الكتاب: الفوائد الرجالية
المؤلف: السيد بحر العلوم
الجزء: ٣
الوفاة: ١٢١٢
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد صادق بحر العلوم ، حسين بحر العلوم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٦٣ ش
المطبعة: آفتاب
الناشر: مكتبة الصادق - طهران
ردمك:
ملاحظات:

رجال السيد بحر العلوم
1

مكتبة العلمين الطوسي وبحر العلوم
في النجف الأشرف
رجال السيد بحر العلوم
(المعروف بالفوائد الرجالية)
تأليف
سيد الطائفة آية الله العظمى السيد محمد المهدى بحر العلوم الطباطبائي قدس سره
(5511 - 1212 ه‍)
(1742 - 1797 م)
حققه وعلي عليه
محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم
الجزء الثالث
3

بسم الله الرحمن الرحيم
4

باب السين
سعيد بن مسعدة المجاشعي (1) مولاهم أبو الحسن الأخفش الأوسط
أخذ عن سيبويه وشرح كتابه. والأخفش - عند الاطلاق - ينصرف إليه
وأما الأخفش الأكبر، فهو أبو الخطاب عبد الحميد ابن عبد المجيد

(1) كان مولى بنى مجاشع بن دارم من أهالي بلخ، سكن البصرة أخيرا
أو خوارزم وكان أحد أئمة النحاة من البصريين وكان معتزليا، ودخل بغداد وأقام
بها مدة، وروى وصنف بها. أخذ عن سيبويه وعمن أخذ عنه سيبويه أيضا، وهو الطريق
الوحيد إلى (كتاب سيبويه) وأول من قرئ عليه بعد موت سيبويه، حتى قال الأخفش:
(ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي، وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا
اليوم أعلم به منه). وقال المبرد: أحفظ من اخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشي ثم
قطرب) وقال: كان الأخفش اعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل، وأخذ
عنه كتاب سيبويه أبو عمر الجرمي، وأبو عثمان المازني والكسائي وغيرهم من كبار
النحاة، وزاد في عروض الخليل الخمسة عشر (بحر الخبب) فأصبحت البحور
الشعرية ستة عشر بحرا. له من التصانيف: كتاب الأربعة، كتاب الاشتقاق:
كتاب الأصوات، كتاب الأوسط في النحو، كتاب تفسير معاني القرآن، كتاب
صفات الغنم وألوانها وعلاجها وأسبابها، كتاب العروض، كتاب القوافي، كتاب
المسائل الكبير، كتاب المسائل الصغير، كتاب معاني الشعر، كتاب المقاييس
كتاب الملوك، كتاب وقف التمام.
ترجم له في عامة كتب الأدب والتأريخ والمعاجم الرجالية.
5

النحوي من أهل (هجر) (1) أخذ عنه أبو عبيدة وسيبويه وغيرهما (2)
والأخفش الأصغر: علي بن سليمان تلميذ ثعلب (3).
ومات الأخفش سنة خمس عشرة ومائتين. وقيل: غير ذلك (4)
وكان أسن من سيبويه.
سلار بن عبد العزيز: هو الشيخ أبو يعلى (5) بفتح المثناة من تحت

(1) قال الحموي في (معجم البلدان بمادة هجر): (... وهجر مدينة،
وهي قاعدة البحرين، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر وهو الصواب... وقيل
هجر قرية قرب المدينة. وقال قوم: هجر بلاد قصبتها الصفا...).
(2) وهو مولى (قيس ثعلبة) من كبار العلماء بالعربية، لقي الأعراب وأخذ
عنهم، وهو أول من فسر القصيدة من الشعر تحت كل بيت وكان المفسرون
للشعر قبله إذا فرغوا من فسر القصيدة من الشعر تحت كل بيت وكان المفسرون
للشعر قبله إذا فرغوا من القصيدة فسروها. توفي سنة 177 ه‍. راجع ترجمته
مفصلا في بغية الوعاة / وإنباه الرواة: 2 / 157 وغيرهما من كتب الأدب.
(3) سبق أن ترجمنا له في هامش (ص 9) من الجزء الثاني من الرجال فراجع
(4) وذكر محمد بن إسحاق النديم في كتابه: أن وفاته كانت سنة إحدى
ومأتين ه‍ بعد الفراء وقيل سنة 215 ه‍، (عن معجم البلدان للحموي: 11 / 224
ووفيات الأعيان 1 / 208، وبغية الوعاة / 258، وفهرست ابن النديم: ص 83)
(5) الشيخ أبو يعلى ي اسمه حمزة - بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني، ويعرف
بسلار في ألسنة الفقهاء وفي بعض المعاجم الرجالية، وقد يدعى بسالار - بالألف
بعد السين المهملة - ولعله الأظهر كما ذكره الأفندي في (رياض العلماء) لأنه بمعنى
الرئيس بلغة الفرس، وهو عالم كبير وفقيه متضلع، صاحب كتاب المراسم في
الفقه المعروف بالرسالة الذي اختصره المحقق الحلي صاحب الشرائع بالتماس بعض
أصحابه، والمطبوع ضمن (جوامع الفقه) بإيران سنة 1276 ه‍ وجاء في مجموعة
الشهيد الأول - عند ذكره الذين قرؤا على السيد المرتضى -: (إنه كان من
طبرستان، وكان ربما يدرس نيابة عن السيد المرتضى، وكان فاضلا في علم
الفقه والكلام) وذكره النجاشي في (رجاله: ص 206) من طبع إيران، ضمن
ترجمة السيد المرتضى بمناسبة أنه باشر غسله مع أبي يعلى الجعفري.
وترجم له أيضا صاحب (روضات الجنات: ص 201) وقال: (إنه أحد
الأعاظم المتقدمين من فقهاء هذه الطائفة بل واحدهم المشار إليه في كتب الاستدلال
وهو أول من اخترع القول بحرمة إقامة الجمعة في زمان الغيبة، وكان من كبار
تلامذة المرتضى والمفيد - رحمهما الله - فإنه انتقل من بلاد الديلم إلى بغداد واشتغل
هناك على شيخيه المذكورين إلى أن فاق على أقر انه في درجات العلوم وصار من
أخص خواص السيد المرتضى، ولاعتماد أستاذه على فهمه وفقهه وجلالته عينه
- في جملة من عينه - للنيابة عنه في بلاد حلب باعتبار مناصب الحكام، وربما كان
يدرس الفقه ببغداد نيابة عن أستاذه السيد المرتضى - رحمه الله -).
وترجم له أيا السيوطي في (بغية الوعاة: ص 259) فقال: (سلار - بالتشديد والراء - ابن عبد العزيز أبو يعلى النحوي صاحب المرتضى أبي القاسم
الموسوي، قال الصفدي: قرأ عليه أبو الكرم المبارك بن فاخر النحوي، ومات
في صفر سنة 448 ه‍).
وترجم له أيضا صاحب أمل الآمل، وصاحب رياض العلماء، وصاحب
مستدرك الوسائل في الخاتمة (ج 3 ص 496) وقال: (يروي عنه الشيخ الجليل
الملقب بالمفيد أبو الوفاء عبد الجبار بن عبد الله بن علي المقرئ النيسابوري الرازي
وهو يروي عن شيخيه الجليلين علمي العلم والهدى: الشيخ المفيد والسيد المرتضى
- رحمهما الله). وعن تذكرة الأولياء: (أنه مدفون في قرية (خسرو شاه) من
قرى تبريز على رأس مرحلة منه بقدر ستة فراسخ).
وترجم له أيضا ابن داود الحلي في القسم الأول من كتاب رجاله (ص 174)
طبع إيران، وذكره السيد صدر الدين محمد ابن السيد صالح ابن السيد محمد ابن
السيد إبراهيم شرف الدين الموسوي العاملي الأصفهاني - المولود بشد غيث من بلاد
بشارة في قطر جبل عامل سنة 1193 ه‍، والمتوفى بالنجف الأشرف في أول صفر
سنة 1263 ه‍ - ذكره في تعليقاته الرجالية على (منتهى المقال) لابي علي الحائري
وقال: (إن سلارا توفي يوم السبت لست خلون من شهر رمضان سنة 463 ه‍) فيكون
مخالفا لما ذكره السيوطي في سنة وفاته.
وترجم له أيضا الشيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين: ص 329)
طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍.
6

وفتح اللام: منقول من الفعل المعلوم. قال الجوهري: (علا في المكان
علوا. وعلي في الشرف - بالكسر - علاء - ويقال أيضا - علا - بالفتح -
7

علاء) (1) وفي المصباح المنير: (ومعالي الأمور مكسب الشرف. الواحدة:
معلاة - بفتح الميم - وهو مشتق من قولهم: على في المكان يعلى - من
باب نعب - بفتح الميم - وهو مشتق من قولهم: على في المكان يعلى - من
باب نعب - علاء بالفتح وفى المد، وبالمضارع -: سمي، ومنه يعلى بن أمية) (2).
سلار - بفتح السين وتشديد اللام -: معرب (سالار) بمعنى الرئيس
المقدم وقد تكرر ذكره في (فهرست ابن بابويه المتأخر) (3).

(1) - (2) راجع: صحاح الجوهري، والمصباح المنير بمادة (علا).
(3) ابن بابويه - هذا - هو علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن
بابويه القمي، وأراد - سيدنا - بقوله (المتأخر) تأخر زمانه عن الشيخ أبي جعفر
الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، لان أبا جعفر الصدوق عم جد الشيخ
منتجب الدين وهو الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه، وقد يعبر عن الصدوق
عم الشيخ منتجب الدين توسعا وتجوزا من حيث أنه عمه الأعلى.
وقد ترجم للشيخ منتجب الدين - هذا - صاحب روضات الجنات
(ص 389) ترجمة مفصلة، وذكر أساتذته الذين درس عليهم في إصفهان،
وهم كثيرون.
وذكره الأفندي في (رياض العلماء) وقال: (كان بحرا من العلوم
لا ينزف، وهو الشيخ السعيد الفاضل العالم الفقيه المحدث الكامل، شيخ الأصحاب...
وإن هذا الشيخ كثير الرواية عن المشايخ جدا بحيث يزيد على مائة شيخ، بل يعسر
حصرهم وجمعهم وإيرادهم في هذا المقام، كما يظهر عند الفحص الكامل من
مروياته وكتبه، ولا سيما كتابه (الفهرست) وكتابه الأربعين).
وذكره الشهيد الثاني - رحمه الله - في (شرح دراية الحديث: ص 157) طبع
إيران، قال: (وهذا الشيخ منتجب الدين كثير الرواية واسع الطرق عن آبائه
وأقاربه وأسلافه، ويروي عن ابن عمه الشيخ بابويه بن سعد بن محمد بن الحسن
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه بغير واسطة).
وترجم له أيضا صاحب (أمل الامل) وذكر فهرسته، وقال: (نقلنا
كل ما فيه هذا الكتاب، يرويه عنه محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني..
وله أيضا كتاب الأربعين عن الأربعين من الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - عليه
السلام - وغير ذلك).
وترجم له أيضا أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني صاحب
كتاب (التدوين) في أحوال علماء قزوين المتوفى سنة 673 ه‍، على ما نقل عنه رضي
الدين محمد بن الحسن القزويني المتوفى سنة (1096) ه‍ في كتابه (ضيافة الاخوان)
في أحوال علماء قزوين من الامامية، قال - في ضمن ترجمة أبي جعفر بن أميركا
القزويني - نقلا عن التدوين - في ترجمة منتجب الدين: (شيخ ريان من علم الحديث
سماعا وضبطا وحفظا وجمعا، يكتب ما يجد، ويسمع ممن يجد، ويقل من يدانيه
في هذه الاعصار في كثرة الجمع والسماع) ثم - بعد ذكر تفصيل مشايخه وإجازاتهم
له في سنة 522 ه‍، أو سنة 523 - ذكر في جملة تصنيفاته كتاب الأربعين، ثم
قال: (وقد قرأته عليه بالري سنة 584) ثم ذكر في آخر نقل سائر أحواله
ولادته سنة 504 ه‍، ووفاته بعد سنة 585 ه‍، ثم ختم الكلام بقوله: (ولئن
أطلت عند ذكره بعض الإطالة فقد كثر انتفاعي بمكتوباته وتعاليقه فقضيت
بعض حقه بإشاعة ذكره وأحواله رحمه الله).
وترجم أيضا لمنتجب الدين الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة 1186 ه‍،
في (لؤلؤة البحرين: ص 334) طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍، وصاحب
مستدرك الوسائل العلامة النوري في الخاتمة (ج 3 ص 465) وأورد جملة يسيرة
من مشايخه الذين يروي عنهم، وقال: يروي عنه الخواجة نصير الدين الطوسي،
وقد ترجم له أيضا في كثير من المعاجم الرجالية، وجاء ذكره في طرق الإجازات
وكتاب (فهرسته) ذكر فيه المشائخ المعاصرين للشيخ الطوسي والمتأخرين
إلى زمانه، وقد أدرجه بكامله العلامة المجلسي - رحمه الله - في آخر مجلدات (بحار
الأنوار) ونقل صاحب (أمل الآمل) كل ما فيه ورتبه أحسن ترتيب كما فعله
ابن داود في رجاله وميرزا محمد في ترتيب الرجال المتقدمين، صرح بذلك صاحب
(الامل) نفسه في ترجمة الشيخ منتجب الدين، فراجعه،
8

(على الأصل (1) بالألف بعد السين، ابن عبد العزيز الديلمي - بفتح الدال
المهملة وسكون الياء المعجمة بنقطتين من تحتها وفتح اللام وكسر الميم -
نسبة إلى (الديلم) وهي بلاد معروفة، ينسب إليها جماعة من أولاد الموالي)
(قاله السمعاني في الأنساب) (2) وفي (الصحاح، والقاموس):

(1) يريد بقوله (على الأصل): على أصله الفارسي، وقد ذكرنا - آنفا -
أن أصله الفارسي (سالار) بالألف، وهو بمعنى الرئيس بلغة الفرس.
(2) أنظر (ج 1 ص 438) طبع مصر سنة 1357 ه‍ من اللباب في تهذيب
الأنساب لعز الدين علي بن الأثير الجزري المولود سنة 555 ه‍، والمتوفى سنة 630 ه‍
وهو تهذيب لانساب السمعاني.
10

(الديلم جيل من الناس معروف) (1).
قال العلامة في (الخلاصة): (سلار بن عبد العزيز الديلمي،
أبو يعلى - قدس الله روحه - شيخنا المقدم في الفقه والأدب وغيرهما،
وكان ثقة، وجها. له: المقنع في المذهب، والتقريب في أصول الفقه،
والمراسم في الفقه، والرد على أبي الحسن البصري في نقض الشافي، والتذكرة
في حقيقة الجوهر والعرض، قرأ على المفيد - رحمه الله - وعلى السيد المرتضى
- قدس سره -) (2).
وعن الشيخ البهائي - رحمه الله -: (أن السيد المرتضى أمر سلارا
بنقض نقض الشافي، فنقضه) (3).
وقال الشيخ الامام الحافظ منتجب الدين أبو الحسن علي بن عبيد الله

(1) انظر كلا من الصحاح للجوهري، والقاموس للفيروزآبادي بمادة
(دلم) وذكر الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس بعد كلام صاحب المتن
المذكور قوله: (وهم أصحاب الشور الأعاجم من بلاد الشرق) ثم ذكر أقوال
أرباب المعاجم والمؤرخين في تعيين هذا الجيل ونسبهم، فراجعه.
(2) راجع خلاصة العلامة (ص 86، رقم 10) طبع النجف الأشرف.
(3) لم نتحقق أين ذكر ذلك البهائي وفي أي كتبه، وإن شيخنا الامام
الطهراني - أدام الله وجوده - ذكر أن تأليفه لهذا الرد كان بأمر أستاذه السيد
المرتضى - رحمه الله - وذكر السيد المصطفى التفريشي في هامش كتاب (نقد
الرجال: ص 156) عند ترجمة سلار، وذكر كتاب الرد المذكور ما هذا نصه:
(وهو كتاب معروف، وسبب تصنيفه أن القاضي عبد الجبار صنف كتابا في إبطال
مذهب الشيعة وسماه الكافي، ثم صنف السيد المرتضى - رحمه الله - كتابا سماه
الشافي في نقض الكافي، ثم صنف أبو الحسين البصري كتابا في نقض الشافي، فرده
سلار - رحمه الله -.
ونقل صاحب روضات الجناب (ص 201) عن خط الشهيد الأول: أن
أبا الحسين البصري لما كتب نقض الشافي لسيدنا المرتضى أمر السيد سلارا بنقض
نقضه، فنقضه (ثم قال) (وفيه أيضا الدلالة على اعتماد السيد على فهمه مالا يخفى)
وفي أكثر المعاجم أبو الحسن بدل أبو الحسين ولعله الصحيح وأبو الحسن البصري
- هذا - هو علي بن إسماعيل بن إسحاق، من نسل أبي موسى الأشعري عبد الله بن
قيس الصحابي المشهور، ولد بالبصرة سنة 260 ه‍، وتوفي ببغداد سنة 324 ه‍،
وقيل: سنة 334 ه‍، ودفن بين الكرخ وباب البصرة، قال ابن شحنة في (روضة
المناظر): في سنة 329 ه‍ توفى أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري
ودفن ببغداد بشرعة الزوايا ثم طمس قبره خوفا أن تنبشه الحنابلة فإنهم كانوا
يعتقدون كفره ويبيحون دمه، وذكر أن أبا علي الجبائي كان زوج أمه، قيل:
بلغت مصنفاته ثلاثمائة كتاب، أنظر ترجمته المفصلة في: طبقات الشافعية للسبكي
(ج 2 ص 245) - إلى ص 310) وتجد له ترجمة في تاريخ ابن خلكان، والبداية
والنهاية 11 / 187، وفي اللباب للجزري ج 1 / 52، وفي خطط المقريزي (ج 2
ص 359) وفي أكثر المعاجم الرجالية.
11

ابن بابويه في (فهرسته): (الشيخ أبو يعلى سالار بن عبد العزيز الديلمي
فقيه، ثقة، عين، له كتاب المراسم العلوية في الاحكام النبوية، أخبرنا به
الوالد عن أبيه عنه) (1).
وقال الشيخ الفاضل الأديب الطريحي النجفي: (... كان من
طبرستان، وكان ربما يدرس نيابة عن السيد - رحمه الله - وحكى أبو الفتح
ابن جني، قال: أدركته وقرأت عليه، وكان من ضعفه لا يقدر على الاكثار من
الكلام، فكان يكتب الشرح في اللوح، فيقرأ. وأبو الصلاح الحلبي قرأ
عليه. وكان إذا استفتي من (حلب) يقول: عندكم التقي. وأبو الفتح

(1) راجع: فهرست منتجب الدين الملحق بآخر البحار (ص 6).
12

الكراچكي قرأ عليه، وهو من ديار مصر) (1).
وقال ابن شهرآشوب في (معالم العلماء):
(أبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي، قرأ على المرتضى، له
المراسم العلوية في الأحكام النبوية، المقنع في المذهب، التقريب في أصول
الفقه، الرد على أبي الحسن البصري في نقض الشافي، التذكرة في حقيقة
الجوهر والعرض، وغير ذلك) (2).
وعده اليوسفي في (كشف الرموز) (3) من جملة المشايخ الأعيان
الذين هم قدوة الامامية ورؤساء الشيعة. وقرأ عليه الفقيه شمس الاسلام
الحسن بن الحسين بن بابويه (4) والشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد

(1) راجع: مجمع البحرين لفخر الدين الطريحي النجفي بمادة (سلر).
(2) راجع: معالم العلماء - باب الكنى - (ص 135) طبع النجف الأشرف.
(3) اليوسفي صاحب (كشف الرموز) هو الحسن بن أبي طالب بن ربيب
الدين بن أبي المجد اليوسفي الآبي الملقب عز الدين أحد تلامذة المحقق أبي القاسم نجم
الدين الحلي شارح كتابه النافع بشرحه الذي سماه (كشف الرموز) في حياة أستاذه
المحقق، وقد فرغ من شرحه المذكور في رمضان (أو شعبان) سنة 672 ه‍، وقد
تقدمت الترجمة له من سيدنا - قدس سره - في (ج 2 ص 179) وانظر تعليقتنا
هناك، وكشف الرموز لا يزال مخطوطا.
(4) الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه القمي، وهو جد الشيخ منتجب
الدين وقد ذكره في (فهرسته ص 4) فقال: (الشيخ الامام الأمجد شمس الاسلام
الحسن بن الحسين بن بابويه القمي نزيل الري المدعو (حسكا) فقيه، ثقة، وجه،
قرأ على شيخنا الموفق أبي جعفر - قدس الله روحه - جميع تصانيفه بالغري - على
ساكنه السلام - وقرأ على الشيخين - سالار بن عبد العزيز، وبان البراج - جميع
تصانيفهما، وله تصانيف في الفقه، كتاب العبادات، وكتاب الأعمال الصالحة،
وكتاب سير الأنبياء والأئمة - عليهم السلام - أخبرنا بها الوالد، عنه - رحمهم
الله -).
13

ابن الحسين النيشابوري الخزاعي شيخ الأصحاب (1) والشيخ المفيد فقيه
الأصحاب بالري، ومرجع قاطبة المتعلمين عبد الجبار بن عبد الله المقري (2)

(1) الشيخ المفيد أبو محمد - هذا - ترجم له الشيخ منتجب الدين في
(فهرسته: ص 7) فقال: شيخ الأصحاب بالري، حافظ واعظ، سافر في البلاد
شرقا وغربا وسمع الأحاديث عن المؤلف والمخالف، وله تصانيف، منها سفينة
النجاة في مناقب أهل البيت - عليهم السلام، العلويات، الرضويات، الأمالي،
عيون الاخبار، مختصرات في المواعظ والزواجر، أخبرنا بها جماعة منهم السيدان
المرتضى والمجتبى ابنا الداعي الحسيني، وابن أخيه الشيخ الامام جمال الدين أبو الفتوح
الخزاعي - رحمهم الله -، وقد قرأ على السيدين - علم الهدى المرتضى، وأخيه الرضي -
والشيخ أبي جعفر الطوسي، والمشائخ: سلار، وابن البراج، والكراجكي
- رحمهم الله).
(2) الشيخ المفيد عبد الجبار بن عبد الله بن علي المقري الرازي، عنونه
كذلك الشيخ منتجب الدين في (فهرسته: ص 7) وقال: (فقيه الأصحاب بالري
قرأ عليه في زمانه قاطبة المتعلمين من السادة وللعلماء، وهو قد قرأ على الشيخ أبي
جعفر الطوسي جميع تصانيفه، وقرأ على الشيخين سلار وابن البراج، وله تصانيف
بالعربية والفارسية في الفقه، أخبرنا بها الشيخ الإمام جمال الدين أبو الفتوح الخزاعي
رحمه الله -).
14

الرازي، وعبيد الله بن الحسن بن الحسين بن بابويه (1).
وقال السيد المرتضى في مفتتح أجوبة - المسائل السلارية - التي سألها
عنه الشيخ أبو يعلى سلار بن عبد العزيز: (قد وقفت على ما أنفذه الأستاذ
- أدام الله عزه - من المسائل وسأل بيان جوابها، ووجدته - أدام الله
تأييده - ما وضع يده من مسائله الا على نكتة وموضع شبهة، وأنا أجيب
عن المسائل معتمدا الاختصار والايجاز من غير إخلال معهما ببيان حجة
أو دفع شبهة ومن الله أستمد المعونة والتوفيق والتسديد) (2) انتهى.
وناهيك بهذا النعت له من السيد، ولعمري لقد سأل هذا الفاضل
في مسائله المذكورة عن أمور عويصة بتحرير متقن سديد يدل على كمال فضله
واقتداره في صنعة الكلام وغيره، وقد تعمق السيد الأجل المرتضى بما يعلم
منه مقدار فضيلة السائل وتمهره وتسلطه على العلم، وقد كان سؤاله عن ذلك
حال تحصيله على السيد وقراءته عليه، فإنه قال - في ابتداء المسائل -:

(1) عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه القمي - هذا - هو والد
الشيخ منتجب الدين، ذكره ولده المذكور في (فهرسته: ص 8) قائلا: (الشيخ
الوالد موفق الدين أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمي،
نزيل الري، فقيه ثقة من أصحابنا، قرأ على والده الشيخ الإمام شمس الاسلام
حسكا بن بابويه - فقيه عصره - جميع ما كان له سماع وقراءة على مشايخه) الشيخ
أبي جعفر الطوسي، والشيخ سالار، والشيخ ابن البراج، والسيد حمزة - رحمهم الله
جميعا -).
(2) أجوبة المسائل السلارية ما زالت مخطوطة لم تطبع، وهي ضمن مجموعة
عتيقة من مسائل السيد المرتضى - رحمه الله - وتوجد المجموعة بالكاظمية من موقوفة
آل الشيخ أسد الله التستري.
15

(أما نعم الله تعالى على الخلق بدوام بقاء سيدنا الشريف السيد الاجل
المرتضى علم الهدى - أطال الله بقاه وأدام علوه وسموه وبسطته، وكبت
أعداءه وحسدته، فالألسن تقصر عن أداء شكرها، والمتن يضعف عن
تعاطي نشرها، فلا أزال الله عنا وعن الاسلام ظله، وحرس أيامه
من الغير. وبعد، فمن كان له سبيل إلى إلقاء ما يعرض له ويعتلج
في صدره من الشبهة إلى الخاطر الشريف، واستمداد الهدى من جهته،
فلا معنى لإقامته على ظلمتها، والغاية اقتباس نور الله سبحانه ليقف على
الطريق النهج والسبيل الواضح والصراط المستقيم، والخادم - وإن كان
متمكنا من إيراد ذلك في المجلس الأشرف وأخذ الجواب عنه على ما جرت
به عادته - فإنه سائل الإنعام بالوقوف على هذه المسائل، وإيضاح ما أشكل
منها، ليعم النفع بها، فيحصل بذلك المبتغى بمجموعه من الوقوف على
الحق، وعموم النفع للمؤمنين كافة، والتنويه باسم الخادم، ولرأى سيدنا
الشريف السيد المرتضى علم الهدى - أدام الله قدرته في ذلك وعلوه إن
شاء الله) ثم أخذ في ذكر المسائل.
سلمان المحمدي ابن الاسلام، أبو عبد الله، أول الأركان
الأربعة (1) مولى رسول الله (ص) وحواريه الذي قال فيه: (سلمان منا
أهل البيت).

ان شخصية سلمان الفارسي وعلو شأنه وجلالة قدره وعظم منزلته وسمو
رتبته ووفور علمه وتقواه وزهده، أشهر من أن يحتاج إلى إطراء، فقد مدحه
بغاية الصفات الجليلة الموافق والمخالف من المؤرخين وأرباب المعاجم الرجالية،
ولو لم يرد في حقه سوى قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه: (سلمان منا
أهل البيت) لكفى ذلك في علو شأنه وسمو مقامه. ولم ترد هذه الكلمة من النبي (ص)
في حق غيره من صحابته الأخيار.
وسلمان أحد الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر توليه للخلافة بعد
النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد قال له: (يا أبا بكر إلى من تسند أمرك
إذا الموت نزل بك؟ وإلى من تفزع إذا سئلت عن أحكام الأمة عما لا تعلم؟
أتكون إماما لمن هو أعلم منك؟ قدم من قدمه رسول الله (ص) في حياته،
وأوعز إليه فيك وقت وفاته. أنسيت قوله وما تقدم من وصيته؟ إنه لا ينفعك إلا
عملك، ولا تحصل إلا على ما تقدم، فان رجعت نجوت، فقد سمعت ما سمعنا
وأنكرت وأقررنا، فترد ونرد، وما الله بظلام للعبيد) راجع في ذلك (ج 2
ص 331 - 333) من هذا الكتاب.
كان اسم سلمان قبل الاسلام: روز به ابن خشنودان، أو ما هويه، أو بهبود
ابن بدخشان من ولد منوچهر الملك، أو ناجية بن بدخشان، أو سمنكان، أو غير
ذلك، على اختلاف أقوال المؤرخين وأرباب المعاجم، وقد سماه رسول الله - صلى
الله عليه وآله - (سلمان) وكان يلقب: سلمان الخير، وسلمان المحمدي، وكان إذا
سئل من أنت؟ يقول: أنا سلمان ابن الاسلام أنا من بنى آدم.
وكان أصله من شيراز، أو رامهرمز، أو الأهواز، أو شوشتر، أو إصفهان
من قرية يقال لها: جئ - على اختلاف الأقوال.
وسلمان أحد الأركان الأربعة، وهو أولهم، ثم أبو ذر الغفاري، ثم عمار
ابن ياسر، ثم المقداد بن الأسود الكندي، على ما جاء في أقوال المؤرخين وأرباب
المعاجم الرجالية، ومنهم من يعد حذيفة بن اليمان العبسي من الأركان الأربعة كما
يقول الشيخ الطوسي - رحمه الله - في كتاب رجاله - عند ترجمة حذيفة قائلا:
(وقد عد من الأركان الأربعة) فكأنه - رحمه الله - لم يجزم فيه بذلك وقال:
(وقد عد منهم) وكون حذيفة منهم محل خلاف، وإلا كانوا خمسة لا أربعة
وقد روى الكشي في رجاله (ص 12) طبع النجف الأشرف: روايات
كثيرة عن الأئمة - عليهم السلام - في مدحه فراجعها
وترجم له - من أعلام السنة - ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب:
ج 4 ص 137) طبع حيدر آباد دكن قال: (سلمان الخير أبو عبد الله ابن الاسلام
أصله من إصفهان، وقيل: من رامهرمز، أسلم عند قدوم النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم - المدينة، وأول مشاهده الخندق، قاله ابن سعد. روى عن النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - وروى عنه أنس، وابن عجرة، وابن عباس، وأبو سعيد
الخدري، وأبو الطفيل، وأم الدرداء الصغرى، وأبو عثمان النهدي، وزاذان أبو عمر،
وسعيد بن وهب الهمداني، وطارق بن شهاب، وعبد الله بن وديعة،
وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وشهر بن حوشب - وفي سماعه منه نظر - وجماعة...
وكان أدرك وصي عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - فيما قيل، وعاش
مائتين وخمسين سنة، أو أكثر، ورويت قصة إسلامه من وجوه كثيرة، وقال
أبو ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه رفعه: (إن الله يحب من أصحابي أربعة) فذكره
فيهم، وقال سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: آخى بين سلمان وأبي الدرداء،
قال الواحدي وغير واحد: مات بالمدائن في خلافة عثمان، وقال أبو عبيد وغيره
مات سنة (36) ه‍ وقال خليفة في موضع آخر: مات سنة 37 ه‍، وقيل: مات
سنة 33 ه‍، وهو أشبه لما روى عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن
أنس قال: دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت، وقد مات ابن مسعود قبل
سنة 34 ه‍ باتفاق، وقال أبو الشيخ: سمعت جعفر بن أحمد بن فارس يقول:
سمعت العباس بن يزيد يقول لمحمد بن النعمان: أهل العلم يقولون: عاش سلمان
ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتين وخمسين فلا يشكون فيه. قلت: وقال ابن حبان
هو سلمان الخير، ومن زعم أنهما اثنان فقد وهم، ذكر العسكري: أن اسم
المرأة التي اشترته (جلسة) وقال ابن عبد البر: يقال: إنه شهد بدرا، وروى
البخاري في صحيحه عن سلمان أنه قال: أنا من رامهرمز. وفيه أيضا عن سلمان:
أنه تداوله بضعة عشر من رب إلى رب، وأخرج ابن حبان والحاكم في صحيحيهما
قصة إسلام سلمان من رواية حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن زيد بن
صوحان، عنه، وروى من طرق أخرى من حديث بريدة بن الحصيب، وغيره)
وذكر مثل ذلك في (الإصابة: ج 2 ص 62) طبع مصر سنة 1328 ه‍،
وزاد: (وكان سلمان إذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب
يده).
وترجم له ابن عبد البر في (الاستيعاب: ج 2 ص 56) بهامش الإصابة،
وذكر بعض ما ذكره ابن حجر، وزاد قوله: (وقد روي من وجوه: أن رسول
الله (ص) اشتراه على العتق. وذكر معمر عن رجل من أصحابه، قال: دخل
قوم سلمان - وهو أمير على المدائن وهو يعمل الخوص - فقيل له: تعمل هذا -
وأنت أمير، يجرى عليك رزق -؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي،
وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه. أول مشاهده
الخندق وهو الذي أشار بحفره... ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم -... ذكر هشام بن حسان عن الحسن قال: كان عطاء سلمان
خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده، وكانت له
عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وذكر ابن وهب وابن نافع عن مالك، قال
كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئا (قال):
ولم يكن له بيت وإنما كان يستظل بالجدر والشجر... وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) من
وجوه، أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان... وروي من حديث ابن
بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: أمرني ربي بحب
أربعة وأخبرني أنه - سبحانه - يحبهم: علي وأبو ذر، والمقداد، وسلمان - رضي
الله تعالى عنهم -... عن علي رضي الله عنه: أنه سئل عن سلمان، فقال: علم العلم
الأول والآخر، بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت... وعن علي قال: سلمان
الفارسي مثل لقمان الحكيم).
وترجم له أيضا ابن الأثير الجزري في (أسد الغابة: ج 2 ص 331) وذكر
مثل ما ذكره ابن حجر في (الإصابة) وابن عبد البر في (الاستيعاب) وزاد قوله:
(قال أهل العلم: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون
فيه، قال أبو نعيم: كان سلمان من المعمرين، يقال: إنه أدرك عيسى بن مريم
وقرأ الكتابين، وكان له ثلاث بنات بنت: بأصبهان، وزعم جماعة أنهم من ولدها
، وابنتان بمصر، أخرجه الثلاثة).
وترجم لسلمان ترجمة مفصلة السيد علي خان في (الدرجات الرفيعة: ص 198
- 220) طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه‍.
وترجم له الشيخ الطوسي في (رجاله) وعده من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ومن أصحاب الإمام علي - عليه السلام - وذكره أيضا في (الفهرست) وترجم له في
جميع المعاجم الرجالية الشيعية.
وتوفي سلمان بالمدائن وكان واليا فيها من قبل (عمر) وحضر غسله ودفنه
الإمام علي - عليه السلام - على ما نطقت به الاخبار الصحيحة.
وقد كتبت رسائل وكتب في حياة سلمان، منها مطبوع، ومنها مخطوط،
وأبسط كتاب في ذلك (نفس الرحمن في فضائل سلمان) للمحدث النوري طبع بطهران
سنة 1285 ه‍ يقع في (167) صفحة، فرغ من تأليفه ليلة القدر الثالث والعشرين
من شهر رمضان سنة 1283 ه‍، وقد قرضه جماعة من أدباء عصره، بأبيات شعرية،
طبعت في آخره، يتضمن الكتاب سبعة عشر فصلا، فراجعه فإنه كتاب ثمين.
وقد ألف عبد الرحمن بدوي كتابا سماه (شخصيات قلقة في الاسلام) طبع
بالقاهرة سنة 1946 م ذكر فيه سلمان الفارسي من تلك الشخصيات القلقة، وطعن
في جملة كثيرة مما ذكرنا في حياته، وقد أوحى له خياله فألف هذا الكتاب، وأرعد
وأبرق، وجاء بما لا يوافقه عليه أحد من الاعلام المنصفين.
ولسلمان - اليوم - قبر مشيد غاية في العظمة يزوره الزائرون ويقصده السائحون
من الأقطار الاسلامية وغيرها، وحوله دور مشيدة، وتعد البلدة - اليوم - ناحية
من مهمات نواحي بغداد.
16

وأصله من إصبهان من قرية يقال لها (جي). هاجر في طلب
العلم والدين - وهو صبي - وآمن بالنبي (ص) قبل أن يبعث، وعرفه
17

بالصفة والنعت لما هاجر إلى المدينة، وشهد معه (الخندق) فما بعده من
18

المشاهد. شغله الرق عما قبل ذلك. ولما قبض رسول الله (ص) لزم
19

أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يبايع أبا بكر حتى أكره على البيعة،
ووجئت عنقه.
وعن أمير المؤمنين - عليه السلام -: (إن سلمان - رض - أدرك
العلم الأول والآخر). وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام:
(إن سلمان الفارسي بحر لا ينزف).
وحكي عن الفضل بن شاذان: أنه كان يقول: (ما نشأ في الاسلام
رجل من كافة الناس أفقه من سلمان الفارسي).
وذكر ابن شهرآشوب في (معالم العلماء): (أنه أول من صنف
20

في الاسلام بعد ما جمع أمير المؤمنين - عليه السلام - كتاب الله عز وجل) (1).
تولى حكومة (المدائن) في زمان عمر بأمر علي - عليه السلام - وتوفي
بها سنة (34) من الهجرة - على الأصح - وعمره - إذ ذاك - ثلاثمائة
وخمسون سنة. وقيل: مائتان وخمسون سنة.
سهل بن زياد (2) قد ضعفه الشيخ

(1) أنظر: (معالم العلماء: ص 2) طبع النجف الأشرف.
(2) سهل بن زياد الادمي الرازي، أبو سعيد، اختلف أرباب المعاجم في
توثيقه وتضعيفه، ودلل كل من الفريقين على رأيه، راجع تفصيل ذلك في كتاب
(تنقيح المقال: ج 2 ص 65) لشيخنا الحجة الفقيه الشيخ عبد الله المامقاني - رحمه
الله - فلقد فصل أقوال الطرفين، واختار التوثيق، ودلل عليه، ودفع حجج
القائلين بالتضعيف.
21

وابن الغضائري (1) واستثناه ابن الوليد من كتاب (نوادر الحكمة) (2)
وتبعه الصدوق في ذلك (3) وصوبهما الشيخ الثقة أبو العباس ابن نوح (4)
وقال النجاشي: إنه (.. كان ضعيفا في الحديث، غير معتمد فيه،

(1) ضعفه الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 80 برقم 329) وكان
قد ألف (الفهرست) قبل كتاب رجاله. وضعفه - أيضا - أحمد بن الحسين
ابن الغضائري في كتاب الضعفاء من رجاله.
(2) ابن الوليد - هذا -: هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد القمي. وكتاب (نوادر الحكمة) هو لابي جعفر محمد بن أحمد بن يحيى بن
عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي (راجع - تعليقتنا في التعريف
بكتاب نوادر الحكمة - واستثناء ابن الوليد: سهل بن زياد الادمي منه بهامش
ص 348 ج 1 من هذا الكتاب).
ويعتبر ابن الوليد - هذا - من ذوي المعرفة بالرجال.
(3) راجع: (فهرست الشيخ) عند ترجمته لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري
صاحب نوادر الحكمة - من قوله: (وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها
من غلو أو تخليط، وهو الذي يكون طريقه محمد بن موسى الهمداني، أو يرويه
عن رجل، أو عن بعض أصحابنا - إلى قوله -: أو عن سهل بن زياد الادمي...)
فان ذلك تضعيف من الصدوق بن بابويه - لسهل - هذا -.
(4) أبو العباس بن نوح - هذا -: هو أحمد بن علي بن العباس بن نوح
السيرافي، ساكن البصرة - صاحب كتاب (المصابيح) في ذكر من روى عن
الأئمة - عليهم السلام - لكل إمام، وكتاب الزيادات على كتاب أبي العباس أحمد
ابن محمد بن سعيد بن عقدة في رجال جعفر بن محمد - عليهما السلام - مستوفيا
أخبار الوكلاء الأربعة. وهو أستاذ النجاشي. وقد ترجم له في (رجاله). راجع
- مفصل ترجمته - فيما علقناه بهامش ص 369 ج 1 من كتابنا هذا.
22

وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من
(قم) إلى (الري) وكان يسكنها). (1)
والأصح توثيقه، وفاقا لجماعة من المحققين، لنص الشيخ على ذلك
في (كتاب الرجال) (2) ولاعتماد أجلاء أصحاب الحديث - كالصدوقين (3)

(1) انظر: رجال النجاشي: ص 140 طبع إيران. وقد ذكر النجاشي
- بعد أن ترجم له - ما نصه: (... ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن
الحسين) (يعني ابن الغضائري) رحمهما الله.
(2) ذكره الشيخ في (رجاله) تارة في باب أصحاب الجواد عليه السلام
(ص 401، برقم 1) ولم يتعرض لتوثيقه أو تضعيفه، وتارة - في باب أصحاب
الهادي - عليه السلام - (ص 416، برقم 4) وقال (... ثقة...) وثالثة - في
أصحاب العسكري - عليه السلام - (ص 431، برقم 2) ولم يتعرض لتوثيقه
أو تضعيفه، وحيث أن كتاب رجال الشيخ ألفه بعد كتاب الفهرست، فيكون
توثيقه مقدما على تضعيفه وعدولا عنه لأنه تبين له عند تصنيف الرجال ما لم يكن
متبينا له عند تصنيف الفهرست، فلاحظ ذلك.
(3) الصدوقان: هما محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه، ووالده
علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه، والكليني: هو محمد بن يعقوب، فان سهل بن
زياد - هذا - شيخه ويروي عنه في موارد عديدة من الكافي بلا واسطة، ويظهر من
الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) ومن الشيخ الطوسي - رحمهما الله - في (كتابي
الاخبار) أن كتب سهل بن زياد معتمد عليها ولم يطعن فيها، وذكر الوحيد
البهبهاني - رحمه الله - في تعليقته على رجال الميرزا محمد الاسترآبادي منهج المقال -
عند ترجمة سهل بن زياد - (ص 176) ما هذا نصه: (سهل بن زياد اشتهر الآن
ضعفه ولا يخلو من نظر لتوثيق الشيخ، وكونه كثير الرواية جدا، ولان رواياته
سديدة مقبولة مفتى بها، ولرواية جماعة من الأصحاب عنه كما هو المشاهد،
وصرح به هنا النجاشي، بل ورواية أجلائهم عنه، بل وإكثارهم من الرواية
عنه، منهم عدة من أصحاب الكليني، والكليني - مع نهاية احتياطه في أخذ الرواية
واحترازه من المتهمين كما هو ظاهر مشهور - اكثاره من الرواية عنه سيما في (كافيه)
الذي قال في صدره ما قال (فتأمل) وبالجملة إمارات الوثاقة والاعتماد والقوة
التي مرت الإشارة إليها مجتمعة فيه كثيرة، مع أنا لم نجد من أحد من المشائخ القدماء
تأمل في حديثه بسببه، حتى أن الشيخ - رحمه الله - مع أنه كثيرا ما تأمل في أحاديث
جماعة بسببهم - لم يتفق في كتبه مرة ذلك بالنسبة إليه، بل وفى خصوص الحديث
الذي هو واقع في سنده ربما يطعن، بل ويتكلف في الطعن من غير جهة ولا يتأمل
فيه أصلا (فتأمل) وإن أحمد بن محمد بن عيسى أخرج جماعة من قم لروايتهم
عن الضعفاء وإيرادهم المراسيل في كتبهم وكان اجتهادا منه، ولكن كان رئيس
(قم) والناس مع المشهورين إلا من عصمه الله) إلى آخر ما ذكره في التعليقة من
أسباب التوثيق، فراجعه.
23

والكليني وغيرهم (1) - عليه، وإكثارهم الرواية عنه، مضافا إلى كثرة رواياته
في الأصول والفروع، وسلامتها من وجوه الطعن والضعف، خصوصا
عما غمز به من الارتفاع والتخليط، فإنها خالية عنهما. وهي أعدل شاهد
على براءته عما قيل فيه، مع أن الأصل في تضعيفه - كما يظهر من كلام
القوم -: هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وحال القميين - سيما

(1) قال المجلسي الأول في (الوجيزة)، الملحقة برجال العلامة الخلاصة
(ص 154) طبع إيران: (سهل بن زياد ضعيف، وعندي لا يضر ضعفه لكونه
من مشائخ الإجازة) وبعض علماء دراية الحديث يجعله من أسباب وثوق الرجل
والاعتماد عليه، وحكي عن المحقق الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي الأوالي
البحراني المتوفى سنة 1121 ه‍، أنه قال في كتابه المعراج: (ان التعديل بهذه الجهة
طريقة كثير من المتأخرين).
24

ابن عيسى - في التسرع إلى الطعن والقدح والاخراج من (قم) بالتهمة
والريبة، ظاهر لمن راجع الرجال. ولو كان الامر فيه على ما بالغوا به من
الضعف والغلو والكذب، لورد عن الأئمة - عليهم السلام - ذمه وقدحه
والنهي عن الاخذ عنه والرجوع إليه، كما ورد في غيره من الضعفاء
المشهورين بالضعف، فإنه كان في عصر الجواد والهادي والعسكري - عليهم
السلام - وروى عنهم، ولم نجد له في الاخبار طعنا، ولا نقل ذلك أحد
من علماء الرجال، ولولا أنه بمكان من العدالة والتوثيق، لما سلم من ذلك
ثم اعلم، ان الرواية من جهته صحيحة، وإن قلنا بأنه ليس بثقة
لكونه من مشايخ الإجازة، لوقوعه في طبقتهم، فلا يقدح في صحة السند
كغيره من المشائخ الذين لم يوثقوا في كتب الرجال، وتعد أخبارهم
- مع ذلك - صحيحة مثل محمد بن إسماعيل البندقي (1) وأحمد بن محمد بن

(1) محمد بن إسماعيل - هذا - ذكره الشيخ الطوسي في باب من لم يرو عنهم
- عليهم السلام - من رجاله (ص 496، برقم 20) وترجم له السيد المصطفى
في نقد الرجال (ص 293) وقال: (... وكان محمد بن إسماعيل - هذا - هو
الذي يروي في الكافي كثيرا عن الفضل بن شاذان النيسابوري لأنه يذكر بلا واسطة
غيره أحواله).
وذكره المجلسي في الوجيزة (ص 163) فقال: (ومحمد بن إسماعيل البندقي
النيسابوري مجهول، وهذا هو الذي يروي الكليني عن الفضل بن شاذان بتوسطه
واشتبه على القوم وظنوه ابن بزيع، ولا يضر جهالته لكونه من مشائخ الإجازة)
وذكره الشيخ الطوسي في (الفهرست ص 33) ضمن ترجمة أحمد بن داود بن
سعيد الفزاري أبي يحيى الجرجاني الذي كان من جملة أصحاب الحديث من العامة
ورزقه الله هذا الامر والف مصنفات كثيرة في فنون الاحتجاجات على المخالفين
(قال الشيخ) ص 34: (وذكر محمد بن إسماعيل النيشابوري أنه هجم عليه
محمد بن طاهر وأمر بقطع لسانه ويديه ورجليه، وبضربه ألف سوط وصلبه
لسعاية كان سعى بها إليه معروفة) ثم ذكر الساعي وقصة السعاية، ثم ذكر مصنفاته
التي منها كتاب المتعة، والرجعة، والمسح على الخفين، وإطلاق المتعة.
وذكر المير داماد في الراشحة التاسعة عشرة من رواشحه (ص 70 - ص 74)
طبع إيران، فقال (... فهذا الرجل شيخ كبير فاضل جليل القدر معروف الامر
دائر الذكر بين أصحابنا الأقدمين - رضوان الله عليهم - في طبقاتهم وأسانيدهم
وإجازاتهم) ثم قال: (... ثم ليعلم أن طريق الحديث بمحمد بن إسماعيل
النيسابوري - هذا - صحيح لا حسن كما قد وقع في بعض الظنون، ولقد وصف
العلامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحة).
وقد ذكره أيضا الكشي في (رجاله: ص 452) ضمن ترجمة الفضل بن
شاذان.
25

يحيى العطار (1)

(1) أحمد بن محمد بن يحيى العطار أبو علي، ذكره الشيخ في رجاله في باب
من لم يرو عنهم - عليهم السلام - (ص 444، برقم 36) وقال: (روى عنه
التلعكبري، وأخبرنا عنه الحسين بن عبيد الله، وأبو الحسين بن أبي جيد القمي،
وسمع منه سنة 356 ه‍، وله منه إجازة).
وقال الشيخ البهائي - رحمه الله - في مشرق الشمسين (ص 10) طبع إيران
ما نصه: (قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب
الجرح والتعديل بمدح ولا قدح غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين - قدس الله أرواحهم -
قد اعتنوا بشأنه وأكثروا الرواية عنه، وأعيان مشايخنا المتأخرين - طاب ثراهم -
قد حكموا بصحة روايات هو في سندها، والظاهر أن هذا القدر كاف في حصول
الظن بعدالته، وذلك مثل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، فان المذكور في
كتب الرجال توثيق أبيه، وأما هو فغير مذكور بجرح ولا تعديل، وهو من
مشائخ المفيد - رحمه الله - والواسطة بينه وبين أبيه - رحمه الله - والرواية عنه كثيرة، ومثل
أحمد بن محمد بن يحيى العطار، فان الصدوق يروي عنه كثيرا وهو من مشايخه والواسطة بينه
وبين سعد ابن عبد الله، ومثل الحسين بن الحسن بن أبان، فان الرواية عنه كثيرة، وهو من
مشائخ محمد بن الحسن بن الوليد، والواسطة بينه وبين الحسين بن سعيد، والشيخ
عده في كتاب الرجال تارة في أصحاب العسكري - عليه السلام - وتارة فيمن لم
يرو عنهم - عليهم السلام - ولم ينص عليه بشئ، ولم نقف عن توثيقه إلا في غير
بابه في ترجمة محمد بن أورمة، والحق أن عبارة الشيخ - هناك - ليست صريحة في
توثيقه كما لا يخفى على المتأمل، ومثل أبي الحسين علي بن أبي جيد، فان الشيخ
- رحمه الله - يكثر الرواية عنه، سيما في (الاستبصار) وسنده أعلى من سند المفيد
لأنه يروي عن محمد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة وهو من مشايخ النجاشي أيضا
فهؤلاء وأمثالهم من مشائخ الأصحاب لنا ظن بحسن حالهم وعدالتهم، وقد عددت
حديثهم في (الحبل المتين) وفي هذا الكتاب في الصحيح جريا على منوال مشائخنا
المتأخرين، ونرجو من الله سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع).
26

وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد (1)

(1) أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد هو من مشايخ الشيخ المفيد - رحمه الله -
ووثقه الشهيد الثاني في كتاب الدراية (ص 128) طبع النجف الأشرف، في النوع
الذي يقال له (المتفق والمفترق) أي المتفق في الاسم والمفترق في الشخص، فإنه
عد منه جماعة منهم أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد (ثم قال): (ولكنه مع الجهل
لا يضر لان جميعهم ثقات والامر في الاحتجاج بالرواية سهل) وحكم العلامة في
(المختلف) بصحة حديثه، وذكره الميرزا محمد في (الوسيط) فإنه قال: (من المشايخ
المعتبرين، وقد صحح العلامة - رحمه الله - كثيرا من الروايات وهو في الطريق
بحيث لا يحتمل الغفلة، ولم أر إلى الآن ولم أسمع من أحد يتأمل في توثيقه).
وذكره المجلسي - رحمه الله - في الوجيزة (ص 144) قائلا: إنه (أستاذ
المفيد يعد حديثه صحيحا لكونه من مشائخ الإجازة، ووثقه الشهيد الثاني أيضا)
وقال الشيخ البهائي - رحمه الله - في تعليقته على الحبل المتن (ص 11) - بعد أن
ذكره وذكر الحسين بن الحسن بن أبان -: (والحق أن الرجلين ثقتان من وجوه
أصحابنا - رضي الله عنهم - وقد ذكرت في ذلك كلاما مستوفى في حواشي
(التهذيب) ولو قال قائل بصحة طريق الكافي أيضا لم يكن مجازفا، وقد أشبعت
الكلام فيه في حواشي الخلاصة). وقد تقدم - آنفا - في ترجمة أحمد بن محمد بن
يحيى العطار كلام البهائي في (مشرق الشمسين) في شأنه فراجعه، وذكر المير
داماد في الراشحة الثالثة والثلاثين (ص 105) جماعة من الرجال الاثبات الذين
ذكروا في كتب الرجال أو لم يذكروا، والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه
نص عليهم بالتزكية والتوثيق أو لم ينص، وعد منهم أحمد بن محمد بن الحسن
ابن الوليد وأحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري شيخي الشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن محمد بن النعمان - رضي الله عنه - وقال: (أمرهما أجل من الافتقار إلى
تزكية مزك وتوثيق موثق).
27

وأحمد بن عبد الواحد (1)

(1) هو أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون، ترجم له النجاشي في
رجاله (ص 68) وقال في آخر الترجمة في حقه: (وكان علوا في الوقت) أي
عاليا رتبة في زمانه بحيث يغنيه عن التصريح بالتوثيق، مضافا إلى كونه من مشائخ
إجازة النجاشي، وقد توفي سنة 423 ه‍ كما ذكره في رجاله، وقال: يكنى أبا
عبد الله كثير السماع والرواية سمعنا منه وأجاز لنا بجميع ما رواه) ويظهر من عد
العلامة له في (الخلاصة) وابن داود في (رجاله في القسم الأول) كونه من
المعتمد عليهم، وذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم - عليهم السلام -
(ص 450، برقم 69) وقال: (كثير السماع والرواية، سمعنا منه وأجاز لنا
بجميع ما رواه) وكونه من مشايخ إجازة الشيخ الطوسي يغنيه عن التصريح بالتوثيق
والميرزا محمد الاسترآبادي في منهج المقال (ص 38) - بعد أن ترجم له،
وذكر كلام النجاشي والشيخ الطوسي والعلامة - قال: (ويستفاد من كلام العلامة
في بيان طرق الشيخ في كتابيه توثيقه في مواضع) وقد وثقه الوحيد البهبهاني في
تعليقته على منهج المقال (ص 38) لكونه شيخ الإجازة وكونه كثير الرواية،
قال: (وأولى منه كونه كثير السماع الظاهر في أخذها عن كثير من المشائخ)
ثم قال: (وبالجملة الظاهر جلالة الرجل بل وثاقته لما ذكر وأشرنا) وذكره أيضا
المجلسي - رحمه الله - في الوجيزة (ص 144) وقال: إنه (ممدوح ويعد حديثه
صحيحا).
28

وابن أبي جيد (1) والحسين بن الحسن بن أبان (2) وأضرابهم لسهولة الخطب
في أمر المشايخ، فإنهم إنما يذكرون في السند لمجرد الاتصال والتبرك، والا
فالرواية من الكتب والأصول المعلومة - حيث إنها كانت في زمان المحمدين

(1) ابن أبي جيد هو أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد، روى
عنه النجاشي في مواضع من رجاله منها في ترجمة الحسين بن المختار القلانسي أبي
عبد الله، وكذلك الشيخ الطوسي قد أكثر الرواية عنه في (الفهرست) وهو من
مشايخهما، وكونه من مشايخ الإجازة يلحقه بالثقات، وستأتي من سيدنا - قدس
سره - ترجمة له في باب العين.
(2) الحسين بن الحسن بن أبان ذكره الشيخ الطوسي - رحمه الله - في باب
من لم يرو عنهم - عليهم السلام - من رجاله (ص 469 برقم 44) وفي باب
أصحاب العسكري - عليه السلام - وقال: (أدركه ولم نعلم أنه روى عنه...)
والميرزا محمد الاسترآبادي في (منهج المقال): (ص 112) - بعد أن ترجم له -
قال: (ويستفاد من تصحيح بعض طرق التهذيب توثيقه وهو في طريقه وصرح
ابن داود بتوثيقه في ترجمة محمد بن أورمة)، وقد تقدم منا في ترجمة أحمد
ابن محمد بن يحيى العطار ما ذكره الشيخ البهائي في مشرق الشمسين في شأنه، فراجعه
29

الثلاثة (1) ظاهرة معروفة كالكتب الأربعة في زماننا، وذكرهم المشائخ
في أوائل السند كذكر المتأخرين الطريق إليهم مع تواتر الكتب وظهور
انتسابها إلى مؤلفيها وينبه على ذلك: طريقة الشيخ - طاب ثراه - فإنه
ربما يذكر تمام السند كما هو عادة القدماء، وربما يسقط المشايخ ويقتصر على
ايراد الروايات وليس ذلك الا لعدم اختلاف حال السند بذكر المشايخ
وإهمالهم. وقد صرح الشيخ في (مشيخة التهذيب، والاستبصار)
باستخراج ما أورده فيهما من الأخبار من أصول الأصحاب. وكتبهم
وإن وضع المشيخة لبيان طرقه إلى أصحاب تلك الكتب والأصول وإن لم
يكونوا وسائط في النقل (2) والظاهر أن ما اشتمل على ذكر المشايخ
من الروايات كغيره مما ترك فيه ذلك وانه لا حاجة إلى توسطهم في النوعيين
معا (3).

(1) المحمدون الثلاثة هم: محمد بن يعقوب الكليني، ومحمد بن علي بن
الحسين الصدوق ابن بابويه، ومحمد بن الحسن الطوسي، وهم أصحاب كتب
الحديث الأربعة: الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار.
(2) راجع: مشيخة التهذيب الملحق بآخره (ج 10 ص 5) طبع النجف
الأشرف سنة 1382 ه‍، ومشيخة الاستبصار الملحق بآخره (ج 4 ص 297) طبع
النجف الأشرف سنة 1376 ه‍.
(3) روى عن سهل بن زياد (المترجم له) الفضل بن محمد الهاشمي الصالحي
وعلي بن محمد، ومحمد بن أحمد بن يحيى، وأحمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن
أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن قولويه، ومحمد بن علي، ومحمد بن
الحسين، وأبو الحسين الأسدي، ومحمد بن نصير، وعلي بن إبراهيم، وعلي بن
محمد بن إبراهيم الرازي الكليني المعروف، وأحمد بن الحسين، ومحمد بن جعفر بن
عون وأحمد بن الفضل بن محمد الهاشمي، وغيرهم.
وهو يروي عن أبي جعفر، وأبي الحسن، وأبي محمد - عليهم السلام - وعن
محمد بن عيسى، ذكر ذلك المولى الأردبيلي في (جامع الرواة)، وفخر الدين الطريحي
في (جامع المقال)، والمولى محمد أمين الكاظمي في (هداية المحدثين).
30

سهل بن حنيف الأنصاري (1)

(1) سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحرب بن مجدعة بن
عمرو بن حبيش بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي
يكنى: أبا سعد، ويقال: أبو سعيا، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو الوليد
المدني، ترجم له ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب: ج 4 ص 251)
طبع حيدر آباد دكن، وقال: (روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -،
وعن زيد بن ثابت، وعنه ابناه أبو أمامة أسعد، وعبد الله (ويقال عبد الرحمن)
وأبو وائل، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعبيد بن السباق، ويسير بن عمرو، والرباب -
- جدة عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم)
ومثله ما ذكره في (الإصابة ج 2 ص 87) طبع مصر سنة 1328 ه‍.
وترجم له أيضا ابن عبد البر في (الاستيعاب: ج 2 ص 92) طبع مصر
بهامش الإصابة سنة 1328 ه‍، وقال: (شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - وثبت يوم أحد، وكان بايعه يومئذ على الموت،
فثبت معه حين انكشف الناس عنه وجعل ينصح يومئذ بالنبل عن رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نبلوا سهلا فإنه سهل، ثم صحب
عليا - رضي الله عنه - من حين بويع له وإياه استخلف علي حين خرج من المدينة
إلى البصرة، ثم شهد مع علي - رضي الله عنه - صفين، وولاه على (فارس)
فأخرجه أهل فارس، فوجه علي زيادا فأرضوه وصالحوه وأدوا الخراج، ومات
سهل بن حنيف بالكوفة سنة 38 ه‍، وصلى عليه علي وكبر ستا، روى عنه ابنه
وجماعة معه).
وترجم له أيضا الجزري في (أسد الغابة ج 2 ص 364) طبع المطبعة الاسلامية
بطهران، وعده البرقي في كتاب رجاله (ص 3) طبع طهران سنة 1342 ه‍،
هو مع أخيه (عثمان) من شرطة الخميس من أصحاب الإمام أمير المؤمنين - عليه
السلام - وكانوا ستة آلاف رجل، قال البرقي: (... وقال علي بن الحكم: أصحاب
أمير المؤمنين الذين قال لهم: تشرطوا إنما أشارطكم على الجنة ولست أشارطكم على
على ذهب ولا فضة، إن نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لأصحابه فيما مضى:
تشرطوا فانى لست أشارطكم إلا على الجنة، وقال أمير المؤمنين - عليه السلام -
لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: إبشر يا بن يحيى فإنك وأباك من شرطة
الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس
والله سماكم في السماء شرطة الخميس على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)...).
وقيل: (انما سموا بشرطة الخميس لأنهم يشترطون على الامام كما روي
عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: ضمنا له - أي لأمير المؤمنين - عليه السلام - الذبح
وضمن لنا الفتح)
قال ابن الأثير الجزري في (نهاية الحديث: ج 1 ص 321) بمادة (خمس)
(... الخميس الجيش، سمي به لأنه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة، والساقة،
والميمنة والميسرة، والقلب وقيل: لأنه تخمس فيه الغنائم...).
وترجم لسهل بن حنيف أيضا ابن سعد في (الطبقات الكبرى: ج 3 ص 471)
طبع بيروت سنة 1377 ه‍، فإنه - بعد أن ذكر نسبه وأولاده وزوجاته، قال:
(ولسهل بن حنيف اليوم عقب بالمدينة وبغداد) ثم قال: (قالوا: وآخى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بين سهل بن حنيف وعلي بن أبي طالب. وشهد سهل:
بدرا واحدا، وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حين انكشف
الناس وبايعه على الموت، وجعل ينضح يومئذ بالنبل عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نبلوا سهلا فإنه سهل، وشهد سهل أيضا
الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -... وقد شهد سهل
ابن حنيف صفين مع علي بن أبي طالب، رحمه الله).
قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - (نبلوا سهلا) يقال نبلت الرجل
بالتشديد، وأنبلته بالهمزة: إذا ناولته النبل ليرمي به.
لا يخفى أن ما ذكره ابن سعد ومثله الجزري في أسد الغابة من أن النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - آخى بين سهل بن حنيف وبين علي بن أبي طالب
- عليه السلام - لا أصل له، فان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤاخ بين علي - عليه السلام -
وبين أحد غير نفسه، فإنه لما آخى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أصحابه
إلا عليا - عليه السلام - قال له: (آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد
فقال له - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما تركتك لنفسي أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى؟ فأنت آخي في الدنيا والآخرة) ذكر ذلك الاثبات،
منهم أحمد بن حنبل في مسنده في قوله تعالى: (إخوانا على سرر متقابلين) والفقيه
أبو الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي، والترمذي، وغيرهم كثير، وفي
ذلك يقول صفي الدين الحلي - رحمه الله - في مدحه - عليه السلام - من قصيدة:
لو رأى مثلك النبي لآخا * ه وإلا فأخطأ الانتقاد
وروى ابن سعد أيضا (ص 472) أنه قال: (أخبرنا محمد بن عمر (يعني
الواقدي) قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل
عن أبيه قال: مات سهل بن حنيف بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي بن
أبي طالب - رضي الله عنه -).
وروى أيضا بسند آخر عن عبد الله بن معقل قال: (صليت مع علي على
سهل بن حنيف فكبر عليه ستا).
وروى أيضا بسند آخر عن حنش بن المعتمر، قال: (لما توفي
سهل بن حنيف اتي به علي في (الرحبة) فكبر عليه ست تكبيرات، فكان
بعض القوم أنكر ذلك فقيل: إنه بدري، فلما انتهى إلى الجبانة لحقنا قرظة بن
كعب في نفر من أصحابه، فقال: يا أمير المؤمنين لم نشهد الصلاة عليه فقال:
صلوا عليه فصلوا عليه، وكان إمامهم قرظة).
وروى بسند آخر (ص 473) عن أبي خباب الكلبي (قال: سمعت عمير
ابن سعيد يقول: صلى علي على سهل بن حنيف فكبر عليه خمسا، فقالوا ما هذا
التكبير؟ فقال: هذا سهل بن حنيف من أهل بدر. ولأهل بدر فضل على غيرهم
فأردت أن أعلمكم فضلهم).
وقد روى الكشي في رجاله (ص 38 - ص 39) طبع النجف الأشرف
روايات عديدة في سهل - هذا - وكيفية الصلاة عليه، فراجعها.
وذكره الشيخ الطوسي في (رجاله) تارة من أصحاب رسول الله - صلى الله
عليه وآله وسلم - (ص 20، برقم 4) وأخرى من أصحاب أمير المؤمنين - عليه
السلام - (ص 43، برقم 3) قائلا: (سهل بن حنيف أنصاري عربي، وكان
واليه - عليه السلام - على المدينة، يكنى أبا محمد).
وذكره أيضا السيد علي خان في (الدرجات الرفيعة: ص 388)
طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه‍، وحكى فيه حكايات عن الواقدي، وابن
هشام في سيرته، والفضل بن شاذان، والبرقي، والكشي، وأبي مخنف، ثم قال:
(توفي سهل بالكوفة بعد مرجعه من صفين مع أمير المؤمنين - عليه السلام - سنة 38 ه‍
فوجد عليه أمير المؤمنين - عليه السلام - وجدا كثيرا، قال: لو أحبني جبل لتهافت
قال السيد الرضي - رحمه الله - ومعنى ذلك: أن المحبة تغلظ عليه فتسرع المصائب
إليه، ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار المصطفين الأخيار).
31

قال اليافعي في تاريخه (1): (وكان - رحمه الله - (ذا علم وعقل ورياسة

(1) راجع: (مرآة الجنان: ج 1 ص 105) طبع حيدر آباد دكن
سنة 1337 ه‍، لابي محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان عفيف الدين اليافعي
اليمني المتوفى سنة 768 ه‍، فقد ذكر ذلك في حوادث سنة 38 ه‍.
34

وفضل) شهد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدرا فما بعدها من المشاهد، وثبت معه يوم
(أحد) وبايعه - يومئذ - على الموت) وهو من الأصفياء السابقين الذين
رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ولزموا منهاجه ومن الاثنى عشر الذين أنكروا
على أبي بكر (1)
استخلفه علي (عليه السلام) على المدينة حين خرج إلى العراق واستعمله على
(فارس) وولاه البصرة، وشهد سهل (صفين مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
وكان من شرطة الخميس، وهم الذين اشترطوا على أنفسهم القتال،
وضمن لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) الجنة توفي بالكوفة بعد الانصراف من
قتال، اهل الشام سنة 38 ه‍ وكفنه علي عليه السلام في برد أحمر وحبرة (2)
وكبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة، كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين
لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه، ويكبر حتى انتهى إلى قبره، وقد صنع

(1) فمن كلامه في الانكار - كما رواه الطبرسي في (الاحتجاج: ص 44)
طبع إيران - (... يا معاشر قريش، اشهدوا علي أني أشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وقد رأيته في هذا المكان - يعنى الروضة - وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب - عليه
السلام - وهو يقول: أيها الناس هذا علي إمامكم من بعدي، ووصيي في حياتي
وبعد وفاتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي،
وطوبى لمن تبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله).
وفي رجال البرقي (ص 66) طبع طهران (... أشهد على رسول الله أنه
قال: أهل بيتي فرق بين الحق والباطل، وهم الأئمة يقتدي بهم أمتي).
(2) الحبرة - بفتح الحاء وكسرها وفتح الباء الموحدة ثم الراء والتاء في آخرها -:
نوع من برود اليمن الفضفاضة.
35

ذلك خمس مرات يكبر في كل مرة خمس تكبيرات، وروي أنه عليه السلام
قال لو كبرت عليه سبعين لكان أهلا) (1) وناهيك بذلك فضيلة ونبلا.
سيف بن عميرة: - كسفينة - النخعي عربي كوفي أدرك الطبقة الثالثة
والرابعة، وروي عن الصادق والكاظم عليهما السلام وهو أحد الثقات المكثرين
والعلماء المصنفين، له كتاب (2) روى عنه مشاهير الثقات، وجماهير الرواة
كإبراهيم بن هاشم وإسماعيل بن مهران، وأيوب بن نوح، والحسن بن
محبوب والحسن بن علي بن أبي حمزة والحسن بن علي بن يوسف بن بقاح
وابنه الحسين بن سيف وحماد بن عثمان والعباس بن عامر، وعبد السلام بن
سالم وعبد الله بن جبلة وعلي بن أسباط وعلي بن حديد وعلي بن الحكم وعلي بن سيف

(1) راجع في ذلك: الأحاديث التي رواها الكشي في (رجاله: ص 38 -
ص 39) طبع النجف الأشرف، وراجع في ذلك أيضا (منهج المقال) للاسترابادي
(ص 176) طبع إيران.
وانظر أخبار سهل بن حنيف في (كتاب صفين) لنصر بن مزاحم:
(ص 105) و (ص 234) و (ص 280) و (ص 581) طبع القاهرة سنة 1365 ه‍
وفي تاريخ الكامل في حوادث سنة 36 ه‍، وسنة 37 ه‍ في حرب صفين، وفي شرح
نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في ذكره لحوادث صفين، وفي تاريخ المسعودي
(ج 2 ص 346 وص 358) و (ج 3 ص 6)، طبع بيروت سنة 1385 ه‍.
(2) ذكره ابن النديم في (الفهرست: ص 322) تحت عنوان (الفن الخامس
المقالة السادسة) وجعله من مشائخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة - عليهم السلام -
وقال: إن له كتابا.
وترجم له سيدنا الحجة المحسن الأمين العاملي - رحمه الله - في (أعيان الشيعة:
ج 35 ص 424) وقال: له قصيدة في رثاء الحسين - عليه السلام - أولها:
جل المصاب بمن أصبنا فاعذري * يا هذه وعن الملام فأقصري
36

- والأكثر عن أخيه عن أبيه - وعلي بن النعمان وفضالة بن أيوب، ومحمد
ابن أبي عمير ومحمد بن خالد الطيالسي ومحمد بن عبد الجبار ومحمد بن
عبد الحميد وموسى بن القاسم ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم (1).
ذكره الشيخ (في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام من رجاله) (2)
وقال في (الفهرست): (سيف بن عميرة ثقة له كتاب أخبرنا به عدة
من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن عن
سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عنه) (3)
وقال النجاشي: (سيف بن عميرة النخعي عربي كوفي ثقة، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعات من
أصحابنا، أخبرني الحسين بن عبيد الله عن أبي غالب الزراري عن جده
وخال أبيه محمد بن جعفر عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بكتابه (4)
كذا عندنا - في نسختين - مصرحا فيهما بالتوثيق.
وحكى السيد في (النقد) كلامه المشتمل عليه (5). وذكر في مواضع

(1) راجع في رواية هؤلاء الرجال عن سيف بن عميرة: كلا من (جامع
الرواة للمولى الأردبيلي: ج 1 ص 395) طبع إيران سنة 1331 ه‍ وجامع المقال
للشيخ فخر الدين الطريحي النجفي، وهداية المحدثين لتلميذه الشيخ محمد أمين
الكاظمي - رحمهم الله -.
(2) راجع: رجال الشيخ الطوسي - باب أصحاب الصادق (ص 215، برقم
209) وباب أصحاب الكاظم (ص 351، برقم 3) طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه‍
(3) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 78، برقم 323) طبع النجف
الأشرف سنة 1356 ه‍. (4) راجع: رجال النجاشي (ص 143) طبع إيران.
(5) راجع: نقد الرجال للسيد مصطفى التفريشي (ص 166) طبع إيران
سنة 1318 ه‍.
37

منه: أن عنده من كتابه أربع نسخ (1).
وحكاه (صاحب المنهج) خاليا عن التوثيق، وصرح بخلوه عنه (2).
ومقتضى ذلك اختلاف النسخ في ثبوت لفظة (ثقة) في كتاب النجاشي
والأثبت: الثبوت.
وفي (الخلاصة): (سيف بن عميرة - بفتح العين المهملة -:
النخعي عربي كوفي، روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام ثقة) (3).
وهذا الكلام أوفق بكلام النجاشي والغالب فيها الاخذ منه، والتعبير
بعبارته. وفي رجال ابن داود: (سيف بن عميرة - بالفتح - النخعي
- ق م - (جخ جش) عربي كوفي ثقة (4)).

(1) من المواضع المذكورة ما ذكره في ترجمة الحسن بن علوان الكلبي
(ص 92) فراجعه.
(2) فقد حكى الميرزا محمد صاحب كتاب (منهج المقال: ص 175) بعض
الترجمة عن كتاب النجاشي - ثم قال -: (وما في النجاشي فقد قدمناه، وليس فيه
توثيق، نعم ذلك في الخلاصة والفهرست فتأمل).
(3) راجع: (ص 82، برقم 1) طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه‍،
وقد سقطت كلمة (ثقة) من المطبوعة بإيران والنجف الأشرف، ولعله لسقوطها
من المخطوطة التي طبع عليها، لان كل من نقل عن (الخلاصة) من أصحاب
المعاجم الرجالية أثبت لفظة (ثقة)، راجع منها: منهج المقال للاسترابادي، والوسيط
له، ومنتهى المقال لابي علي الحائري، وتلخيص المقال لإبراهيم بن الحسين الخوئي
النجفي، وتنقيح المقال للعلامة الفقيه الحجة المامقاني، فإنه قال: (بعض نسخ
(الخلاصة) خال عن كلمة (ثقة) إلا أن النسخ المعتبرة - ومنها النسخة التي نقلها
في الحاوي والمنهج - متضمنة لذلك)، فلاحظ ذلك.
(4) يرمز ابن داود في رجاله بحرف (ق) إلى أنه من أصحاب الصادق
- عليه السلام -، وبحرف (م) إلى أنه من أصحاب الكاظم - عليه السلام -،
وبحرفي (جخ) إلى رجال الشيخ الطوسي وبحرفي (جش) إلى رجال النجاشي.
يريد ابن داود بقوله - هذا - (ص 182) أن سيف بن عميرة ذكره الشيخ الطوسي
في رجاله في باب أصحاب الصادق وفي باب أصحاب الكاظم - عليهما السلام - كما
ذكره النجاشي في كتاب رجاله، وقد ذكر ابن داود اصطلاحاته في الرموز في
أول كتاب رجاله، فراجعه، وانظر: رجال الشيخ (ص 215، برقم 209)
باب أصحاب الصادق - عليه السلام - و (ص 351، برقم 3) باب أصحاب
الكاظم - عليه السلام -، وانظر الفهرست له أيضا (ص 78، برقم 323 طبع
النجف الأشرف سنة 1356 ه‍.
38

وفهم منه السيد في (المنهج) وغيره نقل التوثيق عن (النجاشي)
وهو كما ترى (1).
وقال الكشي - في شعيب بن أعين -: (قال محمد بن مسعود:
سألت علي بن الحسن بن فضال عن شعيب يروي عنه سيف بن عميرة؟
فقال: هو ثقة) (2). وهذا يعطي أن توثيق سيف كان مسلما عندهم،

(1) يشير سيدنا قدس سره بقوله (وهو كما ترى) إلى أن كلمة (ثقة)
جاءت من ابن داود نفسه لا من النجاشي ولذلك وضعها بعد رمز (جش) فلا وجه
لما ذكره صاحب (المنهج) - بعد أن نقل كلام ابن داود - بقوله: (وما في (جش)
فقد قدمناه وليس فيه توثيق).
وقد تقدم - آنفا - ما ذكره سيدنا - قدس سره - من أن (مقتضى ذلك -
أي ما حكاه صاحب (المنهج) - اختلاف النسخ في ثبوت لفظة (ثقة) في كتاب
النجاشي والأثبت الثبوت).
(2) أنظر: رجال الكشي في ترجمة شعيب بن أعين (ص 269 - 270) طبع
النجف الأشرف.
39

وإلا لم يفد توثيق شعيب شيئا، مع عدم سلامة الطريق إليه.
ويشهد له أيضا عدم ذكر ابن الغضائري لسيف في كتابه المقصور
على الضعفاء مع اشتهاره في رواة الحديث.
وقال السروي: (سيف بن عميرة من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ثقة
واقفي له كتاب) (1).
وفي (كشف الرموز) في مسألة التمتع بأمة المرأة بغير اذنها: (ان
ذلك رواية سيف بن عميرة، وهي ضعيفة السند، فان سيفا مطعون فيه
ملعون) (2).

(1) انظر: معالم العلماء لابن شهرآشوب المازندراني السروي (ص 56 -
برقم 377) طبع النجف الأشرف.
(2) كشف الرموز هو في شرح المختصر النافع للمحقق الحلي - رحمه الله -
وهو تأليف الحسن بن أبي طالب بن ربيب الدين ابن أبي المجد اليوسفي الآبي الملقب
عز الدين، تلميذ المحقق الحلي صاحب الشرائع والمختصر النافع، وقد ترجم له
سيدنا - قدس سره - في (ج 2 ص 179 من) هذا الكتاب، فراجعه.
فإنه في شرح قول المحقق: (وفي رواية سيف يجوز نكاح أمة المرأة من
غير إذنها متعة وهي منافية للأصل) قال: (هذه رواها سيف بن عميرة عن علي
ابن المغيرة قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يتمتع بأمة امرأة من غير إذنها،
قال لا بأس به، والرواية ضعيفة السند فان سيفا مطعون فيه ملعون، ولكن أفتى
عليها الشيخ في النهاية والتهذيب، واستضعفها في الاستبصار، فقال: إن سيفا
تارة يرويها عن علي بن المغيرة، وتارة عن داود بن فرقد، وتارة عن أبي عبد الله
بلا واسطة، (فأقول) الوجه اطراح الرواية والعمل بما يقتضيه الأصل وهو تحريم
التصرف في أمة الغير إلا باذنه... الخ).
40

وفي غاية المراد: (وربما ضعف بعضهم سيفا، والصحيح أنه ثقة) (1).
ولعل هذا البعض الذي حكى عنه الشهيد هو الآبي - صاحب الكشف -
وأن تضعيفه سيفا لطعن السروي عليه بالوقف، فقوله (مطعون) اي:
مطعون في مذهبه (وملعون) اي بلعن الواقفة عموما كما روي في أخبار
كثيرة (2) وأول بهم قوله تعالى (ملعونين أينما ثقفوا) (3) ويحتمل أن
يكون التضعيف من غيره أو منه لغير المذهب فينقدح في حديث سيف
وجوه أصحها: الصحة، وأضعفها الضعف لتصريح الثقات الاثبات الذين
هم أساطين الجرح والتعديل بأنه ثقة (مع) موافقة السروي (4) لهم على
التوثيق، وإن أضاف إليه الوقف، فان غايته، أن يصير الحديث بذلك
موثقا، وأما الضعف فلا إلا أن يبنى على تضعيف الموثق، والمفروض
خلافه.

(1) راجع: غاية المراد في شرح نكت الارشاد للشيخ شمس الدين محمد
ابن الشيخ جمال الدين مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الأول والمقتول سنة
786 ه‍، وقد طبع الكتاب في إيران مكررا منها طبعة سنة 1302 ه‍، وقد قال
هذه العبارة في شرح قول العلامة الحلي في كتاب النكاح: (ولا يجوز نكاح
الأمة إلا باذن المولى...) الخ.
(2) راجع في رجال الكشي: الأخبار الواردة في ذم الواقفة في ترجمة علي
ابن أبي حمزة البطائني (ص 344، برقم 264 وص 376، برقم 310).
(3) سورة الأحزاب: 61، وتتمة الآية (اخذوا وقتلوا تقتيلا) والآية
في وصف المنافقين المرجفين في المدينة في مقتبل رسالة النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم -.
(4) يعني: ابن شهرآشوب السروي المازندراني في كتاب رجاله (معالم
العلماء ص 56).
41

وقد يعلل الضعف بما يتفق في حديث سيف من الغرابة والاضطراب
كما في رواية حل التمتع بأمة المرأة بدون إذنها، حيث رواها - تارة -
عن الصادق - عليه السلام - بغير واسطة، وأخرى بواسطة علي بن المغيرة
أو داود بن فرقد (1) وروايته قبول شهادة امرأتين مع اليمين فإنه رواها
- مرة - عن منصور بن حازم عن الكاظم - عليه السلام - وأخرى عن
منصور عن غيره عنه - عليه السلام - (2).

(1) قال الشهيد الثاني في (المسالك: كتاب النكاح، باب عدم جواز نكاح
الأمة إلا باذن مالكها): (... فلا فرق في المنع من نكاح الأمة بغير إذن مولاها
بين الدائم والمنقطع، لوجود المقتضي للمنع في الجميع، وهو قبح التصرف في مال
الغير بغير إذنه، والقول بجواز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها للشيخ في (النهاية
والتهذيب) استنادا إلى رواية سيف بن عميرة - الصحيحة - عن علي بن المغيرة قال
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها؟ قال: لا بأس به
وهذه الرواية - مع مخالفتها لأصول المذهب ولظاهر القرآن - مضطربة السند فان
سيف بن عميرة - تارة - يرويها عن الصادق - عليه السلام - بغير واسطة، و - تارة -
بواسطة علي بن المغيرة، وتارة بواسطة داود بن فرقد. واضطراب السند يضعف
الرواية - ان كانت صحيحة - فكيف بمثل هذه الرواية؟).
وانظر: تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (ج 7 ص 257، برقم الحديث
(1113)، وص 258 رقم الحديث (1114)، (ورقم الحديث 1115) طبع
النجف الأشرف سنة 1380 ه‍.
(2) راجع في ذلك: الكافي للكليني (ج 7 ص 386) طبع طهران سنة
379 ه‍، والتهذيب للشيخ الطوسي (ج 6 ص 272) طبع النجف الأشرف سنة
1380 ه‍، والاستبصار له أيضا، (ج 3 ص 31) طبع النجف الأشرف سنة 1376 ه‍
ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ابن بابويه (ج 3 ص 33) طبع النجف الأشرف
سنة 1378 ه‍، وفي الكتاب الأخير: كانت رواية منصور بن حازم عن
الكاظم - عليه السلام - بدون واسطة والراوي عن منصور في حديث هذا الكتاب
هو سيف بن عميرة كما ذكره الصدوق في مشيخته في آخر الكتاب (ص 22)
من طبع النجف الأشرف، وأما رواية منصور بن حازم في الكتب الثلاثة الأولى،
فهي عن الكاظم - عليه السلام - بواسطة الثقة، ويروي عن منصور - هذا - سيف
ابن عميرة، فلاحظ ذلك.
42

ولا يخفى ضعف هذا التعليل لان ذلك قد يقع في أحاديث الثقات
ولم يجعله أحد دليلا على الضعف الا مع الكثرة المنافية للضبط وهي منتفية
في حديث سيف قطعا، فلم يبق الا الطعن عليه بالوقف، والأظهر سقوطه
أيضا، لان الظاهر من توثيق الشيخين والفاضلين (1) مع عدم تعرضهم
للوقف وغيره: سلامة المذهب وهو ظاهر الكشي والعياشي وابن فضال وابن
الغضايري، كما سبق التنبيه عليه (2) وقد سمعت كلام الشهيد فيه (3) وهو
كالصريح في ذلك
وفى التنقيح (4) (ولا شك ان سيفا هذا لم أقف فيه على طعن في
عدالته وروايته من الصحيح).

(1) الشيخان - هنا - هما الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي، والفاضلان - هنا -
هما العلامة، وابن داود الحليان، وقد تقدم توثيقهم له.
(2) سبق آنفا ذكره لرواية الكشي المتضمنة لذكر محمد بن مسعود العياشي
وعلي بن الحسن بن فضال كما سبق قوله: (ويشهد له عدم ذكر ابن الغضائري
لسيف في كتابه المقصور على الضعفاء مع اشتهاره في رواة الحديث).
(3) يشير - رحمه الله - إلى ما نقله آنفا عن غاية المراد للشهيد الأول - قدس
سره -.
(4) التنقيح الرائع من المختصر النافع الذي هو اختصار (الشرائع)،
والتنقيح شرح وبيان لوجه تردداته في (المختصر) الذي هو كأصله للمحقق
الحلي المتوفى سنة 676 ه‍، والشرح للفاضل المقداد بن عبد الله السيوري المتوفى سنة
826 ه‍، وهو شرح تام من الطهارة إلى الديات، وقد ذكر في كتاب النكاح
منه في حكم نكاح أمة المرأة بدون إذنها ما نصه: (روى سيف بن عميرة عن علي
ابن المغيرة قال: سألت الصادق - عليه السلام - عن الرجل يتمتع بأمة المرأة بغير
إذنها، فقال: لا بأس فيه) - ثم قال -: (ولا شك أن سيفا هذا لم أقف فيه على
طعن في عدالته وروايته من الصحيح) - ثم قال -: (إضطرابها في إسنادها وأن
سيفا تارة رواها عن علي بن المغيرة عن الصادق - عليه السلام - وتارة رواها عن
داود بن فرقد عن الصادق - عليه السلام - وأخرى عن الصادق - عليه السلام -
بغير واسطة، وفى كل واحدة بلفظ غير اللفظ الاخر)، وراجع أيضا: باب
الشهادات من كتاب القضاء في مسألة شهادة امرأتين مع اليمين، من كتاب التنقيح
43

وفي شرح الاستبصار (1) لسبط الشهيد: (واما سيف بن عميرة فهو ثقة

(1) شرح الاستبصار اسمه: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، للشيخ
أبى جعفر محمد بن أبي منصور الحسن ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني الشامي
العاملي المتوفى بمكة سنة 1030 ه‍، وهو كبير، خرج منه ثلاث مجلدات في الطهارة
والصلاة والنكاح والمتاجر إلى آخر القضاء، بدأ فيه بمقدمة فيها اثنتا عشرة فائدة
رجالية نظير المقدمات الاثنتي عشرة لمنتقى الجمان لوالده الشيخ حسن، وبعد المقدمة
أخذ في شرح الأحاديث، فيذكر الحديث ويتكلم أولا فيما يتعلق بسنده من أحوال
رجاله تحت عنوان (السند) ثم بعد الفراغ عن السند يشرع في بيان مداليل ألفاظ
الحديث وما يستنبط منها من الاحكام تحت عنوان (المتن)، شرع فيه وكتب عدة
من أجزائه في كربلاء كما يظهر من آخر الجزء الأول منه المنتهى إلى آخر التيمم،
فقد كتب في آخره (فرغ منه بكربلا يوم الخميس السابع عشر من جمادى الأولى
سنة 1025 ه‍، توجد نسخ منه في طهران والنجف الأشرف وكربلا، وفرغ
المؤلف من تأليفه بكربلا يوم الثلاثاء (28) من شهر صفر سنة 1026 ه‍ أنظر
(الذريعة) لشيخنا الطهراني (ج 2 ص 30).
44

وينقل عن ابن شهرآشوب القول بأنه واقفي لكن حال ابن شهرآشوب
غير معلوم.).
وفى التحرير (1) بعد حكاية الوقف عنه قال (ولم يذكره غيره).
وفي الوجيزة: (وسيف بن عميرة ثقة) (2) ولم يشر إلى الخلاف.
وفي التعليقة عن جده: (لم نر من أصحاب الرجال وغيرهم ما يدل على
وقفه وكأنه وقع منه سهوا) (3).

