يلقح به النخل، وكش: بالفتح قرية
بجرجان) (1).
فعلى تقدير الصحة، فليست هذه النسبة إلى تلك القرية، ولا في المعروفين
من العلماء والمحدثين من يعد أهلها.
فمن كش ما وراء النهر: أبو عمرو الكشي صاحب الرجال، وشيخه حمدويه
ابن نصير، والعياشي، ذكره السيد الداماد في تعليقاته على الكشي (2). وقريب
منه ما ذكره في الرواشح (3).
أقول: وربما يؤيد الأول: ما عن بعض: (من أن مدينة كش، مدينة
ما وراء النهر، وقدرها ثلاث فراسخ في مثله، وهي خصبة وفواكهها يدرك قبل
فواكه غيره من بلاد ما وراء النهر، ولها نهران كبيران، أحدهما: يسمى نهر
القصارين، والاخر: نهر السور ويجري على شمالها) (4).
كما أنه يؤيد الثاني: ما ذكر في ترجمة سلمان (5)، راويا عن أبي عبد الله
جعفر بن محمد، من أنه شيخ من جرجان (6).
وما عن بعض آخر: (من أن كش، بفتح الكاف وتشديد الشين المعجمة،

(1) القاموس المحيط: 2 / 297. مادة كشش.
(2) رجال الكشي 1 / 5. (طبعة آل البيت). وفي ذيله تعليقات السيد الداماد.
(3) الرواشح السماوية: 76، الراشحة العشرون.
(4) معجم البلدان: 4 / 460. قريب منها عن الأصطخري.
(5) هو: سلمان الفارسي أبو عبد الله، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
(6) رجال الكشي: 19 رقم 46. فيه: أبو عبد الله جعفر بن محمد، شيخ من جرجان،
عامي، قال حدثنا محمد بن حميد الرازي....
71

قرية على ثلاث فراسخ من قرى جرجان) (1).
مضافا إلى ما ذكره الطريحي: (من أن كش بالفتح قرية بجرجان) (2)،
فتأمل.
وربما يظهر من غير واحد من العامة: أنه بكسر الكاف والسين المهملة، كما
عن السمعاني في كتاب الأنساب: (الكسي: بكسر الكاف وتشديد السين
المهملة، هذه النسبة، إلى بلدة بما وراء النهر يقال لها كس، أقمت بها اثني عشر
يوما. وقد ذكر الحفاظ في تواريخهم: إن اسم هذه البلدة: كس بكسر الكاف
والسين غير المنقوطة والنسبة إليها كسي، غير أن المشهور: كش، بفتح الكاف
والشين المنقوطة ويعرف بنخشب) (3) (انتهى).

(1) معجم البلدان: 4 / 462.
(2) مجمع البحرين: 4 / 152، مادة كش.
(3) الأنساب: 5 / 70. وقال بعد صفحات: (الكشي: منسوب إلى قرية من سمرقند...
يقال لها (كس) بكسر الكاف والسين المهملة المشددة، وعرف ب‍ (كش) بفتح الكاف و
الشين المشددة). الأنساب: 5 / 78.
قال ابن مأكولا: (الكسي: بالسين المهملة، فجماعة كثيرة ينسبون إلى (كس) بلد يقارب
سمرقند، منه جماعة من المحدثين. والعراقيون وغيرهم، يقولونه بفتح الكاف وربما صحفه
بعضهم فقاله بالشين المعجمة، وهو خطأ.
واستملي لي الصوري على أبي الحسن العقيقي، حديثا فقال فيه: (الكشي) بالشين
المعجة، فرده عليه، وقال: بالسين المهملة. وقال الأمير: ولما عبرت نهر جيحون وحضرت
بخارا وسمرقند، وجدتهم جميعهم يقولون (كس) بكسر الكاف وبالسين المهملة). ثم قال:
(وأما الكشي: بالشين المعجمة... قرية يقال لها: (كش) على الجبل، معروفة على ثلاثة
فراسخ من جرجان). الإكمال: 2 / 144.
قال الحموي: (كس: بكسر أوله وتشديد ثانيه، مدينة تقارب سمرقند) معجم البلدان:
4 / 460. ثم قال: (كش: بالفتح، ثم التشديد، قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان، على جبل
- إلى أن قال -: قال أبو الفضل المقدسي: الكشي: منسوب إلى موضع بما وراء النهر... إذ عرب
كتب بالسين وقد تقدم عن ابن مأكولا ما يرد هذا). معجم البلدان: 4 / 462.
قال ابن حجر: (الكسي: بكسر وإهمال بالنسبة إلى (كس) تعريب (كش) ولهذا ينسب
إليها أيضا كشي، بالمعجمة. وهي مدينة، بما وراء النهر، قال ياقوت: قد تعرب فتكتب
مهملة، وأهل تلك الديار لا يقولونه إلا بالفتح والأعجام، وهم أعرف). تبصير المتنبه
بتحرير المشتبه: 3 / 1217.
قال الزبيدي: (وكس: بكسر وبالفتح، بلد قرب سمرقند، ولا تقل بالشين المعجمة، فإنها
تصحيف، الصواب: الكسر مع الاهمال، أما التي بالفتح مع الاعجام، فهي: قرية على ثلاثة
فراسخ من جرجان. تاج العروس: 16 / 443. طبعة دار الهداية - بيروت.
72

وذكر نحوه في تراجم الحفاظ نقلا.
ولكن ذكر في القاموس في باب السين: (والكس بالكسر والفتح، بلد قرب
سمرقند، ولا يقال بالشين المعجمة) (1).
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنه من عيون الثقات والعلماء الأثبات، كما يستفاد
من كلام جماعة، كما قال النجاشي: (محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي
أبو عمرو، كان ثقة، عينا وروى عن الضعفاء كثيرا، وصحب العياشي وأخذ عنه
وتخرج عليه في داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال،
كثير العلم، إلا (2) أن فيه أغلاطا كثيرة) (3).
واقتفى أثره العلامة في الخلاصة، فذكر العبارة المذكورة بعينها، إلا بإسقاط

(1) القاموس المحيط: 2 / 255.
(2) في المصدر: (فيه أغلاط كثيرة).
(3) رجال النجاشي: 372 رقم 1018.
73

قليل (1).
وقال في الفهرست: (إنه ثقة، بصير بالأخبار والرجال، حسن الاعتقاد،
له كتاب الرجال) (2).
وقريب منه، ما ذكره في الرجال: (من أنه من غلمان العياشي، ثقة، بصير
بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب) (3). (انتهى).
ووصفه الفاضل العناية في موضع من المجمع: (بالشيخ الجليل المتين،
العالم العارف الأمين).
قوله (وروى عن الضعفاء):
قال الفاضل المتقدم: (إن روايته عن الضعفاء لا يضر فيه بعد التأمل في
الترجمة، فإنه يظهر منها حرصه على الأخذ، ولو من الضعيف) (4). لاشتماله
على نفع جدا وكثير من الأكابر، كانوا يروون عن الأضعف: مثل الحسن بن
محبوب (5).

(1) الخلاصة: 146 رقم 39.
(2) الفهرست: 141 رقم 604.
(3) رجال الطوسي: 497 رقم 38، في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام.
(4) مجمع الرجال: 6 / 10.
(5) كروايته عن أبي جميلة مفضل بن صالح الذي قال فيه ابن الغضائري: (ضعيف،
كذاب، يضع الحديث) الخلاصة: 258.
وكذا روايته عن داود بن كثير الرقي الذي قال فيه النجاشي: (ضعيف، جدا) رجال
النجاشي: 156 رقم 410. وقال ابن الغضائري: (إنه فاسد المذهب، ضعيف الرواية، لا يلتفت
إليه) الخلاصة: 68.
وروايته عن محمد بن سنان الذي قال فيه النجاشي: (ضعيف جدا) رجال النجاشي:
328 رقم 888 وقال الشيخ: (إنه ضعيف) رجال الطوسي: 386 و....
روى عن هؤلاء، سائر الأجلاء والمشايخ الثقات كابن أبي عمير والبزنطي وصفوان
الذين قال الشيخ في حقهم: لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به. راجع معجم رجال
الحديث: 1 / 63.
74

قوله (صحب العياشي):
هو محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر،
المعروف بالعياشي. وكان ثقة، صدوقا، عينا من عيون هذه الطائفة، وكان في
أول أمره على ما ذكره النجاشي (عامي المذهب، وسمع حديث العامة فأكثر
منه، ثم تبصر وعاد إلى مذهب الإمامية وكان حديث السن، سمع أصحاب
علي بن الحسن بن فضال، وعبد الله أبي محمد بن خالد بن الطيالسي
وجماعة من شيوخ الكوفيين والبغداديين والقميين).
ثم حكى عن ابن الغضائري أنه قال: (سمعت القاضي أبا الحسن علي بن
محمد، قال لنا أبو جعفر الزاهد أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه
سائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل
أو قارئ أو معلق، مملوءة من الناس) (1).
ثم عد كتبه ومصنفاته متجاوزا عن المائة والخمسين، بل ذكر في الفهرست:
(أن كتبه تزيد على مائتين) (2).
ونحوه ذكر في المعالم بعد أن ذكر: (أنه أفضل أهل المشرق علما) (3).
قوله (تخرج عليه):

(1) رجال النجاشي: 350 رقم 944.
(2) الفهرست: 136 رقم 593.
(3) معالم العلماء: 99 رقم 668.
75

قال في الرواشح: (التخريج والتخرج في اصطلاح فن الرجال، هو أن
يكون الشيخ، أخبر شيوخ التلميذ والذي تتلمذ عليه، ميزان استواء الأمر،
وميقات بلوغ النصاب في الكمال، فإذا تم الاستكمال بالتتلمذ عليه، قيل إنه
خرجه وهو تخرج عليه، كما يقال أبو عمرو الكشي صحب العياشي وأخذ عنه
وتخرج عليه وأحمد بن محمد (1) أستاد النجاشي خرجه وألحقه بالشيوخ
في زمانه) (2) (انتهى).
أقول: إن ما ذكره، من أن التخريج والتخرج من اصطلاحات فن الرجال،
لا يخلو عن المقال، كما يشهد به ملاحظة ما ذكره في القاموس والمجمع من
قولهما: (خرجه في الأدب، فتخرج) (3).
مضافا إلى أن ما ذكره في الذيل، غريب، فإنه مأخوذ من عبارة النجاشي
مع أنه ليس فيها ما هو المقصود منها، فإنه قال بعد ذكر الاسم على الوجه
المذكور: (أستادنا رحمه الله ألحقنا بالشيوخ في زمانه) (4) وعلى هذا المنوال حكى عنه في الخلاصة (5) وكذا السيد السند النجفي في رجاله (6).
وأضعف منه، ما ذكره بعد كلامه هذا، جملة من اصطلاحات أخرى فيه قال:
(وفي اصطلاح المحدثين تخريج متن الحديث، نقل موضع الحاجة منه فقط،

(1) هو أحمد بن محمد بن عمران بن موسى أبو الحسن المعروف بابن الجنيدي، أستاد
أبي العباس النجاشي.
(2) الرواشح السماوية: 99، الراشحة الثلاثون.
(3) القاموس المحيط: 1 / 192 ومجمع البحرين: 2 / 294، مادة خرج.
(4) رجال النجاشي: 85 رقم 206.
(5) الخلاصة: 19 رقم 43.
(6) رجال السيد البحر العلوم: 2 / 62.
76

أخذا من تخرج الراعية المرتع، وهو أن تأكل بعضه وتترك بعضا منه ويقابله
الأخراج، وهو نقله بتمامه.
وتخرج الحديث بتمامه سندا ومتنا من الأصول والكتب، هو أن يستخرج
منها المتفق عليه بينها، أو الأصح طريقا، أو الأجدى متنا، أو الأهم الأوفق
للغرض في كل باب ويقابله الأخراج، وهو النقل منها كيف اتفق.
وفي علمي الأصول والفقه، يقال: التخريج ويعني استخراج شئ من مداق
أحوال الأدلة والمدارك وغوامضها، بالنظر التعقبي (1) بعد النظر الاقتضابي
ويقابله الأخراج، وهو مطلق تبيين أحوال الأدلة والمدارك، وإن لم يكن من
الغوامض (2). (انتهى ملخصا).
أما ما ذكره من اصطلاح المحدثين، فلم أقف على أثر مما ذكره، ولعله
أخذه من كتب العامة، فإن كتب الخاصة خالية عما ذكره فيما أعلم، مثل: شرح
الدراية للشهيد الثاني، ووصول الأخيار (3) والوجيزة لشيخنا البهائي والده (4)
وغاية المرام للسيد السند الجزائري، والمشتركات للفاضل الطريحي.
نعم، قد كثر إطلاق التخريج على الساقط من الحديث المكتوب المسمى

(1) النظر التعقبي، هو النظر الدقيق البرهاني، كما أن النظر الاقتضابي، هو النظر الأول
الذي لا دقة فيه. لاحظ هامش المصدر.
(2) الرواشح السماوية: 100، الراشحة الثلاثون.
(3) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، للعالم الفقيه المحدث الأديب الشيخ حسين
ابن عبد الصمد العاملي المتوفى 984، والد الشيخ البهائي.
قال العلامة المتتبع الميرزا عبد الله أفندي قدس سره: (وهو كتاب حسن طويل الذيل جدا في
الدراية... كثير الفوائد والمطالب وهو ثاني مؤلف في علم الدراية من طريقة أصحابنا وقد
سبقه أستاذه الشهيد الثاني بذلك). رياض العلماء: 2 / 115.
(4) ذكر الكتابين ومصنفيهما من باب اللف والنشر المعكوس. (منه عليهم السلام).
77

باللحق (1) بفتح اللام والحاء من المجيز في النية والمجاز فيما مر.
أما ما ذكره من الإطلاق في علمي الأصول والفقه، فلا بأس به في الجملة،
فإنه ربما يطلق في كلمات الفقهاء نادرا على استخراج شئ من ضعاف مداق
الأدلة غالبا.
فما يظهر منه من عمومه لما كان من الضعاف أو غيره واختصاصه بأحوال
الأدلة ليس في محله (2) ويظهر ما ذكرناه، من التتبع في كلماتهم وإلا لم يقع
تصريح من أحدهم به.
فمنها ما وقع من الفاضل الحلي في السرائر
: (فيما لو نقب اثنان معا فدخل
أحدهما في بعض النقب، فأخذه الخارج، من أن القطع إلى الاخذ الخارج،
لأنه نقب وهتك الحرز، ولقوله تعالى: (والسارق)، (إلى آخره).
فمن أسقط القطع عنه فقط، أسقط حدا من حدود الله تعالى بغير دليل، بل
بالقياس والاستحسان، وهذا من تخريجات عامة المخالفين وقياساتهم على
المجتاز) (3).
ومنها ما وقع من المحقق في الشرايع مكررا: (وخرج متأخر)، تعريضا
على الفاضل المشار إليه في السرائر، كما قال عند الكلام في كيفية إيقاع الحد:

(1) راجع: مقباس الهداية للمامقاني: 3 / 210 وفتح المغيث للسخاوي: 2 / 6 - 172.
(2) ومن غير الغالب ما ذكره المحقق في الشرايع في ممانعة القتل خطأ عن الإرث
ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر. وخرج المفيد المنع من الدية وهو حسن، فإن مقتضى
صريح الكلام مع إطلاق التخريج، اختيار قول المفيد واستحسانه كما هو التحقيق في
المسألة - على ما شرحنا الحال في الفقه - ومن العجائب، نسبة الرياض والمستند والمحقق
في الشرايع، اختيار القول بعد الممانعة على الإطلاق (منه رحمه الله).
(3) السرائر: 3 / 498.
78

(ويستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة، وقيل يستحب تمسكا بالآية وأقلها
واحد، وقيل عشر، وخرج متأخر ثلاثة، والأول حسن) (1).
والمراد به هو الفاضل المشار إليه كما هو ظاهر على الناظر ومصرح به في
الجواهر (2) وهو شديد التعرض عليه فيه.
وفي المعتبر ومنه ما ذكر في المواقيت: لأنه ما درى أنه نص من
الأئمة عليهم السلام أو درى وأقدم على الإنكار، وقد رواه زرارة وجماعة، أفترى
لم يكن فيهم من يساوي هذا الطاعن في الحذق (3).
ومنها ما وقع من الشهيد الثاني في الروضة عند الكلام في نزح خمسين دلوا
للدم الكثير، إذا كان من غير الدماء الثلاثة قال: (وفي إلحاق دم نجس العين،
وجه مخرج) (4) وذكر في الحاشية، وجه التخريج مزيفا له (5).

(1) الشرايع: 4 / 939.
(2) جواهر الكلام: 41 / 354. فيه: (وخرج متأخر) وهو ابن إدريس.
(3) ولما كان في تلخيص المؤلف قدس سره من الإبهام، فإليك نص عبارة المحقق:
(واعترض بعض المتأخرين على قول أصحابنا: (إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين)
زعم أن الحذاق وأصحاب البحث، ينكرون هذا اللفظ من حيث إن الظهر يختص بمقدار أربع
ركعات، فلا يشترك الوقتان إلا بعد قدر إيقاع الظهر، لأنه ما درى أنه نص من الأئمة عليهم السلام أو
درى وأقدم.
وقد رواه زرارة و... عن أبي عبد الله عليه السلام ومع تحقق كلامهم، يجب الأعشاء بالتأويل
لا الأقدام بالطعن، على أن فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به أ فترى؟ لم يكن فيهم من
يساوي هذا الطاعن في الحذق. المعتبر: 2 / 34.
(4) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 1 / 262، تحقيق: السيد محمد كلانتر.
(5) قال فيها: (وجه التخريج: أن دم نجس العين، يلحق بالدماء الثلاثة في تغليظ
حكمه، من حيث عدم اعفاء الصلاة فيه...).
79

وبالجملة، فقد يتفق للفظ، اصطلاحات في فنون، كلفظ الجمع: فله في كل
من فن النحو، والبديع، والحساب، والأصول، اصطلاح خاص لا مجال للذكر،
ولكن ليس حال لفظ التخريج على هذا المنوال.
قوله (كتاب الرجال):
مقتضى كلامه في ترجمة الحسين بن إسكيب، إن له كتب متعددة، قال فيها
بعد نقل كلام من الكشي: (وكش عالم، متكلم، مؤلف للكتب) (1).
قوله (إلا أن فيه أغلاطا كثيرة):
ربما استظهر المولى التقي الشارح للمشيخة: (أن المراد به، الراويات
المتعارضة ظاهرا) (2).
ولا يخفى ما فيه من المخالفة لظاهر السياق، بل الظاهر ما هو الظاهر من
العبارة، فإنه قد وقع فيه أغلاط كثيرة كما يظهر بعد التتبع والتأمل فيه.
ولقد أجاد بعض أصحابنا (3) فيما ذكر في جملة كلام له: (وأما الكشي فمن

(1) رجال النجاشي: 45 رقم 88، فيه: (الحسين بن إشكيب).
(2) روضة المتقين: 14 / 445.
(3) هو السيد السند النحرير الخوانساري في رسالته المعمولة في أبي بصير. (منه رحمه الله).
قال المحقق الطهراني: هو السيد محمد مهدي بن السيد حسن بن السيد حسين الذي
كان شيخ المحقق القمي الموسوي المتوفى 1246 ومن خواص تلاميذ القمي وهو ابن عم
السيد زين العابدين والد صاحب (الروضات) كما ذكره فيه وذكر أحواله وتصانيفه ومنها:
رسالة مبسوطة في تحقيق أحوال أبي بصير الموسومة (عديمة النظير) المطبوع في (الجوا مع
الفقهية). مصفى المقال في مصنفي علم الرجال: 469.
80

راجع كتابه، وقف على أغلاطه الكثيرة الواضحة) (1). (انتهى).
ومن العجيب، ما ذكره الفاضل العناية: (من أنه يظهر بعد التتبع والتصفح
التام في الكتاب، أن الأغلاط ليس فيه، بل إنما هي من قلم المنتخبين (2) منه،
مثل الشيخ قدس سره) (3)، نعم، يحتمل ذلك في البعض.
ومنه ما وقع في علي بن يقطين: (من أنه قال أبو الحسن عليه السلام إن لله مع كل
طاغية، وزيرا من أوليائه يدفع به عنهم، دعوة أبي عبد الله عليه السلام علي بن
يقطين وما ولد قال فقال ليس تذهب) (4).

(1) رسالة في تحقيق أبي بصير: 70، المطبوع في الجوامع الفقهية.
(2) قول بعض الأجلة (بأن هذه العبارة تدل على أن غير الشيخ أيضا اختار من رجال
الكشي وألف كتابا مستقلا)، غير تام، لأن ما يستظهر من كلام القهبائي: أن الشيخ مع
مساعدة تلاميذه انتخب واختار منه ما أراد، حيث قال في آخر كلامه: (ولا يضر في الشيخ
أيضا، للزوم العجلة الدينية وعدم فراغه إلى المنتخبات والتصفية والتنقيد، ثانيا وثالثا. نعم،
هذا تقصير على تلامذته). راجع مجمع الرجال: 6 / 11.
إلا أن يقال: بأن مراده تقصير من استنسخ من تلامذته من العلماء، طبقة بعد طبقة، كما
عن بعض أساتذتنا الكرام، وهو بعيد في الغاية ومخالف لسياق كلامه.
وأعجب من ذلك، تفسير قوله: (يحتمل ذلك في البعض) ببعض المنتخبين، مع أن
المراد منه، هو وقوع الأغلاط في بعض الموارد، كما هو ظاهر من قوله: (ومنه ما وقع في
علي بن يقطين...). لاحظ: يادنامه علامه أميني: 399.
مضافا إلى أن كلام القهبائي هذا، حدس أو اجتهاد منه، لأن كل ما عند القهبائي من
الكتب قد وصل إلينا ولا يوجد في كلمات العلماء، ما يدل على اختيار غير الشيخ من ر جال
الكشي كما صرح به السيد السند والركن المعتمد، سماحة آية الله الشبيري الزنجاني - أدام
الله ظله الوارف -.
(3) مجمع الرجال: 6 / 11.
(4) رجال الكشي: 435 رقم 820. وعنه في البحار: 48 / 158.
81

فإن الظاهر، اتفاق النسخ، على الوجه المذكور، كما أن الظاهر وقوع
سقوط من البين (1).
ونحن نذكر هاهنا شطرا مما يجري على هذا السبيل، ليكون على المرام
شاهد صدق وأقوى دليل.
فمنها: أنه روى في أوائل الكتاب، عن جبرئيل بن محمد الفاريابي (2) ثم
روى بفاصلة قليلة عن جبرئيل بن أحمد الفاريابي (3) ومن الظاهر اتحادهما
واشتباه أحدهما كما نبه عليه الفاضل التستري في بعض تعليقاته عليه والظاهر
اشتباه أولهما نظرا إلى وقوع روايته عن جبرئيل بن أحمد الفاريابي مطلقا

(1) أقول: هذه الرواية ذكرها الكليني في موضعين من الكافي:
1 - بسنده عن علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: إن لله عز وجل مع السلطان
أولياء، يدفع بهم عن أوليائه. الكافي: 5 / 112، كذا في من لا يحضره الفقيه: 3 / 176 و
وسائل الشيعة: 17 / 192 رقم 22326 (ط آل البيت).
2 - بسنده عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له: إني قد أشفقت
من دعوة أبي عبد الله عليه السلام على يقطين وما ولد، فقال: يا أبا الحسن ليس حيث تذهب...)
الكافي: 2 / 13.
قال العلامة المجلسي: (هذا الخبر... يدل على أن يقطين لم يكن مشكورا... ويدل على
أن الصادق عليه السلام كان دعا ولعن، على (يقطين) و (ولده) وكان ابنه (علي)، مشفقا خائفا من
أن يصيبه أثر تلك الدعوة واللعنة. مرآة العقول: 7 / 65.
فعلى هذا، سقط شئ من آخر الرواية الأولى، وشئ من أول الرواية الثانية، وصحف
(على يقطين) ب‍ (علي بن يقطين).
(2) رجال الكشي: 4 رقم 7.
(3) رجال الكشي: 6 رقم 13.
82

ومقيدا، متكثرا (1).
ومنها: ما ذكره في (حماد بن عيسى (2) فإنه بعد ذكر بعض الروايات قال:

(1) يحتمل أن يكون (جبرئيل بن محمد) مصحف (جبرئيل أبو محمد) لأن كنيته، أبو
محمد، كما في رجال الشيخ: 458 رقم 9، رجال ابن داود: 61 رقم 293، مجمع الرجال:
2 / 16، منهج المقال: 80، نقد الرجال: 66، منتهى المقال: 74، طرائف المقال: 1 / 204،
جامع الرواة: 1 / 146، إتقان المقال: 169، تنقيح المقال: 1 / 207، أعيان الشيعة: 4 / 65،
وميزان الاعتدال: 2 / 94، لسان الميزان: 2 / 121 و....
أو كان (أبو محمد جبرئيل بن أحمد)، كتب الناسخ (أحمد) أيضا (محمد) لما في ذكره
من لفظة (محمد) في أول اسمه.
(2) راجع ترجمته في الكتب الرجالية للخاصة:
إتقان المقال: 54، أعيان الشيعة: 6 / 221، بهجة الآمال: 3 / 362، التحرير الطاووسي:
82، تعليقة الوحيد على المنهج: 124، تنقيح المقال: 1 / 366، جامع الرواة: 1 / 270،
جامع المقال للطريحي: 64، خاتمة المستدرك: 592، الخلاصة: 56، رجال ابن داود: 84،
رجال الأنصاري: 72 - 83، رجال البرقي: 21، 48، 53 و 57، رجال الشيخ: 174 و 346،
رجال النجاشي: 142 رقم 370، طرائف المقال: 1 / 446، الفهرست للشيخ: 61، قاموس
الرجال: 3 / 655، مجمع الرجال: 2 / 228، معالم العلماء: 43، معجم رجال الحديث:
6 / 224، منتهى المقال: 119، منهج المقال: 123، نقد الرجال: 116 وهداية المحدثين:
49.
وراجع ترجمته في الكتب الرجالية للعامة:
الإكمال لابن مأكولا: 6 / 54، تقريب التهذيب: 1 / 197، تهذيب التهذيب: 3 / 18،
تهذيب الكمال: 7 / 281، الجرح والتعديل: 3 / 145، الضعفاء لابن الجوزي: 42، الضعفاء
والمتروكين للدارقطني: 78، المجروحين لابن حبان: 1 / 253، معجم المؤلفين: 4 / 73،
المغني في الضعفاء: 1 / 190، ميزان الاعتدال: 1 / 598، لسان الميزان: 7 / 204 والوافي
بالوفيات: 13 / 151.
83

(عاش إلى وقت الرضا عليه السلام) (1) ووافقه على ذلك الشيخ في الرجال (2)
والسيد بن طاوس (3) والفاضل، حسن بن داود (4).
مع أنه صرح بعد العبارة المذكورة بلا فصل: (وتوفى سنة تسع ومائتين) (5).
ومقتضى ذلك، أنه بقى بعد وفات مولينا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -
سبعة سنين (6).

(1) رجال الكشي: 317 رقم 572.
(2) رجال الطوسي: 174، (في أصحاب الرضا عليه السلام).
(4) التحرير الطاووسي: 82 رقم 110.
(4) رجال ابن داود: 84 رقم 523.
(5) وفي كتب العامة، أنه مات سنة ثمان ومائتين كما في تهذيب الكمال، للمزي:
7 / 282، ميزان الاعتدال، للذهبي: 1 / 598، الوافي بالوفيات، للصفدي: 13 / 151،
تهذيب التهذيب، لابن حجر: 3 / 19 و....
(6) قال النجاشي: (... ومات في حياة أبي جعفر الثاني عليه السلام ولم يحفظ عنه رواية عن
الرضا ولا عن أبي جعفر عليهما السلام - إلى أن قال -: ومات في سنة تسع ومائتين وقيل: سنة ثمان
ومائتين وله نيف وتسعون سنة.) رجال النجاشي: 143 رقم 370. وقال الأربلي: (عن أمية
ابن علي القيسي، قال: دخلت أنا وحماد بن عيسى علي أبي جعفر عليه السلام. كشف الغمة: 2 / 365.
ولا يخفى أن قول الكشي: (له نيف وسبعون سنة) مصحف، والصحيح ما في النجاشي
كما في الإختصاص للمفيد: 205، الخلاصة: 56، رجال ابن داود: 84، جامع الرواة:
1 / 273 و... أيضا.
قال المحقق الخوئي قدس سره - بعد ذكر صريح النجاشي والكشي والمفيد بأنه مات سنة 209
أو 208 -: (ولكن المذكور في الكشي والاختصاص وفي رجال الشيخ، انه عاش إلى زمان
الرضا عليه السلام وهذا الكلام، ظاهر في عدم إدراكه زمان الجواد عليه السلام، إلا أنه لابد من حمله على
خلاف ظاهره: بأن يراد به، انه عاش إلى تمام زمان الرضا عليه السلام. معجم رجال الحديث:
6 / 229.
84

فإنه على ما رواه في الكافي توفى سنة اثنتين ومائتين (1).
ومنها: ما ذكره في ترجمة معاوية بن عمار، فإنه ذكر فيها: (أنه عاش مائة
وخمسا وسبعين سنة) (2)، فإن الظاهر أنه اشتباه عن ذكر زمان الوفاة، نظرا
إلى ما ذكره النجاشي: (من أنه مات سنة خمس وسبعين ومائة) (3) مضافا إلى
ما فيه من البعد الشديد، بل كاد أن يقطع بخلافه، (4) مع أنه على هذا، يلزم
تمكنه من الرواية عن النبي ومن بعده من الأئمة الطاهرين - صلوات الله تعالى
عليهم أجمعين - (5)، ولم يظهر منه روايته عنهم وعدم الرواية مع التمكن، بعيد
جدا.
ومنها: ما ذكره في ترجمة الحسن والحسين الأهوازيين: (من أنهما ابنا
سعيد بن حماد بن سعيد موالي علي بن الحسين - صلوات الله تعالى

(1) الكافي: 1 / 486. فيه: (إنه قبض عليه السلام في صفر من سنة ثلاث ومائتين وهو ابن
خمس وخمسين سنة. وقد اختلف في تاريخه إلا أن هذا التاريخ هو أقصد إن شاء الله).
(2) رجال الكشي: 308 رقم 557.
(3) رجال النجاشي: 411 رقم 1096.
(4) قال السيد الناقد قدس سره: (هذا بعيد جدا، إذ لم يسمع مثله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى
تقدير وقوعه، بعيد أن يكون في زمان رسول الله وأمير المؤمنين وباقي الأئمة إلى
الصادق عليهم السلام ولم ينقل منهم أصلا. ويمكن أن يكون هذا من أغلاط كتاب الكشي، كما قال
النجاشي والعلامة: (فيه أغلاط كثيرة)، ولعل هذا، تاريخ فوته، لا مدة معيشته). نقد الرجال:
347.
(5) قال المحقق الخوئي قدس سره: (... فلا يعقل إدراكه عن ثمانية من المعصومين: على كل
تقدير وهو باطل جزما، ومن المطمأن به، أن المذكور في الكشي، انما هو تاريخ وفاته).
معجم الرجال: 18 / 217.
85

عليهما -) (1).
وكان عليه أن يقول: (من موالي علي بن الحسين عليها السلام) وقال
الوالد المحقق: وإن حمادا أيضا، يكون ابن مهران، كما في كلام الشيخ
والعلامة.
قلت وفيه: إن ما نقله عن الشيخ غير موافق لكلماته في كتابيه، فإنه ذكر في
الرجال في أصحاب الرضا عليه السلام: (الحسن بن سعيد بن حماد مولى علي بن
الحسين عليهما السلام كوفي، أهوازي) (2).
وقال فيه أيضا: (الحسين بن سعيد مولى علي بن الحسين عليهما السلام صاحب
المصنفات، الأهوازي، ثقة) (3).
وقال في أصحاب الجواد عليه السلام: (الحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازي من
أصحاب الرضا عليه السلام) (4).
بل قال في الفهرست: (الحسن بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران
الأهوازي، من موالي علي بن الحسين عليهما السلام (5) وذكر نظيره في أخيه
الحسين (6).
والظاهر أن كلامه سهو عن النجاشي، فإنه ذكر فيه: (الحسين بن سعيد بن

(1) رجال الكشي: 551 رقم 1041.
(2) رجال الطوسي: 371 رقم 4.
(3) رجال الطوسي: 372 رقم 17.
(4) رجال الطوسي: 399 رقم 1.
(5) الفهرست: 53 رقم 186.
(6) الفهرست: 58 رقم 220.
86

حماد بن مهران مولى علي بن الحسين عليهما السلام) (1) وذكر مثله العلامة في
الخلاصة (2).
ولكنه يشكل، بأنه يحتمل قويا أن يكون المذكور في كلام الكشي، من باب
النسبة إلى الجد ونظيره غير عزيز.
هذا، ويظهر من التتبع في الكشي ومطاوي كتابنا هذا غير ما ذكرنا
وللاختصار على هذا المقدار اقتصرنا.
وهاهنا فوائد
الأولى: إن اسم كتاب الكشي (معرفة الرجال كما صرح به الشيخ في
في الفهرست في أحمد بن داود (3) وكذا العلامة المجلسي في فواتح البحار (4)
والسيد السند النجفي رحمه الله فيما يأتي من كلامه عن قريب (5).
وأما ما في المعالم بعد عنوان الكشي، وأنه من غلمان العياشي: (له معرفة
الناقلين عن الأئمة الصادقين عليهم السلام) (6) فالظاهر أنه أراد به ما عرفت، وحينئذ
ربما يغاير ما سمعت.

(1) رجال النجاشي: 58 رقم 136.
(2) الخلاصة: 39 رقم 3 و 49 رقم 4.
(3) هو أحمد بن داود بن سعيد الفزازي. الفهرست: 33 رقم 90.
(4) البحار: 1 / 16.
(5) رجال السيد البحر العلوم: 3 / 231.
(6) معالم العلماء: 101 / 679
87

ووضع هذا الكتاب، على ذكر، الأخبار الواردة في أحوال الرجال، مدحا
وقدحا من غير تعديل وجرح غالبا، نعم، ربما يجري على توثيق ونحوه نقله
وشبهه.
ومنه: ما ذكر في ترجمة زرارة - بعد ذكر رواية عن محمد بن بحر، عن
المحاربي، عن يعقوب بن يزيد، عن فضالة -: (إن محمد بن بحر هذا، غال،
وفضالة ليس من رجال يعقوب، وهذا الحديث مزاد فيه، مغير عن وجهه) (1)
(انتهى).
وما يحكى فيه عن الفضل بن شاذان وغيره، ممن سئل عنهم أحوال
الرواة (2) بل جرى عند الكلام في يونس بن عبد الرحمن في مضمار الترجيح،
وأجاد فيما أفاد، فإنه بعد ما ذكر فيه من الأخبار المادحة: (روى بإسناده عن
الحجال أنه قال: كنت عند مولينا الرضا عليه السلام ومعه كتاب يقرؤه في باب، حتى
ضرب به الأرض فقال: كتاب ولد الزنا للزانية، فكان كتاب يونس) (3).
وعن يونس بن بهمن، قال: قال يونس بن عبد الرحمن: كتبت إلى أبي
الحسن الرضا عليه السلام سألته عن آدم عليه السلام هل كان فيه من جوهرية الرب شئ.

(1) رجال الكشي: 148 رقم 235.
(2) قال في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد الصنعاني: (ذكر الفضل بن شاذان: أنه
صالح). رجال الكشي: 446 رقم 839.
وفى ترجمة الحسن بن محمد بن بابا: (ذكر أبو محمد الفضل بن شاذان: أن من الكذابين
المشهورين، ابن بابا). رجال الكشي: 520 رقم 999.
وفى ترجمة فارس بن حاتم القزويني: (ذكر الفضل بن شاذان: أن من الكذابين
المشهورين: الفاجر فارس بن حاتم القزويني). رجال الكشي: 523 رقم 1004 و....
(3) رجال الكشي: 495 رقم 949.
88

قال فكتب إلى جواب كتابي: ليس صاحب هذه المسألة على شئ من السنة!
زنديق!!) (1).
و (عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يعقوب بن يزيد، عن أبيه، عن أبي عن أبي
الحسن عليه السلام... قلت له: أصلي خلف يونس وأصحابه؟ فقال: يأبى ذلك عليكم،
علي بن حديد! قلت: آخذ بقوله في ذلك؟ فقال: نعم! قال: فسألت علي بن
حديد عن ذلك، فقال: لا تصل خلفه ولا خلف أصحابه!
فقال: فلينظر الناظر، فيتعجب من هذه الأخبار التي رواها القميون في
يونس! وليعلم أنها لا تصح في العقل!
أما حديث الحجال: فإن أبا الحسن عليه السلام أجل خطرا وأعظم قدرا من
القذف (2). وكذلك آبائه وأبنائه، فإنهم قد نهوا عنه، وحثوا على غيره، فهم
منزهون عن البذاء والرفث والقذف.
وأما حديث ابن بهمن: فلا يعقل أن يظهر يونس له مثلبة من نفسه، إذ ليس
في طباع الناس إظهار مساويهم بألسنتهم، على نفوسهم.
وأما حديث أحمد وعلي: فقد ذكر الفضل رجوعهما عن الوقيعة في يونس،
ولعل هذه الروايات، كانت من أحمد، قبل رجوعه. ومن علي، مداراة
لأصحابه) (3).
ومنه يظهر، أن ما ذكره الوالد المحقق رحمه الله يوما في مجلس الدرس: (من أنه
لم يثبت من الكشي، إلا مجرد ذكر الأخبار ردا على بعض، من دعوى لحاظه

(1) رجال الكشي: 495 رقم 950.
(2) في المصدر (... وأعظم قدرا من أن يسب)
(3) رجال الكشي: 497 رقم 955. ولا يخفى أن المؤلف قدس سره ذكر مضمون كلام الكشي
ملخصا مع التأخير والتقديم. فراجع.
89

دقائق الأنظار، في غير محله).
وهو غير مبوب، على خلاف الطريقة المعروفة في الكتب الرجالية، ولذا
يصعب منه الظفر على المرام.
وكثيرا ما، يروي أخبارا متعددة في حق شخص واحد، في مواضع شتى،
فلابد لمن أراد تحقيق الحال، التصفح الأكيد والتفحص الشديد فيه، ليحصل
الاطلاع على تمام المرام.
ثم النظر في حال أسانيد الروايات، لاشتمال غير واحد منها، على الضعفاء
ثم ترجيح بعضها على بعض، مضافا إلى النظر في ساير ما صنف في هذا الفن.
وربما يذكر بعض الرواة، من غير ذكر شئ من الروايات، فيصير حال
الراوي حينئذ، حال المهملين. إذ انحصر ذكره، أو ذكر في غيره على وجهه،
حقيقة أو حكما.
وحكى في اللؤلؤة، عن الصالح الأديب الشيخ داود البحراني (1) وفي
المستدرك، عن الفاضل القهبائي صاحب المجمع (2) أنهما رتباه على حروف
المعجم.
وربما اختلج بالبال، الأقدام على هذا المرام، ولكن قد طويت عنه كشحا،
لوجوه: منها التمكن من تسهيل الاطلاع بوجه آخر.
ثم إن من العجيب في المقام، ما ذكره في الذكرى، اعتذارا عن عدم نص
الأصحاب على (حكم بن مسكين) بأن الكشي ذكره في كتابه ولم يتعرض له

(1) لؤلؤة البحرين: 403.
(2) مستدرك الوسائل: 3 / 529.
90

بذم فإن عدم تعرضه كذلك، لا يكشف عن وثاقته، أو مدحه (1).
ولقد أجاد ثانية فيما أورد عليه في بعض رسائله: (من أن مجرد عدم ذكر
الكشي، لا يوجب قبولا له، فقد ذكر في كتابه: المقبول، وغيره، بل لو ذكر بهذه
الحالة جميع المصنفين، من هو أجل من الكشي، لم يفد ذلك قبولا، فكيف
بمثل الكشي الذي يشتمل كتابه على أغاليط: من جرح لغير مجروح بروايات
ضعيفة، ومدح لغيره، كما نبه عليه جماعة من علماء هذا الفن.
والغرض من وضعه، ليس معرفة التوثيق وضده، كعادة غيره من الكتب، بل
غرضه، ذكر الرجل وما ورد فيه من مدح أو ذم. وعلى الناظر، طلب الحكم من
غيره، وحيث لا يقف على شئ من أحواله، فيقتصر على ذكره، كما يعلم ذلك
من تأمل الكتاب، فكيف يجعل مجرد ذكره له موجبا لقبول روايته، ما هذا، إلا
عجب من هذا المحقق المنقب (2).
أقول: وقد أجاد فيما أفاد، ولكن مع هذا، لا يخلو من الاضطراب، حيث إن
ما ذكره من اشتماله، على جرح لغير مجروح، ومدح لغير ممدوح، ينافي
ما ذكره في الذيل: من أن غرضه، ذكر الرجل وما ورد فيه من مدح أو ذم،
مضافا إلى أن ما عزاه إلى الجماعة، غير خال من البشاعة، كما هو ظاهر مما
قدمناه.
وبالجملة: فلا ارتياب في أن مجرد ذكر شخص في الكتاب، مع عدم
التعرض للقدح، غير موجب للاعتبار.
ومن هنا ما جرى الفاضل الأسترابادي، على ضعف طريق الصدوق إلى

(1) الذكرى: 231.
(2) رسائل الشهيد الثاني: 67.
91

عبيد بن زرارة، بواسطة الاشتمال على (الحكم، لكنه جرى على تصحيح
السند، بما ذكره النجاشي، في طريقه إليه (1).
لكنه ضعيف عموما وخصوصا، كما يظهر للمتأمل فيه وفيما سيأتي.
نعم إنه جرى في المستدرك عند الكلام في الطريق إلى أيوب بن أعين
على وثاقة (الحكم) استنادا إلى وجوه (2) لا يخلو بعضها من ضعف. ويظهر
الوجه بملاحظته ووجه ضعفه بما سيجئ إن شاء الله تعالى.
وبما ذكرنا يظهر ضعف ما ربما يترائى اعتبار بعض الرواة برواية الكشي
عنه، لأكثاره من الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، بحيث لا يبقى لاعتماده
اعتماد، كما ذكره جدنا العلامة (3) رحمه الله (3) في موضع من الشوارع (4).
الثانية: إنه قد تصدى السيد بن طاووس (5) لترتيب هذا الكتاب وتبويبه،
منضما إلى كتب أخرى من الكتب الرجالية، مسميا له ب‍ (حل الأشكال في
معرفة الرجال) كما عده الشهيد الثاني في إجازته للمجاز المتقدم من كتبه،
معبرا عنه بما ذكر، قائلا: (وهذا الكتاب موجود عندنا بخطه المبارك) (6).
وقد جرى صاحب المنتقى، على انتزاعه عما عداه، لوجه ذكره في فاتحته،

(1) منتهى المقال: 380.
(2) مستدرك الوسائل: 3 / 577.
(3) المراد منه: الحاج محمد إبراهيم بن محمد حسن الخراساني الأصفهاني
الكلباسي المتوفى سنة 1261. له كتاب شوارع الأحكام في شرايع الإسلام. راجع: الذريعة:
14 / 235.
(4) ذكره عند ذكر الاختلاف في أفضلية التسبيح أو القراءة في الأخيرين. (منه رحمه الله).
(5) التحرير الطاووسي: 24.
(6) راجع: البحار: 108 / 154.
92

مسميا له ب‍ (تحرير الطاووسي) وهو الموجود في هذه الأعصار، كما جرى
الفاضل التستري، على انتزاعه كتاب ابن الغضائري عنها، كما مر.
ولقد أجاد السيد، فيما صنعه، لما فيه من حسن الترتيب، وسهولة الاطلاع
والاشتمال على الفوائد، ولكنه مع عدم احتوائه لكثير من الأخبار المذكورة
في الأصل، بل ليس فيه إلا أقل قليل منها، ونقل كثير منها بالمعنى، أو
بالإشارة، بحيث لا يجدي عن الأصل أصلا، متضمن لاشتباهات.
منها: ما ذكره في إبراهيم بن محمد بن فارس، من: (أنه ثقة في نفسه، لكن
بعض من روى عنه.
الطريق: أبو عمرو الكشي، عن النضر (1) (انتهى).
فإنه بعد ما عنون جماعة قال: (سألت أبا النضر عن جميع هؤلاء - إلى أن
قال: - قال: أما إبراهيم بن محمد بن فارس، فهو في نفسه لا بأس به، ولكن
بعض من يروي هو عنه) (2).
والظاهر إطباق النسخ على ما ذكرنا، كما يظهر من جماعة من أرباب
الرجال، كالفاضل العناية (3) والاسترابادي (4) والجزائري (5) وغيرهم. وهو
المكتوب في النسختين الموجودتين.
نعم، إنه حكى الشهيد الثاني في تعليقاته على الكشي: التوثيق (6). والظاهر

(1) التحرير الطاووسي: 22.
(2) رجال الكشي: 530، رقم 1014.
(3) مجمع الرجال 1: 69.
(4) منهج المقال: 27.
(5) حاوي الأقوال: 180 / 902. (المخطوط)
(6) كما في النسخة المخطوطة للروضة الرضوية.
93

أنه في غير محله.
ونحوه ما في المعراج، من نسبة التوثيق إلى التحرير الطاووسي (1).
هذا، مع أن المسؤول، أبو النضر، وهو محمد بن مسعود العياشي
ومنها: أنه ذكر في الحسين بن عبد ربه: (أنه كان وكيلا).
مع أن المكتوب في النسختين الموجودتين من الكشي، نسبة الوكالة إلى
على بن الحسين بن عبد الله (2)، وهو المحكي عنه في المنهج (3) والمنتهى (4).
نعم، إنه حكى في المنتقى عن عدة نسخ: علي بن الحسين بن عبد ربه (5).
فعلى الأول يتعدد الاشتباه، بخلاف غيره.

(1) كلما تفحصنا، ما وجدنا في المعراج منه أثر. وقال المحقق المامقاني: ربما حكى
الوحيد عن المحقق البحراني، نقل التوثيق عن ابن طاووس، وهو غريب، فان المعراج،
خال عن التعرض لحال الرجل بالمرة وإنما نقل في الثقفي (إبراهيم بن محمد بن سعيد) عن
الوجيزة، نقل توثيقه، عن ابن طاووس، نعم نقله في البلغة، التوثيق عن قائل، دون
خصوص ابن طاووس. تنقيح المقال: 1 / 23. راجع معراج أهل الكمال: 80، ترجمة إبراهيم
ابن محمد بن سعيد الثقفي وبلغة الكمال: 325 - 324، ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد،
إبراهيم بن محمد بن فارس.
(2) رجال الكشي: 510، رقم 984، أقول: ذكر الكشي ثلاث روايات، أحدها: ما
ذكره المؤلف: (بأن الوكيل، علي بن الحسين بن عبد الله). والثاني: ما ذكره تحت ر قم 991:
(بأن الوكيل الحسين بن عبد ربه)، كما ذكره ابن طاووس. والثالث: ما ذكره تحت رقم 992:
(بأن الوكيل، علي بن الحسين بن عبد ربه)، كما ذكره في المنتقى، فالأشكال ينشأ مما ذكره
الكشي، فما أورده المؤلف من الأشكال على السيد، في غير محله.
(3) منهج المقال: 113 قال: وكالة الحسين بن عبد ربه، فيها موضع نظر....
(4) منتهى المقال: 110 وقال في آخر ترجمته: الحسين هذا، مجهول.
(5) منتقى الجمان: 1 / 109. آداب الخلوة وأحكامها.
94

ومنها: إنه ذكر في ثابت بن دينار: (من أنه حكى عن مولانا الرضا - عليه
آلاف التحية والثناء - أنه يقول: أبو حمزة، في زمانه كلقمان في زمانه، وذلك
أنه قدم أربعة منا: علي بن الحسين عليهما السلام و...) (1). (انتهى)
واقتفى أثره في الخلاصة (2) والظاهر أن (قدم) اشتباه عن (خدم) كما هو
الحال في النسخة الموجودة من الكشي (3) والمحكي عنه في كلام الشهيد
الثاني (4) والسيد السند التفرشي (5)، بل يظهر من الأول، أن قوله: (كلقمان)
أيضا اشتباه عن (سلمان نظرا إلى أنه الموجود، في الكشي.
قلت: إن المكتوب في النسخة الموجودة، ما ذكره، ولكن كتب في الحاشية
(كسلمان) مضروبا، إلا أن الظاهر، صحة المضروب، نظرا إلى أنه ذكر هذه
الرواية أيضا بعد ذلك، والمذكور فيها (كسلمان) ويؤيده أيضا التعليل
المستفاد من الذيل (6).

(1) التحرير الطاووسي: 102.
(2) لاحظ رجال العلامة: 29، رقم 5، وفيه: خدم. وفي النسخة المخطوطة للرضوية:
(قدم).
(3) رجال الكشي: 203، رقم 357.
(4) حاشية الشهيد الثاني على الخلاصة. (النسخة المخطوطة الرضوية) ترجمة ثابت
ابن دينار.
(5) نقد الرجال: 63.
(6) إليك تمام الرواية: (سمعت الرضا عليه السلام يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه، كلقمان
في زمانه، وذلك أنه قدم (خدم) أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد
وبرهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام ويونس بن عبد الرحمان كذلك، هو سلمان في زمانه).
رجال الكشي: 203 رقم 357.
95

وبالجملة: فالأسهل في الاطلاع على أخباره، الرجوع إلى المنهج، فإنه
لسفينة سائرة، لراكب هذه اللجج.
الثالثة: إن الموجود، من كتاب الكشي في هذه الأعصار، (اختيار الرجال)
الذي وضعه شيخ الطائفة، فإن الذي يستفاد من كلام جماعة (1) إن كتاب
الكشي، كان مشتملا على أخبار الخاصة والعامة، مع اختلاط بعضها
بالأخرى، فاختصره الشيخ مسقطا منه الزوائد، وسماه باختيار الرجال، وهو
الموجود في هذه الأعصار، بل وعصر العلامة وما قاربه، كما نص به بعض (2)
ولذا يعبر عنه في كلام بعض مهرة الأخيار، ب‍ (الاختيار)، كما وقع من المنهاج
من نهج منهجه، وصرح بما ذكرنا غير واحد من الأصحاب كصاحب
الرواشح (3)، والمجمع (4) والرياض (5) والمنتهى (6) (7).
ويشهد بما ذكرنا مضافا إلى ما مر، ما ذكر في أواخر الاختيار، في ترجمة
(أبي يحيى الجرجاني).

(1) مجمع الرجال: 1 / 251، ترجمة البراء بن عازب. خاتمة مستدرك الوسائل:
3 / 529، لؤلؤة البحرين: 402، الذريعة: 10 / 141 ومصفى المقال في مصنفي علم
الرجال: 375.
(2) راجع: مستدرك الوسائل: 529. آخر الفائدة الثالثة.
(3) الرواشح السماوية: 68، وفيه: (الذي نجده فيما هو المعروف في هذا العصر من
كتاب أبي عمرو الكشي في الرجال وهو اختيار الشيخ رحمه الله وخيرته منه).
(4) مجمع الرجال: 1 / 11.
(5) رياض العلماء: 7 / 240.
(6) لا تتوهمن عدم الملاحظة في الترتيب في الذكر. (منه رحمه الله)
(7) منتهى المقال: 285.
96

قال أبو عمرو: (وأبو يحيى الجرجاني، اسمه أحمد بن داود بن سعيد، كان
من أجلة أصحاب الحديث - إلى أن قال -: وسنذكر بعض مصنفاته، فإنها
ملاح).
قال الشيخ بعده بلا فصل: (ذكرناها نحن في كتاب الفهرست (1)
فقوله: (ذكرنا...) بانضمام ما وقع ذكر الكتب فيه في الترجمة (2) شاهد
صدق على المدعى.
ومثله، ما ذكر فيه في ترجمة فضل بن شاذان: (وقيل: إن للفضل بن شاذان،
مائة مصنفا، ذكرنا بعضها في كتاب الفهرست (3) فإنه مع وقوع ذكر عدة منها
فيه، نص على ما أسبقناه (4).
وقد أجاد من قال من: (أن دلالته على كون الموجود في هذه الأعصار، هو
الاختيار، خالية عن الاستتار).
وأيضا قد عد الشيخ من جملة كتبه: كتاب (اختيار الرجال) وهو هذا
الكتاب المعروف، كما ذكر السيد السند النجفي قدس سره عند عده مصنفاته في الرجال:
(وكتاب الاختيار، وهو تهذيب معرفة الرجال للكشي (5)
فبان مما بيناه أن ما ذكره في الذخيرة في جملة كلام له: (إن أبا بصير يحيى
ابن القاسم أسدي، كما يظهر من رجال النجاشي والكشي واختيار الرجال (6)

(1) رجال الكشي: 532، رقم 1016.
(2) الفهرست: 33، رقم 90.
(3) رجال الكشي: 545، رقم 1029.
(4) الفهرست: 124، رقم 552.
(5) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 231.
(6) ذخيرة المعاد للمحقق السبزواري: 65.
97

لا يخلو عن المقال.
هذا، وربما يظهر من بعض القرائن، أنه قد وقع في (اختيار الشيخ) أيضا،
تصرف من بعض العلماء، أو النساخ، بإسقاط بعض ما فيه، وأن الدائر في هذه
الأعصار، غير حاو لتمام ما في الاختيار، كما صرح به الفاضل النحرير
النوري (1) استشهادا إلى ما وقع النقل عن (الاختيار) من جماعة في مواضع،
مع عدم وجود المنقول في (الاختيار) الموجود في هذه الأعصار (2).

(1) ذكره في آخر الفائدة الثالثة المرسومة في ختام المستدرك. (منه رحمه الله). راجع:
خاتمة المستدرك: 530.
(2) قال المحقق النوري: واعلم أنه قد ظهر لنا من بعض القرائن، أنه قد وقع في اختيار
الشيخ أيضا، من تصرف بعض العلماء أو النساخ، بإسقاط بعض ما فيه وأن الدائر في هذه
الأعصار، غير حاو لتمام ما في الاختيار، ولم أر من تنبه لذلك ولا وحشة من هذه الدعوى
بعد وجود القرائن التي منها:
ما في (فرج الهموم) للسيد رضي الدين، علي بن طاوس: قال في جملة كلام له: (ونحن
نذكر ما روى عنه - يعنى عن جده الشيخ الطوسي - في أول اختياره عن خطه، فهذا لفظ ما
وجدناه: أملأ علينا الشيخ الجليل، الموفق، أبو جعفر، محمد بن الحسن بن علي الطوسي،
- أدام الله علوه - وكان ابتداء إملائه يوم الثلاثاء، السادس والعشرين من صفر، سنة ست
وخمسين وأربعمائة، بالمشهد المقدس الشريف الغروي - على ساكنه السلام - فإن هذه
الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال، لأبي عمرو، محمد بن عمر بن عبد العزيز
الكشي، اخترنا ما فيها. انتهى.
وأول النسخ التي رأيناها، الأخبار السبعة التي صدر بها الكتاب، قبل الشروع في
التراجم وليس فيه هذه العبارة.
ومنها: ما في (مناقب ابن شهرآشوب) نقلا عن اختيار الرجال، لأبي جعفر الطوسي،
عن أبي عبد الله عليه السلام، عن سلمان الفارسي، أنه لما استخرج أمير المؤمنين عليه السلام، خرجت
فاطمة عليها السلام حتى انتهت إلى القبر، فقالت: خلوا عن ابن عمي! فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم
بالحق، لئن لم تخلوا عنه، لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسي
ولأصرخن إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي.
قال سلمان فرأيت والله أساس حيطان المسجد، تقطعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن
ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها، فقلت: يا سيدتي ومولاتي! إن الله تبارك وتعالى بعث أباك
رحمة، فلا تكوني نقمة! فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في
خياشيمنا. (انتهى).
ولم أجد هذا الخبر في النسخ التي رأيناها.
ومنها: ما في حاشية (تلخيص المقال) للعالم المحقق الا ميرزا محمد - طاب ثراه - ما
لفظه: (ذكر أبو جعفر الطوسي في اختيار الرجال، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبي البختري، قال حدثنا عبد الله بن الحسن بن الحسن: أن بلالا أبى أن يبايع أبا بكر،
وأن عمر أخذ بتلابيبه فقال له: يا بلال! هذا جزاء أبي بكر منك أن أعتقك فلا تجئ تبايعه.
فقال: إن كان أبو بكر أعتقني لله، فليدعني له، وإن كان اعتقني لغير ذلك، فها أنا ذا!! أما
بيعته، فما كنت أبايع أحدا لم يستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي استخلفه، بيعته في أعناقنا
إلى يوم القيمة.
فقال عمر لا أبا لك، لا تقم معنا! فارتحل إلى الشام وتوفى بدمشق، ودفن بالباب
الصغير، وله شعر في هذا المعنى، كذا وجد منسوبا إلى الشهيد الثاني. ولم أره في كتاب الاختيار.
ومنها: ما في رجال ابن داود في ترجمة (حمدان بن أحمد) نقلا عن الكشي: أنه من
خاصة الخاصة، أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والأقرار له بالفقه في آخرين.
(انتهى).
هو غير مذكور في الكتاب. وعده من أوهام ابن داود، بعيد، كبعد كون النقل، من أصل
كتاب الكشي. خاتمة المستدرك: 530.
نقلناه بطوله لما فيه من الفوائد.
98

أقول: ولعل منه، ما تقدم في داود بن أبي زيد، ولكن قد عرفت من المجمع
خلافه (1).

(1) الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف لأنه لم يذكر (داود بن أبي زيد) فيما تقدم، بل يأتي
منه آنفا.
أقول: في المجمع، عن الفهرست: (داود بن أبي زيد من أهل نيسابور، ثقة... وذكره
الكشي في كتابه) ثم قال في الهامش: (والعجب أن المصنف الشيخ ما نقل هذا الرجل
الجليل، من الكشي إلى كتابه المنتخب منه، المسمى باختيار الرجال المشهور بالكشي،
لانتخابه إياه منه، لا أصالة ولا تبعا. مجمع الرجال: 2 / 279.
100

المقصد الثالث
في الحبر الذي يقتطف منه أزهار العلوم
ويقتبس منه أنواع الفضل وأنواره،
شيخ الطائفة
محمد بن الحسن الطوسي
101

شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (1)
المقصد الثالث
في الحبر الذي يقتطف منه أزهار العلوم وأنواره، ويقتبس منه أنواع الفضل
وأنواره، المتمهر النحرير والمضطلع بلا نظير، رئيس المذهب والملة، شيخ
المشائخ الجلة، محمد بن الحسن بن علي الطوسي - قدس الله تعالى روحه -.
وقد تعرض لذكره جملة من الأجلاء، وبالغوا فيه في النعت والاطراء، كما
قال محيي الشريعة والرسوم، بحر الفضائل والعلوم:
(شيخ الطائفة المحقة ورافع أعلام الشريعة الحقة، إمام الفرقة بعد الأئمة

(1) راجع ترجمته: الفهرست: 159، رجال النجاشي: 403 رقم 1068، معالم العلماء:
114 رقم 766، رجال ابن داود: 169 رقم 1355، الخلاصة: 148 رقم 46، مجمع الرجال:
5 / 193، حاوي الأقوال: 134، منهج المقال: 292، نقد الرجال: 301 رقم 244،
جامع الرواة: 2 / 95، الوجيزة للمجلسي: 298 رقم 1622، رجال السيد بحر العلوم:
3 / 227، منتهى المقال: 269، تعليقة الوحيد على المنهج: 291، خاتمة المستدرك: 505،
اتقان المقال: 121، بهجة الآمال: 6 / 360، تنقيح المقال: 3 / 104، معجم الرجال:
15 / 243 رقم 10499، قاموس الرجال: 8 / 134، (الطبعة الأولى).
وسير أعلام النبلاء: 18 / 334، لسان الميزان: 5 / 135 والوافي بالوفيات: 2 / 349.
103

المعصومين - صلوات الله عليهم أجمعين -، عماد الشيعة الإمامية في كل ما
يتعلق بالمذهب والدين، محقق الأصول والفروع، ومهذب فنون المعقول
والمسموع، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوي إليه الأعناق،
صنف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في ذلك والأمام) (1).
ثم فصل في تصانيفه في الفنون كما صنع نحوه، نحوه، ولكنا نتعرض لما هو
مطمح النظر.
فنقول: إنه لا إشكال في تشخيص شخصه، ولا في جلالة شأنه ومقامه، لكن
يقع الكلام في مبحثين:

(1) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 227. وكذا ذكره في مستدرك الوسائل: 3 / 505.
104

المبحث الأول
في بيان مصنفاته في علم الرجال
وما يتعلق به مما نحن في صدده في ذاك المجال
فنقول: إن له كتبا ثلاثة:
الأول: (اختيار الرجال)
كما صرح به نفسه في الفهرست في تعداد تصانيفه (1) وقد تقدم بيان الحال.
وعبر عنه الفاضل في المجالس ب‍ (المختار) فذكر في ترجمة حماد بن
عيسى ما لفظه: (در مختار از أو منقول است كه گفت: من وعباد بن وهب
بصري از إمام جعفر صادق عليه السلام استماع حديث مى نموديم) (2)
وفيه، - مضافا إلى أنه لاوجه للتعبير المذكور - أن المذكور في الاختيار:
(بالاسناد عن حماد بن عيسى أنه قال: سمعت أنا وعباد بن صهيب البصري،
من أبي عبد الله عليه السلام فحفظ عباد مائتي حديث، وحفظت أنا سبعين

(1) الفهرست: 159، رقم 699.
(2) مجالس المؤمنين: 1: 375.
105

حديثا...) (1).
وله أيضا اشتباه آخر في المقام، في النقل عن الخلاصة وغيره، كما لا يخفى
على الخبير.
ثم إنه عنون في الفهرست: داود بن أبي زيد، ناصا على أنه، ثقة، صادق
اللهجة، من أهل الدين، وكان من أصحاب علي بن محمد عليهما السلام له كتب ذكرها
ابن النديم، ثم ذكره الكشي في كتابه (2).
قال في المجمع: (والعجب! أن الشيخ، ما نقل هذا الرجل الجليل، في
الاختيار لا أصالة ولا تبعا) (3) وهو جيد.
(الثاني: الفهرست)
الثاني: الكتاب المعروف، ب‍ (الفهرست والمرموز، ب‍ (ست) والموضوع،
لذكر الأصول والمصنفات، وذكر الطرق إليها غالبا، كما هو المصرح به في
فاتحته، والحاجة إليه متوفرة في الموارد المتكثرة، بناء على القول بلزوم نقد
المشيخة، (4) فإنه ينفع تارة على سبيل الاستقلال، وأخرى على وجه التركيب

(1) رجال الكشي: 316، رقم 571.
(2) الفهرست: 68، رقم 273. فيه: (وله كتب ذكرها الكشي وابن النديم في كتابيهما).
(3) مجمع الرجال 2: 279.
(4) إن الشيخ الطوسي قدس سره ذكر أحاديث كثيرة في كتابيه: (التهذيب) و (الاستبصار)
عن رجال لم يلق زمانهم وإنما روى عنهم بوسائط وحذفها في الكتابين، ثم ذكر في آخرهما
طريقه إلى كل رجل رجل ممن قد ابتدأ به فيهما، وكذلك فعل الشيخ أبو جعفر محمد بن علي
ابن الحسين بن بابويه رضي الله عنه في كتابه (من لا يحضره الفقيه) سمي ذلك ب‍ (المشيخة). راجع:
الخلاصة: 275 الفائدة الثامنة، مجمع الرجال: 7 / 205، الفائدة الثانية عشر. جامع
الرواة 2 / 470.
106

والانضمام، والأول على وجهين:
أحدهما: ما يكون مستقلا في بيان الطرق إلى روايات نفسه، وهي في
موارد:
أحدها: فيما لم يذكر الشيخ الطريق إلى الراوي، في المشيختين (1)، كما هو
الحال في كثير من الأسانيد، بل الأكثر كطريقه إلى حريز، فذكر فيه بقوله بعد
عنوانه:
(أخبرنا بجميع كتبه ورواياته - وذكر طرقا - منها: عدة من أصحابنا، عن
محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد وعبد الله ومحمد وأحمد، كلهم
عن أحمد بن محمد، عن الحسين وعلي وعبد الرحمان، عن حماد عن
حريز (2)
كما أنه قد اتفق ذلك من الصدوق في مشيخته، وسيأتي - إن شاء الله
تعالى - ذكر ما يتعلق به.
وثانيها: فيما ذكر الطريق إليه، ولكن كان الطريق ضعيفا، فيرجع إليه
لتحصيل الطريق الصحيح، وذلك: كما في طريقه إلى ابن أبي عمير (3) فإن في

(1) أي مشيخة التهذيب والاستبصار.
(2) الفهرست: 63، رقم 239.
(3) قال في مشيخة التهذيب: (وما ذكرته عن ابن أبي عمير فقد رويته بهذا الأسناد،
عن أبي القاسم بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن عبيد الله
ابن نهيك عن ابن أبي عمير). التهذيب: 10، شرح مشيخة التهذيب: 79. وكذا في مشيخة
الاستبصار: 4 / 333.
107

الطريق جعفر بن محمد العلوي، ولم يذكر فيه قدح ولا مدح في كتب القدماء
من الرجاليين (1) وذكر في الفهرست طريقا صحيحا إليه (2).
وثالثها: فيما ذكر فيه الطريق، ولكن ذكر في الفهرست طريقا أصح (3).
ورابعا: فيما ذكر فيه الطريق الصحيح أو الأصح، ولكن يرجع إليه لتحصيل

(1) حكم المحقق الخوئي بوثاقته، لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ووصفه محمد
ابن عثمان، شيخ النجاشي: بالشريف الصالح، في ترجمة حذيفة بن منصور، وداود بن
سرحان. معجم الرجال: 4 / 101
ولهذا قال: (طريق الشيخ إلى محمد بن أبي عمير صحيح في الفهرست والمشيخة).
معجم الرجال: 14 / 286.
وقال المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا: للشيخ (إلى محمد بن أبي عمير ثلاث طرق حسنات
في المشيخة والفهرست) جامع الرواة: 2 / 512. وقال بمثله، المحقق النوري. خاتمة
المستدرك: 742.
وقال السيد بحر العلوم أيضا بحسن طريقه في المشيخة. رجال السيد بحر العلوم: 4 / 93.
وقال السيد الناقد التفرشي قدس سره: (وإلى محمد بن أبي عمير صحيح) من دون إشارة إلى
طريقيه في الفهرست والمشيخة. نقد الرجال: 423. ولم يذكر العلامة طريق الشيخ إليه في
التهذيبين. راجع: الخلاصة: 275 الفائدة الثامنة.
(2) قال في الفهرست: 142، رقم 607، (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة عن ابن
بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عنه).
(3) كما في طريقه إلى الحسن بن محبوب في المشيخة (التهذيب: 10 / 52، قسم
المشيخة) وطريقه إليه في الفهرست بقوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدة عن أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن... وأحمد بن
محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب). الفهرست: 47 رقم 151.
وقول المحقق العلامة النوري قدس سره بأن طريق الشيخ إلى الحسن بن محبوب صحيح في
الفهرست والمشيخة، فإن أراد صحة جميع الطرق فغير تام، لأن للشيخ إليه فيهما ثلاثة
عشر طرقا، أكثرها ضعاف. راجع نخبة المقال في تمييز الأسناد والرجال: 107.
108

الطريق المتعدد واستقصاء الطرق، كما ذكر في أحمد بن محمد بن عيسى طريقا
ثلاثة (1). غير ما ذكره في المشيخة (2) ونحوه غيره.
والمستند في الرجوع إليه، في الموارد المذكورة، ما ينصرح من كلاميه في
المشيختين، كما قال في مشيخة التهذيب:
(واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء، بذكر المصنف الذي أخذنا من
كتابه، أو من صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله - إلى أن قال -:
فحيث وفق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب، نحن نذكر الطرق التي بها
نتوصل إلى رواية هذه الأصول والمصنفات، ونحن نذكر على غاية ما يمكن
من الاختصار، ليخرج الأخبار عن حد المراسيل ويلحق بباب
المسندات) (3).
فذكر الطرق، وقال بعد الفراغ منها: (وأوردت جملة من الطرق إلى هذه
المصنفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول وهو مذكور في الفهارست

(1) الفهرست: 25، رقم 65. فيه: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا،
منهم الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه وسعد بن
عبد الله، عنه.
وأخبرنا عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن
الحسن الصفار وسعد، جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى.
وابن الوليد المبوبة، عن محمد بن يحيى والحسن بن محمد بن إسماعيل، عن أحمد بن
محمد.
للشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى ثمانية طرقا، ذكر ثلاثة منها في الفهرست وخمسة
منها في المشيخة. راجع: نخبة المقال في تمييز الأسناد والرجال: 60.
(2) التهذيب: 10 / 42. (قسم المشيخة).
(3) التهذيب: 10 / 5. (قسم المشيخة).
109

المصنفة في هذا الباب للشيوخ - رحمهم الله - ومن أراده أخذه من هناك، وقد
ذكرناه نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة) (1).
وذكر قريب منه في مشيخة الاستبصار (2).
ومقتضى كلامه كما ترى يعم الصور المذكورة.
فما ذكره السيد السند النجفي، في كلام منه من عدم صحة الرجوع إليه
في الوجهين الأخيرين، بل وكذا الثاني، بمقتضى عموم دليله في غير محله.
قال: (ولا يلزم من جواز الرجوع في المتروك من السند، جوازه مع
الاستقصاء، لحصول الاشتباه معه في تعيين الكتاب الذي اخرج منه الحديث،
فإنه قد يخرجه من كتب من تقدم من المحدثين، وقد يخرجه من كتب من
تأخر) (3).
وتوضيحه على ما ينصرح من كلام آخر منه: (أنه إذا تعدد ذكر الطريق
بملاحظة المشيخة والفهرست، فيشكل الرجوع إلى الفهرست، لأنه إنما يصح
إذا فرض أخذ الشيخ الحديث من كتاب الراوي الذي بدأ ذكره، وهو غير
معين، لأنه قد يخرج الحديث من كتب صدور المذكورين، وقد يخرج من
كتب المحذوفين الذين تأخر زمانهم عنهم، ونسب الحديث إلى صدور
المذكورين المتقدمين، اعتمادا على نسبة المتأخرين إليهم في النقل من
كتابهم، والاعتماد على الغير، شائع معروف) (4).
وفيه ما فيه، مضافا إلى ما صرح بخلافه في كلامه الاخر.

(1) التهذيب: 10 / 88. (قسم المشيخة).
(2) الاستبصار: 4 / 304 و 342.
(3) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 75.
(4) راجع: رجال السيد بحر العلوم: 4 / 78.
110

وربما ينصرح من الوالد المحقق قدس سره انتفاء الفائدة في الرجوع إليه في
الوجهين الأخيرين، نظرا إلى أن القوة في بعض أجزاء السند، لا تجدي إذ
النتيجة تابعة لأخس المقدمتين، فلا جدوى ولا نفع في كون طريق الفهرست
أقوى.
قال: (فقد بان فساد ما لو توهم اطراد الثمرة في تعدد الطريق، على تقدير
اعتبار كل من طريق الفهرست والتهذيبين (1).
وفيه: إنه إنما يتم، لو فرضنا كون السند قويا وبعض الطرق أقوى من السند
وسائر الطرق، وإما لو كان الطريق المذكور في الفهرست أقوى من المذكور في
المشيخة، مع فرض كون السند بالغا درجة الطريق المذكور في الفهرست، فبعد
ضم الطريق المذكور إلى السند المزبور، يقوى رجال السند بتمامه على الطرف
المقابل، على ما هو المفروض من ملاحظة الأقوائية والرجحان، فيحصل
الخبر الأقوى وينفع كل الجدوى.
هذا، وربما ينصرح مما ذكره الشيخ في آخر الاستبصار: عدم الحاجة إلى
الرجوع إليه في الجزئين الأولين منه، قال: (وكنت سلكت في أول الكتاب
إيراد الأحاديث بأسانيدها، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأول والثاني، ثم
اختصرت في الجزء الثالث، وعولت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت
الحديث من كتابه، أو أصله، على أن أورد عند الفراغ جملة من الأسانيد التي
يتوصل بها إلى هذه الكتب) (2).
ومن ثم ما جزم به المحقق الشيخ محمد في استقصاء الاعتبار في شرح

(1) رسائل أبي المعالي، رسالة في نقد المشيخة: 36.
(2) الاستبصار: 4 / 305. (المشيخة).
111

الاستبصار في باب الرعاف: (من أن اعتبار طريق الفهرست، لا يجدي في
اعتبار الخبر المذكور في الجزئين الأولين من الاستبصار، ولذا ذكر أن طريق
الشيخ إلى أيوب بن الحر، غير مذكور في المشيخة، وطريقه إليه في الفهرست
غير سليم (1)، ولا ينفع على تقدير صحته إلا إذا علم أن الحديث من الكتاب).
وقد اشتبه على بعض الأصحاب، الحال في طرق الفهرست، فظن أن
الطريق في الفهرست، كاف لما هنا.
ولكنه يشكل: بأنه وإن كان مقتضى صريح العبارة المذكورة، اختصاص
الطرق، بالجزء الثالث، إلا أنه خلاف ما نراه من وضع الكتاب، فإن بنائه في
ذكر الأسانيد فيه على نهج سواء، فإنه يروي فيه تارة: عن الشيخ المفيد ومن
في طبقته (2).
وأخرى: عن الكليني وأضرابه (3).

(1) الفهرست: 16، رقم 50، وقال فيه: (أخبرنا به عدة من أصحابنا، عن أبي المفضل،
عن ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أيوب بن الحر)، وطريقه إليه ضعيف بأبي
المفضل وبابن بطة. راجع: معجم رجال الحديث: 3 / 256.
(2) كما في الاستبصار: 1 / 222 رقم 786: عن الحسين بن عبيد الله الغضائري وفى:
1 / 223، رقم 787: عن الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان وفى: 1 / 223، رقم 788:
عن أحمد بن عبدون. وكل هؤلاء من الطبقة الحادية عشر، علي ما رتبه السيد المحقق
المدقق النحرير، الخريط في فن الرجال، العلامة البروجردي قدس سره. راجع طبقات رجال
التهذيب: 320، 983، و 62.
(3) كما في الاستبصار: 1 / 470، رقم 1817: عن الكليني وفى: 1 / 471 رقم،
1719: عن علي بن الحسين بن بابويه وفى: 1 / 466، رقم 1802: عن علي بن حاتم. وكل
هؤلاء، من الطبقة التاسعة. راجع: طبقات رجال التهذيب: 668، 669.
112

وثالثة: عن الحسين بن سعيد وأنحائه (1).
نعم، إنه في أغلب الأبواب في الجزء الأول، كما في ذكر الخبر الأول يروي
عن الشيخ ومن في طبقته، بخلاف أواخر الجزء الأول والجزئين الأخيرين،
من الظاهر أن هذا غير ما ذكره.
إلا أن الذي يسهل الخطب، أن العمدة، هي التهذيب والرجوع إليه فيه، مما
لا يستريب.
نعم، ربما يشكل الرجوع إليه فيه أيضا، في بعض الموارد، وذلك كما لو كان
الطريق المذكور فيه، طريقا إلى بعض الروايات ونحوها، أو لم يظهر كونه إلى
الجميع.
ومنه ما قدح المحقق الخوانساري، في المشارق، عند الكلام في مس
المحدث، في سند رواية مروية، عن علي بن جعفر عليه السلام: (بأن للشيخ إليه،
ثلاثة طرق:
أحدها: ما ذكره في آخر التهذيب (2)، وفيه حسين بن عبيد الله الغضائري،
ولم ينص الأصحاب على توثيقه.
والاخران: ما ذكرهما في فهرسته، وهذان الطريقان وإن كانا صحيحين، إلا
أنه قال في الفهرست، في أثناء ذكر علي بن جعفر عليه السلام كلاما بهذه العبارة: (وله
كتاب مناسك الحج، وله مسائل لأخيه موسى الكاظم عليه السلام سأله عنها، أخبرنا

(1) كما في الاستبصار: 1 / 467، رقم 1803: عن إبراهيم بن أبي إسحاق الأحمري.
ورقم 1804: عن الحسين بن سعيد ورقم 1806 عن علي بن الحسن بن فضال. وكلهم من
الطبقة السابعة، راجع: طبقات رجال التهذيب: 18، 313 و 681.
(2) التهذيب: 10 / 86. (قسم المشيخة).
113

بذلك جماعة) (1).
وهذه العبارة، كما ترى ليست ظاهرة في أن كل ما يرويه الشيخ عن علي
ابن جعفر، إنما هو بهذين الطريقين، إذ يجوز أن يكون تلك المسائل، مسائل
خاصة مجتمعة في كتاب مثلا، ولم يكن كل ما يرويه عنه داخلا فيها، مع
احتمال رجوع الضمير إلى الكتاب فقط) (2). (انتهى).
أو ذكر الطريق إلى راويين وروى في الكتاب عن أحدهما، فمن المحتمل
اختصاص الطريق بذي الطريق، بعنوان الاجتماع.
ومن هنا، مناقشة بعض، في صحة ما رواه في الفقيه، في باب الصلاة في
السفر: (عن جميل بن دراج، عن زرارة (3)، نظرا إلى أنه ذكر في المشيخة:
(وما رويته عن محمد بن حمران وجميل بن دراج، فقد رويته عن أبي، عن
سعد، عن يعقوب، عن ابن أبي عمير عنهما (4).
فطريقه إلى جميل وحده، مجهول.
واستظهار السيد السند النجفي في مبلغ النظر عموم الطريقة اجتماعا أو
افتراقا فيكون للجميع لا للمجموع، ولذا اتفق الكل على عد طريقه إلى جميل،
صحيحا، لا يخلو عن إشكال.
أو ذكر الطريق إلى كتابين وضعف أحدهما، فلم يعلم من أيهما أخذ الخبر.
ومنه ما أورد المحقق المنتقى، على العلامة في المختلف والمنتهى:
(من الحكم بصحة ما رواه الشيخ: (عن أحمد بن محمد، عن صفوان، عن

(1) الفهرست: 87 رقم 367.
(2) مشارق الشموس: 13، سطر 14.
(3) من لا يحضره الفقيه: 1 / 287 رقم 39.
(4) من لا يحضره الفقيه: 4 / 17. (قسم المشيخة).
114

مولانا الصادق عليه السلام أن الوضوء مثنى، مثنى) (1).
بأنه لا مجال للتصحيح، إذ لا سبيل إلى حمل صفوان، على ابن يحيى، لأنه
لا يروي عن الصادق عليه السلام إلا بواسطة، فسقوطها قادح في الصحة.
وحينئذ، فإن كان هو، ابن مهران، كما يقتضيه ظاهر روايته عنه بلا واسطة،
فينبغي أن يراد بأحمد هو البزنطي (2)، لأنه الذي يروي عن ابن مهران
بلا واسطة، فيشكل التصحيح، بأن طريق الشيخ في الفهرست، إلى أحد كتابيه
صحيح (3) ولم يعلم من أيهما أخذ الشيخ.
وإن كان هو، ابن عيسى، أو ابن خالد، فروايتهما عنه مع الواسطة، وعدم
ذكرها ينافي الصحة) (4).

(1) التهذيب: 1 / 80 ح 57.
(2) عن السرائر: إن بزنط اسم موضع وإليه ينسب الثياب البزنطية. (منه رحمه الله).
(3) هكذا في النسخة المخطوطة بقلم المؤلف عليه السلام ولكن في المصدر (طريق الشيخ
إلى أحد كتابيه ليس بصحيح) راجع المنتقى: 1 / 148.
(4) ولما كان في نقل المؤلف كلام المنتقى وتلخيصه شئ من الأجمال والسقط، نذكر
كلامه بتمامه.
قال بعد ذكر الرواية المذكورة: (ونص العلامة على كونه من الصحيح في المنتهى
والمختلف. والتحقيق، أنه ليس بصحيح، لأن صفوان، إن كان هو ابن مهران، كما يقتضيه
ظاهر الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام بغير واسطة، فينبغي أن يكون أحمد بن محمد، هو ابن أبي
نصر، لأنه الذي يروي عن ابن مهران بغير واسطة.
وأما ابن عيسى، فروايته عنه، إنما هي بالواسطة، وكذا ابن خالد. واحتمال إرادة غير
هؤلاء من أحمد بن محمد، لو أمكن، لم يجد شيئا في الغرض المطلوب الذي، هو صحة
الطريق.
ثم إن إرادة ابن أبي نصر، ينافي الصحة، من جهة أن طريق الشيخ في الفهرست إلى أحد
كتابيه، ليس بصحيح، ولم يعلم أخذ الشيخ له، من أيهما كان.
وإرادة ابن عيسى وكأنها أظهر، أو ابن خالد، وهي بعيدة، توجب القطع بثبوت الواسطة
وعدم ذكرها، وقد تتبعت الواسطة بين ابن عيسى وبينه، فوجدتها في بعض: (علي بن
الحكم) وفي بعض آخر: (عبد الرحمان بن أبي نجران) ولو تحقق الانحصار في هؤلاء،
لم يكن ترك الواسطة بضائر، لكني لم أتحققه.
وإن كان صفوان، هو ابن يحيى، فروايته عن أبي عبد الله عليه السلام إنما تكون بواسطة، فعدم
ذكرها ينافي الصحة). منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: 1 / 148.
115

وإن كان غير هؤلاء، فلا يجدي شيئا وهو جيد.
أقول: ويمكن الاستشكال في التصحيح أيضا، بناء على كون المراد هو
البزنطي، بأنه ذكر الشيخ بعد عنوانه: (وله من الكتب، كتاب الجامع - ثم ذكر
طريقين إليه - فقال وله كتاب النوادر، - ثم ذكر طريقا إليه -) (1) ولم يعلم أن

(1) الفهرست: 19 رقم 53. قال في طريقيه إلى كتاب الجامع: (أخبرنا به عدة من
أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد، والحسين بن
عبيد الله، وأحمد بن عبدون، وغيرهم، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري، قال:
حدثنا به، خال أبي محمد بن جعفر، عم أبي علي بن سليمان، قالا: حدثنا محمد بن الحسين
ابن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد).
ثم قال: (وأخبرنا به أبو الحسين بن أبي جيد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، ومحمد بن عبد الحميد العطار، جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي
نصر).
قال في طريقه إلى كتاب النوادر: (أخبرنا به أحمد بن محمد بن موسى، قال حدثنا أحمد
ابن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
أبي نصر).
فالطريق الأول والثالث، صحيح. والطريق الثاني أيضا صحيح على القول بوثاقة ابن
جيد كما عليه المحقق الخوئي قدس سره.
قال المحقق الأردبيلي قدس سره: طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر، صحيح مما
أخذه من كتاب الجامع، وأما إلى نوادره، فموثق في المشيخة والفهرست. جامع الرواة:
2 / 478.
أقول: قوله (فموثق)، لمكان أحمد بن محمد بن سعيد، المعروف بابن عقدة، حيث أنه
زيدي جارودي، كما صرح به النجاشي والشيخ. راجع معجم رجال الحديث: 2 / 274.
قال المحقق الخوئي قدس سره: طريق الشيخ إليه صحيح وليس لطريقه إليه ذكر في المشيخة،
وقد سها قلم الأردبيلي رحمه الله في نسبة طريقه إلى المشيخة أيضا. معجم رجال الحديث:
2 / 236.
116

الشيخ، من أي الكتب أخذ الحديث، مع أنه لم يذكر الطريق، إلا إلى كتابيه
المذكورين.
ومن العجيب ما أورد عليه في المشرق: (بأنه لاوجه لقطع السبيل، إلى
حمله على صفوان بن يحيى، فإن الظاهر أنه هو، ولهذا نظائر، وما ظنه قادحا
في الصحة، غير قادح فيها، لاجماع الطائفة على تصحيح ما يصح عنه، ولذلك
قبلوا مراسيله، والعلامة قدس سره يلاحظ ذلك كثيرا) (1). (انتهى)
فإن المدار في الصحة عنده، على ثبوت العدالة بتزكية عدلين، فكيف يصح
عنده التصحيح، بملاحظة ما ذكر، ولذا لم يعتمد في موضع في تصحيح الخبر
لما ذكر.
ولو قيل: إن المراد، منع القادحية في الصحة على مذاق القوم.
قلنا: إن غاية ما يستفاد مما ذكر، الاجماع على الصحيح بالمعنى المتعارف
عند القدماء، لا ما هو المصطلح عليه، عند المتأخرين، كما هو الظاهر منه عند
الإطلاق.

(1) مشرق الشمسين: 158، حبل المتين: 296.
117

وثانيهما: (1) ما يكون مستقلا في بيان الطرق، إلى روايات غيره، كما
سيجئ ذكرها إن شاء الله تعالى عن قريب.
ومنه: ما جرى جدنا السيد العلامة في المطالع، في كواشف العدالة، على
تصحيح ما رواه في الفقيه، عن يونس، مع أن طريقه إليه، غير مذكور في
المشيخة، نظرا إلى ما ذكره في الفهرست، في ترجمة يونس بن عبد الرحمان
(له كتب كثيرة، أكثر من ثلاثين، - إلى أن قال -: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته،
جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن
هاشم، عن إسماعيل وصالح عن يونس (2).
وأما الثاني: فهو أن يركب طريق الفهرست، مع طريق آخر فيستخرج منه
الطريق الصحيح.
وقد تفطن به الفاضل الأسترابادي في الرجال (3) وتبعه الفاضل المحقق
الشيخ محمد في الاستقصاء، وهو كما في طريق الصدوق، إلى عبيد بن
زرارة (4)، فإن طريقه إليه ضعيف ب‍ (حكم بن مسكين، لعدم ذكره في الرجال،
بمدح ولا قدح (5).

(1) هذا عطف على قوله: أحدهما: ما يكون مستقلا في بيان الطرق إلى روايات نفسه.
لاحظ: صفحة 107.
(2) الفهرست: 181 رقم 789.
(3) منهج المقال: 380.
(4) من لا يحضره الفقيه: 4 / 31. (قسم المشيخة). فيه: (وما كان فيه عن عبيد بن
زرارة: فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،
عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن عبيد بن زرارة.
(5) قال المحقق الأردبيلي: (طريق الصدوق إلى عبيد بن زرارة، فيه الحكم بن
مسكين ولم يوثق). جامع الرواة: 2 / 537.
قال المحقق الخوئي: (والطريق صحيح وإن كان فيه الحكم بن مسكين فإنه ثقة على
الأظهر). معجم رجال الحديث: 11 / 48.
118

ولكن يمكن استخراج طريق صحيح له إليه، بملاحظة ما ذكره النجاشي في
ترجمته: من ذكر طريقه إليه.
بقوله: (أخبرنا عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن
عبد الله بن جعفر عليه السلام، عن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وأحمد بن
محمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن حماد بن عثمان، عن
عبيد بن زرارة (1).
وتركيبه مع ما ذكره الشيخ في الفهرست في ذكر طريقه إلى عبد الله بن
جعفر (ع)
بقوله: (أخبرنا برواياته، أبو عبد الله، عن محمد بن علي بن الحسين، عن
أبيه، ومحمد بن الحسن، عنه) (2).
فيستخرج للصدوق، طريق صحيح إلى عبيد، من تركيب الطريقين وهو:
أبو عبد الله، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، ومحمد بن الحسن،
عن عبد الله بن جعفر، عن أبي الخطاب، ومحمد، وأحمد، عن محمد بن
إسماعيل، عن حماد، عن عبيد.
وكما في طريق الصدوق، أيصا إلى زيد الشحام، فإنه ضعيف بواسطة أبي
جميلة (3)، لكن روى النجاشي كتابه، عن صفوان، قال: (له كتاب يرويه

(1) رجال النجاشي: 233 رقم 618.
(2) الفهرست: 102 رقم 429.
(3) هو المفضل بن صالح أبو جميلة، قال النجاشي في ترجمته جابر بن يزيد: (روى
عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا، منهم المفضل بن صالح).
وقال ابن الغضائري: (ضعيف، كذاب، يضع الحديث، ثم روى عن معاوية بن حكيم بأنه
يقول: سمعت أبا جميلة يقول إني وضعت رسالة معاوية إلى محمد بن أبي بكر).
119

جماعة منهم: صفوان بن يحيى (1).
وذكر في الفهرست طريقا صحيحا ينتهي إليه، قال: (أخبرنا برواياته،
جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عنه.
فالطريق المستخرج المركب من الطريقين:
الجماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن
صفوان، عن الشحام (3).
ويمكن استخراج الصحيح إليه منه، بدون توسط الصدوق أيضا، نظرا إلى
ما ذكره في الفهرست في ترجمة صفوان، أخبرنا برواياته، ابن أبي جيد، عن
ابن الوليد، عن الصفار، وسعد، ومحمد، وأحمد، عن محمد بن الحسين، عن
صفوان
وأخبرنا بها، الحسين، وابن أبي جيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه،
والحسين بن سعيد، عنه (4).
وربما يعد من القسم الأول، طريق الصدوق، إلى الفضل بن شاذان، فإنه

(1) رجال النجاشي: 175 رقم 462. فيه: (له كتاب، يرويه جماعة، أخبرني محمد بن
علي بن شاذان، قال: حدثنا علي بن حاتم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت، قال:
حدثنا محمد بن بكر بن جناح، قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن زيد، بكتابه).
(2) الفهرست: 83 رقم 346.
(3) بفتح الشين المعجمة وتشديد الحاء المهملة. تنقيح المقال: 1 / 465 رقم 4426 و
الخلاصة: 73 رقم 3.
(4) الفهرست: 84 رقم 346.
120

الواسطة ضعيفة (1)، ولكن الشيخ في الفهرست، ذكر طريقا صحيحا إلى
روايات الفضل وكتبه بتوسط الصدوق (2)، فيستخرج منه طريق صحيح
للصدوق إلى الفضل
ويضعف بأن طريق الصدوق إليه: عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري رضي الله عنه،
عن علي بن محمد بن قتيبة. والظاهر وثاقة كل منهما.
وقد بسطنا الكلام في إثبات وثاقتهما في الفقه، موردا على صاحب
المدارك، فيما جرى على تضعيف خبره الدال على عدم سقوط الوتيرة في
السفر.
ثم إنه قد يصحح السند، بعد قطع اليد من التصحيح، بمراجعة الفهرست

(1) قال المحقق الأردبيلي: (طريق الصدوق إلى الفضل بن شاذان، فيه عبد الواحد بن
عبدوس النيشابوري العطار رضي الله عنه وهو غير مذكور، وعلي بن محمد بن قتيبة، ولم يصرح
بالتوثيق). جامع الرواة: 2 / 539.
قال المحقق الخوئي: (طريق الصدوق إليه ضعيف بعبد الواحد بن عبدوس النيسابوري،
وعلي بن محمد بن قتيبة) معجم رجال الحديث: 13 / 299.
(2) الفهرست: 125 رقم 552. فيه: (أخبرنا برواياته وكتبه، أبو عبد الله المفيد رحمه الله عن
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عن علي
ابن محمد بن قتيبة، عنه.
ورواها أيضا محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن حمزة بن محمد العلوي، عن أبي
نصر، قنبر بن علي بن شاذان، عن أبيه، عنه).
قال المحقق الأردبيلي: (للشيخ إليه طريقان، أحدهما حسن، والاخر مجهول).
جامع الرواة: 2 / 510.
عن المحقق الخوئي: (كلا طريقي الشيخ، ضعيف، الأول بعلي بن محمد، والثاني بحمزة
ابن محمد ومن بعده). معجم رجال الحديث: 13 / 299.
121

والمشيختين، بوجوه آخر.
الأول: التصحيح بالرجوع إلى نفس الكتابين، كما جرى عليه الفاضل
الأردبيلي في كتابه - المسمى ب‍ (جامع الرواة - قال: (ولما رجعت إلى
المشيخة والفهرست، ألفيت كثيرا من الطرق الموردة فيهما، معلولا على
المشهور بضعف، أو جهالة، أو إرسال، بل ربما لا يكون للحديث فيهما طريق
إلى من روى عنه، وبذلك أسقط المتأخرون من فقهائنا، كثيرا من الأخبار عن
درجة الاعتبار.
وكنت أتفكر برهة من الزمان في تحصيل طريق، لاعتبار هذه الأخبار،
متضرعا إلى الله - سبحانه - إلى أن ألقى في روعي، أن أنظر أسانيد التهذيب
والاستبصار، لعل الله يفتح إلي ذلك بابا، فلما رجعت إليهما، فتح الله لي
أبوابها، فوجدت لكل من الأصول والكتب، طرقا كثيرة غير مذكورة فيهما،
أكثرها موصوفة بالصحة والاعتبار) (1).
ومدار التحصيل على ما يظهر من كلامه، على تركيب بعض الأسانيد مع
بعض، على وجه يحصل به المرام.
وذلك، كما في الطريق إلى إبراهيم بن أبي البلاد، فإنه لم يذكر الشيخ طريقا
إليه في المشيخة، وذكر طريقه إليه في الفهرست، إلا أن فيه المجهول، فإن
الطريق فيه: (ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار (2)، عن محمد بن
الصهبان، عن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حماد، عن محمد بن سهل بن

(1) جامع الرواة: 2 / 473.
(2) كذا في النسخة المخطوطة بخط المؤلف، ولكن في المصدر هكذا: (عن الصفار،
عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن أبي الصهبان واسمه عبد الجبار، عن أبي القاسم
عبد الرحمن بن حماد الكوفي...) الفهرست: 9 رقم 22.
122

اليسع، عن إبراهيم).
فإن الأخيرين غير مذكورين في الرجال، بجرح ومدح، ولكن يمكننا
تصحيح السند بالرجوع إلى التهذيب، فإنه يظهر للمتأمل المتتبع في أسانيده
طرقا صحيحة إليه.
فمنها: ما في باب ما يجوز فيه الصلاة فيه، من اللباس، من أبواب
الزيادات، في الحديث الثالث عشر، فإنه روى فيه: (عن سعد، عن محمد بن
الحسين، عن علي بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمن حدثهم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة، في الشئ الذي لا يجوز الصلاة فيه
وحده، يصيبه القذر، مثل: القلنسوة، والتكة، والجورب) (1).
ومنها: ما في الباب المذكور، في الحديث التاسع والعشرين، فروى فيه:
(عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن معاوية بن
عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابرية، يعملها المجوس، وهم
أخباث، وهم يشربون الخمر، ونسائهم على تلك الحال. ألبسها ولا أغسلها
وأصلي فيها؟
قال: نعم. قال: فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له إزارا ورداء من
السابري، ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار، فكأنه عرف ما
أريد، فخرج فيها إلى الجمعة) (2).
ومنها: ما في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها، في الحديث السابع،
فروى: (عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين

(1) التهذيب: 2 / 358 ح 1481.
(2) التهذيب: 2 / 362 ح 1497.
123

ابن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر أو عن
أبي عبد الله عليهما السلام قال: ما طلعت الشمس بيوم، أفضل من يوم الجمعة) (1).
ومنها: ما في باب اللقطة والضالة، في الحديث السابع، فروى فيه: (عن
الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه، عن
الماضي عليه السلام قال: لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل) (2).
ومنها: ما في باب العتق وأحكامه، في الحديث الثالث، فروى فيه: (عن
الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، رفعه، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق مؤمنا، أعتق الله العزيز الجبار، بكل عضو له،
عضوا من النار) (3).
وصحح على هذا الوجه، غير واحد من الأخبار التي طرقها ضعيفة، أو
غير مذكورة، حتى عمل فيه رسالة، وذكرها مختصرة في الفوائد المرسومة في
آخر الجامع (4) وارتضاه كله المحقق النوري، حتى نقل كلامه بطوله في آخر
المستدرك (5).
وذكرت كلامه في المقام، بتلخيص في الصدر، وشرح في الذيل، بذكر
الأسانيد بمتونها، لنكتة، بل جرى المحقق المذكور، على تصحيح طريق الفقيه،
إلى الرجوع إلى أسانيد التهذيب، فإنه جرى عند الكلام في شرح طريق

(1) التهذيب: 3 / 4 ح 7.
(2) التهذيب: 6 / 390 ح 1167.
(3) التهذيب: 8 / 216 ح 770.
(4) جامع الرواة: 2 / 470. الفائدة الرابعة.
(5) مستدرك الوسائل: 3 / 721. (الخاتمة).
124

الصدوق، إلى محمد بن مسلم، بواسطة الاشتمال على علي وأبيه المجهولين (1)
على التصحيح بوجوه.
منها: إن الشيخ، وإن لم يذكر محمد بن مسلم في الفهرست والمشيخة، إلا
أنه يظهر من التهذيب، في مواضع.
منها: في باب كيفية الصلاة، إن طريقه بإسناده: (عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب الخزاز، عنه) (2).
وبإسناده: (عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان (3)، عن ابن
مسكان (4)، عنه) (5).
و (عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة، عنه) (6).
وبإسناده: (عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين، يعني

(1) من لا يحضره الفقيه: 4 / 6، قسم المشيخة. فيه: (وما كان فيه عن محمد بن مسلم
الثقفي: فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن
جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن العلاء بن رزين، عن محمد
ابن مسلم).
(2) التهذيب: 2 / 41 ح 131. وكذا في: 1 / 91 ح 241 و 177 ح 508 و 226 ح 651،
2 / 95 ح 354، 6 / 272 ح 740، 7 / 179 ح 786 و 8 / 61 ح 199 و 164 ح 469.
(3) بكسر السين المهملة وفتح النون توضيح الاشتباه: 207 رقم 973 وتنقيح
المقال: 2 / 70 رقم 5299 وتوضيح المشتبه: 5 / 181.
(4) بكسر السين المهملة وفتح النون توضيح الاشتباه: 207 رقم 973 وتنقيح
المقال: 2 / 70 رقم 5299 وتوضيح المشتبه: 5 / 181.
(5) التهذيب: 2 / 119 ح 448 و 134 ح 520.
(6) التهذيب: 2 / 93 ح 348.
125

ابن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن حريز، عنه) (1).
قال: وهذه الطرق كلها صحيحة فلا مجال للتشكيك في صحة السند (2).
ولقد أتعب الفاضل المزبور، نفسه في المقام، ولكن لا أراه نافعا بشئ في
المرام، نظرا إلى أن من المعلوم، أنه إذا صحت لنا رواية عن ثقة بوسائط
موثقين، فلا وجه لتصحيح رواية أخرى، وصلت إلينا بطريق غير صحيح عن
هذا الثقة، بمجرد ثبوت طريق صحيح في رواية، أو روايات خاصة.
ضرورة، أن الوسائط الثقاة، وسائط لخصوص ما يروون أنفسهم،
لا ما يروى غيرهم.
كما أن ما ربما يتوهم من صحة تركيب الطريق، إذا ثبت بالطريق الصحيح،
رواية صاحب الأصل بتمامها وحذافيرها، ليس على ما ينبغي، لأنه إذا فرضنا
ثبوت المقدمة المذكورة أيضا، فلا إشكال في أنه مبني على ثبوت الصغرى،
أن هذه الرواية الواردة من غير الطريق الصحيح، من روايات صاحب هذا
الأصل، وهو أول الكلام، مع ظهور عدم ثبوت الطرق المتعددة، بما ذكر في
خصوص المقام، لظهور اتحاد الأخيرين بلا إشكال، واشتراك غير الأول في
الانتهاء إلى الحسين بن سعيد، كما هو الحال في الأخيرين، إلا أنه فيهما
بحسب الابتداء.
نعم، يتعدد طرقه إلى الحسين بن سعيد، على حسب ما ذكره في المشيخة،
وإن كان الطريق إليه في المقام، أحمد بن محمد بن عيسى، خاصة (3).

