الكتاب: رجال الخاقاني
المؤلف: الشيخ علي الخاقاني
الجزء:
الوفاة: ١٣٣٤
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٤
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الناشر: مركز نشر مكتب الإعلام الإسلامي
ردمك:
ملاحظات:

رجال الخاقاني
1

مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي
اسم الكتاب: رجال الخاقاني
الكاتب: الشيخ علي الخاقاني
تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم
الناشر: مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي
الطبعة: الثانية
طبع على مطابع: مكتب الاعلام الاسلامي
تاريخ النشر: ذي القعدة 1404
طبع منه: 4000 نسخة
حقوق الطبع محفوظة للناشر
مراكز التوزيع:
قم - شارع ارم - مكتبة مكتب الاعلام الاسلامي - هاتف: 23436.
طهران - شارع ناصر خسرو - زقاق حاج نايب - سوق خاتمي هاتف: 539175.
2

رجال الخاقاني
بقلم
الفقيه الأكبر الشيخ على الخاقاني
المتوفى سنة 1334 ه‍
تحقيق العلامة الكبير
السيد محمد صادق بحر العلوم
عنى بنشره والتقديم له
حسين الشيخ حسن الخاقاني
حفيد المؤلف
طبع على نسخة بخط المصنف
3

(ترجمة المصنف)
بقلم: الشيخ حسين الخاقاني
حفيد المصنف
تقديم
الاهتمام بضبط الأحكام الشرعية أمر ضروري يجب التحفظ به والحرص
على معرفة مصدره، والتوثق من الرواة الذين يوصلون إلينا الاحكام عن
الأئمة - عليهم السلام -.
وطبيعي ان الرواة عندنا ينقسمون إلى قسمين.
(1) - هم الذين أخذوا في بث الفضائل والكرامات للأئمة - عليهم
السلام - وهؤلاء لا نعبأ بهم ولا يهمنا ضبط رواياتهم، فهم أشبه بوسائل
الاعلام والدعاوى، لان الروايات التي يأتون بها لا يتوقف عليها حكم شرعي
يفسد علينا ديننا ومذهبنا، كما جاء عن المفضل بن عمر: انه غير ثقة.
(2) - هم الذين يهتم بهم اعلام الشرع والدين، ويبحثون عن
منازلهم ودرجاتهم وقربهم من الامام - عليه السلام - ووثوقهم عنده
واحترامه لهم، أمثال أصحاب الأصول الأربعمائة، ومنهم زرارة بن أعين
وزيد الزراد، وأمثالهما ممن اعتبرت أحاديثهم في مرتبة الحجية.
5

لذا ترى ان كثيرا من الاعلام في مختلف القرون الاسلامية بالغوا
في الاهتمام بضبط سيرهم وتوقيت ولاداتهم ووفياتهم، وضبط وفيات
الأئمة عليهم السلام ومن قبلها ولاداتهم ليعرف مدى علاقة الراوي
بذلك الامام ولئلا يقع الاشتباه والسهو، كما ترى فريقا منهم تعمق
بدراسة شخصيات الرواة درسا بليغا في المقام الذي يقتضى أن يكون من
الجرح والتعديل ومن قوة شخصيته في الصدق والتثبت. وفى علم الرجال
- الدراية والرواية - ملابسات واسعة تنبثق من أمور منها:
1 - وجود المدلسين والمغرضين الذين باعوا ضمائرهم للسلطة وللعاطفة
والميول المذهبية.
2 - معرفة الموالى منهم من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف
أو بالاسلام.
3 - معرفة زمن الراوي بالضبط لئلا يكون قد الحق بامام وروى
عنه وهو غير معاصر له وقد نبه على ذلك اعلام الرجاليين في كتبهم.
4 - معرفة الاخوة والأخوات من الرواة والتوسع في الاطلاع على
أنسابهم وسيرتهم ومدى قوة الصدق عندهم، وتمييز أي منهم ونموذج
من ذلك في الصحابة أمثال عبد الله بن مسعود وعتبة بن مسعود وهما
اخوان. وزيد بن ثابت ويزيد بن ثابت.
ومن أصحاب الإمام على أمير المؤمنين عليه السلام أمثال زيد
وصعصعة ابني صوحان وربعي ومسعود ابني خراش العبسيين.
ومن التابعين عمرو بن شرجيل أبو ميسرة وأرقم بن شرجيل
وهما اخوان فاضلان.
5 - معرفة الثلاثة من الصحابة: أمثال سهل وعباد وعثمان بني حنيف
ومن أصحاب الإمام علي عليه السلام سفيان بن زيد، وأخواه عبيد
6

والحرب وكل منهم اخذ رايته وقتلوا في موقف واحد. وسالم وعبيدة
وزياد بنو الجعد الأشجعيون. ومن أصحاب الإمام الصادق (ع): الحسن ومحمد
وعلى بنو عطية الدغشي المحاربي ومحمد وعلى والحسن بنو أبى حمزة الثمالي
6 - معرفة الأربعة: أمثال عبيد الله ومحمد وعمران وعبد الاعلى
بنى علي بن أبي شعبة الحلبي وقد أجمع أرباب المعاجم الرجالية على
وثوقهم وكذلك أبوهم وجدهم.
7 - معرفة الخمسة: أمثال سفيان ومحمد وادم وعمران وإبراهيم
بنى عيينة وكلهم من رجال الحديث.
8 - معرفة الستة من التابعين وهم أولاد سيرين، محمد المشهور وأنس
ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ومن رواة الإمام الصادق عليه السلام
أمثال: محمد وعبد الله وعبيد وحسن وحسين ورومي بني زرارة بن أعين.
9 - معرفة السبعة من الصحابة أمثال: بنى مقرن المزني وهم النعمان
ومعقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن وعبد الله وكلهم من المهاجرين.
10 - معرفة الثمانية: أمثال زرارة وبكير وحمران وعبد الملك
وعبد الرحمن ومالك وقعنب وعبد الله بني أعين من رواة الإمام الصادق
عليه السلام وفى بعض كتب الرجال، منهم نجم بن أعين فيكونون
آنذاك من أمثلة التسعة.
11 - معرفة التسعة من الصحابة أمثال: أولاد الحرث، وفى
التابعين أولاد أبى بكرة، عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم
وداود ويزيد وعتبة وكبشة.
سقنا هذه الأمثلة والنماذج ليقف القارئ على مدى ما يحدث من
الملابسات بالإضافة إلى أشياء مهمة أخرى هي المشاركة في الاسم واسم
الأب واسم الجد والنسبة وربما يكون في اللقب أيضا: لذا يحرص علماء
7

الرجال على تشخيص أوطان الرواة وإيجاد الفروق بين المشاركة في الاسم
مستعينين بضبط الزمان والمكان لذا ترى الراوي عندما ينسب إلى قبيلة
فإذا ما سكن المدينة صار بعضهم ينسبه إليها فإذا ما تحول منها إلى أخرى
صار يتابع النسبة بنسبة أخرى، فمثلا: فلان البغدادي ثم الدمشقي فالصيداوي
بالإضافة إلى من يوضع في الأسماء وفى الكنى والألقاب ويحسبه أكثر من
واحد، ومع كل هذا الضبط والتحديد ترى كثيرا من الرواة يتصورهم
بعض الاعلام انهم متعددون ولكن في الوقت نفسه تراه واحدا كما
مر أمثال ذلك في رجال الطوسي والعلامة والذهبي في الميزان وقد لا يخلو
كتاب في الرجال من ذلك ولو أردنا ان نسوق الأمثلة لاحتجنا إلى وقت
طويل. وقد صنف العلامة الحلي كتابا خاصا في ذلك اسماه (ايضاح
الاشتباه) (مطبوع).
ومن الأمور التي يحرص عليها اعلام الرجاليين معرفة الوحدان
أي الذي لم يرو عنه الا واحد
فإذا قدر ان تأتى الرواية عنه من اخر
يحل الشك ويعاد النظر فيها ومن الأمثلة على ذلك هو وهب بن خنيش
الصحابي الطائي الكوفي وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان الأنصاري
ومحمد بن صيفي الأنصاري وهؤلاء لم يرو عنهم غير الشعبي.
اما من التابعين فمنهم: أبو العشراء الدارمي لم يرو عنه غير حماد
ابن سلمة وتفرد الزهري على ما قيل عن نيف وعشرين من التابعين
لم يرو عنهم غيره.
من الف في علم الرجال:
كثير هم الذين أفنوا أعمارهم لضبط الرجال ومعرفة أحوالهم وسيرهم
وضبط أماكنهم وازمانهم نذكر بعضا منهم على العجالة مرتبين على
الحروف وهم:
8

1 - أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري أبو الحسن: له
كتاب في الرجال صغير وجد منه قسم الضعفاء، طبع بإيران ضمن مجمع
الرجال للقهبائي موزعا على حروف الهجاء وذكروا له قسم الممدوحين.
وهو من رواد هذا الفن.
2 - أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي صاحب الرجال المشهور
وممن مهد لمن بعده معرفة الكثير من الرواة والمحدثين والمصنفين (مطبوع).
3 - أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي نزيل البصرة من
اعلام الثقات صاحب كتاب المصابيح وكتاب الزيادات.
4 - أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن عبد الله العلوي العقيقي
الف كتاب تاريخ الرجال وكتبا أخرى.
5 - أحمد بن محمد بن الربيع الأقرع الكندي ذكر النجاشي انه
كان عالما بفنه.
6 - أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة وهو من الزيدية
الجارودية ولكنه من أساطين الرواة والمكثرين عن الأئمة عليهم السلام
له كتب كثيرة منها (التاريخ) ومسند معروف، وكتاب من روى عن
الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل وكتب أخرى في الرجال.
7 - أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش صاحب
كتاب الاشتمال على معرفة الرجال وكان صدوقا متثبتا.
8 - أحمد بن محمد بن عمران بن موسى المعروف بابن الجندي
عبر عنه النجاشي بالأستاذ ونقل عنه كثيرا واعتمد عليه.
9 - أحمد بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاووس من أشهر
الزهاد والفقهاء في عصره خلف احثر من ثمانين مجلدا في مختلف العلوم
والرواية والرجال.
9

10 - أحمد بن محمد بن نوح؟؟ الملقب بالسيرافي له كتاب (الرجال
الذين رووا عن الصادق) - عليه السلام -.
11 - أحمد بن محمد مهدى النراقي الكاشاني خلف كتبا منها
المستند في الفقه والعوائد في القواعد وفى اخره تصدى لضبط مجموعة
من أسماء الرجال وألقابهم وكناهم (مطبوعان).
12 - الحسن بن زين الدين بن علي بن أحمد العاملي ابن الشهيد
الثاني من كتبه منتقى الجمان في الاخبار الصحاح والحسان (مطبوع).
13 - الحسن بن علي بن داود الحلى المعروف بابن داود خلف كتاب
الرجال وهو قيم (مطبوع).
14 - الحسن بن علي بن فضال من أصحاب الإمام على الرضا
عليه السلام له كتاب في الرجال.
15 - الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ابن الشيخ من الثقات
العارفين باخبار الرجال.
16 - الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلى المعروف بالعلامة
صاحب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال (مطبوع).
17 - الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي والد الشيخ البهائي
صاحب كتاب (وصول الأخيار إلى أصول الاخبار) في علمي الدراية
والحديث (مطبوع).
18 - السيد حسين بن السيد رضا البروجردي من أشهر مشاهير
عصره صاحب الأرجوزة في أسماء الرجال الموسومة بنخبة المقال (مطبوع).
19 - الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري من الأساطين
صاحب كتاب مستدرك الوسائل وقد خص المجلد الثالث منه في معرفة
طبقات الرجال وتراجمهم (مطبوع).
10

20 - زين الدين بن علي بن أحمد المعروف بالشهيد الثاني خلف
كتبا قيمة في الرجال والدراية وآداب المتعلم ومنها غنية القاصدين في معرفة
اصطلاحات المحدثين.
21 - سليمان بن عبد الله البحراني الماحوزي من كتبه: معراج الكمال
إلى معرفة الرجال والبلغة في الرجال أيضا
22 - السيد صدر الدين العاملي صاحب شرح الوافية وحواش
على منتهى المقال في علم الرجال.
23 - عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي البقال الكوفي له
كتاب طبقات الشيعة:
24 - السيد عبد الكريم بن أحمد بن موسى المعروف بابن طاووس
العلوي صاحب كتاب فرحة الغري وكتاب الشمل المنظوم في مصنفي
العلوم.
25 - الشيخ عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي جامع العاملي
له كتاب في الرجال قيم.
26 - الشيخ عبد النبي الجزائري من اعلام الرجاليين وصاحب
كتاب حاوي الأقوال في علم الرجال.
27 - الشيخ عبد النبي الكاظمي صاحب تكملة الرجال وقد فرغ
منها عام 1240 ه‍ (مطبوع)
28 - ميرزا عبد الله أفندي صاحب كتاب رياض العلماء وحياض
الفضلاء ترجم فيه لفريق من العلماء من القرن الثالث إلى عام 1119 ه‍ يقع
في ستة مجلدات فقد منه ثلاثة.
29 - عبد الله بن جبلة بن حيان بن أبحر الكناني له كتاب الرجال
توفى عام 219 ه‍
11

30 - عبد الله بن الحسين التستري ذكره السيد مصطفى التفريشي
في كتابه (نقد الرجال) وقال: ان أكثر فوائد هذا الكتاب منه.
31 - علي بن أحمد العلوي المعروف بالعقيقي له كتاب الرجال
نقل عنه العلامة الحلي كثيرا.
32 - علي بن الحسن بن فضال: الكوفي له كتاب في الرجال اعتمد
عليه الرجاليون.
33 - المولى على ابن الحاج ميرزا خليل الرازي النجفي من الأصفياء
الأولياء أستاذ جدنا المؤلف كانت له حلقة في علم الرجال
34 - المولى على كنى من الأفذاذ في هذا الموضوع توفى عام
1306 ه‍ عن عمر 86 سنة له كتاب في الرجال مطبوع.
35 - علي بن الحسين بن بابويه القمي له كتاب الفهرست.
36 - علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري اعتمد عليه الكشي في
رجاله.
37 - عمر بن محمد بن سليم بن البرا المعروف بابن الجعابي من
حفظة هذا العلم.
38 - عناية الله بن شرف الدين على القهبائي صاحب كتاب مجمع
الرجال وحواش على نقد الرجال (مطبوع).
39 - فخر الذين بن محمد على النجفي الطريحي صاحب مجمع
البحرين وكتاب جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال فرغ
منه عام 1053 ه‍ (مطبوع).
40 - فضل بن دكين المحدث الحافظ. قال الذهبي: كان اعلم
بالشيوخ وبالرجال وانسابهم.
41 - الفضل بن شاذان الأزدي له عدة كتب في الرجال.
12

42 - السيد محسن بن الحسن الأعرجي البغدادي الكاظمي من أشهر
مشاهير عصره في معرفة هذا العلم وكتابه في الرجال اسماه (العدة)
مخطوط بمكتبتي.
43 - الشيخ محسن خنفر النجفي من مشاهير العلماء في الدراية
والرواية والرجال.
44 - الحاج محمد بن علي الغروي الحائري الأردبيلي صاحب
جامع الرواة من الكتب القيمة التي يرجع إليها (مطبوع).
45 - محمد بن أحمد بن داود بن علي شيخ القميين في عصره
صاحب كتاب (الممدوحين والمذمومين).
46 - محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني معدود في مشائخ اعلام
الرجاليين.
47 - محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب النديم صاحب (الفهرست)
المعروف (مطبوع).
48 - أبو علي محمد بن إسماعيل الحائري صاحب منتهى المقال في
الرجال (مطبوع).
49 - محمد امين الكاظمي صاحب كتاب تمييز المشتركات
50 - السيد محمد باقر المشهور بالأمير الداماد صاحب كتاب (الرواشح
السماوية) في الرجال (مطبوع).
51 - محمد باقر الشهير بالمحقق السبزواري، له كتاب في الرجال
52 - محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني المعروف بالوحيد صاحب
التعليقة التي علق عليها جدي في كتابه الرجال الذي بين يديك.
53 - محمد باقر بن محمد تقي المعروف بالشيخ المجلسي صاحب
البحار الف الوجيزة في الرجال (مطبوع).
13

54 - السيد محمد باقر بن محمد تقي الموسوي الجيلاني له عدة
كتب ورسائل تعرض فيها لمعرفة الرجال (مطبوع).
55 - الشيخ محمد تقي الشهير بالمجلسي الأول له حواش على نقد
الرجال
56 - الشيخ محمد طاها ابن الشيخ مهدى ابن الشيخ محمد رضا الشهير
بنجف صاحب اتقان المقال في الرجال رتبة على ثلاث طبقات (1)
في الثقات (2) في الحسان (3) في الضعفاء (مطبوع).
57 - محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ القميين ومن العارفين
بطبقات الرجال.
58 - محمد بن الحسن بن زين الدين المعروف بالشهيد الثاني له
حاشية على رجال ميرزا محمد.
59 - محمد بن الحسن بن علي الشهير بالحر العاملي صاحب وسائل
الشيعة وفى خاتمتها رسالة في الرجال وله كتاب (أمل الآمل في معرفة
علماء جبل عامل) وكتاب (تذكرة المتبحرين في العلماء المتأخرين) (مطبوعة)
60 - محمد بن الحسن بن علي المعروف بالشيخ الطوسي صاحب
الفهرست والرجال (مطبوعان).
61 - محمد بن الحسن بن علي المحاربي له كتاب في الرجال.
62 - محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي المعروف بالشيخ البهائي
صاحب الوجيزة في الرجال وقد جعلها مقدمة لكتابه الحبل المتين.
63 - أحمد بن محمد بن خالد الشهير بالبرقي صاحب الرجال (مطبوع)
64 - محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي المعروف بالميرزا محمد
له في الرجال ثلاثة كتب كبير ومتوسط وصغير (طبع الكبير).
65 - محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق
14

من مشاهير العارفين بطبقات الرجال.
66 - محمد بن علي بن شهرا شوب المازندراني السروي من اعلام
عصره والمعروف عند الفريقين بالحافظ صاحب كتاب معالم العلماء (مطبوع).
67 - آغا محمد علي بن الاغا محمد باقر الوحيد البهبهاني بالغ
صاحب منتهى المقال في معرفته بطبقات الرجال وذكر له مجموعة كراريس
في ذلك.
68 - المولى محمد علي بن المولى محمد رضا الساروي. صاحب
توضيح الاشتباه فرغ منه عام 1293 ه‍ وطبع أخيرا بطهران.
69 - محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي صاحب الرجال
الذي يعول عليه معظم الباحثين.
70 - محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد
تطرق في معظم كتبه إلى معرفة الرجال.
71 - محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي المعروف بالعياشي له
كتاب في الرجال.
72 - السيد محمد مهدى الشهير ببحر العلوم أشهر مشاهير عصره
في مختلف العلوم له كتاب الرجال في أربعة اجزاء طبع أخيرا.
73 - السيد مصطفى التفريشي صاحب كتاب نقد الرجال (مطبوع).
74 - منتجب الدين علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن
موسى بن بابويه القمي صاحب الفهرست وقد نشره الشيخ المجلسي في
المجلد الأخير من بحار الأنوار ووضعه ذيلا على معالم العلماء (مطبوع).
75 - نصر بن الصباح البلخي روى عنه مشايخ الرجال وله
كتب منها كتاب معرفة الناقلين
76 - الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني صاحب لؤلؤة
15

البحرين وقد ذكر فيه مشايخ اجازاته بصورة مبسطة (مطبوع).
ولا أريد ان أتوسع أكثر من ذلك فالموضوع خصب وفيه جوانب
كثيرة لا يأتي لنا اشباعها ويكفى اعتزازنا بخاتمة علماء الرجاليين المحقق
الجليل الشيخ آغا بزرك الطهراني الذي كفلت موسوعاته سواء في كتب
الرجال أو الفهرست كالذريعة إلى تصانيف الشيعة ولكن سقنا هذا القدر
وأثبتنا من عانى ضبط الرجال وتشخيص الثقة من غيره والحسن من غيره
ليقف القارئ الكريم على مدى العناية المتواصلة في ذلك خلال القرون
الاسلامية لحفظ النصوص الشرعية.
خصائص الكتاب ومنهجه:
من خصائص هذا الكتاب المهمة انه رحمه الله قدم له ست
عشرة فائدة لا يستغنى عنها من أراد الخوض في معرفة علم الرجال ودراية
الحديث أفصح فيها الغوامض التي ذكرها أرباب المعاجم الرجالية بحيث
لا يمكن القناعة لهم بدون معرفتها وهى.
1 - في بيان اعتبار الظنون الرجالية أو عدمه.
2 - في بيان ما هو العمدة والمدار في باب تزكية الرواة من كونها
من باب الخبر أو الشهادة أولا هذا ولا ذاك وحقق في هذه المسألة.
تحقيقا ثمينا.
3 - في بيان رأى المعدل للراوي في العدالة وانه أي معنى أراد
في تعديله وانه هل يعتبر معرفة رأيه أولا.
4 - في معرفة أهل الاجماع على التصديق أو التصحيح وان أهل
التصديق هل هم أهل التصحيح أولا حيث ذكر الكشي في رجاله ثمانية
16

عشر رجلا من أصحاب الأئمة عليهم السلام أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم.
5 - أفاض القول في معنى الإجازة والمراد منها وفائدتها.
6 - أفاض القول في الجرح والتعديل واختلاف علماء الرجال فيهما
وهل يكتفى بالمزكى الواحد والجارح الواحد، وإذا تعارض التعديل والجرح
فأيهما المقدم.
7 - أفاض القول في الحاجة إلى علم الرجال للفقيه ردا على الاخبارية
القائلين بعدم الحاجة إلى علم الرجال بعد القول بقطعية صدور اخبار الكتب
الأربعة فضلا عن غيرها كما ادعاه الشيخ محمد الحر العاملي في اخر
(الوسائل) وأبطل جدنا (المصنف) هذه المزاعم بأدلة قوية وتحقيق
رشيق.
8 - حقق رحمه الله ما جاء في كتاب رجال الشيخ الطوسي
قدس سره من أنه كثيرا ما يذكر رجال من أصحاب أحد الأئمة
عليهم السلام حسب طبقاتهم ويروون عنه ثم يذكرهم في اخر
الكتاب في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام وكيف التوفيق بينهما
وهو يشكل تناقضا فدفع رحمه الله هذا التناقض بأحسن وجه وابدع
بيان.
9 - ابان مميزات النسب ومراتبه الست كالشعب والقبيلة والعمارة
والبطن والفخذ والفصيلة.
10 - بين رحمه الله مراتب الصحابة بحسب التقدم في الاسلام
والهجرة والملازمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والقتال معه والقتل
تحت رايته والرواية عنه ومكالمته ومشاهدته ومماشاته وان اشترك
الجميع في شرف الصحبة ثم ابان كيفية اثبات هذا الوصف لهم وحكم
17

الصحابة في العدالة أو عدمها وعدد طائفة من الصحابة العدول الذين
ثبتت عدالتهم بالتواتر أو بالشياع أو بالاستضافة أو بخبر الثقة.
11 - ذكر طائفة من التابعين ممن لقوا الصحابة وطائفة من المخضرمين
الذين ادركوا الجاهلية والاسلام وبين احكامهم من حيث العدالة وعدمها
12 - ذكر ان الرواية على انحاء رواية الأصاغر عن الأكابر
واللاحق عن السابق ورواية الأبناء عن الاباء ورواية الاقران بعضهم
عن بعض ويضرب مثلا برواية الشيخ أبى جعفر الطوسي رحمه الله
والسيد علم الهدى الشريف المرتضى رحمه الله فإنهما اقران في طلب
العلم والقراءة على الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي العكبري
والشيخ الطوسي يروى عن السيد المرتضى بعدما سمع منه أكثر كتبه وقراها
عليه كما ذكر ذلك الشيخ نفسه في كتاب الرجال.
13 - استعرض أسماء طائفة كبيرة من الصحابة وطائفة كبيرة من
أسماء التابعين وأسماء تابعي التابعين ممن ورد ذكرهم في طرق روايات
الحديث.
14 - ثم حقق معاني بعض الألفاظ التي يكثر دورانها في فن الرجال
وما يراد منها والاختلاف في معناها فلربما تفيد مدحا أو قدحا وهى
نافعة في معرفة طبقاتهم كلفظ (المولى) ولفظ (الغلام) وقولها (أسند عنه)
وغيرها.
15 - ثم استعرض في الفائدة العاشرة بيان الفرق المنحرفة عن الطريق
اللاحب طريق أهل بيت العصمة عليهم السلام لما في ذلك من الفوائد
من حيث الوثاقة أو عدمها كالكيسانية والبترية والسليمانية والصالحية
من الزيدية والجارودية والبزيعية والخطابية والناووسية والإسماعيلية
والقدرية والمرجئة والسمطية والمغيرية والنصيرية والحرورية
18

والعياوية والبيانية والواقفية والمفوضة ويشرح عقيدة كل فرقة من
هذه الفرق شرحا وافيا.
16 - ثم ذكر في الفائدة الحادية عشرة أسماء جماعة من الممدوحين في
زمان الأئمة عليهم السلام واتبعهم بأسماء السفراء المحمودين في زمن
غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام ثم ذكر فيها أسماء المذمومين في
زمانهم عليهم السلام من الذين ادعوا البابية لهم ويترجم لكل من
الممدوحين والمذمومين لتعرف حالهم.
17 - حقق في الفائدة الثانية عشرة انه كثيرا ما يروى المتقدمون
من العلماء عن جماعة من مشايخهم الذين يظهر من حالهم الاعتناء بشأنهم وليس
لهم ذكر في كتب الرجال وان البناء على الظاهر يقتضى ادخالهم في
المجهولين ثم يشكل في ذلك برايه الصائب وتحقيقه القيم.
18 - ذكر في الفائدة الثالثة عشرة انه لا بد من التأمل في اخذ
الروايات من الكتب الأربعة وغيرها من جهة الاسناد والمتن والتروي
في معرفة الطبقة والتروي في صحة المتن وخطئه فان في ذلك الدخل التام
في صحة الحديث ولا يعمل بالحديث على علاته فان معرفة الاتصال في
السند والانقطاع فيه أمر لا يخفى على الألمعي بعد معرفة الطبقة والرجوع
إلى المشيخة كمشيخة (التهذيب) للشيخ الطوسي ومشيخة (من لا يحضره الفقيه)
للصدوق ابن بابويه التي أعدت لذلك وبها تعرف الواسطة أو الوسائط
المتروكة في رواية الحديث ولا بد أيضا من التأمل وعدم التسرع بالأخذ
من أي نسخة كانت لوقوع الاختلاف فيها كثيرا بالزيادة والنقصان والتغيير
والتبديل.
19 - استعرض - في الفائدة الرابعة عشرة كلام صاحب المعالم
الشيخ حسن بن الشهيد الثاني في (المنتقى) من أن الشيخ الطوسي - رحمه الله -
19

ربما عدل في كتابيه (التهذيب والاستبصار) عن السند المتضح إلى غيره
لكونه أعلى سندا وقليل الواسطة إلى الإمام عليه السلام ويضرب لذلك
أمثلة ذكرها الشيخ الطوسي في كتابيه المذكورين.
20 - حقق تحقيقا وافيا في الفائدة الخامسة عشرة في أن المعتبر
حال الراوي وقت أداء الحديث لا وقت التحمل ويذكر أمثلة لذلك.
21 - حقق في الفائدة السادسة عشرة مسالة ذات أهمية لدى
أرباب علم الرجال وهى انه قد يدخل في بعض أسانيد الحديث من لم
يصرح فيه من الرواة بتعديل وتوثيق ولا بجرح وتضعيف غير أن بعض
الأعاظم من العلماء يظهر منه الاعتناء بشأنه ويكثر الرواية عنه أو يترحم
عليه أو يترضى عنه كما اتفق للصدوق ابن بابويه رحمه الله ويذكر
حكم الرواية التي رويت وكان في طريق سندها مثل هذا الشخص.
وينتهى بذلك من الفوائد الست عشرة بهذا التحقيق الشيق والبراعة
الفائقة فيشرع من صفحة (209) إلى اخر الكتاب في شرح الفوائد
التي ذكرها الوحيد البهبهاني رحمه الله في مقدمة تعليقته على (منهج
المقال) في الرجال للميرزا محمد الاستربادي
اما منهجه في هذا الكتاب فهو شرح ما ذكره الوحيد البهبهاني في
تعليقته وتحليل كلامه ثم ابداء رأيه اما الموافقة أو النقض كل ذلك
ببراهين ساطعة وأدلة قوية محكمة قل من وصل إليها من المحققين الاثبات
ومن أمعن النظر فيها اتضح له ما قلناه وعرف مقام جدنا المصنف العلمي
واطلاعه الواسع ونظره العميق وتحقيقه الدقيق.
20

حياة المصنف وسيرته:
هو أبو الحسن الشيخ على ابن الشيخ حسن (1) ابن الشيخ عباس ابن
الحاج محمد على ابن الشيخ سالم الخاقاني فقيه كبير وعالم معروف.
ولادته نشأته:
ولد في النجف الأشرف في حدود عام 1245 ه‍ وبها نشأ على أبيه
حيث عنى بتربيته فاقراه مقدمات العلوم ثم اختلف على علماء عصره
فاخذ الفقيه والأصول على المرجع الديني الأكبر الشيخ مرتضى الأنصاري
المتوفى 1281 ولازمه مدة طويلة حتى صار من أقرب تلامذته وقد
كتب تقريرات بحث أستاذه المذكور كما حضر على الفقيه المجدد السيد الميرزا حسن

(1) هو الفقيه الكبير الشيخ حسن ابن الشيخ عباس ابن الحاج محمد على ابن
الشيخ سالم الخاقاني النجفي. هاجر من لواء الحلة إلى النجف الأشرف وسكن في
محلة العمارة في الدار التي نسكنها اليوم. تلمذ على الحجة الشيخ محسن ال خنفر
النجفي والشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وكثير من معاصريهما
ساهم في التأليف ومن اثاره (الفوائد الحسينية) شرح فيها بعض الأحاديث التي
أشكلت على البعض فرغ منها عام 1274 ه‍.
(2) شرح شرايع الاسلام خرج منه عدة مجلدات ضخمة وعلى بعضها
تقريظ السيد مهدى القزويني الحلى والشيخ محسن خنفر وهما موجودان في مكتبة
الشيخ الخاقاني بخطه (قدس سره)
توفى في النجف عام 1285 ه‍ ذكر ذلك الحجة الطهراني في كتابه (الذريعة)
إلى تصانيف الشيعة (ج 2 ص 396)،
21

الشيرازي ولازمه ملازمة الظل إلى أن اثر الهجرة إلى مدينة سامراء عام
1291 ه‍ فصار يتردد على درس الفقيه العربي الشيخ راضي ال الشيخ خضر
والشيخ الولي ملا على الخليلي.
واثر النزول في كربلا فحضر درس الفقيه الشهير الشيخ زين العابدين
المازندراني والف بأمره بعض الرسائل والكتب منها (رسالة في مسالة
الدعوى بلا معارض) كما الف في أيام حضوره على الشيخ الخليلي تعليقته
هذه على الفوائد الرجالية المصدرة بها تعليقة الوحيد الشيخ
محمد باقر البهبهاني الحائري على كتاب (منهج المقال) للميرزا محمد
الاسترآبادي واشتملت تعليقته هذه على ست عشرة فائدة رجالية فتكون
من ذلك إحدى وعشرون فائدة وقد فرغ منها عام 1315 ه‍ وقد أجاز
فريقا من الاعلام منهم الامام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والشيخ آغا
بزرك الطهراني وولداه الشيخ حسين والشيخ حسن الخاقاني.
اجازاته وآراء العلماء فيه:
كان جدنا قدس سره من الرجال الذين نذروا أنفسهم لله وللدين
وتجردوا عن الدنيا الدنية وبذلك ارتفع في درجاته وسما في نفوس أرباب
العلم والدين وتأثروا بحبه وتعظيمه. وقدمت له عدة إجازات من مجتهدي
عصره نختار منها:
اجازة الشيخ ملا على ابن الحاج ميرزا خليل الطهراني الرازي النجفي
وهى من الإجازات القيمة واليك نص خطه بعد البسملة:
الحمد لله مرسل المرسلين، ومشيد الدين ومقيم البراهين لهداية
المسترشدين وجاعلنا متمسكين بشريعة خاتم النبيين والشكر له على ما أنعم
22

علينا من فواضل النعم وفضلنا على سائر الأمم من ذوي الحواس لقوله
جل شأنه (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ومكننا لنيل سبيل الرشاد
بالجد والاجتهاد وسهل لنا نهج الهداية بدراية الرواية ورفع درجات
العلماء وجعلهم ورثة الأنبياء وخلفاء الأوصياء وفضل مدادهم على
دماء الشهداء والصلاة والسلام عدد الرمال وكيل البحار وثقال الجبال
على نور الأنوار وسيد الأولين والآخرين من الأنبياء والمرسلين وسفيره
بين العباد وهادي سبيل الرشاد وشافع يوم التناد أول الخلق ابداعا
وأنورهم شعاعا وأوسعهم باعا محمد (ص) النبي الأمي الهاشمي وآله
الدرر الغرر وسادات البشر وعلل الكون وجودا وأعلاهم كرما
وجودا الذين جعلهم الله اعلاما للهدى ومصابيح للنجاة من موبقات
الردى ورحمة الله وبركاته (وبعد) فان ولدى الأعز الأغر الأمجد
الأكرم الأرشد الأشيم الأوتد الأقوم الأوحد الأفخم الأشيد الأعظم
فخر المحققين وزين المدققين صاحب الرتبة القدسية والملكات
النفسية التقى النقي الصفي الورع ذا الفضل الجلي والمقدس
الولي الشيخ على ابن البارع السبحاني والعالم الرباني الشيخ حسين
الخاقاني قد وثق ركوني إليه وكنت استمد منه لشدة اعتمادي عليه
وأذب الخطأ عنه لما وجدت من فوائد العلوم لديه ولعمري حسنت
فيه كمال النفس وبهجة الانس وعثرت على مزايا له لم يسمح الزمان
بمثلها لغيره ورأيت عنده من التحرير ما يشيد به الدين وفيه ما يغنى
عن البراهين وقد قرأ على برهة من الزمان والأحوال في علم الفقه
والرجال فوجدته بحمد الله نقيدا بصيرا ولى في غوامض المسائل
نصيرا وعلى دفع ما يرد على ظهيرا واسال الله له التوفيق انه خير
رفيق وقد استجازني وفقه الله لمراضيه وجعل مستقبل امره خيرا
23

من ماضيه وقد وجدته لذلك ومع ذلك استخرت الله فوجدت الخير
في اجازته فأجزت له جميع مقرواتي ومسموعاتي من الرويات وغيرها
ومصنفاتي وجميع ما رويته باسنادي المتصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة عليهم السلام عن الشيخ العالم الورع التقى النقي الشيخ
جواد ابن الشيخ تقى مولى كتاب عن شيخه الشريف السيد جواد العاملي
عن العلامة السيد مهدى الطباطبائي عن المشايخ العظام الذين منهم الشيخ
البهبهاني محمد باقر بن محمد أكمل عن أبيه عن جماعة منهم الأميرزا
محمد الشيرواني والشيخ جعفر القاضي ومحمد شفيع الاسترآبادي بأسانيدهم
عن الأئمة ومنهم المولى محمد باقر الهزار جريبى عن أسانيده محمد بن محمد
فرمان والاميرزا إبراهيم القاضي بأصفهان بحق روايتهما عن الأمير
محمد حسين بن الأمير محمد طاهر بن مقصود علي ومحمد قاسم بن محمد
رضا الهزار جريبي الطبرسي جميعا عن مولانا الأعظم محمد باقر المجلسي
بأسانيده المتصلة إليهم صلوات الله عليهم المذكورة في أربعينه ومنهم
الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق عن الشيخ حسين الماحوزي
البحراني والشيخ عبد الله بن علي البلادي عن شيخنا سليمان بن عبد الله
الماحوزي عن الشيخ سليمان بن علي الشاخوري عن الشيخ علي بن
سليمان المقدمي البحراني عن شيخه الشيخ البهائي عن أبيه الشيخ حسين
ابن عبد الصمد الحارثي عن الشهيد الثاني وروى الشيخ سليمان بن عبد الله
الماحوزي المتقدم المعروف بالمحقق البحراني أيضا عن الشيخ احمد ابن
الشيخ محمد ابن يوسف عن أبيه عن الشيخ علي بن الشيخ سليمان
المتقدم وروى الشيخ احمد المذكور أيضا عن السيد محمد مؤمن
الاسترآبادي صاحب كتاب الرجعة عن السيد نور الدين عن أخويه أحدهما
لأبيه وهو صاحب المدارك والآخر لامه وهو صاحب المعالم عن
24

جماعة منهم والد صاحب المدارك السيد على ومنهم الشيخ حسين بن
عبد الصمد وللشيخ سليمان الماحوزي طرق اخر مذكورة في اجازة الشيخ
يوسف وللعلامة الطباطبائي طرق اخر مذكورة في اجازاته يوجب ذكرها
التطويل ولى طرق اخر إلى السيد العلامة الطباطبائي أحدها: الشيخ الأجل
الأعظم أستاذ الكل الشيخ محمد حسن صاحب (جواهر الكلام في
شرح شرايع الاحكام) عن السيد جواد العاملي (صاحب مفتاح الكرامة)
عن السيد الطباطبائي وثانيها الشيخ الزاهد العابد الورع التقى الشيخ
عبد العلى الرشتي رحمه الله عن السيد العلامة الطباطبائي وهو أقرب أسانيدى
إليه وثالثها الشيخ رضا على عن جده أبى امه السيد جواد العاملي عن السيد
العلامة الطباطبائي ورابعها: السيد محمد ابن المرحوم السيد جواد العاملي
عن أبيه السيد جواد عن العلامة الطباطبائي ولى طرق اخر أيضا
وقد أجزت له سلمه الله ان يروى عنى ما رويته بجميع طرقي
وشعبه وشعب الشعب وجميع الكتب المصنفة في جميع العلوم على نحو
ما هو مذكور في (اللؤلؤة) ملتمسا منه ان لا يترك طريق الاحتياط ويتجنب
حب الدنيا الدنية فإنه رأس كل خطيئة ولا يقرب إلى الرئاسة الا إذا
دعا التكليف الواجب وقد ورد في الاخبار: ما ذئبان ضاريان في غنم
غاب عنها رعاؤها بأضر في دين الرجل من حب الرئاسة واساله
ان لا يبرح الأخبار الواردة عن الأئمة الاطهار وان يتأمل في الدعاءين
في الصحيفة دعاء الاستعاذة من المكاره ودعاء مكارم الأخلاق فان
فيهما الحظ الأوفى وان لا ينساني من الدعوات في الخلوات ومظان
الاستجابات انه قريب مجيب.
(كتبه الجاني الفاني على ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل رحمه الله ورضى عنه -)
ترجم له تلميذه البار المحق الكبير والجهبذ المشهور الشيخ آغا بزرك
25

الطهراني (1) فقال: كان شيخي الخاقاني من أعاظم العلماء واجلاء الفقهاء
بلغ في الفقه والأصول والحديث والرجال وغيرها من العلوم الاسلامية
معقولا ومنقولا منزلة رفيعة ومكانة سامية وأصبح في مصاف
اعلام عصره وفى طليعة رجال الدين في النجف الأشرف وكان مسلم
الاجتهاد لدى أهل الخبرة من مشاهير وقته فقد رأينا كبار المشايخ يجلونه
ويشيدون بغزارة علمه وقد تميز بورعه وتقواه فقد زهد في حطام
الدنيا واعرض عن الظهور اعراضا كليا وتوجه إلى ربه بكل حواسه
وجوارحه فكان مشغولا بعبادة الله ومنقطعا إليه ومنصرفا إلى أمر
الآخرة وما يصلح شانه فيها وكان مظهره يذكرنا بمشايخنا من السلف
الصالح إذ كانت تبدو عليه سمات أهل السلوك والتجرد عن الدنيا والزهد
في مظاهر الحياة فهو من العلماء الربانيين ظاهرا وباطنا اتصلت به زمنا
طويلا فكنت اختلف إلى داره وارتاح إلى حديثه وارشاداته
وقد رأيت رجاله التعليقة عنده بخطه مع جملة من تصانيفه الأخرى
وحدثني بما ذكرته من أحواله ومشايخه وسائر حالاته وسوانحه عند تشرفي
بخدمته مستجيزا منه سنة شروعي في تأليف (الذريعة) وهى سنة 1330 ه‍
وقد أجازني رحمه الله عن شيخه الخليلي بأسانيده كما ذكرته في مشيختي
(الاسناد المطفى إلى ال بيت المصطفى) المطبوع في النجف الأشرف عام
1356 ه‍ ص 47.
وقد كنت معجبا بسلوكه وسيرته إذ كان صريحا في أقوله وافعاله
يقول الحق ولو على نفسه ولا تأخذه في الله لومة لائم شان الكثير
من مشايخنا يومئذ وربما أمر بالمعروف من كان لا يرتضى رأيه وطريقته
من مراجع عصره وزعماء وقته صراحة دون مواربة أو مجاملة وكان

(1) راجع كتابه نقباء البشر القسم الرابع ص 1405، طبع النجف الأشرف
26

يقابل بالاحترام من قبل أولئك لاجماع الكل على صدق لهجته واخلاصه
لله ولشريعة نبيه في كل تصرفاته وقد بقيت صلتي به سنين بعد ان أجازني
فكان ترددي إليه مستمرا واستفادتي من مجالسه وتوجيهاته متواصلة.
وقد عرف بصلاحه وورعه عند مختلف طبقات الناس فاقبلوا عليه
ورجع البعض إليه على كره منه فقد كان يخشى المرجعية ويتهرب منها
ويتواضع بالاعراب عن عدم أهليته لها وقد ألزمه البعض في الإمامة
فكان يقيم الجماعة في (حسينية التسترية) فيأتم به جمع من الصلحاء والأخيار
وكان يصل أهل العلم وبعض الأسر العلوية والأباة من الناس سرا في جوف
الليل بنفسه دون وسيط فكانت الحقوق الشرعية لا تبقى تحت يده بل
يعجل في ايصالها إلى أهلها ومستحقيها وربما حمل الأطعمة إلى دور البعض
على ظهره أو رأسه كالحمالين في جوف الليل وكان يأنس بذلك ولا
يرى فيه من باس واتفق ان قبض عليه الحراس ذات ليله وهو يحمل
على ظهره في عباءته البر والرز لايصالهما إلى دار بعض أهل العلم. فشاع
خبر ذلك في غدها.
هكذا كان يعيش أولئك المشايخ وبتلك السيرة كان يتصف زعماء
الدين وعلى نهج أهل البيت عليهم السلام كانوا يصلون المستحق
في جوف الليل حفظا لكرامته وصيانة لماء وجهه من ذل السؤال
طمعا في مرضاة الله ورغبة في قبوله وثوابه فرحمهم الله وأجزل
لديه اجرهم ورفع في الخلد درجتهم وحشرهم مع أهل بيت نبيه
الطاهرين.
(أقول): هناك كثير من الاعلام الذين ذكروا جدنا قدس الله
سره أمثال الشيخ المامقاني في رجاله الكبير (تنقيح المقال) المطبوع
في النجف الأشرف والشيخ محمد طاها نجف في كتابه (اتقان المقال)
27

المطبوع في النجف الأشرف ولو أردنا استقصاء ذلك لاحتجنا إلى كتاب
مستقل خاصة إذا أردنا سرد حياته وتعداد مثله والقصص التي يرويها
المشايخ من معاصريه عن تقواه وزهده مما يجعله في مصاف الأولياء الأصفياء
ولكنا نكتفي بما مر.
وفاته:
لبى نداء ربه العظيم في النجف الأشرف عصر يوم الاثنين في السابع
والعشرين من شهر رجب عام 1334 ه‍، وغسل ليلا في خارج البلد
وسهر الليل مع جثمانه جموع لا تحصى من الناس وفى يوم الثلاثاء هبت
أهالي النجف الأشرف عامة ونظمت المواكب العزائية يتقدمها العلماء والزعماء
والصلحاء والاشراف ودفن في الحجرة الواقعة على يمين الداخل إلى
الصحن الحيدري من باب سوق محلة العمارة وأقيمت له الفواتح في مختلف
الأطراف كما أقيمت له مجالس الفاتحة في مختلف الألوية العراقية وفى
الخليج ورثاه مختلف الشعراء كالامام الأكبر الشيخ محمد الحسين ال
كاشف الغطاء والشيخ حسن حمود الحلى والشيخ عبد الحسين القرملي
والخطيب السيد صالح الحلى والشيخ محمد صالح قفطان.
اثاره العلمية:
خلف جدنا قدس سره كتبا قيمة لا تزال مخطوطة بخطه منها:
(1) رسالة في مسالة الدعوى بلا معارض الفها بطلب من أستاذه
العلامة الكبير الشيخ زين العابدين الحائري وفرغ منها عام 1279 ه‍.
28

(2) شرح اللمعة الدمشقية بكاملها ويقع في ثلاثة مجلدات ضخام
فرغ منه 1281 ه‍.
(3) تعليقة على كتاب المعالم في الأصول فرغ منها عام 1271 ه‍
(4) رسالة في الأراضي الخراجية مستقلة فرغ منها عام 1285 ه‍
(5) رسالة في مسائل النكاح فرغ منها عام 1290 ه‍
(6) رسالة في احكام الطلاق فرغ منها عام 1282 ه‍
(7) رسالة في المواريث فرغ منها عام 1285 ه‍
(8) زاد المحشر في شرح الباب الحادي عشر فرغ منه عام 1272 ه‍
(9) رسالة في احكام الرضاع فرغ منها عام 1289 ه‍
(10) حاشية على ألفية الشهيد الأول.
(11) رجال الخاقاني - وهو هذا الكتاب -.
(12) رسائل في الأصول العملية الفها بطلب من المرجع الديني
الحجة الامام السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي فرغ منها ليلة الخميس
بعد الفجر اخر شعبان عام 1283 ه‍ (13) رسالة في الأصول اللفظية.
(14) ذخيرة الآخرة في فقه العترة الطاهرة.
(15) رسالة في الاخبار.
أولاده:
أعقب قدس سره ولدين هما
(1) الحجة الشيخ حسين المتولد 1302 ه‍ وكان من الجهابذة الأفاضل
وخاصة في الحكمة والكلام اخذ الفقه عن فريق من اعلام عصره منهم
29

والده المترجم له والفقيه الشيخ على ابن الشيخ باقر الجواهري والشيخ
مرتضى بن العباس ال كاشف الغطاء وتوفى عام 1336 ه‍ ولم يعقب.
(2) الفقيه الكبير الشيخ حسن المتولد سنة 1300 ه‍ وهو الذي ورث
أباه في علمه وتقواه وزهده وصراحته وقوته الشخصية الدينية التي كانت
تهيمن على مختلف الشخصيات العلمية المعاصرة له فقد كان نسيج وحده
في سيرته وتقشفه وانصرافه إلى الحق والدين وعدم اكتراثه بكل
ما يصطدم بها وكان يتهرب من الزعامة الدينية التي لحقته فرفضها رفضا
باتا وضايقه الناس في التقليد فلم يستجب الا بعد زمن طويل حيث
سمح لهم بطبع رسالته العملية كما سمح بطبع كتبه في الأصول.
توفى في النجف الأشرف ليلة الاثنين 27 شهر رمضان عام 1381 ه‍
وهبت المدينة بأجمعها مشاركة في تشييع الجثمان حيث سار مختلف الطبقات
من العلماء والصلحاء والزعماء ورجال الحكم وتبعتها المواكب العزائية ودفن
إلى جنب أبيه في المقبرة وأشرك في تأبينه مختلف الشعراء وأرخ وفاته المرحوم
شيخ المؤرخين الشيخ على البازي بقوله:
شرعة خير الخلق قد أثكلت * * بفقدها انسان عين الزمن
والدين اضحى باكيا معولا * * قضى الامام العيلم المؤتمن
ونكست اعلامه عندما * * أرخته (قد غاب عنه الحسن)
خلف من الكتب العلمية: (1) التحقيقات الحقيقية في الأصول العملية في ثلاثة اجزاء طبع
في النجف عام 1368 ه‍
(2) الدرر الغروية في شرح اللمعة الدمشقية خ انجز منه كتاب الطهارة
في ثلاثة اجزاء وكتاب الزكاة في مجلد والخمس في مجلد والطلاق في مجلد.
(3) شرح معالم الأصول في جزءين.
30

(4) حجية خبر الواحد.
(5) احكام الخلل الواقع في الصلاة.
(6) نجاة العاملين وهى رسالة عملية ط
(7) كتابا في المنطق.
(8) تقريرات الشيخ ملا كاظم الخراساني والسيد كاظم اليزدي رحمهما الله
اعقب خمسة أولاد:
1 - سماحة العلامة الجليل المرحوم الشيخ محمد الخاقاني وكان اخى
هذا من الشخصيات المرموقة نال القسط الأوفر من العلوم وخاصة
الفقه والأصول وقد حل بمكان والدي وأقام الجماعة في (حسينية التسترية)
وكان من العاملين في الحقل الديني والوطني حيث شارك في ثورة العشرين
ووحد صفوف عشائر البو سلطان التي استجابت لدعوته الوطنية وخاصة
البو عيسى وخاقان متمثلة باستجابة الزعيم الكبير الشيخ اشخير الهيمص الذي
كان يرجع في أعماله الدينية لبيتنا فواصل المعركة ضد الاحتلال الانكليزي
مضحيا بكل ما يستطيع من أجل الواجب الديني والوطني:
ولد في النجف عام 1315 ه‍ ونشأ على والده وفريق من اعلام عصره
وشارك في التأليف فكتب في كثير من العلوم التي قراها منها:
1 - شرح المعالم (2) محاسن الفوائد (3) الدرر (4) غرر الفوائد
وثمرة العوائد. لبى نداء ربه في النجف الأشرف ليلة الثلاثاء أول شهر صفر 1385 ه‍
ودفن إلى جنب والده وأقيمت له مجالس الفاتحة في النجف الأشرف
وخارجه وقد ارخ عام وفاته الأديب الفاضل السيد محمد الحلى بقوله:
هذى سمات محمد قد مثلت * * للناظرين مهابة الايمان
31

ينمى إلى حسن وتلك صفاته * * الحسنى تريك مواقع الاحسان
فردا مضى لجنانه وحياته * * فردا أقام وماله من ثاني
ان راح فردا للجنان فهذه * * ارخ (سمات محمد الخاقاني)
واعقب ولدين أكبرهما الشيخ عباس المتولد 1352 ه‍
2 - الشيخ على المتولد 1339 ه‍ من الأفاضل والف كتبا منها
(1) كتاب الحمزة والقاسم (ط)
(2) حديقة النادي في أحوال السيد محمد بن علي الهادي (خ)
(3) ارشاد الرأي العام إلى عبقرية دين الاسلام (خ)
(4) شرح منظومة السيد بحر العلوم في الفقه (خ)
(5) المصابيح الدرية في الأصول العملية (خ)
3 - الشيخ حسين المتولد 1350 ه‍ (كاتب المقدمة)
4 - الشيخ تقى المتولد 1352 ه‍
5 - جعفر المتولد 1357 ه‍
وفقهم الله تعالى وإيانا لخدمة الشرع الشريف وسلوك نهج ابائنا
الماضين والله الموفق والهادي إلى سبل الرشاد.
النجف الأشرف في 26 / محرم الحرام / 1 / 1388 ه‍ حسين الشيخ حسن الخاقاني
حفيد المصنف
32

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه وأشرف بريته
محمد وعترته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين
والآخرين إلى يوم الدين.
(اما بعد) فيقول العبد الجاني والأسير الفاني على ابن الحجة المقدس
الفقيه الشيخ حسين الخاقاني انه لما كان اللازم على المجتهد معرفة الاحكام
من الأدلة الأربعة أو الثلاثة بارجاع الاجماع إلى السنة وكان العمدة منها
هو الاخبار والنصوص الواردة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم
إذ موارد حكومة العقل القاطع على سبيل الاستقلال قليلة نادرة جدا ومثلها
الاجماعات المحققة واما المنقولة فاعتبارها مبنى على شرائط عزيزة الوجود
إذ ليست هي على طريقة المتأخرين داخلة تحت الخبر بحيث تشملها
أدلته لاختصاصها بالمنتهى إلى الحسن كما هو المتعارف في الاخبار قديما
وحديثا والاجماعات مبنية على طريق الحدس والكشف كما يقول الوحيد
البهبهاني: الاجماع عند الشيعة هو اتفاق جماعة يكشف عن رأى المعصوم
ومقدمات الحدس بحيث تفيد القطع مختلفة (فمنها) بعيدة كثيرة الخطا
يصعب تحصيل القطع منها (ومنها) قريبة يسهل تحصيل القطع منها
لابتنائها على أمور عادية يسهل تحصيل القطع منها بمجرد ملاحظتها غالبا
وهذه عزيزة الوجود جدا، والمعتبر من الاجماعات المحكية في هذه الاعصار
وما شابهها من أزمنة الغيبة انما هو هذا القسم منها وحينئذ فلم يبق
1

من الأدلة الا الكتاب والسنة وليس في الكتاب وفاء للأغلب من الاحكام
جزما إذ ليس فيه الا الاطلاقات والعمومات وهى غالبا مسوقة لأصل
التشريع وبيان أصل الحكم في الجملة فهي في الحقيقة شبه القضايا المهملة
فهي غير نافعة في تفاصيل الاحكام أصلا وكلية فلم يبق من الأدلة الا
السنة وحيث كان في الاخبار التي بأيدينا الصحيح والسقيم والمعتبر وغيره
كان اللازم الرجوع إلى هذا الفن إذ به يتشخص المعبر وغيره إذ بالرجوع إليه
يعرف العادل من غيره والأعدل من غيره والممدوح من غيره والامامي
من غيره والضعيف من غيره ومن قبلت رواياته حتى لو كان ضعيفا
في نفسه من غيره أو كان منحرفا في اعتقاده ومع ذلك تقبل رواياته
كعبد الله بن بكير ومن تقدم رواياته على غيره مع فرض اعتباره في نفسه
في مقام الترجيح من غيره كمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه
كابن أبى عمير والبزنطي وأمثالهما أو من أجمعت الطائفة على تصديقهم
والاقرار لهم بالفقه والعلم كزرارة ومحمد بن مسلم ونظائرهما من الستة الأوائل
وحيث كان التعويل على الغير في التعديل والجرح غير جائز جزما إذ هو
من التقليد البحت وتعويل على ظن الغير ومقتضى الأصول الأولية بل الأدلة
الأربعة تمنعه وانما خرج عنها ما كان بعد البحث والفحص التام مع أن العلم
الاجمالي بوجود الجارح مانع من التعويل على الغير فهو كالعام والمطلق قبل
الفحص عن المخصص والمقيد فكما لا يجوز هناك فكذا هنا.
والحاصل فلا بد من تشخيص ما هو الحجة من الاخبار عند هذا المجتهد
من الرجوع إلى هذا الفن وكذا في تشخيص ما هو المقدم عند التعارض
لاعتضاده بالمرجح كالأعدلية والأضبطية أو كونه من أهل الاجماع على
التصحيح أو التصديق أو كونه اماميا أو منحرفا في الاعتقاد مع أن
جملة من الرواة قد تحقق فيهم الاشتراك اسما وأبا إلى غير ذلك ولا يتشخص
2

الا بالرجوع إلى هذا الفن كما لا يتشخص الاتحاد أو التعدد حيث يشتبه
الحال كما في كثير الا بالرجوع إلى هذا الفن إلى غير ذلك.
وحيث إن من أحسن التحرير وأبلغ التعبير ما ذكره (الوحيد
البهبهاني) مقدمة لتعليقته من الفوائد الخمس وضعت عليها تعليقة لبعض
تلك الفوائد مبينة وعن كثير من تلك الغوامض مفصحة مضيفا إليها
جملة من الفوائد لم أعثر على من جمعها في التحرير على أحسن وجه مع
شدة الحاجة إليها وعدم امكان القناعة بدونها (منها) في بيان اعتبار
الظنون الرجالية وعدمه (ومنها) في بيان ما هو العمدة والمدار في باب
التزكية من كونها من باب الخبر أو الشهادة أو لا منهما ومعرفة ذلك على
التحقيق (ومنها) في بيان رأى المعدل في العدالة وانه أي معنى أراد في
تعديله وهل يعتبر معرفة رأيه أم لا؟ (ومنها) في معرفة أهل الاجماع
على التصديق أو التصحيح وان أهل التصديق هم أهل التصحيح أو لا؟
فعليك بملاحظتها واكثار التأمل بما فيها فان رايتها حقيقة بالقبول فلله
الحمد والا فالرجاء الاصلاح منك ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه
توكلت واليه أنيب.
3

وهاهنا فوائد لا بد من التنبيه عليها.
(الأولى): انه قد وقع الخلاف في العدالة هل هي الملكة أو حسن
الظاهر أو ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما عليه الشيخ رحمه
الله وكذا في أسباب الجرح وعدد الكبائر فمن أين يعلم رأى المعدل؟
ومع عدم العلم كيف ينفع التعديل؟
(ودعوى) ان المقصود للمعدل انما هو الشهادة لكل من يقف عليها
وحينئذ فلا بد من حملها على المعنى الاعلى والأكمل وهو الملكة والا
لم تكن مثمرة ولا هي نافعة.
(كما ترى) واضحة المنع إذ الشاهد أو المخبر انما يشهد بما عنده
وما أحاط به خبرا أفاد من اطلع عليه أو لم يفده.
ومثله القول بان المعدل لا يريد التعديل على ما يراه من العدالة والا
كان اللازم عليه أن يقول ثقة عندي أو هو عدل عندي والا كان
تدليسا والعادل لا يدلس كما وقع من الشيخ أبى على رحمه الله
في كتابه (منتهى المقال) لوضوح ان التدليس انما يلزم لو كان هناك
انصراف وتبادر من اللفظ المطلق إلى معنى فان إرادة غيره من دون بيان
من الغش والتدليس واما مع عدم الانصراف والتبادر بل كان للفظ
معان عديدة على حسب الاختلاف في المذهب فلا تدليس بإرادة بعضها
أصلا غاية الأمر تكون الشهادة مجملة مع عدم البيان رأسا لعدم العلم
بالمقصود منها فتكون ساقطة كاللفظ المشترك المراد منه معنى من معانيه
مع عدم البيان الا أن يكون هناك متيقن فيحمل عليه وهو في المقام غير
نافع إذ المتيقن ما عليه الشيخ رحمه الله (1) وهو لا ينفع في قبول الخبر
ومثله دعوى ان المعتبر عند الجل في خصوص المقام انما هو العدالة بالمعنى

(1) المراد بالشيخ أينما يطلقه في هذا الكتاب هو الشيخ الطوسي رحمه الله.
4

الأعم، فلا يحتاج القائل بالملكة إلى التعيين أيضا كما وقع فيه أيضا
لمنع كون المعتبر عند الجل في المقام أعني التعديل بالنسبة إلى الراوي -
الدالة بالمعنى الأعم الذي هو مطلق الثقة في دينه وان لم يكن اماميا
كما يراه الشيخ رحمه الله بل لعل المشهور العدالة بالمعنى الأخص في قبول
الخبر كما ادعاه بعضهم كصاحب المعالم رحمه الله (1) وان أنكره في
(الفصول) (2) ولعل الأصوب ما في (المعالم) ولكن بعد حدوث الاصطلاح
الجديد الذي أحدثه العلامة وشيخه ابن طاووس في تقسيم الاخبار لا قبله
مع أنه لو سلم كون المعتبر عند الجل ذلك الا انه خلاف ظاهر المعدل
إذ الظاهر منه إرادة العدالة بالمعنى الأخص أعني كونه اماميا كما اعترف
به هو وأستاذه في أول فائدة نعم قد يقال بان الغرض من التعديلات
والتوثيقات المذكورة في أحوال الرواة انما هو بيان حاله من جهة قبول
الخبر وعدمه فهذه قرينة على عدم إرادة المعنى الأخير للعدالة الذي نسب
إلى الشيخ رحمه الله إذ هو غير نافع في القبول أصلا مع أن القول به
لم يثبت عن غير الشيخ رحمه الله وحينئذ فينحصر الامر في إرادة أحد
الأخيرين وحيث إن القول بحسن الظاهر ليس قولا مغايرا للقول بالملكة
على الظاهر بل هو تعبير عن الطريق إليها بواسطة الآثار الكاشفة عنها
وحينئذ فيحصل الظن القوى باردة الملكة لهذا المعدل الذي لم يعرف مذهبه

(1) صاحب المعالم هو العلامة الفقيه الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني رحمه
الله توفى سنة 1011 ه‍ بجبع؟؟ من قرى جبل عامل وقبره هناك مشهور يزار
ويتبرك به.
(2) الفصول في أصول الفقه للعلامة الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم
الرازي الحائري المتوفى في كربلاء حدود سنة 1261 ه‍.
5

وهو كاف اما لعدم الفرق بين هذا الظن والحاصل من أصالة الحقيقة
الكاشفة عن مراده فان احراز مراده منها غالبا انما هو بالظن ولو منعت
المساواة وقلت بالفرق بينهما بان الظن هناك من الظن المخصوص الذي قام
الاجماع على اعتباره لكونه من الظواهر اللفظية ولا كذلك المقام فإنه
ناشئ عن تخمينات ومقدمات حدسيات واعتبارها في محل المنع فإنها تشبه
القياسات فقد يقال بان هذا الظن من جملة الظنون الرجالية أو في حكمها
في الاعتبار عندهم بواسطة ظهور التسالم فيما بينهم على اعتبارها فتأمل بل
هو الوجه كما وقع من (الوحيد البهبهاني) مع زيادة ايضاح وبيان منى
بان يجاب بان المعدل أو الجارح إذا كان عدلا وجب قبول خبره وكان
اللازم حمله على الواقع من غير فرق بين الوفاقيات والخلافيات كسائر اخباراته
فكما انه لو قال بعت أو صالحت أو وقفت أو نذرت أو تزوجت أو طلقت
أو أعتقت أو ذكيت إلى غير ذلك من النسب قبل وحمل على الواقع
وهكذا لو نسب تلك النسبة إلى غيره فكذا لو قال هذا عدل قبل وحمل
على الواقع وعلى ذلك السيرة والطريقة ولذا لم تر من أحد من علمائنا
متقدميهم ولا متأخريهم ما يشير إلى تأمل من هذه الجهة في تعديل الاخر من تلك الجهة
أصلا ولا نشم رائحته مطلقا مع اكثارهم من التأمل من جهات أخر بل
نراهم يتلقون تعديل الاخر بالقبول حتى أنهم يوثقون بتوثيقه ويجرحون
بجرحه (1)، وهذا نظير أفعال المسلمين فان اللازم حملها على الصحة الواقعية
لقضاء دليلها بذلك وهكذا دليل وجوب قبول خبر العادل إذ لا معنى

(1) كما وقع من الصدوق رحمه الله بالنسبة إلى شيخه ابن الوليد فإنه
يتبعه في ذلك.
6

لقبوله الا ترتيب اثار تلك النسبة واقعا عليه وهكذا شهادته فإذا قال
هذا عدل قبل خبره وجاز تقليده لو كان مجتهدا والصلاة خلفه إلى غير
ذلك من الآثار لهذا الموضوع ولا يحتاج إلى الاستفسار من المعدل أو المخبر
وانه أي شئ أراد وأي معنى قصد كما لا يحتاج في أفعال المسلمين إلى السؤال
والاستفسار عن ذلك الواقع وهل حصل العصر أو التعدد فيما يحتاج إليه
أم لا، وعلى هذا السيرة والطريقة في كل عصر وزمان ومن هنا يظهر
ان ما صرح به كثير من الفقهاء بل نسب إليهم من عدم اعتبار الشهادة
بالرضاع مطلقة وانه لا بد من التفصيل لتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة
فيحتمل كون الشاهد انما يشهد بما عنده باجتهاد أو تقليد وهو مخالف لما
عند الحاكم وحينئذ فلا يكتفى بالاطلاق بل لابد من التفصيل في محل المنع
(كما حررناه في محله) إذ مقتضاه عدم اعتبار الاطلاق في الشهادة في كل
مورد من موارد الخلاف وانه لا بد من التفصيل على وجه يعرف ويتبين
مقصود الشاهد لدى الحاكم والتزامه مطلقا وكلية مشكل جدا بل لا يلتزمونه
أصلا هذا ومعرفة رأى المعدل أو مراده من تعديله أو جرحه أمر ممكن
بل ميسور غالبا ان لم يكن دائما ولو بواسطة القرائن المقامية والمقالية بحيث
لا تخفى سيما لو كان في هذا الفن ماهرا حاذقا كثير الاطلاع واسع الباع
فإنه يحصل له العلم برأي كثير من المزكين أو الأكثر وبحال كثير من
الرواة أو الأكثر ويختلف ذلك قلة وكثرة وشدة وضعفا من جهة الظن
والعلم ومراتبهما باختلاف الاطلاع وتفاوته كما صرح به في (المنتفى) (1)
حيث قال: تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين وبرأي جماعة من المزكين
أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية الا انها خفية المواقع

(1) منتهى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان للشيخ حسن ابن الشيخ
زين الشهيد الثاني رحمه الله طبع في جزءين في إيران (طهران) سنة 1379 ه‍.
7

متفرقة المواضع، فلا يهتدى إلى جهاتها ولا يقدر على جمع أشتاتها إلا
من عظم في طلب الإصابة جهده وكثر في تصفح الآثار كده ولم
يخرج عن حكم الاخلاص عن تلك الأحوال قصده (انتهى) ولو لم يبلغ
هذا المبلغ ولم يصل إلى هذا الحد ولكن غاية ما حصل له الظن فقد
يقال بكفايته كما صرح به الوحيد (1) في الفائدة الأولى من فوائده ناسيا
له إلى دأبهم وديدنهم إلا أنه لا يخلو من التأمل بل المنع لو كان مراده
الظن بمراد المزكي وإن كان على ما يراه من القول بالظن المطلق متجها
لكن الوجه خلافه بل المعتبر منه خصوص ما قام عليه الدليل بالخصوص
كظواهر الكتاب والاخبار مفهوما ومنطوقا.
(ومنها) ظهور العام في الباقي بعد التخصيص فإنه حجة لكونه من
الظواهر اللفظية التي قام الاجماع على اعتبارها بالخصوص لا من جهة باب
الانسداد.
(ومنها) الظن في باب الترجيح لقيام الأخبار المعتبرة سندا ودلالة
عليه كمقبولة ابن حنظلة وغيرها إلى غير ذلك من الظنون الخاصة.
(ومنها) كتب العلم والأحاديث والتواريخ والسير فإنها وان لم تكن
من الخطابات والأقوال اللفظية التي قام عليها الاجماع من أهل اللسان
بالخصوص الا انها مساوية لها في الحكم فان الاجماع - كما هو قائم على اعتبار
تلك - قائم على اعتبار هذه من غير فرق أصلا وإن كانت من النقوش لا من
الألفاظ كما عليه السيرة القطعية قديما وحديثا في كل عصر وزمان كما يجد ذلك
من لاحظ الخارج وما عليه الناس وجرت عليه طريقتهم ودأبهم وديدنهم
من اعتبار المكاتبات والمراسلات الواقعة فيما بينهم من زمان الأئمة - عليهم السلام -

(1) الوحيد هو الآغا البهبائي الحائري صاحب التعليقة.
(المحقق)
8

إلى يومنا هذا من غير فرق بين الأحكام الشرعية والموضوعات الخارجية
المتعلقة بأغراضهم في أمر معاشهم ومعادهم ومن ذلك الكتاب والسنة
بالنسبة إلينا ومن ذلك الوصايا والأقارير المرسومة فان اعتبارها انما جاء
من تلك السيرة التي مرجعها إلى الاجماع العملي وهذا واضح جدا وما خلا
من الظنون عن دليل بالخصوص فهو غير معتبر لعدم الدليل والأصل العدم
ومن ذلك معرفة مراد المعدل أو الجارح لامن قوله ولفظه أو كتابه بل
بواسطة إمارات وقرائن كاستبعاد موافقته للشيخ - رحمه الله - في مذهبه
في العدالة لضعفه في نفسه وندرته جدا ونحو ذلك من الامارات الحدسية
والتخمينية فان ذلك وأمثاله لا دليل على اعتباره بالكلية بحيث يحرز به
مراد المتكلم ويحكم عليه به، وينسب إليه ويعدله مذهبا بل وتنعقد به
الشهرة بل الاجماع إلى غير ذلك.
(فدعوى) المولى (الوحيد) اعتباره مدعيا ان عليه دأبهم وديدنهم
(محل نظر) بل منع اللهم إلا أن يريد الظن بعدالة الراوي لامارته لا الظن
برأي المزكي إذ لا وجه لاعتباره بحيث يحرز به وينسب إليه لعدم الدليل
على اعتباره إلى هذا الحد نعم لا بد من التزام اعتبار الظن المطلق في
الجملة، كما ستعرف في الفائدة الثانية وغيرها إذ لا مناص عن ذلك
فنحن لا نقول بالظن المطلق مطلقا كما عليه أهله لعدم الحاجة إليه كذلك
والأصل عدم الاعتبار ولا نقتصر على الظن الخاص دون غيره مطلقا
لقضاء؟؟ الحاجة بالرجوع إليه في الجملة إذ لا يتم الامر بدونه فهناك أمر
وسط وخير الأمور أوسطها والله أعلم.
(الفائدة الثانية):
الظاهر بل لا ينبغي التأمل فيه اعتبار الظنون الرجالية أعني التي
بها يحصل تمييز المشتركات اسما وأبا وكنية ولقبا ونسبة ومسكنا وطبقة
9

بل واتحادا وتعددا فتفيد تلك الامارات اتحاد ذلك الرجل أو كونه
متعددا كإسحاق بن عمار أو كون المروي عنه مع اشتراكه بين اثنين
أو أزيد فلانا ككونه البرقي دون القمي مثلا لكون الراوي عنه فلانا
مثلا إلى غير ذلك ومن ذلك ظهور السقط في السند أو عدمه أو كون
الراوي يروى معه لا عنه كما قد يوجد أو بالعكس إلى غير ذلك من
الامارات الموجبة للمظنة التي لا اشكال ظاهرا في الاعتماد عليها والاعتبار
بها ويدل على ذلك وجوه.
(الأول) انسداد باب العلم بها جزما مع شدة الحاجة وعموم البلوى
والبلية بها جدا فلو لم يجز العمل بتلك الامارات للزم تعطيل الاحكام
لكثرتها وتنجز التكليف بها، وعدم وفاء موارد العلم بها لقلتها جدا
ان لم نقل بتعذرها رأسا.
(الثاني) ظهور التسالم على اعتبارها فانا لا نرى أحدا من علماء الرجال
ينكر اعتبارها أو يتأمل فيه بل يتلقاه ممن اعتبره بالقبول بل يعتبره
في موارده كغيره وما ذاك الا للاتفاق عليه وهو المطلوب كما يشهد
له استدلال بعضهم (كالسيد محسن في رجاله) (1) على الاكتفاء بالظن
بالصدور بالاكتفاء في تمييز المشتركات بالقرائن التي أقصاها حصول الظن
فيفيد ان هذا أمر مفروغ عنه، وانه مما لا يعتريه شك ولا ريب والا لم
يحسن الاستدلال به على نظيره الذي هو محل شك ويدل عليه أيضا
ما سمعت عن (الوحيد) من أن الاكتفاء بالظنون عليه دأبهم وديدنهم وإن كان
ذلك في مورد الدعوى محل اشكال كما عرفت اللهم الا ان يقال
بعدم الفرق لكنه محل نظر بل منع وكيف كان فالظاهر أن اعتبارها

(1) يقصد به السيد الأعرجي الحسيني الكاظمي المتوفى سنة 1227 ه‍
فان له كتاب (عدة الرجال) وهو محفوظ.
10

من المسلمات فيما بينهم ولكن هل هي من الظنون الخاصة لقيام الاجماع
عليها بالخصوص كقيامه على اعتبار الظن الحاصل من ظواهر الألفاظ أم من
جهة انسداد باب العلم فتكون من الظنون المطلقة؟ كل محتمل والقدر
المشترك الذي هو اعتبارها في الجملة كاف إذ لا غرض لنا وراء اعتبارها كذلك
(الثالث) ان الظن في المقام من باب الظن في الموضوعات والظن
فيها معتبر لبناء العقلاء على اعتبارها والتعويل عليه في جميع أمورهم في معاملاتهم
وتجاراتهم في سفرهم وحضرهم فعلا وتركا وعلى ذلك طريقتهم جارية
وسيرتهم ماضية وأمورهم منتظمة وبه متسقة من غير نكير منهم ولا متأمل
بل عليه السيرة والطريقة في كل عصر وزمان.
(هذا) ولكن الوجه ان الظن في الموضوعات الصرفة غير معتبر لعدم
الدليل والأصل العدم بل لقيام الدليل على عدم اعتباره إذ ما من مورد
من موارد الظن الا وفيه أصل عملي موافق لذلك الظن أو مخالف فإن كان
مخالفا لذلك الظن كان الاعتبار بذلك الأصل إذ اعتبار الظن المخالف
له موجب لطرح الحجة من غير حجة وإن كان موافقا كان الاعتبار به
من جهة كونه موافقا لذاك الأصل لا من جهة نفسه وكونه ظنا لأصالة
حرمة العمل بالظن بقول مطلق في الاحكام والموضوعات إلا ما قام عليه
الدليل وهو في الموضوعات الصرفة غير قائم إذ ترتيب احكام الموضوعات
الواقعية على تلك الموضوعات الشخصية الخارجية لمحض الظن بكونها مصداقا
لتلك الموضوعات الكلية الواقعية لا دليل عليه والأصل ينفيه وحينئذ فلا
عبرة بكون هذا دما أو خمرا أو منيا أو ظاهرا بعد ما كان نجسا أو بالعكس
أو وقفا خاصا أو عاما فيرتب عليه الآثار لمحض وجود كنابة؟؟ على ظهر
الكتاب مثلا أو كون هذا اليوم عيدا فيحرم صومه أو كونه أول الشهر
فيجب صومه أو كون هذا اللحم مذكى مع عدم وجود امارة شرعية
11