(1) اسمه (تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة) وهو شرح (تفصيل
وسائل الشيعة) لمؤلف أصله المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى
سنة 1104 ه‍، ذكره في كتابه (أمل الآمل) عند ترجمة نفسه، ينقل عنه الشيخ
عبد النبي الكاظمي في (تكملة نقد الرجال) الذي فرغ من تأليفه سنة 1240 ه‍،
يوجد جزؤه الأول في بعض مكتبات النجف الأشرف، ذكر في أوله (... ولا بد من
تقديم مقدمة تشتمل على فوائد مهمة نافعة في هذا المرام فيها أهم ما ذكره
الأصحاب في كتب الفقه من المقدمات وهي اثنتا عشرة) أول المقدمات في مطالب
هذا الشرح من بيان السند، ووجوه الصحة والضعف، وضبط أسماء الرواة،
وبيان التواتر أو الاجماع أو الأقوال من الخاصة والعامة، وإعراب الكلمات ولغاتها
أنظر: الذريعة (ج 3 ص 393).
(2) أنظر: الوجيزة للمجلسي (ص 154) وهي ملحقة بالخلاصة للعلامة
طبع إيران.
(3) أنظر: التعليقة على رجال (منهج المقال) للاسترابادي، وهي للوحيد
البهبهاني، ومراده بجده: المجلسي الأول صاحب البحار المولى التقي - رحمه الله -، ويشير بقوله:
(وقع منه سهوا) إلى ابن شهرآشوب في كتابه (معالم العلماء).
45

وأيضا فان الفاضلين حكما بصحة طريق الصدوق إلى منصور بن
حازم وفيه سيف بن عميرة (1).
واتفق الفقهاء من أصحاب الاصطلاح كالعلامة ومن تأخر عنه على عد
حديثه صحيحا في كتب الاستدلال، ولم يطعن عليه أحد بالضعف ولا بالوقف
وذكروا روايته في حل التمتع بأمة المرأة بغير اذنها وأمعنوا في تضعيفها
بوجوه عديدة كالاضطراب ومخالفة الأصول والكتاب وغيرها، ولم يضعفها
أحد منهم بضعف (سيف) بالوقف أو غيره إلا من شد كالآبي (2).
وفى الايضاح (3) والتنقيح (4) وجامع المقاصد (5)

(1) الفاضلان - هنا - العلامة وابن داود الحليان، فقد ذكر ذلك الأول
منهما في الفائدة الثامنة في خاتمة الخلاصة (ص 277) طبع النجف الأشرف، وذكر
ذلك الثاني منهما في التنبيهات الملحقة بآخر رجاله (ص 559) طبع طهران.
(2) تقدم - آنفا منه قدس سره - ما نقله عن كشف الرموز للآبي من قوله
(فان سيفا مطعون فيه ملعون).
(3) قال الشيخ فخر المحققين ولد العلامة الحلي - رحمهما الله - في المطلب
الثالث من الفصل الثاني من الباب الثاني من كتاب النكاح في الايضاح: ما نصه
(احتج الشيخ بما رواه سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة في الصحيح، قال:
سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها قال - عليه
السلام -: لا بأس به) ثم قال الفخر: (والجواب: أن سيف بن عميرة اضطرب
في الواسطة وعدمها) فإنه - رحمه الله - صرح بصحة رواية سيف بن عميرة، وإن
ردها من جهة أنه اضطرب في الواسطة وعدمها.
(4) تقدم - آنفا - تصريح صاحب التنقيح بصحة رواية سيف بن عميرة،
فراجعه.
(5) جامع المقاصد في شرح القواعد تأليف العلامة الحلي - رحمه الله -
وهو شرح مبسوط للمحقق الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي
الكركي المتوفى بالنجف الأشرف في يوم الغدير سنة 940 ه‍، خرج من هذا
الشرح ست مجلدات مع أنه لم يتجاوز مبحث تفويض البضع من كتاب النكاح،
وقد وصل إلى هذا الحد في اليوم الأول من شهر جمادى الأولى من سنة 935 ه‍،
ولم يتيسر له إتمامه بعد ذلك، فتممه الفاضل الهندي بكتابه (كشف اللثام عن وجه
قواعد الاحكام) فابتدأ بشرح كتاب النكاح إلى آخر القواعد، وقد طبع جامع
المقاصد بإيران في مجلد كبير كما طبع كشف اللثام بإيران. راجع المسألة المذكورة
في كتاب النكاح.
46

والمهذب البارع (1) والمسالك (2) والروضة (3) وغيرها: التصريح بصحة

(1) المهذب البارع في شرح المختصر النافع للشيخ جمال الدين أبي العباس
أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلي المتوفى سنة 841 ه‍، لم يطبع وتوجد نسخه
المخطوطة في مكتبات النجف الأشرف.
قال في كتاب النكاح في شرح قول المحقق - رحمه الله -: (وفى رواية
سيف يجوز نكاح أمة المرأة من غير إذنها متعة وهي منافية للأصل) - أقول:
(روى هذه سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله
- عليه السلام - عن الرجل يتمتع بأمة المرأة من غير إذنها فقال: لا بأس، وسيف
مضطرب في الواسطة وعدمها، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية، ومنع في المسائل
الحائرية، وبه قال المفيد وابن إدريس والمصنف والعلامة لقوله تعالى: (فانكحوهن
بإذن أهلهن) ولأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه).
(2) تقدم آنفا في التعليقة - ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك - رحمه الله -
فراجع.
(3) راجع: الروضة شرح اللمعة للشهيد الثاني - رحمه الله - (ج 2 ص 77
برقم 7) من الطبعة البيروتية سنة 1379 ه‍ في كتاب النكاح.
47

روايته هذه وإن كانت مردودة بغير الضعف.
وأيضا فان الوقف ونحوه انما يثبت بنقل السلف أو دلالة الاخبار
والآثار وكلاهما منتف هنا، فان القدماء لم يتعرضوا لذلك أصلا وظاهرهم
سلامة المذهب. وأما الاخبار فقد تتبعنا أحاديث الواقفية وقصصهم فلم
نجد لسيف فيها عينا ولا أثرا، ولو كان واقفيا لادعته الواقفة ولم يذهب
ذلك على أصحابنا ولوجد له شئ يشعر بالوقف بمقتضى العادة في مثله
من المشاهير. وقد ذكر الأصحاب، أن الواقف منهم من وقف واستمر
على الوقف كعلي بن أبي حمزة وزياد القندي ونحوهما، ومنهم من وقف
ثم قطع كأحمد بن محمد بن أبي نصر، وعبد الله بن المغيرة وعبد الرحمن
ابن الحجاج. وغيرهم من الأعاظم الذين لا يتأمل في ثقتهم ولا في صحة
حديثهم. وسيف بن عميرة - وإن لم يذكر في شئ من القسمين - إلا أنه
على تقدير وقفه - كما قاله السروي - يحتمل كونه من الثاني (1) على أن
يكون توثيق الشيخ والنجاشي وغيرهما وحكم الأصحاب بصحة حديثه لتبين
رجوعه عندهم كالبزنطي (2) وأمثاله. والطعن بالوقف وان كان ظاهرا
في الأول (3) إلا أن مقتضى التعديل والصحيح هو الثاني. ومن الجائز
وقوف الجارح على أصل الوقف دون الرجوع فيثبت الرجوع بثبوت
ما يستلزمه (4) تقديما للاثبات على النفي.

(1) يعني: توقف، ثم قطع على إمامة الكاظم - عليه السلام -.
(2) يعني: أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
(3) يعنى: ولو فرض وقفه في أول أمره إلا أن مقتضى التعديل والتصحيح
من النجاشي والشيخ الطوسي وغيرهما هو الرجوع عن الوقف.
(4) يعني: التعديل وتصحيح ما يرويه.
48

هذا على تقدير التعادل بين الجرح والتعديل أو القول بتقديم الجرح
مطلقا على خلاف التحقيق، والا فالأوجه تقديم المعدل هنا كما تبين مما
قررناه (1) ومن ثم أعرض الأصحاب عن قول الجارح، واستظهر بعضهم (2) وقوعه
منه سهوا، ويوشك أن يكون المنشأ تداخل العنوانين في نسخة (رجال الشيخ)
الواقعة إليه (3) فإنه قال في باب السين من أصحاب الكاظم (عليه السلام) (سيف بن عميرة
له كتاب روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)) (4). (سماعة بن مهران مولى حضرموت
كوفي له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) واقفي) فيحتمل (5) أن يكون قد سقط
منها من قوله (روى) في العنوان الأول إلى مثله في الثاني فاتصل قوله (واقفي)
بترجمة سيف والقرينة عدم ذكره لسماعة بن مهران في كتابه وعندنا منه

(1) يشير - قدس سره - إلى ما ذكره آنفا من توثيق النجاشي والشيخ وغيرهما
وحكم الأصحاب بصحة حديثه لتبين رجوعه (الخ).
(2) يريد بهذا البعض: المجلسي الأول على ما ذكره الوحيد البهبهاني - رحمه الله -
في تعليقته على (منهج المقال) كما سبق من سيدنا - قدس سره - آنفا - من قوله:
(وفي التعليقة عن جده لم نر من أصحاب الرجال وغيرهم ما يدل على وقفه، وكأنه
وقع منه سهوا) أي: وقع الحكم من ابن شهرآشوب بوقف سيف بن عميرة،
سهوا منه.
(3) أي: الواقعة إلى ابن شهرآشوب.
(4) راجع: (ص 351 برقم 3) من رجال الشيخ الطوسي، ورقم (4) من
الصفحة المذكورة.
(5) يعني: أنه من المحتمل أن يكون سقط من نسخة رجال الشيخ الواقعة
إلى ابن شهرآشوب ابتداء من قوله (روى) في عنوان سيف بن عميرة إلى قوله
(روى) في عنوان سماعة بن مهران، فاتصل قوله (واقفي) بترجمة سيف، فصارت
العبارة حينئذ (سيف بن عميرة روى عن أبي عبد الله - عليه السلام - واقفي)
والقرينة على هذا الاحتمال الذي ذكرناه هو عدم ذكر ابن شهرآشوب في كتابه
(معالم العلماء) ترجمة لسماعة بن مهران (وعندنا منه) أي من (معالم العلماء) ثلاث
نسخ كلها لم يترجم فيها لسماعة بن مهران، هذا هو مراد سيدنا - قدس سره - من
عبارته المذكورة، فلاحظ ذلك.
49

ثلاث نسخ كلها كذلك، ويمكن أن يكون الحكم عليه بالوقف من باب
الاجتهاد (1) والاستناد إلى بعض الوجوه غير الصالحة للاعتماد كرواية
بعض الواقفة عنه، خصوصا مثل الحسن بن علي بن أبي حمزة المشهور
بالعناد (2) وعدم روايته عن الرضا - عليه السلام - مع بقائه إلى زمانه وروايته
عن أبي بكر الحضرمي (3) عن رفيد مولى ابن هبيرة قال أبو عبد الله (عليه السلام):
(إذا رأيت القائم قد أعطى رجلا مائة ألف درهم وأعطاك درهما فلا
يكبرن ذلك في صدرك فان الامر مفوض إليه) وفي الجميع ضعف ظاهر (4)

(1) يعني: اجتهاد ابن شهرآشوب في الحكم بوقف سيف بن عميرة.
(2) هذا هو الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني الذي ذكره النجاشي
في رجاله (ص 28) طبع إيران، وقال فيه: (... رأيت شيوخنا - رحمهم الله -
يذكرون أنه كان من وجوه الواقفة...) وذكره الكشي في رجاله (ص 344
وص 462) طبع النجف الأشرف وأورد في ذمه روايات عديدة، فراجعها.
(3) أي رواية سيف بن عميرة، وأبو بكر الحضرمي - هذا - هو عبد الله
ابن محمد الكوفي روى عن الباقر والصادق عليهما السلام، وروى الكشي في رجاله
(ص 354) روايات في مدحه، فراجعها. وعده كل من العلامة الحلي في الخلاصة
(ص 110) وابن داود الحلي في رجاله (ص 211) في القسم الأول من رجاليهما
وعده المجلسي في الوجيزة (ص 156) ممدوحا.
(4) ووجه ظهور الضعف في الجميع: هو أن رواية الواقفة عنه لا يكون
طعنا فيه لان الطعن في الراوي لا يسري إلى المروي عنه، فلا يقدح فيه رواية
أمثال الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي عنه، كما أن رواية سيف
ابن عميرة عن أبي بكر الحضرمي الذي قد عرفت فيما سبق وثاقته لا يعد طعنا فيه
لا سيما ولم يرو عنه سيف بن عميرة وحده، وإنما روى عنه جماعة من الاجلة وممن
أجمعت العصابة عليهم كعبد الله بن مسكان، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي
وجميل بن دراج، ويونس بن عبد الرحمن، ومحمد بن أبي عمير، وعمرو بن أبي
بكار، وعلي بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم، وعبد الكريم بن
عمرو، وأبي أيوب، وأيوب بن الحر، ومنذر بن جيفر، ومعاوية بن حكيم، وداود
ابن سليمان الكوفي، وعبد الله بن القاسم وعثمان بن عبد الملك الحضرمي، وعثمان بن
عيسى، والحسن بن سيف بن عميرة، ويعقوب بن سالم، ومحمد بن سنان، وثعلبة
ابن ميمون، وأبى إسحاق، ومنصور بن يونس، وصالح بن حمزة عن أبيه،
ومحمد بن أبي حمزة، ويحيى بن عبد الملك، وعثمان بن عبد الملك. وقد روى
الكشي باسناده (عن عمرو بن الياس قال: دخلت أنا وأبي إلياس بن عمرو على
أبي بكر الحضرمي وهو يجود بنفسه، فقال: يا عمرو ليست هذه بساعة الكذب،
أشهد على جعفر بن محمد - عليه السلام - أني سمعته يقول: لا تمس النار من مات
وهو يقول بهذا الامر). وفي رواية أخرى للكشي (أنه قال: - عليه السلام - لا يدخل
النار منكم أحد)، ومحاججته مع زيد بن علي - عليه السلام - في أمر خروجه، ومدح
أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - لهذه المحاججة - كما ذكرها الكشي في رجاله -
كل ذلك كاف في توثيق أبي بكر الحضرمي. فأي طعن - بعد ذلك - على سيف
ابن عميرة في روايته عنه؟.
50

والصحيح ان الرجل ثقة وحديثه صحيح كما هو المشهور، وقد سبق
في أحوال الواقفية (1) ان الظاهر من حال سلفهم وشيوخهم كالبطائني والقندي

(1) أنظر: تفصيل ذلك في (ج 2 ص 348 - ص 357) في ترجمة زياد بن
مروان القندي الأنباري من كتابنا هذا.
51

ومن في طبقتهما هو الضعف غير المجتمع مع التوثيق، لما سبق من أن المنشأ
في قولهم بالوقف هو الاستبداد بالأموال التي اجتمعت عندهم من حقوق
الإمام عليه السلام، ومنزلة سيف بن عميرة تجل عن ذلك، فإنه ثقة باعتراف
الخصم (1).

(1) يريد بالخصم: هو ابن شهرآشوب، فإنه وثق سيف بن عميرة، وإن
حكم بوقفه في (معالم العلماء) - كما سبق آنفا - فراجع.
52

باب الشين
شهاب بن عبد ربه (1). في الكافي: (عن أبيه عن ابن أبي عمير

(1) شهاب بن عبد ربه الأسدي - مولاهم - الكوفي، ترجم له النجاشي
في (رجاله: ص 148) بعنوان: (شهاب بن عبد ربه بن أبي ميمونة مولى بنى
نصر بن قعين من بني أسد، روى عن أبي عبد الله، وعن أبي جعفر - عليهما السلام -
وكان موسرا ذا مال، ذكر ابن بطة: أن له كتابا، حدثه به الصفار عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير).
وذكره الشيخ الطوسي في (كتاب رجاله) من أصحاب الصادق - عليه السلام -
(ص 218، برقم 14) كما ذكره في (الفهرست: ص 83، برقم 345) وقال:
(له أصل، رويناه بالاسناد الأول عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي
عمير، عنه) وأراد (بالاسناد الأول) جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة، وهو
الاسناد الذي ذكره في ترجمة شريف بن سابق التفليسي التي قبل ترجمة شهاب بن
عبد ربه.
وترجم له أيضا العلامة في القسم الأول من (الخلاصة: ص 87، برقم 2)
وذكره أيضا (ص 9) في ترجمة إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه بن أبي ميمونة
ابن يسار مولى بني أسد، فقال: (... وجه من وجوه أصحابنا وفقيه من فقهائنا
وهو من بيت الشيعة، عمومته: شهاب وعبد الرحيم ووهب، وأبوه عبد الخاق
كلهم ثقات...).
وذكره الكشي في (رجاله: ص 352) وروى فيه روايات مادحة وقادحة
فراجعها.
53

عن جميل بن دراج عن الوليد بن صبيح قال قال لي شهاب بن عبد ربه:
إقرأ أبا عبد الله (عليه السلام) عني السلام وأعلمه أنه يصيبني فزع في منامي، قال
فقال له: إن شهابا يقرئك السلام ويقول لك: انه يصيبه فزع في منامه
قال قل له: فليزك ماله، قال: فأبلغت شهابا ذلك، فقال لي: فتبلغه
عني؟ فقلت: نعم قال: قل له: ان الصبيان - فضلا عن الرجال -
ليعلمون أني أزكي مالي، قال: فأبلغته فقال أبو عبد الله - عليه السلام - قل
له: إنك تخرجها ولا تضعها في مواضعها) (1).
الكافي: (علي بن محمد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عمن
ذكره عن الوليد بن أبي العلا عن معتب قال: دخل محمد بن بشر الوشا
على أبي عبد الله - عليه السلام - فسأله أن يكلم شهابا أن يخفف عنه حتى
ينقضى الموسم وكان له عليه ألف دينار، فأرسل إليه فأتاه، فقال له:
قد عرفت حال محمد وانقطاعه الينا، وقد ذكر أن لك عليه ألف دينار
لم تذهب في بطن ولا فرج، وإنما ذهبت دينا على الرجال ووضايع
وضعها وأنا أحب أن تجعله في حل؟ فقال: لعلك ممن يزعم أنه يقبض
من حسناته فتعطاها؟ فقال كذلك في أيدينا، فقال أبو عبد الله - عليه
السلام - الله أكرم وأعدل من أن يتقرب إليه عبده فيقوم في الليلة القرة (2)
أو يصوم في اليوم الحار أو يطوف بهذا البيت، ثم يسلبه ذلك فتعطاه
ولكن الله ذو فضل كثير يكافئ المؤمن، فقال: فهو في حل) (3).

(1) راجع: فروع الكافي (ج 3 ص 546) طبع طهران الجديد سنة
1377 ه‍ باب الزكاة تعطى غير أهل الولاية -.
(2) الليلة القرة - بالتشديد - أي الشديدة البرد.
(3) راجع: فروع الكافي: (ج 4 ص 36) طبع طهران الجديد - كتاب
الزكاة، باب تحليل الميت.
54

(معاوية بن حكيم عن جعفر بن محمد بن يونس عن عبد الرحمان بن
الحجاج قال: استقرض أبو الحسن - عليه السلام - من شهاب بن عبد ربه
قال: وكتب كتابا ووضع على يدي عبد الرحمان بن الحجاج، وقال:
ان حدث بي حدث فخرقه، قال عبد الرحمان: فخرجت من مكة فلقيني
أبو الحسن - عليه السلام - فأرسل إلي بمنى فقال يا عبد الرحمان خرق
الكتاب، قال: ففعلت وقدمت الكوفة فسألت عن شهاب فإذا هو قد مات
في وقت لم يمكن فيه بعث الكتاب) (1).

(1) ذكر الرواية المذكورة: الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ
القمي المتوفى بقم سنة 290 ه‍، في (بصائر الدرجات) ج 6 - الباب الأول في
أن الأئمة يعرفون آجال شيعتهم وسبب ما يصيبهم - طبع طهران سنة 1285 ه‍،
ورواها عنه المجلسي - رحمه الله في (البحار: ج 48 ص 53) طبع طهران الجديد
سنة 1385 ه‍، في باب معجزات موسى بن جعفر - عليه السلام -
والضمير في قوله (وكتب كتابا) راجع إلى أبي الحسن - عليه السلام -
والمراد به - هنا - موسى بن جعفر - عليه السلام - لأنها إحدى كناه، وأما الضميران
في قوله (ووضع) وفي قوله (وقال) فهما يرجعان إلى شهاب بن عبد ربه،
فلاحظ.
55

باب العين
عبادة بن الصامت بن قيس من أكابر الصحابة وعظماء الأنصار
ومن النقباء الاثني عشر، شهد العقبات الثلاث وبدرا وما بعدها من مشاهد
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتولى قضاء الشام في زمان عمر
فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين، ومات بها سنة 34 ودفن ببيت
المقدس، وعمره - إذ ذاك - اثنتان وسبعون سنة (1).

(1) عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم
ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري السالمي، ويكنى أبا الوليد
قال ابن عبد البر في (الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 2 ص 450) طبع مصر
سنة 1328 ه‍ (كان عبادة نقيبا وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وآخى
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بينه وبين مرثد الغنوي، وشهد بدرا
والمشاهد كلها، ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما فأقام بحمص، ثم انتقل إلى
فلسطين، ومات بها، ودفن بالبيت المقدس وقبره بها معروف إلى اليوم، وقيل:
توفي بالمدينة، والأول أشهر وأكثر) ثم قال ابن عبد البر في الاستيعاب نقلا عن
الأوزاعي: (أول من تولى قضاء فلسطين عبادة بن الصامت، وكان معاوية قد
خالفه في شئ أنكره عليه عبادة في الصرف فأغلظ له معاوية في القول، فقال له
عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبدا، ورحل إلى المدينة، فقال له عمر:
ما أقدمك؟ فأخبره، فقال له: إرجع إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها
ولا أمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك على عبادة. توفي عبادة بن الصامت
سنة 34 ه‍ بالرملة، وقيل: بالبيت المقدس وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
ومثله ما ذكره ابن حجر العسقلاني في (الإصابة: ج 2 ص 268) وروى
عن ابن سعد من طريق محمد بن كعب القرظي: أنه ممن جمع القرآن في عهد النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - وكذا أورده البخاري في تاريخه من وجه
آخر: عن محمد بن كعب، وفي الصحيحين عن الصنابحي عن عبادة قال: أنا من
النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلة العقبة (الحديث)
وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرا ثم ذكر ابن حجر أن لعبادة قصصا متعددة مع
معاوية وإنكاره عليه أشياء، وفي بعضها رجوع معاوية له، وفي بعضها شكواه
إلى عثمان منه تدل على قوته في دين الله وقيامه في الأمر بالمعروف، ومثله ما ذكره
في (تهذيب التهذيب: ج 5 ص 111) طبع حيدر آباد دكن، وزاد روايته عن
ابن سعد أنه قال: (سمعت من يقول إنه بقي حتى توفي في خلافة معاوية) وكذا
قال الهيثم بن عدي، وقال دحيم: توفي ببيت المقدس، وروى عنه أبناؤه الوليد
وداود وعبيد الله، وحفيداه: يحيى وعبادة ابنا الوليد، وإسحاق بن يحيى بن الوليد
ابن عبادة ولم يدركه، ومن أقرانه أبو أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك، وجابر
ابن عبد الله، ورفاعة بن رافع، وشرحبيل بن حسنة، وسلمة بن المحيق، وأبو أمامة
وعبد الرحمن بن غنم، وفضالة بن عبيد، ومحمود بن الربيع، وغيرهم من الصحابة
والأسود بن ثعلبة، وجبير بن نفير، وجنادة بن أبي أمية، وحطان بن عبد الله
الرقاشي، وعبد الله بن محيريز، وأبو عبد الرحمن الصنابحي، وربيعة بن ناجد،
وعطاء بن يسار، وقبيصة بن ذؤيب، ونافع بن محمود بن ربيعة، ويعلى بن شداد
ابن أوس، وأبو الأشعث الصنعاني، وأبو إدريس الخولاني، وخلق (كذا قاله ابن
حجر في تهذيب التهذيب).
وترجم له الجزري في (أسد الغابة: ج 3 ص 106) وقال: (شهد العقبة
الأولى والثانية، وكان نقيبا على القوافل - بني عوف بن الخزرج - وشهد بدرا
وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم،
واستعمله على بعض الصدقات... وكان عقبيا بدريا، أحد نقباء الأنصار، بايع
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم على أن لا يخاف في الله لومة لائم... وكان
طويلا جسيما جميلا).
قال السيد علي خان في (الدرجات الرفيعة: ص 362) طبع النجف الأشرف
سنة 1381 ه‍ - بعد أن ترجم له -: (وهو من القوافل، ومعنى القوافل أن الرجل
من العرب كان إذا دخل يثرب يجئ إلى شريف من الخزرج ويقول له: أجرني
ما دمت بها من أن أظلم فيقول: قوفل حيث شئت، فلا يتعرض له أحد... وكان
طويلا جسيما جميلا، قال سعيد بن عفير: كان طوله عشرة أشبار... مات بالرملة
سنة 34 ه‍ وله اثنتان وسبعون سنة وأخطأ من قال: إنه عاش إلى خلافة معاوية).
وترجم له ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج 3 ص 546) طبع بيروت
سنة 1377 ه‍، وعده من القوافل، وقال: (... شهد عبادة العقبة مع السبعين من
الأنصار في روايتهم جميعا وهو أحد النقباء الاثني عشر...).
56

عده الفضل بن شاذان (1) في جملة السابقين الأولين الذين رجعوا
إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -.

(1) أنظر: (رجال الكشي: ص 40) طبع النجف الأشرف، فإنه روى
ذلك عن الفضل بن شاذان في عده جماعة من الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين - عليه
السلام - منهم عبادة بن الصامت.
وقد ذكر الصدوق ابن بابويه في كتاب: عيون أخبار الرضا - عليه السلام -
(ج 2 - ص 126) في الباب الخامس والثلاثين فيما كتبه الرضا - عليه السلام -
للمأمون في محض الاسلام وشرائع الدين ما هذا نصه: (حدثنا عبد الواحد بن محمد
ابن عبدوس النيسابوري العطار - رضي الله عنه - بنيسابور في شعبان سنة 352 ه‍
قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان، قال: سأل
المأمون علي بن موسى الرضا - عليه السلام - أن يكتب له محض الاسلام على سبيل
الايجاز والاختصار، فكتب - عليه السلام - له: ان محض الاسلام شهادة أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له... وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته
من خلقه، سيد المرسلين وخاتم النبيين) ثم ذكر له الأئمة الاثني عشر واحدا بعد
واحد - صلوات الله عليهم أجمعين - ثم قال: (والولاية لأمير المؤمنين - عليه
السلام - والذين مضوا على منهاج نبيهم ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي،
وأبي ذر، والمقداد بن اسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة اليماني، وأبي الهيثم بن
التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة
ابن ثابت، ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم - رضي الله عنهم ورحمة
الله عليهم - والولاية لاتباعهم وأشياعهم، والمهتدين بهداهم، والسالكين منهاجهم
- رضوان الله عليهم -...).
وعده الصدوق بن بابويه - رحمه الله - في كتاب الخصال (ج 2 ص 264)
في الأبواب الاثني عشر، من طبع إيران الجديد سنة 1377 ه‍، من النقباء الاثني عشر
الذين اختارهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: (النقيب - في اللغة -
من النقب وهو الثقب الواسع، فقيل: نقيب القوم لأنه ينقب عن أحوال القوم
كما ينقب عن الاسرار وعن مكنون الاضمار).
58

وذكره العلامة (رحمه الله) في (القسم الأول من الخلاصة) (1) وقد
قال في أولها: إنه (إنما يذكر فيه من يعتمد على روايته أو يترجح عنده
قبول قوله) (2).

(1) راجع: (ص 129، برقم 4) فقد قال: (عبادة بن الصامت ابن أخي
أبي ذر، ممن أقام بالبصرة، وكان شيعيا، من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين
- عليه السلام -).
(2) فقد قال في (ص 3): (... الأول فيمن أعتمد على روايته أو يترجح
عندي قبول قوله).
أما الشيخ الطوسي - رحمه الله - فقد أورده في (رجاله ص 23) من أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مقتصرا على قوله: (عبادة بن الصامت)
ومن الغريب عدم عده من أصحاب أمير المؤمنين - عليه السلام - مع أنه كما عرفت -
من البارزين من أصحابه - عليه السلام - ولعله غفلة منه - رحمه الله -.
59

عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج القاضي سعد الدين
عز المؤمنين، وجه الأصحاب وفقيههم (1) وكان قاضيا بطرابلس، وله
مصنفات، منها: المهذب، المعتمد، الروضة، الجواهر، المقرب، عماد
المحتاج في مناسك الحاج أخبرنا بها الوالد عن والده عنه (كذا في فهرست

(1) أبو القاسم عز الدين عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج، فقيه
عالم جليل، كان قاضيا في طرابلس الشام مدة عشرين سنة، وتلمذ على السيد
المرتضى والشيخ الطوسي، وكان السيد المرتضى يجري عليه في كل شهر ثمانية دنانير
وهو المراد بالقاضي عند الاطلاق في كتب الفقهاء، ولقب في بعض المعاجم الرجالية
بعز المؤمنين، يروي عنه القاضي عبد العزيز بن أبي كامل، ويروي هو عن أستاذيه
علم الهدى السيد المرتضى وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي، وعن أبي الصلاح الحلبي،
وعن أبي الفتح الكراچكي، توفي ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة 481 ه‍،
وكان مولده ومنشأه بمصر.
ترجم له صاحب أمل الآمل، وصاحب روضات الجنات، وصاحب
رياض العلماء، والمولى نظام الدين القرشي في نظام الأقوال، والسيد المصطفى
التفريشي في نقد الرجال، وابن شهرآشوب في معالم العلماء، والشيخ منتجب الدين
في الفهرست، وأبو علي الحائري في منتهى المقال، والشيخ يوسف البحراني في
لؤلؤة البحرين ص 331 طبع النجف الأشرف، وغير هؤلاء من أرباب المعاجم
الرجالية، وجاء ذكره كثيرا في طرق الإجازات وفي الكتب الفقهية.
60

ابن بابويه) (1).
وقال ابن شهرآشوب في (معالم العلماء): (أبو القاسم عبد العزيز
ابن نحرير بن عبد العزيز المعروف بابن البراج، من غلمان المرتضى - رضي
الله عنه - له كتب في الأصول والفروع. فمن الفروع: كتاب الجواهر،
المعالم، المنهاج الكامل، روضة النفس في أحكام العبادات الخمس، المقرب،
المهذب، حسن التعريف، شرح جمل العلم والعمل للمرتضى (رض) (2).
وفي مجمع البحرين للشيخ الطريحي - رحمه الله -: (... وابن البراج
أبو القاسم عبد العزيز من فقهاء الامامية، وكان قاضيا بطرابلس) (3).
وفي نقد الرجال للسيد المصطفى: (عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز
فقيه الشيعة الملقب بالقاضي كان قاضيا بطرابلس) (4).
وفي إجازة العلامة - رحمه الله - لأولاد زهرة: (ومن ذلك جميع
كتب الشيخ عبد العزيز بن بحر بالباء الموحدة المفتوحة والحاء والراء المهملتين
ابن البراج) (5) هكذا في نسختين من نسخ الإجازة. وفي نسخة ثالثة:
(كتب الشيخ عبد العزيز بن نحرير البراج) ولعل ما تقدم هو الأصح وان كان

(1) راجع: فهرست منتجب الدين بن بابويه الملحق بآخر أجزاء البحار
(ص 7) طبع إيران سنة 1315 ه‍.
(2) راجع: معالم العلماء (ص 80 رقم 545) طبع النجف الأشرف
سنة 1380 ه‍.
(3) راجع: مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي بمادة (برج).
(4) راجع: نقد الرجال (ص 189) طبع إيران سنة 1318 ه‍.
(5) راجع: (ص 22) من إجازة العلامة لأولاد زهرة المدرجة في كتاب
الإجازات للمجلسي الثاني الملحق بآخر أجزاء البحار طبع إيران سنة 1315 ه‍ وفيها
(الشيخ عبد العزيز بن نحرير البراج).
61

(بحر) في الأسماء أشهر من نحرير وأكثر.
وذكره الشهيد الثاني في (اجازته) قال: (... وعن السيد المرتضى
علم الهدى، وعن الشيخ سلار، والقاضي عبد العزيز بن البراج، والشيخ أبي
الصلاح بجميع ما صنفوه ورووه) (1) وقال في حاشية هذا الموضع -:
(وجدت بخط شيخنا الشهيد: أن ابن البراج تولى قضاء (طرابلس)
عشرين سنة أو ثلاثين) (2).
وقال ابن فهد في اصطلاحات المهذب: (... وبالقاضي عبد العزيز
ابن البراج تولى قضاء طرابلس عشرين سنة، وبالتقي تقي بن نجم الحلبي

(1) راجع: (ص 89) من كتاب الإجازات للمجلسي الملحق بآخر البحار
والمدرجة فيه إجازة الشهيد الثاني - رحمه الله - للشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد
العاملي والد الشيخ البهائي - رحمه الله - المؤرخة ثالث شهر جمادى الآخرة سنة
941 ه‍ وانظر أيضا (ج 2 ص 216) من كشكول الشيخ يوسف البحراني،
طبع النجف الأشرف، وقد أدرج فيه الإجازة المذكورة.
(2) الإجازة المذكورة المطبوعة في الكتابين المذكورين آنفا لا توجد فيها
الحاشية المذكورة، ولكن توجد صورة من الإجازة المذكورة في مكتبة المغفور
له الحجة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء، بخط الشيخ شرف الدين علي بن جمال
المازندراني النجفي وعليها حواش بعنوان (منه رحمه الله) أي من الشهيد الثاني
(المجيز) وحواش أخرى منقولة عن خط (حسن) وأظنه الشيخ حسن صاحب
المعالم ابن الشهيد - رحمهما الله - ضمن مجموعة كلها بخط شرف الدين المذكور. كتبها
سنة 1061 ه‍. هكذا ذكر شيخنا الامام الطهراني - أدام الله وجوده - في الذريعة
(ج 1 ص 193 - 194) ومراد سيدنا - طاب ثراه - بقوله (بخط شيخنا الشهيد)
الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، والقائل (وجدت) هو الشهيد الثاني،
فلاحظ ذلك.
62

المكنى بأبي الصلاح، وأشير بقولنا: (المفيد وتلميذه) إلى أبي يعلى سلار بن
عبد العزيز فإنه تلميذ المفيد كما أن القاضي تلميذ الشيخ) (1) وقال في
رموز الكتب: (وبكتابي القاضي: إلى المهذب والكامل) (2).
قلت: وله كتاب الموجز في الفقه قرأ عليه الفقيه شمس الاسلام الحسن
ابن الحسين بن بابويه (3) والشيخ الفقيه الحسين بن عبد العزيز (4) وشيخ الأصحاب
عبد الرحمن بن أحمد الخزاعي (5) وفقيه الأصحاب عبد الجبار بن عبد الله
الرازي (6) وعبيد الله بن الحسن بن بابويه (7).
عبد الأعلى بن أعين العجلي. في الكافي - في باب الرد إلى الكتاب
والسنة -: (عن ابن فضال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الأعلى بن أعين

(1) أنظر العبارة المذكورة في المقدمة الثالثة من (المهذب البارع) للشيخ
أحمد بن فهد الحلي المتوفى سنة 841 ه‍، في الإشارة إلى بيان المشايخ المشار إليهم في
هذا الكتاب.
(2) أنظر العبارة المذكورة في المقدمة الثالثة من الكتاب المذكور عند ذكره
لرموز الكتب، وكتاب المهذب البارع لا يزال مخطوطا، توجد نسخه في مكتبات
النجف الأشرف وغيرها.
(3) تقدمت ترجمة له في هامش (ص 13) من هذا الجزء، فراجعه.
(4) ترجم له الشيخ منتجب الدين في (الفهرست: ص 4) فقال: (الموفق
الشيخ أبو محمد الحسين بن عبد العزيز بن الحسن الجبهاني المعدل بالقاهرة، فقيه
ثقة، قرأ على الشيخ أبي جعفر الطوسي والشيخ ابن البراج - رحمهما الله -).
(5) تقدمت ترجمة لعبد الرحمن بن أحمد - هذا - في تعليقتنا (ص 14) من
هذا الجزء، فراجعها.
(6) تقدمت ترجمة له (ص 14) من هذا الجزء في تعليقتنا، فراجعها.
(7) تقدمت ترجمة له (ص 15) من هذا الجزء في تعليقتنا، فراجعها.
63

قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام -) الحديث، وفي الحديث سندا
ومتنا ما يدل على حسن حاله، فلاحظ (1).

(1) الحديث رواه الكليني في (أصول الكافي ج 1 ص 61) طبع طهران
سنة 1381 ه‍ في كتاب العلم - باب الرد إلى الكتاب والسنة - قال: (محمد بن
يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن حماد بن عثمان، عن عبد الأعلى
ابن أعين قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: قد ولدني رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا اعلم كتاب الله، وفيه بدء الخلق، وما هو كائن
إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر الجنة وخبر النار، وخبر
ما كان وخبر ما هو كائن، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي، إن الله يقول: فبه تبيان كل شئ).
أما دلالة سند الحديث على حسن حال عبد الأعلى، فلانه روى عنه جماعة
من الاعلام الموثقين الذين ذكرهم المولى الأردبيلي في جامع الرواة (ج 1 ص 435)
منهم - في هذا الحديث - حماد بن عثمان بن زياد الرواسي الملقب بالناب الذي ذكره
الشيخ الطوسي في رجاله في باب أصحاب الصادق، وفي باب أصحاب الكاظم،
وفي باب أصحاب الرضا - عليهم السلام -، وذكره أيضا في الفهرست وقال: (ثقة
جليل القدر له كتاب) وقال الكشي في (رجاله: ص 317) طبع النجف
الأشرف: (سمعت أشياخي يذكرون أن حمادا وجعفرا والحسين بني عثمان بن
ابن زياد الرواسي، وحماد يلقب بالناب، كلهم فاضلون خيار ثقات، وحماد بن
عثمان مولى غنى، مات سنة 190 ه‍ بالكوفة) وعده الكشي (ص 322) من فقهاء
أصحاب أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - الذين أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنهم وتصديقهم لما يقولون.
وأما دلالة متن الحديث على حسن حال عبد الأعلى بن أعين، فلان جلوسه
في مجلس الصادق - عليه السلام - وسماعه هذا الحديث منه أظهر دليل على عقيدته
بالامام - عليه السلام - وقبوله بما يقوله في علمه وروايته للحديث، وإملائه
لحماد بن عثمان الناب الذي قد عرفت حاله من الوثاقة وجلالة القدر.
هذا إضافة إلى ما ذكره الشيخ المفيد - رحمه الله - في رسالته في الرد على
الصدوق ابن بابويه في مسألة عدد أيام شهر رمضان من قوله: (وأما رواة الحديث
بأن شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة وعشرين يوما ويكون ثلاثين
يوما فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي، وأبي عبد الله جعفر بن محمد بن
علي، وأبي الحسن علي بن محمد، وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد - صلوات الله
عليهم - والاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والاحكام، الذين
لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات
المشهورة...) ثم ذكر المفيد - رحمه الله - هؤلاء الرواة - بعد مدحهم - وعد منهم
عبد الأعلى بن أعين
وله روايات كثيرة في الكتب الأربعة: الكافي، ومن لا يحضره الفقيه،
والتهذيب، والاستبصار، ذكرها المولى الأردبيلي في جامع الرواة، في ترجمته له،
فراجعها. وفيما ذكرناه كفاية في أنه فوق درجة الوثاقة.
64

عبد الله ابن النجاشي. في الاختصاص: (يعقوب بن يزيد عن محمد
ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط، عن عبد الله
ابن النجاشي، عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: قال فينا والله من ينقر في أذنه
وينكت في قلبه وتصافحه الملائكة، قلت: كان أو اليوم؟ قال: بل اليوم، فقلت: كان أو اليوم؟ قال: بل اليوم والله يا بن النجاشي، حتى قالها ثلاثا) (1).

(1) راجع الحديث في (كتاب الاختصاص) للشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان العكبري البغدادي (ص 286) طبع طهران سنة 1379 ه‍، وروى الحديث
أيضا بالسند المذكور الصفار في بصائر الدرجات (ج 7 - الباب الثالث فيما يفعل
بالامام من النكت والقذف والنقر في قلوبهم وآذانهم) ورواه عنهما المجلسي
في البحار.
وابن النجاشي - هذا - هو عبد الله بن غنيم بن سمعان الأسدي النصري،
يكنى: أبا بجير، وهو يروي عن أبي عبد الله - عليه السلام - رسالة منه إليه، وقد ولي
الأهواز من قبل المنصور، وهو الجد السابع لأحمد بن علي النجاشي صاحب كتاب
الرجال كما ذكره - هو - في كتاب رجاله في ترجمة نفسه (ص 79) وترجم له
(ص 157) قائلا: (عبد الله ابن النجاشي بن عثيم بن سمعان، أبو بجير الأسدي
النصري، يروي عن أبي عبد الله - عليه السلام - رسالة منه إليه، وقد ولي الأهواز
من قبل المنصور).
وفي هذه الرسالة يسأل الامام - عليه السلام - عن كيفية العمل والسيرة مع
الرعية والنجاة من الله تعالى. ويظهر من كلامه في السؤال أنه ملجأ في ولاية الأهواز
فأجابه الامام - عليه السلام - بجواب طويل، وفي آخر الرسالة: إن عبد الله لما
نظر إليها قال: هذا هو الحق، وفي آخرها ما يدل على مدحه، وهذه الرسالة تعرف
برسالة عبد الله النجاشي، ولم ير من الصادق - عليه السلام - غير هذه الرسالة،
وقد أدرجها الشهيد الثاني - رحمه الله - في كتابه (كشف الريبة في احكام الغيبة)
المطبوع بإيران سنة 1319 ه‍.
وقد أورده العلامة في الخلاصة (ص 108) طبع النجف الأشرف في القسم
الأول منها، وكذلك ابن داود في (رجاله: ص 214) طبع إيران، وروى
الكشي في (رجاله ص 291) طبع النجف الأشرف رواية بسنده إلى عمار السجستاني
قال: زاملت أبا بجير عبد الله ابن النجاشي من سجستان إلى مكة وكان يرى رأي
الزيدية، فلما صرنا إلى المدينة مضيت أنا إلى أبي عبد الله - عليه السلام - ومضى
هو إلى عبد الله بن الحسن، فلما انصرف رأيته منكسرا يتقلب على فراشه ويتأوه
قلت: ما لك أبا بجير؟ فقال: إستأذن لي على صاحبك إذا أصبحت إن شاء الله
فلما أصبحنا دخلت على أبي عبد الله - عليه السلام - فقلت: هذا عبد الله ابن النجاشي
سألني أن استأذن له عليك وهو يرى رأي الزيدية، فقال: إئذن له، فلما دخل
عليه قربه أبو عبد الله - عليه السلام - فقال له أبو بجير: جعلت فداك إني لم أزل
مقرا بفضلكم أرى الحق فيكم لا لغيركم، وإني قتلت ثلاثة عشر رجلا من الخوارج
كلهم سمعتهم يتبرأ من علي بن أبي طالب - عليه السلام -).
ثم إن الإمام الصادق - عليه السلام - ذكر له حكم مسألة قتل هؤلاء
الخوارج وما يجب عليه، وفي آخر الرواية يقول عمار السجستاني: (فلما خرجنا
من عنده - عليه السلام - قال لي أبو بجير: يا عمار أشهد أن هذا عالم آل محمد وأن
الذي كنت عليه باطل، وأن هذا صاحب الامر).
وهذه الرواية تتضمن رجوعه عن الزيدية وقوله بامامة الصادق - عليه السلام -
كما أن الرواية التي رواها الشيخ الطوسي في كتاب المكاسب من التهذيب في اخبار
الولاية (ج 6 ص 333) طبع النجف الأشرف سنة 1380 ه‍ ورواها الكليني في
الكافي - كتاب الايمان والكفر، باب إدخال السرور على المؤمنين (ج 2
ص 190) طبع طهران سنة 1381 ه‍، وفي آخرها: (فقال الرجل: يا بن
رسول الله كأنه (أي عبد الله ابن النجاشي) قد سرك ما فعل بي؟ فقال إي والله
لقد سر الله ورسوله)).
هذه الرواية وأمثالها صريحة في أن ابن النجاشي - هذا - من الحسان المعتمدين
عند الإمام الصادق - عليه السلام -، وتورث الوثوق بخبره، ومن الغريب وصف
المجلسي الثاني له بالضعف في (الوجيزة: ص 175) وتبعه الشيخ عبد النبي الجزائري
في (الحاوي) وعده في الضعفاء.
65

عبد الله بن يحيى الكاهلي. عد حديثه في (المنتهى: في مباحث الحيض)
من الصحيح (1) وكذا الشهيدان في (الذكرى وروض الجنان) (2)

(1) راجع: (المنتهى) للعلامة الحلي - رحمه الله - (ج 1 ص 93) طبع إيران
(2) راجع: (الذكرى) للشهيد الأول في كتاب الصلاة - الفصل الثالث
مسألة أن الغسل لا يجب لنفسه سواء كان عن جنابة أو غيرها، وراجع (روض
الجنان) للشهيد الثاني (ص 51) سؤال الكاهلي من الصادق - عليه السلام - في
المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل.
67

والفاضل في (كشف اللثام في أن غسل الجنابة واجب لغيره) (1) ويحتمل
أنهم تبعوا العلامة في ذلك (2) والحمل على الصحة إليه محتمل في الجميع
وإن بعد، والمدح الوارد فيه قد يقرب من التوثيق (3).

(1) راجع: كشف اللثام للفاضل الهندي (ج 1) كتاب الطهارة في بيان
غسل الجنابة عند شرحه لقول الماتن (وفي وجوب الغسل لنفسه أو غيره).
(2) راجع: خلاصة العلامة (ص 108) في قوله: (وكان عبد الله وجيها
عند أبي الحسن - عليه السلام - ووصى به علي بن يقطين فقال: إضمن لي الكاهلي
وعياله أضمن لك الجنة) كما أن العلامة في المختلف في كتاب الصلاة في حد المسافة
التي يجب فيها التقصير (ص 162) طبع إيران سنة 1324 ه‍ - عد رواية هو في
طريقها بالصحة.
(3) يعني: وحمل الروايات التي تنتهي إليه على الصحة محتمل في جميع
ما يرويه وإن بعد الطريق إليه، وهذا هو الظاهر من كلام سيدنا - طاب ثراه -.
ترجم للكاهلي - هذا - النجاشي في (رجاله: ص 164) وقال: (روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن - عليهما السلام - وكان عبد الله وجيها عند أبي الحسن
- عليه السلام - وذكر الجملة التي نقلها عنه العلامة الحلي السابقة في الخلاصة.
كما ذكره ابن داود في القسم الأول من رجاله (ص 216) وأورد عبارة
النجاشي إلى قوله: (أضمن لك الجنة) وزاد قوله: (وقيل إنه تميمي النسب،
قال له أبو الحسن - عليه السلام - إعمل في سنتك هذه خيرا فقد دنا أجلك، فبكى
فقال ما يبكيك؟ فقال: جعلت فداك نعيت إلي نفسي، فقال: إبشر فإنك من
شيعتنا وأنت إلى خير، فمات بعد ذلك - رحمه الله).
وذكره الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 102 برقم 430)، وفى (رجاله
ص 357 برقم 51).
وأورد الكشي في (رجاله: ص 343 وص 379) ثلاث روايات تدل
على وثاقته، فراجعها. وقد ذكر العلامة الفقيه المامقاني - رحمه الله - في تنقيح المقال
(ج 2 ص 224) أمورا تدل على وثاقته، فراجعها، وقال المجلسي في الوجيزة
(ص 157) - (حسن كالصحيح).
ويروي عنه جماعة كثيرة، منهم الأخطل الكاهلي، ومحمد بن أبي عمير،
وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وصفوان بن يحيى، وعلي بن الحكم الكوفي
الثقة، وزكريا بن آدم، ومحمد بن زياد الثقة، والحسن بن محبوب، ومحمد بن سنان وفضالة
بن أيوب، والقاسم بن محمد، والحسين بن سعيد، والحسن بن محمد الحضرمي، ومحمد
ابن خالد، وعلي بن مهزيار، وعلي بن الحسن بن رباط، ومحمد بن حماد بن يزيد
وعلي بن محمد، وإسحاق بن عمار، وثعلبة بن ميمون، وحماد بن عثمان، وعبد الله
ابن مسكان، ورواية موسى بن القاسم عن عباس عنه، وروايته عن محمد بن مسلم،
ولعبد الله - هذا - روايات كثيرة في الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب
والاستبصار. راجعها في (جامع الرواة) في ترجمته (ج 1: ص 517).
68

عبيد الله بن الحر الجعفي. ذكر النجاشي في أول كتابه: أسماء جماعة
قال: إنهم من سلفنا الصالح، وعد منهم: عبيد الله بن الحر الجعفي (1).
وهذا الرجل هو الذي مر به الحسين - عليه السلام - بعد أن واقفه
الحر بن يزيد الرياحي، واستنصره، فلم ينصره:
روى الصدوق - رحمه الله - في (الأمالي): (عن الصادق

(1) مما قال عنه - كما في ص 7 من رجاله طبع إيران -: (له نسخة يرويها
عن أمير المؤمنين (عليه السلام)) ولقد ترجمناه في تعليقتنا على (ص 324 - 328 ج 1)
من كتابنا هذا فراجع.
69

- عليه السلام -: أن الحسين - عليه السلام - لما نزل القطقطانية (1) نظر
إلى فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبد الله بن الحر
(وصوابه عبيد الله بن الحر الجعفي) فأرسل إليه الحسين - عليه السلام -
فقال: أيها الرجل أنت مذنب خاطئ، وإن الله عز وجل - آخذك
بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى - في ساعتك هذه فتنصرني
ويكون جدي شفيعك بين يدي الله - تبارك وتعالى - فقال: يا بن رسول الله
لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك
فوالله ما ركبت - قط - وأنا أروم شيئا إلا أدركته، ولا أرادني أحد
إلا نجوت عليه، ودونك فخذه. فأعرض عنه الحسين - عليه السلام -
بوجهه، ثم قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك (وما كنت متخذ
المضلين عضدا) ولكن فر، فلا لنا ولا علينا، فان من سمع واعيتنا
- أهل البيت - ثم لم يجبنا أكبه الله على منخريه في النار) (2).
وقال المفيد - رحمه الله - في (الارشاد): (إن الحسين - عليه
السلام - لما انتهى إلى (قصر بني مقاتل) (3) فنزل به، وإذا بفسطاط
مضروب، فقال: لمن هذا؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي، فقال:
أدعوه إلي، فلما أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن علي - عليه السلام -

(1) القطقطانة - بالضم ثم السكون تم قاف أخرى مضمومة وطاء أخرى
وبعد الألف نون وهاء، ورواه الأزهري بالفتح -: موضع قرب الكوفة من جهة
البرية بالطف، به كان سجن النعمان بن المنذر (عن معجم البلدان للحموي).
(2) راجع: المجلس الثلاثين من الأمالي: ص 154 طبع إيران سنة 1380 ه‍.
(3) قصر مقاتل، قصر كان بين عين التمر والشام. وقال السكوني: هو
قرب القطقطانة وسلام ثم القريات. وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة
ابن أوس بن إبراهيم بن أيوب - من بني تميم - (عن معجم البلدان مادة قصر).
70

يدعوك، فقال عبيد الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما خرجت من
الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها، والله ما أريد أن أراه ولا
يراني. فأتاه الرسول فأخبره، فقام إليه الحسين - عليه السلام - فجاء حتى
دخل عليه، وسلم وجلس، ثم دعاه إلى الخروج معه، فأعاد عليه
عبيد الله بن الحر تلك المقالة، واستقاله مما دعاه إليه. فقال له الحسين
- عليه السلام -: فان لم تكن تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا فوالله
لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك، فقال له: أما هذا فلا يكون
أبدا إن شاء الله...) (1).
وقال الشيخ جعفر بن محمد بن نما - رحمه الله - في (رسالة شرح
الثار في أحوال المختار): (إن عبيد الله بن الحر بن المجمع بن حزيم الجعفي
كان من أشراف الكوفة، وكان قد أتاه الحسين - عليه السلام - وندبه إلى
الخروج معه فلم يفعل، ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض، فقال:
فيا لك حسرة ما دمت حيا * تردد بين حلقي والتراقي
حسين حين يطلب بذل نصري * على أهل الضلالة والشقاق
غداة يقول لي بالقصر قولا * أتتركنا وتزمع بالفراق
ولو أني أواسيه بنفسي * لنلت كرامة يوم التلاقي
مع ابن المصطفى نفسي فداه * تولى ثم ودع بانطلاق
فلو فلق التهلف قلب حي * لهم - اليوم - قلبي بانفلاق
فقد فاز الأولى نصروا حسينا * وخاب الآخرون أولو النفاق
وذكر له هذه الأبيات، وهي مشهورة:
يبيت النشاوى من أمية نوما * وبالطف قتلى لا ينام حميمها

(1) الارشاد في معرفة حجج الله على العباد للشيخ المفيد، باب ذكر الامام
بعد الحسن بن علي (عليه السلام) في ثنايا الحديث عن مسير الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة.
71

وما ضيع الاسلام الا قبيلة * تأمر نوكاها ودام نعيمها (1)
وأضحت قناة الدين في كف ظالم * إذا اعوج منها جانب لا يقيمها
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة * وعيني تبكي لا يجف سجومها
حياتي، أو تلقى أمية خزية * يذل لها حتى الممات - قرومها
ثم ذكر: (2) أن عبيد الله بن الحر صار مع المختار، وخرج مع
إبراهيم بن الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد وابن الأشتر كاره لخروجه
معه... وأنه قال للمختار: إني أخاف أن يغدر بي وقت الحاجة، فقال
له المختار: أحسن إليه واملا عينيه بالمال...) وأن إبراهيم خرج ومعه
عبيد الله بن الحر حتى نزل (تكريت) (3) وأمر بجباية خراجها ففرقه
وبعث إلى عبيد الله بن الحر بخمسة آلاف درهم، فغضب، فقال: أنت
أخذت لنفسك عشرة آلاف درهم، وما كان الحر دون مالك، فحلف

(1) الأنوك: الأحمق أو الأشد حمقا والجاهل، جمعه نوكى ونوك.
(2) المصدر الآنف - وهو ابن نما في كتابه المزبور.
(3) تكريت - بفتح التاء، والعامة يكسرونها -: بلدة مشهورة بين بغداد
والموصل، وهي إلى بغداد أقرب، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا، ولها قلعة
حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة، وهي غربي دجلة... وكان أول من
بنى هذه القلعة سابور بن أردشير بن بابك لما نزل (الهد)، وهو بلد قديم مقابل
تكريت في البرية... وقال عبيد الله بن الحر - وكان وقع بينه وبين أصحاب
مصعب وقعة بتكريت قتل بها أكثر أصحابه ونجا بنفسه - فقال:
فان تك خيلي يوم تكريت أحجمت * وقتل فرساني، فما كنت وانيا
وما كنت وقافا ولكن مبارزا * أقاتلهم وحدي فرادي وثانيا
دعاني الفتى الأزدي عمرو بن جندب * فقلت له: لبيك لما دعانيا
فعز على ابن الحر أن راح راجعا * وخلفت في القتلى بتكريت ثاويا
ألا ليت شعري هل أرى بعد ما أرى * جماعة قومي نصرة والمواليا
وهل أزجرن بالكوفة الخيل شزبا * ضوامر تردي بالكماة عواديا
فألقى عليها مصعبا وجنوده * فأقتل أعدائي وأدرك ثاريا
وافتتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب في سنة 16، أرسل إليها سعد
ابن أبي وقاص جيشا عليه عبد الله بن المعتم، فحاربهم حتى فتحها عنوة، وقال
في ذلك:
ونحن قتلنا يوم تكريت جمعها * فلله جمع يوم ذاك تتابعوا
ونحن أخذنا الحصن، والحصن شامخ * وليس لنا فيما هتكنا مشايع...)
(عن معجم البلدان للحموي مادة تكريت)
72

إبراهيم: اني ما أخذت زيادة عليك، ثم حمل إليه ما أخذه لنفسه، فلم
يرض فخرج على المختار ونقض عهده، وأغار على سواد الكوفة، فنهب
القرى، وقتل العمال، وأخذ الأموال، ومضى إلى البصرة إلى مصعب بن
الزبير، وأرسل المختار إلى داره فهدمها.
ثم إن عبيد الله بن الحر بقي متأسفا على ما فاته كيف لم يكن من
أصحاب الحسين (عليه السلام) في نصرته ولا من أشياع المختار وجماعته، وفي ذلك
يقول:
ولما دعا المختار للثار أقبلت * كتائب من أشياع آل محمد
وقد لبسوا فوق الدروع قلوبهم * وخاضوا بحار الموت في كل مشهد
هم نصروا سبط النبي ورهطه * ودانوا بأخذ الثار من كل ملحد
ففازوا بجنات النعيم وطيبها * وذلك خير من لجين وعسجد
ولو أنني يوم الهياج لدى الوغى * لأعملت حد المشرفي المهند
ووا أسفا إذ لم أكن من حماته * فاقتل فيهم كل باغ ومعتد (1)

(1) أنظر: رسالة (ذوب النضار في شرح أخذ الثار) للعلامة التقي الشيخ
جعفر بن أبي إبراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي - رحمه الله -
المتوفى سنة 645 ه‍، ويقال له أيضا (شرح الثار) وقد أوردها بتمامها العلامة المجلسي في
آخر المجلد العاشر من البحار (ص 292) من المطبوع في تبريز سنة 1303 ه‍،
وفي (ج 45 ص 346) من المطبوع الجديد بطهران سنة 1385 ه‍، فإنها رسالة
ثمينة تشتمل على جل أحوال المختار ومن قتله من الأشرار، وقد ألفها بعد فراغه
من تأليفه للمقتل الذي سماه (مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان) وقال في أولها:
(سألني جماعة من الأصحاب أن أضيف إليه عمل الثار، وأشرح قضية المختار...) الخ
73

قلت: وبالجملة، فالرجل عندي صحيح الاعتقاد، سئ العمل، فقد
خذل الحسين - عليه السلام - كما سمعت - فقال له ما قال، ثم فعل يوم
المختار ما فعل، ثم أخذ يتأسف ويتلهف نعوذ بالله من الخذلان.
والعجب من النجاشي - رحمه الله - كيف يعد هذا الرجل من سلفنا
الصالح، ويعتني به، ويصدر كتابه بذكره، مع هذا؟.
وإني لأرجو من حنو الحسين - عليه السلام - وتعطفه عليه، وأمره
بالفرار حتى لا يسمع الواعية فيكبه الله على منخريه في النار - أن يكون
شفيعه إلى الله يوم القرار. هذا مع ما لحقه من شدة الأسف، والحزن
والندم على ما فات منه وسلف، والله أعلم بحقيقة حاله ومآله.
عثمان بن حنيف الأنصاري. أبو عمرو، وأخو سهل (1) عامل
أمير المؤمنين - عليه السلام - على البصرة قبل (الجمل) صحابي مشهور،

(1) راجع: ترجمة لسهل (ص 21) من هذا الجزء مع تعليقتنا في الهامش،
وعثمان - هذا - هو ابن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحرث بن مجدعة
ابن عمرو بن حبيش بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس الأنصاري، يكنى
أبا عمرو، وقيل أبا عبد الله.
ترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 3 ص 89) بهامش الإصابة
طبع مصر وقال: (عمل لعمر، ثم لعلي - رضي الله عنه - مساحة الأرضين
وجبايتها، وضرب الخراج والجزية على أهلها، وولاه علي - رضي الله عنه - البصرة
فأخرجه طلحة والزبير حين قدما البصرة، فكانت وقعة الجمل... ذكر العلماء
بالأثر والخبر: أن عمر بن الخطاب استشار الصحابة في رجل يوجهه إلى العراق
فأجمعوا جميعا على عثمان بن حنيف وقالوا: إن تبعثه على أهم من ذلك فان له بصرا
وعقلا ومعرفة وتجربة، فأسرع عمر إليه فولاه مساحة أرض العراق، فضرب
عثمان - رضي الله عنه - على كل جريب من الأرض يناله الماء غامرا وعامرا درهما
وقفيزا، فبلغت جباية سواد الكوفة - قبل أن يموت عمر بعام - مائة الف الف ونيفا
ونال عثمان بن حنيف في نزول عسكر طلحة والزبير البصرة ما زاد في فضله، ثم
سكن عثمان بن حنيف الكوفة وبقي إلى زمان معاوية).
وذكره أيضا ابن الأثير الجزري في أسد الغابة (ج 3 ص 371) وقال:
(شهد أحدا والمشاهد بعدها... استعمله علي - رضي الله عنه - على البصرة فبقي
عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير مع عائشة في نوبة وقعة الجمل فأخرجوه منها، ثم
قدم علي إليها فكانت وقعة الجمل فلما ظفر بهم علي استعمل على البصرة عبد الله
ابن عباس وسكن عثمان بن حنيف الكوفة وبقي إلى زمان معاوية، روى عنه
أبو أمامة ابن أخيه سهل بن حنيف، وابنه عبد الرحمن بن عثمان، وهانئ بن معاوية
الصدفي...).
ومثله ما ذكره ابن حجر العسقلاني في الإصابة (ج 2 ص 459) طبع مصر
بهامشه الاستيعاب سنة 1328 ه‍، وفي تهذيب التهذيب - (ج 7 ص 112) طبع حيدر آباد
دكن - بعد أن ترجم له قال: (روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وروى
عنه ابن أخيه أبو أمامة بن سهل، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعمارة بن خزيمة
ابن ثابت، ونوفل بن مساحق، وهانئ بن معاوية الصدفي...).
وترجم له ترجمة مفصلة السيد علي خان المدني في (الدرجات الرفيعة: ص 381)
طبع النجف الأشرف سنة 1381، قال: (وسكن عثمان بن حنيف الكوفة بعد
وفاة علي - عليه السلام - ومات بها في زمن معاوية).
وذكره الشيخ الطوسي في رجاله في باب أصحاب علي - عليه السلام -
(ص 47 برقم 11) ولم يزد على قوله: (عثمان بن حنيف الأنصاري، عربي)
وترجم له العلامة الحلي في الخلاصة (ص 125 برقم 1) طبع النجف الأشرف
وقال: (... من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -، قاله
الفضل بن شاذان).
وذكره ابن الأثير الجزري في حوادث سنة 36 ه‍ من تاريخه الكامل، ومما
قال: (وكان على البصرة عند قدومها - أي قدوم عائشة - عثمان بن حنيف فقال
لهم: ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا: لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع، قال:
فان الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم به على أن أصلي أنا بالناس حتى يأتينا
كتابه، فوقفوا عنه، فكتب فلم يلبث إلا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند
مدينة الرزق فظفروا به وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار، فنتفوا شعر رأسه
ولحيته وحاجبيه وضربوه وحبسوه... وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف
فقال: لست أخاف الله إن لم أنصره، فجاء في جماعة من عبد القيس ومن تبعه من
ربيعة وتوجه نحو دار الرزق فقال له عبد الله: مالك يا حكيم؟ قال: نريد أن
نرتزق من هذا الطعام وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الامارة - على ما كتبتم بينكم -
حتى يقدم علي... ولما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف، فقال لهم: أما إن
سهلا بالمدينة فان قتلتموني انتصر، فخلوا سبيله فقصد عليا... فلما انتهى علي إلى
ذي قار أتاه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعرة، وقبل أتاه بالربذة...
فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وقد جئتك أمرد، فقال: أصبحت أجرا
وخيرا...).
وترجم له أيضا صفي الدين الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال
(ص 119) طبع مصر سنة 1322 ه‍.
74

كتب إليه أمير المؤمنين - عليه السلام - كتابا يلومه فيه على أمر مرجوح لا يليق
بالخواص من الناس ارتكابه، ومنه يعلم جلالة قدره وعظم منزلته (1).
ولما أتى (الناكثون) (2) إلى البصرة برز إليهم عثمان بالحرب والقتال

(1) الكتاب الذي كتبه أمير المؤمنين - عليه السلام - إليه ذكره الشريف
الرضي في كتاب نهج البلاغة (ج 2 ص 42) طبع بيروت سنة 1885 ميلادية،
قال: (ومن كتاب له - عليه السلام - إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله
على البصرة، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: (أما بعد)
يا بن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت
إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام
قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه
عليك فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه، ألا وإن لكل مأموم إماما
يقتدي به، ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه
ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد
وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا،
ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا... فاتق الله يا بن حنيف ولتكفك أقراصك ليكون
من النار خلاصك).
(2) الناكثون: هم الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجوا لحربه في
البصرة - يوم الجمل - بزعامة (أم المؤمنين) عائشة وطلحة والزبير. ولقد ورد فيهم وفي
القاسطين - اتباع معاوية - والمارقين - وهم خوارج النهروان - قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام):
(تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين) والحديث مروي من طرق الفريقين كافة
77

واشتدت المقاتلة فيما بينهم حتى حجز الليل، ثم إنهم غدروا به
وبأصحابه، وأغاروا عليهم - ليلا - وأبلى - هناك - عثمان بلاء حسنا
وقصته مشهورة (1).
عده (الفضل) من جملة السابقين الأولين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)
وذكره البرقي في (شرطة الخميس) (3) وهو من الاثني عشر الذين أنكروا
على أبي بكر (4). مات - رحمه الله - في أيام معاوية.

(1) ذكر قصته كل من تعرض لبيان حرب الجمل. راجع: تاريخ الكامل
لابن الأثير الجزري في حوادث سنة 36 ه‍، والدرجات الرفيعة للسيد علي خان
المدني (ص 381) وكتاب النصرة في حرب البصرة للشيخ المفيد رحمه الله (ص 136
- 138) وتاريخ ابن جرير الطبري في حوادث سنة 36 ه‍، وشرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد المعتزلي (ج 2 ص 497 - ص 501) طبع مصر سنة 1329 ه‍.
(2) راجع: خلاصة العلامة (125) برقم (1) طبع النجف الأشرف
ورجال الكشي (ص 40) ضمن ترجمة أبي أيوب الأنصاري طبع النجف الأشرف
والدرجات الرفيعة (ص 381) طبع النجف الأشرف، فإنهم رووا ذلك عن
الفضل بن شاذان الذي ترجم له في أكثر المعاجم الرجالية، وله ترجمة مفصلة في
تنقيح المقال للعلامة الفقيه المامقاني (ج 2).
(3) قال - كما في طليعة رجاله بعنوان أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) -:
(وأصحاب أمير المؤمنين الذين كانوا (شرطة الخميس) كانوا ستة آلاف رجل
- إلى قوله في عد بعضهم -: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وأبو سنان،
وأبو عمرة، وجابر بن عبد الله، وسهل وعثمان - ابنا حنيف - الأنصاريان...).
(4) وهم ستة من المهاجرين: خالد بن سعيد، سلمان الفارسي، أبو ذر
الغفاري، المقداد بن الأسود، عمار بن ياسر، بريدة الأسلمي، وستة من الأنصار:
ابن التيهان، ذو الشهادتين، أبي بن كعب، أبو أيوب الأنصاري، سهل بن حنيف
وقد اختلف المؤرخون في سادسهم بين عثمان بن حنيف - هذا - كما عليه الطبرسي
في احتجاجه وسيدنا في المتن وغيرهما - وبين قيس بن سعد بن عبادة - كما عليه
البرقي في رجاله وغيره -.
ويذكر له الطبرسي في (احتجاجه) انكاره بقوله: (سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقول: أهل بيتي نجوم الأرض، فلا تتقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل
فقال: يا رسول الله، وأي أهل بيتك؟ فقال: علي والطاهرون من ولده، وقد
بين عليه السلام، فلا تكن - يا أبا بكر - أول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول
وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).
78

عثمان الأعمى البصري. وقع في حديث الكافي - في نوادر العقل والجهل -:
(أنه قال لابي جعفر - عليه السلام - إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون
العلم يؤذي ريح بطونهم اهل النار). وفيه: (ان أبا جعفر - عليه
السلام - قال له: فليذهب الحسن يمينا وشمالا، فوالله لا يوجد العلم إلا
هاهنا) (1).
علان خال محمد بن يعقوب الكليني ذكره النجاشي في رجاله
والعلامة في الخلاصة، واحتمل الشهيد الثاني في تعليقته على (الخلاصة)
أن يكون هذا: أحمد بن إبراهيم علان) الكليني أو محمد بن إبراهيم
علان الكليني، وأن يكون أباهما وهو إبراهيم، وفي (النقد) (الظاهر أن
علان هذا هو علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الكليني المعروف
ب‍ (علان) ذكره النجاشي ووثقه وهو الذي يروي عنه محمد بن يعقوب

(1) الحديث رواه الكليني في أصول الكافي (ج 1 ص 51) طبع إيران
سنة 1381 ه‍، ولكن ذكره في كتاب فضل العلم - باب النوادر - الحديث الخامس عشر،
لا في نوادر العقل والجهل - كما زعمه سيدنا - قدس سره - ونص الحديث هكذا:
(الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول - وعنده رجل من أهل البصرة يقال
له عثمان الأعمى، وهو يقول -: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم
يؤذى ريح بطونهم أهل النار، فقال أبو جعفر - عليه السلام - فهلك إذن مؤمن
آل فرعون، ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا - عليه السلام - فليذهب
الحسن يمينا وشمالا، فوالله ما يوجد العلم إلا هاهنا).
راجع: منى الحديث في شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني (ج 2
ص 250) طبع طهران سنة 1383 ه‍، ومرآة العقول في شرح الكافي للمحدث
المجلسي (ج 1 ص 36) طبع إيران سنة 1317 ه‍، ويشير الإمام أبو جعفر - عليه
السلام - بقوله: (فهلك إذن مؤمن آل فرعون)، إلى أن مؤمن آل فرعون كتم
إيمانه بالله وبرسوله عن فرعون وأتباعه مدة طويلة خوفا منهم كما قال سبحانه:
(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)
والايمان من أعظم أبواب العلم وأصول العقائد، ثم استأنف الامام - عليه السلام -
كلاما لاثبات كتمانه على وجه العموم - ردا لما زعمه الحسن البصري، فقال:
(ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا) لعدم المصلحة في إظهاره،
أو لعدم استعداد الناس لفهمه، أو لشدة التقية وكثرة العدو وفشو الانكار
والأذى لاظهاره، ثم قال - عليه السلام - (فليذهب الحسن يمينا وشمالا)
أي لطلب العلم من الناس فان ذلك لا ينفعه أصلا ولا يورثه إلا حيرة
وضلالة لعدوله عن الصراط المستقيم، ورجوعه إلى من لا يعلم الاسرار الإلهية
والشرائع النبوية، ثم حصر - عليه السلام - طريق أخذ العلم بقوله: (فوالله ما يوجد
العلم إلا هاهنا) وأشار إلى صدره، أو إلى مكانه، أو إلى بيت النبوة ومعدن
الخلافة والإمامة لان فيهم كرائم الايمان، وعندهم كنوز الرحمن، ولديهم تفسير
الأحاديث والقرآن، وهم شعار الرسالة والنبوة، وخزان العلوم والمعرفة،
وبيوت الفضائل والحكمة، ومراده - عليه السلام - أن من يطلب العلم والحكمة
وأسرار الشريعة فليرجع الينا وليسألها منا فانا مواردها والناس بتعليمنا يعلمون
وبهدانا يهتدون.
وعثمان الأعمى البصري - هذا - ذكره شيخنا المغفور له الفقيه المامقاني في
تنقيح المقال (ج 2 ص 244) وأورد رواية الكافي المذكورة، ثم قال: (ويتبادر
من خبره كونه إماميا إلا أن حاله مجهول إلا أن يستكشف من رواية الكليني
- رحمه الله - عنه اعتماده عليه).
والظاهر أن عثمان - هذا - هو ابن عمير البجلي أبو اليقظان الكوفي البصري
الأعمى، ويقال: ابن قيس، ويقال: ابن أبي حميد، لأنه كان معاصرا للحسن
ابن أبي الحسن يسار البصري المولود سنة 21 ه‍ والمتوفى سنة 110 ه‍، وكان كل
منهما في عصر الامام أبي جعفر الباقر - عليه السلام - المولود ثاني صفر سنة 57 ه‍،
والمتوفى سابع ذي الحجة سنة 114 ه‍ وقد ترجم لعثمان الأعمى ابن حجر العسقلاني
في (تهذيب التهذيب: ج 7 ص 145) طبع حيدر آباد دكن، وقال: (روى
عن أنس، وزيد بن وهب، وأبي الطفيل، وأبي وائل، وعدي بن ثابت، وأبي
حرب بن أبي الأسود، وغيرهم، وعنه حصين بن عبد الرحمن - وهو من أقرانه - والأعمش
وشعبة، والثوري، وشريك، ومهدي بن ميمون، وآخرون، قال عبد الله بن أحمد بن
حنبل: قال أبي: عثمان بن عمير أبو اليقظان - ويقال: عثمان بن قيس - ضعيف الحديث
كان ابن مهدي ترك حديثه، وقال أبي: خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبد الله بن
حسن... وقال إبراهيم بن عرعرة عن أبي أحمد الزبيري: كان الحارث بن حصين
وأبو اليقظان يؤمنان بالرجعة، ويقال: كان يغلو في التشيع، ذكره البخاري في الأوسط
في فصل من مات ما بين العشرين ومائة إلى الثلاثين، وقال: منكر الحديث...
وقال ابن حبان: اختلط حتى كان لا يدري ما يقول لا يجوز الاحتجاج به،
وقال ابن عدي: ردي المذهب، غال في التشيع يؤمن بالرجعة، ويكتب حديثه
مع ضعفه).
وذكر مثله الذهبي في (ميزان الاعتدال ج 3 ص 50) طبع مصر سنة 1382 ه‍
وصفي الدين الخزرجي في تذهيب تهذيب الكمال (ص 122) طبع مصر سنة 1322 ه‍
79

الكليني كثيرا - كما يظهر من الفائدة الثالثة من (الخلاصة) - (1) ورجح
هذا شيخنا في (اجازته) (2) قال: (ويعضد ذلك أن الصدوق في كتاب

(1) راجع: نقد الرجال للسيد المصطفى التفريشي (ص 340) طبع إيران
ضمن ترجمة محمد بن يعقوب الكليني، فإنه ذكر ذلك بعد أن أورد كلام الشهيد
الثاني في تعليقته على قول العلامة في الخلاصة في ترجمة أبى جعفر الكليني (ص 145)
طبع النجف الأشرف: (وكان خاله علان الكليني الرازي)، وانظر الفائدة
الثالثة أيضا من الخلاصة (ص 272)، وانظر أيضا رجال النجاشي (ص 198)
طبع إيران، فإنه قال: (علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف
بعلان يكنى أبا الحسن، ثقة عين).
ويرى السيد الداماد في آخر الراشحة الثالثة والثلاثين من رواشحه (ص 107)
أن أبا الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلان الكليني، هو ابن
خال محمد بن يعقوب الكليني في الواقع لا خاله على ما هو المشهور.
(2) يريد - رحمه الله - بشيخه: العلامة المحدث الشيخ يوسف بن أحمد
الدرازي البحراني صاحب الحدائق المتوفى سنة 1186 ه‍، والمراد بإجازته هي
الإجازة الكبيرة الموسومة ب‍ (لؤلؤة البحرين) التي أجاز بها ولدي أخويه العالمين
الفاضلين، وهما الشيخ خلف ابن الشيخ عبد علي ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ
إبراهيم العصفوري الدرازي الشاخوري البحراني المتوفى بالبصرة سنة 1208 ه‍
والشيخ حسين ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم العصفوري
البحراني المتوفى في شاخورة سنة 1216 ه‍. راجع العبارة المذكورة في (الأصل)
- ص 390 - من اللؤلؤة، طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍. مع ما علق عليها
وراجع أيضا (ص 388).
* المتلقى من المشائخ أنه جيد كعيد، ورأيته ضبط هكذا في بعض نسخ
النجاشي، وفي الرجال الكبير في عدة مواضع جيد بالتشديد كسيد ولعله من تصرف
الكتاب، ولم أقف إلى الآن على تصريح بضبطه. (منه قدس سره)
82

إكمال الدين واتمام النعمة في أسانيد متعددة يروى عن سعد بن عبد الله
عن علي بن محمد الرازي المعروف بعلان الكليني، فيكون علان اسما
لعلي، لا لأبيه ولا لعمه ولا لجده إبراهيم، إلا أن المذكور في ترجمة
- أحمد - ومحمد المتقدمين: ابن إبراهيم بن علان المعروف ب‍ (علان)
ويمكن أن يكون علان اسما لجدهم وسمي به بعضهم وان حصل
التعريف في بعض آخر) (انتهى كلامه - رحمه الله -) وهو
حسن، غير أن الأحسن أن يكون (علان) لقبا لهم من الأجداد
يعرف به كل منهم وينسب إليه، فإذا أطلق توقف التعيين على القرينة
وعلان الذي هو خال محمد بن يعقوب هو علي بن محمد الذي يروى عنه.
علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد * هكذا نسبه النجاشي في ترجمة
الحسين بن المختار القلانسي (1) ويعبر عنه بعلي بن أحمد بن أبي جيد
وابن أبي جيد، وعلي بن أحمد القمي، وعلي بن أحمد بن طاهر. ومنه
يعلم اسم جده أبي جيد.
يكنى أبا الحسين، شيخ الشيخين: شيخ الطائفة والنجاشي، وأعلى
طرقهما إلى محمد بن الحسن بن الوليد. وقد أكثر الشيخ عنه في (الرجال)

(1) راجع: رجال النجاشي (ص 43) طبع إيران، ولكنه في ترجمة جعفر
ابن سليمان القمي (ص 94) نسبه هكذا: علي بن أحمد بن أبي جيد، وكأنه نسب
أحمد إلى جده.
83

وكتابي الحديث (1) ووثقه السيد الداماد (2) والمحقق البحراني ونقله عن
بعض معاصريه (3).

(1) كما أكثر الشيخ من الرواية عنه في (الفهرست) وكتابا الحديث: هما
تهذيب الأحكام شرح مقنعة المفيد - رحمه الله - وكتاب الاستبصار فيما اختلف من
الاخبار، وكل هذه الكتب مطبوعة فراجعها.
(2) قال السيد الداماد - رحمه الله - في الراشحة الثالثة والثلاثين من الرواشح
السماوية (ص 105) طبع إيران (... إن لمشايخنا الكبراء مشيخة يوقرون
ذكرهم، ويكثرون من الرواية عنهم والاعتناء بشأنهم، ويلتزمون إرداف تسميتهم
بالرضاية عنهم أو الرحمة لهم البتة، فأولئك أيضا ثبت فخماء وأثبات أجلاء
ذكروا في كتب الرجال أو لم يذكروا، والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه
نص عليهم بالتزكية والتوثيق أو لم ينص، وهم كأبي الحسن علي بن أحمد بن أبي
جيد، وأبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، وأبي عبد الله أحمد بن عبدون
المعروف بابن الحاشر، أشياخ شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي، والشيخ أبي العباس
النجاشي - رحمهما الله تعالى -، وشيخنا العلامة الحلي - رحمه الله - في الخلاصة (أي
في الفائدة الثامنة في آخرها) عد طريق الشيخ إلى جماعة كمحمد بن إسماعيل بن
بزيع، ومحمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن يعقوب الكليني، وغيرهم صحيحا
وأولئك الأشياخ في الطريق، واستصح في مواضع كثيرة عدة حمة من الأحاديث
وهم في الطريق، وابن أبي جيد أعلى سندا من الشيخ المفيد، فإنه يروي عن محمد
ابن الحسن بن الوليد بغير واسطة، والمفيد يروي عنه بواسطة.
(3) قال المحقق البحراني أبو الحسن سليمان بن عبد الله الماحوزي الأوالي
المتوفى سنة 1121 ه‍ في (بلغة المحدثين) في ترجمة ابن أبي جيد: (إن إكثار الشيخ
من الرواية عنه في الرجال وكتابي الحديث يدل على ثقته وعدالته وفضله كما ذكره
بعض المعاصرين) ويريد - رحمه الله - ببعض المعاصرين العلامة المحدث المجلسي
والمحقق الداماد - رحمهما الله - كما ذكره الوحيد البهبهاني - رحمه الله - في تعليقته
على منهج المقال للاسترابادي (ص 401) باب الكنى والألقاب، طبع إيران.
84

واستظهر توثيقه الشيخ البهائي (1) ومال إليه المحقق الشيخ حسن (2).

(1) فان البهائي - رحمه الله - ذكر في مقدمة كتابه (مشرق الشمسين -
ص 10) طبع إيران ما هذا نصه: (قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس
له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح، غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين
- قدس الله أرواحهم - قد اعتنوا بشأنه، وأكثروا الرواية عنه، وأعيان مشايخنا
المتأخرين - طاب ثراهم - قد حكموا بصحة روايات هو في سندها، والظاهر أن
هذا القدر كاف في حصول الظن بعدالته) ثم ذكر البهائي - رحمه الله - جماعة من
أولئك وعد منهم أبا الحسين علي بن أبي جيد، فقال: (فان الشيخ - رحمه الله -
يكثر الرواية عنه، سيما في (الاستبصار) وسنده أعلى من سند المفيد لأنه يروي عن
محمد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة، وهو من مشايخ النجاشي أيضا، فهؤلاء
وأمثالهم من مشائخ الأصحاب لنا ظن بحسن حالهم وعدالتهم، وقد عددت حديثهم
في (الحبل المتين) وفي هذا الكتاب في الصحيح جريا على منوال مشايخنا المتأخرين
ونرجو من الله - سبحانه - أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع).
(2) الشيخ حسن - هذا - هو ابن زين الدين الشهيد الثاني العاملي، وكانت
ولادته سنة 959 ه‍، ووفاته سنة 1011 ه‍، وقد مال إلى توثيق علي بن أبي جيد
في الفائدة التاسعة من مقدمة كتابه (منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان)
(ج 1 - ص 35) طبع طهران سنة 1379 ه‍، فقد قال فيها (... يروي المتقدمون
من علمائنا - رضي الله عنهم - عن جماعة من مشائخهم الذين يظهر من حالهم الاعتناء
بشأنهم وليس لهم ذكر في كتب الرجال، والبناء على الظاهر يقتضي إدخالهم في
قسم المجهولين، ويشكل بأن قرائن الأحوال شاهدة ببعد اتخاذ أولئك الاجلاء
الرجل الضعيف أو المجهول شيخا يكثرون الرواية عنه ويظهرون الاعتناء به،
ورأيت لوالدي - رحمه الله - كلاما في شأن مشائخ الصدوق قريبا مما قلنا) ثم قال:
(ومن هذا الباب رواية الشيخ عن أبي الحسين بن أبي جيد فإنه غير مذكور في
كتب الرجال، والشيخ - رحمه الله - يؤثر الرواية عنه غالبا لأنه أدرك محمد بن
الحسن بن الوليد - على ما يفيده كلام الشيخ - فهو يروي عنه بغير واسطة، والمفيد
وجماعة إنما يروون عنه بالواسطة، فطريق ابن أبي جيد أعلى، وللنجاشي أيضا
روايات كثيرة عنه، مع أنه ذكر في كتابه جماعة من الشيوخ وقال: إنه ترك الرواية
عنهم لسماعه من الأصحاب تضعيفهم).
85

والظاهر دخوله فيمن وثقه والده في الدراية (1) وقال السيد في (الكبير):
(وظاهر الأصحاب الاعتماد عليه والطريق الذي فيه يعد حسنا وصحيحا) (2).