(1) التهذيب: 5 / 75 ح 249.
(2) مستدرك الوسائل: 3 / 663، (الخاتمة).
(3) التهذيب: 10 / 63. (قسم المشيخة).
126

ومن الظاهر أنه لا يوجب تعدد الطريق إلى إبراهيم
فالحاصل: أن غاية ما ثبت في المقام، طريقان:
أحدهما: الأول، والاخر: ما عداه. فذكر ما عدا الأولين، مستغنى عنه.
ودعوى أن الغرض تعدد ذكر الطريق، كما ترى!
الثاني: (1) بالرجوع إلى مشيخة الفقيه، بانضمام ما ذكره الشيخ في
الفهرست، في ترجمة الصدوق: (من أنه أخبرني بجميع كتبه ورواياته، جماعة
من أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، وأبو عبد الله
الحسين بن عبيد الله الغضائري، وأبو الحسين بن جعفر بن الحسن بن حسكة
وأبو زكريا محمد بن سليمان الحمراني، كلهم، عنه) (2).
كما ينصرح من العلامة المجلسي - قدس الله تعالى سره - في جملة كلام له
في شرح الأربعين.
قال فيه بعد ذكر ما ذكر: (فظهر أن الشيخ روى جميع مرويات الصدوق
- نور الله تعالى ضريحه - بتلك الأسانيد الصحيحة، فكلما روى الشيخ خبرا
من بعض الأصول التي ذكرها الصدوق في فهرسته بسند صحيح، فسنده إلى
هذا الأصل، صحيح، وإن لم يذكر في الفهرست سندا صحيحا إليه.
ويشكل بأن من المعلوم، أن الوسائط بين الشيخ والصدوق، مشائخ
الإجازة، لظهور ثبوت كتب الصدوق، فلا فائدة في إثبات توسطهم وعدالتهم.
مضافا إلى ما فيه من الأشكال المتقدم: من أنهم وسائط إلى كتبه ورواياته

(1) عطف على قوله: (ثم إنه قد يصحح السند، بعد قطع اليد من التصحيح، بمراجعة
الفهرست، والمشيختين، بوجوه اخر. الأول: التصحيح بالرجوع إلى نفس الكتابين.... (2) الفهرست: 157 رقم 695.
127

المذكورة في كتبه، والمفروض أن الرواية المذكورة، غير مذكورة في كتبه.
فثبوت صحة السند إليه، متوقف على كونه من مرويات الصدوق، وكونه من
مروياته، متوقف على ثبوت صحة السند إليه، وهذا دور ظاهر.
الثالث: تركيب الأسانيد، مع الأسانيد التي ذكرها المحدث النبيل والثقة
الجليل أبو غالب الزراري في رسالته المعروفة، إلى غير واحد من الكتب التي
ذكرها فيها، كما أن في طريق الشيخ إلى (العيص بن القاسم (ابن أبي
جيد) (1)، هو غير موثق، لو لم نقل بثبوت وثاقته ونظرائه، من مشائخ
الإجازة، كما هو أبعد الرأيين. فيرجع إلى الرسالة.
فإنه ذكر كتاب العيص، مع كتاب يعقوب بن شعيب، وقال: (حدثني به
عبد الله بن جعفر، عن أيوب بن نوح، عنه) (2).
فيؤخذ به للصحة، كما ينصرح من المستدرك، (3) إلا أنه يرد عليه، ما
أوردناه في الوجه السابق.
ولقد أجاد السيد السند النجفي رحمه الله فيما جرى على عدم الاعتماد على
تركيب الطرق مطلقا، استنادا إلى أنه (قد يختص الطريق، ببعض كتب
أصحاب الحديث، بل ببعض روايات البعض. فلا يستفاد حكم الكل من
البعض، لكنه لا يخلو من التأييد، خصوصا مع الاكثار) (4).
أقول: ومنه ما ذكره في الرسالة المذكورة، في ذكر الطريق إلى الحسين بن

(1) راجع الفهرست: 121، رقم 536، وفيه أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد عن
الصفار، والحسن بن متيل، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، وصفوان، عنه.
(2) رسالة أبي غالب الزراري: 161.
(3) خاتمة المستدرك: 642.
(4) السيد بحر العلوم: 4 / 76.
128

سعيد، فإنه ذكر كتبا متفرقة له (1).
فذكر تارة: كتاب الصوم له.
وأخرى: كتاب الأشربة.
وثالثة: كتاب ما يبتلى به المؤمن.
ورابعة: كتاب الأيمان والنذور.
وخامسة: كتاب التجمل والمروة.
وسادسة: كتاب التقية.
ولكن الطريق، إلى الجميع واحد، وهو الحميري، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عنه. ولذا كان عليه الاختصار بذكر الجميع، ثم الطريق إليه.
ولكن لا يخفى ما في الاستدلال المذكور، لأن من الظاهر أن القائل
بالتركيب، إنما يصحح التركيب، في غير الصورتين المفروضتين، فتدبر!
مع أن مقتضى كلامه، تسلم الصحة، لو ثبتت الصحة إلى الكل. وهو مع ضعفه
كما عرفت، مخالف لمقتضى صريح كلامه في سابق هذه المقالة من التأمل فيه،
استنادا إلى (احتمال تلقي الحديث من أفواه الرجال، ومن بعد هذا
الاحتمال) (2).

(1) رسالة أبي غالب الزراري: 149، 159، 160، 161، 164 و 170.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 75.
129

موضوع كتاب الفهرست
ثم إنه قد ظهر مما مر، إنه موضوع لذكر أصحاب الأصول ومصنفاتهم، مع
ذكر طرقه إليهم، من غير تعرض للجرح والتعديل، إلا نادرا.
ومنه: توثيقه، لحسن بن محبوب (1) وحفص بن سالم (2) وحنان بن
سدير (3) وغيرهم (4).
ويكفي في الانتفاع، الاطلاع على الأمرين المذكورين، بل فيهما كمال
الانتفاع، كيف وأنه مدار الاتصال والانقطاع، في غير مورد.
وأما ما عن الفاضل العناية، في استناده لمدح الراوي وكماله، إلى ذكره في
الأصحاب والرواة، نظرا إلى أنه لولا ذلك، لكان كتاب الرجال، وكثير من

(1) الفهرست: 46، رقم 151. فيه: (وكان جليل القدر، ويعد في الأركان الأربعة في
عصره...).
(2) الفهرست: 62، رقم 235. فيه: (... ثقة، كوفي، مولى، جعفي، له أصل...).
(3) الفهرست: 46، رقم 151. فيه: (وكان جليل القدر، ويعد في الأركان الأربعة في
عصره...).
(4) الفهرست: 62، رقم 235. فيه: (... ثقة، كوفي، مولى، جعفي، له أصل...).
130

الفهرست، وكذا كتاب النجاشي، بلا فائدة (1)، فكلام في غير محله.
ثم إن أكثر نسخ الكتاب، لا يخلو من تصحيفات، وأغاليط، كما قال بعض
المهرة: (من أن أكثر النسخ الموجودة في أيدي أبناء الزمان، لقد لعبت بها
أيدي التصحيف، وولعت بها حوادث الغلط والتحريف).
وقد جرى المحقق البحراني، الشيخ سليمان، على شرحه حاولا فيه ترتيب
تراجمه على وجه أنيق، موردا أحوال رجاله على طرز رشيق، مصلحا
ما لعبت به أيدي التصرف والفساد، منبها في أكثر تراجمه على هفوات الأفهام،
وطغيان الأقلام (2).
كما وصف به نفسه في صدره، وهو به حقيق، فلله دره، مسميا له (بمعراج
أهل الكمال إلى معرفة أهل الرجال)، ولكنه لم يبرز منه في قالب التصنيف، إلا
الأسماء المصدرة بحرف الألف.
وفي المقام كلام يعجبني ذكره، وهو أنه قد ذكر في الفهرست، في
إبراهيم بن محمد: (له كتاب مناسك الحج، وحكى لنا إن من الناس من ينسبه
إلى الدعلجي (3) لابه) (4).
قال في الشرح: (قوله (لابه) كذا في النسخ التي وقفت عليها، وهو غلط

(1) راجع: مجمع الرجال: 7 / 196.
(2) معراج أهل الكمال: 4.
(3) بفتح الدال واللام وسكون العين. توضيح الاشتباه: 212 رقم 996 وإيضاح
الاشتباه: 243 رقم 490.
(4) الفهرست: 7 رقم 11. ومن الناس من ينسب الكتاب إلى أبي محمد الدعلجي
لا نسبة به.
131

بغير شبهة، ولم يتضح لي إصلاحه على وجه تطمئن إليه النفس) (1).
أقول: إن الصحيح (لا نسبة به) بالسين المهملة، كما هو الحال في النسختين
الموجودتين منه.
قال النجاشي: (عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد الدعلجي (2)

(1) معراج أهل الكمال: 83.
(2) قوله (أبو محمد الدعلجي) الظاهر أنه المراد مما رواه الراوندي في الخرائج من أن
أبا محمد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا، وكان قد سمع الأحاديث، وكان
أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن، وكان يغسل الأموات، وولده الاخر
كان يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، وكان قد دفع إلى أبي محمد حجة يحج بها عن
صاحب الزمان - عجل الله تعالى فرجه - وكان ذلك عادة الشيعة، فدفع إلى ولده المذكور
بالفساد شيئا، وخرج إلى الحاج.
فلما عاد، حكى أنه كان واقفا بالموقف، فرأى إلى جانبه شابا حسن الوجه، أسمر
اللون، مقبلا على شأنه في الابتهال والدعاء والتضرع، وحسن العمل، فلما قرب نفر
الناس، التفت إلي وقال: يا شيخ! أما تستحيي؟
فقلت: من أي شئ يا سيدي؟
قال يدفع إليك حجة عمن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر! يوشك أن تذهب
عينك هذه - وأومأ إلى عيني - وأنا من ذلك اليوم على وجل ومخافة، وسمع أبو عبد الله
محمد بن محمد بن النعمان ذلك، قال: فما مضى عليه أربعين يوما بعد مورده، حتى خرج
في عينه التي أومأ إليها قرحة، فذهبت. راجع: الخرائج والجرائح: 1 / 480.
أقول: وفي الخبر المزبور فوائد:
منها: استحباب استنابة الحج، عن غائبي الحجج - عجل الله تعالى فرجه -، بل مقتضاه،
اشتهاره بين القدماء.
ومنها: ذم إعطاء الوجه الذي دفع للنيابة للحج عنه، إلى شارب الخمر. ومنه يظهر شرافة
هذا الوجه، فلا ينبغي أن يصرف في أمثال هذه المصارف.
ومنها: تشرف الراوي بخدمته - عجل الله تعالى فرجه - على ما هو الظاهر من السياق.
ومنها: إطلاعه على المغيبات، وإخباره عنها، كما هو غير عزيز.
ومنها: الدلالة على أن منشأ كثير من الأمور، ذنوب العباد.
ومنها: تأثير المعاصي، تأثيرا وضعيا ولو مع عدم علم العاصي بالمعصية، من حيث
الحكم، وهذا مما يقصر الظهور وله نظائر في الأخبار أيضا. (منه رحمه الله).
قال شيخنا المحقق سماحة آية الله الخزعلي، عند ملاحظته هذه الأوراق قبل أن تطبع:
قوله قدس سره (تأثير المعاصي، تأثيرا وضعيا ولو مع عدم علم العاصي بالمعصية) غير تام، لأنه كان
يعلم بأن ولده هذا فاسق وكان يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام كما أشير إليه.
132

منسوب إلى موضع، خلف باب الكوفة ببغداد، يقال له الدعالجة، كان فقيها،
عارفا، وعليه تعلمت المواريث، له كتاب الحج) (1).
ولعله كان مأنوسا به، فلذا نسب إليه، وبه يتضح المعنى.
في أن الفهرست بالتاء من الأغلاط
ثم إن الظاهر، أن الفهرست، بالتاء من الأغاليط، والصواب مع الفقدان، لما
في القاموس: (الفهرس: - بالكسر - الكتاب الذي يجمع فيه الكتب، وقد فهرس
كتابه) (2) وفي المحكي عن المغرب، الفهرس: مجمع الأشياء، وهو لغة رومية،
وزنة فعلل، والفهرست غلط فاحش، وعن ديوان الأدب: إن التاء من مزيدات

(1) رجال النجاشي: 230 رقم 609.
(2) القاموس المحيط: 2 / 247. مادة: فهرس. كذا في لسان العرب: 6 / 167، وتاج
العروس: 16 / 349، فيه بعد نقل كلام الليث: (قال غيره: هو معرب الفهرست).
133

العوام.
وأما ما يقال، من أنه لا تشاح في الأسماء، ولا سيما من غير من يجري
على التسمية، فعجيب
(الثالث: الرجال) الثالث: الكتاب المشهور ب‍ (الرجال) المرموز ب‍ (جخ) وهو موضوع لذكر
أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة عليهم السلام من بعده، إلى
زمن القائم - عجل الله تعالى فرجه - ومن تأخر زمانه عنهم عليهم السلام من الرواة من
عاصرهم، ومن لم يرو عنهم، كما صرح به نفسه (1).
وهاهنا مطالب:
(المطلب) الأول
(في عنوانه رجالا في أصحاب الأئمة وفيمن لم يرو عنهم عليهم السلام)
إن مقتضى كلامه المذكور، إن المذكورين فيه، بين من أدركوا زمانهم عليهم السلام
ورووا عنهم، بلا واسطة، وبين من تأخر زمانه عن زمانهم، أو عاصرهم ولم يرو
عنهم ولكنه سلك فيه على وجه لا يوافق ما ذكره.
فذكر كثيرا من الأولين في الآخرين، مع ظهور الاتحاد، بل القطع به في
غير مورد.

(1) رجال الطوسي: 2.
134

وذلك كما ذكر فضالة بن أيوب، تارة: في أصحاب الكاظم عليه السلام (1).
وأخرى: في أصحاب الرضا عليه السلام، (2).
وثالثة: فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (3).
واليقطيني تارة: في أصحاب الرضا عليه السلام (4)
وأخرى: في أصحاب الهادي عليه السلام (5).
وثالثة: فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (6) وهكذا.
فما جرى عليه ابن داود من استظهار التعدد في غير مورد، غير سديد.
ومنه: استظهاره التعدد في الجوهري (7)، نظرا إلى أنه ذكره تارة في
أصحاب الكاظم عليه السلام (8) وأخرى فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (9).
ولقد أجاد المحقق الأسترابادي، فيما ذكر من وضوح الاتحاد، عند
التأمل (10).

(1) رجال الطوسي: 357 رقم 1.
(2) رجال الطوسي: 385 رقم 1.
(3) غير موجود في المطبوع ولكن مذكور في المخطوط وكذا في مجمع الرجال:
5 / 17 ونقد الرجال: 265.
(4) رجال الطوسي: 393 رقم 76.
(5) رجال الطوسي: 422 رقم 10.
(6) رجال الطوسي: 511 رقم 111.
(7) هو القاسم بن محمد الجوهري. رجال ابن داود: 154 رقم 1219 و 267 رقم
401.
(8) رجال الطوسي: 358 رقم 1.
(9) رجال الطوسي: 490 رقم 5.
(01) منهج المقال: 265.
135

ونحوه، ما صرح به السيد الناقد، من أن صنيعته هذه، لا تدل على التغاير،
لأن مثله كثير مع قطعنا بالاتحاد (1).
وربما تفصى عنه سيدنا (2):
تارة: باحتمال أن يكون مراده بالرواية، ما يعمها بالمشافهة والكتابة،
وبعدمها، عدمها، بخصوص الأولى.
وأخرى: باحتمال أن يكون المراد من الآخرين، من عاصرهم ولم
يرو عنهم، أو روى عنهم وبقى بعدهم، بأن يكون المراد ممن تأخر زمانه، أعم
ممن وجد بعدهم، أو بقى بعدهم وإن روى عنهم.
وثالثة: باحتمال أن يكون المراد بالرواية، الرواية في زمانهم، وبعدمها،
عدمها فيه.

(1) نقد الرجال: 272.
(2) المراد منه، هو السيد السند والركن المعتمد السيد محمد المهدي بحر العلوم
الطباطبائي قدس سره.
قال العلامة المحقق النوري فيه: (... آية الله بحر العلوم، صاحب المقامات العالية،
والكرامات الباهرة،... وقد أذعن له جميع علماء عصره ومن تأخر عنه، بعلو المقام
والرئاسة في العلوم النقلية والعقلية وسائر الكمالات النفسانية، حتى أن الشيخ الفقيه الأكبر،
الشيخ جعفر النجفي - مع ما هو عليه من الفقاهة والزهادة والرئاسة - كان يمسح تراب خفه
بحنك عمامته.
وهو من الذين تواترت عنه الكرامات، ولقائه الحجة - صلوات الله عليه - ولم يسبقه في
هذه الفضيلة أحد فيما أعلم، إلا السيد رضي الدين علي بن طاووس، وقد ذكرنا جملة منها
بالأسانيد الصحيحة، في كتابنا (دار السلام) و (جنة المأوى) و (النجم الثاقب) لو جمعت
لكانت رسالة حسنة. خاتمة المستدرك: 383. راجع أيضا: مقدمة رجال السيد بحر العلوم:
1 / 43.
136

ورابعة: باحتمال أن يكون اختلاف كلامه، لاختلاف العلماء في شأن
أمثالهم، أو لاختلاف نظره في ذلك، أو تردده فيه (1).
مستظهرا من الوسيط وجهين آخرين:
قال ذكر أحدهما: في بكر بن محمد الأزدي، فإنه قال:
وأما فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام بكر بن محمد الأزدي، روى عنه العباس بن
معروف (2)، فهو إما سهو، أو بناء على أن العباس، لم يرو عن بكر إلا ما رواه
عن غيرهم، كثيرا ما وقع مثل هذا.
وثانيهما: في ثابت بن شريح، حيث ذكر النجاشي: (أنه روى عن أبي
عبد الله عليه السلام وأكثر عن أبي بصير، والحسين بن أبي العلاء (3)، ولأكثاره عن
غيرهم، أورده الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (4).
أقول: والانصاف، أن شيئا منها ليس بشئ، كما اعترف به نفسه، والظاهر
قصور عبارته عن تأدية مراده.
وأما ما استظهر من الوسيط، فغير سديد أيضا، لعدم ارتباط كلامه بالمقام،
لأن منشأ إشكاله، ظهور ما ذكره من أنه روى عنه، معروف (1) في روايته، عن
بكر، عن الأمام عليه السلام، وهذا ينافي ذكره فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. فأجاب بما
أجاب.
فأحد طرفي الأشكال، قوله: (روى عنه العباس) والاخر ذكر (بكر) فيمن

(1) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 142. فائدة 22. وراجع أيضا: خاتمة المستدرك: 507.
(2) رجال الطوسي: 457 رقم 3.
(3) رجال النجاشي: 116، رقم 297.
(4) رجال الطوسي: 457 رقم 1.
(5) هو من سهو قلمه الشريف. الصحيح: العباس بن معروف، كما مر آنفا.
137

لم يرو عنهم عليهم السلام وأين هذا مما نحن فيه.
ثم إنه لا وجه لكل من الأشكال والجواب المذكورين.
أما الأول: فلمنع ظهور ما ذكره في الرواية بلا واسطة، بل أعم منها، ومعها
وذكره إياه فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام، يعين الثاني.
ومما ذكرنا يظهر أن ما أورد الناقد عليه (1)، من أن ذكره سليمان بن صالح
فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (2) سهو، لما ذكره النجاشي من أن له كتاب يرويه
الحسين بن هاشم (3) ليس بالوجه، كما أنه لا ظهور فيه أيضا في الرواية بدون
الواسطة.
ولو قيل: سلمنا، ولكن يرجح الحمل عليه، ذكره المذكور في أصحاب
الصادق عليه السلام (4)، فذكره فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام، سهو منه.
قلت: فعلى هذا، كان عليه الاستدلال بصريح كلام نفسه، دون الكلام
المحتمل من النجاشي.
وأما الثاني: فيضعف أولهما، ببعده في الغاية، لوقوع مثله كثيرا كما قال في
هذا الباب أعني (من لم يرو عنهم عليهم السلام) في كل من أحمد بن علي (5)، أحمد
ابن وهيب (6)، وأحمد بن بكر (7)، وأحمد بن محمد بن سلمة (8)، وأحمد بن

(1) نقد الرجال: 161.
(2) رجال الطوسي: 475 رقم 9.
(3) رجال النجاشي: 184 رقم 486.
(4) رجال الطوسي: 208 رقم 90.
(5) هو أحمد بن علي الحميري الصيدي. رجال الطوسي: 440 رقم 18.
(6) رجال الطوسي: 440 رقم 19.
(7) رجال الطوسي: 440 رقم 20.
(3) رجال الطوسي: 440 رقم 22 فيه: (أحمد بن محمد بن مسلمة الرماني البغدادي).
138

الحسين (1)، وغيرهم (2)، روى عنه حميد
وفي كل: من أحمد بن محمد بن سعيد (3)، وأحمد بن محمد بن سليمان (4)، وأحمد
ابن محمد بن يحيى (5)، وغيرهم (6)، روى عنه التلعكبري (7).
ونظائره فوق حد الاحصاء فكيف يتجه ما ذكره.
وثانيهما: بأنه إن أريد منه، ما ذكرناه فجيد وجيه، ولكنه لا إشكال حينئذ،
ليحتاج إلى الجواب.
وإن أريد غيره فعليه على هذا التخصيص إقامة الدليل.

(1) رجال الطوسي: 441 رقم 25. هو، أحمد بن الحسين البصري القزاز.
(2) كإبراهيم بن سليمان بن حيان. رجال الطوسي: 440 رقم 24، وأحمد بن الحسين
ابن مفلس الضبي النخاس. رجال الطوسي: 441 رقم 26 و....
(3) رجال الطوسي: 441 رقم 30.
(4) رجال الطوسي: 443 رقم 34.
(5) هو، أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمي. رجال الطوسي: 444 رقم 36.
(6) كأحمد بن إدريس القمي، وأحمد بن الحسن الرازي أبو علي، وأحمد بن محمد بن
يحيى الفارسي أبو علي، أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي كعب أبو جعفر و.... رجال
الطوسي: 444 رقم 37 إلى 40.
(7) بتشديد اللام وضم العين وسكون الكاف وضم الباء. إيضاح الاشتباه: 314
رقم 753 وتوضيح الاشتباه: 296 رقم 1450.
139

المطلب الثاني
(المراد من الأصحاب في كلام الشيخ)
إنه قد عنون في رجال سيد الأنبياء، وخاتم الأوصياء، - صلوات الله
عليهما - بأسماء من روى عنهما وفي غيرهما من عناوينه العشرة، في رجال
بقية العترة - صلوات الله تعالى عليهم - بأصحابهم.
والظاهر أنه من باب التفنن في العبارة، كما يشهد به كلامه في صدر
الكتاب، كما مر.
والظاهر أن المراد بالرواية، الرواية بدون الواسطة، وإلا لم يكن وجه
للتخصيص بما استقصاه، مضافا إلى أنه مما ثبت في الجل، لولا الكل.
كما أن الظاهر من الأصحاب، أصحاب اللقاء راويا كان، أم لا، لظهور
كلامه في صدر الكتاب فيه عموما، مضافا إلى ما في كلامه في العنوانين
الأولين من الشهادة عليه، فضلا عما هو المعهود من الأصحاب، من فهمهم
ما ذكرناه، مما ذكره في الصدر في وضع الكتاب.
وخالف في المقام، السيد الداماد في الرواشح، فذكر:
(إن اصطلاح الشيخ في الأصحاب، أصحاب الرواية، دون أصحاب اللقاء.
فمقتضاه أن المراد بالرواية، أعم من الرواية بلا واسطة، أو معها، وبالأصحاب،
خصوص أصحاب الرواية، لاقيا كان، أم لا.
140

نظرا إلى ذكر ابن أبي عمير في أصحاب أبي الحسن الثاني (1) دون
الأول عليهما السلام مع أنه ممن لقاه، لما ذكر في الفهرست: (من أنه أدركه ولم
يرو عنه) (2).
ومراده به، قلة روايته عنه، لوجود الروايات المسندة عن ابن أبي عمير
أبي الحسن الكاظم عليه السلام في كتب الأخبار (3).
وقول النجاشي: (أنه لقاه وسمع منه أحاديث، كناه في بعضها بأبي
أحمد (4).
وعدم ذكره في أصحاب أبي جعفر الجواد عليه السلام مع أنه قد أدركه، لما مر.
وبناء على هذا، ذكر في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، الجوهري (5)، لروايته
عنه بالأسناد، وإلا فلم يلقه اتفاقا، وهو من أصحاب الكاظم عليه السلام لقاء
ورواية (6).
وعنوانه في أصحاب الصادق عليه السلام حريز بن عبد الله (2) وعبد الله بن

(1) رجال الطوسي: 388 / 26.
(2) الفهرست: 142، رقم 607.
(3) من لا يحضره الفقيه: 2 / 175 ح 783، كامل الزيارات: 247، علل الشرائع: 67،
كمال الدين: 433، وسائل الشيعة (آل البيت): 8 / 538 ح 11378، 16 / 90 ح 21064
و 21 / 438 ح 27523.
(4) رجال النجاشي: 326، رقم 887.
(5) رجال الطوسي: 276 رقم 49. المراد منه، هو القاسم بن محمد الجوهري.
(6) ذكره الشيخ تارة في أصحاب الصادق عليه السلام كما مر، وأخرى في أصحاب
الكاظم عليه السلام: 358 رقم 1، وثالثة فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام: 490 رقم 5.
(7) رجال الطوسي: 181 رقم 275.
141

مسكان (1) وتكثر في كتب الأحاديث عنهما، عنه عليه السلام. مع أنه قد ثبت وصح
عن أئمة الرجال، أن حريزا لم يسمع من أبي عبد الله عليه السلام، إلا حديثا أو
حديثين. وكذلك عبد الله، لم يسمع إلا حديث: (من أدرك المشعر فقد أدرك
الحج) وهو كان من أروى أصحابه، كما يستفاد مما ذكره الكشي (2) وغيره.
وفيه غياث بن إبراهيم الأسدي، أسند عنه وروى عن أبي الحسن عليه السلام (3).
وبالجملة: قد أورد في أصحاب الصادق عليه السلام، جماعة جمه، إنما روايتهم
بالسماع من أصحابه الموثوق بهم، والأخذ من أصولهم المعول عليها، ذكر كلا
منهم، وقال أسند عنه.

(1) رجال الطوسي: 264 رقم 675.
(2) قال الكشي: (... عن يونس، قال: لم يسمع حريز بن عبد الله من أبي عبد الله عليه السلام إ
فقد أدرك الحج، وكان من أروى أصحاب أبي عبد الله عليه السلام). رجال الكشي: 383 رقم 716.
ذكر النجاشي قضية حريز. رجال النجاشي: 144 رقم 375. والعلامة في الخلاصة: 63.
قال المحقق الأردبيلي قدس سره: (وعلى ما رأينا رواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام كثيرا،
يحصل المنافاة مع نقل النجاشي والخلاصة، عن يونس بن عبد الرحمان، أنه قال: إنه
لم يسمع عنه عليه السلام، إلا حديثين، خصوصا أنه نفسه، روى عن حريز، ثلاثة أحاديث
عنه عليه السلام). جامع الرواة: 1 / 186.
قال المحقق الخوئي قدس سره بعد ذكر الرواية عن الكشي: (هذه الرواية لا يمكن تصديقها،
بعد ما ثبت بطرق صحيحة، روايات كثيرة، تبلغ 215 موردا، كما يأتي عن حريز عن أبي
عبد الله عليه السلام، على أن الرواية، ضعيفة السند، من جهة محمد بن نصير، ومن جهة محمد بن
قيس...). معجم رجال الحديث: 4 / 251.
وللمحقق التستري قدس سره كلام في توجيه رواية يونس. فراجع: قاموس الرجال: 3 / 164.
(3) رجال الطوسي: 270 رقم 16.
142

قال: وذلك المسلك، يبتدء من لدن أصحاب مولينا الباقر عليه السلام) (1).
أقول: وفيه أن ما ذكره من الحمل المذكور، في غاية البعد، مع أنه لا يوافق
ما ذكره من البناء أيضا، كما لا يخفى.
مضافا إلى أن ما يظهر منه، من أن عدم ذكره في أصحاب مولانا
الجواد عليه السلام لما ذكره في الفهرست غريب، إذ مقتضى كلامه فيه خلافه، لقوله:
(أدرك من الأئمة ثلاثة، أبا إبراهيم موسى بن جعفر، ولم يرو عنه، وروى عن
أبي الحسن الرضا والجواد عليهم السلام) (2).
هذا بناء على ما هو الحال في بعض النسخ، وهو الأصح كما سيأتي وإلا
ففي بعضها ليس قوله، والجواد عليه السلام رأسا.
على أنه ينافيه، عده فيه، صفوان بن يحيى، من أصحاب أبي الحسن وأبى
جعفر الثانيين (3)، دون أبي عبد الله عليهم السلام.
مع أنه ذكر في الفهرست: (أنه روى عن أربعين رجلا من أصحابه) (4).
ولذا استشكل ثلة، في تصحيح ما رواه عنه، نظرا إلى عدم ملاقاته إياه.
ومن العجب: أنه قد تفصى عنه، بما أسسه من تثليث الأصحاب، أعني:

(1) الرواشح السماوية: 63. الراشحة الرابعة عشر. قال في آخر الراشحة: (فهذه
راشحة جليلة النفع، عظيمة الجدوى في هذا العلم، فكن منها على ذكرى! عسى أن تستجد
بها في مواضع عديدة).
أقول: هكذا في نسخة الرواشح والظاهر أن الصحيح: (فكن منها على ذكر عسى أن
تستجدي بها).
(2) الفهرست: 142 رقم 607.
(3) رجال الطوسي: 378 رقم 4 و 402 رقم 1.
(4) الفهرست: 83، رقم 346.
143

أصحاب الأسناد، والسماع، واللقاء. وأنه من أصحاب الأسناد، وأنه لا يروى
إلا بسند صحيح، لما ثبت من وثاقته وجلالته، فيصح الرواية (1).
وأنت خبير بأن الوثاقة والجلالة، لا يقتضي حصر الرواية عن الأمامي
الموثق، فضلا عن أن ما عزاه إلى أئمة الرجال، ينقدح بعدم وقوع ذكره، إلا من
يونس، على ما حكى عنه الكشي، وأين هذا من ذاك.
مع أن الظاهر أنه اشتباه منه، لكثرة روايتهما عنه (عليه السلام) بحيث لا يكاد أن
يستقصي.
كما في الكافي، في باب المكارم: (عن العدة، عن أحمد، عن عثمان، عن
عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام) (2).
وفيه، في باب من يلزم نفقته: (علي، عن أبيه، عن عبد الله، عن حريز
عنه عليه السلام) (3).
وفي التهذيب، في باب الحر إذا مات وترك وارثا مملوكا: (علي، عن
سندي، عن محمد، عن ابن مسكان، عنه) (4).
وفيه، في باب الأحداث: (وروى حريز، عنه) (5).
وفي الفقيه، في باب ما يجوز فيه الأحرام وما لا يجوز: (روى ابن مسكان

(1) الرواشح السماوية: 65 و 66. الراشحة الرابعة عشر، والخامسة عشر.
(2) الكافي: 2 / 56 ح 2.
(3) الكافي: 4 / 13 ح 1.
(4) التهذيب: 9 / 336 ح 1210.
(5) في هذا الباب، روايتان فيهما: (عن حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام).
راجع: التهذيب: 1 / 11 ح 21 و 21 ح 51. ولكن في باب الأغسال المفترضات والمسنونات:
(عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام). التهذيب: 1 / 108 ح 283.
144

عنه) (1).
وفيه في باب التهيؤ للأحرام: (روى حماد، عن حريز، عنه) (2).
إلى غير ذلك من الموارد الظاهرة في الرواية، بدون الواسطة، بل بعض
روايتهما، صريح فيه.
كما في الكافي في باب طلب الرئاسة: (العدة، عن أحمد، عن أبيه، عن
عبد الله عن عبد الله بن مسكان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام) (3).
وفيه في باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل: (الحسين، عن معلى، عن
محمد، عن صفوان، عن ابن مسكان، قال: سألت الشيخ عن الأئمة عليهم السلام) (4).
وفي الفقيه في باب حد القذف: (وروى أبو أيوب، عن حريز، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سألته) (5).
وفي التهذيب، في باب السعي: (الحسين، عن محمد، عن عبد الله بن
مسكان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام).
وفي الاستبصار، في باب الجنب يدهن ويختضب: (الحسين، عن عبد الله
عن حريز، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام) (6).
ومما ذكرنا يظهر ضعف موافقة جماعة من الأجلة، تضعيفا لجملة من
الأخبار، بهذه العلة.

(1) الفقيه: 2 / 215 ح 981.
(2) الفقيه 2 / 202 ح 922.
(3) الكافي 2 / 297 ح 3.
(4) الكافي: 1 / 373 ح 8.
(5) الفقيه: 4 / 39 ح 26 (طبعة دار الكتب الإسلامية - طهران).
(6) الاستبصار: 1 / 117 ح 8.
145

منهم: الشهيد في المسالك، فيما لو قتلت المرأة وهي حبلى، فإنه بعد ما نقل
رواية عن ابن مسكان، عن مولانا الصادق عليه السلام، ضعفها بأن فيها عبد الله بن
مسكان عنه عليه السلام، ولم يثبت روايته عنه بلا واسطة، وقال النجاشي: إنه قيل
ذلك ولم يثبت (1).
وصاحب المعالم، عند الكلام في المنزوحات: فإنه أورد على العلامة في
المختلف، والمنتهى، من استدلاله على نفي وجوب النزح لموت العقرب، بما
في رواية ابن مسكان، عن مولانا الصادق عليه السلام، بأنه أسند الحديث عن ابن
مسكان، عن مولانا الصادق عليه السلام، تبعا للتهذيب والاستبصار (2).
وفي الكافي رواه عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
وهو الصحيح.
ثم ذكر كلام النجاشي والكشي ومحمد بن مسعود - إلى أن قال - وعلى هذا،
فالحديث في الكتابين، منقطع الأسناد، ولكن له وجه من وجه كما لا يخفى.
وسيدنا، في المصابيح، في انفعال ماء القليل، فإنه - بعد نقل رواية، عن
التهذيبين: بالأسناد، عن حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام (4) - طعن فيها بأنه
اشتهر بين علماء الرجال، أن حريزا، لم يرو عنه عليه السلام، إلا حديثا أو حديثين،
وعلى هذا، فيكون الرواية، مرسلة.
وفيه أيضا، بعد ما نقل عنهما أيضا: بالأسناد عن ابن مسكان، عن أبي
عبد الله عليه السلام. ناقش بتصريح علماء الرجال، بأن عبد الله بن مسكان، لم يرو

(1) المسالك: 2 / 400 سطر 40.
(2) التهذيب: 1 / 230 ح 666 والاستبصار: 1 / 26 ح 68.
(3) الكافي: 3 / 6 ح 6.
(4) التهذيب: 1 / 216 ح 625 والاستبصار: 1 / 12 ح 19.
146

عنه عليه السلام إلا بالواسطة، وعلى هذا تكون الرواية، مرسلة.
وفيهما شئ آخر يظهر مما مر.
ونظير المقام، ما ذكره في الخلاصة: (من أن علي بن يقطين، روى عن أبي
عبد الله عليه السلام، حديثا واحدا وروى عن أبي الحسن موسى عليه السلام فأكثر) (1) تبعا
لما ذكره النجاشي: (من أنه قال أصحابنا: روى علي بن يقطين، - إلى آخر ما
في الخلاصة -) (2).
مع أن التتبع في الأخبار، يكشف عن خلافه أيضا، لما في التهذيب في باب
حكم الحيض والاستحاضة: (روى عن علي، عن محمد، وأحمد، عن أبيهما
عن عبد الله، عن بعض أصحابنا، عن علي بن يقطين عن أبي
عبد الله عليه السلام) (3).
وفيه أيضا، في باب صلاة الكسوف: (محمد، عن محمد بن حماد، عن
محمد بن خالد، عن عبيد الله، عن علي، عن علي بن أبي حمزة عن علي بن
يقطين، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام).
وفيه أيضا، في باب نزول منى: (روى أحمد، عن الحسن، عن الحسين
عن علي بن يقطين، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام) (4).
هذا، مضافا إلى ما ذكر في الفهرست: (من أن لعلي بن يقطين كتبا، منها: ما
سئل عنه الصادق عليه السلام) (5).

(1) الخلاصة: 91، رقم 3.
(2) رجال النجاشي: 273، رقم 715.
(3) التهذيب: 1 / 166 ح 48.
(4) التهذيب: 5 / 175 ح 587.
(5) الفهرست: 91، رقم 378.
147

وصرح بمثله، ابن شهرآشوب في المعالم (1).
وبما ذكرنا، ينصرح ضعف ما ذكره المحقق الشيخ محمد، تعليقا على الخبر
الأخير: (من أن في كتب الرجال، أنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام حديثا
واحدا، فكأنه هذا).
وكذا ما ذكره في الذخيرة، بعد ذكر الخبر الأول: (من أن الظاهر، أن في
سند الحديث، اختلالا لا يخفى على الماهر بطبقات الرجال) (2).
فإن الظاهر، إن مراده بالاختلال ما ذكر. وظهر أن التضعيف بالاختلال،
مختل الحال.
وبما ذكرنا، ينقدح القدح، فيما عنونه ابن داود، من الفصل المعقود لذكر من
ضبط، روايتهم، فعد جماعة منهم: الجماعة المتقدمة، وفاقا لهم فيما تقدم من
المقالة (3)، فضلا عما ينافيه، ما وقع من الشيخ، في غير موضع: من أنه أسند
عنه، وروى عنهما، كما في جابر بن يزيد (4) ووهب بن عمرو (5) وغيرهما (6).

(1) معالم العلماء: 64 / 435.
(2) ذخيرة المعاد: 72.
(3) رجال ابن داود: 212.
(4) رجال الطوسي: 163، رقم 30.
(5) رجال الطوسي: 327، رقم 18،
(6) كما في محمد بن إسحاق بن يسار المدني. رجال الطوسي: 281 رقم 22.
148

المطلب الثالث
(بناؤه ضبط أسماء الرواة عنهم عليهم السلام من دون اختصاص بالموثقين)
إن مقتضى صريح العبارة المتقدمة، أن بنائه على ضبط أسماء الرجال الذين
رووا عنهم عليهم السلام من غير الاختصاص بضبط الموثقين منهم، كما سبقه في هذا
المرام، على وجه الاستقصاء التام، الحافظ الثقة، أحمد بن محمد بن سعيد،
المعروف ب‍ (ابن عقدة) على ما حكى عنه جماعة من الأعلام، كما ذكر
النجاشي: (أحمد بن محمد بن سعيد، رجل جليل في أصحاب الحديث،
مشهور بالحفظ، والحكايات، تختلف عنه في الحفظ، وعظمه، وكان كوفيا،
زيديا، جاروديا (1) على ذلك حتى مات).
وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم، ومداخلته إياهم وعظم محله وثقته وأمانته.
له كتب منها: كتاب التاريخ، وذكر من روى الحديث. كتاب السنن، كتاب من
روى عن أمير المؤمنين عليه السلام. كتاب من روى عن الحسن والحسين عليهما السلام

(1) الجارودية: فرقة من الشيعة ينسبون إلى الزيدية وليسوا منهم، نسبوا إلى رئيس
لهم من أهل خراسان، يقال له: أبو الجارود، زياد بن أبي زياد.
وعن بعض الأفاضل: هم فرقتان فرقة زيدية وهم شيعة. وفرقة بترية وهم لا يجعلون
الإمامة لعلي عليه السلام بالنص، بل عندهم هي شورى ويجوزون تقديم المفضول على الفاضل،
فلا يدخلون في الشيعة، مجمع. (منه رحمه الله).
راجع: الملل والنحل: 140، الفرق بين الفرق: 23، فرق الشيعة: 59، ريحانة الأدب:
1 / 380، كشاف اصطلاحات الفنون: 1 / 277، التبصرة: 185، مقباس الهداية: 2 / 354،
أصول الحديث: 183.
149

كتاب من روى عن علي بن الحسين عليهما السلام، كتاب من روى عن أبي جعفر عليه السلام
كتاب من روى عن زيد بن علي، كتاب الرجال، وهو كتاب من روى عن
جعفر بن محمد عليهما السلام) (1). (انتهى).
قوله: (والحكايات) قال الشيخ في الرجال فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام:
(سمعت جماعة يحكون عنه، أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث
بأسانيدها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث) (2).
قوله: (له كتاب التاريخ) قال في الفهرست بعد ما ذكر من أنه: (له كتب
كثيرة، منها: كتاب التاريخ وذكر من روى الحديث من الناس كلهم، العامة
والشيعة وأخبارهم، خرج منه شئ كثير ولم يتمه.
كتاب السنن، وهو كتاب عظيم، قيل أنه حمل بهيمة لم يجمع لأحد
وقد جمعه هو) (3).
قوله: (كتاب من روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام) قال في الخلاصة بعد ذكر
ما يقرب إلى بعض ما تقدم: (له كتب، منها: أسماء الرجال الذين رووا عن
مولانا الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل، وأخرج لكل رجل، الحديث الذي
رواه) (4).
والظاهر أنه مأخوذ مما ذكره شيخنا المفيد، كما ستعرف كلامه - إن شاء الله
تعالى -.
وظاهر كلامه، عدم ثبوت وثاقة الرجال الراوين، كما هو المنصرح مما

(1) رجال النجاشي: 94، رقم 233.
(2) رجال الطوسي: 441 رقم 30.
(3) الفهرست: 28، رقم 76.
(4) رجال العلامة: 203، رقم 13.
150

ذكره المحقق في بداية المعتبر، في جملة كلامه، فيما انتشر عنهم من العلوم،
فإنه قال: (وكذا الحال في جعفر بن محمد عليهما السلام، فإنه انتشر عنه من العلوم
الجمة ما بهر به العقول، حتى غلا فيه جماعة وأخرجوه إلى حد الإلهية وروى
عنه من الرجال، ما يقارب أربعة آلاف رجل) (1).
وكذا مما ذكره الشهيد في الذكرى: (من أن أبا عبد الله جعفر بن محمد
الصادق عليهما السلام كتب من أجوبة مسائله، أربعمائة مصنف، لأربعمائة مصنف
ودون من رجاله المعروفين، أربعة آلاف رجل من أهل العراق والحجاز
والشام، - إلى أن قال -: ومن رام معرفة رجالهم، والوقوف على مصنفاتهم،
فليطالع كتاب الحافظ، ابن عقدة، وفهرست النجاشي (2). (انتهى).
فأنت خبير بأن مقتضى كلام هؤلاء الأعلام، إن ابن عقدة، إنما جمع أربعة
آلاف رجل من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، ولم يظهر من أحد منهم،
اتصاف الجميع، أو بعضهم بالوثاقة، ولا تنصيص ابن عقدة بها، بل ولعل
الظاهر، العدم، لأن ثبوت الوثاقة في الرواة، أمر مهم، بل كاد أن لا يتصف
بالرواية، عند عدم الوثاقة، ولو كان المفروض ثبوت الوثاقة لهم، لصرحوا بها
مبينا للأمر المهم.
وربما يشعر بالعدم، توصيفهم في الإرشاد: باختلافهم في الآراء والمقالات،
وفي الأعلام (3): باختلافهم في المقالات والديانات.
ولعل من البعيد الاتفاق في الوثاقة والديانة، مع الاختلاف في الآراء

(1) المعتبر: 1 / 26.
(2) الذكرى: 6.
(3) اي: إعلام الورى للطبرسي كما يأتي قريبا.
151

والديانات، مضافا إلى نفس البعد في الاتفاق في الوثاقة، مع توقف ثبوت
الوثاقة، على ثبوت أمور صعبة، مسبوقة بالعدم، ولا سيما في هذا الجم الغفير،
والجمع الكثير.
هذا في دعوى الوثاقة خاصة، وأما مع إضافة الإمامية أيضا، كما صرح بها
فالأمر أدهى وأمر.
نعم، ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد في أحوال مولانا الصادق عليه السلام أنه نقل
الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل
عن أحد كما نقلوا عن أبي عبد الله عليه السلام، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا
أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة
آلاف رجل من أصحابه (1).
وتبعه الشيخ الطبرسي في إعلام الورى في ذكر مناقبه: (من أنه لم ينقل عن
أحد من العلوم، ما نقل عنه، فإن أصحاب الحديث، قد جمعوا أسامي الرواة
عنه من الثقات، على اختلافهم في المقالات والديانات، فكانوا أربعة آلاف
رجل) (2). (انتهى).
فمن الظاهر أن المراد من الجمع المذكور، على الوجه المزبور، ما وقع من
ابن عقدة.
ويشهد عليه، ما ذكره ابن شهرآشوب، في المناقب: (من أنه نقل عن
الصادق عليه السلام، من العلوم، ما لا ينقل عن أحد، وجمع أصحاب الحديث، أسماء
الرواة من الثقات، على اختلافهم في الآراء والمقالات، وكان أربعة آلاف

(1) الإرشاد: 270.
(2) إعلام الورى: 276.
152

رجل. قال: بيان ذلك، إن ابن عقدة صنف كتاب الرجال، لأبي عبد الله عليه السلام
وعدد فيه (1). (انتهى).
وقد عرفت أنه ليس في كلام ابن عقدة، على ما نقله الأعلام، ما يقتضى
التوثيق والوثاقة، ولا ريب أن الترجيح في نقلة الإطلاق، للأكثرية والخبروية
والاتقان. فكفى بنقل مثل المحقق المتقن، وبعده الشهيد المتثبت.
مضافا إلى ما في كلام الشيخ المفيد ومن تبعه، من الاختلال من وجه آخر
يوهن الاعتماد عليه، وهو أن الجامع على الوجه المذكور من العدد المزبور،
هو ابن عقدة خاصة، على ما عرفت في كلام جماعة من الأعلام.
مع أن مقتضى صريح كلام شيخنا المفيد ومن تبعه، أن الجامع جماعة.
وأوضح فسادا منه، ما عن صاحب الأنوار المضيئة: (من أن مما اشتهر بين
الخاصة والعامة، أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة من الثقات، على
اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف) (2).
وأنت خبير بأن المنشأ، هو كلام شيخنا المفيد، كما يشهد به اتحاد العبارات.
ويشهد على ما ذكرنا، من عدم ثبوت الوثاقة في الجميع، - مضافا إلى ما
تقدم - ما ذكره شيخنا المفيد وغيره في حقهم، من اختلافهم في
الآراء المقالات، أو الديانات والمقالات (3).
فإن كثيرا منهم، من ذوي الآراء الفاسدة، فإنها وإن كانت غير منافية مع
الوثاقة، كما كانت في بعضهم، مثل: ابن فضال (2)، إلا أن الكلام، ليس في

(1) المناقب: 4 / 247.
(2) راجع: خاتمة المستدرك: 770.
(3) الإرشاد: 270.
(4) هو الحسن بن علي بن فضال. قال الشيخ: كان فطحيا يقول بإمامة عبد الله بن
جعفر، ثم رجع إلى إمامة أبي الحسن عليه السلام. الفهرست: 47 رقم 153. وكذا في رجال الكشي:
565 رقم 1067 ورجال النجاشي: 34 رقم 72.
153

مجرد الامكان وعدم المنافاة.
على أنه قد ذكر الشيخ في الرجال جماعة ممن ذكرهم ابن عقدة، ناقلا
عنه، ووثقهم وجماعة أخرى من غير توثيق:
كأسباط بن سالم (1) والحسين بن حماد (2) وبسام (3) وجراح (4) وغيرهم،
بل ذكر جماعة منهم، وضعفهم كما قال:
إبراهيم بن أبي حبة، ضعيف (5).
الحارث بن عمر البصري، ضعيف الحديث (6).
عبد الرحمن بن الهلقام، ضعيف (7).
عمر بن جميع، ضعيف الحديث (8).
محمد بن عبد الملك الأنصاري، أسند عنه، ضعيف (9).
محمد بن مقلاص أبو الخطاب، ملعون غال (10). ومع هذا، كيف يتجه إسناد

(1) رجال الطوسي: 153 رقم 220.
(2) رجال الطوسي: 183 رقم 304.
(3) رجال الطوسي: 159 رقم 84.
(4) رجال الطوسي: 164 و 165.
(5) رجال الطوسي: 146 رقم 67.
(6) رجال الطوسي: 178 رقم 230.
(7) رجال الطوسي: 232 رقم 143.
(8) رجال الطوسي: 249 رقم 426. وفيه: (عمرو بن جميع).
(9) رجال الطوسي: 294 رقم 223.
(10) رجال الطوسي: 302 رقم 345.
154

اعتقاد الوثاقة.
وأما ما أجيب عنه (1) تارة: من أن خروج بعض الأفراد عن تحت القواعد،
غير قادح فيها، وإلا لانقدح غير واحد من القواعد، وهو باطل بالضرورة.
وأخرى: بأن القدماء يطلقون الضعيف في كثير من الموارد، على من هو
ثقة، ويريدون منه، ما لا ينافي الوثاقة، كالرواية عن الضعفاء، أو رواية
الضعفاء عنه، ونحوهما، بل لكونه غير إمامي، كما اشتهر أن السكوني ضعيف،
والمراد أنه عامي وإلا فوثاقته مما لا خلاف فيه.
وثالثة: بأن الموثق، ذكر أيام استقامته، وأشار إلى زمان روايته فيها.
والجارح، نظرا إلى أيام انحرافه، فكل منهما في محله (2).
وفي الكل نظر: كدعوى نفى الخلاف عن وثاقة السكوني، مع أن كلام
الشهيد في المسالك، عند الكلام في إنفاذ القاضي حكم غيره، صريح في عدم
ثبوت وثاقته، بل صريحه عدم تنصيص أحد من الأصحاب، على وثاقته
ومدحه (3). كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فظهر مما ذكرنا، أن من العجيب، ما أصر فيه المحدث النحرير في الفائدة
الثامنة من الفوائد المرسومة في آخر المستدرك: من إبداع أمارة عامة لوثاقة
جميع المجاهيل الموجودة في خصوص كتاب رجال الشيخ، في خصوص
أصحاب مولانا الصادق عليه السلام.
نظرا إلى أن ابن عقدة، صنف كتابا في خصوص أصحابه عليه السلام وأنهاهم إلى
أربعة آلاف ووثق جميعهم، وكل ما في رجال الشيخ منهم موجودون فيه، فهم

(1) المجيب هو المحقق النحرير النوري في خاتمة المستدرك.
(2) خاتمة المستدرك: 773.
(3) المسالك: 2 / 306 سطر 18.
155

ثقات بتوثيقه، وصدقه في هذا توثيق المشائخ العظام أيضا (1).
بل ذكر في كثير من التراجم توثيقا لهم، أنه من الأربعة آلاف الذين وثقهم
ابن عقدة.
فقد عرفت أنه لم يظهر من ابن عقدة، توثيقه لهم أصلا، كما هو مقتضى
ما وصل إليه وإلينا من كلامه، وعرفت ما في تصديق المشائخ العظام، فكم من
كلام قبل النظر كالجبال، وبعده أوهن من الحبال.
نعم، كان الأولى نسبة التوثيق إلى الشيخ المفيد ومن تبعه، كما صنعه من
سبقه في أصل هذه الدعوى، وهو المحدث الحر في الأمل، في ترجمة أبي
الربيع الشامي خليد بن أوفى، فإنه ذكر: (أنه لو قيل بتوثيقه وتوثيق جميع
أصحاب الصادق عليه السلام إلا من ثبت ضعفه، لم يكن بعيدا، لأن المفيد في
الإرشاد (2) وابن شهرآشوب في معالم العلماء (3) والطبرسي في إعلام
الورى (4) قد وثقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام، والموجود في
جميع كتب الرجال والحديث، لا يبلغون ثلاثة آلاف) (5). (انتهى).
ولكن عرفت ما في هذا التوثيق، من الموهنات والمضعفات.
هذا! وما ذكره من عدم بلوغ الجميع، ثلاثة آلاف، يضعف، بأن المذكور في
كلام الشيخ، على ما أحصاه النحرير المذكور، ثلاثة آلاف وخمسين رجلا (6).

(1) خاتمة المستدرك: 770.
(2) الإرشاد: 271.
(3) معالم العلماء: 3.
(4) الإرشاد: 271.
(5) أمل الآمل: 1: 83.
(6) خاتمة المستدرك: 771.
156

ثم إنه لم يكتف باستفادة الوثاقة والاصرار فيه، فجرى على إثبات التوثيق
بالمعنى الأخص، أي: كون المزكي من العدل الأمامي، للزوم حمل الوثاقة في
كلام الموثقين على المصطلح المعهود.
ويضعف بعدم ثبوت هذا الاصطلاح، قطعا، بعد ما عرفت من عدم ثبوت
التوثيق من ابن عقدة رأسا.
مضافا إلى مخالفته، لصريح كلام الشيخ المفيد ومن تبعه من دخول ذوي
الآراء والمقالات فيهم.
ثم إنه أطال المقال في تصحيح الاعتماد، على توثيق هؤلاء، مع أن منشأ
توثيقهم، توثيقه، فيؤول الأمر إلى الاعتماد على توثيق المزكي العادل الغير
الأمامي
وفيه من المناقشات ما لا يخفى، وبعد ما عرفت من ضعف المنشأ، لا حاجة
إلى ما ذكر، ما ذكره في وجه التصحيح من الوجهين، مع ما فيهما من الضعف
والقصور (1).

(1) راجع: خاتمة المستدرك: 773 و 772.
157

المبحث الثاني
في توثيقاته وتضعيفاته ونحوهما
المشهور بين الأصحاب، القول بالاعتبار، بل لم أجد القول بالخلاف إلا من
الشاذ النادر. والمنصور هو المشهور.
ويدل عليه، ما يدل على اعتبار قول الثقة الأمين، بالإجماع والأخبار،
تنقيحا للمناط القطعي، من عدم الفارق بين قول الثقة، وكتابته، إذا فرض عدم
احتمال التقية ونحوه، وعدم اعتبار الكتابة في الشهادة، لا يضر بالمقام، لأنه
عنوان آخر في موضوع آخر.
وفيه ما ذكر في الجواهر: (من أن حجية الشياع وإجراء الأحكام عليه،
لا يقتضي جواز الشهادة بمضمونه، وإن لم يقارنه العلم، لاعتبار العلم في
الشهادة وكونه كالشمس والكف) (1).
هذا، مضافا إلى جريان السيرة، على العمل بالكتب والمكاتبات القطعية، من
غير نكير، فضلا عما دل على حجية الظن في الرجال. هذا بحسب المقتضى.

(1) جواهر الكلام: 41 / 134.
158

وأما المانع، فلا مانع منه، عدا ما سيجئ مما يوهم مانعيته وفساده.
وأما ما ذكره الفاضل الخاجوئي، في رسالته المعمولة في الكر، وكذا في
أوائل أربعينه (1): (من أن إخباره بأحوال الرجال، لا يفيد ظنا ولا شكا في حال
من الأحوال، تعليلا باضطراب كلماته، حيث أنه يقول في موضع: (إن الرجل،
ثقة) وفي آخر يقول: (إنه ضعيف) كما في سالم بن مكرم الجمال (2) وسهل بن
زياد (3).
وإنه قال في الرجال: (محمد بن هلال، ثقة) (4).
وفي كتاب الغيبة: (إنه من المذمومين) (5).
وإنه قال في العدة (إن عبد الله بن بكير، ممن عملت الطائفة بخبره

(1) راجع: الفوائد الرجالية للفاضل الخاجوئي: 203 وكذا رسائل أبي المعالي لوالد
المؤلف، نقد المشيخة: 23 والحدائق الناظرة: 3 / 156 وخاتمة المستدرك: 507.
(2) قال الشيخ في الفهرست، 79 رقم 327: (سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة...
ضعيف). وقال في رجاله، 209 رقم 116 في أصحاب الصادق عليه السلام: (سالم بن مكرم
أبو خديجة الجمال الكوفي مولى بني أسد) من غير توثيق، كما ذكره المحقق الخوئي: معجم
رجال الحديث: 8 / 25.
نعم، قال العلامة: (... قال الشيخ رحمه الله إنه ضعيف وقال في موضع آخر: إنه ثقة) الخلاصة:
227.
(3) قال الشيخ في الفهرست، 80 رقم 329: (سهل بن زياد الادمي الرازي، أبو سعيد،
ضعيف).
وقال في الرجال: 416 رقم 4 في أصحاب الهادي عليه السلام: سهل بن زياد الادمي، يكنى أبا
سعيد، ثقة، رازي.
(4) رجال الطوسي: 435 رقم 6. في أصحاب العسكري عليه السلام. الظاهر أن الصحيح:
محمد بن علي بن بلال. كما يأتي الإشارة إليه.
(5) الغيبة: 245.
159

بلا خلاف) (1).
وفي الاستبصار، في آخر الباب الأول من أبو أب الطلاق، صرح بما يدل
على فسقه وكذبه، وأنه يقول برأيه (2).
وإنه قال فيه: إن عمار الساباطي ضعيف، لا يعمل برواياته (3).
وفي العدة: (إن الطائفة لم تزل تعمل بما يرويه) (4).
وإنه قد ادعى عمل الطائفة، بأخبار الفطحية، مثل: عبد الله بن بكير
وغيره، وأخبار الواقفية، مثل: سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان
ابن عيسى، وبني فضال، والطاطريين (5).
مع أنا لم نجد أحدا من الأصحاب، وثق البطائني، أو يعمل بروايته، إذا
انفرد بها، لأنه خبيث، واقفي، كذاب، مذموم (6).
وقس عليه حال غيره، ممن ادعى عمل الطائفة، على العمل بروايته في
كلامه المذكور.
وإنه تارة: يشترط في قبول الرواية الأيمان والعدالة، كما قطع به في كتبه
الأصولية (7) وهذا يقتضي أن لا يعمل بالأخبار الموثقة والحسنة.

(1) عدة الأصول: 1 / 381.
(2) الاستبصار: 3 / 276 ح 982 والتهذيب: 8 / 36 ح 107.
(3) الاستبصار: 1 / 372 ح 1413.
(4) عدة الأصول: 1 / 381.
(5) المصدر.
(6) راجع: مجمع الرجال: 4 / 157.
(7) مبادي الوصول إلى علم الأصول: 206. فيه: (يشترط كون الراوي: بالغا، عاقلا،
مسلما، عدلا، ضابطا).
160

وأخرى: يكتفي في العدالة، بظاهر الإسلام، ولم يشترط ظهور العدالة (1).
ومقتضاه، العمل بالأخبار الموثقة والحسنة، كالصحيحة.
وإنه تارة: يعمل بالخبر الضعيف مطلقا، حتى أنه يخصص به، أخبارا كثيرة
صحيحة، حيث تعارضها بإطلاقها (2).
وتارة: يصرح برد الحديث، لضعفه (3).
وثالثة: يرد الصحيح، معللا بأنه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا (4).
قال: وأمثال ما ذكر، كثيرة منه جدا.
متعجبا من صاحب الذخيرة (5)، حيث تمسك على اعتبار رواية عثمان بن
عيسى، بنقل الاتفاق على العمل برواياته منه، في كلام المذكور، مع أنه معدود
في عداد من لا يعمل الطائفة بأخباره، إلا أن يكون محفوفة بالقرائن.
كيف، وقد صرح في الدراية (6)، بأن أغلب أصحابنا، لا يعملون بأخبار

(1) كما في المبسوط: 8 / 217، في كتاب الشهادات، باب (من تقبل شهادته ومن
لا تقبل).
(2) قال والد المؤلف: وربما نسب الشهيد الثاني في الدراية إلى الشيخ الطوسي،
العمل بأخبار ضعيفة. وهو في كمال البعد، إلا أن يكون غرورا من ذكر الشيخ في النهاية،
الأخبار الضعيفة، لكن الظاهر أن الغرض من النهاية، مجرد إيراد الرواية، لا الاعتقاد بها،
كما تكرر القول به من ابن إدريس. وقد نسب إليه بعض في بعض المباحث، أنه جرى على
التخصيص بالخبر الضعيف. رسائل أبي المعالي - رسالة تزكية الرواة: 55 (آخر الرسالة).
(3) الاستبصار: 1 / 372 ح 1314، 2 / 36 ح 110، 3 / 94 ح 325، 3 / 224 ح 810،
3 / 261 ح 935، 3 / 351 ح 1253 و 4 / 89 ح 339.
(4) الاستبصار: 2 / 69 ح 218، 72 ح 220، 76 ح 231 و....
(5) ذخيرة المعاد: 191.
(6) راجع: مقباس الهداية: 2 / 25، القوانين: 458، عدة الأصول: 1 / 380 والرعاية
في علم الدراية: 189. قال المحقق الحلي بعد نقل كلام الشيخ في العدة: (لا نعلم إلى الان أن
الطائفة عملت بأخبار هؤلاء). معارج الأصول: 149.
161

الموثقين من المخالفين، كالفطحية، والواقفية، والناووسية، فما ظنك بأخبار
غير الموثقين منهم، كالبطائني ومن شاكله.
أقول: وفيه مضافا إلى أن وقوع أمثالها على تسليم وقوعها، مما لا يوجب
نفي إفادة إخباره، الظن، فضلا عن الشك، بل لعمري إن الثاني من العجب.
وذلك: لأنها بالإضافة إلى سائر كلماته المعتبرة، كشعرة بيضاء في بقرة
سوداء.
كما يشهد بما ذكرنا، استناد المستدل بكلماته، واعتماده بمقالاته، في غير
مورد. وإن هو، إلا لاطمئنان النفس وسكونها إليها، وإن هو إلا لغلبة الصحة
وقلة الغفلة.
أولا: إن ما ذكره من تناقض كلامه، في (سالم يضعف، بعدم ثبوته، لعنوانه
في الرجال في أصحاب الصادق عليه السلام بقوله: (سالم بن مكرم، أبو خديجة،
الجمال الكوفي، مولى بني أسد (1).
وفي الفهرست بقوله: (سالم بن مكرم، يكنى أبا خديجة، ضعيف) (2).
فلم يثبت منه إلا تضعيفه في خصوص الأخير.
فإن أريد منه، تناقض كلامه في رجاليه فمعلوم.
وان أريد غيرهما، فعليه الاثبات، مضافا إلى مخالفته لاردافه برديفه.

(1) رجال الطوسي: 209، رقم 116.
(2) الفهرست: 79، رقم 327.
162

نعم، صرح بوثاقة سهل في الأول، وضعفه في الثاني (1).
وثانيا: إن ما نقله من توثيقه لمحمد بن هلال فيه يضعف: بأن المعنون فيه
رجلان: محمد بن هلال المدني (2) ومحمد بن هلال الهمداني (3) من غير توثيق
فيهما، كما نقلهما الناقد، منه كذلك أيضا (4).
وثالثا: إن ما ذكره من نفي وجدان توثيق البطائني، أو العمل بروايته عند
انفراده بها من أحد، يضعف بما سيأتي - إن شاء الله - في الركن الآتي.
نعم، ينبغي أن يعد من اشتباهه، ما حكم في الرجال، بعامية أبي الصلت (5)
وتبعه العلامة (6).
مع أن الظاهر، بل بلا إشكال خلافه، بل صرح غير واحد من العامة في كتب
الرجال (7)، كما ذكره شيخنا البهائي رحمه الله على ما في النظام برافضيته، وبسطت

(1) وثقه في الرجال: 416 رقم 4 في أصحاب الهادي عليه السلام. وضعفه في الفهرست: 80 رقم 329.
(2) رجال الطوسي: 303، رقم 362.
(3) رجال الطوسي: 303، رقم 363 و 362.
أقول: مراده كما صرح المحقق الخاجوئي في الفوائد الرجالية: محمد بن علي بن بلال
الذي وثقه في الرجال: 435 رقم 6. في أصحاب العسكري عليه السلام. وعده من المذمومين في
الغيبة: 245. راجع: الفوائد الرجالية: 203.
(4) نقد الرجال: 338، رقم 802 و 803.
(5) رجال الطوسي: 380 رقم 14.
(6) رجال العلامة: 267 رقم 6.
(7) قال الذهبي: الشيخ العالم العابد، شيخ الشيعة، أبو الصلت، عبد السلام بن صالح
الهروي... له فضل وجلالة، فيا ليته ثقة. إلى أن قال: قال الدارقطني: قيل عنه: إنه قال: كلب
للعلوية خير من جميع بني أمية. سير أعلام النبلاء: 11 / 446.
راجع ترجمته في كتب الرجالية للعامة:
البداية والنهاية: 10 / 315، تاريخ بغداد: 11 / 46، تهذيب التهذيب: 6 / 285، تهذيب
الكمال: 33 / 429، الجرح والتعديل: 6 / 48، ميزان الاعتدال: 2 / 616 والنجوم الزاهرة:
2 / 287.
163

الكلام في بعض تعليقاتي على النقد.
ورابعا: إنه يمكن أن يكون الوجه في عمله بالأخبار الضعيفة، وتخصيصه
الأخبار الصحيحة بها، بواسطة اعتضادها بالقرائن، مثل: عمل الأصحاب بها،
وإعراضهم عنها، كما يتفق في غير مورد، وقد استقر عمل الفقهاء على هذه
الطريقة.
نعم، إنه قد وقع له في التهذيب، ولا سيما في الأسانيد، اشتباهات كثيرة،
كما نبه عليها جماعة (1).
منهم: المحدث البحراني في اللؤلؤ، بل قال حتى أن كثيرا ممن يعتمد في
المراجعة عليه، دون غيره، وقعوا في الغلط، وارتكبوا في التفصي عنه،
الشطط، كما وقع لصاحب المدارك، في مواضع من ذلك (2) (انتهى).
ووجهه، كثرة تصانيفه، ومشاغله المقتضية لاختلاط الأمر، ومرجعيته

(1) قال في الحدائق: (إنه لا يخفى على من راجع التهذيب وتدبر أخباره ما وقع
للشيخ رحمه الله من التحريف والتصحيف في الأخبار سندا ومتنا. وقلما يخلو حديث من أحاديثه
من علة في سند أو متن). الحدائق الناضرة: 3 / 156.
وقال في موضع آخر: (ما وقع له من التحريف والتصحيف مما لا يعد ولا يحصى.
الحدائق الناضرة: 7 / 76 وراجع أيضا: 4 / 209 و 7 / 120. ولوالد المؤلف قدس سره كلام بسيط
في هذا المجال، فليراجع: رسائل أبي المعالي - نقد المشيخة: 22.
(2) لؤلؤة البحرين: 298.
164

لفضلاء العصر.
بل ذكر بعض (1): (انه سمعنا من المشائخ، وحصل لنا الظن من التتبع، أن
فضلاء تلامذته الذين كانوا من المجتهدين، يزيدون على ثلاثمائة فاضل، من
الخاصة ومن العامة، ما لا يحصى، فإن الخلفاء أعطوه كرسي الكلام، وكان
ذلك لمن كان وحيدا في ذلك العصر) (2).
وهي وإن بلغت فوق حد الاحصاء، وتجاوزت عن درجة الاستقصاء، إلا
أنا نذكر هنا نذرا من كثير.
فمنها: ما رواه في فواتحه: (عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد، عن أبيه، عن
محمد بن يحيى، وأحمد بن إدريس، عن محمد بن يحيى، وأحمد بن إدريس،
عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد الحميد، أو غيره،
رفعه، قال: سئل الحسن بن علي عليهما السلام) (3).
فإنه مشتمل على كل من الزيادة والنقصان، بشهادة روايته الحديث
المذكور، بسنده سابقا عليه: (عن الشيخ المفيد، عن ابن الوليد، عن أبيه، عن
محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس، جميعا عن محمد بن يحيى (4)،
عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد، أو غيره، رفعه،
قال:...) (5).

(1) المراد منه، المولى محمد تقي المجلسي قدس سره.
(2) روضة المتقين: 14 / 405.
(3) التهذيب: 1 / 33 ح 88.
(4) في المصدر: (محمد بن أحمد بن يحيى).
(5) التهذيب: 1 / 26 ح 65.
165

ومنها: ما رواه فيه في باب الزيادات: (عن أحمد بن محمد، عن ابن
أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن رفاعة (1)، قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام) (2).
والظاهر، سقوط واسطة في البين، بشهادة روايته إياه في باب حكم
الساهي والغالط في الصيام: (عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن
ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن رفاعة، قال:...) (3).
ومنها: ما رواه فيه في باب دخول الكعبة: (عن الكليني، عن محمد بن
يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن ابن
مسكان (4).
والظاهر، أن، (ابن مسكان) اشتباه عن (ابن سنان)، فإنه المذكور في سند
الكافي (5).
بل ذكر في المنتقى: (إن الاشتباه المذكور، غلط متكرر الوقوع، في كتابي
الشيخ) (6).

(1) بكسر الراء وفتح العين. راجع: إيضاح الاشتباه: 164 رقم 234، والخلاصة: 71
رقم 1، توضيح الاشتباه: 109 رقم 461، وتنقيح المقال: 1 / 255 رقم 2325 وتوضيح
المشتبه: 4 / 210.
(2) التهذيب: 4 / 320 ح 976.
(3) التهذيب: 4 / 272 ح 825.
(4) التهذيب: 5 / 279 ح 956.
(5) الكافي: 2 / 585 ح 23.
(6) منتقى الجمان: 3 / 451.
166

وبالجملة: فالأغلاط فيها لا تحصى، بل عن بعض السادة (1) من متأخري
المحدثين، أنه قد أفرد كتابا في توضيحها وإحصائها، وأنه قد أرخى عنان
القلم في ذلك الميدان، فسبق فرسان ذاك الرهان، مسميا له ب‍ (تنبيهات الأريب
في رجال التهذيب) ولم أقف عليه إلى الان.
ولكنه اختصره بعض المهرة (2) مسميا له ب‍ (الانتخاب وهو موجود عندنا
وجيد في بابه وقد وقع نظائرها له من السقوط، وغيره في متون الأخبار، كما
لا يخفى على من جاس خلال الديار.
ثم إنه ربما اشتهر تأخر النجاشي عنه، ويرشد إليه عنوانه في رجاله، وعده
الفهرست والرجال وغيرهما، في تعداد كتبه (3)، حاكيا عنه في بعض المواضع،
مصرحا باسمه، وفي آخر معبرا عنه ببعض الأصحاب (4)، لكن العلامة في

(1) وهو السيد الجليل والحبر النبيل السيد هاشم البحراني. (منه رحمه الله).
(2) هو العالم الخبير والمحدث البصير، الشيخ حسن بن محمد الدمستاني، قيل إنه
كان من فضلاء عصره وعلماء مصره. له كتاب (انتخاب الجيد من تنبيه السيد) لا نظير له في
كتاب الرجال وتمييز المشتركات. ودمستان قرية من قرى البحرين. (انتهى).
وما ذكره من انتفاء النظير له في كتب الرجال من عجيب المقال. (منه رحمه الله).
(3) رجال النجاشي: 403 رقم 1068.
(4) قال في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: (حكى بعض أصحابنا عن بعض
المخالفين...). رجال النجاشي: 14 رقم 12. وهو الموجود في الفهرست: 3 رقم 1.
وقال في ترجمة إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة: (له كتب ذكرها بعض أصحابنا في
الفهرستات: لم أر منه شيئا). رجال النجاشي: 15 رقم 14. ذكره في الفهرست: 4 رقم 5.
وقال في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد: (ذكر بعض أصحابنا أنه وقع إليه كتاب القضايا
مبوب). رجال النجاشي: 25 رقم 46. وهو مذكور في الفهرست: 10 رقم 30.
وقال في ترجمة، أحمد بن محمد بن خالد، بعد ذكر كتبه عن ابن بطة: (ذكر بعض أصحابنا
إن له كتاب التهاني، كتاب التعازي، كتاب أخبار الأمم) رجال النجاشي: 77 رقم 182. وهو
مذكور في الفهرست: 21 رقم 55. إلا أن فيه كتاب أنساب الأمم.
وقال في ترجمة إبراهيم بن خالد العطار: (ذكره أصحابنا في الرجال، له كتاب) رجال
النجاشي: 24 رقم 241. وهو موجود في الفهرست: 10 رقم 25.
وقال في ترجمة الحسين بن عثمان بن شريك: (ذكره أصحابنا في أصحاب أبي
عبد الله عليه السلام) وهو مذكور في رجال الطوسي: 169 رقم 63. في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام.
وهذا يدل على أن فهرس النجاشي أيضا دون بعد رجال الشيخ.
الظاهر أن المراد من قوله: (قال لي بعض أصحابنا أو ذكر لي بعض أصحابنا) كما في
ترجمة علي بن عبد الله بن محمد بن عاصم وعلي بن محمد الكرخي، هو الشيخ الطوسي.
167

إجازته المعروفة لبني زهرة، عد النجاشي من مشائخه (1).
وفي الخلاصة: (انه توفى في جمادي الأولى، سنة خمسين وأربعمائة،
وكان مولده، في صفر اثنتين وسبعين وثلاثمائة) (2).
فعلى هذا، يكون عمره نحوا من ثمان وسبعين سنة، وتوفى قبل الشيخ
بعشر سنين، فإنه توفى في أربعمائة وستين على ما ذكره ابن داود، وكان تولده
قبل الشيخ بثلث عشر سنة، لأنه ولد في شهر رمضان سنة خمس وثمانين،
على ما ذكره ابن داود أيضا.
ومع ذلك قد تشاركا في عدة من المشائخ، فلا مجال لتأخره.
وهذا، وإن يقتضي تقديم ذكره، ولكن لما عارضه بعد كون تقدمه في زمان
يسير، ومعاصرتهما في أوان كثير، وكثرة فضل الشيخ وتبحره وعلو مقامه في
العلوم وتمهره، فلذا جرينا على تقديم ذكره.

(1) راجع الإجازة الكبيرة من العلامة، لبني زهرة، في البحار: 107 / 137.
(2) الخلاصة: 20 رقم 57.
168

المقصد الرابع
في العالم الثقة، الثبت، البصير والفاضل الفطن
الشيخ أبي العباس، أحمد بن علي بن أحمد،
الشهير ب‍ (النجاشي).
169

المقصد الرابع
في العالم الثقة، الثبت، البصير والفاضل الفطن، الفر السفسير، الشيخ أبي
العباس، أحمد بن علي بن أحمد، الشهير ب‍ (النجاشي).
مقدمة:
النجاشي: لقب ملك الحبشة، كما أن كسرى وقيصر وخاقان وفرعون، ألقاب
لملوك الفرس، والروم، والترك، ومصر، على ما احتمله القاموس، في الأخير
منه، ومن أنه كل عات متمرد.
وصرح بما ذكرنا، ثلة من أهل اللغة، كما في الصحاح: (النجاشي: اسم ملك
الحبشة) (1) ونحوه في نحوه.
وأما ما ذكره في النهاية (2)، من عمومه له ولغيره، فمدخول بمخالفته للأكثر، و
بها يسقط تقدم التعميم، تقدم المثبت على غيره، وهو مخفف الأخير، كما صرح به
كثير، بل الأكثر، كما في المصباح، وجوز في القاموس، تشديده ونص على أن

(1) الصحاح: 3 / 1021. مادة (نجش).
(2) النهاية لابن أثير الجزري: مادة (نجش).
171

الأفصح، تخفيفه (1). وعن بعض تعيين تشديده، وعن آخر تجويزهما (2).
والثاني (3) كما صرح به في الرواشح (4).
وأما تشديده، كما هو المحكي عن بعض، فخطأ، كما نص به فيه (5).
إذا عرفت ما ذكر، فنقول: أن الكلام في المقام، في مباحث:
[المبحث] الأول
في تحقيق شخصه
والكلام فيه يتأتى تارة: في تعيين اسمه ونفسه.
وأخرى: في حاله ووصفه.
أما الأول: فالمشهور كما هو المنصور، أنه أحمد بن علي، كما هو الظاهر من
العلامة (6)، والفاضل الحسن بن داود (7)، وسيدنا الداماد (8)،

(1) القاموس المحيط: 2 / 300. مادة (نجش).
(2) قال الزبيدي: (النجاشي: بالفتح وفي الياء لغتان: تشديد الياء وتخفيفها، الأخير
أفصح وأعلى، كما حكاه الصاغاني والمطرزي، وصوبه ابن الأثير. قلت: لأنها ليست للنسب.
تاج العروس: 17 / 404. الطبعة الحديثة.
(3) عطف على قوله والأخير (منه رحمه الله).
(4) الرواشح السماوية: 76، الراشحة العشرون.
(5) المصدر.
(6) الخلاصة: 20 رقم 53.
(7) رجال ابن داود: 40 رقم 96.
(8) الرواشح: 76.
172

والنقاد (1)، والفاضل العناية (2) والوالد المحقق وغيرهم.
وجرى في الأمل، على أنه أحمد بن العباس (3) ومنشأ الخلاف، ما ذكره في
ترجمة نفسه، من قوله: (أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي - الذي ولي الأهواز، وكتب إلى أبي
عبد الله عليه السلام يسأله، وكتب إليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة، ولم ير
لأبي عبد الله عليه السلام، مصنف غيره - ابن عثيم بن سمعان - فعد إلى معد بن
عدنان
فقال: أحمد بن العباس النجاشي الأسدي، مصنف هذا الكتاب - أطال الله
تعالى بقائه وأدام علوه ونعمائه - له كتاب الجمعة وما ورد فيه من الأعمال،
وكتاب الكوفة وما فيها من الآثار والفضائل، وكتاب أنساب بني نظر وأيامهم و
أشعارهم، وكتاب مختصر الأنوار) (4).
فإن قوله (أحمد بن العباس) مكتوب في بعض النسخ بالسواد، وفي الاخر
بالحمرة، ومقتضى الثاني تعدد العنوان، وكون الثاني مصنف الكتاب، بخلاف
الأول.
والصحيح الأول، لوجهين.
أحدهما: إن اسم والده (علي) بناء على الأول، و (عباس) على الثاني.
ولا مجال للثاني، فتعين الأول، وذلك لما يظهر من صريح كلامه في جملة من
التراجم كما قال في ترجمة عثمان بن عيسى العامري: (أخبرني والدي، علي ابن

(1) نقد الرجال: 25 رقم 93.
(2) مجمع الرجال: 1 / 127.
(3) أمل الآمل: 2 / 15.
(4) رجال النجاشي: 101 رقم 253.
173

أحمد بن العباس النجاشي (1).
وفي محمد بن أبي القاسم ماجيلويه: (أخبرني أبي علي بن أحمد رحمه الله) (2).
وفي محمد بن علي بن بابويه، بعد ذكر كتبه: (قرأت بعضها، على والدي، علي
بن أحمد بن العباس النجاشي (3).
فالظاهر أن ذكره ثانيا، من باب التوطئة لذكر مصنفاته، انتسابا إلى الجد.
وثانيهما: إنه ذكر بعد الفراغ من الجزء الأول من كتابه، ما لفظه: (الجزء الثاني
من كتاب فهرست أسماء مصنفي الشيعة، وما أدركناهم من مصنفاتهم وذكر
طرف من كناهم، وألقابهم، ومنازلهم، وأنسابهم، وما قيل في كل رجل منهم:
من مدح، أوذم، مما جمعه الشيخ الجليل، أبو الحسين أحمد بن علي بن أحمد بن
العباس النجاشي الأسدي (4).
ونقل الوالد المحقق، العبارة المذكورة من نسخة، قال في وصفها: (قليل
غلطها، ومشتملة على خطوط صاحب المعالم، ومنقولة عن نسخة مشتملة على
خطوط ابن طاووس، وكأنها بخط ابن إدريس، بل نقلها سيدنا عن أكثر
النسخ).
ويؤيده، ما يقتضيه كلام السيد الناقد، فإن النسخ التي عنده، كانت أربعة،
على ما صرح به في ترجمة داود بن رزين (1) وعبد الله بن علاء (2) ومحمد بن

(1) رجال النجاشي: 300، رقم 817.
(2) رجال النجاشي: 353، رقم 947.
(3) رجال النجاشي: 389، رقم 1049.
(4) رجال النجاشي: 211.
(5) نقد الرجال: 128 رقم 16. وفيه بعنوان (داود بن زربي) إلى أن قال: ونقل توثيقه
من النجاشي ولم أجد توثيقه فيه وهو أربع نسخ عندي.
(6) نقد الرجال: 203 رقم 185.
174

عطية (1).
وعلى هذا المنوال، حال النسخة الموجودة، وإن كانت في الأصل، بالحمرة
مكتوبة، فتأمل.
فبان مما ذكرنا، أن ما تجشمه صاحب المنهج في وجه التعدد، من احتمال كون
الثاني إلحاقا من التلامذة، توهما منهم عدم دخول المصنف فيما سبقه، لاشتهاره
بجده دون والده. ونحوه، في غير محله.
وأضعف منه ما عن صاحب الحدائق من السلوك في مسيره (2).
وأضعف من الجميع ما عن بعض النسخ من زيادة (أحمد) قبل (ابن عثيم)
لأنه جد عبد الله، كما هو مقتضى صريح النجاشي في عنوان عبد الله بن النجاشي
ابن عثيم (3) مع عدم ذكر أحمد بن عثيم، في كتب القوم. كما قال بعض المتأخرين (4) (إني تصفحت مظانه من الفهرست ورجال
الشيخ والخلاصة وإيضاح الاشتباه ورجال ابن داود ومعالم العلماء ولم أجد له
أثرا ولم ينقله أحد عن النجاشي، سوى صاحب المنهج) (5).
بقى أن المصرح به في كلام العلامة في الخلاصة، في المقام (6)، والسيد الداماد
في الرواشح (7)، تكنيته بأبي العباس ومقتضى كلام الأول، في علم الهدى (8)،

(1) نقد الرجال: 320 رقم 554.
(2) راجع: لؤلؤة البحرين: 404 - 407.
(3) رجال النجاشي: 213، رقم 555.
(4) المراد منه: أبو علي الحائري، راجع: منتهى المقال: 1 / 289. (طبعة آل البيت).
(5) منهج المقال: 39.
(6) الخلاصة: 20، رقم 53.
(7) الرواشح: 58.
175

وفي إجازته لبني زهرة وكذا كلام ابن طاووس في الخطبة تكنيته بأبي
الحسين (1).
والظاهر أنه من باب التعدد دون الاشتباه، كما وقع نظيره لغيره أيضا.
هذا، وأما ما ذكره من نفي رؤية مصنف لغيره، فيضعف برسالة قد كتبها
مولانا الصادق عليه السلام أيضا إلى أصحابه عليه السلام أمرا بمدارستها، والنظر فيها،
وتعاهدها، والعمل بما فيها.
وذكر أنهم كانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، ينظرون إليها بعد الفراغ من
صلاتهم. وهي مروية في روضة الكافي (2).
وأما الرسالة السابقة فهي مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل، في أوائل
كتاب التجارة (3).

(1) الخلاصة: 94، رقم 22.
(2) التحرير للطاووسي: 25، المقدمة.
(3) الكافي: 8 / 2 ح 1.
(4) وسائل الشيعة: 17 / 196 ح 22338.
176

[النجاشي من أجلاء فن الرجال]
وأما الثاني: فنقول أنه من أجلاء هذا الفن، وأعيانه، وحاز قصب السبق في
ميدانه، وشخصه أعظم أركان هذا البنيان، وقوله أسد مستند في البرهان، وهو
المصرح به في كلام ثلة من الجلة.
كما قال في الخلاصة: (إنه ثقة، معتمد عليه عندي، له كتاب الرجال، نقلنا عنه
في كتابنا هذا وفي غيره أشياء كثيرة، وتوفى بمطير آباد، في جمادى الأولى سنة
خمسين وأربعمائة، وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة) (1).
ومقتضى ما ذكره، أن عمره، كان نحوا من ثمان وسبعين سنة.
وفي الرواشح: (إن أبا العباس النجاشي، شيخنا الثقة الفاضل، الجليل القدر،
السند المعتمد عليه) (2).
وفي الوجيزة: (أنه ثقة، مشهور).
وفي الأمل: (أنه ثقة، جليل القدر، يروي عن المفيد (3) (4).

(1) الخلاصة: 20، رقم 53.
(2) الرواشح: 76.
(3) وقال زين الملة والدين، الشيخ السعيد الشهيد في الأربعين في الحديث الخامس: (ما
أخبرني به السيد العلامة النسابة أبو عبد الله - إلى أن قال -: عن السيد أبي الصمصام،
ذي الفقار، أحمد بن المعد المروزي، عن الشيخ الجليل الصدوق، أبي العباس أحمد بن علي بن
أحمد بن العباس النجاشي الكوفي، عن الشيخ أبي عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن
الحاشر...) (منه رحمه الله).
177

وفي رجال سيدنا: (أحمد بن علي النجاشي رحمه الله أحد المشائخ الثقات،
والعدول الاثبات، من أعظم أركان الجرح والتعديل، وأعلم علماء هذا السبيل،
أجمع علمائنا على الاعتماد عليه، وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرجال
إليه) (1).
وقال في النرسي أيضا: (أما النجاشي فهو أبو عذر هذا الأمر (2) وسابق
حلبته، كما يعلم من كتابه الذي لا نظير له في فن الرجال) (3).
حاكيا عن قبس الصهرشتي: (أنه قال: أخبرنا الشيخ الصدوق، أبو الحسين
أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الصيرفي - المعروف بابن الكوفي - ببغداد، وكان
شيخا، بهيا، ثقة، صدوق اللسان عند المخالف والمؤالف) (4).
وظاهر بعض المتأخرين (5)، مغايرته له، لتعدده العنوان. ولعله لعدم معهودية

(1) أمل الآمل: 2 / 15 رقم 30. وفيه: أحمد بن العباس النجاشي الأسدي.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 35.
(3) في المصدر أبو عذرة. قال الجوهري: (العذرة: البكارة... ويقال فلان أبو عذرها، إذا
كان هو الذي افترعها وافتضها) الصحاح: 2 / 738 مادة (عذر). وفي لسان اللسان، تهذيب
لسان العرب: 2 / 150: (فلان أبو عذر فلانة، إذا كان افترعها واقتضها). قال الفيروز آبادي:
(افتضاض الجارية ومفتضها، أبو عذرها). القاموس المحيط: 2 / 89.
(4) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 370.
(5) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 40.
(6) المراد منه هو أبو على الحائري، راجع: منتهى المقال: 1 / 288. (طبعة آل البيت).
178

بعض ما ذكره في حقه، ولكن نفي السيد المشار إليه، اقتضاء ما ذكر، للمغايرة،
تعليلا: (بأنه ليس في كلام غيره ما ينافيه، وهو لمعاصرته له، أعرف بما كان
يعرف به في ذلك الوقت) (1). ولا بأس به.
وبالجملة: فالظاهر إطباق الأصحاب، على وثاقته، واجماعهم على الاستناد
إلى كلماته.
فهذا المحقق على الإطلاق، مع قرب العصر، قد أكثر من الاستناد بقوله في
المعتبر. كما قال في غسالة ماء الحمام: (وابن جمهور ضعيف، ذكر ذلك النجاشي في
الرجال) (2). ونحوه في مواضع أخر (3).
وأما العلامة، فأمره في الاعتماد عليه أظهر من أن يذكر، وأشهر من أن
يستطر، وصنيعة غيرهما، نحوهما.
ومن ثم ذكر المحقق الأنصاري أن جلالته أشهر من أن يحتاج إلى البيان (4).
ومن العجيب ما وقع لابن داود لدى تعرضه له: (من أنه مصنف كتاب
الرجال، (لم، كش) معظم، كثير التصانيف) (5).