كسوق نحوه أو كون هذه الامرأة حائضا أو انقضت عدتها لامن
قولها فإنه معتبر إلى غير ذلك من موارد الظن المخالف للأصل الموجود
فيها فان العبرة بذلك الأصل المخالف لذلك الظن لا به إلا أن يقوم
هناك دليل على اعتبار ذاك الظن كما ثبت في كثير من الموارد كأفعال
الصلاة والقبلة دون الوقت على الأقرب والنسب في وجه للزوم تعطيل
الحقوق لولا كفاية الظن فيه لتعسر العلم بل تعذره فهو شبه الاحكام
الكلية مع فرض انسداد باب العلم فيها إلى غير ذلك مما قام عليه الدليل
ومع فقده فلا وجه لاعتباره نعم ذلك مسلم في الموضوعات الكلية أعني
الموضوعات التي أنيط بها الأحكام الشرعية الكلية كالكعب والمرفق والصعيد
ونحو ذلك من موضوعات الكتاب والسنة عرفية كانت كالقبض والافتراق
والتعريف حولا واليأس بالنسبة إلى مجهول المالك أو غيرها إذ لا إشكال
في اعتبار الظن فيها سواء حصل ذلك الظن بواسطة أقوال أهل اللغبة
وذلك إذا لم يكن للعرف فيه مدخل كلفظ الصعيد أم كان المرجع
فيه إلى العرف كما في الموضوعات المتداولة بين أهل العرف كالقبض
والافتراق ونحوها من الموضوعات العرفية التي هي متعلق للأحكام الكلية
فان المرجع فيها إلى العرف بواسطة التبادر ومن هنا سميت الموضوعات
المستنبطة لاستنباط معانيها بواسطة التبادر حيث تكون تلك الموضوعات متداولة
بين أهل العرف أو من أقوال أهل اللغة حيث لا تكون بينهم متداولة
كلفظ الصعيد وشبهه فهي كالاحكام الشرعية مستنبطة من أدلتها في مقابلة
الموضوعات الصرفة وهى الموضوعات الشخصية الخارجية فان الظن
فيها ليس بمعتبر على الأقرب نعم في الأمور العادية جرت عليه السيرة
والطريقة ولعله لعدم استقامة أمورهم وعدم انتظامها لولاه اما فيما
يعود إلى الأحكام الشرعية بحيث ترتب الآثار وتترك الأصول الموجودة
12

في تلك الموارد لمجرد الظن فلا.
نعم ذاك مسلم مع قيام الدليل عليه كما في المقام لما عرفت من ظهور
التسالم عليه والمفروغية منه مع أن اعتبار العلم في تلك الموارد متعذر فلا بد
من كفاية الظن لتنجز التكليف فيها كما عرفت والله أعلم.
(الفائدة الثالثة):
في ذكر العدد وما يجرى مجراها كلفظ جماعة ورهط وغير واحد
وكثير ما يحتاج إليها فلا بد من معرفتها فاعلم أن كتب أصحابنا رضوان الله
عليهم وان بلغت في الاعتماد والاعتبار ما بلغت الا انها ليست كالكتب
الأربعة فإنها بلغت في ذلك الغاية حتى قيل بان اخبارها قطعية الصدور
لتكثر الامارات والقرائن على ذلك وقد تصدى لجمعها من المتأخرين
الشيخ الحر في آخر وسائله - جزاه الله عن الاسلام وأهله خير جزاء المحسنين -
وقد أتعب نفسه غاية التعب وبذل جهده وغاية مجهوده في ذلك الا ان
الانصاف بعد ملاحظتها والتأمل فيها على كثرتها لا تفيد أزيد من الظن
بالصدور في الجملة كما أوضحناه في رسالة مستقلة فدعوى القطعية
في غير محلها قطعا وكيف كان فهي على وضع مختلف فان السند في (الكافي)
مذكور مع كل رواية وفى (المنتقى) جعل له صورتين فإنه قال فان الشيخ الكليني
يذكر إسناد الحديث بتمامه أو يحيل في أوله على إسناد صحيح سابق قريب
وادعى انه اتفق لبعض الأصحاب توهم الانقطاع في جملة من أسانيد (الكافي)
لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها على طرق سابقة وهى طريقة معروفة
بين القدماء (ثم قال) والعجب أن الشيخ - رحمه الله - ربما غفل عن مراعاتها
فأورد الاسناد من (الكافي) بصورته ووصله بطريقة عن (الكليني) من
غير ذكر الواسطة المتروكة فيصير الاسناد في رواية الشيخ له منقطعا ولكن
مراجعة (الكافي) تفيد وصله، ومنشأ التوهم الذي أشرنا إليه فقد الممارسة
13

المطلعة على تلك الطريقة (انتهى كلامه رفع مقامه) (1) هذا حال (الكافي)
بخلاف (التهذيبين والفقيه) فان السند في (الفقيه) غير مذكور وانما
اقتصر على الراوي الأخير والطريق إليه مذكور في (المشيخة) في الآخر
وفى (التهذيبين) حذف جملة من السند قصدا للاختصار واقتصر على ذكر
الباقي وابتدأ بأوله الحسين بن سعيد أو أحمد بن محمد أو محمد بن
يحيى إلى غير ذلك وحول معرفة الطريق إليه على (المشيخة) فهو لا يعرف
بتمامه الا بمراجعة (المشيخة) وهى مذكورة في الآخر وربما يذكر الاسناد
بتمامه وهو كثير ولكن لا يخفى ان (مشيخة الفقيه) أنفع من مشيخة
(التهذيبين) فان مشيخة الفقيه حاصرة مستغرقة بظاهرها لما رواه في (الفقيه)
حيث عبر فيها بقوله: وما رويته عن فلان أو ما أخبر به فلان فقد رويته
عن فلان أو فقد اخبرني به فلان وهكذا إلى آخرها ولا كذلك
(مشيخة التهذيبين) فان منها ما يقضى الحصر وهو الذي عبر فيه بقوله:
وما ذكرته عن فلان فقد اخبرني به فلان أو رويته عن فلان ومنها
ما لا يقضي بالحصر ولا يفيده وهو كثير، وهو الذي عبر فيه بقوله ومن
جملة ما رويته أو ذكرته عن فلان. ما رويته بالسند الفلاني فان هذا - كما
ترى - لا يفيد الحصر أعني حصر ما رواه عن فلان بهذا السند المذكور
في المشيخة - بل ظاهره ان هناك بعض المرويات عن فلان مروي عنه بغير
هذا الطريق؟؟ والا لم يحسن التعبير بقوله (من جملة) الظاهر في البعض دون
البعض وحينئذ فلم يتبين كون الطريق المذكور في (المشيخة) هو لذلك
البعض المذكور في الكتاب المتضمن لذلك الحكم الخاص حتى يكون نافعا

(1) راجع المنتقى (ج 1 - ص 21 - ص 22) في الفائدة الثالثة من الفوائد
التي صدر بها كتابه.
(المحقق)
14

أو أردنا تصحيح الطريق كما هو واضح وعلى هذا فإذا جهل الطريق
في بعض روايات الشيخ - رحمه الله - لعدم تبينه من (المشيخة) فراجع
فهرسته فإنه متعرض لبيان الطرق والأسانيد إلى الاوصل والكتب التي اخذ
منها الاخبار فان عرف الطريق فذاك والا فقد يعرف بالرجوع إلى
رجاله كما في طريقه إلى هارون بن موسى التلعكبري فإنه - على ما قيل -
غير مذكور في الأسانيد ولا في الفهرست ولكنه في كتاب الرجال قال:
اخبرني عنه جماعة من أصحابنا وقد روى جميع الأصول والمصنفات ومن
الجماعة المفيد والحسين بن عبيد الله الغضائري فالطريق صحيح وان لم يعرف
الطريق بذلك فقد يعرف بالرجوع إلى طريق الصدوق - رحمه الله - لو كان
هذا الخبر المبحوث عن حاله من مروياته فان للشيخ طريقا معروفا إليه
أو بالرجوع إلى طريق (الكافي) لو كان هذا الخبر من جملة مروياته إذ
للشيخ طريق معروف إليه وهكذا غيرهم من أهل الكتب لو كان للشيخ
طريق إليه ومنه يعرف حال غير الشيخ ممن تقدم أو تأخر هذا حال
الكتب الثلاثة - أعني التهذيبين ومن لا يحضره الفقيه - ولا كذلك (الكافي)
للشيخ أبى جعفر محمد بن يعقوب الكليني - قدس سره) فان السند فيه
مذكور مع كل رواية ومن هنا كان أنفع وأسهل لطالب التصحيح ومعرفة
الطريق لكنه - أعلى الله مقامه - كثيرا ما يقول فيه: عدة من أصحابنا
وهو يريد ناسا بأعيانهم فلا بد من معرفتهم لمسيس الحاجة وقد نقل
عنه العلامة في (الخلاصة) وغيره أنه قال: كلما كان في كتابي (الكافي)
عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى وعلي بن
موسى الكمنذاني - بضم الكاف والميم وإسكان النون وفتح المعجمة على ضبط
(الخلاصة) وظاهرها انه لقب لموسى لذكره في ترجمته كغيرها من كتب
الرجال وعلى ضبط الايضاح بالياء بدل النون - وداود بن كورة واحمد
15

ابن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم ثم قال وكلما ذكرته في كتابي
المشار إليه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهم على
ابن إبراهيم وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة وأحمد بن عبد الله عن
أبيه وعلي بن الحسن - قال - وكلما ذكرته في كتابي المشار إليه عدة من
أصحابنا عن سهل بن زياد فهم علي بن محمد بن علان ومحمد بن أبي
عبد الله ومحمد بن الحسن ومحمد بن عقيل الكليني انتهى (1) وحكى في
الوسائل عن (العلامة) هذا التفسير أيضا الا انه ابدل في العدة الأولى على
ابن موسى الكميذاني بمحمد والظاهر أنه وهم أو سهو من قلم الناسخ
لنقل غير واحد عن العلامة كالسيد محسن في رجاله والشيخ أبى على
والذي وجدناه في أصل (الخلاصة) انما هو تفسير العدة الأولى كما ذكرنا
مع أنه - رحمه الله) بعد ما حكى عن العلامة تفسير العدة الأولى كما ذكرنا
وتفسير العدة التي تروى عن أحمد بن محمد بن عيسى نقله النجاشي أيضا
عن الكليني في ترجمته كما مر والذي ذكره النجاشي في ترجمة الكليني
في تفسير العدة الأولى كما ذكرنا فيهم علي بن موسى الكميذاني لا محمد
كما ذكر في وسائله فإنه أعلى الله مقامه - قال في آخر ترجمة الكليني
هكذا: وقال أبو جعفر الكليني كلما كان في كتابي عدة من أصحابنا عن أحمد
بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكميذاني
وداود بن كورة وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم (انتهى) (1)
ولم يذكر في هذه الترجمة الا هذا التفسير لهذه العدة دون غيرها هذا
حال العدة الأولى.

(1) راجع الفائدة الثالثة من الفوائد التي الحقها العلامة الحلي بآخر كتابه
(الخلاصة)
(المحقق)
16

(وأما الثانية) أعنى التي تروى عن البرقي فعلى ما في (الوسائل)
- كما عرفت - والظاهر أن علي بن الحسن المذكور فيها - على ما في
الوسائل ومثله الشيخ أبو علي في رجاله ومثلها عبارة أصل (الخلاصة)
الموجودة عندي - من الغلط، بل هو علي بن الحسين إذ هو
السعدآباذي - بالذال المعجمة على ضبط العلامة الذي هو أحد مشايخ
الكليني الذي يروى عنهم وهو أحد الرواة عن البرقي كما ذكروه وهو
المعدود حديثه من الحسان لكونه من مشايخ الإجازة بل لا يبعد عد
حديثه صحيحا كما قيل واما ما ذكره السيد محسن في رجاله فهم
علي بن إبراهيم وعلي بن محمد بن عبد الله بن أمية وعلي بن محمد
ابن عبد الله بن أذينة وعلي بن الحسين السعد آباذي وكيف كانت
ففي رجال العدتين من به فوق الكفاية كالعطار وابن إدريس وعلي بن
إبراهيم فلا يقدح فيهم من قد يخفى علينا حاله أو من لا نعرفه
مع أن تناول مثل الكليني الذي هو ثقة الاسلام عنهم بل وكثير
شاهد على حسن حالهم إذ ما كان ليتناول عن مجهول فضلا عن ضعيف
كما يشهد له ما ذكر في ترجمته في بيان حاله وحال كتابه وانه صنف في
عشرين سنة مع قرب عهده بل هو في الغيبة الصغرى وفى سنة وفاته
سنة تناثر النجوم سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وقيل ثمان وعشرين، عطر
الله مرقده وطاب ثراه انقطعت السفارة بموت علي بن محمد السمري
ووقعت الغيبة الكبرى، حتى قيل في كتابه حتى قيل في كتابه (الكافي) انه لم يصنف مثله
في الاسلام وانه عرض على القائم - عليه السلام - فاستحسنه ويكفيك
في ذلك مدة تصنيفه مع كونه بين الرواة وأهل الحديث ومشايخ الأئمة
المعاصرين لهم والآخذين منهم، ومع تيسر جل الأصول بل كلها لهم
فما هو ذاك الا لشدة احتياطه في اخذ الرواية لمحاولة الضبط والاتقان
17

والتحاشي عن الرواية عن كل من كان، ولذا وقع من وقع في دعوى
القطعية لاخباره بل تجاوز وتعدى إلى غيره كصاحب (الوسائل) وغيره
لكنه تجاوز في ذلك الحد بل هي دعوى لا تليق من أحد، كما أوضحناه
في محله.
واما العدة الثالثة:
أعني التي تروى عن سهل فالذي وجدناه في أصل (الخلاصة)
وحكاه عنها غير واحد عين ما سمعته في (الوسائل) من دون تفاوت
أصلا، وفيها المشاهير ومن لا يخفى حاله كالصفار الثقة الجليل الذي
هو محمد بن الحسن المذكور فيها - على الظاهر - فان الكليني ممن يروى
عنه ومحمد بن أبي عبد الله هو أبو الحسن محمد بن جعفر بن عون
الأسدي الثقة - على الظاهر - وابن علان من مشايخ الكليني - على الظاهر -
وهو ممن نص على توثيقه، نعم ابن عقيل لا نعرفه بأكثر من تناول
الكليني عنه، وفيه الكفاية مع انا في غنية عنه بمثل الصفار وغيره
وهناك عدة أخرى ذكرها في (الكافي) في كتاب العتق هكذا: عدة
من أصحابنا علي بن إبراهيم ومحمد بن جعفر ومحمد بن يحيى وعلى
ابن عبد الله القمي وأحمد بن عبد الله هو علي بن الحسن - جميعا -
عن أحمد بن محمد بن خالد والظاهر أن المذكورين هم العدة التي تروى
عن ابن خالد، والظاهر أن محمد بن يحيى الموجود فيها هو العطار
فيكون من جملة العدة التي تروى عن البرقي كما أثبته فيها جماعة وفى
جملة من المواضع ذكر العدة عن أحمد بن محمد من دون تقييد بابن عيسى
أو غيره وهناك - عدد أخرى في الكتاب المذكور لم تتبين منها ما ذكره
في باب أرواح المؤمنين وأرواح الكفار وما تأوي إليه هكذا عدة من
أصحابنا عن أحمد بن محمد عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم
18

عن أبيه - جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن ضريس الكناسي
قال: سألت أبا جعفر ان الناس يذكرون (الخ) ومثله في باب: الرجل
يجامع أهله في السفر، العدة عن أحمد بن محمد عن سهل عن أبيه
- على ما في رجال السيد محسن طاب ثراه - وفى باب: نهى المحرم عن
الصيد عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر على ما رجال
السيد محسن (أعلى الله مقامه) بخطه ولكن الموجود عندي في نسخة من
(الكافي) معتبرة جدا وعليها آثار الصحة حقيقة بزيادة (عن) قبل ابن أبي
نصر فيكون أحمد بن محمد المذكور يروى عنه وذكر السيد في
رجاله جملة من العدد مجهولة ففي باب الخمس عدة من أصحابنا عن أحمد
بن محمد بن عيسى بن يزيد وفى باب من لا يجب عليه الافطار
والتقصير عدة عن أبان بن عثمان وفى باب التطوع في وقت الفريضة
عدة عن أبي جعفر عليه السلام - وفى مقام آخر عدة عن علي بن
أسباط وفى باب أول ما خلق الله من الأرض الكعبة عدة عن أبي
حمزة الثمالي وفى النوادر من كتاب الجنايز في حديث اسراج الصادق
- عليه السلام - في البيت الذي مات فيه أبو جعفر - عليه السلام - عدة
عن أبي عبد الله عليه السلام وفى باب ان الأئمة يعلنون ما كان
وما يكون عدة عن أبي عبد الله عليه السلام ولعل من هذه العدد
والتي قبلها عبد الاعلى وأبا عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي كما
قبل - ومن جملة العدد المجهول ما ذكروه في وسط السند في الكتاب المذكور
في باب من اضطر إلى الخمر للدواء من كتاب الأشربة حيث قال
بعد ذكر جملة من الروايات عن الكليني ثم قال وعن علي بن
محمد بن بندار عن علي بن أحمد بن أبي عبد الله عن عدة من
أصحابنا على اختلاف النسخة عن علي بن أسباط،
19

عن علي بن جعفر عن أخيه أبى الحسن - ثم قال - سألته عن الكحل يعجن
بالنبيذ أيصلح ذلك قال: لا.
هذا في عدد الكتاب المذكور أعني (الكافي) وللشيخ الطوسي أيضا
عدد وجماعات فسر بعضها ولم يفسر بعضا في (التهذيبين) وغيرهما فمما
فسر ما ذكروه في (الفهرست) في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي -
بعد تعداد كتبه - قال: أخبرنا بهذه الكتب كلها وبجميع رواياته عدة
من أصحابنا منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان
وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون، وغيرهم ويريد
بالأول الشيخ المفيد، وبالثاني ابن الغضائري ومما لم يفسره ما ذكروه في
(التهذيب) في باب كفارة وطء الحائض حيث قال - بعد ذكر خبر
محمد بن مسلم المتضمن للتصدق بدينار وانه يستغفر الله، وبعد حمله على
الوطء في أول الحيض الا ترى إلى ما أخبرنا به جماعة عن أبي محمد
هارون بن موسى (الخ) ومنه ما ذكره في باب سؤر مالا يؤكل لحمه.
من (الاستبصار) قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن عدة من
أصحابنا عن محمد بن يعقوب ولكن نقل السيد محسن في رجاله عن
صاحب (المجمع) وغيره بان المراد بها أبو غالب الزراري وابن قولويه
والتلعكبري، والصيمري والشيباني ثم قال وكلهم معتمد بل
منصوص على توثيقه عدا الأخير (قلت) وفى باب الحج من الاستبصار
في بيان معنى الاستطاعة هكذا اخبرني الحسين بن عبيد الله عن عدة
من أصحابنا عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد
ابن محمد بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي
قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (الخ)
والظاهر من هذه العدة ما حكى عن صاحب (المجمع) واستظهره بعض
20

أجلاء العصر - على ما قيل - ويشهد له ما ذكره الشيخ (ره) في الفهرست
في ترجمة محمد بن يعقوب عند ذكر الطرق إليه - حيث قال: أخبرنا
بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد
عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عنه. وأخبرنا به الشيخ الحسين
ابن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتبه من (الكافي) عن جماعة، منهم
أبو غالب أحمد بن محمد الزراري وأبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه
وأبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبى رافع وأبو محمد
هارون بن موسى التلعكبري وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب
الشيباني كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني فان الظاهر أن العدة التي
يروى عنها الحسين بن عبيد الله هم هؤلاء.
(ومنه) ما ذكره في التهذيب في باب الحمام هكذا: محمد بن
علي بن محبوب عن عدة من أصحابنا عن محمد بن عبد الحميد (الخ)
وفى باب اللباس والمكان: محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد
عن عدة من أصحابنا عن علي بن أسباط وقال السيد محسن: وله عدة
عن موسى بن جعفر وفى باب صلاة الكسوف من التهذيب في أثنائها -
الحسين بن سعيد عن ابن عمير عن عمر بن أذينة عن رهط
عن كليهما - قال - ومنهم من رواه عن أحدهما ثم ذكر الحديث على
طوله - ثم قال - والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد، ومحمد
ابن مسلم إلى غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع من لفظ العدة والرهط
والجماعة وغير واحد، هذا حال الشيخين أعني الكليني والطوسي في
كتبهم.
واما الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه - فلم يتعارف منه ذكر العدة
في كتابه (الفقيه) ولكن لا يبعد ما ذكره السيد محسن من أنه ربما قال:
21

في عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله - عليه السلام - ولم يبين في
- المشيخة) طريقه إلى العدة ولا اعرب عنها وكان غرضه من ذلك
انما هو الإشارة إلى الكثرة لا جماعة معينة والله أعلم.
(الفائدة الرابعة):
اعلم أنه لا يعتبر في حجية الخبر وجوده في أحد الكتب الأربعة
كما قد يقال بل قيل - بل المدار على جمعه للشرائط أينما وجد كما
صرح به غير واحد بل في (الفصول): وطريقة الأصحاب جارية على
العمل بها وبغيرها كما يظهر بتصفح كتبهم وأوضح منه وأصرح
في دعوى الاجماع من الأصحاب على عدم الاقتصار على الكتب الأربعة
ما صرح به (بحر العلوم) في فوائده الأصولية حيث قال: " خلو الكتب
الأربعة عن رواية لا ينفى حجيتها إذ ليس من شرائط حجية الخبر
وجوده في هذه الأربعة كيف وقصر الحجية على ما فيها من الاخبار
يقتضى سقوط ما عداها من كتب الحديث عن درجة الاعتبار مع أن
كثيرا منها يقرب من هذه الأربعة في الاشتهار ولا يقصر عنها بكثير
من الظهور والانتشار كالعيون والخصال والاكمال من مصنفات الصدوق
وغيرها من الكتب المعروفة المشهورة الظاهرة النسبة إلى مؤلفيها الثقات
الأجلة وعلماء الطائفة ووجوه الفرقة لم يزالوا في جميع الأعصار والامصار
يستندون إليها ويفرعون عليها فيما تضمنته من الاخبار والآثار المروية عن
الأئمة الاطهار - عليهم السلام - ولم يسمع من أحد منهم الاقتصار على
الكتب الأربعة ولا انكار الحديث لكونه من غيرها ثم اخذ في الاعتذار
عن اقبال الفقهاء على تلك الأربعة وانكبابهم عليها بأنه " ليس لعدم
اعتبار غيرها عندهم بل لما في الأربعة من المزية الظاهرة والفضيلة الواضحة
التي اختصت بها من بين الكتب المصنفة بهذا المعنى فإنها - مع جودة
22

ترتيبها وحسن تهذيبها وكون مؤلفيها رؤساء الشيعة وشيوخ الطائفة
أجمع كتب الحديث واشملها لما يناسب انظار الفقهاء من أحاديث للفروع
وما عدا (الكافي) منها مقصور على روايات الاحكام موضوع
لخصوص ما يتعلق بالحلال والحرام وسائر كتب الحديث وان اشتملت
على كثير من الاخبار المتعلقة بهذا الغرض الا ان وضعها لغيره اقتضى
تفرق ذلك فيها وشتاته في أبوابها وفصولها على وجه يصعب الوصول إليه
ويعسر الإحاطة به فلذلك قلت رغبة من يطلب الفقه فيها وفتر عنها
عزيمة من يرغب إلى هذا النوع وانصرفت همم الأكثرين إلى الكتب
الأربعة " (إلى آخر ما قال أعلى الله مقامه) وحينئذ فإذا كانت للكتب
الأربعة مزية على غيرها فقد تطهر فائدتها في مواضع التراجيح واما
قصر الحجية عليها فلا لعموم الأدلة الدالة على حجية الخبر فإذا جمع
شرائط القبول كان حجة سواء وجد في الكتب الأربعة أم لم يوجد
نعم يعتبر كونه موجودا في كتاب معلوم النسبة إلى مؤلفه مأمونا من
الدس والتغيير والتبديل مصححا على صاحبه معتنى به بين العلماء
وشيوخ الطائفة لا مرغوبا عنه وساقطا من أعينهم فان ذلك من أعظم
الوهن فيه وكما لا يعتبر في حجية الخبر وجوده أحد الكتب الأربعة
فكذا لا يكفي في حجيته مجرد وجوده في الكتب الأربعة ما لم يشتمل على
شرائط القبول والمستفاد من مجموع الأدلة (كما حررناه في محله)
ما يقول الشيخ الطوسي - رحمه الله) من كفاية كون الراوي ثقة بمعنى
كونه متحرزا عن الكذب فلا تعتبر العدالة بالمعنى الأخص نعم يعتبر
الضبط لعدم حصول الوثوق بدونه فإذا لم يكن الراوي ثقة بهذا المعنى
لم يكن خبره حجة نعم لو كان له جابر فالظاهر حجيته هذا حال
المسانيد واما المراسيل فغير مقبولة أصلا ومطلقا ما لم يكن هناك جابر
23

أو كان المرسل من أهل الاجماع أعني ممن أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنه وهم الستة المعروفون الأواسط والأواخر فان ذلك كاف
إذ اخبارهم لا تقصر عن الصحاح بل قد تقدم على كثير منها كما
لا يخفى على المتتبع الخبير بحالهم وما ذكر في شأنهم ومن ذلك يظهر
حال المضمرات وانها غير معتبرة أصلا الا أن تكون من أهل
الاجماع على التصحيح واما غيرهم فلا حتى لو كانت من أهل الاجماع
على التصديق وهم الستة الأولون المعروفون الذين منهم زرارة ومحمد
ابن مسلم، نعم لو علم كون الاضمار من جهة التقطيع للخبر بان عرف
من الخارج ان للراوي مسائل عديدة ذكر في أولها الامام المسؤول بشخصه
ثم جاء بالضمير موضع الظاهر في الباقي كما هو المناسب كعلى بن جعفر
في رسالته الطويلة التي سأل بها أخاه موسى الكاظم عليه السلام - فقال
في مقدمها سألت اخى موسى - ثم قال - وسألته، وسألته (الخ) فلا
يكفي مجرد احتماله وحينئذ فلا ترد المضمرات مطلقا ولا تقبل كذلك
بل الامر فيها يدور مدار الامارات والقرائن التي بها يتميز الاتصال
بالمعصوم وعدمه وعلى هذا يحمل ما حكاه في (الوسائل) عن (المنتقى)
وهو كما حكاه من غير زيادة في لفظه ولا نقصان كما يعرف ذلك من
راجع أصل (المنتقى) لكنه يدعى كون القرائن تشهد في أكثر المواضع
بعود الضمير إلى المعصوم - عليه السلام - وهى دعوى لا تصح الا من
مثله لكثرة اطلاعه وزيادة تبحره واحاطته لا سيما في خصوص هذا الفن
والحاصل فحال المضمرات حال المراسيل في توقف الاعتبار والقبول
في موارد الشك على الجبر بل لعلها أضعف من المراسيل في ذلك إذ النسبة
24

في المراسيل إلى الإمام عليه السلام - متحققة غاية الأمر ضعفها لعدم
ثبوتها وحينئذ فينفعها الجبر ولا كذلك المضمرات وشبهها كالمقطوعة
لعدم تحقق النسبة أصلا فالجبر لها غير نافع فهي ساقطة عن درجة
الاعتبار حتى في السنن لو قلنا فيها بالتسامح على وجه يثبت الاستحباب
الشرعي كما هو المشهور لتوقفه على البلوغ كما نطقت به اخباره وهو
لا يصدق الا مع تحقق النسبة وأن تكون بطريق معتبر واما مع القطع
والإضمار فلا إذ لعل ما انتهى إليه وقصده الراوي غير الإمام (ع)
ولذا لا نقول بالتسامح بفتوى الأثر فضلا عن فتوى الفقيه وان قال به
بعض لكنه خطأ جزما نعم لو بنينا مسألة التسامح على الاحتياط اتجه
ذلك لكنه ليس من الاستحباب الذي هو حكم شرعي كما هو رأى
المشهور على الظاهر والله أعلم.
(الفائدة الخامسة):
اختلف المحدثون والأصوليون في جواز العمل بالوجادة بمجردها
فجوزه قوم ومنعه آخرون والأقرب جوازه لعموم أدلة حجية الخبر
السالم عن المعارض أصلا وان أبيت عن صدق الخبر على الوجادة
بدعوى ان الخبر هو القول وليس القول الا اللفظ وليس شئ من الوجادة
بلفظ وانما هي نقوش ورسوم ففي السيرة والطريقة بين الناس
في كل عصر وزمان غنى عن كلفة إقامة البرهان على الصدق وأوسعية
مدلول الخبر والمراد منه في أدلة حجيته من ذلك ولو بالقرائن الدالة على
هذا المراد أو بالتسامح العرفي المبنى عليه تلك الأدلة وذلك فانا نرى
التسالم من كافة الناس على اعتبار النقوش والكتابة والاعتماد عليها مع الوثوق
بها والامن من عروض التغيير والتزوير لها من دون تأمل من أحد
25

ولا مناقش أصلا وكلية بل نراهم يعملون بها ويرتبون الآثار عليها
ويلومون من لم يأخذ بها ولم يجر على هذا المنوال فيها وعلى هذا جرت
السيرة والطريقة في عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والأئمة
- عليهم السلام - مع اطلاعهم على ذلك واقرارهم بل وفعلهم هم
في أنفسهم وجريهم على ذلك فترى الامام - عليه السلام - يكتب إليه
الراوي بما يريد ويكتب إليه الامام بجوابه حتى عد العلماء المكاتبة قسما
من الخبر وعلى ذلك طريقة الناس وسيرتهم مستمرة في سائر الأعصار
والامصار فإنهم يتوصلون إلى أغراضهم بالكتابات كما يتوصلون إليها
بالألفاظ والخطابات الشفاهية من بعضهم لبعض من غير فرق أصلا ولولا
ذلك ما انتفع الناس من العلماء وغيرهم بجميع الكتب المدونة في جميع
الفنون والعلوم بل تكون عاطلة باطلة بل وما كان القرآن حجة عليهم
وفى ذلك ابطال الدين والمذهب بل وسائر الأديان والمذاهب والحاصل
فالاجماع بل الضرورة على اعتبار النقوش والاعتماد على ظاهرها ولكن
مع الامن من التزوير والوثوق بها كما هو جارى العادة بين الناس وكافة
العقلاء كالاجماع والضرورة القائمين على اعتبار ظواهر الألفاظ والخطابات
الشفاهية وفى هذا غنى وكفاية بل فوق الكفاية مضافا إلى الأحاديث
الكثيرة الدالة على أمر الأئمة - عليهم السلام - أصحابهم بكتابة ما يسمعونه
منهم وتآليفه وجمعه قائلين بأنه سيأتي على الناس زمان لا يأنسون إلا
بكتبهم بل وأمروا بالعمل بتلك الكتب كما في الخبر الذي رواه
الشيخ - رحمه الله - في كتاب الغيبة عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ
أبى القاسم الحسين بن روح وفيه بعدما سئل الشيخ عن كتب الشلمغاني:
أقول فيها ما قال العسكري - عليه السلام - في كتب بنى فضال حيث
قالوا ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملأى قال: " خذوا ما رووا وذروا
26

ما رأوا " وحينئذ فيجوز العمل بالوجادة وان لم تنضم إليها إجازة ولا
غيرها من طرق التحمل للرواية نعم بالإجازة المحافظة على اتصال
السند والخروج عن حد الارسال للتيمن ولعل من هذا الباب إجازات
أصحابنا المتأخرين عن المشايخ الثلاثة لكتبهم المعروفة كالكافي والفقيه
والتهذيبين والله أعلم.
(الفائدة السادسة):
فيما يكتفى به في الجرح والتعديل والكلام يقع في مقامات ثلاثة.
(الأول) في اعتبار التعدد وعدمه وقد اختلف العلماء في ذلك
بعد اتفاقهم على اشتراط الاثنين في تزكية الشهود فالأكثرون وفيهم
الشيخ والعلامة وسائر المتأخرين على الاكتفاء بالواحد في تزكية الرواة
بل هو المشهور المعروف بين الأصحاب قديما وحديثا بل ادعى (الوحيد
البهبهاني) ان الفقهاء أطبقوا طرا وكلا على كفاية الواحد الا المحقق
وصاحب المعالم بل المحقق في علمه على وفق الفقهاء وهو كما ترى
اجماع ووفاق فلا يعبأ بخلاف من شذ ولهم على ذلك وجوه من الأدلة
(أقولها) عموم الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد فإنها متناولة
باطلاقها وعمومها لما تعلق بالأحكام الكلية أو الجزئية أو الموضوعات التي
منها التعديل والجرح بل يظهر من جملة من الاخبار ان اعتبار خبر
الثقة كان في الصدر الأول أمرا مفروغا منه مطلقا كما يفصح عنه
سؤال بعض الرواة عن وثاقة بعض الأصحاب كيونس بن عبد الرحمن
حيث قال له: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم دين؟ فإنه
ظاهر بل صريح في أن امتناعه من الاخذ منه إنما هو من جهة عدم
احراز الوثاقة ولو أحرز الوثاقة له لم يكن له توقف في الاخذ منه
27

أصلا وكما يقضى به أيضا التعليل في جملة من الاخبار بأنه الثقة المأمون
فاسمع له وأطع كما في خبر العمرى وابنه بل في السيرة بين الناس على
التعويل على قول الثقة واخباراته غنى عن إقامة الدليل بل بناء العقلاء
على ذلك في كل عصر بل قبول قوله في غير الاحكام الكلية التي
لا اشكال فيها أولي وأولى من قبول قوله فيها كما صرح به جملة منهم
كالسيد محسن في رجاله والوحيد البهبهاني في حاشيته على المعالم حيث
قال ما حاصله ان الاحكام مع ما فيها من الخطر والضرر لما ورد فيها
من الكفر والظلم والفسق فيمن لم يحكم بما انزل الله وقال تعالى بالنسبة
إلى أعز خلقه إليه (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن)
الآية مضافا إلى ما ورد من أن المفتى على شفير السعير وان اجراكم
على الفتيا أجرأكم على الله إلى غير ذلك من التحذيرات الهائلة الشديدة
غاية المبالغة مع ما فيه من قتل الأنفس والتفريق بين الزوجين واخذ المال
ممن في يده واعطائه الغير إلى غير ذلك من المفاسد الواضحة الفاضحة
الكثيرة ولذا تحاشى ابن طاووس عن الدخل فيه ومع هذا كله يكفي
خبر الواحد العدل بلا تأمل ويقال: ان عدالته اجرت جميع ما ذكر
من الضرر والخطر فكيف لا يكفي اخباره بعدالة الراوي (انتهى ما افاده
أعلى الله مقامه) وهو في غاية الجودة وكيف لا وهو الأهل والمحل
(قلت) ولو لم تسلم الأولوية القطعية أو الظنية اللفظية التي هي مفهوم
الأولوية كآية التأفيف فلا أقل من الحكم بالمساواة لعدم الفرق بين القسمين
(ودعوى) ان العدالة لما كانت من الأمور الخفية والملكات الباطنة
لم يكن العلم بها ابتداء ودفعة ميسورا بل لابد من الممارسة والمصاحبة
لصاحبها كثيرا مع أنها من الأمور المختلف فيها وفيما ينافيها ويوجبها
جدا فلذلك عظم اهتمام الشرع بها ولم يقبل قول من لا خبرة له بها
28

واما الجرح فلما كان موجبا لتفسيق العباد وفضيحتهم والتجنب لهم
والتباعد عنهم المنافى لشرع أصل الصحة في الافعال والأقوال ابتغاء للستر
عليهم مهما أمكن كان ذلك مقتضيا لشرع عدم قبول قول الواحد
دفعة وأولا بل لا بد من التأني حتى ينكشف ما هناك ويتبين الامر كل
ذلك محافظة على ذلك الغرض وتلك الحكمة الباعثة لشرع أصل الصحة
ولا كذلك الاحكام واخبار الرواة عن الأئمة الاطهار - عليهم السلام -
فإنها منتهية إلى الحس والسماع منهم بانقول وشبهه وليس في ذلك
خفاء ولا في نقله مفسدة فكان الفرق بذلك تاما بينا (مدفوعة)
بانا لا نقبل في العدالة كائنا من كان بل لا بد من الخبير العارف بها
وبما يوجبها وما ينافيها اما بتقليد أو اجتهاد وكونها من الأمور الخفية
والأشياء الباطنة مسلم ولكن لها اثار حسية تشهد لها كالشجاعة والكرم
ونحوهما من الملكات المكشوف عنها بالآثار الظاهرة البينة والا لم تقبل
الشهادة بها ولا الاخبار عنها أصلا وكلية وانما قبلت بواسطة اثارها
المحسوسة الظاهرة فلا فرق بينها وبين غيرها مما هو محسوس ابتداء مع أن
هذا موجب للتفصيل في الموضوعات وهو خلاف المعهود الذي هو
التفصيل بين الاحكام والموضوعات اما بين الموضوعات فلا واما
حديث التفسيق للعباد فلو كان هذا مانعا من القبول لم يشرع أصل قبول
الجرح في الشهادات ولا في الرواة وفى ذلك ابطال للدين وتضييع للحقوق
إذ قد يكون المدعى عليه عالما بفسق الشهود وله على ذلك شهود فلو لم
ينفتح باب قبول الجرح لضاع حقه ولذا نقول بوجوب إجابة الحاكم
لو طلب المدعى عليه الجرح للبينة التي أقيمت عليه وليس له الحكم حتى
يأتي بالجارح ثم ينظر وهكذا في الرواة لكثرة الكذابة والدس في الاخبار
ومن ذلك جاء الغش في الروايات والأحاديث ولذا أحدث العلامة
29

وشيخه السيد ابن طاووس الاصطلاح الجديد في تقسيم الاخبار إلى الأقسام الأربعة
ولذا نقول بوجوب البحث عن الجرح وعدم كفاية الاطلاع
على التعديل للعلم الاجمالي بوجود الجارح بل وكثرته جدا فلا بد من
الخروج عنه بالبحث إلى الحد المعتبر وهو الظن بعدمه كغيره من معارضات
الأدلة كالخاص بالنسبة إلى العام والمقيد بالنسبة إلى المطلق إلى غير
ذلك من المعارضات التي لا بد من البحث عنها حتى يحرز عدمها بالعلم أو
ما قام مقامه إذ هي منافيات للعمل بتلك المقتضيات فليس للمكلف
الغض عنها وبعد العثور عليها لا بد من اتباعها والعمل بها والحاصل
فكون الجرح موجبا للتفسيق ليس مانعا من قبوله كلية بل لا بد من
قبوله بل لا بد من البحث عنه كما عرفت وهذا مما لا اشكال فيه
وانما كلامنا في قبول الواحد فيه وفى دعوى الفرق بينه وبين الاحكام
وقد عرفت انه لا فرق وان احتمال المفسدة منتف بل قد يقال بوجود
المصلحة في شرع القبول من الواحد إذ في قبول قول العادل به ردع لأهل
الفساد فكان ذلك مقتضيا لشرع القبول وليس الغرض من القبول هو
التفسيق وانما الغرض استعلام الواقع ومعرفة ما في نفس الامر من حق
للناس أو حكم لله والحاصل فدعوى الفرق خلية عن الشاهد مع أن
في عموم الأدلة كفاية وغنية إذ هو حجة شرعية لا يجوز الخروج عنها
الا بدليل وحينئذ (فالقول) بان اشتراط العدالة في الراوي يقتضى
اعتبار حصول العلم بها وظاهر ان تزكية الواحد لا تفيده بمجرده والاكتفاء
بالعدلين مع عدم افادتهما العلم انما هو لقيامهما مقامه شرعا فلا يقاس عليه
كما في المنتقى (كما ترى) لما عرفت من قيام الدليل في الواحد أيضا وهو
عموم الأدلة فليس هو من القياس (ودعوى) انها شهادة فلابد فيها
من التعدد كما عليه المحقق وصاحب المعالم مستدلين بذلك وحينئذ فلا يتناوله
30

عموم أدلة خبر الواحد القاضي بكفاية الواحد (واضحة الفساد) لمنع كونها
شهادة وانما هي كسائر الاخبار كما تخبر عن قيام زيد ونوم عمرو واحسان
هذا وإساءة ذاك واخبار المقلد مثله بفتوى المجتهد واخبار أجير الحج
وايقاعه واعلام المأموم الامام بوقوع ما شك فيه واخبار العدل العارف
بالقبلة لجاهل العلامات إلى غير ذلك من الاخبار التي اكتفوا فيها
بخبر الواحد.
هذا أولا واما ثانيا فقد يقال كما في مشرق الشمسين لشيخنا
البهائي - بمنع كلية الكبرى، والسند قبول شهادة الواحد في بعض
الموارد عند بعض علمائنا بل شهادة المراة الواحدة في بعض الأوقات
عند أكثرهم (1) لكنه كما ترى إذ بعد تسليم كونها شهادة فلابد من
التعدد لما دل على اعتباره فيها من اجماع على الظاهر واستقراء وخبر
مصدقة الموثق وغيره والوجه منع الصغرى وانها ليست شهادة نعم
تزكية الشهود وجرحهم شهادة والفرق ان الشهادة وإن كانت اخبارا
أيضا الا انه قد اخذ في مفهومها أن يكون انشاء الاخبار بين يدي الحاكم
عند التخاصم وبالجملة ان يخبر بخبر لاحد الخصمين أو عليه لدى المخاصمة
والاستشهاد حتى إذا قال: قد رأيت اليوم زيدا يقتل عمرا أو يقذفه أو
يعطيه كذا كان ذلك اخبارا فإذا تنازعا ودعى للاخبار بما اطلع
عليه منهما فأخبر كانت شهادة ولما كانت تزكية الشهود وجرحهم انما
هو عند الاستشهاد كانت منه شهادة بخلاف تزكية الرواة وجرحهم فإنه
الخبر المحض كما تخبر بما عثرت عليه من حسن أو قبيح هكذا ذكر السيد

(1) راجع: مشرق الشمسين (ص 6) طبع إيران سنة 1319 ه‍
31

في رجاله (1) وظاهره الاختصاص في موارد التخاصم لكن الظاهر عدمه
بل يجرى في كل ما يراد اثبات حكومة الحاكم لترتيب اثارها وان لم تكن
هناك خصومة كالهلال وشبهه وحينئذ فنقول ان اقصى ما دل عليه
الدليل من اجماع أو غيره انما هو اشتراط التعدد في الشهادة المحقق كونها
شهادة لا كل اخبار كان والظاهر أن المرجع فيه انما هو العرف كغيره
من الألفاظ التي لم يثبت لها حقيقة شرعية ولا مراد شرعي وحينئذ فما
عدوه شهادة فاللازم فيه التعدد وما لم يعد أو شك فيه كان داخلا في
العموم القاضي بكفاية الواحد وما نحن فيه من هذا الباب وحينئذ
فيبقى على الأصل والعموم القاضي بصحة التعويل فيه على العدل الواحد
(والقول) بان كل خبر شهادة ولكن خص ما فيه زيادة تحقيق وتدقيق
للنظر باسم الشهادة ولما كان الله لطيفا بعباده حكم في حقوقهم بشاهدين
فصاعدا واكتفى في حقوقه واحكامه بالرواية فضلا منه تعالى كما عن
بعض الفضلاء (كما ترى) في غاية السقوط لوضوح منافاته للعرف واللغة
إذ ليس للخبر والشهادة معنى شرعي ولا لهما عرف خاص وانما
المرجع فيهما إلى العرف العام ومن الواضح البين انه لا يصدق على
قول القائل: قام زيد ونام عمرو ومات بكر وفعل فلان كذا
إلى غير ذلك أنه شهادة ولا أحد يدعيه وقد يفرق بينهما كما عن
قواعد الشهيد رحمه الله بعد ان شركهما في نوع الخبر القطعي
بان الخبر عنه إن كان عاما لا يختص بمعين فهو الرواية وان اختص
بمعين فهو الشهادة (ثم قال): ويقع اللبس بينهما في مواضع وعد
حملة منها كالهلال وغيره (إلى أن قال) واما قبول قول الواحد في الهدية
(1) يعنى السيد محسن الأعرجي في كتابه (عدة الرجال)
32

وفى الاذن في دخول الدار ونحو ذلك فليس لكونه من باب الرواية لأنه
خاص بل للقرينة المفيدة للقطع ولذا يقبل وإن كان صبيا (ثم قال)
ولو قيل بان هذه الأمور قسم ثالث خارج عن الشهادة والرواية كان
قويا وليس اخبارا ولهذا لا يسمى الأمين المخبر عن فعله لا شاهدا
ولا راويا مع قبول قوله وحده: هذا مذكى أو ميتة لما في يده وقول
الوكيل: بعت أو انا وكيل أو هذا ملكي (انتهى) (1) وفيه
مواقع للنظر سيما ما قواه أخيرا من احتمال كون تلك الأمور التي ذكرها
من قول الواحد في الهدية وفى الاذن في دخول الدار ونحو ذلك قسما
ثالثا خارجا عن الشهادة والرواية وليس اخبارا.
(الثاني) من الوجوه على كفاية الواحد في تزكية الراوي ان التعديل
شرط في قبول الرواية وقول الواحد مقبول فيها والا لزم زيادة الشرط
على مشروطه هكذا استدلوا لكنه غير تام في نفسه وإن كان المدعى
حقا إذ لا دليل على عدم زيادة الشرط على مشروطه لا عقلا ولا نقلا كما
صرح به في (المنتقى) (2) بل المدار في ذلك على الدليل فالمتبع هو
كيف كان (ودعوى) عدم وجود شرط زائد على مشروطه في الأحكام الشرعية
كما قيل (في محل المنع) فان زيادة الشرط على المشروط في
الأحكام الشرعية بناء على الاخذ بخبر الواحد - أكثر من أن يحصى
وذلك كاحكام النكاح والطلاق والبيع والصلح والإجارة وغيرها الثابتة
باخبار الآحاد مع أن جريانها في الجزئيات الخارجية كهذا النكاح

(1) راجع قواعد الشهيد الأول الفائدة التي ذكرها ضمن القاعدة ال‍ (85)
ص 109 طبع إيران سنة 1308 ه‍
(2) راجع (ص 15) من المنتقى من الفائدة الثانية من الفوائد التي ذكرها
في مقدمته.
33

وذلك البيع مثلا مشروط بوقوع تلك الجزئيات في الخارج ومن المعلوم
انه لا يجزى في دعوى الوقوع الذي هو الشرط الا شهادة العدلين وقد
أجزا في الأصل الذي هو ثبوت الحكم رواية الواحد فقد زاد الشرط على
أصله وقد يجاب عنه بان هذا ليس مما زاد فيه الشرط على المشروط
فان الذي اكتفى فيه برواية الواحد انما هو أصل الحكم والذي يفتقر
إلى الشاهدين انما هو وقوع تلك الأمور الجزئية في الخارج وثبوت أصل
الحكم غير مشروط بوقوع تلك الجزئيات في الخارج بل الحكم ثابت وقع
في الخارج شئ أم لم يقع نعم جريان تلك الأحكام في الأمور الخارجية
مشروط بوقوعها وتحققها في الخارج وذلك بعد ثبوت أصل الحكم من
البديهيات وهذا بخلاف ما نحن فيه بناء على اعتبار التعدد في التعديل
فان أصل الحكم الثابت بخبر الواحد مشروط بتعديله ولا بد في تعديله
من اثنين فيزيد الشرط على المشروط.
نعم المناسب في التمثيل له ما ذهب إليه بعضهم من الاكتفاء في شهادة
هلال شهر رمضان بواحد مع أن تعديله لا يتم الا باثنين الا انه
كما ترى مبنى على قول متروك ومثله اخبار العدل عن نفسه ببلوغه درجة
الفتوى عند من يكتفى باخباره فان شرط قبوله عدالته ولا يكتفى
فيها بشهادة الواحد فإنه مبنى أيضا على قول ضعيف نعم يتجه ذلك
في اخبار العدل عن فتوى المفتى فان الظاهر عدم التأمل في كفاية الواحد
فيه وعدم قبول تعديل الواحد له وكذا اخبار الأجير بقيامه بالعبادة
المستأجر عليها فإنه يكتفى بخبره مع عدالته ولا تثبت عدالته بشهادة
الواحد إلى غير ذلك ثم سلمنا القول بعدم زيادة الشرط على المشروط
فقد يقال كما في (المعالم) بعدم الزيادة في المقام إذ الشرط في المقام هو
العدالة لا التعديل نعم هو أحد الطرق إلى المعرفة بالشرط هكذا أجاب
34

لكنه كما ترى إذ هو أيضا من الزيادة ولا يخرج عنها غاية الأمر
ان العدالة المطلقة شرط لقبول الخبر المطلق إذ هو المورد للأدلة القاضية
بذلك ولما كانت الكليات غير نافعة بنفسها ما لم تتشخص في الخارج
وتنطبق على مصاديقها الخارجية إذ هو المثمر في الإطاعة والعصيان
فلا بد من تحقق ذلك الشرط لمشروطه في الخارج فلا يقبل خبر زيد
الا بعد ثبوت عدالته فإذا عد له المعدل وكان عدلا فقد أخبر بحصول
الشرط فاما ان نقول: بكفاية الواحد في ثبوت الشرط الذي هو العدالة
الشخصية للمخبر الخاص كزيد مثلا واما لا فان قلنا كما هو المشهور -
ثبت المطلوب والا زاد الشرط الخاص الذي هو العدالة الشخصية على
مشروطه الخاص الذي هو قبول خبر زيد أو عمرو مثلا فهو أيضا من
الزيادة وليس بخارج عنها كما عرفت وحاصله ان هناك أمرين.
(الأول) شرط كلي لمشروطه الكلى، وهو العدالة المطلقة لقبول
الخبر المطلق.
(الثاني) شرط شخصي لمشروطه وهو العدالة الشخصية
في الخبر الشخصي كخبر زيد مثلا وهذا واضح جدا فالجواب بهذا
كما وقع في (المعالم) ساقط جدا ثم أجاب أعلى الله مقامه فيها
وفى (المنتقى) أيضا بان زيادة الشرط بهذا المعنى على مشروطه بهذه
الزيادة المخصوصة أظهر في الأحكام الشرعية عند من يعمل بخبر الواحد
من أن يبين إذ أكثر شروطها تفتقر المعرفة بحصولها على بعض الوجوه
إلى شهادة الشاهدين والمشروط يكفي فيه الواحد (1) والظاهر أن مراده
ما أفاد تعليله الأخير وهو الذي ذكره في (الفصول) فإنه بعد ذكر
هذا الجواب - قال: " يعنى ان العامل بخبر الواحد يعول عليه في أصل

(1) راجع: المنتقى (ص 15).
35

الاحكام ولا يعول في مواردها غالبا على خبر الواحد فإنه يكتفى في الحكم
بصحة عقد أو ايقاع مثلا بخبر الواحد ولا يكتفى في وقوع ذلك
العقد أو الايقاع بشهادة الواحد انتهى وأنت خبير بان هذا خارج
عن المقام وليس من زيادة الشرط على مشروطه كما عرفت فيما تقدم
فان وقوع ذلك العقد أو الايقاع في الخارج بحيث يكون مشخصا حتى
ترتب عليه الآثار الشرعية ليس شرطا في الحكم بصحة مطلق العقد أو الايقاع
الذي قد اكتفى فيه بخبر الواحد حتى يكون من باب زيادة الشرط على
المشروط حيث إنه يكتفى في ثبوت الحكم بصحة العقد بخبر الواحد
ولا يكتفى به في شرطه الذي هو وقوع ذلك العقد وتحققه في الخارج
بل لا بد فيه من التعدد فهو أجنبي في الحقيقة فهذا الجواب منه
كسابقه ساقط أيضا كالذي حكاه أعلى الله مقامه عن بعض معاصريه في
توجيه هذا الوجه: بأنه ليس في الأحكام الشرعية شرط يزيد على مشروطه
وهذا كما ترى مرجعه إلى الاستقراء وهو غير نافع ما لم يكن استقراء تاما
يفيد قاعدة كلية واصلا عاما بحيث يرجع إليه وهو إلى هذا الحد
مما لا دليل عليه بل هو كما قال أعلى الله مقامه فإنه بعد ما ذكر
هذا التوجيه عن بعض معاصريه وتعجبه منه قال: هذا والذي يقتضيه
الاعتبار ان التمسك في هذا الحكم بنفي زيادة الشرط يناسب طريق أهل
القياس فكأنه وقع في كلامهم وتبعهم عليه من غير تأمل من ينكر العمل
بالقياس ومثله في الضعف والسقوط التوجيه بطريق الأولوية وانه إذا قبل
خبر الواحد في المشروط فقبوله في الشرط أولي وأولى لما عرفت
من بطلان القول بعدم زيادة الشرط على مشروطه من أصله لعدم الدليل
عليه فكيف دعوى الأولوية فيه مع أن المعتبر عندنا انما هو مفهوم
الأولوية المندرج تحت الظواهر كالمفهوم من قوله: " ولا تقل لهما اف "
36

بالنسبة إلى الضرب لا قياسها فإنه القياس المحظور الا أن يكون المناظ
منقحا وليس على أن الأولوية هاهنا في حيز المنع كيف والعدالة
لكونها من الأمور الباطنة الخفية مما يعسر الوصول إليها بطريق الاختبار
خصوصا مع شيوع الفسق في الناس فكان الحاصل بالاخبار بها ليس
بذاك الظن لقوة احتمال الخطا بخلاف الرواية إذ ليس فيها الا السماع
فلا غرو ان شرط هناك اثنان واكتفى هاهنا بواحد (وقد يقال) بأنهم
لم يريدوا بدعوى عدم زيادة الشرط على المشروط عدم امكان ذلك عقلا
فان العقل لا يأبى ان يحكم الشارع بوجوب قبول خبر الواحد إذا عدله
اثنان أو أكثر ولا عدم وقوعه شرعا ليكون اثباتا للحكم بطريق السير
بل المراد ان الشارع إذا لم يبين لنا حكم الشرط وكان قد بين حكم
المشروط فليس علينا ان نحتاط في الشرط زيادة على ما احتيط في المشروط
بل قصاراه ان نحتاط فيه كما احتيط في أصله إذ لو استحق الزيادة
لكان الشارع أولي بمراعاتها والتنبيه عليها لكنك خبير بان هذا ونحوه
لا يكفي في استعلام الاحكام وكيف يجوز تأسيس الأحكام الشرعية
وبناؤها على أمثال هذه الاعتبارات نعم إذا فرق الشارع بين أمرين صح
لنا بيان سر ذلك الحكم بأمثال هذه الوجوه لا ان نستقل باثباته فهذا التوجيه
كما ترى نعم قد يقال في توجيهه كما عن بعض أفاضل المتأخرين -
بان الغرض والمراد ان الظاهر من الاكتفاء في المشروط بخبر الواحد الاكتفاء به
في شرطه أيضا وهو متجه لما عرفت من عموم الأدلة الدالة على حجية
خبر الواحد فإنها بظاهرها متناولة للمقام فالمراد من الظهور المدعى
ما يستفاد من عموم تلك الأدلة واطلاقها فإنها قاضية باعتبار خبر الواحد
العدل مطلقا من غير فرق بين الاحكام والموضوعات التي منها محل الكلام
فهذه الدعوى في محلها (فما في الفصول) من الاشكال فيه قائلا: بان
37

الظهور المدعى إن كان بالنسبة إلى الخطاب الذي دل على حجية خبر الواحد
في الاحكام فممنوع (ممنوع) بل هو متجه بالبيان الذي ذكرنا وحاصله
ان ما دل على حجية خبر الواحد لا يختص بالأحكام بل هو عام يتناول
المقام لظهور تلك الأدلة في اعتبار خبر العادل مطلقا وفى السيرة غنى
عن دعوى الظهور كما حررناه في محله.
(الوجه الثالث) من الوجوه التي استدل بها المشهور على كفاية
الواحد ان اعتبار العلم بالعدالة متعذر غالبا فلا يناط التكليف به بل
بالظن وهو يحصل من تزكية الواحد وأجاب عنه في (المنتقى) بما
حاصله ان دعوى تعذر العلم - فضلا عما قام مقامه وهو البينة في محل
المنع بل هو أمر ممكن بالنسبة إلى عدالة كثير من الماضين بل وبآراء
كثير من المزكين بالنسبة إلى ما تحقق به العدال وتثبت لو كان المانع
عدم احراز رأى الشاهد فيها ولو سلم التعذر غالبا فالعمل بالظن الحاصل
من تزكية الواحد - لو سلم حصوله منها مشروط بانتفاء ما هو أقوى منه
ولا ريب ان الظن الحاصل من خبر الواحد الذي استفيدت عدالته من
تزكية الواحد قد يكون أضعف مما يحصل من أصالة البراءة أو عموم
الكتاب فلا يتم لهم اطلاق القول بحجية خبر الواحد والخروج به عن أصالة
البراءة وعمومات الكتاب انتهى ما أجاب به (1) ملخصا (وفيه)
ان دعوى عدم تعذر العلم غالبا مما يكذبه الوجدان سيما في أمثال أزمنتنا
هذه التي منها زمن المدعى كدعوى عدم حصول الظن من تزكية الواحد
الذي ادعاه صريحا ومثلهما دعوى كون اللازم بعد التعذر انما هو الظن
الأقوى وهو الحاصل من تزكية الاثنين لفقد الدليل على التعيين بعد
التعذر إذ الغرض التوسعة على المكلف بعد التعذر، والتعيين مناف
(المحقق)

(1) راجع: المنتقى (ص 19 - ص 20)
38

للغرض الذي هو أحد المرجحات للقول بكفاية الواحد مع أن مانع
التعذر الذي أسقط اعتبار العلم قائم في اعتبار الاثنين كما لا يخفى على أن
الأقوى من الظنون لا ما يزله ولا ضابطة حتى يرجع إليه إذ كل ظن
فوقه ظن إلى أن ينتهى إلى العلم فاما ان يتعين خصوص العلم وقد
عرفت تعذره واما ان تقول بكفاية مطلق الظن ولو الحاصل من تزكية
الواحد واما خصوص الحاصل من الاثنين فلا وجه له إذ ليس هو
الأقوى بل الحاصل من الأكثر منه أقوى وهكذا فأي معين له دون
غيره نعم قد يقال بتعيين ما يحصل به الاطمئنان وهذا ميزان وضابطة
لكنه لا قائل به في باب التزكية كما ستعرف ثم جعله أصالة البراءة من
امارات الظن كعمومات الكتاب مما لا وجه له أصلا إذ هو من الأمور
التعبدية البحتة التي اعتبارها غير منوط بالظن ومما ذكرنا ظهر وجاهة
القول بكفاية الواحد وضعف القول باعتبار التعدد والظاهر بل
لا ينبغي التأمل فيه - انه يكفي في الجرح والتعديل رواية العدل ذلك من
غيره معصوما كان أو غيره ولا يشترط انشاء العدل ذلك دون نقله
كما هو المعروف بين الأصحاب بل المسلم على الظاهر بناء على المشهور
من كفاية الواحد لكونه من الخبر لعدم الفرق بعد عموم الأدلة فما
عن صاحب (المنتقى) من اشتراط انشاء العدل ذلك تفريعا على قبول
تزكية الواحد في غاية الضعف والسقوط نعم هنا مسالة أخرى عامة
البلوى بل هي المبتلى بها في الحقيقة ولكن لم أجد من تصدى لها وتعرض
ممن تقدم وتأخر - فيما اعلم - وهى ان مسالة التزكية والخلاف فيها بقبول
الواحد وعدمه بل لا بد من التعدد لكونها من باب الشهادة أو كفاية
الواحد لكونها من الخبر كما يرى المشهور انما يتجه بالنسبة إلى التزكية
السمعية وهى نادرة الوجود بل هي عديمة فان ما يوجد من التزكية
39

والمتداول بين العلماء متقدميهم ومتأخريهم انما هو التزكية النقشية والرسمية
أعني الموجودة في كتب الرجال وليست هي من قسم الشهادة ولا من
قسم الخبر لوضوح انهما من مقولة الألفاظ وليس شئ من تلك النقوش
بداخل تحت الألفاظ جزما وحينئذ فهذا الخلاف لا ثمرة فيه فيما هو محل
للابتلاء بل هي مسالة فرضية علمية صرف لا ثمرة لها في مقام العمل
للابتلاء بل هي مسالة فرضية علمية صرف لا ثمرة لها في مقام العمل
وحينئذ فالمتجه ان يقال: إن التزكية المتداولة بين علماء الرجال متقدميهم
ومتأخريهم لا من باب الشهادة ولا من باب الخبر وانما هي من باب الظنون
الاجتهادية كما عليه جماعة ولعل النزاع بين القوم لفظي فمن قال بالظنون
فمراده بالنسبة إلى التزكية المتداولة ومن قال باعتبار التعدد أو كفاية
الواحد فإنما غرضه بالنسبة إلى التزكية السمعية الا انه كما ترى مخالفته
للظاهر ان محل النزاع بينهم متحد مع أن حمل المشهور
القائلين بكفاية الواحد على إرادة التزكية السمعية مع عدم وجودها مما
لا وجه له أصلا اللهم الا ان يقال بان ما دل على اعتبار الخبر أو الشهادة
دال على الأعم فيشمل الرسوم والنقوش كما يشهد له اطلاق الشهادة على
هذه الرسمية من بعضهم كالعلامة في الخلاصة) في بعض الموارد
وصاحب المعالم في (المنتقى) وغيرهما الا انهما كما ترى إذ لا عبرة
بالتسامح مع عدم الصدق الحقيقي بحيث يعد خبرا واقعا أو شهادة حقيقية.
(ودعوى) العموم فيما دل على اعتبار الخبر بحيث يشمل النقوش فتكون
أحد الافراد الحقيقية بحيث يعد خبرا واقعا أو شهادة حقيقية
(ودعوى) العموم فيما دل على اعتبار الخبر بحيث يشمل النقوش فتكون
أحد الافراد الحقيقية بحيث تكون نسبة الخبر أو الشهادة في تلك الأدلة
على الجميع على حد سواء (في محل المنع (ولكن لا يخفى ان هذا موجب
40

لعدم الاعتبار بكتب الحديث أصلا، وهو خلاف الضرورة وليس
اعتبارها الا لعدهم لها من الاخبار، ويؤيده عدهم المكاتبة من قسم الخبر
والسيرة دالة على ذلك فتراهم يقولون جاء في اليوم من فلان خط أو
مكتوب يخبر فيه بكذا وكذا والكاتب في المكتوب يقول للمكتوب إليه
أخبرك بكذا وكذا وعلى ذلك الطريقة بين الناس وفى الاخبار ما يدل
على ذلك كالذي رواه الشيخ في كتاب الغيبة الذي فيه أقول فيها ما
قال العسكري عليه السلام - في كتب بنى فضال خذوا ما رووا وذروا
ما رأوا فأطلق عليها الرواية فقال خذوا ما رووا وليست الرواية
الا الخبر فكأن الخبر عرفا أوسع من اللفظ وان اختص به لغة على
الظاهر كما يظهر من تعريفه بأنه قول يحتمل الصدق والكذب وليس
القول الا اللفظ (هذا) مع أن كتب الحديث بل وغيرها بواسطة لحوق
الإجازة لها تكون من قسم الخبر أو في حكمه ويؤيد ذلك ان المشهور
بل الكل الا الشاذ كالمرتضى ومن تبعه القائلين باعتبار خبر الواحد
على اختلاف مذاهبهم في تعيين ما هو الحجة من كونه خصوص الصحيح
على اصطلاح المتأخرين أو بإضافة غيره من الأقسام الأربعة كلا أو بعضا
أو مطلق الصحيح القدمائي الذي هو المظنون والموثوق بصدوره انما
يريدون هذه الأخبار التي بأيدينا أعني التي تضمنتها الكتب الأربعة دون
غيرها أو بإضافة غيرها من الكتب التي عليها المعول واليها المرجع عند
هذا القائل كصاحب الوسائل وصاحب البحار وغيرهما ممن عاصرهم
وتقدم عليهم كالشيخ الطوسي ومعاصريه فان ديدنهم كالمتأخرين الاخذ
من هذه الكتب التي بأيدينا التي هي مقبولة عندهم معول
عليها فيما بينهم واما لعدالة أهلها أو لوثاقتهم ولو بالمعنى الأعم المتناول
للفرق المنحرفة كالواقفية والفطحية وأمثالهم ممن كان فاسدا في المذهب
41

لكنه ثقة في دينه كما صرح به الشيخ - رحمه الله - وادعى الاجماع على
اعتبار تلك الأخبار بل وصرح هو وغيره على اعتبار جملة من الكتب
وجملة من الأصول من غير فرق بين كونها من أهل الاستقامة أو الانحراف
في الدين لكنهم معول عليهم في رواياتهم واخبارهم كأصل إسحاق بن عمار
الساباطي واصل حفص بن غياث القاضي وكتاب علي بن عبيد الله
الحلبي وكتاب طلحة بن زيد قالوا وإن كان عامي المذهب وكتاب
عمار بن موسى الساباطي وكتب ابن سعيد الثلاثين ونوادر علي بن
النعمان وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي قالوا وان رمى بالغلو
وكتاب أحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خانبة وكتاب صدقة
ابن بندار إلى غير ذلك وهو باب يطول ذكره والغرض انما هو
بيان ان الأدلة التي أقاموا على اعتبار اخبار الآحاد انما هي هذه الموجودة
في الكتب التي بأيدينا وما كانوا ليقيموها على اعتبار الاخبار السمعية أعني
التي سمعها الراوي من الامام من غير واسطة أخرى إذ لا وجود لها
الا في الصدر الأول أعني المعاصر للإمام عليه السلام وكذا لو تعددت
الوسائط بطريق السماع إذ هي أقل قليل سيما في اعصارنا هذه
وما ضاهاها بل لا وجود لها بحيث تكون رواية كلها من هذا الباب بل
وملفقة منها ومن طريق الإجازة أيضا قليلة مع أنها على هذا التقدير
ليست كل رواية من تلك الروايات هي من قسم الخبر بمعنى اللفظ والقول
وانما هي نقوش أجيزت سيما لو تعلقت الإجازة بمجموع الكتاب الذي
أجيزت روايته عن صاحبه مع عدم السماع له من صاحبه رواية رواية
بل ولا القراءة عليه وانما هو مجرد الإجازة لروايته مع أن الظاهر
- كما صرح به غير واحد - ان الإجازة ليست شرطا وانما يقصد بها
التيمن والتبرك باتصال السند باهل العصمة - عليهم السلام - حتى تخرج
42

بذلك الاخبار عن حد المراسيل وتكون في قسم المسانيد والا فيجوز
الاخذ من الكتاب لأجل الرواية بل والعمل به لو كان معلوم النسبة
إلى صاحبه معولا عليه معتمدا مصححا وان لم يكن بطريق الإجازة ولا
غيرها من سائر طرق التحمل كالمناولة وشبهها، كالكتب الأربعة وغيرها
ولعلل طريقة أهل عصرنا اليوم وشبهه على ذلك سيما والمجيز في هذه الأزمان
قليل جدا أو لا وجود له أصلا وحينئذ فالخبر الذي أقيمت عليه الأدلة
من أي الأقسام كان هو الموجود في هذه الكتب التي بأيدينا اليوم
من الكتب الأربعة وغيرها فلا يقدح احتمال السقط في طريقه أو الزيادة
فيه وهكذا في المتن لكفاية النسخة المصححة التي يعتمد عليها العقلاء
وتطمئن بها نفوسهم كغيرها من سائر مكاتباتهم ومراسلاتهم التي استمرت
واستقرت عليها طرائقهم في جميع الأعصار والامصار من قديم الزمان
إلى يومنا والى آخر الأبد من دون نكير فيهم ولا متأمل فيما بينهم
من شفيع ووضيع ورئيس ومرؤوس وآمر ومأمور وعلى هذا طريقة أئمتنا
وأصحابهم فعلا منهم واقرار لغيرهم فان الراوي يكتب للامام
- عليه السلام - بما يريد من حكم وغيره والامام يجيبه على ذلك وعلى
هذا دأبهم وديدنهم كغيرهم من سائر الأعصار والامصار ولا فرق في
ذلك بين اتحاد الواسطة وتعددها وقصر الزمان وطوله كالاخبار بالنسبة
إلينا اليوم لبناء العقلاء في الجميع على عدم السقط وعدم التغيير والتبديل
في الطريق والمتن لبنائهم على الأصل في ذلك ولكن بعد البحث
في ذلك إلى حد يحصل لهم الاطمئنان بالأمن من ذلك فهناك يعملون
وعلى تلك النسخة المصححة عندهم يعولون وحينئذ فعلى هذا فالتعديلات
الموجودة في كتب الرجال مقبولة معتبرة عند المشهور على حسب
ما يرون من أنها من الخبر وهكذا على القول بأنها من باب الشهادة فتحتاج
43

إلى التعدد وكذا على القول بالظنون فلا تحتاج إلى العدالة أصلا ولو
بالمعنى الأعم وحينئذ فيكون هذا القسم من الخبر - أعني الذي قام الدليل
على اعتباره - عند هذا المجتهد من الظن الخاص لقيام الدليل الخاص
عليه الذي هو السيرة والطريقة القطعية مضافا إلى الأدلة التي أقاموها
على اعتباره من كتاب وسنة واجماع وعقل حتى السيرة والطريقة التي
أقاموها هناك إذ تلك على اعتبار الاخبار السمعية التي هي المتعارفة
في الاخبارات وهذه على اعتبار الاخبار الموجودة في الكتب التي بأيدينا
التي ليست اليوم بسمعية وانما هي من قسم النقوش ولكن السيرة والطريقة
على اعتبارها أيضا والا لبطلت الكتب من كل فن وبطل الكتاب
العزيز وسائر الكتب والصحف وفى ذلك ابطال للدين والمذهب بل
وسائر الأديان والمذاهب وحينئذ فبعد فتح هذا القسم من الظن الخاص
لا حاجة إلى القول بالظن المطلق لانتفاء بعض مقدماته التي هي انسداد
باب العلم القطعي والظن الخاص في أغلب الاحكام لانفتاح باب الظن
الخاص كما عرفت وهو مقدار كاف إذ لا يلزم من الاقتصار عليه
- مضافا إلى الطرق العلمية خروج عن الدين وعن الشرع المبين
بحيث لو أجرينا الأصول فيما عداهما ينكر علينا كل من رآنا واطلع علينا
من المتدينين بهذا الدين حتى يكون ذلك موجبا لفتح باب الظن فإنه
إحدى المقدمات لفتحه كما ذكروه وبقى موارد لتمييز المشتركات فان
الامارات التي ذكرها أهل هذا الفن لا تقيد الا الظن وإقامة الدليل
على اعتباره بالخصوص لعله صعب (وقد يقال) كما هو الظاهر):
بقيام الاجماع عليه.
(وفيه) انه قدر مشترك بين كونه من - ألة باب الانسداد
أو بالخصوص ولكن يهون الخطب قلة تلك الموارد - وهي التي لا يحصل
44

منها الا الظن ولم يكن ذلك الحكم المخالف للأصل الذي تضمنه ذلك الخبر
الواقع في طريقه ذلك الاشتراك معلوما من طريق آخر وحينئذ فان أمكن
اجراء الأصل فيها فذاك وان لم يكن لاجماع وشبهه عولنا على ذلك الظن
لذلك الاجماع وليس ذلك من باب الانسداد المعروف إذ لا بد فيه
من انسداد باب العلم في الأغلب من الاحكام وهو منتف في الفرض إذ
المنسد فيه انما هو القليل ولا يتعين الاحتياط في تلك الموارد أعني التي
حصل فيها اشتراك الراوي الذي لا تمييز له الا بالأمارات الظنية اخذا
بالمتيقن في البراءة وان جاز لفرض الاجماع على اعتبار ذلك الظن فيعول
عليه ويؤخذ بذلك الخبر وإن كان مقتضاه مخالفا للأصل وللاحتياط
كما لو كان مؤداه تعيين أحد المشتبهين ومقتضى الاحتياط الجمع بينهما
تركا أو فعلا كالقصر والاتمام مثلا ومقتضى الأصل طرحهما معا
والرجوع إلى البراءة من تعيين أحدهما فيعود إلى التخيير بعد بطلان
طرحهما معا بالضرورة فيكون كمواطن التخيير بين القصر والاتمام فإنه
مع مجئ الدليل الشرعي به للأخبار المستفيضة جدا الدالة عليه المعمول
عليها عند المشهور هو مقتضى الأصل وكذا لو اشتبهت القبلة بين
الجهات الأربع أو أقل فان مقتضى الاحتياط الجمع ومقتضى الأصل
التخيير (والحاصل) فنحن في تلك المواضع التي انتفى فيها القطع واليقين
بثبوت التكليف ولا ظن قام الدليل على اعتباره فيها بالخصوص نرجع
إلى الأصول النافية للتكليف لو كان ذلك المورد من موارد احتماله
أو النافية للآثار كأصل العدم لو كان المورد من المعاملات التي يشك
في ترتيب الآثار فيها كالمعاطاة الواقعة بين اثنين لو شك في فسادها وليس
في ذلك خروج عن الدين ولا اجماع يمنعه (ودعوى) ان ذلك مناف للعلم
الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات وتكاليف واقعية كثيرة فان الرجوع
45