(1) يريد بذلك ما ذكره الشهيد الثاني في دراية الحديث (ص 69) طبع
النجف الأشرف من قوله: (تعرف العدالة الغريزية في الراوي بتنصيص عدلين
عليها، وبالاستفاضة بان تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم
كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا
- هذا - لا يحتاج أحد من هؤلاء المشائخ إلى تنصيص على تزكيه ولا بينة على عدالة
لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة، وإنما يتوقف
على التزكية غير هؤلاء الرواة من الذين لم يشتهروا بذلك ككثير ممن سبق على هؤلاء
وهم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالبا).
وابن أبي جيد المذكور من المشايخ المشهورين - كما عرفت - وعهده بعد
عهد الكليني فلا يحتاج إذن إلى التوثيق حسب ما ذكره الشهيد الثاني في شرح درايته.
(2) راجع: الرجال الكبير (منهج المقال) للسيد الميرزا محمد الاسترآبادي
- باب الكنى والألقاب (ص 397) فإنه بعد أن ذكر اسمه ونسبه قال: (وقد
يعبر عنه بعلي بن أحمد القمي، فظاهر الأصحاب الاعتماد عليه، ويعد طريق هو فيه
حسنا وصحيحا كما لا يخفى).
86

وقال الشيخ الحر: (والأصحاب يعدون حديثه حسنا وصحيحا) (1) وهو
إشارة إلى الخلاف في حسن حديثه وصحته، ووجه الحسن ظاهر (2) أما
الصحة فهي إما لكونه ثقة أو من مشائخ الإجازة إذ لم يثبت له كتاب
يروى عنه، أو المعنى: يعدون حديثه في هذين القسمين المعتبرين، فيكون
الحسن باعتبار غيره لا باعتباره. ولعل هذا أظهر، والأوجه انه شيخ ثقة
وحديثه صحيح.
علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى
ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليه
السلام - أبو القاسم المرتضى (3) علم الهدى، ذو المجدين وصاحب
الفخرين والرياستين، والمروج لدين جده سيد الثقلين في المائة الرابعة

(1) ذكر ذلك الشيخ الحر العاملي - رحمه الله - في الفائدة الثانية عشرة من
خاتمة (وسائل الشيعة) باب ما صدر بابن (ص 563) طبع إيران سنة 1324 ه‍.
(2) ووجه الظهور: هو أن الحديث الحسن - على ما عرفه علماء فن الدراية -
ما اتصل سنده إلى المعصوم بامامي ممدوح من غير نص على عدالته مع تحقق ذلك
في جميع مراتب رواة طريقه، أو تحقق ذلك في بعضها بان كان فيهم واحد إمامي
ممدوح غير موثق مع كون الباقي من الطريق من رجال الصحيح، ويوصف الطريق
بالحسن لاجل ذلك الواحد، والمراد بالممدوح - هنا - أن لا يكون فاسد العقيدة
ولا يكون ممدوحا من وجه ومذموما من وجه آخر، ويكون المدح بما يخرج الراوي
عن قسم المجهولين، وهو ينطبق كل الانطباق على علي بن أحمد بن أبي جيد
وروايته، لما عرفت آنفا، فلاحظ.
(3) مهما حاول الكاتب أن يكتب في حياة الشريف المرتضى ويعدد فضائله
في العلم والأدب، فهو دون عظمته ومقامه الأسمى، فقد طبق صيته النوادي
وجاء ذكره الجميل في الكتب الفقهية والأدبية وفي طرق الإجازات، ولهج
بذكره الأدباء والشعراء، وسار شعره في الآفاق، فهو - رحمه الله - شخصية
فذة قلما يسمح الزمان بمثله ومثل أخيه الشريف الرضي من الاعلام، فماذا إذن يقول
القائل في إطرائه:
وإذا استطال الشئ قام بنفسه * وصفات ضوء الصبح تذهب باطلا
كانت داره تغص بالعلماء وطلاب الأدب، ورواد العلم والمعرفة من شتى
الجهات الاسلامية وغيرها.
وقد اجتمع لديه من فنون العلوم وضروب الآداب ما قل أن يجتمع لسواه
وضرب فيها جميعها بسهم وافر فكان فقيها انتهت إليه رئاسة الامامية في عصره -
بعد وفاة أستاذه محمد بن محمد بن النعمان المفيد سنة 413 ه‍ - بعد أن درس الأصول
ومحض الحقائق، واستخرج المسالك، ونصب نفسه بعد ذلك للفتيا، فشدت إليه
الرحال، ووفدت إليه الناس من كل صقع، ووضع لكل كتابا، فهذه المسائل
الديلمية، وتلك المسائل الطوسية، وهذه المسائل المصرية والموصلية، وهكذا
وحذق في علم الكلام وأصول الجدل، فحاج النظراء والمتكلمين، وناظر المخالفين
وكتابه الشافي حجة على طول باعه في الجدل، وله في تفسير القرآن وتأويل الكتاب
ما كشف به عن بحر لا يسبر غوره، ولا ينال دوكه، وقد حفظ من أخبار العرب
وأشعارهم ولغتهم ما جعله في الرعيل الأول من الرواة الحفاظ والأدباء، وبكل
هذا كان إمام عصره غير مدافع، قال أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني الأندلسي
المتوفى سنة 542 ه‍ - على ما نقل عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان، واليافعي في
مرآة الجنان - في أواخر كتابه (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة): (كان هذا
الشريف إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه
أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، مما سارت أخباره،
وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره، إلى تواليفه في الدين، وتصانيفه
في أحكام المسلمين، ما يشهد أنه فرع ذلك الأصل الأصيل، ومن أهل ذلك البيت
الجليل، وكان بعد هذا شاعرا، وله ديوان شعر) قال ابن شهرآشوب: (إنه
يزيد على عشرين الف بيت اختاره من شعره) وقد طبع في ثلاثة أجزاء بمصر سنة
1376 ه‍ وقدم له كل من الأساتذة العلامة الكبير فقيد العلم والأدب الشيخ
محمد رضا الشبيبي، ثم الأستاذ المحقق مصطفى جواد، ثم الأستاذ الكبير رشيد
الصفار، وكانت مقدمة (الصفار) ضافية فقد ألمت بحياة السيد المرتضى - رحمه
الله - وأغنت كل كاتب فيه وباحث.
وقال معاصره الثعالبي في (تتمة اليتيمة ج 1 ص 53) طبع طهران سنة
1353 ه‍ (وقد انتهت الرئاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف، والعلم
والأدب، والفضل والكرم، وله شعر في نهاية الحسن) ثم ذكر شيئا من شعره
وقال: (وهو مما يتغنى به لرقته وحلاوته).
وذكره ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان، ج 4 ص 223) طبع حيدر
آباد دكن: - بعد أن أورد كلاما متهافتا - قال: (... قال ابن أبي طي: هو
أول من جعل داره دار العلم وقدرها للمناظرة، ويقال: إنه امر ولم يبلغ العشرين
وكان قد حصل على رئاسة الدنيا: العلم مع العمل الكثير في السر، والمواظبة
على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم، وكان لا يؤثر على العلم شيئا مع
البلاغة وفصاحة اللهجة، وكان أخذ العلوم عن الشيخ المفيد... ويقال: إن الشيخ
أبا إسحاق الشيرازي كان يصفه بالفضل حتى نقل عنه أنه قال كان الشريف
المرتضى ثابت الجأش، ينطق بلسان المعرفة، ويردد الكلمة المسددة فتمرق مروق
السهم من الرمية، ما أصاب أصمى، وما أخطأ أشوى.
إذا شرع الناس الكلام رأيته * له جانب منه وللناس جانب
وذكر بعض الامامية: أن المرتضى أول من بسط كلام الامامية في الفقه
وناظر الخصوم، واستخرج الغوامض، وقيد المسائل، وهو القائل في ذلك:
كان لولاي غائضا مكرع الفقه * سحيق المدى بحر الكلام
ومعان شحطن لطفا عن * الأفهام قربتها من الأفهام
ودقيق أبرزته بجليل * وحلال أبنته من حرام)
وهذه الأبيات من قصيدة طويلة قالها الشريف المرتضى - رحمه الله - في الفخر
والحماسة، انظرها في ديوانه (ج 3 ص 260).
وليلاحظ أن ابن حجر في ترجمته للمرتضى غير وبدل في بعض الألفاظ
كما غير وبدل في أبياته المذكورة، ولعل بعضها من شطحاته أو من شطحات
المطبعة. هذا ما عدا الذي سقط منها واختلاطها بترجمة أبي الحسن علي بن الحسين
المسعودي المؤرخ العلامة المشهور.
وقد سئل عن المرتضى فيلسوف المعرة أبو العلاء - بعد أن حضر مجلسه -
فقال:
يا سائلي عنه لما جئت أسأله * فإنه الرجل العاري عن العار
لو جئته لرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والأرض في دار
وكان نصير الدين الطوسي الفيلسوف الرياضي المشهور يقول إذا جرى ذكر
المرتضى في درسه -: (صلوات الله عليه) ثم يلتفت إلى القضاة والمدرسين الحاضرين
87



درسه ويقول: كيف لا يصلى على المرتضى؟
ذكر ذلك السيد الخوانساري في روضات الجنات في ترجمته (ص 385)
لقب المرتضى بلقب السيد، والشريف، والمرتضى، وذي المجدين، والثمانيني
وعلم الهدى وأول من لقبه باللقب الأخير هو الوزير أبو سعد محمد بن الحسين بن
عبد الصمد سنة 420 ه‍، ذكر ذلك صاحب روضات الجنات (ص 383) والشهيد
الأول في الحديث الثالث والعشرين من كتاب أربعينه الملحق بكتاب الغيبة للنعماني
(ص 195) طبع إيران سنة 1318 ه‍
وأما كنيته فأبو القاسم، ولم نجد له كنية غير هذه.
ويروي الشريف المرتضى، عن الشيخ المفيد، وأبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري والحسين بن علي بن بابويه - أخي الصدوق القمي - وأبي الحسن أحمد بن علي بن
سعيد الكوفي عن محمد بن يعقوب الكليني، وأبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى
ابن عبيد الله الكاتب الخراساني الأصل والبغدادي المولد، المعروف بالمرزباني
المتوفى ببغداد سنة 384 ه‍، وأكثر رواياته في (الأمالي) عنه، ويروي كذلك فيه
عن أبي القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق المعروف بابن جنيقا المتوفى في
شهر رجب سنة 390 ه‍، وأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب.
ويقول سيدنا الحجة الصدر في كتابه (تأسيس الشيعة: ص 391) - بعد أن ترجم
له - (وقد استقصيت مشايخ إجازاته في كتاب (طبقات مشايخ الإجازات)).
(وقد عاصر الشريف المرتضى من الخلفاء أربعة هم: المطيع، وكانت
خلافته منذ سنة 334 ه‍ إلى سنة 363 ه‍، وكان عمر الشريف المرتضى - حين وفاة
المطيع - لم يتجاوز ثمانية أعوام، لذا لم يرد ذكره في الديوان. ثم ولي الخلافة
الطائع إلى سنة 381 ه‍، حيث وليها القادر إلى سنة 422 ه‍، إذ وليها ابنه القائم
وهو شاب، وللمرتضى في تهنئته بالخلافة سنة 422 ه‍، وتعزيته بوفاة والده
القادر قصيدة في أول الديوان مطلعها:
أراعك ما راعني من ردى * وجدت له مثل حز المدى
كان هذا الخليفة - القائم - آخر من عاصره الشريف المرتضى، حيث توفي
المرتضى سنة 436 ه‍ وبقي القائم إلى سنة 467 ه‍
وعاصر المرتضى من الملوك: بهاء الدولة البويهي، وأبناءه: شرف الدولة
وسلطان الدولة، وركن الدين جلال الدولة، ثم الملك أبا كاليجار المرزبان بن
سلطان الدولة بن بهاء الدولة.
وعاصر من الوزراء: أبا غالب محمد بن خلف، والوزير أبا علي الرخجي
والوزير أبا علي الحسن بن حمد، والوزير أبا سعد بن عبد الرحيم، والوزير أبا الفتح
(كذا في الديوان، ولعله ابن دارست وزير القائم) والوزير أبا الفرج محمد بن
جعفر بن فسانجس، والوزير أبا طالب محمد بن أيوب بن سليمان البغدادي، والوزير
أبا منصور بهرام بن مافنة وزير الملك أبي كاليجار، وغيرهم.
وعاصر من النقباء: والده الشريف أبا أحمد الموسوي، وخاله الشريف أحمد
ابن الحسن الناصر، وأخاه الشريف أبا الحسن محمدا الرضي، والشريف أبا علي
عمر بن محمد بن عمر العلوي، والشريف نقيب النقباء أبا الحسن الزينبي، والشريف
أبا الحسين بن الشبيه العلوي، وغيرهم.
وعاصر من الأمراء: الأمير أبا الغنائم محمد بن مزيد المقتول سنة 401 ه‍،
وعميد الجيوش أبا علي أستاذ هرمز المتوفى في هذه السنة أيضا، وأمير الأمراء
أبا منصور بويه بن بهاء الدولة، والأمير أبا شجاع بكران بن بلفوارس، والأمير
عنبر الملكي المتوفى سنة 420 ه‍، وأمير عقيل غريب بن مقفى المتوفى سنة 425 ه‍
وغيرهم).
وعاصر من العلماء والقضاة والأدباء كثيرين ذكرهم الأستاذ (الصفار) في
مقدمة الديوان (ص 102 - 103) كما ذكر تلامذته - وهم كثيرون - ص 103
إلى ص 109.
وأخبار المرتضى كثيرة يتعذر على الباحث استيعابها وقد ذكر كثيرا منها
الأستاذ (الصفار) في مقدمة الديوان، والأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في مقدمة
(أمالي المرتضى) المطبوع بمصر سنة 1373 ه‍، ومنهما استقينا كثيرا في هذه
الترجمة.
ولزيادة الاطلاع راجع في أخباره: إنباه الرواة للقفطي، وبغية الوعاة للسيوطي
وتاريخ الكامل لابن الأثير، وتاريخ الاسلام للذهبي، وتاريخ بغداد للخطيب
البغدادي، وتاريخ أبي الفداء، وتاريخ ابن كثير، وتتمة اليتيمة للثعالبي، وجمهرة
الأنساب لابن حزم، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ودمية القصر للباخرزي
وغاية الاختصار المنسوب لابن زهرة، ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري
وتوضيح المقاصد للشيخ البهائي، ورياض العلماء للميرزا عبد الله أفندي، وابن
بطوطة في رحلته، والخلاصة للعلامة الحلي، وكتاب الرجال لابن داود الحلي
وزهر الرياض لابن شدقم، وعمدة الطالب لابن عنبة النسابة، وكتاب الرجال
للنجاشي، والفهرست للشيخ الطوسي. وكتاب رجاله، وروضات الجنات
للخوانساري، وسير النبلاء للذهبي، وشذرات الذهب للعماد الحنبلي، ولسان الميزان
لابن حجر العسقلاني، ومرآة الجنان لليافعي، ومعالم العلماء لابن شهرآشوب
والمنتظم لابن الجوزي، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي، ومعجم البلدان
للحموي، والدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني، وتذكرة المتبحرين
الحر العاملي، ومعجم المؤلفين لكحالة، والأعلام للزركلي، والكنى والألقاب
للشيخ عباس القمي، والفوائد الرضوية له أيضا، ولؤلؤة البحرين للشيخ يوسف
البحراني، وكشكوله، وكتاب الغدير للعلامة الأميني، ومنتهى المقال لابي علي
الحائري، وتنقيح المقال للعلامة الفقيه المامقاني، والذريعة لشيخنا المحقق الطهراني
وتلخيص مجمع الآداب الجزء الرابع لابن الفوطي والوافي للوفيات للصفدي،
وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، ونزهة الجليس للسيد عباس المكي، وكشف
الظنون للچلبي، وإيضاح المكنون للبغدادي، وهدية العارفين له أيضا، وأدب
المرتضى لمحيي الدين، وتحفة الأزهار للسيد ضامن بن شدقم، ومستدرك الوسائل
- الخاتمة - للمحدث النوري، وغيرها كثير.
87

على منهاج الأئمة المصطفين، سيد علماء الأمة وأفضل الناس حاشا الأئمة
جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد، وحاز من الفضائل ما توحد به وانفرد
واجمع على فضله المخالف والمؤالف واعترف بتقدمه كل سالف وخالف
كيف لا، وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردى ببرديه
أما النسب فهو أقصر الشرفاء نسبا، وأعلاهم حسبا وأكرمهم أما وأبا
وبينه وبين أمير المؤمنين - عليه السلام - عشر وسائط من جهة الأم
والأب معا، وبينه وبين الإمام موسى بن جعفر - عليه السلام - خمسة
آباء كرام.
88

وكان أبوه أبو أحمد (1) الحسين بن موسى الملقب بالطاهر ذي المناقب
والطاهر الأوحد، جليل القدر عظيم المنزلة، مبارك الغرة ميمون النقيبة مهيبا
نبيلا، ما شرع في صلاح أمر الا وصلح على يديه وانتظم بحسن سفارته
وكان هو السفير بين الخلفاء والأمراء والمتولي لنقابة الطالبيين والأمير على
الموسم، وحج بالناس مرارا. ولد سنة 304 ه‍، وتوفي - رحمه الله - سنة
400 ه‍ وله سبع وتسعون سنة.

(1) (كان الشريف أبو أحمد الحسين كثير السعي في الاصلاح ميمون
الوساطة، لذا كثرت سفاراته لبركة وساطته بين خلفاء بني العباس وملوك بني
بويه والأمراء من بني حمدان، وقد لقبه ب‍ (الطاهر الأوحد ذي المناقب) الملك
بهاء الدولة البويهي لجمعه مناقب شتى، ومزايا رفيعة جمة، وتوفي - بعد أن حالفته
الأمراض وذهب بصره - ببغداد سنة 400 ه‍ ليلة السبت لخمس بقين من جمادى
الأولى، ودفن في داره، ثم نقل منها إلى مشهد الحسين - في كربلاء، ودفن في
تلك الروضة المقدسة عند جده إبراهيم ابن الإمام موسى - عليه السلام - وقبر
إبراهيم هذا له مزار معلوم إلى عصرنا هذا في رواق الإمام الحسين - عليه السلام -
مما يلي الرأس الشريف - بعد أن عمر سبعا وتسعين سنة، وقد رثته الشعراء بمراث
كثيرة، وممن رثاه ابنه المرتضى بالقصيدة المثبتة في ديوانه المطبوع، مطلعها:
ألا يا قوم للقدر المتاح * وللأيام ترغب عن جراحي
ورثاه الشريف الرضي أخوه أيضا بالقصيدة التي مطلعها - كما في ديوانه
المطبوع -:
وسمتك حالية الربيع المرهم * وسقتك ساقية الغمام المرزم
ورثاه أيضا مهيار الديلمي الكاتب بالقصيدة المثبتة في ديوانه، مطلعها:
كذا تنقضي الأيام حالا على حال * وتنقرض السادات باد على تال
ورثاه أيضا أبو العلاء المعري بالفائية المذكورة في سقط الزند التي مطلعها:
أودى فليت الحادثات كفاف * مال المسيف وعنبر المستاف
ورثاه أيضا الأستاذ الجليل أبو سعد علي بن محمد بن خلف بالقصيدة التي
مطلعها:
يا برق حام على حياك وغاير * أن تستهل بغير أرض (الحائر)
وبعث بهذه القصيدة إلى الشريف المرتضى فكتب إليه قصيدة على الروي
نفسه والقافية، ومطلعها:
هل أنت من وصب الصبابة ناصري * أو أنت من وصب الكآبة عاذري)
أنظر بقية أخباره في مقدمة الديوان (ص 42 - ص 45).
94

وأم المرتضى - رحمها الله -: فاطمة (1) بنت أبي محمد الحسن
الناصر بن أبي الحسين أحمد بن أبي محمد الحسن الناصر الكبير صاحب الديلم
ابن علي بن الحسين بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب - عليه السلام - هكذا قال السيد - رحمه الله -
في صدر المسائل الناصرية شرح المسائل المنتزعة من فقه الناصر الكبير

(1) أم المرتضى فاطمة بنت أبي محمد الحسن هي والدة شقيقه الرضي، وقد
توفيت - رحمها الله - في ذي الحجة سنة 385 ه‍، ورثاها ولدها الشريف الرضي
بقصيدة مثبتة في ديوانه مطلعها:
أبكيك لو نقع الغليل بكائي * وأقول لو ذهب المقال بدائي
95

- صاحب الديلم - قال: (وهذا نسب عريق في الفضل والنجابة والرئاسة
أما أبو محمد الحسن بن أبي الحسين أحمد الذي شاهدته وكاثرته (1) وكانت
وفاته ببغداد سنة 368 ه‍، فإنه كان خيرا فاضلا دينا نقي السريرة جميل
النية، حسن الاخلاق، كريم النفس، وكان معظما مبجلا مقدما في أيام
(معز الدولة) (2) لجلالة نسبه ومحله في نفسه، ولأنه كان ابن خالة

(1) هكذا جاء: بالثاء المثلثة قبل الراء، في المطبوع والمخطوط من المسائل
الناصرية، وجاء في هامش مقدمة الديوان (ص 46): (لعل قوله (كاثرته)
مصحف (كاشرته) بالشين، والمكاشرة هي المجاورة، تقول: جاري مكاشري
أو بخدائي يكاشرني، لان المكاثرة (بالثاء) هي المغالبة ولا يريد المرتضى هذا
المعنى)، وأبو محمد الحسن بن أحمد - هذا - يلقب بالناصر الصغير.
(2) معز الدولة: هو لقب أبي الحسن أحمد بن بويه بن فنا خسرو بن تمام
من سلالة سابور ذي الأكتاف الساساني، وكان معز الدولة من ملوك بني بويه في
العراق، فقد استولى على بغداد سنة 334 ه‍ وبايع المستكفي بالله وخلع الخليفة عليه
ولقبه ذلك اليوم بمعز الدولة ولقب أخويه بعماد الدولة وركن الدولة، وأمر أن
تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم، وفي أيامه قويت شوكة آل بويه
وهو أول من أمر الناس بإقامة المآتم للحسين بن علي - عليه السلام - في العشرة
الأولى من محرم واستمرت عليها الشيعة من ذلك الحين حتى اليوم، وكانت إحدى
يدي معز الدولة مقطوعة من نصف الذراع، ولذا يقال له (الأقطع) واختلف
في سبب قطعها، فقيل: قطعت بكرمان في معركة، وقيل: غير ذلك، ودام
ملكه اثنتين وعشرين سنة إلا شهرا، ولما أحس بالموت عهد إلى ابنه (بختيار)
الملقب بعز الدولة، وتوفي ببغداد في ثالث عشر ربيع الأول سنة 356 ه‍ بعلة الذرب
ودفن بباب التبن في مقابر قريش، وكانت ولادته سنة 303، وكان حليما كريما
عاقلا، غير أنه أساء في سياسته باستطالة الأتراك على الديلم) أنظر تفصيل أخباره
في (وفيات الأعيان لابن خلكان) وفي تجارب الأمم لابن مسكويه (ج 6 ص
146) وفي كتاب آثار الشيعة الإمامية للعلامة الشيخ عبد العزيز الجواهري (ج 3
ص 11) طبع إيران سنة 1348 ه‍.
96

(بختيار عز الدولة) (1) وبينه وبين (آل بويه) لحمة النسب وولي
النقابة على العلويين بمدينة السلام عند اعتزال والدي لها سنة 362 ه‍
وأما أبو الحسين أحمد بن الحسن فإنه كان صاحب جيش أبيه، وكان
له فضل وشجاعة ونجابة ومقامات مشهورة يطول ذكرها.

(1) بختيار أبو منصور عز الدولة بن معز الدولة أحمد بن بويه، أحد ملوك
العراق من بني بويه، ديلمي الأصل، ولد سنة 331 ه‍، كان شديد البأس يمسك
الثور بقرنية ويصرعه، وكان متوسعا في الاخراجات والكلف والقيام بالوظائف
وتزوج بنت الخليفة الطائع على صداق مبلغه مائة الف دينار، وقد أوصى إليه والده
معز الدولة حين مرضه سنة 344، وقلده الامر بعده وجعله أمير الأمراء، ولما
مات والده خلفه، وأرسل إلى القواد فأرضاهم، وكتب إلى العسكر بمصالحة
عمران بن شاهين، وكان أبوه قد وجه جيشا لمحاربته، وكان والده وصاه بطاعة
عمه ركن الدولة وابن عمه عضد الدولة لأنه أكبر منه سنا وأقوم بالسياسة، ووصاه
بالديلم وبالأتراك وبالحاجب سبكتكين فخالف هذه الوصايا بأجمعها واشتغل باللهو
واللعب وعشرة النساء والمساخر والمغنين، وشرع في إيحاش كاتبيه وسبكتكين
ثم وقعت معارك عظيمة بينه وبين ابن عمه عضد الدولة بقصر الجص بنواحي
تكريت أدت إلى أسرة ثم قتله سنة 367 ه‍، واستقرار الملك لعضد الدولة، وكان
عمر بختيار (36) سنة، وملك (11) سنة وشهورا، وكانت له عناية بالأدب
وله شعر جيد أورد شيئا منه الثعالبي في (يتيمة الدهر ج 2 ص 197) طبع مصر
سنة 1352 ه‍، أنظر تفصيل أخباره في كتاب آثار الشيعة الإمامية للشيخ عبد العزيز
الجواهري (ج 3 ص 19).
97

وأما أبو محمد الناصر الكبير وهو الحسن بن علي ففضله في علمه
وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة (1) وهو الذي نشر الاسلام في
(الديلم) حتى اهتدوا به بعد الضلالة وعدلوا بدعائه عن الجهالة، وسيرته
الجميلة أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى، ومن أرادها أخذها من
مظانها.
وأما أبو الحسن علي بن الحسين (2) فإنه كان عالما فاضلا.

(1) يلقب أبو محمد الحسن بن علي - هذا - بالناصر الكبير، وبالناصر للحق
وبالأطروش، وبالأصم لصمم أصابه من ضربة سيف في معركة، ولما خرجت
طبرستان من يده لم يستطع الإقامة فيها، فخرج إلى بلاد الديلم فأقام ثلاث عشرة
سنة. وكان أهلها مجوسا فأسلم منهم عدد وفير، وبنى في بلادهم المساجد، ثم
الف منهم جيشا وزحف به إلى طبرستان فاستولى عليها سنة 301 ه‍، وكان
شاعرا مفلقا، علامة إماما في الفقه والدين، صفت له الأيام ثلاث سنوات، قال
الطبري في تاريخه (ج 11 ص 408): لم ير الناس مثل عدل الأطروش، وحسن
سيرته، وإقامته الحق. له تفسير في مجلدين، احتج فيه بألف بيت من الف قصيدة
وله: البساط في علم الكلام، وتنسب إليه كتب أخرى، وجاء في (كتاب الدر
الفاخر) لعبد الرحمن بن محمد بن علي السابح المتوفى بعد سنة 830 ه‍ (ص 246)
(أسلم على يده نحو مائتي الف من الديلم والجبل وغيرهما، وقيل: مؤلفاته تزيد على
ثلاثمائة كتاب).
ولد الناصر الكبير سنة 225 ه‍، وتوفي بطبرستان سنة 304 ه‍، أنظر اخباره
في تاريخ الطبري، وتاريخ ابن الأثير، وروضات الجنات، وتاريخ ابن خلدون
وعمدة الطالب في الأنساب لابن عنبة (ص 301) طبع النجف الأشرف سنة
1358 ه‍، وغيرها من كتب التاريخ، والمعاجم الرجالية.
(2) علي بن الحسين - هذا - عده الشيخ الطوسي - رحمه الله - في (رجاله
ص 402) من أصحاب الإمام الجواد - عليه السلام - وقال: (إنه والد الناصر
الحسن بن علي - رضي الله عنه -).
98

وأما الحسين بن علي (1) فإنه كان سيدا مقدما مشهور الرياسة.
وأما علي بن عمر الأشرف (2) فإنه كان عالما وقد روى الحديث.
وأما عمر بن علي بن الحسين - ولقبه الأشرف (3) فإنه كان فخر
السادة جليل القدر والمنزلة في الدولتين - الأموية والعباسية - وكان ذا
علم وقد روي عنه الحديث).

(1) سماه صاحب عمدة الطالب (ص 298) الحسن وكناه بابي محمد
فراجعه.
(2) عده الشيخ الطوسي في (رجاله: ص 241) من أصحاب الصادق
- عليه السلام - وذكره ابن عنبة النسابة في (عمدة الطالب: ص 298) قائلا:
(... فأعقب عمر الأشرف من رجل واحد وهو علي الأصغر المحدث، روى الحديث
عن جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام - وهو لام ولد).
(3) عمر بن علي بن الحسين الأشرف، عده الشيخ الطوسي في (رجاله:
ص 251) من أصحاب الإمام الصادق - عليه السلام - قائلا: (عمر بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب - عليه السلام - مدني تابعي، روى عن أبي أمامة، عن سهل بن حنيف
مات وله خمس وستون سنة، وقيل: ابن سبعين سنة، وقال المفيد - رحمه الله -
في الارشاد: (كان عمر بن علي بن الحسين - عليه السلام - فاضلا جليلا، وولي
صدقات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدقات أمير المؤمنين - عليه السلام -
وكان ورعا سخيا، وقد روى داود بن القاسم عن الحسين بن زيد قال: رأيت
عمي عمر بن علي بن الحسين - عليه السلام - يشترط على من ابتاع صدقات علي
- عليه السلام - أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة، ولا يمنع من دخله أن يأكل
منه).
وذكره ابن عنبة النسابة في (عمدة الطالب: ص 298) وقال: (هو أخو
زيد الشهيد لامه، وأسن منه، ويكنى: أبا علي، وقيل: أبا حفص، وعقبه قليل
بالعراق، وإنما قيل له الأشرف بالنسبة إلى (عمر الأطرف) عم أبيه، فان هذا
لما نال فضيلة ولادة الزهراء البتول - عليها السلام - كان أشرف من ذلك، وسمي
الاخر الأطرف لان فضيلته من طرف واحد وهو طرف أبيه أمير المؤمنين - عليه
السلام - وعلى هذا يكون عمر الأطرف قد سمي بالأطرف بعد ولادة عمر الأشرف
ابن زيد العابدين - عليه السلام -).
وذكره العمري النسابة في (المجدي) وقال: (عاش عمر الأشرف خمسا
وستين سنة) وروى عن شيخه أبي عبد الله بن طباطبا أن عمر (أخو زيد لامه
وأبيه، يقال لأمهما حيدا، وكان محدثا فاضلا، ولي صدقات علي - عليه السلام -
وولد خمسة عشر ولدا خمس منهم بنات).
وترجم له الاسترآبادي في (منهج المقال)، وقال المولى الأردبيلي - بعد
ترجمته له -:
(روى عنه فطر بن خليفة في الكافي باب الاهتمام بأمور المسلمين).
99

وروى أبو الجارود زياد بن المنذر (1): (قال قيل لابي جعفر الباقر
- عليه السلام -: أي إخوتك أحب إليك؟ فقال - عليه السلام - أما
عبد الله فيدى التي أبطش بها - وكان عبد الله أخا لأبيه وأمه - وأما
عمر فبصري الذي أبصر به، وأما زيد فلساني الذي أنطق به، وأما الحسين
فحليم يمشي على الأرض هونا،

(1) نقل هذا الخبر الشيخ أبو علي الحائري - رحمه الله - في (منتهى المقال)
عند ترجمته لعبد الله بن علي بن الحسين - عليه السلام - عن المسائل الناصرية، ثم
قال: (وهذا الخبر وإن كان مرسلا إلا أن الظاهر من إيراد السيد - رضي الله عنه -
له كونه عنده قطعيا).
100

وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (1)
هذا كلامه - رحمه الله - ولنعم ما قال أبو العلاء (2) فيه وفي أبيه وأخيه:
أنتم ذوو النسب القصير فطولكم * باد على الأمراء والاشراف

(1) إلى هنا ينتهي ما ذكره سيدنا المرتضى - رحمه الله - في صدر المسائل
الناصرية المطبوعة بإيران سنة 1276 ه‍ ضمن الجوامع الفقهية، وقال في أولها:
(فان المسائل المنتزعة من فقه الناصر - رضي الله عنه - وصلت وتأملتها وأجبت
السؤال من شرحها وبيان وجوهها وذكر ما يوافق ويخالف فيها، وانا بتشيد علوم
هذا الفاضل البارع - كرم الله وجهه - أحق وأولى لأنه جدي من جهة والدتي
لأنها فاطمة...) إلى آخر ما ذكر من نسبها مما ذكره سيدنا في الأصل، ثم قال
(والناصر - كما تراه - من أرومتي، وغصن من أغصان دوحتي وهذا نسب عريق
في الفضل والنجابة...) الخ والمسائل التي أجاب الشريف المرتضى عنها كانت
ثماني وعشرين مسألة، ثم لحقها خمس مسائل فكملت بثلاث وثلاثين مسألة، وفرغ
من جوابها في محرم سنة 429 ه‍.
(2) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري (363 - 449) ه‍.
شاعر فيلسوف، ولد ومات في (معرة النعمان) أصيب بالجدري - وهو ابن
أربع سنين - فذهب بصره. وقال الشعر - وهو ابن احدى عشرة سنة - ورحل
إلى بغداد، فأقام فيها قرابة السنتين كان يحضر في خلالها مجلس سيدنا المرتضى
- أعلى الله مقامه - ويسجل التاريخ مطارحات كثيرة بين هذين العلمين ولما مات
المعرى وقف على قبره (84 شاعرا يرثونه. وكان يحرم أكل الحيوان ولم يأكل
لحمه طيلة حياته وكان يلبس الخشن، ولا يكترث بمختلف الطبقات من الناس
غير السيدين الشريفين: المرتضى والرضي - رحمهما الله - أما ديوان شعره فثلاثة
أقسام: لزوم مالا يلزم، سقط الزند - وطبع هذان - وضوء السقط - ولا يزال هذا
الأخير مخطوطا -.
وأما تآليفه - على اختلاف بحوثها ومواضيعها - فتربو على مائتي كتاب
طبع القسم منها، وبقي الاخر مخطوطا - وترجم الكثير منها إلى غير العربية.
كتبت فيه - بالإضافة إلى ذكره في عامة كتب التاريخ والفلسفة والأدب -
كتب ورسائل كثيرة بعضها مطبوع، وبعضها مخطوط - (راجع - في تفصيل
ترجمته -: تاريخ ابن خلكان 1 / 33، ومعجم الأدباء حرف الألف، واعلام
النبلاء: 4 / 74، وانباه الرواة 1 / 46 ودائرة المعارف الاسلامية 1 / 379
والكنى والألقاب للقمي، وغيرها كثير).
101

والراح، إن قلت ابنة الكرم اكتفت * بأب من الأسماء والأوصاف (1)
هذا ما كان من الحسب والنسب، وأما الفضل المكتسب، فقد اجتمع
فيه ما تفرق في الناس: من الفقه والكلام والأصول والتفسير والحديث
والأدب والشعر والخطابة وغيرها من الفضائل النفسانية والدينية والدنيوية.
وكان الأوحد في جميع ذلك.
وقال الشيخ في (كتاب الرجال): (... أبو القاسم الملقب
بالمرتضى، ذو المجدين، علم الهدى - أدام الله تعالى أيامه - أكثر أهل زمانه

(1) وهذان البيتان من قصيدة كبيرة قالها أبو العلاء المعري في رثاء والد
السيدين الشريفين أبي أحمد الحسين بن موسى الطاهر المتوفى سنة 400 ه‍ ومطلع
القصيدة - كما في سقط الزند -:
أودى فليت الحادثات كفاف * مال المسيف وعنبر المستاف
ومنها في تعزية الشريفين ومدحهما:
أبقيت فينا كوكبين سناهما * في الصبح والظلماء ليس بخاف
متأنقين، وفي المكارم أرتعا * متألقين بسؤدد وعفاف
قدرين في الأرداء، بل مطرين في * الاجداء، بل قمرين في الاسداف.
ساوى الرضى المرتضى وتقاسما * خطط العلا بتناصف وتصاف
102

أدبا وفضلا، متكلم، فقيه، جامع للعلوم كلها... له تصانيف كثيرة
وسمعنا منه أكثر كتبه، وقرأناها عليه) (1).
وفي (الفهرست): (... أبو القاسم، المرتضى، الأجل، علم
الهدى، متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم، مثل
علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو، والشعر ومعاني الشعر
واللغة وغير ذلك) (2).
وقال النجاشي - رحمه الله - (... حاز من العلوم ما لم يدانه فيه
أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلما شاعرا أديبا عظيم
المنزلة في العلم والدين والدنيا...) (3)
وقال العلامة - رحمه الله -: (... متوحد في علوم كثيرة، مجمع
على فضله، مقدم في الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب من النحو والشعر
واللغة وغير ذلك... له مصنفات كثيرة ذكرناها في كتابنا، الكبير وبكتبه
استفادت الامامية منذ زمنه - رحمه الله - إلى زماننا هذا - وهو سنة ثلاث
وتسعين وستمائة، وهو ركنهم ومعلمهم - قدس الله روحه وجزاه الله عن
أجداده خيرا) (4).
وقال ابن داود: (... أبو القاسم المرتضى، علم الهدى، ذو المجدين
أفضل أهل زمانه، وسيد فقهاء عصره، حال فضله وتصانيفه شهير....) (5)

(1) رجال الشيخ الطوسي، باب من لم يرو عنهم (عليهم السلام) رقم (52) ص 484
طبع النجف الأشرف.
(2) فهرست الشيخ الطوسي ص 125 رقم 433 طبع النجف الأشرف.
(3) رجال النجاشي ص 206 - 207 طبع إيران.
(4) رجال العلامة - الخلاصة -: ص 94 - 95 برقم 22 باب علي طبع
النجف الأشرف.
(5) رجال أبي داود الحلي: ص 240 برقم 1016 طبع دانشكاه طهران.
103

وقال المحقق الكركي في (الخراجية) - في تأييد حل الخراج ونفي
الشبهة عنه -: (... وما زلنا نسمع خلال المذاكرة في مجالس التحصيل
من أخبار علمائنا الماضين وسلفنا الصالحين ما هو من جملة الشواهد على ما ندعيه
والدلائل الدالة على حقية ما ننتحيه، فمن ذلك ما تكرر سماعنا له من أحوال
الشريف المرتضى علم الهدى ذي المجدين أعظم العلماء في زمانه الفائز بعلو
المرتبتين في أوانه علي بن الحسين الموسوي - قدس الله روحه - فإنه مع
ما اشتهر من جلالة قدره في العلوم - وأنه في المرتبة التي تنقطع أنفاس
العلماء على أثرها، وقد اقتدى به كل من تأخر عنه من علماء أصحابنا -
بلغنا: أنه كان في بعض دول الجور ذا حشمة عظيمة وثروة جسيمة
وصورة معجبة، وأنه كان له ثمانون قرية، وقد وجدنا في بعض كتب
الآثار ذكر بعضها، وهذا أخوه ذو الفضل الشهير والعلم الغزير والعفة
الهاشمية والنخوة القرشية السيد الشريف الرضي المرضي - روح الله روحه -
كانت له ثلاث ولايات، ولم يبلغنا عن أحد من صلحاء ذلك العصر
الانكار عليهما ولا الغض عنهما ولا نسبتهما إلى فعل حرام أو مكروه أو خلاف
الأولى، مع أن الذين في هذا العصر ممن يزاحم بدعواه الصلحاء لا يبلغون
درجات اتباع أولئك والمقتدين بهم) (1).
وقال السيد السند علي بن أحمد - شارح الصحيفة - في كتاب
الدرجات: (... وكان الشريف المرتضى - قدس الله روحه - أوحد
زمانه فضلا وعلما وفقها وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وجاها وكرما
وغير ذلك.

(1) انظر رسالة قاطعة اللجاج في حل الخراج للمحقق الشيخ علي بن
عبد العالي الكركي العاملي - رحمه الله - (ص 40 - ص 41) طبع إيران
سنة 1313 ه‍.
104

وكان نحيف الجسم حسن الصورة، يدرس في علوم كثيرة، ويجري على
تلامذته رزقا، فكان للشيخ أبى جعفر الطوسي أيام قراءته عليه كل شهر
اثنا عشر دينارا، وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية دنانير وكان قد
وقف قرية على كاغذ الفقهاء، وأصاب الناس في بعض السنين قحط شديد
فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوت يحفظ به نفسه، فحضر - يوما -
مجلس المرتضى، وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئا من علم النجوم
فأذن له، وأمر له بجراية تجري عليه كل يوم، فقرأ عليه برهة، ثم
أسلم على يديه. وكان - رحمه الله - يلقب ب‍ (الثمانيني) لأنه أحرز من
كل شئ ثمانين، حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر،
وتولى نقابة النقباء، وامارة الحاج والمظالم بعد وفاة أخيه الرضي - رحمه الله -
وهو منصب والدهما - رحمه الله - وذكر أبو القاسم التنوخي (1) - صاحب

(1) أبو القاسم التنوخي - هذا - هو علي بن أبي علي المحسن بن علي بن محمد
ابن أبي الفهم، داود بن إبراهيم بن تميم المعروف بالقاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى
وتلميذه، ذكره الأفندي في (رياض العلماء) فقال: (... والأكثر أنه من الامامية
لكن العلامة - رحمه الله - قد عده في أواخر إجازته لأولاد زهرة من جملة علماء
العامة ومن مشايخ الشيخ الطوسي فتأمل).
وترجم له القاضي نور الله التستري في (مجالس المؤمنين ج 1 ص 542)
طبع إيران سنة 1375 ه‍ قال: (قال ابن كثير الشامي في حقه: إنه من أعيان
فضلاء عصره، ولد بالبصرة سنة 365 ه‍، وسمع الحديث سنة 370 ه‍، وقبلت شهادته
عند الحكام في حداثته، وتولى القضاء بالمدائن وغيرها، وكان صدوقا محتاطا إلا
أنه يميل إلى الاعتزال والرفض).
وترجم له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وأثنى عليه وقال: (كتبت عنه
وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولا إلى
آخر عمره، وكان متحفظا في الشهادة محتاطا صدوقا في الحديث، ومات في
ليلة الاثنين الثاني من المحرم سنة 447 ه‍، ودفن يوم الاثنين في داره بدرب التل
وصليت على جنازته).
ووالده أبو علي المحسن بن علي التنوخي القاضي الامامي، صاحب جامع
التواريخ وكتاب الفرج بعد الشدة، وكان مصاحبا لعضد الدولة، ذكره الثعالبي
في (يتيمة الدهر: ج 2 ص 319) طبع مصر سنة 1352 ه‍، فقال: (هلال ذلك
القمر، وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل لمجد أبيه وفضله، والفرع المثيل
لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته). ثم ذكر شيئا من شعره
توفي بالبصرة سنة 384 ه‍.
وأما جده علي بن محمد بن أبي الفهم داود الأنطاكي البغدادي أبو القاسم
ويعرف أيضا بالقاضي التنوخي، فهو أديب شاعر، عالم بأصول المعتزلة، ولد
بأنطاكية سنة 278 ه‍ ورحل إلى بغداد في حداثته فتفقه بها على مذهب أبي حنيفة
وكان معتزليا، وولي قضاء البصرة والأهواز وغيرهما، ثم أقام زمنا ببغداد،
وكان من جلساء الوزير المهلبي، وزار سيف الدولة الحمداني، ومدحه. له ديوان
شعر، ومن شعره مقصورة عارض بها الدريدية، أولها:
لولا التناهي لم أطع نهي النهى * أي مدى يطلب من جاز المدى
يذكر بها مفاخر تنوخ وقضاعة، توفي بالبصرة سنة 342 ه‍
ترجم له الثعالبي في (يتيمة الدهر: ج 2 ص 309) وذكر شيئا من شعره،
كما ترجم له صاحب مجالس المؤمنين (ج 1 - ص 541)، وتاريخ ابن خلكان
ومعجم الأدباء للحموي، وتاريخ بغداد، والفوائد البهية للهندي، ومرآة الجنان
لليافعي، ومعاهد التنصيص (ج 2 - ص 12) وغير هؤلاء من أرباب المعاجم
والتواريخ.
105

الشريف - قال: حصرنا كتبه فوجدناها ثمانين الف مجلد من مصنفاته
ومحفوظاته ومقروآته. وقال الثعالبي في كتاب اليتيمة (1) (إنها قومت
بثلاثين الف دينار بعد أن أهدى إلى الرؤساء والوزراء شطرا عظيما منها: (2)
وكان مولد السيد المرتضى - رضي الله عنه - في رجب سنة 355 ه‍
ووفاته في شهر ربيع الأول سنة (436) ه‍ وعمره - يومئذ - ثمانون سنة
وثمانية أشهر وأيام - قاله الشيخ في (الفهرست)، والعلامة في (الخلاصة) - (3)
وقال النجاشي: (مات رضي الله عنه لخمس بقين من شهر ربيع
الأول سنة 436 ه‍ وصلى عليه ابنه في داره، ودفن فيها وتوليت غسله
ومعي الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري وسلار بن عبد العزيز) (4)
وفي حاشية الخلاصة للشهيد الثاني - نقلا عن صاحب تنزيه ذوي
العقول في أنساب آل الرسول -: (أنه رحمه الله نقل بعد ذلك إلى جوار

(1) لم نجد ما ذكره في كتاب يتيمة الدهر للثعالبي، ولا في تتمتها رغم تصفح
أجزائها المطبوعة، فلاحظ ذلك، ومن الغريب: أن الشهيد الثاني - رحمه الله -
نقل ذلك أيضا عن يتيمة الدهر، وكذلك السيد ضامن بن شدقم في (تحفة الأزهار
وزلال الأنهار) ولعل يد التغيير لعبت به، إذ لم نجد للسيد المرتضى ذكرا في
اليتيمة.
(2) إلى هنا ينتهي ما ذكره السيد علي خان في الدرجات الرفيعة (ص 458
- ص 463) طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: فهرست الشيخ (ص 98، برقم 421) طبع النجف الأشرف
سنة 1356 ه‍، ورجال العلامة الحلي - الخلاصة - (ص 95، برقم 22) طبع
النجف الأشرف.
(4) رجال النجاشي: ص 207 طبع إيران.
107

جده الحسين - عليه السلام -) (1).
وفي كتاب (الدرجات) المتقدم ذكره: (وصلى عليه ابنه أبو جعفر
محمد، ودفن - أولا - في داره ثم نقل منها إلى جوار جده الحسين - عليه
السلام - ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه - قال -: وقبورهم

(1) حاشية الشهيد الثاني - رحمه الله - على (الخلاصة) في الرجال للعلامة
الحلي - رحمه الله - ما زالت مخطوطة، توجد في مكتبتنا وفى غيرها من المكتبات،
فقد ذكر فيها - تعليقا على ما ذكره العلامة - رحمه الله - في ترجمة الشريف المرتضى -
قوله: (ثم نقل إلى جوار جده الحسين - عليه السلام - ذكره صاحب تنزيه العقول)
وقد ذكر نقله إلى جوار جده - عليه السلام - كثير من أرباب التواريخ والمعاجم
الرجالية والأنساب، منهم: ابن عنبة النسابة في (عمدة الطالب: ص 194) طبع
النجف الأشرف، فقد قال إنه (دفن في داره ثم نقل إلى كربلا فدفن عند أبيه
وأخيه، وقبورهم ظاهرة مشهورة)، ونقل الشيخ أبو علي الحائري في (منتهى
المقال) عن تعليقة الشهيد الثاني خبر نقل السيد المرتضى إلى جوار جده الحسين
- عليه السلام - كما ذكرنا.
وممن ذكر نقله إلى كربلا ودفنه إلى جوار جده الحسين - عليه السلام - السيد
علي خان المدني في الدرجات الرفيعة (ص 463) كما ستعرف -، ومنهم: السيد الشريف
الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن شدقم الحسيني المدني في كتاب (زهر الرياض) كما
ذكره سيدنا - رحمه الله - في الأصل، ومنهم: سيدنا الإمام الحجة الحسن صدر
الدين الكاظمي - رحمه الله - في رسالته (تحية القبور بالمأثور) - عند ذكره
المدفونين في كربلاء من الاعلام - فقال: (... ومنهم: إبراهيم الأصغر ابن الإمام
الكاظم - عليه السلام - قبره خلف ظهر الحسين - عليه السلام - بستة أذرع، وهو
الملقب بالمرتضى، وهو المعقب المكثر، جد السيد المرتضى والرضي - رحمهما الله -
وجدنا، وجد أشراف الموسوية، ومعه جماعة من أولاده كموسى أبي شجة،
وأولاده، وجدنا الحسين القطعي، وجماعة من أولاده، في سردابين متصلين خلف
الضريح المقدس، وكانت قبورهم ظاهرة، ولما عمر الحرم التعمير الأخير محوا
آثارهم، ومعهم قبر السيد المرتضى والسيد الرضي، وأبيهما وجدهما موسى الأبرش...
وقد شرحت التفصيل في كتاب (تكملة أمل الآمل) في ترجمة السيد المرتضى،
وتعرضت إلى تحقيق أن قبر السيد المرتضى وأخيه السيد الرضي في كربلا وأن
المكان المعروف في بلد الكاظمين - عليهما السلام - بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولا
ثم نقلا منه إلى كربلا، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا، وإنما أبقوه
كذلك لعظم شأنهما).
ويرى الأستاذ المحقق الدكتور مصطفى جواد في مقدمته لديوان الشريف
المرتضى المطبوع بمصر (ص 26) - بعد أن جزم بأن السيدين المرتضى والرضي
بعد أن دفنا في داريهما نقلا إلى المشهد الحسيني بكربلاء - يرى بأن القبر الذي في
خارج سور المشهد الكاظمي هو ليس للشريف المرتضى، فقال: (وقد أظهرت في
العصر الأخير في الكاظمية - خارج سور المشهد الكاظمي - تربة كتب عليها: أنها
تربة الشريف المرتضى، ثم أظهرت بالقرب منها تربة سميت تربة الشريف الرضي
مع أن أكثر المؤرخين الذين ترجموهما ذكروا نقلهما من داريهما إلى المشهد الحسيني
بكربلاء، ولا تخلو تسمية التربة في الكاظمية بتربة المرتضى من أمرين: (أحدهما)
أنه كان هناك في التربة ضريح أو قبر غير معروف دفينه، فانبرى لها أحد البعيدين
عن التحقيق والتدقيق فنسبها إلى المرتضى، (والاخر) أن التربة كانت تسمى (تربة
المرتضى) أو (تربة ابن المرتضى) فحذفت لفظة (ابن) من التسمية.
فإن كان اسمها (تربة المرتضى) فليس دفينها الشريف المرتضى، بل إبراهيم
ابن الإمام موسى بن جعفر - عليه السلام - وهو الذي مضى إلى اليمن وتغلب عليها
في أيام أبي السرايا، ويقال: إنه ظهر داعيا لأخيه الرضا - عليه السلام - فبلغ
المأمون ذلك فشفعه فيه وتركه. توفي في بغداد، وقبره بمقابر قريش عند أبيه
- عليه السلام - في تربة مفردة معروفة ذكر ذلك مؤلف (غاية الاختصار: ص 50
- ص 54) في ترجمة موسى بن إبراهيم الموسوي.
وعلى القول الثاني، أعني أن تسمية التربة كانت (تربة ابن المرتضى) تكون
للسيد علي بن المرتضى بن علي بن محمد ابن الداعي زيد الحسني المعروف بالأمير
السيد الذي ذكره ابن النجار في تاريخه، وابن الفوطي في تلخيص معجم الألقاب
المولود ليلة الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول سنة 521 ه‍، ببغداد والمتوفى ليلة الجمعة
ثاني عشر رجب سنة 588 ه‍، ودفن يوم الجمعة بمقابر قريش).
ولكن ذلك يخالف ما ذكره النسابون من أن إبراهيم بن الإمام موسى - عليه
السلام - دفن في كربلاء. إلا أن يقال: إنه نقل إليها بعد دفنه بمقابر قريش كما نقل
حفيداه المرتضى والرضي.
وانظر تفصيل ما ذكره الدكتور مصطفى جواد في مقدمة الديوان، ولكن
الدكتور لم يحقق لنا التربة الثانية التي ذكرها للشريف الرضي، فكأنه لم يجد
له مصادر يستقي منها.
ونرى أن ما ذكره (الدكتور) حدس وتخمين، وأن الذي يترجح لنا ما ذكره
الامام سيدنا الحسن الصدر - رحمه الله - مما ذكرناه - عن كتابه (تحية أهل القبور
بالمأثور) وهو: (... وإن المكان المعروف في بلد الكاظمين - عليهما السلام - بقبرهما
هو موضع دفنهما فيه أولا ثم نقلا إلى كربلاء... وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما).
بقي علينا أن نعرف الدار التي توفي فيها السيد المرتضى ودفن فيها - أولا
- ليلة واحدة - على ما يقول ابن خلكان في وفيات الأعيان - فان له دورا عديدة على
ما ذكره المؤرخون، وإن سيدنا الصدر - رحمه الله - كما عرفت - يرى ان المكان
المعروف في بلد الكاظمين بقبرهما هو موضع دفنهما، ويلزمنا أن نعتبر هذا المكان
هو داره الأخيرة التي توفي فيها، ومنها نقل إلى كربلاء، فلاحظ، وإنا نحيلك إلى
ما ذكره الاستاذان الدكتور مصطفى جواد ورشيد الصفار في مقدمتيهما للديوان
فإنهما ذكرا الدور التي كان يسكنها، وينتهي الأستاذ الصفار فيقول: (فأما أي دار
من دوره توفي فيها ودفن بها ثم نقل عنها؟ فهذا لا يمكننا تعيينه، كما لا نعلم هل
سكن المرتضى غير هذه الدور أم لا؟ عسى أن نوفق لتحقيق ذلك).
وانظر - لزيادة الاطلاع - إلى ما ذكره صاحب روضات الجنات (ص 576)
في ترجمة الشريف الرضي.
108

ظاهرة مشهورة، قدس الله أرواحهم الطاهرة) (1).
وفي كتاب (زهر الرياض وزلال الحياض) للسيد الشريف الحسن
ابن علي بن الحسن بن علي بن شدقم الحسيني المدني، صاحب (مسائل
شيخنا البهائي رحمه الله) - بعد أن ذكر نقله إلى مشهد الحسين عليه السلام -
قال: (وبلغني أن بعض قضاة الأورام وأظنه سنة 942 ه‍ نبش قبره
- رحمه الله - فرآه كما هو لم تغير الأرض منه شيئا. وحكى من رآه
أن أثر الحناء في يديه ولحيته، وقد قيل: إن الأرض لا تغير أجساد
الصالحين) (2).
قلت: الظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف
ب‍ (إبراهيم المجاب) وكان إبراهيم هذا هو جد المرتضى وابن الإمام

(1) انظر: الدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني (ص 463) طبع
النجف الأشرف.
(2) زهر الرياض وزلال الحياض الذي نقل عنه (سيدنا قدس سره) لا توجد
نسخته بأيدينا وهو في التواريخ والسير واخبار الخلفاء، والأئمة، وما يتعلق بالمدينة
ألفه مؤلفه سنة 992 ه‍ كما ذكر ذلك حفيده في (تحفة الأزهار) في ترجمة جعفر
الحجة، وتوجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران - كما في فهرسها 3 / 1922
ويوجد جزؤه الثالث المتضمن ترجمة إمام أهل السنة مالك إلى ترجمة مهيار بن
مرزويه الشاعر - في مكتبة مدرسة الفاضلية بطهران، ومؤلفه هو السيد أبو المكارم
بدر الدين الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن شدقم الحسيني المجاز من الشيخ
نعمة الله بن أحمد بن محمد بن علي بن خاتون، ومن الشيخ حسين ابن الشيخ عبد
الصمد - والد البهائي العاملي - في سنة 983 ه‍، ومن السيد محمد صاحب (المدارك)
في سنة 987 ه‍. ذكر ذلك شيخنا الامام الطهراني في (الذريعة: ج 12 ص 70)
ترجم له السيد علي خان المدني في (سلافة العصر: ص 249) طبع مصر
سنة 1324 ه‍، ونقل عنه الترجمة - بنصها - المحبي في (خلاصة الأثر: ج 2 ص 24)
وزاد قوله: (كانت وفاته في شوال سنة 1046 ه‍، رحمه الله).
وهو جد صاحب (تحفة الأزهار وزلال الأنهار) في نسب أبناء الأئمة
الأطهار، السيد ضامن بن زين الدين علي ابن السيد حسن أبي المكارم المذكور،
وينقل فيه عن كتاب جده (زهر الرياض) كثيرا.
111

موسى - عليه السلام - وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن، والله أعلم (1).
وقد ذكر السيد المرتضى جماعة من أعيان المخالفين، وأثنوا عليه غاية

(1) إبراهيم جد السيد المرتضى هو إبراهيم الأصغر ابن الإمام موسى بن
جعفر - عليه السلام - ويلقب بالمجاب أيضا - كما ذكره السيد ضامن بن شدقم
الحسيني المدني المتوفى بعد سنة 1088 ه‍، في كتابه (تحفة الأزهار وزلال الأنهار)
- المخطوط - في المجلد الثاني المخصص لأنساب الامام أبي عبد الله الحسين - عليه السلام -
فإنه ذكر إبراهيم بن موسى بن جعفر - عليه السلام - ولقبه بالمجاب، وبالمرتضى،
وجعله صاحب أبي السرايا، ويقول سيدنا الإمام الحجة السيد الحسن الصدر الكاظمي
- رحمه الله - في كتابه (نزهة الحرمين في عمارة المشهدين): (وقد رأيت في بعض
المشجرات في النسب تلقيب إبراهيم الصغير ابن الإمام موسى الكاظم - عليه السلام -
بالمجاب أيضا، ومما ذكره السيد الشريف جمال الدين أحمد بن المهنا العبيدلي
النسابة في مشجرته: أنه كان عالما عابدا زاهدا، وليس هو صاحب أبي السرايا
إنما ذاك أخوه الأكبر لا إبراهيم الأصغر، وذكر أن قبره - يعنى إبراهيم الأصغر -
خلف ظهر الحسين - عليه السلام - بستة أذرع) ثم قال سيدنا الصدر - رحمه الله -:
(أقول: المعروف بالمجاب أبعد من ستة أذرع إن أراد نفس القبر الشريف المقدس
وإن أراد ما بعد المشهد فلا يكون أكثر من ستة أذرع خلف الظهر).
وقال سيدنا الصدر أيضا: (إنما الخلاف في أن إبراهيم صاحب الصندوق
هل هو إبراهيم بن محمد العابد، أو هو إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم عليه
السلام)؟.
وذكر أيضا - كما مر آنفا - في كتابه (تحية أهل القبور بالمأثور) - مخطوط -:
جماعة من المدفونين في كربلاء - غير المستشهدين مع الحسين عليه السلام - وعد
منهم إبراهيم الأصغر ابن الإمام الكاظم - عليه السلام - وقال: (قبره خلف ظهر
الحسين - عليه السلام - بستة أذرع وهو الملقب بالمرتضى... وكانت قبورهم
ظاهرة، ولما عمر الحرم التعمير الأخير محوا آثارهم، ومعهم قبر السيد المرتضى)
ويريد سيدنا الصدر - رحمه الله - بالتعمير الأخير هي العمارة التي ذكرها في
كتابه (نزهة الحرمين) وجعلها العمارة السابعة الموجودة الآن، وقال: (إنها ليست
بويهية لان تاريخها سنة 767 ه‍، بعد انقضاء دولة بني بويه بثلاثمائة وعشرين سنة
لان انقضاء دولة البويهية كان سنة 447 ه‍).
وهذه العمارة الأخيرة قد تمت في عهد السلطان أويس ابن الشيخ حسن
الجلائري المتوفى سنة 776 ه‍ فإنه - رحمه الله - شيد المسجد والحرام سنة 767 ه‍.
ثم أتم بناء الحائر وأكمله من بعده ولداه السلطان حسين المتوفى سنة 784 ه‍ والسلطان
أحمد، المقتول سنة 813 أو سنة 814 ه‍ وموضع تاريخ العمارة المذكورة الأخيرة
كان فوق المحراب القبلي في الجهة الجنوبية الغربية من حرم الحسين - عليه السلام
مما يلي الرأس المطهر، وقد بقي هذا التاريخ محفوظا في المحل المذكور إلى سنة 1216 ه‍
وهي السنة التي شن الوهابيون غاراتهم على كربلا، وقد رفع العثمانيون في تلك
السنة هذا التاريخ من محله، ومحوا أثره في أيامهم.
ثم إن سيدنا الصدر - رحمه الله - عد في كتابه (تحية أهل القبور بالمأثور)
من جملة المدفونين في كربلاء إبراهيم المجاب بن محمد العابد ابن الإمام الكاظم - عليه
السلام - وقال: (قبره في رواق حرم الحسين - عليه السلام - وهو صاحب الشباك
وهو أول من سكن الحائر من الموسوية، كان ضريرا يسكن الكوفة ثم سكن
الحائر).
ثم نسب الوهم إلى سيدنا (صاحب الأصل) فقال: (وقد وهم فيه السيد
بحر العلوم - طاب ثراه - في الفوائد الرجالية، فظنه إبراهيم ابن الإمام الكاظم
- عليه السلام - وأنه إبراهيم صاحب السرايا، وهو وهم في وهم).
ولكنك قد عرفت آنفا: أن سيدنا الصدر - رحمه الله - هو الذي ذكر في
كتابه (نزهة الحرمين) الخلاف في أن إبراهيم صاحب الصندوق هل هو إبراهيم
ابن العابد أو هو إبراهيم المرتضى ابن الإمام موسى الكاظم - عليه السلام - ونقل
عن مشجرة السيد الشريف جمال الدين أحمد بن المهنا العبيدلي النسابة أن قبر إبراهيم
الأصغر خلف ظهر الحسين - عليه السلام - وهو الذي ذكر في كتابه (تحية أهل
القبور بالمأثور) أن قبر إبراهيم الأصغر خلف ظهر الحسين - عليه السلام - بستة
أذرع، وهو الملقب بالمرتضى، وهو جد السيد المرتضى والرضي.
وبعد ذلك كله فما وجه توهيم سيدنا (صاحب الأصل) - رحمه الله - بعد أن
استظهر هنا أن صاحب الصندوق هو إبراهيم الأصغر ابن الإمام الكاظم - عليه
السلام - والملقب بالمجاب أيضا - كما عرفت آنفا - وأن قبره في المحل المعروف
بإبراهيم المجاب؟
وأما صاحب السرايا فقد اختلف فيه أرباب النسب والتاريخ: هل هو إبراهيم
الأصغر جد السيدين المرتضى والرضي المعقب، أو إبراهيم الأكبر الذي لم يعقب
وقد عرفت في (ج 1 ص 43) من كتابنا - هذا - أن الشيخ أبا الحسن العمري
نجم الدين النسابة علي بن أبي الغنائم - صاحب أنساب الطالبين، والمجدي، والمبسوط
والمشجر - ذكر أن إبراهيم الأصغر هو الذي ظهر باليمن أيام أبي السرايا، كما أن
ابن شدقم النسابة ذكر ذلك في كتابه (تحفة الأزهار) ولقبه بالمجاب، وإن ذكر
أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية (ص 37) طبع النجف الأشرف أن
إبراهيم الأكبر هو الذي خرج باليمن أيام المأمون وهو أحد أئمة الزيدية، وأكثر
النسابين على أنه لم يعقب.
وإذا عرفنا هذا الاختلاف فقد استظهر سيدنا (في الأصل) أن الذي
خرج باليمن هو إبراهيم الأصغر ترجيحا لقول النسابة الشهير صاحب المؤلفات
القيمة الشيخ أبي الحسن العمري والذي يرجع إليه في أقواله النسابون، وكان قد
اجتمع بالسيد المرتضى في بغداد سنة 425 ه‍ وكان حيا إلى ما بعد سنة 443 ه‍.
فاذن فما وجه نسبة الوهم إلى سيدنا - رحمه الله - إذا اختار القول الصحيح
عنده، وما الدليل عليه يا ترى؟
وأما ما قد يتوهم من لا خبرة له - من أن سيدنا (هنا) ذكر أن قبر السيد
المرتضى وأبيه وجده في المحل المعروف بإبراهيم المجاب، وأن إبراهيم - هذا - هو
جد المرتضى وابن الإمام موسى - عليه السلام - بينما ذكر في (ج 1 - ص 435)
في ترجمة إبراهيم المجاب ابن محمد العابد بن موسى الكاظم - عليه السلام - من أن
قبر إبراهيم المجاب في الحائر معروف مشهور، وذلك يشكل تنافيا في قوليه - فهو
مما لا يلتفت إليه، فان سيدنا - رحمه الله - في ترجمة إبراهيم المجاب ابن محمد العابد
إنما نقل قول صاحب (عمدة الطالب) فحسب ولم يبد رأيه في قوله (معروف
مشهور) وأن هذه الشهرة هل هي صحيحة أو غير صحيحة) وهنا - في ترجمة السيد
المرتضى - استظهر أن قبر إبراهيم جد السيد المرتضى وابن الإمام موسى - عليه
السلام - هو في المحل المعروف بإبراهيم، فأين المنافاة يا ترى؟ فلاحظ ذلك كي
تتضح لك الحقيقة وتعرف الواقع.
112

الثناء، ونحن نورد ذلك، لان الفضل ما شهدت به الأعداء:
113

ففي (تاريخ ابن خلكان) - بعد ذكره -: (كان نقيب الطالبيين
إماما في علم الكلام والأدب والشعر، وهو أخو الشريف الرضي الآتي
ذكره، وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين، وديوان
شعر كبير، وإذا وصف الطيف أجاد به، وقد استعمله في كثير من المواضع
وقد اختلف الناس في كتاب (نهج البلاغة) المجموع من كلام علي بن
أبي طالب - عليه السلام -: هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي. وقد قيل
إنه ليس من كلام علي (عليه السلام)، وانما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه،
والله سبحانه أعلم. وله الكتاب الذي سماه (الغرر والدرر) وهي مجالس أملاها
تشتمل على فنون من معاني الأدب، تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك
وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره
ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة) وأثنى عليه، وأورد له عدة مقاطيع
وذكر بعضها (1) ثم قال: (وملح الشريف المرتضى وفضائله كثيرة.

(1) هنا قد ذكر ابن خلكان حاكيا عن الخطيب أبي زكريا يحيى بن علي
التبريزي اللغوي قال: (إن أبا الحسن علي بن أحمد بن علي بن سلك الفالي الأديب
كانت له نسخة (كتاب الجمهرة لابن دريد) في غاية الجودة فدعته الحاجة إلى
بيعها فاشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم المذكور بستين دينارا وتصفحها
فوجد بها أبياتا بخط بائعها أبي الحسن الفالي المذكور، وهي:
أنست بها عشرين حولا وبعتها * لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها * ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية * صغار عليهم تستهل شؤوني
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * كرائم من رب بهن ضنين
فأرجع النسخة إليه، وترك الدنانير - رحمه الله -) ثم قال ابن خلكان:
(وهذا الفالي منسوب إلى (فالة بالفاء) وهي بلدة بخوزستان قريبة من (إيذج)
أقام بالبصرة مدة طويلة، وسمع بها من أبي عمرو عبد الواحد الهاشمي، وأبي الحسن
ابن النجار وشيوخ ذلك الوقت، وقدم بغداد واستوطنها وحدث بها، وكانت وفاة
الحسن الفالي في ذي القعدة سنة 448 ه‍ ليلة الجمعة ثامن الشهر المذكور، ودفن
في مقبرة جامع المنصور، وكان أديبا شاعرا، وروى عنه الخطيب أبو بكر صاحب
تاريخ بغداد، وأبو الحسن الطيوري، وغيرهما - رحمه الله تعالى -).
116

وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد الخامس
والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة...) (1).
وفي (مرآة الجنان لليافعي) نحو ذلك، إلا أنه ذكر كلام ابن
بسام الأندلسي في مدح السيد. قال: (فقال: كان هذا الشريف إمام أئمة
العراق بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها،
صاحب مدارسها وجامع شاردها وآنسها، سارت أخباره وعرفت أشعاره
وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، وتآليفه في الدين وتصانيفه في أحكام
المسلمين ما يشهد أنه فرع ذلك الأصل الأصيل. ومن أهل ذلك البيت
الجليل....) (2).
وما ذكره ابن خلكان - وتبعه فيه اليافعي في مرآة الجنان: - من
نقل الخلاف في مؤلف نهج البلاغة، واحتمال كونه موضوعا وضعه على
علي - عليه السلام - أحد الأخوين الشريفين - فمن الجهل والانحراف عن

(1) انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان - في ترجمة الشريف المرتضى - باب
العين.
(2) انظر: مرآة الجنان لليافعي (ج 3 ص 55) فيمن توفي سنة 436 ه‍.
117

مذهب الأئمة الاشراف، فان مؤلفه هو السيد الرضي بلا خفاء، واحتمال
الوضع من أحد هذين المعظمين من أعظم الافتراء، ولعمري أراد أن
يذم، فمدح. فان الاقتداء على مثل ما تضمنه الكتاب المذكور: -
من الخطب والكتب وغيرها من الكلام، الذي هو دون كلام الخالق وفوق
كلام المخلوق - يعود بالمدح والثناء من حيث لا يشعر به قائله (1).
وفي (مجالس المؤمنين) - نقلا عن تأريخ ابن كثير الشامي - أنه
قال فيه: (الشريف الموسوي الملقب ب‍ (المرتضى) ذي المجدين، كان
أكبر من أخيه (الرضي) ذي الحسبين نقيب الطالبين، وكان على مذهب الإمامية
والاعتزال، يناظر على كل ذلك. وكان يناظر عنده في كل مذهب

(1) إن نسبة انتحال الشريف الرضي - رحمه الله - جامع (نهج البلاغة)
خطبة أو كلمة إلى الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وتعمده
الكذب عليه بأي دافع من الدوافع، فشئ لا يسع أهل العلم والعرفاء بحال الرضي
- رحمه الله - أن يقبلوه، لان نزاهة الشريف الرضي معلومة، وعفته مشهورة،
وزهده ثابت، وورعه معروف، فقد قال النسابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي بن
الحسين بن علي بن مهنا بن عنبة الأصغر الداودي الحسني المتوفى سنة 828 ه‍، في
كتابه (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ص 196) طبع النجف الأشرف
سنة 1358 ه‍، في ترجمته للشريف الرضي: (... كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع
وعفة وتقشف....).
وقضايا الشريف مع الخلفاء والوزراء برهان شهامته، ونزاهة ضميره،
وصدقه في شعوره، فكيف يجرأ مجترئ عليه؟ فيحمله على أنه - في تأليفه لنهج
البلاغة - كان مدفوعا بدوافع العصبية، فما الذي دفعه إلى تجشم التأليف؟ وليس
الرضي بدعا من رسل الترسل، ولا بأول سالك نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين
- عليه السلام - والاستضاءة بنبراسه، فقد سبقته قوافل من رواد العبقرية الانشائية
مسترشدين بكلم علي - عليه السلام - وخطبه وكتبه، فقد قال عبد الحميد بن
يحيى بن سعد العامري الكاتب المشهور الذي هو من أئمة الكتاب وعلماء الأدب
المتوفى سنة 132 ه‍: (حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت)
يعني بالأصلع: الامام عليا - عليه السلام -، وقال أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد
ابن إسماعيل بن نباتة الفارقي - صاحب الخطب المعروفة - الملقب بالخطيب المصري
والمتوفى سنة 374 ه‍: (حفظت من الخطب كنزا لا يزيده الانفاق إلا سعة،
حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب) وكم زين الجاحظ أبو عثمان عمرو
ابن بحر بن محبوب الليثي البصري اللغوي النحوي، الشهير المتوفى بالبصرة سنة
255 ه‍، كتبه مثل (البيان والتبيين) بفصول من خطب أمير المؤمنين - عليه السلام -
إعجابا بها، وإعدادا للنفوس لبلوغ أقصى البلاغة.
ولو كان قلم الشريف الرضي يحمل شيئا من التعصب في المذهب لما أثبت في
كتابه تأبين علي لعمر (رض) بأعلى ما يمدح به ممدوح، بقول: (لله بلاد عمر...)
الخ، وكان للشريف الرضي مندوحة من حذفه.
فما بال بعض ذوي الأغراض الممقوتة يقدحون في (نهج البلاغة) لمجرد
تأثرهم مما في الخطبة (الشقشقية) وحدهما، فان هذه الخطبة أثبتها كثير من أدباء
عصر الرضي وأرسلوا نسبتها إلى علي - عليه السلام - إرسال المسلمات، وأثبتوها
في مدوناتهم، ولو كانت (الشقشقية) وليدة عصرهم لعرفوا أمرها وتثبتوا في
إسنادها شأن المعاصر مع معاصريه، وممن روى الخطبة (الشقشقية) قبل الرضي
رئيس المعتزلة أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة 303 ه‍ في كتابه
والحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري المتوفى سنة 395 ه‍ في كتاب المواعظ
والزواجر، والصدوق في معاني الاخبار، والشيخ المفيد في الارشاد.
يقول عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي في آخر شرحه للشقشقية (ج 1 ص 69)
(حدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب سنة 603 ه‍، قال: قرأت على
الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة - إلى أن قال -
فقلت له: أتقول: إنها منحولة؟ فقال: لا والله، وإني لأعلم أنها كلامه - عليه
السلام - كما أعلم أنك (مصدق) قال: فقلت له: إن كثيرا من الناس يقولون
إنها من كلام الرضي، فقال: أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب
قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع
هذا الكلام في خل ولا خمر - ثم قال -: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب
صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة، أعرفها وأعرف
خطوط من هي من العلماء وأهل الأدب، قبل أن يخلق النقيب أو أحمد والد الرضي)
قال ابن أبي الحديد: (قلت: ووجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف
شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل
أن يخلق الرضي بمدة طويلة، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن
قبة أحد متكلمي الإمامية، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب (الانصاف)
وكان أبو جعفر - هذا - من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي، ومات في ذلك العصر
قبل أن يكون الرضي موجودا).
وقال أستاذ الحكماء ميثم بن علي بن ميثم البحراني المتوفى سنة 679 في شرحه
لنهج البلاغة - عند شرحه للخطبة الشقشقية - (ج 1 ص 252) طبع إيران سنة
1378 ه‍: (قد وجدتها - أي الخطبة الشقشقية - في موضعين تاريخها قبل مولد
الرضي بمدة: (أحدهما) أنها مضمنة كتاب (الانصاف) لابي جعفر بن قبة تلميذ
أبي القاسم البلخي أحد شيوخ المعتزلة، وكانت وفاته قبل مولد الرضي (الثاني)
إني وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات، وكان
وزير المقتدر بالله، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة، والذي يغلب
على ظني أن تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة).
ونورد لك فيما يأتي أسماء الناقلين للشقشقية قبل الشريف الرضي - رحمه الله -:
1 - شيخ المعتزلة أبو القاسم البلخي المتوفى سنة 317 ه‍، حسبما رواه ابن
أبي الحديد في شرح النهج (ج 1 ص 69) طبع مصر.
2 - الشيخ أبو جعفر بن قبة من أبناء المائة الثالثة، في كتاب (الانصاف)
برواية ابن أبي الحديد والشيخ ميثم البحراني في شرحيهما على الشقشقية.
3 - نسخة الخطبة الشقشقية قديمة الخط عليها كتابة الوزير أبي الحسن علي بن
الفرات المتوفى سنة 312 ه‍، حسبما رواه شيخ المتكلمين ابن ميثم البحراني في شرحه
لنهج البلاغة.
4 - أحمد بن محمد البرقي المتوفى سنة 274 ه‍، مصنف كتاب (المحاسن)
حسبما روى عنه الشيخ الصدوق محمد بن بابويه في كتابه (علل الشرائع) في الباب
الثاني والعشرين بعد المائة، وقد طبع كتاب علل الشرائع بإيران سنة 1289 ه‍،
وبالنجف الأشرف سنة 1328 ه‍.
5 - شيخ المؤرخين عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري المتوفى سنة 332 ه‍
حسبما رواه ابن بابويه في الباب الرابع بعد الأربعمائة من كتابه (معاني الاخبار)
المطبوع بإيران سنة 1289 وسنة 1379.
6 - شيخ المحدثين الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري من أبناء القرن
الثالث في كتابه (المواعظ والزواجر) حسبما روى عنه القطيفي في كتاب (الفرقة
الناجية) وروى عنه الصدوق بن بابويه شرح الخطبة في (معاني الاخبار) الباب
الرابع بعد الأربعمائة.
7 - شيخ المتكلمين ببغداد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد من
شيوخ الشريف الرضي، في كتابه الارشاد (ص 135) طبع إيران.
8 - الوزير الآبي أبو سعيد منصور المتوفى سنة 422 ه‍، في كتابه نثر الدرر
9 - شيخ المعتزلة محمد بن عبد الوهاب أبو علي الجبائي المتوفى سنة 303 ه‍
حسبما رواه عنه الشيخ إبراهيم القطيفي في كتابه (الفرقة الناجية).
هؤلاء الذين أوردوا في كتبهم الخطبة الشقشقية مروية عن الامام - علي
- عليه السلام - ممن وجدوا قبل أن يوجد الشريف الرضي - رحمه الله - ذكرهم
العلامة الكبير الحجة السيد هبة الدين الشهرستاني - أدام الله وجوده - في كتابه
(ما هو نهج البلاغة) المطبوع بصيدا سنة 1352 ه‍ وفي النجف الأشرف سنة 1380.
وذكر ابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 ه‍ في (نهاية الحديث) بمادة
(شقشق): (ومنه حديث علي في خطبة له: تلك شقشقة هدرت ثم قرت).
وأورد العلامة الشهرستاني أيضا في كتابه المذكور (ص 24) وما بعدها
طائفة من الاعلام الذين جمعوا خطب الإمام علي - عليه السلام - قبل جمع الرضي
من أبناء المائة الأولى والمائة الثانية، والمائة الثالثة، وما بعدها، وأنهاهم إلى خمسة
عشر علما من الاعلام، ثم قال: (فإذا وقفت على هؤلاء الجماهير من حملة الآثار
وثقات النقلة، وقدرت الاهتمام العظيم من السلف بحفظ الخطب واستظهارها،
واستنساخ الكتب والرسائل ممن قصصنا عليك أسماءهم، ومنهم من لم نقصص
عليك - وربما كان هذا القسم أكثر - انجلت عن قلبك غيوم الشبهة التي يأتي بها من
هنا وهناك الشاكون والمنحرفون).
وأما الناقلون لخطبه بعد الشريف فهم لا يحصون كالقاضي القضاعي في
دستور الحكم، وأخطب خوارزم موفق بن أحمد في مناقبه، والكنجي الشافعي في
كفاية الطالب، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤل، وابن الجوزي في المدهش
والكراچكي في فوائده، وغيرهم في غيرها كثير.
118

مذهب، وله تصانيف في التشيع أصولا وفروعا) (1).
وذكره الشيخ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري

(1) انظر: مجالس المؤمنين (ج 1 ص 502) طبع إيران سنة 1375 ه‍.
122

الشهير بابن الأثير صاحب كتاب (النهاية في غريب الحديث) - كان
بالجزيرة فنسب إليها ثم انتقل إلى الموصل فمات بها عام ست وستمائة -
في كتاب (جامع الأصول الستة) - في المجددين على رأس المائة الرابعة
من الهجرة، فإنه أورد ما رواه أبو داود الترمذي (1): (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها
دينها)، ثم قال: (قد تكلم العلماء في تأويل هذا الحديث، وأشاروا
إلى القائم الذي يجدد الناس دينهم على رأس كل مائة سنة. وكان كل قائل
قد مال إلى مذهبه، وحمل تأويل الحديث إليه. والأولى أن يحمل على
العموم، فان لفظة (من) تقع على الواحد والجماعة، ولا يلزم منه أيضا

(1) كذا في الأصل والصحيح (السجستاني) بدل (الترمذي) لان الترمذي كنيته
أبو عيسى والحديث لا وجود له في سنن الترمذي، وإنما رواه أبو داود سليمان بن الأشعث
الأزدي السجستاني المولود سنة 202 ه‍ والمتوفى بالبصرة المدفون بها يوم الجمعة
منتصف شوال سنة 275 ه‍، وقد رواه في سننه في كتاب الملاحم (ج 2 ص 424)
طبع مصر سنة 1371 ه‍، فقال: (حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب
أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة،
عن أبي هريرة - فيما أعلم - عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة
على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) قال أبو داود - يعني نفسه - رواه
عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني، لم يجز به شراحيل).
وروى هذا الحديث أيضا السيوطي في (الجامع الصغير) في حرف الهمزة،
عن أبي داود والحاكم النيسابوري، والبيهقي في (المعرفة) عن أبي هريرة، وصححه
السيوطي، أما الحاكم النيسابوري إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المتوفى
في صفر سنة 405 ه‍، فقد رواه في (المستدرك على الصحيحين: ج 4 ص 522)
طبع حيدر آباد دكن سنة 1342 ه‍: (عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن
الربيع بن سليمان بن كامل المرادي، عن عبد الله بن وهب، عن سعيد بن أبي
أيوب عن شرحبيل بن يزيد، عن أبي علقمة عن أبي هريرة، ولا أعلمه إلا عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال...) ثم ذكر الحديث، وذكره أيضا الذهبي في (تلخيص
المستدرك) بهامشه في الصفحة المذكورة.
قال العلامة عبد الرؤف المناوي في (فيض القدير) شرح الجامع الصغير
للسيوطي (ج 2 ص 281) طبع مصر سنة 1356 ه‍ - عند شرحه للحديث المذكور -:
((إن الله يبعث لهذه الأمة) أي يقيض لها (على رأس كل مائة سنة) من الهجرة
أو غيرها، والمراد بالرأس تقريبا (من) أي رجلا أو أكثر (يجدد لها دينها)
أي يبين السنة من البدعة، ويكثر العلم، وينصر أهله، ويكسر أهل البدعة ويذلهم
قالوا: ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة، قال ابن كثير: قد
ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر أنه يعم جملة من العلماء
من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم) ثم
قال المناوي: (وفي حديث لابي داود: المجدد منا أهل البيت) أي لان آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
كل تقي) - ثم قال -: (ذكر الحديث أبو داود في الملاحم، والحاكم في الفتن
وصححه، والبيهقي في كتاب (المعرفة) له كلهم عن أبي هريرة، قال الزين العراقي
وغيره: سنده صحيح، ومن ثم رمز المؤلف لصحته).
وذكر مثله العزيزي في (السراج المنير) شرح الجامع الصغير (ج 1 ص
411) طبع مصر سنة 1304 ه‍، وزاد قوله: (وقال العلقمي: معنى التجديد إحياء
ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والامر بمقتضاهما، واعلم أن المجدد إنما هو
بغلبة الظن بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه).
أما الشيخ الحفني في حاشيته على (السراج المنير) - في الصفحة المذكورة - فقد
قال: (... (قوله يبعث) البعث: الارسال، وليس المراد هنا بل المراد أنه يقيض شخصا بأن
يجعل له ملكة يذب بها الباطل وينصر الحق، ولا يشترط في المجدد أن يكون من أهل البيت
عند الجمهور، وآخر المجددين المهدي وعيسى - عليه السلام - (قوله على رأس)
أي أول كل مائة سنة من الهجرة، خلافا لمن قال من الولادة، والسنة والعام
مترادفان، وفرق بعضهم بأن العام من أول المحرم إلى مثله فقط، والسنة من يوم
كذا إلى مثله، سواء المحرم وغيره، وعبارة العلقمي أي أولها من الهجرة النبوية،
ولهذا قال شيخنا: المراد من رأس كل مائة سنة ما يؤرخ بها في مدة المائة، وأن
يكون المبعوث على رأس المائة رجلا مشهورا معروفا مشارا إليه، وأن تنقضي
المائة وهو مشهور حي مشار إليه، واعلم أن المجدد إنما هو بغلبة الظن ممن عاصره
من العلماء بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه، ولا يكون المجدد إلا عالما بالعلوم
الدينية الظاهرة والباطنة، ناصرا للسنة قامعا للبدعة، وإنما كان التجديد على رأس
كل مائة سنة لانخرام علماء المائة غالبا واندراس السنن وظهور البدع، فيحتاج
حينئذ إلى تجديد الدين... قال شيخنا: اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح، وممن
نص على صحته من المتأخرين أبو الفضل العراقي وابن حجر، ومن المتقدمين الحاكم
في المستدرك، والبيهقي في المدخل).
123

أن يكون المبعوث من الفقهاء خاصة، كما ذهب إليه بعضهم، فان انتفاع
الأمة بالفقهاء - وإن كان نفعا عاما - فان انتفاعهم بغيرهم - أيضا - كثير
مثل أولي الامر، وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ والزهاد - قال -:
124

ونحن نذكر المذاهب المشهورة في الاسلام التي عليها مدار المسلمين في
أقطار الأرض وهي: مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك، وأحمد،
ومذهب الامامية ومن كان المشار إليه من هؤلاء على رأس كل مائة سنة.
- قال -: وكان على رأس المائة الأولى من أولي الامر عمر بن
عبد العزيز، ويكفي الأمة في هذه الماءة وجوده خاصة، لأنه فعل في الاسلام
ما ليس بخاف، وكان من الفقهاء بالمدينة: محمد بن علي الباقر - عليه
السلام - والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر، وكان
125

بمكة منهم: مجاهد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطا ابن أبي
رباح، وكان باليمن: طاووس، وبالشام: مكحول. وبالكوفة: عامر
ابن شراحيل الشعبي، وبالبصرة: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين.
وأما القراء فكان القائم بها عبد الله بن كثير. وأما المحدثون، فمحمد بن
شهاب الزهري وجماعة كثيرة مشهورون من التابعين وتابعي التابعين.
وأما من كان على رأس المائة الثانية، فمن أولي الامر: المأمون بن
الرشيد، ومن الفقهاء: الشافعي والحسن بن زياد اللؤلؤي - من أصحاب أبي حنيفة
وأشهب بن عبد العزيز - من أصحاب مالك - وأما أحمد فلم يكن - يومئذ -
مشهورا، فإنه كان سنة إحدى وأربعين ومائتين. ومن الامامية: علي بن
موسى الرضا - عليه السلام - ومن القراء: يعقوب الحضرمي، ومن
المحدثين: يحيى بن معين، ومن الزهاد: معروف الكرخي.
وأما من كان على رأس المائة الثالثة، فمن أولي الأمر: المقتدر بأمر الله
ومن الفقهاء: أبو العباس بن شريح - من أصحاب الشافعي - وأبو جعفر
أحمد سلامة الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة (1) من أصحاب مالك، وأبو بكر
أحمد بن هارون الخلال - من أصحاب أحمد - وأبو جعفر محمد بن يعقوب
الرازي - من الامامية - ومن المتكلمين: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري
ومن القراء: أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد. ومن المحدثين:
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ومن الزهاد: أبو بكر الشبلي.
وأما من كان على رأس المائة الرابعة، فمن أولي الأمر: القادر بالله
ومن الفقهاء: أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الاسفراييني - من أصحاب
الشافعي - وأبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي - من أصحاب أبي حنيفة -
وأبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر - من أصحاب مالك - وأبو عبد الله

(1) كذا بياض في الأصل - في النسخ الخطية التي بأيدينا -.
126

الحسين بن علي بن حامد - من أصحاب أحمد - ومن الامامية: المرتضى
الموسوي أخو الرضي الشاعر. ومن المتكلمين: القاضي أبو بكر محمد بن
الطيب الباقلاني، والأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك. ومن المحدثين
أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم بن الربيع، ومن
القراء: أبو الحسن علي بن أحمد الحمامي، ومن الزهاد: أبو بكر محمد
ابن علي الدينوري).
ثم ذكر الماءة الخامسة، ولم يذكر فيها أحدا من الامامية لعدم اطلاعه
على من كان فيها منهم - ثم قال: (وقد كان قبل كل مائة أيضا
من يقوم بأمور الدين وانما المراد من انقضت الماءة وهو حي عالم مشهور
مشار إليه) (1) وحكي عن الفاضل الطيبي: أنه قال - في شرح المشكاة -
نحو ذلك. وذكر في الماءة الأولى: الباقر - عليه السلام - وفي الثانية:
الرضا - عليه السلام - وفي الثالثة: الكليني، وفي الرابعة: المرتضى - رحمه
الله - كما ذكره ابن الأثير (2).