(1) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 42.
(2) المعتبر: 1 / 92.
(3) قال في المعتبر: 1 / 230: (قد ذكر النجاشي: أن محمد بن أحمد هذا، كان ثقة في
الحديث).
وفي 1 / 292: (ابن أشيم، ضعيف جدا، على ما ذكر النجاشي في كتاب المصنفين)
وفي 1 / 356: (الحسن بن راشد، يعرف بالطفاوي، ضعيف جدا، ذكر ذلك النجاشي).
وفي 1 / 406: (ذكر النجاشي: إن وهيب بن حفص، كان واقفيا، لكنه ثقة).
وفي 2 / 681: (المفضل بن عمر ضعيف جدا، كما ذكر النجاشي).
(4) رجال الشيخ الأنصاري قدس سره، 8. المخطوط بقلمه الشريف.
(5) رجال ابن داود: 40 رقم 96.
179

فإن من الظاهر تقدم الكشي عليه، وقد تعرض النجاشي له في رجاله، حاكيا
عنه في عدة من التراجم (1).
واحتمال أن يكون الأمر، من باب تعرض المتعاصرين للاخر، مقطوع العدم،
لما تقدم.
وأما ما يقال: من أنه مفقود الأثر، فغير سديد، كيف لا، وقد تعرض في
الأمل، لصاحب السلافة (2). وفيها، لصاحب الامل. وهما متعاصران كما هو

(1) كما قال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب: قال أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال...
رجال النجاشي: 10 رقم 7. كذا في ترجمة إبراهيم بن هاشم: 16 / 18، إبراهيم بن أبي بكر:
21 / 30، الحسن بن علي بن فضال: 34 / 72 الحسن بن أبي سعيد: 38 / 78 وموارد عديدة،
فراجع.
(2) قال الحر العاملي في ترجمة صاحب سلافة العصر: (السيد الجليل علي بن ميرزا
أحمد بن محمد معصوم الحسيني من علماء العصر، عالم، فاضل، ماهر، أديب، شاعر، له كتاب
(سلافة العصر في محاسن أعيان العصر) حسن، جيد، جمع فيه أهل العصر ومن قاربهم، ممن
تقدم زمانه قليلا، وذكر أحوالهم ومؤلفاتهم وبعض أشعارهم نقلنا منه كثيرا في هذا الكتاب.
أمل الآمل: 2 / 176.
قال المحقق الطهراني: (سلافة العصر، في محاسن الشعراء بكل مصر، للسيد صدر الدين،
علي بن نظام الدين، أحمد بن معصوم الحسيني، الشهير بالسيد علي خان المدني الشيرازي،
المتوفى 1120.
ذكر فيه جملة من أعيان أهل عصره، من العامة والخاصة، مرتب على أقسام خمسة. أولها:
في أهل الحرمين. والثاني: أهل الشام ومصر ونواحيهما. والثالث: أهل اليمن. والرابع: أهل العجم
والبحرين والعراق. والخامس: أهل المغرب. راجع: الذريعة: 12 / 212.
أقول: قد أكثر في أمل الآمل النقل عنه، كما في المجلد الأول منه صفحة: 19، 62، 71، 72
، 97، 124، 130، 145، 146، 157، 163، 170، 171 و 173.
وفي المجلد الثاني منه: صفحة: 9، 16، 27، 55، 74، 86، 91، 92، 100، 101، 112،
113، 148، 156، 159، 160، 163، 171، 176، 187، 211، 226، 232، 233،
246، 249، 270، 273، 278، 281، 306، 310، 311 و 334.
180

صريح الأول.
181

المبحث الثاني
في وصف كتابه
فنقول: إن كتابه المعروف ب‍ (رجال النجاشي) المرموز له ب‍ (جش) عمدة
الكتب الرجالية المرجوع إليها، وذلك: لامتيازه عما عداه بوجوه:
الأول: تعرضه فيه بعد تعرضه لأغلب الرواة، لعمدة ما يفتقر إليه في نقد
الأخبار، أعني: الجرح والتعديل لهم، فإن بنائه فيه على التعرض لهما استقلالا،
أو استطرادا في الغالب، وأي أمر أنفع منه، كيف لا! وإن النظر في أخبار
مدارك الأحكام، والحكم بها على حسب مسالك الأفهام، يتوقف غالبا على
معرفة أحوال رجال السند، ولا يتحصل إلا بالرجوع إليه وما ضاهاه.
نعم: قد أعرض عن التعرض لهما في تراجم جماعة، فظاهر السياق يقتضي
الحكم بالأجمال، اجتهادا وبالضعف عملا.
ولكن جرى في الرواشح، على أنهم أيضا محكومون بالوثاقة، وسالمون عن
كل مطعن وغميزة.
ونحن نذكر كلامه في المقام، لما فيه من النفع التام، ثم نتبعه بما يختلج بالبال
الفاتر.
فنقول قال: (إن الشيخ النجاشي، قد علم من ديدنه، الذي هو عليها في كتبه
183

وعهد من سيرته التي قد التزمها فيه، أنه إذا كان لمن يذكره من الرجال، رواية
عن أحدهم عليهم السلام، فإنه يورد ذلك في ترجمته، أو في ترجمة رجل آخر غيره، إما
من طريق الحكم به، أو على سبيل النقل عن قائل.
فمهما أهمل القول فيه، فذلك آية أن الرجل عنده، من طبقة من لم يرو
عنهم عليهم السلام.
وكذلك كل من فيه مطعن وغميزة، فإنه يلتزم إيراد ذلك البتة: إما في ترجمته،
أو في ترجمة غيره.
فمهما لم يورد ذلك مطلقا، واقتصر على مجرد ترجمة الرجل وذكره، من دون
إرداف ذلك بمدح، أو ذم أصلا، كان ذلك، آية أن الرجل سالم عنده عن كل
مغمز ومطعن.
والشيخ نقي الدين، حيث أنه يعلم هذا الاصطلاح، فكلما رأى ترجمة رجل
في كتاب النجاشي، خالية عن نسبته إليهم عليهم السلام بالرواية عن أحد منهم، أورده
في كتابه وقال: (لم جش).
وكلما رأى ذكر رجل في كتاب النجاشي، مجردا عن إيراد غمز فيه، أورده في
قسم الممدوحين من كتابه، مقتصرا على ذكره أو قائلا (جش) ممدوح.
والقاصرون عن تعرف الأساليب، كلما رأوا ذلك في كتابه، اعترضوا عليه أن
النجاشي لم يقل ولم يأت بمدح أو ذم، بل ذكر الرجل وسكت عن الزائد عن
أصل ذكره.
فإذن قد استبان لك أن من يذكره النجاشي من غير ذم ومدح، يكون سليما
عنده عن الطعن في مذهبه، وعن القدح في روايته، فيكون بحسب ذلك، طريق
الحديث من جهته قويا، لا حسنا ولا موثقا.
وكذلك من اقتصر الحسن بن داود، على مجرد ذكره في قسم الممدوحين، من
184

غير مدح وقدح، يكون الطريق بحسبه قويا) (1). (انتهى كلامه).
وفيه أنظار:
الأول: إن ظاهر العبارة، اعتقاد عدم رواية من أهمل القول فيه، وهو مع
عدم تفرعه لما سبقه، مخالف لما سلكه النجاشي، من البناء على ذكر الجزئيات
المتعلقة بالرجال، ولو من الأمور الغير المهمة، فإن ظاهره ذكر عدم الرواية عند
الاعتقاد به.
ومنه: ما ذكر في يونس بن عبد الرحمن: (من أنه رأى جعفر بن محمد عليهما السلام بين
الصفا والمروة، ولم يرو عنه، وروى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما السلام) (2).
بل الظاهر منه، أنه لو لم يثبت عنده عدم روايته لذكره، فضلا عن ثبوت
عدمه.
ومنه: ما ذكره في حريز بن عبد الله: (من أنه قيل روى عن أبي الحسن
موسى عليه السلام ولم يثبت ذلك) (3).
وفي عبد الله بن سنان: (من أنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام وقيل: روى عن
أبي الحسن موسى عليه السلام وليس بثبت) (4).
وفي عبد الله بن مسكان: (من أنه روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام وقيل: إنه
روى عن أبي عبد الله عليه السلام وليس بثبت) (5).
هذا ولا يخفى أن ما ذكره من عدم الرواية، وعدم ثبوتها في الأول والأخير،

(1) الرواشح السماوية: 67 - 68. الراشحة السابعة عشر.
(2) رجال النجاشي: 446، رقم 1208.
(3) رجال النجاشي: 144، رقم 375.
(4) رجال النجاشي: 214، رقم 558.
(5) رجال النجاشي: 214، رقم 559.
185

غير جدير.
أما الأول: فلما روى في روضة الكافي: (عن علي بن إبراهيم، عن محمد ابن
عيسى، عن يونس، قال: قال: أبو عبد الله عليه السلام لعباد بن كثير البصري الصوفي،
ويحك يا عباد! غرك، أن عف بطنك وفرجك، إن الله عز وجل يقول في كتابه:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم
أعمالكم (1) إعلم! أنه لا يتقبل الله عز وجل منك شيئا، حتى تقول قولا
عدلا) (2).
وإن قلت: إنه إنما يتجه، لو ثبت أنه (يونس بن عبد الرحمن ولا شاهد عليه،
بل من المحتمل قويا خلافه، وأنه (يونس بن يعقوب) بشهادة ما ذكره النجاشي
من اختصاصه بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام (2). كما يحتمل (يونس
ابن رباط) لما ذكره من أنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
قلت: إن الظاهر، أنه (ابن عبد الرحمن فإنه مضافا إلى اشتهاره، هو الذي
يروي عنه، محمد بن عيسى، كما يظهر من طريق الشيخ إليه في الفهرست، فإن
طريقه إليه ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن محمد بن عيسى
ابن عبيد، عن يونس (4)، وهو: اليقطيني قطعا.

(1) الأحزاب: 70 و 71.
(2) الكافي: 8 / 107 ح 81.
(3) رجال النجاشي: 446، رقم 1207.
(4) رجال النجاشي: 448، رقم 1211.
(5) الفهرست: 182، رقم 789. أقول: رواية محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن
عبد الرحمان في الكافي والتهذيب والاستبصار، كثيرة. راجع: معجم رجال الحديث:
17 / 385 و 394.
186

وأما الأخير: فلما تقدم.
ومما ذكرنا، يظهر ما في ظاهرها أيضا من الاذعان بوثاقة من أهمل القول
فيه.
وإن قلت: إنه قد سكت عن توثيق جماعة قد وثقهم الشيخ في الرجالين، أو
أحدهما مع ظهور وثاقتهم، وعلو درجتهم.
كذريح المحاربي (1)، فإنه وثقة في الرجال (2)، وروى الصدوق في الفقيه،
صحيحا: (عن عبد الله بن سنان، قال: أتيت أبا عبد الله عليه السلام - إلى أن قال -:
قال: صدق ذريح، وصدقت أن للقرآن ظاهرا وباطنا، ومن يحتمل ما يحتمل
ذريح) (3).
ودلالته على جلالته ظاهرة، كما صرح به في الوسيط (4).
وعلي بن رئاب، فإنه وثقه في الفهرست، ووصفه بجلالة القدر (5).

(1) هو، ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي الكوفي أبو الوليد.
راجع ترجمته في: إتقان المقال: 60، بهجة الآمال: 4 / 127، تعليقة الوحيد: 139، تنقيح
المقال: 1 / 420، رجال البرقي: 44، الخلاصة: 70، رجال النجاشي: 163 رقم 431،
الفهرست: 69 رقم 279، خاتمة المستدرك: 595، معجم الثقات: 52، معجم رجال الحديث:
7 / 151 الطبعة الحديثة: 8 / 156، منتهى المقال: 132، منهج المقال: 137 و....
(2) ذكره الشيخ في الرجال في أصحاب الصادق عليه السلام من دون توثيق. رجال الطوسي:
191. ولكن وثقه في الفهرست بقوله: (ذريح المحاربي، ثقة، له أصل...). الفهرست: 69 رقم
279.
(3) الفقيه: 2 / 290 ح 1437. (طبعة جامعة المدرسين): 2 / 485 ح 3036.
(4) الرجال الوسيط للعلامة الأسترابادي، مخطوط، لم يطبع إلى الان.
(5) الفهرست: 87، رقم 365. ذكره النجاشي من دون إشارة إلى توثيقه.
رجال النجاشي: 250 رقم 657.
راجع ترجمته: رجال ابن داود: 138 رقم 1049، بهجة الآمال: 5 / 442، تنقيح المقال:
2 / 288، رجال البرقي: 25، خاتمة المستدرك: 638، معجم الثقات: 82، معجم رجال
الحديث: 12 / 17، الطبعة الحديثة: 13 / 20، منتهى المقال: 216، هداية المحدثين: 116.
187

وعلي بن جعفر، فإنه وثقه في الرجال (1) ووصفه في الفهرست، بجلاله القدر
والوثاقة (2).
وفي الخلاصة: (روى الكشي ما يشهد بصحة عقيدته) (3).
وعن السيد جمال الدين: (إن حاله لا يحتاج إلى إيضاح في المنزلة، وصحة
العقيدة) (4).
وتعرض لهم النجاشي ساكتا عن توثيقهم، وأمثالهم من غير المعاريف
غير عزيز، وحينئذ إما أن يدعى عدم اطلاعه على وثاقتهم، أو اعتقاده عدم
وثاقتهم، وكل منهما بعيد في الغاية، ولا سيما فيهم من الأجلة.

(1) رجال الطوسي: 379 رقم 3.
(2) الفهرست: 87، رقم 367.
راجع ترجمته: إتقان المقال: 91، بهجة الآمال: 5 / 386، تعليقة الوحيد: 227،
تنقيح المقال: 2 / 272، رجال ابن داود: 136 رقم 1026، الخلاصة: 92، رجال النجاشي:
251 رقم 662، خاتمة المستدرك: 627، معجم الثقات: 81، معجم رجال الحديث: 1 / 288
رقم 7965 الطبعة الحديثة: 12 / 314، منتهى المقال: 209، منهج المقال: 227.
وفي رجال العامة: تاريخ الإسلام للذهبي: 14 / 263، تقريب التهذيب: 2 / 33،
تهذيب التهذيب: 7 / 293، تهذيب الكمال: 20 / 353، خلاصة الخزرجي: 2 رقم 4954،
شذرات الذهب: 2 / 24، العبر: 1 / 358، ميزان الاعتدال: 3 / 117، نهاية السؤول: 249.
(3) الخلاصة: 92، رقم 4.
(4) التحرير الطاووسي: 177 رقم 241.
188

قلت: إن ثبوت خلاف ظاهر في بعض المواضع، لا يضر بالظهور في غيره، إذا
كان مستند الظهور أقوى من مستند الخلاف، كما هو الحال في المقام، إذ الموارد
المسكوتة بالإضافة إلى المشروحة، كشعرة بيضاء في بقرة سوادء.
الثاني: قوله: (فكلما رأى ترجمة...) فإن ما ذكره لا يخلو من جودة، فإنه ربما
يذكر لفظة (لم) في ترجمة بعض الرجال الذين لم يذكر في تراجمهم الرواية.
ومنه: ذكره في ترجمة عبد الله بن بحر (1).
وأما ما أورد عليه في المنهج بعدم وجدانه في بابه (2) فمن بعده عن المنهج،
فتأمل.
ولكن الخبير بصير بأن ما ذكره السيد السند المشار إليه، ليس على إطلاقه،
فإن الظاهر من خلو النسبة إليهم بالرواية، من لم يذكر في حقه شيئا من الرواية
والكتاب مطلقا: مثل محمد بن خالد الأصم ومحمد بن صامت مثلا فإنه ذكرهما
مقتصرا على اسمهما (3).
وذكره ابن داود حاكيا عنه، مقترنا بالرمز المذكور (4) إلا أنه لم يقتصر
بما ذكر، بل في حق غيرهم أيضا.
كما قال: (محمد بن سماعة، (لم جش) كان ثقة وجها في أصحابنا) (5).
مع أنه ذكر: (كان له كتاب الوضوء، وكتاب الحيض، وكتاب الصلاة، وكتاب

(1) رجال ابن داود: 253 رقم 264.
(2) منهج المقال: 200.
(3) رجال النجاشي: 364، رقم 980 و 982.
(4) رجال ابن داود: 171 رقم 1371: (محمد بن خالد الأصم، لم (جش)
وفي 174 رقم 1409: (محمد بن الصامت، لم (جش) لم يذكر له ثناء ولا ذما).
(5) رجال ابن داود: 174 رقم 1404.
189

الحج) (1).
وقال: (محمد بن الصباح، (لم كش) كوفي، ثقة) (2). مع أنه ذكر: (أن له
كتابا) (3).
وظاهر قولهم: (له كتاب)، كتاب الأخبار، كما لا يخفى على المتتبع.
كما قال النجاشي: (محمد بن سالم، له كتاب، وهو كتاب أبيه رواه عنه) (4).
و: (محمد بن هيثم، له كتاب يرويه جماعة) (5).
وقال: (محمد بن العباس (لم جش). (6)
مع أنه ذكر: (ثقة، ثقة، من أصحابنا، عين، سديد، كثير الحديث، له كتاب
المقنع في الفقه، كتاب الدواجن (7) كتاب ما نزل من القران في

(1) رجال النجاشي: 329 رقم 890.
(2) رجال ابن داود: 174 رقم 1411. فيه: (محمد بن الصباح لم (جش)...). يمكن أن
يكون في النسخة التي كانت عند المؤلف كما نقله. فيأتي من المؤلف الأشكال على ابن داود
بذلك، فانتظر.
(3) رجال النجاشي: 365، رقم 985. فيه: (محمد بن الصباح كوفي، له كتاب).
(4) رجال النجاشي: 362 رقم 974.
(5) رجال النجاشي: 362 رقم 972.
(6) رجال ابن داود: 175 رقم 1414.
(7) قال في المجمع: الدواجن على ما قاله أهل اللغة: هي الشاة التي يعلفها الناس في
منازلهم، وكذلك الحمام البيوتي، والأنثى: دجنة، والجمع دواجن، يقال: دجن في بيته، إذا ألفه
ولزمه.
وعن النهاية: الدواجن جمع داجن، وهو الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، يقال: شاة
داجن، وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيره.
أقول: ومنه ما عنون الكليني في الفروع: بكتاب الدواجن، وذكر فيه ما يتعلق بالدواب و
الطيور وغيرها. [راجع الكافي: 6 / 535]
ومن عجيب ما رواه فيه: (عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فيما بين
مكة والمدينة، إذا التفت عن يساره فإذا كلب أسود، بهيم فقال: مالك قبحك الله؟ ما أشد
مسارعتك؟ وإذا هو شبيه بالطائر.
فقلت: ما هذا جعلت فداك؟ فقال: غيثم - بريد الجن - مات هشام الساعة وهو يطير
ينعاه في كل بلدة). [الكافي: 6 / 553 ح 8].
وروى فيه: (عن مولينا أبي الحسن عليه السلام في ضمن جواب بعض المتعرضين الملعونين - و
خير الأمور، أوسطها) [الكافي: 6 / 540 ح 18] (منه رحمه الله).
190

أهل البيت عليهم السلام) (1).
مضافا إلى أنه لم يذكر (2) في ترجمة جماعة ممن ذكر في ترجمتهم الكتاب.
كما قال: (ثابت بن جرير (جش) له كتاب. (3)

(1) رجال النجاشي: 379 رقم 1030.
أقول: الظاهر أن هذا من سهو القلم، لا من زلة القدم، لأن ما ذكره ابن داود، فهو في محمد
ابن العباس بن عيسى أبو عبد الله، الذي قال فيه النجاشي: (... كان يسكن بني غاضر ة، ثقة،
روى عن أبيه والحسن بن علي بن أبي حمزة وعبد الله بن جبلة). رجال النجاشي: 341 رقم
916. ذكره ابن داود بتمامه إلا كلمة (ثقة). فراجع.
أما الذي نقله المؤلف عن النجاشي، فهو محمد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار،
أبو عبد الله البزاز المعروف بالحجام.
وذكر فيه ابن داود كلما قال النجاشي في مكانته: بقوله: (... ثقة، ثقة، من أصحابنا، عين من
أعيانهم...) رجال ابن داود: 175 رقم 1415.
(2) أي: لم يذكر ابن داود رمز (لم).
(3) رجال ابن داود: 59 رقم 276. ذكره النجاشي: 117 رقم 299.
191

و (سويد بن مسلم (جش) له كتاب) (1).
وسهل بن راذويه القمي (جش) ثقة، جيد الحديث، نقي الرواية حكاية عن
ابن نوح (2).
وسهل بن الهرمزان - بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم والزاي - (جش)
قمي، ثقة، قليل الحديث) (3).
هذا، ولا يخفى ما وقع من ابن داود فيما مر من اشتباه (جش) ب‍ (كش) في ابن
الصباح. (4)
الثالث: إن ما ذكر من إيراده المجردين عن إيراد الغمز في الممدوحين.
ففيه: إنه إنما يتم، لو كان الجزء الأول مقصورا عليهم خاصة، مع أنه ليس
كذلك، بل مشتمل على ذكرهم ومن لم يضعفهم الأصحاب، كما صرح به نفسه في
صدره.
فالظاهر أن ما ذكره من المجردين، بواسطة دخوله في الطائفة الثانية دون
الأولى، كما يشهد عليه أنه ذكر في غير موضع، بعد ذكر المجردين، ما يظهر منه ما
ذكرناه.

(1) رجال ابن داود: 107 رقم 741. فيه: (سويد بن محمد بن مسلم). ذكره النجاشي:
191 رقم 510. فيه: (سويد مولى محمد بن مسلم).
(2) رجال ابن داود: 107 رقم 745. ذكره النجاشي: 186 رقم 492. فيهما: (سهل بن
زاذويه، أبو محمد القمي).
(3) رجال ابن داود: 108 رقم 746. الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف، فإن فيه:
(سهل ابن الهرمزان... لم (جش)...). أو كانت نسخته خالية عنه. ذكره النجاشي: 5 18
رقم 491.
(4) أي (محمد بن الصباح). مر الكلام فيه آنفا، فراجع الصفحة: 190.
192

فترى أنه تارة: يصرح باهماله، كما قال: (جحدر بن المغيرة الطائي كوفي
(ق جش) مهمل) (1).
و (جعفر بن عبد الرحمن الكاهلي (لم جش) مهمل) (2).
و (جعفر بن مازن (لم جش) مهمل) (3).
وأخرى: ينص على عدم ذكر شئ في حقه، لا مدحا ولا قدحا.
كما قال: (أحمد بن محمد بن عمرو، (لم جش) ولم يزك ولم يمدح) (4).
و (خالد بن سدير الصوفي (جش) لم يذكر له أكثر من هذا) (5).
و (محمد بن الصامت (لم جش) لم يذكر له ثناء ولا ذما) (6).
مع أنه ذكر كثيرا من المهملين في رجال الشيخ، في الجزء المذكور، مصرحا
فيها بالأهمال.
كما قال: (خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري (ل جخ) مهمل) (7).
(خالد بن زيد أبو خالد (ق جخ) مهمل) (8).
و (خالد بن سعيد (ق جخ) مهمل) (3). إلى غير ذلك من التراجم المتكثرة.

(1) رجال ابن داود: 61 رقم 295.
(2) رجال ابن داود: 63 رقم 310.
(3) رجال ابن داود: 64 رقم 321.
(4) رجال ابن داود: 44 رقم 130.
(5) رجال ابن داود: 87 رقم 550.
(6) رجال ابن داود: 174 رقم 1049.
(7) رجال ابن داود: 87 رقم 548.
(8) رجال ابن داود: 87 رقم 549.
(9) رجال ابن داود: 87 رقم 552. هو خالد بن سعيد الأسدي الكوفي.
193

الرابع: إن ما ذكره من قوله (جش) ممدوح.
ففيه: أن هذا الكلام من ذلك العلام عجيب، لأني قد تتبعت تراجم الجزء
المذكورة، واحدا بعد واحد، ولم أقف على ذكر هذه اللفظة في شئ منها (1).
نعم، قد وقع فيه كثيرا من قوله (كش) ممدوح، وهو إشارة في الغالب إلى
المدح المستفاد من الرواية المذكورة ونحوها في كلام الكشي.
فإن بنائه على الإشارة بالروايات المادحة وغيرها بما ذكر.
وبالجملة: إن التتبع فيها، يكشف عن فساد النسبة المذكورة.
وإن قلت: إن دعوى الفساد، خالية عن السداد، كيف لا وانه ذكر في ترجمة
إبراهيم بن زياد الخزاز: (ق، م، كش، جش) ثقة، ممدوح (2).
وفي جعفر بن عثمان بن شريك: (جش، كش) ممدوح (3).
وفي الحسن بن زياد العطار: (ق، جخ، ست، جش، كش) ممدوح (4).
وفي عيسى بن السري: (ق، جخ، ست، جش، كش) مدحاه (5).
قلت: إن بعض المواضع المذكورة، مبني على طريقته المألوفة: من نقل التوثيق
عن النجاشي، والمدح أو التوثيق من الكشي، وبعضها مبني على ما اختص به
هذا الكتاب من الاشتباه الوافر.

(1) هذا مما خفي عن نظره الشريف، لأنه ذكر في ترجمة العوام بن حوشب: (جش)
ممدوح). رجال ابن داود: 148 رقم 1161. قريب من هذا في ترجمة أبي حمزة الثمالي:
216 / 27 وعيسى بن منصور: 148 / 1262.
(2) رجال ابن داود: 31 رقم 19.
(3) رجال ابن داود: 63 رقم 313.
(4) رجال ابن داود: 73 رقم 415.
(5) رجال ابن داود: 149 رقم 1170.
194

فمن الأول: نقل توثيق النجاشي، لإبراهيم (1)، ومدح الكشي، لحسن (2)،
وعيسى (3).
ومن الثاني: نقل مدح إبراهيم، لأنه لم يقع له المدح المتعارف، نقله في كلامه
من أحد منهما.
إما من الكشي، فنقله توثيقه عن محمد بن مسعود، عن علي بن الحسن (4).
وإما من النجاشي، فلما عرفت من توثيقه أيضا (5)، دون مدحه.
وكذا نقل مدح الحسن، من النجاشي - على ما يظهر من عبارته - لتصريح
النجاشي بوثاقته (6).
وكذا نقل مدح جعفر، من الكشي، والنجاشي، لنقل الكشي وثاقته، وفضله،
وخيريته، عن حمدويه، عن أشياخه (7)، وعدم وقوع مدحه وتوثيقه من
النجاشي رأسا (8).

(1) هو إبراهيم بن زياد الخزاز المتحد مع إبراهيم بن عيسى وإبراهيم بن عثمان. راجع:
معجم رجال الحديث: 1 / 223 و 265. وقد وثقه الكشي والنجاشي والشيخ.
(2) رجال الكشي: 424 رقم 798.
(3) رجال الكشي: 424 رقم 799.
(4) رجال الكشي: 366 رقم 679.
(5) قال النجاشي: (إبراهيم بن عيسى، أبو أيوب الخزاز... ثقة، كبير المنزلة). رجال
النجاشي: 20 رقم 25.
وقال الشيخ أيضا: (إبراهيم بن عثمان المكنى بأبي أيوب الخزاز الكوفي، ثقة). الفهرست: 8
رقم. 13.
(6) رجال النجاشي: 47 رقم 96.
(7) رجال الكشي: 372 رقم 694.
(8) رجال النجاشي: 124، رقم 320.
195

وكذا نقل مدح عيسى من النجاشي. لتصريحه بوثاقته (1).
والحاصل: إن النجاشي قد وثق غير جعفر، ونسبة المدح إما مبني على
الاشتباه، أو تعميم المدح للتوثيق مع بعده عن مخالفته للمصطلح، فلا مجال
لأحتمال أن يكون المدح من جهة مجرد الذكر، وعدم القدح.
نعم، يمكن أن يتم ما ذكره في جعفر، فإنه عزى المدح إلى الكشي والنجاشي
مع عدم صدور شئ من النجاشي بالإضافة إليه إلا أنه يمكن أن يكون المدح
بالإضافة إلى الكشي خاصة، نظرا إلى ما عرفت صدوره من الكشي في
جعفر (2). ولا تستبعد وقوع الاشتباهات المذكورة منه، فإنه مضافا إلى ما هو
المشهور بالعيان سنوضحه عن قريب - إن شاء الله تعالى - بالبرهان.
وبالجملة: فقد تحصل مما ذكرنا، صدور دعاوي خمسة من الرواشح:
من أن المهمل بحسب الرواية في كلامه، من طبقة من لم يرو.
وبحسب القدح من السالمين عنه.
وأن الفاضل المشار إليه، معتقد بهما.
فيلتزم بعد ذكر الطائفة الأولى بذكر الرمز المذكور.
وبذكر الطائفة الأخرى في الجزء الأول مطلقا، أو مقيدا بقوله ممدوح (3).
وقد بان مما بيناه فساد الجميع.
نعم، لا بأس بالثالثة غالبا، وضعف ما فرع على ما أسسه: من أن الحديث،
بحسب ذلك من القوي.

(1) رجال النجاشي: 296، رقم 802.
(2) رجال الكشي: 372 رقم 694.
(3) الرواشح السماوية: 67 - 68. الراشحة السابعة عشر.
196

فإنه يطلق تارة على الموثق.
وأخرى: باصطلاح متأخري المتأخرين (1)، على غير الأمامي الممدوح،
عديل الحسن.
وثالثة: على الأمامي الغير الممدوح والمذموم، كما ذكر نفسه في بيان أقسام
الخبر: من أنه المحقوق بهذا المعنى (2)، إن الخبر من جهته من الضعيف، لكفاية
عدم ثبوت المدح والوثاقة في الضعف.

(1) راجع: الدراية: 23، الرعاية: 84 ومقباس الهداية: 171.
(2) الرواشح السماوية: 42، الراشحة الأولى.
197

[النجاشي أثبت علماء الرجال وأضبطهم]
الثاني: (1) تثبته في مقالاته، وتأمله في إفاداته، فإنه أثبت علماء الرجال
وأضبطهم، كما صرح به ثلة.
قال الفاضل الشيخ محمد (2) في بعض كلماته: والحق أن قول النجاشي
لا يعارضه قول الشيخ، لأن النجاشي أثبت.
وشارح المشيخة: (إنه أثبت من الجميع، كما يظهر من التتبع التام) (3).
وصاحب المعراج: (وظاهر حال النجاشي، أنه أضبط الجماعة وأعرفهم).
وغيرهم: كالعلامة البهبهاني والمحقق القمي (4) وسيدنا وأستادنا (5).
وذلك: لأن البناء على كثرة التصنيف، يقتضي العجلة المقتضية لقلة التأمل،
بخلافه البناء على إتقانه المقتضي لكثرة التأمل وقلة التصنيف.

(1) عطف على قوله: (الأول في المبحث الثاني في وصف كتابه).
(2) الشيخ محمد ابن صاحب المعالم، في كتابه استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار.
مخطوط لم يطبع إلى الان.
(3) روضة المتقين: 14 / 331.
(4) قوانين الأصول: 476.
(5) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 46.
198

ومن هنا أن المتتبع، قليل التأمل، والمتأمل، قليل التتبع.
وعمدة الكتب المرجوع إليها بعد كتاب النجاشي، كتابا الشيخ والخلاصة.
ومن الظاهر أن بناء الشيخ والعلامة، كان على كثرة التصنيف، كما يشهد به
مصنفاتهما. ولذا وقعا فيما وقعا، - كما تقدم شطر منه، وسيأتي - وهذا بخلاف
النجاشي، فإنه مع قلة كتبه، يشهد التتبع في رجاله، أن بنائه كان على التأمل
والتثبت، ولذا يقدم قوله على غيره.
ومما ذكرنا، يظهر ضعف ما عن السيد الجزائري في غاية المرام، في تعارض
قولهما، في سالم بن مكرم (1)، من نفي الريب في أن الشيخ أثبت.
كما أنه لو تعارض نقله في ذكر الأخبار مع الكليني، يقدم نقله عليه أيضا، لما
عرفت، مع ما ظهر من طريقة الكليني من التثبت والضبط.
ومنه تعارض نقلهما، في ذكر رواية اشتباه دم القرحة بالحيض، فإن الظاهر
اعتبار الطرف الأيسر في الحيض، والأيمن فيها، على ما هو مقتضى رواية الكافي
دون العكس، كما تقتضيه رواية بعض نسخ التهذيب (2)، لو لم نقل برجحان
روايته بمرجح آخر، بناء على العمل بالرواية دون طرحها لاضطرابها ومخالفة
الاعتبار كما في المستند حاكيا عن والده العلامة من أنه قال: كل امرأة رأيناها

(1) قال الشيخ: (... ضعيف). الفهرست: 79 رقم 327. قال النجاشي فيه: (... ثقة، ثقة) رجال النجاشي: 188 رقم 501.
(2) الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف، لأن في الكافي: 3 / 94. (فإن خرج الدم من
الجانب الأيمن فهو الحيض، وإن خرج من الجانب الأيسر، فهو من القرحة).
وفي التهذيب: 1 / 385: (فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو الحيض، وإن خرج من
الجانب الأيمن فهو من القرحة).
199

وسألناها، اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج (1).
ومن العجيب اختياره القول المذكور، بعد تسليم المحذور المزبور، استنادا إلى
الرضوي، وأن الاعتبار، بعد شهادة النص غير مسموعة.
نعم، لو رجح نقله بمرجح داخلي أو خارجي، فعليه المدار.
ومنه ما رواه فيه: (عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج (2)، ويقول قد
طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، فقال: خمر لا تشربه) (3).
فيرجح على ما رواه في الكافي، بدون قوله خمر (4)، ترجيحا لأحتمال الزيادة
على السقوط، كما قال في الرياض: إن احتمال السقوط، أولى من احتمال الزيادة،
وإن كان راوي الأول أضبط، جدا) (5).

(1) مستند الشيعة: 1 / 138.
(2) هو العصير المطبوخ وعن ابن الأثير: أصله بالفارسية: پخته. مجمع البحرين:
2 / 276، مادة (بختج).
(3) التهذيب: 9 / 122 ح 261.
(4) الكافي: 6 / 421 ح 7.
(5) الرياض: 1 / 86.
200

[قوة معرفة النجاشي في فن الرجال]
الثالث: قوة معرفته بما يتعلق بهذا الفن، فإنه أعرف علماء الرجال وأعلمهم
بهذا المقال، كما نص عليه جماعة من الأجلة.
كما قال في المسالك، عند الكلام في التوارث بالعقد المنقطع: (وظاهر حال
النجاشي أنه أضبط الجماعة، وأعرفهم بحال الرجال، وذلك: لأن المدار فيه على
الاطلاع بالأشخاص، وما يتعلق بهم من الأوصاف، والأنساب، وما يجري
مجراهما) (1).
وهذا مما اختص به النجاشي، فإن من الظاهر للمتتبع المتأمل في كتابه عند
ذكر الأشخاص، نهاية معرفته بأحوال الرجال، وشدة إحاطته بما يتعلق بهذا
المجال، من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم، كما يشهد استطرافه ذكر
أمور كاد أن لا يطلع عليها إلا المصاحب، ولا يعرفها عدا المراقب المواظب.
كما قال: (سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، مولى عفيف بن معدي كرب
عم الأشعث بن قيس، لأبيه)
قال: (وأخوه لأمه: أبو الربيع الأقطع، كان قارئا، فقيها، وجها، روى عن

(1) المسالك: 1 / 405 سطر 23.
201

أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام وخرج مع زيد، ولم يخرج معه من أصحاب أبي
جعفر عليه السلام غيره، فقطعت يده، وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه، ومات
في حياة أبي عبد الله عليه السلام وتوجع لفقده، ودعا بولده وأوصى بهم أصحابه، و
لسليمان، كتاب رواه عنه عبد الله بن مسكان (1).
وقال: (سلامة بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي
الأكرم، أبو الحسن الأرزني، خال أبي الحسن بن داود، شيخ من أصحابنا، ثقة،
جليل، روى عن ابن الوليد، وعلي بن الحسين بن بابويه، وابن بطة، وابن همام
ونظرائهم، وكان أحمد بن داود، تزوج أخته، وأخذها إلى قم فولدت له
أبا الحسن محمد بن أحمد، ورحل به معه إلى بغداد بعد موت أبيه وأقام بها مدة، ثم
خرج سنة ثلاثمائة وثلاثين، إلى الشام وعاد إلى بغداد، ومات بها، ودفن بمقابر
قريش.
له كتب، منها: كتاب الغيبة، وكشف الحيرة، كتاب المقنع في الفقه، كتاب الحج
عملا. ومات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة) (2).
ونظائرهما غير عزيز فيه، مضافا إلى ما يقال: من أن أكثر الرواة عن
الأئمة عليهم السلام كانوا من أهل الكوفة ونواحيها القريبة، والنجاشي كوفي من وجوه
أهل الكوفة، من بيت مرفوع مرجوع إليه.
وظاهر الحال، أنه أخبر بأحوال أهله وبلده ومنشأه، وفي المثل: أهل مكة،
أدرى بشعابها وأنه اتفق له رحمه الله صحبة الشيخ الجليل، العارف بهذا الفن، الخبير
بهذا الشأن، أبو الحسين أحمد بن الحسين الغضائري، فإنه كان خصيصا به،

(1) رجال النجاشي: 183، رقم 484.
(2) رجال النجاشي: 192، رقم 514.
202

صحبه وشاركه وقرأ عليه وأخذ منه، ونقل عنه مما سمعه، أو وجده بخطه ولم يتفق
ذلك للشيخ، كما يشهد به ما ذكره في صدر الفهرست
مضافا إلى تقدمه واتساع طرقه، وإدراكه كثيرا من العارفين بالرجال، ممن لم
يدركهم الشيخ، كأبي العباس، أحمد بن علي بن نوح الصيرافي، وأبي الحسن
أحمد بن محمد الجندي، وأبي الفرج محمد بن علي الكاتب، وغيرهم.
فلهذه الوجوه، قد برع على ما عداه، وامتاز عما سواه، فان غيره بين مشتمل
على واحد منها، أو اثنتين، وليس فيها ما يدانيه، فضلا عما يساويه، كما يظهر
بالتأمل فيما سبق، وسيجئ إن شاء الله تعالى.
203

المبحث الثالث
[ما وقع في رجال النجاشي من الأغلاط]
إنه قد وقع له مع ما قرع سمعك، أغلاط وأوهام، يقف عليها أبناء الأفهام،
ونحن نذكر شطرا منها في المقام.
فمنها: ما قال في ترجمة أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر: (من أنه كان
وفاته في سنة إحدى وعشرين ومائتين، بعد وفاة الحسن بن علي بن فضال
بثمانية أشهر) (1).
وذكر في ترجمة الحسن المسطور: (إنه مات في سنة أربع وعشرين ومائتين.
وتبعه فيها في الخلاصة) (2).
وأنت خبير بأن مقتضى كلامه الثاني، تقدم وفاة أحمد، قبل الحسن بثلاث
سنين، فكيف يكون بعده بما عده.
ومنها: أنه قال في ترجمة أبي رافع: (بالأسناد عن محمد بن عبيد الله بن أبي

(1) رجال النجاشي: 75، رقم 180.
(2) الخلاصة: 3 رقم 1 و 37 رقم 2.
205

رافع عن أبيه عن جده أبي رافع عن علي بن أبي طالب عليه السلام) (1).
فروى بالأسناد: (عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن علي
ابن أبي طالب عليه السلام) (2).
ومن المعلوم، عدم اجتماع رواية والد عبد الرحمن في الأول، عن يعسوب
الدين عليه السلام بواسطتين، مع رواية نفسه في الثاني، عنه عليه السلام بنفسه.
ومنها: أنه عنون علي بن محمد بن حفص بن عبيد، أبا قتادة (3) القمي، فقال:
(روى عن أبي عبد الله عليه السلام وعمر وكان ثقة، فذكر ابنه أبا الحسن بن أبي قتادة
وأحمد بن أبي قتادة (4).
وعنون أيضا: الحسن بن أبي قتادة، علي بن محمد بن حفص بن عبيد، وذكر
أن الحسن، يكنى بأبي محمد (5).
ولا يخفى ما بين العنوانين، من التنافي في والد محمد، مضافا إلى ما فيه من
الاختلاف في اسم ابن أبي قتادة وكنيته.
ومنه يعرف أن إصلاح العنوان الثاني من بعض، بوضع رمز التقدم والتأخر،
ساقط.
ومنها: أنه ذكر في ترجمة محمد بن سنان،، عند ذكر الطريق إلى الطرائف:

(1) رجال النجاشي: 6، رقم: 1.
(2) رجال النجاشي: 7، رقم: 2.
(3) قتادة: بفتح القاف والدال. تنقيح المقال: 1 / 155 رقم 1098 وتوضيح الاشتباه:
70.
(4) رجال النجاشي: 272، رقم: 713. وفيه (ابنه الحسن بن أبي قتادة).
(5) رجال النجاشي: 37، رقم: 74. وفيه أيضا: (علي بن محمد بن حفص بن عبيد).
206

(أخبرناه الحسين عن أبي غالب، عن جده أبي طالب محمد بن سليمان (1).
مع أنه عنون محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم (2)، أبا طاهر الزراري (3).
والمنافاة بين الكنيتين، ظاهرة.
ومنها: أنه قال في ترجمة المتوكل: (متوكل بن عمير بن المتوكل، روى عن
يحيى بن زيد، دعاء الصحيفة.
أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن ابن أخي طاهر، عن محمد بن مطهر، عن
أبيه، عن عمير بن المتوكل، عن أبيه متوكل، عن يحيى بن زيد بالدعاء) (4).
ولا يخفى أن مقتضى الصدر، أن راوي الدعاء، متوكل السبط، وهو خلاف ما
يقتضيه الذيل من أن الراوي، متوكل الجد.
ووقع نظيره من نظيره، فإنه ذكر في الفهرست: (المتوكل بن عمير بن المتوكل
روى عن يحيى بن زيد بن علي، دعاء الصحيفة.
أخبرنا بذلك، جماعة، عن التلعكبري، عن الحسن، يعرف بابن أبي أخي
طاهر، عن محمد بن مطهر، عن أبيه، عن عمير بن المتوكل، عن أبيه، عن يحيى
ابن زيد (5).
وربما تفصى عنه الناقد: (بإمكان أن يكون المتوكل في الصدر، أبا عمير
أيضا، فيوافق حينئذ، مع عمير بن المتوكل في الذيل.

(1) رجال النجاشي: 328، رقم: 888.
(2) بفتح الجيم، واسكان الهاء. رجال العلامة: 37 رقم 5 وإيضاح الاشتباه: 101 و
136 و 191 وتوضيح الاشتباه: 101 وتنقيح المقال: 1 / 197 رقم 1585.
(3) رجال النجاشي: 347، رقم: 937.
(4) رجال النجاشي: 426، رقم: 1144.
(5) الفهرست: 170، رقم 747.
207

مجيبا عنه: بأنه يظهر من دعاء الصحيفة الكاملة، أن المتوكل الذي روى عن
يحيى بن زيد، دعاء الصحيفة، هو ابن هارون، دون ابن عمير، كما يقتضيه ما
ذكر) (1).
قلت: وهو جيد مع أن غاية قصواه، الامكان. ومن الظاهر، عدم استلزامه
الاطمئنان، بعد ما عرفت من وقوع نظائره فيه، مع خلو كتب الأصحاب عن
ذكر شخص بهذه النسبة.
وأما ما يصحح به الفصية بعدم إضرار ما يظهر من دعاء الصحيفة، لجواز
كونه منسوبا في سنده إلى جد أبيه، وهو غير عزيز، فلا يخلو من بعد.
وربما احتمل أيضا وجهان آخران: من حمل أول كلامهما، على أن المتوكل
الذي جد لمتوكل بن عمير، روى الدعاء عن يحيى، ومن إمكان تصحيف (ابن)
المذكور بعد المتوكل في الكلام، عن (أبو) متأيدا بما وجد في نسخة من الفهرست
مصححة به (2).
ويضعف الأول، بمخالفته لظاهر السياق بلا مرية.
والثاني، بظهور إطباق النسخ على ما ذكرناه، فإنه المكتوب في النسختين
الموجودتين، وهو المحكى في كلام غير واحد.
فالمظنون، بل المقطوع، أن التصحيح المذكور، من باب التصرف بالاجتهاد،
مع أنه لا يخلو حينئذ من المخالفة للظاهر أيضا، إذ المناسب حينئذ أن يكون
العبارة، (المتوكل أبو عمير روى عن أبيه، متوكل) لأن (المتوكل إذا كان (أبا
عمير) فلا محالة (عمير) ابن (المتوكل)، فلا حاجة إلى انتساب (عمير) إليه.

(1) نقد الرجال: 280.
(2) المصدر.
208

وربما يختلج ببالي: إنه كان الكلام الثاني: (عن المتوكل، عن أبيه عمير بن
المتوكل، عن أبيه، متوكل) فاشتبه الأمر عليهما أو النساخ، فتأمل.
ويؤيد تطرق الاشتباه على الكلام الأول، موافقة سند الصحيفة، للثاني. فإن
فيه: (قال حدثني عمير بن المتوكل الثقفي البلخي، عن أبيه متوكل بن
هارون (1).
وبالجملة: فالظاهر، أن كلامهما في هذه الترجمة، لا يخلو عن اشتباه.
ولقد بسطنا الكلام في سوالف الأزمان، في هذا المقام في تشريح سند الصحيفة
الكاملة، - لمنشئها ألف سلام وتحية - وهي وإن كانت لما عليها مسحة من العلم
الإلهي وفيها عبقة من الكلام النبوي صلى الله عليه وسلم كيف لا، وهي قبس من نور مشكاة
الرسالة، ونفحة من شميم رياض الإمامة، كما في الرياض (2) عن النقد عينه.
ولكن رأيت الحال أن الأنسب، حوالة المقال إلى كتابنا، المسمى ب‍ (الدر الثمين
في تحقيق جملة من المصنفات والمصنفين).
وربما عد الوالد المحقق، من هذا القبيل، ما ذكره في ترجمة علي بن الحسن بن
فضال: (من أنه كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم
بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا) (3).
مستظهرا أن الفعل مبنى على المفعول، حيث أنه كالتفسير لقوله (والمسموع

(1) الصحيفة السجادية الجامعة: 617 و 630. (طبعة مؤسسة الأمام المهدي عليه السلام) فيه
مزيد تحقيق في سند الصحيفة، فراجع.
(2) هو رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام للسيد صدر الدين علي
بن الميرزا أحمد، المعروف بالسيد علي خان المدني الشارح للصمدية للشيخ البهائي، المتوفى
1120 أو 1118. راجع: الذريعة: 11 / 325، رياض العلماء: 4 / 395، أمل الآمل: 2 / 176.
(3) رجال النجاشي: 257، رقم 676.
209

قوله) فيه مستصوبا عليه رفع الشيئين (1).
وفيه أن الظاهر، أن مرجع الضمير، الحديث، لا نفسه، كما هو مبنى التغليط.
فالحاصل سمع شيئا كثيرا منه.
ويشهد عليه سياق ما ذكره في سعد بن عبد الله الأشعري: (من أنه شيخ هذه
الطائفة، وفقيهها، ووجهها، كان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا) (2).
فقد أجاد جدنا السيد العلامة، حيث احتمل ما ذكرناه، وإن كان عليه القطع
به محتملا أيضا أن يكون المرجع، أباه الحسن.
قال: لكن لا يلائمه قوله فيما بعد: (لم يرو عن أبيه) (3) وكفاه بعده مع عدم
الملائمة وإن هو، إلا لعدم الوقوف على الشاهد.
ثم إنه ذكر شارح المشيخة، بعد عنوان النجاشي وإظهار وثاقته وتثبته: أنه
وقع منه الاجتهاد الغلط في بعض الأوقات ويظهر منه أنه اجتهاده) (4). (انتهى).
ولعل منه، ما صنعه في خالد بن طهمان: فإنه بعد ما حكى عن البخاري: (من
أنه روى عن عطية، وحبيب بن أبي حبيب، سمع منه وكيع، ومحمد بن يوسف، و
أنه قال مسلم بن الحجاج: أبو العلاء الخفاف له نسخة أحاديث رواها عن أبي
جعفر عليه السلام، ذكر أنه من العامة (5).
والظاهر، أنه من جهة ما نقله عن البخاري مع قصور الدلالة.
مضافا إلى ما ذكره السيد الداماد: من أن علماء العامة، غمزوا فيه بالتشيع

(1) المقصود رفع الشئ والكثير (منه رحمه الله).
(2) رجال النجاشي: 177، رقم 467.
(3) رجال النجاشي: 257، رقم 676.
(4) روضة المتقين: 14 / 331.
(5) رجال النجاشي: 151، رقم: 397.
210

فحكى عن عمدة محدثيهم، أبي عبد الله الذهبي، في مختصره في أسماء الرجال:
خالد بن طهمان الكوفي الخفاف، صدوق، شيعي (1).
ومثل ذلك، في شرح صحيح البخاري، ومن المتقرر أن آية جلالة الرجل
وصحة حديثه، تضعيف العامة إياه بالتشيع، مع اعترافهم بجلالته. (انتهى).
فضلا عن أن الشيخ عده من أصحاب مولانا الباقر عليه السلام (2).
والعجب أنه مع ذلك، ذكر طريقه إليه وهو خلاف طريقته كما لا يخفى على
المتتبع في كتابه.
ومما ذكرنا، يظهر ضعف متابعة العلامة (3) كما استمرت سيرته.
بقى أنه قد ضبط السيد السند النجفي رحمه الله مشائخ النجاشي حاصرا بعد
الاستقراء التام في ثلاثين، وجعلهم بين من يسمى ب‍ (محمد وهم ستة و (أحمد
وهم سبعة، و (علي وهم أربعة، و (الحسن) وهو رجلان، و (الحسين) وهم
ثلاثة، وبين المختلفين في الاسم، وهم ثمانية) (4).
وفصل المقال في هذا المجال، فنقل كلماته التي يستفاد منها شيخوختهم له،
وتبعه الوالد المحقق في رسالته المعمولة في أحواله، ولا أرى البسط في المقام من
المهم في المرام.
مضافا إلى أن الحصر، لا يخلو من النظر، لعدم ذكرهما من مشايخه المسمين
بمحمد، (محمد بن عبيد الله بن أحمد) مع أن المستفاد من كلامه، أنه من مشايخه
أيضا.

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 232 رقم 2433.
(2) رجال الطوسي 383 / 45.
(3) الخلاصة: 220، رقم: 1.
(4) السيد بحر العلوم: 2 / 50.
211

لقوله: (محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد، كان أديبا وهو ابن أبي غالب
شيخنا) (1).
لظهور كلامه الأخير في بيان الأول، أعني: محمدا، دون الأخير، نظرا إلى ما
هو الغالب من بيان المذكور بالأصالة، مع أنه على الثاني كان عليهما ذكر السبط،
أو الابن منهم، مع عدم ذكرهما أحد منهما.
ومن مشائخه المسمين بعلي، (علي بن محمد العدوي الشمشاطي فإن الظاهر
أنه منهم أيضا.
لقوله بعد عنوانه بما ذكر: (كان شيخنا بالجزيرة) (2) والظاهر وثاقة الكل على
ما ينصرح من التتبع في كلماته
ثم إنه قد أطلق النجاشي على غيره، نادرا وهو المعنون في رجال الشيخ في
أصحاب الرضا عليه السلام بقوله: (عباس النجاشي، كوفي (3).
ويشهد عليه أيضا ما عن العيون في الصحيح: (عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن العباس النجاشي الأسدي، قال: قلت للرضا - عليه آلاف التحية والثناء -
أنت صاحب هذا الأمر؟
قال: إي والله! على الأنس والجن) (4).
والظاهر مغايرته مع العباس النخاس، لما ذكر، فدعوى التصحيف مدخولة.

(1) رجال النجاشي: 398، رقم: 1064.
(2) رجال النجاشي: 263، رقم: 689. وفي المصدر: (كان شيخا بالجزيرة).
(3) رجال الطوسي: 383 رقم 45.
(4) راجع: البحار: 49 / 106.
212

المقصد الخامس
في الطالع من سماء العلم كالبدر الباهر
المشتهر في الآفاق بالعلامة على الإطلاق
أعني:
الحسن بن يوسف بن مطهر
213

المقصد الخامس
في الطالع من سماء العلم كالبدر الباهر، والساطع من أفق الفضل وماله نظير
ظاهر، البحر الحبر النحرير، والعالم العلم الخبير، الذي قد غاص في بحار العلوم
ولها إطار (1) وأضحى، وهو لفلك الإفادة شموس وأقمار، المشتهر في الآفاق
بالعلامة على الإطلاق، أعني: الحسن بن يوسف بن مطهر، - قدس الله تعالى
أرواحهم - ورفع في: محال الكرامة أقدارهم.
وقد تعرض لذكره غير واحد من السماسرة.
منهم: السيد السند الذي سبقت إليه الإشارة، فقال: (علامة العالم، وفخر
بني نوع آدم، أعظم العلماء شأنا، وأعلاهم برهانا، سحاب الفضل الهاطل، وبحر
العلم الذي ليس له ساحل، جمع من الفنون ما تفرق في جميع الناس، وأحاط من
الفنون بما لا يحيط به القياس، مروج المذهب والشريعة في المائة السابعة، ورئيس
علماء الشيعة من غير مدافعة، صنف في كل علم كتبا، ووفاه الله تعالى من كل
شئ سببا.
أما الفقه فهو أبو عذره وخواض بحره.

(1) الأطار ككتاب: الإحاطة بالشئ، فكل شئ أحاط بشئ، فهو إطار له (منه رحمه ا لله).
215

وأما الأصول والرجال فإليه فيهما تشتد الرجال (1)، وبه تبلغ الآمال، وهو
ابن نجدتها ومالك أزمتها.
وأما علم المنطق، فهو الشيخ الرئيس والأمام) (2)
وتعرض لنفسه في الخلاصة، فقال: (حسن بن يوسف بن علي بن مطهر
- بالميم المضمومة، والطاء غير المعجمة، والهاء المشددة والراء - أبي منصور الحلي
مولدا ومسكنا، مصنف هذا الكتاب، له كتب، - ثم عدها في نيف وستين - وقال:
والمولد تاسع وعشرين (3) رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة، نسأل الله تعالى
خاتمة الخير وكرمه) (4).
وقال الفاضل الجزائري في الحاوي: (هذا هو العلامة العدل، الثقة، النقة، آية
الله في العالمين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، - فحكى عن فخر المحققين - أنه
ذكر: توفى والدي - قدس الله تعالى روحه - ليلة السبت حادي عشر المحرم سنة
ست وعشرين وسبعمائة - رحمه الله تعالى - فعلى هذا يقرب عمره الشريف إلى
ثمانية وسبعين) (5).

(1) كذا في النسخة المخطوطة بخط المؤلف وفي المصدر: (تشد الرحال).
(2) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 257.
(3) في المصدر: (تاسع عشر).
(4) الخلاصة: 45، رقم: 52.
(5) حاوي الأقوال: 51 / 182.
216

[المبحث الأول]
[فيما صنف العلامة في فن الرجال]
وبالجملة: فجلالة قدر هذا النحرير الذخار، أوضح من الشمس في رائعة
النهار، ونحن نذكر ما يتعلق بالمقام في مباحث:
الأول: إنه صنف في هذا الفن، كتبا ثلاثة.
أحدها: كتاب (إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة) ووضع على توضيح
مشكلات ألفاظ الأسماء والأنساب، كما قال: (زرارة، - بضم الزاي - ابن
أعين بن سنسن - بضم السين قبل النون الساكنة، وبعدها سين مضمومة، والنون
أيضا أخيرا -) (1).
و (زرعة، - بالزاي المضمومة، وبعدها راء وعين مهملة - ابن محمد
الخضرمي) (2).
و (ليث بن البختري - بفتح الباء المنقطة تحتها نقطة، والخاء المعجمة - المرادي

(1) إيضاح الاشتباه: 189 رقم 293.
(2) إيضاح الاشتباه: 190 رقم 297.
217

- بضم الميم -) (1).
ولم يتعرض فيه للجرح والتعديل، كما صرح به في أول الكتاب (2).
نعم، قد تعرض لهما نادرا ومنه: توثيقه لسليمان بن داود المنقري (3).
وسهل بن الهرمزدان (4).
وسلامة بن أبي عمرة (5).
وغيرهم (6).
وتضعيفه لعبد الله بن داهر الأحمري (7).
وخنيس الكوفي (8).
ومنخل الأسدي (9).

(1) إيضاح الاشتباه: 259 رقم 537.
(2) إيضاح الاشتباه: 77.
(3) إيضاح الاشتباه: 195 رقم 312.
(4) إيضاح الاشتباه: 196 رقم 313.
(5) إيضاح الاشتباه: 196 رقم 316 وفيه سلام بن أبي عمرة الخرساني.
(6) كما في عبد الله بن جبلة: إيضاح الاشتباه: 209 رقم 348، عبد الله بن سعيد: 209
رقم 349، علي ابن سليمان بن الحسن بن الجهم: 220 رقم 398، علي بن محمد يوسف بن
مهاجر: 222 رقم 406، علي بن عمر بن الخزاز: 224 رقم 414 و....
(7) إيضاح الاشتباه: 242 رقم 485.
(8) لم أجده في المصدر، الظاهر أن مراده هو (معلى بن خنيس الكوفي) قال بضعفه في
النسخة المخطوطة الموجودة في مكتبة مدرسة الفيضية برقم 580. راجع إيضاح الاشتباه: 299
رقم 700، الهامش 3.
(9) إيضاح الاشتباه: 301 رقم 707.
218

وغيرهم (1).
وسلك مسلكه، العالم الفاضل الرباني، مولانا محمد علي بن محمد رضا
المازندراني (2).
قال في الروضات: (كان من جملة فضلائنا الأبجال، وفقهائنا الواقفين على
أحوال الرجال، وله كتاب في هذه المراتب، لطيف يؤمن الإنسان من الغلط و
التصحيف، سماه (توضيح الاشتباه والأشكال في تصحيح الأسماء والنسب و
الألقاب من الرجال) لم أر مثله في معناه، ويزيد على ضعفي إيضاح
العلامة رحمه الله) (3). (انتهى).
وثانيهما: كتاب (كشف المقال في معرفة الرجال) وهو كتاب كبير ذكر فيه ما
نقل من الرواة والمصنفين، مما وصل إليه من المتقدمين. وذكر فيه أحوال
المتقدمين والمعاصرين، كما ينصرح من كلامه في ابتداء المبتدأ (4) وهو
غير موجود في هذه الأعصار، بل الظاهر، أنه لم يقف عليه أحد من علمائنا،

(1) كما في داود بن كثير الرقي: 176 رقم 261، علي بن العباس الخراذيني: 219
رقم 392، عبد الملك بن هارون بن عنترة: 241 رقم 482، عبد الله بن القاسم الحضرمي
البطل: 241 رقم 483، عبد الله عمر بن بكر الحناط: 242 رقم 484 و....
(2) قال المحقق الخوانساري: (محمد علي بن محمد رضا الساروي المازندراني المتوفي
1000 ه‍، مؤلف كتاب توضيح الاشتباه) راجع ترجمته: روضات الجنات: 7 / 148، الذريعة:
4 / 490، مصفى المقال: 279، ريحانة الأدب: 3 / 355، الفوائد الرضوية: 579.
سمعت كرارا من السيد السند، الركن المعتمد، غواص بحر علم الرجال، أستاذنا السيد
موسى الشبيري الزنجاني - أدام الله ظله -: (بأن كتاب توضيح الاشتباه، ليس كتابا محققا، ولم
يكن مؤلفه، رجلا مدققا).
(3) روضات الجنات: 7 / 148
(4) إيضاح الاشتباه: 77. الخلاصة: 2.
219

الأخيار.
وعن الرياض: (إنه كتب المولى نور الدين علي بن حيدر علي القمي، في
حدود نيف وسبعين وتسعمائة، كتابا في ترتيب الخلاصة وتهذيبها، وسماه (نهاية
الآمال في ترتيب خلاصة الأقوال) وقد شرط في أوله أيضا، أن يلحق به خاتمة
في ذكر من لم يذكره العلامة من المتقدمين، ومن في طبقة العلامة، من الفضلاء
المشهورين، ومن تأخر عنهم من المتأخرين) (1).
والظاهر أنه كان بدلا عن الكشف المذكور، إلا أنه كأصله، غير معروف و
مشهور.
وثالثها: كتاب (خلاصة الأقوال) وهو المشهور بين أرباب الرجال، ورتبه
على قسمين:
أحدهما: فيمن أعتمد على روايته، أو ترجح عنده قبول قوله.
والاخر: فيمن ترك روايته، أو توقف، كما نص عليه في فاتحته (2).
ولكن التتبع فيه، يشهد بصدور ما ينافيه، فترى أنه قد ذكر كثيرا ممن توقف
في روايته، في القسم الأول.
كذكره فيه: أحمد بن عمر الحلال وقال - بعد نقل توثيقه ورداءة أصله عن
الشيخ -: (فعندي توقف في قبول روايته لقوله هذا) (3).
وكذا بشير النبال، وقال: (روى الكشي حديثا في طريقه محمد بن سنان،

(1) رياض العلماء: 4 / 75.
(2) الخلاصة: 3.
(3) الخلاصة: 14 رقم 4.
220

وصالح بن أبي حماد، وليس صريحا في تعديله، فأنا في روايته متوقف) (1).
وكذا بكر بن محمد الأزدي (وقال): (قال الكشي قال حمدويه: ذكر محمد
ابن عيسى العبيدي، بكر بن محمد الأزدي، فقال: خير، فاضل. وعندي في
محمد بن عيسى توقف) (2).
وهو كما ترى يقتضي توقفه في بكر، أيضا.
إلى غير ذلك (3)، بل ربما ذكر بعض الرجال في كل من القسمين كما وقع منه في
عبد الله بن أبي زيد، وصرح بضعفه في القسم الثاني (4).
مضافا إلى أنه ذكر جماعة من الموثقين من ذوي العقائد الفاسدة في القسم
الثاني، كما ذكر فيه: عبادة بن زياد (5) وغياث بن إبراهيم (6) وغالب بن عثمان (7)
ناصا بوثاقتهم والزيدية والبترية والواقفية

(1) الخلاصة: 25 رقم 4.
(2) الخلاصة: 26 رقم 2.
(3) كما في أسامة بن زيد، قال: (الأولى عندي التوقف عن روايته). الخلاصة: 23
رقم 1. كذا في: ثوير بن أبي فاختة: 30، جعفر بن عفان: 32، الحسن بن صدقة المدائني: 45،
حذيفة بن منصور: 61، داود بن كثير الرقي: 68، زكريا أبو يحيى الموصلي كوكب الدم: 75،
ظفر بن حمدون أبو منصور: 91، عبد الله بن خداش: 109، عمران بن عبد الله القمي: 124،
كليب بن معاوية الصيداوي: 135، محمد بن علي بن بلال: 142، محمد بن أحمد بن خاقان:
152، محمد بن إسحاق بن عمار: 158 ومحمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي: 160.
(4) ذكره في القسم الأول قائلا: (... ثقة في الحديث، عالم به، كان قديما من الواقفة).
الخلاصة: 106، رقم: 23. ذكره في القسم الثاني قائلا: (... ضعيف) الخلاصة: 236 رقم 13
(5) الخلاصة: 245 رقم 18. فيه: (عبادة بن زياد الأسدي كوفي، ثقة، زيدي).
(6) الخلاصة: 245 رقم 1. فيه: (... ثقة روى عن أبي عبد الله عليه السلام وكان بتريا).
(7) الخلاصة: 246 رقم 2. فيه: (... ثقة وكان واقفيا).
221

ويظهر من غير واحد من كلماته: أن منشأ ما ذكره من نظرائهم، خصوص
فساد عقائدهم، كما ذكر فيه إسماعيل بن سماك، وقال: (كان واقفيا وقال
النجاشي: إنه ثقة، واقفي، فلا أعتمد حينئذ على روايته) (1).
مع أنه قد ذكر جماعة من هؤلاء الطائفة، في القسم الأول أيضا (2).
ولقد أجاد شيخنا الشهيد الثاني في تعليقاته عليها: (من أنه لم يلتزم المصنف،
بذلك في تفاصيل الرجال، بل ذكر في القسم الأول، جماعة ممن توقف في حالهم،
ونبهنا عليه في محالهم.
وذكر فيه أيضا جماعة من الموثقين غير الإمامية، وذكر منهم أيضا جماعة في
القسم الثاني. فإن كان ذلك عنده مجوزا للعمل بقولهم، كما يظهر من مذهبه كثيرا
في كتب الفقه، فكان ينبغي ذكر الجميع في القسم الأول، وإلا فذكرهم أجمع في
القسم الثاني.
وبالجملة: فقد اشتمل القسم الأول على الصحيح، والحسن، والموثق و
الموقوف، والضعيف، فينبغي التثبت في ذلك، والرجوع إلى ما هو الحق) (3).
ولقد أجاد فيما أفاد، وربما اعترض عليه العلامة المجلسي بما لا يرجع إلى

(1) الخلاصة: 199 رقم 1. راجع رجال النجاشي: 21 رقم 30 في ترجمة إبراهيم بن أبي
السمال، أخوه.
(2) كما أنه ذكر محمد بن إسحاق بن عمار في القسم الأول ونقل عن أبي جعفر بن بابويه:
أنه واقفي. الخلاصة: 158 رقم 123. كذا حميد بن زياد، وذكر عن النجاشي: أنه واقفي. 59
رقم 2. ومصدق بن صدقة، مع ذكره عن الكشي: أنه فطحي. 173 رقم 26، معاوية ابن حكيم،
مع نقله عن الكشي أيضا: أنه فطحي. 167 رقم 3 و....
(3) تعليقة الشهيد على الخلاصة: 1. (المخطوط)
222

محصل. ومن العجيب ما ذكر بعده: من أن هذه دقيقة لا ينبغي الغفول عنها،
والمحشي السعيد، إذ كان ذاهلا عن تحقيقها، وقع في مضيق الاعتراض على
المصنف في غير المواقع مرارا.
223

المبحث الثاني
[في اعتبار توثيقات العلامة]
المعروف بين الأصحاب، اعتبار توثيقاته، وذلك: لأنه من عظماء العلماء،
حتى اشتهر بما اشتهر، مضافا إلى اتصافه بالوثاقة والعدالة، كما يكشف عنها
العبائر السابقة وغيرها، مما لم نذكرها.
ومن هنا إصرار المحدث الحر العاملي، على ذكر توثيقاته فيما تعرض من
الرجال، في مختتم الوسائل إردافا بتوثيقات النجاشي، نظرا إلى ثبوت وثاقة
الرجال، بشهادة العدلين لمن اعتبرها.
ولكن يظهر من المحقق الشيخ حسن، القول بالعدم لوجهين.
أحدهما: ما يظهر من كلامه في غير واحد من كلماته في المعالم، كما قال في
بعض المنزوحات، في حال أبي مريم: (من أنه لم أر توثيقه، إلا في كتاب
النجاشي، وتبعه العلامة في الخلاصة، - وهو ممن يرى الاكتفاء بتعديل الواحد،
فلا يعتبر تزكيته عند من يشترط التعدد - قال: وحينئذ ينحصر طريق تعديل
هذا الرجل، في شهادة النجاشي وهذا غير كاف بمجرده).
وقال في موضع آخر منه: (إن الأصل في توثيق علي بن الحكم، وزياد،
225

شهادة الواحد لاغير، فالشيخ وثق الأول والنجاشي الثاني، وتبعهما العلامة وقد
ذكرنا ما لنا من التوقف في الاكتفاء بمثله مرارا.
ثانيهما: ما حكى عن المحقق، الشيخ محمد، عند الكلام في أيوب بن راشد:
(من أنه قال: الحق، ما قرره الوالد المحقق قدس سره من أن العلامة، لا يعتمد على توثيقه
لما يعلم من حال الخلاصة، من أنه أخذها من كتاب ابن طاووس، وأوهام ابن
طاووس كثيرة كما نبه الوالد قدس سره في حواشي كتاب ابن طاووس).
أقول: ومنه ما ذكره في بعض حواشيه على الخلاصة: (من أن من طريقته
متابعة السيد في هذا الكتاب، حتى شاركه في كثير من الأوهام).
وقال عند الكلام في بكر بن محمد الأزدي: (من أن عد المصنف من سمي بهذا
الاسم رجلين وهم، منشأه أنه تبع في هذا الكتاب كلام السيد جمال الدين بن
طاووس، حتى أن من وقف على الكتابين، تحقق أن المصنف لم يخرج في أكثره
عن كتاب السيد.
إلى أن قال: وهو من آثار التقليد، وقلة المراجعة، وقد أجاد من قال (1).
وربما يلوح الميل إليه من السيد الناقد، نظرا إلى اضطراب كلماته في مستند
توثيقاته.
فتارة: يوثق لتوثيق النجاشي، أو نظيره، وإن ضعفه ابن الغضائري.
وأخرى: يتوقف لكلام ابن الغضائري، وإن وثقه النجاشي (2).

(1) كذا بخط المؤلف رحمه الله والظاهر وقوع سهو من قلمه الشريف أو كان مراده: (وقد
أجاد فيما قال).
(2) قال السيد التفرشي في حذيفة بن منصور بن كثير: (قال العلامة قدس سره: روى الكشي
حديثا في مدحه، أحد رواته محمد بن عيسى وفيه قول، ووثقه شيخنا المفيد رحمه الله ومدحه. وقال
ابن الغضائري: روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام، حديثه غير نقي، يروي الصحيح
والسقيم، وأمره ملتبس، ويخرج شاهدا والظاهر عندي التوقف فيه، لما
قاله هذا الشيخ، ولما نقل عنه، أنه كان واليا من قبل بني أمية، ويبعد انفكاكه عن القبيح وقال النجاشي: إنه ثقة
هذا آخر كلامه قدس سره.
وفيه نظر، لأني رأيت في كتابه كثيرا أنه وثق الرجل بمحض توثيق النجاشي، أو الشيخ،
وإن كان ضعفه ابن الغضائري، أو غيره، كما في محمد بن عيسى اليقطيني، ومحمد بن
إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن خالد، وغيرهم، وقال في شأن هذا الرجل: إن الظاهر عندي
التوقف فيه، لما قاله هذا الشيخ، مع أنه وثقه النجاشي، ومدحه الكشي، وما ذكره ابن
الغضائري ليس نصا في ضعفه.
وقوله: (لما نقل عنه أنه كان واليا من قبل بني أمية)، إن ثبت، لا يدل على عدم توثيقه،
لأن كثيرا من الثقات، كانوا والين من قبل المخالفين). نقد الرجال: 83.
226

أقول: ويضعف الأول: بما ثبت من أن التوثيقات، من باب الظنون
الاجتهادية ولا مجال لكونها من باب الشهادة فيكتفي فيها بتزكية العدل الواحد.
والثاني: بأن توثيقات ابن طاوس في كتابه، قليلة، كما أن أوهام أنظاره
بالإضافة إلى صحاح كلماته، قليلة، على أن متابعته له، بالإضافة إلى متابعة
غيره مثل النجاشي، قليلة، فمتابعته له قليلة في قليلة، فإن هي إلا كساعة في
السنة، أو آن في الليلة فكيف تمنع المتابعة بهذه المثابة، عن حصول الظن عن قول
مثل العلامة.
والثالث: بأن الظاهر أن الاختلاف، بواسطة اختلاف الموارد، وتعاضد
أقوال الموثقين في موضع دون آخر، فجرى على التقديم تارة، وعدمه أخرى،
كما هو طريقة الاجتهاد، وترجيح الأقوال، فتأمل.
والتحقيق أن يقال: إنه لا حاجة إلى توثيقاته غالبا، كما لا وثوق إليها كل
الوثوق.
227

أما الأول: فلأن الظاهر، كما هو غير خفي على الخبير، أن أكثر كلماته فضلا
عن توثيقاته، مأخوذ من النجاشي، فهو إما يذكر كلماته بعينها، أو مع زيادة
ونقيصة، لو لم يكن خلاف في المقام، ولذا ربما لا يصح منه الكلام أو يحتاج إلى
عناية في المرام.
ومنه ما ذكره النجاشي: في ترجمة علي بن الحسين: (من أنه قال جماعة من
أصحابنا: سمعنا أصحابنا يقولون: كنا عند أبي الحسين (1) علي بن محمد
السمري رحمه الله فقال: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه.
فقيل له: هو حي.
فقال: إنه مات في يومنا، فكتب اليوم، فجاء الخبر بأنه مات فيه). (انتهى).
وذكر هذه المقالة بعينها في الخلاصة (2).
مع أنها منه غير ملائمة، بخلاف النجاشي، لأن ولادة النجاشي على ما في
الخلاصة: سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، فتكون المدة المتخللة بين وفاة والد
الصدوق، في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وتولد النجاشي، ثلاثا وأربعين سنة، فلا بعد لحكايته عن جماعة من أصحابه.
وأما العلامة، فعلى ما ذكره في الخلاصة: ولد في تاسع عشر شهر رمضان سنه
ثمان وأربعين وستمائة، فلا يمكن منه الحكاية المذكورة.
وبالجملة: فبعد ثبوت الأخذ المذكور، مع وجود الأصل المزبور، تكون
الحاجة إلى توثيقاته قليلة.
نعم: إنها لها، ولغيرها، مؤيدة.

(1) في المصدر أبي الحسن.
(2) الخلاصة: 94، رقم 20.
228

وأما الثاني: فلأن كثيرا من توثيقاته، مبنية على الاجتهاد في ترجيح الأقوال
في الأحوال، وتميز المشتركات في الأشخاص، مع ما ثبت من سرعة السير وقلة
التأمل الموهنة لحصول الظن بالكلام، والمقتضية لكثرة الاشتباه في المرام،
والشاهد عليه، ما سيتلى عليك بعيد هذا، إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا المنوال، حال التضعيفات فينبغي التثبت في الموارد والمقامات،
وعدم المبادرة بالحكم، على سياق التوثيقات والتضعيفات، فكم أوجب
المبادرة، زلة القدم.
229

المبحث الثالث
[ما وقع في الخلاصة من الاشتباه]
إنه قد وقع له في الخلاصة، اشتباهات متوفرة، ولاوجه لكثير منها، إلا قلة
التأمل وشدة العجلة، كما هي طريقته المستقرة في مصنفاته المتكثرة.
ومن غرائب ما وقع له من الاشتباه، ما صنعه في المنتهى، عند الكلام في
التيمم، فيما استدل على القول باجتزاء المرة للبدل عن الوضوء، والمرتين للبدل
عن الغسل، بصحيحة محمد بن مسلم: (إن التيمم من الوضوء مرة، ومن الجنابة
مرتين) (1).
مع أن الظاهر أنه عبارة الشيخ، بناء على ما فهم ذلك التفصيل من الأخبار،
مع عدم استفادته، كما هو على الخبير غير ستير، فظن العلامة أنه نص الخبر،
فوقع منه سهو في سهو.
وبالجملة: إنه قد وقع منه الاشتباه والاختلاف في غير مورد.
ومنه: ما ذكر المحدث البحراني رحمه الله من أنه كان قدس سره، لاستعجاله في التصنيف،

(1) منتهى المطلب: 1 / 148.
231

يرسم كل ما خطر بباله الشريف، ولا يراجع ما تقدم من الأقوال والمصنفات،
بل قال: ومن أجل ذلك، طعن عليه جملة من المتحذلقين، في أصل الاجتهاد،
وهو خروج عن منهج الصواب والسداد) (1).
وكيف كان: فاشتباهاته كثيرة، ونذكر منها نبذة يسيرة.
فمنها: ما عنون بقوله: (محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد، وهو: ابن غالب،
شيخنا) (2).
ففي كلامه هذا سهو من وجوه: من قوله (شيخنا) مع أنه من مشائخ
النجاشي، وهو عين عبارته فنقلها بعينها، فوقع فيما وقع.
ومن قوله: (ابن غالب) ففيه سقوط لفظين، فإن الصحيح: (ابن ابن أبي
غالب) كما يشهد به صريح عبارة النجاشي في المقام، وغيره، فإنه ذكر في المقام
وهو: (ابن ابن أبي غالب شيخنا) (3).
وفي ترجمة محمد بن سليمان: (إنه روى عنه أبو غالب، أحمد بن محمد بن
سليمان) (4). واحتمال تعلق الأخير بالأخير، مدفوع بقوله في أبي غالب (حدثنا
شيخنا أبو عبد الله، بكتبه) (5).

(1) لؤلؤة البحرين: 226. فيه: (كان قدس سره لاستعجاله في التصنيف ووسع ذاكرته في
التأليف يرسم كل ما خطر بباله الشريف وارتسم بذهنه المنيف ولا يراجع ما تقدم له من
الأقوال والمصنفات وإن خالف ما تقدم منه في تلك الأوقات)
(2) الخلاصة: 164 رقم 175.
(3) رجال النجاشي: 398 رقم 1064.
(4) رجال النجاشي: 347 رقم 937.
(5) رجال النجاشي: 83 رقم 201.
232

ومنها: ما ذكر في داود بن زربي (1): (وقال النجاشي: إنه ثقة ذكره ابن
عقدة) (2).
والتوثيق غير موجود في رجال النجاشي (3).
ومنها: ما عنون بقوله: (بكر بن محمد بن حبيب، وهو من غلمان إسماعيل بن
ميثم في الأدب) (4).
فإن الصحيح: (له في الأدب، كتاب التصريف) كما يشهد به عبارة
النجاشي (5).
ومنها: ما ذكر في ترجمة عبد الله بن مسكان: (من أنه قال النجاشي: إنه لم
يسمع من الصادق عليه السلام إلا حديث: من أدرك المشعر فقد أدرك الحج) (6).
والصواب: (قال الكشي) بدل (النجاشي) لأنه القائل، كما نبه عليه
التفرشي (7).
ومنها: ما ذكره في محمد بن عطية: (من أنه صغير) (8).

(1) زربى: بالزاي المكسورة وسكون الراء. إيضاح الاشتباه: 179، رجال ابن داود:
90 رقم 585 ورجال العلامة: 68 رقم 5. أثبته الساروي والمامقاني بضم الزاي وسكون
الراء. توضيح الاشتباه: 150 وتنقيح المقال: 1 / 408 رقم 3836.
(2) الخلاصة: 68 رقم 5.
(3) رجال النجاشي:! 110 رقم 279. فيه كما في الخلاصة. وفي الطبعة القديمة
(منشورات مكتبة الداوري) كما ذكره المؤلف.
(4) الخلاصة: 26، رقم: 5.
(5) رجال النجاشي: 160 رقم: 424.
(6) الخلاصة: 106 رقم: 22.
(7) نقد الرجال: 207.
(8) الخلاصة: 255 رقم: 49، وفيه: (وهو ضعيف) وفي رجال النجاشي: 356 رقم
952: (وهو صغير) وما قاله المؤلف، من سهو قلمه الشريف.
233

والصواب أنه ضعيف كما يشهد عليه ما تقدم من الشاهد (1).
ومنها: ما ذكره في محمد بن عبد الملك: (من أنه مات سنة عشرة و
أربعمائة) (2).
فقد سقط منه لفظ (تسع) كما يشهد عليه ما مر من الشاهد (3)، ونبه عليه
السيد الناقد (4).
ومنها: أنه عنون النجاشي علي بن محمد العدوي الشمشاطي أبو الحسن فقال:
(كان شيخنا بالجزيرة، أخبرنا سلامة بن ذكا أبو الخير الموصلي، بجميع كتبه) (5).
وحكى عنه في الخلاصة بهذه العبارة: (سلامة بن زكريا أبو الحسن
الموصلي) (6).
ومنها: ما ذكر في ترجمة الحسين بن أشكيب: (من أنه قال الكشي: إنه من
أصحاب أبي محمد العسكري عليه السلام، ثقة، ثقة، ثبت، عالم، متكلم، مصنف الكتب
- إلى أن قال -: قال الكشي والنجاشي: لم يرو عن الأئمة عليهم السلام، لكنه من

(1) نقد الرجال: 320. فيه: (... وما ذكره في الخلاصة في باب الضعفاء، عبارة النجاشي
بعينها، إلا أنه ذكر في موضع (وهو صغير)، (وهو ضعيف). وكذا ذكره ابن داود، ولعله
تصحيف. ويؤيده أن النجاشي، وثقه عند ترجمة أخيه الحسن،... ولما وجده العلامة قدس سره عند
ذكر أخيه الحسن موثقا، ذكره في باب الثقات أيضا، ووثقه.
(2) الخلاصة: 164، رقم 178.
(3) رجال النجاشي: 403، رقم 1069.
(4) نقد الرجال: 318 رقم 524.
(5) رجال النجاشي: 263، رقم 689.
(6) الخلاصة: 101، رقم 49.
234

من أصحاب العسكري عليه السلام) (1).
فإن ما نقله من التوثيق وما يليه، من كلام النجاشي (2)، دون الكشي، بل
لم يقع منه هذا السياق من العبارة، في موضع، كما أن ما حكى عن النجاشي من
عدم الرواية عن الأئمة عليهم السلام، اشتباه، لعدم الوقوع منه قطعا، وأما من الكشي،
فغير معلوم لعدم وجود هذا العنوان في الكشي رأسا، ولكن النجاشي حكى عنه
في خصوص المقام بعض الكلام.
ويشهد على سرعة السير، أنه ذكر في نوح بن دراج: (إنه كان من الشيعة
وكان قاضي الكوفة، واعتذر عن ذلك، بأنه سأل أخاه جميلا، لم لا تأتي
المسجد؟ فقال ليس لي إزار) (3). (انتهى).
فترى العبارة، سمجة غير سليسة، وهي مأخوذة مما ذكره الكشي: (من أنه
قيل له: لم دخلت في أعمالهم؟ فقال: لم أدخل حتى سألت أخي جميلا، فقلت لم
لا تحضر المسجد؟ فقال: ليس لي إزار) (4).
بقى الكلام في أنه قد ذكر في ختام الخلاصة فوائد، قد أعجبني ذكر بعضها،
وتشريحها، على حسب ما يقتضيه المقام.

(1) الخلاصة: 49 رقم 8 وفيه: الحسين بن أسكيب.
(2) راجع: رجال النجاشي: 44 رقم 88.
(3) الخلاصة: 175 رقم 3.
(4) الكشي: 251 / 468.
235

فنقول: هاهنا فوائد
[الفائدة الأولى في المراد عن العدة في كتاب الكافي]
الأولى: إنه يروي الكليني في غير مورد من الكافي، بتوسط العدة، ويروي
عنهم تارة: عن أحمد بن محمد بن عيسى
وأخرى: عن أحمد بن محمد بن خالد
وثالثة: عن سهل بن زياد
وقد حكى العلامة في الفائدة الثالثة، عن الكليني بيان المراد منهم، فقال:
(قال: المراد بقولي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى:
محمد بن يحيى، وعلي بن موسى الكمنذاني (1) وداود بن كورة، وأحمد بن

(1) وقال في الخلاصة، في موسى بن جعفر الكمنذاني: (بضم الكاف والميم وإسكان النون
وفتح الذال المعجمة، قرية من قرى قم)، (منه رحمه الله).
هكذا أثبته ابن داود في رجاله: 281 رقم 524 والساروي في توضيح الاشتباه: 289
ولكن قال المامقاني في تنقيح المقال: 2 / 310 رقم 8530 (كمندان) بضم الكاف والميم
وسكون النون وفتح الدال المهملة اسم لبلدة قم الطيبة في أيام الفرس فلما فتحها المسلمون
اختصروا، فسموها قما.
قال النجاشي: موسى بن جعفر الكميذاني أبو علي من قرية من قرى قم. رجال النجاشي:
406 رقم 1077.
أثبته السمعاني (الكميدان) عند ذكر القمي. الأنساب: 4 / 543 وأثبته صفي الدين
البغدادي (كمندان) مصرحا بأنها اسم قم في أيام الفرس. مراصد الاطلاع: 3 / 1178.
237

إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم) (1).
أقول: لا إشكال في الأول والأخيرين فإنهم من المشائخ الأثبات، و
الأجلاء الثقات.
قال النجاشي في ترجمة الأول: (محمد بن يحيى العطار القمي، شيخ أصحابنا
في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث) (2).
وتبعه العلامة في الخلاصة (3).
وفي رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام: (روى عنه الكليني، قمي، كثير
الرواية) (4).
وفي الرابع: (أحمد بن إدريس، أبو علي الأشعري، كان ثقة، فقيها في
أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية، له كتاب النوادر، ومات بالقرعاء،
سنة ستة وثلاثمائة من طريق مكة، على طريق الكوفة) (5).
وفي الأخير: (علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، أبو الحسن، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتبا وأضر في وسط
عمره (6) نعم، يقع الاشكال في الثانيين (7)، فإنهما غير موثقين، بل لم يتعرض لثانيهما

(1) الخلاصة: 271.
(2) رجال النجاشي: 353 رقم 946.
(3) الخلاصة: 157، رقم 110.
(4) رجال الطوسي: 495 رقم 24.
(5) رجال النجاشي 92 رقم 228.
(6) رجال النجاشي 260 رقم 680.
(7) أي: علي بن موسى الكمنذاني وداود بن كورة.
238

النجاشي رأسا، نعم، ذكر الشيخ في الرجال والفهرست: (إن داود بن كورة
القمي، بوب كتاب النوادر، لأحمد بن محمد بن عيسى) (1).
كما ذكر النجاشي: (أنه هو الذي بوب كتاب النوادر، وكتاب المشيخة
للحسن بن محبوب، على معاني الفقه) (2).
ولكن الظاهر، بل بلا إشكال، ثبوت وثاقتهما أيضا، فإن الظاهر أنهما من
مشائخ الكليني وهؤلاء المشائخ، غير محتاجين إلى التوثيق، ويكفي في ثبوت
وثاقتهم، بل جلالة قدرهم، اعتماد الأجلة عليهم وإكثار الرواية عنهم.
ومن هنا استظهار التعليقات جلالة داود (3)، مع ما عرفت.
قال: (وقال: كلما ذكرت عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي
فهم: علي بن إبراهيم، وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة، وأحمد ابن عبد الله
ابن أمية، وعلي بن الحسن) (4).
أقول: لا إشكال في الأول، كما يظهر مما مر، وأما الثانيان، فهما غير معنونين
في الرجال.
وأما عن المعراج، من نفي البعد عن كون أحمد المذكور، أحمد بن عبد الله ابن
بنت البرقي، نظرا إلى ما ذكره في الفهرست، في ذكر الطريق إلى كتب البرقي من
قوله: (قال الحسن بن حمزة العلوي: حدثنا أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي
قال: حدثنا جدي أحمد بن محمد) حاكيا عن المحقق الشيخ محمد الميل إليه كما
حكى التصريح به عن بعض آخر.

(1) رجال الطوسي: 472 رقم 2 والفهرست: 68 رقم 272.
(2) رجال النجاشي: 158، رقم 416.
(3) تعليقه الوحيد على منهج المقال: 138.
(4) رجال العلامة: 272.
239

فينافيه ما ذكره الصدوق، في ذكر طريقه إلى محمد بن مسلم من قوله: (وما
كان فيه، عن محمد بن مسلم، فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد الله بن
أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده: أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن
أبيه محمد بن خالد) (1).
وكيف كان فيهون الخطب في الجهالة، ما تقدم.
ثم إن طريقة الكليني على النقل عن العدة بلا واسطة، ولكن روى في باب
الحركة والانتقال من الأصول، مع الواسطة. فقال: (عنه عن عدة من أصحابنا،
عن أحمد بن محمد بن خالد) (2).
والظاهر أنه زيادة من النساخ ويشهد عليه، مضافا إلى ما مر: أنه كسابقه
راجع إلى علي بن محمد الراوي عن سهل بن زياد الواقع في السند السابق، و
علي بن محمد المذكور من العدة الثالثة اللاحقة.
ويؤيده: أن مقتضى السياق، ذكره مع واو العطف، كما هو الحال في سابقه،
وذكر هنا مع أنه به أولى بدونها.
وأما الأخير، فالظاهر انطباق النسخ على ضبطه بكرا.
واستظهر جدنا السيد: (أنه علي بن الحسين السعدآباذي (3)، نظرا إلى

(1) من لا يحضره الفقيه: 4 / 6. (قسم المشيخة).
(2) الكافي: 1 / 126 ح 5.
(3) في الفهرست والرجال للشيخ، والكافي، كما يأتي، (السعد آبادي) والمؤلف أثبته
(السعدآباذي) كما في الخلاصة. قال المامقاني: (والسعد آبادي: نسبة إلى سعد آباد، بليدة في
طبرستان... السعد آبادي بالسين والعين والدال المهملات ثم همزة مفتوحة والف وباء موحدة
ودال مهملة وياء النسبة. فما صدر من العلامة رحمه الله، من إبدال الدال الثاني ذالا معجمة، إما سهو
من قلمه الشريف، أو لجعله إياه علامة التعريب، فتأمل.
وأما إبدال الحسين مصغرا، بالحسن مكبرا، كما فيما عثرنا عليه من نسخ الخلاصة، فسهو
القلم قطعا. تنقيح المقال: 2 / 281.
240

ما ذكره الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام: (من أن علي بن الحسين السعدآباذي
روى عنه الكليني والزراري، وكان معلمه) (1).
وأنه روى عن أحمد بن محمد بن خالد، على ما يظهر مما ذكره في الفهرست
فإنه - بعد أن ذكر أسامي كتب البرقي - قال: (أخبرنا بهذه الكتب كلها، وبجميع
رواياته عدة من أصحابنا، منهم: الشيخ المفيد، والغضائري، وأحمد بن عبدون
وغيرهم، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري، قال: حدثنا مؤدبي، علي بن
الحسين السعدآباذي أبو الحسن القمي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله) (2).
(انتهى).
قال: (وأحمد بن أبي عبد الله هو البرقي، كما يظهر ذلك من طريق الصدوق
إلى أحمد بن محمد البرقي (3)، وإسحاق بن يزيد (4)، وبزيع المؤذن (5)، والحسن
ابن زياد الصيقل (6)، وسليمان بن جعفر الجعفري (7)، إذ في جميع ذلك وغيرها من
الطرق الكثيرة:
روى علي بن الحسين السعدآباذي، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي

(1) رجال الطوسي: 484 رقم 42.
(2) الفهرست: 20، رقم 55.
(3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 26. (قسم المشيخة).
(4) من لا يحضره الفقيه: 4 / 95. (قسم المشيخة).
(5) من لا يحضره الفقيه: 4 / 59. (قسم المشيخة).
(6) من لا يحضره الفقيه: 4 / 24. (قسم المشيخة).
(7) من لا يحضره الفقيه: 4 / 42. (قسم المشيخة).
241

(انتهى).
وقد أجاد فيما أفاد، ويشهد عليه ملاحظة الأسانيد، كما روى في كتاب
التوحيد، في باب ما جاء في الرؤية بقوله: (حدثنا محمد بن متوكل رضي الله عنه، قال:
حدثنا علي بن الحسين السعدآباذي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه
محمد بن خالد) (1).
ونحوه ما فيه: في باب نفي الجبر والتفويض (2).
وكذا: في باب الأمر والنهي والوعد والوعيد (3).
وفيه: في باب نفي المكان والزمان: (حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا علي
ابن الحسين بن السعدآباذي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي) (4).
ويروي بلا واسطة أيضا، كما في الأمالي في المجلس الخامس والأربعين:
(حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن
جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد) (5).
ثم إن الظاهر أنه من المشائخ المعتمدين في الإجازة وغيرها، كما ينصرح مما
ذكره الشيخ الجليل أبو غالب الزراري في رسالته المعمولة في آل أعين، قال في
ذكر طريقه إلى بعض الكتب: (وحدثني مؤدبي أبو الحسن علي بن الحسين
السعدآباذي به، وبكتب المحاسن، إجازة عن أحمد بن أبي عبد الله، عن

(1) كتاب التوحيد للصدوق: 118 ح 22.
(2) كتاب التوحيد: 360 ح 3.
(3) كتاب التوحيد: 408 ح 7.
(4) كتاب التوحيد: 174 ح 3.
(5) أمالي الصدوق: 222 ح 18.
242

رجاله) (1).
وقد عرفت من رجال الشيخ، من أنه روى عنه الكليني، والزراري (2)، بل
عرفت منه، ومن نفسه، من أنه كان معلمه ومؤدبه.

(1) رسالة أبي غالب الزراري: 162 رقم 14.
(2) رجال الطوسي 484 رقم 42.
243

تنبيه
قد ذكر في الفهرست (1) والخلاصة (2): توقيعا من مولانا أبي محمد عليه السلام في أبي
طاهر الزراري
وذكر في الكنى: (أن أبا طاهر الزراري، كنية لمحمد بن عبيد الله بن أحمد بن
محمد بن سليمان) (3).
فيتوهم منه أن التوقيع في ابن ابنه. وبه صرح الفاضل في الوسيط (4).
وفيه نظر، لأن المصرح به في كلام النجاشي، أن ولادة أحمد، في سنة خمس
وثمانين ومائتين (5) ووفاة مولانا أبي محمد الحسن عليه السلام في سنة ستين
ومائتين (6)، فيكون وفاته عليه السلام قبل ولادة أحمد، بخمس وعشرين سنة.
فكيف يمكن أن يقال: أن التوقيع منه، إلى ابن ابنه.
والحق أنه توهم، نشأ من الاشتراك في الكنية. ولما لم يجعل الفاضل المذكور،
(أبا طاهر) كنية لغير (محمد بن عبيد الله)، جعل التوقيع فيه، فيه.

(1) الفهرست: 31 رقم 84.
(2) الخلاصة: 100 رقم 46.
(3) راجع: رجال النجاشي: 398 رقم 1064، الخلاصة: 156، رجال ابن داود: 175
رقم 1417، منتهى المقال: 346 و 280، منهج المقال: 91 3 و 297، إتقان المقال: 274، رجال
بحر العلوم: 1 / 156، هداية المحدثين: 287 و....
(4) الوسيط: 225. هو مخطوط لم يطبع إلى الان، راجع رجاله الكبير أيضا المسمى بمنهج
المقال: 391.
(5) رجال النجاشي: 83، رقم 201.
(6) الكافي: 1 / 503.
244

والتحقيق أنه، في محمد بن سليمان الذي هو والد أحمد المذكور، فالتوقيع في
الوالد، لا في ابن ابن الولد، لأنه كنية له أيضا.
كما صرح به النجاشي: (قال محمد بن سليمان، أبو طاهر الزراري، ثقة، عين،
وله إلى مولانا أبي محمد عليه السلام مسائل والجوابات (1).
ويشهد عليه أيضا، ما ذكره في تاريخ ولادته، حيث قال: (مولده سبع
وثلاثين ومائتين) (2).
فيكون عمره حين وفاة مولانا عليه السلام، ثلاث وعشرين سنة، وعاش بعده
إحدى وأربعين سنة.
وهكذا ينبغي تحقيق الحال في المقام:
أقول: ذكره جدنا السيد العلامة - أعلى الله تعالى في دار المقام مقامه - فقد
أجاد فيما أفاد.
وصرح بما في الوسيط، في الكبير أيضا قال: (أبو طاهر الزراري، قد تقدم في
أحمد بن محمد بن سليمان، خروج توقيع فيه، فأما الزراري - رعاه الله - اسمه،
محمد بن عبيد الله بن أحمد، ثقة (3).

(1) رجال النجاشي: 347، رقم 937.
(2) نفس المصدر.
(3) منهج المقال: 391. قال المحقق الخوئي - بعد نقل كلامه هذا -: (في كلامه -
قدس الله نفسه - خلط واضح، فإن أبا طاهر، كنية لشخصين، أحدهما محمد بن سليمان، كما
صرح به فيما رواه الشيخ في الغيبة في التوقيعات، وثانيهما محمد بن عبيد الله هذا، لم يرد فيه
توقيع، إنما التوقيع، ورد في أحمد بن محمد بن سليمان... وهو لا يكنى بأبي طاهر، وإنما كنيته أبو
غالب). معجم رجال الحديث: 16 / 268 رقم 11193، وقريب منه في: 21 / 200،
رقم 14409.
245

ويدل على إطلاق (أبي طاهر) عليه أيضا، كما مر غير واحد من كلمات
أبي غالب في رسالته، كما قال في ذكر طريقه إلى كتاب عبد الله بن علي الحلبي
(حدثني به جدي أبو طاهر، محمد بن سليمان) (1).
ونحوه ما ذكر في طريقه إلى كتاب الطرائف لمحمد بن سنان (2).
وكذا إلى كتاب نوادره (3).
وقال في ذكر طريقه إلى كتاب عبد الرحمن بن الحجاج: (حدثني به، أبو طاهر
جدي رحمه الله) (4).
وذكر نحوه أيضا في ذكر طريقه إلى كتاب داود بن سرحان (5).
وكذا إلى كتاب الشهادات للحسين بن سعيد (6).
وقال: (كان جدي أبو طاهر، أحد رواة الحديث) (7). - إلى أن قال -:
(ومات جدي محمد بن سليمان، في غرة المحرم) (8).
وليته صنع في إثبات بعض مطالبه على نحو ما صنعناه، ولكن الظاهر أنه
لم يكن عنده رسالة أبي غالب.
وكيف كان: أنه يرد عليه وعلى غيره في المقام إشكالات:

(1) رسالة أبي غالب: 162 رقم 17.
(2) رسالة أبي غالب: 172 رقم 66.
(3) رسالة أبي غالب: 174 / 79.
(4) رسالة أبي غالب: 163 رقم 22.
(5) رسالة أبي غالب: 164 رقم 25.
(6) رسالة أبي غالب: 164 رقم 26.
(7) رسالة أبي غالب: 148 رقم 9.
(8) رسالة أبي غالب: 149.
246

الأول: إن ما يظهر منه (1)، وعن الخلاصة (2)، والفاضل (3)، في عنوانهما
(أحمد بن محمد بن سليمان) أن (محمد بن سليمان) والد (أحمد).
ليس على ما ينبغي، بل هو جده، بشهادة التصريح به في غير موضع من
الرسالة، كما مضى وأهل البيت أدرى.
وقال فيها أيضا في موضع: (ومات أبي محمد بن محمد بن سليمان، وسنه نيف و
عشرون سنة) (4).
وفي موضع آخر: (ومات جدي محمد بن سليمان في غرة المحرم سنة
ثلاثمائة) (5).
وفي ثالث: (وكانت الكتب، ترد بعد ذلك على جدي محمد بن سليمان) (6).
مضافا إلى أنه مقتضى ما عنونه النجاشي بقوله: (أحمد بن محمد بن محمد ابن
سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين بن سنسن (7)، أبو غالب الزراري).
ومنشأه، سقوط أحد المحمدين، أو إسقاطه، لظن التكرار الفاسد.