إلى الأصول موجب لالغاء ذلك العلم الاجمالي ومؤد إلى ابطاله وحينئذ
فلا يجوز الرجوع إلى الأصول لأدائها إلى ابطال التكاليف الكثيرة المقطوع
بها فلا بد من اعمال الظن في مواردها تحصيلا لامتثالها ولولا العسر
والحرج لكان اللازم هو الاحتياط تحصيلا للبراءة اليقينية (مدفوعة) بأنه
لا علم بتحقق التكليف وتنجزه فعلا في تلك الموارد حتى يتعين الرجوع
فيها إلى الظن وحينئذ فلا مانع من الرجوع فيها إلى الأصول والعمل
بمقتضاها لا من اجماع ولا من غيره بل العقل حاكم بجوازه وبالامن
من العقوبة من المولى على ترك امتثال تلك التكاليف لو اتفق ثبوتها
في الواقع لحكمه القطعي بأنه لا تكليف الا بعد البيان والفرض انتفاؤه
وحينئذ فلا علم بثبوت التكليف لا اجمالا ولا تفصيلا بل نعلم بعدم
التكليف أصلا وكلية وهذا وجه وجيه كما نبه عليه بعض المحققين وأهل
التدقيق كالآغا جمال الدين في حاشيته وإن كان حكمه بالرجوع إلى البراءة
على ظاهره لا نرتضيه فإنه حكم بالرجوع إليها مع فرض انسداد باب
العلم في أغلب الاحكام حيث قال: (يرد على الدليل المذكور - يعنى
دليل الانسداد - ان انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية غالبا لا يوجب
جواز العمل بالظن حتى يتجه ما ذكروه لجواز ان لا يجوز العمل بالظن
فكل حكم حصل العلم به من ضرورة أو اجماع نحكم به وما لم يحصل
العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة لا لكونها مفيدة للظن ولا للاجماع على
وجوب التمسك بها بل لان العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلا
بالعلم به أو بظن يقوم على اعتباره دليل يفيد العلم ففيما انتفى الأمران
فيه يحكم العقل ببراءة الذمة عنه وعدم جواز العقاب على تركه لا لان
الأصل المذكور يفيد ظنا بمقتضاها حتى يعارض بالظن الحاصل من اخبار
الآحاد بخلافها بل لما ذكرنا من حكم العقل بعدم لزوم شئ علينا ما
46

لم يحصل العلم لنا ولا يكفي الظن به ويؤكده ما ورد من النهى عن اتباع
الظن وعلى هذا ففيما لم يحصل العلم به على أحد الوجهين وكان لنا
مندوحة عنه كغسل الجمعة فالخطب سهل إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى
الأصل المذكور واما فيما لم يكن مندوحة عنه كالجهر بالتسمية والاخفات
بها في الصلاة الاخفاتية التي قال بوجوب كل منهما قوم ولا يمكن لنا ترك
التسمية فلا محيص لنا عن الاتيان بأحدهما فنحكم بالتخيير فيها لثبوت
أصل وجوب التسمية وعدم ثبوت وجوب الجهر أو الاخفات فلا حرج
لنا في شئ منهما وعلى هذا فلا يتم الدليل المذكور لأنا لا نعمل
بالظن أصلا) انتهى كلامه: رفع مقامه وهو في غاية الجودة غير أنه
ظاهر بل صريح في جواز الرجوع إلى الأصل على فرض انسداد باب
العلم في الأغلب من الاحكام لكنه على هذا الفرض ممنوع أشد المنع
إذ مع أنه مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها في لسان جمع
من الأعيان بالخروج عن الدين بمعنى ان المقتصر على التدين بالمعلومات التارك
للأحكام المجهولة جاعلا لها كالمعدومة يكاد يعد خارجا عن الدين لقلة
المعلومات التي اخذ بها وكثرة المجهولات التي اعرض عنها وهذا أمر
يقطع ببطلانه كل أحد بعد الالتفات إلى كثرة المجهولات كما يقطع
ببطلان الرجوع إلى نفى الحكم وعدم الالتزام بحكم أصلا لو فرض
- والعياذ بالله - انسداد باب العلم والظن الخاص في جميع الأحكام
وانطماس هذا المقدار القليل من الاحكام المعلومة فيكشف بطلان الرجوع
إلى البراءة عن وجوب التعرض لامتثال تلك المجهولات ولو على غير وجه
العلم أو الظن الخاص لا أن يكون العلم والظن الخاص منشأ للحكم بارتفاع
التكليف بالمجهولات كما توهمه بعض ويقضى به كلام هذا المحقق، نعم
هذا انما يستقيم في احكام قليلة لم يوجد عليها دليل علمي أو ظني معتبر
47

كما هو دأب المجتهدين بعد تحصيل الأدلة والامارات المعتبرة في أغلب
الاحكام اما إذا صار معظم الفقه أو كله مجهولا فلا يجوز ان يسلك فيه
هذا النهج والحاصل فبعد فرض انسداد باب العلم والظن الخاص
في أغلب الاحكام ومعظمها لا وجه للقول بالرجوع إلى أصل البراءة واصل
العدم أصلا وكلية، ونحن وان كنا قد خرجنا عما نحن فيه وما نحن
بصدده لكن لا بأس به إذ قد يذكر الشئ بالشئ لأدنى تعلق وربط
سيما في مثل هذه المسألة فإنها من العمد والمهمات فلاحظ وتأمل ثم
اعلم أن القائلين بكفاية الواحد كما هو المشهور والقائلين باعتبار التعدد
- كما عليه المحقق وصاحب المعالم والقائلين بالظنون الاجتهادية ليس
غرضهم الاكتفاء بذلك والعمل به بمجرده كما عساه يتوهم من ظاهرهم
بل المراد ان هذا كاف في مقام المقتضى كغيره من المقتضيات كالعموم
والاطلاق واما مقام العمل فلا بد فيه من النظر إلى الجرح والبحث عن
المعارض كالخاص بالنسبة إلى العام والمقيد بالنسبة إلى المطلق وهكذا
الجرح بالنسبة إلى التعديل فإنه أحد المعارضات فكما ان البحث
عن الدليل لازم فكذا البحث عن معارضه أيضا لازم فكما لا يجوز الاخذ
بالعمومات والاطلاقات الا بعد البحث عن المخصصات والمقيدات فكذا
لا يجوز الاخذ بالتعديلات بمجرد العثور عليها الا بعد سلامتها عن الجرح
الموقوف على البحث لكثرة الجرح في الرواة جدا ككثرة التخصيصات
في العمومات حتى قيل: " ما من عام الا وقد خص " فلا بد من البحث
لحرمة العمل بالظن مطلقا الا ما خرج بالدليل وليس الا ما كان بعد
البحث وهكذا في التعديل بالنسبة إلى الجرح بل في كل دليل بالنسبة
إلى معارضه وليس لتلك الأدلة اطلاق أو عموم من هذه الجهة أعني
من جهة المعارض بحيث تنذر بواسطته في ترك البحث والفحص عن
48

المعارض بل هي من هذه الجهة تشبه بالقضايا المهملة غير متصدية لذلك
بل هي عنه ساكتة، والظاهر بل المقطوع به - ان هذا من المسلمات
بينهم فالعجب مما ذكره السيد محسن أعلى الله مقامه - في رجاله حيث
قال: وهل يكفي التعديل في الحكم بالعدالة أم يجب الفحص عن الجارح
كما في العام لا يؤخذ به الا بعد الفحص عن المخصص؟ وقع في كلام
صاحب (المعالم) ما يدل على وجوب الفحص، (قال) والتمسك
في نفيه بالأصل غير متوجه بعد العلم بوقوع الاختلاف في شأن كثير
من الرواة وبالجملة فلابد للمجتهد من البحث عن كل ما يحتمل أن يكون
له معارض حتى يغلب على ظنه انتفاؤه.
(قلت) هذا وإن كان لا يعرف لغيره الا انه ليس بالبعيد الا ان
الوجه ان يخص ذلك بما إذا كان مظنة اختلاف دون ما لم يكن فان
الاختلاف في الرواة لم يبلغ في الكثرة إلى حيث يكون عدمه مرجوحيا
ليكون التعويل على التعديل من دون بحث تعويلا على المرجوح كما قلنا
في العام (انتهى) وهو كما ترى في غاية الضعف والسقوط لما عرفت
من أصالة حرمة العمل بالظن الا ما خرج وليس الا ما كان بعد البحث
من غير فرق بين العمومات والتعديلات، مع أن العلم الاجمالي بوجود
المخصصات المانع من العمل بالعمومات ابتداء وقبل البحث عن المخصصات
بعينه موجود بالنسبة إلى التعديلات للعلم الاجمالي أيضا عن المخصصات
بعينه موجود بالنسبة إلى التعدلات للعلم الاجمالي أيضا بكثرة الجرح
في الرواة كما لا يخفى على الخبير وحينئذ فليكن مانعا كما كان هناك مانعا
وكما أن العمل بالعمومات من دون بحث عن معارضها تعويل على المرجوح
ممنوع منه كما اعترف به فكذا العمل بالتعديلات من دون بحث
عن الجرح تعويل على المرجوح أيضا فلا وجه للفرق والحاصل فالمقتضى
لوجوب البحث مشترك بين الجميع والمانع من العمل قبل البحث أيضا
49

مشترك بين الجميع فأي وجه للفرق (وقوله): وإن كان هذا لا يعرف
لغيره - يعنى صاحب المعالم - (كما ترى) بل هو مسلم عند الجميع
في جميع الأدلة فلا وجه للفرق مع أن تصريحهم في باب العمومات
وحكمهم فيها بعدم الجواز الا بعد البحث وإقامة الدليل بل الأدلة
عليه - يغنى عن التعرض لغيره مما شاركه كالمقام لاتحاد المقتضى والمانع
في الجميع نعم تزكية الشهود للحاكم بمجرد قيام البينة العادلة عليها وكذا
المخبر عن رأى المجتهد لمقلديه لا يعتبر في العمل بقوله البحث والفحص
عن جارحه بعد قيام البينة على عدالته بل وكذا في مقام الترافع بقطع
الخصومة فان للحاكم ان يقضى بمجرد قيام البينة العادلة على عدالة الشهود
ولا يتوقف على البحث والفحص عن الجارح مطلقا أعني وان لم يطلب
ذلك المدعى عليه لعموم أدلة حجية البينة وأدلة حجية خبر العادل السالم
عن المعارض نعم لو طلب المدعى عليه الجرح فليس للحاكم الامتناع لان
ذلك حق له فلا بد من الإجابة ولا لضاع حقه اما مع التفاته وتنبهه
لذلك وعدم طلبه فليس على الحاكم البحث بل له الحكم والقضاء ابتداء
وهكذا الشهادة للتقليد أو للائتمام بالرجل في الصلاة فان العمل بمجردها
جايز ولا يتوقف على البحث عن الجارح اخذا بعموم الأدلة وشيوع
الفسق في الناس غير قادح وغير مانع من الحكم حتى يحتاج إلى البحث
بل لعله غير راجح لعموم المنع عن التجسس والاطلاع على معائب الناس
مع حصول الطريق إلى اثبات الحقوق وامتثال أوامر الله المناسب للستر
عليهم والعلم الاجمالي بفسق الكثير غير مانع لاتساع الدائرة جدا فكان
ضعيفا عند العقلاء وغير معتنى به عندهم كما في الشبهة غير المحصورة
بل هو منها ولا كذلك حال الرواة لعموم البلوى والبلية باخبارهم
50

مع كثرة الجرح فيهم من علمائنا المتصدين له والدائرة ليست بتلك الوسعة
بل هي ضيقة كالشبهة المحصورة بل هي منها إذ المكلفون به
من الاخبار والرواة مضبوط محصور فالعلم الاجمالي بكثرة الجرح والجارح
مانع للاعتناء به عند العقلاء لضيق الدائرة فلا بد من البحث حتى يستعلم
أو يظن به خروج ذلك الطرف المبتلى به عن تلك الأطراف كما هو
الشأن في الشبهة المحصورة ولعل نظر السيد قدس سره كان مصروفا
إلى ما ذكرنا من حكم الحاكم في الهلال وشبهه فحسب عدم الفرق بينه
وبين المقام لكنه كما ترى لوضوح الفرق بين المقامين كما لا يخفى بأدنى نظر
هذا لو كان المعدل معروفا باسمه ويمكن استعلام حاله بالرجوع
إلى ما ذكر فيه من مدح أو قدح اما لو كان المعدل مجهولا وغير معروف
فالذي يظهر عدم القبول أيضا لعدم حصول الشرط الذي هو العدالة
بعد عدم احراز سلامة التعديل المفروض من المانع الذي هو الجرح المعلوم
كثرته في الرواة المفروض كونه مانعا وفرض تعذر الاطلاع عليه للجهالة
لا يقضى بانتفائه وحصول السلامة منه فيكون الشرط حاصلا فيتعين
القبول واحتمال عدم الشرطية في صورة التعذر مما لا وجه له إذ ما دل
على الشرطية يقضى باعتبار سلامة التعديل من الجرح في الواقع وهذا
جار في الصورتين ولا اختصاص له بصورة امكان الاطلاع على الجرح
(فما في الفصول) من قبول التعديل وكفايته في صورة التعذر (في محل
المنع) إذ لو كان تعذر الاطلاع للجهالة بالمعدل كافيا في جواز قبول
التعديل لكان كافيا في القبول مع تعيين المعدل وتعذر الاطلاع لفقد
الأسباب والكتب المتصدية لذكر أحواله وهو ضروري البطلان إذ هو
في الحقيقة كمن تعذر عليه الاجتهاد واستفراغ الوسع لفقد الأسباب والكتب
التي هي آلة في الاجتهاد في الاحكام فان أحدا لا يدعى بل لا يحتمل
51

جواز عمله مع هذا التعذر بالعمومات والاطلاقات وبالأصول العملية بمجرد
ذلك فما ذكره في (الفصول) في غاية الضعف والسقوط ومثله
ما عن (المحقق) من جواز التعويل على قول المعدل لو قال: حدثني
عدل أو العدلان بناء على اعتبار التعدد كما هو رأيه سيما على ظاهره
من جواز ذلك حتى مع امكان الاستعلام وأوضح منه في البطلان ما حكى
عنه من القبول والاكتفاء بقول العدل اخبرني بعض أصحابنا وعنى
الامامية مع اشتراطه العدالة في الراوي لعدم انحصار الامامية في العدول
والله أعلم.
(المقام الثاني) في قبول الجرح والتعديل مجردين عن ذكر السبب
وقد اختلف الناس فيه فذهب قوم إلى القبول مطلقا وآخرون إلى عدم
القبول مطلقا وفصل ثالث فقبله في الجرح دون التعديل ورابع فعكس
وذكر (السيد محسن في رجاله) ان هذا الخلاف في المخالفين وفى (القوانين)
وهذه الأقوال الأربعة للعامة وفى (المعالم) - بعد ذكرها - قال: ولا اعلم
في الأصحاب قائلا بشئ منها ثم حكى بعد ذلك عن والده الشهيد الثاني
- رحمه الله - القول بالاكتفاء بالاطلاق فيهما حيث يعلم عدم المخالفة فيما به
يتحقق العدالة والجرح ومع انتفاء ذلك يكون القبول موقوفا على ذكر
السبب، (وقال) وهذا هو الأقوى ووجهه ظاهر لا يحتاج إلى البيان
(انتهى) ولا يخفى ان هذا راجع إلى القول الثاني أعني عدم القبول مطلقا
إذ الاطلاق انما هو بالنسبة إلى التفصيل بين الجرح والتعديل لا بالنسبة
إلى صورة العلم بعدم المخالفة وعدمه إذ لا قائل بعدم القبول حتى
مع العلم بعدم المخالفة فيما به تتحقق العدالة والجرح وحينئذ فلا يتم
ما ذكروه من اختصاص هذه الأقوال بالمخالفين وكيف كان فالأقرب
هو القول بالقبول مطلقا (لنا على ذلك) عموم الأدلة الدالة على حجية
52

خبر العادل والأدلة الدالة على اعتبار الشهادة لقضائها بلزوم حمل ذلك
الخبر أو الشهادة على الواقع وترتيب آثار الواقع عليه وكون المخبر به
أو المشهود به مختلفا فيه ولم يعلم ما أراد الشاهد أو المخبر غير قادح بعد
لزوم الحمل على المعنى الواقعي وهو غير متعدد ولو كان الاختلاف
مانعا من القبول حتى يفصل لم تقبل الاخبار ولا الشهادات في غير الوفاقيات
أصلا وكلية ولا يلتزم به أحد والسيرة القطعية على خلافه وهذا
كأفعال المسلمين اللازم بمقتضى الأدلة حملها على الصحة الواقعية وترتيب
آثارها عليها فإذا وقع من أحد في مقام التذكية للانعام فعل ولم يعلم
جمعه للشرائط وكذا في مقام التطهير للثياب والأواني والحياض وكذا
في الصيد للسمك والطير ونحوهما إلى غير ذلك من موارد الخلاف لم يكن
للتأمل في ذلك محل ولا للتوقف فيه وجه بل كان اللازم علينا حمل
تلك الأفعال على الصحة الواقعية وترتيب آثارها من حلية وطهارة ونحوهما
عليها للسيرة والاخبار والاجماع وهكذا اخبار العدول وشهاداتهم فان
اللازم لأدلتها حملها على الواقع النفس الامرى وترتيب آثار ذلك الواقع
عليه وعلى ذلك أيضا السيرة والطريقة قائمة من دون بحث وفحص
عن مراد المخبر أو الشاهد وانه أي شئ أراد وأي معنى قصد فإذا
أخبر العادل بأنه باع أو اشترى أو صالح أو آجر أو رهن أو أوقف وقفا
خاصا أو عاما أو أعتق أو طلق إلى غير ذلك من العقود والايقاعات
وهكذا في الاحكام بان أخبر بأنه ذكى في الانعام أو الطير أو السمك
أو بالتطهير إلى غير ذلك من موارد الخلاف صدقناه وحملناه على الواقع
ورتبنا آثاره وهكذا نقول في باب التزكية والتعديل والجرح فانا نقبل
قول المعدل وكذا الجارح ونحمله على الواقع وهو غير متعدد
ولا نتوقف على التفصيل أو ذكر السبب والظاهر أنه على ذلك الديدن
53

والطريقة من علمائنا السالفين كما صرح به السيد في رجاله حيث قال:
بعد ذكر الخلاف في هذه المسألة -: " وكيف كان فهذا الخلاف
في المخالفين واما أصحابنا فالذي يظهر من تتبع طريقتهم في الرواة انما هو
الاخذ بالاطلاق ما زالوا يستندون في تعديل من يعدلون إلى الشيخ
أو النجاشي أو ابن الغضائري أو غيرهم من علماء الرجال فإذا رجعنا
إلى أصولهم لم نجد في كلامهم غالبا الا الاطلاق غير أنهم لا يعولون
الا على أرباب البصائر التامة في هذا الشأن كالمذكورين دون من ضعف
مقامه وكثر خطأه الا ان يذكر السبب فيستنهضون السبب ويجعلونه راويا
ويجتهدون " انتهى
ولا يخفى ان هذا ليس من التفصيل في شئ إذ التزكية انما تقبل
من أهلها والمجيز العالم بها لا من كل من كان من غير فرق بين المجردة
عن ذكر السبب والمقرونة به ولعل ما سمعت من كلمات الجماعة الذين
نسبوا الخلاف في هذه المسألة إلى المخالفين دون الأصحاب لما رأوا من استمرار
طريقتهم وسيرتهم على القبول مع الاطلاق وعم توقفهم على ذكر السبب
وان شذ منهم من لا يقدح في النسبة كما سمعت عن الشهيد الثاني
لندرة الاتفاق الحقيقي في المسائل جدا كما لا يخفى على الخبير المطلع
والحاصل فلا ينبغي التأمل في قبول اخبار العدول وشهاداتهم مجردين عن ذكر
السبب أو مقرونين به نعم ربما ينافي هذا ما صرح به كثير من الفقهاء
- بل نسب إليهم - من عدم اعتبار الشهادة بالرضاع مطلقة وانه لا بد من
التفصيل معللين بتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة فيحتمل كون
الشاهد انما يشهد بما عنده باجتهاد أو تقليد وهو مخالف لما عند الحاكم
وحينئذ فلا يكتفى بالاطلاق بل لابد من التفصيل حتى يكون نافعا
لكنه في محل المنع كما حررناه في محله إذ مقتضاه عدم اعتبار الاطلاق
54

في الشهادة في كل مورد من موارد الخلاف وانه لا بد من التفصيل
على وجه يعرف ويتبين مقصود الشاهد لدى الحاكم والتزامه مطلقا وكلية
مشكل جدا بل لا يلتزمونه أصلا، واحتمال الخصوصية والتعبد لخصوص
الرضاع باجماع ونحوه كما في (الفصول) بعيد جدا والشهرة فيه غير
قادحة في اطلاق الأدلة وعمومها حتى يرجع إلى ما يقتضيه الأصل من عدم
القبول مع عدم ذكر السبب كما في (الفصول) أيضا إذ كم مشهور
لا أصل له حتى صار مثلا (ودعوى) كون هذه الشهرة موهنة لتلك
الأدلة فإنها وان لم تكن في نفسها حجة لكنها معتبرة في مقام الجبر
والوهن (موقوفة) على بلوغها هذا الحد وهو في محل المنع (هذا)
لو قلنا بان التزكية من باب الخبر أو الشهادة كنا محتاجين إلى تلك
الاطلاقات والى الذب عنها اما لو قلنا بأنها من باب الظنون كما هو
الأقرب هان الامر جدا إذ يكون الامر دائرا مداره ومن الواضح
انه غير منحصر في ذكر السبب بل كما يحصل معه فكذا بدونه كما
لا يخفى على الممارس الخبير ومما ذكرنا ظهر قوة القول بالقبول مطلقا
كما هو المشهور وضعف ما سواه من الأقوال الباقية اطلاقا وتفصيلا
فلا حاجة إلى ذكر حججهم والتعرض لما فيها وابطالها فإنه تطويل
بلا طائل وشغل عن الأهم بغيره والله المعين.
(المقام الثالث) في التعارض أعني تعارض الجرح والتعديل -
وقد اختلف الناس فيه على أقوال والأقرب هو القول بالرجوع
إلى المرجحات من غير فرق بين كون التعارض بالاطلاق والتقييد أو بالتباين
والتنافي وبعبارة أخرى لا فرق في الرجوع إلى المرجحات بين كون
التعارض بالظهور والنصوصية أو بالنصوصية والتنافي من الجانبين كما
لو قال المزكى هذا عدل أو ثقة والجارح يقول ضعيف أو كذاب أو غال
55

أو نحو ذلك فيؤخذ بقول الأرجح منهما كيف كان لكثرة اطلاعه
وسعة باعه أو لكونه الأتقن أو الأخبر بحاله لكونه معاصرا له إلى غير
ذلك مما يوجب قوة الظن فيكون هو المتبع لبناء العقلاء على ذلك
مع أن بناء التزكية على الظنون - كما عرفت - فيكون المدار عليها
ومن ذلك ترجيح تزكية النجاشي على جرح الشيخ وتزكيتهما على جرح
ابن الغضائري لتسرعه في القدح جدا كما عرفت من طريقته وتتبع أحواله
فلا يكون محلا للاطمئنان ووثوق النفس ومثله كثير من المتسرعين
في القدح والجرح بل وبالرمي والطعن بالغلو والتفويض لكثير من الرواة
المتقدمين كجابر الجعفي وأمثاله المنزهين عن ذلك والظاهر أن السبب
في ذلك تحملهم لكثير من الاخبار المصونة عن الأغيار التي لا تتحملها
عقول أغلب الناس فإذا عوا بشئ منها فجاءهم الكلام من هاهنا
وها هنا كما ذكره (الوحيد) وحينئذ فلا يعتد بكثير من الطعون فلا بد
من التأمل والتروي وعدم التسرع من غير فرق بين التعارض بين النصين
أو بين الظاهر والنص (والقول) بالجمع بينهما لو كان التعارض بالاطلاق
والتقييد لقاعدة الجمع بين الدليلين مهما أمكن فلو قال المزكي هو ثقة
والآخر فطحي جمعنا بينهما وقلنا هو فطحي ثقة في دينه فنترك ظاهر
الثقة لظهوره في الامامي اما لثبوت الاصطلاح على ذلك بواسطة الديدن
والروية المسلمة المتعارفة على ذلك كما يدعى (الوحيد البهبهاني) أو لغير
ذلك مما يقضى بالظهور فنتركه تقديما للنص الذي هو قول الآخر فطحي
كما هو الشأن في الجمع بين النص والظاهر كما قيل بل نسبة (الوحيد)
في بعض كلماته في (فوائده الرجالية) إليهم (في محل المنع) لوضوح
ان ذلك انما يتم في الاخبار المتعارضة بالاطلاق والتقييد والعموم والخصوص
لحكم أهل اللسان فيها بذلك بعد تنزيل الكلامين بمنزلة كلام واحد لمتكلم
56

واحد لا يجوز عليه العدول فيكون بعضه وهو النص قرينة للظاهر
ومن الواضح ان هذا لا يتأتى فيما نحن فيه إذ لا يكون كلام شخص قرينة
لاخر مع امكان الاختلاف في الرأي والاجتهاد فلا وجه للجمع بما ذكروا
مع تعدد المزكي والجارح بل ولا مع اتحاده وتعدد الكتاب المتضمن
للجرح والتعديل لانفتاح باب العدول وتبدل الراوي بل ومع اتحاد
الكتاب أيضا بان يزكى في موضع ويجرح في آخر كما هو واضح
فالوجه انما هو الرجوع إلى الامارات والمرجحات واتباع ما هو الأقوى
كما اختاره (الوحيد) ونقله عن الأكثر في بعض كلماته فإنه في الفائدة
الثانية ذكر في أولها حكم التعارض وانهم يحكمون بالجمع معللين بعدم
المنافاة ووجهه بان مرادهم عدم معارضة الظاهر للنص وعدم مقاومته
وأخذ في توجيهه والمناقشة فيه بأنه لا يخلو من نوع تدليس (إلى أن قال)
في آخر المطلب: وكيف كان هل الحكم والبناء المذكور عند التعارض
مطلق أو مقيد بما إذا انحصر ظن المجتهد فيه وانعدمت الامارات والمرجحات؟
إذ لعله بملاحظتها يكون الظاهر عنده حقية أحد الطرفين ولعل الأكثر
على الثاني وانه هو الاظهر (الخ) وكما لا وجه للجمع المذكور عند التعارض
لا وجه للقول بتقديم الجارح مطلقا كما عليه بعض بل نسبة السيد
في رجاله إلى الأكثر لكن في صورة اطلاق الجرح والتعديل هذا في أول
كلامه، وفى أثنائه (قال): هذا وأكثر الناس على اطلاق القول بتقديم
الجرح من دون تعرض للتفصيل بذكر السبب وعدمه واتحاد الزمان وعدمه
وغير ذلك من الوجوه التي قدمنا وكيف كان فالوجه فيه اما لغلبة
الفسق في الناس فكان أرجح في النفس وأغلب على الظن لان الفرد
يلحق بالأعم الأغلب وهو كما ترى أو لان اقصى ما للمعدل انه لم يعثر
على ما يوجب الفسق أو ما يخالف المروة مع طول المعاشرة فظن العدالة
57

أو اطلع على ما يوجب ظنها وان لم تطل وما كان ليدعى العلم بالعدم
والجارح يقول قد اطلعت على فسقه أو مخالفته للمروة فلو كذبناه
وتركنا قوله لعدلنا عمن يحكى عن يقين إلى من يتعلق بالظن وحاصله
ان الجارح اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل وعلى هذا فلا منافاة بين
القولين ولا تعارض حقيقة إذ مرجعهما - على هذا - إلى أدرى ولا أدرى
وهو كسابقه إذ بناء على القول بالملكة - كما هو الظاهر - فالمعدل
ان لم يكن ينطق عن علم فهو ناطق عما يقاربه وذلك أن الملكات انما
تدرك بآثارها والحاصل من مراعاة الآثار العلم أو ما يتاخمه واحتمال
الخطأ بعد ذلك بعيد على أن مثله جار في الجرح بل هو أقرب
مع عدم ذكر السبب ورب ملوم لا ذنب له والحاصل فليس الجارح
قد اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل وانه لا تنافي بين الدعويين إذ
مرجعهما إلى أدرى ولا أدرى فيجمع بينهما بتقديم الجارح بل هما متنافيان
ومرجعهما إلى أدرى وأدرى بالعدم فلا بد من المصير إلى الترجيح بكونه
اضبط أو اعدل أو اعرف بحال المعدل وهكذا لو كان كل من الجرح
والتعديل مقيدا بذكر السبب والزمان فإنه ان اختلف الزمان فلا تعارض
وان اتحد وجب الترجيح بالأمور الخارجية ككون أحدهما أشد ضبطا
وأكثر اطلاعا أو اعرف بحال هذا المعدل لكونه معاصرا له إلى غير
ذلك مما يوجب قوة الظن والا فالتوقف هذا كله إن كان السبب المذكور
عن دراية فإن كان أحدهما عن دراية والاخر انما يتعلق برواية قدم
ما كان عن دراية لمكان العلم حتى لو كانت الرواية عن المعصوم الا
أن تكون متواترة عن المعصوم أو يخبر به عنه مشافهة هكذا أفاد
السيد المحسن في رجاله الا انه - على الظاهر - غير تام على اطلاقه
إذ الدراية قد تكون عن تسرع وعجلة لا عن تثبت وتأمل وروية، وقد
58

تكون من غير الأخير والعالم بالحال تماما وهكذا الرواية وكون الدراية
عن علم انما هو بالنسبة إلى مدعيها وهو غير نافع في حقنا وحينئذ
فلا بد من الترجيح نعم لو كانت الرواية عن المعصوم متواترة أو كانت
محفوفة بقرائن القطع فلا اشكال في تقديمها على الدراية لمكان العلم في حقنا
اما غيرها فلا ولو كانت عنه مشافهة وان تعلق كل منهما برواية رجع
الامر إلى تعارض من الخبرين ووجب الترجيح فان تكافئا فالتوقف
لثبوت الدليل من الأخبار المستفيضة المعتبرة ان لم تكن متواترة كما ادعاه
الأستاذ (1) في رسائله على التخيير في تعارض الاخبار في الاحكام دون
المقام فيبقى على القواعد في تعارض الامارات مع عدم المرجح إذ التخيير
هناك انما كان للتعبد المحض لمكان الاخبار وحينئذ فالحكم في ذلك المورد
انما هو الرجوع إلى الأصول والقواعد ومنها الاخذ بالمتيقن من القولين
إن كان، ككونه ثقة في الجملة ولو في اخباراته ورواياته وانه متحرز
عن الكذب وقلنا باعتباره كما هو الظاهر واما مع عدم متيقن
في الجملة بحيث يكون الخبر بسببه معتبرا بل الامر دائر بين مقبول
ومردود فلا اشكال حينئذ في سقوط الخبر هذا مع العلم باتحاد الراوي
اما لو تعدد الاسم فجرح بأحدهما وعدل بالآخر فان علم اتحاد المسمى
بهما وكان الاسمان مختصين به كان من باب تعارض الجرح والتعديل
ولا اشكال كما لا اشكال لو علم التعدد أيضا اما لو شك فلم يعلم اتحاد
المسمى أو تعدده كان الراوي من مجهول الحال كما أنه لو علم التعدد
واشترك اثنان باسم وتعلق به الجرح أو التعديل فقط لم يخرجا عن الجهل

(1) يريد به استاده الشيخ المرتضى الأنصاري - رحمه الله - راجع
من رسائله في الأصول رسالة التعادل والتراجيح.
(المحقق)
59

أيضا وكذا إذا توارد عليه الجرح والتعديل لفرض الاشتراك بذاك الاسم
من دون مميز ومشخص لمورد ذلك الجرح والتعديل نعم لو فرض
انصراف ذلك الاسم الذي هو مورد للجرح والتعديل لأحدهما كأبي بصير
مثلا على ما قيل (1) كان من مسألة التعارض أيضا ولو جرح المشترك
واجتمع المسميان في سند مع تعديل كل منهما بانفراده تحقق التعارض بين
الجرح والتعديل في أحدهما قطعا وحينئذ فعلى هذا لو وقع المشترك
في سند وكان موردا للجرح والتعديل أو لأحدهما فقط فان تعين بمراعاة
الطبقة أو الراوي أو المروى عنه أو نحو ذلك من الامارت المعينة فذاك
والا فإن كان في أحدهما أشهر بحيث يكون انصرافا نزل عليه فإنه تعيين
أيضا والا فالجهل والله أعلم.
(الفائدة السابعة):
في ذكر أصحاب الاجماع ومن يشهد لهم الثقات بالوثاقة وعملت
الطائفة باخبارهم وأصحاب الأصول المعتمدة والكتب المعروضة عليهم
- عليهم السلام - ومن وثقوه وأمروا بالرجوع إليه ومن عرف فيما بين
الأصحاب انه لا يروى الا عن ثقة وحتى عدوا مراسيله في المسانيد.
(اما أصحاب الاجماع) فالكلام فيهم يقع في مقامات
(الأول) في تعيين من قيلت في حقهم هذه الدعوى وهذا القول
وهم على الظاهر الستة الأواسط والستة الأواخر، دون الستة الأوائل
فان المدعى لهذه الدعوى والأصل فيها انما هو الكشي في رجاله والمحكى
من عباراته انما هو ذلك كما نص عليه جملة من تأخر من أهل هذا الشأن

(1) القائل هو الآغا البهبهاني - رحمه الله -
(منه قدس سره)
60

كالشيخ الحر في آخر وسائله في الفائدة التي عقدها فيمن قيل في حقهم
هذا القول ناقلا لعين اللفظ المتضمن لهذه الدعوى كما ستقف عليه
ومثله السيد محسن في عدته في الرجال، حاكيا له عن غير واحد من الثقات
ثم قال - بعد حكاية العبارة بعينها ولفظها على طولها وهذا نص
ما في الكتاب (1) وهو عندي نسخة جليلة في أعلى مراتب الصحة وقد
حكى الاجماع على تصحيح ما يصح عن الأواسط والأواخر غير واحد
من المتأخرين كابن طاووس والعلامة وابن داود ولكن كل في ترجمته
(انتهى) وحينئذ فما اشتهر بين جملة من أهل هذا الفن - كالشيخ
أبى على في كتابه (منتهى المقال) وصاحب المعالم في كتابه (منتقى
الجمان) وغيرهما من أن الطائفة أجمعت على تصحيح ما يصح عن ثمانية
عشر ستة من الأوائل وستة من الأواسط وستة من الأواخر مما
لا وجه له ولا أصل فان الستة الأوائل لم يدع في حقهم هذه الدعوى
ولا قيل فيهم هذا القول بل المدعى فيهم انما هو اجماع العصابة
على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه وأين هذه الدعوى من تلك قال الكشي
فيما حكى عنه: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر - عليه السلام -
وأبى عبد الله - عليه السلام - اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين
من أصحاب أبي جعفر - عليه السلام - وأبى عبد الله - عليه السلام - وانقادوا
لهم بالفقه فقالوا أفقه الأولين ستة زرارة، ومعروف بن خربوذ
وبريد، وأبى بصير الأسدي، والفضل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي
قالوا: وافقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي أبو بصير
المرادي وهو ليث بن البختري ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله

(1) يريد بالكتاب رجال الكشي.
(المحقق)
61

- عليه السلام - أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء
وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين
عددناهم وسميناهم؟؟؟ وهم ستة نفر جميل بن دراج، وعبد بن مسكان
وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان
قالوا وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون - ان أفقه هؤلاء
جميل بن دراج وهو احداث أصحاب أبي عبد الله - عليه السلام - ثم قال
تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبى الحسن الرضا - عليهما السلام -
اجتمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم
بالفقه والعلم وهم ستة نفر اخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي
عبد الله - عليه السلام - منهم يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى
بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن
محبوب وأحمد بن محمد ابن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن
محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب (1) وقال بعضهم -
مكان فضالة عثمان بن عيسى وافقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن
وصفوان بن يحيى هذه عبارة السيد محسن بلفظها ثم قال هذا نص
ما في الكتاب (2) وهو عندي نسخة جليلة في أعلى مراتب الصحة ومثله
الشيخ الحر في وسائله فإنه قال: (قال) الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو
الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي أجمعت العصابة

(1) وفى نسخة (أو) مكان الواو.
(منه قدس سره)
(2) راجع: رجال الكشي (ص 206) و (ص 322)
و (466) طبع النجف الأشرف.
(المحقق)
62

على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبى عبد الله - عليهما السلام -
وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأولين ستة ثم عدهم كما ذكر السيد
ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله - عليه السلام أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم
بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم؟؟ ستة نفر ثم عدهم
كما ذكر السيد محسن ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم
وأبى الحسن الرضا عليهما السلام - أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح
عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر اخر دون
الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ثم ذكرهم
كما سمعت ثم قال: وذكر أيضا أحاديث في حق هؤلاء والذين قبلهم
تدل على مضمون الاجماع المذكور فعلم من هذه الأحاديث الشريفة
دخول المعصوم بل المعصومين عليهم السلام في هذا الاجماع الشريف
المنقول بخبر هذا الثقة الجليل وغيره.
(المقام الثاني) في معنى هذه العبارة وهذه الدعوى والمستفاد
منها بالنسبة إلى الأولين الذين هم الطبقة الأولى أعني أصحاب أبي جعفر
وأبى عبد الله عليهما السلام انما هو الاجماع على مجرد الوثاقة واما كون
الخبر صحيحا - لو صح عنهم كما هو مفاد الدعوى الثانية فلا وإلا لم يكن
للعدول عن التصحيح والتعبير بلفظ التصديق معنى إلا مجرد التفنن في العبارة
التي لا وجه للالتزام به بل المستفاد منها حقيقة انما هو الاجماع على الوثاقة
في الاخبارات ليس إلا واما العدالة فلا فان التصديق حقيقة في ذلك
نعم قد يتعسف فيدعى ولو بضم الامارات والقرائن الخارجية ان المقصود
للمدعى اثبات العدالة لا مجرد التحرز عن الكذب وهو أمر آخر حصل
من العلم من الخارج بأحوال هؤلاء الستة لا من محض هذه الدعوى كما
63

هو محل الكلام واما الدعوى الثانية فقد اختلفوا في المراد منها والذي
يظهر ما استظهره (الوحيد البهبهاني) في فوائده وجملة ممن تقدم عليه
وتأخر بل نسبه هو إلى المشهور كما عن بعض الأجلة ان عليه الشهرة
بل عن المحقق الداماد نسبته إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (1)
وكيف كان فالظاهر أن المراد تصحيح الرواية بمعنى عد ما صح عن أولئك
المدعى في حقهم ذلك صحيحا والحكم عليه بالصحة من غير فرق بين
العلم بمن رووا عنه ومعرفة حاله وعدمه فلا فرق حينئذ بين مسانيدهم
ومراسيلهم ومرافيعهم بل ومقاطيعهم بان لم يعلم أنه روى عن المعصوم
أو هو القائل بما روى عنه فتوى من عنده مع احتمال خروج مثل ذلك
عن منصرف ذلك الاجماع وتلك الدعوى بدعوى اختصاصها بما نسب
إلى الامام دون ما وقف على أولئك هذا هو الظاهر من العبارة واما
كون الراوي الذي قيل في حقه ذلك ثقة فليس في العبارة دلالة عليه
ولا ملازمة بين تصحيح حديث شخص وتوثيقه بناء على اصطلاح
القدماء في الصحيح الذين منهم مدعى هذا الاجماع بل هو أعم لعموم
الصحة عندهم إذ الصحيح عندهم ما كان موثوقا بصدوره مطمئنا به
ولو كان من غير جهة الوثاقة للراوي بل لكونه متحرزا عن الكذب
مضبوطا في النقل وإن كان فاسقا بجوارحه بل وفاسد في العقيدة
أو لكون الخبر موجودا في أصل معتمد أو كان العمل به مشهورا إلى غير
ذلك مما يوجب ظن الصدور والاطمئنان به كما صرح به جماعة من الأعيان
كالوحيد في فوائده الأصولية حيث قال - بعد دعوى اتفاق القائلين

(1) راجع: الراشحة الثالثة من الرواشح السماوية للميرد اماد
(ص 45) طبع إيران سنة 1311 هج‍.
(المحقق)
64

بحجية خبر الواحد من المتقدمين والمتأخرين على حجية الخبر الضعيف
المنجر بالشهرة وأمثالها وان استنادهم إلى الضعاف المنجبر صحيح عند القدماء من دون
تفاوت بينه وبين الصحيح ولا مشاحة في الاصطلاح إلا أن اصطلاح
المتأخرين أزيد فائدة (إلى اخر ما قال أعلى الله مقامه) وبمثله صرح
في الفوائد الرجالية حيث قال - في الفائدة الثانية في بيان طائفة
من الاصطلاحات المتداولة في الفن -: ومنها قولهم صحيح الحديث عند
القدماء وهو ما وثقوا بكونه من المعصومين عليهم السلام أعم
من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو امارات اخر
ويكونون يقطعون بصدوره ان يظنون (الخ) وبمثله صرح السيد محسن
في (محصوله من أصوله) حيث قال: " كان مدار عمل الأصحاب قديما
على ما غلب الظن بصدقه وحصل به الوثوق اما لرواية العدل أو بالرجوع
إلى أصل معتمد أو باشتهار العمل أو بانضمام بعض القرائن المفيدة لاطمئنان
النفس حسب ما استقامت عليه طرايق الناس في العمل بالاخبار فالصحيح
عندهم ما غلب الظن بصدقه والضعيف خلافه " وصرح أيضا به الشيخ
فخر الدين بن محمد على النجفي (1) في كتابه (جامع المقال) فيما يتعلق
بأحوال الرجال حيث قال - بعد ذكر مقدمة في بيان الباعث للعدول
عن مصطلح القدماء إلى وضع الاصطلاح الجديد -: " إذا عرفت ذلك
فاعلم أن المتعارف بين قدماء الأصحاب في العمل بالأحاديث هو العمل
بالصحيح منها لا غير وهو في مصطلحهم ما اقترن بما يوجب العلم
بمضمونه اما بوروده في أصل من الأصول المعروفة الانتساب التي مر

(1) هو الشيخ فخر الدين الطريحي المتوفى سنة 1087 هج‍، صاحب
(مجمع البحرين) المطبوع.
(المحقق)
65

ذكرها أو بدورانه في كثير من الأصول المشهورة المتداولة أو وروده
عن جماعة أجمع على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم كزرارة واضرابه
إلى أن قال وبذلك الاصطلاح كانوا يعرفون إلى أن انتهت النوبة
إلى العلامة الحلي الحسن بن المطهر والسيد جمال الدين بن طاووس صاحب
(البشرى) على اختلاف النقلين فوضع هذا الاصطلاح الجديد " إلى آخر
ما قال (1) ومثله الشيخ بهاء الدين محمد العاملي على ما حكى عنه
في الوسائل حيث قال في (مشرق الشمسين) بعد ذكر تقسيم الحديث
إلى الأقسام الأربعة المشهورة قال: " وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا
بين قدمائنا لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم اطلاق الصحيح
على ما اعتضد بما يقتضى اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به
والركون إليه وذلك بأمور (منها) وجوده في كثير من الأصول
الأربعمائة التي نقولها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة
- سلام الله عليهم - وكانت متداولة في تلك الاعصار مشتهرة بينهم
اشتهار الشمس في رابعة النهار (ومنها) تكرره في أصل أو أصلين
منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة (ومنها) وجوده في أصل
معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين اجمعوا على تصديقهم - إلى أن قال -
(ومنها) كونه مأخوذا من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها
والاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية المحقة ككتاب الصلاة
لحريز بن عبد الله وكتب ابن سعيد وعلي بن مهزيار أو من غير الامامية
ككتاب حفص بن غياث القاضي وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي

(1) راجع جامع المقال - الباب السادس في بيان الباعث على العدول
عن مصطلح القدماء إلى وضع الاصطلاح الجديد.
(المحقق)
66

وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري وقد جرى رئيس المحدثين
على متعارف القدماء فحكم بصحة جميع أحاديثه وقد سلك ذلك المنوال
جماعة من اعلام علماء الرجال لما لاح لهم من القرائن الموجبة للوثوق
والاعتماد (1) " انتهى، وحينئذ فلتحمل الصحة في هذه الدعوى وهذا
الاجماع على مصطلح القدماء الذي لا يلازم وثاقة الراوي كما عرفت -
نعم يبعد كل البعد عدم وثاقة الراوي بالمعنى الأخص ومع ذلك اتفق جميع
العصابة على تصحيح جميع ما رواه وعلى الاعتماد على أحاديثه وعلى رواياته
مع ملاحظة ان كثيرا من الأعاظم الثقات من الرواة لم يتحقق منهم الاتفاق
على تصحيح حديثه ولا قيل في حقه هذا القول ولا ادعيت هذه
الدعوى فليس ذا الا لكون هؤلاء بمرتبة فوق العدالة بمراتب ولكن
ولو بالمعنى الأعم الشامل لمثل عبد الله بن بكير والحسن بن علي بن فضال
وأمثالهم ممن ادعى فيه تلك الدعوى بل ولهم المائز في رواياتهم كما في ابن أبي
عمير من أنه لا يروى الا عن ثقة كما عن عدة الشيخ أو لا يرسل
الا عن ثقة كما في مقدمة (الحبل المتين) للشيخ البهائي (2) ومثله
البزنطي (3) وخصوصا بعد ملاحظة ما ادعاه الشيخ من الاجماع على اعتبار
العدالة ولو بالمعنى الأعم - فان ذلك لا يلائم الاتفاق مع فقد العدالة

(1) راجع: مشرق الشمسين (ص 3 - ص 4) باختلاف يسير
مع ما نقله صاحب الوسائل عنه في بعض الألفاظ.
(2) لعل الصحيح (مقدمة مشرق الشمسين) راجع: (ص 4)
منه إذ لا يوجد ما ذكره في مقدمة (الحبل المتين).
(3) البزنطي: هو أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر زيد مولى
السكون أبو جعفر الكوفي، المتوفى سنة 221 هج‍.
(المحقق)
67

منهم حتى بالمعنى الأعم بل ومع الجهل بثبوتها لهم كما هو واضح.
(والحاصل) فالظاهر من العبارة - لو خليت ونفسها ولوحظت
وحدها من دون ملاحظة ما سواها من اللوازم المتصورة أو ما يتعلق
بأحوالهم مما هو مذكور في تراجمهم - ليس الا ما ذكرنا من دون زيادة
لا بالنسبة إلى أحوال هؤلاء من حيث الوثاقة وعدمها ولا بالنسبة
إلى من رووا عنه وانما هي متصدية لبيان حال الرواية التي رووها وانها
محكوم عليها بالصحة بذلك المعنى الذي عرفت وانها مقبولة عندهم معتمد
عليها مركون إليها بحيث لا يحتاج إلى النظر فيما بعدهم من رجال السند
وحينئذ فلو ضعف من رووا أولئك عنه لم يكن منافيا للاجماع المدعى
لوضوح ان الاجماع انما كان في الرواية من حيث نفسها كما عرفت
واما التضعيف فهو ناظر إلى الراوي من حيث نفسه ولا تنافى بين تضعيف
الراوي وتصحيح نفس الرواية كما سمعت مفصلا نعم لو كان المراد
من الصحة المدعاة مصطلح المتأخرين كان التنافي بينا لكن من جهة ذلك
الطريق لوضوح ان المدعى للصحة بذلك المعنى مدع لصحة الرواة ووثاقتهم
جميعا والمضعف ناف لتلك الدعوى في الحقيقة بالنسبة إلى ذلك الطريق
أعني المشتمل على ذلك الضعف واما بالنسبة إلى غيره فقد يكون سليما
صحيحا إذ كثيرا ما تتعدد الطرق وتكثر لأجل الاشتهار بين الصغار
والكبار والانتشار في سائر الأقطار حتى تكون الرواية في قسم المستفيض
بل المتواتر أو المحفوف بالقرائن العلمية ولذا كانت جملة من الرواة
يروون عن الضعفاء والمجاهيل ولا يقتصرون على الاخذ من الثقة وحينئذ
فلا يكون ذا عيبا بل طريق حسن نعم الاقتصار على الاخذ من أولئك
أعني المجاهيل والضعفاء وأمثالهم عيب وأي عيب وحينئذ فالقول
بان هذا الاجماع يقتضى الحكم بوثاقة من يروون عنه كما عن بعضهم -
68

في محل المنع لعدم الدلالة عليه أصلا وكلية ولعله ناظر إلى لفظ
الصحة حاملا لها على مصطلح المتأخرين وهى غفلة واضحة كما عرفت
ومثله القول بأنه لا يقتضى الحكم بوثاقتهم فضلا عن سواهم ان أريد عدم
الاعتداد برواياتهم وعدم الاعتماد عليها والا فهو راجع إلى ما ذكرنا
هذا في معنى الموصول وصلته والمجمع عليه واما المراد بالاجماع فاتفاق
الكل كما هو معناه اللغوي مع احتمال إرادة الكاشف عن رأي المعصوم
على أن يكون المجمع عليه هو جواز القبول والعمل بروايات أولئك الذين
قبل في حقهم ذلك إذ امام ذلك العصر بمرثى من أولئك العاملين باخبار
هؤلاء ومسمع مع عدم ظهور انكار منه لهم لوا ردع بل أقرهم
على ذلك بل وأمرهم بالرجوع إليهم والاخذ منهم وعلى هذا فيكون
المجمع عليه حكما فرعيا جزئيا فليس هو من الاجماع المصطلح الذي هو
على الحكم الكلى والذي يظهر ان المراد من المجمع عليه انما هو قبول
اخبار هؤلاء وعدم الرد لها بل تلقيها بالقبول وجعلها كالمقطوع بصدوره
أو مضمونه فإن لم يحصل القطع بالصدور أو المضمون فالظن الحاصل
منها مساو للظن الحاصل من الصحيح بل ويزيد بمراتب ومن هنا
ظهر الوجه في اعتبار هذا الاجماع وهو:
(المقام الثالث) وحاصله ان الوجه في اعتباره اما الكشف
عن رضا المعصوم بواسطة هذا الاجماع بل وجود شخصه بينهم كما ادعاه
الشيخ الحرفي وسائله فيما تقدم حيث قال - بعد ذكر عبارة الشيخ الثقة
الجليل أبى عمرو الكشي على طولها بلفظها - وقال: وذكر أيضا أحاديث
في حق هؤلاء والذين قبلهم تدل على مضمون الاجماع المذكور - قال -
فعلم من هذه الأحاديث الشريفة دخول المعصوم بل المعصومين في هذا
الاجماع الشريف المنقول بخبر هذا الثقة الجليل وغيره أو يقال في وجه
69

اعتباره بحصول المظنة القوية المتاخمة للعلم بصدور ما أخبر به أولئك
عن المعصوم، فيندرج تحت مظنون الصدور الذي قام الدليل على اعتباره
بناء عليه، لا من جهة قاعدة انسداد باب العلم في أغلب الاحكام بل
الدعوى استفادة ذلك من الأخبار المتواترة لكنها دعوى لا شاهد لها
لعدم ظهور تلك الأخبار في ذلك بحيث يساوى باقي الظواهر التي قام
الاجماع على اعتبارها.
نعم هو محتمل بان يكون المناط في قبول خبر الثقة والصادق الموجودين
في تلك الأخبار ليس الا ظن الصدور لا لخصوصية لهما وعلى هذا
يكون المناط والمدار ظن الصدور من أي امارة تكون داخلية كوثاقة
الراوي وصدقه أو خارجية كشهرة تقوم على مضمون ذلك الخبر الضعيف
مثلا الا ان الانصاف عدم وصول تلك الأخبار إلى هذا الحد في الإفادة
وحينئذ فليقتصر على المتيقن منها وليس هو الا الداخلية واما الضعيف
المنجبر بالشهرة فاعتباره إن كان كما هو الظاهر فلدليله الذي يخصه
كالاخبار الواردة في باب الترجيح الامرة بالأخذ بالشهرة وإن كان المراد
بالأشهر في تلك الأخبار كالمقبولة وغيرها خصوص الجامع لشرائط الحجية
كالعدالة وغيرها: كما فرض الراوي وتقديمه انما كان لمرجح الشهرة
فموردها أخص من مطلق مظنون الصدور ولكن لما فيها من التعليل
بان المشهور لا ريب فيه القاضي بالتعدي مع أن الوحيد البهبهاني ادعى
الاجماع من كل من قال بحجية الخبر على اعتباره كما ادعاه في فوائده
مضافا إلى شمول اية النبأ له بمنطوقها إذ هو نوع تبين كالموثق لكن
هذا انما يتم بناء على عدم اختصاص التبين بالعلم بل يشمله والظني
كما هو الظاهر فعلى هذا يتم اعتبار مظنون الصدور مطلقا وان لم يتم
من جهة الاخبار. وحينئذ فعلى هذا يكون الوجه في اعتبار هذا الاجماع
70

هو ظن الصدور بواسطته ولو بضميمة ما ذكر في أحوال أولئك المدعى
في حقهم ذلك وهذا وجه وجيه حقيقة وقد يقال في وجه القبول:
ان هذه الدعوى من الخبر والمدعى في أعلى مراتب الوثاقة وحينئذ
فليحكم بقبوله وإن كان في موضوع فان المدعى عليه الاجماع هو قبول
اخباراتهم وعدم ردها، ولا اشكال ظاهرا في حجية الخبر مطلقا
لعموم أدلته كما حررناه في محله ولا معنى للقبول الا الاخذ باخباراتهم
والعمل بها مطلقا أعني من غير فرق بين مراسيلها ومرافيعها ومقاطيعها
ومسانيدها وقد يناقش فيه بان منشأ هذه الدعوى هو الحدس وأدلة الخبر
لا تشمله لاختصاصها بالحسى وقد يجاب بمنع كونها من الحدس بل هي
من الحسى إذ استعلام ذلك من الخارج لهذا المدعى في ذلك العصر أمر
ممكن ميسور أو يقال بمساواة ذاك الظن للظن الحاصل من الصحيح
الذي لا اشكال في اعتباره بل وأزيد بمراتب بواسطة الاجماع المذكور
هذا بالنسبة إلى اعتبار اخباراتهم بنفسها بحيث تقبل حتى مع الجهل
بالواسطة أو ضعفها إلى غير ذلك مما يقدح بالنسبة إلى غيرهم كالرفع
والقطع واما بالنسبة إلى باب الترجيح في مقام التعارض فلا اشكال
في ظهور الترجيح لاخبارهم لحصول ما هو المدار والمناط في الترجيح الذي
هو قوة الظن الذي قضت به الأخبار المستفيضة المعتبرة كما حررناه
في محله وحينئذ (فما وقع) من بعض متأخري المتأخرين من عدم
الاعتناء بهذا الاجماع ومساواة هؤلاء الذين قيل في حقهم ذلك لغيرهم
مع عدم جمع الواسطة بينهم وبين الامام لشرائط القبول كصاحب
المدارك ومن تبعه (كما ترى) في محل المنع (ودعوى) وهن الاجماع
المزبور لعدم الموافق لمدعيه ممن تقدم عليه وتأخر إلى زمن العلامة وما قاربه
وما يوجد في كلام النجاشي من ذكر هذا الاجماع فهو بعنوان النقل
71

عن الكشي كما صدر عن الشيخ أبى على في رجاله (كما ترى) إذ يكفي
عدم الرد له مع أنه يظهر مسلميته والتلقي له بالقبول وفى ذلك كفاية
(وكون) موافقة النجاشي بعنوان النقل (في محل المنع) بل هو اختيار له
كما يقضى به ظاهره كموافقة المتأخرين كالشيخ البهائي حيث صرح بان
من الأمور الموجبة بعد الحديث صحيحا " وجوده في أصل معروف إلى أحد
الجماعة الذين اجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم (1) " ومثله غيره
من المتأخرين ممن تقدم عليه وتأخر كالعلامة وابن طاووس وابن داود
والشهيدين والشيخ سليمان (2) في (الفوائد النجفية) والمحقق الداماد
والوحيد البهبهاني وغيرهم على ما حكى عن كثير منهم وإن كان ظهور
الاعتراف بالنسبة إلى جملة منهم في خصوص بعض التراجم لا على الجميع
كما هو مدعى الكشي وغيره كالمحقق الداماد فان ظاهره دعوى الاجماع
على الجميع أيضا لنسبته ذلك إلى الأصحاب حيث قال في محكى الرواشح
السماوية بعد عد جماعة " وبالجملة هؤلاء على اعتبار الأقوال المختلفة
في تعيينهم أحد وعشرون أو اثنان وعشرون رجلا مراسيلهم ومرافيعهم
ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمونه من غير المعروفين معدودة عند

(1) راجع: مشرق الشمسين (ص 3) طبع إيران.
(2) الشيخ سليمان هو أبو الحسن شمس الدين بن عبد الله بن علي
ابن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار البحراني الستري الماحوزي المولود
سنة 1075 هجري والمتوفى سنة 1121 هجري وهو صاحب (بلغة المحدثين)
في الرجال، و (المعراج) وغيرهما من المؤلفات الكثيرة.
72

الأصحاب من الصحاح إلى اخر ما قال (1) وهو كما ترى ظاهر بل
صريح في تحقق هذا الاجماع عنده وتحصيله له لا مجرد حكاية عن الكشي
ولا عن غيره بل هو مخالف لما سمعت عن الكشي لقصره الحكم
بالصحة على بعض أولئك لا على الجميع كما هو صريح كلامه والحاصل
فظاهره هؤلاء الجماعة الاستقلال في هذه الدعوى لا مجرد الحكاية والنقل
عن مدعيها الذي هو الكشي حتى النجاشي كما هو ظاهره في بعض
التراجم كترجمة محمد بن أبي عمير فإنه بعد - ذكر نسبه والثناء عليه
وما أصاب كتبه عند حبسه أربع سنين من هلاكها قال: " فحدث
من حفظه ومما كان سلف له في أيدي الناس فلهذا أصحابنا يسكنون
إلى مراسيله وقد صنف كتبا (2) إلى اخر ما قال فإنه كما ترى
ظاهر بل صريح في اعترافه به واستقلاله لا محض الحكاية والنقل نعم
هو خاص في بعض التراجم لا على الجميع كما هو مدعى الكشي والمحقق
الداماد وغيرهما ومن هذا كله يظهر ضعف المناقشة في قبول مراسيل
ابن أبي عمير كتضعيف ابن بكير كما عن المحقق في (المعتبر) ان أراد عدم
قبول خبره لوضوح كفاية الوثاقة بالمعنى الأعم وهى حاصلة عنده
بل خبره يزيد على كثير من الصحاح بمراتب لما عرف من حاله مما هو
مذكور في ترجمته من الاجماع وغيره ولعل المراد من تضعيفه فساد
عقيدته فتظهر فائدته في باب التراجيح وهو حق لكن في الجملة
لا مطلقا إذ المدار في باب الترجيح على قوة الظن وهو يختلف

(1) راجع: (ص 47) في الراشحة الثالثة من الرواشح السماوية.
طبع إيران.
(2) راجع: رجال النجاشي (ص 250) طبع إيران مصطفوي.
73

في الموارد فقد يكون في الخبر الذي هو فيه وقد يكون في معارضه
والحاصل فلا ينبغي التأمل في هذا الاجماع المدعى لجملة من الأعيان
والأساطين العظام مع ظهور التسالم عليه والقبول له من المتقدمين والمتأخرين
كما سمعت فلا يلتفت إلى من تأمل فيه من شواذ الناس فان ذلك ناشئ
عن الانحراف وسوء الطريقة أو غفلة أوقعته في ذلك ولعل منه
ما عن سيد الرياض (1) من التأمل فيه أو المنع له حيث قال في المحكى
عنه: " ان تم النقل بأنه لم يعثر في الكتب الفقهية من أول كتاب الطهارة
إلى اخر كتاب الديات على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجا
بان في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح إذ هو مخالف للعيان والوجدان
المستغنى عن إقامة الشاهد والبرهان مع أنه هو بنفسه مخالف لطريقته
في رياضه إذ كثيرا ما يقول في مقام اعتبار الخبر أو ترجيحه بان في سنده
من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر جهالة من بعده
فان صدق النقل فلعلها غفلة والمعصوم من عصمه الله أو كان ذلك
منه قبل تبحره.
هذا في أصحاب الاجماع واما من شهد لهم الثقات بالوثاقة وعملت
الطائفة باخبارهم لوثاقتهم عدا أصحاب الاجماع فهم الأصناف الثلاثة
الذين ذكرهم الشيخ رحمه الله في العدة والفرق بين هؤلاء وأصحاب

(1) سيد الرياض: هو السيد المير علي بن المير محمد علي بن المير
أبى المعالي الصغير بن المير أبى المعالي الكبير الطباطبائي الحائري صاحب
كتاب (رياض المسائل) المطبوع المولود سنة 1161 هج‍، والمتوفى
سنة 1231 هج‍، وهو الجد الاعلى للسادة آل صاحب الرياض الطباطبائيين
في كربلاء ووالد السيد محمد المجاهد المتوفى سنة 1242 هج‍.
74

الاجماع مع اجماع الطائفة على العمل باخبار هؤلاء أيضا واضح في مقام
التعارض والترجيح وغيره والذين وثقهم الأصحاب أكثر من أن يصحوا
في باب وقد قال الشيخ المفيد في الارشاد عند ذكر الصادق
عليه السلام: ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان
وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل
عنه فان أصحاب الحديث نقلوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم
في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل وذكر ابن شهرا شوب
في المناقب: ان الذين رووا عن الصادق عليه السلام من الثقات
كانوا أربعة آلاف رجل وفى الوسائل: وقال الطبرسي في إعلام الورى
روى عن الصادق عليه السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف
انسان وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب معروفة تسمى الأصول
رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى عليه السلام انتهى واما الأصول
المعتمدة والكتب المعول عليها وما حكموا بصحته فكثيرة جدا كأصل
إسحاق بن عمار الساباطي واصل حفص بن غياث القاضي وكتاب
عبيد الله بن علي الحلبي وكتاب طلحة بن زيد وإن كان عامي المذهب
وكتاب عمار بن موسى الساباطي وكتب ابن سعيد الثلاثين ونوادر
علي بن النعمان وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي وان رمى بالغلو -
وكتاب أحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خانبة وكتاب صدقة
ابن بندار القمي وغير ذلك وما عرض منها على المعصوم ككتاب
عبيد الله بن علي الحلبي الذي عرضه على الصادق عليه السلام وصححه
واستحسنه وقال عند قراءته: أترى لهؤلاء مثل هذا وكتاب أبى عمرة
الطبيب عبد الله بن سعيد الذي عرضه على الرضا - عليه السلام - وكتاب
يونس بن عبد الرحمن الذي عرضه على العسكري عليه السلام واما الذين
75

وثقهم الأئمة عليهم السلام وأمروا بالرجوع إليهم والعمل باخبارهم
وجعلوا منهم الوكلاء والامناء فكثيرون أيضا يعرفون بالتتبع في كتب هذا
الفن كأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم وزرارة وبريد وأبى بصير
ليث المرادي وأبى بصير الأسدي والحرث بن المغيرة وصفوان بن
يحيى ويونس بن عبد الرحمن وعبد الله بن جندب وحمران بن أعين
ونصر بن قابوس وعبد الرحمن بن الحجاج وزكريا بن ادم وسعد بن
سعد وعبد العزيز بن المهتدى وعلي بن مهزيار وأيوب بن نوح
وعلي بن جعفر الهمداني وأبى علي بن راشد وأبان بن عثمان وأحمد ابن
إسحاق الأشعري وأبى الحسن ومحمد بن جعفر الأسدي المسمى
بمحمد بن أبي عبد الله وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن
اليسع وحاجز بن يزيد ومحمد بن علي بن بلال والعاصمي ومحمد
ابن إبراهيم بن مهزيار وأبيه ومحمد بن صالح الهمداني وأبيه
والقاسم بن العلاء ومحمد بن شاذان النيسابوري والحرث المرزباني
إلى غير ذلك وعن الشيخ في كتاب الغيبة وانه ذكر منهم كثيرا وعن ابن
طاووس في كتاب المحجة عن كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني
رحمه الله عن علي بن إبراهيم
بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام
انه دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال ادخل على عشرة من ثقاتي
فقال: سمهم لي يا أمير المؤمنين فقال: ادخل اصبغ بن نباتة وأبا الطفيل
عامر بن واثلة الكناني وزر بن حبيش وجويرية بن مسهر العبدي
وخندف بن زهير وحارث بن مضرب الهمداني والحارث الأعور
وعلقمة بن قيس وكميل بن زياد وعمير بن زرارة (1) (الحديث)

(1) راجع: كشف المحجة للسيد علي بن طاووس (ص 174)
طبع النجف الأشرف سنة 1370 هج‍.
76

وعن (العيون) عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
في كتابه إلى المأمون: " محض الاسلام شهادة ان لا إله إلا الله إلى أن قال
والبراءة من الذين ظلموا آل محمد حقهم وذكر جملة منهم ثم قال
والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والمقتولين من الصحابة الذين مضوا
على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل
سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر
وحذيفة اليماني وأبى الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف
وأخويه وعبادة بن الصامت وأبى أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت
ذي الشهادتين وأبى سعيد الخدري وأمثالهم رضي الله عنهم وعن أشياعهم
والمهتدين بهداهم والسالكين مناهجهم (1) وعن الكشي انه روى عن الثقات
عن أبي محمد الرازي قال: كنت انا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي
بالعسكر فورد علينا رسول من الرجل فقال لنا: الغائب العليل ثقة
وأيوب بن نوح وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة وأحمد ابن
إسحاق ثقات جميعا (2) وعن الكشي انه روى أيضا من توقيع
طويل يقول فيه: " يا إسحاق اقرا كتابنا على البلالي فإنه الثقة المأمون
العارف بما يجب عليه واقراه على المحمودي عافاه الله تعالى فما احمدنا
له لطاعته فإذا وردت بغداد فاقراه على الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي

(1) راجع: كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق
(ج 2 - ص 121 - وص 126) باب ال‍ (35) طبع إيران (قم)
سنة 1377 هج‍.
(2) راجع: رجال الكشي (ص 467).
77

يقبض من موالينا (1) وروى الكليني بسنده إلى أبى عبد الله عليه السلام
أنه قال: " كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر
وأبو خالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين عليه السلام (2)
وعن كتاب الاكمال: " عن الخزاعي عن الأسدي عن محمد بن أبي
عبد الله الكوفي انه ذكر عدد من انتهى إليه ووقف على معجزات
صاحب الامر وراه من الوكلاء ببغداد العمرى وابنه وحائز والبلالي
والعطار ومن الكوفة العاصمي ومن الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار
ومن أهل قم محمد بن إسحاق ومن أهل همدان محمد بن صالح ومن أهل
الري الشامي والأسدي يعنى نفسه ومن أهل اذربيجان القاسم بن
العلا ومن أهل نيسابور محمد بن شاذان النعيمي (3) وأجل من نصوا
على وثاقته شانا وارفعهم قدرا الأبواب الأربعة العظام قدس الله أرواحهم
ورضى عنهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمرى وابنه أبو جعفر محمد
ابن عثمان والحسين بن روح النوبختي وعلي بن محمد السمري وقد

(1) راجع: رجال الكشي (ص 485) في ترجمة إسحاق بن
إسماعيل النيسابوري.
(2) راجع: أصول الكافي (ج 1 - ص 472) باب مولد
أبى عبد الله جعفر بن محمد - عليه السلام - الحديث الأول، طبع إيران
(طهران) سنة 1381 هج‍.
(3) راجع: اكمال الدين واتمام النعمة للصدوق (ص 246) طبع
إيران سنة 1301 هج‍.
78

جاء في الاخبار ما يدل على وثاقة المفضل بن عمر والمعلى بن خنيس
ومحمد بن سنان وعن أبي جعفر عليه السلام في جابر بن عبد الله
الأنصاري انه لم يكن يكذب وعن أبي عبد الله عليه السلام في عمر
ابن حنظلة إذا لا يكذب علينا (1) وقد تقدم عن العسكري عليه السلام
في بنى فضال: " خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ".
واما من عرف بين الأصحاب انه لا يروى الا عن ثقة فقد اشتهر
بذلك جماعة منهم محمد بن أبي عمير وصفوان وأحمد بن محمد بن أبي
نصر البزنطي وممن صرح بذلك السيد محسن في رجاله ناقلا له
عن الشيخ وغيره ثم بعد ما ذكر عن الشيخ وغيره في حق ابن أبي عمير
وصفوان من أنهما لا يرويان الا عن ثقة قال: وكذلك أحمد بن أبي نصر
البزنطي كما ذكر غير واحد بل حكى الاجماع فيهم ولذلك اشتهر
بين الأصحاب قبول مراسيلهم كما في الذكرى وغيرها بل عن ظاهر
الشهيد دعوى الاجماع على ذلك غير انا وجدناهم كثيرا ما يروون
عن الموثقين كأبان بن عثمان وعثمان بن عيسى ومنه رواية ابن أبي
عمير والبزنطي عن عبد الكريم بن عمرو الثقة وهو واقفي فلعلهم
أرادوا بالثقة في قولهم: لا يروون الا عن ثقة كما عن الشيخ في العدة
وغيره المعنى الأعم فإنهم كثيرا ما يطلقونه على ذلك ولكن وجدنا
هؤلاء الثلاثة يروون عن علي بن أبي حمزة البطائني والاجماع على خبثه
وانه من عمد الواقفية وقد قال فيه علي بن الحسن بن فضال: انه متهم

(1) روى الكليني في الكافي في باب وقت الصلاة باسناده
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ان عمر بن حنظلة أتانا عنك
بوقت فقال أبو عبد الله عليه السلام إذا لا يكذب علينا ".
79

كذاب ولذلك اشتهر عد حديثه في الضعاف (وقد يجاب) بان اخباره
معدودة في الموثقات لقول الشيخ في العدة بان الطائفة عملت باخباره
ويؤيده قول الشيخ رحمه الله أيضا بان له أصلا وهو يفيد مدحا
بل مدحا عظيما كما عن التقى المجلسي بل عن المحقق في المعتبر قبول
روايته لذلك لكن الظاهر أن هذا كله لا يقاوم ما هو المشهور من ضعفه
وقول علي بن الحسن بن فضال في حقه: انه متهم كذاب الذي يرجع
إليه في التعديل والجرح لقوة الظن بقوله اللهم الا ان يقال بان اخباره
التي عملت الطائفة بها انما كانت في حال استقامته وهى التي تضمنها
الأصل أو منها الأصل الذي قاله الشيخ وله طريق إليه وقول على: انه
متهم كذاب انما كان في حال انحرافه وزمان وقفه الذي هو بعد موت
المولى موسى بن جعفر صلوات الله عليه وعلى ابائه وأبنائه كما هو
المعنى المعروف للوقف فيكون حاله كغيره من الموثقين بالمعنى الأعم الذين
يروون هؤلاء الجماعة عنهم، وهو وجه حسن حقيقة، وقد صرح به غير
واحد من الاعلام كالمحقق في المعتبر والسيد محسن في رجاله لكن الكلام
في ثبوته وتحققه وانه في زمن استقامته كان عمل الطائفة باخباره كما يدعى
الشيخ وانما كان متهما كذابا في زمن انحرافه وبعد وقفه وهو غير
معلوم ولا دليل عليه مع أنه مخالف لقول علي بن فضال من أنه متهم
كذاب لظهوره في ثبوت هذا الوصف له مطلقا وعدم تنزيهه عنه
في زمن أصلا وهذا مما لا يمكن اجتماعه مع قول الشيخ أصلا ورأسا فلعل
الأقرب تقديم قول على في ذلك فإنه الخبير بل الا خبر بحاله
والمسموع قوله فيه وفى غيره كما نص عليه علماء الفن كالنجاشي وغيره
هذا مع شهرة ضعفه والتصريحات الواردة بقدحه والأخبار المستفيضة
في ذمه ولعنه وبقى كونه ذا أصل وهو وان أفاد حسنا ما لو خلى ونفسه
80