(1) أنظر: كتاب جامع الأصول الستة - باب الملاحم - طبع مصر سنة
1371 ه‍ تأليف مجد الدين الجزري، المولود سنة 544 ه‍، والمتوفى سنة 606.
(2) أنظر: شرح المشكاة المسمى (الكاشف عن حقائق السنن) - باب الملاحم -
للعلامة حسن بن محمد الطببي المتوفى سنة 743 ه‍ والمشكاة تكميل للمصابيح وتذييل
أبوابه وهو تأليف الشيخ ولي الدين محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، وسماه:
مشكاة المصابيح، وقد فرغ من جمعه آخر يوم الجمعة من رمضان سنة 737 ه‍،
أما المصابيح هو تأليف أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المفسر الفقيه
والمتوفى في (مرو الروذ) من مدن خراسان سنة 516 ه‍، وله من العمر بضع وسبعون
سنة، وقيل إنه جاوز الثمانين، ودفن عند شيخه الحسين بن محمد بمقبرة الطالقاني
وقبره مشهور هناك، وقد طبع مشكاة المصابيح بدمشق في ثلاثة أجزاء سنة 1380 ه‍
وألحق به الاكمال في أسماء الرجال لصاحب المشكاة.
127

ومن كرر ذكر السيد المرتضى - رضي الله عنه - من علماء
الجمهور: الفاضل الأديب المتكلم المشهور، وهو عز الدين
عبد الحميد بن أبي الحسين هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي
الحديد المدائني. فقد ذكره وذكر أباه وأخاه وأثنى عليهم في مواضع
كثيرة من شرحه على (نهج البلاغة) ومن جملتها: في تعداد مفاخر بني
هاشم وآل أبي طالب في آخر الجزء الخامس عشر - قال: - (وقالوا ومن
رجالنا النقيب أبو أحمد الحسين (1) بن موسى شيخ بني هاشم - الطالبيين والعباسيين -
في عصره ومن أطاعته الخلفاء والملوك في أقطار الأرض ورجعوا إلى قوله،

(1) كان الشريف أبو أحمد الحسين يلقب بالطاهر الأوحد ذي المناقب،
لقبه بذلك بهاء الدولة البويهي، لجمعه مناقب شتى، ومزايا رفيعة جمة، فهو
فضلا - عن كونه علوي النسب - هاشمي الأرومة، انحدر من تلك السلسلة الطاهرة،
فإنه كان نقيب الطالبيين وعالمهم وزعيمهم، جمع إلى رئاسة الدين زعامة الدنيا،
لعلو همته، وسماحة نفسه، وعظيم هيبته، وجليل بركته.
يقول النسابة ابن مهنا في (عمدة الطالب: ص 192) طبع النجف الأشرف -
عن الشيخ أبي الحسن العمري النسابة -: (كان بصريا، وهو أجل من وضع على
رأسه الطيلسان، وجر خلفه رمحا - أراد أجل من جمع بينهما - وكان قوي المنة،
شديد العصبة، يتلاعب بالدول، ويتجرأ على الأمور، وفيه مواساة لأهله).
فلهذه الملكات الحميدة، والصفات المجيدة، والهيبة، خشيه عضد الدولة
البويهي، ولأنه كان منحازا لابن عمه بختيار بن معز الدولة، فحين قدم العراق
قبض عليه في صفر سنة 369 ه‍، وحمله إلى قلعة بشيراز اعتقله فيها، فلم يزل بها
إلى أن مات عضد الدولة سنة 373 ه‍، فأطلقه أبو الفوارس شرف الدولة بن عضد
الدولة، واستقدمه معه إلى بغداد فأكرمه وأعظمه، وأعاد إليه نقابة الطالبيين
- التي عزل عنها ووليها مرارا - وقلده قضاء القضاة سنة 394 ه‍، زيادة إلى
ولاية الحج والمظالم ونقابة الطالبيين، وكان التقليد له بشيراز، وكتب له عهدا
على جميع ذلك، ولقب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، فلم ينظر في قضاء القضاة
لامتناع القادر بالله من الاذن له بذلك راجع المنتظم لابن الجوزي (ج 7 ص 226)
- ص 227) وعمدة الطالب لابن مهنا النسابة (ص 192).
ويشير ولده الشريف (الرضي) إلى قصة اعتقاله، ويعلمه بموت عضد
الدولة بالأبيات الشهيرة التي بعث بها إليه وهو في الاعتقال، ومنها:
أبلغا عني الحسين ألوكا * ان ذا الطود بعد بعدك ساخا
والشهاب الذي اصطليت لظاه * عكست ضوءه الخطوب فباخا
والفنيق الذي تدرع طول ال‍ * أرض خوى به الردى فأناخا
راجع: ديوان الشريف الرضي (ج 1 ص 267) طبع بيروت الجديد سنة
1380 ه‍ وراجع تعليقتنا - آنفا - (ص 94) من هذا الجزء، ولولده الشريف
الرضي كتاب في سيرة والده، ذكره صاحب الدرجات الرفيعة (ص 467) في
ترجمة الرضي.
128

وابناه: علي ومحمد المرتضى والرضي (1) - رحمهما الله - وهما فريدا

(1) السيد الشريف الرضي شخصية من الشخصيات الشهيرة في العلم والأدب
لا تخلو الكتب العلمية والأدبية من ذكره وإطرائه، وقد ألفت رسائل عديدة في
حياته، وذكر أدواره مع ملوك زمانه وعلماء وأدباء عصره، وقد أذعن له كل
قاص ودان، وعالم وأديب، وطبق صيته الآفاق، فهو شخصية فذة قلما سمح
الزمان بمثلها ومثل أخيه المرتضى - السابق الذكر -، وقد ألف شيخنا المرحوم العلامة
الكبير الحجة الشيخ عبد الحسين الحلي النجفي المتوفى سنة 1375 ه‍، رسالة ثمينة
في حياته جعلها كمقدمة لتفسير المترجم له (حقائق التأويل) المطبوع في النجف
الأشرف سنة 1355 ه‍، ذلك التفسير الجليل الذي قال فيه ابن جني - أستاذه -:
(صنف الرضي كتابا في معاني القرآن يتعذر وجود مثله). ورسالة شيخنا الحلي
- رحمه الله - خير رسالة ألمت بحياة المترجم له، فقد بحث فيها نسبه، وتأثيره في
نفسيته، ومولده ونشأته، وأسرته لأبيه، وأسرته لامه، والدور العضدي، ودور
الطائع وشرف الدولة، ودور القادر وبهاء الدولة، وصلته بالقادر العباسي،
وصلته بشرف الدولة وبهاء الدولة، وألقابه، وقال: (إبتدأ بهاء الدولة بتلقيب
الشريف سنة 388 ه‍، بالشريف الاجل، وفي سنة 392 ه‍، صدر أمره من واسط
بتلقيبه بذي المنقبتين، وفي سنة 398 ه‍ لقبه - وهو بالبصرة - بالرضي ذي الحسبين)
ثم ذكر شيخنا الحلي في الرسالة المذكورة عناوين عديدة تحلى بها الشريف الرضي،
وبحث فيها بحثا مسهبا شيقا، وتحدث (ص 78) تحت عنوان (مناصبه) عن ثلاثة
عناوين: النقابة على الطالبيين خاصة في ملاك وظائف الدولة، وولاية ديوان المظالم،
وإمارة الحاج، ثم ذكرت الرسالة (ص 83) تحت عنوان (علمه) شهرته العلمية
وتأثير أعماله وشعره على التأليف، ومدرسته (دار العلم) ومكتبتها، ومجمعه
الأدبي، قال: (ينبئنا ابن خلكان أنه اتخذ لتلامذته عمارة سماها (دار العلم)
وأرصد لها مخزنا فيه جميع حاجياتهم من ماله) ثم ذكرت الرسالة (ص 87)
أساتذته من العامة والخاصة، ومؤلفاته في فنون الأدب والعلوم الدينية التي منها
(نهج البلاغة) من كلام الامام أمير المؤمنين علي - عليه السلام - ذلك الكتاب
الجليل الذي تغني شهرته عن التعريف به والذي شرح شروحا عديدة من الخاصة
والعامة وطبع العديد منها، ثم ذكرت الرسالة (ص 94) تحت عنوان (أدبه)
ميزة شعره، ومقارنته بالمتنبي، وأسلوبه الانشائي، ومديحه، وهجاءه، ومبالغته
ورثاءه، وحماسته، والنسيب، والغزل، والشعر الوصفي، والحكم والأمثال.
ثم ذكرت الرسالة (ص 95) أنه: (أعجب بشعره الصاحب بن عباد -
نيقد الشعر - الذي يعيب شعر المتنبي وينقده نقدا مرا، فأنفذ إلى بغداد من ينسخ
له ديوانه، وكتب إليه بذلك سنة 385، وعندما سمح له به وأنفذه مدحه بقصيدة)
ثم انتهت الرسالة بذكر وفاته ومدفنه، وذكرت أنه رثاه جماعة الأدباء في
عصره منهم: سليمان بن فهد، ومهيار الديلمي، وأخوه الشريف المرتضى.
وقد ترجم للشريف الرضي معاصره الثعالبي المتوفى سنة 429 ه‍، في (يتيمة
الدهر: ج 3 ص 116) طبع مصر سنة 1353 ه‍، ومما قال: (... ابتدأ بقول
الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل، وهو - اليوم - أبدع أبناء الزمان، وأنجب
سادة العراق، - يتحلى - مع محتده الشريف، ومفخره المنيف - بأدب ظاهر
وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم
ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين، كالحماني، وابن طباطبا، وابن الناصر،
وغيرهم، ولو قلت: إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق). ثم ذكر شيئا من شعره
مما هو مثبت في ديوانه المطبوع.
وترجم له أيضا أبو الحسن الباخرزي المتوفى سنة 467 ه‍ في (دمية القصر:
ص 73) طبع حلب سنة 1348 ه‍، ومما قال: (له صدر الوسادة، من بين الأئمة
والسادة، وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاء ما أنورك، ولخضارة ما أغزرك
وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه، وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب
انتسب رقة الهواء إلى نسيبه، وفاز بالقدح المعلى في نصيبه... ولعمري إن بغداد
قد أنجبت به فبوأته ظلالها، وأرضعته زلالها، وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها
فشرب منها حتى شرق، وانغمس فيها حتى كاد يقال: غرق، فكلما أنشدت
محاسن كلامه تنزهت بغداد في نضرة نعيمها، واستنشقت من أنفاس الهجير بمراوح
نسيمها). ثم ذكر شيئا من شعره مما هو مثبت في ديوانه المطبوع.
وترجم له ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه‍ في (المنتظم: ج 7 ص 279)
طبع حيدر آباد دكن سنة 1358 ه‍، قال: (... ولقبه بهاء الدولة بالرضي ذي
الحسبين ولقب أخاه بالمرتضى ذي المجدين، وكان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد
حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة، وعرف من الفقه والفرائض
طرفا قويا، وكان عالما فاضلا، وشاعرا مترسلا، عفيفا عالي الهمة متدينا... وتوفي
الرضي يوم الأحد لست خلون من محرم سنة 406 ه‍، وحضره الوزير فخر الملك
وجميع الاشراف والقضاة والشهود والأعيان، ودفن في داره بمسجد الأنباريين،
ومضى أخوه المرتضى إلى المشهد بمقابر قرش لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته
ودفنه، وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة منهم أبو عبد الله بن المهلوس
العلوي، ثم دخل الناس أفواجا فصلوا عليه، وركب فخر الملك في آخر النهار
فعزى المرتضى وألزمه العود إلى داره ففعل، وكان مما رثاه أخوه المرتضى...). ثم
ذكر شيئا من قصيدته الرثائية الموجودة في ديوانه المطبوع.
وترجم له السيد علي خان في الدرجات الرفيعة (ص 466 إلى ص 480)
وقال: (إنه نقل الرضي إلى مشهد الحسين بكربلاء فدفن عند أبيه، ورثاه أخوه
المرتضى بقصيدة، ورثاه أيضا تلميذه مهيار بن مرزويه الكاتب بقصيدة لم أسمع
في باب المراثي أبلغ منها).
وللشريف الرضي ولد ذكره القاضي نور الله التستري في (مجالس المؤمنين:
ج 1 ص 506) طبع إيران سنة 1375 ه‍، وأثنى عليه، وهو الشريف المرتضى
أبو أحمد عدنان، وذكر أنه لما مات عمه المرتضى فوضت إليه نقابة العلويين، وكان
عظيم الشأن معظما عند ملوك آل بويه، ومدحه شعراء عصره كابن الحجاج ومهيار
وغيرهما، وذكره صاحب (أمل الامل) فقال: (كان فاضلا جليلا كريما). ثم
نقل ما ذكره صاحب مجالس المؤمنين.
وترجم لابي أحمد عدنان أيضا صاحب (الدرجات الرفيعة: ص 480)،
وابن عنبة النسابة في (عمدة الطالب: ص 200) بعد أن ترجم لأبيه الشريف
ترجمة ممتعة - فقال: (ولد الرضي أبو الحسن محمد: أبا أحمد عدنان يلقب الطاهر
ذا المناقب لقب جده أبي أحمد الحسين بن موسى، تولى نقابة الطالبيين ببغداد على
قاعدة جده وأبيه، قال أبو الحسن العمري: هو الشريف العفيف المتميز في سداده
وصونه، رأيته يعرف علم العروض، وأظنه يأخذ ديوان أبيه، ووجدته يحسن
الاستماع، ويتصور ما ينبذ إليه (هذا كلامه) - أي كلام أبي الحسن العمري -
وانقرض الرضي، وانقرض بانقراضه وانقراض أخيه عقب أبي أحمد الموسوي).
قال صاحب (الدرجات الرفيعة: ص 480) - بعد أن ذكر ما أورده
صاحب عمدة الطالب -: (قال المؤلف ورأيت في مشجرة معتمد عليها أن أبا أحمد
عدنان المذكور أولد ولدا اسمه (علي) لكنه درج ولم يعقب فانقرض بانقراضه
عقب الشريف - رضي الله عنه -).
وممن ترجم للشريف الرضي أيضا النجاشي في (رجاله: ص 310) طبع
إيران، والعلامة في (الخلاصة ص 164) برقم 176 - طبع النجف الأشرف.
ومما يلفت النظر. أن الشيخ الطوسي لم يذكر الشريف الرضي في (الفهرست)
مع أن له مصنفات عديدة، كما أنه لم يذكره في كتاب رجاله.
وترجم له أيضا الشيخ ميثم البحراني - رحمه الله - في مقدمة شرحه لنهج
البلاغة (ج 1 ص 89) طبع إيران سنة 1378، فقال - بعد ذكر نسبه -: (وصف
بذي الحسبين لاجتماع أصله الفاخر الذي هو منبع الحسب مع فضيلة نفسه وكمالها
بالعلم والأدب، وكان مولده ببغداد سنة 359 ه‍، وتوفي في المحرم سنة 406 ه‍
بالكرخ من بغداد، ودفن مع أخيه المرتضى في جوار جده الحسين - عليه السلام -)
وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3 ص 523) طبع مصر سنة 1382 ه‍
فقال: (محمد بن الحسين بن موسى الشريف الرضي، أبو الحسن، شاعر بغداد
رافضي جلد...)
وابن حجر العسقلاني ترجم له في (لسان الميزان: ج 5 ص 141) طبع
حيدر آباد دكن، فقال - بعد أن ذكر كلام الذهبي المذكور -: (... وشعر محمد
أجود (أي من شعر أخيه المرتضى) ويقال: إنه لم يكن للطالبيين أشعر منه،
وكان مشهورا بالرفض، وذكر الخطيب (أي البغدادي) عن بعض أهل العلم
بالأدب أن جماعة منهم كانوا يقولون: إن الرضي أشعر قريش، قال فسمع ذلك
محفوظ الرث (الصحيح أبو الحسين بن محفوظ) فقرر ذلك وبرهن عليه، وولي
نقابة الطالبيين في سنة 388 ه‍، عوضا عن أبيه قبل موته، وعاش إلى سنة 406 ه‍)
وترجم له ابن خلكان في (وفيات الأعيان: ج 2 ص 2) والخطيب البغدادي في
(تاريخ بغداد ج 2 ص 246) والصفدي في (الوافي بالوفيات)، والسيد عباس مكي
في (نزهة الجليس: ج 1 ص 359) والشيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين:
ص 322) طبع النجف الأشرف، وفى كشكوله (ج 1 ص 274) طبع النجف
الأشرف، وفى أكثر المعاجم الرجالية، وألف الأستاذ زكي مبارك المصري كتاب
(عبقرية الشريف الرضي) طبع طبعات عديدة، كما ألف العلامة الكبير المغفور
له الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء كتاب (الشريف الرضي) طبع في النجف
الأشرف، ومثله لعبد المسيح محفوظ.
129

العصر في الأدب والشعر والفقه والكلام، وكان الرضي شجاعا، أديبا
شديد الآنفة) (1).
وقال في مفتتح كتابه المذكور: (... وحدثني فخار بن معد العلوي
الموسوي - رحمه الله - قال: رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان الفقيه الامامي في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - دخلت - عليه وهو في مسجد بالكرخ - ومعها ولداها
الحسن والحسين - عليهما السلام - صغيرين، فسلمتهما إليه وقالت له: علمهما

(1) انظر: شرح ابن أبي الحديد المعتزلي لنهج البلاغة (ج 15 ص 487)
طبع مصر سنة 1329 ه‍.
134

الفقه، فانتبه متعجبا من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي
رأى فيها الرؤيا، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها
وبين يديها ابناها: محمد الرضي وعلي المرتضى، صغيرين، فقام إليها وسلم
عليها، فقالت له: أيها الشيخ، هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلمهما
الفقه، فبكى أبو عبد الله، وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم الله
تعالى عليها وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق
الدنيا وهو باق ما بقي الدهر) (1).
وفي كتابي الدرجات والمجالس المتقدمين عن الشهيد - طاب ثراه -
في (الأربعين) (2) قال: (نقلت من خط السيد العالم صفي الدين محمد بن
معد الموسوي بالمشهد الكاظمي في سبب تسمية الشريف المرتضى بعلم
الهدى أنه مرض الوزير أبو سعيد محمد بن الحسين * بن عبد الرحيم سنة
عشرين وأربعمائة فرأى في منامه أمير المؤمنين - عليه السلام - يقول له:
قل لعلم الهدى: يقرأ عليك حتى تبرأ، فقال: يا أمير المؤمنين: ومن
علم الهدى؟ فقال: علي بن الحسين الموسوي فكتب الوزير إليه بذلك، فقال
المرتضى - رضي الله عنه - الله الله في أمري فان قبولي لهذا اللقب شناعة
علي، فقال الوزير: ما كتبت إليك الا بما لقبك به جدك أمير المؤمنين
- عليه السلام - فعلم القادر الخليفة بذلك فكتب إلى المرتضى: تقبل يا علي بن
وفي الدرجات: ابن عبد الصمد والأصح ما ذكرناه (منه قدس سره). (*)

(1) انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (ج 1 ص 13 -
ص 14) طبع مصر سنة 1329 ه‍، فإنه ترجم للشريف المرتضى ترجمة مفصلة.
(2) راجع الحديث الثالث والعشرين من كتاب (الأربعين حديثا) للشهيد
الأول محمد بن مكي العاملي - رحمه الله - الملحق بكتاب الغيبة للنعماني (ص 195)
طبع إيران سنة 1318 ه‍.
135

الحسين ما لقبك به جدك، فقبل وأسمع الناس) (1).
وحكي عن الشيخ أبي عبد الله المقداد السيوري: أنه قال نحو ذلك في كتابه
المسمى بالرائع في الأصول (2) وفي المجالس عن بعض الاعلام: (أن السيد رحمه
الله كان يلقب بالثمانيني - أيضا - لأنه خلف ثمانين ألف مجلد من مقرواته ومصنفاته
ومحفوظاته وترك من كل شئ ثمانين ثمانين، وصنف كتابا يقال له (الثمانين)
فلذلك لقب به) (3) (قلت) وهو في جمعه بين الدنيا والآخرة مصداق
قول الإمام الصادق - عليه السلام - (وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام) (4)
وفي قصة الجزيرة الخضراء والبحر الأبيض وهي حكاية طويلة أوردها

(1) راجع: (الدرجات الرفيعة: ص 459) طبع النجف الأشرف،
ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري (ج 1 ص 501) طبع إيران سنة 1375 ه‍
(2) هكذا في الأصل، وسماه صاحب (روضات الجنات ص 667) كتاب
(اللوامع الإلهية) وقال: (وكتابه اللوامع من أحسن ما كتب في فن الكلام، على
أجمل الوضع وأسد النظام، وهو في نحو من أربعة آلاف بيت... والعجب أن
المترجمين لأحوال الرجل لم يذكروه)، وهكذا سمي الكتاب باللوامع الإلهية في علم
الكلام فيما وجد نقلا عن خط الشيخ حسن بن راشد الحلي الذي ترجم له صاحب
أمل الآمل، وكان تلميذ المقداد السيوري المتوفى يوم الأحد السادس والعشرين
من شهر جمادي الآخرة سنة 826 ه‍، أنظر: ترجمة المقداد المفصلة في كتاب
(روضات الجنات) وفي غيره من المعاجم الرجالية، وكل من ترجم له لم يعد
من مؤلفاته كتابا باسم (الرائع) ولعله تصحيف (اللوامع).
وقد فرغ المؤلف من تصنيف (اللوامع) يوم الأربعاء 19 جمادى الأولى سنة 804 ه‍
(3) أنظر: كتاب مجالس المؤمنين (ج 1 ص 501) طبع إيران.
(4) روى هذه الرواية الكشي في (رجاله: ص 349 - ص 350) طبع
النجف الأشرف، بسنده عن الصادق - عليه السلام - أنه: (إذا رأى إسحاق
بن عمار وإسماعيل بن عمار قال: (وقد يجمعهما لأقوام) يعني الدنيا والآخرة).
136

العلامة المجلسي في كتاب (الغيبة من البحار) ما يدل على فضل عظيم
للسيد - رحمه الله - قال: صاحب القصة - وهو الشيخ زين الدين علي
ابن فاضل المازندراني: وكان في سنة تسع وتسعين وستمائة -: (ولم أر
لعلماء الامامية هناك - أي في جزيرة الامام - ذكرا سوى خمسة: السيد
المرتضى الموسوي، والشيخ أبي جعفر الطوسي، ومحمد بن يعقوب الكليني
وابن بابويه، والشيخ أبي القاسم جعفر بن إسماعيل - قدس الله أرواحهم -) (1)
هكذا في نسختين عندنا، والظاهر أن الأخير هو المحقق جعفر بن سعيد (2)
وإسماعيل تصحيف من الكتاب وهذه مرتبة جليلة لا يعادلها شئ لو صح النقل:

(1) الرسالة المشتهرة بقصة الخضراء في البحر الأبيض أوردها العلامة المحدث
المجلسي - رحمه الله - في (ج 52 ص 159 - ص 174) من البحار: الطبع الجديد
سنة 1384 ه‍، وهذه الرسالة هي تأليف الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الامامي
الكوفي، فقال: (قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين الشيخ شمس الدين
ابن نجيح الحلي، والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلي - قدس الله روحيهما
ونور ضريحيهما - في مشهد سيد الشهداء، وخامس أصحاب الكساء، مولانا وإمامنا
أبي عبد الله الحسين - عليه السلام - في النصف من شهر شعبان سنة 699 ه‍، من
الهجرة النبوية، على مشرفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية، حكاية ما سمعاه
من الشيخ الصالح التقي، والفاضل الورع الزكي، زين الدين علي بن فاضل
المازندراني، المجاور بالغري - على مشرفه السلام، حيث اجتمعا به في مشهد
الامامين الزكيين، الطاهرين المعصومين السعيدين - عليهما السلام - بسر من رأى
وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء من العجائب
....) إلى آخر الرسالة، فراجعها.
(2) الذي ذكره المجلسي - رحمه الله - في الرسالة المذكورة: هو أبو القاسم
جعفر بن سعيد الحلي، لا إسماعيل، فراجع
137

قلت: وقد رأيت السيد الاجل المرتضى في المنام في أوائل التحصيل
وكانت داره في موضع قبره المعروف بمشهد الكاظم - عليه السلام - وهو
قصر عال دخلت فيه وسألت عنه، فقال الحاجب: هو في أعلى القصر على
سطح الدار، وتقدم الحاجب وتبعته فإذا هو بعيد المراقي كثير السلم فخطر
ببالي ان كانت هذه المراقي كسائر ما ينسب إليه ثمانين، فالأمر سهل لكن
ربما كان على المآت أو الألوف ككتبه، فما وجدت نفسي الا وقد صعدت
فإذا السيد جالس، وبين يديه جماعة، فرحب بي وأمرني بالجلوس ولاطفني
وسألته عن مسائل كثيرة، منها: مسألة مقدمة الواجب وما وقع فيها
من الخلاف والاختلاف في عبارته الواقعة في هذا الباب، فأجاب عن ذلك
وأشار إلى أن الصواب في تلك العبارة هو الذي فهمه - صاحب المعالم -
دون المشهور. ثم أمرني بالإقامة عنده والقراءة عليه، فانتبهت من النوم
ووجدت لذلك آثارا كثيرة من بركاته - رحمه الله -.
(... وقد قرأ السيدان: المرتضى والرضي - رحمهما الله - وهما طفلان
على الخطيب الأديب ابن نباتة المعروف) - قاله السيد في الدرجات - (1)
(... ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد، ولزماه، ورويا عنه، وروى
السيد المرتضى عن الشيخ الجليل الحسين بن علي بن بابويه القمي - قدس سره -
أخي الصدوق، وعن الشيخ الأجل - شيخ المفيد وغيره من مشائخ الأصحاب
- هارون بن موسى التلعكبري، وغيرهما من شيوخ الأصحاب) - قاله
الشيخ في الفهرست - (2).

(1): الدرجات الرفيعة: ص 459 - طبع النجف الأشرف - في ترجمة -
الشريف المرتضى.
(2) لم نجد ذلك - فيما لدينا من فهرست الشيخ - المطبوع والمخطوط - وانما
ذكره الشيخ في كتاب رجاله: (ص 485، برقم 52) طبع النجف الأشرف.
ولعل نسخة (الفهرست) المخطوطة لدى سيدنا - قدس سره - ذكر فيها الموضوع
فان نسخها مختلفة. فلاحظ.
138

وقد تلمذ على السيد - قدس سره - وأخذ عنه العلم والفقه: الجم الغفير
من فضلاء أصحابنا وأعيان فقهائنا. منهم - شيخ الطائفة وخريت الجماعة
الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، والشيخ المتكلم الفقيه أبو يعلى
سلار بن عبد العزيز الديلمي، والشيخ الإمام أبو الصلاح تقي بن نجم
الحلبي، والقاضي السعيد عبد العزيز بن البراج، والسيد المتكلم الفقيه خليفة
المفيد والجالس مجلسه أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، والسيد
الامام عماد الدين أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد المروزي، والسيد نجيب
الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الموسوي، والسيد الفقيه التقي
ابن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي، والشيخ الإمام أبو الفتح محمد بن
علي الكراچكي، والشيخ الفقيه أبو الحسن سليمان الصهرشتي، والشيخ الفاضل
محمد بن محمد البصروي، والشيخ الجليل العدل أبو عبد الله جعفر بن محمد
الدوريستي، والشيخ الإمام أبو الفضل ثابت بن عبد الله البناني، والشيخ
الفقيه العين أحمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري، والشيخ المفيد الثاني
أبو محمد عبد الرحمان بن أحمد بن الحسين شيخ الأصحاب بالري، وغيرهم
من العلماء الاجلاء والفقهاء النبلاء.
وهؤلاء منهم من أدرك الشيخ المفيد وقرأ عليه، ومنهم من لم يدركه
وكلهم قد برع على السيد الاجل، وتفقه عليه، واقتدى بمثاله وجرى
على منواله.
وأفضل الجماعة: الشيخ الإمام أبو جعفر الطوسي: قد أدرك من
أيام المفيد نحوا من خمس سنين، ثم لزم السيد، وحذا حذوه، واتبع
إثره، ووسع التفاريع، وأكثر من التصانيف بما مهده المرتضى - رحمه
139

الله - في كتبه النظرية الكلامية والفقهية، فإنه الذي فتح - أبواب التدقيق
والتحقيق، واستعمل في الأدلة وتشقيقها النظر الدقيق وأوضح طريقة
الاجماع واحتج بها في أكثر المسائل. وكتاب الخلاف للشيخ وكذا المبسوط
جاريان على هذا المسلك. وقد كان - قدس سره - مع ذلك أعرف الناس
بالكتاب والسنة ووجوه التأويل في الآيات والروايات، فإنه لما سد باب
العمل بأخبار الآحاد اضطر إلى استنباط الشريعة من الكتاب والأخبار المتواترة
والمحفوفة بقرائن العلم، وهذا يحتاج إلى فضل اطلاع على الأحاديث
وإحاطة بأصول الأصحاب ومهارة في علم التفسير وطريق استخراج المسائل
من الكتاب، والعامل بأخبار الآحاد في سعة من ذلك.
وأما مصنفات السيد - رحمه الله - فكلها أصول وتأسيسات غير مسبوقة
بمثال، من كتب من تقدمه من علمائنا الأمثال، وقد ذكر أكثرها في
(فهرسته) المعروف (1) الذي أجاز ما فيه من الكتب والرسائل وأجوبة

(1) هذا الفهرست صنف في عصر الشريف المرتضى وفي حياته، وهو يتضمن
كتبه المؤلفة إلى سنة (417 ه‍) وفيه صورة إجازة المرتضى لتلميذه أبي الحسن محمد
بن محمد بن أحمد البصروي - الذي ترجم له ابن الجوزي في المنتظم (ج 8 - ص 152)
طبع حيدر آباد دكن، ووصفه بأنه كان متكلما وكان يسكن بغداد، وله شعر
مليح، وأنه توفي سنة 443 ه‍.
وقد كتب هذا الفهرست الدكتور المحقق حسين علي محفوظ الكاظمي، من
طهران حين مكثه فيها بخطه وذكر أنه استنسخه من الأصل المخطوط، وأرسله
إلى الأستاذ رشيد الصفار فأدرجه بنصه في مقدمته لديوان الشريف المرتضى المطبوع
في ثلاثة أجزاء بمصر سنة 1358 ه‍
وحكاية ما وجد بخط البصروي المذكور يلتمس الإجازة عما تضمنه فهرست
كتب المرتضى - رحمه الله - هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم: خادم سيدنا الاجل
المرتضى ذي المجدين، أطال الله بقاءه، وأدام الله تأييده ونعمته، وعلوه ورفعته
وكبت أعداءه وحسدته، يسأل الانعام بإجازة ما تضمنه هذا الفهرست المحروس
وما صح ويصح عنده، وما يتجدد - إن شاء الله - من ذلك، والرأي العالي لسموه
في الانعام به - إن شاء الله -).
وحكاية ما وجد بخط المرتضى من الإجازة لتلميذه البصروي المذكور هكذا:
(قد أجزت لابي الحسن محمد بن محمد ابن البصروي - أحسن الله توفيقه - جميع
كتبي وتصانيفي وأمالي ونظمي ونثري ما ذكر منه في هذه الأوراق وما لعله يتجدد
بعد ذلك وكتب علي بن الحسين الموسوي في شعبان من سنة سبع عشرة وأربعمائة)
ونقل الشيخ عبد الله أفندي في كتابه (رياض العلماء) - المخطوط - صورة
فهرست كتب السيد المرتضى عنه، في ترجمة له، وهي مبسوطة مفصلة بحيث تكون
كتابا كبيرا، وصف فيها آثار السيد التي رآها في غضون أسفاره، وفي صفحات
كتابه المذكور تنبيه على تلامذة السيد كما في ترجمة (أبي غانم الغصيمي الهروي)
الذي يروي عن السيد المرعشي.
140

المسائل لتلميذه الشيخ الفقيه محمد بن محمد البصروي - المقدم ذكره - وله
غير ما في (الفهرست) أشياء أخر ذكر جملة منها: الشيخ، والنجاشي
والسروي (1) ووجدنا بعضها منسوبة إليه مذكورة في جملة رسائله ومسائله
مما نقله الأصحاب عنها في مطاوي الفقه.
ونحن نذكر مصنفاته حسبما ذكرها في (الفهرست) ونشير إلى ما خرج
عنه بنسبته إلى من أثبته من المشايخ الثلاثة أو ما ظفرنا به من محل آخر:
فمن مصنفاته في الكلام وأصول الدين: كتاب الذخيرة، وهو كتاب

(1) انظر: فهرست الشيخ الطوسي (ص 99) طبع النجف الأشرف سنة
1356 ه‍، ورجال النجاشي (ص 207) طبع إيران، ومعالم العلماء لابن شهرآشوب
المازندراني السروي (ص 69) طبع النجف الأشرف.
141

جليل مشهور، كتاب الشافي في الإمامة، وهو نقض كتاب المغني للقاضي
عبد الجبار المعتزلي، وهو من أجل كتبه وأعظمها قدرا ونفعا، قال الشيخ:
(وهو كتاب لم يصنف مثله في هذا الباب) (1) كتاب تنزيه الأنبياء
والأئمة - عليهم السلام - كتاب تفضيل الأنبياء على الملائكة، كتاب
الموضح عن جهة إعجاز القرآن، وهو المعروف بكتاب الصرفة، كتاب
المقنع في الغيبة، صنعه للوزير المغربي (2) كتاب تقريب الأصول (3) عمله

(1) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 99).
(2) الوزير المغربي هو أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن محمد بن
يوسف المنتهي نسبه إلى بهرام جور، أمه فاطمة بنت محمد بن إبراهيم النعماني
صاحب كتاب (الغيبة) المطبوع بإيران، وكان عالما فاضلا أديبا عاقلا شجاعا،
له مصنفات كثيرة منها: خصائص علم القرآن، ومختصر اصلاح المنطق، ورسالة
اختيار شعر أبي تمام، وكتاب أدب الخواص، وكتاب المأثور في ملح الخدور،
وكتاب الايناس، قال ابن خلكان في وفيات الأعيان: (وهو مع صغر حجمه
كثير الفائدة، ويدل على كثرة اطلاعه) ولد في (13) ذي الحجة سنة 370 ه‍،
وتوفي بميافارقين، سنة 418 ه‍ وحمل إلى النجف الأشرف ودفن بجوار الامام
أمير المؤمنين - عليه السلام - بوصية منه، ترجم له النجاشي في رجاله (ص 55)
وذكر مؤلفاته، وترجم له أيضا الثعالبي في تتمة اليتيمة (ج 1 ص 24).
(3) كتاب تقريب الأصول: هو في علم الكلام. وجاء ذكره في فهرست
السيد المرتضى المطبوع في مقدمة الديوان بعنوان (تقريب الأصول للأعز) بالزاي
بدل (الأعسر) بالسين المهملة والراء كما جاء في الأصل ولعله الظاهر والثاني
تحريف له، فراجع. ذكره النجاشي في رجاله (ص 207) وقال: (إنه في
الرد على يحيى بن عدي). ويحيى بن عدي بن حميد بن زكريا، أبو زكريا
هو فيلسوف حكيم، انتهت إليه الرياسة في علم المنطق في عصره، ولد في تكريت
سنة 280 ه‍، وانتقل إلى بغداد، وقرأ على الفارابي، وترجم عن السريانية كثيرا إلى
العربية، له مؤلفات عديدة في الفلسفة أكثرها مخطوطة، توفي ببغداد سنة 364 ه‍،
ودفن في (بيعة القطيعة)، راجع ترجمة له في أخبار الحكماء للقفطي (ص 236 -
ص 238) وطبقات ابن أبي أصيبعة (ج 1 ص 235) وحكماء الاسلام (ص 97)
والإمتاع والمؤانسة (ج 1 ص 37)، وفهرست ابن النديم (ص 264) وتاريخ ابن
العبري (ص 93) وغيرها من المعاجم الرجالية.
142

الأعسر، كتاب الوعيد ذكره النجاشي (1) كتاب إنقاذ البشر من القضاء
والقدر (2) كتاب الحدود والحقائق، كتاب المسائل الباهرة في العترة الطاهرة
وهذه الكتب الثلاثة ذكرها السروي في المعالم (3) والظاهر: إن الحدود والحقائق
في علم الكلام (4).

(1) راجع: رجال النجاشي (ص: 207) طبع إيران
(2) طبع هذا الكتاب - أولا - بطهران سنة 1350 ه‍، وثانيا بالنجف
الأشرف سنة 1354 ه‍، ولكن بعنوان (إنقاذ البشر من الجبر والقدر) وقد سماه
بهذا الاسم في أوائل الكتاب.
(3) راجع: معالم العلماء لابن شهرآشوب السروي (ص 70 - 71).
(4) كتاب الحدود والحقائق، ذكره شيخنا الحجة الطهراني - أدام الله
وجوده - في الذريعة (ج 6 - ص 301) وقال: (أوله: (الحمد لله ذي العظمة
والكبرياء - إلى قوله - فان درك حقائق الأشياء ومعرفة معاني الألفاظ على مسمياتها
مما استأثر الله تعالى أولياءه الذي أطلعهم على بعض مكنوناتها - إلى قوله - فألح
علي بعض المستفيدين أن أختار لهم من هذا العلم مالا بد لهم من معرفته) يذكر
فيه الأسماء على ترتيب حروف الهجاء في أوائلها من حرف الألف إلى حرف الياء
مثاله من حرف الألف قوله: (الأصلح فعل الأمتع للغير إذا قصد ذلك وكان
حسنا) ومثاله من حرف الياء قوله: (اليقين العلم الظاهر الجلي بعد حصول اللبس
في معلومه الأولي الذي لا يفتقر إلى تقديم تصور أو تصديق آخر) نسخة منه في
مكتبة السيد حسين الهمداني كتبت سنة 657 ه‍، ونسخة منه في مكتبة الشيخ محمد
السماوي كتبها بخطه لنفسه).
143

ولم أتحقق ذلك، كتاب النقض والردود على يحيى بن عدي النصراني
المنطقي (1) كتاب المتمم لأنواع الاعراض من جمع أبي رشيد النيسابوري
كتاب الملخص، وقيل: هو من أحسن الكتب الكلامية إلا أنه لم يتمه (2)
ومن مصنفاته في أصول الفقه: كتاب الذريعة إلى أصول الشريعة
وهو أول كتاب صنف في هذا الباب ولم يكن للأصحاب قبله الا رسائل
مختصرة، كتاب مسائل الخلاف في الأصول، أثبته الشيخ والنجاشي، قال
الشيخ: (ولم يتمه) (3) رسالة في طريقة الاستدلال موجودة عندنا
كتاب المنع من العمل بأخبار الآحاد تعرف بالمسائل التبانية، وهي أجوبة
الشيخ الفاضل محمد بن عبد الملك التبان فيما عمله في انتصار حجية الاخبار
تشتمل على عشرة فصول قد بسط السيد القول فيها، رسالة أخرى عندنا

(1) ذكره السيد المرتضى في (فهرست كتبه) وأورده - أيضا - ابن شهرآشوب
في (معالم العلماء: ص 70) بعنوان: (نقض مقالة يحيى بن عدي النصراني المنطقي
فيما لا يتناهى).
(2) ذكره السيد المرتضى في (فهرست كتبه) وأورده ابن شهرآشوب في
(معالم العلماء: ص 69) بعنوان: (الملخص في الأصول، لم يتمه حسن) وذكره
أيضا النجاشي في (رجاله: ص 207) بعنوان: (الملخص في أصول الدين)
والشيخ الطوسي في الفهرست (ص 99).
(3) راجع: رجال النجاشي (ص 207) طبع إيران، وفهرست الشيخ
الطوسي (ص 99) طبع النجف الأشرف سنة 1356 ه‍، ومسائل الخلاف - هذا -
هو في أصول الفقه - كما ذكراه -.
144

في المنع من العمل بخبر الواحد، منقولة من خط الشهيد الثاني طاب ثراه.
ومما صنفه - رحمه الله - في الفقه: كتاب المصباح، وقد ذكر
السيد في فهرسته، والشيخ والسروي: أنه لم يتمه (1) لكن وجدت في هامش
معالم العلماء لبعضهم: (المصباح للسيد المرتضى في الفقه رأيته تاما مشتملا
على كل أبواب الفقه) وهو غريب، كتاب مسائل الخلاف ناقص.
قال السيد في الموصليات الثانية: (وهذه المسائل التي ذكرنا انفراد
الامامية بها ستوجد مشروحة منصورة بالدلالة والطرق الواضحة في كتاب
مسائل الخلاف في الشريعة التي عملنا منها بعضا، ونحن على تتميمها وتكميلها
بمعونة الله - إلى أن قال -: وركبنا فيه مركبا غريبا يمكن معه مناظرة الفقهاء
على اختلافهم في جميع مسائل الفقه ومن نظر فيما خرج إلى الآن من هذا
الكتاب علم أن المنفعة به عظيمة والطريقة غير غريبة) كتاب الانتصار ويسمى
الانفرادات، كثير الوجود مشهور (2)، كتاب الناصرية وهو شرح مسائل
جده من قبل أمه الناصر الطبري صاحب الديلم، وتسمى المسائل الطبرية أيضا تشتمل
على مأتي مسألة وسبع، وهي مشهورة معروفة (3) كتاب جمل العلم والعمل

(1) راجع: فهرست كتب السيد المرتضى المذكور بنصه في مقدمة (الصفار)
لديوان السيد المرتضى (ص 129)، وراجع فهرست الشيخ الطوسي (ص 99)،
ومعالم العلماء لابن شهرآشوب السروي (ص 70).
(2) ذكره الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 99) وسماه (مسائل الانفرات
في الفقه) وقال: (تامة) وسماه النجاشي في رجاله (ص 27) (مائل انفرادات
الامامية وما ظن انفرادها به)، وذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء (ص 70)
فقال: (ما تفرد به الامامية من المسائل الفقهية)، وقد طبع هذا الكتاب ضمن
الجوامع الفقهية بطهران سنة 1276 ه‍، وطبع منفردا سنة 1315 ه‍.
(3) ذكره الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 100) بعنوان (المسائل
الناصرية في الفقه) وكذا ذكره ابن شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 70)
وقد طبع هذا الكتاب ضمن الجوامع الفقهية سنة 1276 ه‍.
145

في العقائد والعبادات كذلك، كتاب الفقه الملكي أثبته في (المعالم) (1)
ويحكي عنه الفقهاء، كتاب النصرة للرؤية في ثبوت الأهلة (2) في الجواب
عما جمعه تلميذه الشيخ أبو الفتح الكراجكي في انتصار القول بالعدد.
وله رحمه الله في التفسير والحديث والأدب والشعر شئ كثير، فمنه:
كتاب الغرر والدرر (3) وهو أربعة أجزاء، ثم ألحق به جزء خامسا مما
يناسبه وهو مجالس يتكلم فيها على مشكلات الآيات والاخبار ويذيلها
بمحاسن الآداب والاشعار، وهو كتاب عجيب، قد تأدب عليه خلق
كثير من العامة والخاصة، ولا تكاد تخلو خزانة الأدباء منه، وله كتاب
التفسير أكمل منه سورة الفاتحة ومائة وخمسا وعشرين آية من سورة البقرة،
ورسالة مختصرة في متشابهات الفاتحة والحروف المقطعة، وكتاب شرح
الخطبة الشقشقية، وكتاب شرح قصيدة السيد الحميري، وهي البائية المعروفة

(1) راجع: (ص 70) من كتاب معالم العلماء طبع النجف الأشرف.
(2) ذكره الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 100) وسماه: (نصرة
الرؤية وإبطال القول بالعدد) أما ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) فسماه:
(الفرائض في نصرة الرؤية وإبطال القول بالعدد) ولم يذكر هذا الكتاب النجاشي
في رجاله في عداد مصنفاته
(3) وهو المعروف بأمالي السيد المرتضى، وقد طبع طبعات عديدة في إيران
ومصر. وقد ذكره كل من النجاشي، والشيخ الطوسي، وابن شهرآشوب،
واختصره عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العلائقي، وسماه (غرر الغرر ودرر
الدرر) وأكمل هذا المختصر سنة 766 ه‍، توجد نسخة منه خطية في إحدى مكتبات
طهران، كما ذكره بروكلمان.
146

بالمذهبة (1) وكتاب شرح القصيدة الميمية من شعره (2) وكتاب الطيف
والخيال (3) وكتاب الشيب والشباب (4) وكتاب المرموق في أوصاف
البروق، وكتاب النقض على ابن جني في الحكاية والمحكي، وكتاب تتبع
الأبيات التي تكلم فيها ابن جني في أبيات المعاني للمتنبي، وكتاب ديوان

(1) القصيدة البائية ذات (113) بيتا، ومطلعها:
هلا وقفت على المكان المعشب * بين الطويلع فاللوى من كبكب
طبع الشرح بمصر سنة 1313 ه‍ بعنوان (القصيدة الذهبية) ذكره الشيخ
الطوسي في (الفهرست: ص 100) بعنوان (شرح قصيدة السيد الحميري - رحمه
الله - المذهبة)، وذكرها ابن شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 70) بعنوان:
(تفسير القصيدة المذهبة).
(2) هي القصيدة التي جاءت في (ج 3 ص 210 - ص 214) من الديوان
المطبوع في (58) بيتا، قالها مفتخرا، ومعرضا بأعدائه، وذاكرا غرضا له، مطلعها:
إن على رمل العقيق خيما * زودني من حلهن السقما
وقد أورد السيد المرتضى - رحمه الله - في كتابه (طيف الخيال - ص 98)
بضعة أبيات من القصيدة وشرح قسما منها.
(3) ذكر كتاب الطيف والخيال الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 100)
وابن شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 70) بعنوان (أوصاف طيف الخيال) وجاء
ذكره في فهرست كتب السيد المرتضى (كتاب طيف الخيال)، وقد طبع هذا
الكتاب بمصر بمطبعة الحلبي سنة 1374 ه‍، وكذا طبع بتحقيق الدكتور صلاح
صبحي ببغداد، بمطبعة دار المعرفة سنة 1957 م.
(4) كتاب الشيب والشباب، ذكره الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 100)
وابن شهرآشوب في (معالم العلماء: 70) وجاء ذكره في فهرست كتب السيد
المرتضى، وقد طبع هذا الكتاب بمطبعة الجوائب بمصر سنة 1302 ه‍.
147

شعره، وهو يزيد على عشرين الف بيت (قاله الشيخ وغيره) (1).
وله - قدس سره - في أجوبة المسائل الواردة عليه من الأطراف:
المحمديات ثلاث مسائل، البادرائيات أربع وعشرون مسألة، البرمكيات، وهي
المسائل الطوسية خمس مسائل، المسائل الدمشقية، وهي الناصرية غير الناصرية الأولى
المسائل الواسطية مائة مسألة، المسائل الميافارقية مائة مسألة، وفي (المعالم)

(1) ذكر هذا الديوان الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 99) وابن
شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 69)، وقال الثعالبي في (تتمة اليتيمة ج 1 ص 53)
طبع إيران (طهران) سنة 1353 ه‍: (... وله شعر في نهاية الحسن...) ثم أتى
بشواهد منه، وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان - في ترجمته -: (وله ديوان
شعر كبير، وإذا وصف الطيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع)
وقال ياقوت الحموي في معجم الأدباء - في ترجمته -: (له ديوان شعر يزيد على
عشرة آلاف بيت) وأشار السيوطي في بغية الوعاة إلى ديوان شعره، وذكره
أيضا صاحب أمل الآمل (ص 2 ص 182) طبع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍
فقال: (... وله ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت إختاره من شعره)، ثم
قال: (ص 185): (... وقد رأيت نسخة من ديوان شعره قرئ عليه،
وعليه خطه، فكتبته بخطي في نحو عشرة أيام، وهو أقل من عشرة آلاف بيت،
وكأنه منتخب ديوانه)، وذكره أيضا الشريف اليماني في كتابه (نسمة السحر)
- مخطوط - وجاء بشواهد من شعره.
وقد طبع الديوان في ثلاثة أجزاء بمصر سنة 1376 ه‍، وحققه وعلق عليه
الأستاذ رشيد الصفار وقدم له مقدمة قيمة مسبوقة بمقدمة العلامة الكبير الشيخ
محمد رضا الشبيبي ومقدمة الأستاذ المحقق الدكتور مصطفى جواد، يتضمن الديوان
قرابة أربعة عشر الف بيت، وقد حققه الصفار على نسخ عديدة من الديوان
أهمها النسخة المنقولة عن نسخة عليها صورة خط الشريف المرتضى بإجازة
روايتها لمن قرأها عليه، وهذه صورة الإجازة:
(قرأ علي الفقيه أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي - أدام الله تعالى توفيقه -
قطعة كبيرة من ديوان شعري، وأجزت له رواية جميعه عني، فليروه كيف شاء،
وكتب علي بن الحسين بن موسى الموسوي بخطه في ذي القعدة من سنة ثلاث
وأربعمائة).
148

(انها خمس وستون) (1) والتي وجدناها في نسخ متعددة: ست وستون
مسألة كلها في الفقه، المسائل الجرجانية المسائل الديلمية، أثبتهما الشيخ،
والسروي، وفي (المعالم): ان (الديلمية في الفقه) (2) المسائل السلارية
أثبتها في (المعالم) ووجدتها في مسائل السيد (3) وهي أجوبة سؤالات
الشيخ الفقيه سلار بن عبد العزيز الديلمي، وهي غير الديلمية، المسائل
الرسية وهي أجوبة مسائل السيد الفاضل أبي الحسن المحسن بن محمد بن

(1) راجع: معالم العلماء لابن شهرآشوب (ص 70) ولكن المذكور في
فهرست كتب السيد المرتضى: (المسائل الفارقية وهي مائة)، وقد ذكرها شيخنا
الطهراني في الذريعة (ج 5 ص 238) وقال: (هي ست وستون مسألة اقتصر
في أجوبتها على الفتوى لأن السائل قال: (نؤثر نحن - أطال الله بقاء سيدنا الشريف -
أن نرى خط الشريف لنعتمده ونعول عليه، وما نلتمس الفتوى بغير دليل)
فأجابهم على ما طلبوه، فيما يقرب من ثلاثمائة بيت، كتابة نسخة الرضوية في سنة
576 ه‍).
(2) راجع: الفهرست للشيخ الطوسي (ص 100) ومعالم العلماء لابن
شهرآشوب (ص 70).
(3) راجع: معالم العلماء (ص 70)، وذكرها شيخنا الطهراني في الذريعة
(ج 5 ص 223) وقال: (توجد نسخة منها في ثلاثين ورقة في الخزانة الرضوية
ضمن مجموعة كتابتها سنة 676 ه‍).
149

الناصر الحسيني الرسي، ثمان وعشرون مسألة (1) وهي موجودة عندنا، وأثبتها
ابن إدريس وغيره والنقل عنها في كتب الفقه كثير، المسائل الرازية أثبتها
في (المعالم) وقال: (انها أربع عشرة مسألة) (2) وهي عندنا خمس عشرة

هذه المسائل الرسية شيخنا الامام الطهراني - أدام الله وجوده -
في الذريعة (ج 5 ص 221) فقال: جوابات المسائل الرسية الأولى، للسيد
الشريف المرتضى، وهي ثمان وعشرون مسألة وردت إليه من السيد الشريف أبي
الحسين المحسن بن محمد بن الناصر الحسيني الرسي، قال ابن إدريس في رسالة
المضايقة: (كان هذا السيد مدققا عالما فقيها، حاذقا ملزما لخصمه، محتجا عليه
بما لا يكاد يتفصى منه إلا من كان في درجة السيد المرتضى) وقال السيد في أول
هذه الجوابات: أما بعد فاني وقفت على المسائل التي ضمنها الشريف - أدام الله عزه -
كتابه، وسررت - شهد الله - بما دلتني عليه هذه المسائل بحسن تدبر، وجودة تبحر
وأنس بمواطن هذه العلوم).
ثم ذكر شيخنا الطهراني (ص 222): (جوابات الرسية الثانية للسيد الشريف
المرتضى. وهي خمس مسائل من مسائل الصلاة، وردت من الشريف المحسن
المذكور ثانيا تقرب جواباتها من مائة وخمسين بيتا، توجد ضمن مجموعة عتيقة من
مسائل السيد المرتضى بالكاظمية من موقوفة بيت آل الشيخ أسد الله، وقد استنسخت
الأولى والثانية عنها بخطي).
(2) راجع: معالم العلماء (ص 70) وهذه المسائل الرازية ذكرها شيخنا الامام
الطهراني في الذريعة (ج 5 ص 221) برقم 1055) فقال: (جوابات المسائل
الرازية الواردة من بلدة (ري) وهي خمس عشرة مسألة للسيد الشريف المرتضى
علم الهدى المتوفى سنة 436 ه‍، أول مسائلها عن الفقاع، ثم عن النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - وهل يحسن الكتابة أم لا، ثم عن تفضيل الأنبياء على الملائكة،
ثم عن عالم الذر، ثم عن البلاء، ثم عن نية المؤمن خير من عمله، ثم عن الآيات
المخالف ظاهرها للعصمة، ثم عن الرجعة، ثم عن طريق المعرفة، وسائر المسائل
مختصرات، مجموعها يقرب من أربعمائة بيت، رأيتها ضمن مجموعة من مسائل
السيد المرتضى بالكاظمية واستنسختها، ونسخة منها في الخزانة الرضوية، وأخرى
في مكتبة الشيخ هادي كاشف الغطاء في النجف الأشرف).
150

مسألة، المسائل الصيداوية (1).
ذكرها في (المعالم)، المسائل التبانية - ثلاث مسائل سأل عنها
السلطان - كذا قاله النجاشي - (2) المسائل المصرية الأولى - خمس مسائل -
المصريات الثانية - تسع مسائل - المصريات الثالثة - سبع مسائل، وهي

(1) ذكرها الشيخ الطوسي في (الفهرست: ص 100) وابن شهرآشوب
في (معالم العلماء (ص 70) وفى باب الكنى أيضا (ص 134) وقال: إنها لابي
عبد الله محمد بن عبد الله (أو هبة الله) الطرابلسي، وهو تلميذ السيد المرتضى.
(2) راجع: رجال النجاشي: ص 207 طبع إيران. وذكر هذه المسائل
- أيضا - ابن شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 70) وهذه المسائل الثلاث ألفها
السيد المرتضى - رحمه الله - لابي عبد الله بن التبان المتكلم المتوفى سنة 419 - على
ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم في وفيات هذه السنة (ج 8 ص 38) طبع حيدر
آباد دكن سنة 1359 ه‍ - وجاء ذكرها في ص 5 من (الانتصار) - عند ذكر
حجية إجماع الإمامية - فقال: (... وقد بينا صحة هذه الطريقة في مواضع من
كتبنا، وخاصة في جواب مسائل أبي عبد الله ابن التبان - رحمه الله - وفي جواب
مسائل أهل الموصل الفقهية الواردة في سنة عشرين وأربعمائة).
وهذه التباينات غير التباينات التي ذكرها شيخنا الامام الطهراني في
(الذريعة: 5 / 217) برقم 1033 فقال: (... جوابات المسائل التباينات التي
سألها الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك التبان، للسيد الشريف المرتضى علم
الهدى، أولها: (بحمد الله نستفتح كل قول) رتب المسائل على عشرة فصول،
ويقرب الموجود من الجوابات من ثلاثة آلاف بيت، مع أن في أثناء الفصول
بياضات في النسخة التي رأيتها في موقوفة آل الشيخ أسد الله الكاظمي بالكاظمية
واستنسخت عنها. ويظهر من فهرس الرضوية أن في مكتبتها نسخة أخرى، ولعلها
تامة).
وهذه التباينات - الأخيرة - هي التي ذكرها سيدنا - قدس سره - في (الأصل)
- آنفا... - وسماها: كتاب المنع من العمل بأخبار الآحاد، وقال: (تعرف
بالمسائل التبانية). وذكرت - أيضا - في (فهرست) كتب السيد المرتضى، وقال:
(هي عشر).
151

المسائل الرملية (1) المسائل الحلبية الأولى - ثلاث مسائل - الحلبية الثانية -

(1) المسائل الرملية أو الرمليات، ذكرها النجاشي في (رجاله: ص 207)
وابن شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 70)، وقد وردت من (الرملة) للسيد
المرتضى، فأجاب عنها، وأحال إليها السيد نفسه في جواب المسألة الرابعة من الرسيات
الأولى، والمسائل السبع هي: (الأولى) في الصنعة والصانع و (الثانية) في الجوهر
و (الثالث) في السهو مع العصمة، و (الرابعة) في الانسان، و (الخامسة) في المتواترين،
و (السادسة) في رؤية الهلال، و (السابعة) في الطلاق وأما المسائل المصرية
- الأولى والثانية - فقد ذكرهما النجاشي في (رجاله: ص 207) والشيخ الطوسي
في (الفهرست: ص 100) والأولى منهما - التي قيدها الشيخ بالقديمة وهي في
الطيف - فيها خمس مسائل كما صرح به النجاشي، وهي الموجودة، وفهرسها:
(الأولى) العلوم التي تحصل للعاقل عند إدراك المدركات، هل الطريق إليها
الادراك أو بجريان العادة؟ (الثانية) طريق العلم بان للنار أفعالا لا يمكن أن يكون
طريقا بان النار فاعلة أم لا (الثالثة) جميع الدلائل يدل من حيث يستند إلى علوم ضرورية
أو أن الدلائل على ضربين (الرابعة) هل يجوز أن تقع الأفعال لاجل الدواعي وتمتع لاجل
الصوارف ولا يعلم الفاعل بنفس الدواعي والصوارف (الخامسة) في كيفية مضادة
السواد للبياض.
ذكر ذلك شيخنا الحجة الطهراني - أدام الله وجوده - في الذريعة (ج 5
ص 234).
152

وهي أيضا ثلاث مسائل - الحلبية الثالثة - ثلاث وثلاثون مسألة - الطرابلسيات (1)
وهي أربع: الأولى - سبع عشرة مسألة، الثانية - اثنتا عشرة مسألة،
الثالثة - ثلاث وعشرون مسألة، الرابعة - خمس وعشرون. وعندنا الثانية
والثالثة، وهي أجوبة المسائل الواردة من الشيخ أبي الفضل إبراهيم بن
الحسن الأباني (2) - رحمه الله - وكلها في الكلام،

(1) المسائل الطرابلسيات، ذكر (الأولى) منها السيد المرتضى - نفسه - في
جواب المسألة الأخيرة من المسائل الطرابلسية الثانية، و (الثانية) وردت من الشيخ
إبراهيم بعد الأولى، وهي اثنتا عشرة مسألة، تسعة منها في مسائل الإمامة، والعاشرة
في وجه إعجاز القرآن، والحادية عشرة في كيفية مسخ الممسوخ، والثانية عشرة
في نطق النمل، تقرب هذه المسائل من ثمانمائة بيت، كما ذكره شيخنا الامام
الطهراني في الذريعة (ج 5 ص 226)، وأما الطرابلسية (الثالثة) فقد وردت بعد
الثانية في شعبان سنة 427 ه‍، وهي ثلاث وعشرون مسألة، تقرب من الف
وخمسمائة بيت، والمسألة الأولى من هذه الثالثة في نفي كونه تعالى مدركا (بالفتح)
وأما الطرابلسية (الرابعة) فقد ذكرها صاحب (كشف الحجب) وقال: إنها
خمس وعشرون مسألة، راجع الذريعة (ج 5 ص 226) وقد جاء في فهرست
كتب السيد المرتضى - الذي كتب في عصره - ذكر الطرابلسية الأولى وأنها سبع
عشرة مسألة، والطرابلسية الثانية وأنها عشر مسائل، والطرابلسية الثالثة وأنها
خمس وعشرون مسألة.
(2) أباني: نسبة إلى أبان - بفتح أوله وتخفيف ثانية والف ونون - مدينة
صغيرة بكرمان من ناحية الروذان، قاله الحموي في (معجم البلدان) بمادة (أبان)
153

الموصليات (1) وهي ثلاث: الأولى - ثلاث مسائل في الاعتماد والوعيد
والقياس، الثانية - وهي مئة مسألة وعشر، كلها في الفقه، الثالثة - تسع

(1) المسائل الموصليات، ذكر (الأولى) منها - فقط - النجاشي (ص 207)
وكذلك جاءت في فهرست كتب السيد المرتضى، وذكرها - ثلاثتها - الشيخ الطوسي
في (الفهرست: ص 99) وابن شهرآشوب في (معالم العلماء: ص 69).
وأما (الثانية) فهي تسع مسائل في الفقه: (المسألة الأولى) المذي والوذي
(الثانية) أكثر النفاس (الثالثة) السجود على المنسوج (الرابعة) الشفعة بين أزيد
من اثنين (الخامسة) الربا بين الولد والأب والزوجين والمسلم والكافر (السادسة)
أقرب الأجلين في العدة (السابعة) أقل الحمل (الثامنة) المطلقة في المرض (التاسعة)
إرث المكاتب، في ثلاثمائة بيت، وكتابة نسخة الرضوية سنة 676 ه‍، كما في
فهرسها.
وأما الموصليات الثالثة، فهي خمسمائة بيت كما في النسخة الرضوية المكتوبة
سنة 676 ه‍، كما ذكر في فهرسها، ومسائل تسع ومائة مسألة فقهية على ترتيب
كتب الفقه: (أولها) مسألة غسل اليدين من المرفقين، وقد وردت في ربيع الأول
سنة 420 ه‍ وذكرها السيد المرتضى في مقدمة كتابه الانتصار (ص 5)، اقتصر
في الاستدلال على فتواه على الاجماع، وقدم مقدمة في بيان وجه حجيته، قال في
أوائله: (قدمت مقدمة يعرف بها الطريق الموصل إلى العلم بجميع الأحكام الشرعية
في جميع مسائل الفقه، فيجب الاعتماد عليها والتمسك بها، فمن أبى عن هذه الطريق
عسف وخبط، وفارق قوله من المذهب) ثم بين أن طريق الاحكام ليس خبر
الواحد ولا القياس، إلى أن قال: (وهاهنا طريق آخر يتوصل به إلى الحق...
وهو إجماع الفرقة التي قد علمنا أن قول الإمام داخل في أقوالها) وبسط الكلام
في الاجماع الدخولي، ودفع الاعتراض عنه، ثم شرع في الأجوبة، راجع في ذلك
الذريعة (ج 5 ص 235).
154

مسائل في الفقه، أثبتها الشيخ، وهي موجودة عندنا.
وله - قدس سره - مسائل كثيرة متفرقة - في التفسير والحديث والفقه
والكلام وأصول الفقه - ما لو جمعت لكانت كتابا كبيرا.
وعدة كتبه - بجمعنا هذا - تنيف على الستين، ولعلها تبلغ الثمانين (1)
كما هو المعهود من عدده وإعداده - قدس الله روحه -
علي بن حمزة بن بهمن بن فيروز الأسدي، مولاهم الكوفي
المعروف بالكسائي. كذا في الطبقات (2). وفي (تاريخ ابن خلكان):
(... أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان بن فيروز الأسدي

(1) وذكر النجاشي في: (رجاله) والخونساري في (روضات الجنات)
وجامع فهرست كتب السيد المرتضى، وغيرهم من أرباب المعاجم الرجالية مصنفات
أخرى للسيد المرتضى - رحمه الله - لم يذكرها سيدنا في الأصل، فراجعها.
(2) الذي جاء في طبقات القراء لشمس الدين الجزري المتوفى سنة 833 ه‍
(ج 1 ص 535) طبع مصر سنة 1351 ه‍، في اسمه ونسبه: (علي بن حمزة بن
عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي، مولاهم من أولاد الفرس من سواد العراق
السجستاني أبو الحسن الكسائي، الامام الذي انتهت إليه رئاسة الاقراء بالكوفة
بعد حمزة الزيات)، والذي جاء في طبقات النحويين واللغويين لابي بكر الزبيدي
المتوفى سنة 379 ه‍، (ص 138) طبع مصر سنة 1373 ه‍: (هو أبو الحسن علي
ابن حمزة الكسائي، مولى بني أسد من أهل باحمشا، دخل الكوفة وهو غلام)
وباحمشا - كما يقول الحموي في معجم البلدان -: بسكون الميم، قرية بين أوانا
والحظيرة، كانت بها وقعة للمطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي أيام الرشيد،
والذي جاء في بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين السيوطي المتوفى
سنة 911 ه‍، طبع مصر سنة 1326 ه‍: (علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الامام،
أبو الحسن الكسائي، من ولد بهمن بن فيروز مولى بني أسد، إمام الكوفيين في النحو
واللغة) وروى الوزير أبو الحسن القفطي المتوفى سنة 624 في إنباه الرواة (ج 2
ص 257) طبع مصر سنة 1371 ه‍، عن أبي بكر الصولي أنه: (علي بن حمزة
ابن عبد الله بن بهمن بن فيروز، مولى بني أسد).
كان الكسائي قد دخل الكوفة وهو غلام، وكان يعلم بها الرشيد ثم الأمين من بعده
وكان قد قرأ على حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات المتوفى سنة 156 ه‍ فاقرأ زمانا
بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة فاقرأ الناس بها وقرأ عليه بها خلق كثير ببغداد
وبالرقة وغيرهما من البلاد وحفظت عنه، كان قد خرج إلى البصرة فلقي الخليل
ابن أحمد وجلس في حلقته، فقال له رجل من الاعراب: تركت أسد الكوفة
وتميمها وعندهما الفصاحة وجئت إلى البصرة، فقال للخليل: من أين أخذت
علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع وقد أنفذ
خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، فلم يكن له هم غير
البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات، وقد جلس موضعه يونس النحوي
فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها موضعه وصدره.
وجمع الرشيد بينه وبين سيبويه البصري، فخطأه الكسائي وغلاماه - الفراء وعلي
بن المبارك - فأمر الرشيد بصرف سيبويه، ووصله بعشرة آلاف درهم، فلم يدخل
البصرة، واستحيي مما وقع عليه ومضى إلى (فارس) فمات بها (انظر القصة في
طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص 69 طبع مصر سنة 1373 ه‍ في ترجمة سيبويه):
وذكر له الجزري في (طبقات القراء) مصنفات عديدة، واستعرض جماعة
ممن أخذ القراءة عنه كالامام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وقال: (ما رأيت
بعيني هاتين أصدق لهجة من الكسائي) وكان الكسائي شيعيا كما عليه عامة المؤرخين.
155

الولاء، الكوفي المعروف بالكسائي، أحد القراء السبعة، كان إماما في
النحو واللغة والقرآن ولم يكن له في الشعر يد حتى قيل: ليس في علماء
العربية أجهل بالشعر من الكسائي) انتهى.
أخذ القراءة عن حمزة بن حبيب الزيات وجاء إليه وهو ملتف بكساء
فقال حمزة: من يقرأ؟ فقيل: الكسائي فبقي علما له. وقيل: بل أحرم
في كساء، فنسب إليه، وقيل: غير ذلك. وقرأ النحو على معاذ، وهو
معاذ بن مسلم الهراء ويقال: له الفراء أحد رجال الحديث من أصحاب
الصادق - عليه السلام - ثم على الخليل، ثم خرج إلى بوادي العرب
- الحجاز ونجد، وتهامة - وكتب عن العرب شيئا كثيرا، وكان يؤدب الأمين
ابن هارون الرشيد، توفي سنة تسع وثمانين ومائة بالري - وقد كان صحب
156

الرشيد - وقد توفي في ذلك اليوم محمد بن الحسن الشيباني الفقيه
الحنفي (1) فقال الرشيد: دفنا الفقه والعربية بالري. وقيل: مات بطوس سنة اثنتين
أو ثلاث وثمانين وماية. وقيل: سنة مائة وتسع وتسعين، والله أعلم.
علي بن حنظلة:
(في الاختصاص): (أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل
ابن بزيع عن علي بن النعمان عن عبيد الله بن مسكان عن عبد الأعلى بن
أعين، قال: دخلت - أنا وعلي بن حنظلة - على أبي عبد الله - عليه
السلام - فسأله علي بن حنظلة عن مسألة، فأجابه فيها، فقال له علي:
فإن كان كذا كان كذا، فأجابه بوجه آخر، فقال له: وان كان كذا كان كذا،
فأجابه بوجه آخر، حتى أجابه فيها بأربعة وجوه. فالتفت إلي علي بن
حنظلة فقال: يا أبا محمد، قد أحكمناها، فسمعه أبو عبد الله - عليه
السلام - فقال: لا تقل هكذا، يا أبا الحسن، فإنك رجل ورع، إن

(1) وقد رثاهما الشاعر اليزدي كما في كتب التراجم - بقوله:
أسيت على قاضي القضاة محمد * فأذريت دمعي والفؤاد عميد
وأفزعني موت الكسائي بعده * فكادت بي الأرض الفضاء تميد
هما علمانا أوديا وتخرما * فما لهما في العالمين نديد
157

من الأشياء أشياء ضيقة ليس تجري إلا على وجه واحد، منها وقت الجمعة
ليس لها إلا وقت واحد حين تزول الشمس، ومن الأشياء أشياء موسعة
تجري على وجوه كثيرة، وهذا منها، والله إن له عندي سبعين وجها) (1)

(1) روى هذا الحديث: الشيخ المفيد - رحمه الله - في الاختصاص (ص 287)
طبع إيران سنة 1379 ه‍ ورواه أيضا المجلسي - رحمه الله - في البحار (ج 1 ص 131)
طبع إيران القديم، وقال في بيان معنى قوله - عليه السلام -: (منها وقت الجمعة
ليس لها إلا وقت واحد...) الخ: (لعل ذكر وقت الجمعة على سبيل التمثيل،
والغرض بيان أنه لا ينبغي مقايسة بعض الأمور ببعض في الحكم. فكثيرا ما يختلف
الحكم في الموارد الخاصة، وقد يكون في شئ واحد سبعون حكما بحسب الفروض
المختلفة).
وذكر هذا الحديث بالسند المذكور محمد بن الحسن الصفار في (بصائر
الدرجات) طبع إيران سنة 1285 ه‍ الباب التاسع في أن الأئمة - عليهم السلام -
يتكلمون على سبعين وجها كلها المخرج ويفتون بذلك -.
وعلي بن حنظلة - هذا - ذكره الشيخ الطوسي في (رجاله) تارة من أصحاب
الباقر - عليه السلام (ص 131 برقم 64) قائلا (عمر يكنى أبا صخر، وعلي
ابنا حنظلة كوفيان عجليان) وتارة أخرى في باب أصحاب الصادق - عليه السلام -
(ص 241 برقم 296) قائلا: (علي بن حنظلة العجلي الكوفي) وله روايات في
تهذيب الشيخ والاستبصار، وذكر المولى الأردبيلي في جامع الرواة (ج 1 ص 577)
رواية كل من علي بن رئاب، وموسى بن بكير، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مروان
العجلي، ومعلى بن عثمان، عنه، ورواية الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد، عنه
ورواية خليل العبدي، عن زياد بن عيسى، عنه، وفي قول الصادق - عليه السلام -
في الرواية المذكورة: (فإنك رجل ورع) تعديل له من الامام - عليه السلام - لان
غير العدل لا يكون ورعا، ويدل على ذلك قبول الأصحاب لروايته واعتمادهم عليها.
158

علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي (1)
بفتح الراء والباء - نسبة إلى ربيعة أخذ عن السيرافي والفارسي. وكان
من أئمة النحو، وله فيه مصنفات منها - كتاب شرح الايضاح. مات سنة
عشرين وأربعمائة.
علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي.
روى عن علي بن فضال جميع كتبه، وروى أكثر الأصول
وروى عنه التلعكبري، وأخبرنا عنه أحمد بن عبدون. ومات ببغداد سنة
ثمان وأربعين وثلاثمائة، وقد ناهز مائة سنة، ودفن في مشهد أمير المؤمنين
- عليه السلام -.
ذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم (عليهم السلام) (2).

(1) علي بن عيسى بن الفرج بن صالح، أبو الحسن الربعي النحوي، أحد
أئمة النحويين وحذاقهم الجديدي النظر، الدقيقي الفهم والقياس، كان بغدادي
المنزل، شيرازي الأصل، درس ببغداد على أبي سعيد السيرافي، وخرج إلى شيراز
فدرس بها على أبي علي الفارسي مدة طويلة، ثم عاد إلى بغداد فلم يزل مقيما بها إلى
آخر عمره، وكانت مدة دراسته على أبي علي الفارسي عشرين سنة أو عشر سنين
- على ما ذكره السيوطي في بغية الوعاة - فقال أبو علي ما بقي له شئ يحتاج أن يسأل عنه،
قال التنوخي: سمعت من أبي زيد - وكان ابن أخت أبي علي الفارسي النحوي -
يقول: (كان أبو علي يقول: قولوا لعلي البغدادي: لو سرت من الشرق إلى
الغرب لم تجد أنحى منك)، وله تصانيف عديدة ذكرها السيوطي في بغية الوعاة
(ص 344) وياقوت الحموي في ترجمته، والزبيدي في طبقات النحويين (ج 2
ص 297) وغير هؤلاء، كان مولده سنة 328 ه‍، ومات في ليلة السبت لعشر بقين
من المحرم سنة 420 ه‍، وترجم له في أكثر المعاجم الرجالية.
(2) راجع (ص 480 برقم 22) فقال: (روى عن علي بن الحسن
ابن فضال جميع كتبه، وروى أكثر الأصول، روى عنه التلعكبري، وأخبرنا
عنه أحمد بن عبدون، ومات ببغداد سنة 348 ه‍، وقد ناهز مائة سنة، ودفن في
مشهد أمير المؤمنين - عليه السلام -)، وكذلك أرخ النجاشي في (رجاله: ص 9)
- في ترجمة أبان بن تغلب - وفاته سنة 348 ه‍.
159

وفي رجال النجاشي - في ترجمة أحمد بن عبدون -: (وكان قد لقي
علي بن محمد بن الزبير القرشي، وكان علوا في الوقت) (1) ويحتمل عود
الضمير إلى ابن الزبير - كما مر هناك - (2) واستظهره سبط الشهيد في (شرح
الاستبصار) (3) وشيخنا في (التعليقة) (4).

(1) راجع: رجال النجاشي (ص 68) طبع إيران.
(2) مر ذلك في (ج 2 ص 12) في ترجمة أحمد بن عبد الواحد البزاز، فراجعه.
(3) شرح الاستبصار المسمى (إستقصار الاعتبار) هو للشيخ أبي جعفر محمد
ابن أبي منصور الحسن ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني العاملي المولود سنة 908 ه‍
والمتوفى بمكة سنة 1030 ه‍، وهو كبير، خرج منه ثلاث مجلدات: في الطهارة
والصلاة، والنكاح، والمتاجر، إلى آخر القضاء، بدأ فيه بمقدمة فيها اثنتا عشرة
فائدة رجالية، وبعد المقدمة أخذ في شرح الأحاديث، فيذكر الحديث، ويتكلم
أولا فيما يتعلق بسنده من أحوال رجاله تحت عنوان (السند) ثم بعد الفراغ من
السند يشرع في بيان مداليل ألفاظ الحديث وما يستنبط منها من الاحكام تحت
عنوان (المتن) شرع فيه وكتب عدة من أجزائه في كربلا كما يظهر من آخر
الجزء الأول منه المنتهى إلى آخر التيمم، فقد كتب في آخره أنه فرغ منه بكربلاء
يوم الخميس السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1025 ه‍، توجد نسخة في مكتبات
النجف الأشرف، وكربلاء (راجع كتاب الذريعة لشيخنا الامام الطهراني (ج 2 ص 30
وج 13 ص 87).
(4) المراد بشيخه: هو الوحيد البهبهاني ذكره في تعليقته على رجال الميرزا
محمد الاسترآبادي في ترجمته لعلي بن محمد بن زبير القرشي، راجع (ص 238)
في التعليقة.
160

وحكم العلامة والمحقق الكركي والشهيد الثاني وغيرهم على خبر
عبيد بن زرارة في تحديد الرضاع بالعدد - بأنه موثق (1) وقد أورده الشيخ
عن علي بن الحسن بن فضال (2) وفي الطريق إليه أحمد بن عبدون عن
ابن الزبير. وهذا يقتضى الحسن أو التوثيق.
وضعف السيد في (النقد) هذا الطريق باعتباره (3) وهو ضعيف

(1) راجع: مختلف الشيعة للعلامة الحلي - رحمه الله - المطلب الأول في
الرضاع، من الفصل الأول من فصول كتاب النكاح (ص 70) فإنه جعل الرواية
التي يرويها عبيد بن زرارة عن الصادق - عليه السلام - تارة صحيحة وتارة موثقة،
وراجع: أيضا جامع المقاصد للمحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي، المبحث
الأول من مباحث المطلب الثاني في شرائط حصول الرضاع من كتاب النكاح،
فإنه جعل الرواية التي يرويها عبيد بن زرارة عن الصادق - عليه السلام - في تحديد
الرضاع بالعدد تارة صحيحة وأخرى موثقة، وفي طريقها علي بن محمد بن الزبير
القرشي، وراجع - أيضا - مسألة تحديد الرضاع بالعدد من كتاب النكاح من
الروضة شرح اللمعة للشهيد الثاني - رحمه الله - (ج 2 ص 82) طبع بيروت
سنه 1379 ه‍، فإنه جعل الرواية التي يرويها عبيد بن زرارة صحيحة وفي طريقها
علي بن محمد بن الزبير القرشي.
(2) راجع: كتاب التهذيب للشيخ الطوسي - رحمه الله - كتاب النكاح،
باب ما يحرم من النكاح من الرضاع الحديث (1299) - فقد رواه عن علي بن
الحسن بن فضال في (ج 7 ص 313) طبع النجف الأشرف سنة 1380 ه‍
(3) راجع: خاتمة نقد الرجال للسيد المصطفى التفريشي في الفائدة الرابعة
عند ذكره طرق روايات الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب والاستبصار (ص 418)
طبع إيران.
161

فان كثرة روايته ورواية التلعكبري عنه وإكثار أحمد بن عبدون والشيخ
بواسطته مع سلامة مذهبه، وما مضى عن العلامة وغيره - يقتضي حسن
حاله وقبول روايته والرواية عنه بطريق الإجازة للكتب، إذ لم ينقل له
كتاب يروى عنه.
عمار بن موسى الساباطي
أبو الفضل. وقيل: أبو اليقظان، مولى، كوفي الأصل، مدائني
السكنى، من الطبقة الرابعة، كثير الرواية، له كتاب كبير، روى عن
الصادق والكاظم - عليهما السلام - وبقي إلى أيام الرضا - عليه السلام -
كما يستفاد من رواية الحسن بن صدقة المروية في (التهذيب في باب بيع
الواحد بالاثنين) (1).
عنه: أحمد بن ثعلبة، وثعلبة بن ميمون، والحسن بن صدقة،
والحسن بن علي بن فضال، والحكم بن مسكين، وحماد بن عثمان،
وعبد الله بن مسكان، ومحمد بن سنان، ومحمد بن عمرو بن أبي المقدام
ومحمد بن مسلم، ومرازم، ومروان بن مسلم، ومسعدة بن صدقة، ومصدق

(1) ونص الرواية - كما في (ج 7 ص 117 برقم 509) طبع النجف الأشرف
هكذا: (عنه، عن السندي بن الربيع، قال، حدثني محمد بن سعيد المدائني، عن
الحسن بن صدقة، عن أبي الحسن الرضا - عليه السلام - قال قلت له: جعلت
فداك، إني أدخل المعادن، وأبيع الجوهر بترابه بالدنانير والدراهم، قال: لا بأس
به، قلت: وأنا أصرف الدراهم بالدراهم، وأصير الغلة وضحا، وأصير الوضح
غلة، قال: إذا كان فيها دنانير فلا بأس، قال: فحكيت ذلك لعمار بن موسى
الساباطي، قال: كذا قال لي أبوه، ثم قال لي: الدنانير أين تكون؟ قلت:
لا أدري، قال عمار: قال لي أبو عبد الله - عليه السلام - تكون مع الذي ينقص).
162

ابن صدقة ومعاذ بن مسلم، وهشام بن سالم (1) والرواية عنه مصدق،
واختلف فيه أصحابنا: فقال المفيد - رحمه الله - في (الهلالية):
انه أحد الرؤساء الاعلام والفقهاء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا
والاحكام الذين لا مطعن عليهم ولا طريق إلى ذمهم (2)، وقال النجاشي:

(1) ذكر هؤلاء الراوين عن عمار بن موسى الساباطي وغيرهم المولى الأردبيلي
في جامع الرواة (ج 1 ص 613) طبع إيران، وذكر أيضا: أن لعمار روايات
عديدة في الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار، في مواضع
متفرقة، فراجعه.
(2) راجع: الرسالة الهلالية (المخطوطة) التي ألفها الشيخ المفيد - رحمه الله -
في الرد على من يقول: بأن شهر رمضان ثلاثون يوما وانه لا ينقص، فقد قال في
الفصل السابع منها ما نصه: (وأما رواة الحديث بان شهر رمضان شهر من الشهور
يكون تسعة وعشرين يوما ويكون ثلاثين يوما، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر
محمد بن علي - عليهما السلام - وأبي عبد الله جعفر بن محمد - عليهما السلام - وأبي
الحسن موسى بن جعفر، وأبي الحسن علي بن موسى، وأبي جعفر محمد بن علي،
وأبي الحسن علي بن محمد، وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد - عليهم السلام -
والاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا وأحكام الدين، لا يطعن
عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات
المشهورة، وكلهم أجمعوا - نقلا وعملا - على أن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين
يوما، نقلوا ذلك عن أئمة الهدى - عليهم السلام - وعرفوه في عقيدتهم، واعتمدوه
في ديانتهم، وقد فصلت أحاديثهم في كتابي المعروف بمصابيح النور في علامات
أوائل الشهور، وأنا أثبت من ذلك ما يدل على تفصيلها) ثم ذكر جملة من الروايات
فيما ذهب إليه في المسألة مروية عن بعض الاعلام الذين ذكرهم، وعد منها رواية
مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله - عليه السلام -
163

(عمار بن موسى الساباطي وأخواه: قيس، وصباح رووا عن أبي عبد الله
وأبي الحسن عليهما السلام وكانوا ثقات في الرواية...) (1).
وظاهرهما انه - مع التوثيق - صحيح المذهب. ويشهد له ما رواه الكشي:
(عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم
عن عبد الرحمان بن حماد الكوفي عن مروك (2) وفي سند آخر -: (عن
مروك بن عبيد عن رجل عن الكاظم - عليه السلام - قال: إني استوهبت
عمار الساباطي من ربي فوهبه لي) (3) وفي الطريقين جهالة (4).
(وعن عمار: إنه سأل أبا عبد الله - عليه السلام - أن يخبره باسم
الله الأعظم، فقال له: إنك لا تقوى على ذلك، فلما ألح عليه، وضع
يده على الأرض فرأى البيت يدور به، وأخذه من ذلك أمر عظيم كاد

(1) راجع: رجال النجاشي (ص 223) طبع إيران.
(2) هذا السند تجده في رجال الكشي (ص 347)، برقم 270) طبع
النجف الأشرف.
(3) هذا السند تجده في رجال الكشي (ص 425، برقم 363) ومبدأه
هكذا: (محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله القمي، عن عبد الرحمان
ابن حماد الكوفي عن مروك بن عبيد...).
(4) لعل الجهالة في الطريقين المذكورين جاءت من قبل عبد الرحمان بن حماد
الكوفي، فإنه لم يذكر في كتب الرجال ولم نعرف عقيدته، فهو مجهول في اصطلاح
أرباب الدراية، أو لان روايته فيها اختلال واضطراب لأنه تارة يروي الرواية
عن مروك عن أبي الحسن الأول - عليه السلام - وأخرى يرويها عن رجل عنه
- عليه السلام - ولم يسم الرجل الذي يروي عنه، ففي السند - حينئذ - جهالة وهي
تمانع عن الاستدلال بها.
164

يهلك به) (1).
وليس فيه ما يقتضى المدح، فضلا عن غيره.
وقال الكشي: (انه كان فطحيا) (2) وروى عن جعفر بن محمد
عن الحسن بن علي بن النعمان عن علي بن الحسين عن هشام بن سالم في
حديث طويل ذكر فيه اختلاف الشيعة في أمر أبي الحسن - عليه السلام -
بعد أبيه، وقطع أكثرهم به - قال -: (وكل من دخل عليه قطع
الا طائفة عمار وأصحابه) (3) وحكى الشيخ في (التهذيب: في باب بيع
الواحد بالاثنين) (... عن جماعة من أهل النقل: إنهم ضعفوا عمار الساباطي
وذكروا أن ما ينفرد بنقله لا يعمل عليه لأنه كان فطحيا): (4) وقال في
(الاستبصار في باب السهو في صلاة المغرب) (... إنه ضعيف فاسد
المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته) (5) وأورده ابن داود في القسم
الثاني من كتابه، وذكر (انه كان فطحيا) (6) وكذا العلامة - رحمه الله -

(1) هذا مضمون حديث مفصل ذكره الكشي في (رجاله: ص 218 -
219) برقم 130 طبع النجف الأشرف.
(2) المصدر الآنف الذكر.
(3) تجد الحديث - بطوله - في رجال الكشي: ص 239 طبع النجف الأشرف
في ترجمة هشام بن سالم الجواليقي، إلا أنه قال: (حدثني أبو يحيى عن هشام بن
سالم) بدل (علي بن الحسين عن هشام بن سالم).
(4) ذكر ذلك عقيب ذكره لروايات كثيرة تجوز بيع الواحد بالاثنين في
طريقها عمار (ج 7 ص 101 حديث رقم 435) طبع النجف الأشرف.
(5) ذكر ذلك بعد ذكره لحديث رقم (1413) من الجزء الأول ص 372
طبع النجف الأشرف.
(6) راجع: رجال أبي داود ص 487 رقم 348 طبع طهران.
165

لكنه وثقه مع ذلك، ثم قال: (والوجه عندي أن روايته مرجحة) (1)
والظاهر: إن قوله (مرجحة) بالكسر على البناء للفاعل فيعود إلى التضعيف
وربما ضعفه بعض المتأخرين بما وقع في رواياته كثيرا من الخلل والتعقيد
والتكرار الخارج عن قانون البلاغة مع إسناد القول إلى الامام - عليه السلام -
فيكون كذبا. وفي الصحيح: (عن محمد بن مسلم قال قلت للصادق
- عليه السلام -: إن عمار الساباطي يروي عنك رواية، قال: وما هي
قلت: قال إنك قلت: إن السنة فريضة قال: أين يذهب؟ أين
يذهب؟ ليس هكذا حدثته) (2).

(1) راجع: رجال العلامة - الخلاصة -: القسم الثاني المخصوص بالضعفاء:
ص 243 برقم 6 الباب الثاني عشر في الآحاد، طبع النجف الأشرف، قال - عن
عمار وأخويه: قيس وصباح -: (وكانوا ثقات في الرواية).
(2) ذكر هذا الحديث الكليني - رحمه الله - في فروع الكافي - كتاب الصلاة
باب ما يقبل من صلاة الساهي - (ج 3 ص 362) طبع إيران سنة 1377 ه‍،
راويا له عن: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن
النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، قال: قلت لابي عبد الله
- عليه السلام -: إن عمار الساباطي روى عنك رواية، قال: وما هي؟ قلت: روى أن السنة
فريضة، فقال: أين يذهب؟، أين يذهب؟ ليس هكذا حدثته، إنما قلت له: من
صلى فأقبل على صلاته لم يحدث نفسه فيها ولم يسه فيها أقبل الله عليه ما أقبل علتها
فربما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها، وإنما أمرنا بالسنة ليكمل بها ما ذهب
من المكتوبة)
وإنما جعل هذا الحديث صحيحا لان الكليني رواه عن محمد بن يحيى، وهو
أبو جعفر العطار الأشعري القمي الذي قال فيه النجاشي في (رجاله: ص 273)
طبع إيران: (شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة عين كثير الحديث له كتب...)
وذكره الشيخ الطوسي في رجاله (ص 495، برقم 24) طبع النجف الأشرف
فقال فيه: (محمد بن يحيى العطار، روى عنه الكليني، قمي كثير الرواية) ووثقه
كل من العلامة وابن داود في رجاليهما، والمجلسي في الوجيزة (ص 166) طبع
إيران، والشهيد الثاني في دراية الحديث (ص 129) طبع النجف الأشرف، فإنه
قال: (... محمد بن يحيى مطلقا مشترك بين جماعة، منهم محمد بن يحيى العطار
القمي، ومنهم محمد بن يحيى الخزاز، ومحمد بن يحيى بن سليمان الخثعمي الكوفي
والثلاثة ثقات، وتميزهم بالطبقة فان محمد بن يحيى العطار في طبقة مشائخ أبي جعفر
الكليني فهو المراد عند إطلاقه في أول السند، ومحمد بن يحيى الآخران رويا عن
الصادق - عليه السلام - فيعرفان بذلك).
وقد وثق محمد بن يحيى العطار - هذا - كل من ذكره من الفقهاء في مؤلفاتهم
الفقهية، ولم يشك أحد منهم ومن أرباب المعاجم في وثاقته، ولذا عد حديثه
من الصحيح.
166

وروى الكشي (عن محمد بن مسعود: إن عمار بن موسى في جماعة
من الفطحية كعبد الله بن بكير وبني الحسن بن علي بن فضال هم فقهاء
أصحابنا) (1). وقال الشيخ في (الفهرست): (عمار بن موسى الساباطي، له
كتاب كبير جيد معتمد وكان فطحيا) (2) وفي (التهذيب) بعد حكاية

(1) بهذا المضمون تجد الحديث في رجال الكشي - في ترجمة عبد الله بن بكير
ابن أعين (ص 294، برقم 189) طبع النجف الأشرف.
(2) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 117 برقم 515) طبع النجف
الأشرف سنة 1356 ه‍، وذكره الشيخ أيضا في رجاله (ص 250 برقم 436)
في باب أصحاب الصادق - عليه السلام - وفي باب أصحاب الكاظم - عليه السلام -
(ص 354 برقم 15) وقال: (كوفي سكن المدائن، روى عن أبي عبد الله
- عليه السلام -).
167

تضعيفه عن جماعة كما مر: (إنه وان كان فطحيا فهو ثقة في النقل لا يطعن
عليه فيه) (1). وحكى المحقق - رحمه الله - (في المسائل العزية) عن الشيخ
أنه قال في مواضع من كتبه: (ان الامامية مجمعة على العمل بما يرويه
السكوني وعمار ومن ماثلهما من الثقات) وفي (المعتبر): في مسألة التراوح
(... ان الأصحاب عملوا برواية عمار لثقته حتى أن الشيخ ادعى في (العدة)
إجماع الإمامية على العمل بروايته ورواية أمثاله ممن عددهم) (2)
ولم أجد في العدة تصريحا بذكر عمار، والذي وجدته فيه دعوى
عمل الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره (3) وشمول العموم
له غير معلوم لأنه فرع المماثلة في التوثيق ولم يظهر من (العدة) ذلك
وكأن المحقق - رحمه الله - أدخله في العموم لثبوتها (4) من كلامه - رحمه الله -

(1) راجع: التهذيب (ج 7 ص 101) طبع النجف الأشرف، فإنه - بعد
أن ذكر الرواية بسنده عن عمار عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: (عمار بن
موسى الساباطي قد ضعفه جماعة من أهل النقل، وذكروا أن ما ينفرد بنقله لا يعمل
به لأنه كان فطحيا، غير أنا لا نطعن عليه بهذه الطريقة لأنه وإن كان كذلك فهو
ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه).
(2) راجع: أوائل مسألة نجاسة البئر من كتاب المعتبر للمحقق الحلي.
(3) راجع: بحث العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين من العدة (ج 1
ص 56) طبع بمبئ سنه 1312 ه‍، فإنه قال فيها: (... وان كان ما رووه ليس
هناك ما يخالفه ولا يعرف من العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا كان متحرجا
في روايته موثوقا به في أمانته وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد، فلأجل ما قلناه
عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره...).
(4) أي لثبوت المماثلة في التوثيق من كلام الشيخ الطوسي في كتابيه (التهذيب
والفهرست) كما تقدم آنفا.
168

في التهذيب والفهرست - كما تقدم -.
ثم قال المحقق - رحمه الله - في (الأسئار): (لا يقال: علي بن
أبي حمزة واقفي وعمار فطحي فلا يعمل بروايتهما، لأنا نقول: الوجه
الذي لاجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب أو انضمام القرائن. وهذا
المعنى موجود هنا، فان الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا - هناك -
ولو قيل: فقد ردوا رواية كل منهما في بعض المواضع، قلنا: كما ردوا
رواية الثقة في بعض المواضع معللين بأنه خبر واحد، والا فاعتبر كتب الأصحاب
فإنك تراها مملوءة من رواية علي وعمار) (1).
وهذا القول الذي اختاره الشيخ والمحقق: من كونه فطحيا ثقة في
النقل، هو أعدل الأقوال وأشهرها، وبه قال البهائي (2) والمجلسيان (3)
وغيرهم والوجه فيه معلوم مما حكيناه لثبوت كل من الامرين فيه بنقل
الثقات الاثبات، فيكون موثقا، وعليه يحمل كلام المفيد (4) والنجاشي (5)
فان فساد مذهب عمار أمر معلوم لا يخفى على مثلهما ولا ينافي التوثيق

(1) راجع: كتاب المعتبر للمحقق الحلي - بحث الأسئار - (ص 23) طبع
إيران سنة 1318 ه‍، وفيما جاء في المعتبر - هنا - بعض الكلمات التي قد حذفها
سيدنا - قدس سره - في الأصل، ولعله للاختصار، فراجعها.
(2) راجع: مقدمة مشرق الشمسين (ص 3) طبع إيران سنة 1319 ه‍
(3) راجع: الوجيزة للمجلسي الثاني صاحب البحار (159) طبع إيران،
وأما المجلسي الأول التقي، فقد قال ذلك في شرحه لمن لا يحضره الفقيه.
(4) يريد كلام المفيد - رحمه الله - في الهلالية، آنفة الذكر، وقد ذكرنا هناك
في التعليقة نص عبارته، فراجعها.
(5) يريد قول النجاشي في ترجمة عمار (ص 223): (وكانوا ثقات في
الرواية).
169

وقوع الخلل في ألفاظ حديثه - أحيانا - فان منشأه النقل بالمعنى وقد ثبت
جوازه، والغالب عدم تغيير المعنى بما يقع له من الخلل، فلا يخرج حديثه
عن الحجية نظرا إلى اشتراط الضبط. وما ذكره الشيخ في (الاستبصار) (1)
محمول على منع العمل بما يختص به مع وجود المعارض كما يعلم مما قاله
غيره، وما ذكره في غيره (2).
عمار بن ياسر العنسي
أبو اليقظان، صحابي ابن صحابي (3) من السابقين الأولين الذين عذبوا

(1) يزيد ما ذكره في الاستبصار في باب السهو في صلاة المغرب من قوله
- الذي ذكره آنفا -: (إنه ضعيف فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته).
(2) أي وما ذكره الشيخ في غير الاستبصار من مصنفاته الفقهية، ولزيادة
الاطلاع راجع ما ذكره - سيدنا قدس سره - في (ج 1 ص 407) من هذا الكتاب
تحت عنوان (بنو موسى) مع تعليقاتنا هناك.
(3) عمار - هذا - هو ابن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين
بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس - وهو زيد - بن
مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب
ابن قحطان، وبنو مالك بن أدد من مذحج، هكذا نسبه ابن سعد في (الطبقات
الكبرى: ج 3 ص 246) طبع بيروت سنة 1377 ه‍، وعنه أخذ ابن حجر
العسقلاني في (تهذيب التهذيب: ج 7 ص 408) طبع حيدر آباد دكن، ولكن
إلى قوله (بن عنس).
وفضل عمار وشهرته تغنينا عن التوسع في أخباره، غير أنا نقتصر على ما ذكره
بعض أرباب المعاجم السنية مثل ابن سعد في (الطبقات الكبرى) وابن حجر في
في (الإصابة) وفي (تهذيب التهذيب) وابن عبد البر في (الاستيعاب)
والجزري في (أسد الغابة) ملخصين ما ذكروه.
قالوا: أبو اليقظان مولى بني مخزوم، وكان قدم ياسر بن عامر وأخواه
الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها (سمية) بنت خياط
فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة، فمن هنا هو - عمار - مولى لبني مخزوم وأبوه
عدي لا يختلفون في ذلك، وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه
ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من
الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه، ورغموا وكسروا ضلعا من أضلاعه، فاجتمعت
بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان.
ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، وجاء الله بالإسلام فأسلم
ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر، وكان لياسر ابن آخر أكبر من عمار
وعبد الله يقال له: (حريث) قتلته بنو الديل في الجاهلية.
كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه،
والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة، وليست لهم منعة ولا قوة، فكانت قريش
تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم، وقد رؤي عمار متجردا
في سراويل، قال بعض من رآه: فنظرت إلى ظهره فيه حبط كثير، فقلت
ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة.
قال الراوي: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: (يا نار كوني بردا وسلاما
على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية). ومر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - يوما -
- بآل عمار - وهم يعذبون، فقال لهم: (أبشروا - آل عمار - فان موعدكم الجنة)
عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن
ياسر، فلم يتركوه حتى نال من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر
آلهتهم بخير، فلما أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، والله
ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: فكيف تجد قبلك؟ قال:
مطمئن بالإيمان، قال فان عادوا فعد. وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى:
(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) نزلت في عمار بن ياسر.
كان عمار بن ياسر قد هاجر إلى أرض الحبشة وصلى القبلتين، وهو من
المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرا والمشاهد كلها، وأبلى ببدر بلاء حسنا، ثم شهد
اليمامة فأبلى فيها أيضا، ويومئذ قطعت أذنه، يقول عبد الله بن عمر: رأيت عمار بن
ياسر - يوم اليمامة - على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين أمن الجنة
تفرون؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب، وهو
يقاتل أشد القتال، وكان فيما ذكر الواقدي - طويلا أشهل بعيد ما بين المنكبين، وفى رواية
إن عليا قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه (أخرجه الترمذي
وابن ماجة، وسنده حسن). وعن حذيفة رفعه: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (اهتدوا بهدى
عمار) وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي حسن: وتواترت الأحاديث
عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن عمارا تقتله الفئة الباغية. وأجمعوا على أنه
قتل مع علي - عليه السلام - بصفين سنة سبع وثلاثين في ربيع الأول وله ثلاث
وتسعون سنة، ودفن هناك. وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: (أو من
كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) قال: عمار بن ياسر (كمن
مثله في الظلمات ليس بخارج منها) قال: أبو جهل بن هشام، وعن عائشة قالت
ما من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر فاني
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إن عمار بن ياسر حشي ما بين أخمص قدميه
إلى شحمة أذنيه إيمانا). ومن حديث خالد بن الوليد: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
(من أبغض عمارا أبغضه الله تعالى) قال خالد: فما زلت أحبه من يومئذ، وروي
من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: (اشتاقت الجنة
إلى علي وعمار وسلمان وبلال)، ومن حديث علي - عليه السلام - قال: (جاء عمار
يستأذن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فعرف صوته فقال: مرحبا بالطيب المطيب إئذنوا له)
170



وكان عمار أول من بنى مسجدا في الاسلام، وهو مسجد قبا. وقد آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
بينه وبين حذيفة بن اليمان قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكر فيهم عمارا وأمه
سمية واستعمله عمر بن الخطاب على الكوفة وكتب إلى أهلها: (أما بعد فاني قد بعثت
إليكم عمارا أميرا وعبد الله بن مسعود وزيرا ومعلما وهما من نجباء أصحاب محمد
فاقتدوا بهما)، ولما عزله عمر قال له: (أساءك العزل قال: والله لقد سائتني الولاية وساءني
العزل) ثم إنه بعد ذلك صحب عليا - عليه السلام - وشهد معه الجمل وصفين فأبلى فيهما،
وذكر ابن سعد في (الطبقات: ج 3 ص 262) طبع بيروت أنه (قال
علي - عليه السلام - حين قتل عمار، إن امرءا من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن
ياسر وتدخل به عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد، رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم
الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا، لقد رأيت عمارا وما يذكر
من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أربعة إلا كان رابعا، ولا
خمسة إلا كان خامسا) وذكر ذلك أيضا ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمته
ثم قال ابن سعد في الطبقات (وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله - (صلى الله عليه وآله وسلم)
يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئا لعمار بالجنة،
ولقد قيل إن عمارا مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار
في النار).
وذكر ابن سعد أيضا (عن ابن عابس قال: قال عمار: أدفنوني في ثيابي
فاني مخاصم، وعن عاصم بن ضمرة أن عليا صلى على عمار ولم يغسله، وقيل لعمرو
ابن العاص قد كان رسول الله يحبك ويستعملك، قال قد كان والله يفعل، فلا
أدري أحب أم تألف يتألفني، ولكني أشهد على رجلين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وهو يحبهما عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر. قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين
قال: صدقتم والله لقد قتلناه، وعن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن
أبيه عن لؤلؤة مولاة أم الحكم بنت عمار أنها وصفت لهم عمارا فقالت: كان رجلا
آدم طوالا، مضطربا، أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، وكان لا يغير شيبه)
قال ابن الجزري في أسد الغابة، وابن عبد البر في الاستيعاب، وغيرهما:
إن مناقب عمار بن ياسر المروية كثيرة يطول ذكرها.
هذه خلاصة ما ذكره أرباب المعاجم من أعاظم العامة، وأما ما ذكره أرباب
المعاجم من الشيعة فيطول الكلام بذكر ما أوردوه فيها، وانظر منها ما ذكره السيد
علي خان المدني في الدرجات الرفيعة (ص 255 - ص 283) طبع النجف الأشرف
وما ذكره الكشي في رجاله (ص 31) طبع النجف الأشرف، وما ذكره الشيخ
الطوسي في رجاله - في أصحاب علي (عليه السلام) حيث قال عنه إنه: رابع الأركان وفي
أماليه: ص 89 طبع إيران سنة 1313 ه‍. وغيرهم من أعاظم الطائفة المتقدمين
والمتأخرين.
وعمار بن ياسر أحد الاثني عشر من المهاجرين والأنصار الذين أنكروا على
أبي بكر توليه للخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما ذكره الطبرسي
في الاحتجاج (ص 43) طبع إيران سنة 1302 ه‍، وابن بابويه الصدوق في الخصال
(ج 2 ص 228) طبع إيران سنة 1377 ه‍، والبرقي في آخر كتاب رجاله بعنوان
(أسماء المنكرين على أبي بكر) (ص 63) طبع دانشكاه (طهران) سنة 1383 ه‍
والسيد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة (ص 394) طبع النجف الأشرف،
وذكر أيضا في أكثر كتب الاحتجاج والتواريخ الشيعية. قال الطبرسي في الاحتجاج
(... ثم قام عمار بن ياسر فقال يا معشر قريش، ويا معاشر المسلمين إن كنتم علمتم
وإلا فاعلموا، إن أهل بيت نبيكم أولى به، وأحق بإرثه، وأقوم بأمور الدين
وآمن على المؤمنين، وأحفظ لملته، وأنصح لامته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى
أهله قبل أن يضطرب حبلكم، ويضعف أمركم، ويظهر شتاتكم، وتعظم الفتنة
بكم، وتختلفوا فيما بينكم، ويطمع فيه عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا
الامر منكم، وعلي أقرب منكم إلى نبيكم، وهو من بينهم وليكم، بعهد الله
ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه
بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -
(أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد الحكمة فليأتها من بابها) وإنكم جميعا مضطرون
فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه، وهو مستغن عن كل أحد منكم، إلى ماله
من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون عليا
حقه، وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، بئس للظالمين بدلا، أعطوه ما جعله له
الله، ولا تولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين).
وذكر ابن حجر في (تهذيب التهذيب: ج 7 ص 408). أن عمارا
(روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن حذيفة بن اليمان، وروى
عنه ابنه محمد، وابن ابنه سلمة بن محمد (على خلاف فيه)، وابن عباس، وأبو
موسى الأشعري، وعبد الله بن غنمة المزني، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب،
وأبو الطفيل، وأبو لاس الخزاعي، وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وأبو وائل،
وصلة بن زفر، وعبد الرحمن بن أبزي، وقيس بن عباد البصري، وهمام بن الحارث
وأبو مريم الأسدي، ونعيم بن حنظلة، ومحمد بن علي بن أبي طالب، وناجية بن
كعب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وآخرون).
170

في الاسلام: قتلت قريش أبويه على أن يسبا رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - فلم يفعلا حتى قتلا وورى عمار فنجا، وفي الحديث: (انه
كان أفقه منهما إذ نجى نفسه) هاجر الهجرتين، وشهد بدرا فما بعدها
من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ثم لزم أمير المؤمنين
- عليه السلام - وشهد معه (الجمل) واستشهد معه بصفين سنة سبع
وثلاثين - وهو ابن ثلاث أو أربع وسبعين - قتلته الفئة الباغية أصحاب
معاوية كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما صح عنه
171

لدى الفريقين - أنه قال: (عمار جلدة ما بين عيني وأنفي تقتله الفئة الباغية)
وكان يقول - يوم قتل -: (اليوم القي الأحبة محمدا وصحبه) (1) وهو
أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنة: علي وعمار وسلمان والمقداد - كما ورد
في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رواه الخاصة
والعامة (2).