(1) منهج المقال: 44.
(2) الخلاصة: 17 رقم 22.
(3) المجمع: 1 / 148.
(4) رسالة أبي غالب: 149.
(5) نفس المصدر.
(6) رسالة أبي غالب: 124.
(7) سنسن: - بالسين المضمومة قبل النون الساكنة وضم السين الثانية -. تنقيح المقال:
1 / 93 رقم 532 ورجال العلامة: 17 رقم 22 و 76 رقم 2، إيضاح الاشتباه: 189 و 101،
توضيح الاشتباه: 161 ورجال ابن داود: 43 رقم 125 و 57 رقم 260.
247

الثاني: إنه يظهر منه ومن غيره، أن التوقيع كان من مولانا أبي محمد الحسن
العسكري عليه السلام، وعليه بنى ذكر زمان الوفاة، كما قال في الخلاصة تبعا للفهرست
(أبو غالب الزراري، وهم البكريون وبذلك كان يعرف إلى أن خرج توقيع من
أبي محمد الحسن عليه السلام ذكر فيه أبي طاهر (1)، (الزراري) وأما الزراري رعاه الله
فذكروا أنفسهم بذلك) (2).
مع أن المنصوص، في الرسالة أنه كان من مولانا أبي الحسن الثالث علي النقي
الهادي عليه السلام قال فيها: (وأول من نسب منا إلى زرارة، جدنا سليمان، نسبه سيدنا
أبو الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليه السلام وكان إذا ذكر في توقيعاته إلى
غيره قال: (الزراري) تورية عنا وسترا، ثم اتسع ذلك وسمينا به.
قال: وكان عليه السلام يكاتبه في أمور له بالكوفة وبغداد) (3).
بل يظهر منها المخالفة لما ذكراه من وجوه، كما أن الظاهر أن ما ذكراه من قولها
(وهم البكريون) اشتباه من (البكيرين) بالتصغير، بناء على ثبوت الاشتهار به،
وإلا فإن مقتضى صريح الرسالة، الاشتهار بولد الجهم (4)، قبل الانتساب
المذكور، قال في جملة كلام له: (وكانت أم الحسن بن الجهم، ابنة عبيد بن زرارة

(1) كذا بخط المؤلف والصحيح أبا طاهر.
(2) الفهرست: 31 رقم 84، الخلاصة: 17 رقم 22.
(3) رسالة أبي غالب: 117.
(4) الجهم: بفتح الجيم، وإسكان الهاء. رجال العلامة: 37 رقم 5، إيضاح الاشتباه:
101، و 136 و 191، توضيح الاشتباه: 101، 114 وتنقيح المقال: 1 / 197 رقم 1585.
248

ومن هذه الجهة نسبتنا إلى زرارة، ونحن من ولد بكير، وكنا قبل ذلك، نعرف
بولد الجهم) (1).
الثالث: إنه ذكر في الخلاصة (2) ما عرفت من الفهرست مع تبديل (الزراري)
ب‍ (الرازي) على ما هو الموجود من النسخة، مع أنه اشتباه ظاهر.
هذا، والظاهر انحصار أشخاص العدة بما مر، وأما ما ذكره في المنتقى: (من
دخول محمد بن يحيى العطار أيضا، نظرا إلى اتفاق ذكره في أول حديث ذكره
في الكتاب، وظاهره أنه أحال الباقي عليه) (3) فأشبه شئ بالاجتهاد في مقابلة
النص.
قال: (وقال كلما ذكرت عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، فهم: على بن
محمد بن علان (4)، ومحمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل
الكليني).
أقول: قد ذكر الفاضل الأسترابادي في المنهج: (اتفقت النسخ، على علي بن
محمد بن علان، وفي الرجال علي بن محمد المعروف بعلان، فكأنه علي بن محمد
علان) (5).
واعترض عليه جدنا السيد العلامة (6): (بأن الظاهر، صحة ما ذكره في

(1) رسالة أبي غالب: 116 رقم 4.
(2) الخلاصة: 156 رقم 105.
(3) منتقى الجمان: 1 / 43.
(4) علان: بالعين المفتوحة واللام المشددة. تنقيح المقال: 1 / 48 رقم 277 ورجال ابن
داود: 35 رقم 54 وإيضاح الاشتباه: 221 و 150 وتوضيح الاشتباه: 24 و 131.
(5) منهج المقال: 237.
(6) المراد منه السيد محمد باقر الشفتي صاحب (مطالع الأنوار) المتوفى 1260. قد أشرنا
إليه سابقا.
249

الخلاصة، نظرا إلى أن الظاهر: أن علان، لقب لأربعة: محمد بن إبراهيم وابنه:
علي بن محمد، وأخيه: أحمد بن إبراهيم، وأبيه: إبراهيم).
أما الأول: فلما في رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام: (محمد بن إبراهيم،
المعروف بعلان الكليني خير) (1).
ومثله في الخلاصة (2).
وأما الثاني: فلما في النجاشي: (علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي
الكليني المعروف بعلان) (3).
ومثله، الخلاصة (4).
وأما الثالث: فلما في رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (أحمد بن إبراهيم،
المعروف بعلان، الكليني، خير، فاضل، من أهل الري) (5).
ومثله الخلاصة (6).
وأما الرابع: فلما نبه عليه الفاضل الأستاذ بقوله: (والظاهر، أنه لقب إبراهيم
نفسه، فعلى هذا، علي بن محمد بن إبراهيم، متحد مع علي بن محمد بن علان
تارة: ذكر والد محمد، باسمه، كما في الرجال.
وأخرى: بلقبه، كما في بيان العدة، فلا اشتباه).
أقول: إنه لا دليل على الإطلاق على إبراهيم، فإن غاية ما يثبت من كلام

(1) رجال الطوسي: 496 رقم 29.
(2) الخلاصة: 148 رقم 49.
(3) رجال النجاشي: 260 رقم 682.
(4) الخلاصة: 100 رقم 47.
(5) رجال الطوسي: 438 رقم 1.
(6) الخلاصة: 18 رقم 31.
250

الشيخ والنجاشي، الإطلاق على محمد وابنه وأخيه، وأما على إبراهيم، فغير
ثابت. ومن هنا، عدم استدلال المستدل أيضا بكلام منهم.
وأما استدلاله باستظهار الإطلاق من الفاضل المشار إليه، فغير جيد.
وذلك: لأن الظاهر، بل بلا إشكال، أنه من الاستظهار مما مر من الكلمات،
ولا دلالة فيها عليه بوجه، بل الظاهر، أنه لو ثبت الاستظهار فيه، لا نهدم
الاستظهار فيما عداه.
وذلك: لأن الظاهر، أن نظره إلى أن القيود المذكورة في التراجم، وإن كان
الظاهر منها رجوعها إلى المذكور بالأصالة، ولكن ربما يظهر الخلاف من أمارة
خارجية، كما هو الحال في المقام.
وذلك: لأنه لما ذكر الاشتهار ب‍ (علان) في تراجم ثلاثة، وذكر في كل واحد
منها إبراهيم، ولعل من البعيد ثبوت الاشتهار في الكل، فالظاهر الاختصاص به.
ويؤيده، أنه ذكر في ترجمة علي بن محمد: أنه قتل علان، في طريق مكة وكان
استأذن الصاحب - عجل الله تعالى فرجه - فخرج: (توقف عنه في هذه السنة)،
فخالف.
فإن ظاهره انحصار الإطلاق، وإلا لقيده، إلا أنه إنما ينتهض، لو كان سياق
التراجم، على نهج واحد من الاحتمال بين الرجوع إلى المعنون، أو الأخير.
ولكن لا مجال في المقام للأخير، بلحاظ ما ذكر في كلام النجاشي المذكور
في علي بن محمد، فإن المذكور فيه أخيرا، أبان، وما احتمل المستدل ولاغيره،
احتمال التعلق به. ودعوى أنه لجهالته، كعدمه مدخولة.
نعم، إنه عده الفاضل العناية، ممن يلقب به، استنادا إلى ما في طريق علي بن
251

محمد بن إبراهيم (1).
وفيه ما فيه، فإنه ذكر النجاشي في الطريق إليه: (أخبرنا محمد، عن جعفر بن
محمد، عن علي بن محمد، فقال: وقتل علان) (2) - إلى آخر ما مر -.
وظهر مما مر، ما في كلام المنهج: من أن في الرجال، علي بن محمد، المعروف
بعلان (3).
وكيف كان، فالظاهر أن التعيين فيه، بشهادة مساعدة الطبقة، لأنه من زمان
الغيبة الصغرى - كما يظهر مما مر - مضافا إلى ما تقدم من النجاشي من التوصيف
بالرازي، والكليني.
وحينئذ، لا إشكال في وثاقته، لتصريح النجاشي قال: (علي بن محمد بن
إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف بعلان، يكنى أبا الحسن، ثقة، عين، له
كتاب أخبار القائم، هذا) (4).
وأما الثاني: فالظاهر، وفاقا للمنهج وغيره، أن المراد به، محمد بن جعفر
الأسدي، لما يظهر من النجاشي، فإنه قال: (محمد بن جعفر بن محمد بن عون
الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الري، يقال له: محمد بن أبي عبد الله، كان
ثقة، صحيح الحديث، إلا أنه يروي عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر
والتشبيه) (5).
وأما ذكره (من القول بالجبر والتشبيه) فالظاهر أنه غير وجيه، والظاهر أنه

(1) مجمع الرجال: 4 / 214.
(2) رجال النجاشي: 260 رقم 682.
(3) منهج المقال: 237.
(4) رجال النجاشي: 260 رقم 682.
(5) رجال النجاشي: 373 رقم 1020.
252

من الأجلة كما هو على الخبير غير ستير.
ولقد أجاد جدنا السيد العلامة، في استظهاره أنه من الثقات، والأجلاء
المعتمدين.
وأما الثالث: فجرى في المنهج، على أنه (الصفار).
وتبعه جدنا السيد العلامة قدس سره، نظرا إلى أنه، في طبقة ثقة الإسلام، وعمر بعد
موته، بتسع أو ثمان وثلاثين سنة، لأن النجاشي والعلامة، قالا: (إن محمد بن
الحسن هذا، مات في سنة تسعين ومائتين) (1).
وموت ثقة الإسلام، في سنة تسع أو ثمان وعشرين وثلاثمائة، وأن روايته
عنه، في أول سند الكافي أكثر من أن تحصى، ولم يقيده في شئ من المواضع.
ويظهر من عدم تقييده، أنه واحد، وهو إما الصفار، أو محمد بن الحسن
البرناني ونحوه، ممن كان في طبقته. ويبعد في الغاية، روايته عنه مع مجهولية
حاله، دون الصفار الذي من الأعاظم.
مضافا إلى أنه، يروي الكليني كثيرا عن محمد بن الحسن، وعلي بن محمد ابن
بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، كما في باب قلة عدد المؤمنين (2) وباب النبيذ من
كتاب الأشربة (3) وغيرهما، وهو إبراهيم بن إسحاق الأحمر، كما هو المصرح به
في غير موضع.
وقد ذكر في الفهرست في إبراهيم: (ان محمد بن الحسن الصفار يروي عنه) (4).
وجرى الحبر النحرير في المستدرك، على خلاف المقالة المذكورة، ناظرا

(1) رجال النجاشي: 354 رقم 948، الخلاصة: 157 رقم 112.
(2) الكافي: 2 / 242 ح 4.
(3) الكافي: 6 / 417 ح 7.
(4) الفهرست: 8 رقم 14.
253

في الوجوه المزبورة، واستدلالا على الخلاف، بوجوه سبعة (1).
ولما لم يكن تحقيق المقام مهما، أعرضت عنه صفحا، وطويت عن غره
كشحا.
وأما الأخير: (2) فهو غير مذكور في الرجال، إلا أن الكلام فيه يظهر مما مر.
ثم إن المحكي عن السيد السند النجفي رحمه الله، أشعار في ضبط العدة ومن يروون
عنه، لا بأس بذكرها وهي هذه:
عدة أحمد بن عيسى بالعدد * خمسة أشخاص بهم تم السند
علي العلي والعطار * ثم ابن إدريس وهم أخيار
ثم ابن كورة، كذا ابن موسى * فهؤلاء عدة ابن عيسى
وإن عدة التي عن سهل * من كان الأمر فيه غير سهل
ابن عقيل وابن عون الأسدي * كذا علي بعده مع محمد
وعدة البرقي وهو أحمد * علي بن الحسن وأحمد
وبعد ذين ابن أذينة علي * وابن لإبراهيم واسمه علي
بقى أنه ربما يروي بتوسط العدة عن غير المذكورين:
ففي باب النهى عن الاسم: (عدة من أصحابنا، عن جعفر بن محمد، عن
الفضال) (3).
وفي باب الغيبة: (عدة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله) (4).

(1) خاتمة المستدرك: 543.
(2) أي: علي بن إبراهيم بن هاشم.
(3) الكافي: 1 / 333 ح 1.
(4) الكافي: 1 / 341 ح 23
254

ونحوه أيضا بعد ذكر خبر (1).
وفي باب الدعاء عن العلل: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا،
عن أحمد بن محمد بن إسماعيل جميعا، عن حنان بن سدير) (2).
وأظنه من أحفاد ابن بزيع (3).

(1) الكافي: 1 / 341 ح 25.
(2) الكافي: 2 / 565 ح 5.
(3) هذا بعيد من المؤلف مع تضلعه في الرجال حيث خفى عليه بأن أحمد بن محمد بن
إسماعيل مصحف قطعا والصحيح: أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير.
كما في الكافي: 2 / 79 ح 2، (باب العفة)، 2 / 466 ح 2، (باب فضل الدعاء)، 2 / 565 ح
5 (باب الدعاء للعلل)، 4 / 399 ح 2، (باب قطع تلبية المتمتع)، 4 / 355 ح 10، (باب
الطيب للمحرم)، 4 / 271 ح 2، (باب أنه لو ترك الناس الحج)، 4 / 417 ح 7، (باب السهو في
الطواف)، 4 / 501 / ح 10، (باب الأكل من الهدى الواجب)، 5 / 130 ح 4، (باب ما يحل
لقيم مال اليتيم)، 5 / 327 ح 5، (باب من وفق الله له زوجة صالحة)، 6 / 239 ح 2، (باب
ذبائح أهل الكتاب)، 6 / 411 ح 16، (باب أن رسول الله صلى الله عليه وآله حرم كل مسكر)، 6 / 415 ح
1، (باب النبيذ)، 6 / 541 ح 4، (باب آلات الدواب)، 8 / 245 ح 340، وكذا في التهذيب:
5 / 111 ح 360، 5 / 226 ح 763، 6 / 340 / ح 951 و 6 / 358 ح 1026 والاستبصار:
2 / 274 ح 972 و 3 / 60 ح 200.
وأحمد بن محمد هذا، هو أحمد بن محمد بن عيسى الذي يروي عنه الكليني مع الواسطة.
ومحمد بن إسماعيل أيضا، هو محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي يروي عن حنان ابن سدير
ويروي عنه، أحمد بن محمد بن عيسى.
كما في الكافي: 2 / 86 ح 3، (باب الاقتصاد في العبادة)، 2 / 77 ح 6، (باب الورع)،
2 / 152 ح 11، (باب صلة الرحم)، 7 / 164 ح 2، (باب آخر منه بعد باب آخر من ميراث
ولد الزنا)، 7 / 174 ح 1، (باب الرجل يجب عليه الحد وهو مريض) والتهذيب: 10 / 146 ح
577.
وأيضا في الكافي: 2 / 163 ح 19، (باب البر بالوالدين)، 3 / 152 ح 2 (باب الجريدة)،
6 / 497 ح 8 (باب الحمام) و 7 / 362 ح 7 (باب القسامة) والتهذيب: 10 / 168 ح 664.
وقال السيد الخوئي قدس سره بعد نقل روايات أحمد بن محمد بن إسماعيل: (فلم يثبت وجود
لأحمد بن محمد بن إسماعيل، لوقوع التحريف في جميع الموارد). معجم رجال الحديث:
2 / 250 رقم 826.
255

وربما يروي على الوجه المذكور، ولكن مع الواسطة، كما في باب النوادر بعد
باب لزوم الحجة على العالم: (محمد بن محمود، عن عدة من أصحابنا، منهم:
جعفر بن محمد الصيقل) (1).
وأما ما عن باب البطيخ (2)، وباب ما يلزم من يحفر البئر من باب
الديات (3)، فليس من هذا الباب موضوعا، كما في الأول. وحكما، كما في
الثاني (4).
وربما اتفق انتهاء السند إلى العدة بعد اتفاق الابتداء به، كما في باب حسن
الصحابة (5).

(1) الكافي: 1 / 49 ح 5.
(2) الكافي: 6 / 361 ح 2.
(3) الكافي: 7 / 349 لم نجد في الباب المذكور ما يدل عليه الظاهر أن مراده (باب ضمان)
ما يصيب الدواب) الذي وقع بعد باب المذكور.
(4) الظاهر أن المراد من خروجه موضوعا، ما رواه الكليني في باب البطيخ: (محمد بن
يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله
عليه السلام). الكافي:
6 / 361 ح 2.
والمراد من خروجه حكما ما رواه في باب ضمان ما يصيب الدواب وما لا ضمان فيه من ذلك
بعد الذي ذكره إي: (ما يلزم من يحفر البئر): (علي بن إبراهيم، عن أبيه عن شيخ من
أهل الكوفة، عن بعض أصحابنا). الكافي: 7 / 351 ح 5.
(5) الكافي: 2 / 670 ح 4. وكذا في (باب كراهة تجمير الكفن): 3 / 147 ح 2 و (باب
النوادر بعد باب الأطفال): 3 / 251 ح 5 و (باب حج إبراهيم وإسماعيل): 4 / 207 ح 7
(السند معلق على سابقه) و (باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة): 5 / 72 ح 12 و (باب نوادر
في المهر): 5 / 382 ح 18.
256

ورواية العدة عن أحمد بن محمد، عن عدة أخرى، كما في باب الدعاء للكرب
والهم والخوف (1).
ورواية العدة عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد معا، كما في صدر باب الدعاء
للدين (2).
ثم إنه ربما يروي معبرا بلفظ الجماعة، كما وقع في باب الصلاة كثيرا (3).
وفي غيره نادرا.
ومنه ما في باب العقل والجهل: (جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن
عيسى) (4).
وربما يقرب إليه، ما في باب زكاة مال الغائب: (غير واحد من أصحابنا، عن
سهل بن زياد، عن علي بن مهزيار) (5).

(1) الكافي: 2 / 558 ح 8. لا يخفى أن هذا السند معلق على السند الرقم 7.
كذا في (باب من تكره معاملته): 5 / 159 ح 9 و (باب ما يستحب أن تطعم): 6 / 22 ح 4 و
(باب تأديب الولد): 6 / 46 ح 2 و (باب النوادر): 6 / 196 ح 12 و (باب السكر): 6 / 334 ح
9 و (باب السفرجل): 6 / 358 ح 7 و (باب السواد والوسمة): 6 / 483 ح 5 ونوادر في
الدواب: 6 / 541 ح 19.
(2) الكافي: 1 / 23 ح 15.
(3) راجع: الكافي (باب فضل الصلاة): 3 / 266 ح 8 و (باب من حافظ على صلاته):
3 / 268 ح 4 و (باب بدء الأذان): 3 / 306 ح 26 و....
(4) الكافي: 1 / 23 ح 15. وكذا في: 8 / 50 ح 12، حديث تأويل الشمس والغاشية.
(5) الكافي: 3 / 521 ح 11.
257

ولا يبعد أن يكون الحال، على منوال ما تقدم من التفصيل.
نعم، لو روى عن الجماعة، عن غيرهم، فيشكل الحال، إلا أن المهون،
ما تقدم من المقال.
كما أنه روى في التهذيب، في غير مورد، عن جماعة، عن هارون بن موسى
كما في باب تلقين المحتضرين وتوجيههم (1). وغيره (2).
وعن السيد السند النجفي: (أن مراده بهم: الشيخ المفيد، والحسين بن عبيد
الله، وابن عبدون، وابن أبي جيد) (3).

(1) التهذيب: 1 / 321 ح 102.
(2) راجع: التهذيب: 1 / 26 ح 67، 117 ح 308، 122 ح 324، 129 ح 352، 152
ح 433، 163 ح 468، 166 ح 475، 174 ح 498، 176 ح 504 و 179 ح 514 و....
(3) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 105.
258

الفائدة الثانية
[في تعرض العلامة لطرق الشيخ في التهذيبين]
إنه (1) تعرض في الثامنة، لبيان حال طرق الشيخ في التهذيبين، فذكر الأكثر
وأسقط الاخر.
فذكر طريقه إلى الكليني، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم
ومحمد بن يحيى العطار، والحسين بن محمد، ومحمد بن إسماعيل وحميد بن زياد،
وأحمد بن محمد بن خالد، وفضل بن شاذان، والحسين بن سعيد، والأشعري و
محمد بن علي بن محبوب، وسعد بن عبد الله، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد
ابن علي بن الحسين بن بابويه، وجعفر بن محمد بن قولويه، وموسى بن القاسم
ويونس بن عبد الرحمان، وعلي بن مهزيار، وعلي بن جعفر، والبرقي، و
البزوفري، والأنباري، والحسن بن محبوب، والحسن بن محمد بن سماعة، وحكم
بالصح فيما عد الأخيرين وبالحسن في أولهما، إلا مما أخذ من كتبه ومصنفاته فهو
كالسابق، وبالقوي في الأخير، تعليلا بأن في طريقه: حميد بن زياد، فإنه وكذا

(1) الضمير راجع إلى العلامة الحلي.
259

الحسن، ثقتان، واقفيان (1).
ثم ذكر طريقه في الاستبصار، فصنع بمثل ما تقدم من غير فرق في المضمار.
أقول: ويتوجه عليه.
أولا: إن ذكر الطرق من الكتابين، مع ظهور اتحاد المشيختين، لا وجه له،
لظهور كفاية أحدهما عن الاخر.
مضافا إلى ما في سياق عباراته، مما لا يخفى على الخبير.
وثانيا: إن ما جرى على تحسين الطريق إلى الحسن بن محبوب، ونظائره، من
جهة الاشتمال على علي بن إبراهيم بن هاشم.
والأظهر وفاقا لغير واحد من المتأخرين، التصحيح، وذلك: لظهور أن المدار
فيه، على ثبوت الإمامية والوثاقة، وهما ثابتان فيه بلا غضاضة.
بل الظاهر أنه من مشائخ الإجازة، وهم في أعلى درجات العدالة، فضلا عن
الوثاقة.
مضافا إلى ما يظهر من اعتماد غير واحد من الأجلة عليه، كالمحمدين
الثلاثة (2) في كتبهم الأربعة وغيرها. وأضرابهم، كسعد بن عبد الله، ومحمد بن
الحسن بن الوليد، ومحمد بن يحيى العطار، ووالد الصدوق، والشيخ المفيد
وولده الجليل، وغيرهم من الأعاظم.
ولقد أجاد السيد الداماد فيما ذكر بعد ما جرى على التصحيح، مصرا فيه:
(من أن أمره أجل، وحاله أعظم من أن يتعدل أو يتوثق بمعدل وموثق غيره، بل
غيره يتعدل ويتوثق بتعديله وتوثيقه إياه.

(1) الخلاصة 276.
(2) أي: محمد بن يعقوب الكليني مؤلف الكافي، محمد بن الحسن الطوسي مؤلف
التهذيب والاستبصار، ومحمد بن علي الصدوق مؤلف من لا يحضره الفقيه.
260

كيف وأعاظم أشياخنا الفخام، كرئيس المحدثين الصدوق، والمفيد، وشيخ
الطائفة، وأضرابهم، أجل من أن يظن بأحد منهم أنه قد احتاج إلى توثيق
موثق (1).
هذا، مضافا إلى ما ذكر في ترجمته: (من أنه أول من نشر أحاديث الكوفيين
بقم) (2).
وكل من الموضوع والمحمول، ولا سيما الاجتماع، يكشف عن ثبوت المرام.
ولقد أجاد من قال: (إنه لفظة شاملة، وكلمة جامعة، وكل الصيد في جوف
الفراء).
فالصحيح هو التصحيح، بل جرى نفسه عليه أيضا في جملة من طرق
الصدوق، كطريقه إلى عامر بن نعيم (3)، وكردويه (4)، وياسر الخادم) (5).
ومن العجيب أنه جرى على التحسين، في طريق الصدوق إلى هاشم
الحناط (6) (7)، لاشتماله عليه، مع اقترانه بأحمد بن إسحاق الذي صرح
في الخلاصة بوثاقته (8).

(1) الرواشح: 48.
(2) الخلاصة: 4 رقم 9.
(3) الخلاصة: 278 الفائدة الثامنة.
(4) الخلاصة: 277 الفائدة الثامنة. (كردويه): بضم الكاف وسكون الراء وفتح الدال
والواو وسكون الياء. تنقيح المقال: 3 / 38 رقم 9867 وتوضيح الاشتباه: 254.
(5) الخلاصة: 278 الفائدة الثامنة.
(6) (الحناط): - بفتح الحاء و تشديد النون -. توضيح الاشتباه: 118، 131 و 136،
إيضاح الاشتباه: 141 و 143 ورجال العلامة: 58 رقم 1.
(7) الخلاصة: 278، الفائدة الثامنة.
(8) الخلاصة: 14 رقم 6.
261

قال: (وما رويته عن هاشم الحناط، فقد رويته عن محمد بن الحسن، عن
الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، وأحمد بن إسحاق، عنه) (1).
ونحوه ما صنع في الطريق إلى عبد الله بن المغيرة، فإن التحسين فيه،
لما عرفت، مع أنه مقترن في بعض طرقه، بأيوب بن نوح المصرح بالوثاقة
والجلالة.
فإن طريقه ثلاثة، منها: (محمد بن الحسن، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم
وأيوب بن نوح) (2).
فالظاهر هو التصحيح في كل من الطريقين، ولو بناء على تحسين روايات
القمي.
كما أن ما جرى في المنهج، على تصحيح الطريق إلى الحناط (3) والتحسين إلى
ابن المغيرة (4) غير سديد.
وأعجب مما مضى، ما حكم بأن طريقه إلى علي بن مهزيار قوي (5)، مع أن له
أيضا طرق، منها: مالا ريب في صحة بعضها.
وهو ما رواه عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس بن معروف (6).
فإن الثلاثة، من الأجلاء. ولقد أجاد في الوجيزة، فيما جرى على التصحيح (7).

(1) من لا يحضره الفقيه: 4 / 43، المشيخة.
(2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 56، المشيخة.
(3) منهج المقال: 416.
(4) المصدر السابق: 412.
(5) الخلاصة: 278.
(6) من لا يحضره الفقيه: 4 / 39، المشيخة.
(7) رجال المجلسي: 395.
262

وثالثا: إنه قد اختلف طريق الشيخ في ذكر الطريق، فذكر الطريق إلى
ذي الطريق تارة: على سبيل الإطلاق، وأخرى: على سبيل الأجمال، ومن
المعلوم، المغايرة في البين، موضوعا وحكما.
وذكر طريقه إلى الحسن، من القسم الثاني، فالتحسين على الإطلاق غير
مستحسن، بل غير مستحسن على الإطلاق.
وذلك، لأن الطريق الإجمالي، طريق إلى بعض الأخبار التي رواها عن ذي
الطريق، وعلى فرض صحة هذا الطريق، فهو طريق إلى البعض الغير المعلوم من
أخبار ذي الطريق، ففي الخبر المعين، لا يعلم أن الطريق المذكور، طريق إليه، أو
إلى غيره، فهو في حكم العدم، فكيف يحسن التحسين، على الإطلاق. فتأمل.
ورابعا: إنه عنون الشيخ ثالثا، بقوله: (وما ذكرته عن الحسن بن محبوب
ما أخذته من كتبه ومصنفاته).
فذكر طرقا لا ريب في صحة بعضها، كما صحح نفسه هذا المأخوذ أيضا (1).
ومن الظاهر أنه إذا ثبت صحة الطريق إلى الجميع، فنحن في غنى عن البحث
في حال الطريق إلى البعض، فالحاصل صحة الطريق إليه أيضا، باعترافه،
فلم يبق حسن لاستحسانه، ولو بحسب إذعانه.
وخامسا: إن طريقه إلى الحسن بن محبوب، غير منحصر فيما مر، بل له طرق
إليه، ومنها: الغضائري، وابن أبي جيد، عن أحمد بن محمد
وقد تكرر منه ما يقتضي التصحيح، بحسب الأولين. والثالث، مردد بين ابن
عيسى، وابن يحيى وصرح بوثاقة الأول في الخلاصة (2) وبصحة الطريق إلى

(1) الخلاصة: 276.
(2) الخلاصة: 13 رقم 2.
263

محمد بن علي بن محبوب، مع الاشتمال على ابن يحيى (1).
وسادسا: إن الطريق إلى الفضل، الكليني، عن النيسابوري، والطريق إلى
النيسابوري، الكليني
فيتضح حال الطريق إلى النيسابوري بذكر الحال إلى الفضل، فذكره بعد
ذكره، غير وجيه.
ثم إنه وقع هنا سهو من الشيخ، في ذكر طريقه إلى الفضل، في قوله: (ومن
جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان، فقد رويته بهذه الأسانيد، عن محمد بن
يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن
شاذان) (2).
فإن الظاهر أن النيسابوري، معطوف على ابن إبراهيم، وظاهره ذكر
طريقين، مع أن الظاهر أن ذكر الطريق الأول سهو منه، لعدم وقوع رواية
الكليني، عن الفضل، بتوسط علي بن إبراهيم عن أبيه.
نعم، وقع روايته عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل. لكنه
هو ابن بزيع، وهو لا يروي عن الفضل.
هذا مضافا إلى أن طريقه في ذكر الطريق واحدا أو متعددا ذكر ذي الطريق
كما ذكره في ثاني الطريقين.

(1) الخلاصة: 276.
(2) التهذيب: 10 / 47، المشيخة.
264

الفائدة الثالثة
[في رواية إبراهيم بن هاشم عن حماد]
إنه ذكر في التاسعة: (إنه قد يغلط جماعة، في الأسناد من إبراهيم بن هاشم إلى
حماد بن عيسى، فيتوهمونه حماد بن عثمان، وهو غلط، فإن إبراهيم بن هاشم
لم يلق حماد بن عثمان، بل حماد بن عيسى) (1).
والظاهر أنه مأخوذ مما ذكره الشيخ الصدوق في المشيخة، بقوله: (وما كان
من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية، فقد رويته عن أبي، عن علي
ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عمن ذكره، عن أبي
عبد الله عليه السلام.
ويغلط أكثر الناس في هذا الأسناد، فيجعلون مكان حماد بن عيسى، حماد
ابن عثمان وإبراهيم، لم يلق حماد بن عثمان، وإنما لقي حماد بن عيسى وروى
عنه (2).

(1) الخلاصة: 281، الفائدة: 9.
(2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 125، المشيخة. فيه: (وإبراهيم بن هاشم لم يلق حماد بن
عثمان، إنما لقي حماد بن عيسى).
265

وتبعهما الفاضل ابن داود (1)، والفاضل الأسترابادي في المنهج (2)،
والتلخيص (3)، وصاحب المنتقى (4)، كما عن بعض، الحكم بسهو ما تكرر في
الكافي: إبراهيم بن هاشم، عن حماد بن عثمان (5)، وصوابه ابن أبي عمير، عن
حماد، كما هو الشائع المعهود.
واعترض على هذه المقالة، جدنا السيد العلامة، - أعلى الله تعالى في دار
الخلد أعلامه - بأنه لا استبعاد في رواية إبراهيم بن هاشم، عن حماد بن عثمان
لأنه (6) من أصحاب الصادق (7)، والكاظم (8)، والرضا عليهم السلام (9) ومات في
عصر مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - إذ مماته على ما في الكشي في
سنة تسعين ومائة (10)، وانتقال روح مولانا الكاظم عليه السلام إلى الغرف، كما في

(1) رجال ابن داود: 307. (التنبيهات: 4).
(2) منهج المقال: 401. (الخاتمة - الفائدة الثالثة).
(3) تلخيص الأقوال في معرفة الرجال المسمى بالرجال الوسيط، الفائدة الرابعة.
(المخطوط).
(4) منتقى الجمان: 1 / 261.
(5) كما في الكافي: 3 / 144 ح 5 (على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عثمان) وكذا في:
4 / 286 ح 6 و 366 ح 6 والتهذيب: 4 / 47 ح 14 و 5 / 93 ح 114 و 5 / 162 ح 68 و
الاستبصار: 2 / 244 ح 4.
(6) الضمير راجع إلى حماد ولقربه المعين، لم يعين. (منه رحمه الله).
(7) رجال الطوسي: 173 رقم 139.
(8) رجال الطوسي: 346 رقم 2.
(9) رجال الطوسي: 371 رقم 1.
(10) رجال الكشي: 372 رقم 694.
266

الكافي وغيره في ثلاث وثمانين ومائة (1)، فقد أدرك حماد بن عثمان، من زمان
الرضا عليه السلام سبع سنين، وقد ذكر شيخ الطائفة، إبراهيم من أصحابه (2).
فهو مع حماد، في طبقة واحدة في الجملة، كما أن حماد بن عيسى أيضا، كما قال
النجاشي: مات في سنة تسع أو ثمان ومائتين (3)، وانتقال روح مولانا الرضا -
عليه آلاف التحية والثناء - في ثلاث ومائتين (4).
وهذا لا يقتضى تعين رواية إبراهيم بن هاشم، عن ابن عيسى، واستحالة
روايته، عن ابن عثمان.
على أنا نقول: إن روايته موجودة في سند الأخبار، فلا وجه لانكاره.
والتصفح التام في أسانيد الأخبار، يكشف عن أن روايته فيما يناسب المرام، على
أنحاء.
فإنه يروي عن حماد تارة: بواسطتين، وأخرى: بوسائط. وعلى الوجهين،
فتارة: يروي عنه مطلقا، وأخرى: مقيدا، إما بابن عثمان، أو ابن عيسى، فهذه
وجوه ستة، كثير منها كثير. والعمدة، الرواية بواسطتين، مقيدة بابن عثمان.
ومنه: ما في باب تحنيط الميت، ففيه: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن
عثمان، عن حريز، عن زرارة) (5).
وما في باب من يحل أن يأخذ من الزكاة ومن لا يحل له، ففيه: (علي بن

(1) الكافي: 1 / 476 ح 1.
(2) رجال الطوسي: 369 رقم 30.
(3) رجال النجاشي: 143 رقم 371. فيه: (مات... في سنة تسع ومائتين وقيل سنة ثمان
ومائتين).
(4) الكافي: 1 / 486.
(5) الكافي: 3 / 144 ح 5.
267

إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي) (1).
وما في باب الوصية من كتاب الحج ففيه: (علي، عن أبيه، عن حماد بن عثمان،
عن حريز (2). (انتهى كلامه ملخصا).
وسبقه في منع الاستبعاد والاستناد بالروايات، الفاضل الخاجوئي (3).
أقول: إن ما ذكر من أن الشيخ، ذكره من أصحاب الرضا عليه السلام، لا يخلو من
إشكال، على ما يظهر من الفهرست، فإنه قال في ترجمته: (إن أصله كوفي وانتقل
إلى قم، وأصحابنا يقولون: إنه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم، وذكروا أنه
لقي الرضا عليه السلام) (4).
وظهوره في عدم الثبوت، لا يخلو من ظهور، كما أنه ربما يظهر الأشكال فيه
من النجاشي، فإنه قال في ترجمته: (تلميذ يونس بن عبد الرحمن، من أصحاب
الرضا عليه السلام، هذا قول الكشي وفيه نظر) (5).
فإنه يحتمل فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون من جهة منع ثبوت الأول، إما من جهة أن الحكم بكونه
تلميذا له، ينافي ما ذكروا من حديث النشر، لكون يونس مطعونا عند القميين،
كما في أصحاب الكاظم عليه السلام (2)، أو من جهة أن التتبع في الكافي يكشف عن
روايته، عن يونس مع الواسطة، وهو ينافي كونه من تلامذته.

(1) الكافي: 3 / 560 ح 1.
(2) الكافي: 4 / 286 ح 6.
(3) الفوائد الرجالية: 31.
(4) الفهرست: 4 رقم 6.
(5) رجال النجاشي: 16 رقم 11.
(6) رجال الطوسي: 364 رقم 11.
268

وثانيهما: أن يكون من جهة منع ثبوت الثاني، كما يشهد عليه روايته عن
مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - مع الواسطة، كما يظهر مما ذكره
النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني (1).
مضافا إلى أن غاية ما ثبت مما ذكره، إمكان الرواية، نظرا إلى مساعدة
الطبقة، وهو غير مناف لعدم اللقاء الذي ادعاه الجماعة، لظهور أنه أعم من
إمكانه وعدم وقوعه، أو من امتناعه رأسا، كما أن ثبوته في الموارد المذكورة،
غير مناف لكلامهم.
فإن مقتضى صريح كلام الصدوق ومن تبعه، الوقوع على سبيل الغلط
والاشتباه، ولا استبعاد فيه على تقدير ثبوت عدم اللقاء، على أن ما ذكره من
المورد الثاني، غير مطابق للنسخة الموجودة من الكافي، ففيها: (علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي) (2).
فلم يبق عدا الموردين المذكورين، وهذا بخلاف رواية القمي عن حماد بن
عيسى، فإن كثرتها بحيث، لا يكاد أن يحصى.
ومن العجيب ما وقع من المستدرك في المقام، فيما جرى على فساد التغليط،
وإن نسبة سهو واحد إلى الصدوق، أهون من نسبته إلى كثير من الأعلام،
استنادا إلى وجوه:
أحدها: إن الحكم بعدم اللقاء شهادة نفي، وشهادة الأثبات مقدمة عليها، مع
أن الطبقة، مساعدة على إمكان اللقاء، فلابد حينئذ من ذكر مستند يجوز التشبث
لرد شهادتهم باللقاء.

(1) رجال النجاشي: 344 رقم 928.
(2) الكافي: 1 / 451 ح 37.
269

وفيه أن من المعلوم، أنه ليس في مقام الشهادة الشرعية، ليلتزم بلوازمه، بل
حاله في هذا المقام، على منوال غيره، وغيره من البناء على مجرد بيان المطالب
العلمية، ومن الظاهر مغايرة هذا العنوان، لعنوان الشهادة، ومن هنا ما صرح
غير واحد، بأن العمل بالتوثيقات، من باب الظنون الاجتهادية.
وثانيها: كثرة وقوع هذا السند في الكافي وغيره، كما وقع في الكافي في باب
تحنيط الميت (1).
وفي التهذيب، في باب تعجيل الزكاة وتأخيرها (2).
وفي باب صفة الأحرام (3).
وفي أواخر باب الخروج إلى الصفا (4).
ومثله في الاستبصار، في باب من أحل من إحرام المتعة (5).
وفي الكافي، في باب الوصية من كتاب الحج (6).
بل في جملة من الأسانيد: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد).
ولابد أن يكون المراد في بعضها، (ابن عثمان).
منها: ما في الكافي، والاستبصار، في باب من أوصى بجزء من ماله: (علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن أبان بن تغلب (7).

(1) الكافي: 3 / 143 ح 4.
(2) التهذيب: 4 / 47 ح 123.
(3) التهذيب: 5 / 40 ح 118.
(4) التهذيب: 5 / 377 ح 230.
(5) الاستبصار: 2 / 244 ح 852.
(6) الكافي: 4 / 286 ح 3.
(7) الكافي: 7 / 40 ح 3، الاستبصار: 4 / 132 ح 3.
270

قال المحقق صدر الدين: وأبان مات سنة إحدى وأربعين ومائة، فعلى تاريخ
الكشي أن حماد بن عيسى عاش نيفا وسبعين سنة، ينبغي أن يكون حماد هنا،
ابن عثمان، دون ابن عيسى، فإن وفاته في سنة تسع أو ثمان بعد المائتين (1).
ومنها: ما وقع فيها: (علي بن إبراهيم، عن حماد، عن الحلبي).
كما في الكافي، في باب فضل المقام بالمدينة (2).
وفي التهذيب، في باب الغدو إلى عرفات (3).
فإن الذي يروي عن الحلبي، والمراد منه محمد بن علي بن أبي شعبة، هو ابن
عثمان، ولم يذكر أحد رواية ابن عيسى عنه (4).
وفيه: أن ما ذكره من الموردين من الكافي، كما تقدم لا بأس به، إلا أنه
قد عرفت ما فيه.
وأما ما ذكره من الموارد الثلاثة من التهذيب، فهي منقولة بأسرها عن
الكافي، والمتبع هو المنقول عنه، وهو غير شاهد على الدعوى.
أما الحديث الأول، فقد رواه: (عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن حماد بن عثمان، عن حريز، عن أبي بصير، عن مولانا أبي
عبد الله عليه السلام، قال: أخرج الرجل الزكاة من ماله) (5).
مع أنه رواه فيه في باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد: (عن علي بن إبراهيم

(1) كما في رجال النجاشي: 143 رقم 371.
(2) الكافي: 4 / 558 ح 4.
(3) التهذيب: 5 / 181 ح 607.
(4) راجع: خاتمة المستدرك: 710.
(5) التهذيب: 4 / 47 ح 14 إلا إن فيه: عن أبي جعفر عليه السلام.
271

عن أبيه، عن حماد بن عيسى عن حريز...) (1).
وأما الثاني: فقد رواه فيه: (عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام، قال: لا بأس
بأن تلبي وأنت على غير طهر) (2).
فإنه وإن رواه فيه في باب التلبية، على الوجه المذكور، كما هو الحال في
النسخة الموجودة، إلا أن في بعض النسخ، يكون المروي عنه: (ابن أبي عمير)،
كما هو الحال فيما سيجئ.
وأما الثالث: فقد رواه فيه في الباب: (عن محمد بن يعقوب، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إني لما قضيت مناسكي...) (3).
مع أنه رواه في الكافي، في باب المتمتع ينسى أن يقصر: (عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي) (4).
فتخالف المنقول من وجهين، كما ترى.
وهذه حال النسخة الموجودة عنه، وهي لا تخلو عن اعتبار.
هذا، وأما ما ذكره من لزوم كون المراد ببعض الموارد، خصوص (ابن عثمان)
كما في روايته عن (أبان).
فيضعف بأن ما ذكره، إنما ينتهض بناء على ما ذكره الكشي في مقدار زمان

(1) الكافي: 3 / 553 ح 3.
(2) التهذيب: 5 / 93 ح 114.
(3) التهذيب: 5 / 162 ح 68.
(4) الكافي: 4 / 440 ح 4.
272

الحياة، فحينئذ زمان الفصل بين الوفاتين، ستون وثمان أو سبع، ولابد أن يكون
الراوي حين الرواية في حد البلوغ فأقل الزمان حينئذ نيف وثمانون، وهو مخالف
لتحديده.
ولكن لا وجه لهذا البناء، فإنه ذكر النجاشي: إنه مات حماد بن عيسى غريقا
بوادي قناة، وهو غريق الجحفة في سنة تسع ومائتين، وقيل سنة ثمان ومائتين
وله نيف وتسعون سنة (1).
وعلى ما ذكره تصح الرواية بلا ريب وشبهة، مع أن كلامه راجح على من
عداه، على حسب ما سبق من مستنده ومبناه.
وأما ما ذكر من عدم ذكر أحد رواية (ابن عيسى) عنه، فلم يتصد لهذا
المقام، إلا النادر من الأصحاب، وكم من موارد غفل عنها المتصدي، فليكن هذا
منها.
وثالثها: إنه يروي جماعة عن حماد بن عثمان، مثل: علي بن مهزيار، كما في
التهذيب، في باب نزول المزدلفة (2).
والحسين بن سعيد، كما فيه، في باب حكم الجنابة (3). وفي باب أحكام
الجماعة (4).
وإسماعيل بن مهران (5)، وغيرهم.

(1) رجال النجاشي: 143 رقم 370.
(2) التهذيب: 5 / 193 ح 641.
(3) التهذيب: 1 / 121 ح 319.
(4) التهذيب: 3 / 49 ح 172.
(5) التهذيب: 7 / 160 ح 709.
273

وصرح جماعة من المتبحرين، بصحة هذه الأسانيد، وعدم أرسال أو سهو
فيها، وهم من أصحاب الرضا عليه السلام، كما أن إبراهيم من أصحابه أيضا (1).
وفيه أنه مبنى على تسلم المقدمة الأخيرة، وقد عرفت الأشكال فيها
فلا منافاة في الباب بلا ارتياب.
فالظاهر أن ما ذكره الصدوق رحمه الله ومن تبعه، لا يخلو عن وجه، وذلك لما ظهر
من قوة المقتضى وضعف المانع.
أما الأول: فهو ظاهر. وأما الثاني: فلما ظهر من ضعف دعوى غلبة وقوع
الخلاف، بل لم نجد متحققا، إلا نادرا في الغاية.
ثم إنه قد أنكر في المنتقى، رواية علي بن إبراهيم، عن حماد بن عيسى، بتوسط
ابن أبي عمير، حاكما بالسهو فيها وقع (2).
وأورد عليه الفاضل الخاجوئي (3)، بوقوعه في الأسانيد كثيرا، كما في الكافي
في باب إظهار السلاح بمكة، ففيه: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير
عن حماد بن عيسى، عن حريز) (4).
ونحوه، في باب من توالى عليه شهر رمضان (5).
وكذا في باب آخر منه، في حفظ المال (6).
وتأمل جدنا السيد العلامة رحمه الله في كلامه، نظرا إلى أن المذكور في الكافي في

(1) راجع: خاتمة المستدرك: 710.
(2) منتقى الجمان: 3 / 32.
(3) راجع: تعليقة الفاضل الخاجوئي على مشرق الشمسين: 87.
(4) الكافي: 4 / 228 ح 1. فيه: (ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز).
(5) الكافي: 4 / 119 ح 1.
(6) الكافي: 5 / 299 ح 1.
274

الموارد المذكورة: (حماد) مطلقا من غير التقييد بابن عيسى، وكثرة رواية ابن
عيسى، عن حريز، كما يرجح حمله عليه، كذا يرجح كثرة رواية ابن أبي عمير
عن حماد بن عثمان، حمله عليه.
أقول: الظاهر أن النسخ مختلفة، فبعضها على التقييد، على ما ينصرح من
الفاضل، وبعضها على الإطلاق، كما ينصرح من كلام المتأمل، وبعضها على
التبعيض، كما في النسخة الموجودة، ففي الثاني كالأول، وفي الأول والثالث،
كالثاني.
ثم إنه ذكر جدنا السيد العلامة، - رفع الله تعالى في الخلد مقامه -: (إن اللازم
مما ذكره الصدوق رحمه الله ومن وافقه، الحكم بارسال الحديث، فيما إذا كانت الرواية
عن حماد بواسطتين، وتكون الواسطة الثانية: إبراهيم بن هاشم، مع التصريح
بابن عثمان، أو الحكم بالتصحيف، لتصريحهم بعدم الملاقاة.
ولعل الداعي على التغليط، ملاحظة غلبة وقوع الواسطتين بين الكليني
وحماد بن عيسى، وهما: (علي) و (أبوه)، وثلاث وسائط بينه وبين حماد بن
عثمان، فإذا رأوا رواية، عن حماد بن عثمان بواسطتين، حكموا بما مضى.
ويضعف بأنه جمود على الاقتصار في غالب الأحوال، واحتمال الأرسال مع
إمكان الملاقاة، بمعزل عن الاعتبار).
أقول: الظاهر المنع من الملازمة المذكورة، نظرا إلى أن الظاهر، أن مقالة
هؤلاء، التغليط في تعيين المطلق في المقيد المخصوص، أو تبديل المقيد بالمقيد لا في
السقوط أو التصحيف، كما يشهد عليه سياق العبارة بالنظر اللطيف.
ثم إن الظاهر أن ما ذكره في وجه الداعي، في غير محله، بل الظاهر أن الوجه،
إطلاعه من الخارج على عدم الملاقاة، كما ربما يشهد عليه السياق، مضافا إلى أن
275

مثله من مثله غير بعيد، لقرب العهد والاطلاع على هذه المراحل. كما أن ما ذكره
من منع احتمال الأرسال، مع إمكان الملاقاة، لا يخفى ما فيه بظاهره، لظهور عدم
منافاة احتمال الأرسال، بمجرد الامكان. وهل يصح الحكم بالاتصال بمجرد
الامكان؟!
276

المقصد السادس
في
الحسن بن علي بن داود
277

المقصد السادس
في قطب دائرة العلم والكمال، ومركز محيط الفضل والافضال، مالك أزمة
الفضائل بالقض والقضيض، وممتد الباع في السجع والقريض، الفاتح لباب الفضل
المسدود: الحسن بن علي بن داود.
وقد وصفه شيخنا الشهيد الثاني - رحمه الله تعالى - في بعض إجازاته:
(بالشيخ الأديب، الفقيه، النحوي، العروضي، ملك العلماء والأدباء والشعراء،
وصاحب التصانيف الغزيرة، والتحقيقات الكثيرة) (1).
والمحدث الحر: (بالعالم، الفاضل، الجليل، الصالح، المحقق، المتبحر) (2).
وقال السيد السند الناقد: (إنه من أصحابنا المجتهدين، شيخ، جليل، من
تلامذة إمام العلامة المحقق، والأمام المعظم، فقيه أهل البيت عليهم السلام، جمال الدين
طاووس، له أزيد من ثلاثين كتابا، نظما ونثرا، وله في الرجال، كتاب معروف،
حسن الترتيب، إلا أن فيه أغلاطا كثيرة) (3).
وتعرض لنفسه في رجاله، وذكر الكتب المذكورة، وهي: بين فقه، ورجال،

(1) راجع: البحار: 108 / 153.
(2) أمل الآمل: 2 / 71 رقم 196.
(3) نقد الرجال: 93 رقم 102.
279

ونحو، وعروض، وغيرها، منظومة، منثورة (1).
وهو أول من جمع كلمات علماء الرجال المؤسسين، ورتب ذكر الأسماء
بالترتيب المعروف بين المتأخرين، ووضع الرموز المشهورة، كما صرح به في
بداية رجاله، قال: (وهذه لجة لم يسبقني أحد من أصحابنا - رضى الله تعالى
عنهم - إلى خوض غمرها، وقاعدة أنا أبو عذرها) (2). (انتهى).
وكانت الكتب السابقة، بين ما لم يلاحظ فيه الترتيب المعروف رأسا، كما هو
الحال في الكشي، ولذا يعسر على الطالب، الظفر على المطلوب، إلا ببعض
الوجوه، كما مر.
وبين ما لوحظ فيه الحرف الأول خاصة، كما هو الحال في كتابي الشيخ
والنجاشي في الأغلب، والخلاصة وغيرها. والأحسن ما هو المعهود من
المتأخرين.
ولكن كتابه هذا، مشتمل على أغاليط لا تحصى، واشتباهات لا تستقصى،
يعرفها من تأمل فيه، ونظر في ظاهره وخافيه، وبه صرح غير واحد من
الأصحاب كالسيد الناقد (3) كما تقدم، والفاضل الجزائري في الحاوي.
والفاضل التستري في بعض تعليقاته. والفاضل الخاجوئي في رجاله (4)
وغيرهم.
فما حكى السيد السند النجفي، عن صاحب إيجاز المقال (5): من أنه قد

(1) رجال ابن داود: 75 رقم 439.
(2) رجال ابن داود: 26.
(3) نقد الرجال: 93 رقم 102.
(4) الفوائد الرجالية: 311.
(5) (إيجاز المقال في معرفة الرجال) للمولى فرج الله بن محمد بن درويش بن
الحسين بن حماد بن أكبر الحويزي، معاصر المحدث الحر العاملي. الذريعة: 2 / 487.
280

طعن على كتابه بعض المتأخرين، ولعمري:
ما أنصف الصهباء من * ضحكت إليه وقد عبس (1)
كلام في غير الموقع.
لقد أجاد السيد السند المشار إليه، حيث قال انتصارا للسيد الناقد: (وكأني
بلسانه يقول:
قد أنصف الصهباء * من أزال عنها ما التبس (2)
ومثله في الضعف، ما ذكره في الامل بعد نقل ما تقدم من الناقد: (من
احتمال إشارته إلى اعتراضاته، وتعريضاته على العلامة ونحوها، فإنه مضافا
إلى مخالفته لظاهر الكلام، مخالف للواقع، فإن الظاهر كما ذكر بعض
المتأخرين أنه مصيب في جلها، لو لم نقل كلها) وسيأتي ذكر بعضها (3).
والمستند لما ذكرنا، ما ينصرح بعد التتبع التام، والتصفح التمام: من وقوع
أنحاء الاشتباهات.
فوقع فيه تارة: نسبة ذكر بعض إلى بعض، مع عدم وقوعه منه، كما قال:
(أحمد بن معافا (د) ثقة (جخ) (4).
فإن ما نسب إلى رجال الشيخ، من ذكره إياه في أصحاب الهادي عليه السلام،
موثقا، اشتباه منه، لعدم الوقوع، كما قال بعض المتأخرين: (لم نجده فيه ولا
في غيره) (5).

(1) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 234.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 235.
(3) أمل الآمل: 2 / 71 رقم 196.
(4) رجال ابن داود: 45 رقم 138.
(5) منهج المقال: 48.
281

وقال: (سليم الفراء، كوفي، (ق)، (م)، (ست)، (جش)، ثقة) (1).
فإن ما نسبه إلى الفهرست، غير سديد، لعدم ذكره في النسختين الموجودتين
منه، كما قال البعض أيضا: (لم أره في نسختين منه) (2).
إلا أنه ربما يظهر من بعض المواضع، اختلاف نسخ رجال الشيخ، والظاهر
أن منه، ما حكى ابن داود عنه: (من أن جعفر بن علي بن أحمد القمي، (لم)،
(جخ)، أبو محمد، ثقة) (3).
وقد ذكر جماعة نقلا، كصاحبي المنهج (4) والنقد (5) والتكملة من عدم
وجدانه فيه.
ويظهر من المنتهى (6) تعرضه فيه من غير توثيق، على ما نقله عن النسختين
منه.
وفي المستدرك: (نقله في المجمع عن رجال الشيخ في باب من لم يرو
عنهم عليهم السلام كما ذكره ابن داود، قال: ويظهر من جميع ذلك، اختلاف نسخ
رجال الشيخ بالزيادة والنقيصة، وكل من الواجد والعادم، صادق في دعوى
الوجدان وعدمه) (7).
وأخرى: من نسبة توثيق بعض إلى بعض، مع أن الموثق غيره، ويقع منه

(1) رجال ابن داود: 106 رقم 733.
(2) منهج المقال: 171.
(3) رجال ابن داود: 64 رقم 316.
(4) منهج المقال: 83.
(5) نقد الرجال: 71 رقم 47.
(6) منتهى المقال: 77.
(7) المستدرك: 3 / 309.
282

ذلك كثيرا في خصوص النسبة إلى الكشي، فإنه كثيرا ما ينسب التوثيق إليه،
مع أنه من النجاشي
كما قال: (ثابت بن شريح، أبو إسماعيل الصائغ الأنباري، مولى الأزد،
(ق)، (جخ)، (كش)، ثقة) (1). مع أن التوثيق من النجاشي، دونه.
وقال: (جميل بن صالح الأسدي، (ق)، (م)، (كش)، ثقة) (2).
و (الحسين بن موفق (لم)، (كش) شيخ من أصحابنا) (3).
و (الحفص بن العلاء، (لم)، (كش)، كوفي، ثقة) (4).
و (رهم بضم الراء، (جخ)، (كش)، ممدوح) (5).
فكل ما ذكره في التراجم المذكورة، وغيرها من التراجم الكثيرة، من النسبة
إلى الكشي، اشتباه عن النجاشي.
ولقد أجاد من قال: (إن معظم ما ينسبه في هذا الكتاب إلى الكشي، الظاهر
فيه الغلط، بل صوابه النجاشي (6).

(1) رجال ابن داود: 60 رقم 279.
(2) رجال ابن داود: 67 رقم 347. وفي المطبوع: (جش) مكان (كش). راجع: رجال
ابن داود، منشورات المطبعة الحيدرية نجف، سنة 1392، بتحقيق السيد محمد صادق
آل بحر العلوم.
(3) رجال ابن داود: 82 رقم 497 في المصدر: لم، (جش)، شيخ من أصحابنا، ثقة،
قليل الحديث.
(4) رجال ابن داود: 83 رقم 506 في المصدر: لم، (جش)....
(5) رجال ابن داود: 95 رقم 621.
(6) أعيان الشيعة: 5 / 190.
283

وثالثه: من نسبة توثيق بعض إلى بعض، مع عدم صدوره منه، كما قال في
ترجمة عبد الملك بن عطار: ([الكشي] كان ثقة، نجيبا) (1).
مع أن ما فيه: (روى عن نصر بن الصباح، إنه نجيب) (2).
وقال في الكنى: (أبو بكر الحضرمي (ق)، (كش)، ثقة) (3).
مع أنا لم نقف على توثيقه فيه ولا في غيره.
ولقد أجاد الفاضل الأردبيلي في المجمع: (فيما احتمل في وجه عدم
تصحيحهم، خبر ابن أبي سمال، عدم ظهور توثيق الحضرمي الراوي وإن نقل
ابن داود توثيقه عن الكشي، نظرا إلى أن الظاهر عدم ثبوته، مع أنا نرى في
كتابه غلطا كثيرا، لعله من غلط الكتاب) (4).
وبالجملة: فحال الكتاب في نهاية الاضطراب، فلا ينبغي الاعتماد على نقل
توثيقه.
ومنه: كما وقع من المحقق الأنصاري قدس سره، عند الكلام في ماء الحمام، حيث
إنه جنح إلى وثاقة بكر بن محمد بن حبيب (5) استنادا إلى ما حكى ابن داود

(1) رجال ابن داود: 131 رقم 975 فيه: (عبد الملك بن عطا، قر، ق، [كش] كان ثقة
نجيبا).
(2) رجال الكشي: 215 رقم 385.
(3) رجال ابن داود: 215 رقم 12.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 103.
(5) ذكر في فنون الإسلام: (قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد من علماء الإمامية:
أبو عثمان، بكر بن محمد، وكان من غلمان إسماعيل بن ميثم، إمام المتكلمين في الشيعة.
(انتهى).
وعنونه النجاشي، قال: (أبو عثمان المازني، بكر بن محمد بن حبيب، من بقية المازني،
كان سيد أهل العلم بالنحو، والعربية، واللغة، بالبصرة). (منه رحمه الله).
284

توثيقه من الكشي (1)، معترضا على صاحب المدارك (2) من الحكم
بالجهالة (3).
وقد ذكرنا في كتابنا في الفقه: (إن كلا من التبديل والتعيين والتوثيق، محل
النظر، إذ المذكور في السند: بكر بن حبيب، وتبديله بغيره، ثم تعيينه فيه، دون
بكر بن عبد الله بن حبيب المذكور في كلام النجاشي (4) والعلامة (5) غير
وجيه، كما روى الصدوق: عن بكر بن عبد الله المذكور، في غير موضع من
كتاب معاني الأخبار).
نعم، إنه يمكن أن يوجه بوجه، ذكرناه فيه، مع إثبات عدم وجاهته، وذكرنا
فيه: أن ابن داود وإن حكى عنه، من أنه إمامي ثقة، لكنه اشتباه منه، لعدم
وجوده فيه، كما صرح به السيد السند الناقد (6) بل عن الحاوي ذكره في
الضعاف (7) ولكنه غير خال عن الاعتساف، وتحقيق الكلام في عهدة الكتاب.
ورابعة: من نقل عبارة عن بعض، مع أنها مغلوطة مصحفة كما قال:

(1) رجال ابن داود: 58 رقم 264 فيه: (لم)، (جش) كان إماميا، ثقة).
(2) مدارك الأحكام: 1 / 33. فيه: (بكر بن حبيب).
(3) كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الأنصاري: 8. (طبعة مؤسسة آل البيت).
(4) رجال النجاشي: 109 رقم 277.
(5) رجال العلامة: 208 رقم 3.
(6) نقد الرجال: 59 رقم 26.
(7) حاوي الأقوال: 231 رقم 1232. (مخطوط).
285

(الحسين بن أحمد ريذويه (1) القمي (جش)، ثقة) (2). مع أن المذكور فيه: (الحسن) مكبرا (3).
وقال: (إسحاق بن عمار (م) (ست) فطحي، إلا أنه معتمد عليه) (4).
مع أن المذكور فيه: (ثقة، وأصله معتمد) (5).
وقال: (أحمد بن موسى، حسن، له كتاب نوادر كثيرة) (6).
والمذكور فيه: (نوادر كبير) (7).
ومن العجيب مما فيه ما ذكر: (من أن العقيلي (جش) جمار الحديث يرويه كما
سمعه (8)، فإن الصحيح: (كش)، كان خمارا، ولكنه يروي الحديث كما
سمعه) (9). ولكنه صنع فيه ما صنعه.
وخامسة: من نسبة إهمال بعض إلى بعض، مع أنه موثق في كلامه، كما وقع

(1) ريذويه: - بكسر الراء وسكون الياء وفتح الذال وسكون الواو وفتح الياء الثانية -.
رجال العلامة: 44 رقم 41، 235 رقم 21، ابن داود: 72 رقم 398 و 271 رقم 438، توضيح
الاشتباه: 113، تنقيح المقال: 1 / 268 رقم 2469 و 2 / 303 رقم 8456 وفي إيضاح
الاشتباه: 158 بضم الذال.
(2) رجال ابن داود: 79 رقم 470.
(3) رجال النجاشي: 62 رقم 145.
(4) رجال ابن داود: 48 رقم 164.
(5) الفهرست: 15 رقم 52.
(6) رجال ابن داود: 45 رقم 134، فيه: أحمد بن محمد بن موسى (له نوادر كبير).
(7) رجال النجاشي: 89 رقم 221.
(8) رجال ابن داود: 134 رقم 1000، فيه: (العقيلي (ى)، (جخ)، ترجمان الحديث
يرويه كما سمعه).
(9) رجال الكشي: 97 رقم 153، فيه: (عوف العقيلي).
286

منه في آدم بن متوكل، فنسب الاهمال إلى النجاشي (1) مع أنه صرح
بوثاقته (2).
أو عدم الرواية، مع ثبوتها، كما قال: (أبان بن عثمان الأحمر)، (لم) (3).
مع أن المذكور في الفهرست (4) والنجاشي (5) أنه روى عن مولانا
أبي عبد الله عليه السلام.
وقد وقع له أمثال ما ذكرناه، أضعاف ما سطرناه.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما ذكره بعض الأفاضل (6)، من أن كتاب ابن
داود رحمه الله في الرجال، مغن لنا عن جميع ما صنف في هذا الفن، وإنما اعتمادنا
الان عليه (7).
ولقد أجاد في الحاوي، فيما ذكر: (من أني لم أعتمد على كتاب ابن داود، وإن
كان حسن الترتيب، واضح المسلك، لأني وجدت فيه أغلاطا كثيرة تنبئ عن
قلة الضبط) (8). (انتهى).
وأما ما ذكر من التعليل، فعليل، كما أن ما ذكره في رياض العلماء،

(1) رجال ابن داود: 29 رقم 3.
(2) رجال النجاشي: 104 رقم 260.
(3) رجال ابن داود: 30 رقم 6.
(4) الفهرست: 18 رقم 52.
(5) رجال النجاشي: 13 رقم 8.
(6) المراد منه، هو الشيخ حسين بن عبد الصمد والد البهائي.
(7) ذكره في أعيان الشيعة: 5 / 190. والذي وجدنا فيه هذا: (وكتاب ابن داود قد
تكفل بأكثر المهم من ذلك). وصول الأخيار: 162.
(8) حاوي الأقوال: 3.
287

- اعتذارا عما نقل عن كتب الأصحاب، ما ليس فيها: (بأن هذا نشأ من
اختلاف النسخ، والازدياد والنقصان الحاصل من جانب المؤلفين أنفسهم، بعد
اشتهار بعض نسخها - قال: (كما رأيت في بلدة الساري، نسخة من خلاصة
العلامة، قد كتبها تلميذه في عصره، وكان عليها خطه وفيه اختلاف شديد مع
النسخ المشهورة، بل لم يكن فيها كثير من الأسامي والأحوال المذكورة في
النسخ المتداولة) (1).
وما ذكره الفاضل الشيخ أبو علي، اعتذارا عنه: (باحتمال رداءة خطه،
فكان كل ناسخ يكتب حسب ما يفهمه، ولم تعرض النسخة عليه، فبقيت سقيمة
غير مصححة) (2)، غير (3) صحيحين.
أما الأول: فلأنه إنما يتجه، لو لم نقف على المخالفات في غير الموارد المذكورة
المخصوصة في كلامه، مع أنك قد عرفت خلافه. فهو إنما يتمشى في وجه من
الوجوه المذكورة.
وأما الثاني: فلما ذكر في الرياض: (من أني قد رأيت خطه الشريف، ولا يخلو
من جودة) (4).
فالوجه فيه غير معلوم ولكن لا شبهة في غزارة فضله، وقوة فهمه، كما
ينصرح مما سبق، بل قد أكثر في رجاله، الإيراد على العلامة في توضيح
الألفاظ والأنساب، معبرا عنه في غير مورد ببعض الأصحاب، حتى أنه كثيرا

(1) رياض العلماء: 1 / 258.
(2) منتهى المقال: 98.
(3) خبر لقوله: (ما ذكره في رياض العلماء) و (ما ذكره الفاضل الشيخ أبو علي).
(4) رياض العلماء: 1 / 258.
288

ما ينسبه إلى الوهم والغلط.
فمن الأول: ما قال في زر (1) بن حبيش: (بالحاء المهملة المضمومة، والباء
المفردة، والياء المثناة من تحت، والشين المعجمة، كان فاضلا، ومن أصحابنا،
من صحفه بالسين المهملة، وهو وهم) (2).
وقال في زريق (3) بن مرزون: (ثقة. وبعض أصحابنا، التبس عليه، فتوهم
أنه رزيق، بتقديم المهملة، وأثبته في الراء، وهو وهم) (4).
ومن الثاني: ما ذكره في خالد بن نجيح (5) الجوان: (بالجيم والنون، بياع
الجون، ورأيت في تصنيف بعض الأصحاب: خالد الجوار، وهو غلط) (6).
وذكر في داود بن أبي زيد: (اسمه زنكان، بالزاي والنون المفتوحتين،
واشتبه اسم أبي زيد، على بعض أصحابنا، فأثبته زنكار وهو غلط) (7).
ونحوها في غيرها من المواضع المتعددة.

(1) زر: - بكسر الزاي وتشديد الراء -. توضيح الاشتباه: 161 والمؤتلف والمختلف:
3 / 1161.
(2) رجال ابن داود: 97 رقم 630.
(3) زريق: - بالزاي المضمومة والراء المفتوحة -. رجال ابن داود: 196 رقم 1640
وتوضيح الاشتباه: 162.
(4) رجال ابن داود: 97 رقم 631. فيه: (زريق بن مرزوق).
(5) نجيح: بفتح النون. تنقيح المقال: 1 / 389 رقم 3543 وإيضاح الاشتباه: 171
وتوضيح الاشتباه: 145، 131 و 204 وتوضيح المشتبه: 1 / 369.
(6) رجال ابن داود: 87 رقم 557. فيه: (ورأيت في تصنيف بعض الأصحاب، خالد
الحوار، وهو غلط). وفي تنقيح المقال: 1 / 388، كلام مبسوط فيه، من أراد فليراجع.
(7) رجال ابن داود: 89 رقم 580. وفيه: داود بن أبي يزيد....
289

ومن العجيب، ما ذكر في داود بن فرقد: (من أنه قد اشتبه على بعض
الأصحاب، اسم أبيه فقال: ابن مرقد، بالميم، وهو غلط) (1).
مع أن عبارة الخلاصة: بالفاء (2)، بل صرح به في الإيضاح (3).
كما أن من العجيب، عنوانه للفاضل الحلي في الجزء الثاني من كتابه،
استنادا إلى إعراضه عن الأخبار بالمرة، فإنه كما ترى (4).
كما أن من العجيب، ذكره عبد الله بن شبرمة في الجزء الأول (5).
مع أن الظاهر كما صرح به في منتهى المقال: (إنه من العامة) (6).
ولقد أجاد العلامة، في ذكره في قسم المجروحين.
ونحوه في عده في الوجيزة (7)، والحاوي، من الضعاف (8).
وينبغي التحرز عن أمثال هذه التعبيرات، فإنه مضافا إلى اقتضائه

(1) رجال ابن داود: 91 رقم 592.
(2) الخلاصة: 68 رقم 2.
(3) إيضاح الاشتباه: 177 رقم 265.
(4) رجال ابن داود: 269 رقم 426. فيه: (محمد بن إدريس العجلي الحلي كان شيخ
الفقهاء بالحلة، متقنا في العلوم، كثير التصانيف، لكنه أعرض عن أخبار أهل البيت عليهم السلام ب‍
أقول: وهذا الكلام غير تام، لأنه أعرض عن العمل بالأخبار الآحاد، كما عليه السيد
مرتضى قدس سره. راجع: نقد الرجال: 291.
(5) رجال ابن داود: 120 رقم 873.
(6) منتهى المقال: 185.
(7) الوجيزة: 244 رقم 1069.
(8) حاوي الأقوال: 289. (المخطوط).
290

الاستخفاف بالاجلاء، غير مناسب لمناصب العلماء.
ثم إنه صرح في النظام: (بأن اسم الكتاب (كشف المقال)، والظاهر أنه
اشتباه منه.
تنبيه
إنه حكى الفاضل الشيخ أبو علي، في ترجمة السيد الحميري، عن العيون:
(إن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وعنده
علي والزهراء والحسنان عليهم السلام، وبين يديه رجل، يقرأ قصيدة: (لام عمرو
باللوى مربع)، فرحب به وقال: سلم عليهم، فسلم عليهم، واحدا بعد واحد. ثم
قال له: سلم على شاعرنا، ومادحنا في دار الدنيا، السيد إسماعيل) (1).
والحكاية المذكورة عجيبة، إذ ليس للمحكي عن العيون، فيه عين ولا أثر،
بل قال في المستدرك: (إنه من أغلاط كتابه غير بعيد).
كما ذكر عند كلام الفاضل المذكور في يونس بن ظبيان، في القدح فيما ذكره في
التعليقات: (من أنه روى الثقة الجليل، علي بن محمد الخزاز في كتابه
(الكفاية) عند النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام عن الصادق عليه السلام، ويظهر
منها مدح له) (2). (انتهى).
بأن ما ذكره عن الكفاية، القدح أقرب من المدح، لأنه صنف الكتاب المذكور
في إثبات (إمامة ظ) الأئمة الاثني عشر عليهم السلام من طريق المخالفين، ولذا تراه
ينقل فيها عن العامة والزيدية والواقفية ونظائرهم). (انتهى).

(1) منتهى المقال: 58.
(2) منتهى المقال: 336.
291

فإن ما ذكره في وصف الكتاب، اشتباه بلا ارتياب، بل قال: (إن ما ذكره
كذب صريح، وافتراء محض، والظاهر أنه ما رأى الكفاية في عمره، وما اطلع
على غرض مؤلفه أصلا، وأراد إبطال حق بحدس أخطأ فيه، فإنه صنفه لضعفاء
الشيعة، وجل مشائخه من شيوخ الشيعة، وقد يدخل في بعض الأسانيد، بعض
المخالفين، ككثير من أحاديث كتب الصدوق وغيره) (1). (انتهى)
والانصاف، أن ما ذكر... في طرفي الافراط والتفريط، كما هو ظاهر على
من لاحظ الكتاب (2) وما ذكر في أوله وهو كثير الطعن عليه، وذكر في موضع:

(1) خاتمة المستدرك: 863.
(2) قوله: (على من لاحظ أوله)، قال في أول الكتاب: الذي دعاني إلى جمع هذه
الأخبار عن الصحابة، والعترة الأخيار، في النصوص على الأئمة الأبرار، إني وجدت قوما
من ضعفاء الشيعة، متحيرين في ذلك، من فرط اعتراض الشبه عليهم إلى أن قال: التزمت
نفسي، الاستقصاء في هذا الباب.
وابتدأ بذكر الروايات والنصوص عليهم، من جهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفين
مثل: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وأبي ذر الغفاري،
وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت،
وزيد بن أ رقم، وأبي أمامة واثلة بن أنفع، وأبي أيوب الأنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة
ابن أسيد وعمران بن حصين وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الأنصاري
وعلي بن أبي طالب، وابنيه الحسن والحسين - عليهم صلوات الله -.
ومن النساء: أم سلمة وعائشة وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمة - صلوات الله عليهم - في لواحق حديث
الصحابة، في النصوص عن الأئمة عليهم السلام.
(هذه التعليقة من سماحة الشيخ محمد علي بن محمد هاشم الموسوي الروضاتي
الأصفهاني - أيده الله تعالى -).
292

(أنه لما أدرج التعليقات في كتابه، صار منشأ لاشتهار كتابه).
ولكن الانصاف، أنه لا يخلو عن الاعتساف، فإن تصرفاته وتتبعاته
غير عزيزة، مع ظهور أن مجرد درج الكتاب، لا يوجب الاعتبار والاشتهار
بلا ارتياب، بل أظن منزلة كتابه في الرجال، منزلة الجواهر في الفقه، فتتبع
وتأمل وأنصف.
293

الركن الثاني
في المعرفين
295

الركن الثاني
في المعرفين
وقد ذكرنا انقسامهم بالأربعة:
وهم بين معلومي الشخص والوصف، فلا بحث، ونحوه معلوم الوصف دون
الشخص، وعكس المذكور، وعبرنا عنه: بنقد المشتبهات.
ومجهولهما، وهو المعبر بتمييز المشتركات، ويعبر عنه أيضا: في مجهول
الشخص خاصة، ولاشتمال الرابع على الجهتين من الأشكال غالبا، بل ربما
يصير البحث في تعيين الشخص خاصة من جهتين، نقدم الكلام فيه.
وقد تعرض جماعة لجماعة من القسمين، ونحن نتعرض لنذر من القسمين،
اقتفاء واختصارا، فنقول مستعينا بالله سبحانه: إنه يتأتي الكلام في مقامين:
297

المقام الأول
في تمييز المشتركات وفيه مقاصد
المقصد الأول
في أبي بصير
وتحقيق الكلام فيه يتضح في مطلبين:
المطلب الأول: في تحقيق عدد من يطلق عليه هذه الكنية.
فنقول: قد اختلفوا فيه على أقوال: القول بإطلاقه على اثنين: كما هو الظاهر
من شارح المشيخة في قوله: (أبو بصير، كنية ليحيى بن القاسم، وليث
المرادي (1)). وهو الأظهر، وإن تحتمل قويا إرادة ذكر من غلب عليه
الإطلاق، دون مطلقه.
وعلى ثلاثة: والقائل به بين من يزيد على المذكورين، (يوسف بن

(1) روضة المتقين: 14 / 303.
298

الحارث) كما هو الظاهر من رجال الشيخ (1) والخلاصة (2) ومن يزيد عليهما،
(عبد الله بن محمد الأسدي)، كما عليه الفاضل العناية (3).
وعلى أربعة: وهم المذكورون كما جرى عليه جماعة، منهم: الناقد
التفرشي (4)، والناظم القرشي (5)، والنظام الساوجي (6)، وجدنا السيد العلامة.
وعلى خمسة: بتثنية يحيى، كما عليه بعض.
وقال بعض أصحابنا: (إنه ربما يطلق على غيرهم أيضا، فإنه يطلق في
الأسانيد، تارة: على حماد بن عبيد الله، كما في بعض ما رواه الكشي في
ترجمة يونس بن عبد الرحمن)، قال: (روى عن أبي بصير، حماد بن عبيد الله
ابن أسد (أسيد خ ل) الهروي، عن داود بن القاسم، أبي جعفر الجعفري) (7).
وأخرى: على حماد بن عبيد الله القندي، كما في بعض ما رواه الكشي
أيضا، في ترجمة خيران الخادم، قال: (محمد بن مسعود، قال حدثني سليمان
ابن حفص، عن أبي بصير، حماد بن عبيد الله القندي، عن إبراهيم بن

(1) رجال الطوسي: 141 رقم 17.
(2) الخلاصة: 265 رقم 1.
(3) مجمع الرجال: 4 رقم 36.
(4) نقد الرجال: 384.
(5) الظاهر أن المراد منه هو الشيخ عبد الحسين محي الدين بن الشيخ إبراهيم القرشي
الخيامي العاملي، المولود 1279 والمتوفى 1361، له المنظومة الفقهية. الذريعة: 9 / 684.
(6) هو نظام الدين محمد بن الحسين الساوجي تلميذ البهائي توفي بعد الشاه عباس
1038 بقليل. له كتاب (نظام الأقوال في معرفة الرجال) مخطوط لم يطبع إلى الان.
راجع: الذريعة: 24 / 191.
(7) رجال الكشي: 484 رقم 915.
299

مهزيار) (1).
ومال البعض إلى اتحادهما، نظرا إلى أنه قد عد ابن طاووس، في ربيع
الشيعة كلا من إبراهيم، وداود، من السفراء.
وفيه: مضافا إلى أن في النسخة الموجودة من الكشي: (أبو نصر)، في
السند الثاني: (وحماد بن عبد الله) مكبرا، أنه روى الكشي في يونس بن
عبد الرحمن، بإسناده، عن داود المذكور، عن أبي جعفر الجواد عليه السلام. وهو عليه السلام
قد قبض سنة عشرين ومائتين (2).
وثالثة: على جذعان بن نصر، كما في باب السادس عشر من الخرائج (3).
وفي الكل نظر: ولكن لعدم عنوانهم في الرجال، وانصرافه عنهم، لم يقل به
أحد.
وإذا عرفت ذلك، فنقول: إن تشريح المقام، يستدعي نشر الكلام في
فصول:

(1) رجال الكشي: 610 رقم 1133.
(2) الكافي: 1 / 492.
(3) الخرائج والجرائح: 2 / 825.
300

[الفصل الأول]
في يوسف بن الحارث
قد اختلفوا في إطلاقه عليه، على قولين:
القول بالأول، كما هو الظاهر من رجال الشيخ، في أصحاب الباقر عليه السلام
قال: (يوسف بن الحارث، بتري يكنى أبا بصير) (1).
ومن الخلاصة، في قوله: (يوسف بن الحارث، من أصحاب الباقر عليه السلام،
يكنى أبا بصير، بالياء بعد الصاد، بتري) (2).
وبه صرح ابن داود (3) والاسترابادي (4) في الكنى، وإن كان مقتضى كلامه
في الأسامي، التأمل فيه (5).
والقول بالثاني: كما عليه جماعة من المتأخرين، منهم: الفاضل السبزواري
في الذخيرة وجدنا السيد العلامة في الرسالة وجدنا العلامة في الشوارع

(1) رجال الطوسي: 141 رقم 17.
(2) الخلاصة: 265 رقم 1.
(3) رجال ابن داود: 285 رقم 557.
(4) منهج المقال: 384.
(5) منهج المقال: 376.
301

والوالد المحقق في البشارات.
وهو الأظهر، نظرا إلى أن الظاهر، أن المستند في دعوى الإطلاق، عبارة
الكشي، وهي غير مساعدة عليه بوجه، فإن فيه: (أبو نصر بن يوسف بن
الحارث) (1).
والظاهر اتفاق النسخ، على الانطباق على ذلك، إلا الشاذ النادر، ففيه:
(أبو بصير) بدل (أبو نصر).
والظاهر أن النسخة التي كانت عند الشيخ، كان فيها: (أبو بصير) فجرى
على دعوى الإطلاق، وتبعه العلامة، وتبعهما غيرهما.
وأول من جرى على الإنكار الفاضل العناية، فإنه ذكر بعد ذكر العبارة، على
الوجه الغالب:
(هكذا في نسخ الكتاب عندنا بأجمعها، وهي متعددة مصححة وغير
مصححة، واشتبه على الشيخ رحمه الله في أصحاب الباقر عليه السلام من الرجال، فقرأ
(أبو بصير يوسف بن الحارث) وتبعه غيره، فصار على اشتباههم، (أبو بصير
أربع.
فإذا وقع في رواية، حكموا بضعف الحديث، وهذا خلاف الواقع، فإنهم
ثلاثة، والثلاثة أجلاء، ثقات. والحديث صحيح، وقد خفى هذا على جميع
الأعلام والحمد لله على شبه الالهام) (2).
واستجوده بعض في منتهاه (3)، ولكن الظاهر أن الوجه في الاشتباه، هو ما
ذكرنا، مضافا إلى ما فيه: ما يظهر مما سيجئ إن شاء الله تعالى.

(1) رجال الكشي: 390 رقم 733.
(2) مجمع الرجال: 6 / 279.
(3) منتهى المقال: 335.
302

على أن ما يظهر منه، من أن منشأ الحكم بالضعف، الإطلاق المذكور،
عجيب من مثله.
كيف: وإن عمدة المستند، في الحكم المذكور عندهم، ما بنوا على ضعف
(يحيى) بواسطة التخليط، فكيف يرتفع الأشكال، بمجرد ما ذكر من منع
الإطلاق وغيره.
هذا، بل نقول: إنه لا مجال لإطلاقه عليه، ولو كانت النسخ متفقة على
أبي بصير، لأن مقتضى صريح العبارة: (أن أبا بصير، أو أبا نصر بن يوسف)،
فأين هذا من ذاك؟
فما ذكره ابن داود، من نسبة إطلاقه عليه إلى الكشي، من باب السهو، بل
السهو في السهو.
ولقد أجاد الناقد، في الأمر بالتدبر (1)، بعد ذكر كلامي الكشي والشيخ.
والظاهر أن الوجه فيه، ما ذكرناه، وهذا الوجه، أولى في الاستناد، لمنع
الإطلاق، لا أنه بناء على هذا، لا مجال لتصحيح الحديث أيضا، سوى دعوى
الانصراف عنه، ولا بأس بها.
ومما ذكرنا ظهر أن ما يظهر من الشيخ ومتابعيه، من كون (يوسف) من
المكنين بأبي بصير، لا وجه له.
ثم إنه لو وردت رواية، عن أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام، كما في
رواية التي استدل بها المشهور، في تقدير الكر بحسب المساحة (1)، فلا مجال
لاحتماله رأسا، ولو أغمضنا العين عن جميع ما تقدم.

(1) نقد الرجال: 380 رقم 5.
(2) الكافي: 3 / 3 ح 5، التهذيب: 1 / 42 ح 116 والاستبصار: 1 / 10 ح 14.
303

الفصل الثاني
في عبد الله بن محمد الأسدي
المشهور بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم، كالكشي، والشيخ، وجدنا
السيد العلامة، والوالد المحقق، وغيرهم: إطلاق (أبي بصير) عليه، لما عنون
الكشي بقوله، في أبي بصير عبد الله بن محمد الأسدي: (طاهر بن عيسى، قال:
حدثني جعفر بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن الحسن، عن
عبد الله بن وضاح، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، الحديث) (1).
ولما ذكره في رجال الشيخ في أصحاب الباقر عليه السلام: (عبد الله بن محمد
الأسدي، كوفي، يكنى أبا بصير) (2).
ولكن الظاهر العدم، نظرا إلى ما استظهره المحقق الخوانساري: من أن ذكر
هذه الرواية في هذا المقام اشتباه من الكشي، نظرا إلى أن عبد الله بن وضاح

(1) رجال الكشي: 174 رقم 299.
(2) رجال الطوسي: 129 رقم 26.
305

ممن يروي عن أبي بصير يحيى، لما ذكره النجاشي (1) وتبعه العلامة (2)
من أنه، صاحب أبا بصير، يحيى بن القاسم كثيرا، وعرف به، بل ذكر النجاشي
بعد ذلك: إن له كتبا يعرف منها: كتاب الصلاة، أكثره عن أبي بصير.
متأيدا بما رواه علي بن إبراهيم، في تفسيره في آخر سورة الكهف: (عن
الحسن، علي بن أبي حمزة، عن أبيه، والحسين بن أبي العلاء، وعبد الله بن
وضاح، وشعيب العقرقوفي، جميعهم، عن أبي بصير، عن مولانا أبي
عبد الله عليه السلام) (3).
فإن أبا بصير فيه، يحيى الأسدي، بقرينة العقرقوفي، لما سيجئ إن شاء
الله.
وعلي بن أبي حمزة، لما في بعض الأسانيد من روايته عنه، مصرحا باسمه.
والحسين بن أبي العلاء، لما قال الشيخ في الفهرست في طريقه إليه بقوله:
(يحيى بن القاسم، يكنى أبا بصير، له كتاب مناسك الحج، رواه علي بن أبي
حمزة، والحسين بن أبي العلاء) (4).
فيثبت بذلك، رواية عبد الله عنه أيضا، فإذا ثبت في موضع، فيثبت في
غيره، لما هو المقرر عندهم: من حمل المجمل على المبين.
قال: بل يؤيد المرام أيضا، ما في التهذيب، في باب الصلاة المرغب فيها:
(من الرواية عن أبي إسماعيل السراج، عن عبد الله بن وضاح، وعلي بن أبي

(1) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(2) الخلاصة: 264 رقم 3.
(3) تفسير القمي: 2 / 47.
(4) الفهرست: 178 رقم 776.
306

حمزة) (1).
فإن علي بن حمزة، يروي عن يحيى. وعبد الله بن وضاح، كما ترى في
طبقته، فإذا روى عبد الله عن أبي بصير، فالظاهر أنه يحيى.
فلقد أجاد من قال: إن ظني أن إيراده هذا الخبر في هذا المقام، مما
لاوجه له.
ومثله ما سيجئ من عنوانه (المرادي) وذكر بعض الأخبار المتعلقة
ب‍ (الأسدي) ولذا زعم بعض أنه كالأسدي، ضرير.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ربما يقال: من أنه يمكن استعلام عبد الله بن
محمد الأسدي، عن أبي بصير، برواية عبد الله بن وضاح، بل التحقيق: أن
روايته عنه مما يستعلم أنه يحيى.
ومن العجيب، ما وقع لجدنا السيد العلامة، حيث إنه جرى في فاتحة
رسالته المعمولة: على أن أبا بصير: عبد الله بن محمد الأسدي، من أصحاب
مولانا الصادق عليه السلام، استنادا إلى الرواية المذكورة من الكشي.
وقال: وإنه وإن لم يصرح في السند، بأنه عبد الله بن محمد الأسدي، لكن
ذكره في ترجمته، دليل على أن مراده عن أبي بصير، ذلك.
وعد في خاتمتها، من جملة ما يستعلم أنه يحيى، رواية عبد الله، عنه،
تعويلا على ما تقدم من كلام النجاشي. قال: وهذا الكلام، يرجح حمل
أبي بصير، فيما إذا روى عبد الله بن وضاح عنه، على يحيى
هذا ومقتضى ما تقدم من الفاضل العناية، القول بوثاقة عبد الله بن

(1) التهذيب: 3 / 313 ح 16.
307

محمد (1)، كما هو مقتضى كلام الفاضل الخاجوئي (2) أيضا.
والمستند، دعوى اتحاده مع الحجال المزخرف الذي عنونه النجاشي (3)
والعلامة (4) ووثقاه. وسبقهما الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه السلام فقال:
(عبد الله بن محمد الحجال، مولي بني تيم الله، ثقة) (5).
وما وقع من بعض الجامعين (6)، من نقل كلامه بدون توثيقه، فمبني على
السهو.
وقال النجاشي: (عبد الله بن محمد الأسدي، مولاهم، كوفي، الحجال
المزخرف، أبو محمد، وقيل: إنه من موالي بني نهم، ثقة، ثقة، ثبت) (7). وذكر
مثله العلامة (8).
وهو جيد بناء على ما سمعت: من أن الظاهر عدم تكنيته بأبي بصير، مضافا
إلى أن التتبع في الأسانيد هناك، يكشف عنه أيضا.
فإنه يذكر فيها تارة: بنفس اللقب، كما في الكافي، في باب التفويض، فإنه

(1) مجمع الرجال: 4 / 36.
(2) الفوائد الرجالية: 130.
(3) رجال النجاشي: 226 رقم 595.
(4) الخلاصة: 105 رقم 18.
(5) رجال الطوسي: 381 رقم 18.
(6) المراد منه هو السيد التفرشي حيث نقل عن رجال الشيخ في أصحاب الرضا عليه السلام
من دون ذكر توثيقه. راجع نقد الرجال: 206.
(7) رجال النجاشي: 226 رقم 595.
(8) الخلاصة: 105 رقم 18.
308

روى فيه: (عن العدة، عن أحمد، عن الحجال) (1).
ومثله ما في باب الروح منه (2). وكذا باب حجج الله تعالى على خلقه (3).
وفيه في باب البداء: (محمد، عن أحمد، عن الحجال) (4).
وفي الفقيه، في باب اللقطة: (وروى الحجال، عن داود بن أبي يزيد) (5).
وفي الخرائج، في باب السادس عشر: (وعن الصفار والحجال).
وفي الفهرست، في ترجمة داود: (أخبرنا جماعة، - إلى أن قال -: عن
محمد، عن الحجال) (6) (7).
وأخرى: بالاسم واللقب، كما في الكافي، في باب ذكر الصحيفة والجفر،
ففيه: (العدة، عن أحمد، عن عبد الله الحجال) (8).
وفي الكشي، في ترجمة أبي ذر: (محمد، عن جعفر، عن حمران، عن
محمد، عن يونس، عن عبد الله الحجال) (9).

(1) الكافي: 1 / 266 ح 3.
(2) الكافي: 1 / 133 ح 2.
(3) الكافي: 1 / 164 ح 2.
(4) الكافي: 1 / 146 ح 1.
(5) الفقيه: 3 / 189 ح 17.
(6) ذكر العلامة في ترجمة الحسن بن علي أبو محمد الحجال: وسمى الحجال، لأنه
كان دائما يعادل الحجال الكوفي، الذي كان يبيع الحجال، فسمى باسمه. (منه عفى عنه).
(7) الفهرست: 69 رقم 277.
(8) الكافي: 5 / 149 ح 12.
(9) رجال الكشي: 31 رقم 59. قوله: (في ترجمة أبي ذر) من سهو قلمه الشريف، بل
قاله في ترجمة عمار بن ياسر. كذا قوله (عن حمران) سهو منه قدس سره، بل الصحيح: (عن
حمدان) وهو: حمدان بن سليمان النيسابوري.
309

وفي ترجمة حمران: (حدثني الحسين، عن سعد، قال: حدثنا عبد الله
الحجال) (1).
وثالثة: بالاسم واللقب، مضافا إلى اسم أبيه، كما في الفقيه، في باب الوصية
للوارث: (وروى عن عبد الله بن محمد الحجال، عن ثعلبة) (2).
وفي الإكمال، في باب علامات خروج القائم - عجل الله تعالى فرجه -:
(ابن الوليد، عن الصفار، عن معروف، عن علي، عن عبد الله بن محمد
الحجال) (3).
وفي التهذيب، في باب القبلة: (محمد، عن الحسن، عن عبد الله بن محمد
الحجال) (4).
وفي الكشي، في ترجمة يونس بن عبد الرحمن: (آدم، عن علي، عن
أحمد، عن عبد الله بن محمد الحجال) (5).
وفي ترجمة إخوة زرارة: (محمد، عن سعد، عن أحمد، عن عبد الله بن
محمد الحجال) (6).
ورابعة: بالكنية واللقب، كما في الكشي في ترجمة صعصعة: (محمد، عن
العباس، عن أبي محمد الحجال) (7).

(1) رجال الكشي: 178 رقم 309.
(2) الفقيه: 4 / 195 ح 5444.
(3) إكمال الدين: 2 / 649 ح 2.
(4) التهذيب: 2 / 44 ح 139. فيه: (عبيد الله بن محمد الحجال).
(5) رجال الكشي: 496 رقم 954.
(6) رجال الكشي: 161 رقم 272. ذكره في ترجمة محمد بن مسلم الطائفي الثقفي.
(7) رجال الكشي: 68 رقم 122.،
310

فعلى هذه الأنحاء، يذكر في الأسانيد. والمظنون، لو لم يكن من المقطوع،
عدم إطلاق أبي بصير عليه رأسا.
وأما عدم وقوع التوصيف بما في كلام النجاشي، في كلام الكشي والشيخ،
فالظاهر أنه من باب الاختصار.
ومما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على التغاير، بأن الظاهر من الكشي
والشيخ، عدم اتصاف المذكور في كلامهما بالوصفين، كما أن الظاهر من
النجاشي، عدم التكنية بأبي بصير، ولذا ذكرهما ابن داود، في عنوانين (1)،
وتبعه المحقق الأنصاري (2).
وأما ما صنعه التفرشي، من تثليث العنوان، فعنون تارة: عبد الله بن محمد
الأسدي (3)
وأخرى: عبد الله بن محمد الأسدي الحجال المزخرف (4).
وثالثة: عبد الله المزخرف (5)، فلا إشكال في فساده، كما ينصرح من نفسه.
ثم إن الظاهر أن النجاشي، أشار إلى كلام الشيخ بقوله: (وقيل إنه مولى من

(1) قال في باب الأسماء: (عبد الله بن محمد الأسدي مولاهم كوفي الحجال...
أبو محمد...). رجال ابن داود: 122 رقم 896.
وقال في باب الكنى: (أبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي). رجال ابن داود: 214
رقم 9.
(2) رجال الأنصاري المخطوط بقلمه الشريف: 74 و 138.
(3) نقد الرجال: 205 رقم 218.
(4) نقد الرجال: 206 رقم 219.
(5) نقد الرجال: 207 رقم 243.
311

بني تيم) (1). كما يحكى عنه كثيرا، كما أن الظاهر، أن ما وقع في كثير من نسخ
النجاشي: (من أنه من بني نهم) كما حكى السيد الناقد عنه كذلك (2)، من باب
الاشتباه وغلط النسخ.

(1) رجال النجاشي: 226 رقم 595، فيه: (وقيل إنه من موالي بني تيم).
(2) نقد الرجال: 206 رقم 219.
312

الفصل الثالث
في يحيى
وقبل الخوض في المقال، نذكر كلمات علماء الرجال، توضيحا للمرام
وتنقيحا للمقام.
فنقول: قال الكشي، في يحيى بن أبي القاسم أبي بصير: (ويحيى بن القاسم
الحذاء: حمدويه، ذكره عن بعض أشياخه: يحيى بن القاسم الحذاء الأزدي،
واقفي) (1).
ثم ذكر شطرا من الأخبار التي سيجئ ذكرها إن شاء الله.
وقال البرقي في رجاله في أصحاب مولانا الباقر عليه السلام: (أبو بصير، يحيى بن
أبي القاسم الأسدي، واسم أبي القاسم، يحيى بن القاسم) (2).
وفي أصحاب مولانا الصادق عليه السلام: أبو بصير الأسدي، يحيى بن القاسم،
وكان أبو عبد الله عليه السلام يكنى بأبي بصير، أبا محمد) (3).

(1) رجال الكشي: 474 رقم 901.
(2) رجال البرقي: 11.
(3) رجال البرقي: 17.
313

وعن العقيقي: (يحيى بن القاسم الأسدي، مولاهم، ولد مكفوفا رأى الدنيا
مرتين، مسح أبو عبد الله عليه السلام على عينيه وقال: أنظر ماذا ترى...) (1).
وقال الشيخ في الرجال، في باب أصحاب مولانا الباقر عليه السلام: (يحيى بن
أبي القاسم، يكنى أبا بصير، مكفوف، واسم أبي القاسم إسحاق) (2).
فقال بلا فصل: (يحيى بن أبي القاسم، الحذاء) (3).
وقال في باب أصحاب مولانا الصادق عليه السلام: (يحيى بن القاسم، أبو محمد،
يعرف بأبي بصير الأسدي، مولاهم، كوفي، تابعي مات سنة خمسين ومائة بعد
أبي عبد الله عليه السلام) (4).
وقال في باب أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام: (يحيى بن القاسم الحذاء،
واقفي) (5).
(يوسف بن يعقوب، واقفي) (6).
(يحيى بن أبي القاسم، يكنى أبا بصير) (7).
وقال في الفهرست: (يحيى بن القاسم، يكنى أبا بصير، له كتاب مناسك
الحج، رواه علي بن حمزة، والحسين بن أبي العلاء، عنه) (8).