ولو حظ وحده لكنه لا ينفع بعد ملاحظة حاله تفصيلا وظهور
ضعفه حقيقة هذا على ما اشتهر بين الأصحاب من أنهم لا يروون الا
عن ثقة وصرح به (الوحيد) في فوائده الرجالية في امارات الوثاقة
لكن في صفوان وابن أبي عمير واما على ما ذكره الشيخ البهائي في وجيزته
التي تضمنت خلاصة على الدراية جعلها كالمقدمة لكتابه (حبل المتين)
من أن المذكور في أحوال ابن أبي عمير انه لا يرسل الا عن ثقة لا انه
لا يروى الا عن ثقة فلا اشكال (1).
(الفائدة الثامنة)
في بيان الحاجة إلى علم الرجال اعلم أنه بعد ابطال القول بقطعية
صدور اخبار الكتاب الأربعة فضلا عن غيرها كما ادعاه الشيخ الحر
في آخر وسائله فإنه لم يقتصر على الكتب الأربعة بل أضاف كثيرا
من الكتب تعرض لذكرها هناك وادعى قطعيتها وأقام على ذلك أدلة
كثيرة حسب أنها تدل على ذلك واتعب نفسه في ذلك تعبا شديدا
ونحن لما لاحظناها وتأملنا على كثرتها - لم نجد فيها ما يدل على مدعاه
بل غاية ما تدل على الظن بها والوثوق في الجملة ولما قامت الأدلة
الأربعة على حرمة العمل بالظن فلا بد من الرجوع إلى ما هو الحجة
ولما كانت الاخبار في كمال الغش إذ فيها المكذوب والصحيح والحسن
والموثق والضعيف والوارد للتقية إلى غير ذلك كان اللازم على المجتهد
تعيين ما هو الحجة عنده وذلك لا يحصل الا بالرجوع إلى هذا الفن
إذ فيه معرفة الامامي وغيرها والعادل وغيره والموثق وغيره والحسن

(1) راجع: وجيزة الشيخ البهائي (ص 181) الملحقة بآخر
خلاصة الرجال للعلامة الحلي طبع إيران سنة 1311 هج‍.
81

وغيره والضعيف والرجوع في ذلك إلى الغير غير جائز لاحتمال
رجوع الغير إلى الغير أيضا مع عدم معلومية حاله عندنا فنكون قد عولنا
على توثيق من لم نعرف حاله وذلك غير جائز هذا مع ما ترى
من الاختلاف فيما بينهم كثير من الرجال أو في الأكثر بل في كثير
من الأعاظم فترى هذا يوثق محمد بن سنان بل يجعله في أعلى درجات
الوثاقة وآخر يضعفه بل يجعله غاليا وكالمفضل بن عمر إلى غير ذلك
فان التعويل عليهما والاخذ بهما غير ممكن والتعويل على أحدهما دون
الآخر ترجيح بلا مرجح فانحصر الامر بالترجيح وهو المطلوب إذ لا
يكون الا بالرجوع إلى هذا الفن فإنه متكفل ببيان أحوال الرواة جميعا
التي بملاحظتها يحصل الترجيح هذا مع العلم بحصول الاختلاف
واما مع عدم العلم فلا يجوز أيضا التعويل على تعديل الغير بمجرد العثور
عليه للعلم بوجود الجارح غالبا فهو كالعام قبل الفحص عن مخصصه
فكما لا يجوز العمل بالعام قبل البحث والفحص عن مخصصه للعلم الاجمالي
بتخصيص العمومات غالبا حتى قيل ما من عام إلا وقد خص فلا بد
من البحث إلى الحد المعتبر وحينئذ فيخرج ذلك العام المبحوث عن حاله
- بعد البحث - عن أطراف ذلك العلم الاجمالي فهناك يجوز العمل بذلك
العام فكذا في المقام لا يجوز العمل بالتعديل بمجرد العثور عليه للعلم
الاجمالي بوجود الجارح غالبا فلعل محل الابتلاء منه فلا بد من البحث
إلى الحد المعتبر فهناك يجوز العمل بذلك التعديل لخروج مورده بعد
البحث عن أطراف ذلك العلم الاجمالي مضافا إلى أصالة حرمة العمل
بالظن وحينئذ فليقتصر على المتيقن خروجه فليس هو إلا ما كان بعد
البحث ولا اطلاق لأدلة حجية الخبر بحيث يشمل صورة الشك أعني المشكوك
في عدالته وبعبارة أخرى المشكوك في حصول شرط القبول له الذي هو
82

العدالة أو الوثاقة ولو بالمعنى الأعم كما عليه الشيخ - رحمه الله - كما هو
الاظهر كما حررناه في محله وحينئذ فلابد من احرازه اما بالعلم
أو ما قام مقامه وليس هو الا ما كان بعد البحث ولا يجوز اجراء
الأصل أعني أصالة عدم المعارض أعني الجارح المعارض للتعديل المفروض
ثبوته للعلم الاجمالي بوجود الجارح غالبا المانع من اجرائه كما في العام
قبل البحث عن معارضه أو هو في الحقيقة من باب الشبهة المحصورة
فكما لا يجوز اجراء الأصل فيها أعني في كل مورد من أطراف العلم الاجمالي
لأدائه إلى ابطال العلم الاجمالي فكذا في المقام وهذا ما تقتضيه القواعد
وحينئذ فما وقع من السيد محسن في رجاله بعد نقل كلام صاحب المعالم
المانع من التمسك في نفيه بالأصل بعد العلم بوقوع الاختلاف في شأن كثير
من الرواة بل لا بد للمجتهد من البحث عن كل ما يحتمل أن يكون له
معارض حتى يغلب على الظن انتفاؤه قال أعلى الله مقامه: " قلت: هذا
وإن كان لا يعرف لغيره الا انه ليس بالبعيد الا ان الوجه ان يخص
ذلك بما إذا كان مظنة اختلاف وربما لم يكن فان الاختلاف في الرواة
لم يبلغ في الكثرة إلى حيث يكون عدمه مرجوحا ليكون التعويل على التعديل
من دون بحث تعويلا على المرجوح كما قلنا في العام " هكذا قال أعلى الله
مقامه وهو كما ترى في غاية الغش كما نبهنا عليه في الفائدة السادسة
وتعرضنا لما فيه وما يمكن أن يكون منشأ للوهم تفصيلا هناك فلاحظ
والحاصل فلا فرق بين العام وما نحن فيه قبل البحث وبعده ودعوى
الفرق اشتباه وغفلة مضافا إلى الاخبار العلاجية الآمرة بالأخذ بالأعدل
والأوثق الموقوف امتثالها والعمل بها على البحث عن أحوال الرجال والفحص
عنها ليعرف ذو المزية والرجحان فيؤخذ به ويقدم على غيره لإفادة
تلك الأخبار كون المدار في الترجيح عند التعارض على قوة الظن
83

ولا اشكال في كون ملاحظة أحوال الرواة والاطلاع عليها له كمال المدخلية
في قوة الظن فاخبار من اتفقوا على وثاقته كزرارة مقدمة على غيرهم
واخبار من اجتمعوا على تصحيح ما يصح عنهم أقوى من غيرهم وان كانوا
ممن اتفقوا على وثاقته واخبار من وثقه الأئمة عليهم السلام كيونس
والعمرى أقوى من غيرهم وهكذا وحينئذ (فأقول) بان علم الرجال
علم منكر يجب التحرز عنه لان فيه تفتضح الناس وقد نهينا عن التجسس
عن معائبهم وأمرنا بالغض والتستر عن قبائحهم (كما ترى) مما لا ينبغي
سطره فإنه منقوض بمقام المرافعات المبنى على ذلك فإنه مسلم عند الجميع
مع أنه لا يتم الا بذلك فإذا جاز هناك جاز هنا، لعدم الفرق من حيث
التوقف لوضوح توقف معرفة الاحكام على هذا التجسس وهذا التفتيش
لعدم حصول شرط القبول للرواية الذي هو العدالة بالمعنى الأعم أو الأخص
بدونه (ودعوى) حرمته فيسقط ما توقف عليه لانحصاره بالمحرم (في محل
المنع) لمنع حرمته على الاطلاق بحيث يشمل المقام وما دل على حرمته
كالآية منصرف إلى غير المقام، ولو سلم عمومه فالأهمية في المقام وشبهه
كالمرافعات مسوغة له، بل موجبة كغير المقام من نظائره كما لو توقف
حفظ بيضة الاسلام على التترس ببعض المؤمنين أو توقف انقاذ الأجنبية
على الاطلاع على عورتها أو توقف حفظ نفس محترمة على قطع الصلاة
الواجبة أو غيرها من الواجبات إلى غير ذلك مما لا يحصى فهذه الشبهة
باطلة ساقطة ومثلها غيرها من الشبه التي ذكروها أو يمكن استنادهم إليها
(فمنها) ان الرجوع إلى علم الرجال وكتبه ليس الا تعويلا على النقوش
وما هي فيها من القراطيس وغاية ما ثبت انما هو حجية ظواهر الألفاظ
ومن الواضح البين ان النقوش ليست من الألفاظ في شئ فلتكن على الأصل
والقاعدة من حرمة العمل بالظنون فكيف يجوز الركون إليها والاعتماد
84

عليها وليست هي من امارات القطع بالمراد
(والجواب) ان الدليل القائم على حجية ظواهر الألفاظ والاعتماد
عليها من اجماع ونحوه بعينه قائم على حجية هذه النقوش والكتابات
وان لم تكن من الألفاظ فان سيرة العلماء بل وجميع الناس وديدنهم قديما
وحديثا على العمل بها والركون إليها والاحتجاج من بعض على بعض
بها من غير ظهور نكير منهم على ذلك ولا تفوه منهم واحد بذلك بل
لو تفوه بذلك متفوه لاعابوا عليه وجعلوا حقه من الجواب الاعراض
عنه وهكذا حال السابقين فترى الأئمة مع أصحابهم يتكاتبون هذا
يرسل السؤال والامام يرسل الجواب مع علمه بأنه انما طلب بالسؤال
الجواب ليعمل به ويهتدى به بعد حيرته وعلى هذا ديدنهم وطريقتهم
فلو كان في العمل بهذه النقوش باس لظهر منهم النكير ولأخبر به
الخبير فإنهم بمرئى منهم ومسمع مع قدرتهم على ردعهم وزجرهم
مع أنه لم يظهر منهم نكير على ذلك يوما بل ظهر منهم الاقرار على ذلك
بل الامر بذلك كما يشهد له أمر العسكري في كتب بنى فضال حيث
قيل له: ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاى؟ قال عليه السلام -
خذوا ما رووا وذروا ما رأوا وامر الشيخ أبى القسم الحسين بن روح
بعد ما سئل عن كتب الشلغماني باني أقول فيها ما قال العسكري
في كتب بنى فضال وامر الصادق عليه السلام المفضل بن عمر
بالكتابة وتوريثه بنيه بعد الموت معللا بأنه يأتي على الناس زمان هرج
لا يأنسون الا بكتبهم إلى غير ذلك.
(والحاصل) لا فرق بين الكتابة والألفاظ اجماعا بل ضرورة
ولكن مع الامن من التزوير والوثوق بها كما عليه طريقة الناس
كما أوضحناه في الفائدة الخامسة.
85

(ومنها) ان الرجوع غير مفيد لعدم معلومية كون تعديل المعدل
للراوي حال روايته بل غاية ما يثبت انما هو قضية مهملة وذلك غير
مجد فلا يجوز الاعتماد على توثيقه وتعديله وكيف يجوز الاعتماد عليه
والركون إليه ولم يحصل به الشرط الذي هو العدالة لاحتمال كون تعديل
المعدل انما كان قبل الرواية أو بعدها
(والجواب) ان الظاهر - بل المقطوع به ان هؤلاء المعدلين
كالنجاشي والشيخ والعلامة والمجلسي وأمثالهم ناظرون في تعديلهم
إلى الرواة المذكورين في الأسانيد حال روايتهم وليس غرضهم اثبات
وصف العدالة للراوي في الجملة حتى يقال: إنه غير مفيد فلا معنى للاعتماد
عليه ولذا نراهم يعولون على من وثقوه ويقبلون خبره ويطرحون
من ضعفوه ويقدمون عليه غيره وما ذاك الا لانطباق ذاك التعديل
على حال الرواية ويشهد لذلك ان الواقفية حال وقفهم يسمونهم الكلاب
الممطورة تشبيها لهم بالكلاب المبتلة من المطر كل ذلك من التحاشي عنهم
والتجنب لهم هذا مع أن كثيرا من الرواة بل الأكثر ان لم يكن الكل
أحوالهم مظبوطة ومذاهبهم معروفة معروفون بين أهل عصرهم وزمانهم الذين
يرجع إليهم في تعديلهم والموثوق بقولهم فيهم كعلى بن فضال و الشيخ
الجليل محمد بن مسعود العياشي فالمعدلون اما أن تكون تزكيتهم عن اطلاع
وخبرة لمعاصرتهم إياهم أو يكونوا ممن اخذ عنهم.
(والحاصل) فالتزكية انما هي ناظرة إلى الراوي حال روايته
لا قبلها ولا بعدها فالشرط حاصل.
(ومنها) ان العدالة مختلف فيها وفى المراد منها وهكذا الكبائر
والصغائر وحينئذ فالرجوع إلى المعدلين والجارحين غير نافع ولا مثمر
لعدم العلم بما يريدون.
86

(والجواب) ان العلم بارى المعدل أو مراده أمر ممكن بل ميسور
سيما لمن كان في هذا الفن ماهرا حاذقا مطلعا غاية الاطلاع وله فيه سعة
باع - كما تقدم عن (المنتقى) التصريح به ولو لم يعلم المراد فقد يقال
بل هو الوجه بان المعدل أو الجارح إذا كان عدلا وجب قبول خبره
وكان اللازم حمله على الواقع من غير فرق بين الوفاقيات والخلافيات
كساير اخباراته وهذا القدر كاف بل لا غرض الا الواقع وعلى ذلك
السيرة والطريقة ولذا لم نر أحدا من علمائنا قد تأمل من هذه الجهة
في تعديل من التعديلات مع اكثارهم التأمل من جهات أخر بل نراهم
يتلقون تعديل الاخر بالقبول حتى أنهم يوثقون بتوثيقه ويجرحون
بجرحه وما ذاك الا لحملهم له على الواقع الذي هو المطلوب وهذا
نظير أفعال المسلمين فان اللازم حملها على الصحة الواقعية من غير فرق
بين عباداتهم ومعاملاتهم وعلى ذلك السيرة والطريقة من الناس
مع أن الغرض من التعديلات المذكورة في أحوال الرواة انما هو بيان
أحوال الراوي من جهة قبول الخبر وعدمه فهذه قرينة على عدم إرادة
ما نسب إلى الشيخ في معنى العدالة من ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق
إذ هو غير نافع في القبول أصلا مع أن القول به لم يثبت لغير الشيخ
وحينئذ فينحصر الامر في إرادة أحد القولين الأخيرين وحيث إن القول
بحسن الظاهر ليس قولا مغايرا للقول بالملكة على الظاهر بل هو تعبير
عن الطريق إليها بواسطة الآثار الكاشفة عنها كان المراد من تلك التعديلات
انما هو الملكة وهو المطلوب
(هذا) مع النقض بالمرافعات وفى هذا كفاية وقد تقدم
في الفائدة الأولى الجواب تفصيلا فلاحظ.
(ومنها) ان أكثر أسامي الرجال مشتركة بين العادل والممدوح
87

و غيره وأكثر أسباب التمييز أو كلها لا تفيد الا أقل مراتب الظن وهو
منهى عنه عقلا ونقلا كتابا وسنة واجماعا.
(والجواب) منع أكثرية الاشتراك وما يوجد منه وهو القليل
أو الأقل فالتمييز له حاصل وإن كان بالظن (ودعوى) المنع منه
في المقام (في محل المنع) لقيام الدليل عليه كما بيناه مع الايضاح تفصيلا
في الفائدة الثانية؟؟.
(ومنها) ان تعديلات أهل الرجال غالبا ان لم تكن كلا من باب
شهادة الفرع بل تفرع الفرع وهكذا لعدم ملاقاتهم إياهم ولا ملاقاة
من لاقاهم ولا خلاف في عدم اعتبار غير الأولى مطلقا ومورد اعتبار
الأولى الأموال وحقوق المخلوق دون غيرها وفى كون المقام منها تأمل
بل منع مضافا إلى أن المعتبر حينئذ اثنان والمعروف الاكتفاء بالواحد.
(والجواب) المنع من كونها شهادة فرع أو فرع الفرع بل هي
من شهادة الأصل وعدم ملاقاتهم لا يمنع من ذلك لامكان العلم بأحوال
السلف بالامارات والقرائن وأحوالهم وصفاتهم المحكية عنهم سيما لأهل
الفن الماهرين المطلعين غاية الاطلاع مع أن الوجه في التعديل ما عرفت
من أنه ليس من باب الشهادة ولا من باب الحبر بل هو من باب
الظنون الاجتهادية ومن هذا يظهر الجواب عما يقال: بان كثيرا
من المعدلين كانوا فاسدي العقيدة كابن عقدة لكونه زيديا وابن فضال
لكونه فطحيا وشهادة مثلهم غير مسموعة اجماعا لما عرفت من أنها
ليست من الشهادة في شئ مع أنها على المشهور من كونها من الخبر
مقبولة لكفاية العدالة بالمعنى الأعم في قبوله على الأظهر وهى فيهم حاصلة
ولا فرق في ذلك بين الجرح والتعديل فما عن البهائي من التفصيل بين
جرح غير الامامي للامامي وتعديله بان جرح غير الامامي للامامي لا عبرة به
88

وإن كان الجارح ثقة اما تعديل غير الامامي إذا كان ثقة لمن هو
امامى المذهب فحقيق بالاعتماد والاعتبار فان الفضل ما شهدت به الأعداء
ومن هذا القبيل توثيق ابن عقدة لحكم بن حكيم هكذا فصل في (فوائده)
وهو كما ترى في محل المنع إذ هي إن كانت من باب الشهادة فهي غير
مقبولة مطلقا وإن كانت من باب الخبر فهي مقبولة مع الوثاقة مطلقا
أيضا وكذا لو كانت من باب الظنون لدوران الامر مدار الظن حينئذ
فلا وجه للتفصيل.
(ومنها) ان الرجوع إلى التعديلات المذكورة في كتب القوم غير
نافع لاحتمال السقط في السند إذ التعديلات انما تنفع في معرفة أحوال
الرواة المذكورين في السند اما في معرفة الساقط فلا وحينئذ فلا يعرف
الخبر من أي الأقسام الأربعة التي جرى عليها الاصطلاح بين المتأخرين
فيكون الخبر بحكم القسم الضعيف الذي هو غير حجة.
(والجواب) ان احتمال السقط منفى بالأصل إذ السقط عن عمد
منفى بحكم العدالة إذ هو من الكذب والتدليس فلم يبق الا ما كان
عن غفلة ونسيان وهو منفى بالأصل فان العقلاء حاكمون بذلك والا
لكان ذلك قادحا في جميع الاخبارات لجريان ذلك بعينه فيها، فيقتضى
ان لا يقبل شئ منها الا بعد احراز عدم السقط فيها بالقطع وبناء العقلاء
على خلافه مع انا لا نعول على أي نسخة تكون بل لابد من كونها
معتبرة مصححة حتى يحصل الظن والاطمئنان بها وهو كاف لتعذر العلم
وهذا من الظنون التي قام الدليل على اعتبارها، إلى غير ذلك من الوجوه
التي استندوا إليها أو يمكن دعوى استنادهم إليها وما سمعت هو العمدة
منها وقد عرفت فساده والغرض لنا اثبات الحاجة إلى هذا الفن
في الجملة في مقابل السلب الكلى ولسنا ندعى ثبوت الحاجة في كل مورد
89

من موارد الاستنباط لوضوح ان كثيرا من الاحكام اجماعية وكثيرا
منها مدركها الأصول العملية شرعية أو عقلية وكثيرا منها قطعية بالسيرة
العملية أو بقاعدة اليسر و نفى الحرج أو بقاعدة لا ضرر أو بقاعدة
القرعة أو بغير ذلك من القواعد التي لا تتوقف على معرفة أحوال الرواة
نعم ما كان من الاحكام مدركه الاخبار الظنية كان محتاجا فيه إلى معرفة
الطريق الذي هو الرواة لذلك الخبر من غير فرق بين صورة التعارض
وغيرها ولعله الأكثر ومن هنا تعظم الحاجة إليه ومن هنا يظهر بطلان
ما قد يقال أو قيل بثبوت الحاجة في صورة التعارض دون غيرها لوضوح
انه مع عدم التعارض لا بد من معرفة صحة الطريق أو كونه من الحسن
أو كونه من الموثق أو كونه من القوى وهو موقوف على الرجوع
إلى هذا الفن هذا لو قلنا بالاصطلاح الجديد وقصرنا الحجية على بعضها
أو قلنا باعتبار الجميع اما لو قلنا باعتبار مطلق المظنون صدوره والموثوق
به كما هو الصحيح عند القدماء فكذلك الحاجة ثابتة إذ الرجوع
إلى هذا الفن والاطلاع على أحوال الرواة من أعظم الامارات المفيدة
للظن بل الظن أقوى كاهل الاجماع ومن شابههم وحينئذ فالقول
بالتفصيل بين صورة التعارض فالافتقار إلى هذا الفن وغيرها فلا كما
عن بعضهم كما ترى في غير محله.
(والحاصل) فالحاجة إلى هذا الفن من حيث معرفة أحوال الرواة
في الجملة في مقابل السلب الكلى مما لا ريب فيه وفى الوجدان والعيان
غنية عن إقامة البرهان فالتأمل فيه فضلا عن القول بعدمه عناد
صرف بل حتى لو قلنا بقطعية اخبار الكتب الأربعة دون غيرها
أو مع الضم إليها من غيرها فالحاجة أيضا ثابتة إذ تعيين كون ذلك
المضمون الصادر يقينا انه هو الواقع أو للتقية قد ينفع فيه معرف أحوال
90

الرواة كما هو واضح مع أن القول بالقطعية بديهي البطلان كما بيناه
تفصيلا في أول تعليقتنا على الفوائد وحينئذ فنقول: ان الرواة أقسام ثلاثة فقسم متفق على وثاقته ومنهم أصحاب الاجماع وقسم مختلف
فيه وثالث مجهول حاله قد أهملوا ذكره ولا ينبغي الغض عن هذا
القسم أصلا والاعراض عنه رأسا، بل عليك الفحص والتفتيش عن أحواله
مهما أمكن فلربما يظهر من بعض الامارات ما يفيده مدحا كرواية
بعض الاجلاء كابن أبى عمير عنه أو غيره من أهل الاجماع أو غيرهم
من الاجلاء أو روايته عنهم إلى غير ذلك من امارات المدح أو القدح
التي يطلع عليها الماهر المتتبع دون غيره فكم من راو مجهول الحال عند
جملة وعند آخرين خلافه كالقسم بن عروة فقد عده بعضهم من مجهول
الحال كصاحب (المنتقى) ومثله ولده الشيخ محمد في حاشيته على التهذيب
مع أن في رواية ابن أبي عمير بل وصفوان عنه ما يفيد مدحه بل ربما
يشير إلى الوثاقة بواسطة ما عن الشيخ من أنه لا يروى الا عن ثقة
ولذا وغيره رجح بعضهم كالوحيد البهبهاني حسن حاله أو الاعتماد عليه
وقد يستفاد حسن حال الراوي أو ضعفه من بعض الأخبار كعمر بن
حنظلة لقول الصادق - عليه السلام فيه في حديث الوقت: " إذا
لا يكذب علينا بل حكم الشهيد الثاني بوثاقته لذلك وان رده ولده
المحقق (صاحب المعالم) واستغربه لضعف الخبر لمكان يزيد بن خليفة
مع أن الدلالة ضعيفة ولكن المدح لا ينكر سيما بعد رواية الاجلاء له
وعمل كثير به ومثله غيره في استفادة حاله حسنا وضعفا من الاخبار
وقد ذكر شيخنا البهائي في فوائده جملة من الرواة يستفاد حالهم من الاخبار
كأحمد بن محمد بن خالد فإنه استفاد ضعفه من اخر الحديث الطويل
الصحيح المذكور في الكافي في باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم
91

- عليهم السلام وذريح (1) فإنه استفاد مدحا عظيما له من (الفقيه)
في باب قضاء التفث في حديث صحيح السند (2) والقاسم بن عبد الرحمن
الصيرفي فإنه استفاد مدحه من حديث صحيح السند في أواخر كتاب
(الروضة) من الكافي (3) وداود بن زربي فإنه استفاد تشيعه من حديث
توضأ ثلاثا من زيادات القضاء من التعذيب كما هو مروى فيه بسند
موثق (4) وعبد الحميد بن سالم العطار فإنه استفاد توثيقه من حديث
صحيح (5) (قال): ولعل العلامة اخذ توثيقه من هذا الحديث، والا

(1) راجع: كتاب الحجة من أصول الكافي الباب المذكور
الحديث الثاني (ج 1 - ص 526) طبع إيران (طهران) سنة 1381 هج‍
(2) راجع: كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق - رحمه الله -
كتاب الحج باب قضاء التفث الحديث الثامن (ج 2 - ص 291)
طبع النجف الأشرف سنة 1377 هج‍ وراجع أيضا الحديث في الكافي
في كتاب الحج باب اتباع الحج بالزيارة الحديث الرابع (ج 4 -
ص 549) طبع إيران (طهران) سنة 1377 هج‍.
(3) راجع: كتاب روضة الكافي (ص 374) الحديث ال‍ (562)
طبع إيران (طهران) سنة 1377 هج‍.
(4) راجع: التهذيب (ج 1 - ص 82) كتاب الطهارة - باب
صفة الوضوء والفرض منه الحديث ال‍ (63) طبع النجف الأشرف
سنة 1377 هج‍ وراجع رجال الكشي (ص 264) في ترجمة داود بن
الزربي فإنه روى فيه حديث (توضأ ثلاثا).
(5) راجع الحديث في التهذيب (ج 9 - ص 240 - ص 241)
باب الزيادات من كتاب الوصايا - الحديث ال‍ (25) طبع
النجف الأشرف سنة 1382 هج‍.
92

فالقوم لم يوثقوه (انتهى) إلى غير ذلك من الامارات التي يقف عليها
المتتبع وقد ذكروا للمدح والقدح امارات كثيرة وقد تعرض لها (الوحيد)
في فوائده الخمس التي جعلها مقدمة لتعليقته وتعرض لما فيها من الأقوال
ونحن قد تعرضنا لكثير منها أو الأكثر فيما علقناه على تلك الفوائد
وحاصلها يرجع إلى أمرين: قول وفعل والقول يرجع إلى قسمين فقسم
مرجعه العرف واللغة كقولهم ثقة وعدل وخير وصالح وضابط
ومتقن إلى غير ذلك وفى القدح ما يقابله واخر مرجعه إلى الاصطلاح
كقولهم قطعي يريدون من قطع بموت الكاظم عليه السلام وواقفي
وهو من وقف عليه ولم يتعده كما هو المعنى المعروف له دون من وقف
على غيره وسمى بغير هذا الاسم كالكيسانية وهم الذين وقفوا على محمد
ابن الحنفية لزعمهم انه حي غاب في جبل رضوى، وربما يجتمعون ليالي
الجمعة في الجبل ويشتغلون بالعبادة و الناووسية وهم القائلون بالإمامة
إلى الصادق عليه السلام الواقفون عليه لزعمهم انه حي ولن يموت
حتى يظهر ويظهر امره وهو القائم المهدى (قيل) نسبوا إلى رجل يقال
له ناووس (وقيل) إلى قرية يقال لها ذلك ولكن المعروف هو الأول
واما الفعل فكونه يروى عن الثقات أو الأجلة أو يروى الأجلة
عنه سيما أهل الاجماع وخصوصا مثل ابن أبي عمير والبزنطي الذي قيل
في حقهم ما سمعت.
هذا في المدح، وفى القدح ما يقابله كروايته عن المجاهيل
أو الضعفاء أو الغلاة أو المفوضة فيكون للفعل الدال على المدح
قسمان فقسم صدر من الراوي دال على حسن حاله وهو روايته
عن الثقات أو الأجلة وهو القسم الأول لدلالته على اتصاله بهم اما
لتعلمه منهم فهم مشايخه أو لصحبته لهم فإذا كثرت روايته عنهم دل
93

على كونه من خاصتهم وبطانتهم فيفيد زيادة في الحسن ولذا ورد
عنهم عليهم السلام -: اعرفوا منازل الرجال منا بقدر روايتهم
عنا ومن هنا عدوا كثرة الرواية من امارات المدح بل ربما جعل
هذا امارة على التوثيق (قال السيد) في رجاله: وليس بذلك البعيد بناء
على الاكتفاء في العدالة بحسن الظاهر (ثم قال): ولعل بناء الشهيد الثاني
رحمه الله كان على ذلك حيث قال في الحكم بن مسكين لما كان كثير
الرواية ولم يرد فيه طعن -: فانا اعمل بروايته على ما حكى التقى المجلسي
عنه والقسم الثاني ما كان صادرا عن غيره كرواية الثقات أو الأجلة
عنه ودلالة هذا على المدح أظهر من الأول، إذ هو اما من مشايخهم
أو من أصحابهم الأعلون ولا أقل من أن يكون من أمثالهم ونظرائهم
(وكيف كان) فهو في المرتبة القصوى من المدح ومن ذلك رواية علي بن
إبراهيم عن أبيه واكثاره الرواية عنه فإنه من الامارات الدالة على حسن
أبيه بل من اعظمها بل ربما تشير إلى الوثاقة والاعتماد ومن هذا الباب
كثرة الراوين لكتابه فان ذلك من امارات الاعتماد اما عليه أو على كتابه
إذ الغرض من الرواية انما هو العمل ظاهرا فيفيد الاعتماد عليه ولو في رواياته
سيما بملاحظة اشتراطهم العدالة في الرواية وقد يجتمع الوجهان أو الوجوه
الثلاثة وهى كثرة الراوين لكتابه أو عنه أو كثرة روايته عنهم
عليهم السلام وعن الأجلة ففي إسماعيل بن أبي زياد السكوني اجتمع
الوجهان فإنه أكثر الرواية عنهم عليهم السلام وكثر تناول الأصحاب
منه وان اشتهر تضعيفه وانه عامي بل عن ابن إدريس في فصل ميراث
المجوس: انه لا خلاف في كونه عاميا وربما أيد ذلك بأسلوب رواياته
فإنه لا يقتصر في الغالب على أبى عبد الله عليه السلام بل يروى هكذا
94

عنه عن أبيه عن ابائه، وربما يجعل اجتماع هذين الوجهين فيه طريقا
للحكم بكونه اماميا وعن النقي المجلسي: ان الذي يغلب في ظني انه كان
اماميا لكنه مشهور بين العامة حتى أنه كان من قضاتهم وكان يروى
عن الصدق عليه السلام في جميع أبواب الفقه فكان يتقى منهم أشد تقاة
(قلت) فإذا انضم إلى ذلك ما عن الشيخ والمحقق وغيرهما من الحكم
بوثاقته حتى حكى الشيخ انفاق الأصحاب على العمل بروايته كان ثقة
إذ ما كانوا ليتفقوا على غير ثقة فهب انه كان عاميا لكنه ثقة
في مذهبه فغايته ان الرواية تكون من جهته من الموثق لا من الصحيح
على الاصطلاح الجديد وهو حجة على الأظهر وفى حكم الفعل الدال
على المدح أو الوثاقة ترك القدح في سند من جهة بعض الرواة مع القدح
فيه من جهة غيره مع اتحاد الطريق لوضوح كشفه عن الحكم بصحته
والا لقدح فيه كغيره وانما جعلنا القسم الثاني من الدال على المدح فعلا
لان الدال على المدح ليس الا الرواية عن الثقات والاجلة أو روايتهم
عنه وكونها من الافعال واضح ولو لاحظناها محكية إذ المحكى للناقل
ليس الا الفعل وهو الدال على المدح ولا كذلك المحكى من الألفاظ
الدالة على المدح أو التوثيق كقولهم ثقة أو عدل أو صالح أو نحو
ذلك فان نفس المحكى وصف من أوصاف المدح أو هو توثيق بنفسه
كاللفظتين الأوليين فالحاكي للفظ لا عن غيره اما شاهد بالوثاقة أو مخبر
بها أو بما يقضى بالمدح والحسن بالدلالة الوضعية كصالح ووجه
وعين ونحوها من الألفاظ الدالة بالوضع على المدح بخلاف الفعل المحكى
ككونه كثير الرواية عنهم عليهم السلام فإنه أمر خارجي لا دلالة له
وضعية كاللفظ وانما دلالته من جهة العادة والاعتبار وذلك من جهة
كشفه بواسطة تلك الكثرة عن شدة الملازمة وزيادة الصحبة فيفيد انه
95

بمكان من القرب منهم وهكذا كلما زادت الصحبة زاد القرب حتى يبلغ
مراتب الخواص بل أخص الخواص ومن هنا قالوا صلوات الله
عليهم اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنا ولعل من هذا الباب أعني من المدح بالفعل قولهم: من مشايخ الإجازة فان مرجعه إلى أنه
يجيز كثيرا حتى صار له دابا وفى ذلك مرجعا وفى الحقيقة هو قابل
للدخول في القسمين كما هو واضح وكيف كان فلا ريب في إفادته
المدح بل مدحا معتدا به بل لا يبعد إفادته الوثاقة والاعتماد إذ معنى
كونه من مشايخ الإجازة انه ممن يستجاز في رواية الكتب المشهورة وذلك أن
طريقة الأصحاب على قديم الدهر مستقيمة على عدم استباحة الرواية
من الكتب وإن كانت معروفة حتى يروى لهم رواية رواية ولا أقل
من أن يجيز لهم الشيخ رواية ما فيه حتى أنهم ليشدون الرحال في ذلك
ويتكلفون المشاق وكفاك شاهدا على ذلك ما وقع لعلي بن الحسن بن فضال
حيث كان يروى كتب أبيه عن أخويه ولم يستبح روايتها عن أبيه
مع أنه كان قابله بها وهو ابن ثماني عشرة سنة غير أنه لم يكن ذلك
على سبيل الرواية من حيث إنه لم يكن يعرف ذلك ولم يجزه أبوه
وما جرى لأحمد بن محمد بن عيسى مع الحسن بن علي الوشاحين سأله
ان يخرج له كتابي العلا بن رزين وأبان بن عثمان الأحمر فلما أخرجهما
قال: أحب ان تجيزهما لي فقال له: يرحمك الله ما أعجلك اذهب
فاكتبهما واسمع من بعد فقال: لا امن الحدثان (الحكاية) وما حكى
حمدويه الثقة عن أيوب بن نوح من أنه دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمد
ابن سنان فقال: ان شئتم ان تكتبوا ذلك فافعلوا فانى كتبت عن محمد
ابن سنان ولكن لا اروى لكم عنه شيئا فإنه قال قبل موته كلما حدثتكم
لم يكن لي سماع ولا رواية وانما وحدته ومن هنا استقامت طريقتهم
96

على الفرق بين الرواية عن الراوي والنقل من الكتاب فتراهم تارة يقولون:
ورى فلان وحدثني واخرى: وجدت في كتابه وخطه إذا عرفت
هذا قلنا: ما كان العلماء وحملة الاخبار ولا سيما الاجلاء ومن يتحاشى
في الرواية عن غير الثقات فضلا عن الاستجازة ليطلبوا الإجازة
في روايتها الا من شيخ الطائفة وفقيهها ومحدثها وثقتها ومن يسكنون إليه
ويعتمدون عليه وبالجملة فلشيخ الإجازة مقام ليس للراوي ومن هنا
حكى عن صاحب المعراج (1) أنه قال: لا ينبغي ان يرتاب في عدالتهم
بل عن المحقق البحراني ان مشايخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة والجلالة
وعن الشهيد الثاني ان مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم
ولأجل ذلك صحح العلامة وغيره جملة من الاخبار مع وقوع من لم يوثقه
أهل الرجال من المشايخ في السند واعترض بأمرين:
(أحدهما) ان إبراهيم بن هاشم وابن عبدون كانا من مشايخ الإجازة
قطعا مع عد هم لاخبارهما في الحسان.
(الثاني) ان من مشايخ الإجازة من كان فاسد العقيدة كبنى فضال
واضرابهم إذ لا ريب ان أصحابنا في الرجوع إليهم كانوا يروون عنهم
ويستجيزون منهم.
(والجواب) ان التعلق في ذلك انما هو بالظهور والمظنة ولا ريب
في ظهور ما قلناه من الوثاقة والجلالة ومن عد اخبار إبراهيم وابن عبدون

(1) صاحب المعراج هو أبو الحسن شمس الدين الشيخ سليمان ابن
الشيخ عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار البحراني
الستري الماحوزي صاحب المؤلفات العديدة التي منها (بلغة المحدثين)
في الرجال المولود سنة 1075 هج‍ والمتوفى سنة 1121 هج‍.
97

في الحسان فهو مبنى على عدم اعتبار المظنة وعدم ملاحظة هذه الطريقة
بل لابد عنده من التنصيص على الوثاقة واما احتمال فساد العقيدة
فيضمحل بثبوت كون الشيخ من أصحابنا فإن لم يثبت وقام احتمال الانحراف
كان موثقا قويا بل قد نقول بظهور الوثاقة مع قيام الاحتمال وبالجملة
فالتعديل بهذه الطريقة غير بعيد حقيقة كما عليه كثير من المتأخرين
كما عن (المعراج) وإن كان المعروف عد ذلك في الممادح وموجبات الحسن
(واعلم) ان الغرض من الاستجازة ليس مجرد الاتصال كما قد يظن
بل الضبط فان العلم بالكتاب لا يستلزم العلم بكل خبر من اخباره بل
العلم بالخبر لا يستلزم العلم بكيفيته مع أن الأصل عدم العلم ثم لا يخفى
ان الاستجازة كما تكون في المعلوم فكذا تكون في غيره بان يدفع إليه
أصلا مصححا لا يعرفه الا من قبله ويجيز له روايته وحيث انجر الكلام
إلى الإجازة فلنذكر جملة من طرقها وأنواعها فان في ذلك فوائد كثيرة
ومنافع عظيمة.
فاعلم أن الإجازة تتنوع أنواعا أربعة لأنها اما ان تتعلق بأمر معين
لشخص معين أو عكسه أو بأمر معين لغيره أو عكسه وأعلاها
الأول وهو الإجازة لمعين بمعين كأجزتك الكتاب الفلاني وانما كانت أعلى
لانضباطها بالتعيين حتى زعم بعضهم انه لا خلاف في جوازها وانما الخلاف
في غير هذا النوع ثم الإجازة لمعين بغير معين كقولك أجزتك مسموعاتي
أو مروياتي وما أشبهه وهو أيضا جائز على الأظهر الأشهر (ووجه
القول) بالعدم من حيث عدم انضباط المجاز فيبعد عن الاذن الاجمالي
المسوغ (وهو كما ترى) ولو قيدت بوصف خاص كمسموعاتي من فلان
أو في بلد كذا فالجواز أوضح ثم بعدهما الإجازة لغير معين كجميع
المسلمين أو من أدركه زماني أو ما أشبه ذلك سواء كان بمعين كالكتاب
98

الفلاني أو بغير معين كما يجوز لي روايته ونحوه وفيه خلاف فجوزه
على التقديرين جماعة من الفقهاء والمحدثين ومنهم شيخنا الشهيد رحمه الله
فإنه طلب من شيخه السيد تاج الدين ابن معية الإجازة له ولولده ولجميع
المسلمين ممن أدرك جزء من حياته جميع مروياته فأجازهم ذلك بخطه
وتبطل الإجازة بمروى مجهول أو لشخص مجهول فالأول ككتاب كذا
وللمجيز كتب كثيرة بذلك الاسم والثاني كقوله: أجزت لمحمد بن فلان
وله موافقون في ذلك الاسم والنسب ولا يتعين المجاز له منهم وليست
من هذا القبيل اجازته لجماعة معينين بأسمائهم وانسابهم والمجيز لا يعرفهم
بأعيانهم فإنه غير قادح كما لا يقدح عدم معرفته لهم إذا حضروا
في السماع منه لحصول العلم في الجملة وتمييزهم في أنفسهم وفى صحة الإجازة
للمعدوم ابتداء كقوله: أجزت لمن يولد لفلان قولان من أنها اذن
لا محادثة فتجوز ومن انها لا تخرج من الاخبار بطريق الجملة وهو
لا يعقل للمعدوم ابتداء ولو سلم كونها اذنا فهي لا تصلح للمعدوم
كذلك كما لا تصح الوكالة للمعدوم وتصح لغير المميز من المجانين والأطفال
بعد انفصالهم بغير خلاف ينقل وهو ان لم يكن اجماعا مشكل بعدم القابلية
وعدم الأهلية مع أنه أي فرق بينه وبين المعدوم الذي اختلفوا في صحة
الإجازة له ابتداء (فان قيل) الوجود فارق (قيل له) أي ثمرة
في الوجود مع عدم القابلية مع أنهم اختلفوا في الحمل قبل وضعه فان
في صحة الإجازة له قولين فلو كان الوجود بمجرده كافيا لم يكن للخلاف
وجه لكن المحكى عن جماعة من علمائنا الأعاظم فعل ذلك لأولادهم وأطفالهم
كشيخنا الشهيد أعلى الله مقامه فإنه استجاز من أكثر مشايخه بالعراق
لأولاده الذين ولدوا بالشام قريبا من ولادتهم و السيد جمال الدين بن
طاووس لولده غياث الدين وهل يشترط في صحة الإجازة التلفظ بها؟
99

الظاهر لا فإذا كتب المجيز بالإجازة وقصدها وعرف منه ذلك صحت
وان لم يتلفظ بها كما صحت الرواية بالقراءة على الشيخ مع أنه لم يتلفظ
بما قرا عليه ووجهه تحقق الاذن والاخبار بالكتابة مع الامارات الكاشفة
عن القصد كما تتحقق الوكالة بالكتابة مع قصدها وان لم يتلفظ بها عند
بعضهم حيث إن الغرض مجرد الإباحة والاذن وهى تتحقق بغير اللفظ
كما تتحقق به كتقديم الطعام إلى الضيف ودفع الثوب إلى العريان ليلبسه
والاخبار يتوسع بها في غير اللفظ عرفا ثم اعلم أن المشهور بين العلماء
من المحدثين والأصوليين نقلا وتحصيلا على الظاهر جواز العمل بها
بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه بل غير معلوم وجود المخالف منا.
(نعم) حكى الخلاف عن الشافعي في أحد قوليه وجماعة من أصحابه
وهو في غاية الضعف والسقوط لعدم الفرق بينها وبين طريق السماع
الا في الاجمال والتفصيل إذ الإجازة عرفا في قوة الاخبار بمروياته جملة
فهو كما لو اخبره تفصيلا بكل خبر ولا يعتبر التصريح نطقا كما في القراءة
على الشيخ والغرض حصول الافهام وتحقيق الإجازة ولسنا نكتفي بالإجازة
مطلقا بل لا بد من تصحيح الخبر من المخبر بحيث يوجد في أصل مصحح
سليم من الدس والتزوير والتصحيف ونحو ذلك من الخلل وموانع العمل
ثم اختلف المجوزون في ترجيح السماع على الإجازة والقراءة أو العكس
على أقوال (ثالثها) الفرق بين عصر السلف قبل جمع الكتب المعتبرة التي
يعول عليها ويرجع إليها وبين عصر المتأخرين ففي الأول السماع أرجح
لان السلف كانوا يجمعون الحديث عن صحف الناس وصدور الرجال
فدعت الحاجة إلى السماع خوفا من التدليس والتلبيس بخلاف ما بعد
تدوينها لان فائدة الرواية حينئذ انما هي اتصال سلسلة الاسناد بالنبي
صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام تبركا وتيمنا
100

والا فالحجة تقوم بما في الكتب ويعرف القوى منها والضعيف من كتب
الجرح والتعديل وهذا قوى متين غير أن السماع من الشيخ لا يخفى رجحانه
على اجازته وعلى القراءة عليه لوضوح أضبطيته في تشخيص متن الحديث
بزيادة حرف أو نقصانه أو تغيير مادة أو هيئة أو نحو ذلك مما يوجب
تغيير المعنى والإجازة اخبار اجمالي وأين هو من التفصيلي والقراءة
على الشيخ لا تخلو عادة من غفلته فليست هي كالسماع منه من غير فرق
بين كون السماع من حفظه أو من كتاب بيده ومن غير فرق بين كون
السماع هو المقصود أو غيره، فان ذلك كله من السماع في الاصطلاح
ومع كونه أرجح هو ارفع الطرق وأعلاها عند جمهور المحدثين كما نصوا
عليه كالشهيد الثاني في (درايته) وغيره واستدل في الدراية بان " الشيخ
اعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته ولأنه خليفة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم - وسفيره إلى أمته والاخذ منه كالأخذ منه ولان النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - أخبر الناس أولا واسمعهم ما جاء به والتقرير
على ما جرى بحضرته أولي ولان السامع اربط جأشا واوعى قلبا
وشغل القلب وتوزع الفكر إلى القارئ أسرع وفى صحيحة عبد الله بن
سنان قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: " يجيئني قوم فيسمعون
منى حديثكم فاضجر ولا أقوى قال: فاقرأ عليهم من أوله حديثا
ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا فعدوله إلى قراءة هذه الأحاديث
مع العجز يدل على أولويته على قراءة الراوي والا لأمر به " انتهى (1)
ودلالة الصحيحة لا تخلو من تأمل لاحتمال كون الامام - عليه السلام -
بصدد كفاية الطريق تسهيلا عليه اما انه أولي فلا.

(1) راجع دراية الشهيد الثاني (ص 84 - ص 85) طبع
النجف الأشرف مطبعة النعمان.
(المحقق)
101

(ومن الامارات الفعلية) الدالة على المدح اعتماد القميين عليه
وروايتهم عنه لما عرفوا به من شدة الانكار ولذا طعنوا في أحمد بن
محمد البرقي حتى أن أحمد بن محمد بن عيسى ابعده عن قم مع أن ذلك
ليس لضعف في نفسه بل لكونه يروى عن الضعفاء ويعتمد المراسيل
ولذا اعاده إليها بعد ما ابعده واعتذر إليه ولما توفى مشى في جنازته
حافيا حاصرا ليبرئ نفسه مما قذفه به ومثله رواية ابن الغضائري عنه
معتمدا عليه ولما عرف من حاله من تسرعه بالقدح فإذا اعتمد
على رواية أحد دل على سلامته مما يراه قادحا فيفيد ذلك مدحا عاليا
بل اعتمادا وتوثيقا ولكن لا يخفى ان ما نزهه عنه قد لا يكون عيبا
في الواقع بل خلافه وضده هو العيب كمقالة الصدوق - عليه الرحمة -
من أن نفى السهو والنسيان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والأئمة
- عليهم السلام - من أول مراتب الغلو، فان اعتقاد ذلك بل احتماله
في حقهم - عليهم السلام - فضلا عن القول به - هو العيب وحينئذ
فاعتماده كقدحه غير نافع، لتسرعه وعدم تثبته في موجبات المدح والقدح
كغيره من المتسرعين في سائر الموارد وهذا عيب عام في جميع أهل
الصنايع ولا خصوصية لهذا الفن كما هو واضح ولذا وقع من الشيخ
الطوسي - رحمه الله - ما وقع مع أنه شيخ الطائفة وفقيهها وعمادها ومرجعها
حتى أن تلامذته على ما حكى التقى المجلسي وغيره ما يزيد على ثلثمائة
من مجتهدي الخاصة والعامة مما لا يحصى وقد كان الخليفة جعل إليه
كرسي الكلام يكلم عليه الخاص والعام حتى في الإمامة لخفة التقية يومئذ
وذلك انما يكون لوحيد العصر فهو مستوعب لأوقاته ومستغرق لها
ما بين تدريس وكتابة وتأليف وكلام وافتاء وقضاء وزيارة وعبادة وغير
ذلك وكان همه جمع الآثار والأقوال والإحاطة بجميع المذاهب
102

والفنون فمن أجل ذلك لابد من حصول الغفلة والعثرة والمعصوم
من عصمة الله.
(فمن ذلك) ذكره الرجل في بابين متناقضين كباب من يروى
وباب من لم يرو فيما علم اتحاده فيوهم من لا تدبر له التعدد وذلك
كما ذكر فضالة بن أيوب مرة في أصحاب الكاظم - عليه السلام - فإنه قال:
فضالة بن أيوب الأزدي ثقة وفى أصحاب الرضا - عليه السلام - قال:
فضالة بن أيوب عربي أزدي وفى باب من لم يرو قال: روى عنه
الحسين بن سعيد وكما ذكر القاسم بن عروة مرة في أصحاب الصادق
- عليه السلام - حيث قال أعلى الله مقامه -: القاسم بن عروة مولى
أبى أيوب المكي وكان أبو أيوب من موالى المنصور له كتاب
واخرى في باب من لم يرو حيث قال: القاسم بن عروة روى عنه البرقي
احمد وكما ذكر القاسم بن محمد الجوهري مرة في أصحاب الكاظم
- عليه السلام (- حيث قال: القاسم بن محمد الجوهري له كتاب واقفي
ومرة في أصحاب الصادق - عليه السلام - حيث قال: القاسم بن محمد
الجوهري مولى تيم الله كوفي الأصل، روى عن علي بن حمزة وغيره
له كتاب وفى باب من لم يرو قال: القاسم بن محمد الجوهري روى
عنه الحسين بن سعيد وكما ذكر قتيبة بن محمد الأعشى مرة في رجال
الصادق - عليه السلام - قال قتيبة بن محمد الأعشى أبو محمد الكوفي
وفى باب من لم يرو قال: قتيبة الأعشى روى حميد بن القاسم بن إسماعيل
عنه، وكما ذكر كليب بن معاوية الأسدي مرة في أصحاب الباقر
- عليه السلام - هكذا - مقتصرا عليه -، ومرة في أصحاب الصادق
- عليه السلام - واخرى فيمن لم يرو حيث قال: كليب بن معاوية
الأسدي روى عنه الصفواني، وكما ذكر محمد بن عيسى العبيدي مرة
103

في أصحاب الرضا - عليه السلام قائلا: محمد بن عيسى بن عبيد بغدادي
واخرى في باب من لم يرو قال: محمد بن عيسى اليقطيني ضعيف
وفى أصحاب الهادي - عليه السلام - محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني يونسي
ضعيف وفى أصحاب العسكري - عليه السلام - محمد بن عيسى اليقطني
بغدادي يونسي وكما ذكر معاوية بن حكيم مرة في أصحاب الجواد
والهادي - عليهما السلام - ففي الأول ابن حكيم مقتصرا عليه وزاد
في الثاني ابن معاوية بن عمار الكوفي وفى باب من لم يرو عنهم
- عليهم السلام - روى عنه الصفار ومن ذلك ما نبه عليه شيخنا البهائي
في فوائده من عد زرارة ومحمد بن مسلم من أصحاب الكاظم عليه السلام
حيث قال: فائدة في عد الشيخ في كتاب رجاله زرارة ومحمد بن مسلم
من أصحاب الكاظم عليه السلام نظر لا يخفى على الممارس إلى غير
ذلك مما يعثر عليه المتتبع.
(فان قلت) ان الصحبة لا تسلتزم الرواية خصوصا وقد ذكر
في الخطبة انه يذكر في باب من لم يرو من تأخر عن زمان الأئمة
- عليهم السلام - ومن عاصرهم ولم يرو عنهم.
(قلت) لكنه ذكر مع ذلك أنه يذكر في أبوابهم أسماء الرواة
فكانا متناقضين وبيان ذلك أنه قال من مفتتح كتابه - بعد الحمد والصلاة
على خير خلقه محمد وآله الطاهرين من عترته وسلم تسليما -: " اما بعد
فانى قد أجبت إلى ما تكرر من سؤال الشيخ الفاضل فيه من جمع كتاب
يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وعن الأئمة عليهم السلام من بعده إلى زمن القائم عليه السلام
ثم أذكر بعد ذلك من تأخر زمانه عن الأئمة عليهم السلام من رواة
الحديث ومن عاصرهم ولم يرو عنهم (الخ) وهذا كما ترى ظاهر
104

في أن ما ذكره من أصحاب الأئمة عليهم السلام في كل باب باب
انما هم من الرواة عنهم لا محض الصحبة والمعاصرة لهم فكيف يذكرون
مع ذلك في باب من لم يرو وقد يقال في الذب عنه: ان غرضه انه
يذكر في كل باب من تلك الأبواب من يختص به من الرواة لا انه
لا يذكر فيه الا الرواة بل قد يذكر غيرهم ممن عاصرهم ولم يرو عنهم
حينئذ فيصح ذكرهم في باب من لم يرو ولكن لا يخفى ان هذا
لا يتم أيضا إذ جملة ممن ذكره في تلك الأبواب مع أنه من الرواة
قد ذكره في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام - كالقاسم بن عروة
فإنه من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وروى عنه كما نص
عليه النجاشي وكذا فضالة بن أيوب الأزدي من أصحاب أبي إبراهيم
موسى الكاظم صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه - وروى عنه
كما في (الخلاصة) ونحوه (النجاشي) وزاد له كتاب الصلاة وهؤلاء
كلهم ذكرهم في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام إلى غير ذلك
اللهم الا ان يقال بان غرضه ان باب من لم يرو عنهم عليهم السلام
قد عقده لمن لم يرو عنهم اما لتأخر زمانه عنهم أو لعدم رؤياه لهم وإن كان
في زمانهم ولا يمتنع ان يذكر في هذا الباب بعض من صحبهم وروى
عنهم لوجود الطريق له هناك أيضا فيكون هذا الباب مشتملا على أقسام
ثلاثة من تأخر زمانه عنهم ومن لم يرو عنهم وان عاصرهم ومن صحبهم
وروى عنهم أيضا فلا يكون باب من لم يرو عنهم عليهم السلام
منحصرا في القسمين الأولين كما عساه يظهر من كلامه أعلى الله مقامه وإن كان
أصل الغرض من عقد هذا الباب مختصا بهما لكنه لا باس به بل هو
أنفع لإفادته كثرة الطرق وزيادتها ولا اشكال في رجحانه إذ ربما تكون
105

الرواية بواسطة ذلك من قسم المستفيض أو المحفوف بالقرائن المتاخمة للعلم
بل قد يبلغ العلم والله أعلم.
(الفائدة التاسعة)
في بيان ما يحتاج إليه إلى البيان وهو أمور:
(الأول) ربما عدوا الرجل من أصحاب امام وقد صحب غيره
ممن تقدم أو تأخر وهذا كما عد في (الخلاصة) إسماعيل بن جابر
من أصحاب الباقر عليه السلام - مع أنه روى عن الصادق عليه السلام
أحاديث كثيرة وكما عد علي بن جعفر عليه السلام من أصحاب
الرضا عليه السلام مع أن رواياته عن أخيه الكاظم عليه السلام
أكثر من أن تحصى بل ربما روى عن أبيه الصادق عليه السلام
هكذا في رجال السيد (1) وهو عندي بخطه الشريف ولكن المحكى
عنها (2) في (منتهى المقال) للشيخ أبى على أنه من أصحاب الكاظم
- عليه السلام - كالموجود في رجال الشيخ - رحمه الله - (3) ولعل غرض

(1) يريد بالسيد - هنا - السيد محسن الأعرجي الكاظمي - رحمه الله -
صاحب عدة الرجال (المخطوط) ذكره في الأمر الأول من الفائدة التي
عقدها في بيان ما يحتاج إلى البيان.
(2) يعنى المحكى عن (الخلاصة) للعلامة الحلى - رحمه الله -.
(المحقق)
(3) راجع منتهى المقال في ترجمة علي بن جعفر الصادق - عليه السلام -
وراجع أيضا رجال الشيخ الطوسي - باب أصحاب الكاظم - عليه السلام -.
(المحقق)
106

السيد الحكاية عن غير (الخلاصة) على أن يقرأ قوله وكما عد بالمجهول (1)
وإن كان هو مخالفا للسياق وكما عد العلامة محمد بن عبد الجبار من
أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام - مع أنه روى عن العسكري
- عليه السلام - منع الصلاة في تكة الحرير ولذا عده الشيخ في رجاله
من أصحابهما فإنه ذكره في البابين ولعل نظر العلامة في (الخلاصة)
إلى شذوذ روايته عن العسكري - عليه السلام - فلذا جعله من أصحاب
الهادي - عليه السلام - إلى غير ذلك والغرض ان الصحبة بعد احرازها
تفيد مدحا بل مدحا معتدا به والكاشف عنها اكثاره من الرواية عمن
صحبه وقد تكون الصحبة لمتعدد إذ لا يلزم فيها الاختصاص بواحد
لعدم المنافاة فإذا تعددت الصحبة عظم المدح بل ربما يبلغ مرتبة
الخواص فإذا عده بعضهم من أصحاب أحد الأئمة عليهم السلام فلا
ينافي كونه من أصحاب غيره فلابد من التتبع والتأمل للطبقة وغيرها مما
يفيد ذلك ثم ملاحظة ما يقضى بالاتحاد أو التعدد حتى يتبين ويظهر
أحدهما والله الهادي والمعين.
(الثاني) من جملة المميزات النسب ومراتبه ست.
(الأولى: الشعب) بالفتح - وهو النسب الابعد الاعلى كعدنان
للفاطميين وسمى بذلك لتشعب القبائل منه
(والثانية) القبيلة وهى ما انقسم في الشعب كربيعة ومضر
وربما سميت القبائل جماجم.
(والثالثة) العمارة وهى ما انقسمت إليه القبيلة كمناف ومخزوم.
(والرابعة): البطن وهى ما انقسمت إليه العمارة.
(والخامسة) الفخذ وهو ما انقسمت إليه انساب البطن كبنى هاشم

(1) يعين بصيغة الفعل المبنى للمجهول. (المحقق)
107

وبنى أمية.
(والسادسة): الفصيلة وهى ما انقسم إليه انساب الفخذ واما
العشيرة فقيل: انها الفصيلة وقيل الرهط الأدنون والشايع النسبة
إلى القبيلة والبطن.
(ثم اعلم) ان الرواة قد تنسب إلى القبيلة ونحوها وتلك عادة
العرب قديما وانما حدث لهم الانتساب إلى البلاد والأوطان لما توطنوا
فسكنوا القرى والمدائن وضاعت الأنساب فلم يبق لهم غير الانتساب
إلى البلدان والقرى فانتسبوا إليها كالعجم وقد ينسب الراوي إلى الصحبة
كصحابي وهو من لقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به
ومات على الايمان والاسلام وان تخللت ردته بين كونه مؤمنا وبين موته
مسلما على الأظهر والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول
أحدهما إلى الاخر وان لم يكالمه ولم يره والتعبير بهذا الأعم أولي من قول
بعضهم في تعريفه: بأنه من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه
يخرج منه الأعمى كابن أم مكتوم فإنه صحابي بغير خلاف واحترزنا
بقيد الايمان عمن لقيه كافرا وان أسلم بعد موته فإنه لا يعد من الصحابة
في الاصطلاح. وبقولنا: مات على الاسلام عمن ارتد ومات عليها
كعبد الله بن جحش وابن حنظل وشمل قولنا: وان تخللت ردته ما إذا
رجع إلى الاسلام في حياته وبعده سواء لقيه ثانيا أم لا ومقابل الاظهر
خلاف في كثير من تلك القيود منها تخلل الردة فان بعضهم اعتبر
فيه رواية الحديث وبعضهم كثرة المجالسة وطول الصحبة وآخرون
الإقامة سنة وسنتين وغزوة معه وغزوتين وغير ذلك وتظهر فائدة
قيد الردة في مثل الأشعث بن قيس (لعنه الله) فإنه كان قد وفد على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم ثم ارتد وأسر في خلافة الأول فأسلم على يده
108

فزوجه أمته وكانت عوراء فولدت له محمدا الذي شهد قتل الحسين
عليه السلام فعلى ما عرفنا به يكون صحابيا وهو المعروف بل قيل: إنه
متفق عليه.
ثم الصحابة على مراتب كثيرة بحسب التقدم في الاسلام والهجرة
والملازمة والقتال معه والقتل تحت رايته والرواية عنه ومكالمته ومشاهدته
ومماشاته وان اشترك الجميع في شرف الصحبة ثم إن الصحابي يثبت
له هذا الوصف بالتواتر بلا اشكال وبخبر الثقة على الأظهر وبالشياع
والاستفاضة على اشكال وحكم الصحابة في العدالة عندنا حكم غيرهم
وأفضلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم ولداه
عليهما السلام وهو أولهم اسلاما واخرهم موتا على الاطلاق أعني
من غير إضافة إلى النواحي والبلاد أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة
مائة من الهجرة وبالإضافة إلى النواحي فاخرهم بالمدينة جابر بن عبد الله
الأنصاري أو سهل بن سعد أو السائب بن يزيد وبمكة عبد الله بن
عمر أو جابر وبالبصرة انس وبالكوفة عبد الله بن أبي اوفى وبمصر
عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وبفلسطين أبو أبى ابن أم حرام
وبدمشق واثلة بن الأسقع وبحمص عبد الله بن بشر وباليمامة الهرماس
ابن زياد وبالجزيرة العرس بن عميرة وبإفريقية رويفع بن ثابت
وبالبادية في الاعراب سلمة بن الأكوع وقيل قبض رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهم يومئذ مائة وأربعة عشر الف صحابي والله أعلم
هذا في الصحابي.
(واما التابعي) فهو من لقى الصحابي بالقيود المذكورة والخلاف
فيه كالسابق وبقى قسم ثالث وهو المخضرمي وهو من أدرك الجاهلية
والاسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء أسلم في زمن
109

النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالنجاشي أم لا واختلفوا في الحاقه
في أي القسمين.
(الثالث) الرواية على انحاء رواية الأصاغر عن الأكابر واللاحق
عن السابق وهو الشايع الكثير ومنه رواية الأبناء عن الاباء وهو
قسمان رواية الابن عن أبيه دون جده وهو كثير لا ينحصر وروايته
عن أزيد منه كروايته عن أبوين أعني أباه عن جده وهو كثير أيضا
منه في رأس الاسناد رواية زين العابدين عليه السلام عن أبيه الحسين
عليه السلام عن أبيه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وفى طريق الفقهاء رواية الشيخ فخر الدين محمد بن الحسن
ابن يوسف بن المطهر عن أبيه الشيخ جمال الدين الحسن عن جده
سديد الدين يوسف ومثله الشيخ المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن بن
يحيى بن سعيد فإنه يروى أيضا عن أبيه عن جده يحيى وهو يروى
عن عربي بن مسافر العبادي عن الياس بن هشام الحايري عن أبي على
ابن الشيخ عن أبيه الشيخ أبى جعفر الطوسي إلى غير ذلك من الرواية
عن الأبوين.
(وقد تكون الرواية عن ثلاثة) ومنه رواية محمد ابن الشيخ
نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى الأكبر ابن سعيد فإنه يروى عن أبيه
يحيى عن أبيه احمد عن أبيه يحيى الأكبر.
(وقد تكون عن أربعة) وقد اتفق منه رواية السيد الزاهد
رضى الدين محمد بن محمد بن محمد بن زيد ابن الداعي المعمر الحسيني
عن أبيه محمد عن أبيه محمد عن أبيه زيد عن أبيه الداعي وهو
يروى عن الشيخ أبى جعفر الطوسي والسيد المرتضى وغيرهما ومثله
في الرواية عن أربعة اباء رواية الشيخ جلال الدين الحسن بن أحمد بن
110

نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما عن أبيه عن أبيه
عن أبيه عن أبيه هبة الله بن نما وهو يروى عن الحسين بن طحال
المقدادي عن الشيخ أبى على عن أبيه الشيخ أبى جعفر الطوسي وهذا
الشيخ جلال الدين يروى عنه شيخنا الشهيد بغير واسطة.
(وعن خمسة اباء) ومنه رواية الشيخ الجليل بابويه بن سعيد بن
محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه سعيد
عن أبيه محمد عن أبيه الحسن عن أبيه الحسين وهو أخو الشيخ
الصدوق أبى جعفر محمد عن أبيه علي بن الحسين بن بابويه.
(وعن ستة اباء) ومنه رواية الشيخ منتجب الدين أبى الحسن على
ابن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين
ابن بابويه فإنه يروى عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه
عن أبيه علي بن الحسين الصدوق بن بابويه وهذا الشيخ منتجب الدين
كثير الرواية واسع الطرق عن ابائه وأقاربه واسلافه ويروى عن ابن
عمه الشيخ بابويه المتقدم بغير واسطة قال في شرح الدراية: " وانالى رواية
عن الشيخ منتجب الدين بعدة طرق مذكورة فيما وضعته من الطرق
في الإجازات ثم قال أعلى الله مقامه وأكثر ما نرويه بتسعة اباء
عن الأئمة عليهم السلام رواية الحب في الله والبغض في الله فانا
نرويه بإسنادنا إلى مولانا أبى محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليه السلام عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه
عن أبيه عن أبيه عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله
احبب في الله وابغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنه لا تنال
111

ولايد الله الا بذلك ولا يجد أحد طعم الايمان وان كثرت صلاته
وصيامه حتى يكون كذلك (الحديث) ثم قال ونروي عن تسعة
اباء بغير طريقهم بإسنادنا إلى عبد الوهاب بن عبد العزيز بن أسد بن الليث
ابن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكنية بن عبد الله التميمي
من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول:
سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول:
سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام -
وقد سئل عن الحنان المنان فقال عليه السلام الحنان هو الذي يقبل
على من اعرض عنه والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال فبين عبد الوهاب
وبين علي عليه السلام في هذا الاسناد تسعة اباء اخرهم أكنية بن
عبد الله الذي ذكر انه سمع عليا عليه السلام ثم قال أعلى الله مقامه -
ونروي بهذا الطريق أيضا حديثا متسلسلا باثني عشر أبا عن رزق الله بن
عبد الوهاب المذكور عن أبيه عبد الوهاب عن ابائه المذكورين إلى
أكنية قال: سمعت أبي الهيثم يقول: سمعت أبي عبد الله يقول: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما اجتمع قوم على ذكر
الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة.
- ثم قال أعلى الله درجته: وأكثر ما وصل إلينا من الحديث
المتسلسل بأربعة عشر أبا وهو ما رواه الحافظ أبو سعيد ابن السمعاني
في الذيل قال أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الامام
بقراءتي قال: حدثنا السيد أبو محمد الحسين بن علي بن أبي طالب من لفظه
ببلخ حدثني: سيدي ووالدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست
وستين وأربعمائة حدثني أبي أبو طالب الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين
وأربعمائة حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد حدثني أبي محمد
112

ابن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله بن علي حدثني أبي علي بن الحسن
حدثني أبي الحسن بن الحسين حدثني أبي الحسين بن جعفر وهو أول
من دخل بلخ من هذه الطائفة حدثني أبي جعفر الملقب بالحجة حدثني أبي
عبيد الله حدثني أبي الحسين الأصغر حدثني أبي علي بن الحسين
ابن علي عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ليس الخبر كالمعاينة فهذا أكثر ما اتفق
لنا روايته من الأحاديث المسلسلة بالإباء انتهى (1) هذا رواية الأصاغر
عن الأكابر ومنه رواية الأبناء عن الاباء كما سمعت.
(الثاني) رواية الأكابر عن الأصاغر ورواية الآباء عن الأبناء
ومنه رواية العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم - جمع بين الصلاتين بالمزدلفة ورواية الصحابي عن التابعي
والتابعي عن تابع التابعي.
(الثالث) رواية الاقران بعضهم عن بعض كالشيخ أبى جعفر
الطوسي والسيد المرتضى فإنهما اقران في طلب العلم والقراءة على الشيخ
المفيد والشيخ أبو جعفر يروى عن السيد المرتضى بعد ما سمع منه أكثر
كتبه وقرأها عليه ذكر الشيخ ذلك في (كتاب الرجال).
ولما انجر الكلام إلى الصحابة والتابعين وتابعيهم فلنذكر جملة منهم
لما في ذلك من الفوائد.
(فمن الصحابة) أبو طالب - عليه السلام - وحمزة سيد الشهداء
وجعفر الطيار والعباس وعبد الله وعبيد الله وقثم والفضل وتمام
- أبناؤه وعبد الله وعون وغيرهما أبناء جعفر الطيار وعقيل بن

(1) راجع شرح دراية الحديث للشهيد الثاني (ص 125 إلى ص 127)
طبع النجف الأشرف. (المحقق).
113

أبى طالب وعباس بن عتبة بن أبي لهب وربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب والمغيرة بن نوفل بن الحارث وعبد الله بن ربيعة
وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وجعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب
وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وغيره من أولاد الحارث
وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة بن الحصيب الأسلمي وخالد بن
سعيد بن العاص وأبو الهيثم مالك بن الحصيب الأسلمي وخالد بن
سعيد بن العاص وأبو الهيثم بن مالك بن التيهان الأنصاري وعثمان بن
حنيف الأنصاري وسهل بن حنيف وحكيم بن جبلة وحذيفة بن اليمان
الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري
وأبى بن كعب وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وجرير بن عبد الله
البجلي وحجر بن عدي الكندي الكوفي وعدي بن حاتم الطائي
وأسامة بن زيد وإبراهيم بن أبي رافع والبرائة بن مالك والبراء بن عازب
والبراء بن معرور وبشر ابنه وعقبة بن عمرو بن ثعلبة وحارثة بن
سراقة وحارثة بن النعمان بن أمية والحارث بن هشام بن المغيرة القرشي
المخزومي والحارث بن غزية وعرفطة الأزدي وعبد الله بن بديل بن
ورقاء الخزاعي وعبد الرحمن بن حسل (1) الجمحي واسعد بن زرارة
أبو امامة المخزومي وأبو اليسر كعب بن عمر بن عباد وعمرو بن الحمق
الخزاعي وأسيد بن خضير وأوس بن ثابت بن منذور وأبى بن
ثابت وأبى بن عمارة وأبى بن قيس، وأرقم بن أبي أرقم المخزومي
وثابت بن زيد وثابت بن قيس وثابت بن الضحاك وحريث بن

(1) في الإصابة لابن حجر (حسل) بالسين المهملة بعدها اللام
وفى الإستيعاب لابن عبد البر وأسد الغابة لابن الأثير الجزري (الحنبل)
بالنون بعدها الباء الموحدة وقالوا هو أخو كلدة، وهما أخوا صفوان
ابن أمية لامه. (المحقق)
114

زيد ويزيد بن ثابت وزيد بن أرقم وعبادة بن الصامت وخباب
ابن الأرت وعبد الله ابنه وعبد الغفار بن القاسم ومحمد بن عمرو بن
حزم ونعمان بن عجلان الزرقي وسعد بن معاذ وتميم مولى خراش
ابن الصمة وأبو ساسان وأبو عمرة ومالك بن نويرة وبلال بن
رباح والحارث بن قيس والحارث بن هشام وعمر بن أم مكتوم
القرشي العامري وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري
وأبو الطفيل عامر بن واثلة وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهم.
وقال شيخنا الشهيد الثاني أعلى الله مقامه في شرح الدراية كان
عدد الصحاب بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم أربعة عشر الف
رجل ومائة رجل (1).
محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام ومحمد بن أبي بكر وأويس
القرني ومالك بن الحارث الأشتر النخعي وزيد بن صوحان واخوه
صعصعة ومحمد بن أبي حذيفة وجعدة بن هبيرة وسعيد بن قيس
الهمداني وربيع بن خثيم الثوري الكوفي وأعين بن ضبيعة بن ناجية
وعبد الرحمن بن صرد التنوخي والطرماح بن عدي وسعيد بن جبير
واصبغ بن نباتة ومسلم ابن المجاشعي وجابر بن يزيد الجعفي وميثم
التمار وحبيب بن مظاهر وقيل صحابي والحارث بن عبد الله بن
الأعور الهمداني وحبة بن جوين العرني الكوفي ورشيد الهجري ونعيم
ابن دجانة الأسدي وسفيان بن أبي ليلى الهمداني ومحجن وقنبر غلام
أمير المؤمنين عليه السلام وعبيد الله بن أبي رافع وصيفي وثابت
البناتي وجعيدة الهمداني وخوات بن جبير وزياد بن كعب بن

(1) راجع شرح الدراية للشهيد الثاني (ص 121 - ص 122)
طبع النجف الأشرف.
115

مرحب وابن أبي جعدة وسلمة بن كهيل الحضرمي وسليمان بن مسهر
وظالم بن سراق الأزدي وعامر بن شرحبيل وعبد الله بن حجل
وعبد الله بن خباب وعبد الله بن سلمة وعبد الله بن شداد وعبد الله بن
الصامت وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعلقمة بن قيس وعلي بن ربيعة
الوالبي وعمرو بن محصن وعمرو بن دينار والفاكه بن سعد وكعب
ابن عبد الله وكيسان بن كليب ولوط بن يحيى أبو مخنف ومنهال
ابن عمر وقدامة السعدي ومخنف بن سليم والمسور بن مخرمة
والمسيب بن حزن والمهدى مولى عثمان بن عفان والنعمان بن صهبان
والنعمان بن عجلان ونميلة الهمداني وأبو جند بن عمرو وأبو الجوشاء
وأبو حبة وأبو زيد وأبو سعيد عقيصا وأبو السفاح العجلي وأبو
شمر بن أبرهة أبى الصباح الحميري وأبو ظبيان وأبو قرة القاضي
وأبو عمرة وأبو عمرو الفارسي وأبو يحيى حكيم بن سعيد الحنفي وأبو
الأسود الدؤلي وأبان بن تغلب
(ومن تابعي التابعين).
أبو خالد الكابلي وأبو حمزة الثمالي وثوبر بن أبي فاختة وعبد الله
ابن شريك وسعد بن طريف وقاسم بن عون وسالم بن أبي حفصة
العجلي الكوفي والقاسم بن محمد بن أبي بكر ويحيى بن أم الطويل
وإسماعيل بن عبد الخالق وعبد الخالق بن عبد ربه وعبد الله بن أبي يعفور
والفضيل بن يسار وليث ابن البختري وبريد بن معاوية العجلي ومحمد
ابن مسلم الثقفي وزرارة بن أعين وحمران اخوه وعبد الملك أخوهما
وبكر أخوهم وعبد العزيز بن أحمد بن عيسى الجلودي ومحمد بن قيس
أبو نصر الأسدي محمد بن الحسن بن أبي سارة إسماعيل بن الفضل
الهاشمي أبو هارون مسمع بن عبد الملك سليمان بن خالد عبد الله
116

ابن ميمون القداح عبد المؤمن بن القاسم بن قيس إسماعيل بن أبي خالد
حارث بن المغيرة البصري رافع بن زياد الأشجعي عبد الله بن علي بن أبي
شعبة الحلبي محمد بن علي بن النعمان الأحول هشام بن الحكم
هشام بن سالم جميل بن دراج حماد بن عيسى حمزة الطيار أبو
الصباح الكناني سورة بن كليب المعلى بن خنيس يونس بن يعقوب
معاوية بن عمار إسحاق بن عمار الصيرفي عبد الله بن سنان أبو بكر
الحضرمي عمرو بن عمرو بن حريث منصور بن حازم سعيد الأعرج
علي بن يقطين صفوان بن مهران عبد الرحمن بن الحجاج محمد بن
حكيم نصر بن قابوس نوح بن شعيب البغدادي الحسن بن علي بن
فضال عبد الجبار بن مبارك صفوان بن محسن محمد بن أبي عمير
أحمد بن أبي نصر البزنطي زكريا بن ادم مرزبان بن عمر بن قصي
عبد العزيز بن المهتدى أبو الصلت الهروي الريان بن الصلت علي بن
مهزيار الحسن بن سعيد أحمد بن داود إبراهيم بن سليمان المزني
إبراهيم بن هاشم الكوفي إبراهيم بن أبي البلاد إسماعيل بن مهران
الحسن بن علي بن زياد الوشا أيوب بن نوح سيف بن عميرة احمد
ابن عامر أبو الحسن علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار إلى غير
هؤلاء وهم كثيرون.
(الرابع) في ذكر بعض الألفاظ التي يكثر دورانها في هذا الفن
وبيان معناها وما يراد منها فلربما تفيد مدحا أو قدحا وقد تنفع
في معرفة الطبقة وغير ذلك.
(فمنها) لفظ المولى فكثيرا ما يقولون في الرجل: انه مولى فلان
ومرة انه مولى بنى فلان واخرى مولى ال فلان وقد يقطعونه
عن الإضافة فيقولون مولى وربما يقولون: مولى فلان ثم مولى فلان.
117

(فمن الأول): إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أبو إسحاق مولى أسلم
ابن قصي مدني.
(ومن الثاني): أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم
التمار أبو عبد الله مولى بنى أسد وإبراهيم بن عبد الحميد الأسدي مولاهم
وإبراهيم بن عربي الأسدي مولاهم.
(ومن الثالث): إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني مولى ال
طلحة بن عبيد الله أبو إسحاق وكان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام
و الأدب والشعر وإبراهيم بن محمد مولى قريش.
(ومن الرابع): أحمد بن رباح بن أبي نصر السكوني مولى وأيوب
ابن الحر الجعفي مولى وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني مولى وأحمد بن أبي
بشر السراج كوفي مولى.
(ومن الخامس): ثعلبة بن ميمون مولى بين أسد ثم مولى بنى
سلامة منهم وصفوان بن مهران بن المغيرة الأسدي مولاهم ثم مولى بنى
كاهل والحسن بن موسى بن سالم الحناط أبو عبد الله مولى بنى أسد ثم
بنى والبة (وفى الايضاح) الحناط بالحاء المهملة والنون مولى بنى أسد
ثم بنى والبة بكسر اللام وفتح الباء المنقطة تحتها نقطة (1)
(ومجمل الكلام) فيه ان له معاني في اللغة وفى الاصطلاح.
ففي اللغة: له معان كثيرة فإنه يطلق على المالك والعبد والمعتق
بالكسر وبالفتح والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار
والحليف والابن والعم والنزيل والشريك والولي والناصر
والرب والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر.