(1) روى ذلك ابن جرير الطبري في تاريخه، وابن عبد البر في الاستيعاب،
والمسعودي في مروج الذهب، وابن الأثير في حوادث سنة 37 ه‍، وغير هؤلاء.
(2) ذكر هذا الحديث العلامة الحلي المتوفى سنة 726 ه‍، في كتابه: كشف
اليقين في فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام - (ص 96) طبع النجف الأشرف
سنة 1371 ه‍ هكذا (عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - إن الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي... فقال له علي - عليه السلام - بأبي أنت
وأمي يا رسول الله أعلمني أنس أنك قلت: الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي، فمن
هم؟ فأومأ إليه بيده فقال: أنت والله أولهم، أنت والله أولهم أنت والله أولهم
- ثلاثا - فقال له بابي أنت وأمي فمن الثلاثة؟ فقال له: المقداد وسلمان وأبو ذر). ورواه
عن الكتاب المذكور المجلسي - رحمه الله - في البحار (ج 22 - ص 331) طبع إيران
سنة 1385 ه‍ ولكنه ذكر السند هكذا: (أحمد بن مردويه، عن أحمد بن محمد الخياط
عن الخضر بن أبان، عن أبي هدية إبراهيم، عن أنس بن مالك) ثم أورد الحديث
المذكور.
ولكن ابن عبد البر القرطبي المالكي في الاستيعاب - في ترجمة عمار بن ياسر -
روى الحديث عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - (أنه قال:
اشتاقت الجنة إلى علي وعمار وسلمان وبلال) فأبدل المقداد ببلال، أما الترمذي
في صحيحه والحاكم والنيسابوري في المستدرك، والنسائي في الخصائص، فقد أوردوا
الحديث بلفظ: (إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان) وكذلك الكشي
في ترجمة عمار من رجاله (ص 33) طبع النجف الأشرف.
176

ومن مناقب عمار وفضائله: أن قريشا ألقته في النار، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما
كنت بردا وسلاما على إبراهيم، فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه،
وقال: (ما تريدون من عمار عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان) (1)
وقصة عمار في التيمم مشهورة (2) وهو وإن لم يصب فيها إلا أنه كان

(1) ذكر ذلك ابن سعد في (الطبقات الكبرى: ج 3 ص 262) طبع بيروت
والكشي في (رجاله ص 32) في ترجمة عمار، والسيد علي خان في (الدرجات
الرفيعة: ص 260) طبع النجف الأشرف.
(2) ذكر قصة تيمم عمار الحر العاملي في (الوسائل: ج 2 ص 977) باب
التيمم من كتاب الطهارة، طبع إيران سنة 1376 ه‍، قال: (محمد بن علي بن
الحسين بإسناده عن زرارة قال: قال: أبو جعفر - عليه السلام - قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم لعمار في سفر له: يا عمار بلغنا أنك أجنبت
فكيف صنعت؟ قال: تمرغت يا رسول الله في التراب، قال: فقال له: كذلك
يتمرغ الحمار، أفلا صنعت كذا، ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد
ثم مسح جبينيه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى، ثم لم يعد ذلك)، وذكره كذلك
الصدوق ابن بابويه في (من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 57) طبع النجف الأشرف
سنة 1377 ه‍، ومثله ما ذكره الكليني - رحمه الله - في (الكافي: ج 3 ص 62)
طبع إيران سنة 1377 ه‍، والشيخ الطوسي - رحمه الله - في (التهذيب: ج 1 ص 207)
طبع النجف الأشرف سنة 1377 ه‍، وفي (الاستبصار: ج 1 ص 170) طبع
النجف الأشرف سنة 1375 ه‍، ولكن باختلاف يسير في متنه.
وذكره من أعلام السنة جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 ه‍، في تفسير
الدر المنثور (ج 2 ص 167) طبع طهران أفسيت سنة 1377 ه‍، وقال: (أخرجه
ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن عمار
ابن ياسر) وذكره عامة الفقهاء من الفريقين في مؤلفاتهم الفقهية.
177

أفقه من عمر حيث ترك الصلاة لما أصابته الجنابة ولم يجد ماء (1) وأما
عمار فإنه علم أن الصلاة لا تسقط بذلك، لكن راعى التسوية بين البدل
والمبدل، وظن أن بدلية التيمم عن الغسل تقتضي الاستيعاب. وهذا
- لعمري - من أنظار الفقهاء ودقائقهم، بل من قواعدهم وضوابطهم
وانما قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (أفلا فعلت
هكذا) - ومسح بوجهه ويديه - لان التيمم الذي أمر الله به في كتابه بدلا
عن الوضوء والغسل شئ واحد لا فصل بينهما والتسوية غير مرادة هاهنا وإلا
لوجب استيعاب محال والوضوء بالمسح. وفي قوله - عليه السلام -: (أفلا فعلت)

(1) ذكر البخاري في صحيحه باب التيمم (ج 1 ص 75) طبع مصر بولاق
سنة 1311 ه‍، بسنده، (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، قال:
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر
ابن الخطاب أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت. فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت،
فصليت، فذكرت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النبي: إنما يكفيك هكذا، فضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
كفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه)؟ وذكر ذلك أيضا بطرق
عديدة، وذكر مثله مسلم في صحيحه (ج 1 ص 110) طبع مصر بولاق سنة 1290 ه‍
بطرق عديدة، وزاد: (... فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث
به) وفي إسناد آخر قال: فقال عمر: (نوليك ما توليت) فكأن عمارا قال ذلك
خوفا من عمر بدليل قوله له: (نوليك ما توليت) تهديدا له.
وقيل: مال إلى رأي عمر في هذه المسألة عبد الله بن مسعود، كما أخرج
البخاري وغيره من أصحاب الصحاح والسنن، قال البخاري في صحيحه (ج 1
ص 77) بسنده: (عن عمر بن حفص، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش،
قال سمعت شقيق ابن سلمة، قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال له؟
أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال
عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى: كيف تصنع بقول عمار حين
قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (كان يكفيك)؟ قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟ فقال
أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية (أي قوله تعالى في
سورة المائدة: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) فما درى عبد الله ما يقول، فقال:
إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك - إذا برد على أحدهم الماء - أن يدعه ويتيمم،
فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال: نعم) وذكر مثله أيضا بطريق آخر
وبزيادة بعض الجمل، فراجعه.
وذكر مثله مسلم في صحيحه (ج 1 ص 110) بزيادة بعض الجمل وبسند
آخر ينتهي إلى شقيق بن سلمة، ولعل ابن مسعود في كلامه هذا مع أبي موسى
كان متقيا من عمر ومن صاحبه أبي موسى.
راجع ما ذكره ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) شرح صحيح البخاري
(ج 1 ص 352) طبع مصر سنة 1348 ه‍ من الالتواء، في شرح حديث عمار
المذكور خصوصا في قول عبد الله بن مسعود لابي موسى: (ألم تر عمر لم يقنع
بذلك) وتوجيهه عدم قناعة عمر بقول عمار عند ما أخبره أنه كان معه في تلك
الحال، وحضر معه تلك القصة، وتبعه في هذا الالتواء العيني في (عمدة القاري)
شرح صحيح البخاري (ج 2 ص 171) طبع الآستانة سنة 1308 ه‍، فراجعهما.
178

إيماء لطيف إلى أن عمارا لكونه من أهل النظر والاستنباط كان ينبغي
له أن يفعل هكذا وأنه لو فعل لصح، ولا يصح ممن لم يكن أهلا لذلك،
وان أصاب على ما تقتضيه أصول الأصحاب (1).

(1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (ج 4 ص 63) طبع مصر سنة
1349 ه‍ - بعد أن شرح قصة عمار -: (وفي قصة عمار جواز الاجتهاد في زمن النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - فان عمارا - رضي الله عنه - إجتهد في صفة التيمم،
وقد اختلف أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول في هذه المسألة على ثلاثة أوجه،
أصحها: يجوز الاجتهاد في زمنه - صلى الله عليه وآله وسلم - بحضرته وفي
غير حضرته، والثاني: لا يجوز بحال، والثالث: لا يجوز بحضرته ويجوز في غير
حضرته).
وقال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري: ج 1 ص 352): (ويستفاد
من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن المجتهد لا لوم
عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق، وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه
الإعادة).
وراجع حديث تيمم عمار في صحيح ابن ماجة (ج 1 ص 881) باب التيمم،
طبع مصر سنة 1372 ه‍، وفي صحيح النسائي (ج 1 ص 59) طبع مصر سنة
1312 ه‍، وفي سنن أبي داود وشرحه (المنهل العذب المورود) لمحمود محمد
خطاب السبكي المتوفى سنة 1352 ه‍، (ج 3 ص 157 - ص 159) طبع مصر
سنة 1351 ه‍.
180

عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بسيبويه (1)
مولى بني الحارث بن كعب. وقيل: مولى الربيع بن زياد الحارثي

(1) عمرو بن عثمان بن قنبر، إمام البصريين (سيبويه) أبو بشر، ويقال:
أبو الحسن، مولى بني الحارث بن كعب، ثم مولى آل الربيع بن زياد الحارثي،
ولقب (سيبويه) ومعناه رائحة التفاح، فقيل: كانت أمه ترقصه بذلك في صغره
وقيل: كان من يلقاه لا يزال يشم منه رائحة الطيب فسمي بذلك، وقيل: كان
يعتاد شم التفاح، وقيل: لقب بذلك للطافته لان التفاح من أطيب الفواكه. كان
أصله من (البيضاء) من أرض فارس، ونشأ بالبصرة، وأخذ عن الخليل، ويونس
وأبي الخطاب الأخفش، وعيسى بن عمر، وقال أبو عبيدة: قيل ليونس بعد موت
سيبويه: إن سيبويه صنف كتابا في الف ورقة من علم الخليل، فقال: ومتى سمع
سيبويه هذا كله من الخليل؟ جيئوني بكتابه فلما رآه قال: يجب أن يكون صدق
فيما حكاه عن الخليل كما صدق فيما حكاه عني، وقال الأزهري: كان سيبويه
علامة حسن التصنيف جالس الخليل وأخذ عنه، وما علمت أحدا سمع منه كتابه
لأنه احتضر شابا، ونظرت في كتابه فرأيت فيه علما جما، وكان المبرد يقول لمن
أراد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه: هل ركبت البحر؟ تعظيما واستصعابا لما فيه،
وقال بعضهم: كنت عند الخليل فأقبل سيبويه، فقال: مرحبا بزائر لا يمل، قال
وما سمعت الخليل يقولها لغيره، وكان شابا لطيفا جميلا، وكان في لسانه حبسة،
وقلمه أبلغ من لسانه، وقال الجرمي: في كتابه سيبويه الف وخمسون بيتا سألته
عنها فعرف ألفا ولم يعرف خمسين، وقال الزمخشري فيه:
ألا صلى الاله صلاة صدق * على عمرو بن عثمان بن قنبر
فان كتابه لم يغن عنه * بنو قلم ولا أبناء منبر
ورد سيبويه بغداد على يحيى البرمكي فجمع بينه وبين الكسائي للمناظرة وهي
المعروفة بالمناظرة (الزنبورية) تجدها في بغية الوعاة للسيوطي مفصلة، وبعد ما أفحم
في المناظرة لأنهم جعلوا للعرب جعلا على أن يوافقوا الكسائي في قوله، خرج إلى
فارس، ولم تطل مدة سيبويه بعد ذلك، ومات بالبيضاء، وقيل بشيراز، وقيل:
مات غما بالذرب سنة 180 ه‍، قال الخطيب البغدادي: وعمره اثنتان وثلاثون
سنة، وقيل: نيف على الأربعين، وقيل: مات بالبصرة سنة 161 ه‍، وقيل: سنة
188 ه‍، وقال ابن الجوزي مات بساوة سنة 194 ه‍، وكانت ولادته سنة 148 ه‍
وكتابه المعروف بكتاب سيبويه، طبع طبعات عديدة وهو معروف متداول يدرس
حتى الآن، ولم يصنع قبله ولا بعده كتاب في النحو مثله بالاتفاق.
راجع في ترجمته: بغية الوعاة للسيوطي، وسير النبلاء للذهبي، والفهرست لابن النديم
ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، والبداية والنهاية
لابن كثير، وأخبار النحويين والبصريين للقفطي، وإنباه الرواة للزبيدي، وشد
الازار للشيرازي، ونزهة الألباء للأنباري، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي،
ونفح الطيب للمقري، ومرآة الجنان لليافعي، وكشف الظنون لحاج خليفة،
ومفتاح السعادة لطاش كبري، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وروضات الجنات
للخوانساري، وغيرها من المعاجم الرجالية. وكتبت رسائل في حياته، مطبوعة
ومخطوطة.
181

أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، وجميع الناس عيال عليه. أخذ النحو
عن الخليل بن أحمد وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وغيرهم،
واللغة عن أبي الخطاب الأخفش الأكبر وغيره. توفي سنة ثمانين وماءة. وقيل:
غير ذلك. وأمره مشهور
182

باب الفاء
الفضل بن عبد الملك أبو العباس البقباق
مولى كوفي، عين. ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق
- عليه السلام - (1) من كبار الرابعة، له كتاب، عنه أبان بن عثمان
وحماد بن عثمان، وعبد الله بن بكير وعبد الله بن مسكان، وصفوان،
ويونس بن عبد الرحمان، وحريز بن عبد الله، وداود بن الحصين، وابن
أذينة، وجعفر بن سماعة، والقاسم بن عروة، وأبو مالك الحضرمي.
وثقه النجاشي (2) وتبعه العلامة (3) وروى البرقي توثيقه عن كتاب
سعد (4)

(1) راجع: رجال الشيخ الطوسي (ص 270 برقم 5) طبع النجف الأشرف
وفي عدم ذكره في الفهرست - مع أن له كتابا لعله غفلة.
(2) فقال عنه - كما في رجاله ص 237 - طبع إيران: (ثقة عين).
(3) فإنه ذكره في القسم الأول المخصص لذكر الثقات وقال (كوفي عين)
راجع (ص 133 برقم 6) طبع النجف الأشرف.
(4) راجع: رجال البرقي (ص 34) طبع إيران دانشكاه سنة 1342 ه‍،
فإنه قال: (وفي كتاب سعد: له كتاب، ثقة)، وسعد - هذا - هو سعد بن عبد الله
ابن أبي خلف الأشعري القمي الذي هو من أصحاب الإمام العسكري - عليه السلام -
183

وعده المفيد في (الهلالية) (1) في الفقهاء الاعلام والرؤساء المأخوذ عنهم
الحلال والحرام الذين لا مطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم
وحديثه في المنتفى (صحر) والأولى (صحي) (2).
وروى الكشي: (... عن حمدويه ومحمد قالا: حدثنا محمد بن عيسى
عن صفوان عن عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سأل أبو العباس الفضل
البقباق لحريز الاذن على أبي عبد الله - عليه السلام - فلم يأذن له، فعاوده
فلم يأذن له، فقال له: أي شئ للرجل أن يبلغ في عقوبة غلامه؟ فقال
على قدر جريرته، فقال: قد عاقبت والله حريزا بأعظم مما صنع، فقال:
ويحك إني فعلت ذلك؟ إن حريزا جرد السيف - ثم قال -: أما لو كان

(1) تقدم - آنفا - (ص 163) من هذا الجزء ذكر الرسالة الهلالية وأنها
في الرد على من يقول: إن شهر رمضان ثلاثون يوما وأنه لا ينقص، وقد عد المفيد
فيها الفضل بن عبد الملك - هذا - في الفقهاء الاعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال
والحرام الذين لا مطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وذكر روايته في
آخر الرسالة - وهي مخطوطة - فراجعها.
(2) صحر - بالراء في آخره - رمز للصحيح على اصطلاح المتأخرين،
وصحي - بالياء التحتانية في آخره - رمز للصحيح على اصطلاح المتقدمين، قال الشيخ
البهائي - رحمه الله - في مقدمة مشرق الشمسين (ص 3) طبع إيران: (قد استقر اصطلاح
المتأخرين من علمائنا - رضي الله عنهم - على تنويع الحديث المعتبر - ولو في الجملة - إلى
الأنواع الثلاثة المشهورة، أعني: الصحيح، والحسن والموثق، بأنه إن كان جميع سلسلة
سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق فصحيح، أو إماميين ممدوحين بدونه كلا أو بعضا مع
توثيق الباقي فحسن، أو كانوا كلا أو بعضا غير إماميين مع توثيق الكل فموثق،
وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا - قدس الله أرواحهم - كما هو ظاهر
لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث
صحيح اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون
إليه، وذلك أمور: (منها) وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن
مشائخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة - سلام الله عليهم - وكانت متداولة
لديهم في تلك الاعصار، مشتهرة بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار (ومنها)
تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة (ومنها)
وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم
كزرارة، ومحمد بن مسلم، والفضيل بن يسار، أو على تصحيح ما يصح عنهم
كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، أو العمل
بروايتهم كعمار الساباطي ونظرائه ممن عدهم شيخ الطائفة في كتاب العدة، كما نقله
عنه المحقق - رحمه الله - في بحث التراوح من المعتبر (ومنها) اندراجه في أحد الكتب
التي عرضت على الأئمة - عليهم سلام الله - فأثنوا على مؤلفيها ككتاب عبيد الله الحلبي
الذي عرض على الصادق - عليه السلام - وكتاب يونس بن عبد الرحمن، والفضل
ابن شاذان المعروضين على العسكري - عليه السلام - (ومنها) أخذه من أحد
الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلفوها من
الفرقة الناجية الامامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني، وكتب بني
سعيد، وعلي بن مهزيار، أو من غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي،
والحسين بن عبيد الله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري، وفد جرى
رئيس المحدثين ثقة الاسلام محمد بن بابويه - قدس الله روحه - على متعارف
المتقدمين في اطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه، فحكم بصحة جميع
ما أورده من الأحاديث في كتاب (من لا يحضره الفقيه) وذكر أنه استخرجها
من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع، وكثير من تلك الأحاديث بمعزل
عن الاندراج في الصحيح على مصطلح المتأخرين ومنخرط في سلك الحسان
والموثقات، بل الضعاف. وقد سلك عن ذلك المنوال جماعة من أعلام علماء الرجال
فحكموا بصحة حديث بعض الرواة غير الامامية كعلي بن محمد بن رياح وغيره لما
لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم، والاعتماد عليهم، وإن لم يكونوا في
عداد الجماعة الذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم، والذي بعث المتأخرين
- نور الله مراقدهم - على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد
هو أنه لما طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف، وآل الحال إلى اندراس بعض
كتب الأصول المعتمدة لتسلط حكام الجور والضلال والخوف من إظهارها
وانتساخها وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول
المشهورة في هذا الزمان فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة
من غير المعتمدة، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة، وخفي عليهم
- قدس الله أرواحهم - كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير
من الأحاديث ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه
فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها، والوثوق بها عما سواها
فقرروا لنا - شكر الله سعيهم - ذلك الاصطلاح الجديد، وقربوا الينا البعيد،
ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من
الصحة والحسن والتوثيق. وأول من سلك هذا الطريق - من علمائنا المتأخرين -
شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي - قدس الله روحه -، ثم
أنهم - أعلى الله مقامهم - ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون
مراسيل بعض المشاهير - كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى - بالصحة لما شاع من
أنهم لا يرسلون إلا عمن يثقون بصدقه، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها
من يعتقدون أنه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على
تصحيح ما يصح عنهم، وعلى هذا جرى العلامة - قدس الله روحه - في (المختلف)
حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة: إن حديث عبد الله بن بكير صحيح
وفي (الخلاصة) حيث قال: (إن طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح
وإن كان في طريقه أبان بن عثمان) وهو فطحي مستندا في الكتابين إلى إجماع
العصابة على تصحيح ما يصح عنهما، وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني - طاب ثراه -
على هذا المنوال أيضا كما وصف في بحث الردة من شرح الشرائع حديث الحسن
ابن محبوب عن غير واحد بالصحة، وأمثال ذلك في كلامهم كثير، فلا تغفل).
وبناء على ما نقلناه فان أبا منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد
الثاني المتوفى سنة 1011 ه‍ جرى على هذا الاصطلاح في الصحيح عند المتقدمين
والصحيح عند المتأخرين في مقدمة كتابه (المنتقى ج 1 ص 4) طبع إيران سنة
1379 ه‍، ومع ذلك روى في (ص 63) رواية في الأسئار عن الحسين بن سعيد
عن حماد عن حريز عن الفضل أبي العباس (البقباق) عن الصادق - عليه السلام -
ورمز لها في صدر الرواية (بصحر) مع أن رواتها كلهم إماميون ممدوحون بالتوثيق
فالذي كان ينبغي له أن يصفها (بصحي) كما ذكره سيدنا في الأصل، فلاحظ
ذلك
184

حذيفة بن منصور ما عاودني فيه بعد أن قلت: لا) (1) والحديث صحيح،
وقد تضمن جرأة عظيمة من البقباق على الامام - عليه السلام - حيث
نسب إليه ما ينافي اعتقاد عصمته، ومن هذا ونحوه قيل: إن عصمة
الامام - عليه السلام - لم تكن ضرورية عند السلف. وفيه نظر، والصحيح
خلاف ذلك (2). ويمكن توجيه الحديث بأن مراد الفضل الاطلاع على

(1) راجع: رجال الكشي (ص 285 برقم 164 - 166) طبع النجف
الأشرف.
(2) فان الاعتقاد بعصمة الامام - عليه السلام - من ضروريات المذهب.
راجع في تحقيق ذلك: الكتب المؤلفة في الإمامة بحث عصمة الامام
- عليه السلام - فإنها كثيرة مطبوعة ومخطوطة، منها كتاب الشافي لعلم الهدى
السيد المرتضى - رحمه الله - وتلخيص الشافي لشيخ الطائفة الشيخ الطوسي - رحمه الله -
وكلاهما مطبوعان.
187

السبب الموجب لهذا الحجب والابعاد غير تجريد السيف، لاعتقاده أنه
لا يقابل هذه العقوبة، ومراده بما صنع خصوص التجريد. فبين له - عليه السلام -
أن تجريده السيف معصية عظيمة تقابل تلك العقوبة أوانها أوجبت حجبه
وإبعاده لمصلحة، أو ان ذلك معصية من البقباق مكفرة بالتوبة، وتعقب
الرضا من الامام - عليه السلام - كما يدل عليه توثيقه ومدحه.
وروى الكشي باسناده: (عن عبيد بن زرارة قال: دخلت على
أبي عبد الله - عليه السلام - وعنده البقباق - فقلت له: رجل أحب بني
أمية أهو معهم؟ قال: نعم، قلت: رجل أحبكم أهو معكم؟ قال:
نعم، قلت: وإن زنى وإن سرق. فنظر إلى البقباق فوجد منه غفلة ثم
أومأ برأسه: نعم) (1).

(1) راجع: رجال الكشي (ص 286) طبع النجف الأشرف، وقد أجاب
شيخنا الحجة المامقاني - رحمه الله - في تنقيح المقال في الرجال (ج 2 ص 11 باب
الفاء) عن خبر الكشي - هذا - بقوله: (... (أولا) أنه لعل عبيدا توهم أن
غرض الامام - عليه السلام - إخفاء ذلك عن الفضل ولم يكن كذلك واقعا (وثانيا)
أنه على فرض تحقق إخفائه - عليه السلام - ذلك عن البقباق فهو فعل مجمل له
محامل، فلا يدل على انحراف الرجل (وثالثا) ما عن المجلسي - رحمه الله - من انه
لعل البقباق لا يحتمل هذا العلم وعبيد يحتمله، وذلك لا يقدح في عدالة البقباق، وعلى
كل حال فما في التحرير الطاووسي: من أن الصادق - عليه السلام - كان يتقيه واحتج
لذلك بهذا الخبر، كما ترى).
وأجاب أيضا عن الخبر الأول الذي رواه الكشي: من اعتراض البقباق
على أبي عبد الله - عليه السلام - بأنه (عاقب حريزا بأعظم من ذنبه، فلا يقدح
ذلك في عدالة البقباق لان أمثال ذلك بين الموالي والعبيد دائر سائر، غير مخل بمقام
العبودية والاخلاص، مغتفر مثله عند الموالي، كما هو ظاهر، فلا يتوجه عليه
حينئذ ما نوقش به فيه).
188

ومن هذا الحديث قال ابن طاووس: (ان الصادق - عليه السلام -
كان يتقيه) (1). وفي الطريق ضعف (2) ولو صح أمكن حمله على اختلاف
مراتب الايمان والتسليم. وربما اقتضت المصلحة اخفاء ذلك عن الفضل
لئلا يتدلى به في الاعتذار لحريز - والله اعلم -.

(1) راجع: ما ذكره الشيخ أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني
في التحرير الطاووسي الذي لا زالت نسخته مخطوطة، وقد ذكر ذلك في ترجمة
البقباق.
(2) لعل الضعف في الطريق من جهة عبد الله بن راشد، فإنه وان ذكره
الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق - عليه السلام - (ص 227)، برقم 77)
لكن حاله مجهول ولم يعرف كونه إماميا، ولم يوثقه أحد من أرباب المعاجم.
189

باب القاف
القاسم بن سلام
بتشديد اللام - يكنى: أبا عبيد (1) من المشاهير في الحديث والأدب
والغريب والفقه وصحة الرواية وسعة العلم. روى عن أبي زيد الأنصاري
والأصمعي وأبي عبيدة، وابن الأعرابي والكسائي والفراء، وغيرهم، ومات
في مكة سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين ومائتين. وقيل: غير ذلك.

(1) قال أبو الطيب اللغوي عنه: مصنف حسن التأليف إلا أنه قليل الرواية
يقتطع من اللغة علوما أفتن بها، وكتابه (الغريب المصنف) اعتمد فيه على كتاب
رجل من بني هاشم جمعه لنفسه، وأخذ كتب الأصمعي فبوب ما فيها وأضاف إليها
شيئا من علم أبي زيد وروايات عن الكوفيين، وكذا كتابه في غريب الحديث،
وغريب القرآن انتزعهما من غريب أبي عبيدة، وكان مع هذا ثقة ورعا لا بأس به
ولا نعلمه سمع من أبي زيد شيئا، وكان ناقص العلم الاعراب، وقال غيره: كان
أبو عبيد فاضلا في دينه وعلمه ربانيا مفتيا في القرآن والفقه والاخبار والعربية،
حسن الرواية، صحيح النقل، سمع منه يحيى بن معين وغيره، وله من التصانيف
الغريب المصنف، وغريب القرآن، وغريب الحديث، ومعاني القرآن، والمقصور
والممدود، والقراءات، والمذكر والمؤنث، والأمثال السائرة، وغير ذلك، مات
بمكة سنة 223 ه‍ أو سنة 224 ه‍، عن سبع وستين سنة، وقيل: سنة 230 ه‍،
وكا وكانت ولادته سنة 150 ه‍، وقيل سنة 154 ه‍، وقيل سنة 157 ه‍.
راجع في أخباره: بغية الوعاة للسيوطي، وتاريخ بغداد للخطيب، وفهرست
ابن النديم، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، ونزهة الألباء للأنباري، وطبقات
القراء للجزري، وطبقات الفقهاء للشيرازي، وطبقات الحنابلة للفراء، وشذرات
الذهب لابن العماد، وتذكرة الحفاظ للذهبي، والكامل في التاريخ لابن الأثير
الجزري، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، ومرآة الجنان لليافعي، وتهذيب
التهذيب لابن حجر العسقلاني، وميزان الاعتدال للذهبي، والمختصر من تاريخ
اللغويين للزبيدي، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي، ومفتاح السعادة لطاش
كبري، وطبقات الشافعية للسبكي، وغيرها من المعاجم والتواريخ.
190

القاسم بن موسى الكاظم - عليه السلام -
كان يحبه أبوه - عليه السلام - حبا شديدا، وأدخله في وصاياه
وفي باب الإشارة والنص على الرضا - عليه السلام - من (الكافي)
في حديث أبي عمارة يزيد بن سليط - الطويل - قال أبو إبراهيم - عليه
السلام -: (أخبرك يا أبا عمارة، إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني
فلان - يعني عليا الرضا - عليه السلام - وأشركت معه بني في الظاهر
وأوصيته في الباطن فأفردته - وحده - ولو كان الامر إلي لجعلته في القاسم
ابني لحبي إياه، ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث
يشاء. ولقد جاءني بخبره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال
وقال لي - عليه السلام -: ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك
منك، ولكن ذلك من الله عز وجل) (1).
(الكافي) (محمد بن يحيى عن موسى بن الحسن عن سليمان الجعفري

(1) راجع: أصول الكافي (ج 1 ص 314) طبع إيران طهران سنة 1381 ه‍
191

قال: رأيت أبا الحسن - عليه السلام - يقول لابنه القاسم: قم يا بني
فاقرأ عند رأس أخيك (والصافات صفا) حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ:
(أهم أشد خلقا أم من خلقنا) قضى الفتى، فلما سجي وخرجوا أقبل
عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت
يقرأ عنده (يس والقرآن الحكيم)، فصرت تأمرنا بالصافات، فقال
يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت - قط - الا عجل الله راحته) (1).
ونص السيد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة القاسم،
وقرنه بالعباس بن أمير المؤمنين - عليه السلام - وعلي بن الحسين المقتول
بالطف (2) وذكر لهم ولمن يجري مجراهم: زيارة يزارون بها، من أرادها
وقف عليها في كتاب (مصباح الزائر).
قال في البحار: (... والقاسم بن الكاظم - عليه السلام - الذي
ذكره السيد - رحمه الله - قبره قريب من الغري) (3).

(1) راجع: فروع الكافي - كتاب الجنائز - باب إذا عسر على الميت الموت
واشتد عليه النزع - (ج 3 ص 126) طبع إيران (طهران) سنة 1377 ه‍
(2) قال السيد الجليل السيد علي بن طاووس المتوفى سنة 664 ه‍، في مصباح
الزائر - في باب استحباب زيارة أولاد الأئمة - عليهم السلام -: (إذا أردت
زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم - عليه السلام - أو العباس بن أمير المؤمنين
- عليه السلام - أو علي بن الحسين - عليه السلام - المقتول بالطف ومن جرى في
الحكم مجراهم، تقف على قبر المزور منهم وتقول...) ثم أورد لفظ الزيارة.
(3) راجع البحار: (ج 22 ص 298) طبع كمباني طهران سنة 1308 ه‍، فإنه
قال: (قال السيد علي بن طاووس: إذا أردت زيارة أحد منهم (أي من أولاد
الأئمة غير المعصومين) كالقاسم بن الكاظم - عليه السلام - أو العباس بن أمير المؤمنين
- عليه السلام - أو علي بن الحسين - عليه السلام - المقتول بالطف، ومن جرى
في الحكم مجراهم فقف على قبر المزور منهم - صلوات الله عليهم - فقل) ثم
أورد ألفاظ الزيارة (ثم قال): (والقاسم بن الكاظم - عليه السلام - الذي ذكره
السيد (أي ابن طاووس) قبره قريب من الغري معروف).
وذكر العلامة الكبير الحجة السيد المهدي القزويني النجفي المتوفى سنة 1300 ه‍
في رسالته العملية (فلك النجاة) - ص 336 - طبع إيران سنة (1298) ه‍ في
الفصل السادس الذي خصصه لاستحباب زيارة قبور المشاهير المعروفين من أولاد
الأئمة غير المعصومين - قال: (... والقاسم بن الكاظم - عليه السلام - المدفون
في (سورا) المعروفة الآن بأرض نهر الجربوعية من أعمال الحلة السيفية)، قال
الحموي المتوفى سنة 626 ه‍ في معجم البلدان، بمادة (سورا): (سورا - بالقصر -
موضع بالعراق من أرض بابل، وهي مدينة السريانيين، وهي قريبة من الوقف
والحلة المزيدية) ومثله ما ذكره صفي الدين البغدادي المتوفى سنة 739 ه‍ في (مراصد
الاطلاع) الذي هو مختصر (معجم البلدان) والزبيدي في (تاج العروس شرح
القاموس) بمادة (سور).
أما ما ذكره الحموي في (المعجم) وتبعه صفي الدين في (المراصد) بمادة
(شوشة) من أنها (قرية بأرض بابل أسفل من حلة بني مزيد، بها قبر القاسم بن
موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وبالقرب منها قبر ذي الكفل - وهو حز قيل -
في بر ملاحة) ومثلهما ما ذكره الزبيدي في تاج العروس بمادة (شاش).
فيظهر أنهم أخطأوا في ذلك، فان الذي ذكره جمال الدين أحمد بن عنبة
الداودي النسابة المتوفى سنة 828 ه‍ في كتابه عمدة الطالب (ص 219) طبع النجف
الأشرف سنة 1358 ه‍، ما هذا نصه: (... والعقب من العباس بن موسى الكاظم
- عليه السلام - من القاسم المدفون بشوشى) ثم قال: (قال الشيخ رضي الدين حسن
ابن قتادة للحسين الرسي النسابة: سألت الشيخ جلال الدين عبد الحميد بن فخار
ابن معد الموسوي النسابة عن المشهد الذي بشوشى المعروف ب‍ (القاسم) فقال:
سألت والدي فخارا عنه، فقال: سألت السيد جلال الدين عبد الحميد التقي عنه
فقال: لا أعرفه، ولكنه مشهد شريف، وقد زرته، فقال والدي: وأنا أيضا
زرته ولا أعرفه، إلا أني بعد موت السيد عبد الحميد وقفت على مشجرة في النسب
قد حملها بعض بني كتيلة إلى السيد مجد الدين محمد ابن معية، وهي جمع المحسن
الرضوي النسابة وخطه، يذكر فيها: القاسم بن العباس بن موسى الكاظم - عليه
السلام - قبره بشوشى في سواد الكوفة، والقبر مشهور، وبالفضل مذكور)
وذكر ذلك أيضا سيدنا الحجة المهدي القزويني في (فلك النجاة) - ص 336 -
فإنه قال: (... والقاسم بن العباس بن الكاظم - عليه السلام - المدفون في شوشى
من قرى الكوفة مما يقرب من ذي الكفل).
ويعتبر هؤلاء النسابون العلويون أبصر بقبور السادة من غيرهم أمثال الحموي
وغيره، فان أهل البيت أدرى بقبور السادة العلويين من غيرهم، لا سيما إذا كان
غيرهم من المناوئين لأهل البيت - عليهم السلام - مثل الحموي المعروف بانحرافه
عن آل البيت - عليهم السلام -.
وقد وهم المعلق على الجزء ال‍ (48) من البحار - الطبع الجديد - (ص 283)
في أن قبر القاسم بن الكاظم - عليه السلام - بشوشى عند الهاشمية اعتمادا على ما ذكره
الحموي في المعجم، والبغدادي في مراصد الاطلاع، وقد بينا خطأهما.
أما ما ذكره المجلسي في البحار: - من أن قبر القاسم بن الكاظم - عليه السلام -
(قريب من الغري) - فالظاهر أن المراد به القرب المجازي النسبي لا الحقيقي، لأنه
كما عرفت أنه بسورا، وهي نسبيا بعيدة عن الغري، فلاحظ ذلك.
192

باب الميم
مالك بن التيهان: بن مالك، أبو الهيثم الأنصاري (1).

(1) ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج 3 ص 447) طبع بيروت سنة
1377 ه‍، وقال: (اسمه مالك بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، حليف لبني
عبد الأشهل، أجمع على ذلك موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر
ومحمد بن عمر (يعني الواقدي)، وخالفهم عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري
وذكر أن أبا الهيثم يعني من أوس أنفسهم، وأنه أبو الهيثم بن التيهان بن مالك بن عمرو
بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو - وهو النبيت - ابن مالك بن أوس، وأمه ليلى
بنت عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعواء بن جشم بن الحارث بن الخزرج
ابن عمرو - وهو النبيت - ابن مالك بن أوس). وذكر ابن الأثير الجزري في أسد
الغابة (ج 4 ص 274) في نسبه غير ذلك، وكذا ابن عبد البر في الاستيعاب في
باب الميم، وابن حجر العسقلاني في باب الكنى، فراجعهما.
ثم قال ابن سعد (ص 448) من الطبقات: (قال محمد بن عمر (أي
الواقدي) وكان أبو الهيثم يكره الأصنام في الجاهلية ويؤفف بها، ويقول بالتوحيد
هو وأسعد بن زرارة، وكانا من أول من أسلم من الأنصار بمكة، ويجعل في
الثمانية النفر الذين آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمكة من الأنصار
فأسلموا قبل قومهم. ويجعل أبو الهيثم أيضا في الستة النفر الذين يروى: أنهم
أول من لقي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأنصار بمكة فأسلموا
قبل قومهم وقدموا المدينة بذلك، وأفشوا بها الاسلام. قال محمد بن عمر (يعني
الواقدي): وأمر الستة أثبت الأقاويل عندنا. أنهم أول من لقي رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - من الأنصار فدعاهم إلى الاسلام فأسلموا. وقد شهد أبو الهيثم
العقبة مع السبعين من الأنصار، وهو أحد النقباء الاثني عشر. أجمعوا على ذلك
كلهم. وآخى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بين أبي الهيثم بن التيهان
وعثمان بن مظعون. وشهد أبو الهيثم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر خارصا، فخرص عليهم التمرة
وذلك بعد ما قتل عبد الله بن رواحة بمؤتة... فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه أبو بكر
فأبى، فقال: قد خرصت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إني كنت إذا خرصت لرسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجعت دعا الله لي، قال فتركه).
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين - الذي هو من الأصول القديمة
المعتمدة - (قال: أقبل أبو الهيثم بن التيهان - وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
- بدريا تقيا عفيفا - يسوي صفوف أهل العراق ويقول: يا معشر أهل العراق إنه
ليس بينكم وبين الفتح في العاجل، والجنة في الآجل إلا ساعة من النهار، فأرسوا
أقدامكم، وسووا صفوفكم، وأعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا بالله إلهكم
وجاهدوا عدو الله وعدوكم، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم، واصبروا فان الأرض
لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
195

من كبار الصحابة، شهد بدرا (1) والعقبة الثانية، والثالثة (2) وهو

(1) وكانت واقعة بدر يوم الجمعة (17) شهر رمضان سنة 2 من الهجرة
(2) راجع: أسد الغابة للجزري (ج 4 ص 274) والاستيعاب لابن
عبد البر، والإصابة لابن حجر، وراجع أيضا تعليقتنا في (ج 1 ص 465)
و (ج 2 - ص 138 - ص 139) من هذا الكتاب.
196

من السابقين الراجعين إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - وممن شهد له بحديث
الغدير (1) وهو أحد الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر (2) وروي:
أن رسول الله - عليه السلام - أعطاه خادما لما أضافه، وقال له: استوص
به معروفا فإنه يصلي. فأعتقه أبو الهيثم. فقال رسول الله - صلى الله
عليه وآله وسلم -: (إن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا وله بطانتان، بطانة
تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا يألونه خبالا، ومن يوثق
بطانة السوء فقد وقي).
استشهد أبو الهيثم - رضي الله عنه - مع أمير المؤمنين - عليه السلام.
يوم صفين وقيل: مات سنة عشرين. وقيل: بعد الانصراف من قتال

(1) وذلك في رحبة الكوفة حينما قدم إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) واستشهد
الجمع على ذلك أيام خلافته: (راجع: تعليقتنا في ج 2 ص 321 - 323 في
الحديث عن خالد الأنصاري).
(2) وهم ستة من المهاجرين وستة من الأنصار. وقد ذكر الطبرسي في
(احتجاجه ص 103) طبع النجف الأشرف والسيد علي خان في (الدرجات الرفيعة
ص 321 صورة احتجاجه بقوله (... ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: أنا أشهد
على نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أقام عليا - يعني في يوم غدير خم - فقالت الأنصار: ما اقامه
للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه الا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله مولاه
فسألوه عن ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): قولوا لهم: علي ولي المؤمنين بعدي، وأنصح الناس
لامتي، وقد شهدت بما حضرني، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إن يوم الفصل
كان ميقاتا).
وذكر صورة الاحتجاج البرقي في (رجاله ص 66) طبع طهران دانشگاه بعبارات
ومضامين أخرى ومثله الصدوق في خصاله ج 2 ص 228) طبع إيران سنة 1377 ه‍
ولقد ذكر الكشي في (رجاله: ص 40) طبع النجف الأشرف في ترجمة
أبي أيوب الأنصاري - الجماعة الذين كانوا من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين
- عليه السلام - وعد منهم: أبا الهيثم بن التيهان. وعده منهم - أيضا - الفضل بن
شاذان برواية صاحب الدرجات الرفيعة ص 321 عنه.
197

أهل الشام. والأول أشهر (1).

(1) قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب - باب الكنى (اختلف في وقت
وفاته: فذكر خليفة عن الأصمعي قال: سألت قومه فقالوا: مات في حياة رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا لم يتابع عليه قائله، وقيل: إنه توفي
سنة 20 ه‍، أو سنة 21 ه‍، وقيل: إنه أدرك صفين وشهدها مع علي - عليه السلام - وهو الأكثر
وقيل: إنه قتل بها، حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال:
حدثنا الدولابي، قال: حدثنا أبو بكر الوجيهي، عن أبيه، عن صالح بن الوجيه
قال: وممن قتل بصفين عمار، وأبو الهيثم بن التيهان، وعبد الله بن بديل، وجماعة
من البدريين - رحمهم الله - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا
عثمان بن أحمد بن السماك، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق أبو عقيل، قال: قال
أبو نعيم: أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك، والتيهان اسمه عمرو بن الحارث، أصيب أبو الهيثم
مع علي - رضي الله عنهما - يوم صفين، هذا قول أبي نعيم وغيره).
وذكر هذه الروايات عن الاستيعاب ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج
البلاغة (ج 10 ص 539) طبع مصر سنة 1329 ه‍، في شرح خطبه الإمام علي
أمير المؤمنين - عليه السلام - التي يحرضهم فيها على الجهاد مع معاوية في صفين،
والتي يقول فيها:... (ماضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين أن لا يكونوا
اليوم أحياء يسيغون الغصص، ويشربون الرنق؟ قد - والله - لقوا الله فوفاهم
أجورهم وأحلهم دار الامن بعد خوفهم، أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا
على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم
الذين تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة...)
وابن أبي الحديد بعد أن ذكر هذه الخطبة وذكر الروايات في تاريخ وفاته
عن ابن عبد البر في الاستيعاب قال: (... قلت. وهذه الرواية (أي رواية قتل
عمار يوم صفين) أصح من قول ابن قتيبة في كتاب (المعارف): (وذكر قوم
أن أبا الهيثم شهد صفين مع علي - عليه السلام - ولا يعرف ذلك أهل العلم ولا يثبتونه)
فان تعصب ابن قتيبة معلوم، وكيف يقول: لا يعرفه أهل العلم وقد قاله أبو نعيم
وقاله صالح بن الوجيه، ورواه ابن عبد البر، وهؤلاء شيوخ المحدثين).
وما ذكره ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفى سنة 276 ه‍ من كلامه
المذكور في المعارف (ص 270) سنة 1960 م، أخذه من كلام أبي عبد الله محمد
ابن عمر الواقدي صاحب المغازي المتوفى سنة 207 ه‍، فقد ذكر ابن سعد في
الطبقات الكبرى (ج 3 ص 448) طبع بيروت: (حدثنا محمد بن عمر (يعني
الواقدي) قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال: سمعت شيوخ
أهل الدار - يعني بني عبد الأشهل - يقولون: مات أبو الهيثم سنة عشرين بالمدينة
قال محمد بن عمر (يعني الواقدي): وهذا أثبت عندنا ممن روى: أن أبا الهيثم
شهد صفين مع علي بن أبي طالب وقتل يومئذ، ولم أر أحدا من أهل العلم قبلنا
يعرف ذلك ولا يثبته، والله أعلم).
وخطبة الامام أمير المؤمنين علي - عليه السلام - التي ذكرها ابن أبي الحديد
في شرحه لنهج البلاغة والتي ذكرنا شطرا منها - آنفا - تكذبهما، فلاحظ.
198

محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم الجعفي الكوفي
المعروف ب‍ (أبي الفضل الصابوني) والمشهور بين الفقهاء ب‍ (صاحب
الفاخر) و (الجعفي) - على الاطلاق - من قدماء أصحابنا وأعلام فقهائنا
من أصحاب كتب الفتوى، ومن كبار الطبقة السابعة ممن أدرك الغيبتين:
الصغرى، والكبرى (1) عالم، فاضل، فقيه، عارف، بالسير والاخبار

(1) الغيبة الصغرى للامام الحجة المهدي بن الحسن - عليهما السلام - كانت
من يوم وفاة أبيه الإمام الحسن بن علي العسكري - عليهما السلام - المصادفة
- على الأشهر - لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة 260 ه‍، وكان عمر الإمام الحجة
المهدي - عليه السلام - يوم وفاة أبيه خمس سنين لأنه ولد - على أشهر الأقوال -
يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255 ه‍ كما نص على ذلك الشيخ الطوسي في (كتاب
الغيبة) وغيره، وكان وكيله عثمان بن سعيد العمري، فلما مات عثمان بن سعيد
أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين
ابن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري - رضي الله
عنهم - ولما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: (لله أمر هو بالغه)
فالغيبة الكبرى هي التي وقعت بعد وفاة السمري في النصف من شعبان سنة 329 ه‍
فلا يعلم مدتها إلا الله سبحانه، فتكون مدة غيبته الصغرى تسعا وستين إلا شهرا
راجع في ذلك الكتب المؤلفة في غيبة الامام - عليه السلام - وهي كثيرة: منها إكمال
الدين وإتمام النعمة للصدوق بن بابويه، وغيبة النعماني، وغيبة الشيخ الطوسي،
والمجلد الثالث عشر من بحار الأنوار للمجلسي، وكلها مطبوعة.
199

والنجوم، له كتب: منها - كتاب الفاخر المذكور، وهو كتاب كبير
يشتمل على الأصول والفروع والخطب وغيرها. وكتاب تفسير معاني القرآن
وكتاب المحبر، وكتاب التحبير.
ذكره الشيخ، والسروي في باب الكني (1) والنجاشي في الأسماء (2)
والعلامة وابن داود في القسم الأول من كتابيهما (3)، وفي رجال (النجاشي

(1) راجع: فهرست الشيخ الطوسي باب الكنى (ص 192 برقم 877)
طبع النجف الأشرف سنة 1356 ه‍، ومعالم العلماء للسروي المازندراني (ص 135)
طبع النجف الأشرف. (2) راجع: رجال النجاشي (ص 289) طبع إيران.
(3) راجع: رجال العلامة - الخلاصة - (ص 160، برقم 147)، ورجال
ابن داود (ص 291) برقم 1263، طبع دانشكاه طهران.
200

والخلاصة): (أنه كان زيديا ثم عاد الينا، وسكن مصر، وكانت له
منزلة بها) (1).
وحكى عنه ابن إدريس بعض أقواله في (السرائر) قال - في آخر
أبواب القضاء -: (وقال بعض أصحابنا - وهو صاحب كتاب الفاخر -:
ومن دبر عبدا لا مال له غيره وعليه دين، فدبره في صحته ومات، فلا
سبيل للديان عليه، وان كان دبره في مرضه، بيع العبد في الدين، فان
لم يحط الدين بثمن العبد، استسعى في قضاء دين مواليه، وهو حر إذا
تممه - قال -: وقد قلنا ما عندنا في ذلك، وهو أنه لا تدبير إلا بعد قضاء
الدين سواء دبره وعليه دين أو لم يكن عليه دين، وسواء دبره في حال
مرضه أو صحته) (2).
ونقل في (فصل المزار) عند المفيد - رحمه الله - (3) -: (...
ان علي بن الحسين - عليه السلام - المقتول بالطف هو علي الأصغر،

(1) راجع: رجال النجاشي (ص 289) والخلاصة للعلامة (ص 160)
وتوجد هذه العبارة أو مضمونها في رجال ابن داود وغيره من عامة كتب الرجال.
(2) أنظر: السرائر لابن إدريس الحلي، آخر باب النوادر في القضاء
والاحكام من كتاب القضاء، طبع إيران سنة 1270 ه‍.
(3) الذي نقله ابن إدريس في السرائر في باب الزيارات من كتاب الحج
هكذا: (... وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الارشاد إلى أن المقتول بالطف هو
علي الأصغر، وهو ابن الثقفية، وأن علي الأكبر هو زين العابدين، أمه أم ولد،
وهي شاه زنان بنت كسرى يزدجرد (قال محمد بن إدريس): والأولى الرجوع
إلى أهل هذه الصناعة، وهم النسابون وأصحاب السير والاخبار والتواريخ مثل
الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش، وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين
والبلاذري، والمزني صاحب كتاب اللباب أخبار الخلفاء، والعمري النسابة حقق
ذلك في كتاب المجدي فإنه قال: وزعم من لا بصيرة له أن عليا الأصغر هو
المقتول بالطف، وهذا خطأ ووهم، وإلى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر
والمواعظ، وابن قتيبة في المعارف، وابن جرير الطبري - المحقق لهذا الشأن - وابن
أبي الأزهر في تاريخه، وأبو حنيفة الدينوري في الاخبار الطوال، وصاحب كتاب
(الفاخر) مصنف من أصحابنا الامامية، ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست
المصنفين، وأبو علي بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم،
وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحققين، وهؤلاء جميعا أطبقوا على هذا القول،
وهم أبصر بهذا النوع...).
وانظر ما ذكره الشيخ المفيد - رحمه الله - في الارشاد - باب ذكر ولد الحسين
ابن علي - عليهما السلام -.
201

وأن عليا الأكبر هو زين العابدين - عليه السلام - ثم قال -: والأولى
الرجوع في ذلك إلى أهل هذه الصناعة، وهم النسابون، وأصحاب السير
والاخبار والتواريخ. وذكر جماعة صرحوا بأنه علي الأكبر، وعد منهم
صاحب كتاب الفاخر - قال -: وهو مصنف من أصحابنا الامامية، ذكره
شيخنا أبو جعفر في (فهرست المصنفين)...)
وقال السيد الجليل ابن طاووس - رحمه الله - في كتاب النجوم.
(... ان جماعة من علمائنا كانوا عارفين بهذا العلم، منهم - محمد بن
أحمد بن سليم الجعفي، مصنف كتاب الفاخر) (1).
وقد ذكر المتأخرون من فقهائنا أقوال هذا الشيخ - رحمه الله - في
أبواب الفروع. وعني بذلك شيخنا الشيخ السعيد - طاب ثراه - (2).

(1) راجع: فرج المهموم في علم النجوم للسيد علي بن طاووس الحسي الحلي
المتوفى سنة 664 ه‍، (ص 144) طبع النجف الأشرف سنة 1368 ه‍
(2) فإنه نقل كثيرا من أقوال أبي الفضل الصابوني في (غاية المراد نكت
الارشاد) في موارد عديدة، وكذا في باقي مصنفاته الفقهية، فراجعها.
وترجم لابي الفضل الصابوني - هذا - الميرزا عبد الله أفندي في (رياض العلماء)
الذي لا يزال مخطوطا، فقال: (أبو الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان (أو سليم)
الجعفي الكوفي، ثم المصري الصابوني، المعروف بالجعفي، وتارة بالصابوني،
وأخرى بأبي الفضل الصابوني، والكل عبارة عن شخص واحد...) الخ
ويروي كل من النجاشي في رجاله، والشيخ الطوسي في الفهرست عن أبي
الفضل الصابوني بواسطتين كما عرفت من سيدنا - قدس سره - في الأصل، ويروي
عنه بلا واسطة جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى سنة 368 ه‍ وجملة ممن في طبقته.
كما أن ابن قولويه يروي عنه عن موسى بن الحسين بن موسى كتاب جعفر
ابن يحيى بن العلاء، كما ذكره النجاشي في ترجمة أبي محمد جعفر بن يحيى بن العلاء
ابن خالد الرازي الثقة، فراجعه.
202

ومنه عرفت فتاواه ومذاهبه، وهو أحد القائلين بالمواسعة في قضاء الصلاة
اليومية من أصحاب المتقدمين كما هو المشهور بين المتأخرين، وله أقوال
مخالفة للمشهور، كالقول بالتفصيل في البئر، والفرق فيها بين القليل
والكثير، وتحديد الكثرة بالذراعين في الابعاد الثلاثة، والاجتزاء بالشهادة
الواحدة في التشهد الأول، وبالتسليم الأول من التسليم الواجب، وغير ذلك.
وعدة كتب (الفاخر) سبعة وستون كتابا، هي: كتاب التوحيد
والايمان، كتاب مبتدأ الخلق، كتاب الطهارة، كتاب فرض الصلاة،
كتاب صلاة التطوع، كتاب صلاة الجمعة، كتاب صلاة المسافر، كتاب
صلاة الخوف، كتاب صلاة الكسوف، كتاب صلاة الاستسقاء، كتاب
صلاة الغدير، كتاب صلاة الجنائز، كتاب الزكاة، كتاب الصيام،
كتاب الاعتكاف، كتاب الحج، كتاب المعايش، كتاب البيوع، كتاب
عهدة الرقيق، كتاب أم الولد، كتاب المدبر، كتاب المكاتب، كتاب
203

العتق، كتاب الرهن، كتاب الشركة، كتاب الشفعة، كتاب المضاربة
كتاب الإجارات، كتاب الغصب، كتاب الضيافة، كتاب الاقطاعات
كتاب الحوالة، كتاب العطايا والضمان، كتاب اللقطة والضالة، كتاب
الوديعة، كتاب الصلح، كتاب الذريعة، كتاب العمرى والسكنى، كتاب
الهبة والنحلة، كتاب الايمان والنذور، كتاب الشروط، كتاب الحبس،
كتاب النكاح، كتاب المواريث، كتاب الوصايا، كتاب الايلاء، كتاب
المطلقات، كتاب المتعة، كتاب نفي الولد، كتاب النشوز، كتاب اللعان
كتاب الطلاق، كتاب العدد، كتاب الديات، كتاب المحاربة، كتاب
الجهاد، كتاب الحدود، كتاب قسمة الغنائم، كتاب السبق والرمي،
كتاب الجزية، كتاب القضاء والشهادات، كتاب الضحايا، كتاب الصيد
والذبائح، كتاب الأغذية، كتاب الأشربة، كتاب الخطب، كتاب
تعبير الرؤيا
قال النجاشي - بعد ذكر هذه الكتب -: (أخبرنا أحمد بن علي
ابن نوح عن جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ببعض
كتبه) (1).
وقال الشيخ في (الفهرست): (... أخبرنا أحمد بن عبدون عن
أبي علي كرامة بن أحمد بن كرامة البزاز وأبي محمد الحسن بن محمد
الخيزراني المعروف ب‍ (ابن أبي العساف المغافري) عن أبي الفضل الصابوني
بجميع رواياته) (2).
واختلف في اسم جده الأعلى أبي إبراهيم: ففي رجال النجاشي،

(1) رجال النجاشي: ص 290 طبع إيران.
(2) الفهرست للشيخ الطوسي باب من عرف بكنيته: ص 192 برقم 877
طبع النجف الأشرف سنة 1356 ه‍.
204

وكتاب النجوم: أنه سليم - كما تقدم - (1) وفي (الخلاصة ورجال ابن
داود): سليمان (2) واختلف ما عندنا من نسخ (الفهرست): ففي
نسخة: (واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان) (3) وفي أخرى
(ابن سليم) وفي ثالثة: ترك الاسم بالكلية. وكأنها الأصح، فإنه عقد
الباب فيمن عرف بكنيته، ولم يقف له على الاسم.
محمد بن أحمد بن الجنيد.
أبو على الكاتب (4) الإسكافي، من أعيان الطائفة، وأعاظم الفرقة

(1) راجع - رجال النجاشي -: ص 289 طبع إيران، ومن كتاب النجوم
ص 144، طبع النجف الأشرف.
(2) راجع - من رجال العلامة الخلاصة -: ص 160 برقم 147 طبع النجف
الأشرف. ومن رجال أبي داود: ص 291 برقم 1263 طبع طهران دانشگاه.
(3) وهي النسخة المطبوعة في النجف الأشرف المطبعة الحيدرية. سنة 1356 ه‍
وسنة 1380 ه‍
(4) ذكر ابن الجنيد - هذا - سيدنا الإمام الحجة السيد الحسن الصدر الكاظمي
- رحمه الله - في كتاب (تأسيس الشيعة: ص 302) طبع بغداد قال: (ابن
الجنيد شيخنا الأقدم، وفقيهنا الأعظم، محمد بن أحمد بن الجنيد، أبو علي الكاتب
الإسكافي، كتب في الفروع الفقهية، وعقد لها الأبواب، وقسم فيها المسائل،
وجمع بين النظائر، واستوفى ذلك غاية الاستيفاء، وذكر الفروع التي ذكرها الناس
(يعني فقهاء السنة) وذكر بعدها ما يقتضيه مذهب الإمامية بعد أن ذكر أصول
جميع المسائل، وإذا كانت المسألة أو الفرع ظاهرا اقتنع فيه بمجرد ذكر الفتيا،
وان كانت المسألة أو الفرع غريبا أو مشكلا أومأ إلى تعليلها ووجه دليلها، وإذا
كانت المسألة أو الفرع مما فيه أقوال العلماء ذكرها وبين عللها، والصحيح منها
والأصح، والقوي، والأقوى، والظاهر، والأظهر، والأشبه، ونبه على جهة دليلها)
ثم ذكر سيدنا الصدر بعض مؤلفاته، ثم قال: (كان في عصر الشيخ أبي جعفر محمد
ابن يعقوب الكليني إمام المحدثين من أهل القرن الثالث، ومعاصر أيضا للشيخ علي
ابن بابويه والد الشيخ الصدوق، وللمولى أبي القاسم الحسين بن روح السفير الثالث
وروى عن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني أيام استقامته، وروى عنه أبو محمد
هارون بن موسى التلعكبري وطبقته) وذكره أيضا (ص 312) وذكر من مؤلفاته
كشف التمويه والالتباس في إبطال القياس.
وترجم له صاحب روضات الجنات (ص 560 - 563) ترجمة مفصلة،
كما ترجم له الاسترآبادي في (منهج المقال: ص 278)، والشيخ أبو علي الحائري
في (منتهى المقال: ص 256)، وشيخنا الحجة المامقاني في تنقيح المقال (ج 2
ص 67) وغير هؤلاء من أرباب المعاجم الرجالية.
وذكر سيدنا - قدس سره - ابن الجنيد في الفائدة السادسة والعشرين من
فوائد التي سيأتي ذكرها في آخر الجزء الرابع من هذا الكتاب، فإنه - بعد أن نقل
كلام النجاشي في رجاله من (أنه كان يقول بالقياس، وأخبرونا جميعا بالإجازة
لهم بجميع كتبه ومصنفاته) - قال: (وهذه الصفة إن كانت للمدح لا للتخصيص
دلت على توثيق جميع شيوخه، وإلا فهم منها توثيق المشاهير منهم، فتدبر).
205

وأفاضل قدماء الامامية، وأكثرهم علما وفقها وأدبا، وأكثرهم تصنيفا
وأحسنهم تحريرا، وأدقهم نظرا، متكلم فقيه، محدث، أديب، واسع
العلم، صنف في الفقه والكلام والأصول والأدب والكتابة وغيرها، تبلغ
مصنفاته - عدا أجوبة مسائله - نحوا من خمسين كتابا: منها - كتاب
تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة: كتاب كبير نحو من عشرين مجلدا،
يشتمل على جميع كتب الفقه، وعدة كتبه تزيد على مائة وثلاثين كتابا.
وكتاب المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي، مختصر كتاب التهذيب، وهو
الذي وصل إلى المتأخرين، ومنه انتشرت مذاهبه وأقواله. وكتاب النصرة
206

لاحكام العترة وكتاب مناسك الحج. وكتاب مفرد في النكاح، وكتاب الحاسم
للشنعة في نكاح المتعة وكتاب مشكلات المواريث، وكتاب الانتصاف من ذوي
الانحراف من مذاهب الاشراف في مواريث الاخلاف، وكتاب فرض المسح على
الرجلين وكتاب الارتياع في تحريم الفقاع وكتاب تبصرة العارف ونقد الزائف،
وكتاب الشهب المحرقة للأباليس المسترقة، وكتاب خلاص المبتدئين من حيرة
المجادلين وكتاب نور اليقين وبصيرة العارفين، وكتاب التحرير والتقرير، وكتاب
كشف الاسرار، وكتاب الاستيقان، وكتاب حدائق القدس وكتاب تنبيه
الساهي بالعلم الإلهي، وكتاب التراقي إلى أعلى المراقي، وكتاب نثر طوبى
وكتاب سبيل الصلاح لأهل النجاح، وكتاب الاسفار في الرد على المؤبدة
وكتاب نقض نقض الزجاجي النيسابوري على الفضل بن شاذان، وكتاب
الظلامة لفاطمة - عليها السلام - وكتاب إزالة الران عن قلوب الاخوان
وكتاب إيضاح خطأ من شنع على الشيعة في أمر القرآن، وكتاب استخراج
المراد من مختلف الخطاب، وكتاب الافهام لأصول الاحكام، وكتاب
الايناس بأئمة الناس، وكتاب كشف التمويه والالباس على أغمار الشيعة
في أمر القياس، وكتاب إظهار ما ستره أهل العناد من الرواية عن العترة
في أمر الاجتهاد، وكتاب اللطيف، وكتاب علم النجابة في علم الكتابة،
وكتاب تفسيح العرب في لغاتها وإشارتها إلى مرادها، وغير ذلك من كتبه
ورسائله.
وله في أجوبة المسائل: المسائل المصرية، وأجوبة مسائل معز الدولة
من آل بويه، وأجوبة مسائل سبكتكين الأعجمي، وغيرها.
وهذا الشيخ - على جلالته في الطائفة ورياسته وعظم محله - قد حكي
القول عنه بالقياس (1) ونقل ذلك عنه جماعة من أعاظم الأصحاب. ومع

(1) عرف القياس بأنه إثبات حكم في محل بعلة لثبوته في محل آخر بتلك
العلة. فأركانه أربعة: مقيس ومقيس عليه، وجامع - وهو العلة - والحكم
والقياس على أنواع: منه منصوص العلة، وهو ما كانت علة الحكم منصوصة في
دليل المقيس عليه. ومنه قياس الأولوية وهو قياس الأقوى غير المنصوص على
الأضعف المنصوص. ومنه المناط القطعي كقياس المجتهد حكم واقعة على أخرى
مع قطعه باتحاد مناطيهما.
وهذه الأنواع الثلاثة معتبرة عندنا. وأما سوى ذلك من الأقيسة الناتجة عن
التخرصات الظنية والعمل بالرأي فهي ممنوعة عندنا إجماعا، (راجع: تفصيل
الموضوع. في هامش ص 144 من الجزء الأول من كتاب تلخيص الشافي).
207

ذلك فقد أثنى عليه علماؤنا، وبالغوا في اطرائه ومدحه وثنائه.
واختلفوا في كتبه: فمنهم - من أسقطها، ومنهم - من اعتبرها.
ونحن ننقل ما وقفنا عليه من كلامهم، ثم نتبعه بما عندنا في ذلك:
قال الشيخ في (الفهرست): (محمد بن أحمد بن الجنيد، يكنى
أبا علي، كان جيد التصنيف حسنه، إلا أنه كان يرى القول بالقياس
فتركت لذلك كتبه ولم يعول عليها، وله كتب كثيرة - أخبرنا عنه الشيخ
أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان وأحمد بن عبدون) (1).
وقال المفيد في (المسائل السروية): (... فأما كتب أبي علي بن
الجنيد، فقد حشاها بأحكام عمل فيها على الظن، واستعمل فيها مذهب
المخالفين في القياس الرذل، فخلط بين المنقول عن الأئمة - عليهم السلام -
وبين ما قاله برأيه) - ثم قال في الفصل الذي يلي هذا الكلام -: (...
وأجبت عن المسائل التي كان ابن الجنيد جمعها وكتبها إلى أهل مصر،
ولقبها ب‍ (المسائل المصرية) وجعل الأخبار فيها أبوابا، وظن أنها مختلفة

(1) راجع: الفهرست: ص 134 برقم 590 طبع النجف الأشرف
سنة 1356 ه‍.
208

في معانيها، ونسب ذلك إلى قول الأئمة (عليهم السلام) فيها بالرأي، وأبطلت ما ظنه
في ذلك وتخليه، وجمعت بين جميع معانيها حتى لم يحصل فيها اختلاف) (1)
وقال النجاشي: بعد ذكره (... وجه في أصحابنا، ثقة جليل
القدر، وصنف فأكثر) - وذكر تصانيفه ثم قال - (وقد سمعت
شيوخنا الثقات يقولون عنه: إنه كان يقول بالقياس، وأخبرونا جميعا
بالإجازة لهم بجميع كتبه ومصنفاته، وسمعت بعض شيوخنا يذكر أنه كان
عنده مال للصاحب - عليه السلام - وسيف، وأنه كان أوصى به إلى
جاريته، فهلك ذلك) (2).
وقال العلامة في (الخلاصة): (... كان شيخ الامامية، جيد
التصنيف حسنه، وجه في أصحابنا، ثقة، جليل القدر، صنف فأكثر،
قيل: إنه كان عنده مال للصاحب - عليه السلام - وسيف وأنه أوصى
به إلى جاريته، فهلك ذلك، وقد ذكرت خلافه (3) في كتبي) - ثم
حكى عن الشيخ ما تقدم من كلامه من أنه كان يرى القول بالقياس وأنه
لذلك تركت كتبه (4).
وفي (الإيضاح): (... وجه في أصحابنا، ثقة، جليل القدر

(1) راجع: المسألة الثامنة من المسائل السروية والجواب عنها (ص 55 -
ص 58) طبع النجف الأشرف سنة 1369 ه‍.
(2) راجع: رجال النجاشي: ص 299 - 302 طبع إيران. والملاحظ أن
الفقرة الأولى من الكلام ذكرت في آخر الترجمة والفقرة الثانية ذكرت في الأول.
(3) أي أقواله وآراءه المخالفة لأقوال الأصحاب في الفقه، وقد ذكر العلامة
- رحمة الله - في عبارته الآتية في كتاب (إيضاح الاشتباه) انه ذكر خلافه وأقواله
في كتاب مختلف الشيعة في أحكام الشريعة.
(4) راجع: خلاصة الأقوال للعلامة (ص 145) برقم 35).
209

صنف فأكثر، كان عنده مال للصاحب - عليه السلام - وسيف، وأوصى
به إلى جاريته فهلك، له كتب منها - تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة،
وجدت بخط السعيد صفي الدين محمد بن معد ما صورته: وقع إلي من
هذا الكتاب مجلد واحد، وقد ذهب من أوله أوراق، تصفحته ولمحت
مضمونه فلم أر لأحد من الطائفة كتابا أجود منه ولا أبلغ ولا أحسن
عبارة ولا أدق معنى، وقد استوفى فيه الفروع والأصول، وذكر الخلاف
في المسائل، واستدل بطريق الامامية وطريق مخالفيهم، وهذا الكتاب إذا
أنعم النظر فيه وحصلت معانيه وأديم الإطالة فيه، علم قدره وموقعه وحصل
به نفع كثير لا يحصل من غيره (وكتب محمد بن معد الموسوي).
قال العلامة: وأقول وقع إلي من كتب هذا الشيخ المعظم الشأن:
كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي وهو كتاب جيد يدل على فضل هذا
الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره - قال -:
وأنا ذكرت خلافه وأقواله: في كتاب مختلف الشيعة في أحكام الشرعية) (1)
وقد سبق العلامة - رحمه الله - في ذلك شيخه المحقق - رحمه الله -
فإنه أكثر النقل عن ابن الجنيد، وعده في مقدمات (المعتبر) ممن اختار
النقل عنهم من الأفاضل المعروفين بنقد الاخبار وصحة الاختيار وجودة
الاعتبار من أصحاب كتب الفتاوى (2) وكذا الشيخ الفاضل ابن إدريس
فإنه كثيرا ما يحكي في (السرائر) أقول ابن الجنيد ومذاهبه. فمن ذلك

(1) انظر: كتاب إيضاح الاشتباه للعلامة - رحمه الله - (ص 88 - 89)
طبع إيران سنة 1319 ه‍.
(2) راجع - ذلك - في مقدمة المعتبر الفصل الرابع في السبب المقتضي
للاقتصار على ما ذكرناه من فضلائنا، فقد أدرج المترجم له في طليعة أصحاب
الفتيا من فطاحل العلماء القدماء.
210

ما نقله عنه: من سقوط الزكاة عن غلات الأطفال والمجانين، واختاره
- قال -: (وقد ذهب إلى ذلك أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب
الإسكافي في كتابه: (المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي) وهذا الرجل
جليل القدر كبير المنزلة، صنف فأكثر) (1). ومنه ما ذكره في مسألة
جواز التفاضل في الحنطة والشعير وعدم تحقق الربا فيهما لاختلاف الجنس
فإنه حكى ذلك عن أجلة أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا المصنفين
- ثم قال -: (وأبو علي بن الجنيد من كبار فقهاء أصحابنا ذكر المسألة
وحققها وأوضحها في كتابه: (الأحمدي في الفقه المحمدي)...) ونقل كلامه
في ذلك (2).
وممن يحكي قول ابن الجنيد، ويعتبر ما في الاجماع والنزاع من القدماء
السيد الأجل المرتضى، فإنه قد أكثر النقل عنه والاعتذار عن مخالفته في
بعض المسائل، كمسألة سقوط الشفعة مع التعدد، وقبول شهادة العبد إذا
كان عدلا، وجواز حكم الحاكم بعلمه، فإنه قد ادعى الاجماع في هذه
المسائل، ثم سأل نفسه، فقال: كيف تستجيزون ادعاء الاجماع من
الامامية - وابن الجنيد من أصحابنا يخالف في ذلك -؟ وأجاب: تارة -
بأن اجماع الامامية قد تقدم ابن الجنيد وتأخر عنه، وأخرى - بشذوذ
المخالف ومعروفية نسبه، فلا يقدح في الاجماع (3).

(1) انظر: السرائر باب حقيقة الزكاة وما يجب فيه وبيان شروطها، من
كتاب الزكاة طبع إيران سنة 1270 ه‍.
(2) راجع: السرائر كتاب البيوع - باب الربا واحكامه وما يصح فيه
ومالا يصح. (3) راجع في ذلك: ما ذكره السيد المرتضى
- رحمه الله - في المسألة الرابعة من (المسائل الموصليات الرابعة) - مخطوط - وما ذكره
في كتاب (الانتصار) في كتاب الشفعة، المسألة الثانية ص 120، وما ذكره
في كتاب القضاء والشهادات - المسألة الأولى (ص 130) - وما ذكره في
كتاب القضاء أيضا - المسألة الرابعة (ص 135) طبع إيران سنة 1315 ه‍ وانظر
أيضا: الفصل ال‍ (26) من المسألة الأولى من المسائل الصاغانية للشيخ المفيد
(مخطوط).
211

وهذا كلام معتن بأقوال ابن الجنيد، متحرز عن مخالفتها، وعن
دعوى الاجماع على خلافها. وناهيك به من السيد - قدس سره - مع
ما علم من مذهبه في أخبار الآحاد، فضلا عن القياس.
وأما المتأخرون من أصحابنا كالشهيدين والسيوري وابن فهد والصيمري
والمحقق الكركي وغيرهم، فقد أطبقوا على اعتبار أقوال هذا الشيخ
والاستناد إليها في الخلاف والوفاق، حتى أن الشهيد الثاني في (المسالك)
- في مسألة حرمان الزوجة - أورد على السيد المرتضى بأن الأوفق بمذهبه
القول بعدم الحرمان مطلقا - كما ذهب إليه ابن الجنيد - قال -: (والنظر
إلى أن ابن الجنيد بمعلومية نسبه لا يقدح بالاجماع، معارض بمثله في الجانب
الآخر، فإنه لا يعلم موافق للمرتضى فيما ذهب إليه من الاحتساب بالقيمة
فضلا عن مماثل لابن الجنيد العزيز المثل في المتقدمين بالتحقيق والتدقيق،
يعرف ذلك من اطلع على كلامه) (1).
وقد وقع لغيره من المدح والاطراء عليه ومنع الاجماع مع مخالفته:
نحو ذلك، ولم أقف على من توقف في رعاية أقوال هذا الشيخ من المتأخرين
إلا صاحب (كشف الرموز) تلميذ المحقق، فإنه قال: (... وأخللت

(1) أنظر في (المسالك) شرح اللمعة - كتاب الفرائض في ميراث الزوجة
وما تحرم منه من رقبة الأرض واختلاف الفقهاء فيه (ج 2) طبع إيران، فإنه
ذكر فيه الجملة المذكورة بنصها.
212

بذكر ابن الجنيد إلا نادرا) (1) معتذرا بما سبق نقله عن الشيخ من
ترك كتبه لقوله بالقياس.
ويتجه - هنا - سؤال، وهو: إن المنع من القياس من ضروريات
مذهب الإمامية ومما تواترت به الروايات عن الأئمة - عليهم السلام - (2)
فيكون المخالف في ذلك خارجا عن المذهب فلا يعتد بقوله، بل لا يصح
توثيقه، إلا أن يراد: إنه ثقة في مذهبه - كما يقال ذلك في مثل الفطحية
والواقفية والمخالفين من العامة -
وأعظم من ذلك: ما حكاه المفيد - رحمه الله - عنه من نسبة الأئمة (عليهم السلام) إلى
القول بالرأي، (3) فإنه رأي سئ وقول شنيع، وكيف يجتمع ذلك مع القول بعصمة الأئمة - عليهم السلام - وعدم تجويز الخطأ عليهم - على ما هو المعلوم
من المذهب - وهذا القول - وإن لم يشتهر عنه إلا أن قوله بالقياس معروف
مشهور قد حكاه المفيد - رحمه الله - (4) - والشيخ السروي

(1) راجع في ذلك: المقدمة الثالثة من المقدمات الثلاث التي ذكرها الحسن
ابن أبي طالب اليوسفي الآبي في أول كتاب (كشف الرموز) المخطوط.
(2) وقد عرف ذلك عن علمائهم منذ القرن الثالث الهجري حتى اليوم،
محتجين - أولا - بالعمومات المانعة لمطلق العمل بالظن من آيات وروايات - وثانيا -
بروايات خاصة بموضوع القياس والعمل بالرأي، من قبل النبي وأهل بيته الأطهار
- عليهم السلام - حتى أن كتب الصحاح والاخبار اكتضت بذكر الاخبار المانعة.
راجع - في تفصيل ذلك - هامش (ج 1 ص 115 - ص 118) من تلخيص الشافي
طبع النجف الأشرف.
(3) أنظر: المسائل السروية - المسألة الثامنة - (ص 58) طبع النجف
الأشرف سنة 1369 ه‍. (4) أنظر: المسائل السروية - المسألة الثامنة - (ص 56
- ص 57) طبع النجف الأشرف، وفي المسائل الصاغانية - مخطوط - وفي
كتاب الانتصار المطبوع وغيرها من مؤلفاته.
213

في (معالمه) (1) ونقله النجاشي - رحمه الله - عن شيوخه الثقات (2) وقد يلوح
ذلك - أيضا - من كلام السيد المرتضى عند نقل أقواله، والجواب عنها، ويشير إليه
وضع كتابه الذي سماه (كشف التمويه والالباس على إغمار الشيعة في أمر
القياس) وكذا كتابه الآخر المسمى باظهار ما ستره أهل العناد من الرواية
عن العترة في أمر الاجتهاد، وقد ذكر النجاشي هذين الكتابين في جملة كتب
ابن الجنيد ومصنفاته (3) وذكر في ترجمة المفيد: أن له كتاب الرد على ابن
الجنيد في اجتهاد الرأي (4).
ولولا أن الناقلين لذلك عنه مثل هؤلاء الفقهاء العارفين، لكان الأمثل
يحال هذا الشيخ الجليل حمل القياس الذي ذهب إليه على أحسن محامله،
كقياس الأولوية، ومنصوص العلة، والتعدية عن مورد النص بدليل قطعي
وهو المعروف عند المتأخرين بتنقيح المناط، فان هذه كلها تشبه القياس،
وليست من القياس الممنوع.
ولكن مثل ذلك لا يشتبه على الشيخ والمفيد - رحمهما الله - وغيرها
من الفقهاء، ولا يحتاج إلى الرد والنقض.
على أن هذا التكلف لا يجري في مقالته الأخرى التي نسبها إليه المفيد
والظاهر أنه قد زلت لهذا الشيخ المعظم قدم في هذا الموضع، ودعاه
اختلاف الأخبار الواردة عن الأئمة - عليهم السلام - إلى القول بهذه المقالة الردية

(1) انظر: معالم العلماء لابن شهرآشوب ص 57 طبع النجف الأشرف.
(2) أنظر: رجال النجاشي (ص 302) طبع إيران.
(3) أنظر: رجال النجاشي (ص 301) طبع إيران.
(4) أنظر: رجال النجاشي (ص 315) في ترجمة المفيد محمد بن محمد بن
النعمان العكبري.
214

والوجه في الجمع بين ذلك وبين ما نراه - من اتفاق الأصحاب على
جلالته وموالاته وعدم قطع العصمة بينهم وبينه -: حمله على الشبهة المحتملة
في ذلك الوقت لعدم بلوغ الامر فيه إلى حد الضرورة، فان المسائل قد
تختلف وضوحا وخفاء باختلاف الأزمنة والأوقات، فكم من أمر جلي
ظاهر عند القدماء قد اعتراه الخفاء في زماننا لبعد العهد وضياع الأدلة.
وكم من شئ خفي في ذلك الزمان قد اكتسى ثوب الوضوح والجلاء باجتماع
الأدلة المنتشرة في الصدر الأول، أو تجدد الاجماع عليه في الزمان المتأخر
ولعل أمر القياس من هذا القبيل، فقد ذكر السيد المرتضى في مسألة له
في أخبار الآحاد: (أنه قد كان في رواتنا ونقلة أحاديثنا من يقول
بالقياس، كالفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمان، وجماعة معروفين) (1)
وفي كلام الصدوق - رحمه الله - في (الفقيه) ما يشير إلى ذلك حيث
قال - في باب ميراث الأبوين مع ولد الولد -: (وقال الفضل بن شاذان

(1) المسألة المذكورة في اخبار الآحاد لا تزال مخطوطة، وتوجد في بعض
مكتبات النجف الأشرف، ضمن مجموعة من رسائل السيد المرتضى.
أما الفضل بن شاذان فقد ترجم له النجاشي (ص 235)، طبع إيران،
فقال: (الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدي النيشابوري، كان أبوه
من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني - عليه السلام - وكان ثقة، أحد
أصحابنا الفقهاء والمتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من
أن نصفه، وذكر الكشي أنه صنف مائة وثمانين كتابا) ثم ذكر النجاشي بعض
كتبه التي وقعت إليه وهي ثمانية وأربعون كتابا، وذكر أنه رواها عن أبي العباس
ابن نوح، عن أحمد بن جعفر، عن أحمد بن إدريس بن أحمد، عن علي بن أحمد
ابن قتيبة النيشابوري، عنه.
وترجم له - أيضا - الشيخ الطوسي في الفهرست (ص 124) طبع
النجف الأشرف سنة 1356 ه‍، وقال: (فقيه، متكلم جليل القدر، له كتب،
ثم عد له واحدا وثلاثين كتابا، ثم قال: (وله غير ذلك مصنفات كثيرة لم تعرف
أسماؤها) ثم قال: (وذكر ابن النديم أن له على مذهب العامة كتبا كثيرة، منها
كتاب التفسير، وكتاب القراءة، وكتاب السنن في الفقه، وأن لابنه العباس كتبا)
ثم قال: (وأظن أن هذا الذي ذكره (أي ابن النديم) الفضل بن شاذان الرازي
الذي تروي عنه العامة) ثم ذكر سنده في رواية كتبه عن شيخه أبي عبد الله المفيد
بسنده، عنه. وذكره - أيضا - في رجاله في باب أصحاب الهادي - عليه السلام - (ص
420)، برقم (1) مقتصرا على قوله: (الفضل بن شاذان النيشابوري، يكنى أبا
محمد)، وفي باب أصحاب العسكري - عليه السلام - (ص 434)، برقم (2)
بمثل ذلك.
وترجم له العلامة الحلي - رحمه الله - في الخلاصة (ص 132) طبع النجف
الأشرف، وقال: (ترحم عليه أبو محمد العسكري - عليه السلام - مرتين،
وروي: ثلاثا ولاء... وهذا الشيخ أجل من أن يغمز عليه، فإنه رئيس طائفتنا
- رضي الله عنه -).
وذكر مثله ابن داود الحلي - رحمه الله - في رجاله (ص 272 برقم 1179)
طبع دانشكاه طهران.
وأورد له الكشي في رجاله (ص 451 برقم 416) طبع النجف الأشرف
روايات عديدة في مدحه، منها ما رواه عن (محمد بن الحسين بن محمد الهروي،
عن حامد بن محمد الأزدي البوشنجي، عن الملقب بفورا من أهل البوزجان من
نيشابور، أن أبا محمد الفضل بن شاذان - رحمه الله - كان وجهه إلى العراق
إلى حيث به أبو محمد الحسن بن علي - عليهما السلام - فذكر أنه دخل على أبي محمد
- عليه السلام - فلما أراد أن يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في ردائه
فتناوله أبو محمد - عليه السلام - ونظر فيه - وكان الكتاب من تصنيف الفضل
بن شاذان - وترحم عليه، وذكر أنه قال: أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن
شاذان وكونه بين أظهرهم) ثم قال الكشي (ص 455): (قال أبو علي - يعني
أحمد بن يعقوب البيهقي -: والفضل بن شاذان كان برستاق بيهق فورد خبر
الخوارج فهرب منهم فأصابه التعب من خشونة السفر فاعتل منه ومات فيه، فصليت
عليه، وكان ذلك سنة 260 ه‍). ثم قال: (والفضل بن شاذان - رحمه الله -
كان يروي عن جماعة، منهم محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، والحسن بن
محبوب، والحسن بن علي بن فضال، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمد بن الحسن
الواسطي، ومحمد ابن سنان، وإسماعيل بن سهل، وعن أبيه شاذان بن الخليل، وأبى داود
المسترق، وعمار بن المبارك، وعثمان بن عيسى، وفضالة بن أيوب، وعلي بن الحكم
وإبراهيم بن عاصم، وأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، والقاسم بن عروة،
وابن أبي نجران).
وذكر المولى الأردبيلي جماعة أخرى ممن يروي عنهم الفضل بن شاذان،
وذكر أن في كتابي التهذيب والاستبصار وكتاب من لا يحضره الفقيه روايات وقع
في طريقها، أنظر (ج 2 ص 5) من جامع الرواة طبع إيران.
وأما يونس بن عبد الرحمن - الذي ذكر سيدنا في الأصل نقلا عن السيد
المرتضى في مسألة في أخبار الآحاد أنه يقول بالقياس - فهو أبو محمد مولى علي بن
يقطين، ذكره الشيخ الطوسي في كتاب رجاله تارة من أصحاب الكاظم - عليه
السلام - (ص 364، برقم 11) وقال: (ضعفه القميون، وهو ثقة) وأخرى من
أصحاب الرضا - عليه السلام - (ص 394، برقم 2) وقال: (مولى علي بن يقطين
طعن عليه القميون، وهو عندي ثقة)، وترجم له في (الفهرست) أيضا (ص
181) برقم (789) وقال: (مولى آل يقطين، له كتب كثيرة أكثر من
ثلاثين كتابا، وقيل: إنها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة) ثم ذكر بعضا
منها، وروايته لها بسنده عنه.
وترجم له النجاشي في رجاله (ص 348) طبع إيران، فقال: (مولى علي
ابن يقطين بن موسى، مولى بني أسد، أبو محمد، كان وجها في أصحابنا، متقدما
عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام بن عبد الملك، ورأى جعفر بن محمد - عليه السلام -
بين الصفا والمروة، ولم يرو عنه، وروى عن أبي الحسن موسى - عليه السلام -
والرضا - عليه السلام - وكان الرضا يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممن بذل له على
الوقف مال جزيل وامتنع من أخذه وثبت على الحق) ثم نقل عن (كتاب مصابيح
النور) للشيخ المفيد - رحمه الله - بسنده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري
أنه قال: عرضت علي أبي محمد صاحب العسكر - عليه السلام - كتاب يوم
وليلة ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت: تصنيف يونس آل يقطين فقال
أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة، ومدائح يونس كثيرة ليس هذا موضعها
وإنما ذكرنا هذا حتى لا نخليه من بعض حقوقه - رحمه الله -، وكانت له تصانيف
كثيرة) ثم ذكر بعضا منها، وذكر طريقه إلى روايتها.
وذكر مثله العلامة الحلي في (خلاصة الأقوال) في القسم الأول (ص 184
برقم (1) طبع النجف الأشرف، وزاد قوله: (مات يونس بن عبد الرحمان
سنة 208) ه‍.
وترجم له ابن النديم في الفهرست (ص 321) طبع مصر الأخيرة في
الفن الخامس من المقالة السادسة فقال: (يونس بن عبد الرحمن من أصحاب
موسى بن جعفر - عليه السلام - من موالي آل يقطين، علامة زمانه، كثير التصنيف
والتأليف على مذاهب الشيعة)) ثم عد جملة يسيرة من كتبه.
وذكر الكشي في رجاله (ص 409) طبع النجف الأشرف: روايات
عديدة في مدحه (منها) أن الرضا - عليه السلام - ضمن له الجنة ثلاث مرات
(ومنها) أن أبا جعفر - عليه السلام - ضمن له الجنة على نفسه وآبائه - عليهم السلام -
(ومنها) أنه يقول: (وجدت بخط محمد بن شاذان بن نعيم في كتابه: سمعت
أبا محمد القماص الحسن بن علوية الثقة يقول: سمعت الفضل بن شاذان يقول:
حج يونس بن عبد الرحمن أربعا وخمسين حجة، واعتمر أربعا وخمسين عمرة
والف الف جلد ردا على المخالفين، ويقال: انتهى علم الأئمة - عليهم السلام -
إلى أربعة نفر، أولهم سلمان الفارسي، والثاني جابر، والثالث السيد، والرابع يونس
ابن عبد الرحمن (ومنها) قول الرضا - عليه السلام - (... يونس في زمانه
كسلمان في زمانه).
وترجم له المولى الأردبيلي في جامع الرواة (ص 356) وقال: وقع في
طرق روايات الكافي والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وذكر
جماعة كثيرة يروي عنهم يونس، فراجعه.
215

بخلاف قولنا في هذه المسألة... وهذا مما زلت به قدمه عن الطريقة المستقيمة
وهذا سبيل من يقيس) (1).
ومن هذا يعلم: أن القول بالقياس مما لم ينفرد به ابن الجنيد من
علمائنا وأن له فيه سلفا من الفضلاء الأعيان كيونس بن عبد الرحمان،
والفضل بن شاذان، وغيرهم فلا يمكن عد بطلانه من ضروريات المذهب
في تلك الأزمان.
وأما إسناد القول بالرأي إلى الأئمة - عليهم السلام - فلا يمتنع
أن يكون كذلك في العصر المتقدم، وقد حكى جدي العلامة - قدس
219

سره - (1) في كتاب الايمان والكفر عن الشهيد الثاني - طاب ثراه -: أنه
احتمل الاكتفاء في الايمان بالتصديق بامامة الأئمة - عليهم السلام -
والاعتقاد بفرض طاعتهم، وإن خلا عن التصديق بالعصمة عن الخطأ.
وادعى: أن ذلك هو الذي يظهر من جل رواتهم وشيعتهم، فإنهم
كانوا يعتقدون أنهم - عليهم السلام - علماء أبرار، افترض الله طاعتهم،
مع عدم اعتقادهم العصمة فيهم، وأنهم (عليهم السلام) مع ذلك كانوا يحكمون
بإيمانهم وعدالتهم - قال -: (وفي كتاب أبي عمرو الكشي جملة من ذلك)
وكلامه - رحمه الله - وإن كان مطلقا، لكن يجب تنزيله على تلك
الاعصار التي يحتمل فيها ذاك دون ما بعدها من الأزمنة، فان الامر قد
بلغ فيها حد الضرورة قطعا.
ومما يدل على ما قلناه - من قيام الشبهة التي يعذر بها ابن الجنيد في
هذه المقالة: - مضافا إلى اتفاق الأصحاب على عدم خروجه بها من المذهب
وإطباقهم على جلالته وتوثيقهم وتصريحهم بتوثيقه وعدالته -: أن هذا
الشيخ كان في أيام (معز الدولة من آل بويه) وزير الطائع من الخلفاء
العباسية (2) وكان (المعز) إماميا عالما، وكان أمر الشيعة في أيامه ظاهرا

(1) كتاب الايمان والكفر المسمى (تحفة الغري) - مخطوط - للعلامة الحجة
السيد محمد ابن السيد عبد الكريم الطباطبائي البروجردي، الذي هو جد سيدنا
بحر العلوم - طاب ثراه - الأدنى لأبيه، وقد تقدمت له ترجمة في مقدمة (ج 1
ص 12) من هذا الكتاب.
(2) هو عبد الكريم أبو بكر الطائع لامر الله. بويع له بالخلافة سنة (363 ه‍)
وفي أيامه قويت شوكة آل بويه، ووصل عضد الدولة إلى بغداد، وانتشر حكم
البويهيين، ثم قبض البويهيون على الطائع في سنة احدى وثمانين وثلثمائة، وبويع بعده
للقادر. (عن تاريخ الفخري للطقطقي).
220

معلنا، حتى أنه قد كان ألزم أهل بغداد بالنوح والبكاء وإقامة المآتم على
الحسين - عليه السلام - يوم عاشوراء في السكك والأسواق، وبالتهنئة
والسرور - يوم الغدير والخروج إلى الصحراء لصلاة العيد. ثم بلغ
الامر في آخر أيامه إلى ما هو أعظم من ذلك. فكيف يتصور من ابن
الجنيد - في مثل ذلك الوقت - أن ينكر ضروريات من ضروريات المذهب
ويصنف في ذلك كتابا يبطل فيه ما هو معلوم عند جميع الشيعة ولا يكتفي
بذلك حتى يسمي من خالفه فيه (أغمارا وجهالا). ومع ذلك فسلطانهم
- مع علمه وفضله - يسأله ويكاتبه ويعظمه؟ ولولا قيام الشبهة والعذر
في مثله لامتنع مثله بحسب العادة.
وأيضا: فقد ذكر اليافعي وغيره: أن معز الدولة أحمد بن بويه توفي سنة
ست وخمسين وثلاث مائة (1) فيكون بينه وبين وفاة أبي الحسن علي بن محمد
السمري - آخر السفراء - نحو من سبع وعشرين سنة، لأنه قد توفي
- رحمه الله - سنة تسع وعشرين وثلاث مائة، وهذا يقتضي أن يكون ابن الجنيد
من رجال الغيبة الصغرى معاصرا للسفراء.
بل ما ذكره النجاشي والعلامة من أمر السيف والمال قد يشعر بكونه
وكيلا، ولم يرد فيه - مع ذلك - من الناحية المقدسة ذم ولا قدح، ولا
صدر من السفراء عليه اعتراض ولا طعن.
فظهر: أن خطأه في أمر القياس وغيره في ذلك الوقت كان كالخطأ
في مسائل الفروع التي يعذر فيها المخطئ، ولا يخرج به عن المذهب.
ومما ذكرنا يعلم: أن الصواب اعتبار أقوال ابن الجنيد ومذاهبه في
تحقيق الوفاق والخلاف، كما عليه معظم الأصحاب، وأن ما ذهب إليه
من أمر القياس ونحوه، لا يقتضي اسقاط كتبه، ولا عدم التعويل عليها

(1) راجع: مرآة الجنان لليافعي طبع حيدر آباد دكن في وفيات سنة 356 ه‍
221

- على ما قاله الشيخ رحمه الله - (1) فان اختلاف الفقهاء في مباني الاحكام
لا يوجب عدم الاعتداد بأقوالهم، لأنهم - قديما وحديثا - كانوا مختلفين
في الأصول التي تبتني عليها الفروع، كاختلافهم في خبر الواحد،
والاستصحاب، والمفاهيم، وغيرها من مسائل أصول الفقه، حتى لا نجد اثنين
منهم متوافقين في جميع مسائل الأصول، ومع ذلك، فقد اتفقوا على اعتبار
الأقوال والمذاهب المبتنية على الأصول التي أبطلوها وخالفوا فيها، ولو
كان الخلاف في أصول الفقه موجبا لترك الكتب المبتنية عليها من الفروع
لزم سقوط اعتبار جميع الكتب وعدم التعويل على شئ منها، وفساده
بين. إلا أن يكون القياس - عندهم - مع معذورية القائل به خصوصية
تقتضي عدم التعويل، ولا نجد له وجها، مع وجود الشبهة وقيام العذر
ولا يبعد أن يكون الوجه فيما قاله الشيخ ومن وافقه على ذلك حسم هذا
الأصل الردي واستصلاح أمر الشيعة حتى لا يقع في مثله أحد منهم، وهذا
مقصد حسن يوشك أن يكون هو المنشأ والسبب في هذا المطلب.
قيل: توفي ابن الجنيد بالري (*) سنة إحدى وثمانين وثلثمائة. وعلى
هذا، فتكون وفاته ووفاة الصدوق - معا - في (الري) في سنة واحدة
والظاهر وقوع الوهم في هذا التأريخ من تأريخ الصدوق، وان وفاة ابن
الجنيد قبل ذلك (2).