(1) الخلاصة: 264 رقم 3.
(2) رجال الطوسي: 140 رقم 2.
(3) رجال الطوسي: 140 رقم 3.
(4) رجال الطوسي: 333 رقم 9. فيه: (يكنى بأبي نصير).
(5) رجال الطوسي: 364 رقم 16.
(6) رجال الطوسي: 364 رقم 17. فيه: (يوسف بن يعقوب، واقفي).
(7) رجال الطوسي: 364 رقم 18.
(8) الفهرست: 178 رقم 776.
314

وقال النجاشي: (يحيى بن القاسم، أبو بصير الأسدي، وقيل أبو محمد، ثقة،
وجيه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقيل يحيى بن أبي القاسم،
واسم أبي القاسم، إسحاق، وروى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ومات أبو بصير،
سنة خمسين ومائة) (1). (انتهى).
فظهر أنهم بين من جرى على وحدة العنوان: كالبرقي، والعقيقي،
والنجاشي.
وعلى التثنية: كالكشي. وعلى التثليث: كالشيخ.
وقد تصدى العلامة للتنقيح:
فقال في الجزء الثاني من الخلاصة: (يحيى بن القاسم الحذاء - بالحاء
المهملة - من أصحاب الكاظم عليه السلام كان يكنى أبا بصير، وقيل: إنه أبو محمد.
اختلف قول علمائنا فيه: قال الشيخ الطوسي: (إنه واقفي) وروى الكشي،
ما يتضمن ذلك، وقال: (أبو بصير، يحيى بن القاسم، الحذاء، الأزدي، هذا
يكنى أبا محمد.
قال ابن مسعود: (سألت علي بن الحسن بن فضال، عن أبي بصير هذا، هل
كان متهما بالغلو؟ فقال: أما بالغلو، فلا! ولكن كان مخلطا.
- فحكى ما تقدم من النجاشي والعقيقي - فقال: والذي أراه: العمل بروايته،
وكان مذهبه فاسدا) (2).
ولا يخفى أن ذكره في الجزء الثاني، وتصريحه بقبول روايته، مناف لما
صرح به في أوله: (من أنه موضوع لذكر الضعفاء، ومن يتوقف فيه) مع أنه

(1) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(2) الخلاصة: 264 رقم 3.
315

مناقض لما صرح به في الجزء الأول، في عنوان ليث البختري: (بأن أبا بصير
الأسدي، ممن اجتمعت العصابة على تصحيح سلايقه، والأقرار له بالفقه) (1).
ومن المعلوم، أن الأسدي المجمع على تصديقه، من الطبقة الأولى، من
الطبقات الثلاث، عديل زرارة، ومحمد بن مسلم، ونظرائهما وأين ذلك من
الوقف والتخليط ونحوهما.
مضافا إلى أن ما ينصرح من كلامه، من طرح الاتحاد بين يحيى بن أبي
القاسم الأسدي، ويحيى بن القاسم الحذاء الواقفي، بل وبينه وبين الحذاء
المطلق، لا وجه له، كما سينصرح فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ونحوه ما ينصرح من الفاضل الأسترابادي (2)، وغيره.
ومما ذكر ينصرح، أن ما يظهر من صاحب الجواهر (3) وغيره، من تسلم
وثاقة يحيى، وأن الأشكال، في أخبار أبي بصير، من غير جهته، على حذو
ما تقدم في كلام الفاضل العناية، غير سديد (4).
فإن عمدة الأشكال فيها من جهته، فإن مستند القائلين بضعف أخباره،
مبنى على مقدمات اشتراكه: بين الثقة، وهو المرادي، والضعيف، وهو يحيى.
واتحاد يحيى الأسدي مع الحذاء، وواقفية الحذاء، مضافا إلى تخليط الأسدي.
وعلى القائل بصحة أخباره تضعيف هذه المباني.
إذا عرفت ذلك، فنقول: المقام يقتضي رسم مباحث:

(1) الخلاصة: 136 رقم 2.
(2) منهج المقال: 371.
(3) جواهر الكلام: 1 / 175.
(4) مجمع الرجال: 6 / 279.
316

المقام يقتضي رسم مباحث
المبحث الأول
[في يحيى بن أبي القاسم الأسدي]
في أن يحيى بن أبي القاسم الأسدي، متحد مع يحيى الحذاء (1) الواقفي
أم لا؟
الذي يظهر منهم، قولان:
القول بالاتحاد: كما هو ظاهر العلامة في الخلاصة (2) والشهيد الثاني في
المسالك في كتاب النكاح، فإنه بعد ذكر حديث مشتمل سنده، على أبي بصير،
نظر في صحته: (بأن أبا بصير الذي روى عن الصادق عليه السلام، مشترك بين اثنين:
ليث بن البختري المرادي، وهو المشهور بالثقة، ويحيى بن القاسم الأسدي،
وهو واقفي، ضعيف، مخلط) (3).

(1) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال الممدودة، ذكره في التوضيح، ولكن مقتضى
ما ذكر في المجمع: من أن الحذاء، بالكسر والمد: الفعال والجمع: أحذية، مثل كساء
وأكسية، أنه بكسر الحاء. (منه عفى عنه).
(2) الخلاصة: 264 رقم 3.
(3) المسالك: 2 / 413.
317

وهو الظاهر من صاحب المدارك (1).
والقول بالتعدد: كما هو الظاهر من الفاضل السبزواري عند الكلام في
تقدير الكر (2).
ومن العجيب في المقام، ما صدر من المحدث البحراني، حيث إنه بعد
ما نقل جملة من إفاداة الفاضل المذكور، قال: (وكلامه، وإن كان للمناقشة
فيه مجال، إلا أنه لا يخلو عن قرب.
وكيف كان، فالمفهوم من تتبع الأخبار الواردة، وخطاب الأئمة عليهم السلام معه،
زيادة على ما روى في الخلاصة، جلالة شأنه.
والأخبار الواردة بذمه قد ورد مثلها، بل أشنع منها، فيمن هو أجل قدرا
منه،. والجواب في الموضعين، واحد) (3).
فأنت خبير بأن ما ذكره، إنما ينفع على تقدير ثبوت وحدة أبي بصير، وعدم
اشتراكه بين الثقة والضعيف، كما هو الحال في ورود الأخبار الدالة على ذم من
ثبت جلالته، مثل: زرارة ومن ضاهاه.
وأما بعد فرض الاشتراك، فلا وقع لما ذكره في المقام.
وكيف كان، وجرى على القول المزبور، المولى التقي المجلسي، في شرح
المشيخة (4) والعلامة البهبهاني في التعليقات (2) وجدنا السيد العلامة في
الرسالة، وجدنا العلامة في الشوارع والوالد المحقق في البشارات وغيرهم.

(1) مدارك الأحكام: 3 / 259، 7 / 73 و 8 / 187.
(2) الذخيرة: 122.
(3) الحدائق: 1 / 270.
(4) روضة المتقين: 14 / 305.
(5) تعليقه الوحيد على منهج المقال: 371.
318

وهو الأظهر، ويدل عليه أمور:
الأول: تعدد العنوان من الكشي، حيث إنه عنون في كتابه كما تقدم بقوله
في يحيى بن أبي القاسم أبي بصير ويحيى بن القاسم الحذاء: (حمدويه، ذكر
عن بعض أشياخه: يحيى بن القاسم الحذاء، الأزدي، واقفي) (1). (انتهى).
فإنه لا ريب في أن مقتضى سياقه، تعدد المعنون، بل قال جدنا السيد العلامة
- أعلى الله تعالى مقامه -: إنه يقتضى المغايرة من وجوه خمسة:
من تكرر الذكر.
وظهور العطف في المغايرة.
وذكر الأب في الأول بالتكنية، وفي الثاني بالاسم.
وذكر أبي بصير في الأول دون الثاني.
ووضع الظاهر مقام الضمير، في قوله: (حمدويه، ذكر عن بعض أشياخه:
يحيى بن القاسم الحذاء، واقفي) إذ المناسب، أن يقول إنه واقفي.
وهو جيد، ولكن يضعف الثالث، بما سنذكر من موارد، قد عبر فيها عن
الكنية بالأسم، كما ذكر في ذيل العنوان، بعد ذكر الخبر المتعلق بالحذاء: (وأبو
بصير هذا، يحيى بن القاسم، يكنى أبا محمد).
ومقتضاه، بناء على كون المشار إليه، هو المذكور في صدر العنوان،
الإطلاق على وجه التسمية فيمن أطلق هاهنا على وجه التكنية.
نعم، يثبت منه أمر آخر يقتضي التعدد، وهو تكنية الأول بأبي محمد، دون
الثاني.
والأخير: بأنه قد وقع مثله منه في غير موضع، مع القطع بالاتحاد كما أنه

(1) رجال الكشي: 474 رقم 901.
319

عنون: حنان بن سدير فقال: (سمعت حمدويه، ذكره عن أشياخه: أن حنان بن
سدير، واقفي).
وكذا: (درست بن أبي منصور فقال حمدويه: قال حدثني بعض أشياخي،
قال: درست بن أبي منصور واسطى، واقفي).
وكذا: (أحمد بن فضل الخزاعي، واقفي حمدويه، قال ذكر بعض أشياخي:
إن أحمد بن الفضل الخزاعي، واقفي).
وكذا: (عبد الله بن عثمان - قال -: حمدويه، سمعت الحر بن موسى، يقول:
عبد الله بن عثمان، واقفي) (1).
ونظائره كثيرة، يقف عليها المتتبع.
هذا، وبقى وجهان آخران، لم يذكرهما.
وهما: تقييد الثاني بالحذاء، دون الأول. وموافقة قوله: (حمدويه ذكر عن
بعض أشياخه) (2)، للثاني، فإن من البعيد اتحادهما، مع موافقة المنقول عن
بعض الأشياخ، في خصوص الثاني في ذكر الأب بالاسم، وتعقيب الاسم
بالكنية.
ومما ذكرنا ظهر ضعف استظهار الاتحاد من الأسترابادي، من العبارة
المذكورة (3).
بل ربما استدل عليه بعض أصحابنا: (بأن الظاهر أنه لا يذكر في كتابه غالبا
في عنوان، أكثر من واحد إلا وبينهما أو بينهم رابطة ومناسبة: كأن يكون

(1) رجال الكشي: 556 رقم 1049 فيه: (الحسن بن موسى) بدل (الحر بن موسى).
(2) المصدر.
(3) منهج المقال: 372.
320

أحدهما أبا أو أخا للاخر، أو يكونا مذكورين في خبر أو كلام لأحد من العلماء
في شأنهما. ولم يجعل الاشتراك في الاسم وما شاكله، رابطة بين الرجال في
العنوانات الواقعة في كتابه).
وأنت خبير بأنه لم يصل إلينا من أحد، أن بين أبي بصير الأسدي، وبين
يحيى بن القاسم الحذاء قرابة نسبة، أو رابطة، والظاهر عدمها، ولم يذكر في
تلك الترجمة، رواية أو كلاما من أحد، يشمل ذكرهما معا، مع أن العلامة
حكى عنه في الخلاصة، أنه قال: (أبو بصير، يحيى بن القاسم الحذاء الأزدي،
هذا يكنى أبو محمد) (1).
مضافا إلى أن العنوان في قليل من النسخ، هكذا: (في يحيى بن أبي القاسم،
أبي بصير وهو يحيى بن القاسم الحذاء).
قلت: أما الأول، فهو جيد، إلا أنه مضافا إلى عدم مقاومته للأدلة الدالة على
تعددهما - ومن هنا جريان المستدل نفسه على التعدد - أنه إنما ينتهض، بناء
على لحاظ الاختيار، دون معرفة الرجال، فحينئذ من المحتمل، أن يكونا
مذكورين في كلام لم يصل إلينا، مع أنه عنون زيد الشحام، والحارث بن
مغيرة، في عنوان (2)، مع عدم رابطة من الروابط المذكورة. فتأمل. وأما الأخيران، فيضعف أولهما، بما وقع في كلام العلامة من وجوه
الاختلال الباعثة لعدم الوثوق به.
وثانيهما، بأن الظاهر، بل بلا إشكال، أنه من تصرفات النساخ، في بعض
النسخ، لاتفاق النسخ على خلافه، إلا نادرا.

(1) الخلاصة: 264 رقم 3.
(2) رجال الكشي: 337 رقم 619.
321

الثاني: كلام الشيخ في الرجال في باب أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام، فإنه
كما عرفت، قال: (يحيى بن القاسم الحذاء، واقفي) (1). (يوسف بن يعقوب
واقفي) (2). (يحيى بن أبي القاسم، يكنى أبا بصير) (3).
فإن كلامه يعطي المغايرة من وجوه:
من تعدد عنوانهما ولا سيما مع الفصل بالأجنبي.
وذكر الوالد في الأول بالاسم، وفي الثاني بالتكنية.
ودعوى، أنه ينافي ما أثبتناه سابقا، مدفوعة، بأن ما أثبتناه: الإسقاط في
محل الثبوت، دون العكس، فلا بحث.
وتلقيب الأول بالحذاء، دون الثاني.
وتكنية الثاني بأبي بصير، دون الأول.
والحكم بوقف الأول، دون الثاني.
ولو قيل: إن تعدد العنوان إنما يدل على التعدد، لو لم يقع ذلك منه مع وحدة
المعنون، وقد وقع ذلك في كلامه كثيرا.
قلت: إنه إنما يقدح فيما ذكرنا، لو وقع التعدد في باب واحد، وهو غير
ثابت، بل الظاهر، العدم.
نعم، إنه إنما وقع التعدد وتكثر عنوان الرجال في بابين، أو أبو أب، على
حسب كونه من أصحاب إمامين، أو أئمة عليهم السلام، وهذا لا يوجب عدم الوثوق
بكلامه، بل يكشف عن غاية نقده، ونهاية مهارته، إلا أنه قد تكرر منه التكرار،

(1) رجال الطوسي: 364 رقم 16.
(2) رجال الطوسي: 364 رقم 17.
(3) رجال الطوسي 364 رقم 18.
322

في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام وغيره، مع عدم التعدد المقتضي له، ولكنه لا يقدح
فيما نحن بصدده.
وقد يجاب (1) عنه، بأنه لا ريب في ظهور التكرار في التعدد، والمخالفة في
بعض المواضع، لا يقدح في أصل الظهور، كما في نظائره من الظواهر، على أن
لاحتمال السهو، في تلك المواضع مجالا لعدم وقوع التكرار فيها، بهذا القرب
دون ما نحن فيه، فإنه لغاية قربه، وقوعه منه في غاية البعد، كما هو ظاهر.
وفيه أنه لو فرض ثبوت التكرار بهذا الوجه الشائع في كلامه في بابين
وما زاد في باب واحد، فلا ريب في سقوط ظهوره في التعدد عن درجة
الاعتبار كما هو الحال في نظائره، لو ثبت الخلاف بهذا الوجه كما أن ما يظهر
منه من احتمال السهو في هذه الأبواب، ضعيف جدا، فتدبر.
وربما استدل عليه جدنا السيد العلامة رحمه الله وسبقه صاحب الذخيرة: بتعدد
عنوان الشيخ في باب أصحاب مولانا الباقر عليه السلام لأنه قال كما سبق: (يحيى بن
أبي القاسم يكنى أبا بصير مكفوف واسم أبي القاسم إسحاق) ثم قال بلا فصل:
(يحيى بن القاسم الحذاء) (2) (3).
وفيه أنه وإن يدل على التعدد ولكنه لا يدل على ما استدل عليه من تعدد
يحيى ابن أبي القاسم الأسدي، ويحيى بن القاسم الحذاء، الذي حكم بوقفه في
أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام.
لأن يحيى بن أبي القاسم الحذاء، غير يحيى بن القاسم الحذاء الواقفي، كما

(1) المجيب: السيد السند المهدي الخوانساري رحمه الله في رسالته المعمولة في أبي بصير.
(منه رحمه الله).
(2) رجال الطوسي: 140 رقم 2.
(3) الذخيرة: 122.
323

سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
الثالث: إن أبا بصير الأسدي كما صرح به الشيخ (1) والنجاشي (2) إنما مات
في سنة خمسين ومائة، وقد عرفت الحكم بوقف يحيى بن القاسم الحذاء
والوقف إنما حدث بعد زمان وفات مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام، وهو قد
قبض في سنة ثلاث وثمانين ومائة على ما صرح به في أصول الكافي (3)
والعلامة في التحرير نقلا (4)، فيلزم أن يكون قد مات الأسدي قبل وفاته عليه السلام
بثلاث وثلاثين سنة، فكيف يتأتى الاتحاد بينهما.
وأما ما في رجال الكشي: (من أن علي بن حسان الهاشمي، واقفي،
لم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام) (2).
ونحوه ما عن الإكمال: من تقسيم فرق الواقفة على الواقفين على مولانا
أمير المؤمنين، والصادقين، والكاظم عليهم السلام (3)، فهو إطلاق غير متعارف، فإن
الإطلاق ينصرف إلى الأخير، كما صرح به العلامة البهبهاني (7).
وأما ما عن شيخنا البهائي رحمه الله: (من أن ما في الكشي من نسبة الوقف إلى
أبي بصير، ينبغي أن يعد من أغلاطه، لموته في حياة مولانا الكاظم عليه السلام

(1) رجال الطوسي: 333 رقم 9.
(2) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(3) الكافي: 1 / 476.
(4) تحرير الأحكام: 1 / 132.
(5) رجال الكشي: 451 رقم 851.
(6) إكمال الدين: 114.
(7) الفوائد الرجالية المطبوعة في آخر رجال الخاقاني: 40. فيه: (إعلم أن الواقفة هم
الذين وقفوا على الكاظم عليه السلام).
324

والوقف إنما تجدد بعده) (1)، فهو مبني على اعتقاد الاتحاد بين الأسدي
والحذاء المذكورين في كلامه، وهو فاسد كما عرفت وستعرف إن شاء الله
تعالى.
هذا مضافا إلى الأخبار الصادرة بتوسطه الدالة على أن الأئمة عليهم السلام اثني
عشر.
منها: ما رواه الصدوق في العيون: (عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى بن
أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأئمة بعدي اثني عشر، أولهم علي بن أبي
طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحجج الله على
أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر) (2). وسيأتي إن شاء الله
تفصيل المقام.
ثم إن ما ذكرنا من تجدد حدوث الوقف بعد زمان مولانا الكاظم عليه السلام يظهر
من عدة أمور:
منها: ما أورده الكشي (3): (عن أبي القاسم الحسين بن محمد، عن عمه
قال: كان بدؤ الواقفة: أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة
أموالهم، وما كان يجب عليهم فيها، فحملوه إلى وكيلين لموسى عليه السلام وكان عليه السلام
في الحبس، فاتخذا بذلك دورا وغيرها.

(1) ذكره في الفوائد الرجالية التي أدرجها المامقاني في رجاله كما في الذريعة:
16 / 339. راجع: تنقيح المقال: 3 / 311 عند ترجمة يحيى بن أبي القاسم.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 1 / 59 ح 28، باب النصوص عن الرضا عليه السلام بالإمامة في
جملة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.
(3) ذكره في أوائل الجزء السادس من رجاله (منه رحمه الله).
325

فلما مات موسى عليه السلام وانتهى الخبر إليهما، أنكرا موته، وأذاعا في الشيعة،
أنه لا يموت، لأنه هو القائم.
فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة، حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال
إلى ورثته عليه السلام واستبان للشيعة أنهما قالا ذلك، حرصا على المال) (1).
ومنها: ما عن العيون: (عن ربيع بن عبد الرحمان، قال: كان والله موسى بن
جعفر عليه السلام من المتوسمين، يعلم من يقف عليه بعد موته، ويجئ الأمام بعد
إمامته، وكان يكظم غيظه عليهم، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم، فسمي الكاظم
لذلك (2).
الرابع: إن النجاشي مع سعة باعه في الرجال، وقوة تمهره في الاطلاع على
الأحوال، عنون أبا بصير الأسدي وذكر أنه ثقة وجيه (3) وقد عرفت أن الشيخ
حكم بوقف الحذاء (4).
ومن البعيد في الغاية اتحادهما، وعدم اطلاع النجاشي عليه ولا سيما مع
حكم الشيخ به، وكون رجال الشيخ موجودا عنده في زمان التصنيف، على
ما يظهر من التتبع فيه. فعدم ذكر وقفه لا تحقيقا ولا نقلا، يكشف عن العدم، وهو
عن التعدد.
الخامس: إنه روى الكشي في المقام: (عن علي بن محمد بن القاسم الحذاء

(1) رجال الكشي: 459 رقم 871.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 1 / 112 ح 1، باب السبب الذي قيل من أجله بالوقف.
وفيه بدل (يجئ الأمام) ذكر (يجحد الأمام) وبدل (وكان يكظم غيظه) ذكر (فكان يكظم
غيظه).
(3) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(4) رجال الطوسي: 364 رقم 16.
326

الكوفي، قال: خرجت من المدينة، فلما جزت حيطانها مقبلا نحو العراق، إذا
أنا برجل على بغل أشهب يعترض الطريق، فقلت لبعض من كان معي: من هذا؟
فقالوا: ابن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -.
فقال: فقصدت قصده، فلما رآني أريده وقف لي، فانتهيت إليه لأسلم عليه،
فمد يده إلي فسلمت عليه وقبلتها.
فقال: من أنت؟
فقلت: بعض مواليك - جعلت فداك - أنا محمد بن علي بن القاسم الحذاء.
فقال: أما أن عمك كان ملتويا (1) على الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -.

(1) قوله: (ملتويا) الظاهر، انطباق النسخ على الوجه المذكور، كما هو الحال في
النسخة الموجودة، بل حكاه جدنا السيد العلامة عن خمس نسخ منه.
نعم، إنه حكاه في المنهج: (متلونا) كما هو المحكي عن شارح المشيخة، والظاهر أنه
على الأول، بمعنى الأعراض، كما ذكر في المصباح: (ولوي رأسه وبرأسه أماله).
وقال في المجمع: قوله تعالى: (لووا رؤوسهم) أي عطفوها وأمالوها، إعراضا عن ذلك،
واستكبارا ويكون (على) بمعنى (عن) كما قيل:
إذا رضيت على بني قشير * لعمر الله أعجبني رضاها
والحاصل: إنه (كان ظ) معرضا عن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -، ومن عجيب
الأعراض عنه عليه السلام ما نقله الكشي باسناده عن يزيد بن إسحاق من أنه قال: (خاصمني مرة
أخي، فقلت له: إن كان صاحبك بالمنزلة التي تقول، فاسأله أن يدعو الله لي، حتى أرجع إلى
قولكم، قال لي محمد: فدخلت على الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -، فقلت له: جعلت
فداك! إن لي أخا وهو يقول بحياة أبيك، وأنا كثيرا ما أناظره، فقال لي يوما: سل صاحبك إن
كان بالمنزلة التي ذكرت، أن يدعو الله لي حتى أصير إلى قولكم، فأنا أحب أن تدعو الله له.
فالتفت أبو الحسن عليه السلام نحو القبلة، فذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال: اللهم خذ بسمعه
وبصره ومجامع قلبه، حتى ترده إلى الحق، فلما قدم أخبرني بما كان، فوالله ما لبثت إلا
يسيرا حتى قلت بالحق.
وربما احتمل فيه جدنا السيد العلامة وجوها آخر.
منها: أن يكون بمعنى الايثار، كما في الصحاح: (لويته عليه، أي: آثرته عليه) والمعنى أن
عمك كان بعد ممات مولانا الكاظم عليه السلام مؤثرا له على الرضا عليه آلاف التحية والثناء.
ومنها: أن يكون الكلمة بالباء الموحدة ثم النون في الاخر، أي: كان ملبونا، أي: يظهر منه
السفه، ويكون (على) للتعليل، ويكون الكلام على حذف المضاف، والمعنى: إن عمك كان
يظهر منه السفاهة، لأنكار الرضا عليه السلام. قال في الصحاح: (قوم ملبونون، إذا ظهر منهم السفه)
ولا يخفى ما في الوجه الثاني من البعد، وأبعد ما ذكر بعد هما من الوجهين الآخرين. (منه عفى
عنه).
327

قلت: جعلت فداك، رجع عن ذلك.
فقال: إن كان رجع فلا بأس.
قال الكشي بعد ذكر الخبر: (واسم عمه القاسم الحذاء) (1).
والظاهر أن قوله (اسم عمه...)، سهو منه، والصحيح اسم عمه يحيى بن
القاسم الحذاء.
بل ربما نقل الرواية على هذا الوجه في الشوارع، ولكن الظاهر أنه من باب
التصحيح، لأن الظاهر انطباق النسخ على ما حكيناه، واحتمال أن يكون له
عما آخر، مدفوع، بظهور خصوص (يحيى) في المقام، نظرا إلى ذكر الرواية
في هذه الترجمة، وإلا لم يكن وجها لذكرها فيها.
وحينئذ فنقول: إن مقتضى هذه الرواية، أنه أدرك يحيى زمان مولانا الرضا
- عليه آلاف التحية والثناء -، وقد تقدم أن يحيى الأسدي، قد مات في زمان
حياة مولانا الكاظم عليه السلام في سنة خمسين ومائة.

(1) رجال الكشي: 476 رقم 903.
328

هذا، ولا يذهب عليك ما في كلام الكشي من السهو، وفي ذكر الراوي في
أحد الموضعين.
قلت: قد اشتهر الاستدلال بهذه الرواية بين الأصحاب، ولكنها لا يخلو من
شوب الارتياب، نظرا إلى أن في سنده، عبد الله بن حمدويه، ولا يتجاوز
ما ذكر في حقه عن كونه ممدوحا (1) وإسماعيل بن عباد البصري (2) وهو بهذا
الوجه، في الرجال مجهول، إلا أنه يحتمل اتحاده مع المعنون في رجال الشيخ
ب‍ (إسماعيل بن عباد القصري) (3).
ويرشد إليه - مضافا إلى الموافقة الظاهرة - ذكره في أصحاب مولانا الرضا
- عليه آلاف التحية والثناء - فتأمل، وغايته أيضا، أنه حسن ممدوح.
السادس: إن يحيى بن أبي القاسم، أسدي، كما يظهر من النجاشي (4)
ورجال الشيخ (5) وغيرهما، ويحيى بن القاسم الحذاء الواقفي، أزدي، كما
يعرف مما نقله الكشي (6) عن بعض أشياخ حمدويه، فلاوجه للاتحاد.
وربما أورد عليه الفاضل الخاجوئي: (بأن أبا بصير يحيى بن أبي القاسم،
ليس بأسدي، وإنما الأسدي هو أبو بصير عبد الله بن محمد لا غير، والاتحاد

(1) رجال ابن داود: 119 رقم 858.
(2) إسماعيل بن عباد: بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة، القصري: بفتح
القاف من قصر ابن هبيرة. وهبيرة: بضم الهاء، وفتح الباء الموحدة، حاكم العراق من جانب
مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية - لعنهم الله تعالى -، ذكره: في التوضيح. (منه رحمه الله).
(3) رجال الطوسي: 368 رقم 13.
(4) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(5) رجال الطوسي: 364 رقم 16.
(6) رجال الكشي: 474 رقم 901.
329

وهم نشأ من اشتراكهما في الكنية، وهي: أبو بصير وأبو محمد، وفي كونهما
مكفوفين ضريري العينين (1).
وفيه أنظار لا يخفى للمتأمل فيما سبق، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وأورد عليه أيضا، بأن (الأزد) بفتح الهمزة، وسكون الزاء (ى ظ)، أبوحي
من اليمن، وقالوا في التصريف في مبحث الأبدال: إذا وقعت السين الساكنة
قبل الدال، أبدلت زايا. وحينئذ فكل أزدي، أسدي، ولم يثبت كون أبي بصير
أسديا بفتح السين، حتى يكون من حي آخر.
سلمنا، ولكن الأسدي، نسبته إلى قبائل، منهم: أسد بن شريك، وهو بطن
من الأزد، ولعله من هذه القبيلة، بل نقول: لعل الظاهر، إطلاق الأسدي عليه،
لكونه مولى لبني أسد، كما هو ظاهر العقيقي، والشيخ، كما أن عبد الرحيم القصير
أسدي، لذلك.
وقد صرح ابن فضال وغيره، بكونه مولاهم، فلا مانع أيضا من كون الأزدي
أسديا.
هذا مضافا إلى قول الشيخ في الرجال، في ربيعة بن ناجذ: (الأسدي،
الأزدي، عربي، كوفي) (2). وكفى به شاهدا على إمكان الاجتماع.
وفيه أن الظاهر كما اعترف به المورد، أنهما لو كانا متحدين، لكان يوجد في
كلمات علماء الرجال، أو أسانيد الأخبار، أو متونها، أبو بصير مقيدا بذلك
القيد، فالظاهر عدم كون الأسدي، أزديا. والأزدي، أسديا.
والعجب من بعض، من متابعة المجيب جازما به، مع ظهور فساده، وتسليم
المورد واعترافه.

(1) الفوائد الرجالية للخاجوئي: 131.
(2) رجال الطوسي: 41 رقم 2.
330

المبحث الثاني
في أن الحذاء الواقفي، مغاير للحذاء المطلق، أم لا؟
الأظهر، وفاقا للسيد السند المهدي (1) والوالد المحقق، القول بالتغاير،
خلافا لجدنا السيد العلامة، نظرا إلى أنه بناء على الاتحاد، يلزم أن يكون
المعدود من أصحاب مولانا الباقر عليه السلام وهو يحيى بن القاسم الموصوف
بالحذاء (2) دون المطلق (3) باقيا إلى زمان مولانا الرضا عليه السلام لما تقدم من وقف
يحيى بن القاسم.
وكذا خبر الالتواء والتفاوت بين زمان مولانا الباقر عليه السلام ومبدء زمان مولانا
الرضا عليه السلام يقرب إلى سبعين حيث إن وفاة مولانا الباقر عليه السلام في أربع عشر
ومائة، ووفاة مولانا الكاظم عليه السلام في ثلاث وثمانين ومائة، كما ذكرهما السيد

(1) المراد منه العلامة المدقق الخوانساري في رسالته المعمولة في أحوال أبي بصير
المطبوعة ضمن الجوامع الفقهية.
(2) رجال الطوسي: 140 رقم 3.
(3) فيه تعريض على الوالد المحقق حيث إنه نسب إلى الشيخ أنه عد من أصحاب
مولانا الباقر عليه السلام يحيى بن القاسم، الخالي عن وصف الحذاء (منه رحمه الله).
331

ابن طاووس (1) من غير نقل خلاف.
ولابد أن يكون المعدود من أصحاب مولانا الباقر عليه السلام في سن عشرين مثلا
حتى يكون قابلا لتحمل الحديث، وعده من أصحابه خاليا عن الخزازة.
كما أنه لابد أن يكون مدركا من زمان مولانا الرضا عليه السلام مدة قابلة للوقف،
فيقرب سنه حينئذ من مائة، وهو بعيد.
مضافا إلى أنه بناء على الاتحاد يلزم إما عدم رواية الحذاء عن مولانا
الصادق عليه السلام، مع روايته من مولانا الباقر والكاظم عليهما السلام، أو غفلة الشيخ عن
عدة من أصحابه عليه السلام أيضا، وكل منهما بعيد، بل قيل: إن الأول عديم النظير.
ومما ذكرنا ظهر أن استدلال صاحب الذخيرة، على مغايرة الأسدي،
للحذاء الواقفي، بعنواني الشيخ في أصحاب الباقر عليه السلام وغيره (2)، ضعيف.
وأضعف منه متابعة بعض من عاصرناه (3).
كما بان أن ما ذكره جدنا السيد العلامة: (من أن ذكر (أبي) من الشيخ في
الباب الأول (4) في غير موقعه، في غير موقعه، فإنه مضافا إلى ابتنائه على
اتحاد الحذائين، وقد عرفت ضعفه، أنه لا وجه لترجيح عدم الذكر على الذكر،
بل لا يبعد ترجيح الذكر، لقرب العدم بالسقوط وأقربية السقوط بالاشتباه عن
الثبوت).
قال: كإسقاطه عن يحيى بن أبي القاسم الأسدي في باب أصحاب مولانا

(1) التحرير الطاووسي: 306 رقم 454.
(2) الذخيرة: 122.
(3) الظاهر أن المراد منه هو المحقق المامقاني. لاحظ: تنقيح المقال: 3 / 310 رقم
12975 ترجمة يحيى بن أبي القاسم الأسدي.
(4) رجال الطوسي: 140 رقم 2، أصحاب الباقر عليه السلام.
332

الصادق عليه السلام، لأن الظاهر، اتحاد الأسدي. وكلامه صريح في أن والد يحيى،
اسمه إسحاق (1) وكنيته أبو القاسم (2).
قلت: وهو أيضا في غير موقعه، نظرا إلى أنه إنما ينتهض، لولا تعبير
النجاشي في المقام (4) وكذا في ترجمة البطائني عنه بيحيى بن القاسم (4) فهذا
يكشف عن خلاف ما ذكره الشيخ في أصحاب الباقر عليه السلام (5) وصحة ما ذكره
في أصحاب الصادق عليه السلام (6). وقد تقدم تقدم قول النجاشي على الجميع عند
المعارضة.
وبمثله يضعف ما احتمله بعض أصحابنا (7) من أن يكون اسم أبيه القاسم
وكان اسم جده إسحاق، وكان إسحاق يكنى بأبي القاسم، فحيث عبروا عنه
بيحيى بن أبي القاسم نسبوه إلى جده.
قال: وعليه يزول الأشكال ويصح جميع تلك التعبيرات والأقوال.
وذلك: لما عرفت من أن النجاشي بعد ما عنون بقوله: (يحيى بن القاسم
أبو بصير الأسدي، قال: وقيل: يحيى بن أبي القاسم واسم أبي القاسم

(1) رجال الطوسي: 333 رقم 9. وفيه بعنوان (يحيى بن القاسم يعرف بأبي نصير
الأسدي).
(2) رجال الطوسي: 333 رقم 9، أصحاب الصادق عليه السلام.
(3) رجال النجاشي: 441: رقم 1187.
(4) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(5) رجال الطوسي: 140 رقم 2.
(6) رجال الطوسي: 333 رقم 9.
(7) المراد منه العلامة المدقق الخوانساري في رسالته المعمولة في أحوال أبي بصير
المطبوعة ضمن الجوامع الفقهية، 84.
333

إسحاق) (1).
ومقتضى سياق كلامه، تضعيف هذه المقالة رأسا، إلا أنه ربما يؤيد كلام
الشيخ، ما ربما يقع في بعض الأسانيد، التعبير عنه تارة: بيحيى بن أبي القاسم،
وأخرى: بيحيى بن إسحاق، كما سيجئ في روايتي الإكمال والخصال (2).
والذي يظهر لي في حل هذا الأشكال، أن الظاهر أن الاختلاف في هذه
التعبيرات، إنما هو بواسطة مسامحتهم في ذكر خصوص هذا اللفظ، فيذكرونه
تارة، ويسقطونه أخرى، مسامحة.
ويشهد على ما ذكرنا، التتبع في كلماتهم.
منها: ثبوت الاتفاق على أن اسم والد البطائني، (سالم)، كما أن اسم والد
الثمالي، (ثابت)، وكل منهما يكنيان بأبي حمزة وكثيرا ما يقع في كلماتهم
التعبير: بعلي بن حمزة البطائني، وأما إطلاق علي بن أبي حمزة، ففوق حد
الاستقصاء.
فتحقق مما ذكرنا، تغاير الأسدي، مع الحذاء الواقفي، وكذا تغاير الحذاء
المذكور، مع الحذاء المطلق، وتوهم اتحادهم أو اتحاد الأخيرين، فاسد.
ويمكن أن يكون منشأه قول الكشي، فإنه بعد ما ذكر خبر الالتواء، قال:
(واسم عمه القاسم الحذاء وأبو بصير هذا، يحيى بن القاسم يكنى أبا محمد.
قال: محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال، عن أبي بصير هذا،
هل كان متهما بالغلو؟ فقال: أما بالغلو فلا، لكن كان مخلطا) (3).

(1) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(2) أنظر إكمال الدين: 1 / 259 ح 4 و 2 / 340 ح 20 والخصال: 2 / 443 ح 36 طبعة
مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين.
(3) رجال الكشي: 476 رقم 903.
334

بناء على أن المشار إليه في قوله (وأبو بصير هذا) يحيى بن القاسم الحذاء
المتصل، بناء على ما سبق من أن الصحيح، ثبوت ما ذكر. وسقوطه سهو منه، أو
من النساخ، فيثبت من كلامه السابق، أن يحيى بن القاسم واقفي، ويثبت من
كلامه اللاحق، تكنية يحيى المذكور - أعني الحذاء الواقفي - بأبي محمد،
وأبي بصير، وتخليطه.
فيتحصل من مجموع كلامه: أن أبا بصير، هو يحيى بن القاسم الحذاء
الواقفي، المخلط.
هذا مضافا إلى وحدة العنوان في الفهرست، والنجاشي، والخلاصة لمن
بعده والعمدة، الأول. وعدم ذكره في مستند القول بالاتحاد من جدنا السيد
العلامة غير سديد، كما هو للمتأمل غير ستير.
ويضعف، بأن الظاهر أن المشار إليه، هو يحيى بن أبي القاسم المعنون في
صدر كلامه، ويشهد عليه أمور:
أحدها: عدم سبق ذكر تكنية الحذاء بأبي بصير، إلا بناء على ظهور أصل
العنوان في الاتحاد وقد عرفت ما فيه.
وثانيها: تكرار قوله يحيى بن القاسم، فإنه لو كان المراد بالمشار إليه،
يحيى ابن القاسم الحذاء المتصل بالإشارة، لكان هذا التعبير ركيكا في الغاية،
بخلاف ما لو كان المراد المعنون في الصدر، فإن بعد المشار إليه، يحسن
التكرار، كما أن قربه يقبحه.
وثالثها: كلامه في ترجمة ليث المرادي، فإنه ذكر فيها: (قال محمد بن
مسعود، قال: سألت علي بن الحسن بن فضال، عن أبي بصير، فقال: كان اسمه
يحيى بن أبي القاسم، فقال: أبو بصير كان يكنى أبا محمد، وكان مولى لبني
أسد، وكان مكفوفا، فسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال: أما بالغلو فلا يتهم به، ولكن
335

كان مخلطا) (1).
وتقريب المرام ظاهر لا حاجة إلى إطالة الكلام.
هذا هو الكلام في العمدة من المستند، وأما ما عداه فهو أظهر من أن يذكر،
كما ظهر مما مر ما في الخلاصة (2) من وجوه الاختلال، مع أن غايته أنه فهم
الاتحاد من المعنون في العناوين، وقد تحقق فساده بأوضح وجه، وأمتن
تبيين.
ويحتمل أن يكون نسخة رجال الشيخ التي كانت عند العلامة، كانت
عبارتها في أصحاب الكاظم عليه السلام هكذا: (يحيى بن القاسم الحذاء الواقفي،
يكنى أبا بصير) بسقوط ما بقى من جهة الناسخ، أو تصحيح المصحح المفسد،
مع احتمال عدم لحاظ كلامه في أصحاب الباقر عليه السلام هذا.
ومن العجيب في المقام، ما وقع لابن داود، فإنه ذكر تارة في باب
الممدوحين: (يحيى بن أبي القاسم، يكنى أبا بصير واسم أبي القاسم إسحاق
(قرم جخ) (3). وأخرى في باب المجروحين بقوله: (يحيى بن أبي القاسم، أبو
بصير الأسدي وقيل: أبو محمد الحذاء (جخ، ق، جش، قر، ق، كش) واقفي
(جش) ثقة، وجيه (غض) أما الغلو فلا، ولكن كان مخلطا، واسم أبي القاسم
إسحاق) (4).
فإنه يرد عليه: أن ما يظهر منه من طرح الاتحاد بينهم، لا وجه له، مع أن
ذكره في البابين، من باب المتناقضين.

(1) رجال الكشي: 476 رقم 903.
(2) الخلاصة: 264 رقم 3.
(3) رجال ابن داود: 202 رقم 1693. وفيه ذكر بعد العنوان (قر. ق [جخ]).
(4) رجال ابن داود: 284 رقم 552. فيه: (... الحذاء، ق، م [جش] قر، ق [كش]...).
336

على أن عدم ذكر (ق) في الباب الأول، وعدم ذكر (قر) في الباب الثاني،
فيما حكي عن الشيخ ليس على ما ينبغي.
وأورد عليه أيضا تارة (1): بأن ما حكاه بقوله: (وقيل: أبو محمد الحذاء)
مخالف للواقع، لأن ذكر الكنية بأبي محمد، إنما وقع في الكشي، ورجال
الشيخ والنجاشي وليس في شئ منهما، هذا القيد.
وأخرى: بأن ما حكاه عن الكشي من أنه حكم بوقف الأسدي، مخالف
للواقع أيضا، بل الواقفي، هو الحذاء الأزدي.
وثالثة: بأنه تارة: بني على الاتحاد وذكره في باب المجروحين، وأخرى:
بني على التعدد وأورده في باب الممدوحين، قال: (يحيى بن القاسم
يكنى... (2) وقال أيضا: (يحيى بن القاسم (لم، كش) كوفي، قليل
الحديث (3) فهو إما مبني على اتحاد الأسدي والحذاء، فلا وجه لتعدد العنوان
في باب الممدوحين، وإما على تغايرهما، فالحذاء معدود في كلام الشيخ من
أصحاب سيدنا الباقر (3) والكاظم عليهما السلام (4)، فالحكم بأنه ممن لم يرو
عنهم عليهم السلام غير صحيح، مع أن ما حكاه عن الكشي، مخالف للواقع، سواء كان

(1) المورد السيد المحقق العلامة والسند المدقق الفهامة سمي خامس الأئمة - عليهم
من الصلوات أزكيها ومن التحيات أبلغها - جدنا السيد في رسالته المعمولة. (منه رحمه الله).
(2) رجال ابن داود: 202، رقم 1693 وفيه: (يحيى ابن أبي القاسم يكنى أبا بصير...).
(3) رجال ابن داود: 204 رقم 1714 وفيه: (يحيى بن هاشم، (لم، جش) كوفي، ثقة،
قليل الحديث). وفي رقم 1719: (يحيى بن هاشم، كوفي، قليل الحديث، ثقة) كما يأتي
عن المؤلف الإشارة إليه.
(4) رجال الطوسي: 140 رقم 3.
(5) رجال الطوسي: 364 رقم 16.
337

المراد منه ما كان مذكورا قبل العلامة، أو بعده.
أقول: وفي الكل نظر.
أما الأول: فلأنه مبني على أن يكون الحذاء، في قوله قيدا للكنية، ومن
المحتمل أن يكون صفة، بل هو المظنون لو لم يكن من المقطوع، فإن بنائه على
نقل كلمات علماء الرجال، وهو في كلام الكشي والشيخ كما ترى صفة ليحيى.
فالكلام بنفسه وإن كان ظاهرا فيما ذكره، ولكن بشهادة الشاهدين
مصروف عما زعمه.
وأما الثاني: فلأنه مبني على طرح الاتحاد، وبعد تسليمه لا بأس به.
وأما الأخير: فلابتنائه على غلط نسخته المحكية عنها هذه العبارة، فإن
المكتوب في ثلاث نسخ من هذا الكتاب، كما لاحظتها (يحيى بن قاسم)
ولا ربط له بما ذكره.
نعم، إنه يرد عليه، أن هذا العنوان بهذه الصفات، غير موجود في كتب
الرجال، والظاهر أنه مصحف (يحيى بن هاشم) المعنون في رجال النجاشي
بقوله: (يحيى بن هاشم، كوفي، قليل الحديث (1).
وحينئذ قوله (كش)، مصحف أيضا عن (جش)، وقد كثر هذا التصحيف في
هذا التصنيف.

(1) رجال النجاشي: 445 رقم 1203.
338

المبحث الثالث
في تحقيق من يكنى بأبي بصير ممن يسمى بيحيى
فنقول: إنه لا إشكال في تكنية الأسدي به، لدلالة كلام الشيخ في الرجال
في كل من الأبواب الثلاثة السابقة، وكذا في الفهرست (1) والنجاشي (2)، بل
وكذا الكشي على ما اخترناه في المراد منه، مضافا إلى وقوع التكني به في
غير واحد من الأسانيد، كما سيأتي ذكرها - إن شاء الله -.
كما أنه لا ينبغي الأشكال في عدم تكنية الحذائين به، لعدم الدليل عليه من
عبائر علماء الرجال وأسانيد الأخبار.
نعم، إنه ربما يوهم ذلك، كلام الكشي من قوله: (وأبو بصير هذا، يحيى بن
القاسم يكنى أبا محمد (3)، بناء على أن يكون المشار إليه، يحيى بن القاسم
الحذاء.
ولكن، قد عرفت ضعفه كما أنه ربما يوهم كلام العلامة، فإنه قال كما تقدم:

(1) الفهرست: 178 رقم 776.
(2) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(3) رجال الكشي: 476 رقم 903.
339

(يحيى بن القاسم الحذاء، كان يكنى أبا بصير (1) وهو مبني على فهم الاتحاد
وهو واضح الفساد.
ومما ذكرنا، ظهر ضعف ما استظهره بعض من عاصرناه، من أن المسمى
بيحيى، المكنى بأبي بصير، رجلان.
أحدهما: يحيى بن أبي القاسم الأسدي، وهو المكفوف.
وثانيهما: يحيى بن القاسم الأزدي الواقفي (2). وفيه ضعف من وجه آخر
يظهر مما سبق.
ولقد أجاد من قال: (إنه إذا لاحظت كلماتهم ظهر لك فساد ما يمكن أن
يتوهم من أن يحيى بن القاسم الحذاء، أيضا يكنى بأبي بصير، لعدم وصول
ذلك إلينا من أحد من القائلين بعدم الاتحاد) (3).
فظهر أنه لا يكنى بهذه الكنية ممن يسمى بيحيى، سوى الأسدي، كما أن
الظاهر أنه لا ينصرف هذه الكنية، ممن يكنى بها، إلا إليه.
وذلك لأكثرية إطلاقها عليه، كما استظهره بعض لمن (ممن ظ) تتبع أسانيد
الأخبار، وتجسس خلال الديار، ولما تقدم في كلام علي بن الحسن بن فضال
في جواب محمد بن مسعود، حين سأله عن أبي بصير، فإنه لما جرى في
الجواب على ذكر حال يحيى، من دون استفسار عن المراد به، يكشف عن
انصرافه إليه، وإلا لاستفسر عن المراد، كما استفسر في جوابه عن سؤاله عن
علي بن حسان، بقوله: عن أيهما سألت؟ أما الواسطي، فإنه ثقة، وأما الذي

(1) الخلاصة: 264 رقم 3.
(2) راجع: تنقيح المقال: 3 / 308 رقم 12975.
(3) رسالة في تحقيق أحوال أبي بصير: 89.
340

عندنا يروي عن عمه عبد الرحمن بن كثير، فهو كذاب، واقفي (1).
وربما استدل عليه أيضا بعبارة النجاشي، حيث قال: (ليث بن البختري
المرادي، أبو محمد، وقيل: أبو بصير الأصغر) (2).
فإن في قوله (وقيل: أبو بصير الأصغر) واقتصاره على ذلك، إشعارا
بتمريض كون (ليث) مكنى بأبي بصير.
وفيه أن الظاهر، الأشعار بتمريض كونه مكنيا بأبي بصير الأصغر، وهو
كذلك، لأنا لم نجد في أسانيد الأخبار، ولا في كلمات الرجال، تكنيته به.
ويدل على كون المراد ما ذكرناه، القطع بتكنيته به، من الأصحاب، بل وكذا
من المستدل في غير موضع، ويكشف عنه التتبع في الأسانيد، وكتب القوم،
كما قال الشيخ في الفهرست: (ليث المرادي، يكنى أبا بصير) (3).
ولو تنزلنا عن انصرافها إليه، فهي مترددة بينه وبين (ليث)، كما صرح به
بعض المحققين (4) قال:
(وأما يوسف بن الحارث، وعبد الله بن محمد الأسدي، فإن كان رواية أبي
بصير عن مولانا الصادق أو الكاظم عليهما السلام، فعدم احتماله لأحد منهما ظاهر،
لكونهما من رجال مولانا الباقر عليه السلام، ليس إلا.
وكذا إذا كانت عن أحد من الرواة الذين نشأوا بعدهما، أو كان الراوي عن
أبي بصير، من لم يلق أحدا منهما، وإن كانت عن مولانا الباقر عليه السلام أو أحد من

(1) رجال الكشي: 476 رقم 903.
(2) رجال النجاشي: 321 رقم 876.
(3) الفهرست: 130 رقم 574.
(4) المراد منه، العلامة الفهامة المحقق الخوانساري قدس سره.
341

الرواة الذين كانوا في زمانهما وكان الراوي عن أبي بصير، من أمكن أن يكون
أدركهما، أو أدرك أحدهما، فأبو بصير فيها أيضا لا يحتمل أحدا منهما.
حيث إنهما ممن لم يذكره الشيخ في الفهرست، ولا النجاشي في كتابه،
وممن لم نقف على أحد أن يذكر له أصلا أو كتابا وممن لم نجد له رواية نحكم
بأنها منه، ولم نجد ذكرهما باسمهما في كتب الأخبار، لا في الأسانيد، ولا في
المتون، وأحدهما مهمل ولم يذكره في الخلاصة، والاخر غير معلوم كونه
مكنى بأبي بصير، فلا يكون كلاهما أو أحدهما من المعروفين، وممن شاع
استعماله فيه في عرف الرواة، والفقهاء، إلى أن ساوى شيوع استعماله، في
يحيى بن القاسم، أو ليث المرادي أو قارب ذلك) (1). (انتهى). فتأمل.
بقي الكلام في ذكر أبي بصير المرادي وتفصيل القول فيه في المطلب
الآتي.

(1) رسالة في أحوال أبي بصير: 106. (آخر الرسالة).
342

المبحث الرابع
[في حال يحيى الأسدي]
اختلفوا في حال يحيى الأسدي، فالمشهور (1) على إماميته وعدالته،
وجرى جماعة (2) على وقفه وتخليطه، والمنصور هو المشهور، لوجوه:
الأول: صحيحة شعيب العقرقوفي (3).

(1) راجع: إتقان المقال: القسم الأول، 147، رجال النجاشي: 441 رقم 1187، رجال
ابن داود: 202 رقم 1693 والفوائد الرجالية للخاجوئي: 130.
(2) راجع: رجال ابن داود: 284 رقم 552 والخلاصة: 178 رقم 776.
(3) قيل: لم أظفر فيما حضرني من الكتب الرجالية واللغوية بتنصيص على ضبط
العقرقوفي، فمن المتبين، إهمال الأول، والراء الساكنة بين القافين، ومن المشتبه، الحرف
الأخير، حيث لم يتبين بعد أنه قاف أيضا، أو فاء أو نون، وفي المواضع اختلاف في الصورة
ولم أظفر أيضا بمعنى يناسب النسبة (منه رحمه الله).
أقول: قال المامقاني: (العقرقوفي: بالعين المهملة والقاف المثناة المفتوحتين، ثم الراء
المهملة الساكنة، ثم القاف والواو، ثم الفاء الموحدة، ثم الياء، نسبة إلى عقرقوف وهو
(عقر) أضيف إلى (قوف) فصار مركبا.
قيل: هي قرية من نواحي دجيل، ورد بالمنع، وأنه من نواحي نهر عيسى بينها وبين
بغداد أربعة فراسخ، إلى جانبها تل عظيم عال، يرى من خمسة فراسخ، بل أكثر، وفي
وسطه بناء باللبن والقصب، كأنه قد كان أعلى مما هو، فاستهدم بالمطر فصار ما تهدم حوله تلا
عاليا. كذا في مراصد الاطلاع للياقوت الحموي. تنقيح المقال: 2 / 19 رقم 114 عند ترجمة
إبراهيم بن شعيب العقرقوفي.
قال الحموي في المعجم، بعد قوله بأنه مركب من عقر وقوف: (وهي قرية من نواحي
دجيل، بينها وبين بغداد، أربعة فراسخ، وإلى جانبها تل عظيم لا يدري ما هو، إلا أن ابن
الفقيه ذكر: إنه مقبرة الملوك الكيانيين، وهم ملوك كانوا قبل آل ساسان من النبط). معجم البلدان:
4 / 137.
قال السمعاني: (العقرقوفي: بفتح العين المهملة والراء المهملة، بين القافين أولاهما مفتوحة
، والثانية مضمومة وفي آخرها الفاء بعد الواو.
هذه النسبة إلى عقرقوف وهي قرية قديمة على فرسخين من بغداد، وتل عقرقوف من
المواضع العالية المشهورة بالعراق، ونزلت به ساعة في الرحلة الثانية إلى الأنبار وقعدت في ظل
التل ساعة وأقمت في جامعها نصف النهار. الأنساب: 4 / 216. وراجع أيضا توضيح الاشتباه
للساروي: 13.
أما قول المؤلف قدس سره (لم يتبين أنه قاف، أو فاء، أو نون) غير تام، إذ كلما تفحصنا في كتب
الرجال والحديث لم أجد من ذكره بغير القاف. راجع ترجمته في: إتقان المقال: 71،
بهجة الآمال
: 5 / 16، تنقيح المقال: 2 / 86 رقم 5587، جامع الرواة: 1 / 400، الخلاصة: 86، رجال
ابن داود: 109 رقم 758، رجال البرقي: 29، رجال الطوسي: 217 رقم 7 و 352 رقم 1،
رجال النجاشي: 195 رقم 520، الفهرست: 82 رقم 341، معجم الثقات: 63 / 414، معجم
رجال الحديث: 9 / 38 رقم 5742، منتهى المقال: 162، منهج المقال: 179 وهداية المحدثين:
79.
كذا قد ورد في الكتب الأربعة في 41 موردا وفي الوسائل، 45 موردا وفي المستدرك، 11
موردا وفي البحار، 50 موردا كما استفدنا من الكمبيوتر وفي كل هذه الموارد جاء (العقرقوفي).
نعم، ورد في الكافي: 8 / 222 ح 279 (العقرقوقي) وهو مصحف قطعا، لورود هذه
الرواية في معاني الأخبار: 165، البحار: 6 / 129 ح 19، 72 / 39 ح 36، 81 / 172 ح 9 وفي
كلها (العقرقوفي)، ولكونه مخالفا لما ذكرنا من الموارد في الأحاديث.
343

(قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن شئ فمن نسأل؟
قال: عليك بالأسدي، يعنى أبا بصير) (1).
والظاهر أن المراد به، هو يحيى الأسدي، دون الحذائين ويوسف، لعدم
الاشتهار والتكني به، والانتساب فيهم، ولا عبد الله بن محمد والبختري
للأولين في الأول، والأخير في الاخر.
فما أصر الفاضل القهبائي في مواضع من المجمع من أن المراد به، عبد الله
ابن محمد (2)، نظرا إلى أن العقرقوفي يروي عن أبي بصير، عبد الله بن محمد.
لا يحيى بن أبي القاسم، فإنه أمر الأمام عليه السلام إياه فيها، بأن يأخذ من أبي بصير
الأسدي، فهو لا يروي إلا ممن أمره الأمام عليه السلام بالأخذ عنه، وهو عبد الله بن
محمد الأسدي، كما لا يخفي وهذه قرينة جلية على أن كل موضع وقع فيه،
(شعيب، عن أبي بصير) مطلقا فهو عبد الله بن محمد، لا غير وان كان شعيب
هذا ابن أخت يحيى بن أبي القاسم.
مضافا إلى أن شعيبا هذا، أمتن من أن يروي عن يحيى هذا، وأوثق منه
وأجل، كما لا يخفى، مع أن الظاهر من التتبع الصادق، أن شعيبا في مرتبة
يحيى وطبقته، يروي عمن يروي عنه، ويروي عنه من يروي عنه.
فإن علي بن أبي حمزة البطائني، قائد يحيى هذا، يروي عن شعيب هذا،
فيحيى ليس في مرتبة يروي عنه شعيب.

(1) رجال الكشي: 171 رقم 291.
(2) مجمع الرجال: 4 / 40.
345

وأيضا يروي يعقوب بن شعيب، ولده، عن يحيى، كما سيجئ.
وأيضا ذكر الشيخ في يحيى الأسدي من الفهرست: (إن له كتابا رواه علي
ابن أبي حمزة والحسين بن أبي العلاء، عنه) (1).
وذكر في المعلى بن خنيس منه، في رواية: (عن الحسين بن أبي العلاء عن
أبي العلاء عن أبي بصير) (2)، ليس بالوجه، إذ حاصله الاستدلال عليه بوجوه
كلها مزيفة.
أحدها: إنه مأمور بالرواية عن عبد الله، فلا يروي عن غيره.
وفيه أنه مصادرة محضة، مع عدم ثبوت تكنيته به، ولا أقل من عدم
اشتهاره به، مضافا إلى شهادة سياق كلام الكشي الراوي لهذا الخبر بخلافه،
فضلا عن منافاته لذكر الشيخ، عبد الله في أصحاب مولانا الباقر عليه السلام دون
غيره، مع كثرة رواية شعيب، عن أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام.
وثانيها: إن شعيبا أجل من أن يروي عنه.
وفيه أنه مبني على دعوى اتحاد الحذاء والأسدي، وقد ثبت خلافه، وإلا
فأصل الدعوى مدخولة على أن عبد الله غير موثق، كما تقدم إلا على القول
باتحاده مع الحجال، وقد تقدم تزييفه.
مع أن عبد الله يروي في حديث الضمان عن العقرقوفي، بواسطة ابن أبي
عمير، فمن البعيد في الغاية اتحاده مع أبي بصير الذي يروي عنه العقرقوفي في
غير مورد.
مضافا إلى ما يقال: من أن رواية الأوثق عن الثقة، بل عن غير الثقة أكثر من

(1) الفهرست: 178 رقم 776.
(2) لم يذكر هذه الرواية في الفهرست، بل ذكر في رجال الكشي: 380 رقم 713.
346

أن تحصى.
وثالثها: شهادة التتبع الصادق باتحاد الطبقة.
وفيه أن رواية العقرقوفي، عمن يروي عنه الأسدي، لا ينافي روايته عنه،
لكثرة اتفاق رواية الرواة عن المعصوم بلا واسطة تارة، ومعها أخرى.
مضافا إلى أن عبد الله يروي عن مولانا الباقر عليه السلام كما جرى عليه القائل،
اعتمادا على الرواية المذكورة في الكشي (1) والعقرقوفي أيضا يروي عنه، فلو
كان رواية كل من الأسدي والعقرقوفي عن مولانا الصادق عليه السلام مانعا عن
رواية العقرقوفي عن الأسدي، فهذا يمانع عن رواية العقرقوفي عن عبد الله.
مضافا إلى ما في خبر يعقوب، ما سيجئ مع عدم ثبوت إرادة العقرقوفي
منه، على أن المعلى غير مذكور في الفهرست، رأسا كما في النسختين
الموجودتين منه.
وبالجملة: فلقد أجاد من قال (2): (إن هذا أدل النصوص على جلالة أبي
بصير المكفوف، في الثقة، والفقه، والعلم، وصحة الحديث، وارتفاع
المنزلة) (3).
الثاني: إنه روى في الكافي، في باب السجود والتسبيح والدعاء، فيه بسند
معتبر (4)، بل صحيح: (عن محمد بن مسلم، قال: صلى بنا أبو بصير في طريق

(1) رجال الكشي: 171 رقم 291.
(2) هو الحبر العماد، السيد الداماد، فيما حكى عنه في تعليقاته على الكشي (منه رحمه الله).
(3) رجال الكشي: 171 رقم 291، (طبعة آل البيت). فيه: (وهو أول النصوص على
جلالة أبي بصير...) الظاهر أنه من أغلاط المطبعة وسهو المصححين.
(4) الظاهر أن التعبير عنه بالمعتبر ثم الأضراب عنه بالصحيح، لوقوع أحمد بن محمد
ابن خالد البرقي في السند، الذي قيل فيه: ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء واعتمد
المراسيل، كما صرح به النجاشي والشيخ، ولذلك أبعده أحمد بن محمد بن عيسى، عن قم، ثم
أعاده إليها واعتذر إليه ولما توفى مشى في جنازته حافيا حاسرا، ليبرئ نفسه مما قذفه كما عن
العلامة. راجع لتحقيق المقال إلى معجم رجال الحديث: 2 / 260 رقم 857.
347

مكة فقال: وهو ساجد...) (1).
ولا ريب في ظهور ايتمام مثل محمد بن مسلم، بل ومع نظيره أو نظرائه، كما
ربما يلوح من الرواية، في تسلم كونه في مرتبة الوثاقة والعدالة، لو لم نستظهر
منه كونه في أعلى مرتبة منهما.
الثالث: ما ذكره النجاشي في ترجمته من أنه ثقة، وجيه) (2). وكفى في حقه
هذا التعديل الصادر من أعظم أركان هذا السبيل.
الرابع: ذكره الكشي في تعداد من أجمعت العصابة على تصديق ما يصح
عنهم (3).
وقريب منه ما عن ابن شهرآشوب في المناقب: (من أنه أجمعت العصابة
على أن أفقه الأولين ستة: وهم زرارة ومعروف وأبو بصير الأسدي) (4) إلى
آخر كلامه، فتأمل (5).
الخامس: إطباق القدماء بأجمعهم وكثير من متأخري المتأخرين، على

(1) الكافي 3 / 323 ح 8.
(2) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(3) رجال الكشي: 238 رقم 431.
(4) المناقب: 4 / 211.
(5) وجه التأمل: أن الظاهر أن منشأ كلام ابن شهرآشوب، هو كلام الكشي كما يشهد به
سياق كلامه، فالمرجع هو كلام الكشي. (منه رحمه الله).
348

توثيقه وتجليله، ولا بأس بذكر كلماتهم في المقام تنقيحا للمرام.
فمنها: ما عن الطبرسي في إعلام الورى: (من أنه عده من رؤساء الشيعة
وذوي الأتباع والتلامذة) (1).
ومنها: ما ذكره المحقق في المعتبر حيث إنه عده تارة: من أعيان الفضلاء
وأخرى: من فضلاء السلف من الإمامية، مقترنا في كلامه الأول إياه مع زرارة
ومحمد بن مسلم وإضرابهما (2).
ومنها: ما عن العلامة من تصحيح رواياته في غير موضع من كتبه (3) بل
قال بعض أصحابنا (4): (ظني أن من راجع كتبه الاستدلالية وتتبع نقده ورده
لروايات أبي بصير، لا يبقى له ريب: في أن يحيى بن القاسم عنده من العدول
والثقات) (5).
ومنها: ما عن السيد الداماد: (من أنه ثقة، عين، مروج، جليل المنزلة،
صحيح الحديث).
- إلى أن قال -: وبالجملة: قول رهط من المتأخرين ورميه بالضعف،
والوقف، مما لا مأخذ له أصلا وهو والمرادي، كلاهما ثقتان صحيحا
الحديث (6).

(1) إعلام الورى: 413.
(2) المعتبر: 1 / 26 و 2 / 699.
(3) الخلاصة: 264 رقم 3. فيه: (والذي أراه: العمل بروايته).
(4) المراد منه المحقق العلامة، السيد محمد مهدي الخوانساري.
(5) رسالة في تحقيق أحوال أبي بصير: 101، المطبوع ضمن الجوامع الفقهية.
(6) رجال الكشي: 1 رقم 401. (طبعة آل البيت عليهم السلام).
349

ومنها: ما ذكره في الوجيزة: (من أنه ثقة على الأظهر) (1).
ومنها: ما ذكره في الذخيرة: (من أن الراجح عندي: أن روايته صحيحة إذا
لم يكن في الطريق قادح من غير جهته) (2).
ومنها: ما ذكره في التعليقات: (من أن الظاهر، عدم كونه واقفيا، بل كونه
ثقة وجيها) (3).
إلى غير ذلك من عبائرهم، مثل ما حكم بعض أصحابنا بثقته وجلالته
وضبطه وعدالته ومدحه ووجاهته (4) وجدنا السيد العلامة بمدحه ووثاقته.
وبالجملة: الظاهر أن منشأ تضعيفه، هو الشهيد الثاني، فإنه جرى على
تضعيفه وتبعه المقدس الأردبيلي رحمه الله وتبعهما في المدارك (5) واغتروا فيه
بكلام العلامة في الخلاصة (6)، وإن هو، إلا من عدم إكمال التأمل في تحقيق
المسألة، كما حكى عن بعض، أنه لعدم التأمل صار حديث أبي بصير مشتركا
بين الثقة والمجهول عندهم، ولا يعملون بمضمونه وتركوه فظهر تغيير أحكام
الله تعالى.
وهناك أيضا وجوه أخر نستغني عنها بما مر.
نعم، هنا روايات ربما يقتضي كونه من الواقفية.

(1) الوجيزة: 25.
(2) الذخيرة: 122.
(3) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 372.
(4) رسالة في تحقيق أحوال أبي بصير: 96.
(5) المدارك: 1 / 49، حكم بضعف رواية كان أبو بصير في سنده، مستدلا بأن أبا بصير
مشترك بين الثقة والضعيف، وهكذا في: 1 / 78، 88 و....
(6) الخلاصة: 264 رقم 3.
350

فمنها: ما في خبر علي بن إسماعيل: (قال: شهدنا محمد بن عمران البارقي
في منزل علي بن أبي حمزة وعنده أبو بصير، قال محمد بن عمران: قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (هنا ثمانية محدثون، تاسعهم قائمهم)، فقام
أبو بصير فقبل رأسه وقال: سمعته من أبي جعفر عليه السلام منذ أربعين سنة) (1).
وتقريبه: إن المعنى أن من النبي وذريته ومنها فاطمة - صلوات الله عليهم -
ثمانية أشخاص محدثون - بالفتح - وجاعلهم تسعة هو القائم الموعود، أي
مولانا الكاظم عليه السلام.
وفيه أن مقتضاه، إطلاق المحدث على نبينا - صلوات الله عليه وآله - مع
أنه خلاف مقتضى بعض الأخبار، بل قال بعض أصحابنا (2): (إن الشائع الغالب
إطلاق المحدث على من ليس برسول ولا نبي، قال: بل لم نر إطلاقه على غيره
بل ورد فيها: أن المحدث هو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في
منامه) (3)، مع أن الظاهر دون المحتمل (4)، أنه كذب من الواقفية عليه.
فعن النعماني بسند لا يخلو عن الاعتبار: (عن البطائني، قال: كنت مع أبي
بصير، ومعنا مولى لأبي جعفر الباقر عليه السلام، فقال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: منا
اثنا عشر محدثا، السابع من ولدي، القائم، فقام إليه أبو بصير فقال: أشهد أني
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول منذ أربعين سنة هذا الكلام) (5).

(1) رجال الكشي: 474، رقم 901.
(2) المراد منه هو المحقق السيد الخوانساري.
(3) رسالة في أحوال أبي بصير: 89.
(4) تعريض على بعض (منه رحمه الله).
(5) الغيبة للنعماني: 96.
351

وأيضا روى في الكافي كما عن الصدوق (1) في عدة من كتبه: (عن
سماعة بن مهران، قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران، مولى أبي جعفر
في منزل. فقال محمد بن عمران سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن إثنا عشر
محدثا. فقال أبو بصير: بالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام. فحلفه مرة أو
مرتين، فحلف أنه سمعه، فقال أبو بصير: لكنه سمعته من أبي جعفر عليه السلام) (2).
هذا، مضافا إلى أن من المحتمل قويا: أن يكون المراد من الثمانية، الذين
من ولد ثالثهم عليه السلام كما يشهد به، ما في الصحيح: (عن أبي بصير، عن مولانا
أبي جعفر عليه السلام قال: يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي عليهما السلام، تاسعهم
قائمهم) (3).
وفي كمال الدين: (سئل عن أمير المؤمنين عليه السلام عن المراد بالعترة؟ فقال: أنا
والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم،
وقائمهم) (4).
وهذا هو الظاهر (5) كما فهم الكشي، فإنه قال بعد ذكره: (يعنى القائم عليه السلام،

(1) إكمال الدين: 2 / 339 ح 15.
(2) الكافي: 1 / 534 ح 20.
(3) الكافي: 1 / 533 ح 15.
(4) إكمال الدين: 1 / 240 ح 64. وفيه أيضا جاء في ذيل الحديث (لا يفارقون كتاب
الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضه).
(5) فإنه لو كان المراد من القائم فيه مولانا الكاظم عليه السلام بالتقريب المذكور في
الاستدلال، لقال عليه السلام: ابني هذا، أظهر في المراد وأوضح في المفاد، فلما لم يقل ابني هذا،
وقال تاسعهم قائمهم، يظهر أن المراد من القائم، هو الأمام الثاني عشر - عجل الله تعالى
فرجه -. (منه رحمه الله).
352

ولم يقل ابني هذا) (1).
وحينئذ فهو على نفي الوقف أدل من إثباته، فضلا عما في الرواية من ضعف
السند.
ومنها: ما في خبر حسن بن قياما: (قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام،
فقلت: جعلت فداك! ما فعل أبوك؟
فقال: مضى كما مضى آبائنا، قلت: فكيف أصنع بحديث حدثني به يعقوب
ابن شعيب عن أبي بصير أن أبا عبد الله عليه السلام قال: إن جاءكم من يخبركم أن ابني
هذا، مات وكفن وقبر ونفضوا أيديهم من تراب قبره، فلا تصدقوا به؟
قال: كذب أبو بصير، ليس هكذا حدثه، إنما قال إن جاءكم عن صاحب هذا
الأمر) (2) وفيه: مع ضعف سنده ب‍ (ابن قياما) لعدم ذكره في الرجال (3) لا يصلح

(1) رجال الكشي: 474 رقم 901.
(2) رجال الكشي: 475 رقم 902.
(3) أقول الحسن بن قياما مصحف والصحيح (الحسين بن قياما) وهو من أصحاب
الكاظم عليه السلام، واقفي، كما صرح به الشيخ في الرجال: 348 رقم 27، والكشي:
553 رقم 1044، والكليني في الكافي: 1 / 321 ح 7 والصدوق في العيون: 2 / 209.
وما في الكافي: 6 / 455 ح 11 (الحسن بن قياما) مصحف أيضا، لأنه رواه في الوسائل
(طبعة الإسلامية): 3 / 271 ح 1 و (طبعة آل البيت عليهم السلام): 4 / 373 ح 5431 وفيهما
(الحسين ابن قياما) وقد خفى هذا عن نظر السيد الخوئي قدس سره ولم يشر إليه. راجع معجم
رجال الحديث: 5 / 84 و 4 / 66.
لاحظ ترجمة الحسين بن قياما، في: إتقان المقال: 278، بهجة الآمال: 3 / 304، تعليقة
الوحيد: 384، تنقيح المقال: 1 / 341 رقم 3030، تهذيب المقال: ج 2 / 436، جامع الرواة:
1 / 251، رجال ابن داود: 241 رقم 147، منتهى المقال: 113، منهج المقال: 116 و
نقد الرجال: 109 رقم 109.
353

لمعارضة ما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى.
مضافا: إلى ما قيل تارة (1): (من أن المعنى: إن من جاءكم يخبركم أن ابني
مات في زمني كما مات ابني إسماعيل، فلا تصدقوه، فإنه إمام الخلق
بعدي) (2).
وأخرى (3): من منع كون أبي بصير فيه يحيى، لانتفاء الدليل عليه، ورواية
شعيب بن يعقوب، وإن كانت قرينة عليه، لكن الراوي عنه في المقام يعقوب
ابن شعيب (4).

(1) ذكره الحبر العماد السيد الداماد نقلا (منه رحمه الله).
(2) لم نجده في الرواشح، لعله قاله في حاشيته على رجال الكشي وهو مخطوط
لم يطبع إلى الان. نقل عنه المحقق الخوانساري في رسالته في تحقيق أحوال أبي بصير: 90.
المطبوع ضمن الجوامع الفقهية.
(3) ذكره جدنا السيد العلامة رحمه الله حاصله: إن ما حكى عن أبي بصير كذب عليه، إنما
قال أبو بصير: إن جائكم.... (منه رحمه الله).
(4) أقول: كما يروى شعيب بن يعقوب عن أبي بصير، في كثير من الروايات، كذلك
يروى عنه يعقوب بن شعيب، كما في الكافي: 6 / 59 ح 8 باب من طلق بغير كتاب وسنة
(... عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير) و 6 / 403 ح 6، باب أن الخمر رأس
كل إثم وشر (عن النضر بن سويد، عن يعقوب بن شعيب، عنه) والتهذيب: 4 / 227
ح 666، (عن حماد، عن يعقوب بن شعيب، عنه). نقل عن الكافي والتهذيب في الوسائل:
22 / 17 ح 27905، 25 / 314 ح 31991 و 8 / 502 ح 11287.
يمكن أن يقال بان رواية حماد عن يعقوب بن شعيب مختصة بهذا المورد من التهذيب
والظاهر أنه مقلوب شعيب بن يعقوب ويؤيده كثرة روايات حماد عنه كما في الكافي:
5 / 457 ح 3، 6 / 63 ح 3، 6 / 111 ح 4، 7 / 11 ح 3 والتهذيب 2 / 62 ح 221،
2 / 221 ح 873، 2 / 279 ح 1109، 4 / 17 ح 43، 4 / 316 ح 962 و....
وهكذا رواية النضر عن يعقوب بن شعيب من دون واسطة لا يوجد في غير ما رواه في
الكافي ويحتمل كونه مرسلا لأنه روى عن يعقوب بن شعيب إما بواسطة محمد بن أبي حمزة كما
في الكافي: 8 / 200 ح 241 والتهذيب: 2 / 129 ح 494 و 5 / 74 ح 246، فيه: (عن النضر
بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة وصفوان بن يحيى وعلي بن النعمان، عن يعقوب ابن شعيب)
والاستبصار: 1 / 348 ح 1311 و 2 / 309 ح 1316 وإما بواسطة يحيى الحلبي، عن عبد
الحميد الطائي، عنه، كما في الكافي: 2 / 219 ح 2.
ويحتمل أيضا كونه مقلوبا لكثرة روايات النضر، عن شعيب بن يعقوب كما في التهذيب:
9 / 66 ح 282 والاستبصار: 4 / 83 ح 314.
354

سلمنا، ولكن يحتمل أن يكون قوله (كذب) من التكذيب مبنيا للمفعول
ويكون الضمير في (حدثه) إلى أبي بصير، والضمير المنصوب، إلى الراوي.
وثالثة: باحتمال أن يكون فاعل كذب مستترا راجعا إلى يعقوب، وأبو
بصير مبتدأ، ما بعده خبره (1).
ولكن الكل كما ترى، مضافا إلى ما في الأول من الثاني، من إمكان منع
الانتفاء لذكره في المقام من الكشي، وكون الراوي مولى لبني أسد، مثله مع ما
فيه من احتمال السهو وكون الصحيح، شعيب بن يعقوب على أن هناك روايات
يقتضي عدم وقفه.
مثل ما رواه الصدوق في كمال الدين: (عن علي بن أبي حمزة، عن ابن
بصير، قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام أن سنن الأنبياء عليهم السلام بما وقع عليهم من
الغيبات جارية في القائم منا أهل البيت حذوا النعل بالنعل، والقذة بالقذة).
قال أبو بصير: فقلت يا بن رسول الله! ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال:

(1) ذكره السيد السند الخوانساري رحمه الله. (منه رحمه الله).
355

(يا أبا بصير! هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الأماء) (1).
الحديث.
وما رواه فيه وفي العيون نقلا: (بإسناده إلى علي بن أبي حمزة، عن يحيى
ابن القاسم، عن الصادق عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (الأئمة بعدي اثني عشر، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم
القائم.
إلى غير ذلك من الروايات الصريحة والظاهرة.
بقى الكلام فيما نسب إليه من التخليط.
فنقول: إنه جرى على تضعيفه به بعض، كما هو الظاهر من ابن طاووس (2)
حيث إنه ضعف في التحرير رواية باشتمال سندها على أبي بصير، وضعفه بأنه
مخلط (3) وما قيل من منع ظهور ثبوته عنده، لا وجه له وصرح به أيضا في
المسالك في موضع (4).
والأظهر وفاقا لبعض المحققين، العدم، نظرا إلى أن المستند فيه، ما عن
العياشي: (من أنه سأل ابن فضال من أنه هل كان متهما بالغلو؟
فقال: أما به فلا، ولكن كان مخلطا) (5).
وهو يضعف بعدم ذكره الشيخ والنجاشي من عدم نقلهما إياه لا منه ولا من

(1) إكمال الدين: 2 / 345 ح 31.
(2) ذكره السيد السند الخوانساري رحمه الله (منه رحمه الله).
(3) التحرير الطاووسي: 118، رقم 170.
(4) المسالك: 1 / 413.
(5) أنظر رجال الكشي: 173 رقم 296 والخلاصة: 264 رقم 3.
356

غيره، فظاهرهما عدم اتصافه به، وبذلك توهن النسبة ويترجح عدمها
ولا يقدح فيما ذكرنا ذكره العلامة (1) وابن داود (2) أيضا.
ومن ثم قال بعض أصحابنا (3): إني لم أقف على أحد من فقهائنا ولا على
أحد من أهل الرجال، ينسب التخليط إليه، إلا على علي بن الحسن
الفطحي (4). فتدبر.
مضافا إلى ما يقال: من أنه لو قبل طعن علي، بما فيه، لم يتجه المنع من
قبول روايته، إذ غاية الأمر أن يكون القدح لفساد المذهب، وهو مشترك بين
الجارح والمجروح، مع أن العمدة في قدح التخليط فيه، دعوى دلالته على
فساد المذهب، وهي ضعيفة على ما سيجئ إن شاء الله في موضعه.
وأما دلالته على الغلو، أو رواية مطلق المناكير أو خلط غث الروايات
بثمينها ونحو ذلك، وأن لا مضائقة فيها، بل هي من المعاني التي يراد منها في
استعمالاتهم، إلا أن القادح كما عرفت، قد نفى نفسه، الأول، ولا إضرار في
ثبوت الأخيرين، لأن العمدة من رواياته، هي الروايات الواردة في المسائل
الفقهية وهي لا ترتبط بمناكيرهم، كما أن بعد نقد أسانيد أخباره يستراح من
إضرار الأخير، فتأمل.

(1) الخلاصة: 264 رقم 3.
(2) رجال ابن داود: 284 رقم 552.
(3) المراد منه هو المحقق الخوانساري.
(4) رسالة في أحوال أبي بصير: 93.
357

الفصل الرابع
في أبي بصير ليث المرادي
قال الكشي (1): (في أبي بصير ليث بن البختري المرادي) ثم جرى على
عادته من ذكر ما وصل إليه من الأخبار.
وربما حكى ابن داود، عنه توثيقه، قال: (كش) ثقة، عظيم الشأن) (2).
والظاهر أنه من باب الاستفادة من ذكر الأخبار المادحة، كما جرى على هذا
المنوال في غير مورد، فميل بعض إليه وقدح آخر فيه بعدم التوثيق، لا وجه له.
وقال النجاشي: (ليث بن البختري المرادي أبو محمد، وقيل: أبو بصير
الأصغر، يروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعة،
منهم: أبو جميلة المفضل بن صالح) (3).
وفي الفهرست: (ليث المرادي، يكنى أبا بصير، روى عن أبي عبد الله وأبي

(1) رجال الكشي: 169 رقم 285.
(2) رجال ابن داود: 214 رقم 6.
(3) رجال النجاشي: 321 رقم 876.
359

الحسن موسى عليهما السلام له كتاب) (1).
وفي رجال الشيخ، في أصحاب الباقر عليه السلام: (ليث بن البختري المرادي،
يكنى أبا بصير، كوفي) (2).
وفي أصحاب الصادق عليه السلام: (الليث بن البختري المرادي، أبو يحيى ويكنى
أبا بصير، أسند عنه) (3).
وفي أصحاب الكاظم عليه السلام: (ليث المرادي يكنى أبا بصير) (4).
وعن ابن الغضائري: (إنه كان أبو عبد الله عليه السلام يتضجر به، ويتبرم وأصحابه
يختلفون في شأنه، وعندي أن الطعن في دينه لا على حديثه، وهو عندي
ثقة) (5).
وهو أول من صرح بتوثيقه، وقد وافقه جماعة ممن تأخر وهو الظاهر من
الخلاصة، فإنه عنونه في الجزء الأول وقال: (إن الذي أعتمد عليه، قبول
روايته، وأنه من أصحابنا الامامية وقول ابن الغضائري: إن الطعن في دينه
لا يوجب الطعن) (6).
وهذا هو الأظهر، ويدل عليه جملة من الروايات.
فمنها: ما في الصحيح عن مولانا الصادق عليه السلام: (بشر المخبتين بالجنة: بريد
ابن معاوية العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم،

(1) الفهرست: 130 رقم 574.
(2) رجال الطوسي: 134 رقم 1.
(3) رجال الطوسي: 278 رقم 1.
(4) رجال الطوسي: 358 رقم 2.
(5) الخلاصة: 136 رقم 2.
(6) الخلاصة: 136 رقم 2.
360

وزرارة، أربعة نجباء، أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار
النبوة واندرست) (1).
ولقد أجاد من قال (2): (إن هذا الحديث الصحيح، شاهد بشرف محله
ورفيع منزلته) (3).
ومنها: ما في معتبر داود: (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أصحاب
أبي، كانوا زينا أحياء وأمواتا أعني: زرارة، ومحمد بن مسلم، وليث
المرادي، وبريد العجلي، هؤلاء القوامون بالقسط، وهؤلاء السابقون
السابقون، أولئك المقربون) (4). (5)
ومنها: ما في الصحيح: (عن سليمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
ما أحد أحيى ذكرنا وأحاديث أبي، إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي،
ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء، ما كان أحد يستنبط
هذا، هؤلاء حفاظ الدين، وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه، وهم

(1) رجال الكشي: 170 رقم 286.
(2) هو السيد ابن الطاووس على ما حكي عنه في التحرير الطاووسي (منه رحمه الله).
(3) نقل عن السيد ابن طاووس، السيد المحقق الخوانساري في رسالته في تحقيق
أحوال أبي بصير: 96 ولكن ما وجدنا هذه العبارة في التحرير الطاووسي المطبوع.
(4) رجال الكشي: 170 رقم 287.
(5) روى في الكافي في باب السجود والتسبيح والدعاء فيه، بسند صحيح: (عن
محمد بن مسلم، قال: صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد: - وقد كانت ضلت
ناقة لجمالهم - اللهم رد على فلان ناقته، قال محمد: فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته
قال: وفعل؟ قلت: نعم. قال: وفعل؟ قلت نعم. قال: فسكت؟ قلت: فأعيد الصلاة؟ قال: لا).
الكافي: 3 / 323 ح 8.
منه يظهر إمامته لمحمد بن مسلم الثقة، وهو من شواهد وثاقته (منه رحمه الله).
361

السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة) (1).
وقريب منها، غيره، ودلالتها على علو مقامه أظهر من أن يخفى.
ولقد أجاد من قال: (إن المدح المستفاد من هذه النصوص، مما لا يتصور
فوقه مدح، ولا يعقل أعلى منه ثناء).
هذا مضافا إلى اعتضادها بمقالة غير واحد من الأصحاب منهم: العلامة
على الإطلاق، كما تقدم كلامه.
والشهيد فقال في المسالك: (إنه المشهور بالثقة) (2).
وما عن الوجيزة: (من أنه ثقة) (3).
وما عن بعض: (من أنه حصل لنا القطع بثقته).
وعن آخر: (إنه ثقة، جليل الشأن) (4).
وعن ثالث: (إنه ثقة جليل).
مع ما عرفت من تصريح ابن الغضائري المعروف بكثرة التضعيف،
بالتوثيق، بل لم أقف على قادح فيه من الفقهاء والرجاليين.
بل نفى الوالد المحقق، القدح في رواياته من أحد من الفقهاء، وهو جيد
فلا إشكال في المقال إلا من وجهين:
الأول: ما احتمله بعض أصحابنا (5):
(من أن يكون تلك الروايات بأسرها، مما نقلت بالمعنى، وأن يكون الواقع

(1) رجال الكشي: 136 رقم 219.
(2) المسالك: 1 / 413.
(3) الوجيزة: 18.
(4) رجال ابن داود: 214 رقم 6، وفيه عظيم الشأن.
(5) المراد منه، السيد المحقق الخوانساري.
362

أبا بصير مطلقا دونه مقيدا أو مبينا ودون ليث المراد ونحوه، وكان المراد
أبو بصير يحيى فاشتبه الأمر على الناظر والسامع، للاشتراك في التكني به،
فظنه ليثا فعبر عنه به.
استنادا إلى أنه لم يصل إلينا من أحد من علمائنا الإمامية قدح فيه، سوى
من ظن أنه يحيى بن القاسم الحذاء، وعرفت فساده مع تصريح بعضهم بثقته،
وكونه وجيها، والاخر بعدالته وصحة أحاديثه، وإطلاق الأصحاب الصحة
على روايات كثيرة، في طريقها أبو بصير مطلقا.
مضافا إلى ما استفيد من صحيحة العقرقوفي (1) وغيرها من الأخبار من
عدالته ومن ثقته وجلالته ومن صحة عقيدته وكونه من مستودعي سرهم ومن
ضمان أبي جعفر عليه السلام له الجنة (2) ومن كونه ممن صدر فيه معجزة
الصادقين عليهما السلام ومن كون الجنة له خالصة (3) وما نقل الكشي من نقل إجماع
العصابة على تصديقه وعلى كونه أفقه الأولين (4) ونقل الاخر كونه من أفقههم
وأضبطهم وغيرها مما تقدم.
وليث بن البختري قال ابن الغضائري فيه ما قال.
وورد فيه من الروايات القادحة، ولم نجد على ثقته ولا على ممدوحيته
دليلا سوى المادحة المتقدمة، ولا يمتنع أن يكون تلك الروايات بأسرها، مما
نقلت بالمعنى.

(1) مجمع الرجال: 5 / 84.
(2) رجال الكشي: 171 رقم 289.
(3) رجال الكشي: 174 رقم 298.
(4) رجال الكشي: 238 رقم 431.
363

ويؤيده أن يحيى، من أفقه الأولين كما صرح به الكشي (1) وابن شهرآشوب
(2).
ومن الفقهاء الأفاضل، كما مر من المعتبر (3) دون ليث، وقد وجدنا رواياته
في كثير من أنواع العلوم الدينية وفنونها، وأصول الشريعة وفروعها، وقل باب
من أبوابها يخلو عنها، ووجدنا كثيرا من الرواة رووا عنه ولم نقف فيما دلت
القرائن، أو صريح الاسم، على أنه من روايات ليث، إلا على ما هو قليل جدا
بالنسبة إليها، ورواتها عنه شرذمة من الرواة، ومع ذلك لم نجد فيها رواية عن
أبي جعفر عليه السلام ولو فرض وجودها، ففي غاية الندور، وقد وجدنا روايات
يحيى عنه عليه السلام ما هي في الكثرة، بمكان من الظهور.
وعلى هذا، فأبو بصير هذا، هو الذي يمكن أن يقال في حقه أنه أمين الله
على حلاله وحرامه، وحافظ الدين، ومن أعلامه، وأنه ممن أحيى أحاديث
أبي جعفر عليه السلام، وذكرهم في الأعصار والأمصار، وممن لولاهم لصارت النبوة
منقطعة الآثار، دون ليث المرادي.
كذا لم نجده مذكورا في تلك الأخبار، ولو كان (ليث) هذا في الحقيقة ممن
ورد في حقه تلك الأخبار المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره، المشتملة على
تلك المدايح العظام.
فمع قطع النظر عن أنه كان الظاهر على ذلك التقدير أن يتفق العصابة على
تصديقه، وعلى كونه من أفقه الأولين، كما أن من ذكر معه فيها كانوا كذلك،
لكان الظاهر أن يوجد توثيقه وتعديله في كلمات علماء الرجال الذين كانوا

(1) رجال الكشي: 238 رقم 431.
(2) المناقب: 4 / 211.
(3) المعتبر: 1 / 26 و 2 / 699.
364

قبل زمان ابن طاووس والعلامة.
وأنت خبير بأنه لم يصل إلينا من أحد منهم ذلك، بل اختلفوا في شأنه، فوقع
من بعضهم: الطعن على دينه (1).
ومن آخر: الطعن على حديثه (2).
ومن ثالث: على ثقته (3).
والنجاشي قال في ترجمة زرارة: شيخ من أصحابنا في زمانه ومتقدمهم
وكان قارئا، فقيها، متكلما، شاعرا، أديبا، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين
صادقا فيما يرويه (4).
وقال في محمد بن مسلم: (فقيه، ورع، وكان من أوثق الناس) (5).
وقال في بريد بن معاوية: (وجه من وجوه أصحابنا، وثقة أيضا، له محل
عند الأئمة عليهم السلام) (6).
وليث بن البختري من نظراء هؤلاء الأجلاء، على ما هو ظاهر تلك
الأخبار، ومع ذلك لم يذكر له مدحا.
وقال في ترجمة يونس بن عبد الرحمن: - بعد أن مدحه وأورد روايات في
مدحه - ومدائح يونس كثيرة، ليس هذا موضعها وإنما ذكرنا هذا، حتى

(1) راجع: تنقيح المقال: 3 / 308 رقم 12975.
(2) رجال العلامة: 137 رقم 2.
(3) التنقيح: 2 / 46 رقم 9998. إذ قال في آخر ترجمته فالحق أنه ثقة، ثقة وفي
المجمع أيضا 5 / 82، إذ قال هو عندي ثقة.
(4) رجال النجاشي: 175 رقم 463.
(5) رجال النجاشي: 323 رقم 882.
(6) رحال النجاشي: 112 رقم 287.
365

لا نخليه من بعض حقوقه، ومن الظاهر أن مدائح ليث بن البختري أيضا كثيرة
على هذا التقدير، ومع ذلك لم يذكر واحدا منها، فهذا كله دليل على تأملهم في
ورود تلك الروايات في شأنه أيضا، وإلا لوثقوه ولم يقصروا في أداء
حقوقه) (1).
قلت: وفيه أن لنا المعارضة في كل من الوجوه المادحة والقادحة.
أما الأولى: فيما عرفت من أن مثل الحسن بن فضال الذي هو في غاية
الوثاقة، قد حكم بتخليطه وورد فيها من الروايات ما يدل على ذمه، بل دل
بعضها على تكذيبه.
وأما الثانية: فبأنه قد وثقه ابن الغضائري (2) الذي قيل في حقه: إنه قل أن
يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة عن قدحه، وصرح ابن طاووس بشرف
محله ورفيع منزلته (3).
وجرى العلامة على كونه معتمد الرواية، وأنه من أصحابنا الإمامية (4).
فتأمل العصابة عليه.
وقال بعض الأجلاء إنه لا ينبغي التأمل في وثاقة الرجل وجلالته.
وقد عرفت توثيقه وتجليله من جماعة، وعدم قدح أحد رواية باشتمال
سندها عليه، فتأمل.
مع أن دعوى قلة رواياته مبنية على انصراف المطلق إليه وهو لا يخلو من
إشكال.

(1) رسالة في أحوال أبي بصير: 101.
(2) الخلاصة: 136 رقم 2.
(3) التحرير الطاووسي: 235 رقم 348.
(4) الخلاصة: 137 رقم 2.
366

هذا مضافا إلى ما في احتمال الاشتباه، من البعيد في الغاية، مع أن ما عده
من مستودعي سرهم منظور فيه، إذ المراد به ما رواه الكشي: (بإسناده عن
جميل، عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام يقول: كان أقوام ائتمنهم أبو جعفر عليه السلام
على حلال الله وحرامه، وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم هم عيبتي، وهم
مستودع ذكرى، - إلى أن قال -: فقلت من هم؟
فقال: من عليهم صلوات الله ورحمته، أحياء وأمواتا: بريد العجلي،
وزرارة، وأبو بصير، ومحمد بن مسلم) (1) (2).
فإنه كما ترى مطلق، غير صريح في (يحيى) كما هو ظاهر كلامه فيما
مضى.
وأما ما ذكره من عدم توثيقه علماء الرجال.
ففيه أنه لا إشكال في المقام من غير جهة النجاشي، أما الكشي فلأن
طريقته على ذكر الأخبار ونحوها، وقد جرى على طريقته وأما الشيخ، في
كتابيه فليس بنائه على الجرح والتعديل، ومن هنا أنه قد تعرض لمحمد بن
مسلم في أصحاب الباقر (3) والصادق (4) والكاظم (5) عليهم السلام ولبريد بن معاوية

(1) رجال الكشي: 137 رقم 220.
(2) يظهر منه جواز الدعاء لغير النبي والأئمة عليهم السلام بصيغة الصلاة، كما جرى عليه
الشهيد في البيان، مستدلا بالآية والرواية، قال: والقول بكراهتها على غير النبي صلى الله عليه وسلم، أو
بأن تركها أولى، تحكم محض. (منه رحمه الله).
(3) رجال الطوسي: 135 رقم 1.
(4) رجال الطوسي: 300 رقم 317.
(5) رجال الطوسي: 358 رقم 1.
367

في الأولين (1) ولم يوثقهما مع أنهما من نظراء زرارة.
وأما العلامة، فقد عرفت ما صنعه.
نعم، إنه يقع الأشكال من سكوت النجاشي عن توثيقه، ومن المحتمل قويا
أن يكون ذلك، لما رأى فيه من تعارض الأخبار، وإشكال الأمر عليه في
المضمار، ولا يعارض بالتعارض في بعض النظراء، لظهور أنه من باب قوله
تعالى: (فأردت أن أعيبها) (2) كما قال عليه السلام: (فوالله ما عابها، إلا لكي تسلم
من الملك، وأنه من أفضل سفن ذلك البحر القمقام الذاخر، وإن من ورائه
ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى). (3)
ومما ذكرنا، بان ضعف ما جرى عليه البعض، وتبعه الوالد المحقق من أن
أحاديث (يحيى)، أحق بالاستصحاح.
والتحقيق انعكاس الأمر، وفاقا لظاهر المشهور، وصريح جدنا السيد
العلامة.
الوجه الثاني: الروايات المعارضة، وهي كثيرة.
فمنها: مرسلة ابن أبي يعفور: (قال: خرجت إلى السواد، نطلب دراهم
لنحج، ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي، قال: قلت له: يا أبا بصير إتق الله
وحج بمالك! فإنك ذو مال كثير، فقال: أسكت! فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك
لاشتمل عليها بكسائه) (4).

(1) رجال الطوسي: 158 رقم 59 و 109 رقم 22.
(2) سورة الكهف، 79.
(3) البحار: 2 / 247 ح 59.
(4) رجال الكشي: 169 رقم 285.
368

ففيه: دلالة على الذم من وجهين ويضعف بالارسال، مضافا إلى ما في
دلالته من الأجمال، لاحتمال أن يكون المراد بالصاحب نفسه، كذا قيل،
فتأمل.
ومنها: ما في موثقة حماد: (قال: خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر،...
فتذاكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي: أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها،
قال: فأغفي (1)، فجاء كلب يريد أن يشغر عليه (2)، فذهبت لأطرده، فقال ابن
أبي يعفور: دعه! فجاء حتى شغر في أذنه) (3).
والجواب: أن الموثق، لا يعارض الصحيح المتقدم على الصحيح، فضلا عن
الصحيحين المعتضدين بالشهرة، بل الاجماع.
ومنها: ما: عن حماد، (قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله عليه السلام
ليطلب الأذن، فلم يؤذن له، فقال: لو كان معنا طبق لأذن، فجاء كلب فشغر في
وجه أبي بصير، قال أف أف ما هذا؟ قال جليسه: هذا كلب شغر في
وجهك) (4).
وأجيب عنه: بأنها حسنة، فلا يقاوم الصحيح وغيرها المعتضد بالشهرة، مع
احتمال أن يكون الغرض التعريض بالبواب، أو أن الطبق بمعنى المال، أو
المنزلة، على ما ذكره الجوهري (1) وحكي عن مجمل اللغة وابن الأثير.