(1) راجع ايضاح الاشتباه للعلامة الحلى رحمه الله طبع إيران.
118

واما في اصطلاح أهل الرجال: فقد يطلق على غير العربي الخالص
ولعله الأكثر كما عن الشهيد الثاني (1) واستظهره (الوحيد) في فوائد
التعليقة (2) فعلى هذا يحمل هذا اللفظ أعني المولى مع انتفاء القرينة
عليه كما صرح به في الفوائد ووجهه كثرة الاطلاق وشيوعه فيه فيكون
منصرفا إليه ولكن في شرح الدراية: " والأغلب مولى العتاقه ثم قال -
وقد يطلق المولى على معنى رابع: وهو الملازمة كما قيل: مقسم مولى ابن
عباس للزومه إياه وخامس وهو من ليس بعربي فيقال: فلان
مولى وفلان عربي صريح وهذا النوع أيضا كثير انتهى (3).
ومقتضى هذا حمله عند الاطلاق على ما هو الأغلب عنده الذي هو
مولى العتاقة أو التوقف لاعترافه بكثرة الاطلاق على الخامس فتكون
هذه الكثرة مانعة من الانصراف فيجب التوقف وقد يتأمل في أصل
الانصراف على فرض الغلبة والكثرة في بعض المعاني بحيث يجب لأجله
الحمل عليه سواء كان هو الخامس الذي يقوله (الوحيد) أم غيره
إذ الانصراف الموجب للحمل انما هو الوضعي الابتدائي أو الحاصل بعد
الهجر لغيره من المعاني بحيث بلغ حد الوضع الثانوي لا الانصراف
الاطلاقي الابتدائي الزائل بعد التروي في الجملة فان ذلك لا يوجب
الحمل عليه بل هو وغيره على حد سواء لا يتعين أحدهما الا بمعين

(1) راجع: تعليقة الشهيد الثاني رحمه الله على (خلاصة الأقوال)
للعلامة الحلى في إبراهيم بن أبي البلاد (مخطوطة)
(2) راجع: الفائدة الثانية من التعليقة للوحيد البهبهاني (ص 9)
طبع إيران سنة 1306 هج‍.
(3) راجع: شرح الدراية للشهيد الثاني (ص 135) طبع
النجف الأشرف. (المحقق)
119

وليس منه مطلق الغلبة وان أفادت الظن إذ لا دليل على اعتباره مطلقا
إذ غاية ما ثبت اعتبار الظن بالمراد في باب الألفاظ بواسطة الوضع وعدم
نصب القرينة على خلاف الموضوع له اما فيما تعددت حقائقه أو تعددت
مجازاته بعد تعذر الحقيقة فلا دليل على تعيين بعضها بمطلق الظن ولو
من غلبة ونحوها نعم قد يقال: بأنه من جملة الامارات والقرائن المعينة
التنصيص على بعض المعاني في مورد، فان ذلك قرينة على إرادة ذلك
المعنى المنصوص عليه من لفظ المولى مطلقا في مورد اخر في كتاب واحد
أو متعدد لمصنف واحد أو متعدد وذلك كما في إبراهيم بن أبي رافع
فإنهم ذكروا: انه كان للعباس بن عبد المطلب ثم وهبه للنبي صلى الله عليه وآله
وسلم فلما بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسلام
العباس أعتقه فان ذلك قرينة على إرادة العتيق من المولى مع احتمال
إرادة معنى اخر من لفظ المولى كالصاحب والملازم والمملوك وإن كان
عتيقا فلا يكون قرينة على الحمل على خصوص العتيق وكيف كان
فلا يقيد مطلقه مدحا يعتد به بل حتى لو قلنا بالغلبة والحمل على الغالب
الذي هو العربي غير الخالص كما يقول (الوحيد) (1) أو مولى العتاقة
كما قال في (شرح الدراية) (2) لعدم إفادة ذلك مدحا نعم لو عرف
إرادة الملازم أو الصاحب من لفظه أفاد ذلك مدحا في الجملة حيث
يكون مضافا إلى أحدهم أو أمثالهم كما أنه قد يفيد ذما في الجملة لو أضيف
إلى أعدائهم كما في الحسن أو الحسين بن راشد مولى بنى العباس إذ

(1) راجع التعليقة (ص 9) على الفائدة الثانية من الفوائد التي
في أول كتاب منهج المقال للاسترآبادي.
(2) راجع: شرح الدراية للشهيد الثاني (ص 134) طبع النجف
الأشرف.
120

(الطبع مكتسب من كل مصحوب).
(ومنها) لفظ الغلام فإنه كثيرا ما يقع استعماله في الرجال فيقال:
ان فلانا من غلمان فلان والمراد به المتأدب بمعنى التلميذ كما صرحوا به
في كثير من التراجم كما في بكر بن محمد بن حبيب أبى عثمان المازني
فإنهم ذكروا فيه: انه من غلمان إسماعيل بن ميثم لكونه تأدب عليه
وفى أحمد بن عبد الله الكرخي: انه أحد غلمان يونس بن عبد الرحمن
وفى أحمد بن إسماعيل بن عبد الله أبى على البجلي عربي من أهل قم يلقب
سمكة وكان من أهل الفضل والأدب والعلم فإنهم ذكروا فيه: انه
من غلمان أحمد بن أبي عبد الله البرقي وممن تأدب عليه وفى عبد العزيز
ابن البراج الملقب بالقاضي: انه من غلمان المرتضى رضي الله عنه فإنه
ممن تلمذ عليه واخذ منه العلم وفى محمد بن جعفر بن محمد أبى الفتح
الهمذاني بالذال المعجمة الوادعي المعروف بالمراغي كان وجها
في النحو واللغة ببغداد حسن الحفظ صحيح الرواية فيما تعلمه وكان يتعاطى
الكلام وكان أبو الحسن السمسمي أحد غلمانه وفى محمد بن بشر:
كان من عيون أصحابنا وصالحيهم ومتكلما جيد الكلام صحيح الاعتقاد
وفى (الفهرست) من غلمان أبى سهل النوبختي ويعرف بالحمدوني
وينسب إلى آل حمدون وفى المظفر بن محمد بن أحمد أبى الجيش
البلخي فإنهم ذكروا: انه كان من غلمان أبى سهل النوبختي فإنه قرأ
عليه وفى (الكشي) الشيخ الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز يكنى
أبا عمرو وكان بصيرا بالاخبار والرجال حسن الاعتقاد وكان ثقة
عينا فإنهم ذكروا انه كان من غلمان العياشي لأنه صحبه واخذ عنه
إلى غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع من استعمال الغلام في التلميذ فإنه كثير
بل قال بعضهم: لم أجد إلى الان استعمال الغلام في كتب الرجال في غير
121

التلميذ وفى (منتهى المقال) في ترجمة بكر بن محمد بن حبيب قال:
وفى تفسير (مجمع البيان) الغلام للذكر أول ما يبلغ إلى أن قال
ثم يستعمل في التلميذ فيقال غلام ثعلب انتهى (1).
ومما ذكرنا يظهر وجه دلالته على المدح في الجملة لو كان من تأدب
عليه من أهل الفضل والعلم والصلاح والتقوى سيما لو كانت الصحبة
طويلة وهكذا بالعكس أو كان من تلمذ عليه أو صاحبه بخلاف
ذلك كما لو تلمذ على رجال العامة وعلى كل حال فالدلالة ضعيفة
ومن ذلك يعرف دلالة الصاحب على المدح أو القدح.
(ومنها) قولهم أسند عنه وقد اختلفت كلماتهم في إفادة المدح
وعدمه فقيل بإفادة المدح أحسن من قولهم: لا باس به إذ المراد منه
انه روى الشيوخ عنه واعتمدوا عليه فهو كالتوثيق نقله (الوحيد)
عن جده (2) (وفيه) انه لم يثبت رواية الشيوخ عنه معتمدين عليه
بل لم يثبت أصل روايتهم عنه، مع أنه لم يثبت وثاقته الشيوخ الذين رووا
عنه على فرض روايتهم عنه معتمدين عليه وان بعد اتفاق كونهم بأجمعهم
غير ثقات لكنه محتمل وحينئذ فلا يفيد مدحا فضلا عن كونه كالتوثيق
بل قد يقال بايمائه إلى عدم الوثوق كما قيل ولعل وجهه لو قرئ
الفعل مبنيا على المجهول انه ربما يشعر بعدم الاعتناء وعدم الاعتداد به
وانه ليس ممن يعتنى برواياته بل هو مهجور متروك وساقط من الأعين

(1) راجع: منتهى المقال في الرجال لأبي على الحائري (ص 68)
طبع سنة 1302 هج‍
(2) راجع: ذلك في الفائدة الثانية من (التعليقة) ص 7
للوحيد البهبهاني والمراد بجده هو المجلسي الأول التقى فإنه جد الوحيد
لامه. (المحقق)
122

ولكن قد يتفق الرواية عنه وكما اختلفت الآراء في إفادة هذه الكلمة المدح
وعدمه اختلفت في قراءتها فمن قارئ بالمجهول ولعل الأكثر عليه
والمتعارف على الألسن والأنسب القول بايمائها إلى عدم الوثوق أو احتماله
وقرأ جماعة من المحققين بالمعلوم واختلفوا في مرجع الضمير فقيل
إلى الإمام عليه السلام كما عن المحقق الشيخ محمد والفاضل صاحب
(الحاوي) (1) لكن ينافيه ما ذكره الشيخ في كتاب رجاله في جابر
الجعفي حيث قال أعلى الله مقامه جابر بن يزيد أبو عبد الله الجعفي
تابعي أسند عنه روى عنهما عليهما السلام (2) إذ لو كان ضمير
أسند إلى الامام فلا معنى لقوله روى عنهما وما ذكره أيضا في رجاله
في محمد بن إسحاق بن يسار حيث قال: محمد بن إسحاق بن يسار المدني
مولى فاطمة بنت عتبة أسند عنه يكنى أبا بكر صاحب المغازي من سبى
(عين التمر) وهو أول سبى دخل المدينة (وقيل) كنيته أبو عبد الله
روى عنهما مات سنة إحدى وخمسين ومائة (3) وعن المحقق الداماد

(1) المحقق الشيخ محمد: هو ابن الشيخ حسن صاحب معالم الأصول
ابن الشهيد الثاني زين الدين العاملي فان له حواشي على (منهج المقال)
في الرجال لإستاذه الميرزا محمد الاسترادى واما الفاضل صاحب (حاوي
الأقوال) في الرجال فهو الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري من أساتيذ فن الرجال
وكتابه (الحاوي) معتبر معتمد عليه وينقل عنه كثيرا الشيخ أبو علي
الحائري في كتابه (منتهى المقال) في الرجال كما ينقل عنه كثير من أرباب الفن
(2) راجع: رجال الشيخ الطوسي باب أصحاب الصادق عليه السلام
(ص 163) برقم (30) طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: رجال الشيخ الطوسي رحمه الله باب أصحاب الصادق
عليه السلام (ص 281) برقم (22). (المحقق)
123

ان الضمير يرجع إلى الإمام عليه السلام ولكن لا سماعا منه بل
اخذه من أصحابه الموثوق بهم ومن أصولهم المعتمد عليها فمعنى (أسند عنه)
انه لم يسمع منه بل سمع من أصحابه الموثوق بهم واخذ منهم وعن أصولهم
المعتمد عليها. (وبالجملة) قد اورد الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام
جماعة انما روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم والاخذ من أصولهم
المعول عليها ذكر كلا منهم وقال: أسند عنه (1)
(وفيه) انها قيلت فيمن روى عنه سماعا وشفاها كمحمد بن مسلم
وغيره وقد يقال في مرجع الضمير مع القراءة بالمعلوم انه ابن عقدة
ولكن في خصوص رجال الصادق عليه السلام كما احتمله الشيخ أبو علي
في كتابه (منتهى المقال) حيث قال وربما يقال إن الكلمة
أسند بالمعلوم والضمير للراوي الا ان فاعل أسند ابن عقدة (2) لان

(1) راجع: اخر الراشحة الرابعة عشرة من الرواشح السماوية للسيد
مير داماد (ص 65) طبع إيران سنة 1311 هج‍.
(2) ابن عقدة هو أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني الحافظ
المكنى بابى العباس المعروف بابن عقدة والسبيعي نسبة إلى السبيع كامير
وهو أبو حي من بنى حاشد من همدان وهو السبيع بن صعب بن معاوية
ابن بكر بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن
همدان وكان كوفيا زيديا جاروديا حتى مات وانما لقب بالحافظ
لما ذكره الشيخ الطوسي في كتاب رجاله بقوله: سمعت جماعة يحكون أنه قال
احفظ مائة وعشرين الف حديث بأسانيدها وأذاكر بثلاثمائة الف
حديث له مؤلفات كثيرة منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق
عليه السلام أربعة آلاف رجل واخرج فيه لكل رجل الحديث الذي
رواه ترجم له النجاشي في كتاب رجاله والشيخ الطوسي في الفهرست
وفى كتاب رجاله باب من لم يرو عنهم عليهم السلام وغيرهم
من أرباب المعاجم الرجالية وكان مولده سنة 249 هج‍ وتوفى
سنة 333 هج‍
124

الشيخ رحمه الله ذكر في أول رجاله (انى لم أجد لأصحابنا كتابا
جامعا في هذا المعنى الا مختصرات قد ذكر كل انسان منهم طرفا الا ما ذكره
ابن عقدة من رجال الصادق عليه السلام فإنه قد بلغ في ذلك الغاية
ولم يذكر رجال باقي الأئمة عليهم السلام وانا أذكر ما ذكره وأورد
من بعد ذلك ما لم يذكره) فيكون المراد أخبر عنه ابن عقدة وليس
ذلك بالبعيد وربما يظهر منه وجه عدم وجوده الا في كلام الشيخ
رحمه الله وسبب ذكر الشيخ ذلك في رجاله دون (الفهرست)
وفى أصحاب الصادق عليه السلام من رجاله دون غيره بل وثمرة
قوله انى أذكر ما ذكره (ابن عقدة) ثم اورد ما لم يذكره فتأمل جدا
انتهى بلفظه (1) مع إضافة بعض ما يصلحه من كلام الشيخ بلفظه
في مقدمة كتابه.
(وحاصله): ان ابن عقدة ذكر رجال الصادق عليه السلام
دون غيرهم والشيخ ذكر ما ذكره ابن عقدة وزيادة وهذه الكلمة
أعني أسند عنه لم توجد الا في كلام الشيخ بل في رجاله دون
(الفهرست) وما يوجد في غيره كالخلاصة فإنما اخذه من الشيخ
على ما ادعاه الشيخ المذكور في كتابه (منتهى المقال) فيما يتعلق بهذه
الكلمة فإذا قال الشيخ: أسند عنه فمراده ان ابن عقدة أسند عنه أي
أخبر عن هذا الراوي ومعنى أخبر عنه انه روى عنه أحاديثه ورواياته

(1) راجع: مقدمة منتهى المقال لأبي على الحائري في الفائدة
(ص 12) في بيان معنى قولهم: (أسند عنه). (المحقق)
125

التي رواها عن الصادق عليه السلام فإنهم ذكروا في ترجمته فيما يتعلق
بأحواله: أنه قال احفظ مائة وعشرين الف حديث بأسانيدها وأذاكر
بثلاثمائة الف حديث وان له كتبا منها: كتاب أسماء الرجال الذين
رووا عن الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل واخرج فيه لكل
رجل الحديث الذي رواه عن الصادق عليه السلام فعلى هذا فجميع
أصحاب الصادق عليه السلام الذين بلغ عددهم هذا المبلغ أعني أربعة
آلاف كلهم أسند عنه وروى عن كل واحد منهم ما يتعلق به
من الحديث والرواية ولكن لا يخفى ان هذا المعنى متجه لو كان هذا اللفظ
غير مذكور في غير رجال الصادق عليه السلام لكنه اعترف بوجوده
وإن كان نادرا وحينئذ فيرجع الاشكال في معناه اللهم الا أن يكون
هذا النادر من رجال الصادق عليه السلام أيضا كجابر الجعفي وقد
ذكره ابن عقدة وقد يقال في تضعيف هذا الوجه في معنى هذه الكلمة
أعني أسند عنه ان مقتضى كلام الشيخ حيث ذكر انه يذكر
ما ذكره يعنى ابن عقدة مع اعترافه بأنه بلغ في ذلك الغاية أن يكون
أكثر رجال الصادق عليه السلام ممن أسند عنه والواقع خلافه كما
صدر من بعض أهل هذه الاعصار (1) وهو كما ترى في غير محله إذ
مقتضى ما ذكره في أحواله أن يكون جميع رجال الصادق عليه السلام
ممن أسند عنهم لا أكثرهم كما يقول بل كلهم (ودعواه) بان الواقع
خلافه (موقوفة) على الاطلاع على خلاف ما ذكروا في أحواله والواقع
خلافه إذ لا سبيل إلى ذلك الا باب النقل وهو ما سمعت اللهم

(1) هو ملا على الكنى.
راجع توضيح المقال في علم الدراية والرجال للمولى على الكنى المتوفى
سنة 1306 هج‍ (ص 42) طبع إيران سنة 1302 هج‍. (المحقق)
126

الا ان يريد ان الذين ذكرهم ابن عقدة لم يذكر فيهم جميعا هذا اللفظ
أعني قولهم أسند عنه بل هو في بعض دون بعض.
(الفائدة العاشرة)
في بيان الفرق المنحرفة لما في ذلك من الفوائد فإنه وإن كان مجرد
الوقف مثلا غير مانع من القبول للرواية إذ المدار عندنا على العدالة
والوثاقة ولو بالمعنى الأعم الممكن اجتماعه مع الوقف وغيره من سائر الفرق
بل المدار في القبول عندنا على مطلق المتحرز عن الكذب وان لم يكن
ثقة بالمعنى الأعم كما يقوله الشيخ ويدعى عليه الاجماع إذ هو المتحصل
من مجموع الأدلة كتابا وسنة (كما حررناه في محله من الأصول)
واما اعتبار ما زاد على ذلك وهو مطلق مظنون الصدور ولو من غير جهة
الراوي وصفاته من الوثاقة والضبط بل من جهة امارات اخر خارجة
عن الراوي يحصل منها الظن كما ادعاه بعضهم (كشيخ الرسائل) (1)
وغيره فلا لعدم الدليل الواضح عليه إذ غاية المتحصل من الأدلة
انما هو اعتبار الموثق ولو بالمعنى الأعم ولم يعلم كون المنشأ هو ظن
الصدور حتى يكون هو المدار في الاعتبار لاحتمال الخصوصية في صفات
الراوي فلا عبرة بما سواها وبعبارة أخرى بعد أصالة حرمة العمل
بالظن كتاب وسنة واجماعا فاللازم الاقتصار فيما خرج عنه على المتيقن
وليس منه مظنون الصدور بالامارات الخارجة كشهرة وشبهها جزما فهو
باق على ذلك الأصل وحينئذ فلا عبرة به كما لا عبرة بمطلق الظن
بالواقع وان لم يكن من اخبار الثقات حتى يكون مطلق الظن بالواقع

(1) يريد بشيخ الرسائل أستاذه الشيخ المرتضى الأنصاري رحمه الله
صاحب كتاب (الرسائل) المطبوع. (المحقق)
127

معتبرا وما دل على اعتبار قول الثقة لا يدل عليه إذ ليس المنشأ
في اعتباره هو حصول الظن من قوله فيكون هو المدار فيكون ذلك
دليلا خاصا على اعتبار مطلق الظن فلا يحتاج حينئذ إلى الرجوع إلى دليل
الانسداد إذ لا وفاء لتلك الأدلة إلى هذا الحد جزما ولا أظن أحدا
يدعيه والحاصل ان مجرد كون الراوي واقفيا أو غيره لا يمنع من القبول
ولكن احراز كون الراوي عدلا اماميا أو واقفيا أو غيره من سائر الفرق
ينفع في باب التراجيح في مقام التعارض والا فلو خلا عن المعارض
فلا اشكال في الحجية مع ما في ذلك من الفوائد الأخر كمعرفة الطبقة
وغيرها فأول من شذ عن الحق من فرق الامامية على ما حكى السيد
عن الشيخ المفيد رئيس الطائفة في كتاب العيون والمحاسن -:
(الكيسانية) وهم أصحاب المختار وانما سميت بذلك لان اسمه كان
كيسان وقد قيل في ذلك ان أباه حمله وهو صغير ووضعه بين يدي
أمير المؤمنين عليه السلام فجعل يمسح بيده على رأسه ويقول:
(كيس كيس) ومنهم من يزعم أن محمد بن علي ابن خولة الحنفية
رضي الله عنه لما استعمله علي عليه السلام على العراقين بعد
قتل الحسين عليه السلام وأمره بالطلب بثاره سماه (كيسان) لما عرف
من قيامه ومذهبه (1) وكيف كان فمقالة هذه الفرقة: ان الامام بعد
الحسين عليه السلام هو محمد ابن الحنفية وانه هو المهدى الذي يملأ

(1) راجع: كتاب الفصول المختارة من العيون والمحاسن للسيد المرتضى
علم الهدى وقد اختار هذه الفصول من كتاب العيون والمحاسن لإستاذه
الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي راجع ج 1 -
(ص 91 - ص 92) من الطبعة الأولى في النجف الأشرف. (المحقق)
128

الأرض قسطا وعدلا وانه حي لا يموت وقد غاب في جبل رضوى
وربما يجتمعون ليالي الجمعة في الجبل ويشتغلون بالعبادة حتى أن السيد ابن
محمد (الحميري) كان يعتقد ذلك وقال فيه:
الا ان الأئمة من قريش * * ولاة الامر أربعة سواء
على والثلاثة ن بنيه * * هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط ايمان وبر * * وسبط قد حوته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى * * يقود الجيش يقدمه اللواء
يغيب فلا يرى عنا زمانا * * برضوى عنده عسل وماء
وأقصى تعلقهم في إمامته قول أمير المؤمنين عليه السلام له يوم
البصرة: أنت ابني حقا وانه كان صاحب رايته كما كان هو صاحب راية
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان أولي بمقامه وفى انه هو
المهدى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لن تنقضي الأيام والليالي
حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه اسمى وكنيته كنيتي
واسم أبيه اسم أبى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا
وقالوا وكان من أسماء أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله لقوله:
انا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانا الصديق
الأكبر لا يقولها بعدي الا كذاب مفترى وتعلقوا في حياته بأنه إذا
ثبتت إمامته وانه القائم تعين بقاؤه لئلا تخلو الأرض من حجة (وحكى
عن بعضهم انه كان يقول: إن ابن الحنفية هو الامام بعد أمير المؤمنين
عليه السلام دون الحسنين عليهما السلام وان الحسن عليه السلام
انما دعا في الباطن إليه بأمره والحسين عليه السلام انما ظهر بالسيف
باذنه وانهما كانا داعيين إليه وأميرين من قبله (وعن آخرين) انه مات
وانتقلت الإمامة إلى ولده ثم منهم إلى بنى العباس (وعن ناس منهم)
129

أنه مات وأنه يقوم بعد الموت وأنه المهدى.
(ومن الفرق) البترية ففي التعليقة " البترية - بضم الباء
(وقيل) بكسرها منسوبون إلى كثير النوا لأنه كان أبتر اليد (وقيل)
إلى المغيرة بن سعيد ولقبه الأبتر وهم والسليمانية والصالحية من الزيدية
يقولون بامامة الشيخين واختلفوا في غيرهما واما (الجارودية) فلا يعتقدون
إمامتهما وفى بعض الكتب ان الجارودية لا يعتقدون إمامتهما لكن حيث
رضى علي عليه السلام بهما لم ينازعهما جريا مجرى الأئمة عليهم السلام
في وجوب الطاعة قيل (والسليمانية) قائلون بكفر عثمان وهم منسوبون
إلى سليمان بن جرير والجارودية يقال لهم السرحوبية منسوبة إلى أبى الجارود
زياد بن المنذر السرحوب وهم القائلون بالنص على علي عليه السلام
وكفر الثلاثة وكل من أنكره (1) وفى (مجمع البحرين) البترية
بضم الموحدة فرق من الزيدية قيل نسبوا إلى المغيرة بن سعد
ولقبه الأبتر (وقيل) البترية هم أصحاب كثير النوا والحسن بن صالح
ابن حي وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة وسلمة بن كهيل
وأبى المقدام ثابت الحداد وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه السلام
ثم خلطوها بولاية أبى بكر وعمر ويثبتون لهم الإمامة ويبغضون عثمان
وطلحة والزبير وعائشة ويرون الخروج مع ولد علي بن أبي طالب
عليه السلام ويثبتون لكل من خرج منهم عند خروجه الإمامة (2)

(1) راجع التعليقة للوحيد البهبهاني على رجال (منهج المقال)
للاسترآبادي (ص 410) طبع إيران.
(2) راجع مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي النجفي بمادة
(بتر) لكن لا يوجد في المطبوع منه جملة ويثبتون لكل من خرج
منهم عند خروجه الإمامة وانما توجد في رجال الكشي (المحقق)
130

ومثله عن الاختيار (1) وفى المجمع أيضا في باب (جرد)
هم فرقة من الشيعة ينسبون إلى الزيدية وليسوا منهم نسبوا إلى رئيس
لهم من أهل خراسان يقال له: أبو الجارود زياد بن أبي زياد
وعن بعض الأفاضل هم فرقتان فرقه زيدية وهم شيعة وفرقة بترية
وهم لا يجعلون الإمامة لعلى عليه السلام بالنص بل عندهم هي شورى
ويجوزون تقديم المفضول على الفاضل فلا يدخلون في الشيعة انتهى
(ومنه البزيعية) ففي التعليقة: انهم فرقة من الخطابية يقولون:
الامام بعد أبي الخطاب بزيع وان كل مؤمن يوحى إليه وان الانسان
إذا بلغ الكمال لا يقال له: مات بل رفع إلى الملكوت وادعوا معاينة
أمواتهم بكرة وعشية (2) وعن تاريخ أبى زيد البلخي انهم أصحاب
بزيع الحائك أقروا بنبوته وزعموا أن الأئمة كلهم أنبياء وانهم
لا يموتون ولكنهم يرفعون وزعم بزيع انه صعد إلى السماء وان الله
مسح على رأسه ومج في فيه فان الحكمة تثبت في صدره انتهى
(قيل) وكان أبو الخطاب يزعم أن الأئمة أنبياء ثم آلهة والألهة
نور من النبوة ونور من الإمامة ولا يخلو العالم من هذه الأنوار
وان الصادق عليه السلام هو الله وليس المحسوس الذي يرونه بل إنه
لما نزل إلى العالم ليس هذه الصورة الانسانية لئلا ينفر منه ثم تمادى
الكفر به إلى أن قال: إن الله تعالى انفصل من الصادق عليه السلام
وحل فيه وانه أكمل من الله تعالى.
(ومنهم الناووسية) ففي التعليقة: هم القائلون بالإمامة إلى الصادق
عليه السلام الواقفون عليه وقالوا انه حي ولن يموت حتى يظهر

(1) يعنى اختيار الكشي راجع (ص 202) طبع النجف الأشرف
(2) راجع تعليقة الوحيد البهبهاني (ص 411). (المحقق)
131

ويظهر امره وهو القائم المهدى وفى (الملل والنحل) انهم زعموا
ان عليا عليه السلام مات وستنشق الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ الأرض
عدلا (قيل) نسبوا إلى رجل يقال له ناووس (وقيل)
إلى قرية يقال لها ذلك انتهى (1) وفى المجمع مثله (2).
(ومنهم الإسماعيلية) وهم القائلون بالإمامة إلى الصادق عليه السلام
ثم من بعده إلى ابنه إسماعيل (ومنهم الفطحية) وهم القائلون بامامة
عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وسموا بذلك لأنه قيل
كان أفطح الرأس (وقال بعضهم) انه كان أفطح الرجلين أي عريضهما
كذا في المجمع (3) (وقيل) انهم نسبوا إلى رئيس لهم يقال له:
عبد الله بن فطيح من أهل الكوفة ثم إن عبد الله مات بعد أبيه على ما قيل
بسبعين يوما فرجعوا عن القول بإمامته إلى القول بامامة أبي الحسن موسى
عليه السلام ورجعوا إلى الخبر المروى (ان الإمامة لا تكون في الأخوين
بعد الحسن والحسين) وبقى شذاذ منهم على القول بإمامته وبعد ان مات
قالوا بامامة أبى الحسن موسى عليه السلام -.
(ومنهم القدرية) وهم كما في التعليقة والمجمع المنسوبون
إلى القدر يقولون إن كل أفعالهم مخلوقة لهم وليس لله فيها قضاء
ولا قدر (4) ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته فنسبوا
إلى القدر لأنه بدعتهم وضلالتهم وفى الحديث: لا يدخل الجنة قدري

(1) راجع التعليقة للوحيد (ص 410).
(2) راجع: مجمع البحرين بمادة (نوس).
(3) راجع: مجمع البحرين بمادة (فطح).
(4) راجع: التعليقة (ص 411). (المحقق)
132

وهو الذي يقول: لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس (1)
(قلت) وعن الكشي في ترجمة عبد الله بن عباس في حديث طويل
ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر
الخبر (2) وربما فسر القدري بالمعتزلي لاسناد أفعالهم إلى قدرتهم.
(قلت): لما كان المعتزلي من العدلية لقوله بالقدرة والاختيار
دون الجبر كما عليه العدلية من أن أفعال العباد مخلوقة لهم لقدرتهم عليها
واختيارهم لها من غير اجبار عليها ولا مشارك فيها فإذا نسبوا إلى القدر
لقولهم به فهم يشاركون لأولئك من هذه الجهة واما من جهة نفى
القضاء والقدر بالنسبة إلى الله كما هي مقالة أولئك فغير معلوم موافقتهم
لهم فيه بل لعلهم موافقون للامامية في ثبوت القضاء والقدر لله إذ
القول بنفيه مخالف لصريح القرآن حيث يقول الله سبحانه ردا على من قال:
" يد الله مغلولة " فقال: " غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان
ينفق كيف يشاء " وقال عز من قائل: " يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد "
وقال " فاما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربى أكرمن
واما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربى أهانن إلى غير ذلك
مما امتلا منه القرآن بل والسنة القطعية بل الضرورة عليه بل هو
مستلزم لعزل الله تعالى عن ملكه وعن سلطانه وكيف كان فتسميتهم
بذلك غير مناسب بعدم قولهم به حتى ينسبوا إليه فهي من باب تسمية
الشئ باسم ضده كالبصير للأعمى.
(ومنهم المرجئة) ففي المجمع وقد اختلفت في المرجئة (فقيل):

(1) راجع: مجمع البحرين بمادة (قدر).
(2) راجع: رجال الكشي (ص 55) طبع النجف الأشرف. (المحقق)
133

هم فرقة من فرق الاسلام يعتقدون انه لا يضر مع الايمان معصية
كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم ان الله أرجأ تعذيبهم
عن المعاصي أي اخرهم (وعن أبي قتيبة) أنه قال: هم الذين يقولون:
الايمان قول بلا عمل لانهم يقدمون القول ويؤخرون العمل (وقال بعض
أهل المعرفة بالملل) المرجئة هم الفرقة الجبرية الذين يقولون: ان العبد
لا فعل له وإضافة الفعل إليه بمنزلة اضافته إلى المجازات كجرى النهر
ودارت الرحى وانما سميت المجبرة مرجئة لانهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون
الكبائر (وفى المغرب) نقلا عنه سموا بذلك لارجائهم حكم أهل
الكبائر إلى يوم القيامة وفى الأحاديث: المرجئ يقول: من لم يصل
ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح امه فهو على ايمان
جبرئيل وميكائيل وفى الحديث خطابا للشيعة: أنتم أشد تقليدا أم
المرجئة؟ (قيل): أراد بهم ما عدا الشيعة من العامة والمعنى انهم
اختاروا من عند أنفسهم رجلا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وجعلوه رئيسا ولم يقولوا بعصمته عن الخطا وأوجبوا طاعته
في كل ما يقول ومع ذلك قلدوه في كل ما قال وأنتم نصبتم رجلا
يعنى عليا عليه السلام واعتقدتم عصمته عن الخطأ ومع ذلك خالفتموه
في كثير من الأمور وسماهم مرجئة لانهم زعموا ان الله تعالى اخر نصب الإمام
ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وفى الحديث: القرآن يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به
وفسر المرجئ بالأشعري والقدري بالمعتزلي وفى حديث اخر قال:
ذكرت المرجئة والقدرية والحرورية فقال عليه السلام لعن الله تلك
الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شئ انتهى (1).

(1) راجع: مجمع البحرين للطريحي مادة (رجأ). (المحقق)
134

(ومنهم السمطية) وهم القائلون بامامة محمد بن جعفر الملقب
بديباجة دون اخويه موسى وعبد الله نسبوا إلى رئيس لهم يقال له:
يحيى بن أبي السمط كذا في التعليقة (1).
(ومنهم المغيرية) ففي التعليقة: اتباع المغيرة بن سعيد (لعنه الله)
قالوا: إن الله جسم على صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور
وقلبه منبع الحكمة وربما يظهر من التراجم كونهم من الغلاة (2).
(ومنهم النصيرية) من الغلاة أيضا أصحاب محمد بن النصير النميري
(لعنه الله) وكان يقول: الرب هو علي بن محمد العسكري وهو نبي
من قبله فأباح المحارم وأحل نكاح الرجال هكذا في التعليقة (3).
(ومنهم الحرورية) ففي منتهى المقال - نقلا عن (التعليقة) -
هم الذين تبرؤا من على - عليه السلام - وشهدوا عليه بالكفر، نسبة
إلى الحرور موضع بقرب الكوفة كان أول مجمعهم فيه (4).
(ومنهم العلياوية) ففي (منتهى المقال) نقلا عن الاختيار (5)
انهم يقولون إن عليا رب وظهر بالعلوية الهاشمية وأظهر انه عبده

(1) راجع: التعليقة (ص 410)
(2) راجع: التعليقة (ص 410).
(3) راجع: التعليقة (ص 410).
(4) راجع: منتهى المقال لأبي على الحائري - باب الألقاب
(ص 361) طبع إيران، وراجع التعليقة (ص 411) فقد سماهم فيها
(الشراة) لا الحرورية.
(5) يعنى اختيار الشيخ الطوسي وهو المعروف برجال الكشي
راجع (ص 341) طبع النجف الأشرف في ترجمة بشار الشعيري. (المحقق)
135

وأظهر وليه من عنده ورسوله بالمحمدية ووافق (1) أصحاب أبي الخطاب
في أربعة اشخاص على وفاطمة والحسن والحسين - عليهم السلام - وان معنى
الاشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين - عليهم السلام - تلبيس والحقيقة
شخص على - عليه السلام - لأنه أول هذه الاشخاص في الإمامة وانكروا
شخص محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزعموا أن محمدا صلى الله عليه وآله
وسلم هو عبد علي عليه السلام وعلى هو رب وأقاموا
محمدا مقام ما أقامت المخمسة سلمان وجعلوه رسولا لمحمد صلى الله عليه وآله
وسلم فوافقوهم في الاباحات والتعطيل والتناسخ والعلياوية
سمتها المخمسة عليائية وزعموا أن بشارا الشعيري لما أنكر ربوبية محمد
صلى الله عليه وآله وسلم وجعلها في علي عليه السلام وجعل
محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبد علي عليه السلام وأنكر
رسالة سلمان مسخ على صورة طير يقال له علياء يكون في البحر فلذلك
سموهم العليائية وفى ترجمة محمد بن بشير: وزعمت هذه الفرقة والمخمسة
والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب ان كل من انتسب إلى أنه من ال محمد
صلى الله عليه وآله وسلم مبطل في نفسه مفتر على الله كاذب
وانهم الذين قال الله فيهم: انهم يهود ونصارى في قوله (وقالت اليهود
والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر
ممن خلق) محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مذهب الخطابية وعلى
في مذهب العلياوية فهم ممن خلق هذان كاذبون فيما ادعوا من النسب
إذ كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندهم وعلي عليه السلام
هو رب لا يلد ولا يولد ولا يستولد الله جل وتعالى عما يصفون

(1) ضمير (وافق) راجع إلى رئيسهم بشار الشعيري.
136

ويقولون علوا كبيرا (1).
(ومنهم البيانية) فعن تاريخ أبى زيد البلخي: انهم أقروا بنبوة
بيان وهو رجل من سواد الكوفة تأول قول الله تعالى: (هذا بيان
للناس) انه هو وكان يقول بالتناسخ والرجعة فقتله خالد بن عبد الله
القسري (2).
(ومنهم الواقفية) وهم الذين وقفوا على الكاظم عليه السلام
كما هو معروف من هذا اللفظ حيثما يطلق وربما يقال لهم: الممطورة أي
الكلاب المبتلة من المطر ووجه الاطلاق ظاهر وانما وقفوا على الكاظم
عليه السلام بزعم انه القائم المنتظر اما بدعوى حياته وغيبته أو موته
وبعثته مع تضليل من بعده بدعوى الإمامة أو باعتقاد انهم خلفاؤه وقضاته إلى زمان ظهوره وفى بعض الأخبار انه كان بدء الواقفية انه
اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم وما كان يجب عليهم
فيها فحملوها إلى وكيلين لموسى عليه السلام بالكوفة أحدهما حيان
السراج واخر كان معه وكان موسى عليه السلام في الحبس
فاتخذوا بذلك دورا وعقدوا العقود واشتروا الغلات فلما مات موسى
عليه السلام وانتهى الخبر إليهما انكرا موته وأذاعا في الشيعة انه
لا يموت لأنه القائم فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة وانتشر قولهما
في الناس حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى

(1) راجع منتهى المقال: - باب الألقاب (ص 464) وراجع
أيضا رجال الكشي (ص 341) في ترجمة بشار الشعيري وفى ترجمة
محمد بن بشير (ص 406) طبع النجف الأشرف.
(2) نقل ذلك أبو علي الحائري في منتهى المقال - باب الألقاب -
(ص 360) عن تاريخ أبى زيد البلخي. (المحقق)
137

عليه السلام واستبان للشيعة انما قالا ذلك حرصا على المال.
هذا وربما أطلق اسم الوقف على من قبله أو من بعده كمن وقف
على أمير المؤمنين عليه السلام وعلى الصادق عليه السلام وعلى الحسن
العسكري عليه السلام كما وقع في (اكمال الدين واتمام النعمة (1))
لكن مع التقييد بالموقوف عليه كما يقال الواقفة على الصادق عليه السلام
وإن كان لهم أسماء اخر كالناووسية للواقفة عليه ومن ذلك قولهم
في عنبسة بن مصعب واقفي على أبى عبد الله عليه السلام وهو
من أصحاب الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام وكيف
كان فالاطلاق ينصرف إلى الأول كما اعترف به (الوحيد) وغيره
فلا يحمل مع الاطلاق الا على من وقف على الكاظم عليه السلام
نعم مع القرينة يحمل على من قامت ولعل من جملتها عدم دركه للكاظم
عليه السلام وموته قبله أو في زمانه مثل سماعة بن مهران وعلى
ابن حيان ويحيى بن القاسم وحكى (الوحيد) عن جده (2):
ان الواقفة صنفان صنف منهم وقفوا عليه في زمانه بان اعتقدوا كونه
قائم ال محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لشبهة حصلت لهم مما
ورد عنه وعن أبيه صلوات الله عليهما -: انه صاحب الامر ولم يفهموا
ان كل واحد منهم صاحب الامر يعنى أمر الإمامة ومنهم سماعة
ابن مهران لما نقل: انه مات في زمانه وغير معلوم كفر هذا الشخص
لأنه عرف امام زمانه ولم يجب عليه معرفة الامام الذي بعده نعم لو سمع

(1) اكمال الدين واتمام النعمة في غيبة الإمام الثاني عشر - عليه السلام -
للصدوق ابن بابويه القمي مطبوع بإيران.
(2) يعنى جده لامه المولى التقى المجلسي الأول - رحمه الله -. (المحقق)
138

ان الامام الذي بعده فلان ولم يعتقد صار كافرا (انتهى) (1) ثم أيد
ما حكاه عن جده من أن سبب اعتقاد الوقف هو الشبهة التي حصلت لهم
مما ورد عنهم من أنه صاحب الامر بان الشيعة من فرط حبهم دولة
الأئمة صلوات الله عليهم وشدة تمنيهم إياها وبسبب الشدائد والمحن
التي كانت عليهم وعلى أئمتهم صلوات الله عليهم - من القتل والخوف
وسائر الأذيات وكذا من بغضهم أعداءهم الذين كانوا يرون الدولة
وبسط اليد والتسلط وسائر نعم الدنيا عندهم إلى غير ذلك كانوا دائما
مشتاقين إلى دولة قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يملأ
الأرض قسطا مسلين أنفسهم بظهوره متوقعين لوقوعه عن قريب وهم
عليهم السلام كانوا يسلون خاطرهم حتى قيل: إن الشيعة تربى
بالآماني ومما دل على ذلك ما سنذكره في ترجمة يقطين فلاحظ.
ومن ذلك انهم كانوا كثيرا ما يسألونهم عليهم السلام - عن قائمهم
فربما قال واحد منهم صلوات الله عليهم فلان يعنى الذي بعده
وما كان يظهر مراده من القائم عليه السلام مصلحة وتسلية لخواطرهم
سيما بالنسبة إلى من علم عدم بقائه إلى ما بعد زمانه كما وقع من الباقر
- عليه السلام - بالنسبة إلى جابر في الصادق - عليه السلام - كما سنذكره
في ترجمة عنبسة وربما كانوا يشيرون إلى مرادهم ومن فرط ميل قلوبهم
وزيادة حرصهم ربما كانوا لا يفطنون ولعل عنبسة وبعضا آخر كانوا
كذلك (2) قلت: ذكر - أعلى الله مقامه - في ترجمة عنبسة عن الكافي
في باب النص على الصادق - عليه السلام - عن أبي الصباح: ان الباقر
- عليه السلام - قال - مشيرا إلى الصادق - عليه السلام - هذا من الذين

(1) راجع تعليقة الوحيد البهباني في الفائدة الثانية (ص 8 - ص 9)
(2) راجع التعليقة (ص 9) في الفائدة الثانية. (المحقق)
139

قال الله عز وجل: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا) الآية
وعن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام قال: سئل عن القائم فقال:
هذا والله قائم آل محمد قال عنبسة: فلما قبض دخلت على الصادق
- عليه السلام - فأخبرته بذلك فقال: صدق جابر ثم قال لعلكم
ترون ان ليس كل إمام هو القائم بعد الامام الذي كان قبله: (إلى اخر
ما ذكره في تلك الترجمة) (1) وهو كما ترى يشير إلى حصول الشبهة
لعنبسة من جهة قوله: " هذا والله قائم آل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم " ولذا سأل مولانا الصادق - عليه السلام - ولم ترتفع عنه الشبهة
حتى كشف له عن المراد بان كلامنا قائم آل محمد يعنى بأمر الإمامة
والخلافة لا القائم المعروف الذي يكون في آخر الزمان (عجل الله فرجه
وجعلني فداه) وكذا يشير إلى ذلك والى ما ذكره جده ما ذكره في ترجمة
أبى جرير القمي كما نبه عليه فيما بعد حيث قال - بعد ما سمعت مما حكيناه
عنه -: ومما يشير إلى ما ذكره التأمل أيضا فيما سيذكر في ترجمة
أبى جرير القمي وإبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام - (2)
وغيرها ومر في الفائدة الأولى ما ينبه على ذلك فتأمل (انتهى ما ذكره
من التأييد؟؟ (3) وذلك فإنه ذكر في تلك الترجمة نقلا عن الكافي -

(1) راجع: التعليقة (ص 253 في ترجمة عنبسة بن مصعب.
(2) راجع: التعليقة (ص 27) في ترجمة إبراهيم بن موسى بن
جعفر - عليه السلام - وانظر الحديث الذي رواه عن أصول الكافي بسنده
عن علي بن أسباط (ج 1 - ص 380) في باب ان الامام متى يعلم أن
الامر قد صار إليه.
(3) راجع أيضا التعليقة (ص 9) في الفائدة الثانية.
(المحقق)
140

في باب ان الامام متى يعلم أن الامر قد صار إليه في الصحيح
" عن صفوان بن يحيى عن أبي جرير القمي قال: قلت لأبي الحسن
- عليه السلام + جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم
حلفت له (وحق رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم - وحق فلان
وفلان حتى انتهيت إليه بأنه لا يخرج منى ما تخبرني به إلى أحد من الناس
وسألته عن أبيه أهو الحي أم ميت؟ فقال عليه السلام قد والله مات
إلى أن قال - قلت له أنت امام؟ فقال نعم فقلت جعلت
فداك ان شيعتك يروون ان فيه سنة أربعة أنبياء قال قد والله الذي
لا اله الا هو هلك، قلت: هلاك غيبة أو موت؟ قال: عليه السلام
هلاك موت فقلت: لعلك منى في تقية فقال سبحان الله قلت:
اوصى إليك؟ قال نعم قلت فأشرك معك فيها أحدا؟ قال: لا
قلت فأنت امام؟ قال: نعم (1) " فانظر إلى هذا الخبر وما تضمنه
من الشبهة التي أوقعت هذا السائل في هذه الكيفية من السؤال المستبشع حتى
دعت الإمام عليه السلام إلى تكرر القسم منه بالله وذلك ليس
الا لما كان منغرسا في ذهنه بأنه صاحب الامر وانه القائم الموعود به
في تلك الأخبار الذي يكون في آخر الزمان الذي له غيبة طويلة ويملأ
الأرض بعد ظهوره قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (وكيف كان)
فمجرد الرمي بالوقف لعله لا يقدح بل لا بد من التأمل وهل الوقف
في حياة الكاظم - عليه السلام - أم قبل زمانه أم بعد موته؟ وهل هو
عند التحمل أم الأداء؟ إذ العبرة بالأداء دون التحمل هذا بناء على عدم
(هامش) (1) راجع: التعليقة في ترجمة أبي جرير القمي (ص 385) وانظر
الحديث المذكور في أصول الكافي (ج 1 - ص 308) طبع إيران
(طهران) سنة 1381 هج‍. (المحقق) (*)
141

اعتبار الموثقات واما على اعتبارها كما هو الأقرب فلا فرق بين
الجمع إذ المدار على وثاقة الراوي ولو بالمعنى الأعم نعم ذاك ينفع -
أعني احراز الوقف أو عدمه في باب الترجيح عند التعارض واما مع عدمه
فلا اشكال في حجيته.
(ومن الفرق المفوضة) وهو على ما ذكره (الوحيد) والعلامة
(المجلسي) وغيرهما - يقال على معان كثيرة فيها الصحيح والفاسد.
(أحدها) ما ذكره في آخر التعليقة وهو " ان الله خلق محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم - وفوض إليه أمر العالم فهو الخلاق للدنيا
وما فيها (وقيل) فوض ذلك إلى علي - عليه السلام - وربما يقولون
بالتفويض إلى سائر الأئمة - عليهم السلام - كما يظهر من بعض التراجم "
انتهى (1).
وقال في الفوائد: " وللتفويض معان، بعضها لا تأمل للشيعة
في فساده وبعضها لا تأمل لهم في صحته إلى أن قال - (الأول)
سيجئ ذكره في آخر الكتاب عند ذكر الفرق (الثاني) تفويض الخلق
والرزق إليهم ولعله يرجع إلى الأول وورد فساده عن الصادق
- عليه السلام - والرضا - عليه السلام - إلى آخر ما ذكر من أقسامه
وهى سبعة (2) (وكيف كان) فهذا المعنى منسوب إلى طائفة فان أرادوا
انهم هم الفاعلون لذلك حقيقة فهو الكفر الصريح، وقد دلت الأدلة

(1) راجع: آخر التعليقة (ص 140) عند التعليق على الفائدة
التاسعة التي ذكرها الاسترآبادي في منهج المقال وعند ذكره بعض الفرق
التي لم يذكرها صاحب المنهج.
(2) راجع: التعليقة في الفائدة الثانية (ص 8).
(المحقق)
142

العقلية والنقلية على استحالته وفى العيون (1) عن الرضا عليه السلام
" ان من زعم أن الله تعالى فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فهو
مشرك " وان أرادوا ان الله تعالى هو الفاعل وحده لا شريك له ولكن
مقارنا لارادتهم ودعائهم وسؤالهم من الله ذلك كشق القمر واحياء الموتى
وقلب العصا وغير ذلك من المعجزات فهو حق لكرامتهم عند الله وزيادة
قربهم منه واظهار فضلهم ورفعة مقامهم بين خلقه وعباده حتى يصدقوهم
وينقادوا لهم ويهتدوا بهداهم ويقتدوا بهم فإنهم الدعاة إلى الله والأدلاء
على مرضاة الله ولكن هذا المعنى ليس من التفويض في شئ بل هو
العجز الصرف كما قال سبحانه: " عبدا مملوكا لا يقدر على شئ " وانما نشأ هذا وظهر المعجز على يدي حجته لبلوغه أعلى مراتب الاخلاص
لجانب الحق.
(الثاني) التفويض في أمر الدين فان أريد انه تعالى فوض إليهم
ان يحلوا ما شاؤوا ويحرموا ما شاؤوا بآرائهم من غير وحى على ما توهمه
بعض الأخبار فهو ضروري البطلان خارج عن الشريعة كيف وقد
كان - صلى الله عليه وآله وسلم - مقيدا باتباع الوحي كما قال تعالى:
" وما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع
الا ما يوحى إلى " وقال تعالى: " وما ينطق عن الهوى ان هو الا
وحى يوحى " حتى أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لربما انتظر الوحي
أياما في جواب بعض المسائل لا يجيب من تلقاء نفسه وقد صح عنهم
عليهم السلام -: ان لعلمهم طرقا ما تلقوه عن رسول الله - صلى الله
عليه وآله وسلم كابرا عن كابر والجامعة والجفر والنقر وما ينزل

(1) يريد: كتاب عيون أخبار الرضا - عليه السلام - المطبوع
بإيران تأليف الصدوق ابن بابويه القمي - رحمه الله - (المحقق)
143

في ليلة القدر وانه لولا هذا لنفذ ما عندنا على أن التفويض انما
يعقل فيما لم يرد به من الله تعالى وحى ولا كتاب والاحكام التي تألفت
منها الشريعة بل جميع ما هو كائن على ما استفاضت به الاخبار ونطق
به الكتاب مفسر ثابت في الكتاب، قال الله تعالى: " ما فرطنا
في الكتاب من شئ " وقال تعالى: " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل
شئ وقال مولانا أبو جعفر عليه السلام -: ان الله تعالى لم يدع
شيئا تحتاج إليه الأمة الا أنزله في كتابه وبينه لرسول صلى الله عليه
وآله وسلم وقال الصادق عليه السلام -: قد ولدني رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - وانا اعلم كتاب الله تعالى وفيه بدء الخلق
وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء والأرض وخبر الجنة
والنار وخبر ما كان وخبر ما هو كائن اعلم ذلك كما انظر إلى كفي
ان الله تعالى يقول: " فيه تبيان كل شئ " وان أريد بذلك انه تعالى
لما أكمل نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - بحيث لا يختار الا ما يوافق
الحق ولا يخالف مشيئاته فوض إليه تعيين بعض الأمور كزيادة بعض
الركعات وتعيين النوافل من الصلاة والصيام وطعمة الجد ونحو ذلك اظهارا
لشرفه وكرامته صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لما اختار أكد ذلك
بالوحي من عنده فلا فساده فيه عقلا ولا نقلا، بل في كثير من الاخبار
ما يدل عليه حتى عقد له في الكافي بابا (1) وعن (المرآة) نسبته إلى أكثر

(1) راجع أصول الكافي (ج 1 - ص 265) كتاب الحجة
باب التفويض إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والى الأئمة
- عليهم السلام - في أمر الدين - وانظر شرح هذا الباب من مرآة العقول
شرح الفروع والأصول من الكافي للعلامة المحدث المجلسي الثاني، طبع
إيران (المحقق)
144

المحققين ولا اختصاص للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك بل
كما يجرى فيه فكذا يجرى فيهم عليهم السلام إذ الاخبار كما جاءت
فيه صلى اله عليه واله وسلم جاءت فيهم عليهم السلام (الثالث)
تفويض أمر الخلق إليهم في السياسة والتأديب والتكميل وأمرهم بطاعتهم
بمعنى انه واجب عليهم طاعتهم في كل ما يأمرون وينهون سواء علموا
وجه الصحة أم لا بل ولو كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحة بل
الواجب عليهم القبول وتفويض الامر إليهم والتسليم لهم بحيث لا يجدون
حرجا فيما قضوا ويسلمون تسليما كما قال سبحانه وهذا لا كلام
ولا شبهة فيه.
(الرابع) تفويض بيان العلوم والاحكام على نحو ما أرادوا ورأوا
فيه المصلحة لاختلاف عقول الناس أو للتقية فيفتون بعض الناس
بالأحكام الواقعية وبعضهم بالتقية ويسكتون عن جواب آخرين بحسب
المصلحة ويجيبون في تفسير الآيات وتأويلها وبيان الحكم والمعارف بحسب
ما يحتمله عقل كل سائل وقد جاء في غير واحد من الاخبار: " عليكم
ان تسألوا وليس علينا أن نجيب " وهذا أيضا لا كلام فيه.
(الخامس) التفويض في الاعطاء والمنع، فان الله تعالى خلق لهم
الأرض وما فيها وجعل لهم الأنفال والخمس والصفايا وغيرها، فلهم
ان يعطوا ما شاؤوا ويمنعوا وهذا أيضا كسابقه لا كلام فيه.
(السادس) الاختيار في أن يحكموا في كل واقعة بظاهر الشريعة
أو بعلمهم أو ما يلهمهم الله تعالى من الواقع كما دل عليه بعض الأخبار
ذكره السيد في رجاله (1) وهو على ظاهره من التخيير المطلق

(1) المراد بالسيد هو السيد محسن الأعرجي الكاظمي ذكر ذلك
في عدة الرجال (مخطوط). (المحقق)
145

في الحكم في كل واقعة من دون ملاحظة خصوصيات المقام وما فيه
من المصالح والمفاسد والحكم المترتبة عليه كالتخيير الابتدائي الثابت بدليله
كالقصر والتمام في مواضع التخيير وخصال الكفارة التخييرية ونحوهما مشكل
بل محل منع.
(السابع) تفويض تقسيم الأرزاق ولعله مما يطلق عليه ذكره
في الفوائد (1) وصحته وفساده يعرف من المعنى الأول ولعله يرجع إليه
أو عينه الا ان يعم الأول للخلق والرزق والآجال وغيرها ويخص
هذا بخصوص الأرزاق كما هو ظاهره.
(الثامن) ما عليه المعتزلة من أنه جل شأنه لا صنع له ولا دخل
له في أفعال العباد سوى ان خلقهم وأقدرهم ثم فوض إليهم أمر الافعال
يفعلون ما يشاؤن على وجه الاستقلال عكس مقالة المجبرة فهم بين
افراط وتفريط وهو الذي ينبغي ان ينزل عليه قولهم عليهم السلام
" لا جبر ولا تفويض " لمقابلته بالجبر إذ كما أن في الجبر نسبة الرؤوف
الرحيم إلى الظلم والعدوان كذلك في هذا التفويض عزل للمحيط القائم
على كل نفس بما كسبت من السلطان وقد جاءت الاخبار بذمهم
كما جاءت بذم إخوانهم من أهل الجبر ثم جاء ان الحق أمر بين أمرين
حيث إن أكثر الناس في تلك الأيام كانوا على تلك المذاهب.
(التاسع) قول الزنادقة وأصحاب الاباحات وهو القول برفع الحظر
عن الخلق في الأفعال والإباحة لهم ما شاؤوا من الأعمال حكاه السيد
رحمه الله عن الشهيد في بيان الأمر بين الأمرين.
(إذا عرفت هذا) فاعلم أنه ربما رمى بعضهم بالتفويض فلا ينبغي

(1) راجع (ص 8) من الفائدة الثانية من الفوائد في تعليقة الوحيد
البهبهاني. (المحقق)
146

أن يتسرع بمجرد ذلك إلى القدح إذ لعله قائل بالوجه الصحيح فلا بد
من التروي والتأمل والرجوع إلى كلامه إن كان إذ ليس النقل كالعيان
اللهم الا ان يدعى اشتهار التفويض في المعاني المنكرة فينزل عليه عند الاطلاق
لكنه مع ذلك لا يرفع الاحتمال ولا يمنع من التروي سيما في مثل هذا
الرمي الموجب لفساد العقيدة والانحراف في الدين ومثله الرمي بالغلو
فتراهم يقولون: كان من الطيارة أو من أهل الارتفاع وأمثالهما، والمراد
انه كان غاليا فلا بد من التأمل والتثبت في ذلك فلا يجوز التسرع
في الرمي بذلك تقليدا لمن رمى سيما لو كان القدح من القدماء فان الظاهر أن
كثيرا من المتقدمين سيما القميين منهم وابن الغضائري كانوا يعتقدون
للأئمة منزلة خاصة من الرفعة والجلال ومرتبة معينة من العصمة والكمال
بحسب اجتهادهم ورأيهم وما كانوا يجيزون التعدي عنها وكانوا يعدون
التعدي ارتفاعا وغلوا على حسب معتقدهم حتى أنهم جعلوا مثل نفى السهو
عنهم غلوا حتى أن الصدوق رحمه الله - قال: سأكتب رسالة في الرد
على الغلاة الذين ينفون السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -
والأئمة عليهم السلام ولكن له الحمد حيث لم يوفقه لكتابة تلك الرسالة
كما قال الشيخ البهائي رحمه الله هذا وهو رئيس المحدثين لكن
لقصوره رأى ذلك بل ربما جعلوا مطلق التفويض أو الإغراق في شأنهم
واجلالهم والمبالغة في تنزيههم عن كثير من النقائض واظهار كثير قدرة
لهم وإحاطة العلم بمكنونات الغيوب في السماء وذكر علمهم بمكنونات
السماء والأرض ارتفاعا وغلوا أو مورثا للتهمة به، سيما والغلاة كانوا
مختفين في الشيعة مخلوطين بهم يتدلسون فيهم (وبالجملة) فالظاهر أن
القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضا كالفرعية فربما
كان شئ عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوا أو تفويضا أو جبرا
147

أو تشبيها أو غير ذلك وكان عند آخر مما يجب اعتقاده أولا هذا
ولا ذاك وربما كان منشأ جرحهم للرجل ورميهم إياه بالأمور المذكورة
روايته لما يتضمن ذلك: أو نقل الرواية المتضمنة لذلك أو لشئ
من المناكير عنه أو دعوى بعض المنحرفين انه منهم، فلابد من التأمل
في جرحهم بأمثال هذه الأمور ومن لحظ مواضع قدحهم في كثير
من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن ومحمد بن سنان والمفضل بن عمر
وأمثالهم عرف الوجه في ذلك وكفاك شاهدا اخراج أحمد بن محمد بن
عيسى لأحمد بن محمد بن خالد البرقي من قم، بل غير البرقي كما عن التقى
المجلسي من أن ابن عيسى اخرج جماعة من قم بل وغير ابن عيسى
من أهل قم كما عن المحقق الشيخ محمد بن الحسن من أن أهل قم كانوا
يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب فيه فإذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم
فكيف يعول على جرحهم وقدحهم بمجرده بل لا بد من التروي والتأمل
والبحث عن سببه وهكذا التصحيح للراوي وتوثيقه فإنه لا يجوز الاخذ به
والتعويل عليه بمجرده بل لا بد من الاجتهاد فيه والوقوف على حقيته
أو بطلانه لأصالة حرمة العمل بالظن الا ما خرج بالدليل هذا
لو لم يعرف بالتسرع في المدح والقدح كابن الغضائري والا فأولى بالمنع
كما هو واضح.
(والحاصل) فالتعويل على الغير والاعتماد عليه غير جائز تصحيحا
كان أو قدحا سيما فيما يتعلق بالعقائد وأصول الدين كالرمي بالأمور
المذكورة وخصوصا في الغلو بل اللازم الحمل على الصحة مهما أمكن
ولا سيما فيما يرجع إلى التفصيل فان كثيرا من الأجلة والأساطين من علماء
المتقدمين والمتأخرين قد نسبوا إلى بعض الأقوال المنكرة والمذاهب الفاسدة
بظاهرها كما نبه على ذلك (الوحيد) وغيره قال في التعليقة في ترجمة
148

أحمد بن محمد بن نوح السيرافي - بعد ما حكاه عن (النجاشي) واستظهره
من (الفهرست) وما حكاه عن جده بعد تأييده وبما ذكره الصدوق
رحمه الله - في (توحيده) وانه يشهد على ذلك وبعد ترجيحه التوثيق
بقوله: وبالجملة التوثيق ثابت والجرح غير معلوم بل ولا ظاهر - قال:
" وفى (المعراج) حكى في (الخلاصة) عن الشيخ رحمه الله - انه
كان يذهب إلى مذاهب الوعيدية وهو وشيخه المفيد رحمه الله -
إلى أنه لا يقدر على غير مقدور العبد كما هو مذهب الجبائي
والسيد المرتضى إلى مذهب البهشمية من أن ارادته تعالى عرض لا في محل
والشيخ الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت إلى جواز اللذة العقلية عليه
سبحانه وان ماهيته تعالى معلومة كوجوده وان ماهيته الوجود المعلوم
وان المخالفين يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة والصدوق وشيخه ابن
الوليد والطبرسي في مجمع البيان إلى جواز السهو عن النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم - ومحمد بن أبي عبد الله الأسدي إلى الجبر والتشبيه وغير ذلك
مما يطول تعداده والحكم بعدم عدالة هؤلاء لا يلتزمه أحد يؤمن بالله
والذي ظهر لي من كلمات أصحابنا المتقدمين وسيرة أساطين المحدثين ان المخالفة
في غير الأصول الخمسة لا توجب الفسق الا ان يستلزم انكار ضروري
الدين كالتجسيم بالحقيقة لا بالتسمية والقول بالرؤية بالانطباع أو الانعكاس
واما القول بها لا معها فلا لأنه لا يبعد حمله على إرادة اليقين التام
وشدة الانكشاف العلمي واما تجويز السهو عليه صلى الله عليه وآله
وسلم واللذة العقلية عليه تعالى مع تفسيرها بإرادة الكمال في ذلك عريض
أفردنا له رسالة " انتهى (1) إلى أن قال -: ونسب ابن طاووس

(1) يعنى انتهى كلام صاحب المعراج وهو الشيخ سليمان بن عبد الله
البحراني المتوفى سنة 1121 هج‍، واسم كتابه (معراج الكمال إلى معرفة
الرجال) وهو شرح لفهرست الشيخ الطوسي رحمه الله - الا انه لم يتم
وانما خرج منه باب الهمزة وباب الباء والتاء المثناة توجد نسخته المخطوطة
في بعض مكتبات النجف الأشرف.
149

ونصير الدين المحقق الطوسي وابن فهد والشهيد الثاني وشيخنا البهائي وجدي
العلامة (1) وغيرهم من الأجلة إلى التصوف وغير خفى ان ضرر التصوف
انما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول أو الوحدة في الوجود أو الاتحاد
أو فساد الأعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها كثير من المتصوفة في مقام
الرياضة أو العبادة وغير خفى على المطلعين على أحوال هؤلاء الأجلة
من كتبهم وغيرها انهم منزهون من كلتا المفسدتين قطعا ونسب جدي (2)
العالم الرباني والمقدس الصمداني مولانا محمد صالح المازندراني وغيره
من الأجلة إلى القول باشتراك اللفظ وفيه أيضا ما أشرنا إليه ونسب
المحمدون الثلاثة والطبرسي إلى القول بتجويز السهو على النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم ونسب الصدوق بل وابن الوليد منكر السهو إلى الغلو
(وبالجملة) أكثر الأجلة ليسوا بخالصين عن أمثال ما أشرنا إليه
ومن هذا يظهر التأمل في ثبوت الغلو وفساد المذهب بمجرد رمى علماء

(1) جده العلامة هو المولى محمد تقي المجلسي الأول المولود سنة
1003 هج‍، والمتوفى سنة 1070 هج‍.
(2) عبر صاحب (التعليقة) عن المولى محمد صالح المازندراني بجده
لأنه جده لامه فإنها بنت العالم الرباني آغا نور الدين ابن المولى محمد صالح
المازندراني وأم آغا نور الدين بنت المولى محمد تقي المجلسي الأول ولذا
يعتبر صاحب (التعليقة) عن المجلسي الأول بالجد وعن المجلسي الثاني
- صاحب البحار - بالخال. (المحقق)
150

الرجال من دون ظهور الحال وقد أشير إليه مرارا انتهى ما ذكره
في (التعليقة) مع اختصار له في الجملة وانما ذكرناه بلفظة على طوله
لما فيه من الفوائد وخوفا من فوات بعض ما تضمنه منها فقد ظهر
ان الرمي بما يتضمن عيبا فضلا عن فساد العقيدة مما لا ينبغي الاخذ به
والتعويل عليه بمجرده بل لا يجوز لما في ذلك من المفاسد الكثيرة العظيمة
إذ لعل الرامي قد اشتبه في اجتهاده أو عول على من يراه أهلا في ذلك
وكان مخطئا في اعتقاده أو وجد في كتابه اخبارا تدل على ذلك وهو
برئ منه ولا يقول له أو ادعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة انه
منهم وهو كاذب أو روى اخبارا ربما توهم من كان قاصرا أو ناقصا
في الادراك والعلم أن ذلك ارتفاع وغلو وليس كذلك أو كان جملة
من الاخبار التي يرويها ويحدث بها ويعترف بمضامينها ويصدق بها من غير
تحاش واتقاء من غيره من أهل زمانه بل يتجاهر بها لا تتحملها أغلب
العقول فلذا رمى ولقد كان هو السبب في رمى نفسه إذ ما كلما يعلم
يقال ولا كلما يقال حضر أهله ولا كلما حضر أهله حان وقته وهذا ميزان
لابد من ملاحظته في سائر موارده.
(الفائدة الحادية عشر) في ذكر جماعة من الممدوحين في زمن
الأئمة عليهم السلام بوكالة منهم أو مدح وثناء أو ترحم عليه
أو بشارة منهم عليهم السلام له بالجنة أو نحو ذلك مما يفيد مدحهم
أو زيادة قربهم منهم أو رفعة منزلة عندهم وان رمى بعضهم بغلو
وشبهة قال الشيخ أعلى الله مقامه في كتابه (الغيبة) (1) على ما حكاه

(1) راجع: كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ص 209) طبع النجف
الأشرف سنة 1385 هج‍.
151

عنه الشيخ أبو علي في كتابه (منتهى المقال) (1) والسيد في (عدته
في الرجال:
(من الممدوحين حمران بن أعين)، أخبرنا الحسين بن عبيد الله
عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري عن أحمد بن إدريس عن أحمد
ابن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير
عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام - وذكرنا (حمران بن
أعين) فقال لا يرتد والله ابدا، ثم أطرق هنيئة ثم قال: أجل لا يرتد
والله ابدا.
(ومنهم) المفضل بن عمر (2) بهذا الاسناد عن أحمد بن إدريس
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير
عن الحسين بن أحمد المنقري؟؟ عن أسد بن أبي العلاء عن هشام بن احمر
قال دخلت على أبى عبد الله عليه السلام وانا أريد ان أسأله عن المفضل
ابن عمر وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره
فابتدأني فقال: نعم والله الذي لا اله الا هو الرجل المفضل بن عمر الجعفي
نعم والله الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل بن عمر الجعفي حتى أحصيت
عليه بضعا وثلاثين مرة يكررها وقال انما هو والد بعد والد وروى
عن هشام بن احمر قال حملت إلى أبى إبراهيم عليه السلام إلى المدينة
أموالا فقال عليه السلام ردها وادفعها إلى المفضل بن عمر فرددتها
إلى جعفي فحططتها على باب المفضل وروى عن موسى بن بكر قال:

(1) راجع منتهى المقال في ترجمة حمران بن أعين والفائدة الثانية
من خاتمة الكتاب (ص 370).
(2) راجع: كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ص 210).
(المحقق)
152