(1) راجع: (ص 134، برقم 590) من فهرس الشيخ الطوسي، طبع
النجف الأشرف.
* حكاه الأردبيلي في رجاله، وكذا الشيخ عبد اللطيف في كتابه.
(منه - قدس سره -).
(2) ولكن سيدنا - طاب ثراه - لم يذكر لنا وجه استظهار وقوع الوهم في
هذا التاريخ، ولعله لما ذكره - آنفا - من أنه كان معاصرا لمعز الدولة أحمد بن بويه
المولود سنة 303 المتوفى سنة 356 هج‍، وأنه كان من رجال الغيبة الصغرى
لصاحب الزمان (عليه السلام) وأدرك آخر السفراء الأربعة، وهو أبو الحسن علي بن محمد
السمري المتوفى سنة 329 هج‍ وابن الجنيد كان في أيام معز الدولة بن بويه عالما
مصنفا وصاحب رأي في القياس، ومعاصرا للكليني، فيبعد أن يكون عاش إلى
سنة 381 هج‍ وقد نسب وفاته في هذه السنة الشيخ عبد اللطيف بن أبي جامع العاملي
في رجاله، والمولى الأردبيلي في جامع الرواة، إلى قائل مجهول، فلاحظ.
222

وفي (السرائر): (وانما قيل له: الإسكاف، لأنه منسوب إلى
(إسكاف) وهي مدينة النهروانات، وبنو الجنيد مقتدوها - قديما - من
أيام كسرى، وحين ملك المسلمون العراق في أيام عمر بن الخطاب،
فأقرهم عمر على تقدم المواضع، والجنيد: هو الذي عمل الشاذروان على
النهروانات في أيام كسرى، وبقيته - إلى اليوم - مشاهدة موجودة، والمدينة
يقال لها: إسكاف بني الجنيد) (1) وهذا يقتضي أن يكون بين ابن الجنيد
وجده وسائط متعددة.
وفي (القاموس): (الإسكاف: موضعان: أعلى، وأسفل بنواحي
النهروان من أعمال بغداد، نسب إليها جماعة علماء).
وقال السمعاني: (في كتاب الأنساب - (الإسكاف - بكسر الهمزة
وسكون السين المهملة والفاء بعد الألف -: من يعمل الخفاف والشمشكات
والمشهور بذلك جماعة منهم - سعد بن طريف الإسكاف من أهل الكوفة،
يروي عن الأصبغ بن نباتة) (2) والإسكافي بالضبط الأول (نسبة إلى

(1) راجع كتاب السرائر لابن إدريس الحلي - باب حقيقة الزكاة وما يجب
فيه وبيان شروطها - من كتاب الزكاة، طبع إيران.
(2) إلى هنا ينتهي ما ذكره السمعاني في كتاب الأنصاب (ج 1 ص 233)
طبع حيدر آباد دكن سنة 1382 هج‍، بمادة (الإسكاف) وقد اختصره سيدنا
- قدس سره -.
223

الإسكاف، وهي ناحية ببغداد على صوب النهروان من سواد العراق.
والمشهور بالانتساب إليها جماعة، منهم - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن
مالك الإسكافي، وأبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي أحد المتكلمين
من معتزلة بغداد، تنسب إليها الاسكافية، وهم طائفة من المعتزلة.
وأبو إسحاق محمد بن عبد المؤمن بن أحمد، كان خطيب أسكاف بني
الجنيد) (1) - قال -: (وكان أبو عبد الله الجنيد الإسكاف يتكلم بكلام
الجنيد بن محمد البغدادي - كثيرا - فلقب به، ومن أولاده - الذي يقال له
(الجنيدي) -: محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي الجنيدي من أهل إصبهان
يروي عن أبي عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي، كتبت عنه أحاديث يسيرة
وكان صحيح السماع والأصول، وقدم علينا ب‍ (سمرقند) سنة ستين وثلثمائة
رسولا لوالي خراسان منصور بن نوح إلى الترك، وقتل في بلاد الترك
في تلك السنة) (2).
ومن الغريب موافقة ابن الجنيد للجنيدي المذكور في الاسم والنسب
والنسبة والطبقة، حتى كاد يذهب الوهم إلى أنه هو هو، وابن الجنيد
يقال له: الجنيدي أيضا. فقد ذكر النجاشي - في ترجمة - المفيد -: (أن

(1) وإلى هنا ينتهي ما اختصره سيدنا - قدس سرة - مما ذكره السمعاني
بمادة (الإسكافي) (ج 1 ص 234).
(2) وإلى هنا ينتهي ما اختصره سيدنا - قدس سره - مما ذكره السمعاني
بمادة ((الجنيدي) (ج 3 ص 359) وهو كلام أبي سعد الإدريسي الحافظ
المذكور في صدر الكلام (ص 358) نقله عنه السمعاني إلى آخره، وليس من
كلام السمعاني - نفسه - لأنه جاء فيه جملة: (وقدم علينا بسمرقند سنة 360 هج‍)
والسمعاني ولد سنة 506 هج‍، وتوفى سنة 562 هج‍، باتفاق أرباب المعاجم
الرجالية.
224

له رسالة الجنيدي إلى أهل مصر) (1) والظاهر: أنها الرسالة التي عملها في النقض
على ابن الجنيد في رسالته إلى أهل مصر - كما أشار إليه في المسائل
السروية - (2).
محمد بن الحسن الشيرواني الشهير ب‍ (ملا ميرزا) (3)

(1) راجع: رجال النجاشي - بترجمة محمد بن محمد بن النعمان المفيد -
(ص 315) طبع إيران، فإنه يذكر اسم الكتاب هكذا: (النقض على ابن الجنيد
في اجتهاد الرأي).
(2) راجع المسألة الثامنة من المسائل السروية: ص 58 طبع النجف الأشرف
(3) الملا ميرزا الشيرواني، هو صاحب الحاشية على المعالم الأصولية للشيخ
حسن ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني - رحمه الله - المطبوعة بعض حواشيه في
هامش (المعالم) المطبوع، وتوجد نسخة حواشيه مخطوطة مستقلة كثيرة الوجود
ترجم له المولى محمد علي الأردبيلي الحائري في جامع الرواة (ج 2 ص 92)
طبع إيران، فقال: (... العلامة المحقق المدقق الرضي الزكي الفاضل الكامل،
المتبحر في العلوم كلها، دقيق الفطنة، كثير الحفظ، وأمره في جلالة قدره، وعظم
شأنه، وسمو رتبته، وتبحره، وكثرة حفظه، ودقة نصره، وإصابة رأيه وحدسه
أشهر من أن يذكر، وفوق ما تحوم حوله العبارة، له تصانيف جيدة) ثم عدها
وفيها ما لم يذكره سيدنا - قدس سره - في الأصل، ثم قال: (توفي - رحمه الله
تعالى - في شهر رمضان سنة 1098 هج‍، رضي الله عنه وأرضاه).
وترجم له أيضا الخوانساري في (روضات الجنات ص 643) طبع إيران
فقال ما ملخصه: (المولى ميرزا محمد بن الحسن الشرواني الساكن بأصبهان صاحب
حاشيتي أصول المعالم - بالعربية والفارسية - كان من أفاضل أواخر دولة السلاطين
الصفوية، ماهرا في الأصولين، والمنطق والطبيعي والفقه والحديث وغيرها،
واحدا في قوة الجدل والمناظرة، وله مصنفات جمة) ثم ذكر مصنفاته الكثيرة،
وفيها ما لم يذكره سيدنا - قدس سره - في الأصل، ثم قال: (وذكر صاحب
(رياض العلماء) - والمقصود الميرزا عبد الله أفندي التبريزي -: أن الشاة سليمان
الصفوي - أنار الله برهانه - لما طلبه من النجف الأشرف إلى بلدة إصفهان وتوطن
بها غير فواتح جملة من مصنفاه وجعلها باسم السلطان المذكور، وكان صاحب
الرياض يعبر عنه بأستاذنا العلامة) ثم قال صاحب الروضات: (وقال في صفته
الشيخ الفاضل الصفي الحسن بن العباس البلاغي النجفي في كتابه الموسوم بتنقيح
المقال في توضيح الرجال: شيخي وأستاذي ومن عليه في علمي الأصول والفروع
استنادي، أفضل المتأخرين، وأكمل المتبحرين، بل آية الله في العالمين، قدوة
المحققين، وسلطان الحكماء والمتكلمين - إلى أن قال - وأمره في الثقة والجلالة أكثر
من أن يذكر، وفوق أن تحوم حوله العبارة، لم أجد أحدا يوازيه في الفضل وشدة
الحفظ ونقاية الكلام، فلعمري إنه وحيد عصره، وفريد دهره، له تلاميذ فضلاء
أجلاء علماء، وله تصانيف حسنة نقية جيدة لم ير عين الزمان مثلها)، ثم قال صاحب
روضات الجنات: (إنه كان صهرا للعلامة المجلسي الأول على ابنته ورزق منها
ولده الفاضل المشتهر بالمولى حيدر علي ابن المولى ميرزا الذي هو أحد الاصهار
للمجلسي الثاني على ابنته، ومن جملة تلامذة المولى ميرزا المذكور، المولى محمد أكمل
الأصفهاني والد الوحيد البهبهاني محمد باقر، ومنهم الأمير محمد صالح الحسيني
الخواتون آبادي الذي هو ختن العلامة المجلسي الثاني صاحب البحار، وهو (أي
المولى ميرزا الشرواني) يروي عن مولانا المجلسي الأول، وتوفي في سنة وفاة المحقق
الخوانساري الآقا حسين وهي سنة 1099 ه‍، ونقل إلى المشهد الرضوي، ودفن
هناك في سرداب المدرسة المعروفة بمدرسة ميرزا جعفر، وشروان: بكسر الشين
المعجمة وسكون الراء من غير توسط ياء بينهما، ومن نطقها بالياء فكأنه اشتباه منه
بشيروان، بفتح الراء على وزن إيروان، وهي - كما في القاموس - قرية ببخارا)
عرفت أن صاحب روضات الجنات أرخ وفاته سنة 1099 ه‍، ولكن المشهور
أنه توفي زوال يوم الجمعة (29) شهر رمضان سنة 1098 ه‍، وسنه يوم وفاته
(65) سنة، بعد أن لازمه المرض مدة سنة ونصف.
225

له كتب ورسائل: شرح الشرائع في بحث القضاء وصلاة الجماعة،
يبلغ عشرة آلاف بيت، حواشي متفرقة على المسالك، رسالة في غسل
الميت والصلاة عليه، أيضا في الحبرة العبرية، أيضا في الحبوة، أيضا في
الصيد والذباحة، أيضا في أن الحية لها نفس سائلة أم لا، مسألة أيضا
في الشك والسهو كبيرة وصغيرة، مسألة في الزكاة، جوابات المسائل، حل
عبارات مشكلة من القواعد، منها - كل من عليه طهارة واجبة ينوي
الوجوب، ومنها - لو اشترى عبدا بجارية، ومنها - لو كان الترك من
طهارتين في يومين، مسألة في وجه الوجوب، رسالة في جيش أسامة،
حسنة، رسالة في العصمة من سورة هل أتى، حل الحديث المشهور:
(ستة أشياء ليس للعباد فيها أمر) حل حديث: (من كمه أعمى) رسالة
في البداء فارسية، رسالة في النبوة والإمامة فارسية، رسالة في الاحباط
والتكفير، رسالة في اختلاف الأذهان في النظري والضروري، رسالة في
كائنات الجو، كتبها للشاه عباس، رسالة في صدق كلام الله، حاشية
المعالم - عربية وفارسية - حاشية شرح المختصر، حاشية شرح المطالع، حاشية
على الحاشية القديمة، حاشية على الخفري، أيضا حاشية أخرى على الخفري
حاشية إثبات الواجب، حاشية حكمة العين، حاشية الاستلزام،
مسألة في الاختيار، رسالة أنموذج العلوم، ورسالة في الهندسة سبعة عشر
شكلا، رسالة في سالبة المعدول.
محمد بن الحسن بن علي الطوسي: أبو جعفر شيخ الطائفة المحققة (1)

(1) تقدمت منا ترجمة ضافية لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي في هامش
(ص 245 - 247 ج 1) من هذا الكتاب ولقد كتبت رسائل وكتب مستقلة
في هذه الشخصية الفذة، بالإضافة إلى ذكرها في عامة كتب الفريقين، واستوعب
سيدنا - قدس سره - أطراف الموضوع، فلا حاجة إلى الإطالة، ولزيادة الاطلاع
راجع: مقدمة (تفسير التبيان) بقلم الامام الطهراني، ومقدمة رجال الشيخ الطوسي
وكتاب الأمالي - بقلم السيد محمد صادق بحر العلوم، ومقدمة (تلخيص الشافي)
بقلم السيد حسين بحر العلوم.
227

ورافع أعلام الشريعة الحقة، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين، وعماد
الشيعة الإمامية في كل ما يتعلق بالمذهب والدين، محقق الأصول والفروع
ومهذب فنون المعقول والمسموع، شيخ الطائفة على الاطلاق، ورئيسها
الذي تلوى إليه الأعناق.
صنف في جميع علوم الاسلام، وكان القدوة في كل ذلك والامام:
أما التفسير، فله فيه: كتاب التبيان الجامع لعلوم القرآن (1) وهو
كتاب جليل كبير، عديم النظير في التفاسير، وشيخنا الطبرسي - إمام
التفسير في كتبه - إليه يزدلف ومن بحره يغترف، وفى صدر كتابه الكبير
بذلك يعترف. وقد قال فيه: (... إنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء
الحق، ويلوح منه رواء الصدق، قد تضمن من المعاني الاسرار
البديعة، واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة، ولم يقنع بتدوينها دون تبيينها
ولا بتنميقها دون تحقيقها، وهو القدرة أستضئ بأنواره، وأطأ مواقع

(1) طبع الكتاب - أولا - في إيران في مجلدين كبيرين بالقطع الحجري
الكبير، وطبع - أخيرا - في النجف الأشرف سنة 1376 ه‍ بعشرة مجلدات بالقطع
المتوسط باخراج وتحقيق متقنين. وقدم له مقدمة ضافية من حيث الكتاب والمؤلف
شيخنا المحقق الامام الطهراني - دام ظله -.
228

آثاره) (1) والشيخ المحقق المدقق محمد بن إدريس العجلي - مع كثرة
وقائعه مع الشيخ في أكثر كتبه يقف عند تبيانه، ويعترف بعظم شأن هذا
الكتاب واستحكام بنيانه (2).
وأما الحديث، فإليه تشد الرحال، وبه تبلغ رجاله غاية الآمال،
وله فيه من الكتب الأربعة التي هي أعظم كتب الحديث منزلة، وأكثرها
منفعة: كتاب التهذيب، وكتاب الاستبصار (3) ولهما المزية الظاهرة باستقصاء
ما يتعلق بالفروع من الاخبار، خصوصا: التهذيب، فإنه كان للفقيه فيما
يبتغيه من روايات الاحكام مغنيا عما سواه في الغالب، ولا يغني عنه غيره
في هذا المرام. مضافا إلى ما اشتمل عليه الكتابان من الفقه والاستدلال
والتنبيه على الأصول والرجال، والتوفيق بين الاخبار، والجمع بينها يشاهد
النقل أو الاعتبار.
وأما الفقه، فهو خريت هذه الصناعة، والملقى إليه زمام الانقياد
والطاعة. وكل من تأخر عنه من الفقهاء الأعيان، فقد تفقه على كتبه

(1) راجع: أوائل مقدمة كتاب (مجمع البيان في تفسير القرآن) للشيخ
الطبرسي - قدس سره -.
(2) راجع: كتاب السرائر - عند ذكره الكتاب التبيان، والاستدلال بما
قاله الشيخ الطوسي فيه، فإنك تجده معترفا بعظم شأن هذا الكتاب وباستحكام
بنيانه، حتى أن الشيخ محمد بن إدريس - نفسه - اختصره وسماه (مختصر التبيان)
وتوجد نسخة هذا المختصر في بعض مكتبات إيران.
(3) طبع كتاب التهذيب - أخيرا - في النجف الأشرف سنة 1378 ه‍ في
عشرة أجزاء ضخام، مبوبا ومفصلا ومفهرسا. وطبع الاستبصار - أخيرا - في
النجف الأشرف سنة 1375 ه‍ في أربعة اجزاء كبيرة بارعة الاخراج والتبويب
والفهرست، وقدم له مقدمة ضافية استعرضت حياة المؤلف: الحجة المغفور له
الشيخ محمد علي الأوردبادي الغروي.
229

واستفاد منه نهاية أربه ومنتهى طلبه. وله - رحمه الله - في هذا العلم:
كتاب النهاية الذي ضمنه متون الاخبار (1) وكتاب المبسوط الذي وسع
فيه التفاريع، وأودعه دقائق الأنظار (2) وكتاب الخلاف الذي ناظر فيه
المخالفين، وذكر فيه ما اجتمعت عليه الفرقة من مسائل الدين (3).
وله: كتاب الجمل والعقود في العبادات (4) والاقتصاد فيها وفي العقائد
الأصولية (5) والايجاز في الميراث (6) وكتاب يوم وليلة - في العبادة اليومية (7).

(1) طبع في إيران بشكل حجري كبير ضمن كتب كثيرة للقدماء غير سالم
من الأغلاط المطبعية، وهو يشتمل على عدة كتب التهذيب، وهو أول مؤلفات
الشيخ الطوسي في الفقه.
(2) وطبع هذا الكتاب - على جلالته وعظمته العلمية - في إيران سنة 1271 ه‍
طبعة مغلوطة ناقصة، وهو آخر ما ألفه في الفقه.
(3) ألفه بعد كتابيه: التهذيب والاستبصار، وقد طبع عدة طبعات، كانت
الأخيرة في مجلدين ضخمين بورق صقيل واخراج جميل بأمر سماحة المغفور له سيدنا
المعظم آية الله البروجردي - قدس سره -.
(4) وهو كتاب صغير يحتوي على ستة كتب للفقه: الطهارة والصلاة
والزكاة والحج والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، طبع - أخيرا -
في إيران طبعة غير أنيقة. ورأينا نسخته الخطية في (مكتبة الإمام الرضا) - عليه السلام -
(5) واسمه: الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد فيما يجب على العباد، لا يزال
مخطوطا، رأينا نسخة منه في مكتبة الإمام الرضا - عليه السلام - في طهران، وأخرى
في مكتبة آية الله الحكيم في النجف الأشرف.
(6) كتاب صغير جدا في الفرائض، طبع أخيرا في النجف الأشرف طبعة مغلطة.
(7) وهو مختصر في عمل يوم وليلة في الفرائض والنوافل، لا يزال مخطوطا
(راجع: الذريعة).
230

وأما علم الأصول والرجال، فله - في الأول -: كتاب العدة، وهو أحسن
كتاب صنف في الأصول (1) وفي الثاني: كتاب الفهرست، الذي ذكر
فيه أصول الأصحاب ومصنفاتهم (2) وكتاب الأبواب، المرتب على الطبقات
من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى العلماء الذين لم يدركوا أحد
الأئمة (عليهم السلام) (3) وكتاب الاختيار، وهو تهذيب كتاب معرفة الرجال
للكشي (4).
وله: كتاب تلخيص الشافي في الإمامة (5) وكتاب المفصح في
الإمامة (6) وكتاب مالا يسع المكلف الاخلال به.

(1) وهو من أقدم الكتب الأصولية، طبع في إيران، وبمبئ بشكل لا يخلو
من الغلط.
(2) يحتوي على أكثر من (900 اسم) طبع - أخيرا - في النجف الأشرف
بتحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم.
(3) ويسمى: كتاب الرجال، طبع - أخيرا - في النجف الأشرف بتقديم
وتحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، وهو أحد الأصول الأربعة المعتمد عليها
في الرجال، يحتوي على 8900 اسم تقريبا.
(4) وهو اختيار الرجال، طبع أولا في بمبئ سنة 1317 ه‍، مغلوطا، وطبع
- أخيرا - باسم رجال الكشي في النجف الأشرف.
(5) وهو ملخص كتاب الشافي في الإمامة للسيد المرتضى - رحمه الله - طبع
أخيرا في النجف الأشرف من قبل مكتبة العلمين بأربعة أجزاء ضخام، قدم له وعلق
عليه السيد حسين بحر العلوم، فجاء غاية في جودة التحقيق والاخراج.
(6) وقد ألفه قبل كتابه تلخيص الشافي، كما أشار إلى ذلك في آخر كتاب
تلخيص الشافي، ولا يزال الكتاب مخطوطا (راجع: الذريعة).
231

وكتاب ما يعلل وما لا يعلل (1) وشرح جمل العلم والعمل - ما يتعلق منه
بالأصول - (2) وكتاب في أصول العقائد، كبير، خرج منه الكلام
في التوحيد وشئ من العدل، ومقدمة في الدخول إلى علم الكلام (3) وهداية
المسترشد وبصيرة المتعبد (4) وكتاب مصباح المتهجد، وكتاب مختصر
المصباح (5) ومناسك الحج - مجرد العمل والأدعية - وكتاب المجالس
والاخبار (6) وكتاب مقتل الحسين (عليه السلام) وكتاب أخبار المختار. وكتاب
النقض على ابن شاذان في مسألة الغار (7)

(1) كتابان مختصران في علم الكلام، ولا يزالان مخطوطين.
(2) وهو المسمى ب‍ (شرح الشرح) في الأصول، وهو من مؤلفاته التي
لم يذكرها في (الفهرست) - ولا يزال مخطوطا -.
(3) وهما كتابان في علم الكلام، ولا يزالان مخطوطين.
(4) وهو في الأدعية والعبادات مجلد واحد مخطوط (راجع: الذريعة).
(5) أما المصباح، فكتاب كبير يحتوي على عامة المسنونات الواردة عن
المعصومين - عليهم السلام - وعليه ابتنت عامة كتب الأدعية المتأخرة عنه، طبع
في طهران سنة 1338 ه‍، وعليه شروح كثيرة وأما مختصر المصباح، فهو ملخص
من كتابه الكبير المصباح، ولا يزال مخطوطا. رأينا نسخة منه في مكتبة الإمام الرضا
- عليه السلام - عدد صفحاته بالقطع الصغير (288) صفحة، تتقدمه بعض
المسائل الفقهية في الطهارة والصلاة.
(6) وهو المعروف بكتاب الأمالي المطبوع في طهران سنة 1313 ه‍، وطبع
أخيرا في النجف الأشرف في جزءين سنة 1358 ه‍ وقدم له مقدمة في حياة الشيخ
الطوسي السيد محمد صادق بحر العلوم.
(7) وهذه الكتب مختصرة، أشبه بالرسائل ولا تزال مخطوطة (راجع:
الذريعة) للشيخ الطهراني.
232

ومسألة في العمل بخبر الواحد (1) ومسألة في تحريم الفقاع. والمسائل الرجبية
في آي القرآن، والمسائل الرازية في الوعيد، والمسائل الجنبلانية - أربع
وعشرون مسألة. والمسائل الدمشقية - اثنتا عشرة مسألة - والمسائل الألياسية
مائة مسألة في فنون مختلفة - والمسائل الحائرية - نحو ثلاث مائة مسألة - والمسائل
الحلبية، ومسائل في الفرق بين النبي والامام، ومسائل ابن البراج وكتاب
أنس الوحيد - مجموع - (2).
هذه جملة الكتب التي ذكرها في (الفهرست)، وله كتاب الغيبة،
كتاب حسن مشهور (3).
وعن الحسن بن مهدي السليقي - أحد تلامذة الشيخ -: (إن من
مصنفاته التي لم يذكرها في (الفهرست): كتاب شرح الشرح - في
الأصول - قال -: وهو كتاب مبسوط أملى علينا منه شيئا صالحا، ومات
- رحمه الله - ولم يتمه ولم يصنف مثله) انتهى.
وأول مصنفات الشيخ في الفقه: كتاب النهاية، وآخرها: المبسوط
- كما يظهر من كلامه في خطبة هذا الكتاب، وكتاب الجمل والعقود، ومن إحالته فيه - في عدة مواضع - على سائر كتبه. منها - ما ذكره في
كتاب الميراث - حيث حكى اختلاف الأصحاب في ذلك، ثم قال: ومنهم

(1) ضمن فيها أدلته على حجيته، لأنه زعيم فرقة القائلين: بالحجية معارضة
للسيد المرتضى. ولا يزال الكتاب مخطوطا (راجع: الذريعة).
(2) هذه المسائل صغيرة، ولا تزال مخطوطة، راجع عنها - بأسمائها - كتاب
الذريعة ومقدمة كتاب الرجال المطبوع في النجف الأشرف.
(3) وهو في مجلد واحد طبع - أولا - في إيران سنة 1323 ه‍ وأخيرا: في النجف
الأشرف بتقديم الحجة الشيخ آغا بزرك الطهراني صاحب كتاب (الذريعة) وتحقيق
وتعلق السيد محمد صادق بحر العلوم.
233

من ذهب إلى أنهم يرثون بالنسب والسبب الصحيحين والفاسدين وهو الذي
اخترته في سائر كتبي: في النهاية، والخلاف، والايجاز في الفرائض، وتهذيب
الاحكام، وغير ذلك.
وقد ذكر - في أول المصباح - ما يدل على تأخره عن جميع كتبه
الفقهية حتى المبسوط، ومعرفة ترتيب التصانيف أمر مهم يحتاج إليه الفقيه
في الاجماع والخلاف - كما نبهنا عليه سابقا. وكتاب المبسوط كتاب جليل
عظيم النفع، وهو - كما قال مصنفه فيه. وفي (الفهرست): (أنه كتاب لم
يصنف مثله، ولا نظير له في كتب الأصحاب ولا في كتب المخالفين).
وهو أحد وثمانون كتابا مفصلة في الفهرست.
وقد ذكر - في مفتتحه -: (انه كان على قديم الوقت وحديثه متشوق
النفس إلى عمل مثل هذا الكتاب - قال -: وكان يقطعني عن ذلك القواطع
ويشغلني الشواغل، ويضعف نيتي - أيضا - فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه
وترك عنايتهم به لأنهم ألفوا الاخبار وما رووه من صريح الألفاظ
حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد
لهم، تعجبوا منها. وقصر فهمهم عنها وكنت عملت - على قديم
الوقت -: كتاب النهاية، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم
وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم - قال -: وأوردت جميع ذلك
أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك، وعملت - بآخرة -
مختصر جمل العقود والعبادات، سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار،
ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع - خاصة - ينضاف إلى كتاب النهاية
ويجتمع معه يكون كاملا في جميع ما يحتاج إليه. ثم رأيت أن ذلك يكون
مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه، لان الفرع إنما يفهم إذا ضبط الأصل
معه، فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلها
الفقهاء، وهي نحو من ثمانين كتابا على غاية ما يمكن من تلخيصه من
234

الألفاظ وأقتصر على مجرد الفقه، دون الأدعية والآداب، وأعقد فيه
الأبواب، واقسم فيه المسائل وأجمع بين النظائر، واستوفيه غاية الاستيفاء
وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون وأقول ما عندي فيه، على ما تقتضيه
مذاهبنا وتوجيه أصولنا - بعد أن اذكر جميع أصول المسائل، وإذا كانت
المسألة أو الفرع ظاهرا أقنع فيه بمجرد الفتيا، وان كانت المسألة أو الفرع
غريبا أو مشكلا، أومئ إلي تعليلها ووجه دليلها، ليكون الناظر فيها
غير مقلد ولا منحت، وإذا كانت المسألة أو الفرع مما فيه أقوال العلماء
ذكرتها وبينت عللها والصحيح منها والأقوى، وأنبه على جهة دليلها لا على
وجه القياس، وإذا شبهت شيئا بشئ فعلى جهة المثال لا على حمل أحدهما
على الاخر، أو على وجه الحكاية عن المخالفين دون الاعتبار الصحيح،
ولا أذكر أسماء المخالفين في المسألة، لئلا يطول الكتاب به، وقد ذكرت
ذلك في مسائل (الخلاف) مستوفى، وان كانت المسألة لا ترجيح فيها
للأقوال وتكون متكافئة وقفت فيها، وتكون المسألة من باب التخيير.
وهذا الكتاب - إذا سهل الله اتمامه - يكون كتابا لا نظير له في كتب
أصحابنا ولا في كتب مخالفينا، لأني - إلى الآن - ما عرفت لاحد من الفقهاء
كتابا واحدا يشتمل على الأصول والفروع مستوفيا مذهبا، بل كتبهم -
وان كانت كثيرة - فليس يشتمل عليها كتاب واحد، وأما أصحابنا فليس
لهم في هذا المعنى شئ يشار إليه، بل لهم مختصرات وأوفى ما عمل في
هذا المعنى: كتابنا (النهاية) وهو على ما قلت فيه).
هذا كلامه - رحمه الله - نقلناه بطوله، لما فيه من الفوائد الكثيرة
لمن تدبر ذلك وتأمله، ومن جملة فوائده: ما أشرنا في وصف كتاب
النهاية: من أنه نقل متون الاخبار أو مضامينها، فان هذا شئ عظيم
النفع عند إعواز الأحاديث. (*)
235

وقد ذكر الشيخ - طاب ثراه - كل من تأخر عنه من علماء الشيعة
وفقهائهم، وأكثروا الثناء والاطراء عليه وعلى كتبه.
وقال النجاشي - وهو من معاصريه -: (محمد بن الحسن بن علي
الطوسي، أبو جعفر، جليل في أصحابنا، ثقة عين، من تلامذة شيخنا
أبي عبد الله، له كتب) - ثم ذكر كثيرا مما تقدم من مصنفاته (1).
وقال العلامة - رحمه الله - (... شيخ الامامية ووجههم - قدس
الله روحه - رئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة صدوق عين
عارف بالاخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، جميع الفضائل
تنسب إليه، صنف في كل فنون الاسلام، وهو المهذب للعقائد في الأصول
والفروع، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل وكان تلميذ الشيخ المفيد
- رحمه الله - محمد بن محمد بن النعمان، ولد - قدس الله روحه - في شهر رمضان
سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، وقدم العراق سنة ثمان وأربعمائة فيكون
قدم العراق - وله ثلاث وعشرون سنة، وتوفى ليلة الاثنين الثاني والعشرين
من المحرم سنة ستين وأربعمائة بالمشهد المقدس الغروي، على ساكنه السلام
ودفن بداره قال الحسن بن مهدي السليقي: توليت أنا والشيخ أبو محمد
الحسن بن عبد الواحد العين زربي، والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي في تلك
الليلة غسله ودفنه. وكان يقول - أولا - بالوعيد، ثم رجع وهاجر إلى
مشهد أمير المؤمنين - عليه السلام - خوفا من الفتن التي تجددت ببغداد
وأحرقت كتبه وكرسي كان يجلس عليه للكلام) (2).

(1) راجع: رجال النجاشي: ص 316 طبع إيران.
(2) راجع: رجال العلامة - الخلاصة - ص 148 برقم 46 من باب (محمد)
القسم الأول، طبع النجف الأشرف. ويلاحظ أن في طبعة النجف - المتداولة -
سقطا في بعض العبارات ظاهرا.
236

وفي حواشي الشهيد على هذا الموضع بخط شيخنا الشهيد - رحمه الله -
السيلقي - قال -: (ورأيت هذا المحكي عن السليقي بخطه) (1).
وقال ابن داود: (... شيخ الطائفة وعمدتها - قدس الله روحه -
(لم) (2) أوضح من أن يوضح حاله، ولد في شهر رمضان سنة خمس
وثمانين وثلثمائة، وقدم العراق سنة ثمان وأربعمائة، وتوفي ليلة الاثنين ثاني
عشر المحرم من سنة ستين وأربعمائة بالمشهد الشريف الغروي، ودفن بداره) (3)
وقال السروي في (معالمه): (... توفي بمشهد أمير المؤمنين
- عليه السلام - في آخر المحرم سنة ثمان وخمسين وأربعمائة) (4).
وبين التواريخ اختلاف في أيام الشهر، وبين الأولين والثالث في
السنين - أيضا - والأثبت وفاته عام ستين (5).
وفي (الوجيزة): (... محمد بن الحسن الطوسي، وفضله وجلالته

(1) أنظر: حاشية الشهيد الثاني على هذا الموضع، ولا تزال حواشي الشهيد
الثاني - رحمه الله - مخطوطة توجد في مكتبتنا.
(2) رمز ب‍ (لم) إلى من لم يرو عن واحد من الأئمة - عليهم السلام - كما
ذكر ذلك في مقدمة رجاله (ص 3).
(3) رجال ابن داود الحلي: ص 306 برقم 1327 طبع دانشگاه طهران.
(4) معالم العلماء لابن شهرآشوب السروي: ص 114 برقم 766 طبع
النجف الأشرف.
(5) وذلك لما ذكره النجاشي في رجاله، ويعتبر أثبت من غيره عند أرباب
المعاجم الرجالية مضافا إلى موافقة ابن داود الحلي له في تاريخ الوفاة، وابن كثير
الشامي في البداية والنهاية، وغيرهم من أرباب المعاجم الرجالية، ولعل ما ذكره ابن
شهرآشوب في تاريخ الوفاة غفلة منه.
237

أشهر من أن يحتاج إلى البيان) (1).
وقد ذكر الشيخ - رحمه الله - أيضا جماعة من المخالفين.
فعن ابن الجوزي في (تأريخه - فيمن توفي سنة ستين وأربعمائة من
الأكابر): (... أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة، توفي بمشهد أمير المؤمنين
علي - عليه السلام -) (2).
وحكى القاضي في (مجالسه) عن ابن كثير الشامي: أنه قال فيه:
(إنه كان فقيه الشيعة مشتغلا بالإفادة في بغداد إلى أن وقعت الفتنة بين
الشيعة والسنة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، واحترقت كتبه وداره في باب الكرخ
فانتقل من بغداد إلى النجف، وبقي هناك إلى أن توفي في شهر المحرم
سنة ستين وأربعمائة) (3).
وعن (تأريخ مصر والقاهرة لبعض الأشاعرة): (ان أبا جعفر
الطوسي فقيه الامامية وعالمهم وصاحب التصانيف، منها تفسير كبير في
عشرين مجلدا، جاور النجف، ومات فيه، وكان رافضيا قوي التشيع
وحكى جماعة أنه وشي بالشيخ إلى الخليفة العباسي أنه وأصحابه يسبون
الصحابة - وكتابه المصباح يشهد بذلك - فإنه ذكر أن من دعاء يوم عاشوراء:
(اللهم خص أول ظالم باللعن مني، وابدء به أولا ثم الثاني ثم الثالث
ثم الرابع، اللهم العن يزيد بن معاوية خامسا) فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب

(1) راجع: ص 163 من الوجيزة للمجلسي الثاني الملحقة بآخر خلاصة
الأقوال، طبع إيران سنة 1312 ه‍.
(2) راجع: المنتظم لابن الجوزي (ج 8 ص 252) طبع حيدر آباد دكن
سنة 1359 ه‍.
(3) راجع: البداية والنهاية لابن كثير الشامي (ج 2 ص 97) طبع مصر
في حوادث سنة 460 ه‍.
238

فلما حضر الشيخ ووقف على القصة ألهمه الله تعالى أن قال: ليس المراد
من هذه الفقرات ما ظنته السعاة، بل المراد بالأول: قابيل - قاتل هابيل
وهو أول من سن القتل والظلم.
وبالثاني: قيدار - عاقر ناقة صالح - وبالثالث: قاتل يحيى بن زكريا - ع -
قتله لاجل بغي من بغايا بني إسرائيل، وبالرابع: عبد الرحمان بن ملجم -
قاتل علي بن أبي طالب - عليه السلام - فلما سمع الخليفة من الشيخ تأويله
وبيانه قبل منه ورفع شانه، وانتقم من الساعي وأهانه) (1).
ويستفاد من تأريخ تولد الشيخ - رحمه الله - ووفاته: أنه قد عمر
خمسا وسبعين سنة، وأدرك تمام الطبقة التاسعة وخمس عشرة سنة من الثامنة
وعشرين سنين من العاشرة. فيكون قد ولد - بعد وفاة الصدوق - رحمه الله -
بأربع سنين، فإنه توفي سنة إحدى وثمانين وثلثمائة - كما سيجيئ في ترجمته
إن شاء الله -.
ويعلم من تأريخ وروده العراق - وهي سنة ثمان وأربعمائة: أن مقامه
فيها مع الشيخ المفيد - رحمه الله - كان نحوا من خمس سنين، فإنه توفي
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. ومع السيد المرتضى - رحمه الله - نحوا من
ثمان وعشرين سنة، لأنه توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة فيكون
قد بقي بعده أربعا وعشرين سنة، اثنتا عشرة سنة منها في بغداد
ومثلها في المشهد الغروي. وتوفي فيه، ودفن في داره، وقبره مزار
معروف وداره ومسجده وآثاره باقية إلى الآن، وقد جدد مسجده في
حدود سنة ثمان وتسعين من المائة الثانية بعد الألف، فصار من أعظم
المساجد في الغري المشرف، وكان ذلك بترغيبنا بعض الصلحاء من أهل

(1) ذكر ذلك قطب الدين محمد الأشكوري اللاهيجي - معاصر الشيخ الحر
العاملي - في كتابه محبوب القلوب الفارسي - مخطوط - والقاضي نور الله التستري
في مجالس المؤمنين (ج 1 - ص 481) طبع إيران سنة 1375 ه‍.
239

السعادة - رحمهم الله - (1).
محمد بن الحسين بن أبي الحسين ابن أبي الفضل القزويني
المعروف ب‍ (قطب الدين) فاضل فقيه، من أهل بيت العلم والفقه:

(1) وموقع المسجد العظيم - هذا - قريب من باب الصحن العلوي المطهر
حيث الجهة الشمالية، وبهذه المناسبة سمى باب الصحن باسم (باب الطوسي) وهكذا
سمي الشارع المفتوح - أخيرا - باسم (شارع الطوسي).
أما تأسيس هذا المسجد، فلا يستطيع التأريخ أن يقف منه على دقة، سوى
أنه اتخذ مسجدا بعد وفاة الشيخ ودفنه فيه. ومعنى ذلك: يكون تأريخ مسجديته
بعد سنة 460 هجرية بلا فصل.
والعمارة التي يشير إليها سيدنا - في المتن - هي العمارة الثانية لهذا المسجد
- أو الثالثة - فقد كان قائما، وأمر السيد بتجديده - كما تشير إليه عبارته - والعمارة
التي تليها، كانت بأمر جدنا الحجة الورع الحسين بن الرضا بن السيد بحر العلوم
المتوفى سنة 1306 ه‍ وذلك سنة 1305 ه‍. فكانت عمارة آية في الابداع والفن
وفي سنة 1369 ه‍ تفتح الحكومة العراقية شارعا يبدأ من باب الصحن - باب
الطوسي (وينتهى إلى أول وادي السلام، فيطل المسجد على الشارع العام - بعد
أن عملت الأثرة يومئذ - فأخذت من عرضه غير المستحق.
وظل المسجد - هكذا - مبعثر الجوانب، منخفض الساحة، منتقض الجدران
حتى قيض الله له الساعة المباركة، فكان أن شيد بأحسن تشييد بتوجيه وترغيب
سماحة آية الله الحجة التقي من آل بحر العلوم - إمام الجامع - وتبرع لفيف من
المؤمنين في النجف الأشرف وخارجه، وصرف عليه قرابة (000 / 14 الف دينار)
فجاء تشييدا فخما نادر النظير، فأصبح اليوم - من (جوامع البلد) المهمة حاشدا
بالمصلين، وبالتدارس والتدريس - كل يوم - (راجع عن تفصيل ذلك: مقدمة
كتاب تلخيص الشافي) طبع النجف الأشرف.
240

ذكره الشيخ منتجب الدين علي بن عبد الله بن بابويه، وذكر أباه
وأخويه: جلال الدين وجمال الدين في (فهرسته) الموضوع للمشائخ
المتأخرين عن الشيخ الطوسي إلى زمانه وهو من سنة ستين وأربعمائة إلى
خمس وثمانين وخمسمائة - قال -: (المشائخ: قطب الدين محمد، وجلال
الدين محمود، وجمال الدين مسعود - أولاد الشيخ الامام أوحد الدين
الحسين بن أبي الحسين القزويني، كلهم فقهاء صلحاء) (1) وقال في
ترجمة أبيهم -: (الشيخ الامام أوحد الدين الحسين بن أبي الحسين ابن أبي
الفضل القزويني، فقيه، صالح ثقة واعظ) (2).
وفي (ضيافة الاخوان) - الموضوع في علماء قزوين - للفاضل
المحقق الرضي القزويني: حكاية ذلك كله عن (فهرست منتجب الدين)
غير أنه عرف الفقهاء الصلحاء، وعقبه بالأمراء الزهاد (3) وهو وهم
منه، فان الأولين - كما وجدناه، وحكاه الشيخ الحرفي (أمل الآمل) (4)
وغيره - منكران. وبهما تتم ترجمة هؤلاء المشائخ، والأخيران معرفان،
وهما ابتداء ترجمة لغيرهم، والعبارة هكذا: (الأمراء الزهاد: تاج الدين
محمود، وبهاء الدين مسعود، وشمس الدين محمد، أولاد الأمير الزاهد

(1) انظر: (ص 13) من فهرست منتجب الدين الملحق بآخر أجزاء البحار
المطبوع بإيران سنة 1303 ه‍.
(2) أنظر: (ص 5) من فهرست منتجب الدين المذكور.
(3) ذكر ذلك في ترجمة الحسين بن أبي الحسن بن أبي الفضل القزويني من
كتاب (ضيافة الاخوان) لرضى الدين محمد بن الحسن القزويني المتوفى سنة 1096 ه‍
والكتاب لا يزال مخطوطا.
(4) راجع: أمل الامل ج 2: ص 266 برقم 770 و (ج 2 ص 315)
برقم 960، طبع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍.
241

صارم الدين إسكندر بن دربيس: فقهاء صلحاء) (1).
ولعل الشيخ قطب الدين محمد بن الحسين القزويني المذكور: هو
الشيخ قطب الدين الكيدري المشهور، أحد الفضلاء الاعلام والفقهاء المنقول
عنهم فروع الاحكام.
قيل: هو تلميذ ابن حمزة الطوسي - صاحب الوسيلة والواسطة - (2).
له: كتاب الاصباح في الفقه، وشرح نهج البلاغة. وأقواله في
الفقه مشهورة منقولة في (المختلف) و (غاية المراد) و (المسالك) و
(كشف اللثام) وغيرها.
وقد أكثر شيخنا العلامة المجلسي - طاب ثراه - في كتاب السماء
والعالم من البحار - من النقل عن الكيدري - رحمه الله - في شرح النهج

(1) راجع: فهرست منتجب الدين (ص 13).
(2) ابن حمزة - هذا - هو محمد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي،
ذكره منتجب الدين في (الفهرست) فقال: (فقيه عالم واعظ، له تصانيف منها
الوسيلة، الواسطة، الرائع في الشرائع، المعجزات، مسائل في الفقه) ونقل ذلك
عنه صاحب أمل الامل (ج 2 ص 285) طبع النجف الأشرف، والوسيلة،
والواسطة كتابان مشهوران من المتون الفقهية، وأما كتاب المعجزات فاسمه الثاقب
في المناقب، المترجم له هو من مشائخ ابن شهرآشوب.
وانظر (ص 604) من روضات الجنات، طبع إيران سنة 1307 ه‍ ترجمة
لمحمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري المشتهر بقطب الدين الكيدري
صاحب كتاب الاصباح في الفقه، وشرح نهج البلاغة الموسوم بحدائق الحقائق،
الذي فرغ منه في أواخر شهر شعبان سنة 576 ه‍، وقد أبدى صاحب الروضات
تحقيقا هناك يحسن الرجوع إليه.
242

وذكر اقتفاء ابن ميثم لإثارة في بعض المواضع (1) وسماه في باب النجوم
في التذييل الذي عقده لذكر أقوال أجلاء الأصحاب في حكم العلم المذكور
- قال بعد نقل كلام المفيد - رحمه الله - في ذلك: (وقال الشيخ محمد
ابن الحسين الكيدري - رحمه الله - في شرح نهج البلاغة في تهجين احكام
النجوم - وذكر كلامه في ذلك - ثم أورد عبارات باقي الأصحاب كالعلامة
والشهيد - رحمهما الله - وغيرهما. لكن لم يلقبه ب‍ (القطب) فيما وجدته
من كلامه (2).
واحتمال اتحاد الكيدري والقزويني مبني على ما قاله الحافظ ابن حجر
العسقلاني في كتابه (تبصير المنتبه): أن الكندري - بالكاف المضمومة
والنون الساكنة، بعدها المهملتان -: نسبة إلى (كندر) وهي قرية بقرب
(قزوين) منها - عميد الملك أبو نصر منصور بن محمد الكندري وزير
السلطان طغر لبيك (3).

(1) أنظر (ج 14 ص 267) من كتاب السماء والعالم من (كتاب البحار)
طبع كمباني سنة 1305 ه‍.
(2) راجع البحار - كتاب السماء والعالم (ج 14 ص 158، ص 161) الخ
(3) اسم الكتاب (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) لابن حجر العسقلاني المتوفى
سنة 852 ه‍ وهو تحرير لكتاب (المشتبه في الرجال) لابي عبد الله محمد بن أحمد
ابن عثمان بن قايماز الذهبي المتوفى سنة 748 ه‍، المطبوع بمصر سنة 1962، ولم
يطبع من كتاب (تبصر المنتبه) سوى الأول والثاني منه في مصر إلى حرف الشين
ويستمر في طبع بقية أجزائه التي في الثالث منها حرف الكاف، وفيه ضبط لفظ
(الكندري) وما يتعلق به ووجه نسبته.
وجاء في (معجم البلدان) للحموي المتوفى سنة 626 ه‍، بمادة (كندر)
ج 4 - ص 482 - طبع بيروت سنة 1376 ه‍، ما هذا نصه: (كندر - بالضم ثم
السكون ثم الضم وراء: موضعان (أحدهما) قرية من نواحي نيسابور من أعمال
طريثيث، واليها ينسب عميد الملك أبو نصر محمد بن أبي صالح منصور بن محمد
الكندري الجراحي وزير طغر لبك أول ملوك السلجوقية ثم قتل سنة 459 ه‍، وقد
ذكرت قصته في كتابي المبدأ والمال، ومعجم الأدباء، وكندر أيضا: قرية قريبة
من قزوين، ينسب إليها أبو غانم الحسين وأبو الحسن علي ابنا عيسى بن الحسين
الكندري، سمعا أبا عبد الله عبد الرحمن بن محمد بن الحسين السلمي الصوفي، وكتبا
تصانيفه، ولهما في جامع قزوين كتب موقوفة تنسب إليهما في الصندوق المعروف
بالعثماني).
وجاء في (اللباب في تهذيب الانتساب) لعز الدين بن الأثير الجزري المتوفى
سنة 630 ه‍، (ج 3 ص 54) طبع مصر سنة 1369 ه‍ - وهو مختصر لانساب
السمعاني - ما هذا نصه: (الكندري بضم أولها، وسكون النون، وضم الدال، وفي
آخرها راء، هذه النسبة... إلى قرية قريبة من قزوين اسمها كندر، منها أبو غانم
الحسين وأبو الحسن علي ابنا عيسى بن الحسين الكندري، سمعا أبا عبد الرحمن
السلمي وغيره، ولهما كتب موقوفة في جامع قزوين تعرف بهما، وإلى كندر،
وهي من قرى طريثيث، يقال لها (ترشيز) أيضا، وهي من نواحي نيسابور،
منها عميد الملك الوزير أبو نصر الكندري، كان من رجال الدهر جودا وسخاء
وكتابة وشهامة، قتل سنة 456 ه‍).
أما أبو عبد الله محمد الذهبي المتوفى سنة 748 ه‍، فقد ذكر في كتابه (المشتبه
في الرجال) (ج 2 ص 554) طبع مصر سنة 1962 م،: (كندر قرية، منها
وزير السلطان طغر لبك، عميد الملك أبو نصر منصور بن محمد الكندري، قتل
سنة 457 ه‍، وبالفتح وياء وذال معجمة - نسبة إلى كيدر من قرى بيهق، منها
الأديب قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري الشاعر).
وفي تاج العروس - شرح القاموس - للزبيدي، بمادة (كندر) (... وكندر
بالضم قرية بقرب قزوين منها عميد الملك أبو نصر منصور بن محمد الكندري وزير
السلطان طغر لبك، قتل سنة 757 ه‍).
243

وقال السيد علي بن أحمد - رحمه الله - في (الطراز) - في كندر
بالنون -: (إن كندر - كسنبل -: قرية قرب قزوين، منها - عيسى
ابن الحسين الكندري والد أبي الحسين علي، وأبي الغانم الحسين، المحدثين
وقرية بنيسابور، منها - عبد الملك أبو نصر منصور بن محمد الكندري
244

وزير السلطان طغر لبك السلجوقي) (1) فأثبت قريتين اسمهما (كندر)
بالنون: إحداهما - بقزوين - كما ذكره العسقلاني - والأخرى بنيسابور -
وهذه قرية قديمة معروفة بهذا الاسم إلى الآن، رأيناها ونزلنا فيها، وبينها
وبين قزوين كل بلاد بيهق وبلاد قومس وبلاد الري، وهي مسافة طويلة
لا يصح معها الإضافة إلى قزوين.
وقد أصاب السيد - رحمه الله - في إثباتها ونسبة عبد الملك إليها.
ففي كتاب (الأقاليم والبلدان) (2): (كندر - بالنون -: قرية من

(1) الطراز في اللغة للسيد علي خان الشيرازي المدني الحسيني، صاحب
(سلافة العصر) و (الدرجات الرفيعة) و (أنوار الربيع) و (شرح الصحيفة
السجادية) وغيرها، المتوفى سنة 1120 ه‍، وهو من الكتب المخطوطة، مرتبا ترتيب
الحروف الهجائية يبحث فيه المعنى اللغوي ثم وجود اللفظة في القرآن وتفسيرها
ثم وجودها في الأحاديث وتفسيرها، ثم وجودها في الأمثال العربية وتفسيرها،
توجد نسخته في بعض مكتبات النجف الأشرف. قال الخوانساري في روضات
الجنات (ص 413) طبع إيران - في ترجمة السيد علي خان المدني بعد أن عد جملة
من مؤلفاته -: (وله كتاب كبير في اللغة سماه (طراز اللغة) وقد كان مشتغلا
بتأليفه إلى يوم رحلته من الدنيا ولم يتمه بعد وخرج منه قريب من النصف).
(2) لم يذكر لنا سيدنا - قدس سره - مؤلف كتاب الأقاليم والبلدان، كما
أن المجلسي في البحار - في كتاب السماء والعالم: (ج 14 ص 314) طبع إيران
كمپاني نقل عنه ولم يذكر اسم مؤلفه ولعله من الكتب المخطوطة المفقودة - الآن -
وكانت بحيازة سيدنا - قدس سره - أو هو كتاب الأقاليم لابي إسحاق إبراهيم
بن محمد الفارسي الإصطخري المعروف بالكرخي المتوفى في النصف الأول
من القرن الرابع الهجري صاحب كتاب المسالك والممالك المطبوع بليدن سنة 1870 م
وكتاب الأقاليم - هذا - طبع على الحجر في غوطا سنة 1839 م، بعناية الدكتور
مولر الألماني ومعه الخرائط، فلاحظ.
245

قرى خراسان كثيرة الخيرات، وافرة الغلات، ينسب إليها الوزير أبو نصر
الكندري، استوزه السلطان طغر لبك السلجوقي لما استولى على خراسان،
واخذها من ملوك (سبكتكين) - قال -: وكان أبو نصر وزيرا ذا
رأي وعقل إلا أنه كان شيعيا غاليا متعصبا، وكان السلطان معتزليا،
فأمر بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على المنبر، وشق ذلك على المسلمين
وفارق إمام الحرمين (نيسابور) وذهب إلى مكة، وكذلك الأستاذ أبو القاسم
القشيري، حتى مات طغرلبك، وقام مقامه (ألب أرسلان) واستوزر نظام
الملك، وقبض على الكندري، وقتل سنة ست وخمسين وأربعمائة).
وفي هذا الكتاب إثبات قرية أخرى اسمها (كندر) لم يذكرها
الحافظ ولا السيد، وهي قرية من قرى (خجد) من وراء النهر، ويقال
لها: (كندر باذام) أيضا لان باذام - وهو اللوز - بها كثير عجيب.
فظهر: أن المسمى ب‍ (كندر) - بالنون -: ثلاثة مواضع:
إحداها - التي بقرب قزوين، فلا يتعين أن يكون القطب الكندري منها
بل الظاهر - على تقدير ضبطه بالنون -: نسبته إلى القرية التي بخراسان،
فإنها أشهر المواضع المسماة بهذا الاسم. مع أن ضبط (الكندري)
- بالنون - أيضا غير متحقق، بل المضبوط في أكثر الكتب - كالمختلف
وغاية المراد والبحار وغيرها -: كتابته بالياء المثناة من تحت، وهو الدائر
على الألسنة والمسموع من المشائخ، إلا أن الفاضل في (كشف اللثام)
246

عدل عن ذلك، وضبط (الكندري) بالنون، وأعربه في بعض المواضع
بضم الكاف والدال المهملة والياء الساكنة، وحكى عنه بعض تلامذته في
حواشي الكتاب: أنه قال: (تتبعت اللغة والتواريخ، فلم أجد لكيدر
- بالياء - ذكرا في أسماء البلدان) (1) وهو كما قال، لكن مع إهمال الدال
أما مع الاعجام فهو موجود متحقق قد أثبته السيد، والحافظ - معا -
في كتابيهما المذكورين. ففي (الطراز): (كيذر - بالذال المعجمة
كحيدر -: قرية ببيهق، منها - قطب الدين محمد بن الحسين الكيذري
الأديب الشاعر) وفي (المتبصر) - بعد ذكر الكندري بالنون -: قال:
(وبالفتح والياء وإعجام الذال: نسبة إلى كيذر من قرى بيهق، منها
الأديب قطب الدين محمد بن الحسين الكيذري الشاعر). وهذا كالتنصيص
على المدعى في الاسم والنسبة واللقب، فيكون هذا هو القطب الكيدري
المشهور. والظاهر: أن إبدال الذال بالدال قد جاء من التعريب، فان
(كيذر بالمعجمة) غير ثابت في لغة العرب.
ويؤيد انتسابه إلى (كيدر من قرى بيهق): اني وجدت في
(الخزانة الرضوية) نسخة من شرح نهج البلاغة منسوبة إلى البيهقي، وهي
النسخة التي حكى منها العلامة المجلسي - طاب ثراه - إلا أني لم أتحقق
ذلك - الآن - (2) وبيهق ناحية معروفة في خراسان بين نيسابور وبلاد

(1) راجع: كشف اللثام للفاضل الهندي المطبوع بإيران فإنه أكثر من النقل
عن الكندري، وضبطه بالنون مع إهمال الدال.
(2) يقول الخوانساري في (روضات الجنات: ص 604) طبع إيران
في ترجمة محمد بن الحسين الكيدري البيهقي -: (وجدت في آخر نسخة عتيقة
من الشرح المذكور صورة خط لبعض أعاظم فضلاء عصر الشارح المعظم بهذه
الصورة: وافق الفراغ من تصنيف الامام العالم الكامل المتبحر الفاضل قطب الدين
نصير الاسلام، مفتخر العلماء، مرجع الأفاضل، محمد بن الحسين بن الحسن
الكيدري البيهقي - تغمده الله تعالى برضوانه - في أواخر الشهر الشريف
شعبان سنة 576 ه‍، هذا - وقد استفيد لنا من شرحه المذكور أن له الرواية عن
الشيخ الامام الاجل نصير الدين، ظهير الاسلام، عمدة الحق، ثمال الأفاضل،
عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي، قراءة عليه بسابزوار بيهق، في شهور
سنة 773 ه‍، عن الشيخ الامام عفيف الدين محمد بن الحسين الشوهاني، سماعا عن
شيخه الفقيه علي بن محمد القمي، عن شيخه المفيد عبد الجبار بن علي المقرئ الرازي
عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
وعنه، عن الشيخ الامام جمال الدين أبي الفتوح الرازي صاحب التفسير،
عن المفيد عبد الجبار.
وعنه، عن السيد الإمام الشريف أبي الرضا الراوندي، عن الحلبي، عن
أبي جعفر.
وعنه، عن الشيخ الامام عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ
الامام أبي علي بن أبي جعفر الطوسي، عن أبيه، قال: حدثني الشيخ المفيد أبو
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي) ثم ذكر صاحب الروضات مؤلفات
أخرى لقطب الدين الكيدري المذكور، فراجعه.
247

قومس، وقاعدتها بلدة (سبزوار) وهي من بلاد الشيعة الإمامية - قديما
وحديثا - وأهلها في التشيع أشهر من أهل (خاف وباخرز) في التسنن
ومع ذلك كله، فلا أستبعد أن يكون (القطب) الكيدري هو
محمد بن الحسين القزويني المتقدم، على أن يكون أصله من (كيذر)
ثم انتقل هو وأبوه إلى قزوين، فنسبوا إلى الموضعين.
ويؤيده: عدم ذكر (منتجب الدين) له إلا في ذلك الموضع، مع
وجوده في زمانه أو متقدما عليه، وتأخره عن الشيخ. وهو وان ذكر
جماعة يلقبون بالقطب كقطب الدين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين
المقري النيسابوري، والشيخ قطب الدين محمد بن محمد الكازري من أهل
- سبزوار - إلا أن الموافق للقطب الكيذري في الاسم واسم الأب: هو
محمد بن الحسين القزويني المتقدم.
248

محمد بن سنان أبو جعفر الهمداني
مولى همدان، وقيل: الزاهري، من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق
الخزاعي. قيل: هو محمد بن الحسن بن سنان. توفي أبوه الحسن، وهو
طفل، وكفله جده سنان، فنسب إليه، كوفي من الطبقة الرابعة والخامسة (1)
له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة: كتاب الطرائف، وكتاب
النوادر. صحب الكاظم والرضا والجواد والهادي - عليهم السلام - وروى
عنهم، وعن كثير من أصحاب الصادق - عليه السلام - كأبان بن عثمان
وحماد بن عثمان وعبد الله بن سنان وعبد الله بن مسكان وعمار بن مروان
وعن بعض أصحاب أبي جعفر من أصحاب أبي عبد الله - عليهما السلام -
كحذيفة بن منصور وحمزة بن حمران وزياد بن المنذر.
وذكر الشيخ - في أصحاب الصادق - عليه السلام -: محمد بن سنان

(1) كل من أدرك عصر الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولديه
الحسن والحسين - عليهم السلام - فهو من الطبقة الأولى، وكل من أدرك عصر
الإمام علي بن الحسين - عليه السلام - فهو من الطبقة الثانية، وكل من أدرك عصر
الإمام الباقر - عليه السلام - فهو من الطبقة الثالثة، وكل من أدرك عصر الإمام الصادق
- عليه السلام - فهو من الطبقة الرابعة، وكل من أدرك عصر الإمام الكاظم
والرضا والجواد والهادي - عليهم السلام - فهو من الطبقة الخامسة، وكل
من أدرك عصر الإمام العسكري - عليه السلام - فهو من الطبقة السادسة، وكل
من أدرك زمان الغيبة الصغرى فهو من الطبقة السابعة، فلاحظ ذلك.
249

ابن طريف الهاشمي قال -: " وأخوه عبد الله " (1)
وهذا يقتضي اشتراك محمد بن سنان، أو ان محمد بن سنان المعروف
هو محمد بن سنان بن طريف الهاشمي، وهو خلاف المعروف، كعد محمد
ابن سنان من أصحاب الصادق - عليه السلام -
وقد يوجد - في باب قضايا الديات والقصاص من التهذيب -:
رواية محمد بن سنان عن أبي عبد الله - عليه السلام - في بعض النسخ (2)
وفي الأكثر مكان (محمد): عبد الله - كما هو المعهود (3) وقد أعاد
الشيخ الحديث في آخر الباب مصرحا بعبد الله، باتفاق النسخ (4) ورواه
الكليني في (الكافي) كذلك (5)

(1) راجع: رجال الشيخ الطوسي - باب أصحاب الصادق - عليه السلام -
(ص 288 برقم 129) طبع النجف الأشرف
(2) راجع: (التهذيب: ج 10 ص 163) من الباب المذكور، رقم الحديث
(651 - 30) طبع النجف الأشرف، وأول الحديث: (الحسن بن محبوب، عن
محمد بن سنان وبكير، عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: سئل عن المؤمن يقتل
المؤمن متعمدا أله توبة؟...)
(3) راجع: المصدر نفسه (ص 158) تسلسل الحديث (635 - 14)
ويروى من طريق اخر بتعبير عن عبد الله بن سنان (ص 159) تسلسل الحديث
(638 - 17)
(4) راجع: المصدر نفسه (ص 165) تسلسل الحديث (659 - 38)
ففيه: الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، وابن بكير عن أبي عبد الله
- عليه السلام -
(5) راجع: الكافي (ج 7 ص 176) باب: إن من قتل مؤمنا على دينه
فليست له توبة، الحديث (2) طبع طهران، حيدري
250

وقد عظم الخلاف بين الأصحاب في محمد بن سنان، واضطربت
فيه أقوالهم اضطرابا شديدا، حتى اتفق للأكثر فيه: القول بالشئ وضده
من التوثيق والتضعيف والمدح والقدح، والمنع من الرواية والاذن فيها
والامتناع منها والاكثار منها، والطعن فيه والذب عنه.
قال أبو عمرو الكشي - رحمه الله -: (قال حمدويه: كتبت أحاديث
محمد بن سنان عن أيوب بن نوح، وقال: لا استحل أن أروي أحاديث
محمد بن سنان) (1) - قال: - (ذكر حمدويه بن نصير: أن أيوب بن نوح
دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال لنا: إذا شئتم أن تكتبوا
ذلك فافعلوا، فانى كتبت عن محمد بن سنان، ولكن لا أروي لكم عنه
شيئا، فإنه قال قبل موته: كلما حدثتكم به لم يكن لي سماعا ولا رواية
وانما وجدته) قال: (وقال محمد بن مسعود: قال عبد الله بن حمدويه
سمعت الفضل بن شاذان يقول: لا أستحل أن أروي أحاديث محمد بن
سنان. وذكر الفضل في بعض كتبه: أن من الكذابين المشهورين: ابن سنان
وليس بعبد الله (2).
وحكى الكشي - رحمه الله - في موضع آخر عن الفضل في بعض
كتبه أنه قال: الكذابون المشهورون: أبو الخطاب ويونس بن ظبيان
ويزيد الصائغ ومحمد بن سنان. وأبو سمينة أشهرهم) (3) قال: (وقال
أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري: قال: قال أبو محمد
الفضل بن شاذان: ردوا أحاديث محمد بن سنان عني. وقال. لا أحل لكم
أن ترووا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمت حيا. واذن في الرواية بعد موته)

(1) رجال الكشي: ص 332 برقم 245 طبع النجف الأشرف.
(2) نفس المصدر: ص 427 - 428 برقم 370.
(3) نفس المصدر: ص 457 برقم 419 باسم (أبو سمينة).
251

قال أبو عمرو -: (وقد روى عنه الفضل وأبوه ويونس ومحمد
ابن عيسى العبيدي ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن والحسين ابنا سعيد
الأهوازيان ابنا دندان وأيوب بن نوح، وغيرهم من العدول الثقات من
أهل العلم) (1).
وهذا دفاع منه عن ابن سنان برواية العدول الثقات عنه. وأكده
في ترجمة الفضل بتصريحه بمدح الامام - عليه السلام - لمحمد بن سنان بعد
الذم (2).
ومع ذلك، فقد نص في ترجمة المفضل بن عمر على أنه من الغلاة
بل من أركانهم - قال -: (حدثني أبو القاسم نصر بن صباح - وكان
غاليا - حدثني أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصري - وهو غال من أركان
الغلاة... قال: حدثني محمد بن سنان - وهو كذلك -) (3).
وقد روى - هنا -: (عن محمد بن مسعود، قال: حدثني علي
ابن محمد القمي عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: كنا عند صفوان
ابن يحيى، فذكر محمد بن سنان، فقال: ان محمد بن سنان كان من الطيارة
فقصصناه) (4).
وقال: (وجدت بحط أبي عبد الله الشاذاني: سمعت العاصمي
يقول: إن عبد الله بن محمد بن عيسى الأسدي الملقب ب‍ (بنان) قال:

(1) نفس المصدر: ص 428 برقم 370.
(2) قال في (رجاله) ص 455 - آخر ترجمة الفضل -: (وقد علمت أن
أبا الحسن الثاني وأبا جعفر - عليهما السلام - قد أقر أحدهما - أو كلاهما - صفوان
ابن يحيى ومحمد بن سنان وغيرهما مما لم يرض بعد عنهما ومدحهما).
(3) نفس المصدر: ص 273 برقم 154.
(4) نفس المصدر: ص 428 برقم 370.
252

كنت مع صفوان بن يحيى بالكوفة في منزل، إذ دخل علينا محمد بن سنان فقال
صفوان: هذا ابن سنان لقد هم أن يطير غير مرة، فقصصناه حتى ثبت معنا) (1).
وهذا - كما سيجئ من النجاشي - رحمه الله - يدل على اضطراب
فيه كان وزال.
وقال المفيد - طاب ثراه -: في (رسالته الهلالية) التي عملها في
الرد على الصدوق ومن وافقه في القول بالعدد في شهر رمضان عند ذكر
الاخبار المتضمنة لهذا المعنى -: (فمن ذلك ما رواه محمد بن الحسين بن
أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله
- عليه السلام - قال: شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا - قال -:
وهذا حديث شاذ نادر غير معتمد عليه، في طريقه محمد بن سنان، وهو
مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لم
يعمل عليه في الدين) (2).
وقد ذكر في (كتاب الارشاد) خلاف ذلك، فإنه عد محمد بن
سنان فيه من خاصة الكاظم - عليه السلام - وثقاته ومن أهل الورع والعلم
والفقه من شيعته (3).

(1) المصدر الآنف نفسه، والعاصمي - هنا - هو عيسى بن جعفر بن عاصم
ذكره الكشي في رجاله (ص 502) وذكر في المعاجم الرجالية - المخطوطة -.
(2) أنظر ذلك في الرسالة الهلالية المخطوطة التي عملها في أن شهر رمضان قد
يكون تسعة وعشرين يوما كبعض الشهور، ردا على الصدوق بن بابويه القمي القائل
بان شهر رمضان لا يعتريه نقص وأنه ثلاثون يوما.
(3) راجع: باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى - عليه السلام -
فصل ممن روى النص على ولده الرضا - عليه السلام - ويستعرض أسماء الرواة لذلك
- ومن بينهم محمد بن سنان -.
253

وقال السيد الجليل علي بن طاووس في مفتتح كتاب (فلاح السائل
ونجاح الآمل): (سمعت من يذكر طعنا على محمد بن سنان، ولعله لم
يقف إلا على الطعن، ولم يقف على تزكيته والثناء عليه، وكذلك يحتمل
أكثر الطعون، فقال شيخنا المعظم المأمون المفيد محمد بن محمد بن النعمان
في كتاب (كمال شهر رمضان) - لما ذكر محمد بن سنان - ما هذا لفظه:
على أن المشهور عن السادة - عليهم السلام - من الوصف لهذا الرجل
خلاف ما به شيخنا أتاه ووصفه. والظاهر من القول ضد ماله به ذكر، كقول
أبي جعفر - عليه السلام - فيما رواه عبد الله بن الصلت القمي - قال -: دخلت
على أبي جعفر - عليه السلام - في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله محمد بن سنان
عني خيرا فقد وفى لي، وكقوله - عليه السلام - فيما رواه علي بن الحسين بن داود
قال: سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يذكر محمد بن سنان بخير... ويقول:
رضي الله عنه برضائي عنه، فما خالفني ولا خالف أبي - قط - هذا مع جلالته
في الشيعة وعلو شأنه ورياسته وعظم قدره ولقائه من الأئمة - عليهم السلام -
ثلاثة وروايته عنهم، وكونه بالمحل الرفيع منهم - أبو إبراهيم موسى بن جعفر وأبو
الحسن علي بن موسى، وأبو جعفر محمد بن علي - عليهم أفضل السلام - ومع معجز
أبي جعفر - عليه السلام - الذي أظهره الله تعالى، وآيته التي أكرمه بها، فيما رواه
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب: أن محمد بن سنان كان ضرير البصر، فتمسح
بأبي جعفر الثاني - عليه السلام - فعاد إليه بصره بعد ما كان افتقده) (1).
قال السيد: (فمن جملة أخطاء الطعون على الاخبار: أن يقف
الانسان على طعن ولم يستوف النظر في أخبار المطعون عليه، كما ذكرناه
في محمد بن سنان - رحمه الله - ثم أيد ذلك بما رواه (باسناده إلى هارون
ابن موسى التلعكبري - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن همام قال:

(1) راجع: فلاح السائل (ص 10) طبع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍
254

حدثني الحسين بن أحمد المالكي قال قلت لأحمد بن هليك الكرخي أخبرني
عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلو؟ فقال: معاذ الله، هو - والله -
علمني الطهور وحبس العيال، وكان متقشفا متعبدا) (1).
وقال الشيخ - رحمه الله - في كتاب الغيبة - عند ذكر وكلاء الأئمة (عليهم السلام)
وقوامهم الممدوحين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا ولم يخونوا ممن كان حسن
الطريقة صحيح المذهب -: (... ومنهم - على ما رواه أبو طالب القمي -
قال: دخلت على أبي جعفر الثاني - عليه السلام - في آخر عمره، فسمعته
يقول: جزى الله: صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن آدم
وسعد بن سعد عني خيرا، فقد وفوا لي) - ثم قال -: (وأما محمد بن
سنان، فإنه روي عن علي بن الحسين بن داود قال: سمعت أبا جعفر
الثاني - عليه السلام - يذكر محمد بن سنان بخير، ويقول: رضي الله عنه
برضائي عنه، فما خالفني وما خالف أبي قط) (2).
وقال في (الفهرست): (محمد بن سنان، له كتب، وقد طعن
عليه وضعف: وجميع ما رواه - إلا ما كان فيه من تخليط أو غلو - أخبرنا
به جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن - جميعا
عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن
محمد بن سنان) (3).

(1) راجع: المصدر نفسه (ص 11) بزيادة قوله: (وقال أبو علي بن همام:
ولد أحمد بن هليك سنة 180 ه‍ ومات سنة 267 ه‍).
(2) راجع: كتاب الغيبة: للشيخ الطوسي (ص 211) طبع النجف الأشرف
سنة 1385 ه‍.
(3) راجع: فهرست الشيخ الطوسي: ص 143 برقم 609 طبع النجف
الأشرف سنة 1356 ه‍
255

وقال في (كتاب الرجال) - في أصحاب الرضا - عليه السلام -
(محمد بن سنان ضعيف) (1).
وقال في (الاستبصار - في باب لزوم المهر المسمى بالدخول):
(... محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جدا...) (2).
وقال النجاشي - رحمه الله -: (... قال أبو العباس أحمد بن
محمد بن سعيد: إن محمد بن سنان روى عن الرضا - عليه السلام - قال: -
وله مسائل عنه معروفة، وهو رجل ضعيف جدا لا يعول عليه، ولا يلتفت
إلى ما تفرد به وقد ذكر أبو عمرو (3) في (رجاله): (قال أبو الحسن
علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري، قال قال أبو محمد الفضل بن شاذان
لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان، ثم روى عنه ما رواه عن
بنان عن صفوان: أنه قال: (هذا ابن سنان لقد هم أن يطير غير مرة
فقصصناه حتى ثبت معنا - قال -: (وهذا يدل على اضطراب كان
وزال) (4).
قلت: وهذا يشعر بارتضائه له، ولا ينافيه التضعيف المتقدم،
لاحتمال كونه من كلام (ابن عقدة) لا من كلامه، لكنه قال في (مياح
المدائني): إنه (ضعيف جدا، له كتاب يعرف برسالة مياح - قال -
وطريقها أضعف منها، وهو محمد بن سنان...) (5) وفيه منتهى القدح.

(1) راجع: رجال الشيخ الطوسي: ص 386 برقم 7 باب الميم طبع
النجف الأشرف. (2) راجع: ج 3 في أبواب المهور: ص 224 تسلسل
الحديث (810 - 11) طبع النجف الأشرف.
(3) يعني: الكشي، وقد تقدم - آنفا - ما رواه من الخبرين، فراجعه.
(4) رجال النجاشي: ص 251 - 252 طبع إيران.
(5) المصدر نفسه: ص 332.
256

وقال ابن الغضائري: محمد بن سنان ضعيف غال لا يلتفت إليه (1)
وفيما أفرده التستري من (رجال ابن طاووس) زيادة الوضع بعد
الغلو (2).
وقال ابن شهرا شوب - بعد ذكره والإشارة إلى كتبه -: (وقد
طعن عليه). (3) وكلامه هذا يحتمل الحكم والحكاية.
ورجح السيد جمال الدين بن طاووس تضعيفه (4).
وقال العلامة في (الخلاصة) - بعد نقل توثيقه عن المفيد - رحمه الله -
وتضعيفه عن الشيخ والنجاشي وابن الغضائري -: (والوجه عندي التوقف
فيما يرويه) وعلل ذلك بما تقدم نقله عن الفضل بن شاذان وأيوب بن
نوح - قال -: ونقل عنه أشياء ردية ذكرناها في كتابنا الكبير) (5).
وذكر في (المختلف - في مسائل الرضاع): رواية الفضيل بن يسار

(1) راجع: رجال القهبائي فيما نقله عن كتاب رجال الضعفاء لابن الغضائري
- حرف الميم -
(2) التستري: هو المولى عبد الله بن الحسين المتوفى سنة 1021 ه‍ فإنه استخرج
من التحرير الطاووسي ما كان أدرجه فيه من كتاب الضعفاء لابن الضغائري ورتبه
على الحروف، وهو الموجود اليوم المعروف برجال الغضائري.
(3) راجع: معالم العلماء لابن شهرا شوب: ص 102 برقم 684 طبع
النجف الأشرف.
(4) يعني: رجح السيد علي بن طاووس في رجاله (حل الاشكال في معرفة
الرجال) الذي حرره الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني وسماه التحرير
الطاووسي.
(5) راجع: ذلك في القسم الثاني من رجاله - الخلاصة - ص 251 برقم 17
طبع النجف الأشرف.
257

المتضمنة لتحديد الرضاع المحرم بعشر رضعات، ووصفها بالصحة واحتج
بها على ما اختاره من القول بالعشر - ثم قال: (لا يقال في طريقها محمد
ابن سنان وفيه قول، لأنا نقول: قد بينا رجحان العمل برواية محمد بن
سنان في كتاب الرجال) (1).
وتبعه على الوصف بالصحة ولده فخر المحققين، والمحقق الكركي،
وغيرهما (2).
ومنع الشهيد الثاني في (الروضة) صحة الحديث، قال: (...
فان في طريقه محمد بن سنان وهو ضعيف - على أصح القولين وأشهرهما) (3)
وقال في (المسالك). (وأما رواية الفضيل بن اليسار، فلا نسلم
صحتها، فان في طريقها محمد بن سنان، وقد ضعفه الشيخ والنجاشي وابن
الغضائري، وقال: إنه غال لا يلتفت إليه، وروى الكشي فيه قدحا عظيما
وقال الفضل بن شاذان: من الكذابين المشهورين ابن سنان، وفيه من
القدح غير ذلك. وحينئذ، فلا عذر للعلامة في قوله في المختلف: إنه
بين رجحان قوله في كتاب الرجال، وأي رجحان يحصل مع قدح هؤلاء
الأكابر الذين هم عمدة الطائفة في نقد الرجال. مع أنه في (الخلاصة)
نقل فيه ما ذكرناه، وزيادة، ونقل عن المفيد - رحمه الله -: إنه ثقة

(1) راجع: (ص 70) من مختلف الشيعة للعلامة الحلي، طبع إيران سنة
1324 ه‍ - كتاب النكاح في تحديد الرضاع المحرم بعشر رضعات -
(2) راجع: الايضاح لخفر المحققين بن العلامة الحلي، وجامع المقاصد
للشيخ علي الكركي العاملي - رحمهم الله - فإنهما ذكرا ذلك في موارد عديدة من
كتابيهما المذكورين.
(3) راجع: كتاب النكاح من (الروضة) الفصل الثالث في المحرمات بالنسب
والرضاع، في شرح قول الشهيد الأول: (أو خمس عشرة رضعة).
258

ثم اختار التوقف في أمره. ولا وجه للتوقف، لان الجارح مقدم مع
التساوي، فكيف بمن ذكرناه) (1).
واختار هذا القول ممن تأخر عن الشهيد - رحمه الله - ولده المحقق
الشيخ حسن (2) وسبطاه الفاضلان المحمدان (3) والفاضل الأردبيلي (4)
والسيد الداماد (5) وصاحب الوسيط (6).
وقال العلامة المجلسي - رحمه الله -: (محمد بن سنان ضعفه المشهور
ووثقه المفيد في الارشاد، وهو معتمد عليه - عندي -) (7).