(1) أي نام. الصحاح: 6 / 2448.
(2) شغر الكلب يشغر، إذا رفع إحدى رجليه ليبول. الصحاح: 2 / 700.
(3) رجال الكشي: 172 رقم 294.
(4) رجال الكشي: 173 رقم 297.
(5) لا يوجد في الصحاح، راجع: 4 / 1510. نعم، في لسان الميزان فسره بالمنزلة
والمرتبة. فراجع.
369

قلت: لا إشكال في سلسلة السند، إلا بواسطة جبرئيل الذي لم يوثق في
كتب الرجال، إلا أن الظاهر من التتبع في الكشي كثرة اعتماده عليه وشدة
وثوقه في نقل الروايات عنه.
ولقد أجاد من قال: (إن ذلك يشعر بالجلالة، بل الوثاقة).
وأما ما ذكر من الاحتمال بوجوهه، ففيه ما فيه.
فمن العجيب، من جدنا السيد العلامة حيث إنه ذكر الاحتمال الأول، فقال:
إذا قام الاحتمال، بطل الاستدلال.
فالتحقيق أن يجاب بقريب من الجواب السابق، مع أن الظاهر، أن المراد
منه (يحيى)، لأنه الضرير المكفوف، كما صرح به جماعة منهم.
ويدل عليه، غير واحد من الروايات.
منها: ما في الكافي: (بإسناده عن علي بن أبي حمزة، قال: دخلت مع أبي
بصير الحمام، فنظرت إلى أبي عبد الله عليه السلام قد أطلى إبطيه بالنورة، قال:
فخبرت أبا بصير.
فقال: أرشدني إليه لأسأله عنه، فقلت: قد رأيته أنا.
فقال: رأيت قد رأيته، وأنا لم أره، أرشدني إليه، قال: فأرشدته.
فقال له: جعلت فداك! أخبرني قائدي انك أطليت وطليت إبطيك بالنورة،
فقال: نعم يا محمد!) (1).
نعم، ربما يظهر من كلمات عن المولى التقي المجلسي رحمه الله مكفوفية
المرادي أيضا. ويمكن أن يكون المستند فيه أمورا:

(1) الكافي: 6 / 498 ح 9. وفي ذيل الحديث: (إن نتف الأبطين يضعف البصر أطل
يا محمد! قال: فقال أطليت منذ أيام. فقال: أطل فإنه طهور).
370

أحدها: ما صنعه الكشي فإنه عنون أبا بصير المرادي، وذكر جملة من
الأخبار (1).
منها: ما رواه: (عن العقرقوفي عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي
عبد الله عليه السلام فقال لي: حضرت علباء [كما في الصدر] عند موته؟ قلت نعم،
وأخبرني أنك ضمنت له الجنة، وسألني أن أذكرك ذلك.
قال: صدق.
قال: فبكيت، قلت: جعلت فداك فها لي! ألست كبير السن الضعيف الضرير
المنقطع إليكم؟ فاضمنها لي.
قال: فعلت. فقلت: اضمنها لي على آبائك. قال: فعلت) (2).
ومنها: ما رواه: (عن مثنى الخياط، عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي
جعفر عليه السلام، فقلت: تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرأوا الأكمه والأبرص؟
فقال لي: بإذن الله، ثم قال لي: أدن مني ومسح على وجهي وعلى عيني
فأبصرت السماء والأرض والبيوت.
فقال لي: أتحب أن تكون كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة،
أم تعود كما كنت ولك الجنة الخالص؟ قلت أعود كما كنت. فمسح على عيني
فعدت) (3).
وفيه: مضافا إلى ما ذكر من أن رواية العقرقوفي من مميزات الأسدي،
كما سيجئ - إن شاء الله تعالى - أن الاستدلال بما ذكر، إنما ينتهض لو لم يذكر
الكشي في ذيل هذا العنوان، ما يتعلق بالأسدي، مع أنه ذكر سؤال ابن مسعود

(1) رجال الكشي: 169 رقم 285.
(2) رجال الكشي: 171 رقم 289. باختلاف مع ما ذكره المصنف.
(3) رجال الكشي: 174 رقم 298.
371

عن ابن فضال، عن أبي بصير وجوابه بالاسم والمكفوفية والتخليط كما تقدم.
وثانيها: ملاحظة بعض الأسانيد كما روي في باب المواقيت من التهذيبين:
(عن الحسين بن سعيد، عن النصر، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير
المكفوف، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟
قال: إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء) (1).
هذا مع ما صرح به في كتاب الصوم من الفقيه، في باب الوقت الذي يحرم
فيه الأكل والشرب على الصائم.
قال: (وروى عاصم بن حميد، عن أبي بصير ليث المرادي، قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام متى يحرم) (2). ومقتضى الجمع، مكفوفية المرادي.
وفيه: أن الخبر مروي في الأصول الأربعة، فرواه في الفقيه والتهذيبين (3)
على الوجه المتقدم.
ورواه في الكافي في باب الفجر ما هو ومتى يحل ومتى يحرم الأكل؟: (4)
بإسناده، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، على الإطلاق من دون
(تقييد) (5).
ومنه يظهر أنه كان في الأصل، الإطلاق، والتعيين والتوصيف من باب
الاجتهاد من الرواة، ولا عبرة به، بل ربما يحتمل كون التوصيف به فيهما من

(1) التهذيب: 2 / 39 ح 122.
(2) الفقيه: 2 / 81 ح 361.
(3) التهذيب: ج 4 / 185 ح 514 والاستبصار: 1 / 276 ح 1002.
(4) الكافي: 4 / 99 ح 5.
(5) في النسخة المخطوطة بقلم المؤلف لم يكتب بعد (من دون) شئ، وما بين
القوسين منا.
372

باب الرد على الصدوق في تعيينه في المرادي.
وثالثها: ما رواه الكشي في ترجمة زرارة: (بإسناده عن فضل، أنه قال:
قيل لأبي عبد الله عليه السلام، إن زرارة، يدعي أنه أخذ عنك الاستطاعة، قال لهم
عفرا (1) كيف أصنع بهم، وهذا المرادي بين يدي وقد أريته وهو أعمى، بين
السماء والأرض، فشك فأضمر إني ساحر) (2).
وفيه: أنه لا دليل على إرادة ليث منه، ويطلق على غير واحد، ومنهم:
اللعين المعروف (3).
مضافا إلى أنه مناف لما تقدم في الروايات، مع أنه ضعف الكشي الرواية
المذكورة، بأن محمد بن بحر الواقع في السند غال، على أنه يروي عن أبي
العباس، وهو عن يعقوب، وهو عن فضالة، وفضالة ليس من رجال يعقوب.
قال: وهذا الحديث، مزاد فيه مغير عن وجهه (4).
مضافا إلى ما يقال: إن مما ينافي نسبة المكفوفية إلى المرادي، ما رواه في

(1) أي: بعدا.
(2) رجال الكشي: 147 رقم 235.
(3) ومنه قول اللعين في حق اللعين: (نجوت وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ
الأباطح طالب).
قال في التصريح عند الكلام في الفصل بنعت المضاف، بعد تمثيل المصنف، بقوله: وهو
معاوية بن أبي سفيان، لما اتفق ثلاثة من الخوارج أن يقتل كل واحد منهم واحدا: من علي
ابن أبي طالب عليه السلام، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان. فقتل علي عليه السلام وسلم عمرو
ومعاوية.
والمرادي هو عبد الرحمن بن عمرو الشهير، والأباطح جمع بطحاء، والمراد مكة لأن أبا
طالب كان شيخ مكة ومن أعيان أهلها وأشرافها. (منه رحمه الله).
(4) رجال الكشي: 148 رقم 235.
373

التهذيب: (بإسناده عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا،
فدخل رجل فسأله عن التكبير من الجنائز - إلى أن قال -: قال: إنها خمس
تكبيرات، بينهن أربع صلوات، ثم بسط كفه فقال: إنهن خمس تكبيرات بينهن
أربع صلوات) (1).
فإن الظاهر من سياقه، أن أبا بصير فيه كان بصيرا، بشهادة دعوى البسط،
ولا يمكن حمله على الأسدي، لثبوت مكفوفيته ولا على غير المرادي، لما
تقدم، فيتعين في المرادي، فيثبت عدم مكفوفية وكذا ما رواه في الكافي، في
باب المرأة تموت ولا تترك إلا زوجها: (بإسناده عن أبي بصير، قال: كنت عند
أبي عبد الله عليه السلام فدعا بالجامعة، فنظرنا فيها فإذا فيها امرأة هلكت وتركت
زوجها لا وارث لها غيرها، له المال كله) (2).
ولا ريب في أن الظاهر من قوله (فنظرنا) أنه كان بصيرا فيتعين ما هو
المراد، على حسب ما عرفت، ولا سيما بعد ما ذكر في الخلاصة: (من أن يحيى
ولد مكفوفا) (3).
بقي أن الظاهر من علماء الرجال بأسرهم، اتحاد أبي بصير، ليث بن
المرادي البختري، على ما عرفت كلماتهم.
ولكن ظاهر البرقي في رجاله، التعدد، فإنه ذكر في أصحاب مولانا أبي
جعفر عليه السلام ما هذا لفظه: (أبو بصير ليث المرادي، فقال: ليث بن أبي سليم، فقال:

(1) التهذيب: 3 / 318 ح 986.
(2) الكافي: 7 / 125 ح 2.
(3) الخلاصة: 264 رقم 3.
374

ليث بن البختري) (1).
ولعله اشتباه منه، لأن كلام النجاشي (2) وكذا كلام الشيخ في أصحاب الباقر
والصادق عليهما السلام، (3) صريح في الاتحاد. وفي الفهرست والرجال في أصحاب
الكاظم عليه السلام (4)، وإن قيده بالمرادي خاصة، إلا أنه ذكر فيهما: (إنه يكنى أبا
بصير) وذكر التكنية به في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام مع تقييد المعنون،
بكل من البختري والمرادي، فالظاهر اتفاق الكل على خلافه.

(1) رجال البرقي: 13.
(2) رجال النجاشي: 321 رقم 876.
(3) رجال الطوسي: 134 رقم 1 و 278 رقم 1.
(4) رجال الطوسي: 358 رقم 2.
375

الفصل الخامس
في نبذة من المميزات
قد تحقق مما سبق، أن المكنى بأبي بصير من الرجال المبحوث عنهم في
المقام، اثنان: يحيى الأسدي، وليث المرادي.
وما ذكره جماعة من تثليث المكنى به، وأن الثلاثة أجلاء، ثقات، كما تقدم
من الفاضل العناية، (1) وتبعه في التعليقات، (2) وتبعه في الجواهر (3)، فهو
مبني على مقدمتين ممنوعتين، كما تحقق.
فالحاصل: أن أبا بصير المذكور في الأسانيد، مردد بين الثقتين، بل قد
عرفت احتمال تعيينه في الأول، بل الجزم به من بعض.
فلا فائدة مهمة في ذكر ما يميزهما عن الاخر إلا في مقام التعارض، سواء
قلنا بأن المرادي أجل قدرا من الأسدي كما هو المشهور، أو بالعكس كما هو

(1) مجمع الرجال: 5 / 82.
(2) تعليقة الوحيد على المنهج: 384.
(3) جواهر الكلام: 1 / 174.
377

خيرة المحقق الخوانساري (1) فلذا نتعرض لنبذة منها في المقام، اقتفاء لاثار
جمع من الأعلام.
فنقول: إن الكلام فيه يتأتى في مبحثين:
[المبحث] الأول
فيما يميز به الأسدي عن المرادي، وهو أمور
منها: رواية علي بن أبي حمزة البطائني فإنه قد تكثر روايته عن أبي بصير،
وقد وجدنا في موارد متعددة روايته عنه مصرحا باسمه، فالظاهر أنه إذا
وردت روايته عنه مطلقا فهو يحيى، لما روي في الفقيه في باب الوصية من
لدن آدم عليه السلام: (بالأسناد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن
يحيى بن أبي القاسم) (2).
وفي الإكمال، في باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال: حدثنا علي، عن
محمد، عن موسى، عن الحسين، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه،
عن يحيى بن أبي القاسم) (3).
وما فيه أيضا في باب ما روي عن مولانا الصادق عليه السلام: (قال: حدثنا علي،

(1) رسالة في أحوال أبي بصير: 101.
(2) الفقيه: 4 / 132 ح 457.
(3) إكمال الدين: 1 / 259 ح 4.
378

عن أحمد، عن موسى، عن الحسين، عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى بن
أبي القاسم) (1).
ونحوهما، ما رواه فيه في بابي الرابع والعشرين، والثالث والثلاثين (2).
وما في الخصال في أبواب العشرة: (حدثنا أحمد عن علي، عن أبيه، عن
عمرو، عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى بن إسحاق) (3).
وما في الأمالي في المجلس السادس والثلاثين: (حدثنا محمد، عن محمد
ابن أبي عبد الله، عن موسى، عن الحسين، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة،
عن أبيه، عن يحيى بن أبي القاسم) (4).
إلى غيرها من غيرها، كما يظهر لمن سبرها.
مضافا إلى أنه كان قائده كما صرح به النجاشي (5) ويدل عليه بعض
الروايات، كما روى في البصائر، في باب أن الأئمة عليهم السلام عندهم ديوان
شيعتهم: (بإسناده عن علي بن أبي حمزة، قال: خرجت بأبي بصير أقوده إلى

(1) إكمال الدين: 2 / 340 ح 20.
(2) الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف، إذ الحديث الأول الذي روى في باب ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الباب الرابع والعشرين، والثاني في الباب الثالث والثلاثين، ولا يوجد
في البابين المذكورين رواية عن علي بن أبي حمزة، عن يحيي بن القاسم غير ما ذكرهما.
نعم، في الباب الرابع والعشرين: (عن الحسن بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام)
الإكمال: 258 ح 3. وفي الباب الثالث والثلاثين رواية متعددة عن علي بن أبي حمزة، عن
أبي بصير، كما في: 345 ح 31، 350 ح 46، 357 ح 54 و 358 ح 56.
(3) الخصال: 2 / 443 ح 36.
(4) أمالي الصدوق: 167 ح 11. ليس في سنده (يحيى بن أبي القاسم).
(5) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
379

باب أبي عبد الله عليه السلام، فقال لا تتكلم ولا تقل شيئا، فانتهيت به إلى الباب فتنح،
فسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يا فلانة، افتحي لأبي محمد الباب!
قال: فدخلنا والسراج بين يديه وإذا سفطا بين يديه مفتوح - إلى أن قال -:
فلما خرجنا، قلت: يا أبا محمد! ما رأيت ما مر بي الليلة! إني وجدت بين يدي
أبي عبد الله عليه السلام سفطا قد أخرج منه صحيفة، فنظر فيها فكلما نظر فيها أخذتني
الرعدة!
قال: فضرب أبو بصير على جبهته ثم قال: ويحك! ألا أخبرتني؟ فتلك والله
الصحيفة التي فيها أسامي الشيعة، ولو أخبرتني لسألته أن يريك اسمك
فيها) (1).
هذا ولا يخفى ما فيه من مواضع تدل على جلالة شأنه، وسيأتي مثله في
الروايتين في المقصد الآتي.
ومما ذكرنا ما جرى عليه المقدس وتلميذه (2)، على أن روايته عنه
مما يعين كونه يحيى، بل عن العلامة البهبهاني اتفاق المحققين عليه، ولكنه
ربما يشكل بما رواه الصفار (3): (بإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن أبي
بصير، قال: حججت مع أبي عبد الله عليه السلام، فلما كنا في الطواف، قلت له: جعلت
فداك يا بن رسول الله! أيغفر الله لهذا الخلق؟
فقال: يا أبا بصير إن أكثر من ترى، قردة وخنازير. قال: قلت له: أرنيهم،

(1) بصائر الدرجات: 192 ح 5.
(2) المراد منه هو السيد محمد علي العاملي، صاحب المدارك. أنظر مدارك الأحكام:
1 / 49.
(3) ورواه في الخرائج عن الصفار (منه رحمه الله).
380

فقال: فتكلم بكلمات ثم أمر يده على بصري فرأيتهم قردة وخنازير، فهالني
ذلك، ثم أمر يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرة الأولى) (1).
وكذا ما رواه الكليني بإسناده، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير فقال:
كنت مع أبي جعفر عليه السلام جالسا في المدينة إذ أقبل داود وسليمان وعبد الله
فقعدوا ناحية من المسجد - إلى أن قال: - قال: يا سليمان! لا يزال القوم في
فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا منا دما حراما - وأومأ بيده إلى صدره - فإذا
أصابوا ذلك، فبطن الأرض خير لهم من ظهرها) (2).
فإن الظاهر منهما عدم ضرارة أبي بصير، مع أنه قد ثبت ضرارة يحيى، بل
الظاهر، عليه الاتفاق، ويدل عليه الروايات وكلام أهل الرجال، بل الظاهر أنه
كان أكمها كما عن العقيقي: (أنه ولد مكفوفا) (3) فحينئذ لا يبعد أن يحمل ما
ذكر، على المرادي والراوي على الثمالي، كما يؤيده ما في الإكمال (4):
(حدثنا محمد، عن عبد الله، عن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن
حمزة الثمالي، عن أبي بصير) (5).
ويحتمل قويا، أن يكون الأول من باب النقل بالمعنى، لما في الخرائج (6):
(عن أبان، عن أبي بصير، عن مولانا الصادق عليه السلام قال: قلت له: ما فضلنا على
من خالفنا، فوالله أنا لأرى الرجل منهم أرخى بالا وأنعم علينا وأحسن حالا

(1) الخرائج: 2 / 827.
(2) الكافي: 8 / 211 ح 256.
(3) الخلاصة: 264 رقم 3.
(4) رواه فيه في الباب الثاني والعشرين (منه رحمه الله).
(5) إكمال الدين: ج 1 / 229 ح 26. فيه: (عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير).
(6) رواه فيه في بعض الفصول من أبواب السادس عشر (منه رحمه الله).
381

وأطمع في الجنة؟
قال: فسكت عني حتى كنا بالأبطح عن مكة، ورأينا الناس يضجون إلى
الله تعالى، قال: يا أبا محمد هل تسمع ما أسمع؟
قلت: أسمع ضجيج الناس إلى الله، قال: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج!
والذي بعث بالنبوة محمدا صلى الله عليه وسلم وعجل روحه إلى الجنة، ما يتقبل الله إلا
منك ومن أصحابك، ثم مسح يده إلى وجهي، فنظرت فإن أكثر الناس خنازير
وقرده) (1).
وفيه أيضا: (عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير،
قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أنا مولاك من شيعتك، ضعيف، ضرير، فاضمن لي
الجنة - إلى أن قال -: فمسح على بصري فأبصرت جميع الأئمة عنده، ثم قال:
يا أبا محمد مد بصرك فانظر ماذا ترى بعينك؟ فوالله ما أبصرت إلا كلبا أو
خنزيرا أو قردا! قلت: ما هذا الخلق الممسوح؟!
قال: هذا الذي ترى السواد الأعظم ولو كشف الغطاء للناس، ما نظر الشيعة
إلى من خالفهم إلا في هذه الصورة! ثم قال: يا أبا محمد! إن أحببت تركتك على
حالك هكذا، فحسابك على الله، وإن أحببت ضمنت لك على الله الجنة،
ورددتك إلى حالك الأول؟
قلت: لا حاجة لي في النظر إلى هذا الخلق المنكوس، ردني إلى حالتي فما
للجنة عوض، فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت) (2).
فإن الظاهر اتحاد الواقعة، وما وقع فيها من الاختلافات إنما هي من

(1) الخرائج: 2 / 821.
(2) الخرائج: 2 / 822.
382

تصرفات الرواة، ونظيره غير عزيز في الروايات الواردة بطرق متعددة، فتأمل
وتتبع.
ومنها: رواية العقرقوفي لما ذكر النجاشي (1) وتبعه العلامة في الخلاصة (2)
وابن داود في رجاله (3) وتبعهم العلامة البهبهاني (4): (أنه ابن أخت الأسدي،
فهو قرينة لتميزه، كما حكم به المحققون ويدل عليه الصحيحة السابقة من
وجهين.
قال النجاشي: (شعيب العقرقوفي، ابن أخت أبي بصير يحيى بن
القاسم) (5).
ونحوه ما في الخلاصة (6).
وأما ما عن الشهيد الثاني في تعليقاته عليها: ليس هذا أبا بصير المشهور
بالفضل والدين، فإن ذاك اسمه ليث، وهذا يحيى بن القاسم، مذكور في قسم
الضعفاء (7)، فليس في محله، فإنه مبني على دعوى اتحاد الأسدي والحذائين،
وقد عرفت ما فيه.
ومنها: رواية الحسين بن أبي العلاء لما تقدم من الفهرست (8).

(1) رجال النجاشي: 195 رقم 520.
(2) الخلاصة: 86 رقم 1.
(3) رجال ابن داود 109 رقم 758.
(4) تعليقه الوحيد على المنهج: 269.
(5) رجال النجاشي: 195 رقم 520.
(6) الخلاصة: 86 رقم 1.
(7) تعليقة الشهيد على الخلاصة: 20. (المخطوط).
(8) الفهرست: 178 رقم 776.
383

ومنها: رواية الحسن بن علي بن أبي حمزة لما ذكر النجاشي، من أنه يروي
عنه (1).
ومنها: رواية المعلى بن عثمان لما رواه في الكافي (2) في باب الثوب
يصيبه الدم: (بإسناده عن المعلى بن عثمان، عن أبي بصير، قال: دخلت على
أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي، فقال قائدي: إن في ثوبه دما، فلما انصرف، قلت
له: إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما، فقال لي: إن لي دماميل ولست أغسل
ثوبي حتى تبرأ) (3). فإن الظاهر، أنه الأسدي، لأنه المحتاج إلى القائد، فتأمل.

(1) رجال النجاشي: 441 رقم 1187.
(2) ورواه في التهذيب أيضا في باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات (منه رحمه الله).
(3) الكافي: 3 / 58 ح 1.
384

المبحث الثاني
فيما يميز به المرادي، عن الأسدي
وهو أمور أيضا:
فمنها: رواية عبد الله بن مسكان كما هو عن جماعة (1) لما وجد في
الأسانيد.
تارة: من التصريح باسمه المقيد بالمرادي، كما في التهذيب في أوائل باب
تطهير الثياب وغيرها من النجاسات: (أحمد، عن أبيه، ومحمد، عن عبد الله،
عن عبد الله بن مسكان، عن ليث المرادي) (2).
وفيه أيضا في أواخر باب الزيادات في فقه الحج: (محمد بن عيسى، عن
محمد عن ابن مسكان، عن ليث المرادي) (3).
ومثله، ما فيه أيضا في باب صفة التيمم. (4)

(1) وهم الفاضل الجزائري والاسترابادي والتفرشي وغيرهم. (منه رحمه الله).
(2) التهذيب: 1 / 258 ح 750.
(3) التهذيب: 5 / 490 ح 1755.
(4) التهذيب: 1 / 209 ح 608.
385

وأخرى: من التصريح بكنيته مقيدا به، كما فيه في باب أوقات الصلاة
وعلامة كل وقت منها: (قال ابن مسكان وحدثني بالذراع والذراعين، سليمان
وأبو بصير المرادي) (1).
بل قال بعض أصحابنا: قد وجدت في الكافي والتهذيب ثلاثة عشر
حديثا (2) رواها ابن مسكان، عن ليث المرادي مصرحا هو وغيره باسمه قال:
ولعلك لا تجد فيهما من روايته عنه أزيد من ذلك وإن وجدته فالزائد من
المكررات.
وتوقف فيه في الاستقصاء، نظرا إلى ما حكى عن والده من أنه اطلع على
رواية فيها ابن مسكان، عن يحيى بن القاسم، ظانا وقوفه عليه، وتبعهما بعض
أصحابنا جازما بفساد الحمل عليه على الإطلاق، استنادا إلى أنه روى في
الكافي والتهذيب سبعة روايات، ثلاثة منها في الأول، وأربعة منها في الاخر
عن ابن مسكان عن أبي بصير، وروى تلك الأخبار بعينها في الفقيه عن أبي
بصير من دون ذكر واسطة، وطريقه إليه البطائني كما يشهد به المشيخة. (3)
وقد عرفت أنه ممن يروي عن يحيى، فالظاهر أن أبا بصير الذي يروي عنه
ابن مسكان، هو يحيى.
قال: فإذا ظهر أنه روي عنه أيضا مكررا فالتصريح باسمه مقيدا بالمرادي

(1) التهذيب: 2 / 19 ح 55.
(2) أنظر الكافي: 2 / 60 ح 2، 4 / 110 ح 4 و 4 / 128 ح 3، التهذيب: 1 / 39 ح 106،
1 / 86 ح 228، 1 / 209 ح 608، 1 / 258 ح 750، 1 / 349 ح 1029، 2 / 118 ح 446 و
2 / 168 ح 668، الفقيه: 1 / 302 ح 1382، التهذيب: 2 / 363 ح 1504، 4 / 204 ح 592،
5 / 490 ح 1755، 7 / 48 ح 209 و 10 / 187 ح 734.
(3) الفقيه: ج 4 / 18 (قسم المشيخة).
386

أو بكنيته مقيدا بذلك، إما لدفع الأجمال، ويخدشه عدم التصريح باسم أبي
بصير الأسدي وعدم التقيد بما يختص هو به في شئ من رواياته التي وقفنا
عليه، كما نبه به في الحدائق.
وإما لدفع الانصراف إلى يحيى كما هو الظاهر.
قال: وعلى هذا، المراد بأبي بصير المطلق في رواية ابن مسكان عنه، هو
يحيى، إلا أن يقوم قرينة على إرادة المرادي.
قلت: ويمكن أن يقال إنه قد روي في الفقيه في غير موضع، عن ليث
المرادي تارة: باسمه كما في باب المواضع التي يجوز الصلاة فيها: (وسأل
ليث المرادي أبا عبد الله عليه السلام) (1).
وفي باب صلاة المريض والمغمي عليه: (وسأل ليث المرادي) (2).
وأخرى: بكنيته، كما في باب ما يجوز فيه الأحرام وما لا يجوز: (وسأله
أبو بصير المرادي) (3).
ولم يذكر طريقه إليه في المشيخة، فمن المحتمل في المقام، أن يكون المراد
بأبي بصير في الأخبار المذكورة، ليث المرادي، ويكون غير مذكور الطريق
كما هو الحال في هذه الأخبار المصرحة باسمه، ونظيره غير عزيز.
وقد وقع إطلاق أبي بصير المطلق في كلامه عليه في مواضع، كما في باب
اللعان: (روى أحمد بن محمد بن نصر البزنطي، عن عبد الكريم بن عمرو، عن

(1) الفقيه: 1 / 158 ح 741.
(2) الفقيه: 1 / 239 ح 1055.
(3) الفقيه: 2 / 220 ح 1018.
387

أبي بصير) (1).
والدليل على إطلاقه عليه فيه، ما ذكره في المشيخة في طريقه إلى
عبد الكريم بن عقبة الهاشمي، فإنه قال:
(وما كان فيه عن عبد الكريم بن عقبة، فقد رويته عن أبي - رضي الله عنه -
عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن نصر البزنطي،
عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن ليث المرادي عنه) (2).
ومن ثم جرى جدنا السيد العلامة تبعا للتفرشي إلى أن من مميزات
المرادي، رواية الخثعمي عنه، وروايته عن الهاشمي (3) مضافا إلى ما عرفت
من رواية البطائني
عن أبي بصير الذي هو غير ضرير، وصرح المشهور
والبعض المذكور: بأن يحيى، ضرير. فتأمل.
ومنها: رواية مفضل بن صالح، كما صرح به جماعة نقلا منهم جدنا السيد
العلامة ويدل عليه ما وقع في الأسانيد.
ففي الكافي، في باب صلاة العيدين: (المفضل بن صالح، عن ليث
المرادي) (4). وفي التهذيب، في باب الأحداث الموجبة للطهارة: (محمد، عن
أحمد، عن الحسن، عن المفضل بن صالح، عن ليث المرادي) (5).
ونحوهما غيرهما، بل قال فيه بعض أصحابنا ما قاله في سابقه، بتبديل

(1) الفقيه: 3 / 346 ح 1663.
(2) الفقيه: 4 / 55. (قسم المشيخة).
(3) نقد الرجال: 278 رقم 2.
(4) الكافي: 3 / 460 ح 4.
(5) التهذيب: 1 / 180 ح 516.
388

الثلاثة، بالسبعة (1). هذا مضافا إلى ما تقدم من تصريح النجاشي بروايته
عنه (2).
ومنها: رواية أبان بن عثمان، كما عن الجزائري (3) ويدل عليه ما في
الكشي في أبي سعيد الخدري: (محمد، عن الحسين، عن محمد بن أحمد، عن
أبان بن عثمان، عن ليث المرادي) (4).
ولكنه يشكل بما في الفقيه، في باب ما يجب من إحياء القصاص، من
روايته: (عن علي بن الحكم، عن أبان الأحمر، عن أبي بصير يحيى بن أبي
القاسم الأسدي) (5).

(1) أنظر الكافي: 3 / 460 ح 4، 4 / 342 ح 16، 4 / 361 ح 10، 4 / 515 ح 1 و 4 / 561
ح 5 والتهذيب: 1 / 180 ح 516، 1 / 349 ح 1030، 1 / 354 ح 1053، 5 / 260 ح 887،
5 / 339 ح 1175، 6 / 18 ح 40، 7 / 348 ح 1423، 9 / 33 ح 131 و 10 / 223 ح 776.
وكذا بعنوان أبي جميلة، عن ليث المرادي، كما في الكافي: 2 / 309 ح 5 و 6 / 453 ح 2
والتهذيب: 1 / 165 ح 473 و 9 / 80 ح 343. هذه الروايات كلها تكون ثمانية عشر موردا.
(2) رجال النجاشي: 321 رقم 876.
(3) حاوي الأقوال: 344. (المخطوط).
(4) رجال الكشي: 40 رقم 84. وكذا في الكافي: 3 / 126 ح 4، (عن الوشاء، عن
أبان، عن ليث المرادي) وأبان هذا، هو أبان بن عثمان لرواية الوشاء عنه في موارد عديدة.
(5) الفقيه: 4 / 121 ح 421. وذهب المحقق الكاظمي في المشتركات، إلى أن رواية
أبان بن عثمان، من مميزات يحيى بن القاسم الحذاء المكنى بأبي بصير. هداية المحدثين:
162.
أقول: إنه كقول الجزائري من جعله من مميزات ليث المرادي، بعيد، بل الظاهر أن أبان
ابن عثمان يروي عن كليهما، إلا على القول بأن (يحيى بن أبي القاسم الأسدي) في الفقيه،
من إضافات الناسخين أو من اجتهاد المؤلف وكان في الأصل (أبي بصير) من دون تقييد،
كما ورد في موارد كثيرة.
389

ومنها: رواية عاصم بن حميد، كما عن الاسترآبادي وغيره، والظاهر أنه
لما في الفقيه، في باب الوقت الذي يحرم فيه الأكل والشرب من قوله: (روى
عاصم بن حميد، عن أبي بصير ليث المرادي) (1).
ويضعف بأنه روى الخبر المذكور في الكافي، عن أبي بصير المطلق (2) وفي
التهذيب (3) مقيدا بالمكفوف (4) وظاهرهما ولا سيما ثانيهما الأسدي.
مضافا إلى ما استدل بعض أصحابنا، على روايته عنه، بمثل ما تقدم في
عبد الله بن مسكان.
ولكنه نقل عن الكافي، روايته وعن التهذيب ثلاثة، وبما روى في
البحار (5): (عن المفيد، رواية بإسناده، عن عاصم، عن أبي بصير، وروي فيه
مثلها عن الشيخ، بإسناده عن عاصم بن حميد، عن يحيى بن القاسم يعنى
أبا بصير) (6).
وربما ذكر لكل منهما مميزات أخرى، ولكن يتطرق الأشكال في غير واحد
منها، بمثل ما تقدم في غير واحد.
ويرد على الجميع، أن الظاهر أنهما كانا متعاصرين لذكرهما الشيخ

(1) الفقيه: 2 / 81 ح 361.
(2) الكافي: 4 / 99 ح 5.
(3) في باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها (منه رحمه الله).
(4) التهذيب: 2 / 39 ح 122.
(5) في باب نوادر المواعظ والحكم (منه رحمه الله).
(6) البحار: 78 / 451 ح 15.
390

والنجاشي (1) من أصحاب مولانا الباقر (2) والصادق (3) والكاظم عليهم السلام (4).
ولما تقدم من رواية بعض، عن كليهما.
ولما في البصائر (5): (عن أبي يعفور قال: خرجت مع أبي بصير ونحن عنده
فدخل عليه أبو بصير) (6).
وليس بناء المشائخ الثلاثة، بل وغيرهم أيضا في ذكر الأسانيد على
الالتزام بتوضيح المشتركات، كما يظهر من التتبع وملاحظة خصوص الرواية
الأخيرة، فإذا وجدنا رواية بعض عن أبي بصير في موضع، ودلت أمارة مثلا

(1) رجال النجاشي: 321 رقم 876 بقوله: (ليث بن البختري المرادي أبو محمد، و
قيل: أبو بصير الأصغر، روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام) و 441 رقم 1187. بقوله:
(يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي... روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام... وروي عن
أبي الحسن عليه السلام).
(2) رجال الطوسي: 134 رقم 1 بقوله: (ليث بن البختري المرادي يكنى أبا بصير). و
140 رقم 2: بقوله: (يحيى بن أبي القاسم يكنى أبا بصير، مكفوف).
(3) رجال الطوسي: 278 رقم 1 بقوله: (ليث بن البختري المرادي أبو يحيى ويكنى
أبا بصير). و 333 رقم 9: بقوله: (يحيى بن القاسم أبو محمد يعرف بأبي نصير).
(4) رجال الطوسي: 358 رقم 2 بقوله: (ليث المرادي يكنى أبا بصير). و 364 رقم
18: بقوله: (يحيى بن أبي القاسم يكنى أبا بصير).
(5) رواه في نادر باب أن النبي صلى الله عليه وسلم شاركه أمير المؤمنين عليه السلا م في العلم ولم يشاركه
في النبوة (منه رحمه الله).
أقول: لم يذكر في هذا الباب، بل في باب، الأئمة عليهم السلام أنهم قد صار إليهم العلم الذي
علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. راجع: بصائر الدرجات: 315 ح 1.
(6) وفي المصدر: (خرجنا مع أبي بصير ونحن عدة، فدخل عليه أبو بصير) والضمير
راجع إلى أبي عبد الله عليه السلام كما في البحار: (فدخلنا معه على أبي عبد الله عليه السلام) البحار:
26 / 172. فعلى هذا ما استشهد عليه المؤلف قدس سره في غير محله.
391

على أنه الأسدي، فلا يصح تعيينه فيه لو روي البعض عنه في موضع آخر من
غير دلالة أمارة عليه.
نعم، لو ثبت غلبة رواية شخص عن أحدهما، فمورد المشكوك فيه ملحوق
بالغالب. والله العالم.
392

المقصد الثاني
في
علي بن أبي حمزة
393

المقصد الثاني
في علي بن أبي حمزة
وهو يطلق على البطائني المشهور بالضعف، والثمالي (1) الثقة.
والمناسب نشر الكلام أولا: في بيان حالهما وثانيا: في بيان التمييز بينهما.
أما الأول: فنقول: إن المشهور بين الفقهاء والرجاليين، القول بالضعف، كما
قال العلامة في المختلف، عند الكلام في العدة - بعد ذكر احتجاج السيد
المرتضى رحمه الله بالآية وبرواية أبي بصير -: والرواية ضعيفة السند، لأن ابن
سماعة (2)، وابن جبلة (3)، وعلي بن أبي حمزة، كلهم منحرفون عن

(1) الثمالي: - بضم الثاء -. ابن داود: 80 رقم 478، إيضاح الاشتباه: 125، توضيح
الاشتباه: 224 و 258، تنقيح المقال: 1 / 189 رقم 1494، لب اللباب: 1 / 186 ونهاية
الأرب: 199.
(2) سماعة: - بفتح السين وتخفيف الميم -. توضيح الاشتباه: 95، 17، 178 و 270،
تنقيح المقال: 1 / 31 رقم 187 والأنساب: 3 / 289.
(3) جبلة: - بفتح الجيم والباء واللام المخففة -. توضيح الاشتباه: 204 و 65، إيضاح
الاشتباه: 209، رجال العلامة: 237 رقم 21، تنقيح المقال: 1 / 207 رقم 1650 وتوضيح
المشتبه: 2 / 191.
395

الحق) (1).
وهو مقتضى ما صنعه في الفائدة الثانية من الفوائد المرسومة في ختام
الخلاصة، فيما جرى على تضعيف طريق الصدوق إلى أبي بصير مع اشتماله
عليه (2). وسيتحقق أنه المراد منه، إن شاء الله تعالى.
وقال الشهيد في المسالك - عند الكلام في لقطة الحرم في تضعيف مستند
التحريم -: (وهو رواية إبراهيم، وعلي بن أبي حمزة، وفضيل، أن الأولى
مرسلة، والثانية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة) (3).
وأيضا قال في صدر كتاب القصاص، مزيفا لاستدلال الشيخ للإلحاق
بالعمد في وجوب القود ما إذا اتفق القتل بفعل لا يحصل به القتل غالبا، قاصدا
به الفعل دون القتل، برواية أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام: (بأن في الرواية
ضعفا بعلي بن أبي حمزة) (4).
وقال السيد السند في المدارك عند الكلام في بعض المنزوحات: (إن
المستند، رواية علي بن أبي حمزة، وهي ضعيفة به، فإنه واقفي) (5).
وأيضا قال عند الكلام في الأذان في الجماعة: في تضعيف ما رواه في
التهذيب، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن

(1) مختلف الشيعة: 2 / 611.
(2) الخلاصة 277، الفائدة الثامنة. وما ذكره المصنف من ذكره العلامة في الفائدة
الثانية من سهو قلمه الشريف.
(3) المسالك: 2 / 245.
(4) المسالك: 2 / 361.
(5) مدارك الأحكام: 1 / 82.
396

أحدهما عليهما السلام (1): (إن القاسم بن محمد، وعلي بن أبي حمزة، واقفيين، بل قال
النجاشي: إن الثاني أحد العمد (2) وابن الغضائري: إنه أصل الوقف وأشد الناس
عداوة للولي عليه السلام (3) وأبو بصير وهو يحيى بن القاسم وهو ضعيف وما هذا
شأنه، لا يمكن التمسك به في إثبات حكم مخالف للأصل) (4).
وصرح بضعفه الفاضل التستري، وأصر فيه الفاضل الخاجوئي قال في
جملة كلام له: (وأنا إلى الان لم أجد أحدا من الأصحاب غير الشيخ، يوثق
علي بن أبي حمزة البطائني، أو يعمل بروايته إذا انفرد بها، لأنه خبيث، واقفي،
كذاب، مذموم. (انتهى).
وربما حكى العلامة المجلسي في الوجيزة عن قائل: (القول بوثاقته) (5).
وحكاه أيضا العلامة البهبهاني في التعليقات وجنح نفسه إليه (6).
وحكى العلامة المجلسي رحمه الله في شرح الحديث الخامس والثلاثين من
شرح الأربعين، عن والده المولى التقي المجلسي رحمه الله عد حديثه في الموثقات،
جاريا فيه على تأييده، وإن حكم في الوجيزة، بضعفه.
ومال إليه جدنا السيد العلامة في المجلد الرابع والسادس من المطالع.
فإنه قال: (ويمكن أن يقال: بقبول رواية علي بن أبي حمزة البطائني،

(1) التهذيب: 2 / 50 ح 163.
(2) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(3) الخلاصة: 231 رقم 1 ومجمع الرجال: 4 / 157.
(4) مدارك الأحكام: 3 / 259.
(5) الوجيزة: 14.
(6) تعليقه الوحيد على منهج المقال: 223.
397

استنادا إلى بعض الوجوه الآتية إن شاء الله).
وربما يقتضي القول به ما صنعه العلامة في المختلف عند الكلام في جلد
السنجاب قبل الدباغ، فإنه جرى على القول بالجواز، تعويلا على ما رواه علي
ابن أبي حمزة (1) وهو خلاف صنيعته فيما تقدم من كلاميه فيه في غيره.
[المبحث الأول]
[مذهب علي بن أبي حمزة البطائني ووثاقته]
وتحقيق المقال أن يقال: إنه يتأتى الكلام، تارة: في مذهبه، وأخرى: في
وثاقته وضعفه.
أما الأول: فنقول: إن الظاهر، بل بلا إشكال أنه من الواقفية، نظرا إلى
ما ذكره غير واحد من علماء الرجال في ترجمته.
قال النجاشي: (علي بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة، سالم البطائني، أبو
الحسن، مولى الأنصار، كوفي، وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم، وله أخ
يسمى جعفر بن محمد، أبي حمزة روى عن أبي الحسن موسى وعن أبي
عبد الله عليهما السلام ثم وقف، وهو أحد عمد الواقفية) (2).
وقال الشيخ رحمه الله في الفهرست: (علي بن أبي حمزة البطائني، واقفي
المذهب، له أصل، رويناه بالأسناد، عن أحمد بن أبي عبد الله، وأحمد بن
محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، جميعا عنه) (3).

(1) مختلف الشيعة: 65.
(2) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(3) الفهرست: 96 رقم 408.
398

وقال في أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام: (علي بن أبي حمزة البطائني،
الأنصاري، قائد أبي بصير، واقفي، له كتاب) (1).
وذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء، العبارة المذكورة من رجال الشيخ
بعينها (2).
وقال العلامة في الجزء الثاني من الخلاصة، بعد نقل كلام النجاشي: (قال
الشيخ الطوسي في عدة مواضع: إنه واقفي - إلى أن قال - وقال ابن الغضائري:
علي بن أبي حمزة - لعنه الله -، أصل الوقف، وأشد الناس عداوة للولي عليه السلام
من بعد أبي إبراهيم عليه السلام) (3).
وهو مقتضى صريح كلام ابن داود (4) وكافة المتأخرين من الرجاليين
كالفاضل الاسترآبادي في المنهج (5) والوسيط والسيد السند التفريشي في
النقد (6) والفاضل الجرائري في الحاوي (7) وغيرهم.
كما هو مقتضى صريح المحقق في المعتبر (8) والمحقق الشيخ حسن في فقه
المعالم والمحقق الخوانساري في المشارق (9) والفاضلين النحريرين

(1) رجال الطوسي: 353 رقم 10.
(2) معالم العلماء: 67 رقم 458.
(3) الخلاصة: 231 رقم 1.
(4) رجال ابن داود: 259 رقم 325.
(5) منهج المقال: 223.
(6) نقد الرجال: 224 رقم 10.
(7) حاوي الأقوال: 275 رقم 1594 (المخطوط).
(8) المعتبر: 2 / 807.
(9) مشارق الشموس: 230.
399

المجلسيين (1) والمحقق الأنصاري في رجاله (2).

(1) روضة المتقين: 14 / 185 والوجيزة: 14.
(2) ويظهر القول بالوثاقة من السيد ابن طاووس في الأقبال، ولما كان كلامه وحديثه
من غرائب الكلام والحديث أعجبني ذكرهما ملخصا.
قال: (إني كنت قد صمت يوم ثاني عشر ربيع الأول، وعزمت على إفطار يوم ثالث
عشر، فوجدت حديثا في كتاب الملاحم للبطائني: عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
قال: الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل.
قال: قلت جعلت فداك! فأخبرني بما استريح إليه قال: يا أبا محمد ليس يرى أمة محمد
فرحا أبدا ما دام لولد بني فلان، ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لامة
محمد برجل منا أهل البيت يشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى، والله
إني لأعرفه باسمه واسم أبيه.
فقال السيد: ومن حيث انقرض ملك بني العباس، لم أجد ولم أسمع برجل من أهل البيت
يشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى، كما قد تفضل الله تعالى به علينا
باطنا وظاهرا، غلب ظني أو عرفت أن ذلك إشارة إلينا وانعام علينا.
فقلت ما معناه يا الله! إن كان هذا الرجل المشار إليه أنا، فلا تمنعني من صوم هذا اليوم
على عادتك ورحمتك في المنع مما تريد منعي عنه، فوجدت إذنا وأمرا بالصوم، فصمته
وقلت: يا الله! إن كنت أنا، المشار إليه فلا تمنعني من صلاة الشكر وأدعيتها، وقمت فلم أمنع
فصليتها ودعوت بأدعيتها، وقد رجوت أن يكون الله تعالى قد شرفني بذكري في الكتب
السالفة على لسان الصادق عليه السلام (انتهى). (أنظر: الأقبال للسيد: 599، طبعة دار الكتب
الإسلامية).
والظاهر أن المنع المذكور، كان من خصائص مراحم الله سبحانه بالإضافة إليه، كما
يشهد عليه بعض وقائعه كما لا يخفى على من وقف عليه.
ومنه، الممانعة في وضوئه لصلاة الليل وتجديد الماء مرتين باحتمال النجاسة وبقاء
الممانعة أيضا كذلك وانكشاف سبب الممانعة بعد ذلك.
ورأيت في كلام بعض، حمل هذا الحديث المزبور كغيره من جملة من الأخبار على
السلطان سليمان الماضي، وان كان الفاصلة بين الانقراض المذكور وقيام السلطان المزبور
مائتان أو ثلاثمائة سنة، قادحا في كلام السيد المؤيد في الحمل المسطور من أنه لما استقر
السلطنة لهلاكو وعمه جنكيز، سعى في المرام هلاكو بتدابير العلامة الطوسي نصير الدين،
فأرسل جمعا كثيرا من العساكر إلى بغداد فقتلوا المستعصم العباسي، وانقرضت خلافتهم،
فقرر هلاكو بسعي العلامة المشار إليه نقابة أشراف هذه الولاية بالسيد المؤيد، إلا أنه لم تكن
النقابة إلا في زمان قليل في قليل من الولايات، وأين هذا وما يظهر من الخبر من وقوع
الأمور العظيمة بيد المسلط بعد انقراض الطائفة العباسية. (منه عفى عنه).
400

ويدل أيضا على كونه من مؤسسي الأساس وأحد العمد، ما ذكره الشيخ في
كتاب الغيبة ناقلا عن الثقات: (من أن أول من أظهر هذا الاعتقاد، أي القول
بالوقف، علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن
عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوما، فبذلوا
لهم شيئا مما اختانوا من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرام
الخثعمي، وأمثالهم) (1).
وروى فيه أيضا عن الكليني: (بإسناده عن يونس بن عبد الرحمان، أنه
قال: مات أبو إبراهيم عليه السلام وليس من قوامه أحد، إلا وعنده المال الكثير وكان
ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته، طمعا في الأموال، كان عند زياد بن مروان
القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلما
رأيت ذلك وتبينت الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت،
تكلمت ودعوت الناس إليه.
فبعثا إلي وقالا ما يدعوك إلى هذا؟! إن كنت تريد المال فنحن نغنيك،

(1) الغيبة: 63 / 65.
401

وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا: كف! فأبيت وقلت لهما: إنا روينا عن
الصادقين عليهما السلام إنهم قالوا: إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن
لم يفعل، سلب نور الأيمان، وما كنت لأدع الجهاد، وأمر الله على كل حال،
فناصباني وأضمرا لي العداوة) (1).
و (عن أبي داود المسترق، قال: كنت أنا وعيينة بياع القصب، عند علي بن
أبي حمزة البطائني وكان رئيس الواقفة) (2).
ويدل عليه أيضا ما ذكره الكشي: (بإسناده عن إسماعيل بن سهل، من أنه
قال: حدثني بعض أصحابنا، وسألني أن أكتم اسمه قال: كنت عند الرضا عليه السلام
فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري، فقال له ابن أبي
حمزة: ما فعل أبوك؟
قال: مضى. قال: مضى موتا؟
قال: نعم. قال، على من عهد؟
فقال: إلي. قال: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟
قال: نعم.
قال ابن السراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه (فأجابه
توبيخا له) (3) وقال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئا ما كان يظهر أحد من

(1) الغيبة: 64 ح 66.
(2) الغيبة: 67 ح 70
(3) في المصدر: قال عليه السلام (والله أمكنك من نفسه، قال: ويلك وبما أمكنت أتريد أن
آتي بغداد وأقول لهارون أنا إمام مفترض طاعتي، والله ما ذاك! وإنما قلت: ذلك لكم عندما
بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتت أمركم لئلا يصير سركم في يد عدوكم، قال ابن أبي
حمزة: لقد أظهرت... إلى آخر ما ذكره المؤلف).
402

آبائك، ولا يتكلم به فرد عليه، (استدلالا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1). وقال له - بعد ما ذكر جوابين بعد سؤاله عن أمرين -: يا شيخ! اتق الله
ولا تكن من الصادين عن دين الله تعالى) (2).
وبالجملة: فلا إشكال في وقفه وإن كان الظاهر من البرقي في رجاله
خلافه، فإنه قال: (علي بن أبي حمزة البطائني، مولى الأنصار، كوفي، واسم
أبي حمزة، سالم، وكان علي قائد أبي بصير) (3). (انتهى).
وذلك لعدم مقاومة كلامه لما مر وما سيأتي.
مضافا إلى أن بنائه في هذا الكتاب، على ذكر الأسامي غالبا، بل ذكر غير
الاسم نادر جدا، فالظاهر أنه لا ينبغي الأشكال في وقفه، بل وكذا في كونه من
مؤسسيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى ما يقويه.
نعم: ربما يظهر من بعض الآثار أنه ظهر من حيان السراج وشخص آخر،
كما روى الكشي عن بعض من أنه كان بدو الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون ألف
دينار عند الأشاعثة، زكاة أموالهم وما كان يجب عليهم فيها، فحملوه إلى
وكيلين لموسى عليه السلام بالكوفة أحدهما: حيان السراج، والاخر: كان معه، وكان
موسى عليه السلام في الحبس فاتخذا بذلك دورا وعقدا العقود واشتريا الغلات، فلما
مات وانتهى الخبر إليهما، أنكرا موته وأذاعا في الشيعة أنه لا يموت، لأنه هو
القائم، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع

(1) اي أجاب الأمام عليه السلام استدلالا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (بلى والله لقد تكلم به
خير آبائي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين...)
(2) رجال الكشي: 463 رقم 883.
(3) رجال البرقي: 25.
403

المال إلى ورثة موسى عليه السلام واستبان للشيعة كذبهما في المقال (1) حرصا على
المال) (2).
ولكنه مع منافاة ذيله لصدره، لا يعارض الأخبار الكثيرة المعمولة
المعتضدة.
وأما الثاني: فقد ظهر مما مر أن الأصحاب، فيه على قولين ويمكن أن
يستدل لاثبات وثاقته بوجوه:
الأول: بناء الأصحاب على العمل برواياته، كما يشهد عليه ما ذكره الشيخ
في العدة بقوله: (وعملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل: عبد الله بن بكير وغيره،
وأخبار الواقفية مثل: سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن
عيسى) (3).
وما ذكره المحقق في المعتبر، عند الكلام في الأسئار، فإنه بعد ما ذكر رواية
عن علي بن أبي حمزة، وأجاب عما أورد على الاستدلال بروايته بواقفيته:
(بأن الوجه الذي عمل برواية الثقة، قبول الأصحاب وانضمام القرائن، لأنه
لولا ذلك، لمنع العقل من العمل بخبر الثقة، إذ لا يقطع بقوله، وهذا المعنى
موجود هنا، فإن الأصحاب عملوا برواية هؤلاء، كما عملوا هناك) (4).
ولو قيل: إنه يضعف بما ذكره المحقق في المعارج، موردا على الشيخ: (بأنا
لا نعلم إلى الان أن الطائفة عملت بأخبار هؤلاء) (2). أي: خبر عبد الله بن بكير،

(1) في المصدر: (واستبان للشيعة، أنهما قالا ذلك حرصا على المال).
(2) رجال الكشي: 459 رقم 871.
(3) عدة الأصول: 1 / 381.
(4) المعتبر: 1 / 94.
(5) معارج الأصول: 149.
404

وسماعة، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى.
ربما ذكره يضعف ما ذكره في المعتبر بالأولوية.
وكذا بما أورد المحقق المشار إليه، على احتجاج الشيخ على عدم اشتراط
الأيمان في الراوي، بأن الشيعة عملت برواية بني فضال والطاطرية
وأضرابهم (1): (بأنه إلى الان لم يعلم أن الشيعة عملت بأخبار هؤلاء) (2).
قلت: إن الانصاف، أن الحق مع الشيخ، وما وافق كلام المحقق معه، فإنه
لا يخفى على المتتبع أن عمل الأصحاب برواية هؤلاء ظاهر، كالنور على
الطور، ومنه إكثار المشائخ من رواية الموثقين في كتبهم، وكذا استدلال الفقهاء
برواياتهم في تصانيفهم.
هذا! ولا يذهب عليك أن ما ذكره المحقق في الجواب بعيد بوجوه عن
الصواب:
أما أولا: فلأن الظاهر أن الوجه في قبول خبر الثقة، هو الظن الاطمئناني
الذي هو طريق يسلكه العقلاء بناء على ما هو الحق من عدم ثبوت جعل
الطريق، ومنه جريان طريقة قدماء الرواة على العمل بخبر الثقة مع عدم
المسبوقية بالعمل.
وأما ثانيا: فلأن الظاهر أنه لا وجه لاعتبار قبول الأصحاب، أو انضمام
القرينة، إلا حصول الظن من الخبر، ولا ريب في حصوله معه بنفسه، مع أن
اعتبار الخبر بشرط الظن، ولو مع فرض حصوله من القرينة، إنما ينتهض بناء
على حجية الظن المطلق، وإلا فلا يخلو من إشكال. فتأمل.

(1) عدة الأصول: 1 / 381.
(2) معارج الأصول: 149.
405

مضافا إلى عدم خلوه مع ذلك، من المنافاة لذيل الكلام.
وأما ثالثا: فلأن ما ذكره من: (أنه لولا ذلك، لمنع العقل...)، يقتضي
الموافقة لما اشتهر من كلام ابن قبة، من استحالة التعبد بخبر الواحد، استنادا
إلى أن العمل به، يوجب تحليل الحرام وتحريم الحلال، إذ لا يؤمن أن يكون
ما أخبر بحليته حراما وبالعكس.
وضعفه بمكان غني عن البيان.
الثاني: الأخبار على ما ينصرح منها بعد انضمام بعضها إلى بعض.
فمنها: ما رواه الشيخ الثقة، قطب الدين الراوندي (1) في كتاب الخرائج

(1) قد تعرض الشيخ الأمام الحافظ السعيد منتجب الدين علي بن عبيد الله بن الحسن
ابن الحسين بن بابويه القمي رحمه الله في كتاب رجاله للراوندي صاحب الخرائج، فقال: (الشيخ
الأمام، قطب الدين أبو الحسن، سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي، فقيه، عين، صالح،
ثقة، له تصانيف، منها: (المغني في شرح النهاية) عشر مجلدات، (منهاج البراعة في شرح
نهج البلاغة)، (تفسير القرآن)، مجلدين، (الرائع في الشرائع)، (المستقصى في شرح
الذريعة)، ثلاث مجلدات، (ضياء الشهاب) و (الخرائج والجرائح) في المعجزات.
وعدله غيرها من المصنفات والكتب، وذكر أنه مدفون في جوار مولاتنا فاطمة
المعصومة عليها السلام بقم، ومرقده الشريف معروف، مزاره مطاف، محل التبرك والاستشفاء.
فهرست منتجب الدين: 87 رقم 186.
أقول: وربما تعرض لكلامه ابن أبي الحديد في شرحه، موردا عليه كما ذكر عند شرحه
قوله عليه السلام فيما قاله بعد تلاوته: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر، يا له مراما ما أبعده، وزورا
ما أغفله، وخطرا ما أفظعه، لقد استخلوا منهم أي مدكر).
قال: (قوله: لقد استخلوا...)، قال الراوندي: (أي: وجدوا موضع التذكر خاليا
من الفائدة).
وهذا غير صحيح، وكيف يقول ذلك وقد قال: (وخطرا ما أفظعه) وهل يكون أمرا
أعظم تذكيرا من الاعتبار بالموتى؟! والصحيح أنه أراد ب‍ (استخلوا) ذكر من خلا من آبائهم أي
من مضى يقال: هذا الأمر من الأمور الخالية....
وهذا القرن من القرون الخالية أي الماضية واستخلى فلان في حديثه أي حدث عن أمور
خالية والمعنى أنه استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا وعمن خلا من أسلافهم وآثار أسلافهم
من التذكير، فقال أي مدكر وواعظ في ذلك!). شرح ابن أبي الحديد: 11 / 146.
والظاهر أنه في مقام مذمة الذين ألهاهم التكاثر، من أنهم لشدة غفلتهم لم ينظروا إلى الموتى
نظر عبرة، بل وجدوهم خالين عن الاعتبار.
ولعل هذا، هو المراد مما ذكره الراوندي ولا وجه لاعتراض ابن أبي الحديد، فإن عمدة
التذكر بحال الموتى، حال الناظر والتفاته إلى عظم الأمر وصعوبته، وإلا فالغافل لا يكاد أن
يتأثر بما يرى بوجه، وأما ما ذكره في معنى العبارة، فلا يخلو من بعد وسماجة.
فقال في شرح قوله عليه السلام - أدركت وترى من بني عبد مناف، وأفلتني أعيار بني جمح -:
(ورأيت في شرح نهج البلاغة للقطب الراوندي في هذا الفصل، عجائب وطرائف،
فأحببت أن أوردها هاهنا.
منها: أنه قال في تفسير قوله عليه السلام: (أدركت وترى من بني عبد مناف) قال: (يعني طلحة
والزبير كانا من بني عبد مناف).
وهذا غلط قبيح، لأن طلحة من تيم بن مرة والزبير من أسد بن عبد العزى بن قصي،
وليس أحد منهما من بني عبد مناف وولد عبد مناف أربعة: هاشم، عبد شمس، نوفل،
وعبد المطلب، فكل من لم يكن من ولد هؤلاء الأربعة، فليس من ولد عبد مناف.
ومنها: أنه قال: (إن مروان بن الحكم كان من بني جمح) ولقد كان هذا الفقيه - رحمه الله
تعالى - بعيدا عن معرفة الأنساب! مروان، من بني أمية بن عبد شمس، وبنو جمح من بني
هصيص بن كعب، واسم جمح، تيم (بن عمرو بن هصيص).
ومنها: أنه قال: (وأفلتتني أغيار بني جمح) بالغين المعجمة، قال: هو جمع (غير) الذي بمعنى
(سوى)، وهذا لم يرو ولا مثله بما يتكلم به أمير المؤمنين عليه السلام لركته وبعده عن طريقته فإنه
يكون قد عدل عن أن يقول: (ولم يفلتني إلا بنو جمح) إلى مثل هذه العبارة الركيكة
المتعسفة!). شرح ابن أبي الحديد: 11 / 124.
ثم بين المراد بما يطول ذكره في المقام (منه رحمه الله).
406

والجرائح: (بإسناده عن إسحاق بن عمار، أن أبا بصير أقبل مع أبي الحسن
موسى عليه السلام من مكة يريد المدينة فنزل أبو الحسن عليه السلام فدعا بعلي بن أبي حمزة
البطائني ويقول: يا علي! إذا صرنا إلى الكوفة تقدم في كذا، فغضب أبو بصير
وقال أنا أصحبه منذ حين ثم يخطأني بحوائجه إلى بعض غلماني.
فلما كان من الغد، حم أبو بصير بزبالة، فدعا بعلي بن أبي حمزة، فقال لي:
أستغفر الله مما حل في صدري من مولاي وسوء ظني به، فقد علم أني ميت
وأني لا ألحق الكوفة، فإذا أنا ميت فافعل كذا، وتقدم في كذا، فمات
أبو بصير) (1).
ودلالته على الوثاقة ظاهرة، حيث إن الظاهر من الخبر، وثاقته واعتباره
عند الأمام عليه السلام، حيث إنه ذكر له من الوصايا والحوائج، كما أن الظاهر وثاقته
أيضا عند أبي بصير، حيث إنه قد اعتبره بترتيب ما يأمره بعد موته.
بل ربما يظهر من بعض الأخبار، شدة لطف منه بالإضافة إليه، بل لا يبعد
استكشاف وثاقته.
فقد روى فيه أيضا: (عن علي بن أبي حمزة، أنه قال أخذ بيدي موسى بن
جعفر عليهما السلام فخرجنا من المدينة إلى الصحراء، فإذا نحن برجل مغربي إلى
الطريق يبكي وبين يديه حمار ميت ورحله مطروح.
فقال له موسى عليه السلام: ما شأنك؟ قال: كنت مع رفقائي نريد الحج فمات

(1) الخرائج والجرائح: 1 / 324 وكشف الغمة: 2 / 249 والبحار: 48 / 65.
408

حماري هنا، فدنا موسى عليه السلام من الحمار وتكلم بشئ لم أفهمه وأخذ قضيبا
كان مطروحا فضربه به وصاح عليه، فوثب الحمار صحيحا سليما.
وقال علي بن أبي حمزة: وكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكة، فإذا
المغربي هناك، فلما رآني أقبل إلي وقبل يدي فرحا مسرورا، فقلت له: ما حال
حمارك؟ فقال: هو والله صحيح سليم وما أدري من أين هو ذلك الرجل الذي
من الله به علي فأحيى لي حماري بعد موته؟!
فقلت له: قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لم تبلغ معرفته) (1).
ورواه في كشف الغمة (2) وفي البحار (3) أيضا عن الكتاب المذكور بتغيير
يسير.
ونظيره ما رواه الصدوق: (عن كميل بن زياد النخعي، قال: كنت مع
أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة، وقد صلينا عشاء الآخرة فأخذ بيدي
حتى خرجنا من المسجد، فمشى حتى خرج إلى ظهر الكوفة لا يكلمني بكلمة
فلما أصحر تنفس الصعداء.
ثم قال: يا كميل! (الحديث)، قال: ثم نزع يده من يدي وقال: انصرف إذا
شئت) (4).
وهو وإن لم يكن بهذا الشأن بالنسبة إلى الإمام عليه السلام، ولكن لا أقل من
ظهوره في عدم تنفره عنه، بل الميل إليه، وهو كاف في ظهور وثاقته.

(1) الخرائج والجرائح: 1 / 314.
(2) كشف الغمة: 2 / 247.
(3) البحار: 48 / 71 ح 95.
(4) البحار: 1 / 189.
409

مع أن قوله في ذيل الحديث: (فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته) يشعر عن نوع
قوة معرفته.
هذا، وروي في الكافي في باب تولد أبي الحسن موسى عليه السلام: (بالأسناد
عن عبد الله بن المغيرة، عنه عليه السلام) (1) ما يقرب إليه.
ومنها: ما رواه فيه أيضا، بالأسناد عن بكار القمي، والرواية طويلة نقتصر،
على موضع الحاجة منها وهي:
(إنه قال: إنه عاد إلى الرسول، فقال: قال أبو الحسن عليه السلام: ائتني غدا قبل
أن تذهب، فلما كان من الغد أتيته، فقال: أخرج الساعة وهاك هذا الكتاب،
فادفعه إلى علي بن أبي حمزة بالكوفة.
قال: فانطلقت فدخلتها ليلا، فقلت أصير إلى منزلي فأرقد ليلتي هذه، ثم
أغدوا بكتاب مولاي إلى علي بن أبي حمزة، فأتيت منزلي فأخبرت أن
اللصوص دخلوا حانوتي قبل قدومي بأيام.
فلما أن أصبحت، صليت الفجر فبينما أنا جالس متفكر فيما ذهب لي من
حانوتي، إذا أنا بقارع يقرع الباب، فخرجت فإذا علي بن أبي حمزة، فعانقته
وسلم علي، ثم قال لي: يا بكار! هات كتاب سيدي! قلت: نعم قد كنت على
المجيئ إليك الساعة.
قال: هات! قد علمت أنك قد جئت ممسيا، فأخرجت الكتاب فدفعته إليه
فأخذه وقبله ووضعه على عينيه وبكى.
فقلت: ما يبكيك؟
قال: شوقا إلى سيدي، ففكه وقرأ ثم رفع رأسه وقال: يا بكار! دخل عليك

(1) الكافي: 1 / 484 ح 6.
410

اللصوص؟
قلت: نعم.
قال: فأخذوا ما في حانوتك؟
قلت: نعم.
قال: إن الله قد أخلف عليك قد أمرني مولاك ومولاي، أن أخلف عليك
ما ذهب منك، وأعطاني أربعين دينارا.
قال: فقومت ما ذهب، فإذا قيمته أربعين دينارا، ففتح علي الكتاب وقال
فيه: ارفع إلى بكار قيمة ما ذهب من حانوته أربعين دينارا) (1).
فإن فيه، مواضع من دلالته على حسن حاله.
ومنها: ما رواه فيه أيضا (2): (قال علي بن أبي حمزة، قال: أرسلني
أبو الحسن عليه السلام إلى رجل وقال عليه السلام: أعطه هذه الثمانية عشر درهما وقل له:
يقول لك أبو الحسن: انتفع بهذه الدراهم، فإنها يكفيك حتى تموت.
فلما أعطيته بكى، فقلت: وما يبكيك؟
قال: ولم لا أبكي وقد نعيت إلى نفسي.
فقلت: وما عند الله خير مما أنت فيه.
فسكت وقال: ومن أنت يا عبد الله؟
فقلت: علي بن أبي حمزة.
قال: والله لهكذا قال لي سيدي ومولاي، أنا باعث إليك مع علي بن أبي

(1) الخرائج والجرائح: 1 / 321 والبحار: 48 / 63.
(2) الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف، بل رواه ابن شهرآشوب في المناقب: 3 / 412
وعنه المجلسي في البحار: 48 / 76.
411

حمزة برسالتي، قال علي: فلبثت نحوا من عشرين ليلة، ثم أتيت إليه وهو
مريض، فقلت: أوصني بما أحببت أنفذه من مالي.
قال: إذا أنا مت، فزوج ابنتي من رجل دين، ثم بع داري وادفع ثمنها إلى
أبي الحسن عليه السلام، واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة.
قال: فلما دفنته، زوجت ابنته من رجل مؤمن، وبعت داره وأتيت بثمنها إلى
أبي الحسن عليه السلام).
وظهوره أيضا في المرام، مما لا يخفى على أولي الأفهام (1).
ومنها: ما رواه الفاضل الأربلي في كشف الغمة عن الراوندي أيضا: (عن

(1) ومما يكشف عن حسن عقيدته (أي البطائني المبحوث عنه) في الجملة: ما رواه
في الخرائج: (قال: خرج موسى بن جعفر عليهما السلام في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له
خارجة عنها وأنا صحبته، وكان راكبا بغلة وأنا على حمار، فلما صرنا في بعض الطريق
اعترضنا أسد فأحجمت خوفا وأقدم أبو الحسن عليه السلام غير مكترث به، فرأيت الأسد يتذلل
لأبي الحسن عليه السلام ويهمهم، فوقف له أبو الحسن عليه السلام كالمصغي إلى همهمته ووضع الأسد يده
على كفل بغلته وخفت من ذلك خوفا شديدا ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق، وحول
أبو الحسن عليه السلام وجهه إلى القبلة وجعل يدعو، ثم حرك شفتيه ما لم أفهمه، ثم أومأ إلى الأسد
بيده أن أمض! فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن عليه السلام يقول: آمين آمين.
وانصرف الأسد حتى غاب عن أعيننا ومضى أبو الحسن عليه السلام لوجهه، فأتبعته فلما بعدنا
عن الموضع لحقته فقلت: جعلت فداك! ما شأن هذا الأسد؟ فلقد خفته والله عليك وعجبت
من شأنه معك!
فقال عليه السلام: إنه خرج يشكو إلى عسر الولادة على لبوته وسألني أن أسأل الله ليفرج عنها،
ففعلت ذلك وألقى في روعي أنها ولدت له ذكرا فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله
فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع، فقلت آمين.
(منه عفى عنه). الخرائج: 2 / 649.
412

أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أبي موسى بن جعفر عليهما السلام لعلي بن أبي حمزة
مبتدئا: إنك لتلقى رجلا من أهل المغرب، يسألك عني، فقل: هو الأمام الذي
قال لنا أبو عبد الله الصادق عليه السلام فإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه!
قال: وما علامته؟ قال عليه السلام: رجل جسيم طويل، اسمه يعقوب بن يزيد وهو
رائد قومه، وإن أراد الدخول إلي فأحضره عندي!
قال علي بن أبي حمزة: فوالله إني لفي الطواف إذ أقبل رجل جسيم طويل
فقال لي: إني أريد أن أسألك عن صاحبك؟
قلت: عن أي الأصحاب؟ قال: عن موسى بن جعفر عليهما السلام.
قلت: فما اسمك؟ قال: يعقوب بن يزيد، قلت: من أين أنت، قال: من
المغرب.
قلت: من أين عرفتني؟ قال: أتاني آت في منامي، فقال لي: الق علي بن
أبي حمزة، فاسأله جميع ما يحتاج إليه، فسألت عنك، فدللت عليك.
فقلت: اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي وأعود إليك، فطفت ثم
أتيته فكلمته فرأيته رجلا، عاقلا، فطنا، فالتمس مني الوصول إلى موسى بن
جعفر عليهما السلام فأدخلته إليه.
فلما رآه، قال يا يعقوب بن يزيد! قدمت أمس، ووقع بينك وبين أخيك
خصومة في موضع كذا، حتى تشاتمتا، وليس هذا من ديني، ولا من دين
آبائي، فلا نأمر بهذا، أحدا من شيعتنا، فاتق الله فإنكما ستفترقان من قريب
بموت، فأما أخوك فيموت في سفرته هذه، قبل أن يصل إلى أهله وتندم أنت
على ما كان منك إليه، فإنكما تقاطعتما وتدابرتما، فقطع الله عليكما أعماركما.
فقال الرجل: يا بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أنا متى يكون أجلي؟
قال: كان قد حضر أجلك فوصلت عمتك بما وصلتها في منزل كذا وكذا،
413

فنسا الله في أجلك عشرين حجة.
قال علي بن أبي حمزة: فلقيت الرجل من قابل بمكة فأخبرني أن أخاه
توفى ودفنه في الطريق قبل أن يصل إلى أهله) (1).
وفيه أيضا مواضع من الدلالة على المطلوب، ولا نطيل الكلام ببيانها.
ولكنه روى الكشي الخبر المذكور، عن شعيب العقرقوفي: (قال: وجدت
بخط جبرئيل بن أحمد، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن محمد بن
علي، عن ابن البطائني، عن أبيه، عن شعيب العقرقوفي، قال: قال لي
أبو الحسن عليه السلام مبتدئا من غير أن أسأله: يا شعيب - ثم ساق الرواية بتغيير
يسير - وفيه بدل علي بن أبي حمزة فيما ذكر، شعيب (2).
ورواه في البحار أيضا عن الكشي (3).
ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب في كتاب التدبير في الصحيح: (عن
الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام، قال قلت له: إن أبي هلك
وترك جاريتين قد دبرهما وأنا ممن أشهد لهما، وعليه دين كثير، فما رأيك؟
قال رضى الله عن أبيك، ورفعه مع محمد وأهله - عليه وعليهم السلام -
قضاء دينه خير له إن شاء الله) (4).
فإنه قد عد (الرضيلة) من أصحاب الرجال، من أمارات الوثاقة، ولا ريب
أن (الرضيلة) من الأمام آكد في الدلالة، وأشد في ظهور الوثاقة.

(1) كشف الغمة: 2 / 245، الخرائج والجرائح: 1 / 307 والمناقب: 3 / 412.
(2) رجال الكشي: 442 رقم 831.
(3) البحار: 48 / 35 ح 7.
(4) التهذيب: 8 / 262 ح 953.
414

هذا مع قوله عليه السلام أيضا، ورفعه مع محمد وأهله - صلوات الله عليه وعليهم
أجمعين - فإنه في غاية الظهور على المرام بلا كلام، ولكن يقع فيه الأشكال من
وجهين:
الأول: إن الظاهر من الكنية المذكورة على الإطلاق، كما هو المصرح به في
كلام بعض، هو سيدنا ومولانا الكاظم عليه السلام، ولا ريب في عدم صحة حمله، فإنه
كما عرفت من الواقفية، والوقف إنما حدث بعد ممات سيدنا ومولانا
الكاظم عليه السلام، فلابد من حياته إلى بعد زمان مماته عليه السلام.
ومقتضى الخبر المذكور وقوع مماته في زمان حياته عليه السلام، إلا أن يقال: إن
المراد، هو الأمام الثامن أعني مولانا الرضا عليه السلام فإنه من كنيته عليه السلام أيضا، وقد
كثر إطلاقه عليه أيضا. نعم، إنه قد يقيد فيه بالرضا عليه السلام أو بالثاني عليه السلام.
الثاني: إن النظر فيما ورد في شأن هؤلاء الطائفة، ربما يوجب صرف الخبر
المذكور عن ظاهره وحمله على التقية ونحوها.
وذلك مثل ما رواه الكشي في أوائل الجزء السادس من رجاله: (عن ابن
أبي يعفور، قال: كنت عند الصادق عليه السلام إذ دخل موسى عليه السلام عليه فجلس فقال
أبو عبد الله عليه السلام: يا بن أبي يعفور، هذا خير ولدي وأحبهم إلي، غير أن الله
عز وجل يضل به قوما من شيعتنا، فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة
ولا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
قلت: جعلت فداك! قد أرعب قلبي عن هؤلاء!!
قال: يضل بهم قوما من شيعتنا بعد موته جزعا عليه، وينكرون الأئمة عليهم السلام
من بعده، ويدعون الشيعة إلى ضلالتهم، وفي ذلك إبطال حقوقنا وهدم
415

دين الله، يا بن أبي يعفور، والله ورسوله منهم برئ ونحن منهم برآء) (1).
وكذا سائر الأخبار في المقام، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر بعضها.
وربما تفوح رائحة التقية ونحوها أيضا من قوله عليه السلام في ذيل الخبر: (إن
شاء الله) كما لا يخفى على أولي الأذهان الثاقبة والأفهام الصائبة.
ومنها: ما رواه الكشي: (عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال:
دخلت المدينة وأنا مريض شديد المرض، فكان أصحابنا يدخلون ولا أعقل
بهم، وذلك أنه أصابني حمى، فذهب عقلي، وأخبرني إسحاق بن عمار، أنه
أقام بالمدينة ثلاثة أيام لا يشك أنه لا يخرج منها حتى يدفني ويصلى علي،
وخرج إسحاق بن عمار وأفقت بعد ما خرج إسحاق، فقلت لأصحابي: افتحوا
كيسي وأخرجوا منه مائة دينار فأقسموها على أصحابنا.
وأرسل إلى أبو الحسن عليه السلام بقدح فيه ماء، فقال الرسول: يقول لك
أبو الحسن عليه السلام: اشرب هذا الماء، فإنه فيه شفائك إن شاء الله، ففعلت فأسهل
بطني، فأخرج الله ما كنت أجده في بطني من الأذى، ودخلت على
أبي الحسن عليه السلام فقال: يا علي! أما إن أجلك قد حضر مرة بعد مرة.
فخرجت إلى مكة فلقيت إسحاق بن عمار، فقال: أما والله لقد أقمت
بالمدينة ثلاثة أيام ما شككت إلا أنك ستموت، فأخبرني بقصتك، فأخبرته
بما صنعت وما قال لي أبو الحسن عليه السلام مما أنساه الله في عمري مرة بعد مرة من
الموت، وأصابني مثل ما أصاب، فقلت: يا إسحاق! إنه إمام، ابن إمام، وبهذا
يعرف الأمام) (2).

(1) رجال الكشي: 462 رقم 881. وفيه يدعون الشيعة إلى ضلالهم.
(2) رجال الكشي: 445 رقم 838.
416

ودلالته على المرام ظاهرة لا يحتاج إلى تطويل كلام وعبارة، بل لو قلنا بأن
المراد من أبي الحسن عليه السلام فيه، هو مولانا الرضا عليه السلام، فيثبت به عدم كونه من
الواقفية، ولكن الظاهر أنه لا مجال للحمل المذكور.
الثالث: رواية جمع كثير من الثقات، وجم غفير من أجلاء الرواة عنه، بل
رواية جماعة من الذين لا يروون إلا عن الثقة، نصا منهم، أو بقرائن معتمدة،
كما ذكره في المستدرك، قال: كأحمد بن محمد بن أبي نصر، وابن
أبي عمير، وصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمان، وفضالة بن أيوب،
وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وعثمان بن عيسى.
ومن أضرابهم: جعفر بن بشير الذي قالوا في حقه: (روى عن الثقات،
ورووا عنه) (1).
و (علي بن الحسن الطاطري) (2) و (الحسين بن سعيد (3). (4)
ونظرائهم (5).

(1) رجال النجاشي: 119 رقم 304.
(2) قال الشيخ فيه: (... له كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم).
الفهرست: 92 رقم 380.
(3) لم نجد فيه ولا في أخيه من قال بأنهما رويا عن الثقات ورووا عنهما. نعم قال
النجاشي فيهما: (وكتب ابني سعيد كتب حسنة معمول عليها وهي ثلاثون كتابا - إلى أن
قال -: فأما ما عليه أصحابنا والمعول عليه، ما رواه عنهما أحمد بن محمد بن عيسى).
رجال النجاشي: 58 رقم 136 - 137.
(4) المستدرك: 3 / 623.
(5) نحو محمد بن إسماعيل الزعفراني الذي قال النجاشي فيه: (... ثقة، عين، روى
عن الثقات ورووا عنه). رجال النجاشي: 345 رقم 933. وبنو فضال الذي قال أبو محمد
الحسن ابن علي عليهما السلام فيهم: (خذوا ما رووا وذروا ما رأوا). الغيبة للطوسي: 239.
(طبعة النجف).
417

الرابع: التوثيق الذي صدر من ابن الغضائري في ترجمة ابنه، فإنه ذكر:
(الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، واقف بن واقف، ضعيف في نفسه،
وأبوه أوثق منه) (1).
فإن مقتضى قوله: (وأبوه أوثق منه)، ولا سيما مع ملاحظة ما ظهر من ديدن
ابن الغضائري من الاكثار في الجرح، ثبوت وثاقته بلا شبهة.
ودعوى أن مفاد التفضيل يناقض الضعيف، يضعف باختصاص مورد
التضعيف وعموم مورد التوثيق، فغاية الأمر التخصيص في التوثيق، بل لا يبعد
إثبات وثاقة ابنه بما ذكر أيضا، فإنه مضافا إلى ظهور اشتراك المفضل والمفضل
عليه، في مادة التفضيل، ولما كان الموثق في غاية الاعتبار في توثيقاته،
فيحصل الظن بالوثاقة ولو بمثل ما ذكر.
ومنه ما قد يجعل للحسين بن علوان، حظا في الوثاقة، لقول ابن عقدة في
أخيه الحسن: (ان كان أوثق من أخيه) (2).
وإن قلت: أن في دلالة التفضيل المزبور على ثبوت الوثاقة إشكال، بل ربما
ينصرح من السيد السند المحسن الكاظمي في عدته الرجالية عدم صحة
الاستناد المذكور، نظرا إلى شيوع استعمال أفعل مجردا عن التفضيل (3).
وقد وقع في كلامهم التفضيل بالوثاقة، على أنه من لاحظ له فيها من
الضعفاء المتهمين.

(1) الخلاصة: 213 رقم 7 ومجمع الرجال: 2 / 122.
(2) الخلاصة: 216 رقم 6.
(3) راجع: عدة الرجال: 1 / 209.
418

وهذا كما قال النجاشي في الحسن بن محمد بن جمهور العمي: (أبو محمد،
بصري، ثقة في نفسه، ينسب إلى بني العم يروي عن الضعفاء ويعتمد
المراسيل، ذكره أصحابنا بذلك، وقالوا: كان أوثق من أبيه) (1).
مع قوله في أبيه على ما في النجاشي: (2) أنه ضعيف في الحديث، فاسد
المذهب، وأن فيه أشياء، الله أعلم بها من عظمها، روى عنه ابنه الحسن، وكان
ما رمى به من الرواية عن الضعفاء لروايته عن أبيه ونحوه (3).
قلت: وفي ثبوت الشيوع المذكور إشكال، ولم يذكر المدعي في المقام إلا
المورد الواحد، مع أن في دلالته على المرام كلاما، نظرا إلى وقوع الأوثقية في
النقل عن الأصحاب، وربما يلوح من سياق العبارة، عدم الاذعان بأنه
الصواب، فلا ينافي في الباب.
الخامس: إنه ذكر الصدوق طريقا إليه في المشيخة (4)، وفي الطريق
غير واحد من الأجلاء، فنقل الصدوق رحمه الله عنه في كتابه هذا، وذكره الطريق إليه.
واشتمال الطريق على غير واحد من الأجلة، من أقوى الأدلة على ثبوت
الوثاقة، بل لا ينبغي أن يستريب في أقوائية ذلك، فضلا عن الانضمام إلى
ما سبق من التوثيق المذكور في الكشي للثمالي، وسيأتي إن شاء الله تعالى
بعض الكلام فيما يتعلق بالمقام.
هذا، ويؤيد ما ذكرناه، ما ذكره الشيخ في الفهرست: (من أن له أصلا) (5).

(1) رجال النجاشي: 62 رقم 144.
(2) رجال النجاشي: 337 رقم 901.
(3) عدة الأصول: 1 / 126.
(4) الفقيه: 4 / 87 (قسم المشيخة).
(5) الفهرست: 96 رقم 408.
419

ويستنبط ذلك أيضا من كلام النجاشي وغيره أيضا. وقد حكى العلامة
المجلسي رحمه الله في الأربعين عن والده الفاضل التقي المجلسي، أنه كان يعد
قولهم (وله أصل)، مدحا عظيما ونفي البعد عنه، بل استدل الفاضل المشار إليه
في شرح المشيخة، على توثيقه بالوجه المذكور (1) وتبعه بعض المحققين، وهو
وإن لم يكن في الدلالة بتلك المثابة، ولكنه لا يخلو عن نوع تأييد للمرام.
هذا، ولكن يشكل الاستناد بما ذكر في إثبات الوثاقة، بما ظهر من الأخبار
وغيرها أيضا وجوه من المضعفات.
مثل ما دل تارة: من أنه أحد عمد الوقف وأركانه (2).
وأخرى: من خيانته وكذبه (3).
وثالثة: من البتري عن هذه الطائفة، وأنهم يموتون زنادقة (4).
ورابعة: من ذمه بخصوصه وتهجينه في طريقته (5).
وقد تقدم ما يدل على الأول.
وأما ما يدل على الثاني: فهو ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة صحيحا: (عن
الأنباري، عن بعض أصحابه، قال: مضى أبو إبراهيم عليه السلام وعند علي بن
أبي حمزة، ثلاثون ألف دينار، وعند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار،
وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جور.
فبعث إليهم أبو الحسن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - أن احملوا

(1) روضة المتقين: 14 / 885.
(2) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(3) رجال الكشي: 403 رقم 755.
(4) رجال الكشي: 456 رقم 862.
(5) رجال الكشي: 403 رقم 754 - 760.
420

ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار، فإني وارثه
وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي
لوارثه قبلكم.
فأما علي بن أبي حمزة، فأنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي،
وأما عثمان بن عيسى، فإنه كتب إليه: إن أباك عليه السلام لم يمت وهو حي قائم، من
ذكر أنه مات، فهو مبطل.
وأعمل على أنه قد مضى كما تقول، فلم يأمرني بدفع شئ إليك وأما
الجواري، فقد أعتقتهن وتزوجت بهن) (1).
وروى الكشي، بإسناده: (عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن
الأول عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك! إني خلفت ابن أبي حمزة، وابن مهران،
وابن أبي سعيد، أشد أهل المدينة عداوة لله تعالى.
قال: فقال لي: ما ضرك من ضل إذا اهتديت. أنهم كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكذبوا أمير المؤمنين عليه السلام وكذبوا فلانا وفلانا، وكذبوا موسى وجعفر عليهما ولي
بأبي أسوة.
فقلت: جعلت فداك! إنا نروي إنك قلت لابن مهران: أذهب الله نور قلبك،
وأدخل الفقر بيتك.
فقال: كيف حاله وحال بزه؟
فقلت: يا سيدي أشد حال، هم مكروبون ببغداد، لم يقدر الحين أن يخرج
إلى العمرة، فسكت.
وسمعته يقول في ابن أبي حمزة: أما استبان لكم كذبه؟! أليس هو الذي

(1) الغيبة: 64 ح 67.
421

يروي أن رأس المهدي - عجل الله تعالى فرجه -، يهدي إلى عيسى بن موسى
- صلوات الله عليهما - وهو صاحب السفياني؟! وقال: إن أبا الحسن عليه السلام يعود
إلى ثمانية أشهر؟) (1).
وأما ما يدل على المطلب الثالث: فما رواه الكشي في أوائل الجزء السادس
من كتابه بإسناده: (عن علي بن عبد الله الزهري، قال: كتبت إلى
أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة، فكتب: الواقف عاند للحق، ومقيم على
سيئته، إن مات بها، كانت جهنم مأواه وبئس المصير) (2).
وبإسناده: (عن الفضل بن شاذان، رفعه عن مولانا الرضا عليه السلام قال سأل عن
الواقفة؟ قال: يعيشون حيارى، ويموتون زنادقة) (3).
وعبر عنهم في السؤال عن حالهم في خبر آخر بالممطورة، كما روى
بإسناده: (عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:
ذكرت الممطورة وشكهم، قال: يعيشون ما عاشوا في شك ويموتون
زنادقة) (4).
بل روى فيه: (عن إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إلى العسكري عليه السلام: جعلت
فداك! قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم، أقنت
عليهم في صلاتك) (5).
وبإسناده عن يوسف بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: أعطي

(1) رجال الكشي: 405 رقم 760.
(2) رجال الكشي: 455 رقم 860.
(3) رجال الكشي: 456 رقم 861.
(4) رجال الكشي: 461 رقم 878.
(5) رجال الكشي: 461 رقم 879.
422

هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي، من الزكاة شيئا؟ قال: لا تعطهم فإنهم كفار
مشركون زنادقة (1).
وبإسناده: (عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام بالمدينة
إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة، فسأله عن الواقفة، فقال أبو الحسن عليه السلام:
(ملعونين أينما ثقفوا، اخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن
تجد لسنة الله تبديلا) والله! إن الله لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم) (2).
وبإسناده: (عن ابن أبي يعفور، قال: كنت عند الصادق عليه السلام إذ دخل
موسى عليه السلام فجلس فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا بن أبي يعفور! هذا خير ولدي
وأحبهم إلي، غير أن الله عز وجل يضل به قوما من شيعتنا.
فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله يوم القيامة،
ولا يزكيهم، ولهم عذاب اليم.
قلت: جعلت فداك قد أرعب قلبي عن هؤلاء!
قال: يضل بهم قوما من شيعتنا بعد موته جزعا عليه، فيقولون لم يمت،
وينكرون الأئمة عليهم السلام من بعده، ويدعون الشيعة إلى ضلالتهم، وفي ذلك
إبطال حقوقنا، وهدم دين الله.
يا بن أبي يعفور! فالله ورسوله منهم برئ ونحن منهم برآء) (3).
إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة.
وأما الرابع: فلما رواه الكشي بإسناده: (عن يونس بن عبد الرحمن، قال:

(1) رجال الكشي: 456 رقم 862.
(2) رجال الكشي: 457 رقم 865.
(3) رجال الكشي: 462 رقم 881.
423

دخلت على الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - فقال لي: مات علي بن أبي
حمزة؟ قلت: نعم.
قال: قال: قد دخل النار، قال: ففزعت من ذلك.
قال: أما أنه سأل عن الأمام بعد موسى أبي، فقال لا أعرف إماما بعده،
فقيل لا! فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره نارا) (1).
وروى مرسلا: (أن مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - قال بعد موته:
أقعد علي بن أبي حمزة في قبره، فسأل عن الأئمة عليهم السلام، فأخبر بأسمائهم حتى
انتهى إلى، فوقف. فضرب على رأسه ضربة امتلاء قبره نارا) (2).
وبإسناده: (عن أحمد بن محمد، قال: وقف علي أبو الحسن عليه السلام في بني
زريق، فقال لي وهو رافع صوته: يا أحمد! قلت لبيك.
قال: إنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جهد الناس في إطفاء نور الله (فأبى
الله إلا أن يتم نوره) بأمير المؤمنين صلوات الله عليه، فلما توفى
أبو الحسن عليه السلام جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله (فأبى الله
إلا أن يتم نوره) (3).
وروى في أواسط الجزء الخامس، تارة: بإسناده: (عن أبي داود المسترق،
عن علي بن أبي حمزة قال:
قال أبو الحسن موسى عليه السلام: (يا علي أنت وأصحابك شبه الحمير) (4).

(1) رجال الكشي: 444 رقم 833.
(2) رجال الكشي: 444 رقم 834.
(3) رجال الكشي: 445 رقم 837.
(4) رجال الكشي: 444 رقم 835.
424

وأخرى: بإسناده: (عن عقبة بياع القصب، عن علي بن أبي حمزة، قال قال
أبو الحسن عليه السلام: (يا علي! أنت وأصحابك أشباه الحمير (1).
وروى في أواخر الجزء المذكور، بإسناده: (عن أبي داود المسترق، قال:
كنت أنا وعتيبة، عند علي بن أبي حمزة، قال فسمعته يقول:
قال لي أبو الحسن موسى عليه السلام: (إنما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير،
قال: قال عتيبة: أ سمعت؟ قال: قلت: أي والله! قال: فقال لقد سمعت والله
لا أنقل قدمي إليه ما حييت) (2).
وروى في أواسط الجزء المذكور أيضا: (عن ابن مسعود، عن علي بن
الحسن بن فضال، أنه قال: علي بن أبي حمزة كذاب متهم) (3).
ولا يخفى ما فيه من الافراط في المقال، كما هو باب واسع ولقد أخذ منه
من أخذ ممن تقدم كلامهم.
ومن الاشتباه الواقع للكشي في المقام: ما روى في الموضع المذكور بعد
ذكر حديث إقعاد علي بن أبي حمزة في قبره، كما تقدم: (عن ابن مسعود، قال:
سمعت علي بن الحسن بن فضال يقول: إن علي بن أبي حمزة، كذاب، ملعون،
قد رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلا
أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا) (4).
وروى في أواسط الجزء السادس، في ترجمة ابن البطائني الكلام المذكور

(1) رجال الكشي: 443 رقم 832. وفيه: (عتيبة بياع القصب) بدل عقبه بياع
القصب).
(2) رجال الكشي: 444 رقم 836.
(3) رجال الكشي: 403 رقم 755.
(4) رجال الكشي: 404 رقم 756.
425

بتمامه بالسند المزبور، في حق ابن البطائني، والتنافي في البين بين.
والعجب من العلامة في الخلاصة، فإنه ذكر الكلام المذكور تارة: في ترجمة
الوالد (1) وأخرى: في الولد (2).
ومن المحقق الشيخ محمد، فيما أورد في جملة كلام على العلامة: (بأن ما
ذكره من الكلام المذكور في ترجمة الوالد ليس بالوجه، بل الوجه: ذكره في
ترجمة الولد كما في الكشي) (3).
فيرد على الكشي، ما ذكر من المتباينين، وعلى العلامة ما ذكره مع عدم
التفطن بما في البين، وعلى المحقق المذكور عدم اطلاعه على الكلامين.
وبالجملة: فهذه الطعون المستفادة من الأخبار وغيرها يشرف أساس
الوثاقة على الانهدام.
ومنه: ما ذكره السيد السند النجفي رحمه الله في قرينه: (من أنه كيف يجوز رواية
هؤلاء القوم (4)، وقد استبان من كلام الأصحاب ورواياتهم، ضعف زياد بن
مروان بالوقف، وجحد النص، والميل إلى الحطام، واستمالة الناس إلى الباطل
والخيانة في المال والدين، ومن هذا شأنه، فلا ينبغي التوقف فيه، ولا الالتفات
إلى ما يرويه، قال: وهذا الرجل عندي من الضعفاء والمجروحين دون الثقاة
والمعدلين) (5). (انتهى).
ولكن ربما يختلج بالبال: أنه لا بأس مع ذلك، في الاستدلال برواياته،

(1) الخلاصة: 231 رقم 1.
(2) الخلاصة: 212 رقم 7.
(3) استقصاء الاعتبار، مخطوط.
(4) في المصدر: (كيف يوثق برواية هؤلاء القوم).
(5) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 357.
426

نظرا إلى أن الظاهر مما تقدم في الروايات وغيرها، وثاقته واعتباره قبل وقوع
واقعة الوقف، وأنها لا تكشف عن عدم وثاقته في رواياته.
وذلك: لأن الظاهر، أن عمدة إظهار الوقف، والقول بعدم ثبوت إمامة أحد
بعد مولانا الكاظم عليه السلام، هي الأموال من الدراهم والدنانير التي كانت عند
هؤلاء الثلاثة وكم زلت الدراهم والدنانير، الأقدام الراسية رسو ثبير (1)،
فكثيرا ما، نرى تمكن إنسان من حفظ نفسه في مراحل، وأما إذا اتفق مرحلة
الدرهم والدينار، فهو على جرف هار تضطرب أركانه ويتضعضع بنيانه، حتى
يقع في هواه ويأخذ بمناه!
وذلك، لظهور اختلاف مراتب الأيمان، ودرجات الاعتقاد شدة وضعفا،
كما هو المشهود بالأبصار، والمروي في بعض الأخبار، ممثلا بما وقع من
الشخص العابد بالإضافة إلى جديد الإسلام، فعدم تمكن هؤلاء الجماعة من
حفظ أنفسهم في هذه المرحلة الهائلة، لا يكشف عن انتفاء مطلق الوثاقة.
ولقد أجاد المحقق الأنصاري رحمه الله فيما ذكر: (من أن العبرة، بالحالة الباعثة
من الملكة المعتبرة في العدالة، الحال المتعارف للانسان دون حالة كماله،
فقد تعرض للشخص حالة كأنه لا يملك من نفسه مخالفة الشهوة والغضب).
قال: وعليه يحمل ما حكي عن المقدس الأردبيلي رحمه الله من أنه سأل عن
نفسه إذا ابتليت بامرأة مع استجماع جميع ما له دخل في رغبة النفس إلى الزنا؟
فلم يجب قدس سره، بعدم الفعل، بل قال: أسأل الله ان لا يبتليني بذلك!
فإن عدم الوثوق بالنفس في هذه الفروض الخارجة عن المتعارف
لا يوجب عدم الملكة، إذ مراتب الملكة في القوة والضعف متفاوتة يتلو آخرها،

(1) أي: الثابت المواظب كالجبل.
427

العصمة.
والمعتبر في العدالة، أدنى المراتب، وهي: الحالة التي يجد الإنسان بها
مدافعة الهوى في أول الأمر، وإن صارت مغلوبة بعد ذلك، ومن هنا
تصدر الكبيرة عن ذي الملكة كثيرا) (1). (انتهى).
قلت: ولا يخفى أن ما يظهر من صدر كلامه، من استثناء الحالة الخاصة
المنحصرة، غير وجيه، كما يشهد عليه سائر كلماته، من أن المدار فيها، على
أدنى المراتب التي هي أول المراتب، دون المرتبة الفائقة القريبة بالعصمة.
وأظن أنه ينتظم بما ذكرنا ما يظهر منه التناقض والمنافاة، مثل الأخبار
الظاهرة في وثاقته وما يناقضها من سوء طريقته وعاقبته، ورواية الأجلاء عنه
وما يناقضها، مما ظهر منه.
وقد أصر النحرير النوري رحمه الله في المستدرك، في اعتبار رواياته، نظرا إلى
أنه يسأل عن الجارحين الذين طرحوا أخباره بما ورد فيه أن هؤلاء الأعاظم
المعاصرين له الذين هم وجوه الطائفة، ونقاد الأخبار، وفيهم الثلاثة الذين
لا يروون إلا عن الثقة، وثمانية من الذين أجمع على تصحيح ما يصح عنهم
العصابة، كيف أجازوا لأنفسهم الرواية عنه وتلقوها أصحاب الجوامع الشريفة،
كالكليني والشيخ وغيرهما، بالقبول.
فهل خفي عنهم حاله، أو كانوا من الذين لا يبالون من الأخذ عن الكذاب،
أو كانوا لا يرون ما نسب إليه قدحا في رواياته؟
والأول: احتمال فاسد، فإنهم كانوا في عصره معاشرين له، وما ورد فيه

(1) رسالة في العدالة المطبوعة ضمن كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: 407، (طبعة
آل البيت عليهم السلام).
428

لو صح، قد كان بمرأى منهم ومسمع، وبتوسطهم وصل إلى من بعدهم، فكيف
ستر عنهم حاله؟!
والثاني: غير لائق بمقامهم، بل هم عنه منزهون.
بقي الثالث: وهو الحق.
ثم ذكر وجوها في السبب فيه، تبعا للمولى التقي المجلسي رحمه الله.
أحدها: أن يكون العمل بأخباره، لموافقتها أخبار الثقات بعد العرض عليها
للاستعلام، ولا يتم ذلك إلا فيما أخذ عن كتابه لا سماعا عنه، ومع الاشتباه
يشكل الأمر، مع أن ظاهر إجماع الشيخ في العدة وجوب العمل بأخباره
مطلقا (1).
وثانيها: أن يكون أخذهم عنه في حال استقامته، وهذا لا يتم في الذين
لم يدركوا أيام مولانا الكاظم عليه السلام كالحسين بن سعيد، وموسى بن القاسم،
وإسماعيل بن مهران، فإن وقفه كان مقارنا لوفاة مولانا الكاظم عليه السلام على ما
رواه الكشي في الضعيف: عن يونس بن عبد الرحمن (2).
فكل من كان من أصحاب الرضا عليه السلام روى عنه في أيام وقفه - مع أن عمل
تمام أخبار هؤلاء - وفيهم من أدرك مولانا الجواد عليه السلام أيضا، على روايتهم
عنه في عهد مولانا الكاظم عليه السلام، من البعد ما لا يخفى.
متأيدا بعدم تقييد أحد منهم في بعض رواياته بقبل الاستقامة، كما كانوا

(1) قال الشيخ في العدة: (وعملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل: عبد الله بن بكير
وغيره، وأخبار الواقفية مثل: سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى).
عدة الأصول: 1 / 381.
(2) رجال الكشي: 444 رقم 833.
429

يقيدون بعض أخبار المنحرفين.
ثالثها: كونه عندهم ثقة عندهم في غير ما يتعلق بمذهبه الباطل، قال: وهذا
هو الظاهر من طريقهم وإطلاق إجماع العدة، ولا ينافيه ما ورد في ذمه مما
يتعلق بمذهبه (1).
وما ذكره جيد، إلا أن الأجود في الجواب عن السبب الأول، أن يقال: إن
من البعيد في الغاية، العمل بالأصل بعد العرض بالأصول المعتبرة، فإنه أشبه
شئ بالأكل من القفاء! على أن الأخذ في حال الاستقامة لا يجدي في محذور
عدم الوثاقة.
نعم، إنه يصلح فساد الوقف، ولكن مبنى الوجه الأول، الاصلاح من جهة
الضعف، كما هو الحال في الوجه الأخير، فليس مفاد الوجوه من باب واحد،
كما هو ظاهر السياق، فضلا عن أن ثبوت وثاقة شخص في الفروع الدينية دون
الأصول الاعتقادية في غاية البعد، إذ من الظاهر أن الاهتمام بالأصول أشد،
فالتفكيك بحسب المورد بعيد غايته، بخلاف التفكيك بحسب المرتبة على
ما بيناه.
ومما ذكرنا ظهر أن ما ذكره السيد السند النجفي رحمه الله من القدح في توثيقه
وأقرانه، نظرا إلى أن التوثيق إنما يجتمع مع فساد المذهب، لو كان السبب فيه
اعتراض الشبهة، والمعروف في سبب وقف زياد وأضرابه من رؤساء الواقفة
خلاف ذلك (2)، يضعف بمنع انحصار السبب في الاعتراض، على ما هو ظاهر
السياق.