كنت في خدمة أبى الحسن عليه السلام فلم أكن أرى شيئا يصل إليه
الا من ناحية المفضل وربما رأيت الرجل يجئ بالشئ فلا يقبله منه
ويقول أرسله إلى المفضل وروى (الكشي) في ترجمة المفضل بن
عمر على ما حكاه السيد في رجاله عنه - " عن محمد بن سنان عن بشير
النبال، قال: قال أبو عبد الله - عليه السلام - لمحمد بن كثير الثقفي -
وهو من أصحاب المفضل بن عمر أيضا ما تقول في المفضل بن عمر؟ قال:
ما عسيت ان أقول فيه لو رأيت في عنقه صليبا وفى وسطه كسحا
لعلمت انه على الحق بعد ما سمعتك تقول فيه ما تقول، قال: رحمه الله
لكن حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة اتياني فشتماه عندي فقلت لهما:
لا تفعلا فانى أهواه فلم يقبلا فسألتهما و أخبرتهما ان الكف عنه حاجتي
فلم يفعلا فلا غفر الله لهما، اما إني لو كرمت عليهما لكرم عليهما
من يكرم على ولقد كان كثير عزة في مودته لها أصدق منهما في مدتهما لي
حيث يقول:
لقد علمت بالغيب ان لا أحبها * * إذا أنا لم يكرم علي كريمها " (1)
(قلت) انظر إلى هذه الأخبار وما تضمنته من الدلالة على فضله
وعلو شأنه وزيادة قدره ومحله من ساداته وتنزيهه من كل عيب
فضلا عن الغلو الذي يرمى به ومثلها غيرها من الأخبار الدالة على زيادة
فضله عندهم مثل ما عن (الكافي) في باب الصبر في الصحيح " عن يونس
ابن يعقوب قال أمرني أبو عبد الله عليه السلام - ان آتي المفضل وأعزيه
بإسماعيل وقال إقرأ المفضل السلام وقل له: إنا أصبنا بإسماعيل

(1) راجع: رجال الكشي (ص 272 - ص 273) طبع
النجف الأشرف. (المحقق)
153

فصبرنا فاصبر كما صبرنا " (1) (الحديث) إلى غير ذلك مما يدل على
علو قدره ويكفيك في الدلالة على وثاقته بل وجلالته عندهم كونه
من وكلاء الصادق والكاظم عليهما السلام مدة مديدة بل ولا يقبلون
ما يأتي من الأموال الا على يده كما سمعت ما في خبر هشام وموسى بن
بكر فإذا كان وكيلا بل وبهذه المنزلة من الوكالة بل ومن البوابين
كما عن الكفعمي) انه عده من البوابين فكيف يكون مع ذلك
فاسد العقيدة والمذهب وانه خطابي وغال لا يعبأ به ولا يعول عليه كما
عن (الخلاصة) (2) وقبله (ابن الغضائري) ولعله اخذه منه تقليدا
وما عن (النجاشي) من التضعيف له بذلك (3) فمعارض بتعديل المفيد
في (الارشاد) حيث قال: " انه من شيوخ أصحاب أبي عبد الله
عليه السلام - وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين " (4) والشيخ
في (الغيبة) (والوحيد) ومن تبعه والاخبار فيه وإن كانت متعارضة
الا ان اخبار المدح أرجح فلتطرح اخبار الذم حتى لو سلمت في نفسها
سندا ودلالة أو تحمل على أول امره كما قال في (التعليقة) وقبله
مولانا عناية الله (5) والشاهد خبر حماد بن عثمان، قال: سمعت

(1) راجع أصول الكافي (ج 2 - ص 92) طبع إيران سنة
1381 ه‍، الحديث السادس عشر.
(2) راجع الخلاصة للعلامة الحلي - القسم الثاني - (ص 258)
طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: رجال النجاشي (ص 326) طبع إيران.
(4) راجع: ارشاد الشيخ المفيد - رحمه الله - باب ذكر الإمام موسى
بن جعفر - عليه السلام -.
(5) هو المولى عناية الله القهبائي ذكره في (مجمع الرجال) (المحقق)
154

أبا عبد الله عليه السلام يقول للمفضل بن عمر يا كافر يا مشرك
مالك ولابني يعنى إسماعيل وكان منقطعا إليه يقول فيه مع الخطابية
ثم رجع بعده (1) كما اعترف بذلك غير واحد ومنهم ابن طاووس حيث
قال ورد في مدحه وذمه آثار وقال حماد بن عثمان انه رجع عنه
بعد (انتهى المحكى عنه) وحينئذ فاحتمال (الكشي) استقامته أولا ثم
صيرورته خطابيا (2) لعله خطأ ومما ينادى بذلك الصحيح المذكور
عن الكافي عن يونس بن يعقوب المتضمن لقراءة الامام السلام عليه فإنه
بعد موت إسماعيل واخبار الذم أكثرها في حياته واما كونه غاليا
فشئ يقطع بفساده كما اعترف به في (منتهى المقال) (3) وغيره.
(ومنهم) المعلى بن خنيس وكان من قوام أبى عبد الله عليه السلام
وانما قتله داود بن علي بسببه وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه
وأمره مشهور فروى عن أبي بصير قال: لما قتل داود بن علي المعلى
ابن خنيس وصلبه عظم ذلك على أبى عبد الله عليه السلام واشتد عليه
وقال له يا داود على ما قتلت مولاي وقيمي في مالي وعلى عيالي؟ والله
انه لأوجه عند الله منك، والحديث طويل (وفى خبر آخر) أنه قال:
اما والله لقد دخل الجنة (4).
(ومنهم) نصر بن قابوس اللخمي فروى: انه كان وكيلا
لأبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة ولم يعلم أنه وكيل وكان

(راجع) رجال الكشي (ص 272).
(2) راجع: الكشي (ص 274).
(3) راجع منتهى المقال - في ترجمة المفضل بن عمر -
(4) راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ص 210). (المحقق)
155

خيرا فاضلا (1).
(ومنهم) عبد الرحمن بن الحجاج وكان وكيلا لأبي عبد الله (ع)
ومات في عصر الرضا على ولائه (2).
(قلت) وعن أبي القاسم نصر بن الصباح أنه قال: عبد الرحمن
ابن الحجاج شهد له أبو الحسن عليه السلام - بالجنة وكان أبو عبد الله (ع)
يقول لعبد الرحمن يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فانى أحب ان يرى
في رجال الشيعة مثلك (3) وفى (الكافي) عدة من أصحابنا عن سهل
ابن زياد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عمرو الزيات؟؟
عن أبي عبد الله عليه السلام من مات في المدينة بعثه الله من الآمنين
يوم القيامة منهم يحيى بن حبيب وأبو عبيدة الحذاء وعبد الرحمن بن
الحجاج، (4) قال الشيخ رحمه الله -.
(ومنهم) عبد الله بن جندب البجلي وكان وكيلا لأبي إبراهيم وأبى
الحسن الرضا عليهما السلام وكان عابدا رفيع المنزلة لديهما على
ما روي في الاخبار (5).
(ومنهم) ما رواه أبو طالب القمي قال: دخلت على أبى جعفر
الثاني عليه السلام - في آخر عمره فسمعته يقول جزى الله صفوان
ابن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن آدم وسعد بن سعد عني خيرا فقد
وفوا لي وكان زكريا بن آدم ممن تولاهم وخرج فيه عن أبي جعفر

(1) - (2) راجع المصدر نفسه.
(3) روى هذا الحديث الكشي في رجاله في ترجمته (ص 372)
(4) راجع الكافي (ج 4 - ص 558) الحديث الثالث طبع
إيران طهران سنة 1377 ه‍.
(5) راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ص 210) المحقق)
156

عليه السلام ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله
يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا فقد عاش أيام حياته عارفا
بالحق قائلا به صابرا محتسبا للحق قائما بما يجب لله ورسوله عليه وقد
مضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل فجزاه الله اجر نيته وأعطاه جزاء
سعيه (1).
(واما محمد بن سنان) فإنه روى عن علي بن الحسين بن داود
قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يذكر محمد بن سنان بخير ويقول:
رضي الله عنه برضائي عنه، فما خالفني ولا خالف أبى قط (2).
(قلت) قد اختلف علماؤنا في شان هذا الرجل فان (المفيد)
وان ضعفه في رسالته المعمولة في الرد على الصدوق رحمه الله في أن
رمضان لا ينقص حيث قال ما هذا لفظه على ما في التعليقة: " فمن
ذلك يعنى ما دل على أنه لا ينقص حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص
ابدا) وهذا حيث شاذ نادر غير معتمد عليه في طريقه محمد بن سنان
وهو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه وما كان هذا سبيله
لم يعمل عليه في الدين لكنه صرح في (ارشاده) بكونه من الخاصة
للكاظم (ع) حيث قال: ممن روى النص على الرضا (ع) عن أبيه من خاصته
وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته محمد بن سنان انتهى (3) هذا مع أنه
لم يعلم السابق منهما من اللاحق والشيخ الطوسي وان ضعفه في رجاله في باب أصحاب

(1) و (2) راجع: المصدر المذكور (ص 211)
(3) راجع: التعليقة في ترجمة محمد بن سنان. (المحقق)
157

الرضا عليه السلام (1) لكنه في كتاب (الغيبة) شهد بفضله وجلالته
فإنه جعله من الوكلاء والقوام الذين ما غيروا وما بدلوا وما خانوا أصلا
وماتوا على منهاجهم والعلامة وان ضعفه في (الخلاصة) (2) حيث
قال بعدما ذكر اختلاف العلماء في شانه وحكى عن الشيخ ضعفه وكذا
(النجاشي) (3) و (ابن الغضائري) قال: إنه غال لا يلتفت إليه
وروى (الكشي) فيه قدحا عظيما وأثنى عليه أيضا قال: والوجه
عندي التوقف فيما يرويه فان الفضل بن شاذان قال في بعض كتبه: ان

(1) وذكره أيضا الشيخ في (الفهرست) ص 169 برقم (620)
من طبع النجف الأشرف سنة 1380 ه‍ فإنه قال: له كتب وقد
طعن عليه وضعفه وكتبه مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها وله
كتاب النوادر وكجميع ما رواه الا ما كان فيها من تخليط أو غلو..
وكذلك أيضا ضعفه في (الاستبصار) بعد ان ذكر خبرا عن محمد
ابن سنان في مهر السنة وبيان بعض احكامها قال: " ومحمد بن سنان
مطعون عليه ضعيف جدا وما يختص بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يعمل
عليه ومثله ما ذكره في (التهذيب).
(2) وضعفه أيضا في ذكره لطرق الصدوق ابن بابويه فإنه ذكر
طريقه إلى أبى النمير مولى الحرث بن المغيرة النصري فقال: " في طريقه
محمد بن سنان وهو عندي ضعيف ومثله ذكر في طريقه إلى المفضل بن
عمر، انظر الفائدة الثامنة من الفوائد الملحقة باخر الخلاصة (ص 277)
طبع النجف الأشرف.
(3) راجع: رجال النجاشي (ص 251 - 252) وراجع أيضا
تضعيفه (ص 332) في ترجمة مياح المدائني طبع إيران (المحقق)
158

من الكذابين المشهورين ابن سنان وليس بعبد الله (1) ودفع أيوب بن نوح
إلى حمدويه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان فقال لنا: ان شئتم ان
تكتبوا ذلك فافعلوا فانى كتبت عن محمد بن سنان ولكني لا اروى لكم
عنه شيئا فإنه قال قبل موته: كلما حدثتكم به لم يكن لي سماعا ولا
رواية وانما وجدته (2) ونقل عنه أشياء ردية انتهى (3) لكنه
في (المختلف) الذي هو اخر كتبه كما صرح به في (منتهى المقال)
رجح العمل بروايته فإنه صرح في كتاب الرضا ع - على ما في (التعليقة)
بصحة رواية الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام وقال: لا يقال
في طريقها محمد بن سنان وفيه قول لأنا نقول بينا رجحان العمل برواية
محمد بن سنان وقد بينا ذلك في كتاب الرجال والظاهر أنه في غير
(الخلاصة) والذي يظهر سلامته من القدح في نفسه وفى رواياته بل
هو معتمد عليه كما عن (الوجيزة) (4) بل الظاهر أنه من أهل الاسرار
كما عن العلامة المجلسي على ما في (التعليقة) حيث قال: وقال جدي
العلامة المجلسي رحمه الله (5) في ترجمته: وثقه المفيد وضعفه الباقون
ونسبوه إلى الغلو وروى (الكشي) اخباره في غلوه ولا نجد فيها

(1) راجع: رجال الكشي (ص 428).
(2) راجع: المصدر نفسه ص 427).
(3) راجع: خلاصة الرجال للعلامة (ص 251) في القسم الثاني
طبع النجف الأشرف
(4) راجع: الوجيزة للمجلسي (ص 64) الملحقة بآخر رجال
العلامة (الخلاصة) المطبوعة بإيران سنة 1312 ه‍.
(5) يريد بالعلامة المجلسي المولى التقى فإنه ذكر ذلك في شرحه لمشيخة
من لا يحضره الفقيه (مخطوط) (المحقق)
159

غلوا بل الذي يظهر منها انه كان من أصحاب الاسرار فلننقل ما رووه
فيه لتعلم ان أكثر ما يرمون الاجلاء به من أمثال هذه فروى (الكشي)
ثم شرع في نقل رواياته عن اخرها ثم قال: فانظر أيها الأخ في الله
بعين الانصاف في هذه الأخبار فإنها ليست الا معجزاته. ولا شك ان
الأئمة من حين الولادة يتكلمون انتهى ما حكاه عن جده فيما يتعلق
بالقدح في نفسه من حيث الغلو والارتفاع ثم انتقل إلى دفع القدح فيه
من جهة رواياته (1) كما سننبه عليه إن شاء الله ومثل العلامة المجلسي
في تنزيهه من القدح فيه السيد الشريف نعمة الله الجزائري قال في (كنز
الطالب) - على ما حكاه السيد في عدته (2) التحقيق ان الطعن انما جاء إليه
من طريقين:
(الأول) ما روى الكشي وذكر كلام أيوب بن نوح المتقدم.
(الثاني) ما ذكره بعضهم من اشتمال أحاديثه على الغلو وارتفاع
القول والجواب (اما عن الأول) فبعدم صحته وعلى تقديرها فلعل
فيه دلالة على كمال ورعه حيث إنه لم يرض ان يروى عنه ما رواه بطريق
الوجدان في الكتب مع أن ذلك من جملة الطرق المذكورة في تحمل
الأحاديث سيما في الكتب المتواترة كما كانت في اعصار أصحاب الأئمة
عليهم السلام (واما عن الثاني) فهو ان من مارس الاخبار وتصفح
الآثار لا يشك في أنه قد كان لكل واحد من الأئمة عليهم السلام
خواص من شيعته يطلعونهم على عجائب أمورهم وغرائب اخبارهم ولم
يطلعوا سواهم عليها لعدم اتساع صدورهم لتحمل مثل تلك الأمور النادرة

(1) راجع: التعليقة (ص 298) في ترجمة محمد بن سنان.
(2) راجع: عدة الرجال للسيد المحسن الأعرجي عند ذكره
رجالا من الغلاة. (المحقق)
160

فإذا حدث أولئك الخواص بتلك الأحاديث التي لم يشاركوا في روايتها بادر
طوائف من الشيعة إلى تكذيبهم والرد عليهم ونسبتهم إلى الغلو وارتفاع
القول كما وقع في شان سلمان وأبي ذر من قوله صلى الله عليه وآله
وسلم لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله فكيف الظن بغيره
قال ولا شك ان محمد بن سنان كان من أخص خواص الامامين
الطاهرين الرضا والجواد عليهما السلام ويؤيده ما روى عن الحسين بن
شعيب عن محمد بن سنان قال دخلت على أبى جعفر الثاني عليه السلام
فقال: يا محمد كيف أنت إذا لعنتك وبرئت منك وجعلتك محنة للعالمين
اهدى بك من أشاء وأضل من أشاء؟ قال: قلت: تفعل بعبدك ما تشاء
انك على كل شئ قدير ثم قال: يا محمد أنت عبد أخلصت لله وانى
ناجيت الله فيك فأبى الا ان يضل بك كثيرا ويهدى بك كثيرا ونحو
هذا قال: والحاصل ان ما به طعن عليه بعينه هو الثناء عليه ثم
ذكر ما حاصله: ان طريقة المشايخ استمرت على أنهم إذا عثروا على
رواية من أحدهم على خلاف ما عندهم أو على مذهب يخالف ما ذهبوا
إليه انهم يستبيحون تخطئته ونسبته إلى الخلط والخبط بل نقصان الايمان
لئلا يتبعه الناس في ذلك الخطا كما وقع للسيد المرتضى مع الصدوق رحمه الله
في سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولصاحب المدارك مع
المولى الصالح العالم عبد الله التستري (1) حيث زار علماء النجف الأشرف

(1) المولى الصالح عبد الله التستري هو المولى عز الدين بن الحسن التستري
الأصفهاني المتوفى ليلة الأحد (26) المحرم سنة 1021 ه‍ وهو أستاذ المولى
محمد تقي المجلسي الأول، والسيد مصطفى التفريشي والمولى عناية الله
القهبائي والأمير فيض الله التفريشي وغيرهم.
161

عند وفوده ولم يزده لمنعه من العمل باخبار الآحاد حتى قال: إنه مبدع
ومن زار ذا بدعة فكانما سعى في خراب الدين وخاصة محمد بن سنان
واضرابه فقد رووا من الاخبار الغريبة والاسرار العجيبة ما يتعلق به الغلاة
والمفوضة في ترويج مذاهبهم الفاسدة ولم ينتبهوا لتأويلها انتهى ما حكاه
السيد عنه ولقد أجاد وأفاد واتى بما هو فوق المراد ولا عجب فإنه
الأهل والمحل ومثله في التنزيه له السيد الزاهد ابن طاووس في كتاب
(فلاح السائل) فإنه قال: سمعت من يذكر طعنا على محمد بن سنان
ولعله لم يقف الا على الطعن عليه ولم يقف على تزكيته والثناء عليه
وكذلك يحتمل أكثر الطعون هذا مع جلالته في الشيعة وعلو شانه ورياسته
وعظم قدره ولقائه من الأئمة ثلاثة وروايته عنهم عليهم السلام وكونه
بالمحل الرفيع منهم الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام مع معجز
أبى جعفر عليه السلام فيما رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ان
محمد بن سنان كان ضرير البصر فتمسح بابى جعفر الثاني عليه السلام
فعاد إليه بصره بعد ما كان افتقده انتهى ما حكاه عنه السيد في عدة
الرجال (1).
(قلت) فمحمد بن سنان شبيه فطرس وأبو جعفر عليه السلام
شبيه صاحب فطرس يعنى الحسين عليه السلام حين تمسح بمهده الملك
فطرس وجبر جناحه بل قيل إنه كان يسمى شبيه فطرس لكونه
تمسح بالجواد عليه السلام فعاد إليه بصره بعدما افتقده ومثل هذا
غيره من الأخبار الدالة على فضله وزيادة قربه ومحله من ساداته كدعاء

(1) راجع: فلاح السائل لرضى الدين أبى القاسم علي بن موسى
ابن جعفر بن محمد بن طاووس الحسنى الحسيني المتوفى سنة 644 ه‍
(ص 10) طبع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍
162

الجواد عليه السلام له في خبر علي بن الحسين بن داود المتقدم بقوله:
رضي الله عنه برضائي عنه وقوله: فما خالفني وما خالف أبى قط
ودعائه له مع جملة من الأعيان كصفوان بن يحيى وزكريا بن ادم بقوله:
جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن ادم
وسعد بن سعد عنى خيرا في خبر أبي طالب القمي المتقدم إلى غير ذلك
من الاخبار بل في بعضها ما يدل على أن له المحل الرفيع الاعلى عندهم
مثل ما رواه حمدويه عن الحسن بن موسى عنه من أن أبا الحسن موسى
عليه السلام حين نعى إليه نفسه وأخبره بظلم ولده الرضا عليه السلام
من بعده وجحد إمامته فقال له ابن سنان لئن مد الله في عمري
لأسلمن إليه حقه ولأقرن له بالإمامة (إلى اخر ما قال) قال له: يا محمد
يمد الله في عمرك وتدعو إلى إمامته وامامة من يقوم مقامه من بعده
قال محمد: فقلت جعلت فداك ومن ذاك؟ قال: محمد ابنه قلت:
بالرضا والتسليم فقال: كذلك وقد وجدتك أبين من البرق في الليلة
الظلماء قال: يا محمد ان المفضل انسى ومستراحي وأنت انسهما
ومستراحمهما حرام على النار ان تمسك ابدا (1) فانظر إلى ما تضمنه
هذا الخبر الشريف من الدلالة على عظم هذا عندهم فالعجب كل العجب
ممن ذم وقدح كما حكى عن السيد السعيد رضى الدين بن طاووس حيث
قال: انى لأعجب ممن ذم أليسوا رأوا اخبار مدحه عن الأئمة الثلاثة
عليهم السلام -

(1) انظر الرواية: في رجال الكشي (ص 429) في ترجمة محمد
ابن سنان وذكر مثلها الكليني في أصول الكافي ج 1 ص 319
في كتاب الحجة باب الإشارة والنص على أبى الحسن الرضا عليه السلام
بسند اخر طبع إيران (طهران) سنة 1381 ه‍
163

(قلت) ولكن يظهر من جملة من اخباره انه ممن يذيع وليس له
ملكة التماسك والكتمان لما يلقى إليه من سر، بل كان متسرعا متهتكا في أمر
أهل البيت عليهم السلام مثل ما عن الكشي عن حمدويه عن سهل
عن محمد بن مرزبان عنه قال شكوت إلى الرضا عليه السلام وجع
العين فاخذ قرطاسا فكتب إلى أبى جعفر عليه السلام ودفع الكتاب
إلى الخادم وأمرني ان اذهب معه وقال: اكتم فاتيناه وخادم قد حمله
قال: ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبى جعفر عليه السلام فجعل
أبو جعفر (ع) ينظر إلى السماء ويقول: ناج ففعل ذلك مرارا فذهب كل
وجع في عيني وأبصرت بصرا لا يبصره أحد وقلت له: جعلك الله
شيخا على هذه الأمة كما جعل عيسى ابن مريم شيخا على بني إسرائيل ثم
قلت له: يا شبيه صاحب فطرس (يعنى (1) الحسين عليه السلام
حين تمسح بمهده الملك فطرس وجبر جناحه قال: وانصرفت وقد امرني
الرضا عليه السلام ان اكتم فما زلت صحيح النظر حتى أذعت
ما كان من أبى جعفر عليه السلام في أمر عيني فعاودني الوجع (2)
وسأله ابن مرزبان عن حديث فطرس فقصه عليه وعن شاذويه بن
الحسين بن داود القمي قال: دخلت على أبى جعفر عليه السلام وباهلي
حبل فقلت: جعلت فداك ادع الله ان يرزقني ولدا ذكرا فأطرق مليا
ثم رفع رأسه فقال: اذهب فان الله تعالى يرزقك غلاما ذكرا ثلاث
مرات قال: فقدمت مكة فصرت إلى المسجد فاتى محمد بن الحسن بن

(1) هذا التفسير من شيخنا صاحب الكتاب وليس جزء من الرواية
فلاحظ.
(2) راجع: رجال الكشي (ص 487) في ترجمة محمد بن سنان
164

صباح برسالة من جماعة من أصحابنا منهم صفوان بن يحيى ومحمد بن
سنان وابن أبي عمير فاتيتهم فسألوني فخبرتهم بما قال فقالوا لي: فهمت
عنه ذكرا وزكى فقلت ذكرا قد فهمت قال ابن سنان: اما أنت
فسترزق ولدا ذكرا اما انه يموت على المكان أو يكون ميتا فقال
أصحابنا لمحمد بن سنان: أسأت قد علمنا الذي علمت فاتى غلام
في المسجد فقال: أدرك فقد مات أهلك فذهبت مسرعا ووجدتها
على شرف الموت ثم لم تلبث ان ولدت غلاما ذكرا ميتا (1) فانظر
إلى تسرعه وعجلته وعدم تماسكه وكتمانه لما يلقى إليه من سر حتى أعاب
عليه أصحابه ومن ساواه في علم المولود فهذا هو السد في رميه بالغلو
والارتفاع في القول إذ لو كان متماسكا كاتما لسره لا يحدث الا
بالأمور المسلمة عند الناس والمعروفة فيما بينهم والمألوفة لهم لم يكن له راد
منهم ولا خارجا عنهم بالخلاف لهم لكنه أذاع بشئ مما أوتي من بعض
الاسرار فجاءه الكلام من ها هنا وهنا هنا ولعله لا يرى في ذلك غرابة ولا
في اظهاره وحشة لشدة انسه بها حتى صارت عنده مانوسة ولديه كغيرها
مألوفة فلا يستوحش من التحدث والتحديث بها ولا هو يجد نفرة من
ذكرها ونشرها والاعلان بها بل حسب بواسطة الانس بها انها من
المألوفات التي لا ينكر على من ذكرها ولا يتنفر منها أو لعل الإمام عليه السلام
قد اذن له بذلك من باب المحنة والفتنة لغيره حتى يميز
الخبيث من الطيب كما يقضى به خير الحسين ابن شعيب المتقدم عن مولانا
الجواد عليه السلام حيث قال فيه: وجعلتك محنة للعالمين اهدى
بك من أشاء وأضل من أشاء الذي هو منكر بظاهره لا يطيقه الضعفاء
الذي منه ومن أمثاله جاءه الرمي بارتفاع القول لكن لا يضره بعد

(1) راجع: رجال الكشي (ص 486)
165

اذن مولاه أو لعله لم يمنعه بعد علمه به والا لامتنع وارتدع كما
يقضى به قوله عليه السلام في خبر علي بن الحسين بن داود المتقدم
رضي الله عنه برضائي عنه فما خالفني وما خالف أبى قط وكيف
كان فهو سالم مما طعن به ورمى من الغلو وشبهه مما يوجب فسادا
في العقيدة كما سمعت ما عن الشريف (نعمة الله الجزائري) من التنزيه له
من ذلك بل جعله من أخص خواص الامامين الطاهرين الرضا والجواد
عليهما السلام والعلامة المجلسي حتى جعله من أصحاب الاسرار
و قبله والده التقى ومثلهما الشيخ سليمان (1) وكذا الفاضل الشيخ عبد النبي (2) والسيد رضى الدين بن طاووس حتى تعجب ممن ذمه
كما سمعت وقبلهم شيخ الطائفة وعميدها الشيخ الطوسي فإنه جعله
في (غيبته) من الوكلاء والقوام الذين ما غيروا وما بدلوا وما خانوا
وماتوا على منهاجهم كما تقدم وقبله شيخه الشيخ المفيد فإنه عده من
خاصة الكاظم عليه السلام وثقاته وأهل العلم والورع والفقه من شيعته
كما سمعت رجوع العلامة عن تضعيفه في (الخلاصة) إلى الحكم بصحته
صريحا في (المختلف) الذي هو اخر كتبه وبقى تضعيف ابن الغضائري
والنجاشي فاما ابن الغضائري فلا عبرة بتضعيفه لتسرعه واما النجاشي
فلم يظهر منه تضعيف أصلا فإنه بعد ذكر الترجمة والنسبة وانه

(1) الشيخ سليمان هو ابن عبد الله البحراني صاحب كتاب (بلغة
المحدثين، و (معراج الكمال إلى معرفة الرجال) المتوفى سنة 1121 ه‍
(2) هو الشيخ عبد النبي بن سعد الدين الجزائري الغروي الحائري
صاحب كتاب (حاوي الأقوال في معرفة الرجال) المتوفى يوم الخميس
(18 - جمادى الأولى سنة 1021 ه‍) وكانت وفاته في قرية بين أصفهان
وشيراز وقبره الان في شيراز
166

من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي وانه توفى أبوه الحسن وهو
طفل وكفله جده سنان حكى عن (ابن عقدة) تضعيفه فقال:
وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد انه روى عن الرضا عليه السلام
قال وله مسائل عنه معروفة وهو رجل ضعيف جدا لا يعول
عليه ولا يلتفت إلى ما تفرد به ثم قال وقد ذكر أبو عمرو في رجاله:
قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري قال: قال أبو محمد
الفضل بن شاذان لا أحل لكم ان ترووا أحاديث محمد بن سنان وذكر
أيضا انه وجد بخط أبى عبد الله الشاذاني سمعت القاضي يقول: إن
عبد الله بن محمد بن عيسى الملقب ببنان قال: كنت مع صفوان بن يحيى
بالكوفة في منزل إذ دخل علينا محمد بن سنان فقال صفوان: ان هذا
ابن سنان لقد هم ان يطير غير مرة فقصصناه حتى ثبت معنا وهذا
يدل على اضطراب كان وزال ثم اخذ في تعداد كتبه وطريقه إليها
وهذا كما ترى ليس به فيه تضعيف كابن عقدة الذي حكى عنه تضعيفه
صريحا بل قد يقال بدلالة كلامه الأخير أعني قوله: وهذا يدل
على اضطراب كان وزال على تنزيهه مما قيل فيه أو الميل إلى تبرئته
منه ان جعلنا هذا القول له كما هو غير بعيد لتضمن كلام صفوان شهادة
بالبراءة مما رمى به من الطيران الذي هو كناية عن الغلو والارتفاع
في القول فإنه الخبير والمصدق فيه واما لو جعلناه من كلام غيره وهو
المخبر عن صفوان أو غيره على احتمال فلم يظهر من كلامه تضعيف
ولا تنزيه بل هو متأمل متوقف كما اعترف به في (منتهى المقال) لكنه
استظهر تأمل (النجاشي) في تضعيفه مع حكمه ظاهرا بان هذا القول
الأخير له وهو كما ترى محل منع لما عرفت من أن شهادة مثل صفوان
بالبراءة تفيده الوثوق بها وان احتمل انه مع الشهادة فالنجاشي متأمل أيضا
167

وكيف كان فلا ينبغي ان يعد النجاشي من المضعفين هذا مع أن
الاخبار المروية عنه في (الكافي) وتوحيد ابن بابويه وغيرهما الدالة على عدم
غلوه وصحة عقيدته من الكثرة بمكان بل جملة منها دالة على عظم منزلته
عندهم وانه من أصحاب الاسرار كما اعترف به العلامة المجلسي أعلى
الله مقامه وغيره وبعد هذا فالقول بضعفه أو رميه بالغلو وشبهه
مما لا وجه له أصلا.
هذا فيما يتعلق بالطعن فيه من جهة نفسه وقد عرفت براءته منه
واما القدح فيه من جهة رواياته فاعلم أن القدح في رواياته اما من جهة
ما عن الفضل بن شاذان من أنه من الكذابين المشهورين ابن سنان أو
من قوله: لا أحل لكم ان ترووا أحاديث محمد بن سنان عنى ما دمت
حيا واذن في الرواية بعد موته واما من جهة ان اخباره بعنوان الوجادة
كما عن أيوب بن نوح من أنه دفع إلى حمدويه دفترا فيه أحاديث محمد
ابن سنان فقال: ان شئتم ان تكتبوا ذلك فافعلوا فانى كتبت عن محمد
ابن سنان ولكني لا اروى لكم عنه شيئا فإنه قال قبل موته: كلما
حدثتكم به لم يكن لي سماعا ولا رواية وانما وجدته فإن كان الأول
فغير معلوم ثبوته عن الفضل أولا بل الظاهر عدم ثبوته إذ لا يخفى
امره وحاله على معاشريه ومعاصريه ومن كان في زمانه فلو كان هو
كذلك لرفضه الناس وتركوه وهجروه وتنفروا منه وتباعدوا عنه ولم يأخذوا
منه ولا رووا عنه حتى كان معروفا بذلك مع أن كثيرا من العدول
والثقات رووا عنه كمحمد بن عيسى العبدي ويونس (1) ومحمد

(1) يونس هذا هو ابن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين المكنى
بابى محمد ترجم له النجاشي والشيخ في الفهرست وكتاب الرجال
في باب أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام والعلامة في الخلاصة -
168

ابن الحسين بن أبي الخطاب والحسن والحسين ابني سعيد الأهوازيين والحسن
ابن سعيب وأيوب بن نوح وعلي بن الحكم والحسن بن محبوب
لكن على ندرة كما عن (تمييز المشتركات) وغيرهم من العدول
والثقات من أهل العلم والفضل والورع بل هو وأبوه أيضا رووا عنه
كما ذكر ذلك الكشي وغيره بل في (التعليقة): ولذا اجتمعت الأجلة
الثقات على الرواية عنه جماعة بعد جماعة حتى وصلت إلى المحمدين الثلاثة
ومن عاصرهم وكتبهم مشحونة منها من دون طعن منهم (1) مع أنه
لو كان كذلك وانه مشهور بالكذب ومعروف به لظهر من الأئمة
عليهم السلام الردع له والانكار عليه بل والطرد له وابعاده منهم
وليس في اخباره ما يشير إلى ذلك أصلا بل بجلوه غاية التبجيل وعظموه
غاية التعظيم ودعوا له واثنوا عليه وبشروه أحسن البشارة وانه
حرام على النار ان تمسك ابدا وانك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة
الظلماء وانى وجدتك كذلك في صحيفة أمير المؤمنين عليه السلام كما
تقدم فيما رواه حمدويه إلى غير ذلك مما لا يناسب كونه كذابا فضلا
عن كونه مشهورا بالكذب فظهر ان قول الفضل بن شاذان انه من
الكذابين المشهورين ليس على ظاهره عنده لو ثبت عنه ولعل مراده انه
كذاب على المشهور ومن ذلك يظهر الوجه في قول الفضل: لا أحل
لكم ان ترووا عنى أحاديث محمد بن سنان إذ لو كان المنع لعيب

- في القسم الأول منه وقال: مات سنة 208 ه‍ وترجم له الكشي
في رجاله وترجم له أيضا ابن النديم في فهرسته وقال عند تعداد
فقهاء الشيعة ما لفظه: علامة زمانه كثير التصنيف والتأليف على مذاهب
الشيعة ثم عد كتبه.
(1) راجع التعليقة للوحيد في ترجمة محمد بن سنان
169

في نفس الروايات لم يكن وجه للتفصيل بين الحياة والموت والاذن منه بعد
الموت بل كان اللازم المنع مطلقا فتبين ان المنع في حال الحياة لمانع
اخر والظاهر ما استظهره الوحيد في التعليقة حيث قال أعلى الله
مقامه وزاد اكرامه ووفقنا لاعلى خدمته في الدنيا والآخرة
والظاهر أن منع الفضل من الرواية في حال الحياة للتقية من الجهال
والعوام بل الخواص المعاندين لمحمد ولعله لما في اخباره من أمور
لا يفهمونها ولا يتحملونهما كما يشير إليه قوله: " من أراد المضمئلات أي
الدواهي المشكلات فإلى ومن أراد الحلال والحرام فعليه بالشيخ يعنى
صفوان بن يحيى " (الخ) (1) واما كون رواياته كلها أو جلها بعنوان
الوجادة فالجواب عنه أولا بعدم صحته وعلى تقديرها فلعل فيه دلالة
على كمال ورعه حيث إنه لم يرض ان يروى عنه ما رواه بطريق الوجدان
في الكتب مع أن ذلك من جملة الطرق المذكورة في تحمل الأحاديث
سيما في الكتب المتواترة كما كانت في اعصار أصحاب الأئمة عليهم السلام
مضافا إلى أنه ليس في كلام ابن سنان ما يقضى بالمنع من التحمل للرواية
بطريق الوجادة وانما افد بيان طريق تحمله وهو انه الوجادة دون السماع
وغيره من سائر الطرق واما غيره ممن يريد التحمل فأمره راجع إليه
يعمل فيه على ما يقتضيه عمله والذي يظهر ان الوجادة لا باس بها ولا
ضرر فإنها إحدى الطرق كما عليه الكثير ان الأكثر وان نسب إلى ظاهر
كثير من القدماء المنع لكن الوجه خلافه بل الوجه جواز الرواية بطريق
الوجادة فيقول: وجدت أو رأيت بخطه ونحوهما مما لا تدليس فيه بل
العمل بها جائز مع القطع بنسبة الكتاب إلى صاحبه وكونه مصححا عليه

(1) ذكر ذلك الكشي في رجاله (ص 284) في ترجمة محمد
ابن سنان.
170

والامن من التزوير للسيرة والطريقة وعمل الناس كلا وطرا في جميع الأعصار
والا لبطلت الكتب والصحف في جميع الفنون والعلوم والضرورة
على خلافه مع أنه لو كان في التحمل بطريق الوجادة عيب ومنع
لم يصح من (الفضل) الاذن في الرواية بعد الموت لوجود المانع في الحالين
فتبين بواسطة الاذن عدم قادحية الوجادة أو ان تلك الروايات ليست
منها ولعله الأقرب وليس في ذلك منافاة لقول محمد: كلما حدثتكم به
لم يكن سماعا وانما وجدته إذ الغرض لمحمد نفى الطريق الاعلى من التحمل
الذي هو السماع ولا ينافي ذلك أن يكون قد أجيز بما وجد فيحتمل
كونه مجازا برواية ما وجد ولا ينافي ذلك الحصر بالوجدان إذ ليس
الغرض نفى ما سواه وان أمكن اجتماعه معه كالاجازة وغيرها من غير
السماع الذي كان الغرض نفيه (والحاصل) فلا ينبغي القدح والطعن
في محمد بن سنان لا في نفسه من جهة الغلو وشبهه ولا في رواياته أصلا
وكلية وان ادعى كون المشهور ضعفه لما عرفت مفصلا (ورب مشهور
لا أصل له) مع أن الشهرة غير ثابتة فان أساطين هذا الفن كالشيخين
والعلامة والسيد ابن طاووس والفضل بن شاذان والكشي والوحيد
البهبهاني والعلامة المجلسي والفاضل الشيخ عبد النبي وشيخنا الشيخ
سليمان ونظرائهم وأمثالهم قد سمعت كلماتهم ما بين مادح له على الاطلاق
بل جاعل له في أعلى مراتب الكمال وهم الأكثر ممن عددنا وما بين
راجع عن تضعيفه كالعلامة وغيره وما بين غير معلوم التضعيف
كالنجاشي ومثله الكشي فلم يبق الا القليل كابن الغضائري وقد عرفت
انه لتسرعه غير معتبر تضعيفه بما يعود إلى فسق الجوارح فضلا عما يوجب
فسادا في العقيدة فأين الشهرة المدعاة ولا يبعد ان المنشأ فيها انما هو
قول الفضل بن شاذان انه من الكذابين المشهورين محمد بن سنان
171

الذي قد عرفت عدم ثبوته على ظاهره عن الفضل بن شاذان هذا مع
احتمال كون هذا القول من الفضل بن شاذان لو ثبت في غير محمد
ابن سنان الذي كلامنا فيه فان محمد بن سنان مشترك على ما استظهره
بعض المحققين من متأخري المتأخرين من رجال الشيخ بين ثلاثة منهم
محمد بن سنان بن طريف الهاشمي واخوه عبد الله كما في رجال الشيخ
فلعل القول من الفضل بن شاذان في حقه لا الذي نحن فيه الذي هو محمد بن
سنان أبو جعفر الزاهري من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي
كما في رجال النجاشي وغيره ويؤيد هذا الاحتمال ويقويه تفصيل (الفضل)
في الرواية عنه بين الحياة فالمنع منها والاذن فيها بعد الممات إذ لو
كان من الكذابين لم يكن وجه للتفصيل كما هو واضح فيقرب كون
هذا الذي وصفه بأنه من الكذابين غير الذي نحن فيه هذا لو ثبتت
تلك الحكاية عنه وإرادة ظاهرها والحاصل فالحق الحقيق بالاتباع
وان فرض قلة الاتباع ان الرجل من اقران صفوان بن يحيى وزكريا
ابن ادم وأمثالهما كما جعله الإمام عليه السلام كذلك وقرنه بهم
بقوله: " جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن ادم
وسعد بن سعد عنى خيرا وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في شان
هذا الرجل والمفضل بن عمر وأمعنت النظر وتأملت غاية التأمل يظهر
لك حال غيرهما ممن طعن فيه من الاجلاء كيونس بن عبد الرحمن وغيره
فعليك بالتروي والتأمل فيما ذكرنا وبينا ولا تعبا بطعن من طعن هذا
فيما يتعلق بمحمد بن سنان من الممدوحين قال الشيخ أعلى الله مقامه -
في كتاب (الغيبة):
(ومنهم) عبد العزيز بن المهتدى القمي الأشعري خرج فيه
عن أبي جعفر عليه السلام -: " فقبضت والحمد لله وقد عرفت الوجوه
172

التي صارت إليك منها، غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإياكم "
وخرج فيه " غفر الله لك ذنبك ورحمنا وإياك ورضى عنك برضائي
عنك " (1).
(ومنهم) علي بن مهزيار الأهوازي وكان محمودا " اخبرني
جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي عن الحسين بن علي
عن أبي الحسن البلخي، عن أحمد بن مابنداد الإسكافي عن العلاء المذاري
عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار
عن أبي جعفر الثاني عليه السلام - " بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي
أحسن الله جزاك وأسكنك جنته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة
وحشرك الله معنا يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة
والتوقير والقيام بما يجب عليك فلو قلت انى لم أر مثلك لرجوت ان
أكون صادقا فجزاك الله جنات الفردوس نزلا فما خفى على مقامك
ولا خدمتك في الحر والبرد في الليل والنهار فاسأل الله إذا جمع
الخلائق يوم القيامة - ان يحبوك برحمة تغتبط بها انه سميع الدعاء " (2).
(ومنهم) أيوب بن نوح بن دراج ذكر عمرو بن سعيد المدايني
وكان فطحيا قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام
إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه فأمره بشئ ثم انصرف والتفت
إلى أبو الحسن عليه السلام وقال: يا عمرو ان أحببت ان تنظر إلى
رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا (3).
(ومنهم) علي بن جعفر الهماني وكان فاضلا مرضيا من وكلاء

(1) راجع: كتاب الغيبة (ص 221) طبع النجف الأشرف.
(2) راجع المصدر نفسه (ص 211 - ص 212).
(3) راجع: المصدر نفسه (ص 212) (المحقق).
173

أبى الحسن وأبى محمد عليهما السلام روى أحمد بن علي الرازي
عن علي بن مخلد الأيادي قال: حدثني أبو جعفر العمرى رضي الله عنه
- قال حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق
النفقات العظيمة فلما انصرف كتب بذلك إلى أبى محمد عليه السلام
فوقع في رقعته: " قد كنا امرنا به بمائة ألف دينار ثم امرنا له بمثلها
فأبى قبولها ابقاء علينا ما للناس والدخول في امرنا فبما لم ندخلهم فيه "
قال -: ودخل على أبى الحسن العسكري عليه السلام فامر له
بثلاثين ألف دينار (1).
(ومنهم) أبو علي بن راشد اخبرني ابن أبي جيد عن محمد
ابن الحسن بن الوليد عن الصفار عن محمد بن عيسى قال كتب
أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالى ببغداد والمدائن والسواد
وما يليها " قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه
ومن قبله من وكلائي وقد أوجبت في طاعته طاعتي " وفى عصيانه
الخروج إلى عصياني وقد كتبت بخطى " (2).
(وروى) محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن الفرج قال: كتبت
إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر وعن ابن
بنداد (3) فكتب إلي ذكرت ابن راشد رحمه الله - فإنه عاش سعيدا
ومات شهيدا ودعا لابن بنداد والعاصمي وابن بنداد بالعمود وقتل

(1) راجع: المصدر نفسه (ص 212).
(2) راجع المصدر نفسه (212).
(3) في كتاب الغيبة ورجال الكشي وغيرهما (ابن بند) بدل
(ابن بنداد).
(المحقق)
174

وابن عاصم (1) ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط ورمى به
في دجلة.
فهؤلاء المحمودون وتركنا ذكر استقصائهم لانهم معروفون مذكورون
في الكتب " انتهى (2).
واما الممدوحون في زمن الغيبة فقال الشيخ أعلى الله مقامه
(فاما السفراء) المحمدون في زمان الغيبة.
(فأولهم) من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام
وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليه السلام وهو الشيخ الموثوق
به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمرى رضي الله عنه - (3) وكان أسديا
ويقال له: السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطئة على الامر " ثم روى
الشيخ في الصحيح " عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبي على احمد
ابن إسحاق بن سعد عن أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام أنه قال
: " العمرى وابنه ثقتان فما أديا إليك فعنى يؤديان وما قالا لك
فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان " (4).
(الثاني) أبو جعفر محمد بن عثمان قال الشيخ رحمه الله
" اخبرني جماعة عن هارون بن موسى عن محمد بن همام قال: قال لي
عبد الله بن جعفر الحميري لما مضى أبو عمرو رضي الله عنه اتتنا

(1) ابن عاصم هو العاصمي نفسه واسمه عيسى بن جعفر بن عاصم
كما ذكره العلامة في الخلاصة في باب الكنى من القسم الأول ونسبته إلى
جده عاصم فلاحظ.
(2) راجع كتاب الغيبة (ص 212 - ص 213).
(3) العمرى بفتح العين المهملة وسكون الميم - نسبه إلى جده عمرو.
(4) راجع كتاب الغيبة (ص 219) (المحقق)
175

الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبى جعفر رضي الله عنه
مقامه " ثم قال الشيخ رحمه الله -: " وبالجملة كان لا يختلف
في عدالته، ولا يرتاب بأمانته والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة
في المهمات طول حياته " (1) ثم قال: " وأخبرني جماعة عن أبي محمد
هارون بن موسى قال اخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه
وأرضاه ان أبا جعفر محمد بن عثمان العمرى رضي الله عنه جمعنا
قبل موته، وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا ان حدث على
حدث الموت فالامر إلى أبى القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد امرت
ان اجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه " (2)
وقال أبو نصر هبة الله وجدت بخط أبى غالب الزراري رحمه الله
وغفر له ان أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه مات
في آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة وذكر أبو نصر هبة الله بن
محمد بن أحمد ان أبا جعفر العمرى رضي الله عنه مات سنة أربع
وثلاثمائة وانه كان يتولى هذا الامر نحوا من خمسين سنة (3) قال ابن
نوح وقال لي أبو نصر مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه
في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة (4) وأخبرني محمد بن
محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله عن أبي عبد الله أحمد بن
محمد الصفواني قال: اوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى
أبى الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى

(1) راجع المصدر نفسه (ص 221).
(2) راجع المصدر نفسه (ص 226).
(3) راجع المصدر نفسه (ص 223).
(4) راجع المصدر نفسه (ص 238). (المحقق)
176

أبى القاسم فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل
بعده ومن يقوم مقامه فلم يظهر شيئا من ذلك وذكر انه
لم يؤمر بان يوصى إلى أحد بعده في هذا الشأن وتوفى رضي الله عنه -
في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة (1) وروى إبراهيم بن
هشام قال كنت في مدينة السلام في السنة التي توفى فيها علي بن محمد
السمري فحضرته قبل وفاته بأيام فاخرج إلى الناس توقيعا نسخته " بسم الله
الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله اجر اخوتك فيك
فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع امرك ولا توص إلى أحد يقوم
مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا بعد اذن الله تعالى
ذكره - وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي
بعدي من شيعتي من يدعى المشاهدة الا فمن يدعى المشاهدة قبل خروج
السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
قال: فانتسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم
السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك؟ فقال: لله
أمر هو بالغه، وقبض رحمه الله - وهو آخر كلام سمع منه رضي الله عنه
وأرضاه (2) فكانت الغيبة الصغرى أربعا وسبعين سنة ثم وقعت
بعد ذلك الغيبة الكبرى التي نحن فيها نسأل الله جل شانه ونضرع إليه
ان يعجل فرجه وفرجنا به ولعل ما نفاه - عليه السلام من دعوى

(1) الذي ذكره الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة (ص 242) ان
وفاة أبى الحسن السمري سنة 329 ه‍، وقد رواه عن جماعة عن أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه عن أبي الحسن صالح بن
شعيب الطالقاني رحمه الله -.
(2) راجع كتاب الغيبة (ص 242 - 243) (المحقق)
177

المشاهدة وان المدعى كذاب مفتر انما هو دعوى المشاهدة متى شاء على
الاستمرار كما كان للأبواب الأربعة مخافة الانتحال لجمع الأموال لاما
قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة
بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات الله عليه وعلى ابائه أو بدونها.
قال الشيخ رحمه الله وقد كان في زمن السفراء المحمودين أقوام
ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل.
(منهم) أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله أخبرنا
أبو الحسين بن أبي جيد القمي عن محمد بن الحسن بن الوليد عن
محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن صالح بن أبي صالح
قال: سألني بعض الناس في قبض شئ فامتنعت من ذلك وكنت استطلع
الري فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا (1).
(وروى) محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن محمد بن
شاذان النيشابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرين
درهما فلم أحب ان تنقص هذا المقدار فوزنت من عندي عشرين درهما
ودفعتها إلى الأسدي ولم اكتب بخبر نقصانها وانى أتممتها من مالي فورد
الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون ومات الأسدي
على ظاهر العدالة ولم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الأول سنة اثنتي
عشرة وثلاثمائة (2).
(ومنهم) أحمد بن إسحاق وجماعة خرج التوقيع في مدحهم
(روى) أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى
عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر

(1) راجع: كتاب الغيبة (ص 257).
(2) راجع المصدر نفسه (ص 258).
178

فورد علينا رسول من قبل الرجل (1) فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري
وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات (2).
(واما المذمومون) الذين ادعوا البابية لعنهم الله فهم على
ما ذكر الشيخ رحمه الله على ما حكى عنه العلامة في (الخلاصة) (3)
وغيره جماعة.
(أولهم المعروف بالشريعي) وهو أبو محمد الحسن كان من
أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي عليهما السلام
ادعى هذا المقام وكذب على الله تعالى وعلى حججه ونسب إليهم
مالا يليق بهم فلعنته الشيعة وتبرأت منه وخرج توقيع الإمام عليه السلام
بلعنه والبراءة منه ثم ظهر منه القول بالكفر والالحاد (4).
(ثم محمد بن نصير النميري) كان من أصحاب أبي محمد الحسن
فلما توفى عليه السلام ادعى مقام أبى جعفر محمد بن عثمان وانه
صاحب امام الزمان وادعى انه بابه ففضحه الله تعالى بما ظهر منه
من الالحاد والجهل وكان ذلك بعد الشريعي (5).
(ثم أحمد بن هلال الكرخي) من أصحاب الحسن عليه السلام
فلما توفى عليه السلام وقد اجتمعت الشيعة على محمد بن عثمان بنص
الإمام عليه السلام وقف هو فقالوا له: انا سمعنا النص عليه
فقال. أنتم وما سمعتم فلعنوه وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد

(1) الرجل هو الإمام القائم عليه السلام عبر عنه بهذا اللفظ تقية.
(2) راجع: كتاب الغيبة (ص 258).
(3) راجع: الفائدة السادسة في خاتمة الخلاصة (ص 273)
(4) راجع: كتاب الغيبة (ص 244).
(5) راجع المصدر نفسه (ص 244).
179

أبى القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه (1).
(ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال) وحديثه مع العمرى
معروف وامساكه للأموال التي كانت عنده وادعاؤه انه هو الوكيل
حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج فيه من صاحب الامر عليه
السلام ما خرج (2).
(ومنهم الحسين بن منصور الحلاج) وقد ذكر الشيخ له
أقاصيص (3)
(ومنهم ابن أبي العزاقر) وهو محمد بن علي الشلمغاني وهو من كبار
الملاعين وقد ذم ولعن وقد ذكر الشيخ له أقاصيص قتل اللعين سنة
ثلاث وعشرين وثلاثمائة واستراحت الشيعة منه (4)
(ومنهم أبو دلف المجنون) محمد بن المظفر الكاتب وكان ادعى
لأبي بكر البغدادي محمد بن أحمد بن عثمان ابن اخى الشيخ أبى جعفر
محمد بن عثمان البابية روى الشيخ الطوسي عن المفيد محمد بن محمد
ابن النعمان عن أبي الحسن علي بن بلال المهلي؟؟ قال سمعت أبا القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه يقول: اما أبو دلف الكاتب لاحاطه الله
فكنا نعرفه ملحدا ثم أظهر الغلو ثم جن وسلسل ثم صار مفوضا
وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد الا استخف به ولا عرفته الشيعة
الا مدة يسيرة والجماعة تتبرأ منه وممن يؤما إليه ويتنمس به وقد كنا

(1) راجع: كتاب الغيبة (ص 245)
(2) راجع المصدر نفسه (ص 245)
(3) راجع: المصدر نفسه (ص 246).
(4) راجع: المصدر نفسه (ص 248)
180

وجهنا إلى أبى بكر البغدادي لما ادعى له هذا ما ادعاه فأنكر ذلك
فحلف عليه فقبلنا ذلك منه فلما دخل بغداد مال إليه وعدل عن الطائفة
وأوصى إليه لم نشك انه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه لان عندنا ان
كل من ادعى هذا الامر بعد السمري فهو كافر متتمس ضال مضل (1)
(الفائدة الثانية عشرة)
كثيرا ما يروى المتقدمون من علمائنا رضي الله عنهم عن جماعة
من مشايخهم الذين يظهر من حالهم الاعتناء بشأنهم وليس لهم ذكر
في كتب الرجال والبناء على الظاهر يقتضى ادخالهم في المجهولين بل
في ترك التعرض لذكرهم في كتب الرجال اشعار بعدم الاعتماد عليهم بل وعدم
الاعتداد بهم ويشكل بان قرائن الأحوال شاهدة ببعد اتخاذ أولئك
الاجلاء الرجل الضعيف أو المجهول شيخا يكثرون الرواية عنه ويظهرون
الاعتناء به ولذا تراهم يقدحون في جملة من الرواة بأنهم يروون عن الضعفاء
والمجاهيل بل أهل قم كانوا يخرجون الراوي ويطردونه عن قم لذلك
ولاجله اخرج رئيسهم أحمد بن محمد بن عيسى البرقي عنها لكونه
يروى عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وحينئذ فرواية الجليل عن شخص
فضلا عن الاجلاء مما يشهد بحسن حاله بل ربما يشير إلى الوثاقة والاعتماد
كما نصوا عليه في امارات المدح والاعتماد وهو شاهد صدق على ما ذكرنا
من الاعتبار ولأجل ذلك رجحنا كغيرنا حسن حال محمد بن سنان
وذلك لروية جملة من العدول والثقات من أهل العلم والفضل عنه كيونس

(1) راجع كتاب الغيبة (ص 254) وفيه (ينمس) (ومنمس)
بدون (تاء) يقال: نمس عليه الامر بتشديد الميم لبسه عليه
181

ابن عبد الرحمن ومحمد بن عيسى العبيدي ومحمد بن الحسين بن أبي
الخطاب والحسن ابني سعيد الأهوازيين وأيوب بن نوح
والفضل بن شاذان وأبيه وغيرهم (والحاصل) فرواية الجليل - فضلا
عن الاجلاء وفضلا عن اتخاذهم له شيخا يأخذون عنه ويستندون إليه -
من أعظم الامارات الدالة على حسن حاله ولذا ذكر النجاشي
على ما في (المنتفى) ان جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن
سابور كان ضعيفا في الحديث ثم قال ولا أدرى كيف روى عنه
شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب
الزراري رحمهما الله - (1) فانظر إلى تعجب هذا الجليل من مجرد رواية
هذين الجليلين عن هذا الشخص الذي يزعم ضعفه فيدل على أن ذلك
كان من رويتهم وديدنهم وحينئذ فقد يعرف بهذا الطريق حال جملة
من الرواة وان لم يذكروا في كتب الرجال.
ومن ذلك رواية الشيخ عن أبي الحسين بن أبي جيد فإنه غير مذكور
في كتب الرجال على ما في (المنتقى) والشيخ رحمه الله يؤثر الرواية
عنه غالبا لأنه أدرك محمد بن الحسن بن الوليد فهو يروى عنه بغير
واسطة والمفيد وجماعة يروون عنه بالواسطة وانما آثر طريق ابن أبي
جيد لأنه أعلى (2):
ومن ذلك أيضا رواية المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد

(1) راجع رجال النجاشي (ص 94)، والمنتقى في الفائدة
التاسعة ج 1 - ص 36) للشيخ حسن ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني
طبع إيران سنة 1379 ه‍.
(2) راجع المنتقى (ج 1 - ص 36 - ص 37)
(المحقق)
182

والشيخ يروى عن جماعة منهم المفيد عنه كثيرا أيضا (1) مع أنه
لم ينص على توثيقه كما يقضى به ذكره في (الحاوي) (2) في خاتمة قسم
الثقات التي عقدها لمن لم ينص على توثيقه ولكن يستفاد من قرائن اخر
كرواية الأجلة عنه وكونه من مشايخ الإجازة أو كونه من مشايخ المفيد
كما عن (الأماني).
ومن هذا الباب أيضا رواية الصدوق رحمه الله - عن محمد بن علي
ماجيلويه وأحمد بن محمد بن يحيى العطار وللشيخ رحمه الله
أيضا روايات كثيرة عن أحمد هذا لكن بواسطة ابن أبي جيد والحسين
ابن عبيد الله الغضائري (3) وهو ممن لم ينص على توثيقه كما يقضى به
ما عن (الحاوي) حيث ذكره في خاتمة قسم الثقات التي عقدها لمن
لم ينص على توثيقه ولكن يستفاد من قرائن اخر، كرواية الأجلة عنه
وكونه من مشايخ الإجازة كما عن (الوجيزة) (4) وكذا محمد بن علي
ماجيلويه فإنه لم ينص على تعديله أيضا كما يقضى به ما عن (الحاوي)
أيضا من ذكره في الباب الذي عقده لمن لم ينص على تعديله وانما استفيد
توثيقه من امارات اخر كاستظهار كونه من مشايخ الصدوق رحمه الله
لكثرة روايته عنه مترضيا عنه ومترحما عليه إلى غير ذلك من الموارد
التي يستفاد منها حسن حال المروى عنه بمجرد رواية الجليل عنه فضلا

(1) راجع المصدر نفسه (ص 37).
(2) حاوي الأقوال في معرفة الرجال للشيخ عبد النبي بن سعد الدين
الجزائري (مخطوط).
(3) راجع المنتقى (ج 1 - ص 37).
(4) راجع الوجيزة للمجلسي الثاني (ص 145) وهى ملحقة
بآخر (الخلاصة) طبع إيران سنة 1312 ه‍. (المحقق)
183

عن الاجلاء وفضلا عن اكثار الرواية عنه أو كونه من شيوخهم
أو من مشايخ الإجازة أو مترضيا عنه.
ومن ذلك رواية علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم فإنه
مع اكثار رواية ابنه الجليل عنه انه من شيوخ الإجازة هذا ولكن
الرواية المشتملة على أمثال هؤلاء لم تصل إلى حد القبول بحيث يثبت بها
أحد الاحكام لعدم حصول الشرط في القبول بمجرد ذلك إذ هو على
المختار الوثاقة ولو بالمعنى الأعم أعني كونه ثقة في دينه بل يكفي عندي
مجرد تحرزه عن الكذب كما يراه (الشيخ) مدعيا عليه الاجماع إذ هو
المتحصل من مجموع الأدلة كتابا وسنة واجماعا وهو لا يتحقق بمجرد
ما سمعت من رواية الأجلة أو كون الراوي عنه كالصدوق عنه
ومترحما عليه إلى غير ذلك مما يفيده مدحا وحسنا اما بلوغه إلى حد
يكون حجة فلا حتى لو كان الراوي ممن قبل فيه انه لا يروى أو
لا يرسل الا عن ثقة كابن أبى عمير والبزنطي إذ غايته انه توثيق
لمجهول وهو غير كاف (نعم) هو مفيد للمدح وحسن حال المروى عنه
كما أن في جملة من تلك الأمور نوع اشعار بالوثاقة أو ظهور بها سيما
في مثل كونه من مشايخ الإجازة لما عرفت من أحوالهم وذكر
في شانهم (والحاصل) فالمدار في الحجية على حصول شرطها فلابد من
احرازه وحينئذ فالحكم في أمثال هذه الروايات أعني المشتملة على أمثال
هؤلاء على ما يقتضيه الظاهر من جهة ثبوت الحكم به لعدم احراز شرطه
(نعم) لو قلنا باعتبار الحسن مطلقا كما قيل به أو قلنا باعتبار مظنون
الصدور مطلقا كما هو صحيح القدماء كان ذلك مقيدا وكان حجة
لكن الانصاف عدم وضوح الدليل عليه فليكن كغيره مما لم يقم عليه الدليل
184

المعتبر اللهم الا ان يقال بدلالة منطوق آية النبأ عليه بناء على تناول
التبين لموارد الظن وعدم اختصاصه بالعلم كما يقضى به معناه ومدلوله
إذ هو الظهور والوضوح كما نص عليه في (مجمع البحرين) (1) ويقضي
به العرف لا مطلق الرجحان بل وصول الخبر لأي حد يطمأن به
ويعولون عليه العقلاء ويعدون ذلك من التبين والظهور الذي لا يقدح
فيه مجرد احتمال الخلاف وان ضعف بل لا يعتنون به أصلا ويؤيده
مساواة ذلك للموثقات لعدم حصول العلم معها.
ومن هذا الباب أعني من حيث عدم القبول وعدم الاعتبار
ما لو كان الراوي أو المروى عنه مشتركا بين الثقة وغيره ولم يتميز ويعرف
كونه الثقة ولكن لا بد من التأمل والتروي والبحث عن حاله ولا يقنع
بمجرد القول فيه بالاشتراك فيحكم بسقوط الخبر لحصول الوهم كثيرا
في ذلك كما نبه عليه غير واحد من أهل هذا الشأن قال في (المنتقى)
" توهم جماعة من متأخري الأصحاب الاشتراك في أسماء ليست بمشتركة
فينبغي التنبيه لذلك وعدم التعويل في الحكم بالاشتراك على مجرد اثباته
في كلامهم بل يراجع كلام المتقدمين فيه ويكون الاعتماد على ما يقتضيه
إذا عرفت هذا فاعلم أن من جملة ما وقع فيه التوهم وهو من أهمه
حكم العلامة في (الخلاصة) باشتراك إسماعيل الأشعري وبكر بن محمد
الأزدي وحماد بن عثمان وعلي بن الحكم والحال ان كل واحد من
هذه الأسماء خاص برجل واحد من غير مرية وان احتاجت المعرفة بذلك
في بعضها إلى مزيد تأمل والسبب الغالب في هذا الوهم ان السيد

(1) راجع مجمع البحرين للطريحي بمادة (بين)
(المحقق)
185

جمال الدين بن طاووس رحمه الله يحكى في كتابه (1) عبارات المتقدمين
من مصنفي الرجال ويتصرف فيها بالاختصار فيتفق في كلام أحدهم وصف
رجل بأمر مغاير لما وصفه به الاخر لكن لا على وجه منع الجمع
فيخيل من ذلك التعدد وبعد مراجعة أصل الكتاب وانعام النظر في تتمة
الكلام مع معونة القرائن الحالية التي ترشد إليها كثرة الممارسة يندفع ذلك
التوهم رأسا وقد أشرنا إلى أن العلامة لا يتجاوز في المراجعة كتاب
السيد غالبا فصار ذلك سببا لوقوع هذا الخلل وغيره في كتابه، ولذلك

(1) مراده بكتاب السيد جمال الدين بن طاووس هو (حل الاشكال
في معرفة الرجال) الذي جمع فيه الأصول الخمسة الرجالية النجاشي
والفهرست ورجال الشيخ ورجال الضعفاء لابن الغضائري وكتاب
الاختيار من كتاب أبى عمرو الكشي وكان السيد احمد جمال الدين بن
طاووس قد حرر كتاب الاختيار وهذب اخباره متنا وسندا ووزعها
في طي الكتاب حسبما رتب فيه تراجم الرجال كل في ترجمته ولما ظفر
صاحب (المعالم) الشيخ حسن بن الشهيد الثاني المتوفى سنة 1011 ه‍
بهذا الكتاب للسيد ابن طاووس وراه مشرفا على التلف انتزع منه ما حرره
السيد ابن طاووس ووزعه في أبواب كتابه من خصوص كتاب (الاختيار)
من كتاب (الكشي) وسماه بالتحرير الطاووسي وتوجد نسخة التحرير
الطاووسي في الخزانة الرضوية بخراسان كما ذكر في فهرسها وهى بخط
الشيخ موسى بن علي بن محمد الجبعي تاريخ كتابتها سنة 1011 ه‍ وهى
سنة وفاة المؤلف صاحب (المعالم) ولعل الكاتب من تلاميذه ذكر
ذلك كله شيخنا الامام الطهراني في (ج 3 - ص 385 - ص 386)
من كتابه (الذريعة) طبع النجف الأشرف تحت عنوان (التحرير
الطاووسي) فراجعه. (المحقق)
186

شواهد كثيرة معرفتها في خلال التصفح للكتابين " (1). انتهى ما قاله أعلى الله مقامه في الفائدة السابعة من فوائده التي
ذكرها في مقدمة كتابه (منتقى الجمان).
(قلت) الخطأ في مثل المقام غير عزيز والمحكى عن جماعة
موافقة (المنتقى) في الاتحاد بالنسبة إلى بكر بن محمد الأزدي فإنه حكى
عن ظاهر الكشي والنجاشي وعن الحاوي وعن صريح المجمع والفوائد
النجفية (2) ولكن المحكى عن والده الشهيد الثاني موافقة (العلامة) في التعدد
وكذا حكم جماعة بالاتحاد في علي بن الحكم كالمنتقى أيضا - كالوحيد
البهبهاني في (التعليقة) لامارات ذكرها ثم قال: " ومصط والبلغة
أيضا حكما بالاتحاد وكذا (الوجيزة) وقال فيها: ظن الاشتراك
خطأ " (3) وقال في (منتهى المقال): " وفى الفوائد النجفية دعوى

(1) راجع المنتقى في الفائدة السابعة أول الكتاب - ج 1
ص 34 - 35).
(2) الحاوي هو للشيخ عبد النبي بن سعد الدين الجزائري والمجمع
هو للمولى عناية الله القهبائي والفوائد النجفية هي للشيخ سليمان ابن الشيخ
عبد الله البحراني الستري الماحوزي المولود ليلة النصف من شهر رمضان
سنة 1075 ه‍ والمتوفى (17) شهر رجب سنة 1121 ه‍ وهو
صاحب كتاب بلغة المحدثين وكتاب المعراج وكلاهما في الرجال وقد
نقل عن الفوائد النجفية كثيرا الشيخ أبو علي الحائري في كتابه (منتهى
المقال) في الرجال فراجعه.
(3) راجع التعليقة للوحيد البهبهاني في ترجمة علي بن الحكم
(ص 231 - ص 232) ويرمز بقوله (مصط) إلى المسير مصطفى
التفرشي صاحب كتاب (نقد الرجال) راجع (ص 234) من النقد -
187

الاشتراك توهم أصله العلامة في (الخلاصة) واقتفاه من تأخر عنه
انتهى (1)
(الفائدة الثالثة عشرة)
لا بد من التأمل في اخذ الروايات من الكتب الأربعة وغيرها
من جهة الاسناد والمتن اما من جهة الاسناد فمن جهة التعليق وعدمه ومن
جهة قلة الوسائط وكثرتها اما من جهة التعليق فإنه قد يترائى أو يظهر
التعليق والانقطاع وبعد التروي والتأمل في الطبقة وغيرها من الامارات
يتبين الحال ويظهر كون ذلك من الغفلة وذلك حيث يكون ذلك
الراوي الذي يروى عنه ذلك الشيخ في ذلك الكتاب ليس ممن أدركه ولا
هو في زمانه فلا محالة يكون الاسناد على هذا التقدير منقطعا فلابد
من التماس طريق ذلك الشيخ إلى ذلك الراوي اما من مشيخته التي أعدها
لذلك كالشيخ الطوسي والشيخ ابن بابويه في كتابه (من لا يحضره
الفقيه) التي ذكرها في اخره وان لم يكن له مشيخة في اخره التمسنا
طرقه إلى أهل الأصول التي يأخذ الروايات عنها (كالفهرست) مثلا أو
طرقه إلى المشايخ المعروفين (كالكليني) وغيره لو كانت تلك الرواية
من مرويات ذلك الشيخ أو ينظر إلى ما سبق على ذلك الطريق الذي
يترائى منه الانقطاع فإنه قد تكون الواسطة مذكورة فيما تقدم وانما

- في ترجمة علي بن الحكم وراجع (الوجيزة) للعلامة المجلسي الثاني الملحقة
باخر خلاصة العلامة الحلي طبع إيران (ص 158).
(1) راجع: منتهى المقال لأبي على الحائري - في ترجمة علي بن
الحكم (ص 215).
188

تركها في الطريق اللاحق إحالة على السابق قصدا للاختصار وهذا انما
يكون بعد التروي والتأمل التام في الطبقة وغيرها من الامارات الكاشفة
عن ذلك وعلى ذلك نبه في (المنتقى) حيث قال - أعلى الله مقامه
وزاد اكرامه بعد كلام تضمن الفرق بين المشايخ الثلاثة في كتبهم
الأربعة من جهة ذكر الأسانيد بتمامها والتعليق وعدمه قال: " إذا
عرفت هذا فاعلم أنه اتفق لبعض الأصحاب توهم الانقطاع في جملة
من أسانيد (الكافي) لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها على طرق
سابقة وهى طريقة معروفة بين القدماء والعجب أن الشيخ رحمه الله
ربما غفل عن مراعاتها فاورد الاسناد من (الكافي) بصورته ووصله
بطريقه عن الكليني من غير ذكر الواسطة المتروكة فيصير الاسناد
في رواية الشيخ له منقطعا ولكن مراجعة (الكافي) تفيد وصله ومنشأ
التوهم الذي أشرنا إليه فقد الممارسة المطلعة على التزام تلك الطريقة
فيتوقف عن القطع بالبناء المذكور ليتحقق به الاتصال وينتفى معه احتمال
الانقطاع وسيرد عليك في تضاعيف الطرق اغلاط كثيرة نشأت من اغفال
هذا الاعتبار عند انتزاع الاخبار من كتب السلف وايرادها في الكتب
المتأخرة فكان أحدهم يأتي بأول الاسناد صحيحا لتقرره عنده ووضوحه
وينتهى فيه إلى مصنف الكتاب الذي يريد الاخذ منه ثم يصل الاسناد
الموجود في ذلك الكتاب بما أثبته هو أولا فإذا كان اسناد الكتاب مبنيا
على اسناد سابق ولم يراعه عند انتزاعه حصل الانقطاع في أثناء الطريق
ومن رأيت من أصحابنا من تنبه لهذا بل شانهم الاخذ بصورة السند
المذكور في الكتب ولكن كثرة الممارسة والعرفان بطبقات الرجال يطلع
على هذا الخلل ويكشفه وأكثر مواقعه في انتزاع الشيخ رحمه الله
وخصوصا روايته عن موسى بن القاسم في كتاب الحج ثم إنه ربما كانت
189

تلك الواسطة الساقطة معروفة بقرائن تفيد العلم لها فلا ينافي سقوطها صحة
الحديث إذا كان جامعا للشرائط فنورده وننبه على الخلل الواقع فيه
وربما لم يتيسر السبيل إلى العلم بها فلا نتعرض للحديث لكونه خارجا
عن موضوع الكتاب الا أن يكون معروفا بالصحة في كلام الأصحاب
فربما ذكرناه لننبه على الوجه المنافى للصحة فيه انتهى كلامه رفع
مقامه (1).
(وأنت خبير) بان معرفة الاتصال والانقطاع أمر لا يخفى بعد
معرفة الطبقة والرجوع إلى المشيخة التي أعدت لذلك وبها تعرف الواسطة
أو الوسائط المتروكة وما رواه الشيخ في (التهذيبين) عن موسى بن
القاسم فطريقه إليه معروف ذكره في المشيخة (2) وهو صحيح كما في
(الخلاصة) فإنه هكذا على ما في (الوسائل) وما ذكرته عن موسى
ابن القاسم بن معاوية بن وهب فقد اخبرني به الشيخ أبو عبد الله
عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن محمد بن الحسن بن
الوليد عن محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله عن الفضل
ابن عامر وأحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القسم وفى (الفهرست)
في ترجمة موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي له ثلاثون كتابا
مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة وزيادة كتاب الجامع أخبرنا
بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن محمد بن الحسن عنه وأخبرنا
بها ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن الصفار عن الفضل بن عامر

(1) راجع: المنتقى في الفائدة الثالثة (ج 1 - ص 22 - ص 23)
(2) راجع المشيختين المذكورتين في اخر التهذيب والاستبصار.
190

وأحمد بن محمد عن موسى بن القاسم عن رجاله (1) ولم أعثر على ما نبه
عليه في (المنتقى) مما يوهم الانقطاع وعدم الاتصال بالنسبة إلى موسى
ابن القاسم في كتاب الحج من الكافي والتهذيبين وان أكثر الشيخ الرواية
عنه لكن الظاهر أن الرواية عنه بطريقه الذي سمعته لا بطريق الكافي
الذي بناه على الطريق السابق إذ لم أعثر عليه كذلك بل روايته عن موسى
ابن القاسم كروايته عن غيره من الرواة بطريقه إليهم كسعد بن عبد الله
والحسين بن سعيد وغيرهما (نعم) روى في الكافي في الحج في باب
من بدا بالمروة قبل الصفا أو سها في السعي بينهما رواية في طريقها معاوية
ابن عمار وذكر بعدها باب الاستراحة في السعي والركوب فيه وذكر
في أوله رواية ليس في طريقها معاوية ثم قال متصلا بها: معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر الحديث والظاهر أن هذا
مما نبه عليه في (المنتقى) من أن البناء على السابق طريقة معروفة بين
القدماء والشيخ رحمه الله في التهذيب في باب ان المشي أفضل
من الركوب ما بين الصفا والمروة روى في أوله رواية عن محمد بن
يعقوب ليس في طريقها معاوية بن عمار ثم بعدها بلا فصل قال: معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر الرواية بعينها فيحتمل
ان ذلك بطريقه إلى معاوية ويحتمل انه مما نبه عليه في (المنتقى) فكان
على الشيخ ان ينبه عليه سيما مع عدم تقدمها منه بهذا الطريق أعني
بطريق الكافي إلى معاوية لكن الظاهر بل المتعين هو الأول أعني
بطريقه الذي سمعت إلى معاوية بن عمار وليس هو مأخوذا من الكافي