(1) راجع: كتاب النكاح من (المسالك) الشرط الثاني من أسباب انتشار
الحرمة بالرضاع، في شرح قول المحقق: (ولا حكم لما دون العشرة إلا في رواية
شاذة).
(2) هو صاحب (معالم الأصول) ابن الشهيد الثاني - رحمه الله - فإنه اختار
القول بتضعيفه في كتابه (منتقى الجمان).
(3) الفاضلان المحمدان: هما الشيخ محمد صاحب (شرح الاستبصار) ابن
الشيخ حسن صاحب (المعالم)، والسيد محمد صاحب (المدارك) فان الشهيد
الثاني - رحمه الله - هو جد الأول لأبيه، وجد الثاني لامه، فهما سبطاه، والسبط
يطلق على ولد الولد، وعلى ولد البنت كما ذكره علماء اللغة.
(4) هو المولى أحمد الأردبيلي - رحمه الله - صاحب (مجمع الفائدة) شرح
الارشاد للعلامة الحلي.
(5) راجع الراشحة السادسة والعشرين من رواشحه (ص 88) طبع إيران
(6) راجع: الوسيط - الذي لا يزال مخطوطا - للميرزا محمد الاسترآبادي
صاحب (منهج المقال) المطبوع في ترجمة محمد بن سنان.
(7) راجع: الوجيزة للمجلسي الثاني، الملحقة بآخر رجال (الخلاصة)
ص 164.
259

وقال والده التقي - قدس سره -: (الذي يظهر من الاخبار أنه
من أصحاب الاسرار) ثم حكى ما قيل في تضعيفه، وضعفه وبالغ في
ذلك (1).
وقال الشيخ الحر - رحمه الله - (2): روى الكشي فيه مدحا وذما

(1) راجع: شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه للمولى التقي المجلسي الأول
المتوفى سنة 1070 ه‍، توجد نسخته المخطوطة في مكتبة الحسينية الشوشترية في
النجف الأشرف.
(2) ما قاله الحر العاملي في (تحرير وسائل الشيعة) - الذي تقدم التعريف به
في تعليقتنا (ص 45) من هذا الجزء - نقله سيدنا - طاب ثراه - في الأصل بالمعنى
أما نص ما ذكره الحر - رحمه الله - على ما نقله الشيخ عبد النبي الكاظمي في (تكملة
نقد الرجال) المخطوط - هكذا: (محمد بن سنان، وقد اختلف في توثيقه وتضعيفه
والأقوى التوثيق كما وثقه بعض مشايخنا المعاصرين، فقد وثقة المفيد وجماعة، منهم
الحسن بن أبي شعبة في (تحف العقول) وابن طاووس في كتاب (التتمات والمهمات)
وروى الكشي ما يدل على توثيقه وروى له ذما كأمثاله من الخواص، ووجهه التقية
كما وقع التصريح به من الصادق - عليه السلام - عموما، ولعل ذلك سبب التضعيف
مع الغفلة عن كونه تقية، ومن أنه قال عند موته ما حاصله: إن ما رواه لم يسمعه
كله ولكنه وجده، وقد أنكر عليه بعض معاصريه ذلك، كما نقله الكشي، وقد
روى الكليني وغيره في جواز الفتيا الرواية بذلك، وإن كان السماع ونحوه أقوى
وهذا دليل على كمال احتياطهم في الرواية، أو سببه رواية بعض أحاديث الغلو
والتخليط، والتضعيف مخصوص بها، وقد روى مثلها الثقات، بل معاني بعضها
موجود في بعض الآيات، وهو لا يقتضي الضعف لأنه من المتشابهات المأولات
بالمجاز أو الاضمار، أو نحوهما، وقد أشار إلى ذلك الشيخ في (الفهرست) حيث
روى جميع رواياته إلا ذلك القسم، وقد عده في كتاب الغيبة من خواصهم
عليهم السلام - الممدوحين، وروى فيه حديثا، ويظهر من بعض الروايات
أنه كان وكيلا، وهو يدل على التوثيق).
وأما ما ذكره الحر - رحمه الله - في الفائدة الثانية عشرة من الفوائد التي ذكرها
في خاتمة (وسائل الشيعة) في تراجم الرجال الذين ذكرهم فيه (ج 3 ص 574)
طبع إيران، ما هذا نصه: (إن الكشي روى له مدحا جليلا يدل على التوثيق) ثم
قال: (وضعفه النجاشي والشيخ ظاهرا، والذي يقتضيه النظر أن تضعيفه إنما هو
من ابن عقدة الزيدي، ففي قبوله نظر، وقد صرح النجاشي بنقل التضعيف عنه
وكذا الشيخ، ولم يجز ما يضعفه، على أنهم ذكروا وجهه وهو أنه قال - عند موته -: كل
ما رويته لكم لم يكن لي سماعا وإنما وجدته، وهو لا يقتضي الضعف إلا بالنسبة إلى
الاحتياط التام في الرواية...) الخ.
260

ووجه الذم ما مر في زرارة وقد ذهب إلى توثيقه جماعة من مشايخنا المعاصرين
ومن قاربهم، والرواية عن محمد بن سنان كثيرة وتحقيق حاله مهم ويتوقف
ذلك على تفصيل ماله وعليه من المدح والقدح أما جهات المدح، فمن
أعظمها مدح الامام الهمام أبي جعفر - عليه السلام - له وثناؤه عليه وإظهاره
الرضا عنه - رواه الشيخان (1) فيما تقدم من كلامهما عن أبي طالب عبد الله
ابن الصلت وعلي بن الحسين بن داود. وروى الكشي عن محمد بن مسعود
قال: حدثني علي (*) بن محمد، قال: حدثني أحمد بن محمد عن رجل
عن علي بن الحسين بن داود القمي قال: سمعت أبا جعفر

(1) الشيخان: هما الشيخ النجاشي، والشيخ الطوسي - رحمهما الله -.
* الظاهر: أن علي بن محمد - هذا - هو علي بن محمد بن علي بن سعد
الأشعري القمي المعروف بابن متويه، ذكره الشيخان وغيرهما من غير توثيق
ويحتمل أن يكون هو علي بن محمد بن يزيد كما صرح به في بعض أسانيد الكشي
قاله في (الوسيط) في ترجمة مؤمن الطاق. (منه قدس سره)
261

- عليه السلام - يذكر صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان بخير، وقال:
رضي الله عنهما فما خالفاني وما خالفا أبي - قط - بعد ما جاء عنه فيهما ما قد
سمعه غير واحد (1) وعن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله
القمي قال: حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى عن رجل عن
علي بن الحسين بن داود القمي، قال: سمعت أبا جعفر الثاني - عليه
السلام - يذكر صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان بخير، وقال: رضي الله
عنهما برضائي عنهما فما خالفاني - قط - (2).
هذا مع ما جاء عنه فيهما ما قد سمعته من أصحابنا عن أبي طالب عبد الله
ابن الصلت القمي، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني - عليه السلام -
في آخر عمره، فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان
وزكريا بن آدم عني خيرا، فقد وفوا لي، ولم يذكر سعد بن سعد - قال -:
فخرجت فلقيت موفقا، فقلت له: إن مولاي ذكر صفوان ومحمد بن
سنان وزكريا بن آدم، وجزاهم خيرا، ولم يذكر سعد بن سعد - قال -:
فعدت إليه، فقال: جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا
ابن آدم وسعد بن سعد خيرا، فقد وفوا لي (3).
وقوله (عن أبي طالب) يحتمل الاتصال بسابقه، على أن يكون
تتمة رواية علي بن الحسين بن داود، ويكون المدح الذي سمعه - شفاها -
تأكيدا لما رواه غيره، والانقطاع عنه بأن يكون ابتداء رواية الكشي
(عن أبي طالب) بحذف الاسناد إليه. وعلى هذا، فقوله (بعد ما جاء
عنه فيهما) يحتمل أن يكون إشارة إلى ما جاء فيهما من المدح كرواية

(1) راجع: رجال الكشي (ص 424) طبع النجف الأشرف.
(2) أنظر: المصدر نفسه (423).
(3) أنظر: المصدر نفسه (ص 424).
262

عبد الله بن الصلت، أو القدح، وهو ما رواه الكشي - رحمه الله - عن
محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد القمي، قال: حدثني
أحمد بن محمد بن عيسى القمي، قال: بعث إلي أبو جعفر - عليه السلام -
غلامه، ومعه كتابه، فأمرني أن أصير إليه، فأتيته، وهو بالمدينة نازل
في دار (بزيع) فدخلت وسلمت عليه. فذكر في صفوان ومحمد بن سنان
وغيرهما ما قد سمعه غير واحد، فقلت في نفسي: أستعطفه على زكريا بن آدم
لعله أن يسلم مما قال في هؤلاء، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: من أنا
أتعرض في هذا وشبهه، مولاي هو أعلم بما يصنع، فقال لي: يا أبا
علي ليس على مثل أبي يحيى يعجل وقد كان من خدمته لابي ومنزلته عنده
وعندي من بعده... الحديث) (1).
وروى المفيد - طاب ثراه - هذا الحديث في كتاب (الاختصاص)
عن أحمد بن محمد عن أبيه، وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن
عيسى، وهو طريق صحيح (2).
وقد جاء القدح والمدح - معا - مترتبين فيما رواه الكشي عن محمد
ابن قولويه، قال: (حدثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن هلال عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع: إن أبا جعفر الثاني - عليه السلام - كان يخبرني
بلعن صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان، فقال: إنهما خالفا أمري، فلما
كان من قابل، قال أبو جعفر - عليه السلام - لمحمد بن سهل البحراني:
تول صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان، فقد رضيت عنهما) (3).

(1) راجع: رجال الكشي (ص 497) طبع النجف الأشرف، في ترجمة
زكريا بن آدم القمي، وأبو يحيى في هذا الحديث كنية لزكريا بن آدم القمي.
(2) راجع: الاختصاص (ص 87) طبع إيران سنة 1379 ه‍.
(3) راجع: رجال الكشي (ص 424) طبع النجف الأشرف.
263

لا يقال: هذه الأخبار - مع تدافعها - غير نقية السند، لضعف
أحمد بن هلال، وجهالة علي بن الحسين بن داود، وجهل الطريق إلى
عبد الله بن الصلت، فلا يصلح التعويل عليها في توثيق محمد بن سنان
ولا في حسن حاله. وأيضا، فقد صح حديث الطعن عليه فيما رواه المفيد
- رحمه الله - في (الاختصاص) فلا يعارض ذلك بالخبر الضعيف. وأما
صفوان، فهو - وإن شاركه في ذلك - إلا أنا قد علمنا الختم له بالحسنى
باجماع الصحابة عليه، فلا يقاس به غيره.
لأنا نقول: الاخبار المذكورة لا تقصر عن خبر واحد صحيح، فإنها
روايات متعددة مشهورة، ذكرها الكشي والمفيد والشيخ، واعتمد عليها
الشيخان في مدح محمد بن سنان، ونص المفيد على كونها مشهورة في
النقل، وفي كلام الكشي ما يؤذن بذلك، حيث أجاب عما ورد من الطعن
على الفضل بن شاذان: بان ذلك قد تعقبه الرضا من الامام - عليه السلام -
كما في صفوان ومحمد بن سنان (1).
ولولا اشتهار الحديث الوارد فيهما واعتباره عند الأصحاب، لما حسن
التنظير بهما، واقتران صفوان بن يحيى بمحمد بن سنان في الحديث الصحيح
المتضمن للقدح مع عدم ورود ما يزيله عنه سوى الاخبار المشتركة بينه
وبين ابن سنان من أوضح الشواهد على اعتبار هذه الأخبار عند الأصحاب
واستنادهم إليها في الذب عنه. على أن الظاهر من الشيخين أخذ حديث
عبد الله بن الصلت من كتابه المعروف عندهما. كما يشعر به اقتصارهما على
ذكره بحذف الطريق، فيكون الحديث صحيحا، وقد ذكر الشيخ في (الفهرست)
طريقه إليه، فقال: (عبد الله بن الصلت يكنى: أبا طالب القمي، له

(1) راجع: رجال الكشي بعنوان: أبو محمد الفضل بن شاذان (ص 451
رقم 416) طبع النجف الأشرف.
264

كتاب، أخبرنا جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله
عنه) (1) وله إليه - أيضا - في (كتابي الاخبار) عدة طرق صحيحة،
فإنه: يروي عنه بواسطة الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى ومحمد
ابن الحسن الصفار، وطريق الشيخ صحيح إلى الجميع (2).
وأما المدافعة، فمع اختصاصها بالبعض، مندفعة بحمل المخالفة في
رواية ابن بزيع على فعل الصغيرة غير المنافية للعدالة، أو حمل النفي
في حديث ابن داود على انتفاء المخالفة بعد توبته وتجدد الرضا عنه، واللعن
في الأول محمول على الابعاد لمصلحة، كما ورد مثله في كثير من الأعاظم.
وبالجملة، فالمستفاد من هذه الأخبار: علو شأن محمد بن سنان
وسلامته عما رمي به من الغلو والكذب، ونحوهما، وأن الطعن فيه للمصلحة
أو الاصلاح أو ثبوت المخالفة فيما يتعلق بأمر الوكالة، مما لا يقدح في
المطلوب، كما في صفوان، ومنها ما هو معلوم بالتتبع والنقل من جلالة
محمد بن سنان ورياسته وعلو شأنه وعظم قدره ولقائه أربعة من الأئمة
وروايته عنهم واختصاصه بهم، ووكالته لهم وكثرة رواياته في الأصول
والفروع وموافقتها لاخبار غيره من الاجلاء وسلامتها عما غمزوا عليه من
الغلو، وروايته النص الصريح على الرضا والجواد - عليهما السلام - وسلامة
مذهبه من الوقف ومن فتنة (الواقفة) التي أصابت كثيرا من الشيعة ممن
وقف وبقي على ذلك، كعلي بن أبي حمزة البطائني وأصحابه، أو وقف
ثم قطع، كأحمد بن محمد بن أبي نصر وجميل بن دراج وحماد بن عيسى

(1) فهرست الشيخ الطوسي: ص 104 برقم 437، طبع النجف الأشرف
سنة 1356 ه‍.
(2) انظر: مشيخة كتاب التهذيب الملحق بآخره، ومشيخة كتاب الاستبصار
الملحق بآخره.
265

ورفاعة بن موسى وعبد الرحمان بن الحجاج ويونس بن يعقوب وغيرهم،
مع اقتران النص الذي رواه بالاعجاز - بناء على ما هو الظاهر من إظهاره
له قبل أن يولد الجواد - عليه السلام - وظهور معجز أبي جعفر - عليه السلام -
فيه بعود بصره بعد ذهابه ببركة دعائه.
روى أبو عمرو الكشي، قال: (حدثني حمدويه، قال: حدثني
الحسن بن موسى، قال حدثني محمد بن سنان، قال: دخلت على
أبي الحسن موسى - عليه السلام - قبل أن يحمل إلى العراق بسنة - وعلي ابنه
- عليه السلام - بين يديه - فقال لي: يا محمد، قلت لبيك، قال:
إنه سيكون في هذه السنة حركة ولا تخرج منها. ثم أطرق ونكت في
الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلي، وهو يقول: ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء، قلت: وما ذلك جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني - هذا -
حقه، وجحد إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي بن أبي طالب - عليه
السلام - حقه وإمامته بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلمت: إنه قد نعى إلي نفسه
ودل على ابنه. فقلت: والله لئن مد الله في عمري لا سلمن إليه حقه،
ولا قرن له بالإمامة، وأشهد أنه من بعدك حجة الله على خلقه والداعي
إلى دينه. فقال لي: يا محمد، يمد الله في عمرك، وتدعوا إلى إمامته وامامة
من يقوم مقامه من بعده. فقلت: ومن ذاك - جعلت فداك -؟ قال:
محمد ابنه، قلت: الرضا والتسليم. قال: كذلك، وقد وجدتك في
صحيفة أمير المؤمنين - عليه السلام - أما إنك في شيعتنا أبين من البرق في
الليلة الظلماء، ثم قال: يا محمد، إن المفضل أنسي ومستراحي وأنت أنسهما
ومستراحهما، حرام على النار أن تمسك أبدا) (1).

(1) رجال الشكي: ص 428 - 429 بعنوان محمد بن سنان برقم 370
طبع النجف الأشرف.
266

وروى ذلك الكليني - رحمه الله - في (الكافي) والمفيد في (الارشاد)
بطريق آخر عن محمد بن سنان (1).
وروى الكشي - أيضا -: (عن حمدويه قال: حدثنا أبو سعيد
الادمي عن محمد بن مرزبان عن محمد بن سنان قال: شكوت إلى الرضا
- عليه السلام - وجع العين، فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر - عليه
السلام - وهو أول شئ، ورفع الكتاب إلى الخادم، وأمرني أن أذهب
معه، فقال: اكتم، فأتيناه وخادم قد حمله - قال - ففتح الخادم
الكتاب بين يدي أبي جعفر - عليه السلام - قال -: فجعل أبو جعفر
- عليه السلام - ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء، ويقول: ناج
ففعل ذلك - مرارا - فذهب كل وجع في عيني، وأبصرت بصرا لا يبصره
أحد - قال -: فقلت لابي جعفر (عليه السلام): جعلك الله شيخا على هذه الأمة
كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني إسرائيل، قال: ثم قلت: يا شبيه
صاحب فطرس - قال -: فانصرفت وقد أمرني الرضا - عليه السلام -
أن اكتم، فما زلت صحيح البصر حتى أذعت ما كان من أبي جعفر - عليه السلام -

(1) والطريق هكذا: محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن محمد بن علي
وعبيد الله بن المرزبان عن ابن سنان، قال: دخلت... الخ. ويقف الحديث على
كلمة (الرضا والتسليم). راجع: أصول الكافي، كتاب الحجة، باب الإشارة
والنص على أبي الحسن الرضا - عليه السلام - تسلسل الحديث (16)، طبع طهران
الجديد وراجع أيضا: إرشاد المفيد في فصل من روى النص على الرضا علي بن موسى
- عليهما السلام - والطريق هكذا: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن
يعقوب، عن محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي، وعبيد الله
ابن المرزبان، عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى... الخ، ويقف
الحديث على كلمة (الرضا والتسليم) أيضا.
267

في أمر عيني، فعاودني الوجع - قال -: قلت لمحمد بن سنان: ما عنيت
بقولك: يا شبيه صاحب فطرس؟ قال: فقال: إن الله تعالى غضب
على ملك من الملائكة يدعى (فطرس) فدق جناحه ورمى به في جزيرة
من جزائر البحر. فلما ولد الحسين - عليه السلام - بعث الله عز وجل
جبرئيل إلى محمد ليهنيه بولادة الحسين (عليه السلام) وكان جبرئيل صديقا لفطرس،
فمر به - وهو في الجزيرة مطروح - فخبره بولادة الحسين (عليه السلام) وما أمر
الله به، فقال له: هل لك أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك
إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يشفع فيك؟ - قال - فقال له فطرس: نعم. فحمله على
جناح من أجنحته حتى أتى به محمدا، فبلغه تهنئة ربه تعالى، ثم حدث
بقصة فطرس، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفطرس: امسح جناحك على مهد الحسين
وتمسح به، ففعل ذلك فطرس. فجبر الله تعالى جناحه ورده إلى منزله مع
الملائكة) (1).
وروى الكليني - طاب ثراه - عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد
عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن محمد بن سنان: قال: دخلت على
أبي الحسن - عليه السلام - فقال: يا محمد حدث بآل فرج حدث،
فقلت: مات عمر؟ فقال: الحمد لله، حتى أحصيت له أربعا وعشرين
مرة. فقلت: يا سيدي، لو علمت أن هذا يسرك لجئت حافيا أعدو
إليك، قال: يا محمد، أولا تدري ما قال - لعنه الله - لمحمد بن علي
أبي؟ قال: قلت: لا، قال: خاطبه في شئ، فقال أظنك سكران،
فقال أبي: اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائما، فأذقه طعم الحرب
وذل الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتى حرب ماله وما كان له، ثم
أخذ أسيرا، وهو ذا قد مات - لا رحمه الله - وقد أدال الله عز وجل

(1) رجال الكشي: ص 487 - 488 برقم 478 طبع النجف الأشرف.
268

منه، وما زال يديل أولياءه من أعدائه) (1).
(وعن سعد بن عبد الله والحميري - جميعا - عن إبراهيم بن مهزيار
عن أخيه علي بن الحسن بن سعيد عن محمد بن سنان، قال: قبض محمد
بن علي - عليه السلام - وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر
يوما، توفي يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين. عاش
بعد أبيه تسع عشرة سنة إلا خمسة وعشرين يوما) (2).
وقد علم من هذا الحديث وما قبله بقاء محمد بن سنان بعد أبي جعفر
- عليه السلام - ولقاؤه أبا الحسن الثالث - عليه السلام - وروايته عنه.
ولم يذكر ذلك أحد من علماء الرجال.
وقد ذكر النجاشي وغيره: أن محمد بن سنان مات سنة عشرين
ومائتين، وهذا لا يكاد يجتمع (3) مع ما تقدم عن محمد بن سنان من وفاة
أبي جعفر - عليه السلام - في شهر ذي الحجة من هذه السنة، فلا تغفل.
ومنها - رواية جماهير الاجلاء والأعاظم عنه، فقد أسند عنه من
الفقهاء الثقات الاثبات المتحرزين في الرواية والنقل: أحمد بن محمد بن
عيسى وأيوب بن نوح والحسن بن سعيد بن سعيد والحسن بن علي بن يقطين والحسين
ابن سعيد وصفوان بن يحيى والعباس بن معروف وعبد الرحمان بن أبي نجران
وعبد الله بن الصلت والفضل بن شاذان ومحمد بن إسماعيل بن بزيع
ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وموسى بن القاسم
.

(1) أنظر: كتاب الحجة من أصول الكافي - باب مولد أبي جعفر محمد بن
علي الثاني - عليه السلام - (ج 1: ص 496 - ص 497) طبع إيران سنة 1381 ه‍
(2) راجع: المصدر السابق نفسه (ص 497).
(3) وحمله على موته في أواخر ذي الحجة بعد لقائه الهادي - عليه السلام -
وروايته عنه، لا يخلو عن بعد (منه قدس سره).
269

ويعقوب بن يزيد ويونس بن عبد الرحمان.
ومن مشاهير الرواة الموثقين أو المقبولين: إبراهيم بن هاشم وأحمد
ابن محمد بن خالد والحسن بن الحسين اللؤلؤي والحسن بن علي بن فضال
وشاذان بن الخليل وعلي بن أسباط وعلي بن الحكم ومحمد بن أحمد بن
يحيى ومحمد بن خالد البرقي ومحمد بن عيسى بن عبيد، وغيرهم.
وأروى الناس عنه: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب. وقد قال النجاشي
فيه: (... انه جليل من أصحابنا عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة عين
حسن التصانيف، مسكون إلى روايته) (1).
وكذا أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، مع ما علم من تحفظه في
النقل وتسرعه إلى القدح ونفيه الاجلاء بتهمة الغلو والرواية عن الضعفاء.
وكتب الحديث مشحونة بروايات محمد بن سنان قد رواها جميع أصحابنا
الكوفيين والقميين. وأوردها صاحب (نوادر الحكمة) فيه (2) ولم يستثنها
محمد بن الحسن بن الوليد واتباعه منه، وملأ بها ثقة الاسلام الكليني
- قدس سره - جامعه (الكافي) أصولا وفروعا. ونقلها رئيس المحدثين
(الصدوق) في كتابه الذي ضمن أن لا يورد فيه إلا ما هو حجة بينه وبين ربه. وذكر في (المشيخة): (إن ما يرويه عنه فقد رواه عن
أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عنه) (3).
وأكثر الشيخ في (كتابيه) (4) من الرواية عنه. وروى في (الفهرست):
(1) رجال النجاشي: ص 257 طبع إيران.
(2) راجع في التعريف بكتاب (نوادر الحكمة): تعليقتنا في (ج 1 ص 348)
من هذا الكتاب.
(3) راجع ذلك في مشيخة (من لا يحضره الفقيه) المدرج في آخره.
(4) كتاباه: هما التهذيب، والاستبصار. (*)
270

كتبه عن جماعة، ومنهم المفيد عن الصدوق عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد بن
عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد عنه.
وذكر الشيخ الثقة الجليل أبو غالب أحمد بن محمد بن سليمان الزراري
- رضي الله عنه - في (رسالته) إلى ولد ولده أحمد بن عبد الله بن أحمد
في جملة الكتب التي أوصى بها إليه ووصاه بحفظها، وأجاز له روايتها -:
كتابي الطرائف، والنوادر وغيرهما من كتب محمد بن سنان. وقال: حدثني
بكتاب الطرائف جدي محمد بن سليمان، عن محمد بن الحسين عن محمد
ابن سنان، وحدثني بكتاب النوادر أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد
المعاذلي عن جدي أبي طاهر محمد بن سليمان عن محمد بن الحسين عنه - قال -: وهو بخط جدي أبي طاهر - رضي الله عنه - (1).
وإطباق هؤلاء العلماء العدول على الرواية عنه والاعتناء بأخباره وتدوينها
في الكتب الموضوعة للعمل، كاشف عن حسن حاله وقبول رواياته.
هذه وجوه المدح. وأما جهة القدح، فهي أمور:
الأول - الغلو، قاله ابن الغضائري والكشي في موضع من كتابه (2)
وذكر خلاف ذلك في موضع آخر (3) ولوح إليه الشيخ في (الفهرست) (4)
ونص في (كتاب الغيبة) على ما ينافيه. (5).
(1) راجع: رسالة أبي غالب المذكورة، وقد طبعت ببغداد سنة 1373 ه‍
وأدرجها العلامة المحدث الشيخ يوسف البحراني - صاحب الحدائق - في كشكوله
(ج 1 ص 180) طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه‍.
(2) راجع: رجال الكشي (ص 486، ص 487، 488) طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: المصدر - نفسه (ص 423، ص 424، ص 429).
(4) راجع: (ص 143) من الفهرست طبع النجف الأشرف سنة 1356 ه‍.
(5) راجع: كتاب الغيبة (ص 211) طبع النجف الأشرف (*).
271

واختلفت الرواية في ذلك عن صفوان مع ضعفها: ففي إحدى
الروايتين: (إنه كان من الطيارة فقصصناه) وفي الأخرى: (لقد هم
بأن طير غير مرة فقصصناه) (1) والفص متحقق على الروايتين، وغاية
الامر حصول شئ كان وزال - كما قاله النجاشي - (2).
ويشهد لانتفاء الغلو من أصله أو عدوله إلى الاستقامة بعد حصوله:
سلامة رواياته عنه وصراحتها في اعتقاده لامامة الأئمة - عليهم السلام -
واثبات صفات البشرية لهم، واعتماد القميين عليه، وهم أشد شئ في هذا الامر
سيما أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن
علي بن بابويه - رحمهم الله - كما هو معلوم من طريقتهم - ومخالطة الفقهاء
له - كأحمد بن محمد بن أبي نصر، وصفوان بن يحيى، ويونس بن
عبد؟ الرحمان، كما يعلم من تتبع الاخبار. وما تقدم من الخبر الصريح في
تنزيهه عنه (3) - وان كان في طريقه ضعف - فإنه لا يمنع من التأييد لغيره
مع ما سبق من كثرة التساهل في الرمي بالغلو في كلامهم عموما - وفي كلام
ابن الغضائري - خصوصا -.
فأما ما رواه الكشي عنه: (إنه كان يقول في مسجد الكوفة: من
أراد المضمئلات فإلي، ومن أراد الحلال والحرام فعليه بالشيخ) يعني
صفوان بن يحيى (4).
فلا دلالة فيه على الغلو، فان المضمئلات هي المشكلات، ولا شك

(1) راجع: رجال الكشي (ص 428) طبع النجف الأشرف.
(2) راجع: (ص 252) من رجاله، طبع إيران.
(3) يشير إلى الخبر الذي رواه الكشي في رجاله وفيه: (فقال صفوان:
هذا ابن سنان لقد هم أن يطير غيره مرة فقصصناه حتى ثبت معنا).
(4) راجع: رجال الكشي (ص 428).
272

أن حديث أهل البيت - عليهم السلام - صعب مستصعب.
وأما ما رواه عن بعض كتب الغلاة - قال -: وهو كتاب الدور،
عن الحسن بن علي عن الحسن بن شعيب عن محمد بن سنان، قال: دخلت
على أبي جعفر الثاني - عليه السلام - فقال لي: يا محمد، كيف أنت إذا
لعنتك وبرئت منك وجعلتك محنة للعالمين، أهدي بك من أشاء، وأضل
بك من أشاء - قال قلت: تفعل بعبدك ما تشاء يا سيدي إنك على كل شئ
قدير - ثم قال -: يا محمد أنت عبد قد أخلصت لله وإني ناجيت الله فيك
فأبى إلا أن يضل بك كثيرا ويهدي بك كثيرا (1).
فهذا الخبر من أكاذيب الغلاة وموضوعاتهم، وقد نص الكشي على
أخذه من كتبهم. والحسن بن علي - هذا - هو ابن أبي عثمان الملقب ب‍ (سجادة)
ضعيف ملعون من العليائية فلا يحتج بروايته، خصوصا فيما يتعلق بمذهبه (2)
الثاني: الطعن عليه، والأصل في هذا الطعن: الفضل بن شاذان
- رحمه الله - فإنه عده من الكذابين المشهورين، وقرنه بأبي الخطاب وأبي
سمينة وابن ظبيان ويزيد الصائغ. وقال: لا أستحل أن أروي أحاديث
محمد بن سنان، ولا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان عني (3)
وهذه المبالغة العظيمة منه تربب اللبيب، فان كل من نظر في الاخبار
وعرف الرجال، يعلم أن محمد بن سنان ليس كأبي الخطاب وأبي سمينة
وأضرابهما، ولا ممن يقرن بهم أن يقرب منهم، وإنه - على تقدير ضعفه -

(1) راجع: رجال الكشي (ص 487) طبع النجف الأشرف.
(2) راجع: ترجمة الحسن بن علي سجادة في رجال الكشي (ص 478 -
ص 479) برقم 465، وراجع أيضا رجال النجاشي (ص 48) والخلاصة
(ص 212) برقم (4) في القسم الثاني منه، طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: رجال الكشي (ص 428، ص 457).
273

ليس من الكذابين المشهورين أو ممن تحرم الرواية عنه، إن ثبت تحريم
الرواية عن أحد من الضعفاء. كيف، والفضل - رحمه الله - هو أحد
المكثرين عن محمد بن سنان، وروايته عنه دراية، ومنعه عنها رواية. وقد
روي عنه الاذن فيها بعد موته (1) ومعلوم أن الموت لا يحل محرما، ولا يبيح
محظورا. وقد حكى ابن داود - في ترجمة محمد بن علي المكنى ب‍ (أبي
سمينة) عن الفضل: أنه قال: (إن الكذابين المشهورين أربعة: أبو الخطاب
ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ، وأبو سمينة وهو أشهرهم) (2) وهذا
يدل على خروج محمد بن سنان عنهم ولعل النسخ في ذلك كانت مختلفة
أو أن الزيادة في بعضها من الدسائس في كتب الفضل.
الثالث - ما حكاه حمدويه عن أيوب بن نوح عنه: أنه قال - قبل
موته -: إن كلما حدثتكم به لم يكن لي سماعا ولا رواية، وانما وجدته.
وقد علل أيوب بن نوح ترك الرواية عن محمد بن سنان بذلك في إحدى
روايتي حمدويه عنه (3). وقال في الأخرى: لا أستحل أن أروي أحاديث
محمد بن سنان (4).
والظاهر بقرينة الأولى -: أن الوجه في ذلك هو ما ذكره في تلك
الرواية: من كون أخباره كلها وجادة من غير سماع ولا رواية.
وفيه - أولا -: أن الظاهر اعتبار الوجادة إذا كان الكتاب معروف

(1) المصدر - نفسه - (ص 428).
(2) راجع: رجال ابن داود الحلي - القسم الثاني - (ص 507) برقم
(454) طبع طهران، دانشگاه.
(3) راجع: الرواية المذكورة في (رجال الكشي: ص 427) وهي تتضمن
تعليل أيوب بن نوح ترك الرواية عن محمد بن سنان.
(4) راجع: المصدر - نفسه - (ص 428).
274

الانتساب إلى مؤلفه، كما يستفاد من الروايات المعتبرة (1) - وثانيا -: إن
هذه الكلية المنقولة عنه مخالفة لما هو معلوم بالضرورة: من روايته عن الأئمة

(1) الوجادة - بكسر الواو - وهي مصدر وجد يجد، مولد من غير العرب
غير مسموع من العرب الموثوق بعربيتهم، وإنما ولده العلماء بلفظ الوجادة لما أخذ
من العلم من صحيفة، من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة، قال ذلك الشهيد الثاني
- رحمه الله - في كتاب (دراية الحديث) ص 107، طبع النجف الأشرف سنة
1379 ه‍، ثم قال: (وهذا النوع من أخذ الحديث ونقله أن يجد انسان كتابا
أو حديثا مروي انسان بخطه معاصر له، أو غير معاصر، ولم يسمعه منه هذا الواجد
ولا له منه إجازة ولا نحوها، فيقول: وجدت، أو أقرأت بخط فلان، أو في كتاب
فلان بخطه: حدثنا فلان، ويسوق باقي الاسناد. أو يقول: وجدت بخط فلان
عن فلان (الخ) هذا الذي استقر عليه العمل قديما وحديثا... هذا كله إذا وثق
بأنه خط المذكور أو كتابه).
وفي جواز العمل بالوجادة الموثوق بها قولان للمحدثين والأصولين. وحجة
المجوزين: بأنه لو توقف العمل بها على الرواية لانسد باب العلم بالمنقول لتعذر
شرط الرواية بها، غالبا، وبعموم حجية الخبر السالم عن المعارض، فان عمدة دليل
حجيته - وهو بناء العقلاء على العمل بالخبر الموثوق به - جار في الخبر الكتبي كجريه
في اللفظي، فانا نرى العقلاء متسالمين على اعتبار النقوش والكتابة والاعتماد عليها
مع الوثوق بها والأمن من عروض التغيير والتزوير عليها من دون تأمل من أحد
ولا مناقشة أصلا، وعلى هذا جرت السيرة في عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة - عليهم السلام - مع اطلاعهم على ذلك، واقرارهم، بل وفعلهم هم في
أنفسهم، وجريهم - عليهم السلام - على ذلك، فترى الامام - عليه السلام - يكتب
إليه الراوي بما يريد، ويكتب إليه الامام - عليه السلام - بجوابه.
هذا مضافا إلى الأحاديث الكثيرة الدالة على أمر الأئمة - عليهم السلام -
أصحابهم بكتابة ما يسمعونه منهم وتأليفه وجمعه قائلين: إنه سيأتي على الناس
زمان لا يأنسون إلا بكتبهم، بل وأمروا بالعمل بتلك الكتب، كما في
الخبر الذي رواه الشيخ الطوسي - رحمه الله - في كتاب الغيبة (ص 239) طبع
النجف الأشرف، عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح
- رضي الله عنه - وفيه - بعد ما سئل الشيخ عن كتب الشلمغاني -: (أقول فيها
ما قال أبو محمد الحسن بن علي - عليه السلام - وقد سئل عن كتب بني فضال،
فقالوا: ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ قال: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا).
وما رواه الكليني - رحمه الله - في الكافي (ج 1 ص 53) من كتاب فضل
العلم - باب رواية الكتب والحديث - الحديث (15) طبع طهران سنة 1381 ه‍،
قال: (عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن بن أبي خالد
- شينولة - قال: قلت لابي جعفر الثاني - عليه السلام -: جعلت فداك إن مشايخنا
رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله - عليهما السلام - وكانت التقية شديدة فكتموا
كتبهم ولم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب الينا، فقال: حدثوا بها فإنها حق)
وأما حجة المانعين من العمل بالوجادة فعديدة، راجعها في كتاب (مقباس
الهداية) في دراية الحديث للمغفور له الحجة الفقيه المامقاني، والملحق بآخر الجزء
الثالث من (تنقيح المقال) في الرجال (ص 102، ص 203) طبع النجف الأشرف
فقد ذكرها وأجاب عنها، ورجح أخيرا العمل بالوجادة الموثوق بها، وانظر
أيضا: (دراية الحديث) للشهيد الثاني - رحمه الله - (ص 109) طبع النجف الأشرف، وباقي كتب الدراية.
275

- عليهم السلام - بالمشافهة، ولا يتصور في مثله أن يكون من باب الوجادة،
إلا أن يخص العموم بما رواه عن غيره. وهذا - أيضا - مقطوع بعدمه
للعلم العادي بأنه قد روى عن أصحاب الأئمة وأخذ عنهم كثيرا من الأحاديث
سماعا، وحمل كلامه على إرادة نفي العموم دون عموم النفي في غاية البعد
276

وثالثا - بأن الكلام المنقول عن أيوب بن نوح - رحمه الله -
هنا متدافع، فان حمدويه بن نصير حكى عنه أنه دفع إليه دفترا فيه
أحاديث محمد بن سنان، وقال: إذا شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا،
فإني كتبت عن محمد بن سنان ولكن لا أروي لكم عنه شيئا. وعلل الامتناع
بما حكاه عنه. والتدافع في ذلك ظاهر، فان دفع الدفتر الذي أخرجه
إلى حمدويه، وقوله: (إذا شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا) صريح في
الرخصة. وقول حمدويه في روايته الأخرى -: (كتبت أحاديث محمد
ابن سنان عن أيوب بن نوح) (1) واضح الدلالة على روايته له أحاديث
ابن سنان، فلو كانت الرواية عنه محرمة غير جائزة كما ذكره لم يستقم ذلك.
وظني أن الرجل قد أصابته آفة الشهرة، فغمز عليه بعض من
عانده وعاداه بالأسباب القادحة من الغلو والكذب، ونحوهما، حتى شاع
ذلك بين الناس واشتهر ولم يستطع الأعاظم الذين رووا عنه كالفضل بن
شاذان وأيوب بن نوح وغيرهما دفع ذلك عنه فحاولوا بما قالوا رفع الشنعة
عن أنفسهم، كما يشهد به صدور هذه الكلمات المتدافعة عنهم، ثم سرى
ذلك إلى المتأخرين الذين هم أئمة الفن، مثل الكشي والنجاشي والمفيد
والشيخ وابن شهرا شوب والسيدين الجليلين ابني طاووس والعلامة وابن
داود وغيرهم، فضعفته طائفة، ووثقته أخرى، واضطرب آخرون،
فاختلف كلمتهم فيه، كما علمت ذلك مما نقلناه عنهم مفصلا، وفي أقل
من هذا الاختلاف والاضطراب ما يمنع التعويل والاعتماد على ما قالوه (2)

(1) أنظر: الرواية الأولى في رجال الكشي (ص 427) والرواية الثانية
(ص 332).
(2) وللسيد رضي الدين بن طاووس - رحمه الله - كلام في محمد - هذا -
وأشباهه (محصله) إن جلالة قدرهم وشدة اختصاصهم بأهل العصمة
- سلام الله عليهم - هو الذي أوجب انحطاط منزلتهم عند الشيعة، لأنهم - عليهم
السلام - لشدة اختصاصهم بهم أطلعوهم على الاسرار المصونة عن الأغيار،
وخاطبوهم بما لا يحتمله أكثر الشيعة، فنسبوا إلى الغلو، وارتفاع القول وما شاكلهما)
هكذا ذكر الشيخ أبو علي الحائري في كتاب رجاله (منتهى المقال) في ترجمة محمد بن سنان
277

فبقيت الوجوه التي ذكرناها - أولا. - سالمة عن المعارض، وعاد
المدح والتزكية من بعضهم عاضدا ومؤيدا لها، واستبان من الجميع: أن
الأصح توثيق محمد بن سنان.
ومن طريف ما اتفق لبعض العارفين: أنه تفاءل لاستعلام حال
محمد بن سنان من الكتاب العزيز، فكان مما وقع عليه النظر قوله
- عز وجل - (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (1) والله العالم بأسرار عباده (2)
محمد بن شجاع القطان:
الظاهر: إنه مؤلف كتاب معالم الدين في فقه آل يس: وقد تكرر
ذكره في الإجازات: وهو يروي عن المقداد بن عبد الله السيوري عن
الشهيد.
وفي إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي - والد
الشيخ البهائي -: (وعن الشيخ شمس الدين بن داود عن السيد الاجل
المحقق السيد علي بن دقماق الحسيني، عن الشيخ الفاضل المحقق شمس الدين
محمد بن شجاع القطان عن الشيخ المحقق أبي عبد الله المقداد بن عبد الله

(1) سورة فاطر، آية (28).
(2) ذكر المولى الأردبيلي - رحمه الله - في جامع الرواة (ج 2 ص 124)
جماعة كثيرة لهم الرواية عنه، وأن له - نفسه - روايات في الكافي، ومن لا يحضره
الفقيه، والتهذيب والاستبصار، فراجعها.
278

السيوري الحلي الأسدي عن الشهيد) (1).
ثم رأيته في إجازة الشيخ شمس الدين محمد الشهير بابن المؤذن شيخ
الشهيد الثاني، وابن عم الشهيد الأول (2) قال: (وأجزت له أن يروي
عني جميع كتب أصحابنا الماضين عن السيد علي بن ذقماق عن شيخه الشيخ
محمد بن شجاع القطان عن شيخه أبى عبد الله المقداد) (3).
وذكره الشيخ محمد الحر العاملي في كتاب (أمل الامل) وقال:
(الشيخ شمس الدين محمد بن شجاع القطان. فأفضل صالح، يروي عن
المقداد بن عبد الله السيوري) (4).

(1) أنظر: صورة إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد
العاملي في (كتاب الإجازات) للمجلسي الثاني الملحق بآخر أجزاء البحار، وفي
كشكول الشيخ يوسف البحراني (ج 2 ص 201) طبع النجف الأشرف.
(2) الذي نص على أن ابن المؤذن ابن عم الشهيد الأول هو صاحب (أمل
الامل) في ترجمته، ونسب ذلك إلى الشهيد الثاني في بعض إجازاته، ويريد ببعض
إجازاته: هي إجازته للشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد العاملي والد البهائي
المدرجة في كتاب الإجازات للمجلسي، وفي (ج 2 ص 201 من كشكول الشيخ
يوسف البحراني) طبع النجف الأشرف، ولعل كونه ابن عم الشهيد باعتبار إخوة
أبيه لوالد الشهيد من الأم وإلا فالأب مختلف كما لا يخفى، فان أبا الشهيد مكي بن
أحمد، وأبا ابن المؤذن محمد، فاطلاق ابن العم بالمعنى الأعم بعيد هنا، ذكر ذلك
الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين (ص 171) طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍.
(3) انظر ذلك في إجازة الشيخ شمس الدين محمد بن المؤذن الجزيني للشيخ
علي بن عبد العالي الميسي، المدرجة في كتاب الإجازات للمجلسي الثاني الملحق
بآخر أجزاء البحار (ص 55) طبع إيران سنة 1315 ه‍.
(4) راجع: الجزء الثاني ص 275 برقم 811 طبع النجف الأشرف.
279

ووجدت في ظهر نسخة لهذا الكتاب: (بلغ مقابلة من أوله إلى
آخره مع النسخة التي قرئت على مصنفه، وفيه خطه طاب ثراه، وهو
محمد بن شجاع الأنصاري الحلي) ويظهر من تتبع الكتاب فضيلة المصنف
وهو على طريقة الفاضلين (1) في أصول المسائل، لكنه قد يغرب في التفاريع
والذي أرى صحة النقل عنه (2).
محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار.
أبو جعفر الكوفي البجلي مولى بجيلة، من مشاهير الرواة وعلمائهم،
وهو أحد رجال (نوادر الحكمة) (3) كثير الرواية، واسع الطريق. روى
(1) الفاضلان - هنا - العلامة الحلي، والمحقق الحلي صاحب الشرائع.
(2) وقد روى عن محمد بن سنان - هذا - جماعة كثيرة من الاعلام المحدثين،
منهم: محمد بن أبي الصهبان، ومحمد بن أبي الخطاب، وأحمد بن محمد بن عيسى
- بغير واسطة وبواسطة - ومحمد بن علي الصيرفي أبو سمينة، والحسن بن شمون،
والفضل بن شاذان، وأبوه شاذان، وأيوب بن نوح، والحسن بن موسى، ويونس
ابن عبد الرحمن، ومحمد بن عيسى العبيدي، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان
والحسن بن شعيب، ومحمد بن المرزبان، وحمزة بن يعلى، ومحمد بن خالد البرقي
وموسى بن قاسم، والمرزبان، وعلي بن الحكم، والحسن بن محبوب على ندرة.
هؤلاء الذين ذكرهم الشيخ محمد أمين الكاظمي في (هداية المحدثين) وزاد
عليهم المولى الأردبيلي الحائري في جامع الرواة (ج 2 ص 124) جماعة آخرين،
فراجعه.
ولمحمد بن سنان رويات كثيرة في الكتب الأربعة الحديثية للمحمدين الثلاثة
ذكرها المولى الأردبيلي.
(3) راجع: في التعريف بنوادر الحكمة تعليقتنا في (ج 1 ص 348) من
هذا الكتاب. (*)
280

عنه الاجلاء والثقات، كأحمد بن محمد بن خالد وسعد بن عبد الله
وعبد الله بن جعفر وعلي بن الحسن بن فضال وعلي بن مهزيار ومحمد بن
أبي عمير ومحمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن علي بن محبوب ومحمد بن
عيسى، وغيرهم...
وروى عن جمع كثير (1) منهم أحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن
ابن الجهم، وسيف بن عميرة وصفوان بن يحيى وعاصم بن حميد وعلي
ابن الفضل الواسطي ومحمد بن جندب ومحمد بن حفص، ومحمد بن عمر
ابن يزيد، ومحمد بن الوليد الخزاز، ومنصور بن يونس، ويحيى بن
عمر، ويونس بن يعقوب، أدرك عصر الرضا والجواد والهادي والعسكري
- عليهم السلام - ولا تحضرني - الآن - رواية له عنهم - عليهم السلام -
والشيخ في (الرجال) - بعد أن ذكره في أصحاب الرضا والعسكري
- عليهما السلام - (2) قال في (باب من لم يرو عنهم - عليهم السلام) -:
(محمد بن عبد الحميد روى عنه ابن الوليد) (3).
ومحمد بن عبد الحميد - هذا - هو ابن عبد الحميد بن سالم، فإنه
واحد في حديث أصحابنا غير مشترك. ولعله عاصر الأئمة - عليهم السلام -

(1) ذكر المولى الأردبيلي في (جامع الرواة: ج 2 ص 136) طبع إيران
جماعة كثيرة ممن يروي عنهم أيضا، وكذا الكاظمي في (هداية المحدثين - مخطوط -
فراجعهما.
(2) راجع - من الرجال -: ص 387 برقم 10 باب الميم، أصحاب الرضا
- عليه السلام - وص 435 برقم 10 باب الميم، أصحاب العسكري - عليه السلام -
طبع النجف الأشرف.
(3) المصدر الانف: ص 492 برقم 6 باب الميم، باب من لم يرو عنهم
- عليهم السلام -.
281

ولم يتفق له اللقاء، أو كان من أصحاب اللقاء دون الرواية، ولو ثبت
له رواية أمكن أن يكون عده فيمن لم يرو لبقائه إلى زمانهم. وقد وقع
للشيخ مثله - كثيرا - كما سبق التنبيه عليه في مواضعه، ولا استعباد في
بقائه إلى عصر الغيبة مع وجوده في زمن الرضا - عليه السلام - فان بين
وفاته ووفاة العسكري - عليه السلام - سبعا وخمسين سنة، فلو عمر ثمانين
- مثلا - أمكن الجمع.
وذكر الشيخ في أصحاب الجواد - عليه السلام - محمد بن سالم بن
عبد الحميد بتقديم (سالم) (1).
وقال الكشي - رحمه الله: (محمد بن الوليد الخزاز ومعاوية بن حكيم
ومصدق بن صدقة ومحمد بن سالم بن عبد الحميد، كلهم فطحية من
أجلة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا - عليه السلام -
وكلهم كوفيون) (2).
والظاهر أن محمد بن سالم بن عبد الحميد هو محمد بن عبد الحميد
ابن سالم، وفي الكلام تقديم وتأخير أو أن نسبته إلى عبد الحميد - في كلام
الأكثر - نسبة إلى الجد دون الأب. فهو محمد بن سالم بن عبد الحميد
ابن سالم. ولم نجد في الاخبار محمد بن سالم بن عبد الحميد. نعم في
جملة من أسانيد الكافي: (أبو علي الأشعري عن محمد بن سالم عن أحمد
بن محمد بن أبي نصر) (3) والطبقة تلائم محمد بن عبد الحميد، لكنها غير

(1) راجع: المصدر الانف: ص 406 باب الميم برقم 22.
(2) رجال الكشي: ص 471 برقم 441 - 444 طبع النجف الأشرف.
(3) من الأسانيد المذكورة ما جاء في أصول الكافي (ج 2 ص 649) من كتاب
العشرة - باب التسليم على أهل الملل - طبع إيران سنة 1381 ه‍، ومنها ما في (ج 2 ص
654) - كتاب العشرة أيضا - باب العطاس والتسميت، ومنها ما في فروع الكافي
كتاب الجنائز - باب ثواب المريض (ج 3 ص 115) وكتاب الجنائز أيضا -
باب صلاة النساء على الجنازة (ص 179)، ولكن في بعض هذه الأسانيد (...
عن أحمد بن النضر) بدل (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر) فراجعها.
282

متعينة له. مع احتمال أن تكون النسبة فيها إلى (سالم) نسبة إلى الجد.
والمستفاد من كلام الكشي: أن محمد بن سالم بن عبد الحميد من
المشاهير كسائر نظرائه. ولا ريب في أن المعروف في الاخبار والمشهور عند
علماء الرجال: هو محمد بن عبد الحميد بن سالم، فيقرب الاتحاد جدا
ويلزم منه توثيق محمد بن عبد الحميد مع فساد مذهبه، لكنه خلاف ما يظهر
من علماء الرجال، فإنهم - جميعا - ذكروا محمد بن عبد الحميد ولم يطعن
فيه أحد منهم بفساد المذهب، ولا أشار إلى ذلك، مع حكايتهم قول
الكشي في محمد بن سالم في عدة مواضع، وهذا يعطي أنهم بنوا على التغاير
دون الاتحاد.
وقال النجاشي: (محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر
روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى - عليه السلام - وكان ثقة من
أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر، أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر بالكتاب) (1)
والضمير في قوله (وكان ثقة) يحتمل العود إلى كل من الأب والابن
واختلفت الانظار في الترجيح. ولا ريب أن الأقرب صرفها إلى الأب
لأنه الأقرب، ولان الرجوع إليه هو الأوفق بنظم الكلام لمكان العاطف
وظهور عطف (كان) على (روى) والعبارة مسلطة على فهم ذلك،
ولا يعارضه كون الابن هو صاحب الترجمة والمحدث عنه فيها، فان
الاستطراد في كلام النجاشي - رحمه الله - في التوثيق وغيره في غاية الكثرة

(1) رجال النجاشي: ص 261 طبع إيران.
283

كما يظهر لمن تتبع كتابه. ولا يقدح في ذلك خلو صاحب الترجمة عن
التوثيق، فان وضع كتابه - كما يفصح عنه التصفح ويدل عليه كلامه في
أوله - على ذكر أصحاب الأصول والمصنفات وبيان الطريق إلى كتبهم
من دون التزام الجرح والتعديل فان التراجم خالية عنهما في الأغلب.
والضمير في قوله: (له كتاب) راجع إلى صاحب الترجمة وهو
محمد بن عبد الحميد.
ويدل عليه - مع ما علم من طريقة النجاشي وغيره من اختصاص
الكتب بأصحاب التراجم - تصريح الشيخ والسروي بنسبة الكتاب إلى محمد
ففي (المعالم): (محمد بن عبد الحميد، له كتاب) (1).
وفي (الفهرست): (محمد بن عبد الحميد، له كتاب، أخبرنا
به جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عنه) (2)
وفي هذا - مضافا إلى نسبة الكتاب إلى محمد - مساواة الوسائط لما
في (رجال النجاشي) في العدد، وموافقة الحميري للبرقي في الطبقة (3).
ويشهد لكون الكتاب لمحمد: عدم وضع ترجمة لأبيه عبد الحميد في
(رجال النجاشي) واستطراده عند ذكر ابنه، كما تقتضيه عادته فيمن
ليس له كتاب. وكذا قول الشيخ في رجاله باب أصحاب الصادق - عليه
السلام -: (عبد الحميد أسند عنه) (4) بناء على أن المراد بن تلقي الحديث

(1) معالم العلماء لابن شهرآشوب: ص 109 برقم 747 طبع النجف الأشرف
(2) فهرست الشيخ الطوسي: ص 153 برقم 675 طبع النجف الأشرف.
(3) المراد: عبد الله بن جعفر الحميري المذكور في عبارة النجاشي، وأحمد
ابن أبي عبد الله البرقي المذكور في عبارة الشيخ في الفهرست.
(4) راجع: رجال الشيخ الطوسي ص 236 - باب أصحاب الصادق - عليه
السلام -، برقم (216) طبع النجف الأشرف، ولكن الذي فيه وفي المخطوطة
(عبد الحميد العطار الكوفي أسند عنه) ولعل سيدنا - قدس سره - اختصر العبارة.
284

من الراوي سماعا مقابلة الاخذ من الكتاب، كما يشهد به تتبع موارد
استعمال هذه العبارة التي اختص بها الشيخ في (كتاب الرجال) واحتمال
عود الضمير - هنا أيضا - إلى عبد الحميد حتى تكون الجمل الثلاث كلها
له - مع بطلانه بما قلناه - يقتضي خلو صاحب الترجمة عن جميع ما اشتملت
عليه، فلا يكون له فيها حظ - أصلا - غير بيان أنه ابن رجل ثقة
صاحب كتاب. ومعلوم أن هذا غير مقصود من وضع الترجمة له، ولولا
هذه التتمة وهي قوله (له كتاب) لكان المتجه صرف التوثيق إلى صاحب
الترجمة دون أبيه، وإلا لخلت عن بيان حال صاحبها بالكلية. وكلام
الفاضلين (1) في هذا المقام لا يخلو من تشويش، فإنهما ذكرا محمد بن
عبد الحميد في (القسم الأول من كتابيهما) وصححا طريق الصدوق إلى
منصور بن حازم (2) - وهو فيه - وقالا - في ترجمة محمد بن عبد الحميد
ابن سالم العطار: (أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى
- عليه السلام - وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين) (3) وهذه العبارة هي
- بعينها - عبارة النجاشي المتقدمة، غير أنها مقتطعة عما بعدها وهو قوله

(1) يعني: العلامة وابن داود الحليين في رجاليهما.
(2) أنظر: تصحيح العلامة لطريق الصدوق - رحمه الله - إلى منصور بن
حازم في الفائدة الثامنة من الفوائد التي جعلها خاتمة للخلاصة (ص 277) طبع
النجف الأشرف، وفي آخر رجال ابن داود في التنبيهات في آخر رجاله (ص 559)
طبع طهران دانشكاه.
(3) راجع: رجال العلامة - الخلاصة - القسم الأول (ص 154) باب
محمد، برقم 84، طبع النجف الأشرف، ورجال ابن داود الحلي (ص 321 رقم
1410) باب الميم من القسم الأول، طبع طهران دانشكاه.
285

(له كتاب) وظاهرها - مع القطع بالتقريب المذكور آنفا - عود التوثيق
إلى صاحب الترجمة، وهو محمد، دون أبيه. ويؤيده تصحيح الحديث،
فإنه في قوة التوثيق. واستفادتهما ذلك من عبارة النجاشي، كما هو الظاهر
منهما - مبنى على عود الضمير إلى الابن. وكلامهما - في ترجمة الأب -
قاض بخلاف ذلك، ففي (الخلاصة): (عبد الحميد بن سالم العطار،
روى عن موسى - عليه السلام - وكان ثقة) (1) وهي عبارة النجاشي
مقتطعة عما قبلها وما بعدها. وفي (رجال ابن داود): (عبد الحميد
ابن سالم العطار (ق جخ) ثقة) (2) والظاهر اخذ التوثيق منها (3) واحتمال
الاستقلال بالتوثيق هنا بعيد جدا، خصوصا مع إيراد عبارة النجاشي بعينها
كما في (الخلاصة).
وفي (الوجيزة) توثيق كل من الأب والابن في محله (4) وكلامه
يحتمل الاخذ من محل آخر في أحدهما. وكأنه الأب.
وفي (تلخيص الأقوال) (5) نقل التوثيق فيهما عن (الخلاصة)

(1) راجع: رجال العلامة (ص 116) الباب السادس برقم (3) طبع
النجف الأشرف.
(2) (ق) رمز إلي أصحاب الصادق - عليه السلام -، و (جخ) رمز إلى
رجال الشيخ الطوسي، أي ذكره الشيخ في باب أصحاب الصادق - عليه السلام -
من كتاب رجاله راجع: رجال ابن داود الحلي (ص 221) القسم الأول،
برقم 920، طبع طهران دانشكاه.
(3) أي من عبارة النجاشي في رجاله.
(4) راجع: الوجيزة للمجلسي الثاني الملحقة بآخر خلاصة العلامة طبع إيران
- باب العين - (ص 155) وباب الميم (ص 164).
(5) تلخيص الأقوال في معرفة الرجال، ويعرف (بالوسيط) للميرزا محمد
ابن علي بن إبراهيم الحسيني الاسترآبادي - المتوفى بمكة سنة 1028 صاحب (منهج
المقال) في الرجال المطبوع، و (الوسيط) لم يزل مخطوطا، فرغ من تأليفه عاشر
شهر جمادى الآخرة سنة 988 ه‍، كما ذكر ذلك في آخره، توجد نسخة منه في
مكتبتنا، فرغ من كتابتها أحمد بن حمدان بن حماد بن ورد بن منصور بن حطيط
في شيراز في مدرسة ميرزا لطفي ضحى يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر
جمادي الأولى سنة 1033 ه‍، وهي سنة فتح بغداد، كما ذكر ذلك كاتبه المذكور
في آخر النسخة، وكتب المؤلف على هوامش (الوسيط) حواشي كثيرة برمز (منه)
286

والأصل في ذلك كله عبارة النجاشي، كما يظهر من كلام الجماعة.
ومعلوم أنها لا تصلح لتوثيقهما معا. والأظهر فيها إرادة الأب - كما
عرفت - وبه صرح الشهيد الثاني في (فوائد الخلاصة) فإنه قال: (هذه
عبارة النجاشي، وظاهرها أن الموثق الأب، لا الابن) (1) لكن
في (حاشية التلخيص) عنه أنه قال - في تعليقاته على رجال ابن داود -
ما يستفاد منه أن الموثق هو الابن (2) واختاره سبطه الفاضل (3) في (شرح

(1) راجع: حواشي الشهيد الثاني على (الخلاصة) التي لا تزال مخطوطة
فإنه كتب على قول العلامة في (الخلاصة): (محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار
... وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين) ما لفظه: (هذه عبارة النجاشي، والظاهر
أن الموثق الأب لا الابن).
(2) راجع ذلك في تعليقته على التلخيص (الوسيط) برمز (منه) فإنه قال
فيها: - بعد ذكره عين العبارة التي ذكرها الشهيد في حاشيته على (الخلاصة) -
ما هذا لفظه: (... قال الشهيد الثاني في تعليقاته على رجال ابن داود ما يستفاد منه
أن الموثق الابن، فليتأمل).
(3) سبطه الفاضل: هو الشيخ محمد ابن الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد
الثاني - رحمه الله - وشرح الاستبصار لم يزل مخطوطا.
287

الاستبصار) وادعى أن توثيق الأب في عنوان الابن بعيد جدا من مثل
النجاشي، وهو غريب من مثله (1) فان مثل ذلك كثير في كلام النجاشي
كما يظهر بأدنى إلمام بكتابه -. وفي (حواشي شيخنا البهائي) (2) على
(الخلاصة): (هذه العبارة لا تخلو عن إجمال فان اسم كان يمكن عوده
إلى كل من الأب والابن) وعبارة النجاشي - أيضا - كذلك،. وعبارة
ابن داود أقرب إلى العود إلى الابن، والوجه في الأخير أنه قال (روى أبوه) مكان: (روى عبد الحميد) وأما التسوية بين الأولين ففيها ما مر
من ظهور الفرق بينهما بوجود التمة في عبارة النجاشي دون العلامة.
وقد أسقط البهائي - رضي الله عنه - في (الحبل المتين) أحاديث محمد بن
عبد الحميد من الأنواع الثلاثة المعتبرة التي عليها مدار كتابه، وهو الصحيح
والحسن والموثق، فإنه لم يذكرها في شئ من تلك الأنواع، وقد صرح
- في مسألة وجوب السورة - بأن حديثه غير نقي، حيث ذكر استناد
القائلين بالوجوب إلى روايات غير نقية الأسانيد، وعد منها رواية منصور
ابن حازم عن الصادق - عليه السلام -: (لا تقرأ في المكتوبة بأقل من
سورة ولا بأكثر) (3) وليس في طريقها من يحتمل الضعف إلا محمد بن
عبد الحميد. والمحقق ابن الشهيد (4) لم يذكر هذه الرواية في (المنتقى)
لا في الصحيح ولا في الحسن. والظاهر إنه لم يخرج لمحمد بن عبد الحميد

(1) يعني: من مثل السبط الفاضل.
(2) حواشي البهائي على (الخلاصة) لا تزال مخطوطة، وتوجد في
بعض مكتبات النجف الأشرف.
(3) راجع: الحبل المتين (ص 224) طبع إيران سنة 1319 ه‍.
(4) هو الشيخ حسن صاحب (معالم الأصول) ابن الشهيد الثاني زين الدين
العاملي - رحمه الله -.
288

شيئا في كتابه. وفي (المدارك) ذكرها في أدلة الموجبين، وقال: (إنها
ضعيفة السند لان في طريقها محمد بن عبد الحميد وهو غير موثق) (1)
وفي (الذخيرة) نحو ذلك إلا أنه قال: (فإنه غير موثق في كتب الرجال
صريحا) (2) ثم حكى عن العلامة: أنه قد يعد رواياته من الصحيح، وأنه
عد طريق الصدوق إلى منصور بن حازم صحيحا، وهو فيه (3) وقد سبقهما
إلى ذلك المحقق الأردبيلي (4) لكن أسند التصحيح إلى ضمير الجمع المشعر
بكونه (قول الجميع أو الأكثر). وفيه: أن الأصحاب ذكروا هذه

(1) راجع: كتاب الصلاة من (المدارك) للسيد محمد العاملي في شرح قول
الماتن المحقق الحلي صاحب الشرائع الذي نصه: (وقراءة سورة كاملة بعد الحمد
واجب) في رده لرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله - عليه السلام -: (لا تقرأ
في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر) فإنه قال: (أما الرواية الأولى فلان في
طريقها محمد بن عبد الحميد وهو غير موثق)، وقد طبع المدارك بإيران.
(2) راجع (ذخيرة المعاد) شرح إرشاد العلامة الحلي تأليف المحقق السبزواري
المولى محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني المتوفى سنة 1090 ه‍ - كتاب الصلاة
بحث القراءة، في شرح قول الماتن: (وتجب في الفريضة الثنائية وفي الأوليين من
غيرها الحمد وسورة كاملة) قال في الرد على رواية منصور بن حازم عن أبي
عبد الله - عليه السلام - (... وعن الثاني - بعد الاغماض عن ضعف السند المشتمل
على محمد بن عبد الحميد فإنه غير موثق في كتب الرجال صريحا) والكتاب مطبوع بإيران.
(3) راجع الفائدة الثامنة (ص 277) من خاتمة (الخلاصة) طبع
النجف الأشرف.
(4) راجع (مجمع الفائدة، والبرهان) - شرح الارشاد للعلامة - في يحث قراءة
السورة في الصلاة، طبع إيران، والمحقق الأردبيلي شارح الارشاد: هو المقدس
المولى أحمد بن محمد الأردبيلي النجفي المتوفى في صفر سنة 993 ه‍.
289

الرواية في كتب الاستدلال كالمختلف، والمهذب البارع وكشف
اللثام وغيرها، ولم يصفها أحد بالصحة - لا في مسألة وجوب السورة، ولا
في المنع عن التبعيض والقران - إلا العلامة في ظاهر (المنتهى) (1). ولو كانت
صحيحة عندهم لم يهملوا بيانها في مقام الحاجة، مع معارضة الاخبار
الصحيحة.
وبالجملة، فصحة حديث محمد بن عبد الحميد ليست مسلمة ولا
ظاهرة. والعمدة فيها عبارة النجاشي، وما بنى عليها من التوثيق وتصحيح
الحديث. وقد عرفت أن الظاهر منها توثيق عبد الحميد، دون محمد، ولا
أقل من احتمال المانع من القطع بالحكم، لكن عدم صحة حديثه لا يقتضي
دخوله في قسم الضعيف - كما قيل - لاحتمال كونه حسنا أو موثقا.
والوجه في الأول وجود أسباب الحسن كالعلم والفقه وكثرة الرواية
ورواية الثقات ووجود الكتاب، ودخوله في رجال (نوادر الحكمة) (2)
ومقبولية رواياته عند القدماء، وعدم ظهور طعن من الشيخ وغيره ممن تقدم
عليه أو تأخر إلى زمان تنويع الاخبار. مع كثرة التضعيف بغيره.
وأما الثاني، فلما سمعت من كلام الكشي في محمد بن سالم بن عبد الحميد
مع ظهور اتحاده بمحمد بن عبد الحميد بن سالم - كما عرفت - ولا يعارضه
عدم تعرض غيره لفساد المذهب، فإنهم لم يصرحوا بالسلامة أيضا:
وغايته الاشعار الضعيف، فلا ينافي التصريح بالفساد. وهذا الاشعار ليس
بأعظم من التوثيق الصريح ومن قواعدهم المقررة: الجمع بينه وبين الطعن

(1) راجع: (المنتهى) المطبوع بإيران في كتاب الصلاة - مسألة وجوب
السورة فيها.
(2) راجع في التعريف بنوادر الحكمة: تعليقتنا في (ج 1 ص 348) من هذا
الكتاب.
290

في المذهب بجعل الحديث موثقا، تحكيما للنص على الظاهر. ومنه يعلم أن
المتجه البناء على ذلك، وان قلنا بعود التوثيق في عبارة النجاشي إلى محمد
دون أبيه، جمعا بينها وبين كلا الكشي.
هذا على تقدير الاتحاد - كما هو الظاهر - وأما على التغاير، فالظاهر
إن حديثه حسن كالصحيح لوجود أسبابه مع سلامة المذهب، واحتمال
التوثيق.
وكيف كان فينبغي القطع بقبول روايته وعدم خروجها عن الأقسام
الثلاثة المعتبرة، وان كان الأقرب كونها من الموثق القريب من الصحيح
لوجود التوثيق المعتبر مع ظهور الاتحاد، واعتضاده بسائر إمارات القبول
والاعتماد. مع احتمال سلامة المذهب كما يحتمل في محمد بن الوليد ومعاوية
ابن عمار وغيرهما من الفطحية. فان الغالب فيهم الرجوع إلى الحق (1).

(1) يروي عن محمد بن عبد الحميد - هذا -: عبد الله بن جعفر - كما ذكره
النجاشي، في رجاله - وحمدويه ومحمد كما في رواية الكشي في رجاله، وزاد الكاظمي
في (هداية المحدثين) رواية أحمد بن أبي عبد الله عنه، وزاد المولى أحمد الأردبيلي
في (جامع الرواة: ج 2 ص 136) طبع إيران، رواية سهل بن زياد، ومحمد بن
الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله، ومحمد بن الحسن، والحميري، ومحمد بن علي
ابن محبوب، وموسى بن الحسن، ومحمد بن الحسين، وحبيب بن الحسن، وعلي
ابن الحسن بن فضال، ومحمد بن جعفر الرزاز، وأبي عبد الله، وابن أبي عمير،
ومحمد بن يحيى المعاذي، وعمران بن موسى، ومحمد بن عيسى، وأحمد بن محمد
ابن خالد، وسلمة بن الخطاب، عنه، وروايته عن يونس بن يعقوب، وأحمد بن
أبي نصر، وعاصم بن حميد، ومنصور بن يونس، ومحمد بن عمر بن يزيد، وأبي
جميلة المفضل بن صالح، وسيف بن عميرة، ومحمد بن علي، والحسن بن الجهم،
ومحمد بن الفضيل، ومحمد بن عمارة، ومحمد بن حفص، وعلي بن الفضل الواسطي
وأبى خالد مولى علي بن يقطين، ومحمد بن جندب، وأحمد بن عيسى، وغيرهم
هذا مضافا إلى من ذكرهم سيدنا - طاب ثراه - في صدر الترجمة، وذكر المولى
الأردبيلي ان المترجم له وقع في طرق روايات عديدة في الكافي ومن لا يحضره الفقيه
وتهذيب الاحكام والاستبصار، فراجعه.
291

محمد بن عبد الواحد بن القاسم:
المكنى بأبي عمرو الزاهد، وغلام ثعلب، المطرز الباوردي، نسبة إلى
(الباورد) ويقال (أبي وردي) من خراسان أحد أئمة اللغة المشاهير
المكثرين، صحب أبا العباس ثعلبا، واستدرك على كتابه (الفصيح)
شيئا. وله مصنفات كثرة، مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة (1).
محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.
أبو جعفر شيخ مشايخ الشيعة، وركن من أركان الشريعة رئيس
المحدثين (2) والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الصادقين - عليهم السلام -

(1) راجع - عن ترجمة له مفصلة -: هامش (ص 7) من الجزء الثاني من
كتابنا - هذا -.
(2) نشأ الصدوق - رحمه الله - برعاية أبيه الذي كان يجمع بين فضيلتي
العلم والعمل، وشيخ القميين في عصره وفقيههم المشار إليه بالبنان، وأدرك من أيام
أبيه أكثر من عشرين سنة، اقتبس خلالها من أخلاقه وآدابه ومعارفه وعلومه
ما سما به على أقرانه.
وكانت نشأته الأولى في بلدة (قم) من بلاد إيران، التي هي يومئذ كانت
تعج بالعلماء وحملة الحديث، فأصبح آية في الحفظ والذكاء، يحضر مجالس
الشيوخ ويسمع منهم، ويروي عنهم وبلغ مشايخه (211) شيخا - على ما جاء في
بعض المعاجم الرجالية، وقد ذكر بعضهم شيخنا المحدث النوري - قدس سره -
في خاتمه مستدرك الوسائل.
أخذ عن كثير من مشائخ أهل (قم) مثل محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد، وسمع من حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي
- عليه السلام - ثم سافر لطلب الحديث في رجب سنة 339 ه‍، وتتابعت أسفاره
فطاف فيها كثيرا من البلدان يبادل العلماء السماع، واستدعاه ركن الدولة البويهي
وطلب منه هو وأهالي الري السكنى فيها للاستفادة منه، فلبى طلبهم، فسافر إلى
الري وأقام هناك، فالتف حوله جماهير أهلها يأخذون عنه أحكامهم، فاخذ
الحديث من شيوخ البلد، وسمع فيها في رجب سنة 347 ه‍ من أبى الحسن محمد بن
أحمد بن أسد الأسدي المعروف بابن جرادة البردعي، ويعقوب بن يوسف بن
يعقوب، وأحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل، وأبى علي أحمد بن محمد بن
الحسن القطان المعروف بأبي علي بن عبد ربه الرازي، وكان الصائغ والقطان من
شيوخ أهل الري، كما وصفهما (الصدوق) بذلك.
وسافر بعد ذلك إلى كثير من البلدان وسمع بها من جماعة من الشيوخ وأولي
الفضل، فوصل إلى خراسان وذلك في رجب سنة 352 ه‍ كما ذكر ذلك في خاتمة
كتابه (عيون أخبار الرضا) فكانت هذه أولى زياراته لمشهد الإمام الرضا - عليه
السلام - وزار زيارة ثانية في شهر ذي الحجة سنة 367 ه‍، وأملى بها من مجالسه
- عرض المجالس - عدة مجالس، كان منها المجلس ال‍ (26) أملاه يوم الغدير في
المشهد المقدس، ثم عاد إلى الري ودخلها في آخر ذلك الشهر، وأملى المجلس
ال‍ (27) في غرة محرم سنة 368 ه‍، وزار ثالثا سنة 368 ه‍ في شعبان، وذلك عند
خروجه إلى ديار ما وراء النهر، وأملى بخراسان في سفره الثالث أربعة مجالس
من مجالسه، وهي آخر ما هو موجود، ومطبوع، وكان إملاؤه لأولها هو
المجلس ال‍ (94) في ليلة (17) شعبان، ولآخرها (19) شعبان سنة 368 ه‍.
وسافر إلى إستراباد وجرجان، سمع بهما من أبى الحسن محمد بن القاسم المفسر
الاسترآبادي الخطيب تفسير الإمام العسكري - عليه السلام - ومن أبى محمد القاسم
ابن محمد الاسترآبادي، وأبي محمد عبدوس بن علي بن العباس الجرجاني، ومحمد
ابن علي الاسترآبادي.
وسافر إلى نيشابور، وردها في شعبان سنة 352 ه‍، أي في سنة زيارته
الأولى لمشهد الرضا - عليه السلام - بعد منصرفه من ذلك المشهد، وأقام بها مدة
اجتمع عليه أهلها يسألونه ويأخذون عنه.
وسافر إلى مرو الرود من مدن خراسان، وردها في سفره إلى خرسان.
وسافر إلى سرخس، وهي مدينة بنواحي خراسان بين نيسابور ومرو في
وسط الطريق، وردها في طريقه إلى خراسان.
وسافر إلى سمر قند البلد المعروف المشهور، وهو أهم بلدان ما وراء النهر،
ورده سنة 368 ه‍.
وسافر إلى إيلاق، وهي كورة من كور ما وراء النهر من أعمال سمرقند،
وردها سنة 368 ه‍، وأقام بها، وفي مدة إقامته بها اجتمع بالشريف أبي عبد الله
محمد بن الحسن الموسوي المعروف بنعمة، وبها وقف الشريف المذكور على أكثر
مصنفات الشيخ الصدوق - رحمه الله - فنسخها كما سمع منه أكثرها، ورواها عنه
كلها، وكانت مائتي كتاب وخمسة وأربعين كتابا، ودارت بينهما أحاديث،
وهو الذي طلب من الصدوق أن يصنف كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحكام
ويسميه (من لا يحضره الفقيه) فأجابه الصدوق وصنفه، وقد ذكر
ذلك في مقدمة كتابه المذكور، فراجعه.
وسافر إلى فرغانة، وهي من مدن بلخ، وردها في سفره ذلك.
وسافر إلى همدان، وردها سنة 354 ه‍، عند ما توجه حاجا إلى بيت الله الحرام
وسافر إلى بغداد، دخلها سنة 352 ه‍، وحدث بها، وسمع منه الشيوخ كما
أنه سمع هو من الشيوخ، ودخلها مره ثانية بعد منصرفه من الحج سنة 355 ه‍، وممن
سمع منهم ببغداد من الشيوخ: أبو محمد الحسن بن يحيى الحسيني العلوي، وأبو الحسن
علي بن ثابت الدواليبي، وكان سماعه منه في دخوله الأول سنة 352 ه‍، وسمع
أيضا من محمد بن عمر الحافظ، وإبراهيم بن هارون الهيبستي.
وسافر إلى الكوفة، وردها في طريقه إلى الحج سنة 354 ه‍، وسمع في مسجدها
الجامع من جماعة كمحمد بن بكران النقاش، وأحمد بن إبراهيم بن هارون الفامي
والحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، وأبي الحسن علي بن عيسى المجاور في مسجد
الكوفة، وسمع من نفر آخرين في أماكن أخرى، فقد سمع من محمد بن علي
الكوفي في مشهد الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - في الكوفة، وأبى الحسن علي
ابن الحسين بن شقير بن يعقوب بن الحرث بن إبراهيم الهمداني، في منزله بالكوفة
وسمع من أبي ذر يحيى بن زيد بن العباس بن الوليد البزاز، والحسن بن محمد
السكوني المزكى، سمع منهما بالكوفة.
وسافر إلى فيد: وهو اسم مكان بين مكة والكوفة في نصف الطريق تقريبا
سمع بها - بعد منصرفه من مكة - من أبي علي أحمد بن أبي جعفر البيهقي.
ومن لا حظ مؤلفات الصدوق - رحمه الله - خاصة مشيخة كتابه (من
لا يحضره الفقيه) وباقي رواياته - يجده قد أخذ الرواية عن كثير من أعلام الخاصة
والعامة، وتحمل عنهم الحديث في مختلف الفنون، كما يجد أن جلهم من أفذاذ
العلماء الذين كانت تشد إليهم الرحال للتحمل والرواية في مختلف الحواضر
العلمية في القرن الرابع كبغداد، والكوفة، والري، وقم، ونيشابور، وطوس،
وبخاري، تلك البلدان التي سافر إليها وحدث بها، وحدثوه بها. فالصدوق شخصية
فذة لا مثيل لها في أهل (قم) ومدرسة علمية سيارة قائمة بشخصه الكريم.
توفي - رحمه الله - في بلدة الري سنة 381 ه‍، مخلفا له جميل الذكر، وحسن
الأحدوثة، خالدا بحسناته الباقيات الصالحات، وقبره بالري بالقرب من قبر السيد
عبد العظيم الحسنى - رضي الله عنه - في بقعة شرفت به، وأضحت مزارا يلجأ
إليها الناس ويتبركون بها ويدفنون موتاهم حولها، وفي صحنه قبور كثير من
العلماء وأهل الفضل والايمان.
(ملخص) مقدمة (علل الشرائع) المطبوع في النجف الأشرف سنة 1382 ه‍
بقلم السيد محمد صادق بحر العلوم).
292

ولد بدعاء صاحب الامر والعصر - عليه السلام - ونال بذلك عظيم الفضل
والفخر، ووصفه الامام - عليه السلام - في التوقيع الخارج من الناحية
المقدسة بأنه: فقيه خير مبارك ينفع الله به. فعمت بركته الأنام وانتفع
293

به الخاص والعام، وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام، وعم الانتفاع
بفقهه وحديثه: فقهاء الأصحاب ومن لا يحضره الفقيه من العوام.
ذكره علماء الفن وقالوا: شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان.
294

جليل القدر بصير بالفقه والرجال، ناقد للاخبار، حفظة، لم ير في
القميين مثله في حفظه ووسعة علمه وكثرة تصانيفه (1).
قدم العراق، وسمع منه شيوخ الطائفة - وهو حدث السن - وكان
ممن روى عنه: الشيخ الثقة الجليل القدر العديم النظير، أبو محمد هارون
بن موسى التلعكبري، والشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد
وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، وعلي بن أحمد بن عباس
النجاشي، وأبو الحسين جعفر بن الحسن بن حسكة القمي، وأبو زكريا
محمد بن سليمان الحمراني، وغيرهم من مشائخ الأصحاب.
وقال النجاشي - في ترجمة أبيه علي بن الحسين - رحمه الله -: إنه
(... قدم العراق، واجتمع بأبي القاسم الحسين بن روح - رضي الله عنه -

(1) راجع هذه الفقرات وأمثالها في رجال النجاشي، ورجال الشيخ الطوسي
وفهرسته، ورجال العلامة الحلي، ورجال ابن داود الحلي، وأكثر المعاجم الرجالية.
296

وسأله مسائل، ثم كاتبه بعد ذلك على يد أبي جعفر محمد بن علي الأسود
يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب - عليه السلام - ويسأله فيها الولد
فكتب إليه: (قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين
خيرين) فولد له: أبو جعفر وأبو عبد الله - من أم ولد - وكان
أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت
بدعوة صاحب الامر - عليه السلام - ويفتخر بذلك) (1).
وروى الشيخ - رحمه الله - في (كتاب الغيبة) عن أبي العباس
ابن نوح عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن سورة القمي عن علي بن
الحسن بن يوسف الصائغ القمي ومحمد بن أحمد بن محمد الصيرفي المعروف
ب‍ (ابن الدلال) وغيرهما من مشائخ أهل (قم): (أن علي بن الحسين
ابن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها
ولدا: فكتب إلى الشيخ أبي القاسم بن روح - رحمه الله - أن يسأل
(الحضرة) أن يدعو الله أن يرزقه أولادا فقهاء، فجاء الجواب: إنك
لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين
- قال -: قال أبو عبد الله بن سورة: ولأبي الحسن بن بابويه ثلاثة
أولاد: محمد والحسين - فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان مالا يحفظ غيرهما
من أهل (قم) ولهما أخ اسمه الحسن، وهو الأوسط مشتغل بالعبادة
والزهد لا يختلط بالناس ولا فقه له - قال ابن سورة -: كلما روى
أبو جعفر وأبو عبد الله ابنا علي بن الحسين شيئا يتعجب الناس من حفظهما
ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الامام - عليه السلام - وهذا

(1) رجال النجاشي: ص 198 طبع إيران.
297

أمر مستفيض في أهل (قم)) (1).
وروى الشيخ - في الكتاب المذكور - قال: (أخبرنا جماعة عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه وأبي عبد الله الحسين بن علي
أخيه - قالا -: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود - رحمه الله - قال:
سألني علي بن الحسين بن موسى بابويه - رحمه الله - بعد موت محمد
ابن عثمان - قدس الله روحه - أن اسأل أبا القاسم الروحي - قدس الله روحه -
أن يسأل مولانا صاحب الزمان - عليه السلام - أن يدعو الله أن يرزقه
ولدا - قال -: فسألته فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ثلاثة أيام: أنه
- عليه السلام - قد دعا لعلي بن الحسين، وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع
الله به، وبعده أولاد - قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود، وسألته
في أمر نفسي أن يدعو الله لي: أن ارزق ولدا، فلم يجبني إليه - وقال
لي: ليس إلى هذا سبيل - قال -: فولد لعلي بن الحسين - رضي الله عنه -
تلك السنة: محمد بن علي، وبعده أولاد، ولم يولد لي قال أبو جعفر
ابن بابويه: وكان أبو جعفر محمد بن علي الأسود كثيرا ما يقول لي -
إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد - رحمه الله -
وأرغب في كتب العلم وحفظه -: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة
في العلم وأنت ولدت بدعاء الامام - عليه السلام - وقال أبو عبد الله بن
بابويه: عقدت المجلس ولي دون العشرين سنة فربما كان يحضر مجلسي
أبو جعفر محمد بن علي الأسود، فإذا نظر إلى إسراعي في الأجوبة في الحلال
والحرام يكثر التعجب لصغر سني، ثم يقول: لا عجب لأنك ولدت بدعاء

(1) أنظر: كتاب الغيبة (ص 187 - ص 188) طبع النجف الأشرف
سنة 1358 ه‍.
298

الامام - عليه السلام -) (1).
وهذه الأحاديث تدل على عظم منزلة الصدوق - رضي الله عنه - وكونه
أحد دلائل الامام - عليه السلام - فان تولده مقارنا للدعوة، وتبينه بالنعت
والصفة من معجزاته - صلوات الله عليه - ووصفه بالفقاهة والنفع والبركة
- دليل على عدالته ووثاقته، لان الانتفاع الحاصل منه - رواية وفتوى -
لا يتم إلا بالعدالة التي هي شرط فيهما فهذا توثيق له من الامام والحجة
- عليه السلام - وكفى حجة على ذلك.
وقد نص على توثيقه جماعة من علمائنا الاعلام، منهم: الفقيه الفاضل
محمد بن إدريس - رحمه الله - في (السرائر) و (المسائل)، والسيد
الثقة الجليل علي بن طاووس - رحمه الله - في (فلاح السائل ونجاح
الامل) وفي كتاب النجوم، والاقبال، وغياث سلطان الورى لسكان الثرى
والعلامة - رحمه الله - في (المختلف) و (المنتهى) والشهيد - قدس
سره - في (نكت الارشاد) و (الذكرى) والسيد الداماد، والشيخ
البهائي - رحمه الله - والمحدث التقي المجلسي، والشيخ الحر العاملي، والشيخ
عبد النبي الجزائري وغيرهم.
ويدل على ذلك - مضافا إلى ما ذكر -: إجماع الأصحاب على نقل
أقواله واعتبار مذاهبه في الاجماع والنزاع، وقبول قوله في التوثيق والتعديل
والتعويل على كتبه، خصوصا: كتاب (من لا يحضره الفقيه) فإنه أحد
الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار.
وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقف من أحد، حتى
أن الفاضل المحقق الشيخ حسن بن الشهيد الثاني - مع ما علم من طريقته

(1) راجع: كتاب الغيبة (ص 194 - ص 195) طبع النجف الأشرف.
299

في تصحيح الأحاديث - يعد حديثه من الصحيح عنده وعند الكل (1) وحكى
عنه تلميذه الشيخ الجليل الشيخ عبد اللطيف بن أبي جامع في (رجاله) (2)
أنه سمع منه - مشافهة - يقول: إن كل رجل يذكره في الصحيح عنده
فهو شاهد أصل بعدالته، لأنا قل.
ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث (الفقيه) على غيره
من الكتب الأربعة نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق - رحمه الله - وحسن
ضبطه وتثبته في الرواية، وتأخر كتابه عن (الكافي) وضمانه فيه لصحة
ما يورده، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، وإنما
يورد فيه ما يفتي به ويحكم بصحته، ويعتقد أنه حجة بينه وبين ربه (3) وبهذا
الاعتبار قيل: إن مراسيل الصدوق في (الفقيه) كمراسيل ابن أبي عمير
في الحجية والاعتبار، وإن هذه المزية من خواص هذا الكتاب، لا توجد
في غيره من كتب الأصحاب، والحوض في هذه الفروع تسليم للأصل
من الجميع.
على أن الشهيد الثاني - طاب ثراه - في (شرح دراية الحديث)
قال: (إن مشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما
بعده إلى زماننا هذا لا يحتاج أحد منهم إلى التنصيص على تزكيته، ولا
التنبيه على عدالته لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم.
زيادة على العدالة) (4).

راجع: المنتفى للشيخ حسن بن الشهيد الثاني، وهو مطبوع في جزءين
بطهران حديثا.
(2) لا يزال هذا الكتاب مخطوطا، ونسخته نادرة الوجود.
(3) كما صرح به - هو - في مقدمته، فراجعها.
(4) راجع: شرح دراية الحديث (ص 69) طبع النجف الأشرف سنة 1379 ه‍
300

ولعل هذا هو السر في عدم تنصيص أكثر المتأخرين من علماء الرجال
على توثيق كثير من الأعاظم ممن لا يتوقف في جلالته وثقته وعدالته
كالصدوق - رضي الله عنه - والسيد المرتضى، وابن البراج، وغيرهم
من المشاهير، اكتفاء بما هو المعلوم من حالهم، والطريق في التزكية غير
منحصر في النص عليها، فان الشياع منهج معروف ومسلك مألوف، وعليه
تعويل علماء الفن في توثيق من لم يعاصروه - غالبا - ومع الظفر بالسبب
فلا حاجة إلى النقل.
وكيف كان فوثاقة الصدوق أمر ظاهر جلي، بل معلوم ضروري
كوثاقة أبي ذر وسلمان، ولو لم يكن إلا اشتهاره بين علماء الأصحاب
بلقبيه المعروفين (1)، لكفى في هذا الباب.
توفى - رضي الله عنه - بالري سنة احدى وثمانين وثلاثمائة
ويظهر مما تقدم: أنه ولد بعد وفاة محمد بن عثمان العمرى في أوائل
سفارة الحسين بن روح، وقد كانت وفاة العمري سنة خمس وثلاثمائة،
فيكون قد أدرك من الطبقة السابعة فوق الأربعين، ومن الثامنة (2)
إحدى وثلاثين، ويكون عمره نيفا وسبعين سنة، ومقامه مع والده ومع
شيخه أبى جعفر محمد بن يعقوب الكليني - رضي الله عنه - في الغيبة الصغرى
نيفا وعشرين سنة، فان وفاتهما سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وهي سنة
وفاة أبى الحسن علي بن محمد السمري آخر السفراء الأربعة.