(1) خاتمة المستدرك: 624.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 1 / 361.
430

مضافا إلى أنه ربما يظهر الاعتراض مما رواه الكشي: (عن إسماعيل بن
سهل، أنه قال حدثني بعض أصحابنا قال: كنت عند مولانا الرضا - عليه آلاف
التحية والثناء - فدخل عليه علي بن أبي حمزة، وابن السراج، وابن المكاري،
فقال له ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟
فقال: مضى. قال: مضى موتا؟
قال: نعم. قال: على من عهد؟
فقال إلى. قال: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله تعالى؟
قال: نعم - إلى أن قال -: قال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئا ما كان
يظهره أحد من آبائك ولا يتكلم به) (1).
والخبر طويل مشتمل على احتجاجين على انتفاء الإمامة، وإن احتج في
احتجاجه الثالث برواية، فاستفسر الأمام عليه السلام عن رواية حديث آخر
غير ما ذكره، فأجاب بالعدم فقال الأمام عليه السلام: بلى والله لقد رويتم - إلى أن
قال -: قال علي: بلى والله إن هذا لفي الحديث.
فقال الأمام عليه السلام: (ويلك كيف اجترأت على بشئ تدع بعضه، ثم قال:
يا شيخ! اتق الله ولا تكن من الصادين عن دين الله) (2). فتأمل.
إلا أن سنده غير سديد.
بقي أنهم اختلفوا في جواز الاستدلال برواياته، مع ما ثبت من ثبوت
وثاقته قبل زمان وقفه وفساد طريقته من بعده.
فمقتضى كلام المحقق في المعتبر، الجواز، تعويلا على أن الوقف إنما وقع

(1) رجال الكشي: 463 رقم 883.
(2) المصدر: 465.
431

بعد مضي زمان مولانا الكاظم عليه السلام، فلا يقدح في رواياته السابقة عليه.
ويظهر القول بالعدم من جماعة، منهم السيد السند صاحب المدارك، حيث
إنه جرى على استضعاف القول المذكور، نظرا إلى أن الاعتبار في عدالة
الراوي بوقت الأداء، لا التحمل ومن المعلوم انتفاء ذلك (1).
أقول: الظاهر أن مراد المحقق رحمه الله، أن سوء مذهبه إنما تحقق بعد زمان
مولانا الكاظم عليه السلام وروايته المذكورة من مولانا الصادق عليه السلام، والظاهر روايته
عنه في زمانه، فسوء المذهب المتأخر، لا يقدح فيما قبله، فكل من الأداء
والتحمل وقع في زمان العدالة.
ودعوى إن المراد إنه لما لم يكن أحد الأمرين معلوما، فلم يثبت عدالته
في زمان الرواية، فيرد خبره، فإنه في حكم المعلوم، مدفوعة.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما أورد عليه في المعالم بمثله، وكذا ما وقع من
المشارق فيما استوجه إيراد المعالم (2).
نعم، يرد عليه أن بنائه على اعتبار الموثقة عند الاعتضاد بالقرائن من عمل
الأصحاب وغيره كما هو صريح كلامه في المعتبر، وعليه استقرت طريقته فلا
افتراق حينئذ بين الزمانين، فتأمل.
وأورد عليه في المعالم أيضا: بأن الجزم بإرادة البطائني لاوجه له بعد
ثبوت الاشتراك ووثاقة الثمالي.
واعترض عليه في المشارق: بأنه لم يعلم منه الجزم به، بل لما كان مشتركا

(1) مدارك الأحكام: 1 / 82.
(2) مشارق الشموس: 230 سطر 11.
432

فقد تعرض لدفع احتمال الضعيف (1).
وفيهما نظر:
أما الأول: فلظهور البطائني بقرينة الاشتهار والراوي، وهو في المقام يكفي
مضافا إلى أن مستند توثيق الثمالي حكاية الكشي، عن حمدويه، والاكتفاء
بمثله خلاف طريقته.
وأما الثاني: فلظهور سياق العبارة فيما ذكره.
ثم إن الظاهر وثاقة الثمالي، كما أن الظاهر اتفاق الكلمة عليه، وذلك
لما ذكر الكشي: (من أنه سأل عن حمدويه عن علي بن حمزة الثمالي،
والحسين بن أبي حمزة، ومحمد أخويه وأبيه، فقال: كلهم ثقات فاضلون) (2).
ولهذا لم يقدح في ثبوت وثاقته أحد ممن اكتفى في الثبوت بمثله، بل ربما
يظهر الإطلاق كما يظهر مما مر.
وروى في الخرائج، في باب معجزات مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام، رواية
يظهر منها جلالة أبي حمزة الثمالي.
فروى: (عن داود الرقي، قال: وفد من خراسان وافد يكنى أبا جعفر،
اجتمع إليه جماعة من أهل خراسان وسألوه أن يحمل لهم أموالا ومتاعا
ومسائلهم، فورد الكوفة ونزل وزار أمير المؤمنين عليه السلام ورأى في ناحية رجلا
ومعه جماعة، فلما فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة يسمعون من
الشيخ، فسألهم عنه، فقالوا هو أبو حمزة الثمالي.
قال: فبينا نحن جلوس إذ أقبل أعرابي فقال: جئت من المدينة وقد مات

(1) مشارق الشموس: 230 سطر 11.
(2) رجال الكشي: 406 رقم 761.
433

جعفر بن محمد عليهما السلام، فشهق أبو حمزة وضرب بيديه الأرض، ثم سأل
الأعرابي هل سمعت له بوصية؟
فقال: أوصى إلى ابنه عبد الله، وإلى ابنه موسى، وإلى المنصور.
فقال: الحمد لله الذي لم يضلنا، دل على الصغير، وبين على الكبير وستر
الأمر العظيم، فوثب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام فصلى وصلينا، ثم أقبلت عليه
وقلت له: فسر لي ما قلته!
فقال: بين أن الكبير ذو عاهة، ودل على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير،
وستر الأمر العظيم بالمنصور، حتى إذا سأل المنصور من وليه؟ قيل أنت!
قال الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله. ووردت المدينة ودخلت على
موسى بن جعفر عليهما السلام، - إلى أن قال -: وقال لي: ألم يقل لك أبو حمزة الثمالي
بظهر الكوفة وأنتم زوار أمير المؤمنين عليه السلام كذا وكذا؟ قلت: نعم.
قال: كذلك يكون المؤمن إذا نور الله قلبه كان علمه بالوجه) (1). (انتهى
ملخصا).
وروى الكشي بإسناده: (عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن
أبي حمزة، قال: كانت بنية لي، سقطت فانكسرت يدها.
فأتيت بها السمن فأخذها ونظر إلى يدها فقال منكسرة، فدخل يخرج
الجبائر وأنا على الباب، فدخلتني رقة على الصبية، فبكيت ودعوت.
فخرج بالجبائر فتناول بيد الصبية فلم ير بها شيئا، ثم نظر إلى الأخرى،
فقال ما بها شئ.

(1) الخرائج والجرائح: 1 / 328.
434

قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: يا أبا حمزة! وافق الدعاء
الرضا، فاستجيب لك في أسرع من طرفة عين) (1).
إلا أنه روى بسند آخر: أنه كان يشرب النبيذ، ولكن ترك قبل موته (2).
وبسند ثالث: أنه استغفر عنه (3).
وروى في الوسائل: (عن أحمد ابن طاووس في فرحة الغري، قال: ذكر
حسن بن حسين بن طحال المقدادي - رضى الله تعالى عنه - أن مولانا
زين العابدين - صلوات الله تعالى عليه - ورد إلى الكوفة ودخل مسجدها وبه
أبو حمزة الثمالي، وكان من زهاد الكوفة ومشايخها، فصلى ركعتين وذكر
دعاء - إلى أن قال -: فتبعته إلى مناخ الكوفة فوجدت عبدا أسود ومعه نجيب
وناقة، فقلت يا أسود! من الرجل؟
فقال أو يخفى عليك شمائله؟! هو علي بن الحسين عليهما السلام قال أبو حمزة:
فأكببت على قدميه أقبلهما فرفع رأسي بيده) (4).
وروي في الخرائج: (عن أبي بصير، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل
أبو حمزة؟ قال خلفته صالحا (5).
قال: إذا رجعت إليه فاقرئه السلام واعلمه: أنه يموت كذا، يوم كذا، من
شهر كذا.

(1) رجال الكشي: 201 رقم 355.
(2) رجال الكشي: 201 رقم 353.
(3) رجال الكشي: 201 رقم 354.
(4) الوسائل: 14 / 408 ح 1947.
(5) في الكشي: (خلفته عليلا).
435

فقلت، كان فيه انس وكان من شيعتكم.
فقال: نعم إن الرجل من شيعتنا، إذا خاف الله وراقبه وتوقى الذنوب، فإذا
فعل ذلك، كان معنا في درجتنا.
قال أبو بصير: فرجعت فما لبث أبو حمزة إن مات في تلك الساعة في ذلك
اليوم) (1).

(1) الخرائج والجرائح: 2 / 717 وفي الكشي: 202 رقم 356، مع تفاوت يسير.
436

المبحث الثاني
في بيان التمييز بينهما
فنقول: إنه يمكن تمييز البطائني بعد قطع النظر عن الظهور المزبور، من
جهات المروي عنه، والراوي، وهما معا.
أما الأول: فهو على وجهين، فإن المروي عنه، إما من الأئمة عليهم السلام أو من
الرواة.
أما على الأول: فلو كان مولانا أبا الحسن موسى عليه السلام، كما في الكافي، في
باب ما يجزي من غسل الأحرام (1).
فالظاهر هو البطائني، نظرا إلى ما عرفت من كلام النجاشي من التصريح
بروايته عنه، مضافا إلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى، مما يرشد إليه.
ونحوه ما لو كان المروي عنه مولانا أبا عبد الله عليه السلام، لما مر.
ولاوجه حينئذ للترديد بينه وبين الثمالي، فضلا عن الحمل عليه، فإنه
مضافا إلى ما عرفت من التصريح به من النجاشي، من رواية البطائني

(1) الكافي: 4 / 328 ح 2.
437

عنهما (1)، لم يذكر أحد من علماء الرجال فيما أعلم رواية الثمالي عن أحد من
الأئمة عليهم السلام (2).
فما ربما يلوح الأشكال فيه من المحقق الشيخ محمد في الاستقصاء، ليس
على ما ينبغي.
قال: إن علي بن أبي حمزة محتمل للثمالي الثقة، والبطائني الواقفي، كما
ذكره النجاشي والترجيح لا يخلو عن إشكال، ورواية البطائني عن أبي
عبد الله عليه السلام غير مرجحة لعدم العلم بتاريخ الثمالي.
نعم، في الرجال: إن البطائني روى عن أبي الحسن موسى وأبي
عبد الله عليهما السلام، والثمالي لم يذكر روايته عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا أن في
أخيه الحسين ذكر روايته عن أبي عبد الله عليه السلام وهو مقترن معه بالتوثيق
ولا يفيد شيئا.
وفيه أن بعد ثبوت رواية البطائني عنهما، وعدم ثبوت رواية الثمالي مطلقا

(1) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(2) ما أدري كيف صدر هذا الكلام من المؤلف قدس سره، الظاهر أنه اشتبه الأمر عليه، لأن
النجاشي صرح بأنه لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن عليهم السلام وروي
عنهم. رجال النجاشي: 115 رقم 296.
قال السيد الخوئي قدس سره: وقع بعنوان أبي حمزة الثمالي في اسناد كثير من الروايات تبلغ
مائة وسبعة موارد، فقد روي عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام. معجم
رجال الحديث: 21 / 135 رقم 14192. ثم ذكر في تفصيل طبقات الرواة: رواياته عن
علي بن الحسين عليهما السلام أكثر من ثلاثين موردا ورواياته عن أبي جعفر عليه السلام أكثر من خمسين
موردا ورواياته عن أبي عبد الله عليه السلام أكثر من خمسة عشر موردا: معجم رجال الحديث:
21 / 380.
438

على حسب الفرض، فلا مجال للتأمل في الحمل على البطائني، ولا يقدح فيه
عدم ثبوت تاريخ الثمالي.
نعم، يمكن أن يقال: إن مقتضى صريح الكشي أن للثمالي أخوين: الحسين
ومحمد (1).
ويظهر من التتبع في الأسانيد روايتهما عن مولانا الصادق عليه السلام.
أما الأول: فكما روي في الكافي في باب القراءة يوم الجمعة وليلتها
بإسناده: عن الحسين بن أبي حمزة.
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام...) (2).
وأما الثاني: فكما روى فيه أيضا بإسناده عن: محمد بن أبي حمزة، قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام (3).
وروى في التهذيب في شرح ما ذكر في المقنعة، ثم إنه يقوم إلى مصلاه
بإسناده: (عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام) (4).
فإذا تمكن أخواه من روايتهما عنه بلا واسطة، فالظاهر تمكنه من روايته،
وموافقة طبقته، بل لعله أحق بالرواية من أخويه، نظرا إلى أن الظاهر من سياق
كلام الكشي أنه أكبر من أخويه، لتقديمه في الذكر وإفراده، وذكر الأخوين معا
في كلاميه وقد عرفت تشرف أخويه بخدمته عليه السلام فهو به أحق. فتأمل.
بل لو أغمضنا عن الجميع، نقول: إنه يمكن إثبات روايته، بما سنذكره عن

(1) رجال الكشي: 406 رقم 761.
(2) الكافي: 3 / 425 ح 3.
(3) الكافي: 3 / 429 ح 7.
(4) التهذيب: 2 / 122 ح 236.
439

قريب إن شاء الله تعالى.
وأما ما ذكره من رواية أخيه الحسين عن أبي عبد الله عليه السلام.
ففيه أن ذكر روايته عنه، إنما وقع في كلام النجاشي (1).
ومقتضى صريح كلامه، أنه ابن بنت أبي حمزة الثمالي، لا ابنه، ليصيرا
خاله، فإنه قال: (الحسين بن حمزة الليثي الكوفي، هو ابن بنت أبي حمزة
الثمالي، ثقة، روى عن أبي عبد الله عليه السلام وخاله محمد بن أبي حمزة، ولعل
الفقرة المذكورة كانت ساقطة من نسخته) (2).
وأعجب منه ما ذكره في الخلاصة، حاكيا عن ابن عقدة: (من أن حسين،
ابن بنت حمزة، خال محمد بن أبي حمزة، وأن الحسين بن أبي حمزة، ابن ابنة
الحسين أبي حمزة الثمالي، وأن الحسين بن أبي حمزة الليثي، ابن بنت أبي
حمزة الثمالي) (3).
فإن الظاهر أن فيه وجوها من الاختلال:
فإن الظاهر أن الصحيح بملاحظة ما عرفت من النجاشي، أن حسين بن
حمزة، ابن بنت أبي حمزة الثمالي، وخاله محمد بن أبي حمزة، وأين هذا من
ذاك!

(1) رجال النجاشي: 54 رقم 121.
(2) وفي كامل الزيارات في باب زيارة الأنبياء للحسين عليه السلام: وحدثني القاسم، عن
أبيه، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن الحسين بن أبي حمزة.
- إلى أن قال -: وحدثني أبي رحمه الله وجماعة من مشائخي، عن أحمد، عن العمركي، عن
عدة من أصحابنا، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين بن بنت أبي حمزة الثمالي....،
(منه رحمه الله).
(3) الخلاصة: 50 رقم 13، مع اختلاف.
440

وأن قوله (وإن الحسين بن أبي حمزة ابن ابنة الحسين بن أبي حمزة
الثمالي) فضول من القول.
ودعوى ابتنائه على القول بالتعدد، مدفوعة، بأن مقتضى صريحه، القول
بالاتحاد مع ما ذكره النجاشي، فإنه بعد نقل كلامه، أورد عليه بأنه أسقط لفظة
(أبي) بين الحسن وحمزة، ثم احتمل أن يكون ابن ابنة أبي حمزة ويثبت عليه
النسبة إلى أبي حمزة بالبنوة.
وأنت خبير بأن ما ذكره من الاحتمال ينافي ما صرح به في الخال، وأما ما
ذكر من الاقتران مع التوثيق، ففيه: أن ذكر الرواية في كلام النجاشي والتوثيق
في كلام الكشي عن حمدويه، فتأمل.
وربما توغل في الاشتباه، بعض فيما ذكر تعليقا على ما روى في التهذيب،
في شرح (أنه يكره للحائض والنفساء أن يخضبن أيديهن).
(بإسناده عن علي، عن العبد الصالح) (1): إن عليا مشترك ويحتمل كونه
علي بن جعفر عليه السلام، متفرعا عليه صحة الخبر، فإن الظاهر، بل من المقطوع، أن
المراد به البطائني، لكثرة التعبير عنه بالوجه المذكور وروايته عن مولانا
الكاظم عليه السلام كما هو المراد باللقب المزبور.
مضافا إلى أن التعبير عنه في الأغلب (علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام) أوما يقرب إليه كما في باب النكت بإسناده: (عن علي بن جعفر،
قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام) (2).

(1) التهذيب: 1 / 183 ح 525.
(2) الكافي: 2 / 244 ح 7 و 1 / 426 ح 73.
441

وأما الوجه الثاني (1)، فيمكن التعيين في البطائني لو روى علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، لأنه كان قائدا له، كما تقدم، ويشهد عليه أيضا ما مر
في الرواية الأولى من الروايات الدالة على وثاقته، وسيأتي إن شاء الله تعالى
ما يدل عليه أيضا.
وأما الثاني: (2) فيمكن التعيين بوجوه مع الاستعانة بما تقدم.
وبيانه أنه قد تقدم أن رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، كاشفة عن
البطائني.
فإذا وردت رواية عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، فمن الظاهر أن
المروي، هو البطائني.
فإذا وردت رواية هذا الراوي عن علي بن أبي حمزة، عن الأمام عليه السلام مثلا،
فالظاهر أنه البطائني، بشهادة الراوي.
ويمكن التعيين بهذا الوجه من غير مورد، فإنه قد اتفق رواية جماعة عن
علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، فرواية هؤلاء الجماعة من مميزات
البطائني، ونذكر شطرا منهم مع بيان المواضع، فهم:
حسين بن عبد الرحمن، كما في الكافي في باب النكت (3).
وعثمان بن عيسى، كما في باب القول عند الأصباح والأمساء (4).
والحسن بن علي الوشاء، كما في باب الحب في الله (5). وكذا في باب

(1) وهو التعيين بحسب المروي عنه وكونه غير الأمام. (منه رحمه الله).
(2) وهو التعيين بحسب الراوي (منه رحمه الله).
(3) الكافي: 1 / 435 ح 92.
(4) الكافي: 2 / 525 ح 13.
(5) الكافي: 2 / 125 ح 4.
442

الصدق والأمانة (1).
ومحمد بن سليمان الديلمي، كما في باب مواليد الأئمة عليهم السلام (2).
وجعفر بن بشير، كما في باب دعائم الإسلام (3)، وباب الرياء (4)
وغيرهما (5).
وأحمد بن محمد بن أبي نصر، كما في ما يجزي عن حجة الإسلام (6).
ونحوه في الاستبصار في المخالف يحج ثم يستبصر (7).
وعلي بن الحسين، كما في المرأة تحيض بعد ما دخلت في الطواف (8).
وابن أبي عمير، كما في نوادر في المهر (9).
وعبد الله بن جبلة، كما في طلاق التي لم تبلغ (10)، ونحوه في البصائر في أن
الأئمة عليهم السلام يحيون الموتى (11).

(1) الكافي: 2 / 105 ح 9.
(2) الكافي: 1 / 385 ح 1.
(4) الكافي: 2 / 22 ح 11.
(4) الكافي: 2 / 295 ح 12.
(5) كما في الكافي: 1 / 418 ح 35، 2 / 22 ح 11، 297 ح 12 و 5 / 330 ح 3.
(6) الكافي: 4 / 273 ح 4.
(7) الاستبصار: 2 / 145 ح 3.
(8) الكافي: 4 / 448 ح 2. وفيه أن الراوي عنه (علي بن الحسن) لا (علي بن
الحسين).
(9) الكافي: 5 / 381 ح 7.
(10) الكافي: 6 / 85 ح 5.
(11) بصائر الدرجات: 290 ح 4.
443

ومحمد بن حفص، كما في ما يصاب من البهائم (1).
والحسن بن محبوب، كما في ترتيل القرآن (2)، ونحوه في الإكمال في
اتصال الوصية من لدن آدم (3) وفي ربيع الشيعة، في أحوال القائم - عجل الله
تعالى فرجه -.
إلى غير ذلك من الموارد التي استقصينا قدرا وافرا منها في السابق.
وأما الثالث: فنقتصر فيه على وجهين.
الأول: ما لو روى ابنه الحسن، عنه، عن أبي بصير، مصرحا بالبنوة أم لا.
أما الأول: فكما روي في الكافي في باب أن الأرض كلها للأمام عليه السلام
بإسناد عن حسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير (4).
وما روي فيه في باب قضاء حاجه المؤمن، على الوجه المذكور (5).
وأما الثاني: فغير عزيز (6).
ويشهد على البطائني بحسب المروي ما مر، وبحسب الراوي ظهور نفس
الرواية، كما هو ظاهر وليس للثمالي، ابن يسمى بالحسن.
نعم، يظهر من بعض الأسانيد، أن لابنه حمزة، ابن يسمى بالحسن، كما في

(1) الكافي: 7 / 368 ح 6.
(2) الكافي: 2 / 334 ح 22.
(3) إكمال الدين: 1 / 229 ح 26.
(4) الكافي: 1 / 408 ح 4.
(5) الكافي: 2 / 195 ح 10.
(6) الظاهر أن رواية الحسن بن علي عن علي بن أبي حمزة كما في الكافي: 8 / 381 ح
757 ينصرف إلى الحسن بن علي الوشاء بقرينة سائر الروايات كما في الكافي: 1 / 340
ح 16، 2 / 125 ح 4، 151 ح 7 و 333 ح 15.
444

الكافي في باب الانصاف والعدل، فإنه روى بإسناده: (عن الحسن بن حمزة،
عن جده أبي حمزة الثمالي) (1).
بناء على أن يكون حمزة من أبناء ثابت، كما يشهد عليه ما نقله النجاشي
(عن محمد بن عمر الجعابي، من أن أولاده: نوح، ومنصور، وحمزة) (2).
إلا أنه ربما ينافيه عدم عده من أبنائه من الكشي فيما تقدم، كما ربما ينافي
ذلك، عدم عد علي من أبناء ثابت في كلام الجعابي.
ويحتمل أن يكون أخا لحسين بن حمزة الليثي، وكون النسبة إلى الثمالي
من طرف الام، كما يحتمل أن يكون الصحيح: الحسين مصغرا، كما تقدم ذلك
في كلام النجاشي (3).
الثاني: ما لو روى عنه الجوهري، ويروي عنه كثيرا ويذكران في الأسانيد
على أنحاء مختلفة، فيذكران تارة: على وجه الإطلاق، كما في التهذيب، في
أواخر عدد النساء (2)، وفي الاستبصار في باب عدة الأمة المتوفى عنها
زوجها: (الحسين بن سعيد، عن القاسم، عن علي، عن أبي بصير) (5).
وأخرى: على وجه التقييد، وحينئذ قد يقيد الأول دون الثاني، وقد
يعكس، وعلى الأول تارة: يقيد بقيد واحد.
وحينئذ إما يقيد بالقاسم كما في التهذيب في أوائل باب الذبائح، مسندا:

(1) الكافي: 2 / 144 ح 1.
(2) رجال النجاشي: 115 رقم 296.
(3) رجال النجاشي: 54 رقم 121.
(4) التهذيب: 8 / 154 ح 533.
(5) الاستبصار: 3 / 346 ح 1236.
445

(عن القاسم بن محمد، عن علي) (1).
أو بالجوهري كما في البصائر، مسندا: (عن القاسم الجوهري، عن
علي) (2).
وأخرى: بقيدين، كما في الاستبصار، في جواز غسل الرجل امرأته،
والمرأة زوجها، مسندا: (عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي) (3).
وقد يقيدان معا إما بقيد واحد، كما في الكافي، في باب عرض الأعمال
بالأسناد: (عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة) (4).
أو بقيدين، كما في التهذيب، والاستبصار في باب صيام ثلاثة أيام في كل
شهر بالأسناد: (عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة) (5).
وكيف كان أنه يمكن استظهار البطائني من جهة المروي عنه، مما تقدم
ومن جهة الراوي لما في رجال الشيخ: (القاسم بن محمد الجوهري، مولى تيم
الله، كوفي الأصل، روى عن علي بن أبي حمزة وغيره) (6).
وعن المشتركات: (ابن محمد الجوهري الضعيف، عنه محمد بن الحسين

(1) التهذيب: 9 / 65 ح 275.
(2) لم نجده في البصائر، نعم فيه: (القاسم بن محمد الجوهري، عن علي) كما في:
27، 395. وأيضا فيه: (القاسم بن محمد عن علي أو عن علي بن أبي حمزة) كما في: 283،
307، 377 و 503.
(3) الاستبصار: 1 / 199 ح 701.
(4) الكافي: 1 / 219 ح 1.
(5) التهذيب: 4 / 303 ح 915 والاستبصار: 2 / 136 ح 445.
(6) رجال الطوسي: 276 رقم 49.
446

ابن سعيد، ومحمد بن خالد البرقي، وهو عن علي بن حمزة) (1).
ومن ثم ذكر المحقق الشيخ محمد في الاستقصاء في باب الماء القليل،
يحصل فيه شئ من النجاسة - بعد نقل ما روى الشيخ، عن الحسين بن سعيد،
عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام -:
(أما القاسم بن محمد، فهو الجوهري الواقفي، ولم يوثق ونقل ابن داود
التوثيق عن الشيخ (2)، لم نعلمه.
وأما علي بن حمزة، فهو البطائني الواقفي، من غير توثيق، بل ورد فيه
ذموم).
وإن يمكن أن يكون استظهاره البطائني من نفس الإطلاق، نظرا إلى كثرة
وقوعه في الأسانيد وغيرها.
ومن ثم استظهارنا إياه مما تقدم آنفا من الإطلاقين.
ولقد أجاد السيد السند النجفي، فيما ذكر في آخر كلامه في آل أعين: من
أن علي بن حمزة، مشترك بين الثمالي الثقة، والبطائني الضعيف، والأطلاق
ينصرف إلى الثاني، لاشتهاره وكثرة أخباره) (3). (انتهى).
وما جعلناه من المشتركات، لما عرفت من التصريح به في غير واحد من
الكلمات، وإلا فإن الظاهر منه، هو الانصراف إلى البطائني، فنحن في غنية عن
المميزات.
مضافا إلى أنه يمكن الأشكال في بعضها: كالتمييز من جهة المروي عنه،

(1) هداية المحدثين: 114.
(2) رجال ابن داود: 154 رقم 1219.
(3) رجال السيد بحر العلوم: 1 / 261.
447

وكان المروي مولانا الصادق عليه السلام، والتمييز من جهة الراوي، وكان الراوي
الحسن بن محبوب، وذلك لأنهما إنما ينتهضان، لو لم نقف على رواية الثمالي
فيهما، وقد وقفنا عليهما في الأسانيد.
أما الأول: فكما روي في الكافي في باب الحائض تختضب بإسناده: (عن
محمد ابن أبي حمزة، عن علي بن حمزة (1)، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام) (2).
فإن الظاهر أن المراد، هو الثمالي بملاحظة الراوي، فإنه قد ذكر في الرجال
أن له ابن، يسمى بمحمد (3).
ويشهد عليه، ما رواه فيه أيضا، في باب دعوات موجزات، بإسناده: (عن
محمد بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: رأيت علي بن الحسين عليهما السلام في فناء
الكعبة في الليل، فأطال القيام) (1). فإن الظاهر منه، الثمالي لأنه كثير الرواية

(1) كذا في النسخة المخطوطة بقلم المؤلف، والصحيح: علي بن أبي حمزة.
(2) الكافي: 3 / 109 ح 2 فيه: (النضر بن سويد عن محمد بن أبي حمزة، قال: قلت
لأبي إبراهيم عليه السلام). روى الشيخ هذا الحديث، في التهذيب بإسقاط علي بن أبي حمزة، كما
يأتي عن المؤلف قدس سره الإشارة إليه.
ولم نجد على ما فحصنا رواية لمحمد بن أبي حمزة عن علي بن أبي حمزة ولم يذكر
السيد الخوئي والبروجردي أيضا رواية له عنه. فراجع: معجم رجال الحديث: 14 / 238
و 403، طبقات رجال الكافي: 306.
نعم، له رواية بعنوان: محمد بن أبي حمزة، عن أبيه كما في الكافي: 2 / 579 ح 1
و 3 / 324 ح 13.
(3) كما في الكشي: (قال أبو عمرو سألت أبا الحسن حمدويه بن نصير، عن علي بن
أبي حمزة الثمالي، والحسين بن أبي حمزة ومحمد أخويه، وأبيه؟ فقال: كلهم ثقات،
فاضلون). رجال الكشي: 406 رقم 761 و 203 رقم 357.
(4) الكافي: 2 / 579 ح 10.
448

عنه عليه السلام.
وبما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره في المنتقى: (من أن عليا: مشترك بين أخي
محمد وهو مثله موثق بشهادة الواحد، وبين البطائني وهو ضعيف مشهور
ولا قرينة واضحة على تعيين أحدهما).
وأما رواية الشيخ في التهذيب، الحديث المذكور عن الكليني، باسقاط
علي بن أبي حمزة (1)، فالظاهر أنه من باب السهو والسقوط، إلا أنه ربما يشهد
على انتفاء الواسطة، ما صنعه المحقق في المعتبر، فإنه رواه عن الحسين بن
سعيد، بدون الواسطة المذكورة (2).
وأما الثاني: فكما روي في الكافي، فيما أخذه الله تعالى على المؤمن من
الصبر بإسناده: (عن ابن محبوب، عن ابن أبي حمزة الثمالي، عن أبي
عبد الله عليه السلام (3).
ونحوه ما في الإكمال، في باب الثاني والعشرين، فإنه روى فيه بإسناده:
(عن الحسن بن محبوب، عن علي بن حمزة الثمالي، عن
أبي عبد الله عليه السلام) (4).
فقد تحقق بما ذكرنا، أنه وإن وقع إطلاقه في الأسانيد، على كل من الثمالي
والبطائني، لكنه لا ينافي الظن بكون المراد منه على الإطلاق هو البطائني،
بملاحظة الغلبة، بل على هذا يدور رحى تمييز المشتركات، فإنه لو بنى على

(1) التهذيب: 1 / 182 ح 523.
(2) المعتبر: 1 / 233.
(3) الكافي: 2 / 249 ح 2.
(4) إكمال الدين: 1 / 229 ح 26.
449

التوقف في أمثال المقام، لما تمكن من التعيين في غير واحد من المقامات، مع
أنه خلاف عمل الأصحاب، كما هو ظاهر لمن له اطلاع بكلماتهم.
فقد أحسن السيد السند النجفي رحمه الله فيما تقدم من كلامه: من استظهار
البطائني بعد ذكر الاشتراك (1).
ومن تضاعيف ما حققناه في المقام، يظهر ضعف مقالة جماعة من الأعلام
لا بأس بأن نشير إلى بعضها.
فمنها: ما ذكره السيد الداماد في حاشية الاستبصار، حيث إنه روى الشيخ
فيه في باب من أحرم قبل الميقات: (عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن
الحلبي، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام) (2).
وأطال المقال السيد المشار إليه، في تصحيح السند، المذكور ثم قال: إن في
التهذيب: (عن علي الحلبي) (3).
وإذا كان ذاك، فعلي هو ابن أبي حمزة الثمالي، وهو وأخوه، وأبوه، كلهم
ثقات، فاضلون، ورواية حماد بن عيسى، بغير واسطة معروفة صحيحة.
وفيه وجوه من النظر:
أما أولا: فإن ما يظهر منه، من أن حال عامة نسخ التهذيب على ذلك
المنوال ليس على ما ينبغي، فإن في بعض النسخ (عن علي) وفي آخر
(الحلبي)، وفي بعض النسخ قد كتب في المتن (عن علي) وفي الحاشية

(1) رجال السيد بحر العلوم: 1 / 361.
(2) الاستبصار: 2 / 163 ح 534.
(3) التهذيب: 8 / 314 ح 1166، باب النذور و 5 / 53 ح 162، باب المواقيت: (كما في
الاستبصار).
450

(الحلبي) جاعلا له علامة اختلاف النسخ، كما هو الحال في النسخة
الموجودة، بل ذكر في المنتقى: (أن النسخ متفقة على الوجه الأول) (1).
وأما ثانيا: فإنه لم يذكر في شئ من الكتب الرجالية، أن علي بن أبي حمزة
الثمالي، حلبي، كما لم يقع في سند من الأسانيد.
وأما ثالثا: فإن ملاحظة كثرة رواية حماد عن الحلبي (2)، كما في
الاستبصار، في باب أن التمتع فرض... (3).
وفي باب أنه يجوز الأحرام بعد صلاة النافلة (4).
وفي باب، كيفية التلفظ بالتلبية (5).
وفي باب، المريض يظلل على نفسه (6).
وفي باب الوقت الذي يلحق الإنسان فيه المتعة، حيث إن فيها: (موسى بن
القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام)... (7).
وكذا اختلاف نسخ التهذيب، يقرب أن النسخ المكتوبة فيها (علي) بدل
(الحلبي) من سهو النساخ.
نعم، لو ثبت اتفاق النسخ على الخلاف فعليه المدار.

(1) منتقى الجمان: 3 / 138.
(2) روايات حماد عن الحلبي، تبلغ ألفا واثنين وعشرين موردا. معجم الرجال:
6 / 189.
(3) الاستبصار: 2 / 150 ح 493.
(4) الاستبصار: 2 / 167 ح 549.
(5) الاستبصار: 2 / 171 ح 171.
(6) الاستبصار: 2 / 185 ح 619.
(7) التهذيب: 5 / 171 ح 567.
451

ويقرب هذا مضافا إلى ما مر، من دعوى الاتفاق أن مضمون الحديث بعينه
مروي بعد هذا الخبر بلا فصل، بسند آخر ينتهي إلى علي بن أبي حمزة.
وأما رابعا: فإن ما ذكره من أن رواية حماد بن عيسى بغير واسطة، معروفة
صحيحة.
إن أراد منه روايته عن علي بن أبي حمزة الثمالي معروفة، فهي مجازفة
صرفة، كيف وأنا لم نجد إلى الان رواية على، ذلك المساق.
نعم، إنه ربما يروي حماد بن عيسى، عن علي بن أبي حمزة، على
الإطلاق، كما في الاستبصار، في باب من نسي طواف الحج حتى يرجع إلى
أهله (1).
وإن أراد منه روايته عن غيره بلا واسطة صحيحة، فهو كلام أجنبي عما
جرى عليه.
وأما خامسا: فلو أغمضنا عن الجميع، فلا وجه للحمل على الثمالي، بل
الظاهر هو البطائني، لما يظهر مما تقدم بناء على تردد الأمر بينهما.
وسبقه في بيانه هذا المحقق الشيخ حسن في المنتقى، ولكن ما صنعه
أحسن من صنيعته.
وله كلام على المشهور في تصحيح هذا السند بوجه آخر وسيأتي عن
قريب إن شاء الله تعالى.

(1) الاستبصار: 2 / 228 ح 786.
452

ومنها: ما ذكره سلطاننا (1) في تعليقاته على من لا يحضره الفقيه، فإنه روى
الصدوق فيه، في باب أحكام المماليك والأماء، بالأسناد: (عن الحسن بن
محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام...) (2).
فذكر تعليقا عليه ما هذه لفظه: (يحتمل البطائني على ما فهم من كلام
الشهيد الثاني حيث حكم بضعف الرواية من جهته).
فيضعف أولا: أن ما ذكره من الاحتمال غير محتمل، بل هو المظنون، لما
عرفت من أنه الظاهر منه عند الإطلاق، مع أن رواية الحسن بن محبوب، عن
علي بن أبي حمزة، كما مر أمارة البطائني.
ودعوى أنه لا ينافي الاحتمال، مدخولة بظهوره في تساوي الطرفين.

(1) هو سلطان العلماء السيد حسين بن الميرزا رفيع الدين محمد بن محمود المتوفى:
1064.
قال المحقق الخوانساري فيه: كان من أعاظم الفضلاء الأعيان، وأفاخم النبلاء في أفنان،
محققا في كل ما أتى عليه حق التحقيق، ومدققا في حل ما توجه إليه كل التدقيق، عجيب
الفطرة والوجدان، غريب الفكرة والامعان، بديع التصرف في العلوم، رفيع التدرب في
الرسوم، مالك أزمة الحكومة، بين الخلائق في زمانه، وصاحب صدارة الأئمة عليهم السلام
والعلماء، وفي أوانه مفوضا إليه أمر النصب والعزل من أهل العلم والفضل،... وقد تقلد هو
الوزارة للسلطان شاه عباس الماضي... وقد بلغ في المنزلة عند السلطان المزبور، إلى حيث
جعله ختن نفسه من ابنته، فرزق له منها أولاد كثيرون، كلهم فضلاء أذكياء، وعلماء أصفياء،
وكانت مدة وزارته له خمس سنين تقريبا، ثم تقلد الوزارة من بعده، للسلطان شاه صفي
الصفوي مدة سنتين... وتولى الوزارة للشاه عباس الثاني ثماني سنين وستة أشهر.
ومن مؤلفاته: الحاشية المعروفة على شرح اللمعة، أصول المعالم، مختلف الشيعة،
الاستبصار و.... راجع: روضات الجنات: 2 / 346، رياض العلماء: 2 / 51 وريحانة الأدب:
3 / 56.
(2) الفقيه: 3 / 289 ح 1375.
453

فتأمل.
وثانيا: أن ما ذكره من الاحتمال، بناء على تضعيف الشهيد، يضعف بأنه
ينبغي القطع بأنه البطائني من جهة التضعيف، فإني لم أر من ضعف علي بن أبي
حمزة الثمالي.
ودعوى إمكان كون التضعيف من جهة إمكان الضعيف، ضعيفة، فتضعيفه
من أحد، في سند من الأسانيد دليل قطعي على حمل المضعف، المضعف،
عليه، فينبغي الظن بأنه البطائني في السند أولا والقطع بإرادته من الشهيد ثانيا.
فما يظهر منه من الاحتمال في كلا المقامين، ليس في محله.
ومنها: ما ذكره المولى التقي المجلسي رحمه الله في شرح المشيخة، فإنه ذكر
الصدوق في المشيخة: (وما كان فيه عن علي بن أبي حمزة، فقد رويته عن
محمد بن علي بن ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن علي
ابن أبي حمزة) (1).
فذكر المولى المشار إليه: (إنه إما الثمالي، وهو ثقة فاضل، وإما البطائني
علي بن سالم المكنى بأبي حمزة، وهو أبو الحسن كوفي، وكان قائد أبي بصير
يحيى بن القاسم، وله أخ يسمى جعفر بن محمد بن أبي حمزة. (ق، م) ثم وقف
وهو أحد عمد الواقفة. - إلى أن قال -: ويمكن أن يكون غير البطائني
ولا يحتاج إلى هذه التكلفات) (2). (انتهى).
وحكى عنه ولده العلامة المجلسي بخطه الشريف في الحاشية: (إنه مشترك

(1) الفقيه: 4 / 87 (قسم المشيخة).
(2) روضة المتقين: 14 / 186.
454

بين الثمالي الثقة والبطائني الضعيف، على المشهور).
فإن الترديد الظاهر منه في المرام، لا يناسب المقام، بل المظنون أنه
البطائني لما عرفت من الظهور المزبور، مضافا إلى ما مر من أن رواية البزنطي
من أمارات الحمل على البطائني.
مع أنك قد عرفت أن محمدا من أبناء الثمالي، ولم يعرف للبطائني ابن
يسمى بمحمد، بل ابنه يسمى بالحسن.
وأما جعفر، فلم نعرف نسبته إلى أحد منهما، مع أنه لو ثبت الأمران
المذكوران، ودون ثبوتهما خرط القتاد، كان جعفر ابن أخ له.
هذا وما ذكر في الذيل لا يخفى ما فيه.
بقى الكلام فيما ذكره النجاشي وتبعه غير واحد من الأصحاب: (من أنه
روى عن مولانا الصادق والكاظم عليهما السلام) (1).
والظاهر من هذا الكلام عدم روايته عن غيرهما كما لا يخفى.
ولكنا قد وجدنا روايته عن مولانا الرضا عليه السلام أيضا، كما في الكافي في
باب نوادر في المهر، حيث إنه قال: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن علي بن أبي حمزة، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام...) (2).
ودعوى احتمال حمله على الثمالي، مدفوعة بما تقدم غير مرة، مضافا إلى
ما تقدم أيضا من أن رواية ابن أبي عمير من أمارات الحمل على البطائني.
وإن قلت: أنه يعارض الأمارة المذكورة المقتضية للحمل على البطائني،
نفس الرواية عن مولانا الرضا عليه السلام، حيث إنه قد تقدم أنه من الواقفية،

(1) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(2) الكافي: 5 / 381 ح 7.
455

ومقتضاه عدم الرواية عنه فحينئذ، يشكل الحمل على البطائني.
قلت: إن اقتضاء الوقف على الإطلاق عدم الرواية، في حيز المنع، حيث إن
سبب الوقف في الواقفية.
تارة: عدم اطلاعهم على حقيقة الأمر، لعدم تفحصهم عن الواقع، ليحصل
لهم الاعتقاد به.
وأخرى: موافقة الوقف لآرائهم الفاسدة، وأهوائهم الواهية، ومخالفة إظهار
الحق لتلك الآراء والأهواء.
والذي يظهر من الروايات وغيرها، كما سبق أن سبب الوقف في علي بن
أبي حمزة البطائني، هو السبب الثاني.
ودعوى عدم اقتضاء الوقف على الوجه المذكور عدم الرواية، مدخولة.
وإن قلت: سلمنا عدم اقتضاء الوقف على الإطلاق، عدم اقتضاء الرواية،
ولكن ربما يقتضي عدم الرواية في مقام بواسطة أمر خارج، كما أن في الرواية
مخافة نقض الغرض، وظهور كون الوقف بسبب الأهواء الفاسدة، وإلا فإنه إما
معتقد بإمامة الأمام المتأخر، أم لا؟
فإن كان معتقدا بها، فما الوجه في إظهار الوقف واعتقاد عدم ثبوت إمامة
الأمام المتأخر، أو ثبوت عدمها.
وإن كان غير معتقد بها، فما الوجه في العمل بكلامه والاستناد إلى أقواله؟!
قلت: إن في الرواية التي فيها مخافة نقض الغرض، إنما هو في صورة
الاكثار فيها والاستناد إليها، وأما في الرواية على وجه الندرة والشذوذ فلا.
ومن المعلوم عدم ظهور أكثر من ذلك منه أيضا، بل قد عرفت عدم نقل ذلك
علماء الفن عنه رأسا لمكان الندرة والشذوذ.
456

وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها
ما وقع في الأسانيد من التصحيف
الأول: إنه روى في الكافي في باب آخر منه بعد البابين المعنونين بعد باب
ميراث الخنثى: (عن عدة من أصحابنا، عن سهل، عن علي، عن محمد بن
القاسم الجوهري، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام...) (1).
قوله: (عن محمد بن القاسم الجوهري) الظاهر، إطباق حال النسخ على
ذلك المنوال، والظاهر أنه من باب سهو القلم، إما من ثقة الإسلام، أو من
النساخ.
والصواب عن القاسم بن محمد الجوهري، لما تكرر في غير واحد من
الأسانيد مثله، وقد عرفت شطرا منها فيما سبق، ويرشد إليه أيضا أنه ذكر بعد
ذكر الرواية المذكورة ما هذه لفظه: (عدة من أصحابنا، عن أحمد، عن أبيه،
عن القاسم بن محمد الجوهري، عن حريز بن عبد الله)، مثله.
وروى الشيخ في التهذيب، في باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من
الناس، عن ثقة الإسلام على الوجه المذكور (2) ذاهلا عن السهو المسطور،

(1) الكافي: 7 / 159 ح 1.
(2) التهذيب: 9 / 358 ح 1278.
457

فتأمل (1).
الثاني: إنه ذكر في الاستبصار، في باب عدد الفصول في الأذان والإقامة،
ما هذا لفظه: (محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن
ابن محبوب، عن علي بن أحمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن
أبي عبد الله عليه السلام) (2).
قوله: (عن علي بن أحمد) هو زيادة في السند، سهوا من قلم الشيخ، أو
النساخ، فإنه روى في الكافي، في باب بدء الأذان والإقامة، وفضلهما
وأبوابهما (3)، الخبر المذكور مع عدم توسط علي بن أحمد، بين ابن محبوب
وعلي بن أبي حمزة.
ويشهد عليه أيضا مخالفته لما يتكرر في الأسانيد، كما سبق بعضها عند ذكر
الأمارات، بل روى في التهذيب أيضا في باب عدد فصول الأذان والإقامة (4)
الخبر المذكور عن ثقة الإسلام، مع عدم التوسط، فهو مرشد قوي على وقوع
السهو المسطور.
الثالث: إنه روى في الاستبصار في باب من قلم أظفاره: (عن الحسين بن
سعيد، عن حماد، عن أبي حمزة) (5).

(1) وجه التأمل: عدم ارتباط أجزاء السند بالمقام، إلا أن يقال أنه من جهة أن
الجوهري من رواة البطائني، كما يظهر مما سيجئ إن شاء الله تعالى. فتأمل. (منه رحمه الله).
(2) الاستبصار: 1 / 309 ح 1149. فيه: (ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة). لعل
في النسخة الموجودة عند المؤلف كما أشار إليه.
(3) الكافي: 3 / 308 ح 34.
(4) التهذيب: 2 / 63 ح 225.
(5) الاستبصار: 2 / 195 ح 654.
458

الظاهر أن السند المذكور لا يخلو عن اشتباه، ويحتمل في طريق تصحيحه
وجوه: من سقوط كلمة (علي) من البين، بأن يكون الأصل:
(عن علي بن أبي حمزة) كما سبق مثله في ذكر الأمارات، ومن تطرق
التصحيف فيه.
ويحتمل أن يكون الأصل: (عن حريز) بدل (عن أبي حمزة) كما يقع
كثيرا في الأسانيد: (الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن أبي
عبد الله عليه السلام)، كما في الاستبصار، في باب من نتف إبطه في حال الأحرام (1)،
وكذا في باب من قتل سبعا (2).
كما يحتمل أن يكون مصحفا (عن الحلبي) لكثرة رواية حماد عنه، كما هو
ظاهر لمن تتبع في الأسانيد، إلا أنه ربما يقع الأشكال حينئذ، من أن حمادا،
إن كان (ابن عثمان)، كما يشعر به روايته عن الحلبي، فالحسين بن سعيد،
لا يروي عنه بغير واسطة قطعا.
وإن كان (ابن عيسى)، فهو لا يروي عن عبيد الله الحلبي فيما تعارف عند
اطلاق الحلبي، كما ذكره في المنتقى (3).
ولكنه يندفع: بأن ما قطع به من عدم رواية الحسين بن سعيد، عن حماد بن
عثمان، ليس على ما ينبغي، فإن الظاهر من كتب الرجال إدراك الحسين،
زمان مولانا السجاد، وبقائه إلى زمان مولانا الرضا عليهما السلام كما عن الشيخ في

(1) الاستبصار: 2 / 199 ح 675، إلا أن فيه: (عن أبي جعفر عليه السلام).
(2) الاستبصار: 2 / 208 ح 711.
(3) منتقى الجمان: 3 / 138.
459

الرجال أنه عد حماد بن عثمان من أصحاب مولانا الصادق (1) والكاظم (2)
والرضا عليهم السلام (3) فلا مانع من الرواية.
وأيضا أن ما يظهر منه من عدم تمكن رواية الحسين، عنه، وتمكنه من
روايته عن حماد بن عيسى ليس بالوجه، لاتحاد زمانهما أيضا، فإنه قد جعل
العلامة في الخلاصة: حماد بن عيسى من أصحاب الصادق والكاظم
والرضا عليهم السلام أيضا فلاوجه لعدم التمكن.
ويشهد عليه ما وجدنا روايتهما عن الاخر، كما روى الشيخ في الاستبصار
في باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز، بالأسناد: (عن حماد بن
عيسى، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
وما وجد رواية الحسين عنه كما عن التهذيب في باب حكم الجنابة وصفة
الطهارة (5).
وفي الاستبصار، في باب أن المرأة إذا أنزلت وجب عليها الغسل في النوم
واليقظة، بالأسناد: عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عثمان، عن أديم بن
الحر، عن أبي عبد الله عليه السلام (6).
وكذا ما عن التهذيب، في باب أحكام الجماعة وصفتها، عند الكلام في عدم
جواز الاقتداء بصلاة العصر مع عدم الإتيان بصلاة الظهر: (عن الحسين بن

(1) رجال الطوسي: 173 رقم 139.
(2) رجال الطوسي: 346 رقم 2.
(3) رجال الطوسي: 371 رقم 1.
(4) الاستبصار: 3 / 30 ح 96.
(5) التهذيب: 1 / 121 ح 319.
(6) الاستبصار: 1 / 105 ح 344.
460

سعيد، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله) عليه السلام (1).
هذا وربما أجاب عنه السيد الداماد، بما ملخصه: (أن حمادا هو ابن عيسى
وهو من أهل إجماع العصابة، وقد صار ديدنهم الحكم بصحة ما صح
عنهم) (2).
وفيه ما فيه!!
الرابع: إنه قد وقع في غير موضع في أثناء أسانيد التهذيب والاستبصار:
(عن علي الجرمي عنهما عن ابن مسكان) (3).
الظاهر أن مرجع الضمير المشار إليه: (محمد بن أبي حمزة ودرست بن أبي
منصور)، كما قد وقع التصريح باسمهما في بعض الروايات كما في التهذيب،
في شرح كلام المشيخة، في المقنعة: ومن رمي شيئا من الصيد، فجرحه ومضى
لوجهه فلم يدر أحي هو أم ميت؟ فعليه فداؤه: (روى موسى بن القاسم، عن
علي الجرمي، عن محمد بن أبي حمزة، ودرست، عن عبد الله بن مسكان، عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام...) (4). كما قد حكي التصريح به عن جماعة.
فعن الفاضل التستري: (إن الظاهر أن العلي: هو علي بن الحسن الطاطري
الجرمي، والمراد من ضمير عنهما: محمد بن أبي حمزة ودرست).
وعن السيد السند التفرشي، في ترجمة علي بن الحسن بن محمد الجرمي
المعروف بالطاطري: (إن مرجع الضمير المشار إليه: محمد بن أبي حمزة،

(1) التهذيب: 3 / 49 ح 172.
(2) الرواشح: 46.
(3) التهذيب: 5 / 113 ح 368 والاستبصار: 2 / 219 ح 754.
(4) التهذيب: 5 / 358 ح 158.
461

ودرست بن أبي منصور) (1).
وبه صرح صاحب المنتقى (2) ونجله المحقق الشيخ محمد في حاشية
الاستبصار (3) وكذا المولى التقي المجلسي في شرح المشيخة نقلا (4).
والظاهر أن المراد من محمد بن أبي حمزة، هو محمد بن أبي حمزة الثمالي،
حيث إنه المشهور في أسانيد الأخبار وكتب الرجال، فقد وقع ذكره من
النجاشي (5) والخلاصة (6) والفهرست (7) وكذا في الكشي (8) كما سبق.
وأما محمد بن أبي حمزة التيملي، فلم نظفر بذكره في الأسانيد وكذا في
كتب الرجال.
نعم، إنه ذكره الشيخ في الرجال في أصحاب الصادق عليه السلام (9) دون غيره.
ولذا احتمل في التعليقات الاتحاد (10) كما عن النقد بعد استظهاره تعليله بأنه
ليس في كتب الرجال ما يدل على تعدده، ولعل منشأ التعدد، هو تصحيف

(1) نقد الرجال: 230 رقم 73.
(2) منتقى الجمان: 1 / 34. الهامش.
(3) المراد منه: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار. مخطوط لم يطبع إلى الان.
(4) روضة المتقين: 14 / 395.
(5) رجال النجاشي: 358 رقم 961.
(6) الخلاصة: 152 رقم 71.
(7) الفهرست: 148 رقم 630.
(8) رجال الكشي: 406 رقم 761.
(9) رجال الطوسي: 306 رقم 417.
(10) تعليقة الوحيد على منهج المقال: 274.
462

الثمالي بالتيملي (1) كما عن الوجيزة، الجزم بالتصحيف (2)، وعن البلغة نفي
البعد عنه (3).
وعن بعض بعد ذكر من روى عن محمد بن أبي حمزة الثمالي ومن روى
إياه عنه أنه قال: والتيملي الكوفي المجهول، لا أصل له ولا كتاب.
ولقد أجاد السيد السند النجفي رحمه الله حيث قال في جملة كلام له: (ومحمد بن
أبي حمزة،
مشترك بين الثمالي الثقة، والتيملي، ذكره الشيخ في أصحاب
الصادق عليه السلام من غير توثيق، وينصرف الإطلاق إلى الأول، بل لا يبعد أن
يكون التيملي تصحيفا للثمالي، فيرتفع الاشتراك (4).
وقال في الوجيزة: (الثمالي ثقة، والتيملي تصحيف الثمالي) (5).
بقى هاهنا شئ لا بأس بالتنبيه عليه، وهو أنه روى في التهذيب في باب
علامة أول يوم من شهر رمضان: (عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن
أبي حمزة) (6).
وملاحظة الطبقة، تأبي رواية علي، عن محمد، فإن عليا من رجال الهادي
والعسكري عليهما السلام ومحمدا كما عرفت، من رجال الصادق عليه السلام، والظاهر أن
الصواب: (حسن بن علي بن فضال)، وخلافه من السهو الصادر من الشيخ أو
النساخ، كما يشهد عليه ملاحظة نظائره.

(1) نقد الرجال: 283.
(2) الوجيزة: 18.
(3) بلغة المحدثين: 401.
(4) رجال السيد بحر العلوم: 1 / 361.
(5) الوجيزة: 18.
(6) التهذيب: 4 / 165 ح 468.
463

ففي زيادات فقه الحج: (أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي،
عن محمد بن أبي حمزة) (1).
وفي باب الأحداث: (أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن
محمد بن أبي حمزة) (2).
وأيضا: الظاهر أن فضالا سهو منه، بل هو الطاطري، كما في باب من يحرم
نكاحهن بالأسباب دون الأنساب، من التهذيب: (علي بن الحسن الطاطري،
قال: حدثني محمد بن أبي حمزة، ومحمد بن زياد، عن أبي أيوب) (3).
الخامس: أنه ذكر الكشي في أوائل رجاله، في أحوال أبي ذر، ما هذا لفظه:
(جعفر بن معروف، قال: حدثني الحسن بن علي بن النعمان الأعلم، قال
حدثني أبي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير،...) (4).
وعن السيد الداماد، في تعليقاته عليه: (أنه قال: وعلي بن أبي حمزة
الثمالي، لا البطائني، لكون علي بن النعمان الأعلم، أكثري الرواية عنه
وأبو بصير، هو ليث بن البختري المرادي ويقال له: أبو بصير الأصغر، لا يحيى
القاسم المكفوف، لرواية ابن أبي حمزة الثمالي عنه، فالطريق نقي، حسن،
بعلي بن أبي حمزة، بل صحيح) (5).
أقول: وفيه أولا:، أن ما ذكره من دعوى أكثرية رواية علي بن النعمان، عن
علي بن أبي حمزة، ممنوع، فضلا عن أكثرية روايته عن علي بن أبي حمزة

(1) التهذيب: 5 / 444 ح 1545.
(2) لم نجده فيما بأيدينا من النسخ.
(3) التهذيب: 7 / 311 ح 1291.
(4) رجال الكشي: 27 رقم 53.
(5) رجال الكشي: 1 / 119. (طبعة آل البيت عليهم السلام).
464

الثمالي الذي هو قليل الرواية، كما هو ظاهر عند المتتبع في الأسانيد، بل قد
روى علي بن النعمان تارة: عن سيف بن عميرة، كما في الكافي في باب
النوادر المعنون بعد باب جوامع التوحيد (1).
وأخرى: عن صالح بن حمزة، كما فيه أيضا في باب أن الأرض كلها
للأمام عليه السلام (2)
وثالثة: عن أبي مريم الأنصاري، كما فيه في باب تولد النبي صلى الله عليه وسلم
ووفاته (3).
وخامسة: عن أبي أسامة، كما فيه في باب الورع (4).
وسادسة: عن عبد الله بن مسكان، كما فيه في باب الصبر (5). أو ابن
مسكان كما في باب الهجرة (6).
وسابعة: عن عمار بن مروان، كما فيه في باب كظم الغيظ (7).
وثامنة: عن إسحاق بن عمار، كما فيه في باب صلة الرحم (8).
وتاسعة: عن محمد بن سنان، كما فيه في باب التوبة (9).

(1) الكافي: 1 / 143 ح 1.
(2) الكافي: 1 / 409 ح 5.
(3) الكافي: 1 / 450 ح 35.
(4) الكافي: 2 / 77 ح 9.
(5) الكافي: 2 / 89 ح 6.
(6) الكافي: 2 / 346 ح 7.
(7) الكافي: 2 / 109 ح 2.
(8) الكافي: 2 / 150 ح 2.
(9) الكافي: 2 / 435 ح 10.
465

وعاشرة: عن الواسطة المبهمة، كما فيه في باب الدعاء قبل الصلاة، حيث
إن فيه: (محمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن بعض
أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام (1).
فدعوى الأكثرية عنه، في غاية الضعف والسقوط.
وأما ثانيا: فلو سلمنا الأكثرية المذكورة، نقول: أين ذلك من كثرة رواية
علي بن أبي حمزة البطائني، بحيث قد ذاع روايته في الأخبار، وأكثر الرواية
عنه الأخيار، كما هو ظاهر لمن سرح بريد النظر في الأسانيد، وأكثر في
الاستقراء والاستقصاء، كما يظهر حقيقة الحال بملاحظة ما أسلفنا شطرا من
ذلك المقال.
ومنه ظهر أن أبا بصير، هو يحيى دون المرادي، كما يشهد به مضافا إلى
الغلبة، ما وقع التصريح به في بعض الأسانيد كما سبق ذكره منا.
ولقد أجاد من قال: (إنه كلما جاء الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد،
عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، فهو الأهوازي، عن الجوهري، عن
البطائني، عن يحيى الأسدي).
السادس: إنه قد روى في الكافي، في باب عمل السلطان وجوائزهم من
كتاب التجارة، رواية عن علي بن أبي حمزة (2).
ولم أتحقق وجها لحمله على البطائني، أو الثمالي، إلا الكثرة المقتضية
للحمل على الأول.
ومنها يظهر رفعة مقام له عند الأمام عليه السلام، ولاحتوائها مضافا إلى التأييد

(1) الكافي: 2 / 544 ح 1.
(2) الكافي: 5 / 106 ح 4.
466

للمرام، على فائدة قد مالت النفوس إلى إصغائها، وتوجهت الألباب إلى
إدراكها، نذكرها.
وهي: أنه روى فيه عنه: (إنه قال: كان لي صديق من كتاب بني أمية، فقال:
استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام، فاستأذنت له، فإذن له.
فلما دخل وسلم، جلس.
ثم قال: جعلت فداك! إني كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم
مالا كثيرا فأغمضت في مطالب، فهل لي مخرج منه؟
قال: إن قلت لك تفعل؟
قال: أفعل.
قال: فاخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم، رددت
عليه ماله. ومن لم تعرف، تصدقت به. وأنا أضمن لك الجنة، فأطرق الفتى
طويلا، ثم قال: قد فعلت جعلت فداك!
قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة، فما ترك شيئا على وجه
الأرض، إلا خرج منه حتى ثيابه التي على بدنه، فقسمنا له قسمة وشرينا له
ثيابا وبعثنا إليه بنفقة، وما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض، فكنا نعوده،
فدخلت عليه يوما وهو في السوق ففتح عينيه ثم قال:
يا علي! وفى والله صاحبك، ثم مات، وتولينا أمره، فخرجت حتى دخلت
على أبي عبد الله عليه السلام فلما نظر إلي، قال: يا علي! وفينا والله لصاحبك.
فقلت صدقت جعلت فداك! هكذا والله قال لي عند موته) (1).
وقريب منها: واقعة أخرى رواها فيه أيضا، في باب مولد أبي عبد الله عليه السلام:

(1) الكافي: 5 / 106 ح 4.
467

(عن المعلى بن محمد، عن بعض أصحابه) (1).
وثالثة: رواها في الخرائج (2)، عن هشام بن الحكم.
(عقد وحل)
ربما يشكل فيه وغيره مما دل على رؤية المحتضر ما لا يرى غيره، من أنه
إن اجتمع شرائط الرؤية من الأمور الثمانية، فيلزم أن يرى غيره أيضا، وإلا
فلا يرى هو أيضا.
وما يجاب عنه: بأن ما دل على أنه يرى نبينا وأئمتنا صلوات الله عليهم
أجمعين، من باب أخبار الآحاد، فلا يعول عليه، لا ينبغي أن يصغى إليه،
لظهور بلوغه حد التواتر المعنوي الذي ينبغي القطع بالصدور.
وقد يجاب: بأن حضورهم عند المحتضر، إنما هو بالجسد المثالي،
لا بالعنصري المادي، ويصح بحسبه الحضور عند جماعة متكثرة.
والاختصاص بمكان دون آخر، من خواص أجسام هذا العالم المسمى بالملك
والناسوت، وأجساد المثالية إنما تكون في عالم الملكوت، فليس عالمهم،
العالم الناسوتي، ليلزم حضورهم في حال واحد شخصي في الزمان الواحد،
في الأمكنة المتعددة.
وهذا القسم من الحضور، ليس بحسب وضع هذا العالم ومحاذاته، بل عين
الشخص المحتضر مثلا ينجدب إلى عالم البرزخ والملكوت، وحينئذ يشاهد
أجسادهم الشريفة، ولكن الناس يتوهمون أن مشاهدتهم شمائلهم الشريفة من
قبيل المشاهدات المتعارفة في هذا العالم الناسوتي، كلا وحاشا!! هذا المعنى

(1) الكافي: 1 / 474 ح 4.
(2) لم نجده.
468

محض الخيال وخيال المحض، فلا إشكال في هذا المطلب الذي هو من
ضروريات الدين.
ولا يخفى أن مقتضى صدره، تجويز الحضور في الأمكنة المتعددة، نظرا
إلى أن الاختصاص بمكان دون آخر من خواص الأجساد الناسوتية، بخلاف
الذيل، فإن مقتضاه، أن الرؤية بواسطة انجداب العين إلى عالم الملكوتي،
ورؤيتهم في عالمهم. وفي البين بون المشرقين. فتأمل. مع أن كلا من
المقدمتين، لا يخلو من كلام.
وربما يظهر من العلامة المجلسي، في السماء والعالم، الفصية بتعدد الأبدان
المثالية لهم عليهم السلام.
والذي يظهر لي، أن الجواب عن إشكال الرؤية: إنها بواسطة ارتفاع
الحجاب عن الرائي عما يراه من الأمور المحجوبة عمن سواه.
ويشهد له أمور، لا يقتضي المقام نشرها، وعن حضورهم في الأمكنة
المتعددة، قدرتهم على خرق العادات.
السابع: إنه روى في التهذيب، في باب ابتياع الحيوان، بإسناده: (عن
الحسين بن سعيد، عن علي، عن أبي بصير) (1).
والمتكرر المتكثر رواية الأهوازي عن البطائني، بواسطة الجوهري،
فالصواب سقوطه من البين (2).

(1) التهذيب: 7 / 75 ح 321.
(2) وقال السيد المحقق البروجردي قدس سره: رواية الحسين عن علي بن أبي حمزة كأنها
مرسلة. ترتيب أسانيد الكافي: 416 وتجريد أسانيد الكافي: 552.
لا يخفى أن رواية الحسين بن سعيد الأهوازي، عن علي، لم ينحصر بما ذكره، بل روى
عنه في موارد، كما: في التهذيب: 1 / 432 ح 1383، 8 / 195 ح 685، 9 / 59 ح 247
و 7 / 75 ح 321 والاستبصار: 1 / 194 ح 679.
وروى عن علي بن أبي حمزة، كما في الكافي: 1 / 194 ح 679 و 5 / 119 ح 1 باب كسب
المغنية وشرائها، التهذيب: 6 / 358 ح 1024 والاستبصار: 3 / 62 ح 207.
469

ويشبهه التصحيف فيما روى فيه أيضا في باب القول في الرجل يفجر
بالمرأة بإسناده: (عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن حميد، عن المثنى) (1).
والظاهر أنه مصحف (عن محمد)، كما يشهد به روايته في الاستبصار، في
الباب المذكور، رواية المذكورة سندا ومتنا، ولكن على الوجه الذي ذكرناه.
هذا، مضافا إلى كثرة رواية الأهوازي، عنه.
الثامن: إنه روى فيه في باب اللقطة: (عن الصفار، عن محمد بن الحسين،
عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن علي بن أبي حمزة، عن العبد
الصالح عليه السلام) (2).
والشائع الذائع في الأسانيد، رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير،
فالسند لا يخلو عن القلب (3).
التاسع: إنه ذكر المولى التقي المجلسي في خواتم شرح المشيخة، - عند
قول الصدوق: وما كان فيه عن سليمان بن داود، عن علي بن سالم، عن أبيه -:

(1) التهذيب: 7 / 326 ح 1343.
(2) التهذيب: 6 / 395 ح 1190.
(3) قال السيد المحقق الخريط البروجردي: (هذا السند مقلوب، وصوابه: علي بن أبي
حمزة عن أبي بصير أو أبي بصير). ترتيب أسانيد التهذيب: 322.
قال السيد السند الخوئي بعد نقل السند: (كذا في جميع النسخ التي بأيدينا، ولم يرد
رواية أبي بصير، عن علي بن أبي حمزة، إلا في هذا المورد، وأما رواية علي بن أبي حمزة،
عن أبي بصير فكثيرة) معجم رجال الحديث: 21 / 61.
470

(والذي يخطر بالبال، أنه كان (الحسن بن علي بن سالم عن أبيه) كما يقع
كثيرا ولم يعهد رواية علي، عن أبيه، فالخبر قوي أو ضعيف) (1).
أقول: إنه يظهر للمتتبع أن روايته عن أبيه كثيرة، فإنه يروي عنه تارة:
بالتسمية وأخرى: بالتكنية.
فمن الأول: ما رواه شيخنا الصدوق رحمه الله في صدر كتاب العيون، فإنه قال:
(حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال:
حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي
ابن سالم، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام).
ومن الثاني: ما رواه في إكمال الدين، في أواخر باب ما روي عن مولانا
الصادق عليه السلام، من النص على القائم - عجل الله تعالى فرجه - فإنه قال: (حدثنا
علي بن أحمد، قال حدثنا الكوفي، عن النخعي، عن النوفلي، عن علي بن
أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير) (2).
فإن اسم والد البطائني سالم، كما صرح به النجاشي (3).
ومنه: ما في الباب الأول من كفاية الأثر: (حدثنا موسى، عن عمه الحسين،
عن الحسن بن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة) (4).
كما أن اسم والد الثمالي ثابت، وجده دينار، يكنى بأبي صفية، كما هو
المصرح به في الكتب الرجالية (5) ووقع التعبير عنهما في غير واحد من

(1) روضة المتقين: 14 / 143.
(2) إكمال الدين: 2 / 345 ح 31.
(3) رجال النجاشي: 249 رقم 656.
(4) كفاية الأثر: 10.
(5) راجع: إتقان المقال: 31، بهجة الآمال: 2 / 458، تنقيح المقال: 1 / 189،
جامع الرواة: 1 / 135، رجال ابن داود: 59 رقم 277، رجال السيد بحر العلوم:
1 / 258 رجال البرقي: 8، رجال النجاشي: 115 رقم 296، الخلاصة: 29 رقم 5، الفهرست:
41 رقم 127، طرائف المقال: 2 / 64، خاتمة المستدرك: 705، معجم رجال الحديث:
3 / 385، منتهى المقال: 70، منهج المقال: 74 وهداية المحدثين: 27 - 280.
تاريخ الإسلام للذهبي: 9 / 84، تاريخ الكبير للبخاري: 2 / 165، تهذيب التهذيب: 2 / 7،
تهذيب الكمال للمزي: 33 / 261، الجرح والتعديل: 2 / 450، الكامل في ضعفاء الرجال:
2 / 93 وميزان الاعتدال: 4 / 517 / 10124.
471

الروايات.
منها: ما في الأمالي، في المجلس التاسع والثمانين، فإنه روى فيه: (عن
محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسن بن متيل الدقاق، عن الحسن بن علي
ابن فضال، عن مروان، عن ثابت بن دينار الثمالي) (1).
والظاهر أن السالم كان شيعيا، لما رواه في الخرائج: (عن أبي بصير، قال:
قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل أبو حمزة؟
قلت: خلفته صالحا، قال: إذا رجعت إليه فاقرأه السلام وأعلمه! إنه يموت
كذا، من شهر كذا.
فقلت: كان فيه انس وكان من شيعتكم.
فقال: نعم، إن الرجل من شيعتنا إذا خاف الله وراقبه وتوقى الذنوب، كان
معنا في درجتنا.
قال أبو بصير: فما لبث أبو حمزة أن مات في تلك الساعة في ذلك اليوم) (2).
وهو غير مذكور في الرجال، وإن ذكر جماعة من المسمين بسالم.

(1) الأمالي: 491 ح 11.
(2) الخرائج: 2 / 718.
472

المقصد الثالث
في
محمد بن إسماعيل،
الراوي عن الفضل النبيل
473

المقصد الثالث
في محمد بن إسماعيل، الراوي عن الفضل النبيل
إعلم أنه يطلق محمد بن إسماعيل على جماعة، وهم:
ابن بزيع، والنيسابوري، والبرمكي والأزدي، والكوفي، والعلوي،
والجعفري، والكناني، والزبيدي، والبجلي، والصيمري والجعفي،
والمخزومي، والزعفراني، والهمداني.
كما ذكرهم الشيخ، والنجاشي، وتبعهما غيرهما، وزاد في المنهج: محمد بن
إسماعيل بن موسى بن جعفر (1)، الذي روى عنه الكليني في باب تسمية من
رآه، بتوسط علي بن محمد (2).
قلت: وروى عنه أيضا في باب ما يفصل بين المحق والمبطل مكنيا له بأبي
علي (3) وهو الذي ذكره الكشي في ذيل ترجمة (هشام بن الحكم) مع انتفاء

(1) منهج المقال: 284.
(2) الكافي: 1 / 330 ح 2.
(3) الكافي: 1 / 346 ح 3.
475

رابطة في البين، في ذكر واقعة غريبة له (1).
ومن العجيب: ما صرح به في المنتهى (2) من عدم ذكره في المنهج، كما أن
من العجيب منه، ذكر كل من الصيرفي والمخزومي مكررا على ما في النسخة
الموجودة، مع انتفاء اقتضاء التعدد رأسا.
وزاد عليهم الوالد المحقق، (الميثمي) و (السراج) الواقعين في أواسط
بعض أسانيد الكشي والكافي.
قلت: الظاهر أن المقصود بالأول، ما ذكره الكشي في (سورة بن كليب)،
من قوله: (محمد بن مسعود، قال حدثني الحسين بن أشكيب، عن
عبد الرحمان بن حماد، عن محمد بن إسماعيل الميثمي، عن حذيفة بن
منصور، عن سورة...) (3).
وبالثاني: ما وقع في بعض أسانيد الكافي في بعض نسخه، ولكن الظاهر أنه
اشتباه منه من جهة غلط النسخة، وذلك لأنه قد تكثرت رواية محمد بن
إسماعيل بن بزيع مطلقا ومقيدا عن أبي إسماعيل السراج، كما روى في
الكافي في باب، إن الهداية من الله عز وجل: (عن عدة من أصحابنا، عن
أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن إسماعيل السراج عن
ابن مسكان) (4).
وفي باب الدعاء للكرب والهم والخوف: (عن محمد بن يحيى، عن أحمد

(1) رجال الكشي: 263 رقم 478. فيه: (محمد بن إسماعيل بن جعفر).
(2) المنتهى: 263.
(3) رجال الكشي: 376، رقم 706.
(4) الكافي: 1 / 165 ح 1. وفي النسخة المطبوعة كما ذكره المؤلف ولكن في النسخة
المصححة للشهيد الثاني: (أبي إسماعيل).
476

ابن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج، عن
ابن مسكان) (1).
وفي باب الوصية بالولد: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج) (2).
وفي باب فضل المسجد الأعظم بالكوفة: (محمد بن يحيى، عن محمد بن
الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج) (3).
وفي ثواب الأعمال في باب ثواب من زار قبر الحسين عليه السلام: (حدثنا
محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج) (4).
قلت: ويطلق أيضا على محمد بن إسماعيل القمي، كما روى في الكافي في
باب تقديم النوافل وتأخيرها: (عن محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل
القمي، عن علي بن الحكم) (5).
وعلى محمد بن إسماعيل بن أبي زينب، كما في بعض الأسانيد: (الجارود
ابن أحمد، عن الجعفري، عن محمد بن سنان، عن المفضل، عن محمد بن
إسماعيل بن أبي زينب، عن جابر بن يزيد) (6).
وعلى محمد بن إسماعيل القرشي، كما في الإكمال، في باب اتصال الوصية

(1) الكافي: 2 / 556 ح 1.
(2) الكافي: 3 / 218 ح 1.
(3) الكافي: 3 / 493 ح 8.
(4) ثواب الأعمال: 113 ح 18.
(5) الكافي: 3 / 452 ح 8.
(6) البحار: 101 / 131 عن طب الأئمة: 52. وراجع أيضا: البحار: 62 / 99، 66 / 209
و 95 / 110 و....
477

من لدن آدم عليه السلام، فإنه قال: (حدثنا أبي ومحمد بن الحسن - رضي الله عنهما -
قالا: حدثنا سعد، عن أحمد، عن العباس، عن علي، عن الحسن، عن محمد
ابن إسماعيل القرشي) (1).
وعلى الرازي، كما يظهر مما رواه في الكافي في باب النوادر، بعد باب ما
يجب على الناس إذا صح عندهم الرؤية يوم الفطر (2).
وكذا مما رواه في فواتح الكشي (3). فتأمل.
فما ذكره السيد الداماد، من إطلاقه على اثني عشر رجلا (4)، ليس على ما
ينبغي. فتدبر.
وربما عزاه الوالد المحقق إلى شيخنا البهائي أيضا، وهو غير وجيه، وإن
يوهمه صدر عبارته وإن كان ما ذكره أيضا كذلك، فإنه قال: (والذي وصل إلينا
بعد التتبع التام، إن اثني عشر رجلا من الرواة، مشتركون في التسمية بمحمد بن
إسماعيل، سوى محمد بن إسماعيل بن بزيع، عادا ما حصره.
فقال: أما محمد بن إسماعيل بن بزيع، فقد عرفت الكلام فيه، وأما من عدا
الزعفراني، والبرمكي، من العشرة الباقين، فلم يوثق أحد من علماء الرجال،
أحدا منهم) (5). ففيه تصريح بالخلاف في موضعين.
ومن العجيب، ما ذكره في المنتقى (6) من دعوى اشتراكه بين سبعة.

(1) إكمال الدين: 1 / 224 ح 20.
(2) الكافي: 4 / 169 ح 1.
(3) رجال الكشي: 8 رقم 17.
(4) الرواشح: 74.
(5) مشرق الشمسين: 72.
(6) منتقى الجمان: 1 / 43، الفائدة الثانية عشرة.
478

واحتمال إرادة المحتملين في الرواية عن الراوي والمروي عنه المبحوث
عنها كما ربما يشعر به كلام منه، ضعيف، يظهر وجهه للمتأمل.
وأعجب منه، ما صنعه ابن داود في ذكره الجعفري (1) والكناني (2)، في
الجزء الأول.

(1) رجال ابن داود: 165 رقم 1315.
(2) رجال ابن داود: 165 رقم 1316.
479

[المبحث الأول في تمييز شخصه]
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنه يتأتى الكلام تارة: في تميز شخصه، وأخرى:
في تحقيق حاله.
أما الأول: فنقول إنه قد اختلف فيه على أقوال:
القول بأنه النيسابوري، كما جرى عليه في الرواشح (1) والنقد (2)
والمنهج (3) وشرح الأربعين وجنح إليه في المنتقى (4) وجزم به في البلغة (5)
والمعراج (6) بل ذكر إكثار الأدلة عليه في رسالة مفردة، واختاره الفاضل
العناية في المجمع مصرا فيه، بل جعله من شبه الالهام (2) والمحدث الأمين

(1) الرواشح: 71.
(2) نقد الرجال: 293 رقم 123.
(3) منهج المقال: 283.
(4) منتقى الجمان: 1 / 44، الفائدة الثانية عشرة.
(5) بلغة المحدثين: 404.
(6) معراج أهل الكمال: 116.
(7) مجمع الرجال: 5 / 154.
480

الاسترآبادي في الفوائد والفاضل الخاجوئي (1) وجدنا السيد العلامة، بل نفى
البعد عن دعوى القطع به، وجدنا العلامة في الشوارع والوالد المحقق في
البشارات وإليه بعض الأواخر، بل قال: إنه استقر عليه رأي الكل في زماننا.
وهو الأظهر.
والقول بأنه البرمكي صاحب الصومعة، كما عليه شيخنا البهائي في بداية
المشرق (2) وهو ظاهر تلميذه النظام في النظام، واحتملهما الفاضل
الاسترآبادي في الوسيط (3).
والقول بأنه ابن بزيع (4) كما اختاره الجزائري في الحاوي (5) ولعله الظاهر
من ابن داود، بل حكى القول به عن جماعة من الأعلام (6)، وجرى عليه بعض
المعاصرين (7) في رسالة مفردة، محتجا بوجوه عشرة.
وظاهر الفاضل السبزواري في غير موضع من الذخيرة، التوقف، كما قال
في غسل الوجه في الوضوء: (وفي الطريق، محمد بن إسماعيل، وهو مشترك

(1) الفوائد الرجالية للخواجوئي: 100.
(2) مشرق الشمسين: 75.
(3) الوسيط: 205. (المخطوط)
(4) حكى القول بأنه ابن بزيع في حواشي البلغة، عن الفاضلين المتبحرين مولانا
عبد الله اليزدي، ومولانا المحقق الأردبيلي. (منه رحمه الله).
(5) حاوي الأقوال: 127 رقم 486.
(6) رجال ابن داود: 165 رقم 1314.
(7) هو السيد السند الجليل، والحبر البارع، الورع النبيل، الشهير عند الأعراب
بالسيد حسن الكاظمي، - أطال الله تعالى بقاءه، ورزقني الله تعالى بلطفه، لقاءه -. (منه رحمه الله)
481

بين الثقة وغيره، واحتمال كون ابن بزيع الثقة، فاسد) (1).
وفي وجوب المسح ببقية النداوة، بعد ذكر حديث أورده الكليني بسندين:
أحدهما من الحسان بإبراهيم بن هاشم، وفي الاخر محمد بن إسماعيل الذي
يروي عن الكليني (2) وهو مشترك بين الثقة وغيره (3).
لنا: أنه يثبت المرام بإثبات مقدمات:
إحديها: أنه يروي عنه الكليني بلا واسطة عن الفضل، وقد ذكرنا أن من
طرق استفادة شيخوخة الإجازة، رواية المحمدين عن شخص كذلك، فالظاهر
أنه من مشائخه ويلزمه عدم الواسطة، فضلا عن ظهور انتفائها لظهور السياق.
مع أنه روى الصدوق في كتاب التوحيد، في باب أنه عز وجل لا يعرف إلا
به، عنه بقوله: (حدثنا علي بن أحمد الدقاق، قال حدثنا محمد بن يعقوب، قال
حدثنا محمد بن إسماعيل، عن الفضل) (4).
وثانيها: أن الكشي يروي عنه كذلك، صريحا وظاهرا.
فمن الأول: ما ذكره في الثمالي، فإنه قال: (حدثني محمد بن إسماعيل،
قال حدثنا الفضل، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة) (5).
ومن الثاني: ما ذكره في أوائل الكتاب، فقال تارة: (محمد بن إسماعيل،
قال حدثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد،
عن أبي بصير).

(1) ذخيرة المعاد: 26.
(2) الصحيح: يروي عنه الكليني.
(3) ذخيرة المعاد: 34.
(4) كتاب التوحيد: 285.
(5) رجال الكشي: 202 رقم 356.
482

وأخرى: (محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير،
عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير) (1).
وثالثها: أن الظاهر، معاصرة الكشي للكليني، كما هو المصرح به في كلام
جماعة منهم: شيخنا البهائي (2) والفاضل الخاجوئي (3) ويشهد عليه أيضا
رواية النجاشي عنهما بواسطتين.
أما عن الكليني فلما سيأتي، واما عن الكشي، فلما وقع في غير موضع من
رجاله.
فمنه: ما في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة، فإنه روى عنه، عن
محمد بن محمد، عن جعفر بن محمد (4).
ورابعها: الظاهر أن من يروي الكشي عنه هو النيسابوري (5) لما روى عنه
في ترجمة الفضل فإنه قال: (إنه ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي
النيسابوري، أن الفضل بن شاذان، نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور بعد أن

(1) رجال الكشي: 8 رقم 17 و 18.
(2) مشرق الشمسين: 77.
(3) هامش المصدر المذكور.
(4) رجال النجاشي: 36 رقم 73.
(5) النيسابوري: - بفتح النون وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح السين المهملة،
وبعد الألف باء مضمومة وبعد الواو الساكنة راء -. هذه النسبة إلى نيسابور، وهي أحسن مدن
خراسان وأعظمها وأجمعها للخيرات، وإنما قيل لها نيسابور، لأن سابور ذا الأكتاف، أحد
ملوك الفرس المتأخرين، لما وصل إلى مكانها أعجبه وكان مقصبة، فقال: يصلح أن تكون
هيهنا مدينة، وأمر بقطع القصب وبنى المدينة. فقيل لها نيسابور. والني: القصب بالعجمية.
ذكره في رياض العلماء في ترجمة أحمد بن إبراهيم النيسابوري حاكيا عن السمعاني
في الأنساب. (منه عفي عنه). راجع: الأنساب للسمعاني: 5 / 550.
483

دعا به واستعلم كتبه) (1).
ونحوه ما ذكر في ترجمة أبي يحيى الجرجاني: (من أنه ذكر محمد بن
إسماعيل بنيسابور، أنه هجم عليه محمد بن طاهر، فأمر بقطع لسانه ويده
ورجليه) (2).
فإذا ثبت ظهور النيسابوري، فيما روى عنه الكشي، فيثبت ظهوره أيضا
فيما روى عنه الكليني، بشهادة المعاصرة.
ومما أثبتنا من المقدمات، ظهر ضعف ما يقال تارة: من أنه ليس فيما
بأيدينا من الكتب، ما يدل على رواية الكشي عن البندقي مشافهة، فإن غاية
الأمر، قضية نقل النفي والهجوم، وهي حكاية وهي غير الرواية، فلعل الكشي
وجد الحكاية في كتاب البندقي، ولو دل الحكاية على الرواية، لدل قول الشيخ
في الفهرست، ذكر محمد بن إسماعيل النيسابوري على رواية الشيخ عنه، مع
أنه معلوم العدم، لأن الشيخ الصدوق، روى عن النيسابوري بأربع وسائط، كما
في آخر كتاب التوحيد.
قال: (حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد،
عن عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري) (3).
فلا يمكن أن يروى الكشي المعاصر للصدوق ولا ابن قولويه عنه البتة.
وأخرى: سلمنا أن الكشي في مرتبة الكليني، لكن قوله: (محمد بن
إسماعيل، عن الفضل بن شاذان) مرتين لا يدل على أنه هو البندقي، أقصاه أن

(1) رجال الكشي: 538 رقم 1024.
(2) رجال الكشي: 532 رقم 1016.
(3) كتاب التوحيد: 460.
484

يكون كأحد أسانيد الكافي، ولم ينص أحد على رواية البندقي، عن ابن
شاذان، وليس إلا نقل الحكاية، وهي غير الرواية كما مر.
وأيضا، أنه يروي الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري،
بلا واسطة، كما يروي ابن قتيبة عن الفضل كذلك.
ويشهد على الأمرين ما في الكشي في أبي ذر الغفاري من قوله: (حدثني
علي بن محمد بن القتيبي، قال حدثنا الفضل بن شاذان) (1).
وفي عبد الله بن يعفور من قوله: (حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة
النيسابوري، قال حدثنا أبو محمد الفضل بن شاذان) (2).
وفي عمار بن ياسر: (حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، قال:
حدثنا الفضل بن شاذان) (3).
والبندقي يروي عن الفضل بلا واسطة، كما أن الظاهر، عدم معاصرة القتيبي
مع ابن بزيع، لما رواه في الإكمال في باب ما روى عن مولانا الصادق عليه السلام:
(عن عبد الواحد، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع) (4).
فظهر مما مر معاصرة القتيبي والبندقي، فيظهر منه رواية الكشي، عن
البندقي بلا واسطة ولما تقدم معاصرة الكليني للكشي، يظهر أن المروي في
كلام الكليني، هو البندقي أيضا.

(1) رجال الكشي: 28 رقم 54.
(2) رجال الكشي: 246 رقم 453 إلا أن فيه: (عبد الله بن أبي يعفور).
(3) رجال الكشي: 29 رقم 56.
(4) إكمال الدين: 2 / 342 ح 23.
485

وبتقرير آخر، أن الكليني في طبقة الكشي، كما أن البندقي في طبقة
القتيبي، ويروي الكشي عن القتيبي بلا واسطة، فالظاهر أن الكليني يروي عن
البندقي أيضا كذلك.
كما أن الظاهر من اتحاد طبقة الكشي مع القتيبي، والقتيبي مع البندقي، أن
الكشي يروي عن البندقي.
وأيضا: أن المبحوث عنه، إنما هو في طبقة علي بن إبراهيم، كما يشهد عليه
سياق روايات الكليني، فإنه يروي عنهما بلا واسطة تارة: بالانفراد، وأخرى:
بالاجتماع، كما يظهر مما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ويروي إبراهيم، عن ابن بزيع، كما فيما روى الصدوق في ثواب الأعمال
في باب ثواب زيارة قبر المؤمن، فروى: عن محمد بن الحسن، عن الصفار،
عن أحمد بن محمد، قال: كنت أنا وإبراهيم بن هاشم، في بعض المقابر إذ جاء
إلى قبر، فجلس وقرأ سبع مرات، إنا أنزلناه، ثم قال: حدثني صاحب هذا القبر
- وهو محمد بن إسماعيل بن بزيع - إنه من زار قبر مؤمن فقرأ عنده سبع مرات
إنا أنزلناه، غفر الله له ولصاحب القبر) (1).
فمنه يظهر أنه لا يروي عنه بلا واسطة، بل هو بعيد الرواية عنه إلا
بواسطتين، كما هو الحال فيما ثبت من روايته عن ابن بزيع.
وأيضا يروي الفضل عن ابن بزيع، كما في بعض الأسانيد (2)، فمن البعيد في
الغاية وقوع العكس شايعا.

(1) ثواب الأعمال: 236 ح 1.
(2) فراجع وسائل الشيعة (طبعة آل البيت): 1 / 25 ح 649، 3 / 506 ح 4300،
4 / 437 ح 5645، 6 / 268 ح 7929، 8 / 533 ح 11374، 15 / 231 ح 20355.
486

وما ذكرنا من الرواية، ما عن كتاب الرجعة للفضل، ففيه: (حدثنا محمد بن
إسماعيل بن بزيع، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن ابن
أبي عياش، عن سليم بن قيس).
وأيضا أن الفضل كان في زمان مولانا العسكري عليه السلام، كما يشهد عليه
ما رواه الكشي من توقيع منه عليه السلام له، المشتمل لتهديد وتخويف له، وكان
لمحمد ابن إسماعيل، أخ، يسمى بإسحاق، وهو أيضا في زمانه عليه السلام وقد ورد
منه أيضا توقيع له، كما عنونه الكشي ناسبا إلى النيسابور، فقال: (حكى بعض
الثقات بنيسابور أنه خرج له من أبي محمد عليه السلام توقيع: يا إسحاق! سترنا الله
وإياك بستره،...) (1).
فالظاهر أنهما كانا متعاصرين، فالظاهر أن الراوي عنه، هو النيسابوري.
هذا، مضافا إلى أن كلا من الراوي والمروي عنه، بناء على هذا، من بلد
واحد، وهو المؤيد.
ومنه: ما اصطلح عليهما في الوافي، بالنيسابوريين.
من تضاعيف ما ذكرنا، بان ضعف ما ذكره ابن داود حيث أنه تردد في
صحة رواية الكليني عنه، استشكالا له في لقائه.
قال: (فتقف الرواية لجهالة الواسطة وإن كانا مرضيين معظمين) (2)، فإن
الظاهر أن كلامه مبني على التعيين في ابن بزيع.
وعلى هذا، لا مجال للاشكال، لظهور عدم اللقاء، كما أن أصل المبنى
فاسد، لظهور تعيينه في النيسابوري، فلا مجال للاشكال أيضا لظهور اللقاء.