(1) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 190) برقم (717)
طبع النجف الأشرف.
191

الذي هو مبنى على السابق حتى يحتاج إلى التنبيه وإلا يكون الاسناد منقطعا
كما يقول الشيخ في (المنتقى) إذ من البعيد جدا أن يكون الشيخ الطوسي
عند انتزاعه هذا الخبر من الكافي - عول على بناء الشيخ الكليني في التعويل
على الاسناد السابق من دون ان ينبه على ذلك وغفل عن كون ذلك
موجبا بظاهره للانقطاع في الاسناد حتى يحتاج إلى التنبيه عليه كما يقول
الشيخ في (المنتقى) وفى بعض الحواشي على التهذيب المنسوبة إليه
حيث قال - في هذا الرواية من هذا الباب من الحج ما هذا لفظه
" هكذا روى هذا الحديث في الكافي والمعلوم من عادته في مثله البناء
على اسناد سابق متصل بالراوي الذي ابتدأ السند به وغالبا ما يكون قبله
بغير فصل له ولكنه هاهنا رحمه الله روى قبله حديثا لا اتصال
له بمعاوية وقبله من غير فصل حديث روى خبرا عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار
والظاهر أن البناء عليه وقد كان يجب على الشيخ رحمه الله التنبيه
لذلك لاقتضاء القاعدة التي قررها في بيان الطرق خلاف هذا فلينظر " انتهى.
(قلت) كان يجب على الشيخ رحمه الله التنبيه على ذلك
لو كان طريقه إلى معاوية هو طريق الكليني الملحوظ فيه البناء على الاسناد
السابق؟؟ لكنه غير معلوم بل لعل الظاهر أن الطريق إليه ما ذكره
في المشيخة (والفهرست) والله أعلم.
هذا من جهة التعليق وعدمه وهناك جهة أخرى هي أيضا محل
للاشتباه والغفلة أيضا راجعة إلى الاسناد وهى ناشئة من العجلة والتسرع
وعدم التروي والتأمل في ملاحظة الطريق فربما يحكم بقلة الوسايط أو
كثرتها وليس الامر كذلك بعد التأمل وملاحظة الطبقة وغيرها من الامارات
الكاشفة عن ذلك التي منها ملاحظة نسخة الأصل المصححة أو المقروءة
192

على الشيخ أو المسموعة منه أو التي أجاز روايتها إلى غير ذلك من الامارات
التي تسكن بها نفوس العقلاء وتطمئن بها فيتبع ما إفادته من قلة الوسائط
وكثرتها وعلى هذا نبه في (المنتقى) أيضا حيث قال - أعلى الله مقامه
بعد الذي نقلناه متصلا به -: " ثم اعلم أنه كما كثر الغلط في الأسانيد
على الوجه الذي قررناه فقد كثر أيضا بضد ذلك وهو زيادة بعض
الرجال فيها على وجه تزاد به طبقات الرواية لها ولم أر أيضا من تفطن له
ومنشأ هذا الغلط انه يتفق في كثير من الطرق تعدد الرواة للحديث
في بعض الطبقات فيعطف بعضهم على بعض (بالواو) وحيث إن الغالب
في الطرق هو الوحدة ووقوع كلمة (عن) في الكتابة بين أسماء الرجال
فمع الاعجال يسبق إلى الذهن ما هو الغالب فتوضع كلمة (عن)
في الكتابة موضع (واو) العطف وقد رأيت في نسخة التهذيب التي
عندي بخط الشيخ - رحمه الله عدة مواضع سبق فيها القلم إلى إثبات
كلمة (عن) في موضع (الواو) ثم وصل بين طرفي (العين) وجعلها
على صورتها (واوا) والتبس ذلك على بعض النساخ فكتبها بالصورة
الأصلية في بعض مواضع الاصلاح وفشا ذلك في النسخ المتجددة، ولما
راجعت خط الشيخ فيه تبينت الحال وظاهر ان ابدال (الواو)
بعن يقتضى الزيادة التي ذكرناها فإذا كان الرجل ضعيفا ضاع به الاسناد
فلابد من استفراغ الوسع في ملاحظة أمثال هذا وعدم القناعة بظواهر الأمور
ومن المواضع التي اتفق فيها هذا الغلط مكررا رواية الشيخ عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي نجران
وعلي بن حديد والحسين بن سعيد فقد وقع بخط الشيخ - رحمه الله
في عدة مواضع منها ابدال أحد (واوي) العطف بكلمة (عن) مع أن
ذلك ليس بموضع شك أو احتمال لكثرة تكرر هذا الاسناد في كتب
193

الحديث والرجال ثم قال -: وقد اجتمع الغلط بالنقيصة وغلط الزيادة
الواقع في رواية سعد عن الجماعة المذكورين بخط الشيخ رحمه الله
وفى إسناد حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام فيمن صلى بالكوفة
ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو غيرها أنه قال يصلى ركعتين فان
الشيخ رواه باسناده عن سعد بن عبد الله عن ابن أبي نجران عن الحسين
ابن سعيد عن حماد مع أن سعدا انما يروى عن ابن أبي نجران
بواسطة أحمد بن محمد بن عيسى وابن أبي نجران يروى عن حماد
بغير واسطة كرواية الحسين بن سعيد عنه ونظائر هذا كثيرة وسنوضحها
في محالها إن شاء الله انتهى ما قاله في الفائدة الثالثة (1).
هذا ما يعود إلى جهة الاسناد.
واما المتن فلابد فيه أيضا من التأمل وعدم التسرع بالأخذ من أي
نسخة كانت لوقوع الاختلاف فيها كثيرا بالزيادة والنقصان والتغيير
والتبديل فترى في بعضها (الواو) وفى أخرى (أو) مكانها أو الفاء
أو ثم وعلى حسب ذلك يختلف المعنى هذا في الرواية الواحدة ذات
الطريق الواحد أو الطرق المتعددة لكن الراوي عن الامام واحد وهكذا
المتعددة لتعد الطريق حتى الراوي عن الامام أو كان الطريق متحدا
لكن الراوي الأخير متعدد فقد نرى الزيادة في طريق الشيخ دون غيره
أو بالعكس وهكذا ما يختلف به المعنى (كالواو) وغيره مثلا فاللازم
في الأول الرجوع إلى النسخة المعتبرة اما نسخة الأصل التي عليها معول
الشيخ واعتماده أو المصححة عليها أو المحفوفة بقرائن الصحة التي يركن
إليها العقلاء وتطمئن بها فنسوهم فان ذلك كاف إذ لا سبيل إلى العلم

(1) راجع: المنتقى (ج 1 - ص 23 - ص 24)
(المحقق)
194

بالصحة ومطابقة الواقع واللازم في الثاني تقديم ما هو الأضبط فيقدم
الكافي على التهذيبين وبعده الفقيه على الظاهر والله أعلم.
(الفائدة الرابعة عشرة)
قال في (المنتقى) ربما عدل الشيخ - رحمه الله) في كتابيه
عن السند المتضح إلى غيره لكونه أعلى ولعدم تفاوت الحال عنده
من وجوه شتى يطول الكلام بشرحها ووقوع هذا العدول في الطرق
الاجمالية غير ضائر بعد اعطاء القاعدة التي يهتدى بملاحظتها إلى الطريق
الواضح في الفهرست واما وقوعه في الطرق المفصلة وذلك حيث يورد
تمام اسناد الحديث فموجب للاشكال إذا كان لغير من إليه الطريق
من سائر رجال السند أو بعضهم كتب فإنه يحتمل حينئذ اخذ الحديث
من كتب هذا أو ذاك إلى آخر رجال السند الذين لهم تصنيف فبتقدير
وجود الطريق الواضح يكون باب الاطلاع عليه منسدا، وربما أفاد التتبع
العلم بالمأخذ في كثير من الصور.
إذا عرفت هذا فاعلم أن من هذا الباب رواية الشيخ عن الحسين بن
سعيد بالطريق المشتمل على الحسين بن الحسن بن ابان فان حال الحسين
هذا ليس بذلك المتضح لان الشيخ ذكره في كتاب الرجال مرتين
أحدهما في أصحاب أبي محمد العسكري عليه السلام والثانية في باب
من لم يرو عن واحد من الأئمة عليهم السلام ولم يتعرض له
في الموضعين بمدح ولا غيره، كما هو الغالب من طريقته وصورة كلامه
في الموضع الأول هكذا: " الحسين بن الحسن بن ابان أدركه ولم اعلم أنه
روى عنه وذكر ابن قولويه انه قرابة الصفار وسعد بن عبد الله
195

وهو أقدم منهما لأنه روى عن الحسين بن سعيد وهما لم يرويا عنه " (1)
وقال في الموضع الآخر: " الحسين بن الحسن بن ابان روى عن الحسين
ابن سعيد كتبه كلها روى عنه ابن الوليد " (2) ولم يتعرض له النجاشي
في كتابه الا عند حكايته لرواية كتب الحسين بن سعيد (3) ولم يذكر
من حاله شيئا ثم إن كون الحديث المروى عنه مأخوذا من كتب الحسين
ابن سعيد فيعول في تصحيحه على الطريق الصحيح الواضح إليه انما
يظهر مع تعليق السند والابتداء باسم الحسين بن سعيد على ما هي قاعدة
الشيخ رحمه الله - واما مع ذكر الاسناد بتمامه فيحتمل كون الاخذ
من كتب غيره فلا يعلم رواية الحديث عنه بالطريق الصحيح ولكن
قرائن الحال تشهد بان كل رواية يرويها الشيخ عن الحسين بن ابان
عن الحسين بن سعيد فهي من كتب الحسين بن سعيد إذ لا يعهد لابن
ابان رواية لغير كتب ابن سعيد ومحمد بن أورمة وحيث إن كتب
ابن أورمة متروكة بين الأصحاب فالطريق خالية من روايته عنه وليس
لابن ابان كتب يحتمل الاخذ منها ولا في باقي الوسائط من يحتمل في نظر
الممارس أن يكون الاخذ من كتبه ولان الشيخ يتفق له كثيرا رواية
حديث في أحد الكتابين متصل الاسناد بطريق ابن ابان ويرويه بعينه
في الكتاب الآخر معلقا مبدوء بالحسين بن سعيد أو متصلا بطريق آخر

(1) راجع رجال الشيخ الطوسي (ص 430) برقم (8) باب
أصحاب العسكري عليه السلام -.
(2) راجع المصدر نفسه (ص 469) برقم (44) باب
من لو يرو عليهم السلام -.
(3) راجع رجال النجاشي (ص 46) في ترجمة الحسين بن
سعيد بن حماد. (المحقق)
196

من طرقه إليه بل ربما وقع ذلك في الكتاب الواحد حيث تكرر ذلك
الحديث لغرض أو اتفاقا ونحن نبين ذلك في مواضعه ولا ريب
ان مثل هذه القرائن يفيد القطع بالحكم وله نظائر يعرفها الماهر وانتهى
ما ذكره في الفائدة العاشرة (1)
(وأقول) عدم معرفة الطريق الواضح مع ذكر الاسناد بتمامه
حيث يكون لكل من رجال السند كتاب يحتمل اخذ الحديث منه
غير ضار بعد امكان معرفة الطريق بالرجوع إلى ما ذكر في أحوالهم
كل في بابه وفى ترجمته فان عرف الطريق الواضح بذاك فهو والا
فقد يمكن تحصيله بوجه آخر كالرجوع إلى طرق (الفهرست) أو الرجوع
إلى طرق الكليني أو الشيخ أبى جعفر بن بابويه إلى أحد رجال السند
المفروض أو كان لهم طريق إليه وحينئذ فلا يكون باب العلم بالطريق
الواضح لو كان منسدا مع ذكر الاسناد بتمامه كما ذكره في (المنتقى)
بل يمكن اصابته والعثور عليه بما سمعت وغيره من الامارات والدلائل
الكاشفة عنه كما لو علق السند وكان الابتداء بصاحب الطريق متضحا
لانحصار الامر ظاهرا بصاحب الكتاب الذي ابتدا به ولا كذلك مع ذكر
الاسناد بتمامه لعدم الانحصار ظاهرا، لاحتمال اخذ الحديث من كل
واحد من رجال السند ممن له كتاب دون الآخر، الا انه يمكن الاستعلام
بالرجوع إلى الامارات والدلائل الموضحة لذلك كما اعترف به بالنسبة
إلى طريق الشيخ إلى الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد فإنه
استظهر بواسطة قرائن الحال ان كل رواية يرويها الشيخ عن الحسين

(1) راجع المنتقى (ج 1 - ص 38 - ص 39) (المحقق)
197

ابن ابان عن الحسن بن سعيد فهي من كتب الحسين بن سعيد وذلك بواسطة
ضميمة انه لم يعهد لابن ابان رواية لغير كتب ابن سعيد ومحمد بن أورمة
وحيث إن كتب ابن أورمة متروكة بين الأصحاب فالطريق خالية من روايته
عنه وليس لابن ابان كتب يحتمل الاخذ منها ولا في باقي الوسائط
من يحتمل في نظر الممارس أن يكون الاخذ من كتبه فينحصر الامر
حينئذ في كتب ابن سعيد والحاصل فباب معرفة الطريق الواضح مع تعدد
الكتاب الذي يحتمل اخذ ذلك الحديث منه لا ينسد وان لم يتعين ويتشخص
ذلك الكتاب المأخوذ منه الا ان الطريق المتضح قد يعرف وهو كاف
إذ المدار على صحة الخبر وهو بذلك حاصل مع أنه قد يتشخص نفس
الكتاب الذي اخذ ذلك الحديث منه وان تعددت رواة أهل الكتب التي
يحتمل اخذ ذلك الحديث من كل منها كما اعترف به بالنسبة إلى رواية
الشيخ عن الحسين بن ابان عن الحسين بن سعيد فإنه عين بواسطة امارته
وقرائن الأحوال التي استفادها كون تلك الرواية من خصوص كتب
الحسين بن سعيد دون غيره مع ذكر الاسناد بتمامه وعدم التعليق ولكن
لما كان الطريق مشتملا على خصوص الحسين بن سعيد دون غيره كان
ذلك قرينة على اخذ الحديث من كتبه والا كان اللازم ذكر من يؤخذ
الحديث منه أو من كتبه وحينئذ فإذا كان التعيين ممكنا ميسورا لاماراته
فلا ينحصر في مورد لعدم انحصار اماراته بل يدور الامر مدارها
مع أنه يمكن ان يقال إنه مع ذكر الاسناد بتمامه وتعدد الكتب فالمتعين
هو الأول مما يحتمل الاخذ منه فلو روى الشيخ عن المفيد عن الشيخ
أبى جعفر بن بابويه (الخ) حكمنا بان تلك الرواية مأخوذة من كتاب
ابن بابويه لان كتب الشيخ ابن بابويه وجميع رواياته يرويها عنه الشيخ
المفيد والشيخ الطوسي يرويها عنه بواسطة المفيد فإذا وقع في الطريق
198

كانت الرواية مأخوذة من كتابه إذ الغرض من ذكره التنبيه على ذلك
وكذا لو كان في الطريق الشيخ الكليني فان الشيخ المفيد يروي كتب
الكليني بواسطة الشيخ أبى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه والشيخ الطوسي
يرويها بواسطة شيخه المفيد فإذا وقع الكليني في الطريق كانت الرواية
مأخوذة من كتابه وهذا في كل مورد يذكر الاسناد بتمامه والمقدم
ذو كتاب يحتمل الاخذ منه فان الظاهر بل المتعين ان تلك الرواية
مأخوذة من ذلك الكتاب سيما إذا كان من المعتبرين كالمشايخ الثلاثة.
(الفائدة الخامسة عشرة)
" اعلم أن المعتبر حال الراوي وقت الأداء لا وقت التحمل فلو
تحمل الحديث طفلا أو فاسقا أو غير امامى بناء على عدم اعتباره ثم
أداه في وقت جمع فيه الشرائط قبل ولو كان في وقت غير امامى
أو فاسقا ثم تاب أو رجع إلى الحق ولم يعلم أن الرواية عنه هل وقعت
قبل التوبة أو بعدها لم تقبل حتى يظهر لنا وقوعها بعد التوبة ومن هنا
لم يقبل خبر المجهول الحال لعدم احراز شرط القبول.
(فان قلت): ان كثيرا من الرواة كعلى بن أسباط والحسين بن
بشار وغيرهما كانوا أولا من غير الامامية ثم تابوا ورجعوا إلى الحق
والأصحاب يعتمدون على حديثهم ويثقون بهم من غير فرق بينهم وبين
ثقات الامامية الذين لم يزالوا على الحق مع أن تاريخ الرواية عنهم غير
مضبوط ليعلم انه هل كان بعد الرجوع أو قبله بل بعض الرواة ماتوا
على مذاهبهم الفاسدة من الوقف وكانوا شديدي التصلب فيه ولم ينقل
رجوعهم إلى الحق في وقت من الأوقات أصلا والأصحاب يعتمدون
199

عليهم ويقبلون أحاديثهم كما قبلوا حديث علي بن محمد بن رباح وقالوا
انه صحيح الرواية ثبت معتمد على ما يرويه وكما قيل (المحقق في المعتبر)
رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام معللا ذلك بان تغيره
انما كان في زمن الكاظم عليه السلام فلا يقدح فيما قبله وكما حكم
العلامة في (المنتهى) بصحة حديث إسحاق بن جرير وهؤلاء الثلاثة
من رؤساء الواقفية.
(قلت) المستفاد من تصفح كتب علمائنا في السير والجرح والتعديل
ان أصحابنا الإمامية رضي الله عنهم كان اجتنابهم عن مخالطة من كان
من الشيعة على الحق أولا ثم أنكر امامة بعض الأئمة عليهم السلام
في اقصى المراتب وكانوا يحترزون عن مجالستهم والتكلم معهم فضلا
عن اخذ الحديث عنهم بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم
بها للعامة فإنهم كانوا يتاقون العامة ويجالسونهم وينقلون عنهم
ويظهرون انهم منهم خوفا من شوكتهم لان حكام الضلال كانوا منهم
واما هؤلاء المخذلون فلم يكن لأصحابنا الامامية ضرورة داعية إلى أن
يسلكوا معهم على ذلك المنوال وسيما الواقفية فان الامامية كانوا في غاية
الاجتناب لهم والتباعد عنهم حتى أنهم كانوا يسمونهم بالممطورة أي
الكلاب التي أصابها المطر وأئمتنا عليهم السلام لم يزالوا ينهون
شيعتهم عن مخالطتهم ومجالستهم ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلوات
ويعلمون انهم كفار مشركون زنادقة وانهم شر من النواصب وان
من خالطهم وجالسهم فهو منهم وكتب أصحابنا مملوة بذلك كما يظهر
لمن تصفح كتاب الكشي وغيره فإذا قبل علماؤنا سيما المتأخرين منهم
رواية رواها رجل من ثقات أصحابنا عن أحد هؤلاء وعولوا عليها وقالوا
بصحتها - مع علمهم بحالة - فقبولهم لها وقولهم بصحتها لا بد من ابتنائه
200

على وجه صحيح لا يتطرق به القدح إليهم ولا إلى ذلك الرجل الثقة
الراوي عمن هذا حاله كان يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله
بالوقف أو بعد توبته ورجوعه إلى الحق أو ان النقل انما وقع
من أصله الذي الفه واشتهر عنه قبل الوقف أو من كتابه الذي الفه
بعد الوقف ولكنه اخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم
الاعتماد ككتب علي بن الحسن الطاطري فإنه وإن كان من أشد الواقفية
عنادا للامامية الا ان الشيخ رحمه الله شهد له في الفهرست (1) بأنه
روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم إلى غير ذلك من المحامل
الصحيحة والظاهر أن قبول (المحقق) طاب ثراه رواية على
ابن أبي حمزة مع شدة تعصبه في مذهبه الفاسد مبنى على ما هو الظاهر
من كونها منقولة من أصله وتعليله رحمه الله مشعر بذلك فان الرجل
من أصحاب الأصول وكذلك قول (العلامة) بصحة برواية إسحاق
ابن جرير عن الصادق عليه السلام (2) فإنه ثقة من أصحاب الأصول
أيضا وتأليف أمثال هؤلاء أصولهم قبل الوقف لأنه وقع في زمن الصادق
عليه السلام فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله أرواحهم انه قد
كان من داب أصحاب الأصول انهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهم
السلام حديثا بادروا إلى اثباته في أصولهم كيلا يعرض لهم النسيان لبعضه
أو كله بتمادي الأيام وتوالى الشهور والأعوام والله أعلم بحقائق الأمور

(1) راجع: ترجمته في الفهرست (ص 118 برقم 392).
(2) ولكن العلامة بعد ان ذكره القسم الثاني من (الخلاصة).
قال: كان ثقة روى عن أبي عبد الله عليه السلام وكان واقفيا
والأقوى عندي التوقف في رواية ينفرد بها وانما حكم بصحة روايته
في (المنتهى).
201

هكذا أجاب شيخنا (1) البهائي في كتابه (مشرق الشمسين) أعلى الله
مقامه الا انه كما ترى يقضى بظاهره بعدم اعتبار الموثق من الاخبار
إذ لو كان معتبرا لما احتيج إلى احراز كون الرواية عنه انما كانت قبل
الوقف أو بعد رجوعه إلى الحق أو كون أصله أو كتابه الذي أخذت
الرواية منه مأخوذا عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد والمعول إذ
الموثق في نفسه حجة وان لم يعلم من أين اخذ نعم لا بد من احراز
الوثاقة لراوي ذلك الخبر وبعد احراز وثاقته كان معتبرا وحجة
من غير فرق بين كونه قبل الوقف أو بعده أو معه وهكذا أصله وكتابه
الذي تؤخذ الرواية منه وقد عرفت غير مرة ان الموثق حجة كالصحيح
واما ما ذكر أعلى الله مقامه من تحاشى الشيعة عنهم وتجنبهم جدا فليس
على اطلاقه أعني حتى من جهة اخذ الرواية عنه لو كان ثقة في دينه
ولا خصوصية للواقفية في ذلك بل هم والفطحية وغيرهم من سائر الفرق
المنحرفين على حد سواء في القبول مع الوثاقة والعدم مع العدم وانما
الغرض من أمر الأئمة عليهم السلام بالتجنب عنهم اظهار الانكار
عليهم حفظا للعوام وجهال الشيعة وضعفائهم من عقائدهم ومذاهبهم الفاسدة
خوفا من الانحراف عليهم وحصول الشبهة لهم فلذا امروا بالتجنب لهم
حتى يعرفوا بذلك من بين الشيعة فيظهروا البراءة منهم كغيرهم من سائر
المنحرفين عن الحق.

(1) راجع: أول هذه الفائدة إلى هنا في مشرق الشمسين (ص 7
ص 8) طبع إيران.
202

(الفائدة السادسة عشرة)
اعلم أنه قد يدخل في بعض الأسانيد من لم يصرح فيه بتعديل
وتوثيق ولا بجرح وتضعيف غير أن بعض الأعاظم من علمائنا يظهر منه
الاعتناء بشأنه ويكثر الرواية عنه أو يترحم عليه أو يترضى عنه كما اتفق
للصدوق رحمه الله ذلك في بعض من يروى عنه ولم يكن حاله معروفا
من غير هذه الجهة أو يقدح في سند رواية من غير جهته وهو في طريقها
ولا اشكال ولا ريب في إفادة ذلك مدحا يعتد به بل ربما يبلغ هذا
وأمثاله حد التوثيق فيكون الخبر من جهة ذلك الراوي صحيحا كما لو زكاه
العدلان أو العدل الواحد بل قد تتكثر الامارات وتتراكم الظنون فيحصل
من ذلك ظن بعدالته كما صرح به الشيخ البهائي في كتابه (مشرق
الشمسين) حيث قال أعلى الله مقامه قد يدخل في أسانيد بعض
الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح
غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين قدس الله أرواحهم قد اعتنوا بشأنه
وأكثروا الرواية عنه وأعيان مشايخنا المتأخرين طاب ثراهم قد حكموا
بصحة روايات هو في سندها والظاهر أن هذا القدر كاف في حصول
الظن بعدالته انتهى (1).
(قلت) فإن لم يحصل الظن بعدالته فيحصل الظن بوثاقته من جهة
الخبر أعني كونه موثوقا بصدقه ضابطا في النقل متحرزا عن الكذب
وذلك كاف في الخبر إذ الشرط في قبوله عندنا هو هذا والغرض
انه لا يقطع النظر عن الراوي بمجرد عدم النص عليه بجرح أو تعديل

(1) راجع: مشرق الشمسين (ص 10)
203

بل لابد من الفحص عن حاله وتطلب الامارات الدالة عليه فلربما
تبلغ حد القبول وان لم تبلغ حد التعديل والتوثيق ومن ذلك أحمد بن
محمد بن الحسن بن الوليد قان المذكور في كتب الرجال توثيق أبيه واما
هو ففي (مشرق الشمسين) انه غير مذكور بجرح ولا تعديل ومثله
عن الحاوي فإنه ذكره في خاتمة قسم الثقات التي عقدها لمن لم ينص
على توثيقه بل يستفاد من قرائن اخر لكنه من مشايخ الإجازة
ومن مشايخ المفيد والواسطة بينه وبين أبيه وحكم العلامة بصحة حديثه
في المختلف وكذا في طريق الشيخ إلى الحسن بن محبوب وهو فيه
وعن الوجيزة انه أستاذ المفيد ويعد حديثه صحيحا لكونه من مشايخ
المعتبرين وقد صحح العلامة كثيرا من الروايات وهو في الطريق بحيث
لا يحتمل الغفلة ولم ادر إلى الان ولم اسمع من أحد يتأمل في توثيقه
انتهى (2).
قلت: فمثل هذا الشيخ الجليل وان لم ينص على تعديله كما
ذكروا ولكن فيما ذكروا مما يتعلق بأحواله مما سمعت وغيره غنى عن ذلك
فلا حاجة إلى التصريح بتعديلة إذ في تصحيح العلامة والشهيد الثاني بعض
الروايات التي هو في طريقها كفاية مع أنه من مشايخ الإجازة كما نص
عليه غير واحد مع أنه من المشايخ المعتبرين ومن مشايخ المفيد إلى غير
ذلك من الامارات التي يكفي بعضها ومثل أحمد بن محمد بن يحيى العطار
فان الصدوق رحمه الله يروى عنه كثيرا وهو من مشايخه والواسطة

(1) راجع: الوجيزة (ص 144) طبع إيران.
(2) راجع: الوسيط (أو المتوسط) للميرزا محمد الاسترآبادي
(مخطوط) في ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.
204

بينه وبين سعد بن عبد الله ومثل أبى الحسين علي بن أبي جيد فان الشيخ
رحمه الله يكثر الرواية عنه سيما في (الاستبصار) وسنده أعلى
من سند المفيد لأنه يروى عن محمد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة
وهو من مشايخ النجاشي أيضا قال الشيخ البهائي في (مشرق الشمسين):
فهؤلاء وأمثالهم من مشايخ الأصحاب لنا ظن بحسن حالهم وعدالتهم
وقد عددت حديثهم في (الحبر المتين) وفى هذا الكتاب في الصحيح
جريا على منوال مشايخنا المتأخرين ونرجو من الله سبحانه أن يكون
اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع وهو ولى الإعانة والتوفيق انتهى (1):
(واعلم) انه قد يعبر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب
الالتباس على بعض الناس ولكن كثرة الممارسة تكشف في الأغلب
عن حقيقة الحال ولذلك موارد كثيرة والمرجع في ذلك إلى المميزات
وهى معتبرة وان أفادت الظن لما عرفت فيما تقدم من كفايته.
واعلم أنه قد يختلف كلام علماء الرجال في ترجمة الرجل الواحد
فيظن بسبب ذلك اشتراكه وقد وقع في ذلك جماعة وقد يكون الرجف
متعددا فيظن انه واحد وقد وقع في ذلك آخرون فلابد من امعان
النظر في ذلك والتأمل وعدم التسرع والله ولى التوفيق كما أنه قد
يلتبس على جملة توثيق الرجل بتوثيق غيره كما وقع للعلامة
طاب ثراه في ترجمة حمزة بن بزيع على ما ذكر الشيخ البهائي
أعلى الله مقامه حيث وصفه العلامة في (الخلاصة) بأنه من صالحي
هذه الطائفة وثاقتهم كثير العمل نظرا إلى ما يوهمه كلام النجاشي
والحال ان هذه الأوصاف في كلام النجاشي أوصاف محمد بن إسماعيل

(1) راجع: (ص 10 - ص 11) من مشرق الشمسين.
205

ابن بزيع لا أوصاف عمه حمزة وقد يشتبه توثيق الابن بتوثيق الأب
وبالعكس لاجمال في العبارة وهو كثير فلا بد من التأمل والتروي في الجميع
ومن الله التأييد والتسديد (1).

(1) راجع: المصدر نفسه (ص 11).
206

والى هنا ينتهى شيخنا المصنف طاب ثراه
من الفوائد الست عشرة التي قدم بها الكتاب وفيما يلي
تعليقاته على الفوائد للوحيد البهبهاني قدس الله سره -.
207

(قوله أعلى الله مقامه)
لما زعموا من قطعية صدور الأحاديث.
لا يخفى ان دعوى قطعية صدور الأحاديث واضحة الفساد إن كان
المراد ما هو المنصرف والمتبادر من القطع الذي هو اليقين الجازم
المانع من النقيض لكثرة الدواعي والأسباب المانعة من حصوله لاحتمال
الخطا والغفلة والنسيان بل وتعمد الكذب في أصل كتابة الاخبار بل
وفيما بعد ذلك في كل عصر وزمان مضافا إلى احتمال الدس في تلك
الاعصار السابقة بل وفى كل عصر وزمان من أهل الضلال والعناد المتصدين
لذلك وخصوصا في اعصار الأئمة عليهم السلام كما دلت عليه
جملة من الاخبار ففي النبوي المعروف (ستكثر بعدي القالة على)
وفى المروى عن الصادق عليه السلام (ان لكل رجل منا رجلا
يكذب عليه) وفى اخر عنه عليه السلام انا أهل بيت صادقون
لا تخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه وفى اخر:
ان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث
لم يحدث بها أبى فاتقوا الله تعالى ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا
وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (1).
وعن يونس أنه قال: وافيت العراق فوجدت قطعة من أصحاب أبي
جعفر عليه السلام وأصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين
فسمعت منهم واخذت كتبهم وعرضتها من بعد على أبى الحسن الرضا

(1) راجع: رجال الكشي (ص 195) طبع النجف الأشرف في
ترجمة المغيرة بن سعيد.
209

عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث
أبى عبد الله عليه السلام وقال: ان أبا الخطاب كذب على أبى عبد الله
عليه السلام لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون
من هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام
فلا تقبلوا علينا خلاف القران (1) إلى غير ذلك من الاخبار القاضية بحصول
الدس فكيف تدعى القطعية للاخبار مع أن اختلافها في زمن صدورها
وسؤال الرواة بعد تحيرهم عن الحق منها يقضى بعدم كونها قطعي أيضا
وإن كان التحير في جملة منها من جهة الواقع لا من جهة الصدور كما
يكشف عنه الترجيح بمثل الشهرة والنقية ولكن في جملة منها التحير
من جهة الصدور كما يقضى به ويكشف عنه اخبار التراجيح من جهة الصدور
كالأعدلية والأوثقية ونحوهما.
(والحاصل) فدعوى القطعية مما لا ينبغي التفوه به وكيف تدعى
القطعية مع نسخ الاخبار ونقلها في كل عصر وزمان مع ما ترى من الخلل
بالزيادة والنقصان والتغيير والتبديل اللا زمني عادة وغالبا للنسخ والنقل
كما تقضى به وتشهد له الملاحظة فكم نرى الخبر الواحد المروى في الكتب
الأربعة فضلا عن غيرها مختلف المتن بالزيادة في بعضها والنقصان
في اخر فترى في بعضها (الواو) وفى الاخر (أو) مكانه وفى الثالث
(الفاء) مكانهما مثلا وفى الرابع زيادة فقرة متكفلة بحكم اخر أو منافية
لسابقها.
هذا من جهة المتن وفى الطريق مثله لكثرة الاشتراك في الرواة
اسما أو لقبا أو كنية أو صفة أو نسبا أو مكانا إلى غير ذلك والمميزات
ظنية وهكذا كلما زادت الوسائط زاد احتمال الخلل وكذا في كيفية

(1) راجع: رجال الكشي (ص 195) أيضا.
210

النقل باللفظ أو المعنى فان احتمال الخطا في النقل بالمعنى أكثر منه في اللفظ
إلى غير ذلك مما يوجب عدم الطمأنينة بالصدور فضلا عن القطعية
فدعواها ليست الا مكابرة صرفة نعم دعوى الظنية بل والاطمئنان
بها في الجملة في محلها خصوصا الكتب الأربعة حقيقة.
واما القطعية فواضحة الفساد قطعا وان ذكروا كثيرا
من الامارات التي يدعى إفادتها القطع بالصدور لكن التأمل الصادق فيها
يقضى بعدم إفادتها أزيد من الظن أو الاطمئنان بها في الجملة فمن جملة
تلك الامارات ما ذكره في اخر (الوسائل) في الفائدة السادسة من شهادة
أرباب الكتب الأربعة وغيرهم بالنسبة إلى غيرها من الكتب التي ذكرها
سابقا بصحة أحاديثها وثبوتها عن أهل العصمة عليهم السلام ثم قال
بعد ذكر ما قاله الشيخ الجليل ثقة الاسلام في أول كتابه (الكافي) من بيان
الداعي إلى تأليفه ذلك الكتاب وهو سؤال بعض الاخوان منه ذلك
وانه قد أشكلت عليه أمور لا يعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها وانه
لا يجد بحضرته من يذاكره ممن يثق بعلمه فيها وانه يحب أن يكون عنده
كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفى به المتعلم ويرجع
إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة
عن الصادقين عليهم السلام إلى أن قال: وقد يسر الله وله الحمد
تأليف ما سالت وارجو أن يكون بحيث توخيت (إلى اخر ما نقل عنه)
ثم قال: وهو صريح أيضا في الشهادة بصحة أحاديث كتابه
من وجوه منها قوله بالآثار الصحيحة ومعلوم انه لم يذكر فيه قاعدة
يميز بها الصحيح من غيره لو كان فيه غير صحيح ولا كان اصطلاح
المتأخرين موجودا في زمانه قطعا كما يأتي فعلم أن كل ما فيه صحيح
باصطلاح القدماء بمعنى الثابت عن المعصوم عليه السلام بالقرائن القطعية
211

والتواتر إلى اخر ما ذكر من الوجوه مدعيا شهادتها بمثل ذلك وبمثله
قال سابقا بعد ذكر ما قاله في أول (الفقيه) من شهادته بصحة أحاديثه
وانه لا يورد فيه الا ما يجزم بصحته وانه حجة بينه وبين ربه الا انه
لا يخفى عليك غرابة ما ادعاه إذ غاية ما تفيد الحجية انما هو وجوب
القبول والعمل وانه لا عذر في تركه وهو أعم من القطعية قطعا
ومثله الصحة في الاصطلاحين كما لا يخفى على العارف بهما.
(ودعوى) ان الصحة عند القدماء هي الثابت عن المعصوم عليه
السلام بالقرائن القطعية أو التواتر كما ادعاه (في محل المنع) لتصريح
جماعة من الأعيان (كالاغا في فوائده الأصولية والرجالية والسيد محسن
في (محصوله) والشيخ حسن في الفائدة الأولى من فوائده الاثنتي عشرة
من كتابه (منتقى الجمان) وغيرهم بأنها عبارة عن الموثوق بصدوره
والمطمئن به من الاخبار بل هو رحمه الله بنفسه نقله فيما بعد هذا
بيسير عن الشيخ بهاء الدين محمد العاملي (في مشرق الشمسين) حيث قال:
وقال الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في (مشرف الشمسين) بعد ذكر
تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة وهذا الاصطلاح لم يكن
معروفا بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم
اطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضى اعتمادهم عليه أو اقترن بما
يوجب الوثوق به والركون إليه وذلك بأمور (1) ثم ذكرها وليس
فيها ما يوجب القطع الذي ادعاه بل غاية ما تفيد الوثوق والاطمئنان
كما هو المدعى للشيخ البهائي فان منها وجوده في أصل معروف الانتساب
إلى أحد الجماعة الذين اجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم
والفضيل بن يسار أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى

(1) راجع: مشرق الشمسين (ص 3)
212

ويونس بن عبد الرحمن ومنها اخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم
الوثوق بها والاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية الامامية
ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابن سعيد على
ابن مهزيار أو من غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي
إلى اخر ما قال الشيخ البهائي (1) (في مشرق الشمسين) ونقله هو عنه
إذ هو كما ترى لا يوجب القطع ولا يفيده ثم قال الشيخ البهائي بعد
الفراغ منها وقد جرى رئيس المحدثين ثقة الاسلام محمد بن بابويه
قدس الله روحه على متعارف القدماء فحكم بصحة جميع أحاديثه
وقد سلك ذلك المنوال جماعة من اعلام علماء الرجال لما لاح لهم من القرائن
الموجبة للوثوق والاعتماد عليهم انتهى ما ذكره في الكتاب المذكور (2)
ونقله هو عنه فليت شعري كيف يدعى ان الصحيح عند القدماء هو
الثابت عن المعصوم بالطريق القطعي كما تقدم وهذا الشيخ الجليل وغيره
يدعى خلافه كما سمعت فما أدرى من أين اخذه وعمن نقله ولكن (حبك
للشئ يعمى ويصم) (3) ومثل الكليني والصدوق أعلى الله مقامهما
في شهادتهما بالصحة المزبورة التي قد عرفت انها لا تفيد أزبد من الظن
بالصدور أو الوثوق به في الجملة شهادة الشيخ الطوسي رحمه الله
في كتاب (العدة وفى الاستبصار) على ما حكاه عنه ملخصا من أن
أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام:
(منها) ما يكون الخبر متواترا.

(1) راجع: المصدر نفسه (ص 3).
(2) راجع: المصدر نفسه: (ص 4).
(3) تنسب هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -
برواية الخاصة والعامة.
213

(منها) ما يكون مقترنا بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر.
(منها) ما لا يوجب فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن
على وجوب العمل به وان القسم الثالث ينقسم إلى أقسام:
(منها) خبر اجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضا.
(ومنها) ما انعقد اجماعهم على صحته وان كل خبر عمل به في كتابي
الاخبار (1) وغيرهما لا يخلو من الأقسام الأربعة وهذا كما ترى لا يفيد
مدعاه من القطعية إذ من الأقسام ما دلت القرائن على وجوب العمل به
وهو أعم منها كما لا يخفى وكذا ما انعقد اجماعهم على صحته إذ الصحة
بالمعنى القديم ما عرفت.
(ثم قال): وذكر في مواضع من كلامه أيضا ان كل حديث
عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة
(قلنا هذا مسلم ولكن أين هذا والقطعية.
(ثم قال): وكثيرا ما يقول في (التهذيب) في الاخبار التي
يتعرض لتأويلها ولا يعمل بها: هذا من اخبار الآحاد التي لا تفيد
علما ولا عملا.
(قلنا): مراده من تلك الأخبار التي هي غير جامعة لشرائط الحجية
لا جميع اخبار الآحاد والا فهو قائل بحجية خبر العدل ويدعى الاجماع
عليه بل عنده العدالة بالمعنى الأعم ولذا يدعى الاجماع على العمل

(1) المراد بكتابي الاخبار هما التهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي
رحمه الله -
214

باخبار الطاطريين (1) وبنى فضال (2) فقوله " لا تفيد علما ولا عملا "
قيد احترازي.
- ثم قال -: فعلم أن كل حديث عمل به فهو محفوف بقرائن
تفيد العلم أو توجب العمل.
(قلنا) ونحن لا ندعى الا هذا لعدم الانحصار بالقرائن الموجبة
للعلم، بل المدار على ما يوجب العمل وهو أعم منها
(ثم نقول) هب ان أرباب الكتب الأربعة أو غيرهم يدعون
قطعية الأحاديث التي يروونها في كتبهم الا ان ذلك لا يوجب كونها
قطعية في نفسها أو بالنسبة إلى من عاصرهم فضلا عن ثبوته بالنسبة إلينا
ومن قارب عصرنا لبعد العهد وكثرة الدواعي والأسباب المانعة من حصول

(1) الطاطري هو لقب جماعة منهم علي بن الحسن ومحمد بن
خلف ويوسف بن إبراهيم وغيرهم ويطلق أيضا على سعد بن محمد
عم علي بن الحسن وإذا قيد بالجرمي تعين علي بن الحسن والطاطري
بطائين مهملتين بينهما الف ثم راء وياء نسبة إلى بيع الثياب
الطاطرية المنسوبة إلى طاطري قال الحموي في معجم البلدان بمادة
(طاطري) ما نصه: " لا أدرى أين هي " ثم قال: وفى كتاب
الشام: أنبأنا أبو علي الحداد أنبأنا أبو بكر بن ريذة أنبأنا سليمان بن أحمد
كل من يبيع الكرابيس بدمشق يسمى الطاطري ذكر ذلك في
ترجمة مروان بن محمد الطاطري أحد أعيان المحدثين ".
(2) بنو فضال هم علي بن الحسن بن علي بن فضال وأخواه احمد
ومحمد وأبوهم الحسن بن علي بن فضال وقال السيد المصطفى التفريشي
في باب الكنى والألقاب من كتابه (نقد الرجال): ومن بين الثلاثة
الأخيرة اطلاق ابن فضال في الأخير أشهر. (المحقق)
215

الاطمئنان فضلا عن القطع هذا حال الكتب الأربعة التي هي عمدة
كتب الحديث لشهادة أربابها وغيرهم بصحتها والاعتماد عليها فما ظنك
بغيرها فإذا كانت القطعية فيها غير ثابتة بل وأربابها لا يدعونها بل
ويبرؤون من مدعيها ففي غيرها بالأولى واما ما ذكره في الفائدة الثامنة
في تفصيل بعض القرائن التي يقترن بها الخبر فأنت إذا لاحضتها وتأملتها
بعين الانصاف تجدها غير دالة على مدعاه من قطعية اخبار الكتب الأربعة
بمعنى جميعها فضلا عن غيرها إذ هي ما بين كون الراوي ثقة أو كون
الرواية مأخوذة من كتاب معتمد أو موجودة في أصلين أو كون
الراوي لها من أهل الاجماع على التصديق أو التصحيح أو غير ذلك
من الأمور التي لا توجب أزيد من كون الخبر معتمدا عليه حجة في مقام
العمل اما انه قطعي الصدور فمن أين؟ بل جملة منها لا تصل إلى هذا
الحد ولا تفيده ككونه مجردا عن المعارض فان مجرد كون الخبر خاليا
عن المعارض لا يوجب اعتباره ووجوب العمل به ما لم يكن جامعا لشرائط
الحجية من وثاقة ونحوها مما يعتبر في الخبر ومثله ما ذكره من كون
الخبر موافقا للاحتياط حيث لا يقوم عليه دليل من عقل كالشبهة المحصورة
أو شرع حيث يكون هناك نص معتبر أعني جامعا للشرائط غير مبتلى
بمعارض أرجح منه واما مجرد كونه موافقا للاحتياط فلا يوجب العمل به لو كانت الشبهة وجوبية باعترافه بل ادعى صريحا عدم الخلاف
في اجراء أصل البراءة فيها كغيره وأما الشبهة التحريمية فالحق فيها أيضا
إجراء أصل الإباحة كما (حررناه في محله (1)) والحاصل فهذه متعبة
تحملها ومشقة ارتكبها لا حاصل له ولا ثمرة.

(1) يشير بذلك إلى رسائله في الأصول العملية التي كتبها بطلب من
السيد الحسن الشيرازي رحمه الله - والتي فرغ منها سنة 1282 ه‍ (المحقق)
216

(واما ما قاله (1)) في الفائدة التاسعة التي عقدها للاستدلال
على صحة أحاديث الكتب التي نقل منها كتاب (الوسائل) ووجوب العمل
بها إلى أن قال والذي يدل على ذلك وجوه ثم قال في آخر
الوجه التاسع - بعد ذكر شهادة المشايخ الثلاثة وغيرهم بصحة كتبهم
وأحاديثهم بكونها منقولة عن الأصول والكتب المعتمدة ما هذا لفظه
" والعجب أن هؤلاء المتقدمين بل من تأخر عنهم كالمحقق والعلامة
والشهيدين وغيرهم إذا نقل واحد منهم قولا عن أبي حنيفة أو غيره
من علماء العامة والخاصة أو نقل كلاما من كتاب معين ورجعنا إلى
وجداننا نرى انه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه وصحة نقله لا الظن
وذلك علم عادى كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا والبحر لم ينقلب دما
فكيف يحصل العلم مع نقله عن غير المعصوم ولا يحصل من نقله
عن المعصوم غير الظن مع أنه لا يتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع
وصلاح في القسم الثاني وربما يتساهل في الأول والطرق إلى العلم
واليقين كانت كثيرة بل بقى منها طرق متعددة كما عرفت وكل ذلك
واضح لولا الشبهة والتقليد فكيف إذا نقل جماعة كثيرة واتفقت؟؟ شهاداتهم
على النقل والثبوت والصحة " (فهو من الغرائب) لعدم الفرق بين
الظاهر أعني اليقين الجازم الثابت الذي لا يحتمل النقيض كما أنه لا فرق
بينهما في حصوله بمعنى وجوب القبول والعمل والثبوت شرعا بعد كون
الناقل جامعا لشرائط الحجية من العدالة والضبط ونحوهما.
(هذا) بعد التحقيق والتأمل والتروي والا فقد يحصل في أول الأمر
ومبادئه ما يشبه اليقين والقطع لكون السامع غافلا وغير ملتفت

(1) يعنى صاحب الوسائل في آخر كتابه (المحقق)
217

إلى الأضداد وخالي الذهن عن المخبر به فيجد نفسه مطمئنا بذلك الخبر
وساكنا إليه على وجه يصح ولو بالتسامح اطلاق العلم العادي عليه
لكنه بعد التروي والتأمل والالتفات إلى موانع القطع والمطابقة للواقع
من السهو والغفلة ونحوهما لا يجد نفسه الا ظانا أو مطمئنا في الجملة
وهذا أيضا حاصل في القسمين معا فالتفرقة بينهما كما يقول رحمه الله
كما ترى ناشئة من قلة التأمل وعدم اعطائه حقه.
(وأما) ما استظهره رحمه الله - من بطلان الاصطلاح الجديد
الذي أحدثه العلامة وشيخه أحمد بن طاووس وتغيير الوضع القديم حيث
قسموا الاخبار إلى الأقسام الأربعة واستدل عليه بوجوه كثيرة وشواهد
عديدة وتبعه على ذلك غيره من المحدثين كصاحب (الحدائق) كما صرح به
في المقدمة الثانية من حدائقه (فهو أمر آخر) ومطلب ثاني إذ قطعية
الاخبار وعدمها مطلب وبطلان الاصطلاح وعدمه مطلب آخر إذ دعوى
القطعية إن كانت بالنسبة إلى زمن المشايخ الثلاثة الذي استند هذا القائل
إلى كلماتهم التي تقدمت فلو سلم فلا يلزم ثبوتها في زمن العلامة لما بين
الزمانين من البعد الفاحش وإن كان بالنسبة إلى زمن العلامة فيكذبه
احداثه للاصطلاح مع أن دعوى القطعية لا يمكن القول بها في كل ما روى
وحكى من الكتب الأربعة وغيرها من كتب المشايخ الثلاثة وغيرهم ولا أحد
يدعيه بل غاية ما يدعى انما هو بالنسبة إلى الكتب الأربعة أو الكتب التي
ذكرها في (الوسائل) وحينئذ فالاصطلاح ينفع بالنسبة إلى غيرها
فدعوى بطلانه كلية باطلة بل دعواها بالنسبة إلى الكتب الأربعة باطلة
فضلا عن غيرها كما سمعت ولذا أحدثوا الاصطلاح الجديد فهو
من الشواهد على ما يقوله الأصوليون من عدم قطعية الاخبار إذ لو كانت
قطعية الصدور ولو خصوص الكتب الأربعة لما أحدثوا ذلك الاصطلاح
218

وغيروا ذلك الوضع بعد إن كانت العمدة في المرجعغ والمعول لكنهم
لما رأوا العهد وخفاء كثير من القرائن أو أكثرها واندراس كثير
من الاخبار (فقد قيل): إن كتب ابن أبي عمير اندرست بالسيل
وحدوث كثير من الحوادث والعوارض التي أوجبت الخلل والغش
في الاخبار حتى خفى الصادر منهما فصار مشتبها بغيره أرادوا ضبطه
بعنوان يسهل على الطالب اخذه وعلى الباذل نفسه لتعيينه وتمييزه
عن غيره تناوله وهذا هو السر الذي دعاهم إلى ذلك التغيير وذلك التجديد
وما كان منهم عبثا حاشاهم ثم حاشاهم وعن الاسلام وأهله خيرا
جزاهم كما نبه على ذلك غير واحد كشيخنا البهائي في كتاب (مشرق
الشمسين) والمحقق الشيخ حسن أعلى الله رتبتهما في مقدمات كتاب
(المنتقى) حيث قالا ما ملخصه ان السبب الداعي إلى تقرير هذا الاصطلاح
في تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة هو انه لما طالت المدة بينهم
وبين الصدر الأول وبعدت عليهم الشقة وخفيت عليهم تلك القرائن
التي أوجبت صحة الاخبار عند المتقدمين، وضاق عليهم ما كان متسعا
على غيرهم بسبب التباس الاخبار غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها التجؤوا
إلى هذا الاصطلاح الجديد وقربوا لنا البعيد ونوعوا لنا الحديث
إلى الأنواع الأربعة (1) ومن هذا يظهر لك فساد كلامه الذي ذكره
في هذا الباب على طوله رادا له لهذا الاصطلاح ومعيبا له
وانه مما لا ينبغي بل لا وجه له وانه موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم
بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع وقد امرنا الأئمة عليهم
السلام - باجتناب طريقة العامة وأن ذلك الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة
جميع الطائفة المحقة في زمن الأئمة عليهم السلام وفى زمن الغيبة وانه

(1) راجع مشرق الشمسين (ص 4). (المحقق)
219

يستلزم ضعف أكثر الأحاديث بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها عند
التحقيق كما ذكره في الوجه الرابع عشر في الفائدة التاسعة وانه
مستحدث في زمن العلامة وشيخه أحمد بن طاووس كما هو معلوم وهم
معروفون به وهو اجتهاد وظن منهما فيرد عليه جميع ما مر في أحاديث
الاستنباط والاجتهاد، والظن في كتاب القضاء وغيره وهى مسألة
أصولية لا يجوز التقليد فيها ولا العمل بدليل ظني اتفاقا مع الجميع
وليس لهم هنا دليل قطعي فلا يجوز العمل به وما يتخيل الاستدلال به
لهم ظني السند أو الدلالة أو كليهما فكيف يجوز الاستدلال بظن
على ظن وهو دوري مع قولهم عليهم السلام شر الأمور
محدثاتها وقولهم عليكم بالتلاد (1) كما ذكره في الوجه السادس عشر
من هذه الفائدة وان اجماع الطائفة المحقة الذي نقله الشيخ والمحقق
وغيرهما على نقيض هذا الاصطلاح واستمر عملهم بخلافه من زمن الأئمة
عليهم السلام إلى زمن العلامة في مدة تقارب سبعمائة سنة وقد علم
دخول المعصوم في ذلك الاجماع كما ذكره في الثامن عشر من هذه
الفائدة إلى غير ذلك من هذه الكلمات وأشباهها التي هي عند التأمل
لا روح لها حقيقة بل هي كما قال سبحانه " كسراب بقيعة يحسبه
الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " ثم قال - في آخر الوجوه:
" وقد ذكر أكثر هذه الوجوه بعض المحققين من المتأخرين وإن كان
بعضها يمكن المناقشة فيه فمجموعها لا يمكن رده عند الانصاف
ومن تأمل وتتبع علم أن مجموع هذه الوجوه بل كل واحد منها أقوى
وأوثق من أكثر أدلة الأصوليين وناهيك بذلك برهانا فكيف إذا انضم
إليها الأحاديث المتواترة السابقة في كتاب القضاء وعلى كل حال فكونها

(1) التلاد: القديم. (المحقق)
220

أقوى بمراتب من دليل الاصطلاح الجديد لا ينبغي ان يرتاب فيه منصف
والله الهادي انتهى ما ذكره من هذه الوجوه واتعب نفسه فيه لكنها
متعبة لا حاصل لها ولا روح فيها ومثله ما ذكره في (الحدائق)
من الوجوه التي استدل بها على بطلان هذا الاصطلاح فإنها بعد التأمل
فيها واضحة الفساد يعرف فساد كثير منها أو جميعها مما ذكرنا (فمنها)
ما ذكره في الوجه الأول من الوجوه الستة من أن منشأ الاختلاف في اخبارنا
انما هو التقية لا من دس الاخبار المكذوبة حتى يحتاج إلى هذا الاصطلاح
على أنه لو كان السبب هو دس الأحاديث المكذوبة كما توهموه (ففيه)
انه لا ضرورة تلجئ إلى اصطلاحهم لانهم عليهم السلام - قد امرونا
بعرض ما شك فيه من الاخبار على الكتاب والسنة فالواجب في تمييز
الخبر الصادق من الكاذب مراعاة ذلك وفيه غنية عما تكلفوه ولا ريب
ان اتباع الأئمة عليهم السلام أولي من اتباعهم هكذا ذكر (وهو
كما ترى) من واضحات السقوط إذ حصر سبب الاختلاف في التقية مخالف لصريح
الاخبار الناطقة بان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه " كما سمعت جملة منها
مع أنه قد يكون سبب الاختلاف خفاء القرائن وذهابها بعد صدورها
وكون المرجع في تمييز الصادق من غيره هو الكتاب والسنة انما ينفع
لو كانا متكفلين بجميع الاحكام وليس كذلك بالبديهة إذ المتكفل به
منها بل والكتاب والسنة القطعية أقل قليل (نعم) فيهما عمومات
واطلاقات وهما غير نافعين في جميع الموارد إذ هما لبيان الحكم
في الجملة سيما عمومات الكتاب واطلاقاته أو انها مسوقة لبيان الحكم آخر
مع أن اخبار التخصيص والتقييد متعارضة فلابد من الرجوع إلى هذا
الاصطلاح إذ به يعرف الصادق من غيره ومثل هذا الوجه باقي
الوجوه في وضوح الفساد كما يظهر لك بعد ملاحظتها والتأمل فيها
221

فعليك بالمراجعة مع التأمل والتروي حتى تكون في الامر على بصيرة
هدانا الله وإياك إلى الصراط المستقيم بمحمد وآله الطاهرين.
(وأماما ذكره) في الفائدة العاشرة (1) في جواب ما اورده
على نفسه بقوله (فان قلت) لا مفر للاخباريين عن العمل بالظن
وذلك أن الحديث وان علم وروده عن المعصوم بالقرائن المذكورة ونحوها
قد يحتمل التقية وقد تكون دلالته ظنية فأجاب بقوله:
(قلت) اما احتمال التقية فلا يضر ما لم يعلم ذلك بقرائن مع وجود
المعارض الراجح مع أنه قد ورد النص بجواز العمل بذلك كما مر
وتقدم وجهه والمعتبر من العلم هنا العلم بحكم الله في الواقع أو العلم
بحكم ورد عنهم عليهم السلام -.
(وأما) ظنية الدلالة (فمدفوع) بان دلالة أكثر الأحاديث قد
صارت قطعية بمعونة القرائن اللفظية والمعنوية والسؤال والجواب وتعاضد
الأحاديث وتعدد النصوص وغير ذلك وعلى تقدير ضعف الدلالة
وعدم الوثوق بها يتعين عندهم التوقف والاحتياط على أن العلم حاصل
بوجوب العمل بهذه الاخبار لما مر فكون الدلالة في بعضها ظاهرة
واضحة كاف وان بقي احتمال الظن حينئذ ليس هو مناط العمل
بل العلم بانا مأموران بالعمل بها والانصاف ان الاحتمال الضعيف لو
كان معتبرا لم يحصل العلم من أدلة الأصول ومقدماتها ولا من المحسوسات
كالمشاهدات لاحتمال الخلاف بالنظر إلى قدرة الله وغير ذلك إلى آخر
ما ذكر في هذا المعنى - (وهو كما ترى) من الغرائب فان دعوى قطعية
الدلالة في أكثر الأحاديث مما يكذبه الوجدان المستغنى عن البيان وإقامة

(1) يعنى ما ذكره صاحب الوسائل - رحمه الله - في آخره
(المحقق)
222

البرهان بل القطع في الدلالة ان حصل ففي غاية الندرة (ودعواه)
لزوم التوقف والاحتياط مع ضعف الدلالة وعدم الوثوق بها (مما لا وجه له)
لو كان المراد مع انتفاء القطع وحصول الظهور كما هو ظاهر كلامه
وسياقه للزوم العمل بالظواهر اللفظية باجماع أهل اللسان من غير حاجة
إلى القطع بالمراد أصلا وكلية وإن كان المراد مع اجمال الدلالة فاللازم
هو الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول والضوابط في ذلك المورد لسقوط
ذلك الدليل باجماله لا التوقف والاحتياط كما يقول.
(نعم) جوابه بعد ذلك بان العلم حاصل بوجوب العمل بهذه
الاخبار في محله ولكن يتوجه عليه مثله بالنسبة إلى الصدور فان العلم
لنا حاصل بوجوب العمل بهذه الاخبار وإن كانت في الصدور ظنية
وأسخف من دعواه القطعية في الدلالة دعواه نفى احتمال السهو فإنه
بعد ذلك (اورد) بان احتمال السهو قائم لعدم عصمة الرواة والنساخ
فلا يحصل العلم والوثوق (فأجاب) بان احتمال السهو يدفع تارة
بتناسب أجزاء الحديث وتناسقها وتارة بما تقدم في الجواب السابق
إلى غير ذلك من كلماته التي لا وجه للتعرض لها الا لبيان بطلانها وبيان
ما فيها من الغش والفساد
(والحاصل) فكون الاخبار ظنية السند والدلالة مما لا ريب فيه
ولا شبهة تعتريه من غير فرق بين الكتب الأربعة وغيرها فدعوى
القطعية فيهما أو في أحدهما ليست الا مكابرة وعناد، جعلنا الله وإياك
من أهل التأييد والسداد وأحسن أدلة الرشاد بمحمد وآله سادات العباد
223

(قوله أعلى الله مقامه):
وان ما ثبت حجيته هو ظن المجتهد بعد بذل جهده واستفراغ وسعه في كل ماله دخل في الوثوق وعدمه.
هو كذلك الا انه لا بد من حصول ظن المجتهد من خصوص الأدلة
التي ثبت حجيتها بالخصوص فلا يكفي حصوله من امارة لم تثبت
حجيتها بالخصوص كالشهرة ونحوها (ودعوى) انسداد باب العلم فينفتح
الظن مطلقا في الاحكام أو في الأدلة أو فيهما كما قيل (في محل المنع)
لانفتاح الظن الخاص في الأغلب كما حررناه في محله.
(نعم) لا مناص عن العمل بالظن المطلق في الجملة كالظن بعدم
المعارض بعد البحث والفحص عنه فإنه لا بد من العمل به والا لتعطلت
الاحكام لكثرتها وتعذر العلم أو تعسره بانتفائه في أكثرها ان لم يكن
في جميعها مع تحقق التكليف بها فعلا وهذا من الظن المطلق ومثله
الظنون الرجالية الحاصلة من الامارات لتمييز المشترك اسما وأبا ولقبا ومذهبا
وتعيين الاتحاد والتعدد وانتقاء السقط في الطريق إلى غير ذلك كالجرح
والتعديل فان الظاهر أن التزكية ليست من الخبر ولا من الشهادة لانتفاء
حقيقتهما بل هي من الظنون الاجتهادية وهى من الظن المطلق مع
امكان ان يقال: إن الظن في هذه الموارد من الظن الخاص للاجماع
على عدم اعتبار القطع بعدم المعارض لكل دليل فرض من غير فرق
بين الأدلة اللفظية والأصول العملية ومثله الظنون الرجالية فانا لا نرى
أحدا يتأمل في اعتبارها في مقام التمييز للمشترك أو الاتحاد والتعدد بل نراهم
متسالمين على القبول من غير نكير والمرجع في موارد احتمال السقط إلى
الأصل الذي عليه بناء العقلاء في مكاتباتهم ومراسلاتهم بعد الامن
224

من التزوير والتغيير كما هي الطريقة المألوفة بين الناس في كل عصر وزمان
فهو من الظنون الخاصة ومثله باب التزكية فان دخولها في باب الخبر
كما هو المشهور قوى (كما حررناه في رسالة مستقلة) فلاحظ وتأمل
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ولا شبهة ان الرجال له دخل فيهما.
هذا مما لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه إذ بملاحظة أحوال الرجال
وما ذكر فيهم والاطلاع على أحوالهم وصفاتهم يحصل الوثوق أو عدمه
فان كون الراوي عدلا ثقة ضابطا مما يوجب الوثوق بل قد تحصل
الأوثقية وشدة الاعتماد ككونه من أهل الاجماع أولا يروى عن المجاهيل
أو لا يروى الا عن ثقة كابن أبى عمير فيحصل بذلك غلبة الظن بل
قد يحصل الظن المتاخم للعلم وبالضد بالضد ككون الراوي مثلا غالبا
كذابا إلى غير ذلك فهو يقول أعلى الله مقامه لا شبهة في أن
الرجال له دخل بل وتمام الدخل في الوثوق وعدمه.
(قوله أعلى الله مقامه):
ولو سلمت القطعية فلا شبهة في ظنيتها متنا الخ.
مراده ان القطعية أولا مما لا شك في بطلانها ولو سلمت فلا تنفع
بعد كون الدلالة ظنية إذ كون الصدور قطعيا لو سلم لا يوجب
كون الحكم قطعيا بعد كون الدلالة ظنية فلا مناص عن القول بالظن
225

ولو بالنسبة إلى المتن والدلالة (ودعوى) قطعية الدلالة كما وقع من الحر
في (وسائله) في الفائدة العاشرة من الفوائد التي ذكرها في اخرها (فهي
من الغرائب) وما هي الا مكابرة صرفة وعناد بحت (ويحتمل) انه
يريد ان ظنية الدلال مما لا شبهة فيها وهذا المدلول الذي هو مظنون
مختلف بواسطة النقل فانا نرى بالعيان اختلاف المتن في الرواية الواحدة
من جهة الكتب المروية فيها ففي كتاب الشيخ (الواو) الدالة على مطلق
الجمع وفى كتاب الفقيه مثلا (الفاء) بدلها الدالة على الترتيب وفى ثالث
(أو) مكانهما الدالة على التخيير إلى غير ذلك من الأمور التي يختلف
بها المعنى ولا شك ان نقل الثقة الضابط المتأمل الذي لم يتسرع في نقله
ولا هو كثير السهو والغفلة امتن وأقوى سيما لو كان عارفا بصيرا
باللغة والعرف الموقوف عليهما النقل بالمعنى إذ كثيرا ما يحتاج إليه
بل لعل الديدن عليه ولا يعرف ذلك الا بالرجوع إلى علم الرجال
والاطلاع على أحوالهم وما قيل فيهم فهناك يعرف الضابط من غيره
والثقة من غيره والعالم والأعلم من غيره ففي باب التعارض لابد من
الرجوع إلى هذا الفن إذ به يظهر الترجيح وحينئذ فتكون الحاجة إليه
قائمة حتى على دعوى القطعية وهو المطلوب.
(قوله أعلى الله مقامه):
على أن جل الأحاديث متعارضة ويحصل من الرجال
أسباب الرجحان والمرجوحية:
هذا من الواضحات فان من الأسباب المرجحة العدالة والوثاقة
والأعدلية والأوثقية وهما مستفادان من الرجال هذا على إرادة الرجحان
والمرجوحية من حيث الصدور كما هو الظاهر فيكون هذا مبنيا
226

على ما هو المختار من ظنية الصدور واما على التنزيل المذكور أعني
على تسليم كون الاخبار قطعية الصدور كما لعله يقضى به ظاهر السياق
من حيث أقربية هذا إلى التسليم فالمراد من الرجحان والمرجوحية من حيث
ظن المطابقة للواقع وعدمها فهو كذلك أيضا لاختلاف الرواة في ذلك
فقد يحصل من رواية بعضهم أو وجودها في أصله المعروض على الإمام عليه السلام
مثلا ظن المطابقة للواقع لكونه من الخاصة والبطانة له
مع عدم اتصاله بمن يخشى منه من أهل العناد وخصوصا بعد معرفة
زمانه أو بلاده أو من يروى عنه من الرواة أو الأئمة عليهم السلام
فقد يكون زمان تقية أو شدتها إلى غير ذلك من الأمور التي يحصل
من ملاحظة بعضها أو جميعها ظن المطابقة للواقع أو عدمها.
(والحاصل) فبملاحظة أحوال الرجال يحصل الرجحان والمرجوحية
من حيث الصدور ومن حيث المطابقة للواقع وعدمها والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ولم يجزم بحجية المرجوح،
لا اشكال ولا ريب في حجية المرجوح في نفسه ومع قطع النظر
عن مورد التعارض حيث يكون جامعا لشرائط الحجية الا انه مع فرض
التعارض ووجود ما هو أرجح منه ليس بحجة لاخبار التراجيح المعتبرة
في نفسها كالمقبولة (1) وغيرها والمعتضدة بالفتوى والعمل بل وللعقل
لقبح ترجيح المرجوح على الراجح فتأمل ولا أقل من الشك في حجة

(1) يشير إلى مقبولة عمر بن حنظلة التي رواها الكليني في باب
اختلاف الحديث، والصدوق ابن بابويه والشيخ الطوسي رحمهم الله -
227

المرجوح والأصل عدمها فاللازم الاقتصار على خصوص الراجح
ولا اطلاق ولا عموم لأدلة حجية الخبر بحيث يشمل صورة التعارض
للتنافي المفروض القاضي بامتناع الاندراج والشمول.
(اللهم) الا ان يقال بامكان الشمول لا مع وصف التنافي ولحاظه
بل لكل من المتعارضين في حد ذاته وفى نفسه ولو سلم الاطلاق فهو
مقيد بما سمعت من اخبار التراجيح وغيرها وحينئذ فقوله: " ولم يجزم
بحجية المرجوح غير مناسب بل كان عليه نفى حجيته جزما ولعله
أراد المجاراة والمماشاة مع الخصم وان حجية المرجوح هب انها محتملة
وموضع شك ولكن مقتضى الأصول والقواعد عدمها كما عرفت
وحينئذ فيحتاج إلى الرجال فتأمل جيدا.
(قوله أعلى الله مقامه):
مع أن في الجزم بحجية المتعارض من دون علاج تأملا
(أقول) بل منع لوجوب العلاج وملاحظة الترجيح كما يقضى به
اخبار التراجيح للامر فيها بالأخذ بالراجح وملاحظته ومعه فاللازم
والمتعين تقديمها للأخبار المستفيضة ان لم تكن متواترة الدالة على ذلك
كما حررناه في محله ولعله أراد المماشاة كما عرفت والله أعلم:

- في كتبهما الحديثية والطبرسي في الاحتجاج (ج 2 - ص 106 -
ص 107) طبع النجف الأشرف والمقبولة طويلة وهى معروفة مشهورة
بين فقهائنا الامامية وعلمائنا الاعلام وقد رواها عمر بن حنظلة
عن الصادق عليه السلام -. (المحقق)
228

(قوله أعلى الله مقامه):
على أن حجية المتعارض من دون علاج وكون التخيير
يجوز البناء عليه كما أشير إليه وكون المستند ما دل عليه دور
المراد انه بعد كون اخبار التراجيح متعارضة في نفسها فحجيتها من
دون علاج والبناء على التخيير فيها لما دل منها عليه دور ظاهر إذ هو فرع القول
بحجية؟؟ كلا المتعارضين وجواز البناء فيهما على التخيير من أول الأمر
وقبل ملاحظة التراجيح فلا يمكن الاستدلال على جواز التخيير باخباره
لكونها معارضة أيضا بالاخبار الدالة على اعتبار التراجيح وملاحظتها ولزوم
تقديمها فهي من المسألة ومن موضوعها الذي هو محل الكلام فيكون
حاصل الدور ان جواز العمل بكل من المتعارضين موقوف على جواز
العمل باخبار التخيير. وجواز العمل باخبار التخيير ابتداء موقوف
على جواز العمل بكل من التعارضين من دون نظر إلى الترجيح وهو
كما ترى دور واضح ضروري الامتناع إذ محصله ومرجعه إلى توقف
الشئ على نفسه كما هو الشأن في كل دور يفرض ولكن لا يخفى ان
التعارض بين ما دل على التخيير وما دل على الترجيح من اخباره انما هو
من باب الاطلاق والتقييد واللازم هو الجمع بالحمل والتقييد فيكون
الواجب في المتعارضين هو الترجيح إذ هو الحاصل بعد التقييد لا التخيير
المدعى للخصم وحينئذ فكان اللائق والمناسب في الجواب انما هو بهذا
لا بالدور إذ لا محل له كما هو واضح نعم لو كان التعارض من باب
التباين أو العموم من وجه وقلنا بجريان باب الترجيح فيه أيضا كما هو
أحد الوجهين بل وأقربهما كان للدور محل والله أعلم.
229

(قوله أعلى الله مقامه):
وبالجملة بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع في تحصيل
الراجح نجزم بالعمل وبدونه لا قطع على العمل فتأمل
هذا ما أشرنا إليه من أنه مع ملاحظة الترجيح والاخذ به يحصل
اليقين بالبراءة بذلك العمل وبدونه لا قطع، وحينئذ فالمقام من موارد
الشغل (1) لدورانه بين التعيين والتخيير.
(اللهم الا ان يقال): بأنه من مجارى الأصول لأصالة البراءة
من التعيين لتناول أدلتها للمقام أو يقال: باطلاق الأدلة الدالة
على حجية الخبر بحيث تشمل صورة التعارض ولعل الامر بالتأمل إشارة
إلى ذلك ولكن لا يخفى ان اخبار التراجيح بعد تقييد مطلقها بمقيدها
الذي هو اعتبار اخبار الترجيح حيث يوجد تكون قاطعة للأصل المذكور
لو كان المقام من موارده ومجاريه ومقيدة للاطلاق المزبور لو كان
ثابتا بحيث يشمل صورة التعارض فلا يقال: بأن اخبار التراجيح
متعارضة إذ تعارضها انما هو بالاطلاق والتقييد واللازم فيه حمل المطلق
على المقيد فيكون الحاصل لزوم الترجيح وهو المطلوب مع امكان
ان يقال: بامتناع دخول المتعارضين تحت الاطلاق المزبور إذ مقتضاه
وجوب العمل وهو ممتنع مع فرض التعارض مع أن الأصل المذكور
لو تم لا ينفع في جواز العمل بالمرجوح بحيث يكون مجزئا وصحيحا
ومسقطا للامر فلا وجه للرجوع إليه ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى
هذا كله والله أعلم.