(1) اللقبان المعروفان هما: رئيس المحدثين، والصدوق.
(2) الطبقة الثامنة تبدأ من الغيبة الكبرى المصادفة لسنة 329 ه‍ وهي السنة
التي توفي فيها أبو الحسن علي بن محمد السمري آخر السفراء الأربعة.
301

محمد بن علي الكراچكي - رضي الله عنه -
الشيخ الفقيه، القاضي أبو الفتح (1) له كتاب (كنز الفوائد) من
تلامذة الشيخ المفيد وقد روى عنه كثيرا، وذكر رسالته في أصول الفقه
في الفصل الرابع من الجزء الثاني من هذا الكتاب، وقد روى فيه عن
عدة من المشايخ غير المفيد منهم: أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي
الواسطي - رضي الله عنه - قال في آخر الجزء الأول من الكتاب -:
(أخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي - رضي الله عنه
-). وهذا الشيخ هو الذي حكى عنه ابن طاووس القول بالمواسعة

(1) ترجم للكراجكي أكثر أرباب المعاجم الرجالية من الشيعة والسنة
ووصف فيها بأبلغ الصفات العلمية.
فقد ترجم له صاحب (أمل الامل) في (ج 2 ص 287)
طبع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍، فقال: (الشيخ أبو الفتح محمد بن
علي بن عثمان الكراجكي، عالم فاضل متكلم، ثقة محدث جليل القدر، له كتب منها
كنز الفوائد، وكتاب معدن الجواهر ورياضة الخواطر، والاستنصار في النص على
الأئمة الأطهار - عليهم السلام -، ورسالة في تفضيل أمير المؤمنين - عليه السلام -
والكر والفر في الإمامة، والإبانة عن المماثلة في الاستدلال بين طريق النبوة والإمامة
ورسالة في حق الوالدين، ومعونة الفارض في استخراج سهام الفرائض).
وذكره المحدث المجلسي - رحمه الله - في مقدمات كتابه (بحار الأنوار) فقال
(وأما الكراجكي فهو من أجلة العلماء والفقهاء والمتكلمين، وأسند إليه جميع أرباب
الإجازات، وكتابه (كنز الفوائد) من الكتب المشهورة التي أخذ عنها جل من
أتى بعده)، وسائر كتبه في غاية المتانة).
وترجم له منتجب الدين في (الفهرست) الملحق بآخر أجزاء بحار الأنوار
للمجلسي الثاني - رحمه الله - فقال: (فقيه الأصحاب، قرأ على السيد المرتضى
والشيخ الموفق أبي جعفر (أي الطوسي)، وله تصانيف منها كتاب التعجب
كتاب النوادر، أخبرنا الوالد عن والده عنه).
وترجم له ابن شهرآشوب السروي في (معالم العلماء: ص 118) طبع النجف
الأشرف سنة 1380 ه‍ وذكر له مؤلفات عديدة لم يذكر بعضها صاحب (أمل
الامل) فراجعه.
وله أيضا: كتاب الفهرست - كما نسبه إليه ابن طاووس في أواخر كتاب
الدروع الواقية - هكذا في بعض نسخ (أمل الامل) المخطوطة.
وترجم له صاحب روضات الجنات ترجمة مفصلة، وذكر مصنفاته وشيوخه
في الرواية وتلامذته الذين يروون عنه.
وذكره أيضا المحدث النوري في خاتمة مستدرك الوسائل (ج 3 ص 497)
وترجم له من أعلام السنة اليافعي في (مرآة الجنان) - طبع حيدر آباد دكن -
في حوادث سنة 449 ه‍ فقال: (توفي فيها أبو الفتح الكراجكي الخيمي، رأس
الشيعة، صاحب التصانيف، كان نحويا لغويا منجما طبيبا متكلما، من كبار أصحاب
الشريف المرتضى).
وترجم له أيضا ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان: ج 5 ص 300)
طبع حيدر آباد دكن فقال: (محمد بن علي الكراجكي - بفتح الكاف وتخفيف
الراء وكسر الجيم ثم كاف - نسبة إلى عمل الخيم وهي الكراجك، بالغ ابن طي
في الثناء عليه في ذكر الامامية وذكر أن له تصانيف في ذلك، وذكر أنه أخذ عن
أبي الصلاح، واجتمع بالعين زربي، ومات في ثاني ربيع الاخر سنة 449 ه‍).
وترجم له ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب: ج 3 ص 283) طبع
مصر، في وفيات سنة 449 ه‍، فقال: (وفيها أبو الفتح الكراجكي - أي الخيمي -
رأس الشيعة وصاحب التصانيف، محمد بن علي، مات بصور في ربيع الاخر،
وكان نحويا لغويا منجما طبيبا متكلما متفننا، من كبار أصحاب الشريف المرتضى
وهو مؤلف: تلقين أولاد المؤمنين).
وقد ذكر الكراجكي في أكثر طرق الإجازات، وطبع من مؤلفاته كتاب
(الاستنصار) سنة 1346 ه‍، في النجف الأشرف، وكتاب (كنز الفوائد) في
تبريز سنة 1322 ه‍ ولكنه مشحون بالأغلاط الشائنة، وألحق به في الطبع (كتاب
التعجب من أغلاط العامة) في مسألة الإمامة، وهو كتاب قيم - على صغره - فقد
جمع فيه ما تناقضت فيه أقوالهم، أو خالف فيه أفعالهم أقوالهم، وطبع أيضا من
مؤلفاته (رسالة تفضيل أمير المؤمنين - عليه السلام -) على جميع البشر ممن تقدم
وتأخر سوى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - طبعت بطهران. سنة 1370 ه‍
(ورسالة التعريف بحقوق الوالدين) وهي رسالة الوصية إلى ولده، طبعت بطهران
أيضا سنة 1370 ه‍.
وقد أدرج في (كنز الفوائد) جملة من مؤلفاته التي منها: رسالة (القول
المبين عن وجوب مسح الرجلين) كتبها إلى بعض إخوانه، ورسالة (البيان عن
جمل اعتقاد أهل الايمان)، وكتاب (الاعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين - عليه
السلام) كتبها لبعض إخوانه، (ورسالة في وجوب الإمامة) كتبها لبعض إخوانه
وكتاب (البرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان) - عليه السلام -،
كما أدرج فيه رسالة في أصول الفقه لاسناده الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد
ابن النعمان العكبري البغدادي - رحمه الله - في (ج 2 ص 186)
302

في صلاة القضاء في رسالته المعمولة في تلك المسألة (1) وهو يروى عن
الشيخ الثقة أبى محمد هارون التلعكبري.
ومنهم أبو المرجى محمد بن علي بن أبي طالب البلدي، والشريف

(1) هذه الرسالة للسيد رضي الدين السيد علي بن طاووس المتوفى سنة 664 ه‍
ولا تزال مخطوطة، وتوجد في مكتبتنا.
304

أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن الحسين بن طاهر الحسيني - رضي الله عنه
- والشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن
شاذان القمي، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد القمي، وأبو الحسن
طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني، عن أبي القاسم ميمون بن حمزة
الحسيني، والقاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني - رضي
الله عنه - وقد تكررت روايته فيه عن أبي الحسن بن شاذان القمي - رضي الله عنه
- وفي جملة منها بمكة في المسجد الحرام محاذي المستجار.
فمنها: ما رواه عنه عن أبيه عن محمد بن الحسن بن الوليد.
ومنها عنه عن أبي الحسين محمد بن عثمان بن عبد الله النصيبي في داره
ومنها عنه عن نوح بن أحمد بن أيمن - رضي الله عنه -.
ومنها: عنه عن خال أبيه أو أمه - على اختلاف في لفظ الكتاب -
وهو أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه - رضي الله عنه - وذكر في
فصل أورد فيه روايات ابن شاذان: أنه روى بعضها عن محمد بن سعيد
المعروف ب‍ (الدهقان) وبعضها عن أحمد بن محمد بن محمد - رضي الله
عنه - وبعضها عن محمد بن محمد بن مرة - رضي الله عنه -.
وقال في الجزء الأخير من الكتاب - فيما روي أنه - صلى الله عليه
وآله - رأى في السماء ملكا على صورة أمير المؤمنين - عليه السلام -: (هذا
الخبر قد اتفق أصحاب الحديث على نقله، حدثني به - من طريق العامة -
الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي. ونقلته
من كتابه المعروف ب‍ (إيضاح دقائق النواصب) (1) وقرأته عليه بمكة

(1) دقائق: بالقاف بعد الدال المهملة، وفي آخره قاف، وجاء كذلك
في روضات الجنات في ترجمة ابن شاذان المذكور (ص 573) طبع إيران سنة
1307 ه‍، ولكن جاء في أكثر المعاجم الرجالية (دفائن): بالفاء بعد الدال
المهملة، وفي آخره نون، جمع دفينة، وقد ذكره شيخنا الحجة الطهراني بالعنوان
الثاني في (الذريعة، ج 2 ص 494) وتوجد نسخته المخطوطة في مكتبتنا بالعنوان
الثاني، أيضا. ونص على نسبة هذا الكتاب لابن شاذان - هذا - جماعة من الاعلام
والمحدثين كالعلامة المحدث المجلسي الثاني في (كتاب أربعينه) المطبوع، والسيد هاشم
البحراني التويلي في كتابيه: البرهان في تفسير القرآن، وغاية المرام المطبوعين،
والعلامة النوري في خاتمة مستدرك الوسائل وكانت النسخ القديمة من هذا الكتاب
المقروءة على المؤلف: مسندة من طرق العامة كما لا يخفى على المراجع لكتب
الكراجكي. ونص عليه العلامة النوري في خاتمة مستدرك الوسائل ونقل عنها المجلسي
عنه رواية مسندة، وإنما أسقط أسانيدها بعض من لا فهم له للاختصار أو لغير
ذلك من الأغراض، والنسخة التي وصلت إلى السيد هاشم البحراني كانت محذوفة
الأسانيد، وأكثر من النقل عنها في كتابيه البرهان وغاية المرام، كما يتضح لمن
راجع الكتابين المذكورين، وهذا الكتاب هو عين كتاب (المائة منقبة) في مناقب
أمير المؤمنين وأهل البيت - عليهم السلام - من طرق العامة، لا غيره. وقد أورد
المحدث النوري في مستدرك الوسائل في الخاتمة (ج 3 ص 500) شواهد على ذلك
فراجعه.
305

في المسجد الحرام سنة اثنتى عشرة وأربعمائة) (1).
وقال في بعض فصول الجزء الثاني من الكتاب: (أخبرني الشريف
أبو منصور أحمد بن حمزة العريضي ب‍ (الرملة) وأبو العباس أحمد بن
إسماعيل بن عنان ب‍ (حلب) وأبو المرجى محمد بن علي بن أبي طالب
ب‍ (القاهرة) - رحمهم الله - قالوا - جميعا: أخبرنا أبو المفضل محمد
ابن عبد الله بن المطلب الشيباني الكوفي - وساق حديث أبي ذر في مناقب
أمير المؤمنين - عليه السلام - ومثالب أعدائه وقول أبي ذر - رضي الله عنه -

(1) راجع: (ج 2 ص 259) من نفس الكتاب.
306

(مامن أمة إئتمت رجلا - وفيهم من هو أعلم منه - إلا ذهب أمرهم
سفالا) (1).
وفي فصل أخبار عبد المطلب في الجزء الأول -: (أخبرني شيخي
أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الواسطي - رضي الله عنه - قال: أخبرني
أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: أخبرني محمد بن همام وأحمد
ابن هوذة) (2).
وفي فصل حديث العقل: (أخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن
عبيد الله) (3) والمراد به الواسطي المذكور، لا ابن الغضائري، فإنه لم
يجر له ذكر في الكتاب، وعادته كلما قال (شيخي) ونسبه إلى نفسه
إرادة الحسين بن عبيد الله الواسطي. وتعظيمه لهذا الشيخ ولأبي الحسن بن
شاذان ووصفه بالشيخ الفقيه كلما ذكره - يدل على عظم شأنهما وعلو قدرهما
وذكر - في اخبار المعمرين -: (حدثني أبو عبد الله الحسين بن
محمد ابن أحمد القمي - رضي الله عنه -).
جملة شيوخه في هذا الكتاب عدة من الأصحاب. وقد روى فيه عن
جملة من العامة، منهم الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي، وقال:
(وكان مشتهرا بالعناد. لآل محمد - عليهم السلام - ونقل عنه في الإمامة
ما هو حجة على النواصب) (4).
وهذا الكتاب يدل على فضل مؤلفه، وبلوغه الغاية القصوى في
التحقيق والتدقيق والاطلاع على المذاهب والاخبار، مع حسن الطريقة

(1) راجع: (ج 2 ص 214 - ص 215) من المصدر نفسه.
(2) راجع: (ج 1 ص 81) من المصدر نفسه.
(3) راجع: (ج 1 ص 87) من المصدر نفسه.
(4) راجع: ج 1 ص 154) من المصدر نفسه.
307

وعذوبة الألفاظ، وهو ظاهر لمن تدبر.
محمد بن علي ما جيلويه القمي.
شيخ الصدوق - رضي الله عنه - وقد أكثر الرواية عنه في (مشيخة
الفقيه) (1) وسائر كتبه. وكلما ذكره قال: - رضي الله عنه -. وحديثه
في (المنتقى) و (الجبل المتين) معدود في الصحيح (2) وكذا في كتب
الاستدلال. وحكم العلامة - رضي الله عنه - في (الخلاصة) بصحة طرق
الصدوق المشتملة عليه، كطريقه إلى إسماعيل بن رباح، والحسين بن زيد
ومنصور بن حازم (3) وغيرهم.

(1) أنظر: مشيخة الفقيه وشرحها في آخر (ج 4 ص 4) طبع النجف
الأشرف سنة 1378 ه‍.
(2) راجع: المنتقى للشيخ حسن بن الشهيد الثاني (ج 1 ص 290، ص 383،
ص 393، ص 529، ص 543) وراجع: الحبل المتين للشيخ البهائي (ص 230)
طبع طهران سنة 1379 ه‍. فقد صحح فيه رواية منصور بن حازم، وفي طريقها
محمد بن علي ماجيلويه.
(3) أنظر: طريق (الصدوق) إلى منصور بن حازم (ص 277) في الخاتمة
من الخلاصة - الفائدة الثامنة - طبع النجف الأشرف، وانظر أيضا: طريقه إلى
إسماعيل بن رباح في المصدر السابق، أما طريقه إلى الحسين بن زيد فلم نجده في
المطبوع من (الخلاصة) الإيرانية والنجفية، ولا في بعض المخطوطات منها - وإن
ترجم له في القسم الأول منها (ص 51) برقم (16) طبع النجف الأشرف -
ولعله سقط من الطابع أو من الناسخ، فان الميرزا محمد الاسترآبادي في (رجاله
الكبير) المطبوع (ص 410) و (الوسيط) المخطوط - في آخرهما - ذكر طريق
الصدوق إلى الحسين بن زيد، ونسب صحة طريقه إلى العلامة الحلي في (الخلاصة)
وكذا السيد مصطفى التفريشي في آخر كتابه نقد الرجال (ص 420)، فراجعها
والصدوق - نفسه - ذكر الحسين بن زيد في (مشيخته) آخر الكتاب (ج 4
ص 123) فقال: (وما كان فيه عن الحسين بن زيد فقد رويته عن محمد بن علي
ماجيلويه - رضي الله عنه - عن محمد بن يحيى العطار، عن أيوب بن نوح، عن
محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
- عليهم السلام -).
والحسين بن زيد - هذا -: هو أبو عبد الله، مدني من أصحاب الصادق
- عليه السلام - يلقب (ذا الدمعة لكثرة بكائه، وكان الصادق - عليه السلام -
تبناه ورباه، ونشأ في حجره منذ قتل أبوه، وزوجه بنت الأرقط محمد بن عبد الله
الباهر ابن الإمام علي بن الحسين - عليه السلام - وقد شهد الحسين بن زيد مع محمد
وإبراهيم ابني عبد الله ابن الإمام الحسن - عليه السلام - ثم توارى، وكان مقيما في
منزل الصادق - عليه السلام - وأخذ عنه علما كثيرا.
روى عنه: عباد بن يعقوب وصفوان بن يحيى وإبراهيم بن سليمان، وترجم
له النجاشي في (رجاله: ص 41) طبع إيران، وعده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الصادق - عليه السلام - (ص 168) برقم (55) وذكره في الفهرست
(ص 55) طبع النجف الأشرف، وقال: (له كتاب رواه حميد، عن إبراهيم
ابن سليمان عنه) والعلامة الحلي في الخلاصة ص 51، برقم (16) طبع النجف
الأشرف، وذكره أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين (ص 387) طبع
القاهرة سنة 1368 ه‍ وترجم له ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (ج 2 -
ص 339) طبع حيدر آباد دكن، وقال (... روى عن إسماعيل بن عبد الله بن
جعفر، وأبيه زيد بن علي، وأعمامه محمد، وعمر، وعبد الله، وأبي السائب المخزومي
المدني، وابن جريج، وجماعة من آل علي، ويروي عنه إبناه: يحيى، وإسماعيل،
والدراوردي، وأبو غسان الكناني، وأبو مصعب، وعباد بن يعقوب الرواجني،
وغيرهم).
توفي سنة 235 ه‍ وقيل: سنة 240 ه‍ - وعمره 46 سنة -.
308

قال في (المنهج): (وتابعه مشايخنا على ذلك) (1) وظاهره
الاتفاق على صحة حديثه. وربما ناقش فيه بعض المتأخرين، وهو نادر.
وفي (الرواشح) و (ألقاب التلخيص): النص على توثيقه (2).
وهو ظاهر (المنتقى) و (مشرق الشمسين) (3).
وقد يستفاد ذلك - أيضا - من توثيق الشهيد الثاني في (الدراية)
جميع المشائخ المشهورين من زمان الكليني إلى زمانه (4).
والأصح: إنه شيخ من مشائخ الإجازة، وحديثه صحيح، وإن لم
يثبت توثيقه، إذ ليس له كتاب يحتمل الاخذ منه، وانما يذكر لمجرد
اتصال السند.

(1) راجع: (ص 408) من منهج المقال في الفائدة الثامنة آخر الكتاب.
(2) راجع: الراشحة الثالثة والثلاثين من الرواشح السماوية للسيد الداماد
(ص 106) وراجع ألقاب تلخيص الأقوال (الوسيط) المخلوط - بعنوان
(ما جيلويه) فقد نص كل منهما على توثيقه.
(3) راجع: (المنتقى) الصفحات الآنفة الذكر، كما مر ص 308 وراجع:
(مشرق الشمسين) للشيخ البهائي المطبوع بإيران فإنه اعتمد فيه على روايات عديدة ينتهي
سندها إلى منصور بن حازم المتفق على وثاقته، وفي طريق جملة من الروايات المنتهية
إلى منصور بن حازم وقع محمد بن علي ماجيلويه، فيظهر من ذلك توثيق
الشيخ البهائي لمحمد بن علي ماجيلويه، فلاحظ.
(4) راجع: شرح دراية الحديث للشهيد الثاني - رحمه الله - ص 69، طبع
النجف الأشرف.
310

وما جيلويه: لقب له، ولجده الثقة محمد بن أبي القاسم عبد الله
أو عبيد الله المذكور في موضعه (كذا في التلخيص) (1).
ويظهر من (مشيخة الصدوق): أن محمد بن أبي القاسم عمه،
لأجده.
ويروي محمد بن علي عنه وعن جماعة (2).
محمد بن محمد بن النعمان: أبو عبد الله المفيد - رحمه الله -
شيخ المشائخ الجلة (3) ورئيس رؤساء الملة، فاتح أبواب التحقيق

(1) راجع: تلخيص الأقوال (الوسيط) في الألقاب بعنوان (ما جيلويه).
(2) راجع: مشيخة الصدوق آخر كتاب (من لا يحضره الفقيه: ج 4
ص 120) فإنه قال فيها: (... وما كان فيه عن علي بن محمد الحضيني فقد رويته
عن محمد بن علي ما جيلويه، - رضي الله عنه - عن عمه محمد بن أبي القاسم...)
الخ، وأشار إلى ذلك الاسترآبادي في ألقاب منهج المقال (ص 399) فإنه قال:
(ماجيلويه يلقب به محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم، وجده محمد بن أبي
القاسم، ولكن روى الصدوق في مواضع من الفقيه عن محمد بن علي ماجيلويه،
عن عمه محمد بن أبي القاسم).
(3) شهرة الشيخ المفيد - رحمه الله - تغنينا عن الإطالة في ترجمته، وقد أطراه
المخالف والمؤالف ممن ذكره سيدنا - طاب ثراه - في الأصل، وممن أطراه من أعلام
السنة ممن لم يذكرهم سيدنا - قدس سره - ابن الجوزي في (المنتظم: ج 8 ص 11)
طبع حيدر آباد دكن، قال: (محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد الله المعروف
بابن المعلم، شيخ الامامية وعالمها، صنف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى،
وكان لابن المعلم مجلس نظر بداره، بدرب رياح، يحضره كافة العلماء، وكانت
له منزلة عند أمراء الأطراف بميلهم إلى مذهبه، توفي في رمضان هذه السنة (أي
سنة 413 ه‍) ورثاه المرتضى...) ثم ذكر ثلاثة أبيات من مرثيته، وتجد القصيدة
في ديوان الشريف المرتضى (ج 3 ص 204 - ص 206)، ومطلعها:
من على هذه الديار أقاما * أوضفا ملبس عليه وداما
عج بنا نندب الذين تولوا * باقتياد المنون عاما فعاما
وترجم له أيضا ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان: ج 5 ص 368)
طبع حيدر آباد دكن، فقال: (عالم الرافضة أبو عبد الله بن المعلم صاحب
التصانيف البديعة وهي مائتا تصنيف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيعه
ثمانون ألف رافضي، مات سنة 413 ه‍، وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب
على العلم، تخرج به جماعة، وبرع في المقالة الامامية حتى كان يقال: له على كل
إمام منة، وكان أبوه معلما بواسط وولد بها، وقتل بعكبرا، ويقال: إن عضد
الدولة كان يزوره في داره، ويعوده إذا مرض، وقال الشريف أبو يعلى الجعفري
- وكان تزوج بنت المفيد -: ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة، ثم يقوم يصلي
أو يطالع أو يتلو القرآن).
وترجم له أيضا ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب: ج 3 ص 199)
فقال: (توفي سنة 413 ه‍ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي
الكرخي، ويعرف أيضا بابن المعلم، عالم الشيعة، وإمام الرافضة، وصاحب
التصانيف الكثيرة) ثم أورد ما قال فيه ابن أبي طي مما ذكره سيدنا - طاب ثراه -
في الأصل.
اما الخطيب البغدادي فقد ترجم له في (تاريخ بغداد: ج 3 ص 331)
طبع مصر وأورد بعد ذلك في الشيخ المفيد كلمات بذيئة، ولكن ليس بمستغرب
منه (فإن الاناء ينضح بما فيه).
ومعاصره ابن النديم ترجم له في موضعين من (الفهرست): ففي (ص
366) طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة، قال: (ابن المعلم أبو عبد الله، في عصرنا
انتهت رئاسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه،
دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا)، وفي (ص 293) قال:
(ابن المعلم أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، في زماننا إليه انتهت رئاسة أصحابه
من الشيعة الإمامية في الفقه والكلام والآثار، ومولده سنة 338).
وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال: ج 4 ص 26) طبع مصر سنة 1382 ه‍:
(محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد الله بن المعلم الرافضي الملقب بالشيخ المفيد،
له تصانيف كثيرة، مات سنة 413 ه‍، وكان ذا عظمة وجلالة في دولة عضد
الدولة)، وذكره مرة أخرى (ص 30) وزاد قوله: (صاحب التصانيف البديعة
وهي مائنا مصنف، وله صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيعه ثمانون الف رافضي)
وبعد وفاته رآه كل من السيد المرتضى والمهيار الديلمي بمراث مثبتة في
ديوانيهما المطبوعين، وأخبار الشيخ المفيد كثيرة، وقد ترجم له في أكثر المعاجم
الرجالية، وورد ذكره في طرق الإجازات، وكتبت في حياته رسائل.
أما مشائخه والذين يروي عنهم من الفريقين فهم كثيرون، وقد ذكر
صاحب مقدمة (بحار الأنوار) الطبع الجديد جملة منهم وأنهاهم إلى (59) شيخا
فراجعها.
وأما تلامذته والراوون عنه من الفريقين فهم كثيرون أحصى منهم صاحب
المقدمة المذكورة (15) شخصا، وهؤلاء الذين وصلت إليه يد التتبع.
وقد ذكر صاحب مستدرك الوسائل في الخاتمة (ج 3 ص 520 - ص 521)
جماعة منهم، فراجعه.
311

بنصب الأدلة، والكاسر بشقائق بيانه الرشيق حجج الفرق المضلة، اجتمعت
فيه خلال الفضل، وانتهت إليه رئاسة الكل، وأنفق الجميع على علمه
وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته. وكان - رضي الله عنه - كثير
المحاسن، جم المناقب، حديد الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، واسع
الرواية، خبيرا بالرجال والاخبار والاشعار. وكان أوثق أهل زمانه في
الحديث وأعرفهم بالفقه والكلام، وكل من تأخر عنه استفاد منه.
312

وممن قرأ عليه: السيد الاجل الأوحد المرتضى علم الهدى، وأخوه
السيد الرضي، وشيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي - رحمه الله - وأبو يعلى
محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، وأبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي
والشيخ الثقة الجليل بقية السفراء أبو الفرج علي بن الحسين الحمداني،
وغيرهم من المشائخ الاجلاء والفقهاء العظماء.
313

وهو يروى عن شيخه الصدوقين: أبي القاسم جعفر بن قولويه،
وأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه، والسيد العالم الزاهد أبي محمد الحسن
ابن حمزة العلوي، والفقيه الفاضل المشهور أبي علي محمد بن أحمد بن الجنيد
ومحمد بن أحمد بن داود وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وغيرهم
قال ابن إدريس في (مستطرفات السرائر): (إن المفيد - رحمه الله - كان
من أهل (عكيراء) وانحدر إلى بغداد مع أبيه، وبدأ بقراءة العلم على الشيخ أبي
عبد الله المعروف بالجعل، ثم حضر مجلس علي بن عيسى الرماني، وكان متكلما
فأتاه رجل من أهل البصرة وسأله، عن يوم الغدير والغار، فقال الرماني:
أما خبر الغار فدراية، وأما خبر الغدير فرواية، والرواية لا توجب ما توجبه
الدراية. فانصرف البصري، ولم يحر جوابا يرد به. قال المفيد - رحمه
الله -: فقلت: أيها الشيخ، مسألة فقال: هات مسألتك؟ فقلت:
ما تقول فيمن قاتل إماما عادلا؟ فقال: كافر، ثم استدرك، فقال:
فاسق، فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟ فقال:
إمام عادل. فقلت: فما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ فقال:
تابا، قلت: أما خبر الجمل فدراية. وأما خبر التوبة فرواية، فقال لي:
كنت حاضرا، وقد سألني البصري؟ فقلت: نعم رواية برواية، ودراية
بدراية. فقال: بمن تعرف، وعلى من تقرأ؟ قلت: أعرف بابن المعلم
314

وأقرأ على أبي عبد الله الجعل. فقال: موضعك، فدخل منزله وأخرج
معه رقعة قد كتبها وألصقها. وقال لي: أوصل هذه الرقعة إلى أبي
عبد الله، فجئت بها إليه، فجعل يقرأها، ويضحك، وقال: أي شئ
جرى لك في مجلسه؟ فقد أوصاني بك ولقبك (المفيد) فذكرت له المجلس
بقصته، فتبسم) (1).
وذكر الشيخ ورام بن أبي الفراس في كتابه: (أن الشيخ المفيد
لما انحدر من (عكبرا) إلى بغداد للتحصيل، اشتغل بالقراءة على الشيخ
أبي عبد الله المعروف ب‍ (الجعل) ثم على أبي ياسر، وكان أبو ياسر
ربما عجز عن البحث معه، والخروج من عهدته، فأشار إليه بالمضي إلى
علي بن عيسى الرماني الذي هو من أعاظم علماء الكلام، وأرسل معه من
يدله على منزله، فلما مضى - وكان مجلس الرماني مشحونا من الفضلاء -
جلس الشيخ في صف النعال، وبقي يتدرج للقرب كلما خلا المجلس
شيئا فشيئا لاستفادة المسائل من صاحب المجلس، فاتفق أن رجلا من أهل
البصرة دخل وسأل الرماني عن خبر الغار والغدير) (2) ثم ساق الكلام على
الوجه الذي حكيناه عن ابن إدريس
وفي (مجالس المؤمنين) عن مصابيح القلوب (3) حكاية هذه القصة

(1) أنظر: مستطرفات السرائر، فيما استطرفه من كتاب (العيون والمحاسن)
للشيخ المفيد - رحمه الله - طبع إيران سنة 1270 ه‍
(2) راجع: كتاب تنبيه الخواطر ونزهة النواظر - المشهور بمجموعة ورام -
لابي الحسين الشيخ ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري المتوفى بالجلة ثاني شهر
محرم سنة 605 ه‍ (ج 2 ص 302) طبع إيران المطبعة الاسلامية.
(3) مصابيح القلوب، فارسي في المواعظ والنصائح وشرح ستة وخمسين
حديثا من الأحاديث النبوية، تأليف المولى أبي سعيد الحسن بن الحسين الشيعي
السبزواري الذي كان حيا سنة 653 ه‍، لأنه فرغ بهذا التاريخ من تأليف كتابه
(راحة الأرواح)، وقد ترجم له الميرزا عبد الله أفندي في (رياض العلماء)
وشيخنا الحجة الطهراني في كتابه (الحقائق الراهنة في تراجم المائة الثامنة) وغيرهما
من أرباب المعاجم الرجالية.
315

مع القاضي عبد الجبار (1) المشهور - شيخ المعتزلة - بوجه آخر: قال:
(... بينما القاضي عبد الجبار ذات يوم في مجلسه في بغداد - ومجلسه مملوء
من علماء الفريقين - إذ حضر الشيخ وجلس في صف النعال، ثم قال
للقاضي: إن لي سؤالا، فان أجزت بحضور هؤلاء الأئمة؟ فقال له
القاضي: سل، فقال: ما تقول في هذا الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة:
(من كنت مولاه فعلي مولاه) أهو مسلم صحيح عن النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - يوم الغدير؟ فقال: نعم: خبر صحيح،
فقال الشيخ: ما المراد بلفظ (المولى) في الخبر؟ فقال: هو بمعنى
أولى. قال الشيخ: فما هذا الخلاف والخصومة بين الشيعة والسنة؟ فقال
القاضي: أيها الأخ هذا الخبر رواية، وخلافة أبي بكر دراية، والعاقل
لا يعادل الرواية بالدراية. فقال الشيخ: فما تقول في قول النبي (ص)
لعلي - عليه السلام -: (حربك حربي وسلمك سلمي؟ قال القاضي:
الحديث صحيح. قال: فما تقول في أصحابك الجمل؟ فقال القاضي: ايها

(1) عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني الأسد آبادي، أبو الحسين
قاض أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، وهم يلقبونه قاضي القضاة، ولا
يطلقون هذا اللقب على غيره، ولي القضاء بالري، ومات فيها سنة 415 ه‍، وله
تصانيف كثيرة، ترجم له السبكي في طبقات الشافعية (ج 3 ص 219) وابن
حجر في لسان الميزان (ج 3 ص 386) والخطيب في تاريخ بغداد (ج 11 ص 113)
وغير هؤلاء من أرباب المعاجم.
316

الأخ، إنهم تابوا، فقال الشيخ: أيها القاضي، الحرب دراية، والتوبة
رواية، وأنت قد قررت - في حديث الغدير - أن الرواية لا تعارض الدراية
فبهت القاضي، ولم يحر جوابا، ووضع رأسه ساعة، ثم رفع رأسه،
وقال: من أنت؟ فقال له الشيخ: خادمك محمد بن محمد بن النعمان
الحارثي. فقام القاضي من مقامه، وأخذ بيد الشيخ وأجلسه على مسنده
فقال: أنت (المفيد حقا) فتغيرت وجوه علماء المجلس مما فعله القاضي
بالشيخ المفيد، فلما أبصر القاضي ذلك منهم، قال: أيها الفضلاء العلماء
إن هذا الرجل ألزمني، وأنا عجزت عن جوابه، فإن كان أحد منكم
عنده جواب عما ذكره فليذكره ليقوم الرجل ويرجع إلى مكانه الأول.
فلما انفصل المجلس شاعت القصة واتصلت بعضه الدولة، فأرسل إلى الشيخ
وسأله، فحكى له ذلك، فخلع عليه خلعة سنية، وأمر له بفرس محلى
بالزينة، وأمر له بوظيفة تجري عليه) (1).
وحكى الشيخ الجليل أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي
- في آخر كتاب الاحتجاج -: (أنه ورد من الناحية المقدسة في أيام
بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة كتاب إلى الشيخ المفيد - طاب ثراه -
ذكر موصله: أنه تحمله من ناحية متصلة بالحجاز. وهذه صورته:
(للأخ السديد والولي الرشيد والشيخ المفيد أبى عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان - أدام الله إعزازه - من مستودع العهد المأخوذ على العباد: بسم
الله الرحمن الرحيم، أما بعد، سلام عليك، أيها الولي المخلص في الدين
المخصوص فينا باليقين، فانا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله
الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام

(1) راجع: مجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري المتوفى سنة 1019 ه‍
(ج 1 ص 464) طبع إيران سنة 1375 ه‍.
317

الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق -: أنه
قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك فيها ما توديه عنا إلى موالينا
قبلك أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته، فقف -
أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه - على ما نذكره، واعمل في
تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله تعالى) ثم إنه - عليه السلام -
أمره بالاعتصام بالتقية، وأخبر فيه ببعض الملاحم الكائنة في تلك السنة وما
بعدها (ونسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام): هذا كتابنا إليك
أيها الأخ الولي، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك
الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ولا تظهر خطنا الذي سطرناه بما له
ضمناه أحدا، وأد ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل
عليه ان شاء الله تعالى، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين)
قال الطبرسي: (وورد عليه كتاب آخر من قبله - صلوات الله
عليه - يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتى عشرة
وأربعمائة) نسخته من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله:
بسم الله الرحمن الرحيم: سلام عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة
الصدق، فانا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، آلهنا وآله آبائنا
الأولين، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل
بيته الطاهرين، وبعد، فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي
وهبه لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه، وشفعنا (1) فيك
من مستقر لنا ناضب (2) في شمراخ من بهماء، صرنا إليه - آنفا - من

(1) الظاهر: وسمعنا ذلك (منه قدس سره)
(2) نضبت المفازة: بعدت (منه رحمه الله)
318

عمى ليل ألجأنا إليه السباريت (1) من الايمان. ويوشك أن يكون هبوطنا
منه إلى صحصح (2) من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان، ويأتيك
نبأ منا بما تتجدد لنا من حال، فتعرف بذلك ما تعمده من الزلفة الينا
بالاعمال، والله موفقك لذلك برحمته. فلتكن - حرسك الله بعينه التي
لا تنام - أن تقابل لذلك ففيه، تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب
المبطلين، يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا
من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مستحل للدم المحرم
يعمد بكيده أهل الايمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم والعدوان،
لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء،
فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية وإن راعتهم بهم
الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا
المنهي عنه من الذنوب، ونحن نعهد إليك، أيها الولي المجاهد فينا الظالمين
أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين. إنه من اتقى
ربه من إخوانك في الدين واخرج ما عليه إلى مستحقه كان آمنا من
فتنتنا المطلة ومحنتنا للظلمة المضلة: ومن بخل منهم بما أعان الله من نعمته
على من أمر بصلته، فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وأخراه، ولو أن
أشياعنا - وفقهم الله لطاعته - على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد
عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على
حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه
ولا نؤثره منهم. والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على
سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين. وكتب في غرة شوال سنة

(1) السبروت: الأرض القفر (منه رحمه الله).
(2) صحصح: ما استوى من الأرض (منه رحمه الله).
319

اثنتي عشرة وأربعمائة (نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله وسلامه على
صاحبها): هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي باملائنا وخط ثقتنا
فاخفه عن كل أحد واطوه واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى
أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا ودعائنا ان شاء الله، والحمد لله والصلاة
على سيدنا محمد وآله الطاهرين) (1).
وحكي عن الشيخ يحيى بن بطريق الحلي - صاحب كتاب العمدة
وغيره -: انه (ذكر في رسالة نهج العلوم لتزكية الشيخ المفيد - رضي الله عنه -
طريقين: أحدهما - ما يشترك بينه وبين غيره من أصحابنا الثقات، وثانيهما -
ما يختص به، وهو ما ترو به كافة الشيعة وتتلقاه بالقبول: أن مولانا صاحب
الامر - صلوات الله عليه وعلى آبائه - كتب إليه ثلاثة كتب، في كل
سنة كتابا، وكان نسخة عنوان الكتاب: للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ
المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه) - وذكر
بعض ما تقدم - ثم قال -: (وهذا أوفى مدح وتزكية، وأزكى ثناء
وتطرية بقول إمام الأمة وخلف الأئمة عليهم السلام) (2).
وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال
المبلغ ودعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى.
ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن واشتمال التوقيع على الملاحم

(1) راجع: في هذين الكتابين تفصيلا -: الإحتجاج للطبرسي (ج 2 ص 318
- 325) طبع النجف الأشرف - على ما فيهما من أغلاط مطبعية غير مغتفرة -.
(2) الحاكي عن ابن بطريق في رسالته (نهج العلوم إلى نفي المعدوم): هو
العلامة المحدث الشيخ يوسف البحراني أستاذ سيدنا - طاب ثراه - راجع (لؤلؤة
البحرين: ص 367) طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍، ونقل ذلك عن
(اللؤلؤة) أيضا صاحب (روضات الجنات) في ترجمة الشيخ المفيد (ص 563)
أما كتاب نهج العلوم - هذا - فهو من المخطوطات المفقودة في زماننا.
320

الملاحم والاخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه باظهاره
لهم، وإن المشاهدة المنفية: أن شاهد الامام ويعلم أنه الحجة - عليه السلام -
حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك.
وقد يمنع - أيضا - امتناعها في شأن الخواص، وان اقتضاه ظاهر
النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار.
وكان مولد المفيد - طاب ثراه - يوم الحادي عشر من ذي القعدة
سنة ست وثلاثين وثلاثمائة - على قول النجاشي - (1) أو سنة ثمان وثلاثين
- على ما ذكره الشيخ رحمه الله - (2).
وتوفي - رحمه الله - ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وصلى عليه السيد المرتضى - رضي الله عنه -
في (ميدان الأشنان) (3) وضاق على الناس مع سعته، ودفن في داره
سنين، ثم نقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد الإمام أبي جعفر الجواد
- عليه السلام - عند الرجلين إلى جنب قبر شيخه الصدوق أبي القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه، وكان يوم وفاته يوما لم ير أعظم منه من
كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والمؤالف - قاله الشيخ
والنجاشي وغيرهما -.
ويعلم من تأريخ تولده ووفاته - رضي الله عنه -: أنه عمر خمسا
أو سبعا - وسبعين سنة، وأنه أدرك جميع الطبقة الثامنة، وثلاث عشرة

(1) راجع: رجال النجاشي: ص 315 طبع إيران.
(2) ذكر ذلك في كتابه (الفهرست: ص 158 برقم 696) طبع النجف
الأشرف سنة 1356 ه‍.
(3) قال الحموي في (معجم البلدان بمادة أشنان): (قنطرة الأشنان
- بالضم -: محلة كانت ببغداد...).
321

سنة من التاسعة، ولم يدرك شيئا من الغيبة الصغرى (1).
فإنها انقضت بوفاة أبي الحسن علي بن محمد السمري - آخر السفراء -
سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وهي سنة تناثر النجوم. وولادة المفيد متأخرة
عنها بسبع سنين أو أكثر.
وفي (مجالس المؤمنين) (2): (إن هذه الأبيات لصاحب الأمر
- عجل الله فرجه - وجدت مكتوبة على قبره:
لا صوت الناعي بفقدك إنه * يوم على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى * فالعدل والتوحيد فيه مقيم
والقائم المهدي يفرح كلما * تليت عليك من الدروس علوم
وقد ذكر شيخنا المفيد جماعة من أكابر العامة، وأثنوا عليه غاية
الثناء:
منهم اليافعي في (تأريخه) المسمى ب‍ (مرآة الجنان في تأريخ المشاهير
الأعيان) قال - عند ذكر سنة ثلاث عشرة وأربعمائة -: (وفيها توفي
عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد
وبابن المعلم البارع في الكلام والفقه والجدل. وكان يناظر أهل كل عقيدة
مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي -: وكان كثير

(1) لا يخفى أن سيدنا - طاب ثراه - جعل أصحاب الطبقة الثامنة والذين لم
يدركوا شيئا من الغيبة الصغرى من الطبقة التاسعة أمثال الشيخ المفيد - رحمه الله -
وهذا يناقض ما ذكره (ص 199) من هذا الجزء، حيث ذكر محمد بن أحمد
المعروف بأبي الفضل الصابوني وجعله من الطبقة السابعة، وممن أدرك الغيبتين
الصغرى والكبرى، فكيف الجمع بين هذين الكلامين المتناقضين في ترتيب الطبقات
فلاحظ جيدا لعلك تهتدي إلى دفع التناقض.
(2) راجع: مجالس المؤمنين (ج 1 ص 477) طبع إيران سنة 1375 ه‍.
322

الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، وقال
غيره: كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخا ربعة نحيفا
أسمر. عاش ستا وسبعين سنة، وله أكثر من مئتي مصنف وكانت جنازته
مشهودة، شيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأرواح الله منه وكان
موته في رمضان) (1).
وفي مجالس المؤمنين - عن تأريخ ابن كثير الشامي -: أنه قال فيه:
(محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد الله المعروف بابن المعلم، شيخ الروافض
والمصنف لهم والحامي عنهم، كانت ملوك الأطراف تعتقد به، لكثرة
الميل إلى الشيعة في ذلك الزمان، وكان يحضر مجلسه خلق عظيم من جميع
طوائف العلماء. ومن تلامذته: الشريف المرتضى، ورثاه بأبيات حسنة) (2)
وقال النجاشي - رضي الله عنه - في نسبه: (محمد بن محمد بن
النعمان بن عبد السلام بن جابر بن نعمان بن سعيد بن جبير بن وهب بن
هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن عبد الله بن عبد الدار بن رئاب
ابن قطرب بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث
ابن كعب بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشخب بن
يعرب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان...)

(1) راجع: مرآة الجنان لليافعي في حوادث سنة 413 ه‍، طبع حيدر
آباد دكن.
(2) راجع: مجالس المؤمنين (ج 1 ص 465).
(3) راجع: رجال النجاشي: ص 311 طبع إيران ويختلف ما هو مطبوع
من رجال النجاشي مع ما ذكره سيدنا - طاب ثراه - في الأصل في بعض الأسماء،
ولعله لكثرة الأغلاط فيما هو مطبوع في رجال النجاشي، فلاحظ.
323

محمد بن المستنير بن أحمد النحوي اللغوي.
مولى سلام بن زياد (1) المعروف ب‍ (قطرب). أخذ الأدب عن
سيبويه، وهو الذي لقبه (قطرب)؟ كوره في التعلم. مات سنة ست

(1) محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي الشهير بقطرب، نحوي، عالم
بالأدب واللغة من أهل البصرة. من الموالي، وكان يرى رأي المعتزلة النظامية:
وهو أول من وضع (الثالث) في اللغة، له مؤلفات عديدة، منها: معاني القرآن،
والنوادر، لغة، والأزمنة والأضداد، وخلق الانسان، وما خالف الانسان البهيمية
الوحوش وصفاتها، وقد طبع، وغريب الحديث، وذكر السيوطي في (بغية الوعاة)
له مؤلفات أخرى، فراجعها، أما (المثلثات) المطبوعة فهي من نظم سديد الدين
أبي القاسم عبد الوهاب بن الحسن بن بركات المهلبي المتوفى سنة 685 ه‍، وابتدأ
في مثلثاته بقوله: (نظمت مثلث قطرب في قصيدة قلتها أبياتا على حروف المعجم
...) ويقول في ختامها:
لما رأيت دله * وهجره ومطله
نظمت في وصفي له * مثلثا لقطرب
وقد توهم الحلبي صاحب كشف الظنون وغيره في نسبة المثلثات التي مطلعها
(يا مولعا بالغضب) إلى قطرب، فلاحظ. ونسب السيوطي في (بغية الوعاة)
البيتين الآتيين إلى قطرب، وهما:
إن كنت لست معي فالذكر منك معي * يراك قلبي وإن غيبت عن بصري
فالعين تبصر من تهوى وتفقده * وناظر القلب لا يخلو من النظر
توفي قطرب سنة 206 ه‍، وتجد له ذكرا في وفيات الأعيان لابن خلكان،
وبغية الوعاة للسيوطي، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وطبقات النحويين:
ونزهة الألباء، وشذرات الذهب، ومعجم المطبوعات، وكشف الظنون، والأعلام للزركلي
، وغيرها.
324

ومئتين. ويقال: إن اسمه أحمد بن محمد، والأول أشهر. والمستنير -
بالميم والسين المهملة الساكنة بعدها النون -.
محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الرازي الكليني.
ثقة الاسلام، وشيخ مشايخ الاعلام (1) ومروج المذهب في غيبة
الامام - عليه السلام - ذكره أصحابنا والمخالفون، واتفقوا على فضله وعظم
منزلته.

(1) الكليني: نسبة إلى (كلين)، قال الزبيدي في (تاج العروس) شرح
القاموس بمادة (كلان) مازجا كلام الماتن الفيروز آبادي: (... وكلين كأمير،
هكذا في النسخ، وفي بعضها: وكلين بالكسر، وضبطه السمعاني كزبير، قلت:
وهو المشهور على الألسن، والصواب بضم الكاف وإمالة اللام كما ضبطه الحافظ
في التبصير: بلدة بالري، منها أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة
ورؤس فضلائهم في أيام المقتدر، ويعرف أيضا بالسلسلي لنزوله درب السلسلة
ببغداد).
وقال العلامة الحلي - رحمه الله - في ترجمة أحمد بن إبراهيم، خال العلامة
المعروف بعلان الكليني (ص 18 رقم 31) طبع النجف الأشرف: (الكليني
مضموم الكاف مخفف اللام قرية من الري).
وقال العلامة الفقيه الشيخ أحمد النراقي المتوفى سنة 1245 ه‍، في العائدة
الأخيرة من (عوائد الأيام) التي ذكر فيها تصحيح بعض أسماء الرجال وألقابهم
وكناهم، سيما المشهورين منهم (ص 297) طبع إيران سنة 1323 ه‍، ما هذا
نصه: (الكليني: بضم الكاف وتخفيف اللام منسوب إلى (كلين) قرية من قرى
الري، ونحوه في بعض لغات الفرس، وحكي عن الشهيد الثاني - رحمه الله - أنه
ضبط - في إجازته لعلي بن خازن الحائري - الكليني بتشديد اللام، والقرية موجودة
الآن في الري في قرب الوادي المشهور بوادي (الكرج) و (عبرت) عن قربه
ومشهورة عند أهلها وأهل تلك النواحي جميعا بكلين - بضم الكاف وفتح اللام
المخففة - وفيها قبر الشيخ يعقوب والد محمد).
والإجازة التي ذكرها النراقي لابن الخازن والتي ضبط فيها الكليني بتشديد
اللام إنما هي من الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي له لامن الشهيد الثاني، كما توهم
الحاكي، وهي مدرجة في كتاب الإجازات للمجلسي الملحق بآخر اجزاء البحار
(ص 39) وقد أجازه بدمشق منتصف نهار الأربعاء (12) شهر رمضان سنة
784 ه‍.
ومحمد بن يعقوب الكليني ينتسب إلى بيت طيب الأصل في (كلين)
أخرج عدة من أفاضل رجالات الفقه والحديث، منهم خاله (علان)
الذي تقدم ذكره (ص 79) من هذا الجزء، وكان الكليني شيخ الشيعة في وقته
بالري ووجههم، ثم سكن بغداد في درب السلسلة بباب الكوفة، وحدث بها
سنة 327 ه‍، كما في الاستبصار للشيخ الطوسي (ج 2 ص 352)، وقد انتهت
إليه رئاسة فقهاء الامامية في أيام المقتدر العباسي، كما ذكر ذلك الزبيدي في تاج
العروس شرح القاموس بمادة (كلان) وقد أدرك زمان سفراء الامام المهدى
المنتظر - عليه السلام - وجمع الحديث من مشرعه ومورده، وقد انفرد بتأليف
كتاب (الكافي) في أيامهم - كما ذكر ذلك السيد علي بن طاووس - رحمه الله -
في كشف المحجة (ص 159) طبع النجف الأشرف سنة 1370، إذ سأله بعض
رجال الشيعة أن يكون عنده كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي
به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد - كما ذكر ذلك في مقدمة (الكافي) ص 8، طبع
إيران الجديد -.
وكان مجلسه مرتعا لأكابر العلماء الذين قصدوه في طلب العلم، وكانوا
يحضرون حلقته لمذاكرته، ومفاوضته، والتفقه عليه.
والكافي - بحق - هو جؤنة - حافلة بأطائب الاخبار، ونفيس الاعلاق من
العلم والدين، والشرائع والأحكام، والامر، والنهي، والزواجر، والسنن،
والآداب والآثار، وكان - مع ذلك - عارفا بالتواريخ والطبقات، صنف كتاب
الرجال، متكلما بارعا، ألف كتاب الرد على القرامطة، وأما عنايته بالآداب فمن
إمارتها: كتاباه رسائل الأئمة - عليهم السلام - وما قيل في الأئمة من الشعر، ولعل
كتابه تفسير الرؤيا خير كتاب أخرج في باب التعبير.
أما مشايخ الكليني - رحمه الله - فقد ذكروا في المعاجم الرجالية من الشيعة
والسنة، وقد ذكر منهم الأستاذ (حسين علي محفوظ) في رسالته التي ألفها في حياة
الكليني وجعلها مقدمة للكافي المطبوع سنة 1381 ه‍ بإيران، ذكر من شيوخه ستة
وثلاثين شيخا من الفطاحل، عن مصادر وثيقة من المعاجم الرجالية، كما ذكر من
تلامذته الذين يروون عنه خمسة عشر تلميذا قدر ما اطلع عليه منهم، وهم كثيرون
وذكر أقوال أرباب المعاجم الرجالية في مدحه وإطرائه وجملة من تأليفاته
القيمة ومنها (الكافي) وإطراء الاعلام له، وأن شيوخ عصره كانوا يقرأونه عليه
ويروونه عنه سماعا وإجازة، كما قرؤه على تلميذه أبي الحسين أحمد بن أحمد
الكوفي الكاتب، ورواه جماعة من أفاضل رجالات الشيعة عن طائفة من كملة حملته، ومن رواته الأقدمين النجاشي، والصدوق، وابن قولويه، والمرتضى
والمفيد، والطوسي والتلعكبري، والزراري، وابن أبي رافع، وغيرهم
ولزياد الاطلاع على ترجمة الكليني راجع الرسالة المذكورة للأستاذ (محفوظ)
وراجع مستدرك الوسائل (الخاتمة)، ولؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني
صاحب الحدائق (ص 386) طبع النجف الأشرف وروضات الجنات، وغيرها
من المعاجم الرجالية.
وقد ألف الميرزا فضل الله ابن الميرزا شمس الدين ابن الميرزا جعفر ابن
الميرزا حسن علي، اللواساني الأصل، الطهراني المولد والمسكن، والمتوفى سنة
1353 ه‍، كتاب (عين الغزال في فهرس أسماء الرجال) وطبع في آخر فروع
الكافي بطهران سنة 1315 ه‍، وهو كتاب لطيف اقتصر فيه على تراجم الرواة إلى
الطبقة السابعة، وهي طبقة الكليني، ورتبهم في جدولين لطيفين، (أحدهما) فيمن
تحقق له أصل أو كتاب وراو معين عنه (والثاني) فيمن لم يتحقق فيه ذلك، بدأ
بمقدمة في ترجمة الكليني، وخاتمة في فوائد من علم الدراية، فراجعه.
325

قال الشيخ - رحمه الله: (ثقة جليل القدر، عارف بالاخبار) (1).
وقال النجاشي والعلامة: (... شيخ أصحابنا في وقته بالري، ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم...) (2).
وذكره المحقق - رحمه الله - في (المعتبر) في فضلاء أصحاب الحديث
الذين اختار النقل عنهم ممن اشتهر فضله وعرف تقدمه في نقد الاخبار
وصحة الاختيار وجودة الاعتبار (3)
وفي (إجازة المحقق الكركي للشيخ أحمد بن أبي جامع): (...
وأعظم الأشياخ في تلك الطبقة - يعني المتقدمة على الصدوق - الشيخ الاجل
جامع أحاديث أهل البيت - عليهم السلام - محمد بن يعقوب صاحب

(1) راجع: كتاب الرجال للشيخ الطوسي - باب من لم يرو عنهم - عليهم
السلام - ص 495 برقم 27، والفهرست له (ص 135 برقم 591) طبع النجف
الأشرف.
(2) راجع: رجال النجاشي (ص 292) طبع إيران، ورجال العلامة الحلي
- القسم الأول - باب محمد (ص 145 برقم 36).
(3) راجع: كتاب المعتبر للمحقق الحلي - الفصل الرابع منه - (ص 7)
طبع إيران سنة 1318، فإنه - رحمه الله - يستعرض فيه أسماء أعاظم الرواة والعلماء
من المتقدمين والمتأخرين، ويعد من بينهم الشيخ الكليني - رحمه الله -.
328

كتاب (الكافي) في الحديث الذي لم يعمل للأصحاب مثله) (1) وقد تقدمه
في نعت الكتاب بنحو ذلك: الشهيد - رحمه الله - في إجازته لابن الخازن (2)
وفي إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا
البهائي - رحمه الله -: (... الشيخ الامام، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد
ابن يعقوب) (3).
وفي (الوجيزة): (محمد بن يعقوب ثقة الاسلام، جزاه الله عن
الاسلام وأهله خير الجزاء) (4).
وفي (القاموس - في كلين): (إنها كأمير قرية بالري، منها
محمد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة).
وفي (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) للشيخ الحافظ أحمد بن حجر
العسقلاني: (الكليني - بالضم وإمالة اللام ثم ياء ساكنة ثم نون -:
أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني من رؤساء فضلاء الشيعة في أيام المقتدر

(1) أنظر: صورة الإجازة التي أدرج فيها الأوصاف المذكورة، في كتاب
الإجازات للمجلسي الملحق بآخر البحار (ص 62) والإجازة مؤرخة في (26)
شهر رمضان سنة 929 ه‍.
(2) راجع: الإجازة المذكورة في المصدر السابق (ص 38) والإجازة
مؤرخة في (12) شهر رمضان سنة 784 ه‍.
(3) راجع: الإجازة المذكورة في المصدر السابق (ص 84) والإجازة
مؤرخة لثلاث ليال مضت من شهر جمادى الآخرة سنة 941 ه‍، وانظرها أيضا في
كشكول الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق (ج 2 ص 201) طبع النجف
الأشرف.
(4) راجع: الوجيزة للمجلسي الملحقة بخلاصة الأقوال في الرجال للعلامة
الحلي (ص 166) طبع إيران.
329

وهو منسوب إلى (كلين) من قرى العراق) (1).
وقال ابن الأثير في (جامع الأصول): (... أبو جعفر محمد بن
يعقوب الرازي الفقيه الامام على مذهب أهل البيت - عليهم السلام - عالم
في مذهبهم كبير فاضل عندهم مشهور) (2).
وعده في حرف النون من (كتاب النبوة) من المجددين لمذهب
الامامية على رأس المائة. الثالثة وكذا الفاضل الطيبي في (شرح المشكاة)
وقد مر تفصيل المجددين عنهما في ترجمة علي بن الحسين المرتضى - رحمه الله - (3)
وهذا - كما عرفت - إشارة إلى الحديث المشهور المروي عن النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم -: أنه قال: (إن الله عز وجل يبعث لهذه
الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (4).
وما ذكره ابن الأثير وغيره من أهل الخلاف: من أن الكليني
- رحمه الله - هو المجدد لمذهب الامامية في المائة الثالثة - من الحق الذي
أظهره الله على لسانهم وأنطقهم به.
ومن نظر: كتاب الكافي الذي صنفه هذا الامام - طاب ثراه -
وتدبر فيه تبين له صدق ذلك، وعلم أنه - رحمه الله - مصداق هذا الحديث
فإنه كتاب جليل عظيم النفع عديم النظير فائق على جميع كتب الحديث
بحسن الترتيب وزيادة الضبط والتهذيب وجمعه للأصول والفروع واشتماله

(1) راجع: تبصير المنتبه - حرف الكاف - وهو بعد لم يطبع، وإنما طبع
منه الجزء الأول والثاني فقط.
(2) أنظر: مقدمة جامع الأصول المطبوع بمصر سنة 1371 ه‍.
(3) راجع: ص 127 من هذا الجزء.
(4) راجع: تعليقتنا (ص 123 - ص 125) من هذا الجزء حول هذا
الحديث.
330

على أكثر الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار - عليهم السلام -. وقد
اتفق تصنيفه في الغيبة الصغرى بين أظهر السفراء في مدة عشرين سنة
كما صرح به النجاشي وغيره (1) وقد ضبطت أخباره في ستة عشر
ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا (*) ووجدت ذلك منقولا من
خط العلامة - قدس سره - وقال الشهيد في (الذكرى): (إن ما في
الكافي من الأحاديث يزيد على ما في مجموع الصحاح الستة للجمهور) (2)
ذكر بعض المتأخرين: أن الصحيح منها خمسة آلاف واثنان سبعون،
والحسن مائة وأربعة وأربعون، والموثق ألف ومائة وثمانية عشر، والقوي اثنان
وثلاثمائة، والضعيف تسعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثمانون. والمجتمع من هذا
التفصيل ستة عشر ألفا ومائة وواحد وعشرون حديثا، وهو لا يطابق الاجمال
(منه قدس سره).
لا يخفى أن الذي ضبط أخبار الكافي في (16199) حديثا هو بعض المتأخرين
الذي أشار إليه سيدنا - طاب ثراه - وأنه ضبط الصحيح منها والحسن والموثق والقوي
والضعيف، فبلغت (16121). ونقل الشيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين)
ص 394، طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍ عن بعض المتأخرين أيضا عين
الجملة التي نقلها سيدنا - قدس سره في الأصل وفي الهامش عن بعض المتأخرين
إلا أنه لم يذكر أن (المجتمع من هذا التفصيل ستة عشر ألفا ومائة وواحد وعشرون
حديثا، وهو لا يطابق الاجمال) ولعله - رحمه الله - لم يلتفت إلى عدم المطابقة.
أما عدم المطابقة للمجموع الذي يزيد على حاصل الحساب ب‍ (78) حديثا
فلعله لتكرار بعض الأحاديث في الكافي، فلاحظ ذلك.
(2) راجع: كتاب الذكرى للشهيد الأول - الوجه التاسع من الإشارة السابعة
من المقدمة (ص 6) - طبع إيران سنة 1271 ه‍. (*)

(1) راجع: رجال النجاشي: ص 292 طبع إيران.
331

وعدة كتب الكافي: اثنان وثلاثون كتابا (*) وهي: كتاب العقل
والجهل وفيه فضائل العلم، وكتاب التوحيد، وكتاب الحجة وفيه الخمس
وكتاب الايمان والكفر وفيه الطاعات والمعاصي، وكتاب الدعاء، وكتاب
فضل القرآن، وكتاب العشرة، وكتاب الطهارة، وكتاب الحيض،
وكتاب الجنائز، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم،
وكتاب الحج والمزار، وكتاب الجهاد، وكتاب المعيشة وفيه أنواع المعاملات
وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق وما يلحق به، وكتاب العتق وتوابعه
وكتاب الحدود، وكتاب الديات، وكتاب الشهادات، وكتاب الحكومات
وكتاب الايمان والنذور والكفارات، وكتاب الصيد والذبائح، وكتاب
الأطعمة والأشربة، وكتاب الزي والمروة والتجمل، وكتاب الدواجن
والرواجن، وكتاب الوقوف والصدقات، وكتاب الوصايا، وكتاب المواريث
وكتاب الروضة - وهو آخر الكتاب - (1).
وله - غير الكافي -: كتاب الرد على القرامطة، وكتاب تعبير الرؤيا
وكتاب الرجال، وكتاب رسائل الأئمة، وكتاب ما قيل فيهم من الشعر.
توفي - رحمه الله - في شهر شعبان من سنة تسع وعشرين وثلاثمائة
سنة تناثر النجوم، وهي السنة التي توفي فيها: أبو الحسن علي بن محمد
السمري آخر السفراء الأربعة (قاله النجاشي) والشيخ في كتاب الرجال (2)

* قال الشيخ: إنها ثلاثون كتابا، ولعل ذلك بادخال بعض الكتب في
بعض. وقال الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد: إنها خمسون
كتابا، وهو غريب (منه رحمه الله).
(1) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 135) برقم (591) طبع
النجف الأشرف سنة 1356 ه‍.
(2) راجع: رجال النجاشي: ص 292 طبع إيران، ورجال الشيخ الطوسي
(ص 495 رقم 27) باب من لم يرو عنهم - عليهم السلام - طبع النجف الأشرف
332

وفي (الفهرست) وكتاب (كشف المحجة لابن طاووس): أنه
توفي سنة ثمان وعشرين (1). واحتملهما العلامة، وابن داود (2).
وكانت وفاته في بغداد، وصلى عليه محمد بن جعفر الحسني
أبو قيراط (3)، ودفن ب‍ (باب الكوفة) (4).

(1) راجع: من الفهرست: ص 136 برقم 591 طبع النجف الأشرف
سنة 1356 ه‍، ومن كشف المحجة لرضي الدين السيد علي بن طاووس الحسني -:
(ص 159) طبع النجف الأشرف سنة 1370 ه‍، ووافقهما على هذا التاريخ ابن
الأثير في الكامل حوادث سنة 328 ه‍ وابن حجر في لسان الميزان (ج 5 ص 433)
(2) راجع: رجال العلامة: ص 145 باب محمد، برقم 36 طبع النجف
الأشرف، ورجال ابن داود الحلي: ص 341 برقم 1507 طبع دانشگاه طهران
فإنهما - بعد أن ترجما للكليني - نقلا تاريخ وفاته عن الشيخ والنجاشي بلا رد عليه.
(3) محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب - عليه السلام - المعروف بأبي قيراط، بهذا العنوان ذكره الشيخ
في رجاله - باب من لم يرو عنهم - عليهم السلام - (ص 500، رقم 57) وقال: (روى
عنه التلعكبري، يكنى أبا الحسن، وسمع منه سنه 328 ه‍، وله منه إجازة) ويروى
عن محمد بن جعفر - هذا - أيضا أبو بكر الدوري كما ذكره الشيخ الطوسي في
الفهرست في ترجمة عمرو بن ميمون (ص 111)، برقم 481) طبع النجف الأشرف
سنة 1356 ه‍.
(4) المعروف أن باب الكوفة بجانب الكرخ من بغداد، وهو وباب البصرة وباب
خراسان، وباب الشام، أبواب أربعة لقصر المنصور الذي بناه في وسط المدينة بالجانب
الغربي - كما ذكره الحموي في معجم البلدان بمادة (بغداد) -، كما أن الصراة - بفتح
الصاد المهملة ثم الراء بعدها الف وهاء - نهران ببغداد: الصراة الكبرى والصراة الصغرى
وهما بالجانب الغربي من بغداد، يأخذان من نهر عيسى، من عند بلدة يقال لها المحول
بينها وبين بغداد فرسخ، ونهر عيسى ينسب إلى عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس
قال الحموي في (معجم البلدان) بمادة (نهر عيسى) ما لفظه: (... وهي كورة وقرى كثيرة
وعمل واسع في غربي بغداد، يعرف بهذا الاسم، ومأخذه من الفرات عند قنطرة
دمما، ثم يمر فيسقى طسوج فيروز سابور حتى ينتهى إلى المحمول، ثم تتفرع منه أنهار
تتخرق مدينة السلام) - إلى أن قال - (ثم يصب في دجلة عند قصر عيسى بن
علي...)، وقال (الحموي) أيضا في مادة (المحول): (... بليدة حسنة طيبة
نزهة كثيرة البساتين والفواكه والأسواق والمياه، بينها وبين بغداد فرسخ، وباب
محول: محلة كبيرة هي اليوم منفردة بجنب الكرخ، وكانت متصلة بالكرخ
أولا...).
عرفت مما تقدم أن قبر الكليني في الجانب الغربي ببغداد، ولكن المعروف
- الآن - أن قبره في الجانب الشرقي (الرصافة) بباب الجسر العتيق (جسر المأمون
الحالي) بالقرب منه، على يسار الوارد من جهة المشرق وهو قاصد الكرخ. ويقول
الميرزا عبد الله أفندي في (رياض العلماء) - مخطوط -: (قبره ببغداد، ولكن
ليس في المكان الذي يعرف الآن بقبره).
قال الأستاذ (محفوظ): ص 42) من الرسالة المذكورة آنفا بعنوان (قبره
ببغداد): (وقد تعود الشيعة زيارة هذا القبر الحالي منذ قرون متعاقبة، معتقدين
أن صاحبه هو الكليني، والفريقان مجتمعان على تعظم هذا القبر، وتبجيل صاحبه
وقصة نبش قبره سائرة، وطريقة سلفنا وآبائنا المتقدمين، واستمرار سيرتهم في
زيارة الموضع المعروف المنسوب إليه في (جامع الآصفية) قرب رأس الجسر من
الشرق، يضطرنا إلى احترام هذا المزار، وإن كان في الحقيقة لم يرمس فيه، وذلك
إحياء لذكره، واخلادا لاسمه، واستبقاء له).
قال أبو علي الحائري في (منتهى المقال في الرجال) بترجمة الكليني: (وقبره
- قدس سره - معروف في بغداد الشرقية مشهور، تزوره الخاصة والعامة في
(تكية المولوية) وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر) ومثله ما ذكره
الخوانساري في (روضات الجنات) عند ترجمة (ص 553)، والسيد المهدى
القزويني النجفي في (فلك النجاة) ص 337 - طبع إيران سنة 1298 ه‍. وغيرهم
من بعض أرباب المعاجم.
333

قال الشيخ: (... قال ابن عبدون (1): رأيت قبره في صراة الطائي (2)
وعليه لوح مكتوب عليه اسمه واسم أبيه) (3) قال النجاشي: (... وقال
ابن عبدون: كنت أعرف قبره وقد درس) (4).
قلت: ثم جدد، وهو إلى الآن مزار معروف بباب الجسر، وهو
باب الكوفة، وعليه قبة عظيمة، قيل: إن بعض ولاة بغداد رأى بناء
القبر فسأل عنه، فقيل: إنه لبعض الشيعة، فأمر بهدمه وحفر القبر،
فرؤي فيه بكفنه لم يتغير، ومعه آخر صغير كأنه ولده بكفنه أيضا،
فأمر بابقائه وبنى عليه قبة (5) وقيل: إنه لما رأى إقبال الناس على زيارة

(1) ابن عبدون - هذا -: هو أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن
البزاز، المعروف بابن عبدون وابن الحاشر، توفي سنة 423 ه‍، ترجم له في المعاجم
الرجالية.
(2) الصراة - كما عرفت عن المعجم للحموي - بالهاء في آخره، وهكذا
جاء في نسخة الفهرست للطوسي المطبوعة وبعض المخطوطات، فما جاء في بعض
المعاجم الرجالية بالطاء المهملة في آخره، فمن تحريف الناسخين.
(3) قال ذلك الشيخ الطوسي في الفهرست (ص 136 برقم 591) طبع
النجف الأشرف سنة 1356 ه‍.
(4) راجع: رجال النجاشي (ص 293) طبع إيران.
(5) ذكر ذلك الشيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين: ص 390 -
ص 391) طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍، نقلا عن السيد هاشم البحراني في
كتابه (روضة العارفين) وهو قد حكى القصة عن بعض الثقات من علمائه المعاصرين.
335

قبر الكاظم - عليه السلام - حمله النصب على حفر القبر، وقال: إن كان
- كما يزعمون من فضله - فهو موجود في قبره، وإلا منعنا الناس عنه.
فقيل له: ان ههنا رجلا من علماء الشيعة المشهورين، ومن أقطابهم اسمه
محمد بن يعقوب الكليني، وهو أعور، فيكفيك الاعتبار بقبره، فأمر به
فوجدوه بهيئته كأنه دفن تلك الساعة، فأمر بتعظيمه وبناء قبة عظيمة عليه
فصار مزارا مشهورا (1).
وقد علم من تأريخ وفاة هذا الشيخ - رحمه الله -: أن طبقته من
السادسة والسابعة، وأنه توفي بعد وفاة العسكري - عليه السلام - بتسع
وستين سنة، فإنه قبض - عليه السلام - سنة مائتين وستين. فالظاهر: أنه
أدرك تمام الغيبة الصغرى، بل بعض أيام العسكري - عليه السلام - أيضا.
مسعدة بن صدقة العبدي.
وقيل: الربعي، يكنى: أبا محمد، وقيل: أبا بشر، كثير
الرواية. روى عن الصادق والكاظم - عليهما السلام - له كتاب (2).

(1) ذكر ذلك الشيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين: ص 392)
طبع النجف الأشرف، فقال: (... والذي وجدته بخط بعض مشايخنا - وأظنه
المحدث السيد نعمة الله الجزائري - هو أن السبب في ذلك أن بعض الحكام في بغداد
لما رأى افتتان الناس بزيارة الأئمة - عليهم السلام - حمله النصب...) إلى آخر
القصة التي ذكرت في الأصل.
(2) ذكر مسعدة بن صدقة - هذا - الطوسي في الفهرست (ص 167) ولم
يصفه بالعبدي، وقال: (له كتاب) ثم ذكر روايته للكتاب بسنده عن هارون
ابن مسلم، عنه.
336

عنه هارون بن مسلم، وعنه - أيضا - أبو روح فرج بن، أبي قرة - أو أبي
فروة. - في (التهذيب في باب المساجد) وفي (الكافي في باب
فضل الجهاد): (قال: حدثني أبن أبي ليلى) ويأتي عن يعقوب بن
يزيد، عن مصعب، عنه في باب حالات الأئمة - عليهم السلام - في
السن (1)
قال الشيخ: (عامي) (2) والكشي (بتري) (3) والمجلسي

(1) جاء في باب فضل المساجد من كتاب التهذيب للشيخ الطوسي (ج 3
ص 260) طبع النجف الأشرف سنة 1378 ه‍: (عن هارون بن مسلم عن مسعدة
ابن صدقة الربعي)، وفي باب فضل الجهاد منه (ج 6 ص 123، طبع النجف
الأشرف سنة 1380 ه‍: (عن أبي روح فرج بن أبي فروة عن مسعدة بن صدقة
قال: حدثني ابن أبي ليلى...) الخ، وفي كتاب الكافي للكليني - باب فضل الجهاد -
(ج 5 ص 4) طبع إيران سنة 1378 ه‍، (... عن أبي روح فرج بن قرة عن
مسعدة بن صدقة، قال: حدثني ابن أبي ليلى...)، وفي الكافي أيضا - باب حالات
الأئمة - عليهم السلام في السن (ج 1 ص 383): (عن يعقوب بن يزيد، عن
مصعب، عن مسعدة...)
(2) راجع: رجال الشيخ الطوسي - باب أصحاب الباقر - عليه السلام -
ص 137 برقم 40 - طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: رجال الكشي (ص 333) طبع النجف الأشرف، فإنه عد
جماعة من البترية، وقال: (وأما مسعدة بن صدقة بتري).
والبترية - بتقديم الباء الموحدة المفتوحة بعدها التاء المثناة الفوقانية الساكنة -
هم أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم
ابن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبي المقدام ثابت الحداد، وهم الذين دعوا إلى
ولاية علي - عليه السلام - ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهما إمامتهما
ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون الخروج مع بطون ولد علي
ابن أبي طالب - عليه السلام - يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي بن أبي طالب - عليه السلام - عند
خروجه الإمامة، ذكر ذلك الكشي في رجاله (ص 202).
وسبب تسميتهم بالبترية: ما ذكره الكشي في رجاله (ص 205) بسنده
(عن سدير قال: دخلت على أبي جعفر - عليه السلام - ومعي سلمة بن كهيل،
وأبو المقدام ثابت الحداد، وسالم بن أبي حفصة، وكثير النوا، وجماعة معهم،
وعند أبي جعفر - عليه السلام - أخوه زيد بن علي، فقالوا لأبي جعفر - عليه السلام -
نتولى عليا وحسنا وحسينا ونتبرأ من أعدائهم؟ قال: نعم، قالوا: نتولى أبا بكر وعمر
ونتبرأ من أعدائهم؟ قال: فالتفت إليهم زيد بن علي، وقال لهم: أتبرأون من فاطمة؟
بترتم أمرنا بتركم الله، فيومئذ سموا البترية).
337

(ضعيف) (1) ووالده (ثقة) - قال -: (والذي يظهر من أخباره
أنه ثقة لان جميع ما يرويه في غاية المتانة والموافقة لما يرويه الثقات، ولذا
عملت الطائفة برواياته، كما عملت برواية غيره من العامة) (2) وليس

(1) راجع: الوجيزة للمجلسي الثاني الملحقة بآخر رجال العلامة الحلي،
(ص 167) طبع إيران.
(2) يريد بوالد المجلسي هو المجلسي الأول المولى التقي - رحمه الله - فان
الوحيد البهبهاني ذكر في تعليقته على الرجال الكبير للميرزا محمد الاسترآبادي، في
ترجمة مسعدة بن صدقة (ص 333) ما هذا لفظه: (قال جدي - رحمه الله - (يعني
به المجلسي الأول): والذي يظهر من أخباره التي في الكتب أنه ثقة لان جميع
ما يرويه في غاية المتانة والموافقة لما يرويه الثقات من الأصحاب، ولهذا عملت الطائفة
بما رواه هو وأمثاله من العامة، بل لو تتبعت وجدت أخباره أسد وأمتن من اخبار
مثل جميل بن دراج، وحريز بن عبد الله).
338

من رجال العدة - كما ظن - وربما شمله العموم (1).
معلى بن محمد البصري.
أبو الحسن، وقيل: أبو محمد، أكثر عنه الكليني، له كتب
روى عنه أبو علي الأشعري والحسين بن حمدان والحسين بن سعيد والحسن
ابن محمد، وهو ابن عامر الأشعري الثقة، وعلي بن إسماعيل ومحمد بن الحسن
ابن الوليد.
قال النجاشي: (مضطرب الحديث والمذهب، وكتبه قريبة) (2)
وقال ابن الغضائري: (نعرف حديثه وننكره، ويروي عن الضعفاء

(1) لعله يريد برجال العدة: عدة الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله
- عليهما السلام - الذين ذكرهم الكشي في رجاله (ص 206) و (ص 322) وقال:
(أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم
بالفقه)) فان مسعدة بن صدقة وإن لم يكن معدودا منهم فيما ذكره الكشي لكنه ربما
يشمله عموم لفظ الفقهاء فان هذا اللفظ ليس منحصرا بالفقهاء الذين ذكرهم
الكشي وإنما كان ذكرهم من باب المثال والغرض انعقاد الاجماع على تصديق جميع
الفقهاء من أصحابهما - عليهما السلام - كما يظهر من كلام السيد الداماد في (ص 52)
من الرواشح السماوية، فان الفقهاء من أصحابنا كثيرون كما هو واضح، والكشي
- نفسه - ذكر في رجاله (ص 352) ثعلبة بن ميمون - الذي هو من أصحاب
الصادق والكاظم - عليهما السلام - وقال فيه (ذكر حمدويه عن محمد بن عيسى
أن ثعلبة بن ميمون مولى محمد بن قيس الأنصاري، وهو ثقة خير فاضل، مقدم
معدود في العلماء والفقهاء الاجلة من هذه العصابة) مع أنه ليس معدودا من الذين
حصرهم، ومثله كثير، فراجع مواضع عديدة من رجاله.
(2) راجع: رجال النجاشي: ص 327 طبع إيران، ويريد بقوله: (وكتبه
قريبة) أي: قريبة إلى المذهب.
339

ويجوز أن يخرج شاهدا) (1) وقال المجلسي: (لم نطلع على خبر يدل
على اضطرابه في الحديث والمذهب...) (2) وفي (الوجيزة): (ولا
يضر ضعفه لأنه من مشايخ الإجازة) (3) وفي (المعراج) - نقلا عن
بعض معاصريه - القول بصحة حديثه لكونه من المشائخ (4) والإشارة فيه
إلى ما تقدمه، وفيه تصريح الشيخ والنجاشي بأن له كتبا، فلعل الرواية
منها، بل الظاهر: أنه كذلك (5).

(1) راجع: كلام ابن الغضائري في (كتاب الضعفاء) الذي نقله عنه
القهبائي في (مجمع الرجال) في ترجمة معلى بن محمد البصري، ونقله أيضا عنه
العلامة الحلي في (الخلاصة ص 259) القسم الثاني، طبع النجف الأشرف.
(2) هذه الجملة نقلها الوحيد البهبهاني - عن المجلسي الأول في تعليقته
على منهج المقال للميرزا محمد الاسترآبادي عند ترجمته لمعلى بن محمد البصري:
(ص 337) طبع إيران.
(3) راجع: الوجيزة للمجلسي الثاني الملحقة بآخر أجزاء بحار الأنوار
(ص 167) طبع إيران.
(4): (المعراج) لا يزال مخطوطا. واسمه (معراج الكمال في معرفة الرجال)
وهو شرح لفهرست الشيخ الطوسي لكنه لم يتم، تأليف الشيخ سليمان بن علي بن
الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار البحراني الماحوزي المولود سنة 1075 ه‍،
والمتوفى سنة 1121 ه‍، وهو صاحب كتاب (بلغة المحدثين) في الرجال، وقد ترجم
له في المعاجم الرجالية، وقد نقل عن (المعراج) الوحيد البهبهاني في تعليقته المذكورة
آنفا - عند ترجمته لمعلى بن محمد البصري ما هذا نصه: (وفي المعراج نقل عن بعض
معاصريه عد حديثه صحيحا، وعده من مشائخ الإجازة) وسيدنا - قدس سره -
نقل عبارة (المعراج) في (الأصل) بالمعنى.
(5) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 165 برقم 722) طبع
النجف الأشرف سنة 1356 ه‍، ورجال النجاشي (ص 327) طبع إيران، وقد ذكر
المولى الأردبيلي في (جامع الرواة: ج 2 ص 251) جماعة يروون عن معلى، فراجعه
340

المفضل بن مزيد.
قال الميرزا محمد في (منهج المقال): (المفضل بن مزيد - بالميم
قبل الزاي - أخو شعيب الكاتب، روى الكشي: حديثا يعطي أنه كان
شيعيا (الخلاصة)) (1).

(1) راجع (منهج المقال) للميرزا محمد الاسترآبادي (ص: 343) طبع إيران
وانظر (الخلاصة) للعلامة الحلي (ص 167 برقم (1)، ويريد سيدنا - قدس سره -
في الأصل بالحديث الذي رواه الكشي الذي يعطي أنه كان شيعيا، ما رواه في رجاله
(ص 320 برقم 237) طبع النجف الأشرف، ونصه: (محمد بن مسعود قال:
حدثني أحمد بن منصور، عن أحمد بن الفضل، عن محمد بن زياد، عن المفضل
ابن مزيد أخي شعيب الكاتب، قال: قال أبو عبد الله - عليه السلام - أنظر إلى
ما أصبت فعد به على إخوانك، فان الله - عز وجل - يقول: (إن الحسنات يذهبن
السيئات) قال مفضل: كنت خليفة أخي على الديوان، قال: وقد قلت: قد
ترى مكاني من هؤلاء القوم، فما ترى؟ قال: لو لم يكن كنت) ودلالة هذا
الحديث على تشيعه ظاهر من قول الإمام - عليه السلام - (فعد به على إخوانك)
فان أمره - عليه السلام - بإعادة ما أصاب من أموال السلطان على إخوانه يكشف
عن أنهم إخوانه في التشيع وولاء أهل البيت - عليهم السلام - والاعتقاد بإمامتهم.
قال شيخنا الحجة المامقاني - قدس سره - في (تنقيح المقال: ج 3 ص 243)
(إن استشهاده - عليه السلام - بالآية على صلة إخوانه بما يصيبه من مال السلطان يريد
به - عليه السلام - على الظاهر - الامر بأخذه لهم لتكون سيئته بتولي العمل مكفرة
بالصلة، وأما الاخذ لنفسه ثم التصدق به على إخوانه أوصلتهم به فإنه سيئة، وصرفه
كيفما كان سيئة أخرى).
وعد المفضل - هذا - الشيخ الطوسي في رجاله - من أصحاب الباقر - عليه
السلام - (ص 137 برقم 37)، مقتصرا على ذكر اسمه واسم أبيه.
وذكره المولى الأردبيلي في (جامع الرواة: ج 2، ص 261) وقال:
(روى عنه سيف بن عميرة في (الكافي) في باب النهي عن القول بغير علم) والرواية
هي التي رواها سيدنا - قدس سره - في الأصل عن الكليني - رحمه الله -.
341

أقول: في (الكافي - في باب النهي عن القول بغير علم): (...
عن مفضل بن مزيد في (الصحيح) قال قال أبو عبد الله - عليه السلام -:
أنهاك عن خصلتين فيهما هلال الرجال: أنهاك أن تدين الله بالباطل،
وتفتي الناس بما لا تعلم) (1).
وهذا أدل على تشيعه مما ذكر في المتن. وفيه إشعار بعلمه وفقاهته
فان مثل هذا الكلام إنما يكون - غالبا - مع الفقهاء والعلماء، كما وقع
نظيره في الباب المذكور مع زرارة وعبد الرحمان بن الحجاج وغيرهما من
الفقهاء.
المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن سعد.
تبناه الأسود بن يغوث (2) فأضيف إليه، أحد الحواريين وثاني

(1) راجع الجزء الأول من أصول الكافي: ص 42، طبع طهران الجديد.
(2) المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو
ابن سعد بن دهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبي أهون بن فائش بن دريم بن
القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ويكني: أبا معبد. هكذا
ذكر في نسبه ابن سعد في (الطبقات الكبرى: ج 3 ص 161) طبع بيروت
سنة 1377 ه‍، ثم قال: (وكان حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري في الجاهلية
فتبناه، فكان يقال له: المقداد بن الأسود، فلما نزل القرآن (أدعوهم لآبائهم)
قيل: المقداد بن عمرو، وهاجر المقداد إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، في رواية
محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر (يعني الواقدي) ولما هاجر من مكة إلى المدينة
نزل على كلثوم بن الهدم، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بين المقداد
وجبار بن صخر، وعن علي - عليه السلام - قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير
المقداد بن عمرو. وخطب المقداد إلى رجل من قريش فأبى أن يزوجه فقال له النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - لكني أزوجك ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب.
أخبرنا محمد بن عمر (الواقدي) أخبرنا موسى بن يعقوب عن عمته، عن
أمها كريمة بنت المقداد أنها وصفت أباها لهم فقالت: كان رجلا طويلا آدم
ذا بطن، كثير شعر الرأس، يصفر لحيته وهي حسنة وليست بالعظيمة ولا بالخفيفة
أعين مقرون الحاجبين، أقنأ.
أخبرنا محمد بن عمر (الواقدي) قال: أخبرنا موسى بن يعقوب، عن
عمته، عن أمها كريمة بنت المقداد، قالت: مات المقداد بالجرف على ثلاثة أميال
من المدينة فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة بالبقيع، وذلك سنة ثلاث
وثلاثين، وكان يوم مات ابن سبعين سنة أو نحوها، وكان عثمان بن عفان يثنى
على المقداد بعد ما مات، فقال الزبير:
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفى حياتي ما زودتني زادي)
وترجم له ابن حجر العسقلاني في (التهذيب: ج 10 ص 285)
طبع حيدر آباد دكن، وقال: (روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
وروى عنه أنس بن مالك، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وهمام بن الحارث
وسليمان بن يسار، وسليم بن عامر، وأبو معمر عبد الله بن سنحبرة الأزدي
وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجبير بن نفير، وعمرو بن إسحاق، وزوجته ضباعة
بنت الزبير بن عبد المطلب، وابنته كريمة بنت المقداد،... وإن رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - آخى بينه وبين عبد الله بن رواحة، وقال زر بن حبيش
عن عبد الله بن مسعود: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكره فيهم).
وذكر مثله في الإصابة، وابن كثير في (السيرة النبوية: ج 1 ص 436)
طبع القاهرة سنة 1384 ه‍، وابن عبد البر في الاستيعاب، وانظر أيضا: أسد الغابة
لابن الأثير الجزري، في ترجمته، والدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني (ص 221)
طبع النجف الأشرف سنة 1381 ه‍.
كان المقداد من الأركان الأربعة، ومن الذين مضوا على منهاج نبيهم (ص)
لم يغيروا ولم يبدلوا، وكان من الثلاثة أو الأربعة الذين لم يرتدوا بعد رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - وفي رواية الكشي في رجاله - في ترجمة سلمان الفارسي
(ص 13) طبع النجف الأشرف بسنده (... عن علي بن أبي طالب - عليه السلام -
قال: ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون، منهم
سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة - رحمه الله عليهم - وكان علي
يقول: وأنا إمامهم، وهم الذين صلوا على فاطمة - عليها السلام -) وفي رواية
الكشي أيضا (ص 16) بسنده قال: (ما بقي أحد إلا وقد جال جولة إلا المقداد
ابن الأسود، فان قلبه كان مثل زبر الحديد). وفي روايته أيضا (ص 16) بسنده
عن أبي جعفر - عليه السلام -: (ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد
... ثم قال - عليه السلام - إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد).
والمقداد من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر توليه للخلافة بعد
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد ذكر البرقي في آخر كتاب رجاله (ص؟ 6)
طبع طهران سنة 1383 ه‍، تحت عنوان (أسماء المنكرين على أبي بكر) ما نصه: (... ثم
قام المقداد فقال: يا أبا بكر إرجع على مك، ويسر يسرك بعسرك، والزم بيتك، واردد
الامر إلى حيث جعله الله ورسوله، وسلم الحق إلى صاحبه، فان ذلك أسلم في آجلك وعاجلك
فقد نصحت وبذلت ما عندي والسلام) وذكر بمضمونه الطبرسي في (الاحتجاج).
وجلالة قدر المقداد، وعلو شأنه، وقوة إيمانه، ووثاقته بين الخاصة والعامة،
كل ذلك يكفينا عن التفصيل في حياته، وقد ترجم له في أكثر المعاجم الرجالية،
ووصف فيها بالصفات الحميدة والنعوت الجليلة.
342

الأركان من السابقين الأولين عظيم القدر شريف المنزلة، هاجر الهجرتين
وشهد بدرا وما بعدها، من المشاهد، وهو القائل - يبدر -: والله
يا رسول الله: ما نقول كما قالت بنو إسرائيل: (إذهب أنت وربك فقاتلا
إنا هاهنا قاعدون) ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن أمامك ومن
خلفك. فسر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى رئي البشرى:
في وجهه (1).
تجمعت فيه - رضي الله عنه - أنواع الفضائل وأخذ بمجامع المناقب
من السبق والهجرة والعلم والنجدة والثبات والاستقامة والشرف والنجابة.
زوجه رسول الله - صلى الله عليه وآله - (ضباعة) بنت الزبير بن

(1) راجع في ذلك: أسد الغابة لابن الأثير الجزري (ج 4 ص 410) طبع
مصر، والاستيعاب لابن عبد البر (ج 3 ص 474) طبع مصر سنة 1328 ه‍
بهامش الإصابة لابن حجر العسقلاني، والطبقات الكبرى لابن سعد (ج 3 ص 162)
طبع بيروت سنة 1377 ه‍، وتهذيب الأسماء واللغات للحافظ أبي زكريا النووي
(ج 2 ص 112) طبع المنيرية بمصر فإنه قال: (... وفي صحيح البخاري عن ابن
مسعود قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب
إلي مما عد له به) ثم ذكر الحديث المذكور، وأشار إليه أيضا ابن حجر العسقلاني
في تهذيب التهذيب (ج 10 ص 286) طبع حيدر آباد دكن، وفي (الإصابة:
ج 3 ص 454) طبع مصر سنة 1328 ه‍، وراجع أيضا (الدرجات الرفيعة للسيد
علي خان المدني: ص 223) طبع النجف الأشرف، ومستدرك الحاكم النيسابوري
(ج 3 ص 349) طبع حيدر آباد دكن، وغيرها من المعاجم الرجالية.
345

عبد المطلب أخي عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما. وقال رسول الله (ص) -:
(لو عرض علم مقداد على سلمان لكفر، ولو عرض علم سلمان على أبي ذر لكفر)
وحديث الحضرمي عن أبي جعفر - عليه السلام -: (إن أردت الذي لم
يشك ولم يدخله شئ، فالمقداد). وروي: (أنه لم يبق أحد إلا وجال
جولة إلا المقداد بن الأسود فان قلبه كان مثل زبر الحديد) وروى
الترمذي في (جامعه) (عن رسول الله (ص) أنه قال: إن الله تعالى
أمرني يحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، وهم: علي، ومقداد وسلمان
وأبو ذر) (1).
وفضائل هؤلاء الثلاثة ومناقبهم أكثر من أن تحصى، وكفى لهم
شرفا وفخرا، ضمتهم إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - في حب الله وحب رسوله.
توفي المقداد - رضي الله عنه - ب‍ (الجرف) وهو على ثلاثة أميال
من المدينة وهو ابن سبعين سنة من الهجرة، فحمل على الرقاب حتى دفع بالبقيع.
لي هنا ينتهي الجزء الثالث، ويليه الرابع، وأوله: باب النون

(1) راجع: الإصابة لابن حجر العسقلاني (ج 3 ص 455) طبع مصر،
قال: أخرجه الترمذي وابن ماجة، وسنده صحيح، وتهذيب التهذيب له أيضا (ج 10 -
ص 286) طبع حيدر آباد دكن، والاستيعاب (ج 3 ص 475) بهامش الإصابة
وأسد الغابة لابن الأثير الجزري (ج 4 ص 410) طبع مصر، وتهذيب الأسماء
واللغات (ج 2 ص 112) طبع المنيرية بمصر، ثم قال: (قال الترمذي: حديث
حسن)، والدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني (ص 223) طبع النجف الأشرف
وقال: رواه أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا إلى بريدة، والكشي في رجاله في ترجمة
سلمان الفارسي (ص 16) طبع النجف الأشرف وغيرها من المصادر الموثوق بها.
وقد ترجم الشيخ الطوسي للمقداد في رجاله، في بابي أصحاب النبي (ص)
وأصحاب أمير المؤمنين - عليه السلام - والعلامة الحلي في القسم الأول من الخلاصة
وذكر في أكثر المعاجم الرجالية.
346