(1) رجال الكشي: 575 رقم 1088.
(2) رجال ابن داود: 306.
487

هذا، وربما استدل على المرام أيضا، جدنا السيد العلامة رحمه الله تارة: بأنه أحد
أشياخ الكليني، كما صرح به سيد المدققين.
وأخرى: بأنه تلميذ الفضل، كما نص به السيد المشار إليه والمحدث
الكاشاني - روح الله تعالى روحيهما - فيغلب منهما الظن بالمرام، سيما مع
كثرة روايته.
قلت: إنه لا دليل على إثباتهما، إلا بملاحظة الرواية مع بعض الشواهد،
ولكنها لا تقتضي أزيد من شيخوخة المروي للكليني، وتتلمذه للفضل.
وأما اقتضاؤها للخصوصية المبحوث عنها، فأصل الكلام محل الكلام،
فضلا عن الاستدلال به للمرام.
وللقول الثاني: شهادة الطبقة.
تارة: بواسطة رواية النجاشي المتأخر عن الكليني بواسطتين، وعن
البرمكي بثلاث وسائط.
وأخرى: بواسطة رواية الصدوق المتأخر عنه بواسطة، وعن البرمكي
بواسطتين.
وثالثة: برواية الكشي المعاصر له، عن البرمكي بواسطة تارة، وبدونها
أخرى، فينبغي أن يكون هو كذلك، ليشترك المتعاصران.
ورابعة: بمعاصرة محمد بن جعفر الأسدي المعروف بأبي عبد الله،
للبرمكي، فإنه توفى قبل وفاة الكليني بقريب من ستة عشر سنة، فيقرب زمانه
من زمان البرمكي جدا.
أقول: الظاهر أن نظره في الأول، إلى ما ذكره النجاشي في ترجمة الكليني:
من أنه روينا كتبه كلها عن جماعة من شيوخنا: محمد بن محمد، والحسين بن
عبيد الله، وأحمد بن علي بن نوح، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن
488

قولويه) (1).
وما ذكره في ترجمة البرمكي: (من أنه أخبرنا أحمد بن علي بن نوح، قال:
حدثنا الحسن بن حمزة، قال حدثنا محمد بن جعفر الأسدي، عن محمد بن
إسماعيل، بكتابه) (2).
وفي الثاني، إلى أسانيد، منها: ما في الإكمال في باب ما أخبر به
أبو جعفر عليه السلام من قوله: (حدثنا محمد بن عصام رضي الله عنه، قال حدثنا محمد بن
يعقوب الكليني) (3).
ومثله: ما في ذيل باب ذكر التوقيعات الواردة (4).
وكذا في سياق حديث الوالبية (5) وغيرها.
وما فيه في فواتحه: (حدثنا علي بن أحمد، قال حدثنا محمد بن
أبي عبد الله الكوفي، قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي) (6).
ومثله، ما في باب ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثنا محمد بن موسى
المتوكل، قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله، قال حدثنا محمد بن إسماعيل
البرمكي) (7).
وأما الثالث: فلم أقف على رواية الكشي عنه بلا واسطة، والظاهر عدمه.

(1) رجال النجاشي: 377 رقم 1026.
(2) رجال النجاشي: 341 رقم 915.
(3) إكمال الدين: 1 / 327 ح 7.
(4) إكمال الدين: 2 / 523 ح 52، مع اختلاف في السند.
(5) إكمال الدين: 2 / 537 ح 2.
(6) إكمال الدين: 1 / 73، ذيل الصفحة.
(7) إكمال الدين: 1 / 287 ح 7.
489

وقد أجاد الفاضل الخاجوئي فيما منع من روايته عنه كذلك (1).
نعم، إنه ذكر في علي بن يقطين: (محمد بن إسماعيل، عن إسماعيل بن
مرار، عن بعض أصحابنا، أنه لما قدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام العراق،
قال علي بن يقطين: أما ترى حالي وما أنا فيه...) (2).
ولكن لا دليل على الاتحاد، بل الظاهر خلافه، لعدم التقييد.
وأما روايته مع الواسطة، فيروي تارة: بتوسط حمدويه وإبراهيم، كما في
داود بن زربي (3).
وأخرى: بتوسط حمدويه، كما في صفوان بن مهران (4) ويونس بن
عبد الرحمان (5).
ويرد عليه: أن غاية ما يستفاد منها، هو الامكان، ومن المعلوم عدم الوقوع
بمجرد الامكان، ولا سيما مع قيام الدليل على العدم، وذلك لأنه روى الكليني
عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل، من بداية الكافي إلى ختامه، من دون
التقييد بقيد البرمكي أو الرازي، في مورد.
نعم، إنه يروي عن محمد بن إسماعيل، عن غير الفضل، بتوسط واسطة أو
واسطتين مطلقا تارة، ومقيدا بالبرمكي، كما في باب حدوث العالم من كتاب
التوحيد: (حدثني محمد بن جعفر الأسدي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي

(1) الفوائد الرجالية: 99.
(2) رجال الكشي: 433 رقم 817.
(3) رجال الكشي: 312 رقم 564.
(4) رجال الكشي: 440 رقم 828.
(5) رجال الكشي: 489 رقم 931.
490

الرازي) (1).
وفي باب الحركة والانتقال: (محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن
إسماعيل البرمكي) (2).
فالمظنون بالظن المتاخم للعلم هو التغاير، وإلا لنقل عنه بلا واسطة مقيدا
بما ذكر ولو في مورد، أو نقل عنه عن الفضل معها في آخر مع ظهور عدمه.
وما يقال: من أنه لو كان المبدو به ذلك، لكان تقييده به أنسب لأن وقوع
البرمكي في صدر سنده أبعد بحسب الطبقة ومعلوم أن التقييد لرفع الاشتباه،
فكلما كان الاشتباه أقوى، كان التصدي لرفعه أولى.
يضعف، بعدم وقوعه كثيرا مع ثبوت جهته لنا والظاهر أنه من جهة وضوح
الأمر عندهم.
وللقول الأخير وجوه:
الأول: إنه روى ابن قولويه في الباب السابع والعشرين، من كامل
الزيارات، بقوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل
السراج، عن يحيى بن معمر العطار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام) (3).
ولا ريب في ظهوره في الرواية بلا واسطة، وهو من تلامذة الكليني، فإذا
صح له الرواية عنه بلا واسطة، فتصح له بطريق أولى.
أقول: وفيه أولا: أن الاستقراء الكامل في الكامل، يكشف عن عدم وقوع
رواية ابن قولويه عن ابن بزيع بواسطة واحدة، فضلا عن العدم، فإنه يروي عنه

(1) الكافي: 1 / 78 ح 3.
(2) الكافي: 1 / 125 ح 1.
(3) كامل الزيارات: 84 ح 4.
491

تارة: بواسطتين كما في الباب الرابع عشر، ففيه: (حدثني محمد بن جعفر
الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل) (1).
وفي الباب الثاني والعشرين: (محمد بن جعفر القرشي الرزاز، قال حدثني
خالي محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن
أبي إسماعيل السراج، عن يحيى بن معمر، عن أبي بصير، عن مولانا أبي
جعفر عليه السلام) (2).
ونحوه ما في الباب السابع والعشرين (3).
وهذا هو السند الذي استدل به المستدل، والظاهر، بل المقطوع به، أن
ما استدل به من جهة غلط النسخة وسقوط الواسطة، لثبوت الواسطتين
المذكورتين في النسخة الموجودة، وظهور تقدم الثابت على الساقط.
مضافا إلى ما سمعت من ذكر هذا السند بخصوصه في الباب السابق عليه،
مشتملا على الواسطتين المذكورتين، فضلا عما سمعت، وستسمع من أنحاء
روايته عنه مع اتفاق الكل في الرواية عنه بواسطتين فما زاد.
ففي الباب السابع والثلاثين: (حدثنا محمد بن جعفر، عن محمد بن
الحسين، عن محمد بن إسماعيل) (4). وفيه أيضا: (حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي، عن خاله محمد بن

(1) كامل الزيارات: 51 ح 8.
(2) كامل الزيارات: 79 ح 1، باب 26 والصحيح أنه في الباب 26 وليس في الباب
22.
(3) كامل الزيارات: 84 ح 4.
(4) كامل الزيارات: 109، ح 1، باب 37.
492

الحسين بن ابن الخطاب، عن محمد بن إسماعيل) (1).
وعلى هذا المنوال، الحال في الباب الرابع والخمسين (2) والثاني
والستين (3) والثالث والستين والخامس والستين (4) والسبعين (5) والرابع
والسبعين (6) والإحدى والتسعين (7) والثامن والتسعين (8) ففي جميع الأبواب
المذكورة، روى عن ابن بزيع بخصوص الواسطتين المذكورتين.
وأخرى: بوسائط ثلاث، كما في الباب الثامن (9) والثامن والعشرين (10)
والخامس والأربعين (11) والتاسع والأربعين (12) والتاسع والخمسين (13)
والثلاث والسبعين (14) والسابع والسبعين (15) والستين (16).

(1) كامل الزيارات: 111، ح 7، باب 37.
(2) كامل الزيارات: 139، ح 12.
(3) كامل الزيارات: 152، ح 2.
(4) كامل الزيارات: 160، ح 15.
(5) كامل الزيارات: 169، ح 1.
(6) كامل الزيارات: 183، ح 2.
(7) كامل الزيارات: 278، في الباب الثاني والتسعين.
(8) كامل الزيارات: 279 ح 6.
(9) كامل الزيارات: 27 ح 2.
(10) كامل الزيارات: 91 ح 13.
(11) كامل الزيارات: 126 ح 4.
(12) كامل الزيارات: 132 ح 2.
(13) كامل الزيارات: 147 ح 1.
(14) كامل الزيارات: 182 ح 2.
(15) كامل الزيارات: 189 ح 2.
(16) كامل الزيارات: 150 ح 3.
493

وثالثة: بوسائط أربع، كما في الباب الثاني والخمسين (1).
وهذه طرق رواياته المتكثرة عن ابن بزيع، ولا أظنك بعد الاطلاع على
تلك الأسانيد المتكثرة المشتملة على الواسطتين فما زاد، في الشك في عدم
الرواية عنه بلا واسطة، مع ثبوت الواسطتين المذكورتين في النسخة الموجودة
في السند المذكور والسند السابق عليه.
وقد أكثرنا من ذكر الأبواب، بل ذكر سلاسل الأسانيد بأسرها في تعليقاتنا
على الرسالة، مع تحمل العناء، إيضاحا للمرام وتنقيحا للمقام.
وثانيا: أنه قد عرفت فيما مر، أنه يروي ابن قولويه عن ابن بزيع، بتوسط
الرزاز، عن محمد بن الحسين، فابن بزيع في الطبقة الثالثة بالإضافة إليه،
وقد وقع كذلك رواية الكليني عن الرزاز المذكور، كما روى في باب الرهن:
(عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة،
عن منصور، عن سليمان) (2).
ونحوه في باب تفسير طلاق السنة والعدة (2) وباب المطلقة التي لم يدخل
بها (4) وباب ما يجوز من الوقف والصدقة (5) فهما مشتركان في الرواية عن
الرزاز، اشتراك المحدث والشيخ، في الشيخ.
فكما أنه بالإضافة إليه في الطبقة الثالثة، كما مر، فلازمه الثبوت بالإضافة
إليه أيضا، كما هو كذلك بحسب الواقع على حسب أسانيده المقيدة بابن بزيع

(1) كامل الزيارات: 137 ح 3.
(2) الكافي: 5 / 236 ح 18.
(3) الكافي: 6 / 64 ح 1.
(4) الكافي: 6 / 106 ح 1.
(5) الكافي: 7 / 37 ح 33.
494

في غير مورد، فكيف تصح الرواية بلا واسطة في كل منها.
وثالثا: أنه قد ذكر العلامة في الخلاصة: (إنه توفى ابن قولويه في سنة تسع
وستين وثلاثمائة) (1).
وذكر النجاشي: (إنه قال محمد بن عمر الكشي، كان محمد بن إسماعيل بن
بزيع من رجال أبي الحسن موسى عليه السلام وأدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام) (2).
وظاهره أنه قد مات في زمانه عليه السلام ولم يدرك ما بعده من الأئمة عليهم السلام وإلا
فلا معنى لهذا الكلام، بل هو كذب وتنقيص منه في هذا المقام.
وعن التهذيب (3) والإرشاد (4) إنه عليه السلام قبض ببغداد في سنة عشرين
ومائتين.
ولابد أن يكون ابن قولويه في حدود البلوغ، كي يروي عن ابن بزيع، فيلزم
أن يبلغ عمر ابن قولويه إلى مائة وخمس وستين سنة.
ولما تفطن بالمحذور المذكور، تشبث بأن الاصطلاح في قولهم (أدرك...)
على الرواية، أي: روى عنه، استنادا إلى قولهم في حماد بن عيسى (أنه أدرك
الصادق والكاظم عليهما السلام) مع أنه بقى إلى أيام مولانا الجواد عليه السلام.
ولكنه تشبث عجيب، كيف! وأنه لم يتفوه بهذا اللفظ، أحد من علماء
الرجال فكيف باتفاقهم على ما ينصرح من كلامه! فهذه عبارة النجاشي:
(حماد بن عيسى أبو محمد الجهني، وقيل إنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الخلاصة: 31 رقم 6.
(2) رجال النجاشي: 330 رقم 893.
(3) التهذيب: 6 / 90.
(4) الإرشاد: 326.
495

عشرين حديثا وأبي الحسن والرضا عليهما السلام ومات في حياة أبي جعفر
الثاني عليه السلام ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا ولا عن أبي جعفر عليهما السلام) (1).
وذكر العلامة في الخلاصة، العبارة المذكورة من النجاشي بعينها (2).
وذكر في الفهرست: (حماد بن عيسى الجهني غريق الجحفة، ثقة،
له كتب) (3).
وأخصر منها ما في الرجال في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام (4).
فليت شعري كيف تتجه دعوى الاصطلاح، مع عدم الإطلاق في موضع
وعدم بيانه في مورد.
ورابعا: أن الرواية كما سمعت (عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي
إسماعيل السراج) وقد تقدم في صدر المبحث أنه كثيرا ما يروي الكليني، عن
محمد بن إسماعيل مطلقا تارة، ومقيدا أخرى بابن بزيع، عن أبي إسماعيل
السراج، بتوسط واسطتين، فعدم رواية ابن قولويه عنه، بلا واسطة بطريق
أولى، وهو أيضا مما يشهد بالسقوط، بل لا حاجة لنا إلى إقامة البرهان بعد
ما مضى من البيان.
الثاني: أنه روى الكليني، عن ابن بزيع، بلا واسطة في موضعين:
أحدهما: في باب (الرجل يجب عليه الحد وهو مريض) فإنه روى: (عن
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، ومحمد بن

(1) رجال النجاشي: 142 رقم 370.
(2) الخلاصة: 56 رقم 2.
(3) الفهرست: 61 رقم 231.
(4) رجال الطوسي: 174 رقم 152 و 346 رقم 1.
496

إسماعيل بن بزيع، عن حنان بن سدير، عن يحيى بن عباد المكي) (1).
والظاهر أنه من باب عطف سند برأسه، على سند آخر.
وثانيهما: ما في أول الروضة، ففيه: (حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
ابن فضال، عن حفص المؤدب، عن أبي عبد الله عليه السلام، ومحمد بن إسماعيل بن
بزيع، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام) (2).
وهو أيضا ظاهر فيما مر من عطف الكل على الكل.
وفي بعض النسخ، إقحام لفظة (عن) بين الواو وبين محمد، فأوجب ذلك
تشكيك بعض الأصحاب وقال: إنه عطف على علي بن إبراهيم.
وفيه: إني لم أعثر على رواية إبراهيم، عن ابن بزيع، واحتمال العطف على
أبيه، في غاية الضعف، وأضعف منه، عطفه على ابن فضال.
وبالجملة: الظهور هو الحجة، ولا ينافيها الاحتمال الضعيف، فثبت مما ذكر
أن المبحوث عنه، هو ابن بزيع، بمقتضى لزوم تقييد المطلق بالمقيد، كما أنه
يثبت رواية ابن بزيع، عن ابن شاذان، بمقتضى ما روى في الكافي، في باب
(أن ابن آدم أجوف) ففيه: (محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع،
عن الفضل بن شاذان) (3).
وبه يبطل دعوى عدم رواية ابن بزيع، عن الفضل، بل الأمر بالعكس لأنا
لم نعثر على روايته عن ابن بزيع، إلا في موضع واحد، وهو ما رواه الصدوق

(1) الكافي: 7 / 243 ح 1.
(2) الكافي: 8 / 2 ح 1.
(3) الكافي: 6 / 287 ح 7.
497

في العيون في باب (الأخبار بالنبوة) (1) فإن القرائن تدل على ما ذكروا: أنه
شيخ ابن بزيع، لكثرة روايته عن الفضل.
ويؤيده، أن له مائة وثمانين كتابا، وليس لابن بزيع إلا كتابا في الحج، وقد
روى الفضل، عن غير واحد من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، وهو أيضا أكثر
رواية عن مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -.
أقول: وفيه أولا: إن الظاهر، بل بلا إشكال، أن محمد بن إسماعيل في السند
الأول، معطوف على ابن محبوب، من باب عطف الجزء على الجزء، دون
عطف الكل على الكل، لوجهين:
أحدهما: ما ينصرح من النجاشي، من أنه يروي ابن عيسى، كتب ابن بزيع،
فإنه بعد ما عنون ابن بزيع، قال في ذكر طريقه إليه: (أخبرنا أحمد بن علي بن
نوح، عن ابن سفيان، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى،
بكتبه) (2).
وثانيهما: ملاحظة نظائره من الأسانيد، فإنها بأنحائها متفقة على رواية
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن بزيع.
ففي الكافي، في باب أنه لو ترك الناس الحج، لجاءهم العذاب: (محمد بن
يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير) (3).
وفي باب الهدى: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2 / 18 ح 44.
(2) رجال النجاشي: 330 رقم 893.
(3) الكافي: 4 / 271 ح 2.
498

محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير) (1).
وفي باب طلاق الحامل: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد
ابن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن الفضيل) (2).
وفي باب القسامة: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع، عن حنان بن سدير) (3).
وفي باب الخصيان: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن الرضا - عليه آلاف التحية
والثناء -) (4).
وفي باب الرضاع: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
إسماعيل، عن محمد بن الفضيل (5).
وفي باب قطع تلبية المحرم: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن
محمد بن إسماعيل) (6).
وفي باب دعاء السائل: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد
ابن إسماعيل) (7).
وفي باب المشي مع الجنازة: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن

(1) الكافي: 4 / 501 ح 10.
(2) الكافي: 6 / 81 ح 2.
(3) الكافي: 7 / 362 ح 7.
(4) الكافي: 8 / 532 ح 3.
(5) الكافي: 6 / 41 ح 6.
(6) الكافي: 4 / 538 ح 7.
(7) الكافي: 4 / 17 ح 2.
499

محمد بن إسماعيل) (1).
وفي باب المنبر والروضة: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن
محمد بن إسماعيل) (2). وفيه أيضا نحوه (3).
وفي باب المصيبة بالولد: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع) (4).
إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع.
وثانيا: الظاهر أن السند الثاني من باب عطف الجزء على الجزء أيضا وأنه
معطوف على ابن فضال.
ويشهد عليه أمران:
أحدهما: ما ذكره في الفهرست، فإن مقتضى صريحه أنه يروي إبراهيم،
عن ابن بزيع، فإنه بعد ما عنون ابن بزيع ذكر أن: (له كتب، منها: كتاب الحج،
أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن حمزة، عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل) (5).
ودعوى أن أقصاه، روايته عنه كتاب الحج، لا مطلقا، مدفوعة بأن مقتضاه،
الخصوصية في الأخبار، دون الرواية، وكلامنا في الثاني دون الأول.
ولو قيل: سلمنا ولكن الغاية، الامكان. والنافع، الوقوع. وأين أحدهما من
الاخر؟

(1) الكافي: 3 / 169 ح 1.
(2) الكافي: 4 / 555 ح 6.
(3) الكافي: 4 / 556 ح 12.
(4) الكافي: 3 / 218 ح 1.
(5) الفهرست: 155 رقم 691.
500

قلت: مع أن الامكان والاحتمال قادح في صحة الاستدلال، يقوي وقوع
عدم ثبوت رواية الكليني عن ابن بزيع، بل ثبوت عدمه مضافا إلى ما سيظهر
من الشواهد مع أن ما رأيت من نسخة الروضة كانت مشتملة على لفظة عن كما
ذكره، بل الظاهر، أنه الحال في الغالب، فإنه ذكر المولى التقي المجلسي رحمه الله
تعليقا عليه على ما في النسخة المذكورة: كأنه معطوف على قوله (عن أبيه)
أو على (ابن فضال).
وثانيهما: ما رواه في الكافي في باب السعي في وادي محسر، بقوله: (علي
ابن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي الحسن عليه السلام) (1).
والظاهر أن المراد به (ابن بزيع)، لما عرفت من أنه له كتاب الحج، وأنه
أخبر به الغضائري شيخ الطائفة، عن الحسن، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه (2).
مضافا إلى كثرة روايته عن مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -، كما
تقدم التصريح بالراوي والمروي عنه، في السند المروي في باب الخصيان (3).
ويؤيده رواية علي بن إبراهيم، عن أخيه إسحاق بن إبراهيم، عنه، كما في
الكافي في باب فضل يوم الجمعة وليلتها: (علي بن إبراهيم، عن أخيه إسحاق
ابن إبراهيم، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن مولانا الرضا - عليه آلاف
التحية والثناء -) (4).
كما يشهد عليه بقرينة الراوي والمروي عنه، ما في الكافي في باب ما

(1) الكافي: 4 / 471 ح 4.
(2) كما في الفهرست: 155 رقم 691.
(3) الكافي: 5 / 532 ح 3.
(4) الكافي: 3 / 416 ح 14.
501

يجوز من الأجل: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
مد بن يحيى، 2، عن أحمد بن محمد
إسماعيل، عن أبي الحسن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -) (1).
ونحوه ما فيه، في باب الرجل يكون لولده الجارية يريد أن يطأها: (محمد
ابن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، قال كتبت إلى أبي
الحسن عليه السلام) (2).
وروى شيخنا الصدوق رحمه الله في فضائل الأشهر: (عن محمد بن إبراهيم، عن
أحمد بن محمد، عن المنذر، عن الخزاز، قال دخلت على أبي الحسن علي بن
موسى الرضا - عليهم آلاف التحية والثناء - آخر جمعة من شعبان، وعنده نفر
من أصحابه منهم: عبد السلام بن صالح، وصفوان بن يحيى، والبزنطي، ومحمد
ابن إسماعيل بن بزيع.
فقال: معاشر شيعتي! هذا آخر يوم من شعبان، من صامه احتسابا غفر له.
فقال له محمد بن إسماعيل: يا بن رسول الله! فما نصنع بالخبر الذي يروي
النهي عن استقبال رمضان بيوم أو يومين؟
فقال عليه السلام: يا بن إسماعيل! إن رمضان، اسم من أسماء الله عز وجل، وهو
مضاف إليه.
فقال محمد بن إسماعيل: فهل يجوز لأحد أن يقول: استقبلت شهر رمضان
بيوم أو يومين؟
قال: لا، لأن الاستقبال إنما يقع لشئ موجود يدرك، فأما ما لم يخلق،
فكيف يستقبل.

(1) الكافي: 5 / 471 ح 4.
(2) الكافي: 5 / 471 ح 4.
502

فقال: يا بن رسول الله! شهر رمضان، وإن لم يخلق قبل دخوله، فقد وقع
اليقين بأنه سيكون.
فقال: يا محمد! إن وقع لك اليقين بأنه سيكون، فكيف وقع لك اليقين بأنه
سيكون، وربما طالت ليلة أول يوم من شهر رمضان حتى يكون صبحها يوم
القيامة، فلا يكون شهر رمضان في الدنيا أبدا) إلى آخر الحديث.
ونقلنا الحديث بطوله في الجملة لما ننبهك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وثالثا: إن ما استدل به من السند الثالث بمكان من الضعف، وربما يظهر من
بعض كلماته أنه تبع بعض من سبقه في الاستدلال.
وعلى أي حال، فهو في غاية الاختلال، لأنه رواه في الكافي في كتاب
الأطعمة، في باب إن ابن آدم أجوف لابد له من طعام: (عن محمد بن يحيى،
عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه،
جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم، عن الوليد، عن مولانا أبي
عبد الله عليه السلام) (1).
والنسخة لا تخلو عن الاعتبار، والسند مكتوب فيها على حذو سائر
الأسانيد المطلقة من دون التقييد بابن بزيع، فالمظنون بالظن المتاخم للعلم، بل
المقطوع، أن النسخة المقيدة مغلوطة.
وذلك، لعدم التقييد في النسخة الموجودة، مضافا إلى اتفاق هذا السند من
بداية الكافي إلى نهايته من دون التقييد.
وان شئت تفصيل الحال والجزم بالمقال، فاستمع لما يتلى عليك، وهو أنه
يروي الكليني، عن الوسائط المذكورين ومن يحذو حذوهم، على أنحاء.

(1) الكافي: 6 / 287 ح 7.
503

الأول: ما يروي بطريق واحد، وهو على وجوه:
أحدها: ما يروي: (عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن
أبي عمير).
كما في باب فضل إطعام الطعام (1).
وباب إن الذي يقسم الصدقة شريك صاحبها في الأجر (2).
وباب ما جاء في فضل الصوم (3). إلى غير ذلك من الأبواب التي لا تحصى.
والوجوه الأخر: ما يروي تارة: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير) كما في باب ما يجوز من الوقف والصدقة (4).
وأخرى: عن غيره بالطرق المتعددة، إلا أنه كسابقها غير مربوط بالمقام.
الثاني: ما يروي بطريقين، وهو على وجوه:
أحدها: ما يروي: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل عن
الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير) كما في باب تحليل الميت (5) وباب
الوصال وصوم الدهر (6) وباب من يموت وعليه من صيام شهر رمضان (7)
وباب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين (8) وباب القرض (9) وباب

(1) الكافي: 4 / 51 ح 7.
(2) الكافي: 4 / 18 ح 3.
(3) الكافي: 4 / 63 ح 5.
(4) الكافي: 7 / 30 ح 1.
(5) الكافي: 4 / 36 ح 1.
(6) الكافي: 4 / 96 ح 3.
(7) الكافي: 4 / 123 ح 1.
(8) الكافي: 4 / 138 ح 1.
(9) الكافي: 4 / 34 ح 2.
504

الكلالة (1) وباب إقرار بعض الورثة بدين (2) إلى غير ذلك من الأبواب.
وثانيها: ما يروي: (عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، ومحمد بن
إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير) (3).
وثالثها: ما يروي: (عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار،
ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان) (4).
كما في باب الرجل يتزوج المرأة فيطلقها (5) وباب المرأة التي تحرم على
الرجل ولا تحل أبدا (6).
ورابعها: ما يروي: (عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، ومحمد
ابن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان).
كما في باب من تكلم في صلاته (7) وباب الصلاة خلف من يقتدى به (8)
وباب قصاص الزكاة بالدين (9).
الثالث: ما يروي بطرق ثلاثة وهو على وجوه أيضا:
أحدها: ما يروي: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل،

(1) الكافي: 7 / 99 ح 3.
(2) الكافي: 7 / 197 ح 1.
(3) الكافي: 4 / 122 ح 4.
(4) الكافي: 2 / 538 ح 3.
(5) الكافي: 5 / 422 ح 4.
(6) الكافي: 5 / 427 ح 3.
(7) الكافي: 3 / 356 ح 4.
(8) الكافي: 3 / 377 ح 1.
(9) الكافي: 3 / 588 ح 1.
505

عن الفضل بن شاذان، وأبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن
صفوان).
كما في باب من أعتق وعليه دين (1).
وثانيها: ما يروي: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن
أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا
عن حماد بن عيسى).
كما في باب صلاة الملاحين والمكارين (2)، وباب المسافر يقدم ليلا (3)،
وباب القيام والقعود في الصلاة (4)، وباب ميراث المماليك (5)، إلى غير ذلك
من الأبواب.
وثالثها: ما يروي: (عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار،
ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأبي العباس محمد بن جعفر
الرزاز، عن محمد بن عيسى). كما في باب ما يجوز من الوقف والصدقة (6).

(1) الكافي: 7 / 26 ح 1.
(2) الكافي: 3 / 436 ح 1.
(3) الكافي: 3 / 435 ح 1.
(4) الكافي: 3 / 334 ح 1.
(5) الكافي: 7 / 146 ح 1.
(6) الكافي: 7 / 130، باب ما يجوز من الوقف والصدقة. ما وجدنا هذا السند بعينه في
الباب المذكور ولا في غيره من الأبواب، نعم في باب المرأة يبلغها موت زوجها أو طلاقها
فتعد ثم تزوج (6 / 149 ح 1): (أبو العباس الرزاز محمد بن جعفر، عن أيوب بن نوح، وأبو
على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان،
جميعا عن صفوان...).
كذا روى بطرق أربعة كما في باب إن المطلقة ثلاثا لا سكنى لها، (6 / 104 ح 1): أبو
العباس الرزاز، عن أيوب بن نوح، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن
إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وحميد بن زياد، عن ابن سماعة، كلهم عن صفوان بن يحيى...)
. كذا في 6 / 132 ح 9 و 143 ح 5.
506

فترى في هذه الأسانيد المتعددة التي يروي الكليني، عن محمد بن
إسماعيل، عن الفضل، بأقسامها من دون التقييد بابن بزيع، بل مع عدم التقييد
به في خصوص هذا السند الأجوفي الذي جعله المستدل مستندا لمرامه وحجة
لكلامه، فكيف يصح القول بالتقييد المزبور، ويرتفع به المحذور بواسطة
هذه الرواية الواحدة، بل المغلوطة؟!
ومن العجيب أنه قد أكثر في الاستناد إليها في غير موضع، واستنتج منها
نتائج، ومع ذلك قد اعترض على المنتقى فيما جرى على أن ابن بزيع من
مشايخ الفضل، ويدل عليه الرواية المعتبرة في العيون بأنها رواية نادرة
لا ينبغي التمسك بها، فإن لم يصح الاستناد إليها لوحدتها، فعدم الصحة بالرواية
الواحدة المغلوطة أولى.
ثم إن من العجب، استدلاله بكثرة روايته عن الفضل، وهو مبني على أنه
المراد من المبحوث عنه، وهو أول الكلام.
والأعجب، تأييده بأن له مائة وثمانين كتبا، وليس لابن بزيع إلا كتابا في
الحج، مع أنك سمعت أنه ذكر شيخ الطائفة في الفهرست: (أن له كتبا منها: كتابه
في الحج) (1).
هذا، مضافا إلى ما يظهر من التتبع في الأبواب من الكافي وغيره، كثرة
رواياته فضلا عما يظهر من رواية فضائل الأشهر، كما مر قوة علميته وظهور

(1) الفهرست: 155 رقم 691.
507

اختصاصه.
ثم أقول: إن الظاهر أن السند المذكور في كلامه لا يخلو من اختلال آخر
وهو أن الظاهر أنه من باب الوجه الثاني من القسم الثالث، في الرواية عن
محمد بن إسماعيل، عن الفضل.
والصحيح فيه: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، ومحمد بن
إسماعيل، عن الفضل) كما يشهد عليه ملاحظة نظائره.
الثالث: إنه روى الصدوق في كتاب التوحيد: (عن محمد بن الحسن بن
الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع) (1).
وقد نص غير واحد من أهل العلم بالرجال، بأن سهل بن زياد داخل في
عدة الكليني، وأنه يروي عنه بلا واسطة أيضا وفي العيان ما يغني عن الخبر.
روى الكليني، عن سهل بلا واسطة كما في التهذيب، في باب الزيادات بعد
باب الصلاة (2) وفي آخر باب الطواف (3) وفي الكافي في آخر باب الخواتيم:
سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى (4) وفي باب حد حفر القبر: سهل بن زياد،
قال روى أصحابنا ثم قال: سهل، عن بعض أصحابه، عن أبي همام (5).
والطبقة لا ينافي رواية الكليني عن سهل، كما أنه لا تنافي بين رواية الراوي
عن شيخه بلا واسطة ومعها.

(1) كتاب التوحيد: 98.
(2) التهذيب: 3 / 206 ح 491.
(3) التهذيب: 5 / 134 ح 442.
(4) الكافي: 6 / 470 ح 17.
(5) الكافي: 3 / 166 ح 2.
508

أقول: قوله: (نص غير واحد...) لعمري إنه اشتباه عجيب، وسهو غريب،
لظهور أن العدة بأشخاصها الثلاثة المشهورة، أشخاص محصورون، لم يقل
أحد بدخول سهل بن زياد فيهم.
نعم، إن من الواضحات، أنه أحد الأشخاص الذين يروون العدة الخاصة
منه.
وإن شئت قلت: العدة الثالثة منه، فالكليني يروي بتوسط جماعات عن
جماعة منهم: سهل بن زياد. فالجماعات الذين يروي الكليني عنهم بلا واسطة
لا يدخل فيهم سهل بلا إشكال. فتأمل.
وثانيا: قوله: (روى الكليني عن سهل بلا واسطة)، الظاهر أن الغرض منه ما
رواه في التهذيب في الباب المذكور: (عن محمد بن يعقوب، عن سهل بن
زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر) (1).
فمقتضاه رواية الكليني، عن سهل، بلا واسطة، إلا أن الظاهر، أن غلط
النسخة ألجأه إلى ذلك، فإن في النسخة الموجودة من التهذيب، ما لفظه:
(محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن، وغيره، عن سهل بن زياد، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر) (2).
كما هو الحال في النسخة الموجودة من الكافي الذي هو الأصل المنقول
عنه (3).
ومن العجيب أنه مع تمهره كيف اكتفى في هذه المقامات بالمنقول من دون

(1) التهذيب: 3 / 214 ح 523.
(2) المصدر.
(3) الكافي: 3 / 437 ح 3. كذا في الاستبصار: 1 / 231 ح 14.
509

الرجوع إلى الأصول وكان الأحسن الاستناد إلى ما رواه في التهذيب، في
آخر كتاب الصلاة، قبل باب الزيادات، ففيه: (محمد بن يعقوب، عن سهل بن
زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة (1) إلا أن الظاهر سقوط
الواسطة من قلم الشيخ أو النساخ، لرواية الكليني الخبر المذكور في باب نادر
بعد باب جنائز الرجال والنساء: (بتوسط العدة، عن سهل بن زياد، عن
إسماعيل) (2).
وأما ثالثا: قوله: في آخر باب الطواف، ففيه: (أنه وإن روى في التهذيب،
في الباب، بقوله: (محمد بن يعقوب، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد،
عن مثنى، عن زياد) (3).
وروى في الكافي في باب نوادر الطواف بالوجه المذكور، فروى: (عن
سهل بن زياد، عن أحمد، عن مثنى، عن زياد) (4).
إلا أن هاهنا دقيقة لا ينبغي الغفول عنها، وقد غفل عنها المستدل، بل الشيخ
في التهذيب أيضا، وهي: أنه قد روى في الكافي قبل السند المذكور:
(عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن
عبد الكريم، عن أيوب) (5).
ومن المعلوم أن الخبر مبني على الخبر السابق، فهو من باب التعليق
المصطلح عند أهل الدراية، فالغرض الرواية عن سهل، بتوسط العدة، اكتفاء

(1) التهذيب: 3 / 206 ح 38.
(2) الكافي: 3 / 176 ح 2.
(3) التهذيب: 5 / 134 ح 114.
(4) الكافي: 4 / 420 ح 1.
(5) الكافي: 4 / 427 ح 3.
510

عن ذكر العدة في اللاحق بالذكر في السابق.
ويقرب إليه ما في باب الخواتيم المعنون، في كتاب الزي والتجمل، فقد
روى في الخبر السابق عليه: (عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن
خالد عن محمد بن علي العرزمي - فقال - سهل بن زياد، عن محمد بن
عيسى) (1).
ومن المحتمل قويا أن يكون من باب التعليق، نظرا إلى أغلبية الرواية عنه
بتوسط العدة.
وأما رابعا: قوله: (ما رواه في باب حد حفر القبر...) (2).
ففيه: إن سوق كلامه غير سوقه في الأكثر، من ذكر الأخبار المسندة، فإنه
قال بعد العنوان المذكور: (سهل بن زياد، قال: روى أصحابنا إن حد القبر إلى
الترقوة وقال بعضهم: إلى الثدي وقال بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب
على رأس من القبر.
وأما اللحد، فبقدر ما يمكن فيه الجلوس، قال: ولما حضر علي بن
الحسين عليهما السلام الوفاة، أغمي عليه فبقي ساعة ثم رفع عنه الثوب ثم قال: الحمد
لله الذي أورثنا الجنة،...) (3).
وسياقه كما ترى نقل قول الأصحاب وذكر هذا الخبر المرسل، فبعد ظهور
الإسقاط من بعد فيحتمل قويا مثله من قبل، وقد وقع ذكر المراسيل في
الكافي، بل ربما عنون بابا وذكر فيه مقدارا وافيا بطريق الفتوى.

(1) الكافي: 6 / 470 ح 16 وفيه: عن محمد بن علي، عن العرزمي.
(2) الكافي: 3 / 166 ح 2.
(3) الكافي: 3 / 165 ح 1.
511

وما ربما يتوهم: من أنه لا يذكر فيه إلا الأخبار المسندة، فمن التوهمات
الفاضحة الباردة.
ثم إنه ذكر المستدل لاثبات مرامه وجوها عشرة في رسالته المعمولة.
وأجبنا عن الجميع في تعليقاتنا عليها، واقتصرنا على الأمتن منها في
المقام، ومن أراد الاستيفاء استدلالا وجوابا، فليرجع إليها. فلم يثبت ما
يقتضي الحمل عليه، مضافا إلى أنه يمانعه كل الممانعة ويبعده في الغاية أنه
يروي في الكافي عن ابن بزيع كثيرا بواسطتين.
إما مطلقا: كما في باب استواء العمل: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن
محمد، عن محمد بن إسماعيل) (1).
وفي باب إلطاف المؤمن وإكرامه: (محمد بن يحيى، عن محمد بن
الحسين، عن محمد بن إسماعيل) (2).
وفي باب التقية: (أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد
ابن إسماعيل، وغيرها) (3).
وإما مقيدا: كما في باب حقيقة الأيمان واليقين: (عدة من أصحابنا، عن
أحمد ابن محمد بن خالد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع) (4).
وفي باب الورع: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
إسماعيل ابن بزيع) (5).

(1) الكافي: 2 / 83 ح 6.
(2) الكافي: 2 / 207 ح 7.
(3) الكافي: 2 / 221 ح 23.
(4) الكافي: 2 / 52 ح 1.
(5) الكافي: 2 / 77 ح 6.
512

وفي باب المداراة: (أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع) (1).
وقد يروي عنه بثلاث وسائط:
كما في باب ما نص الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم على الأئمة عليهم السلام:
(الحسن بن محمد، عن علي بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع) (2).
وفي باب الركوع: (الحسين بن محمد، عن عبد الله بن عامر، عن علي بن
مهزيار، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع) (3).
بل يروي في غير مورد: عن الحسين بن سعيد، بتوسط الجماعة، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، ويروي الحسين، عن ابن بزيع، فهو في الطبقة الثانية، بل
الثالثة، بل الرابعة، فمن البعيد في الغاية، الرواية عنه مع عدم الواسطة.
وأيضا، روى في الكافي، في باب السجود والتسبيح والدعاء، فيه بتوسط
الجماعة: (عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد (4)، ويروي
الحسين بن سعيد، عن ابن بزيع) كما في الباب الأول من الاستبصار (5).
فمن البعيد في الغاية، مع كونه في المرتبة الرابعة، روايته عنه بلا واسطة،
مضافا إلى أنه لو كان من يروي عنه بواسطتين فما زاد، متحدا مع من يروي
عنه بلا واسطة لأتفق التقييد بابن بزيع، في سند من الأسانيد فيمن يروي عنه

(1) الكافي: 2 / 117 ح 4.
(2) الكافي: 1 / 286 ح 1.
(3) الكافي: 3 / 320 ح 5.
(4) الكافي: 3 / 324 ح 12.
(5) الاستبصار: 1 / 9 ح 11.
513

بلا واسطة، كما أنه يروي المروي عنه بلا واسطة عن الفضل، ولو كان المروي
عنه من القسمين متحدا، لوقعت رواية عن المروي مع الواسطة عن الفضل، مع
ظهور عدمه كسابقه، على أنك قد عرفت أنه يروي عن ابن بزيع، بتوسط أبي
علي الأشعري، عن عبد الجبار.
ويروي عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل، على حذو روايته عن أبي
علي الأشعري، عن عبد الجبار، كما تقدم في غير مورد من الأسانيد.
وبعبارة أخرى: روايته عن الأشعري وعبد الجبار، في الرواية عن ابن بزيع
بحسب الطول، وعن النيسابوريين بحسب العرض، فهو شاهد قوي بالمغايرة
وبعد زياد الأول وقرب الثاني مع الراوي.
وبالجملة: فقد أجاد جدنا السيد العلامة - رفع الله تعالى في الخلد مقامه -
فيما ذكر من أنه لا شبهة في فساد دعوى ابن بزيع وإن أصر الفاضل المعاصر
في إثبات دعواه، من إثبات المقتضي ورفع الموانع، إلا أن من تأمل في
تعليقاتنا على الرسالة، يظهر له أنه ليس شئ منها بشئ.
514

المبحث الثاني في تحقيق حاله
والظاهر أنه الثقة الأمامي الجليل والعالم العامل النبيل.
ويشهد عليه: ما تقدم من استظهار أنه من مشايخ إجازة الكليني، والظاهر
أن مشايخ الإجازة كانوا في كمال الوثاقة والعدالة، كما يدل عليه الاعتبار
والغلبة والتصريح به من جماعة.
منهم: الشهيد الثاني في الدراية، فإنه قد نص بعدم حاجتهم إلى التنصيص
بالعدالة، استنادا إلى ما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وورعهم (1).
وعن بعض: (أنه لا ينبغي الريب في عدالتهم).
هذا، مضافا إلى ما في إكثار مثل الكليني في الكافي من الرواية عنه من
البدو إلى الختام من الدلالة على المرام، وقيل: إنه روى عنه ما يزيد على
خمسمائة حديث.
ومن هنا ما ذكره السيد الداماد في الرواشح، تارة: من أن جلالة أمره عند
المتمهر الماهر أعرف من أن يوضح ويبين (2).

(1) الدراية: 192.
(2) الرواشح: 77.
515

وأخرى: أنه المتكلم الفاضل المتقدم البارع المحدث، تلميذ فضل بن
شاذان، الخصيص به.
وثالثة: أنه شيخ، كبير، فاضل، جليل القدر، معروف الأمر، دائر الذكر بين
أصحابنا المتقدمين في طبقاتهم وأسانيدهم وإجازاتهم.
والشيخ ذكره في كتاب الرجال في باب (من لم يرو عنهم عليهم السلام) فقال:
(محمد بن إسماعيل، يكنى أبا الحسن النيسابوري، يدعى بندفر (1) ومكي بن
علي بن سختويه، فاضل (2).
موردا على ابن داود، من أن من التصحيفات المعنونة الواقعة له، أنه ظن إن
قوله (مكي بن علي...)، ترجمة أخرى منفصلة عن سابقه، والوصف متعلق
بالثانية خاصة، غافلا عن الواو العاطفة (3).
ولكن لا يخفى أن الظاهر ما جرى عليه ابن داود، لغلبة انفصال اللاحق عن
السابق وتوصيف الموصوفين بالأوصاف في تراجيمهم خاصة وتثنية
الأوصاف، أو جمعها في صورة، وتوصيف غير الأول، على أنه لا دليل على ما
عزى إليه، فإنه إنما ينتهض لدى سكوته بالتوصيف عند التعرض للسابق، مع
أنه لم يتعرض له رأسا إلا أن يقال إنه استفاده من نفس عدم التعرض، فإنه لما
ظن الانفصال، فيلزمه عدم الاتصاف، فيلزمه عدم التعرض، لأن بناءه على
ذكر الممدوحين، فتأمل.

(1) رجال الطوسي: 496، رقم 30.
(2) رجال الطوسي: 496، رقم 31.
(3) النسخة المطبوعة خالية عن الواو العاطفة وفى النسخة المخطوطة المعتبرة
المكتوبة سنة 533، هكذا: (محمد بن إسماعيل يكنى أبا الحسن نيسابوري يدعى بندفرو
مكي بن علي سختويه).
516

وكيف كان، ومما ذكرنا يظهر وصف الحديث من جهته، فإن الظاهر اتصافه
بالصحة، وفاقا للسيد الداماد (1) والفاضل البحراني (2) وتبعهما جدنا السيد
العلامة.
وينصرح العدم، من جماعة: كالسيد السند التفرشي، بل هو صريح كلامه (3)
والسيد السند صاحب المدارك (4) والعلامة المجلسي في البحار (5) فإنهما
قد حكما بجهالة حاله كما ستعرف، والفاضل السبزواري في الذخيرة، فإنه ذكر
عند الاستدلال للقول بالمضائقة في القضاء، ومنها:
ما رواه الشيخ والكليني: (عن زرارة بطريقين، أحدهما: من الحسان،
لإبراهيم بن هاشم، والاخر من الضعاف، لمحمد بن إسماعيل الراوي عن
الفضل بن شاذان) (6).
وقال أيضا بعد ذكر استدلال المحقق ومن تبعه على وجوب تقديم الفائتة
الواحدة برواية صفوان: وعدها جماعة من الصحاح، وهو غير صحيح، لأن
في طريقها: محمد بن إسماعيل عن الفضل، وقد مر أنه غير ثقة ولا ممدوح (7).

(1) الرواشح: 72.
(2) الحدائق الناضرة: 6 / 339.
(3) نقد الرجال: 293. قال في الهامش: (وبالجملة: محمد بن إسماعيل الذي يروي
عنه الكليني بلا واسطة، ليس من الثقات عندي. والله أعلم).
(4) مدارك الأحكام: 3 / 263.
(5) البحار: 85 / 89. قال: (ولا يضر جهالة محمد بن إسماعيل، لكونه من مشايخ
إجازة كتاب الفضل).
(6) ذخيرة المعاد: 211.
(7) ذخيرة المعاد: 213.
517

ويقرب إليه ما ذكره في موضع آخر (1).
ومما ذكرنا، بان أن ما ذكره جدنا السيد العلامة من: أنا لم نجد من قدح
في الحديث، لأجله عدا الفاضل المسمى الخراساني، ليس على ما ينبغي.
وكيف كان، قد استدل جدنا السيد العلامة للمختار بوجوه:
أحدها: تصحيح العلامة (2) وابن داود (3) طريق الشيخ إلى الفضل وهو فيه،
فإنه ذكر في المشيختين: (وما ذكرته عن الفضل بن شاذان، فقد رويته عن
الشيخ المفيد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون، كلهم عن أبي محمد
الحسن بن حمزة العلوي، عن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري).
قال: (وروى أبو محمد الحسن بن حمزة، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن
الفضل بن شاذان).
وقال أيضا: (وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن، عن أبي عبد الله، عن
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان) (4).
وقال أيضا: (ومن جملة ما ذكرته عن الفضل، ما رويته بهذه الأسانيد، عن
محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن
الفضل) (5).
وفي الطريق الأول: ابن قتيبة. وفي الثانيين والرابع: إبراهيم بن هاشم

(1) ذخيرة المعاد: 26، 202 و 230.
(2) الخلاصة: 276: الفائدة: 8.
(3) رجال ابن داود: 308.
(4) الاستبصار: 4 / 341، (قسم المشيخة).
(5) التهذيب: 10 / 47 (قسم المشيخة)، الاستبصار: 4 / 315 (قسم المشيخة).
518

وحديثهما معدود في الحسان فيتعين أن تكون الصحة باعتبار الطريق الأخير،
وهو في قوة التوثيق منهما.
أقول: إن مقتضى كلامه تسلم عد أحاديث الثاني من الحسان، مع أنه
خلاف التحقيق، ومختار ثلة من الأعيان ومنهم المستدل في رسالته المعمولة.
فمن المحتمل قويا: أن يكون التصحيح من جهته لا من جهته، كما جرى
المصحح على تصحيح جملة من الطرق وهو فيها، كما استدل به المستدل في
الرسالة إليه، فقال: إن العلامة صحح طريق الصدوق إلى جملة من الرواة، منهم:
عامر بن نعيم وكردويه وياسر (1) والطرق مشتملة عليه، والحكم بالصحة من
أمثاله حكم بالوثاقة على الإطلاق لتمام السلسلة، فهو في قوة الحكم بوثاقة
إبراهيم بن هاشم وهو المطلوب.
ويقربه ما ذكر في ترجمته من حديث النشر (2) كما مر، مضافا إلى أنه مع
ذلك ربما يلوح منه تأمل في وثاقته في الخلاصة وإن رجح قبول قوله (3) وهذا
بخلاف النيسابوري، فإنه غير معنون فيه، فضلا عن توثيقه، وحينئذ فكيف
يتجه كون التصحيح من جهته.
سلمنا، ولكنه مبني على ثبوت كون الراوي المبحوث عنه عند المصحح هو
النيسابوري دون البرمكي وغيره. وكونه من سلسلة الرواة لا من مشايخ

(1) الخلاصة: 278.
(2) إشارة إلى قول النجاشي فيه: (وأصحابنا يقولون: أول من نشر حديث الكوفيين
بقم، هو). رجال النجاشي: 16 رقم 18.
(3) الخلاصة: 4 رقم 9. قال فيه: (ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه
ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله).
519

الإجازات، واحتمال الابتناء على أحد من الأمرين، فضلا عن كليهما، لسقط
الاعتبار من البين وأنى له بالاثبات.
هذا، بالإضافة إلى ما في غالب كلماته من الاختلال الموجب لعدم الوثوق
لما جرى على سرعة السير في التصنيف في غالب الأحوال.
ومنه: ما تقدم من تصحيحه الطريق المشتمل عليه تارة وتحسينه أخرى،
وتحسينه مع الاقتران بما يقتضي التصحيح ثالثة، وغيرها رابعة.
كما أنه صرح المستدل في بعض كلماته: بأن مثل هذه الموارد يشكل
الحكم بالوثاقة، تعويلا على محض الفحص، ومنه يظهر ما في كلمات
المستدل من الاختلال والاضطراب أيضا.
هذا، وعلى المنوال المذكور، الحال في ابن قتيبة، فإن مقتضى كلامه تسلم
ما ذكر في أحاديثه، مع أنه غير مسلم أيضا، ومن ثم جعله السيد السند الداماد
في كلامه الثاني رديفا للنيسابوري في الجلالة.
فقال: (طريق أبي جعفر الكليني وأبي عمرو الكشي وغيرهما من رؤساء
الأصحاب وقدمائهم، إلى أبي محمد الفضل بن شاذان النيسابوري من
النيسابوريين، الفاضلين، تلميذيه وصاحبيه أبي الحسن محمد بن إسماعيل
وأبي الحسن علي بن محمد القتيبي وحالهما وجلالة أمرهما) (1). إلى آخر ما
مر.
وصرح بصحة تحديثه أيضا على ما تقدم في شقيقه، كما عن الفاضل
الجزائري، ذكره في قسم الثقات (2)، مع ما عرف من طريقته، كما عن الفاضل

(1) الرواشح: 72.
(2) الحاوي: 127 رقم 486. (المخطوط).
520

الكاظمي في المشتركات (1) التصريح بوثاقته.
ويؤيده، رواية كتابه، أحمد بن إدريس الثقة الفقيه الصحيح الرواية، بشهادة
النجاشي (2).
ورواية أحمد بن عبدوس النيسابوري الذي هو من مشائخ الصدوق.
ولو قيل: إن ما ذكر من التوثيق وغيره، من المتأخرين، وأما القدماء
وعمادهم، النجاشي، لم يظهر من كلامه فيه سوى ما يقتضي المدح، فإنه ذكر
بعد عنوانه: (أنه اعتمد عليه الكشي وصاحب الفضل ونحوهما) (3).
ومن المظنون، بل المقطوع، أن أخباره كان عنده من الحسان بملاحظة
ما ذكر.
قلنا: سلمنا، ولكن يلزم حينئذ ملاحظة مفاد كلماتهم في حال محمد بن
إسماعيل النيسابوري
، ونرى أنه غير معنون في كلماتهم، فضلا عن ترجيح
قبول رواياته أو توثيقه، فيعود المحذور المزبور.
ثم إنه أورد على ابن داود، بأن هذا التصحيح ينافي تأمله في صحة رواية
الكليني عن محمد بن إسماعيل، استشكالا في اللقاء، بل قال: فتقف الرواية
لجهالة الواسطة (4).

(1) الحاوي: 127 رقم 486. (المخطوط).
(2) رجال النجاشي: 92 رقم 228. قال: (أحمد بن إدريس بن أحمد أبو علي الأشعري
القمي، كان ثقة، فقيها في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية).
(3) رجال النجاشي: 330 رقم 893.
(4) رجال ابن داود: 306، التنبيه الأول.
521

وأجيب عنه (1) بأن مقتضى قوله: (وما ذكرته عن الفضل بن شاذان...) (2)
أن جميع ما رواه عن الفضل، لا يخلو عن الطرق المذكورة، لكن مقتضى قوله:
(ومن جملة ما ذكرته...) (3) أن بعض ما رواه عن الفضل، بالطريق المذكور.
والظاهر من تصحيح الطريق، تصحيح الطريق الدائم، فتصحيحهما غير
واردين فيما رواه عن الفضل، بطريق مشتمل على النيسابوري فلا منافاة
فيما صنعه.
أقول: وفي كل من الإيراد والجواب نظر:
أما الأول: فلما عرفت من عدم الدليل على أن مبني التصحيح، لحاظ
الطريق الأخير بالإضافة إلى المبحوث عنه، بل غيره أقرب إليه، لما مر، بل
لا يبعد أن يقال بالتعين، لما في خلافه من الأشكال.
وأما الثاني: فلأن انتهاضه إنما يتوقف على أمور: من صحة غير الطريق
الأخير على ما مر وثبوت الأشكال فيه، واستظهار ابتناء التصحيح على
تصحيح الطريق الدائم وفرض الصحة خلاف المفروض في الأشكال، مع أنه
لا حاجة حينئذ إلى التشبث بذيل هذه الدقيقة، لكفاية الاحتمال في رفع
الأشكال، وفرض الخلاف فيه كر على ما فر.
وثانيها: إطباق العلماء على ما حكاه بعض الأجلة على تصحيح الحديث
الذي يروي ثقة الإسلام رحمه الله عنه.

(1) هو الوالد المحقق المدقق في المجلد الثاني من البشارات، فإنه قد تعرض فيه
لجملة من المطالب الرجالية. (منه رحمه الله).
(2) الاستبصار: 4 / 341 (قسم المشيخة).
(3) التهذيب: 10 / 47 (قسم المشيخة) والاستبصار: 4 / 315 (قسم المشيخة).
522

وقد استدل بعض علماء الرجال على وثاقة بعض الرجال الغير الموثق،
بحكم العلامة في بعض كتبه الفقهية بصحة الحديث الذي هو في سنده، فيما إذا
أكثر بحيث لم يحتمل الغفلة، فكيف فيما إذا اتفق العلماء على صحة الحديث،
كما علمت من بعض الأجلة.
قال: ومن تتبع كتب الأصحاب، يظهر له صحة الدعوى، وممن اطلعت عليه
من القاضين بصحة حديثه: العلامة في المختلف (1) والمنتهى (2) والتذكرة (3)
والفاضل المقداد في التنقيح (4) والشهيد في الذكرى (5) والمحقق الثاني
في جامع المقاصد (6) والشهيد الثاني في الروض (7) والمقدس الأردبيلي
في مجمع الفائدة والبرهان (8).
وإن أردت أن تطلع على صدق المقال، فانظر في جميع الكتب المذكورة
في مسألة جواز الاجتزاء بالتسبيحات الأربع مرة واحدة.
وممن حكم بصحة حديثه مضافا إلى من تقدم: صاحب المدارك (9)

(1) مختلف الشيعة: 92.
(2) المنتهى: 1 / 275.
(3) التذكرة: 1 / 116.
(4) التنقيح الرائع: 1 / 205.
(5) الذكرى: 188.
(6) جامع المقاصد: 2 / 256 (طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام).
(7) روض الجنان: 261 والروضة (شرح اللمعة الدمشقية): 1 / 595.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 2 / 207.
(9) مدارك الأحكام: 3 / 378.
523

والبحار (1) في مباحث الركوع، في الدعاء الذي بعد الانتصاب منه، حيث
حكما كغيرهما، بصحة الحديث الذي دل على أن وظيفة المأموم حينئذ
التحميد.
أقول: أما ما ذكره من تصحيح المدارك (2) الحديث الدال على استحباب
التحميد، فهو جيد، لتصريحه به، إلا أن الظاهر من المنشأ، ليس اعتقاد وثاقة
النيسابوري، بل عدم إضرار جهالته، كما يكشف عنه ما ذكره عند الكلام في
المسألة الأولى.
فإنه بعد ما نقل الحديث الدال على الاجتزاء بالإطلاق، قال: (وربما يظهر
من كلام الكشي أن محمد بن إسماعيل هذا، يعرف بالبندقي وأنه نيسابوري
فيكون مجهولا، لكن الظاهر أن كتب الفضل كانت موجودة بعينها في زمن
الكليني، وأن محمد بن إسماعيل هذا، إنما هو لمجرد اتصال السند، فلا يبعد
القول بصحة رواياته كما قطع به العلامة وأكثر المتأخرين (3).
هذا، ولا يخفى للخبير ما في كلام صاحب المدارك.
وأما ما ذكره من تصحيح البحار، ففيه: - مضافا إلى أنه حكى كلام بعض
أفاضل المتأخرين المقصود به المصحح المتقدم - أن الظاهر منه ما تقدم من

(1) البحار: 75 / 89 ح 7.
(2) قال في المدارك بعد نقل قول المحقق - وأن يقول بعد انتصابه، سمع الله لمن حمده
وأن يدعو بعده -: يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: (ثم قل سمع الله لمن حمده وأنت
منتصب قائم: الحمد لله رب العالمين، أهل الجبروت والكبرياء والعظمة، الحمد لله رب
العالمين، تجهر بها صوتك وترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا). (منه عفي عنه). راجع
مدارك الأحكام: 3 / 398 والكافي: 3 / 319 ح 2 والتهذيب: 2 / 77 ح 289.
(3) مدارك الأحكام: 3 / 380.
524

المتقدم، فإنه ذكر أيضا في المسألة المذكورة، ولا يضر جهالة محمد بن
إسماعيل، لكونه من مشايخ إجازة كتاب الفضل (1).
والظاهر أن تصحيح غيرهما لما ذكرناه، دون ما ذكره بشهادة الكلامين
المذكورين وما يستفاد من كلام صاحب المدارك.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلامه في المطالع: من أن الحق الحقيق بالتحقيق،
أنه ثقة. فيكون معدودا في الصحاح وفاقا لفحول الأصحاب كالعلامة (2)
والشهيد (3) والمحقق الثاني (4) والمولى الأردبيلي (5) والمحققين السميين
الداماد (6) والمجلسي (7) وغيرهم، فإن الظاهر أن منشأ النسبة ما عرفت
وقد عرفت ضعفه.
وأما ما ذكره الفاضل العناية (8) من أن منشأ التصحيح الترديد بين ابن بزيع
الموثق على الإطلاق، والبرمكي الموثق في رجال النجاشي موردا بعدم
تسليم الحصر المزبور باحتمال النيسابوري، بل هو المتعين مع أنا لو سلمناه،
لا مجال للتصحيح أيضا، لأن البرمكي مضعف في رجال الغضائري (9)،

(1) البحار: 85 / 89.
(2) مختلف الشيعة: 92، منتهى المطلب: 1 / 275 والتذكرة: 1 / 116.
(3) الذكرى: 188.
(4) جامع المقاصد: 2 / 256 (طبعة مؤسسة آل البيت).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 2 / 207.
(6) الرواشح: 70.
(7) البحار: 75 / 89 ح 7.
(8) مجمع الرجال: 5 / 155.
(9) مجمع الرجال: 5 / 150.
525

فيضعف بما عرفت في وجه التصحيح، مع ظهور التضعيف على ما مر في مقره.
وثالثها: أنه وإن لم ينص عليه في كتب الرجال بالتوثيق، لكن ذكر ممدوحا
يبلغ حده، كما عرفت من الرواشح (1) والوافي (2) وقال شيخ الطائفة في باب
من لم يرو عنهم عليهم السلام: محمد بن إسماعيل يكنى أبا الحسن (3) وفي بعض النسخ
يدعى بندفر.
أقول: لا إشكال في عدم دلالة غير الأخير، على المدعى، وأما دلالته
فسيأتي القدح فيه أيضا إن شاء الله تعالى.

(1) الرواشح: 71.
(2) الوافي: ج 1، المقدمة الثانية.
(3) رجال الطوسي: 496 رقم 30.
526

تنبيهات
الأول: أنه ذكر النجاشي: (الفضل بن شاذان بن الخليل، أبو محمد الأزدي
النيسابوري، كان أبوه من أصحاب) (1).
ومقتضاه أن والد الفضل: (شاذان) وجده: (الخليل).
وربما عزى ذلك إلى الشيخ (2) والعلامة (3) وابن داود (4) أيضا، وليس
بالوجه.
وعن الفاضل العناية في المجمع، استظهار أن الخليل والده وشاذان لقبه (5).
وتبعه الفاضل الخاجوئي (6) نظرا إلى ما رواه الكشي في ترجمة أحمد بن
أبي نصر: (عن جعفر، عن سهل، أنه قال حدثني الفضل بن شاذان، قال:
حدثني أبي الخليل الملقب بشاذان) (7).
ونحوه ما في ترجمة يونس إلا أنه ربما ينافيه ما ذكره الكشي في ترجمة

(1) رجال النجاشي: 306 رقم 840.
(2) رجال الطوسي: 402 رقم 1.
(3) الخلاصة: 132 رقم 2.
(4) ابن داود: 151 رقم 1200.
(5) مجمع الرجال: 5 / 21.
(6) الفوائد الرجالية: 184.
(7) رجال الكشي: 484 رقم 913 قاله في ترجمة (أحمد بن أبي خلف).
527

الفضل: من أنه يروي عن جماعة، منهم: محمد بن أبي عمير وصفوان - إلى أن
قال -: وعن أبيه شاذان بن الخليل.
وما رواه في الكافي، في باب فيمن رأى غريمه في الحرم: (عن العدة، عن
أحمد بن محمد، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل، عن سماعة) (1).
فتأمل هذا.
عن حواشي المجمع استظهار أن اللقب بالدال المهملة وأنه لفظ أعجمي
ويكون حالا وصفة، كما هو الحال في الألقاب وأمثاله كثيرة، مثل: فرحان و
خندان وگريان وسوزان وغيرها.
قال: وبالذال المعجمة لا يوجد لها معنى في اللغات، ولا أصل له
ولا دليل (2). وهو جيد.
الثاني: أنه روى في الاستبصار في باب النفخ في موضع السجود: (عن
محمد ابن علي بن محبوب، عن الفضل، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن
محمد بن مسلم) (3).
والظاهر أن علي بن محبوب سهو عن الشيخ أو النساخ، إذ الرواية مذكورة
في الكافي والمذكور فيه: (محمد، عن الفضل، عن حماد، عن حريز،
عن محمد بن مسلم) (4).
والمراد من المطلق فيه: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان كما يشهد

(1) الكافي: 4 / 241 ح 1.
(2) مجمع الرجال 5 / 30.
(3) الاستبصار: 1 / 329 ح 1235.
(4) الكافي: 3 / 334 ح 8.
528

عليه ذكر السند المتقدم على السند المذكور.
ففيه: (محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى،
عن إسحاق بن عمار) (1).
وهو من باب الأجمال المعلق على التفصيل المتقدم، نظير الإسقاط المعلق
على الأثبات المتقدم المتكثر في الكافي.
كما أن في السند المتقدم على السند المذكور، ذكر في التهذيب أيضا نقلا
عن الكافي: (عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن معاوية بن
عمار،...) (2).
والظاهر أنه لا ينبغي أن يستريب فيما ذكرنا.
وأما ما يقال: من أن في الرجال: الفضل بن إسماعيل الكندي ويروي عنه
محمد بن علي بن محبوب كما في الفهرست (3) فلا يبعد أن يكون الفضل هذا.
فيضعف: بأن كثرة رواية ابن إسماعيل، عن ابن شاذان، يوجب الظن
المتاخم، بل القطع بما ذكرنا، مضافا: إلى شهادة التعليقين.
وأما ما أجاب عنه في الاستقصاء: بأن ما وقع في الفهرست، موهوم، نظرا
إلى أن النجاشي ذكر في الطريق إلى الكندي (4)، محمد بن علي بن أيوب (5).
ففيه: أن من المحتمل، رواية كل منهما عن الكندي، كما يشهد عليه
اختلاف الباقي من الطريقين.

(1) الكافي: 3 / 334 ح 7.
(2) التهذيب: 2 / 302 ح 1221.
(3) الفهرست: 125 رقم 554.
(4) أي: الفضل بن إسماعيل الكندي.
(5) رجال النجاشي: 306 رقم 838.
529

ومنه يظهر أنه لا وقع لاستعجابه من المحقق الاسترآبادي في عدم التعرض
لما وقع من الاختلاف في الفهرست والنجاشي.
الثالث: أنه ذكر شيخ الطائفة رحمه الله في المصباح: (روى محمد بن إسماعيل بن
بزيع، عن صالح بن عقبة، عن علقمة، عن أبي جعفر عليه السلام: من زار الحسين بن
علي عليهما السلام في يوم عاشوراء من المحرم، حتى يظل عنده باكيا، لقي الله
عز وجل بثواب ألفي حجة وألفي غزوة،... - إلى أن قال -: قال صالح بن عقبة
وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمد الحضرمي: قلت لأبي جعفر، عليه السلام (1).
وذكر الثقة الجليل أبو جعفر محمد بن قولويه في كامل الزيارات: حكيم بن
داود وغيره، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن
سيف بن عميرة وصالح بن عقبة معا، عن علقمة بن محمد الحضرمي، ومحمد
ابن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام...) (2).
ولا إشكال في الأولين، وأما الثالث: فالظاهر أن المراد رواية الحديث
بطريقين:
أحدهما: حكيم وغيره، عن محمد بن موسى، عن محمد بن خالد عن سيف
ابن عميرة وصالح بن عقبة، عن علقمة.
والاخر: محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة، عن مالك.
والظاهر أن محمد بن إسماعيل معطوف على حكيم بن داود وكون الرواية
من باب النقل عن الكتاب.

(1) مصباح المتهجد: 715.
(2) كامل الزيارات: 174 رقم 8، باب 71.
530

فاحتمال ما ذكر وجزم جدنا السيد العلامة على عطفه على (محمد بن
خالد)، خال عن السداد.
ولقد وقع في المقام عن العلامة المجلسي في زاد المعاد، ما يدهش اللبيب،
فإنه ذكر فيه:
(وأما زيارت مشهور: شيخ طوسي وابن قولويه وغير ايشان روايت
كرده اند از سيف بن عميرة، وصالح بن عقبة وهر دو از محمد بن إسماعيل
وعلقمة بن محمد حضرمي، وهر دو از مالك جهنى، كه حضرت امام محمد
باقر عليه السلام فرمود:...) (1).
ففيه: إن رواية سيف وصالح، في كلام الشيخ إنما هي عن علقمة خاصة،
فنسبة روايتهما إليه وإلى محمد بن إسماعيل كما ترى.
كما أن علقمة هو الراوي عن مولانا الباقر عليه السلام بلا واسطة، فتوسط مالك
كما ترى.
هذا، بناء على كون المراد، ذكر السند الثاني، وحينئذ نسبته إلى ابن قولويه
كما ترى، وإلا فيصير الأمر أدهى وأمر، ووجوه المخالفة أظهر من أن يذكر،
فإنه قد أسقط من الصدر ذكر حكيم ومحمد بن موسى ومحمد بن خالد، مع أن
مقتضاه رواية سيف وصالح، عن محمد بن إسماعيل وعلقمة، وهو فاسد، فإنه
مبنى على حسبان عطف محمد على علقمة، وهو غير صحيح، لتقدم طبقته

(1) زاد المعاد: 344. وفيه: (... روايت كرده اند از صيف بن عميره وصالح بن عقبه و
هر دو از محمد بن إسماعيل وعلقمة بن محمد خضرمى و...) وفيه ما لا يخفى من الأغلاط
والتصحيف.
531

على محمد، لعد الأول (1) من أصحاب مولانا الصادق والكاظم (2) عليهما السلام
والثاني (3) من أصحاب مولانا الكاظم (4) والرضا (5) والجواد (6) عليهم السلام.
كما أن مقتضاه، رواية محمد وعلقمة، عن مالك، وهو أيضا فاسد.
على أن صريح السند، ثبوت الواسطة بين محمد ومالك، فكيف أسقط
الثابت؟
والظاهر أن الوجه فيه، أنه لما بنى على الحسبان المتقدم، فتفطن بعدم صحة
رواية محمد، عن صالح، فحسب الزيادة وأصلح به، أسقط بما أسقط وارتكب
فيه ما لا يخفى من الشطط!
هذا، مع أن إسناد الرواية إلى غيرهما غير وجيه.
وإذا بلغ الكلام إلى هذا المقام، فقد أعجبني ذكر ما يتعلق بمتن السند
المذكور، فإن فيه بيان كيفية زيارة العاشور، على حسب ما يقتضيه الحال من
الأجمال في المقال.
فنقول: إن الظاهر من الأخبار، الإتيان بالتكبير والزيارة والصلاة، كما هو
المنصرح من ثلة.
منهم: جدنا السيد العلامة، نظرا إلى ما رواه في كامل الزيارات: (عن

(1) أي: علقمة بن محمد الحضرمي.
(2) قوله: (من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام) من سهو قلمه الشريف، الصحيح (من
أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام) راجع: رجال الطوسي: 129 رقم 38 و 262 رقم 643.
(3) أي: محمد بن إسماعيل بن بزيع.
(4) رجال الطوسي: 360 رقم 31.
(5) رجال الطوسي: 386 رقم 6.
(6) رجال الطوسي: 405 رقم 6.
532

الجهني، عن مولانا الباقر عليه السلام كما تقدم، أنه قال: من زار الحسين عليه السلام - إلى أن
قال - قلت: جعلت فداك! فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه
المصير إليه في ذلك اليوم؟
قال: إذا كان ذلك اليوم، برز إلى الصحراء وصعد سطحا مرتفعا في داره
وأومأ إليه بالسلام واجتهد على قاتله بالدعاء وصلى بعده ركعتين، يفعل ذلك
في صدر النهار قبل الزوال - إلى أن قال أيضا -: إذا أنت صليت الركعتين بعد
أن تومئ إليه بالسلام، وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول) (1).
وروى في المصباح: (عن صالح، عن علقمة، عن مولانا أبي جعفر عليه السلام
- كما تقدم أيضا - قال: قلت له جعلت فداك! فما لمن كان في بعيد البلاد
وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟
قال: أنه إذا كان كذلك برز إلى الصحراء وصعد سطحا مرتفعا في داره وأومأ
إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتليه وصلى من بعد ركعتين، وليكن ذلك
في صدر النهار - إلى أن قال -: يا علقمة! إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ
إليه بالسلام، فقل عند الإيماء إليه بعد التكبير، هذا القول (2).
ولا إشكال في دلالة الصدرين على المرام.
وعلى منوالهما حال ما رواه الشيخ في المصباح أيضا: (عن محمد بن خالد
الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال
وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبد الله عليه السلام. - إلى أن قال -:
فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام

(1) كامل الزيارات: 174، رقم 8، باب 71.
(2) مصباح المتهجد: 715.
533

في يوم عاشوراء ثم صلى ركعتين - إلى أن قال -: فقال صفوان: وردت مع
سيدي أبي عبد الله عليه السلام إلى هذا المكان، ففعل بمثل الذي فعلناه في زيارتنا (1).
وإنما الأشكال في دلالة الذيلين، والظاهر ظهور دلالة الأول أيضا، نظرا
إلى أن الظاهر أن قوله عليه السلام: (وقلت عند الإيماء) معطوف على (تومئ)
لظهوره في اتحاد الإيماء وصريح الصدرين فيه.
وأما استظهار كونه جوابا للشرط فيتجه لولا ما ذكرناه، بل لا يعارضه شئ.
كما أن الظاهر قوله: (فقل) في الذيل الثاني، معطوف على تومئ لما عرفت.
ودعوى استظهار كونه معطوفا على قوله: (وصليت) لأنه لولاه للزم دخول
أن المصدرية على فعل الماضي، وكون الركعتين بعد الركعتين ضعيفة، لضعف
المستند:
أما أولهما: فلأنه لا مانع منه، ومنه قوله تعالى: (ولولا أن من الله علينا) (2).
وقوله تعالى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) (3).
كما مثل بهما في المغني له.
مضافا إلى ما يقال: من أن من تتبع الأحاديث رأى كثيرا منها لم يلاحظ
فيها القواعد المقررة في علم العربية، إما لعدم معرفة الراوي ذلك على وجهه،
أو لكون المراد ما يؤدي المعنى من غير تدقيق من ذلك.
وما أجيب عنه: بعدم إيجاب مجرد احتمال كون الأمر من باب أحد
الوجهين، الظن بالجميع، بل لو انفتح ذلك الباب، ينسد باب التعارض، لامكان

(1) المصباح المتهجد: 718.
(2) القصص: 82.
(3) الأسراء: 74.
534

حمل أحد المتعارضيين أو كليهما، على مالا يوافق القواعد المقررة، رفعا
للتعارض وقصدا للجمع، بل تنسد أبواب الاستدلال بالأخبار الخالية عن
المعارض، لاحتمال كون المراد ما لا يوافقها، بل ما لم يلاحظ فيها القواعد أقل
مما لوحظ فيها، فالمشكوك فيه يلحق بالغالب، ففيه: ما ترى.
وأما ثانيهما: فلأنه إنما ينتهض، لو سلمنا صحة العبارة، وهي ممنوعة إذ
الظاهر أن الصحيح، بعد التكبير من باب وقوع التصحيف، لظهور صدر الرواية
وغيرها على تقديم الزيارة، ووحدة الصلاة، ووقوع التكبير في
رواية المصباح واعتباره من الكفعمي في الكيفية (1) ولا مجال للتصحيح
بالعكس.
ومن العجائب: إصرار السيد الداماد على تقديم الصلاة في مطلق الزيارات
للبعيد وتأخيرها للقريب، استنادا في خصوص الزيارة المبحوث عنها إلى
رواية علقمة!
وأما محتملات صاحب البحار: فلا يخفى بعد غير واحدها من الأنظار، كما
اعترف به نفسه في المضمار.

(1) مصباح الكفعمي: 482. قال: (... فليبرز إلى الصحراء أو يصعد سطحا مرتفعا
في داره ويومئ إليه عليه السلام ويجتهد بالدعاء على قاتله، ثم يصلي ركعتين وليكن ذلك في صدر
النهار قبل أن تزول الشمس...).
535

وهنا أمور ينبغي التنبيه عليها
أحدها: أنه ينصرح من جماعة منهم العلامة المجلسي من أولوية تقديم
الزيارة المعروفة بالسادسة، نظرا إلى ما رواه الشيخ في المصباح: (عن
سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران وجماعة من أصحابنا إلى
الغري، بعد ما خرج أبو عبد الله عليه السلام فسرنا من الحيرة إلى المدينة، فلما فرغنا
من الزيارة، صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام فقال لنا: تزورون
الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام من هنا؟
- إلى أن قال -: قال صفوان: وردت مع سيدي أبي عبد الله عليه السلام إلى هذا
المكان، ففعل بمثل الذي فعلناه في زيارتنا).
والمراد من الزيارة المفروغة، زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو
مقتضى صريح الرواية المذكورة، على ما رواه محمد بن المشهدي في مزاره
نقلا.
ويضعف بأن مقتضى صدر روايتي كامل الزيارات والمصباح، صدرا وذيلا
عدم مداخلتها فيها صحة وكمالا، لانتفاء إشارة إليها فيهما، فضلا عن ظهور أو
صراحة.
537

والظاهر أن الفعل المذكور، من باب اتفاق الزيارة المبحوث عنها في
الموضع المذكور المقتضي للاتيان بها، فاتفق الاقتران واقترن الزيارتان.
ولقد أجاد من قال: إن الاحتياط بالتقديم المتقدم، من قبيل الوسواس
واحتمال سقوط سقف رص الأساس.
ثانيها: إن الصلاة خارجة عن الزيارة أم لا؟
استظهر الوالد المحقق، الأول، نظرا إلى قول مولانا أبي جعفر عليه السلام لعلقمة،
في الروايتين: (وإن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة فافعل) (1).
استظهارا من الزيارة، نفس الأقوال.
قال: وأما كون المراد مجموع الأقوال والصلاة، فهو خلاف الظاهر،
لاستعمال الزيارة فيها في كلام الأمام عليه السلام وصفوان وسيف بن عميرة.
أما الأول: فهو قول مولانا أبي عبد الله عليه السلام: (تعاهد هذه الزيارة).
وقوله عليه السلام: (يا صفوان! وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان)،
وغيرهما.
وأما الثاني: فهو قوله: (وردت مع سيدي أبي عبد الله عليه السلام إلى هذا المكان،
ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا ودعا بهذا الدعاء عند الوداع، بعد أن صلى
كما صليناه وودع كما ودعناه) (2).
وأما الأخير: فهو قوله: (فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة، عن أبي
جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء، ثم صلى ركعتين عند رأس

(1) كامل الزيارات: 179 باب 71، ح 8.
(2) مصباح المتهجد: 723.
538

أمير المؤمنين عليه السلام) (1).
أقول: لا إشكال في ظهور لفظ الزيارة فيما استظهره، وأما دعوى ظهورها
فيما ذكره من الموارد، مع فرض سبق بيان كيفية الزيارة المشتملة على الصلاة،
ففي غاية البعد.
ومن العجيب، ذكر كلام صفوان، فإنه لو لم نقل بأنه على الخلاف أدل،
فلا دلالة فيه على المرام بوجه، سوى استعمال الزيارة في الأقوال، وهو مما
لاشك فيه.
وإنما الأشكال في اشتراط الزيارة بالصلاة وعدمه، بل مثله كلام سيف، ولو
استدل بإطلاق صدر الروايتين، لكان أسد وأحرى.
ثم بعد استفادة إناطة ترتب المثوبات على الصلاة جرى على خلافها، نظرا
إلى أن مقتضى ما رواه علقمة - من قوله عليه السلام: (فإنك إذا قلت ذلك، فقد دعوت
بما يدعو به زواره من الملائكة، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة، ومحى
عنك الف الف سيئة، ورفع لك مائة ألف درجة، وكنت كمن استشهد مع
الحسين عليه السلام (2) - ترتب المثوبات الموعودة على الزيارة، مضافا إلى ظهور
إتيان الزوار من الملائكة بالزيارة نفسها.
قلت: إن قوة دلالة الروايتين في بيان الكيفية في اشتراط الصلاة تمانع عن
القول بالعدم، وظهور ما ذكره فيما اختاره، مع أنه إذا قلنا بأن المراد، إتيان
الملائكة بنفس الأقوال المذكورة، كما هو ظاهر الأخبار ويشهد به الاستبصار.

(1) مصباح المتهجد 719.
(2) كامل الزيارات: 174 ح 8.
539

فلا بعد في القول بالاتيان بالصلاة أيضا.
ويقربه ما في صحيح الحلبي: (إذا أذنت في أرض فلاة وأقمت، صلى
خلفك صفان من الملائكة، وإن أقمت ولم تؤذن صلى خلفك صف واحد) (1).
ثالثها: أن الوالد المحقق بعد ما نفى الأشكال في خروج دعاء صفوان عن
الزيارة، واستقلالها على ما تقتضيه الروايتان في ترتب الجزاء، ذكر:
إن مقتضى ما رواه صفوان، إناطة قبول الزيارة وترتب الثواب وقضاء
الحاجة به، نظرا إلى ما في المصباح: (يا صفوان! تعاهد هذه الزيارة! وادع
بهذا الدعاء، وزر به فإني ضامن على الله تعالى لكل من زار بهذه الزيارة،
ودعا بهذا الدعاء، من قرب أو بعد، أن زيارته مقبولة، وأن سعيه مشكور،
وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضية من الله تعالى بالغا ما بلغت).
ونظيره بعض فقراته الأخرى.
قال: ففي إناطة قضاء الحاجة بالاتيان به، رواية صفوان خالية عن
المعارض.
أقول: وتوضيح كلامه: أن مقتضى الروايتين، استقلال الزيارة في ترتب
الجزاء، كما أن مقتضى رواية صفوان إناطة ترتب الثواب وقضاء الحاجة به،
فهما معارضان في ترتب الجزاء، ولا يبعد ترجيح الأول، بل هو المتعين،
لتعددهما.
وأما في عنوان إناطة قضاء الحاجة، فرواية صفوان خالية عن المعارض،
فينبغي الاهتمام بالدعاء بعد الفراغ من الزيارة لمريد القضاء.

(1) التهذيب: 2 / 52 رقم 13.
540

ودعوى، أن من البعيد، استقلال الزيارة وكفايتها في ترتب ما ذكر فيها من
الموثبات الجزيلة وإناطة القضاء، مدفوعة، بأن الإناطة فيه ليست من باب
قصور الاقتضاء فيها، بل من باب اختلاف العنوان، فإن عنوان الزيارة عنوان
التسليمات والتحيات ونحوهما، وعنوان الدعاء الاستغاثات وذكر الحاجات
وغيرهما، فلذا أنيط القضاء به دونها.
ولكنه يضعف، بثبوت المعارض الراجح، كما روى الصدوق في ثواب
الأعمال في ثواب قبر الحسين عليه السلام، عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال في خبر:
(إن الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام - إلى أن قال -: فإذا أتاه ناجاه الله،
فقال: عبدي سلني أعطك، ادعني أجبك، اطلب مني أعطك، سلني حاجتك
أعطها) (1).
وفي خبر آخر: (إنه إذا هم الرجل بزيارته، أعطاهم الله ذنوبه (2) - إلى أن
قال -: فإذا اغتسلوا، ناداهم محمد صلى الله عليه وسلم: يا وفد الله، أبشروا بمرافقتي في
الجنة، ثم ناداهم أمير المؤمنين عليه السلام: أنا ضامن لحوائجكم ودفع البلاء عنكم
في الدنيا والآخرة (3).
وفي خبر ثالث: (إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار قبر الحسين عليه السلام قبل
أهل عرفات، فيفعل ذلك بهم ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفعهم

(1) ثواب الأعمال: 91.
(2) في المصدر: عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن لله ملائكة موكلين بقبر الحسين عليه السلام، فإذا
هم بزيارته الرجل، أعطاهم الله ذنوبه، فإذا خطأ محوها، ثم إذا خطأ ضاعفوا له
حسناته...).
(3) ثواب الأعمال: 92 والبحار: 101 / 64.
541

في مسائلهم، ثم يثنى بعرفات فيفعل ذلك بهم) (1).
وروى الخبر الثاني شيخ الطائفة في التهذيب، في باب فضل الغسل
للزيارة (2).

(1) ثواب الأعمال: 90.
(2) التهذيب: 6 / 53 ح 126.
542

ثم إنا نختم الكلام في تميز المشتركات بما ذكره صاحب الانتخاب
في تميز نبذة منهم، لما فيه من كثرة الجدوى وشدة البلوى
قال: كل (أحمد بن محمد)، فهو: ابن الحسن بن الوليد.
كل (جعفر) بعده، فهو: ابن محمد بن قولويه.
كل (أحمد بن محمد) بعد الكليني، فهو: العاصمي، أو بواسطة العدة، فهو:
أحد الأحمدين: ابن محمد بن عيسى، أو ابن محمد بن خالد البرقي.
وقد تسقط العدة سهوا، فيتوهم انتقاض كلية العاصمي لولا أن النظر في
الطبقة يعصمها عن الانتقاض.
كل (محمد بن الحسن) بعد الكليني، فهو: الصفار.
كل (محمد بن يحيى) بعده، فهو: العطار.
كل (علي) بعده، فهو مشترك بين:
ابن محمد بن إبراهيم بن أبان المعروف ب‍ (علان).
وابن محمد بن عبد الله القزويني.
وابن محمد بن بندار، أبي القاسم، ماجيلويه.
وابن إبراهيم بن هاشم القمي، إلا أن يكون (عن أبيه)، فينتفي الأولان.
543

أو عن (سهل) فيتعين (علان) لأنه أحد رجال العدة التي يروي عن سهل.
أو عن (ابن عبيد) فيتعين الأخير.
كما لو كان (عن أبيه، عن ابن أبي عمير) أو (النضر بن سويد) أو (حماد)
أو أكثر الأربعة ورودا في الأسناد.
كل ما جاء (الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد)، فهو: الغضائري
عن ابن العطار.
كل (أحمد بن محمد، عنه سعد بن عبد الله) أو من في مرتبته كمحمد بن
علي بن محبوب، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن
أحمد بن يحيى، فهو: أحد الأحمدين الأشعري (1) والبرقي (2)، وان كان الأول
أكثر ورودا من الثاني.
كل (أبي جعفر) بعد (سعد) هو أحمد بن محمد بن عيسى.
كل (أحمد بن محمد) بعد الأحمدين، أو الحسين بن سعيد، أو محمد بن
عبد الحميد، أو من في مرتبتهم، فهو: ابن أبي نصر البزنطي.
كل (ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام)، فهو: عبد الله.
كل (ابن مسكان، عنه صفوان) أو مضاهيه رتبة، كابن أبي عمير، ومحمد بن
سنان، فهو: عبد الله.
كلما جاء: (الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي
حمزة، عن أبي بصير)، فهو: الأهوازي، عن الجوهري، عن البطائني، عن
يحيى الأسدي.

(1) أي: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي.
(2) أي: أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
544

كلما جاء: (الحسين، عن حماد، عن شعيب، عن أبي بصير)، فهو: ابن
سعيد، عن ابن عيسى، عن العقرقوفي، عن يحيى.
كلما جاء: (الحسين بن سعيد، عن فضالة)، فهو: ابن أيوب (1).
أو (عن النضر)، فهو: ابن سويد.
أو، عن (ابن سنان)، فهو: محمد.
كل (محمد بن الحسين، عنه سعيد) ومن في مرتبته، فهو: أبي الخطاب (2).
كذا كل (محمد بن عيسى، عن يونس) فهو: ابن عبيد، عن ابن عبد
الرحمان.
كل (محمد بن عيسى، عن الصفار) ومضاهيه رتبة، فهو: ابن عبيد.
كلما جاء: (محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي عبد الله، فهو: الرازي
الجاموراني (3).
كل (ابن فضال، عن ابن بكير)، فهو: الحسن بن علي، عن عبد الله الفطحي.
كل (محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح) فهو: الأزرق (4)، عن الكناني.
كل (عثمان، عن سماعة) فهو: ابن عيسى، عن ابن مهران.
كل (صفوان، عن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -) أو (عنه، ابن
أبي الخطاب)، أو (يعقوب بن أبي يزيد)، أو (الحسين بن سعيد)، فهو: ابن

(1) أي: فضالة بن أيوب.
(2) كذا بخط المؤلف قدس سره والصحيح (ابن أبي الخطاب).
(3) هو محمد بن أحمد الجاموراني أبو عبد الله الرازي الذي ضعفه القميون واستثنوا
من كتاب نوادر الحكمة ما رواه.
(4) هو محمد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الأزدي أبو جعفر الأزرق كما صرح به
النجاشي: 367 رقم 995.
545

يحيى.
كل (صفوان، عنه سندي بن محمد) أو (عبد الله قضاعة) فهو: ابن مهران.
كل (عبد الرحمان، عنه الأحمدان (1)، أو (الحسين بن سعيد)، أو (الحسن
ابن علي بن فضال) فهو: ابن نجران.
كل (عبد الرحمان، عنه ابن أبي عمير) أو (الحسن بن محبوب)،
أو (صفوان)، فهو: ابن الحجاج.
كلما جاء: (القاسم، عن أبان، عن أبي العباس)، فهو: الجوهري، عن ابن
عثمان، عن فضل بن عبد الملك.
كلما جاء: (عن أخيه (2)، فهو: علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن
أخيه أحمد.
كلما جاء: (الحسن، عن أخيه، عن أبيه) فهو: ابن علي بن يقطين، عن أخيه
الحسين، عن أبيهما.
كلما جاء: (الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة)، فهو: ابن سعيد،
عن أخيه، عن زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة بن مهران.

(1) أي: أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد.
(2) الظاهر أنه غير تام لأنه إما جاء: (علي، عن أخيه) كما في الكافي: 3 / 418 ح 5
(علي، عن أخيه، عن إسماعيل بن عبد الخالق...) فالمراد منه هو علي بن إبراهيم بن هاشم
القمي، عن أخيه، إسحاق بن إبراهيم، كما في الكافي أيضا: 3 / 28 ح 6 و 3 / 416 ح 14
و....
وإما جاء (علي بن الحسن، عن أخيه) كما في التهذيب: 6 / 34 ح 67، فهو الصحيح كما
في موارد متعددة: (علي بن الحسن، عن أخيه أحمد بن الحسن) فراجع: الكافي: 7 / 7 ح 4
والتهذيب: 9 / 193 ح 778.
546

كلما جاء: (النوفلي، عن السكوني) فهو: الحسين بن يزيد، عن إسماعيل
ابن أبي زياد.
كل (محمد بن قيس، عنه، ابنه عبيد)، أو (عاصم بن حميد)، أو (يوسف بن
عقيل)، فهو: البجلي الثقة، أو (عنه يحيى بن زكريا) فهو: الضعيف.
كل (أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام)، فهو: مشترك بين ليث ويحيى.
إذا كان عنه ابن مسكان، أو أبو المغرى، أو مفضل بن صالح، فيتعين ليث.
أو كان عنه الحسين بن أبي العلاء، أو يوسف بن يعقوب، أو عبد الله بن
وضاح، أو علي بن أبي حمزة، أو وهب بن حفص، فيتعين يحيى.
قال: وقد يقل فائدة التميز بين المشتركات، كما إذا اتفقت الصفات
كالمجاهيل والثقاة.
من ثم لم نطلق عنان القلم في كل موضع يشتبه فيه: الأحمدان: الأشعري
والبرقي، والحمادان: الناب والفزاري (1)، والعباسان: ابن معروف وابن عامر،
وجميلان: ابن دراج وابن صالح، والمعاويتان: ابن وهب وابن عمار،
والهشامان: ابن حكم وابن سالم، لاشتراك في التوثيق. (انتهى).
وما ذكره جيد، إلا أن ما ذكره من أن الراوي عن أبي الصباح، هو: الأزدي،

(1) المراد منهما: حماد بن عثمان الناب وحماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزازي.
الظاهر أنه غير تام لأن مقتضى التحقيق اتحاد هذين الحمادين، كما أشار إليه المحقق
الخوئي. راجع: معجم رجال الحديث: 6 / 213.
والصحيح أن يقال: والحمادان الناب والجهني والمراد من الأخير: حماد بن عيسى. وهما
مشتركان في الرواية عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام وإسحاق بن عمار وحريز وربعي بن
عبد الله وعبد الرحمان بن أبي عبد الله ومعاوية بن عمار وكذا رواية ابن أبي عمير وابن
محبوب و... عن كلا الحمادين.
547

يضعف بأن الظاهر أنه الصيرفي (1)، بشهادة جملة من الروايات.
منها: ما رواه الصدوق، في العيون في باب النصوص الدالة على مولانا
الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - بالإمامة: (عن أبي، عن علي بن إبراهيم بن
هاشم، عن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات، عن
محمد بن الفضيل الصيرفي، عن أبي حمزة الثمالي) (2).
فيظهر منه، أن محمد بن الحسين، يروي عن الصيرفي.
كما يظهر ذلك أيضا مما ذكره النجاشي، في طريقه إلى الصيرفي، فإنه قال
بعد عنوان المقيد بالصيرفي: (له كتاب، أخبرنا علي بن أحمد، قال: حدثنا ابن
الوليد، عن الحميري، قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن
محمد بن فضيل، بكتابه) (3).
وروى في معاني الأخبار، في باب معنى تسليم الرجل على نفسه: (عن
أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن الفضيل، عن

(1) الظاهر أنه من طغيان القلم، لا من زلة القدم، لأن محمد بن الفضيل الصيرفي، هو
الأزدي. كما قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه السلام: 389 رقم 35: محمد بن الفضيل
الأزدي، صيرفي. وفي أصحاب الصادق عليه السلام: 297 رقم 283: محمد بن الفضيل بن
كثير الأزدي، صيرفي.
وقال البرقي: محمد بن الفضيل الأزدي الصيرفي. رجال البرقي: 20.
وقال النجاشي: محمد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الأزدي أبو جعفر الأزرق. رجال
النجاشي: 367 رقم 995.
وقال ابن داود: محمد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الأزدي الرقي أبو جعفر و... رجال ابن
داود: 181 رقم 1481.
(2) العيون: 1 / 55 ح 21.
(3) رجال النجاشي: 367 رقم 995.
548

أبي الصباح) (1).
ومنه يظهر أن الراوي عن أبي الصباح، هو: الصيرفي، وعليه شواهد أخرى
من الروايات.
ويمكن الأشكال في دعوى كلية تعين ابن سنان الراوي، عن مولانا
الصادق عليه السلام في عبد الله بما وجد من رواية محمد عنه عليه السلام.
كما روى بسطام، في كتاب طب الأئمة عليهم السلام في الحديث الأول: (عن
محمد بن خلف، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أخيه محمد، عن جعفر
الصادق عليه السلام) (2) وقريب به القريب به (3).
وقال في رواية ثالثة: (أبو عتاب، قال: حدثنا محمد بن خلف، عن الوشاء،
عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت محمد بن سنان يحدث، عن
الصادق عليه السلام) (4).
مضافا إلى ما عن العلل في باب كراهة أكل الثوم (5).
ومن هنا ما جرى في الحدائق على تضعيف تصحيح المدارك السند
المذكور فيه ابن سنان لما ذكر.
قال: فما أطلقوه من أنه متى ورد رواية ابن سنان، عن الصادق عليه السلام، بغير

(1) معاني الأخبار: 162.
(2) طب الأئمة: 15، عنه الوسائل: 2 / 403 رقم 2470. فيه عن الحر العاملي في
هامش الوسائل المخطوط: محمد بن سنان هذا، غير محمد بن سنان المشهور الذي يروي
عن عبد الله ابن سنان كثيرا.
(3) المصدر.
(4) طب الأئمة: 16، عنه الوسائل: 2 / 403 رقم 2472.
(5) العلل: 519 ح 2.
549

واسطة تعين الحمل على عبد الله، لكون الزاهري الضعيف، لا يروي عنه
بالواسطة، غير جيد، لأنه مبني على الحصر في عبد الله ومحمد الزاهري،
والحال أن محمدا أخا عبد الله ممن يروي عنه عليه السلام بلا واسطة (1).
قلت: وفيه مضافا إلى ابتنائه على ضعف الزاهري وهو ضعيف، إن أخا
عبد الله قليل الرواية، فلا ينصرف إليه الإطلاق.
مضافا إلى جهالة حاله، فإنه لم يتعرض له إلا الشيخ في أصحاب مولانا
الصادق عليه السلام مهملا (2).
وما يندفع به المقال، من أنه إذا قام الاحتمال، بطل الاستدلال.
فمن غرائب الأقوال، ما ذكره في المميز بين ليث ويحيى، يظهر الكلام فيه
مما مر.
كما أن سائر ما ذكره لا يخلو من الكلام، إلا أنه مع ذلك لا يخلو عن إفادة
في المقام.
تم المقال الأول من الركن الثاني من
(سماء المقال في تحقيق علم الرجال)

(1) الحدائق: 8 / 407.
(2) رجال الطوسي: 288 رقم 116.
550