(1) يعنى: الشغل اليقيني يستدعى الفراغ اليقيني ومقتضاه الاحتياط
كما حققه علماء الأصول. (المحقق)
230

(قوله أعلى الله مقامه):
من حيث كونها عندهم شرطا للعمل بخبر الواحد الخ.
لا يخفى ان اعتبار العدالة وشرطيتها في العمل بخبر الواحد وان نسبه
غير واحد إلى المشهور لكن الظاهر عدم ثبوته على ظاهره واطلاقه كما
اعترف به في (الفصول) فان القدماء بنوا على اعتبار مظنون الصدور
والموثوق به من الاخبار وان لم يكن الراوي عدلا بل وكان فاسقا
بجوارحه أو كان فاسدا في مذهبه وعقيدته فلم تكن العدالة عندهم
شرطا بل الشيخ رحمه الله مع دعواه في (العدة) عدم الخلاف
في اعتبار العدالة واشتراطها في الراوي بنى على كفاية تحرزه عن الكذب
بل ادعى اجماع الطائفة على العمل باخبار الطاهرين وبنى فضال وأمثالهم
ممن فقد الايمان فضلا عن العدالة فلعله أراد من العدالة المعنى الأعم
أعني مطلق الاستقامة ومطلق الوثاقة في دينه وان لم يكن اماميا بل هو
الظاهر منه وحينئذ فنسبة اعتبار العدالة واشتراطها في العمل بالخبر
إلى المشهور لا يتم ولا يستقيم فضلا عن نسبته إلى الكل كما يقضى به
ظاهر (العدة) والمتن نعم ربما تتم النسبة إلى المشهور بالنسبة إلى ما بعد
الاصطلاح الجديد الذي أحدثه العلامة وشيخه ابن طاووس (وكيف
كان) فالحق ما ذهب إليه الشيخ من كفاية التحرز عن الكذب في الراوي
وان لم يكن عدلا إذ هو المتحصل من الأدلة كما حررناه في محله
وعلى كل حال فالحاجة إلى علم الرجال بينة واضحة إذ به يعرف المتحرز
من غيره كما يعرف العدل من غيره فإنه المتكفل لذلك والمتصدي لبيان
أحوال الرواة وصفاتهم مع أن وصفي العدالة والأعدلية ربما يحتاج
231

إليهما في باب التراجيح ومعرفتهما تطلب من ذلك العلم وحينئذ فتكثر
الحاجة إلى علم الرجال وتعظم على كل تقدير فتأمل جيدا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
حتى أنها ربما تكون أكثر من اخبار العدول التي
قبولها فتأمل.
لعله أشار بهذا التأمل إلى أن هذا الذي استظهره خلاف الظاهر
ممن اشترط العدالة فان الظاهر ممن اشترط العدالة انها شرط للعمل
بمطلق الخبر بمعنى انه لا يجوز العلم بمطلق الخبر الا إذا كان المخبر
عدلا اماميا والا فلا يجوز لان الاشتراط للعمل بالخبر في نفسه ومن
حيث هو أعني المجرد عن الجابر والتبين والا فالعدالة فيه ليست شرطا
لرجوع ذلك إلى عدم اشتراط العدالة وهو خلاف مقتضى دليلهم وهو
آية النبأ إذ لو تم الاستدلال بها لقضت باشتراط العدالة للعمل بمطلق الخبر
وأنه بدون حصولها لا يجوز العلم بل يجب الرد (نعم) ذلك مقتضى
المنطوق بناء على إرادة مطلق الظن من التبين لا خصوص العلم كما هو
الاظهر من هذه المادة ومثله ديدنهم ورويتهم وطريقتهم من العمل
باخبار غير العدول فان ذلك أيضا قاض بعدم اشتراط العدالة.
(والحاصل) فذلك الديدن والروية لهم مع دليلهم لا يقضى بخصوص
ما استظهره من كون الاشتراط للعمل بالخبر المجرد عن التبين والجابر واما
المقرون بالتبين والجابر فلا شرطية بالنسبة إليه بل كما هو غير مناف له
وينطبق عليه فكذا لا ينافي القول باشتراط العدالة على الحقيقة و التصرف
في معنى العدالة بإرادة مطلق الاستقامة والوثاقة في الدين وان لم يكن
232

الراوي عادلا اماميا كما عرفت فيما مضى بل لعل هذا أولي وأقرب
لموافقته لظاهر الاشتراط وانما التصرف في نفس الشرط وفى معناه بإرادة
غير ظاهره والقرينة عليه كلامه في محل اخر كما سمعت عن الشيخ
حيث بنى على حجية خبر المتحرز عن الكذب وادعى الاجماع على العمل
باخبار جماعة لم تحصل لهم العدالة بالمعنى الأخص وذلك هو الكاشف
عن ذلك التصرف.
(وبالجملة) لا بد من التصرف والخروج عن الظاهر اما في نفس
الاشتراط ويكون التصرف في المشروط له أعني الخبر المجرد عن الجابر
والتبين ولو اجمالا كالموثقات واما في نفس الشرط أعني العدالة بإرادة
المعنى الأعم وهذا هو الأقرب كما ترى ذلك في كثير من الأمثلة التي
دار امرها بين مجازين قد قدم أحدهما لرجحانه عرفا نحو قولك: رأيت
أسدا يرمي فان التجوز في كل من المفعول والصفة ممكن الا انه
في الأول أقرب عرفا لرجحانه عندهم بسبب زيادة انسهم به لكثرته وشيوعه
وهكذا ما نحن فيه.
(لكنك خبير) بالفرق بين المقام وسائر الأمثلة لحصول الاختلاف
معنى هناك دون المقام ففي الحقيقة لا ثمرة هناك للزوم كل من التجوزين
والتصرفين للاخر على تقدير ارادته إذ على تقدير التصرف في الشرط
بإرادة المعنى الأعم لا يقتصر على خصوص الصحيح ومع فقد الجابر
والتبين ولو اجمالا لا بد من تحقق الصحة والعدالة بالمعنى الأخص
وهكذا على تقدير التصرف في المشروط له لا يقتصر على خصوص الصحيح
بل يتعدى إلى غيره من الموثقات وشبهها فيعود ذلك إلى عدم اشتراط
العدالة بالمعنى الأخص على الاطلاق فيكون الشرط هو العدالة بالمعنى
الأعم فقد لزم من التصرف في أحدهما التصرف في الاخر.
233

(وبعبارة أخرى) لا بد من القول بأحدهما والعمل بمقتضاه العمل
بمقتضى الاخر والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وسيجئ في حماد السمندري، الخ
الظاهر أن هذا متعلق بما استظهره من طريقة (العلامة) في القسم
الأول من (خلاصته) وان القسم الأول منحصر في قسمين (الأول)
من يعتمد على روايته وهو الثقة (والثاني) من يترجح عنده قبول روايته
وحينئذ فيدخل الموثق والحسن، وحماد هذا من القسم الثاني فان
العلامة في (خلاصته) ذكر في ترجمته حديثا (1) وقال بعده: " وهذا
الحديث لا يدل على تعديل (نعم) هو من المرجحات " فيكون حماد
هذا من قسم الحسن كما عن (الوجيزة) (2) والحديث هو هذا " قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام -: انى لادخل بلاد الشرك وان من
عندنا يقولون إن مت ثم حشرت معهم قال: فقال لي: يا حماد إذا
كنت ثم تذكر امرنا وتدعو إليه؟ فقلت: نعم قال: فإذا كنت
في هذه المدن مدن الاسلام تذكر امرنا وتدعو إليه؟ قلت: لا
فقال: إذ مت ثم حشرت أمة وحدك وسعى نورك بين يديك (3)

(1) راجع: الخلاصة - القسم الثاني - (ص 57) برقم (5)
والحديث رواه عن الكشي، فراجعه.
(2) راجع: الوجيزة للمجلسي الثاني (ص 151) طبع إيران.
(3) راجع: رجال الكشي (ص 292، برقم 183). (المحقق)
234

ومثل هذا الحديث المذكور في الحكم بن عبد الرحمن بل هو في الدلالة
على المدح أضعف منه كما يظهر بملاحظته والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
هذا عطف على قوله سابقا في ابن بكير أي انه نقل عن العلامة
في ابن بكير (1) ان الذي أراه عدم جواز العمل بالموثقات الا مع اعتضادها
بالقرينة اما لو خلت فلا، وكذا نقل عنه أو قال في حميد بن
زياد (2) ان الوجه قبول روايته مع خلوها عن المعارض " دون ما لو
اعتضدت بالقرينة فالعمل بها جائز وبين غيره فلا، كما يقتضيه قوله
في ابن بكير وبمقتضى ما قاله في (الخلاصة) في حميد بن زياد يكون
الفرق بين صورة التجرد عن المعارض فالقبول وبين غيرها فلا وحينئذ
فيظهر من هذا المنافاة لما ادعاه أولا من كون عملهم باخبار غير العدول
على الاطلاق أكثر من أن يحصى بل عملهم بها أكثر من عملهم باخبار
العدول الذي يظهر من مثل العلامة في (خلاصته) التي رتبها على قسمين
مع ملاحظة القسم الأول من أوله إلى اخره فإنه قاض بترجيحه العمل

(1) ابن بكير - هذا - هو عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن
أبو علي الشيباني وقد ترجم له العلامة الحلي في الخلاصة القسم الأول -
(ص 106، برقم 24).
(2) راجع: الخلاصة في ترجمة حميد بن زياد القسم الأول -
(ص 59، برقم 2). (المحقق)
235

بالموثقات والحسان على الاطلاق من دون اشتراط شئ من خلو عن معارض
أو اعتضاد بقرينة كما هو المستفاد من قوله في ابن بكير وحميد بن زياد
فلعل الامر بالتأمل إشارة إلى أن ذلك الديدن وتلك الروية لعله محل
تأمل بل ومنع لهذا القول المحكى في ابن بكير (1) وابن زياد أو انه إشارة
إلى أنه غير مناف لذلك الديدن وتلك الروية فإنه مذهب غير معروف
فلا ينافي ما هو المعروف من طريقتهم من العمل بغير الصحاح على الاطلاق
كما يقضى به ما عن الشيخ من دعوى الاجماع على العمل باخبار جماعة
هذه صفتهم كما سيأتي والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وأيضا من جملة كتبه كتاب الدر والمرجان الخ.
يحتمل في هذا أن يكون من جملة المؤبدات لتلك الدعوى وهى
كون العمل باخبار غير الصحاح ثابتا بل وأكثر من أن يحصى فان
اعتناءهم بالأحاديث غير الصحيحة وجمعهم لها ليس الا لعملهم بها
وهكذا اعتناؤهم بأسباب الحسن والتقوية ليس الا لعملهم بما اشتمل عليها
واتصف بها، إذ لولاه لما اعتنوا هذا الاعتناء ولما بحثوا وفحصوا
عن تلك الأسباب لانتفاء الثمرة حينئذ (وقد يقال) بان ذلك لا يقضى
بتلك الدعوى لاحتمال كون الغرض في ذلك كونه آلة للاجتهاد فان
جمع الاخبار بجميع أقسامها مما ينفع الواقف عليها كيف كان مذهبه
مع أن ذلك ربما يؤدى إلى بلوغ الخبر إلى درجة المستفيض والمشهور

(1) ويؤيده انه في (الخلاصة) لم يشترط هذا الشرط في عبد الله
ابن بكير - هذا - فراجعه. (المحقق)
236

بل والمتواتر إلى غير ذلك وهكذا نقول في ذكر أسباب الحسن
والتقوية والاعتناء بها والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
مع أنه ادعى فيها الوفاق على اشتراط العدالة لأجل
العمل فتأمل.
لعله يشير به إلى أن هذا الاشتراط الذي يدعى عليه الشيخ الوفاق
انما هو بالمعنى المتقدم سابقا فلا ينافي عملهم باخبار الطاطريين وبنى فضال
ونحوهم ممن لم تثبت العدالة في حقهم لحصول التفتيش والتبين في حقهم
ولو اجمالا لثبوت وثاقتهم في دينهم، أو يقال: إنه أشار بذلك
إلى ما ذكرنا من أن العدالة المشترطة انما هي بمعنى مطلق الاستقامة الشاملة
لمثل هؤلاء وحينئذ فلا يكون بين كلاميه تهافت ولا تناقض واحتمال
العدول غلط واضح أو يقال إن غرضه بالتأمل الإشارة إلى الجمع
المتقدم من أن الاشتراط للعمل بالخبر ابتداء أعني من دون بحث وتفتيش
وأما اعتبار خبر غير العدل إنما هو بعد البحث والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وعن المحقق في المعتبر أنه قال إلخ
هذا من جملة المؤيدات لما ادعاه أولا من الديدن والروية وطريقتهم
وان عملهم باخبار غير العدول أكثر من أن يحصى بل ربما يكون أكثر
من اخبار العدول فتأمل جيدا.
237

(قوله أعلى الله مقامه):
قلت على تقدير التسليم معلوم انهم يكتفون بالظن الخ
أراد أعلى الله مقامه وزاد اكرامه انا نمنع:
(أولا) كون مقتضى دليلهم اعتبار حصول العلم في التبين بل
هو أعم منه ومن الموجب لحصول الظن إذ التبين هو الظهور وكما
هو يصدق مع العلم فكذا يصدق مع الظن إذ كل مظنون راجح وكل
راجح فهو ظاهر فيكون المحصل انه إذا جاءكم الفاسق فعليكم بتحصيل
ظهور الصدق ولا تعولوا على اخباره بمجرده بل عليكم البحث والفحص
إلى أن يظهر لكم صدق خبره بحيث يبلغ حدا يعتنى به العقلاء ويعولون
عليه في أمورهم كما هي عادتهم فهو في الحقيقة متضمن للتنبيه على أن
حال الشرع في ذلك كغيره نحو خطاباته ومحاوراته المساوية لسائر الناس
فكما ان العقلاء يعولون في أمورهم العادية المتعلقة بهم على الخبر المعروف
صدق مخبره وانه متحرز عن الكذب فكذا الشرع يعول في الاخبار
المتعلقة باحكامه الكلية التي جاء بها على ما يعول عليه العقلاء فإنه أحدهم
بل هو سيدهم وهذا هو الظاهر هذا أولا:
(وثانيا) لو سلمنا كون مقتضى هذا الدليل اعتبار حصول العلم
في التبين لدعوى ظهوره فيه ولكن نقول: إن هناك أدلة دالة على كفاية
الظن وهى أمور:
(الأول) الروايات الكثيرة التي لا يبعد تواترها معنى حقيقة
على كفاية كون الراوي متحرزا عن الكذب ومعروف الصدق يجد ذلك من يلاحظها ويتأملها وقد ذكرناها على كثرتها مع التعرض لدلالتها
238

في الأصول ولا يبعد كون تلك الروايات مقررة لما عليه الناس في طريقتهم
من الاكتفاء في إخباراتهم بقول الثقة ومن عرف صدقه وظهر تنبهه
فهي كاخبار البراءة المقررة لحكم العقل وليست هي من التعبد الصرف
فهي حينئذ كالمفسرة لآية التبين وان المراد منها ظهور الصدق بحيث
يعتمد عليه الناس ويكتفى به العقلاء في أمورهم وهذا هو الظاهر
من أدلة اعتبار الخبر كتابا وسنة وسيرة وحينئذ فبمقتضى ذلك أنه
لا يعتبر في قبول الخبر أزيد من احراز هذا الوصف في راويه، واما
التبين عن صدق اخباره الخاصة فلا يعتبر فيه حصول الظن الفعلي فضلا
عن القطع.
(الثاني) السيرة المستمرة والطريقة على قبول اخبار من هذه صفتهم
كما هو مدلول الروايات يجد ذلك من تتبع أحوال الناس والعقلاء
في جميع أمورهم.
(الثالث) الاتفاق الذي ادعاه الشيخ من الطائفة المحقة على قبول
اخبار جماعة هذه صفتهم أعني انهم ليسوا بعدول لكنهم ثقات
في أديانهم فان مقتضى ذلك عدم اعتبار التبين في كل خبر خبر بخصوصه
كما هو مفاد دليل التبين بل إحراز هذا الوصف لراويه كاف وهو
ما ادعيناه من دلالة الروايات وقيام السيرة عليه.
(الرابع) انسداد باب العلم بأغلب الاحكام فإنه قاض بانفتاح
باب الظن وكفايته، وحينئذ فلا حاجة إلى خصوص التبين بقسميه أعني
الظني والقطعي بل المدار حينئذ على حصول الظن بالحكم وهذا متجه
في حق من يرى الانسداد اما من يرى الانفتاح كما هو الحق فلا
وحينئذ فنقول بعد قيام هذه الأدلة على كفاية الظن لا بد من التصرف
في ذلك الدليل لو سلم ظهوره في ذاته باعتبار القطع - إذ لا تقصر تلك
239

الأدلة عن القرائن المنفصلة عن عمومات الأدلة واطلاقاتها الكاشفة
عن المراد منها.
(وثالثا) لو سلمنا اعتبار حصول العلم في التبين وعدم قيام دليل
على كفاية الظن ولكن نقول ربما يحصل بملاحظة أحوال الرجال ماله
دخل في حصول العلم (وقد يقال) بان الذي قد يحصل بملاحظة أحوال
الرجال انما هو العلم بحال الراوي من كونه عدلا اماميا أو واقفيا
أو ثقة في دينه، إلى غير ذلك مما يتعلق بصفات نفسه مع أنه لا يحصل
غالبا، ولو حصل فنادر جدا لأهله ذوي التتبع والاطلاع التام كالمصنف
ومن ماثله اما العلم بصدق خبره الخاص الحاصل بواسطة التبين عن ذلك
الخبر كما هو المقصود بدليلهم القاضي بالاشتراط فلا يحصل بملاحظة
أحوال الرجال (وقد يقال) بأنه بالملاحظة التامة ربما يحصل ماله دخل
في حصول العلم بصدق الخبر الخاص ككون الراوي ضابطا متقنا لا يروى
كتابه عن المجاهيل وكونه معتمدا معرضا على الامام مصححا نقيا
من الغش سليما من الدس وكونه من أهل الاجماع على التصديق
أو على التصحيح إلى غير ذلك مما يوجب الطمأنينة في اخباره بحيث
قد يصدق معها العلم وقد يحصل العلم بصدق جملة من الاخبار ومطابقتها
للواقع ولو بضميمة بعض الامارات الخارجية كاشتهار الفتوى به قديما
وحديثا بل وحكاية الاجماعات المستفيضة إلى غير ذلك من الامارات
الموجبة لصدق ذلك الخبر ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك
والله أعلم.
240

(قوله أعلى الله مقامه):
بل الظاهر أنه من اجتهادهم أو من باب الرواية كما هو
المشهور الخ.
لا يخفى إن ها هنا أمرين:
(الأول) في التزكية السمعية.
(الثاني) في التزكية الكتبية أعني الحاصلة والمستفادة من كتب
الرجال.
اما السمعية فليست هي من باب الاجتهاد جزما " بل هي منحصرة
في أحد أمرين إما الشهادة أو كونها من باب الرواية كما هو
المشهور وهو الظاهر فإنها من الرواية والخبر المحض لعدم الفرق
بينهما وبين سائر الاخبارات المتعلقة بالموضوعات أو الاحكام.
واما الكتبية فليست هي من باب الشهادة ولا من باب الرواية
على الظاهر إذ هما من مقولات الألفاظ والأقوال بل هي منحصرة
في باب الاجتهاد والظنون وحينئذ فقول المصنف أعلى الله مقامه -:
" بل الظاهر أنه من اجتهادهم أو من باب الرواية كما هو المشهور "
في غير محله إذ هو لا يستقيم لا على السمعية ولا على الكتبية كما
عرفت والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
اما على الثاني فلأن الخبر الخ.
حاصله انه على تقدير كونه من باب الرواية لا محذور يلزمنا بان
يقال إن الخبر انما ثبتت حجيته في الأحكام الشرعية الكلية واما فيما
241

عدا ذلك فمن أين؟ فيدفع بان حجيته عامة للأحكام الكلية والجزئية
مثل ان هذا طاهر أو هذا نجس، أو هذا حرام مثلا وفى الموضوعات
بقسميها أعني الكلية كالصعيد والكعب مثلا والجزئية كطلوع الفجر
وزوال الشمس ودخول الليل والمغرب إلى غير ذلك وما نحن فيه
من هذا القبيل بل لا يبعد ما ادعاه بعض متأخري المتأخرين من الأولوية
وأن قبول خبر العدل في الاحكام الكلية يقضى بقبوله في غيرها مطلقا
(كالسيد محسن في رجاله) وهو الوجه حقيقة هذا على تقدير كونه
من باب الرواية.
(واما) على تقدير كونه من باب الاجتهاد فلا محذور أيضا يلزمنا
بان يقال: بان حجية ظن المجتهد انما ثبتت في الأحكام الشرعية الكلية
للاجماع وسد باب العلم وغير ذلك واما في مثل المقام الذي هو راجع
إلى الموضوعات الجزئية في الحقيقة فمن أين؟ ووجه عدم لزوم هذا المحذور
بان يقال: ما دل على حجية ظن المجتهد عام لذلك كله لقضاء الاجماع
وغيره بحجية ظن المجتهد في الأحكام الشرعية وتوابعها التي منها ما نحن
فيه، والله أعلم:
(قوله أعلى الله مقامه):
مضافا إلى أن المقتضى للعدالة لعله لا يقتضى أزيد من
مظنونها، الخ.
لا يخفى ان هذا بمجرده غير كاف إذ مجرد احتمال كون المقتضى
للعدالة لا يقتضى أزيد من مظنونها كما يقتضيه كلمة (لعل) غير كاف
إذ احتمال النقيض أيضا قائم، فلابد حينئذ من دعوى الظهور، بل هو
242

أيضا غير نافع إذ لا اعتبار بغير ظواهر الألفاظ إذ هي التي قام
الاجماع من أهل اللسان على اعتبارها واما ظواهر الأحوال وظهور
الاجماع والاتفاق فلا دليل على اعتبارها والأصل العدم وحينئذ
(فدعوى) ظهور اتفاقهم واجماعهم في المقام على اعتبار مظنون العدالة
وكفاية الظن فيها (غير نافعة) إذ لا اعتبار بالاجماع الظني فلابد من
دعوى القطع بالاجماع للشك في حصول الشرط الذي هو العدالة على تقديره
بدون القطع والأصل العدم.
(اللهم الا ان يقال) بان مرجع الشك في المقام إلى الشك في الشرطية
والاشتراط للشك في اعتبار القطع بالعدالة والأصل البراءة فيكون الظن
بالعدالة كافيا، إذ لا دليل على اعتبار ما فوقه كما هو الوجه في كل
ما هو مشكوك الشرطية والجزئية في اجراء الأصل فيه من غير فرق
بين العبادات والمعاملات ما لم يرجع إلى الأصل المثبت هذا أولا.
(وثانيا) نقول: بتحقق الاجماع حقيقة وهو الظاهر من آخر
كلامه وهو قوله: " ولا يخفى على المطلع بأحوال القدماء الخ "
والانصاف تحقق الاجماع على كفاية الظن بالعدالة مضافا إلى أن اعتبار
العلم فيها يوجب تعطيل الاحكام وسد باب أكثر التكاليف مع أن
اعتبارها إلى حد حصول العلم بها مع عموم البلوى بها في الحقوق
والأموال والمرافعات والاحكام الكلية والجزئية والموضوعات الخارجية
كالهلال وشبهه إلى غير ذلك يوجب العسر الأكيد والحرج الشديد
فيكشف ذلك عن سقوطه شرعا وعدم اعتباره أصلا.
243

(قوله أعلى الله مقامه):
على أنه لا يثبت من اجماعهم أزيد مما ذكر.
المراد له أعلى الله مقامه - ان الاجماع القاضي بشرطية العدالة
مجمل لو كان المرجع في الشرطية إلى الاجماع المنقول أو بحكمه لو كان
المرجع هو المحصل فان اعتبار العدالة في قبول الخبر في الجملة مجمع عليه
وحينئذ فلابد من الاقتصار على القدر المتيقن منه كما هو الشأن في الأدلة
المجملة وليس المتيقن الا العدالة بطريق الرجحان في الجملة اما إلى
حد يحصل القطع المانع من النقيض فغير معلوم وحينئذ فيكون من
مشكوك الشرطية التي هي من مجارى الأصول على الأقرب (وقد يقال)
بأنه بعد العلم بشرطية شئ والشك في تحققه لابد من احرازه بالقطع أو
بما ينتهى إليه وحينئذ فالمقام من مجارى الشغل (1) لا مجارى الأصول
وقد يدفع بان ذلك مسلم في الشك المصداقي بعد العلم بشرطية شئ
كالتذكية المعتبرة في الحل والطهارة المشكوكة التحقق في الخارج اما
في مثل المقام فلا لرجوع الشك هنا إلى أن العدالة بطريق القطع شرط
في الشريعة أم لا؟ فهو كالشك في أصل الاشتراط بشئ فكما ان ذلك
مجرى للأصل على الأقرب فكذا هذا بل قد يقال بان هذا مجرى
للأصل حتى لو قلنا في مشكوك الشرطية في المركبات الارتباطية بالشغل
فان ذلك في المجمل المفهومي كالصلاة مثلا بناء على الصحيحي كما هو
الصحيح بخلاف ما نحن فيه إذ لا إجمال في مفهوم العدالة وانما
الشك في شرطية أمر خارج عن المفهوم وهو كون القطع بالعدالة معتبرا

(1) يعنى شغل الذمة اليقيني يستدعى الفراغ اليقيني (المحقق)
244

في الشرع أم لا؟ فيقوى اجراء الأصل هنا وان أجرينا الشغل ثمة بناء
عليه ولكن لا يخفى عليك ان هذا بمجرده لا يكفي في لزوم العمل
بخبر مظنون العدالة وكونه حجة علينا الذي هو مخالف للأصل أيضا
فلابد من التماس دليل آخر عليه كاجماع وغيره ولعل الأمر بالتأمل
إشارة إلى هذا كله فتأمل جيدا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
واما الآية فلعدم كون مظنون الخ:
لا يخفى ان مجرد كون مظنون العدالة ليس من الافراد المتبادرة
للفاسق بل وظهور خلافه لا يكفي في كونه من أفراد العادل لاحتمال
الواسطة وخطأ الظن إذ العدالة هي الملكة فمن لم يبلغ الملكة مع حسن
أفعاله ليس بعادل ولا فاسق ولذا يعد خبره من الحسن لا من الضعيف
ولا من الصحيح بل لو قلنا بانتفاء الواسطة فلا يكفي ذلك في دخول
الوثاقة في العادل لاحتمال خطأ الظن وكونه فاسقا في الواقع ولعل الامر
بالتأمل إشارة إلى ذلك والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
(وأيضا القصر على التثبت لعله يستلزم سد باب أكثر
التكاليف، فتأمل).
المراد له على الظاهر أن اجراء حكم الفاسق في مظنون العدالة
من وجوب التثبت يوجب ويستلزم سد باب أكثر التكاليف لكثرة
التكاليف جدا وقلة موارد العلم بالعدالة وما قام مقامه من الشهادة أو الرواية
245

بحيث لا تفي بتلك الاحكام وان انضمت تلك الموارد إلى المعلومات الاخر
الثابتة باجماع ونحوه للعلم الاجمالي ببقاء احكام وتكاليف في الواقع
وراء ذلك فلا يمكن اجراء الأصول فيها وحينئذ فلابد من القول
بانفتاح الظن في التعديلات بل في التزكية بقول مطلق أعني في كل
ما يقبل قوله كالموثق والحسن بل ومطلق المتحزر عن الكذب على ما هو
الأقوى من اعتباره (وقد يقال) بمنع بقاء العلم الاجمالي كذلك ولعل
الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك ويحتمل بعيدا ارجاع هذا إلى ما تقدم
ساقا من دعوى كون التثبت لا يعتبر فيه العلم وانه يكفي فيه الظن.
(وحاصله) على هذا انا لو اقتصرنا في التثبت على العلمي لا نسد
باب أكثر التكاليف لكثرتها وقلة موارد العلم وقد يمنع كما عرفت.
واما قوله: " ومع ملاحظة الخ " فالظاهر أنه يريد انك لا تقول
بانفتاح باب الظن إلى حد تعتبر قول محتمل العدالة ومظنون الفسق ولا
تقول بلزوم التبين فيه بل تجرى عليه حكم العادل الذي هو وجوب
القبول والتمكن من الظن بها من غير عسر ومشقة يحصل الشك
في حجية هذا القسم من الخبر ودخوله تحت أدلة القبول والأصل عدم
الحجية وحينئذ فيكون التبين لازما كمقطوع الفسق
(نعم) مظنون العدالة داخل تحت أدلته، لظهور دخوله مع ما سمعت
من الاجماع وغيره وسد باب أكثر التكاليف (وقد يقال) بان اللازم
- بعد الحكم بالانفتاح القول باعتبار كل ظن لم يقم على عدم اعتباره
دليل وحينئذ فلا يخرج الا مقطوع الفسق (وقد يجاب) بان
المنفتح انما هو الذي لا يبقى معه العلم ببقاء التكليف وحينئذ فمظنون
الفسق كمقطوعه لا علم ببقاء التكليف معه وحينئذ فلا حجية فيه ولا
246

محذور في اجراء الأصل في مورده ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وكذا لا شبهة في كون المظنون عدم السقوط
لا يخفى ان تمامية هذا وسابقه موقوف على ثبوت الكبرى وهى
ان كل مظنون في مثل هذه الموارد فهو حجة والظاهر أنه من المسلمات
فيما بينهم إذ لا يتوقف أحد في اعتبار الظن الحاصل من الامارات
المعينة في مقام اشتراك الاسم أو الأب أو اللقب أو النسبة أو الطبقة
إلى غير ذلك وكذا لا يتأمل أحد في اعتبار الظن بعدم السقوط
من السند بل يعاملون موارد الظن معاملة المقطوع بعدمه مع أن باب
العلم في أمثال ذلك مسدود والتكليف قائم فلابد من فتح باب الظن
إذ لا سبيل إلى الاحتياط لتعذره أو تعسره كما لا سبيل إلى الاقتصار
على موارد العلم لقلتها جدا (والقول) بالرجوع في مثل ظن عدم
السقوط إلى الأصل دون الظن (في محل المنع) إذ لا ينفع في ثبوت
كون هذا الخبر من مرويات هذا الراوي الموجود في السند إذ تحمل
هذا الراوي عن هذا المروى عنه غير معلوم وهو خلاف الأصل
مع أن مطابقة الموجود للواقع أيضا خلاف الأصل مضافا إلى أن شرط
قبول الخبر من العدالة أو الوثاقة للرواة حتى يكون واجب العمل
غير محرز فوجوب العمل بهذا الخبر غير محرز لفقد شرطه والله أعلم.
247

(قوله أعلى الله مقامه):
ولعل الروايات عمن لم يكن مؤمنا ثم آمن أخذت
حال ايمانه:
لا يخفى ان مجرد الاحتمال غير كاف إذ لا يحرز معه شرط
القبول والحجية الذي هو العدالة لاحتمال كون التعديل والاستقامة قبل
الرواية فلا يكون الراوي حال روايته مستقيما عادلا حتى يجب قبول
روايته أو يكون التعديل والاستقامة بعد الرواية ولم يعلم منه امضاء ما رواه
أولا والاعتراف بحقيته وصدقه (وقد يقال): ان غرض المصنف
دعوى الظهور والظن كما ينبئ عنه كلامه فيما بعد فإنه صريح في ذلك
وهو كذلك فان الظاهر أن المعدلين انما أرادوا حال الرواية حتى يكون
نافعا في مقام العمل وقد عرفت ان الظنون الرجالية حجة ومعتبرة فيما
بينهم ولكن لا يخفى ان كون التعديل والمدح والتوثيق ناظرا إلى حال الرواية
مسلم لعدم النفع فيما سواه والغرض من التزكية انما هو النفع لمن يقف
عليها وانما يحصل النفع لو كان المزكى ناظرا إلى حال الرواية لا قبلها
ولا بعدها الا ان هذا لا يقضى باختصاص الاخذ من الراوي في حال
استقامته دون غيره بحيث لا يؤخذ من غير المستقيم وغير المؤمن أصلا
سواء أكانت له حالتان أم كان غير مستقيم مدة حياته فإنه خلاف
المعروف والمعلوم إذ الطائفة قد عملت باخبار جملة من المعروفين بالانحراف
وسوء العقيدة كعبد الله بن بكير وسماعة بن مهران وأمثالهم بل عدوا
بعضهم من أهل الاجماع كما صرح به الشيخ الطوسي وغيره في جملة
248

من الرواة كعبد الله بن بكير (1) بل الشيخ الطوسي رحمه الله ادعى
اجماع الطائفة على العمل باخبار الطاطريين وبنى فضال اللهم الا

(1) عبد الله بن بكير - هذا - هو حفيد أعين بن سنسن
وكنيته أبو علي وقد عده الشيخ الطوسي في عدة الأصول من الجماعة
الذين عملت الطائفة برواياتهم وكذلك وثقه في الفهرست اما الكشي
فقد ذكره في رجاله (ص 294) قائلا: قال محمد بن مسعود:
عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحية هم فقهاء أصحابنا منهم ابن فضال
يعنى الحسن بن علي وعمار الساباطي وعلي بن أسباط وبنو الحسن
ابن علي بن فضال، علي وأخواه ويونس بن يعقوب ومعاوية بن
حكيم وعد عدة من أجلة الفقهاء العلماء وقال أيضا (ص 322)
تحت عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام:
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون
وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم
ستة نفر جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير
وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان... وهم احداث
أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وجاء في (التحرير الطاووسي)
في خبر ان سنده وإن كان فيه ابن بكير وهو فطحي فحديثه
موثق لكن يمكن ان يعد صحيحا فإنه من أصحاب الاجماع وكتابه معتمد
وعده الشيخ المفيد رحمه الله في رسالته على أصحاب العدد في شهر
رمضان من فقهاء أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام
والاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين
لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم وهم أصحاب الأصول
المدونة والمصنفات المشهورة ". (المحقق)
249

ان يقال: بان العمل باخبار هؤلاء انما كان من جهة حصول العدالة
والوثاقة ولو بالمعنى الأعم أعني مطلق الاستقامة بحيث يجوز معها التحرز
عن الكذب وهو كاف على الأقوى ولعله المشهور بين القدماء
أو مطلقا (ودعوى) الشهرة على اعتبار العدالة بالمعنى الأخص
كما صدر من بعض المتأخرين كصاحب المعالم وحكاه الشهيد
في (الدراية) عن جمهور المحدثين والأصوليين على ما في رجال
السيد محسن البغدادي (في محل المنع) كما يرشد إليه اعتبار القدماء
والسابقين الصحيح بالمعنى الأعم أعني مطلق ما يوثق بصدوره بل لعل
ذلك مسلم فيما بينهم إلى زمن العلامة وشيخة ابن طاووس اللذين احدثا
تجديد الاصطلاح فالغرض للمصنف انما هو هذا وان الروايات انما أخذت
حال الايمان وحال العدالة بالنسبة إلى المعدلين فيكون التعديل ناظرا
إلى حال الرواية وبالنسبة إلى الموثقين بالمعنى الأعم أعني مطلق الوثاقة
في الدين والاستقامة فيه حين الوثاقة وحين الاستقامة لاعترافه أعلى الله
مقامه في غير موضع بقبول اخبار من كان من أهل الاستقامة والوثاقة
في الدين وإن كان معروفا بالانحراف وسوء العقيدة وقد ذكر سابقا
عند الايراد كلا من العدالة والوثاقة فلتحمل الوثاقة على المعنى الأعم
ان لم يحملا عليه وهذا واضح بعد أدنى تأمل والتفات والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
فكذا فيما نحن فيه لعدم التفاوت فتأمل.
حاصل ما يريد أعلى مقامه انه كما ينزل المدح والتزكية
بل وكذا الجرح على زمن صدور الرواية لعدم حصول النفع بغيره
250

كما عرفت فكذا اخذ الروايات من الراوي منزل على حال ايمانه وعدالته
واستقامته لعدم النفع بما سواه سابقا أو لاحقا. إذ الغرض من الاخذ
انما هو العمل بما اخذ من الروايات وهو لا يحصل الا بالتنزيل المذكور
(وقد يقال) بالفرق والتفاوت بين المدح والتزكية واخذ الروايات
لانحصار النفع في العمل في الأول فلا بد من التنزيل المذكور دون الثاني
فإنه قد يكون الغرض جعل الرواية من قسم المستفيض أو المشهور أو
المتواتر إلى غير ذلك وحينئذ فلا يختص الاخذ بحال الاستقامة للراوي
ولذا قد تؤخذ الاخبار من العامة بل ومن غيرهم كالواقفية وغيرهم
كما قال العسكري عليه السلام في كتب بنى فضال (خذوا ما رووا
وذروا ما رأوا) ولا ينافي ذلك تسميتهم بالكلاب الممطورة (1) فان
ذلك بالنسبة إلى عقائدهم وما هم عليه لا بالنسبة إلى اخبارهم والاخذ بها

(1) جاء في فرق الشيعة للنوبختي (ص 81) انه " غلب على هذه
الفرقة هذا الاسم وشاع لها وكان سبب ذلك ان علي بن إسماعيل الميثمي
ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم فقال له علي بن إسماعيل وقد
اشتد الكلام بينهم ما أنتم الا كلاب ممطورة أراد انكم أنتن من جيف
لان الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف فلزمهم هذا اللقب
فهم يعرفون به اليوم لأنه إذا قيل للرجل: انه ممطور فقد عرف انه
من الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام.
وعلي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار هذا ترجم له
النجاشي في رجاله (ص 189) وكناه بابى الحسن وقال مولى بنى أسد
كوفي سكن البصرة وكان من وجوه المتكلمين من أصحابنا كلم أبا الهذيل
والنظام له مجالس وكتب " ثم ذكر كتبه وذكره أيضا الشيخ الطوسي
في الفهرست وكتاب الرجال في باب أصحاب الرضا عليه السلام - -
251

لو كانوا من أهل الوثاقة. ومحلا للاعتماد فإنه لا يراد في الاخبار
الا ذاك ولا يعتبر في قبولها سواه على الأقوى ولذا ادعى الشيخ
الاجماع على قبول اخبار الطاطريين وبنى فضال الذين هذه صفتهم
وحينئذ فلا ينحصر الاخذ للرواية بالعمل أولا بل قد يكون لاستفاضة
الرواية وتعدد الطرق فيكون للخبر طريقان وأزيد مثلا فيحصل بذلك
فوق فائدة الاستفاضة ونحوها فائدة الاحتجاج بالخبر عليهم حيث إنهم
رووه في كتبهم وصحاحهم هذا أولا (وثانيا) لا يمنع الانحراف وعدم
الاستقامة من العمل لو جمع الشرط الذي هو الوثاقة ولو في دينه
كما عرفت كما يجيب به فيما بعد بقوله: على أن سوء العقيدة " الخ
وهذا الفرق حقيقة متجه لكنه احتمال لا ينافي الظهور إذ الظاهر من حال
الراوي المتصدي للاخذ من المروى عنه المعتنى به وبرسمه وكتابته في كتابه
أو أصله إنما هو العمل بما يأخذ فكان الأصل في الأخذ إنما هو العمل
إلا أن يعلم من خارج بواسطة القرائن والامارات كون الغرض غيره
وقد يقال: إن هذا الظهور ليس كالظهور اللفظي الذي يجب اتباعه
ولا يعتنى بالاحتمال في مقابلته فإنه من الظهور الحالي الذي لم يعلم
اعتباره وسقوط الاحتمال في جنبه ولعل الأمر بالتأمل إشارة إلى ذلك
والله أعلم.

- وترجم له العلامة في القسم الأول من الخلاصة وترجم له أيضا ابن
النديم في الفهرست في الفن الثاني من المقالة الخامسة. (المحقق)
252

(قوله أعلى الله مقامه):
وأدخلها في رواية العادل، فتأمل
لا يخفى ان مجرد عدم منعهم عن روايتهم المأخوذة عليهم في حال
انحرافهم وكونهم على الباطل لا يقضى باعترافهم بها وكونها حقا حتى
تخرج من خبر الفاسق وتدخل في خبر العادل فتكون من مروياتهم في حال
استقامتهم وعدالتهم بل هو أعم فلا دلالة فيه بمجرده على الاعتراف
بها بل لا بد من قيام الإمارات والشواهد المعتبرة منهم على الإقرار بها
والاعتراف بحقيتها فهناك تخرج من خبر الفاسق وتدخل في خبر العادل.
(نعم) لو كانت تلك الروايات مطابقة لأخبار العدول في المضمون
أو كان لها طريق آخر إلى بعض العدول دخلت في أخبارهم وكانت منها
إلا أنه خارج عن الفرض، إذ الفرض من حيث كونها لهم ومن مروياتهم
(وقد يقال): بان عدم منعهم انما يكون قرينة ودليلا على الاعتراف
مع تخفيهم وعدم ظهورهم بين أصحابهم وأهل زمانهم على وجه يأخذون
برواياتهم ويعملون بها لبنائهم أنهم منهم والواقع خلافه، إذ الفرض
أنهم في الباطن على غير دينهم فإذا كان في تلك الروايات كذب
وباطل فلا بد من التنبيه عليه في حال الاستقامة بانكارها والمنع من الأخذ
بها والا كان من التدليس المحرم المفروض عدمه لفرض قبول اخبارهم
بعد الاستقامة فإذا لم يصدر منهم ذلك كان اعترافا منهم بحقية تلك الأخبار
التي رووها في حال الانحراف الذي لم يظهر بين أهل زمانهم
اما لو كان ظاهرا وهم به معروفون كغيرهم ممن عرفوا بسوء العقيدة
فلا يدل عدم المنع على الاقرار في رواية والاعتراف إذ مروياتهم حال
253

الانحراف كمرويات غيرهم من المنحرفين مقبولة أو مردودة إذ هي ان
جمعت شرائط القبول قبلت وإلا فلا حاجة إلى الاقرار وعدمه فلذلك
أمر بالتأمل وهو واضح.
(قوله أعلى الله مقامه):
والقائل يكون تعديلهم شهادة لعله يكتفى به في المقام.
لا يخفى انه على فرض كون هذه التعديلات الرجالية ليست من شهادة
فرع الفرع بل هي من شهادة الأصل إذ ليست الشهادة منهم على الشهادة
بل هي شهادة بنفس الوثاقة فلا اشكال في اعتبارها في المقام أعني
التعديلات الرجالية وغيره كمواضع الخصومات والمرافعات وغيرها وعلى هذا
فلا يناسب كلمة (لعل) بظاهرها ويحتمل انه أراد ان القائل بكون
التعديلات من باب الشهادة لعله يكتفى بها وإن كانت من باب شهادة
فرع الفرع لعموم ما دل على حجية الشهادة والبينات، وغاية ما خرج
منه مثل الخصومات فيبقى الباقي داخلا تحت العموم، وهذا الاحتمال
مع أنهم لا يقولون به لا في المقام ولا في غيره لا يناسبه ما بعده
من التعليل وقوله قبله: " كما يكتفى، الخ " فإنه غير تام كما لا يخفى
ويحتمل بمقتضى التعليل ثالث وهو ان هذا القائل بكون التعديلات
من باب الشهادة لا من باب الخبر ولا من باب الظنون الاجتهادية لعله
يكتفى بها وإن كانت على غير محسوس باتفاقهم على قبولها وإن كان
المشهود به غير محسوس كما هو حاصل التعليل ويكون الغرض للمصنف
دفع ما قد يقال على هذا القائل من أن المشهود به الذي هو العدالة
من غير المحسوس فكيف تقبل فيه الشهادة التي هي مختصة بالمحسوس فإنها
254

مأخوذة من الشهود وهو الحضور الذي هو عبارة عن المحسوس وحاصل
الدفع ان العدالة وإن كانت من غير المحسوس كما هو واضح، - بناء
على انها الملكة وإلا فلا تخلو من الخفاء الا انهم اتفقوا على اعتبار
الشهادة فيها وإن كانت كذلك (وأنت خبير) بان الامر كما يقول
أعلى الله مقامه - لعدم اختصاصها بالحسيات بل كما تكون فيها فكذا
في غيرها خصوصا في مثل العدالة وشبهها كالكرم والشجاعة ونحوهما
مما كانت الآثار لها حسية فان أمثال ذلك بحكم الحسيات ومعدودة منها
ومن ذلك الشهادة بالتوحيد وشبهه وحينئذ فلا اختصاص لها بالمحسوسات
بل تجرى وتقبل في جميع العلميات واليقينيات وإن كانت من النظريات البحتة
لعموم أدلتها وما في بعضها ما يترائى منه الاختصاص بالحس كخبر
الشمس (1) فالغرض منه المبالغة في اليقين والقطع الحاصل للشاهد وعدم
المسامحة فيه والتسرع في موارد الشهادة هذا على فرض كون التعديلات
من الشهادة ولكن الوجه ان التعديلات الرجالية الموجودة في كتب الرجال
ليست من الشهادة ولا من الخبر بل هي من الظنون الاجتهادية
كما سمعت سابقا (وكيف كان) فقوله فيما بعد: " فظهر عدم ضرر
ما ذكرت بالنسبة إلى هذا القائل من المجتهدين أيضا " يحتمل فيه انه أراد
بما ذكر من كونها شهادة فرع الفرع ويحتمل إرادة كون المشهود به
من غير المحسوس وعدم ضرر الأول واضح بعدما سمعت من أنها شهادة
الأصل كوضوح عدم الضرر على الثاني لما سمعت من الاتفاق على اعتبارها

(1) يشير بخبر الشمس إلى ما روى عن أبي عبد الله الصادق (ع)
وقد سأله الراوي عن الشهادة قال - عليه السلام - ترى الشمس؟ فقال
نعم فقال عليه السلام على مثلها فاشهد أو دع.
(المحقق)
255

وإن كانت كذلك واما الامر بالتأمل، فلعله أشار به إلى أن الضرر
على الأول غير مرتفع بالنسبة إلى هذ القائل أعني الذي يرى أنها شهادة
كصاحب (المعالم) ومن تبعه بل هو لا حق له فان تحصيل شهادة
الأصل بالنسبة إلى كافة الرواة ولو المحتاج إليهم مما يصعب جدا ان
لم يكن متعذرا لصعوبة تحصيل العلم بالنسبة إلى المشهود به الذي هو
العدالة والوثاقة مع كثرة الرواة المحتاج إليهم، اللهم الا ان يقال
بكفاية الظن في الشهادة لكنه في محل المنع وان اكتفينا به في ترتيب
الآثار كقبوله شهادته وفتواه والصلاة خلفه اما في الشهادة على عدالته
فلا، لقضاء أدلة الشهادة بأنها على مثل الشمس فاشهد أو دع وهذه
جملة كافية وبقى قوله سابقا: " كما يكتفى هو وغيره فيه أيضا "
وفى " غيره فيه " خلل واضح لتضمنها قياس البعض على نفسه ولو
أبدلها بقوله: " كما يكتفى هو في غيره وغيره فيه وفى غيره " لكان أجود
والأمر سهل والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ظهر الجواب عنه على التقديرين.
لعل المراد بالتقديرين كونها من باب الشهادة وكونها ليست منها
بل من باب الظنون الاجتهادية أو من باب الخبر إذ على الأول فقد
عرفت الجواب وان كونها غير محسوسة ليس مانعا من القبول فان
الكل متفقون على ثبوتها بها فيما هي معتبرة فيه وإن كانت كذلك
واما على الثاني فالأمر أوضح.
256

(قوله أعلى الله مقامه):
قلت إن لم يحصل العلم فالظن كاف الخ.
لا يخفى انه بمقتضى السياق والسابق فالمراد انه إذا لم يحصل العلم
برأي جماعة من المزكين بالنسبة إلى العدالة وانها الملكة عندهم أو غيرها
فالظن برأيهم كاف فإنه قائم مقام العلم ولكن هذا لا يناسب ما بعده
ولا يلائمه وهو قوله: " كما هو دأبهم ورويتهم " لعدم اعتبار هذا
الظن أصلا ومطلقا إذ الأصل عدم اعتبار الظن بقول مطلق إلا ما خرج
بالدليل وليس المقام منه جزما والمناسب له كون المراد انه إذا
لم يحصل العلم بالعدالة والوثاقة فالظن بها كاف كما هو دأبهم وديدنهم
لتعذر تحصيل العلم بها أو تعسره مع شدة الحاجة إليها جدا لعموم
البلوى والبلية بها وهو كذلك ولكن هذا لا يناسب ما تقدم
عن (المنتقى) فإنه بصدد العلم برأي جماعة من المزكين وانه أمر ممكن
لمن تيسرت له القرائن المطلعة له على ذلك بسبب اطلاعه وزيادة تتبعه
لا العلم بنفس العدالة والظن بها كما يقتضيه آخر كلامه ولعله رحمه الله
أعرض عما حكاه عن (المنتقى) وأراد بيان الواقع وما هو نافع وحاصله
أن العلم كما يدعى صاحب (المنتقى) لا حاجة لنا تتوقف عليه مع ما فيه
من الصعوبة والمشقة جدا إن لم يكن متعذرا إذ الحاجة إنما هي بوثاقة
الراوي وعدالته والعلم بها أيضا غير لازم والظن ممكن ميسور وكفايته
مما لا اشكال فيه بينهم إذ عليها دأبهم ورويتهم حتى صاحب (المنتقى)
إذ لا يسعه الالتزام به، وهو غير مناف لطريقته وعلى هذا فأمره
بالتأمل أعلى الله مقامه في آخر كلامه لعله إشارة إلى أن الظن
257

بالعدالة والوثاقة كاف حتى على طريقته يعنى صاحب المنتقى - إذ طريقته
التي هي اعتبار الصحيح الاعلى لا ينافي كفاية الظن لمن يحصل له فيرتب
اثره مع العمل بقول هذا الراوي المظنون عدالته وغيره.
(نعم) لو لم يحصل الظن فلابد من التعدد في تزكية هذا الراوي
كما هي طريقته ويحتمل كون المراد بطريقته عدم اعتبار الظن أصلا
ومطلقا فيما يتعلق بالرجال من عدالة وغيرها كتمييز المشتركات ونحوها
وهو مشكل جدا على فرض إرادته بل هو في محل المنع جزما والله أعلم
(قوله أعلى الله مقامه):
ويمكن الجواب أيضا بان تعديلهم لان ينتفع به
الكل الخ.
هذا في محل المنع فان التعديل من المعدل انما هو اخبار عما يراه
من العدالة بالنسبة إلى هذا المعدل سواء انتفع بها الكل أم لا نظير
الفتوى في الاحكام الكلية من المجتهد فإنه اخبار عما يراه من حكم الله
في خصوص تلك المسألة ونظير الاخبار بالرضاع المحرم فإنه اخبرا عما
يراه محرما بحسب رأيه واجتهاده ولا يحمل إخباره وشهادته بذلك
على الأكمل أعنى على السبب المتيقن تحريمه لعدم العلم بإرادته بل
هو من هذه الجهة مجمل ولذا اعتبر المشهور في قبول الشهادة بالرضاع
التفصيل وذكر السبب لكونه محل خلاف والمراد للشاهد غير معلوم
بل في (الروضة) (1) نسبته إلى الأصحاب وعلى هذا فلا بد للمزكى

(1) الروضة للشهيد الثاني وهو شرح للمعة الدمشقية للشهيد الأول
رحمهما الله وهى مطبوعة طبعات عديدة ولها شروح وتعليقات عديدة.
(المحقق)
258

والمعدل من ذكر ما أراد والا فلا ينفع اطلاقه ولكنك خبير بأنه
إن كان الاختلاف مانعا من القبول الا مع التفصيل لم تقبل شهادة ولا
إخبار أصلا ومطلقا لحصول الاختلاف في الجميع أعني في العبادات
والمعاملات عقودها وإيقاعاتها واحكامها إذ لا يخلو موضع منها
من الخلاف ولو في جهة وهو مناف للسيرة المستمرة وموجب لتعطيل
العباد وأهل الشرع الشريف لشدة الحاجة وعموم البلوى ومنافاة ذلك
لسهولة الملة وسماحتها، (فاما ان يقال): بقبول الاطلاق مطلقا
من غير فرق بين المقام وغيره وينزل ذلك على الواقع ويرتب اثره
فالشهادة بالتزكية مقبولة ويرتب اثرها مع الخلاف في سببها وهكذا
بالبيع الصحيح والوقف والطلاق والعتق إلى غير ذلك من العقود
والايقاعات والاحكام كمسألة التزكية والتطهير فيما يحتاج إلى العصر
على الخلاف فيه وما يحتاج إلى التتريب مقدما أو موسطا على الخلاف
أيضا وهذا هو الظاهر بل نسبه السيد محسن في رجاله إلى أصحابنا
بالنسبة إلى التزكية قال - أعلى الله مقامهم - بعد ذكر الخلاف في توقف
اعتبار الجرح والتعديل على ذكر السبب وما يتعلق به من اعتراض وجواب
ما هذا لفظه: " وكيف كان فهذا الخلاف في المخالفين اما أصحابنا
فالذي يظهر من تتبع طريقتهم في الرواة انما هو الاخذ بالاطلاق ما زالوا
يستندون في تعديل من يعدلون إلى الشيخ أو النجاشي أو ابن الغضائري
أو غيرهم من علماء الرجال فإذا رجعنا إلى أصولهم لم نجد في كلامهم
غالبا الا الاطلاق، غير أنهم لا يعولون إلا على أرباب البصائر التامة
في هذا الشأن دون من ضعف مقامه أو كثر خطأه إلا أن يذكر السبب
259

فيستنهضون السبب ويجعلونه ويجتهدون " (1) وهو حسن جيد
ويشهد له التتبع ومثل المقام غيره مما وقع فيه الخلاف (أو يقال)
بالقبول لو كان متعلق الشهادة بنفس المسبب، كالصحة والبطلان
والطهارة من الحدث أو الخبث والنجاسة إلى غير ذلك دون ما لو
كان بنفس السبب كالرضاع وشبهه لحصول الاختلاف فيه فلا بد من
التفصيل دون الأول إذ لا خلاف فيه وانما الخلاف في سببه والأقوى
هو الأول، والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وأيضا لو أراد العدالة عنده كأن يقول ثقة عندي حذرا
من التدليس والعادل لا يدلس مع أن رويتهم كذلك
فتأمل.
لا يخفى ان التدليس انما يتم لو كان للفظ ظهور ويراد خلافه
من دون قرينة تدل عليه اما مع عدم الظهور أصلا بل تردد اللفظ
بين معاني عديدة فهو كالمجمل أو منه وحينئذ فلا تدليس هذا إذا
لم يعلم رأى المعدل ماذا، أما لو علم فاللازم حمل اللفظ عليه إذ هو
الغرض والثمرة كما عرفت، وحينئذ فلا تدليس أيضا (فدعوى) التدليس
الموجب للحمل على الأكمل أو على الواقع المعتبر شرعا (في محل المنع)
ولعل الأمر بالتأمل إشارة إلى ذلك والله أعلم.

(1) راجع عدة الرجال للسيد محسن الأعرجي الكاظمي بعنوان
(الاكتفاء بالرواية في الجرح والتعديل). (المحقق)
260

(قوله أعلى الله مقامه):
وأيضا العادل إذا أخبر بان فلانا متصف بالعدالة شرعا
فيقبلون ولا يتثبتون فتأمل.
لا يخفى ان التثبت في خبر الفاسق انما هو لاحتمال الكذب وهذا
وإن كان منتفيا بالنسبة إلى خبر العادل لثبوت عدالته الموجبة لعدم الاعتناء
باحتمال الكذب بل اللازم تنزيل خبره منزلة المقطوع بصدقه في ترتيب
الآثار ولكن البحث في المقام لاستعلام مراده فيما شهد به كي يرتب
اثره لما عرفت من عدم النفع بشهادته بدون التفصيل إذ هي كالمجمل
أو منه وكونه مخبرا بالواقع لا ينفع في لزوم قبوله وتنزيله على الواقع
المعتبر شرعا وترتيب آثاره بعد ما عرفت من اختلاف الرأي والمذهب
في العدالة فلعل هذا المعدل أراد مالا ينفع منها كما يقول الشيخ فيها
من أنها ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق وليس لاحد ان يحمل
قوله عند إرادة التعديل على غير مذهبه، كالملكة لأنها أنفع أو لأنها
الواقع في معناها الذي هو المعتبر شرعا وهو الشرط في القبول على القول
باعتبارها فيه لوضوح انه لا فائدة في المذهب والرأي للشخص الا الحمل
عليه متى اطلق ولذا لا يعتبر المشهور في الشهادة بالرضاع الا المفصلة
كما سمعت وإن كان فيه ما فيه كما سمعت ولعل الامر بالتأمل إشارة
إلى ذلك والله أعلم.
261

(قوله أعلى الله مقامه):
وأيضا لم يتأمل واحد من علماء الرجال والمعدلين فيه
في تعديل الآخر من تلك الجهة أصلا ولا نشم رائحته مطلقا
مع اكثارهم من التأمل من جهات أخر، وهم يتلقون تعديل الآخر
بالقبول حتى أنهم يوثقون بتوثيقه ويجرحون بجرحه فتأمل.
لا يخفى أن هذا لو تم وكان مسلما على الحقيقة فأي معنى للتأمل
الذي صدر منه سابقا؟ فإن كان الغرض معرفة الحقيقة وهو لا يتم إلا
بإبداء الاشكال أولا وظاهرا، قلنا: هذا حق وهو المقصود والذي يجب
التصدي له، حيث أن العدالة مختلف فيها والشاهد إنما يشهد على رأيه
فيها فإن كان معلوما فذاك وإلا جاء الاشكال لعدم الانتفاع بشهادته
حينئذ ولعل الجل من المعدلين من هذا القبيل فلا بد من الجواب
(فقد يقال) بحمل التعديلات المجهولة على المتيقن الذي هو رأي الشيخ
ولكنك خبير بأنه غير نافع نفعا يعتد به بل هو قليل جدا فهو بحكم
العدم (أو يقال) بان قول الشيخ مقطوع بعدم إرادته للمعدل. وحينئذ
فينحصر الأمر بين القولين الأخيرين أعني حسن الظاهر والقول بالملكة
وظاهر انهما ليسا قولين مختلفين متقابلين متغايرين معنى بل مرجعهما
إلى قول واحد، وانما الخلاف في التعبير إذ القائل بحسن الظاهر انما
يريد الملكة وانما عبر بالطريق إليها الذي هو حسن الظاهر حيث يفيد الظن
بها فالكل يريد الملكة وعلى هذا فعدم التأمل من أحد في تعديل
الاخر في محله لمعرفة مراده المحمول عليه تعديله واما التوثيق بتوثيق
الغير والجرح بجرحه فإن كان المراد بمجرد توثيق الغير وجرحه فهو
262

تقليد صرف لا يجوز قولا واحدا. وإن كان من جهة كون التوثيق
من جملة الامارات الموجبة لإفادة الظن بالوثاقة فمسلم لو كان المراد
ترتيب الأثر دون غيره بحيث يكون معدلا وشاهدا بمجرد توثيق الغير
فإنه غير متحقق من بعضهم فضلا عن الكثير منهم أو الكل بحيث تصح
النسبة إليهم بقوله أعلى الله مقامه -: يوثقون حتى لو كان التوثيق
من الغير مفيدا للظن بالملكة إذ لا يصحح ذلك الشهادة بها لما عرفت
من اختصاص دليلها بالمقطوع به إن لم يكن بالمحسوس نعم ذاك يفيد
تريب الآثار كقبول خبره وشهادته والصلاة خلفه والتقليد له
لو كان مجتهدا إلى غير ذلك من الآثار ولعل الامر بالتأمل إشارة
إلى هذا كله أو بعضه والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
على أن المعتبر عند الجل في خصوص المقام العدالة بالمعنى
الأعم كما سنشير فلا مانع من عدم احتياج القائل بالملكة
أيضا إلى التعيين.
لا يخفى أن هذا لو سلم بان كان المعتبر عند الجل انما هو العدالة
بالمعنى الأعم أعني الشامل للامامي وغيره ولكن لم يعلم إرادة المعدل له
أو لما يتضمنه لاحتمال إرادة قول الشيخ أو حسن الظاهر اللذين لا يلازمان
ذلك المعنى المعتبر بناء على الفرق بين حسن الظاهر والقول بالملكة كما هو
ظاهر القولين وحينئذ فلا بد من التعيين بالتقييد والتفصيل والا فذاك
التعديل غير نافع كما عرفت أو ترجع إلى ما سمعت من الوجوه بل
نقول الظاهر من المعدل إرادة الشهادة بما يراه من العدالة عنده في حق
263

هذا الراوي الخاص سواء تضمن ذلك المعنى المعتبر بناء عليه أم لا
وحينئذ فالقائل بالملكة لا ينفعه هذا التعديل لعدم احرازها بتعديله
لعدم العلم بإرادتها لتردد مراده بينها وبين غيرها والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
على أنا نقول: أكثر ما ذكرت وارد عليكم في
عملكم، الخ.
لا يخفى انه بناء على قطعية الاخبار لا يأتي شئ من تلك الايرادات
المتعلقة بالصدور ككون التزكية من باب الشهادة وهى غير مقبولة في غير
المحسوس وكونها من شهادة فرع الفرع إلى غير ذلك فان الغرض
من التزكية انما هو إحراز الصدور فإذا كان الصدور محرزا بالقطع
فلا حاجة إليها ولا إلى ما يتعلق بها ولكن الشأن في حصول القطع
وموانعه كثيرة جدا إذ ما ذكرت من الأمور المانعة من الوثوق بالتعديل
والجرح من الاختلاف والخطأ والغفلة والنسيان والضبط إلى غير ذلك
يجرى كثير منه أو أكثره ان لم يكن كله بالنسبة إلى دعوى القطع
في الاخبار بل وربما يجرى غيره كمسألة تقطيع الاخبار وتلف كثير
منها كما ذكروا في كتب ابن أبي عمير من أنه جاءها السيل فاخذها (1)

(1) راجع: رجال النجاشي (ص 250) في ترجمة محمد بن أبي عمير
من قوله: " وروي انه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد
(وقيل) ان أخته دفنت كتبه في حالة استتارها وكونه في الحبس
أربع سنين فهلكت الكتب (وقيل) بل تركها في غرفة فسال عليها
المطر فهلكت فحدث من حفظه ومما كان سلف له في أيدي الناس
فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله ". (المحقق)
264

وربما كان ذلك سببا لارسال اخباره غالبا وحينئذ فلابد من التزام الظن
بالصدور كما يرى المجتهدون واما الدلالة فهي معتبرة وإن كانت ظنية
للاجماع من أهل اللسان على اعتبار الظواهر (ودعوى) القطعية كما وقع
من بعض كصاحب الوسائل مع أنه لا حاجة إليها (مكابرة) صرفة
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وأيضا ربما كان اعتماده عليه بناء على عمله بالروايات
الموثقة فتأمل.
لا يخفى انه لا ملازمة بين العمل بالموثقات وقبول توثيق هؤلاء
إذ لا يكون الخبر بواسطة توثيقهم من قسم الموثق اللهم إلا أن يقال
بعدم الفرق بين الموثق وبين المقام بعد توثيق هؤلاء إذ المناط في قبول
الموثق انما هو حصول الظن بالصدق بواسطة التبين الاجمالي الحاصل للموثق
فان الموثقات متضمنة لنوع من التبين وهذا بعينه موجود بواسطة التوثيق
المذكور كما لا يخفى والحاصل فلا يقصر الخبر بواسطة التوثيقات المذكورة
عن الموثقات ولكن لا يخفى ان العمل بتزكية مجهول العين غير جائز
لاحتمال وجود الجارح ونفيه بالأصل لا يجوز للعلم الاجمالي بكثرة
الجرح فلابد من اخراج المورد عن أطراف ذلك العلم الاجمالي إما
بالعلم أو بما قام مقامه نظير العمل بالعمومات قبل البحث عن المخصص
فإنه غير جائز للعلم الاجمالي بكثرة التخصيص وعدم إمكان البحث
لفرض مجهولية العين لا ينفع في قبول الخبر لفقد شرطه الذي هو
العدالة أو الوثاقة فهو كغيره من مجهولها وإن كان الجهل لتعذر
265

البحث عن هذا المزكى بعد الجهل بعينه ويمكن ان يقال: إن المراد
للمصنف ان التزكية بناء على كونها من قسم الخبر فالاعتماد على توثيق
هؤلاء يكون من باب العمل بالاخبار الموثقة بعد فرض وثاقة هؤلاء
في أديانهم وليس المقصود جعل الخبر الذي في طريقه هذا الموثق
بتوثيق هؤلاء من قسم الموثق حتى يرد عليه ما تقدم ولكن يرد عليه انه
تزكية لمجهول العين إذ الفرض سد الباب لمعرفة هذا الموثق إلا من جهة
توثيق هؤلاء وهو غير جائز لاحتمال وجود المعارض الذي لا يمكن
نفيه بالأصل للعلم الاجمالي بكثرة الجرح كما عرفت ولعل الامر بالتأمل
إشارة إلى هذا كله.
(قوله أعلى الله مقامه)
بل من باب رجحان قبول الخ.
المراد أن من اعتمد على توثيق هؤلاء ليس لحصول الوثاقة بتوثيقهم
بل قد يكون لحصول رجحان قبول الرواية بواسطة توثيقهم لكونهم
أهل الخبرة ومن أهل الاعتماد في أقوالهم فيفيد توثيقهم حسن الحال
هذا الموثق والاطمئنان بخبره فيكون خبره من قسم صحيح القدماء الذي
هو الموثوق بصدوره والمطمئن به، ولعل من هذا الباب ما عن العلامة
في ابن نمير (1) في مواضع من أنه يروى عن ابن عقدة عنه التوثيق ونحوه

(1) ابن نمير - هذا - هو عبد الله بن نمير أبو هشام الخارفي من
خارف همدان وهو من رجال العامة وقد وقع في طريق الصدوق
في باب ميراث الأجداد والجدات من كتابه (من لا يحضره الفقيه)
ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب وروى عنه جماعة منهم هشام -
266

فإنه ربما يظهر من بعض الاعتماد ولو كونه من المرجحات ويقرب
منه ما عن الشيخ رحمه الله - ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه)
إلا أن يكتفى بالظن عند سد باب العلم فتأمل.
لا يخفى أن القائل بانفتاح الظن عند انسداد باب العلم إنما
يريد انسداد باب العلم بأغلب الأحكام الشرعية الكلية بشروطه المذكورة
في بابه كما هي مقالة أهل الظن المطلق ومن اعتبر الشهادة في الراوية
كصاحب (المعالم) ومن تبعه لا يرى الانسداد بل يرى باب العلم
بالأغلب مفتوحا لقيام الظن الخاص عنده، وحينئذ فلا يكتفى بالظن
بالحكم وإن كان حاصلا بغير طريق الشهادة للراوي بل يرجع
إلى الأصل الجاري عنده في ذلك المورد كأصل البراءة واصل الإباحة
ونحوهما اللهم الا ان يقال بان الغرض للمصنف أعلى الله مقامه
انما هو انسداد باب العلم بالعدالة لا بالحكم ويكون الحاصل انه مع انسداد
باب العلم بالعدالة وتعذر الشهادة بها لعله يكتفى بالظن بها وإلا لزم
تعطيل الاحكام لكثرتها وعدم قيام موارد العلم والشهادة بها، وإن قلنا
بانفتاح الأغلب لبقاء العلم الاجمالي ببقاء جملة من الاحكام وراء ذلك
مضافا إلى تناول الأدلة الدالة على اعتبار قول العادل لذلك وقد يقال
بأنه مع ذلك لا ينفتح باب الظن كما لا ينفتح في موارد الدعاوي

- ابن عروة والأعمش وابنه محمد واحمد وابن معين توفي
سنة 199 ه‍ وله أربع وثمانون سنة. (المحقق)
267

والخصومات والمرافعات لو؟؟ انتفت البينات ولكن لا يخفى الفرق لانحصار
باب القضاء بالبينات والايمان كما يدل عليه الخبر " انما اقضي بينكم بالبينات
والايمان " فإذا انتفت البينات وجب الرجوع في الحكم إلى الايمان
ولا يجوز الحكم للمدعى أو لاحد المدعيين بمجرد الظن بصدقه اجماعا
بخلاف المقام فان الرجوع فيه إلى الظن ممكن لتحقق موضع العدالة
والعادل به لتعسر العلم بها إن لم يكن متعذرا في الأغلب بل الكل الا
النادر من عموم البلوى أو البلية بها كما لا يخفى وحينئذ فيعتبر قول
مظنونها لشمول الأدلة الدالة على اعتبار قول العادل له، كما يعتبر قول
من قامت البينة على عدالته من غير فرق بينهما أصلا ولا ينافي ذلك
اعتبار الصحيح الاعلى عند هذا القائل كما هي مقالة هذا القائل إذ ذلك
مع امكان البينة والا وجب الرجوع إلى الظن مع امكانه ولعل الامر
بالتأمل إشارة إلى ذلك.
(قوله أعلى الله مقامه):
لعدم حصول ظن بالعدالة المعتبرة لقبول الخبر عندهم
لا يخفى ان صحيح القدماء ليس إلا ما يوثق بصدوره ويطمأن به
ومن الواضح ان ذلك لا يلازم عدالة الراوي وكون الخبر صحيحا
على اصطلاح المتأخرين كما هو واضح، فلذلك لا يحصل الظن بعدالة
الراوي من قول المشايخ ان الاخبار التي رويت صحاح أو مأخوذة
من الكتب المعتمدة وغير ذلك.
(ووجه آخر) وهو انه لو فرض حصول الظن بالعدالة للمشايخ
الشاهدين بالصحة وغيرها فلا يلزم حصوله لنا وإذا لم يحصل فلا وجه
268

لقبول تلك الأخبار وإن كانت صحاحا عندهم لفقد الشرط عندنا بناء
على اعتبار العدالة في القبول ولو بالمعنى الأعم الذي يراه الشيخ ومن تبعه
شرطا كما هو الوجه والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
أو لم تبق عليه.
المراد ان هذه الأخبار التي شهد المشايخ بصحتها والاعتماد عليها
كانت كذلك في زمنهم وما قاربه لقرب عهدهم وتيسر القرائن الموجبة
لظنها والوثوق بها التي (منها) عدم تقطيع الاخبار الذي جاء منه الاضمار
في كثير من الأخبار الموجب للتوقف فيها بل ورد كثير منها.
(ومنها) اضمحلال الأصول الأربعمائة في هذه الأزمنة وما شابهها
الموجب لعدم الاطمئنان بما في أيدينا أو لعدم مساواته لما لو كانت موجودة
ميسورة لنا منضمة إلى غيرها من الإمارات والكتب التي فقدت ككتب
ابن أبي عمير وغيره إلى غير ذلك من موجبات الصحة والوثوق والاعتماد
التي كانت هي المنشأ في تلك الشهادة من أولئك المشايخ العظام والعلماء الأعلام
ومن هنا ادعى الشيخ الحر وغيره قطعية الأخبار (1) لقرائن كثيرة
أقاموها وامارات جمة بينوها حسبوا أنها بلغت تلك الدعوى فتجاسروا
عليها وادعوها غير مكترثين بها ولا متهمين أنفسهم عليها وقد
عرفت سابقا أنها من الخطأ بمكان.
(نعم) هي بعد التأمل بها غاية ما تفيد لنا الظن بها في الجملة

(1) ادعى بالحر ذلك في آخر الرسائل في الفائدة السادسة
(المحقق)
269

لكن لا كالظن الحاصل لأولئك المشايخ بل هو بالنسبة إليهم لعله متفاوت
جدا شدة وضعفا من جهة القرب والبعد لزمن الصدور وزيادة الاطلاع
على الامارات التي لها دخل في ذلك وقلته وزيادة الأسباب والمقتضيات
للظن والاطمئنان وقلتها إلى غير ذلك ولذا كان الصحيح عند القدماء
والمقبول عندهم هو ذلك أعنى ما كان موثوقا به مظنونا بصدوره
ولا كذلك في أزمنة المتأخرين لذهاب الأكثر من تلك القرائن إذا
لم يكن كلها، فلذلك ذهب ذلك الظن وذلك الوثوق الذي كان حاصلا
لأولئك السابقين ولذا أحدث العلامة وشيخه ابن طاووس الاصطلاح
الجديد وهذا هو العذر لهم والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
نعم يتوجه عليهم ان شمول نبأ الخ.
حاصل ما يريد ان المكتفين بالظن الحاصل من تعديل المعدلين من مثل
ابن عقدة وابن فضال وغيرهم ممن ماثلهم في سوء العقيدة إن كان الوجه
فيه منطوق آية النبأ (1) فهو محل تأمل بل منع لعدم العموم فيها بحيث
يشمل ما نحن فيه إذ كل من النبأ والفاسق فيها نكرة في سياق الإثبات
وهو غير عام بل الغرض منها بيان حكم مورد خاص كما يقضى به
ملاحظة سبب نزول الآية الذي هو إخبار (الوليد) بالردة التي لا يناسبها
الاكتفاء بالظن بل لا بد فيها وفى المؤاخذة عليها من العلم كما هو

(1) آية النبأ هي الآية السابعة من سورة (الحجرات) وهى
قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا
قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " (المحقق)
270

مقتضى التعليل فيها الذي هو الوقوع في الندم وإذا لم يكن ثمة دليل
فاللازم عدم الاكتفاء بتلك الظنون بل لا بد من العلم كما هو مقتضى
الأصل الأولي القاضي بحرمة العمل بكل ظن حتى الظنون الرجالية أصلا
وكلية ولكن لما خرج كثير منها بالاجماع وسد باب العلم ولزوم
تعطيل الاحكام لو اقتصرنا على موارد العلم فالواجب الاقتصار فيما
خالف الأصل على المتيقن فيبقى ما عداه على حكم الأصل باقيا ومنه
الظنون الحاصلة من مثل ابن عقدة وابن فضال ونحوهما هذا بملاحظة
شأن نزول الآية والعلة المذكورة فيها وبملاحظة كون البناء في الفقه
جاريا على الظنون والاكتفاء بها والاعتماد عليها وان العدول وهم المشايخ
الذين أخبرونا بصحة تلك الأخبار التي رووها قد تثبتوا غاية التثبت
كما تقتضي به شهادتهم يتجه العمل بتلك الظنون الحاصلة من تلك التوثيقات
وإن لم يحصل بها العلم كما هو مقتضى التعليل ولا كان الموثق من العدول
الذي لا اشكال ولا خلاف في اعتبار الظن من قوله بل لا إشكال
في اعتبار قوله وان لم يفد ظنا إذ لا دليل على اشتراط العدالة
والاجماع المدعى على اشتراطها منقول بخبر الواحد وهو غير حاصل لنا
بحيث يكون حجة علينا بل هو محل شك بل مع ملاحظة حال القدماء
ربما يحصل لنا الحكم بعدم اعتبارها في قبول الخبر لبنائهم على اعتبار
مظنون الصدور والموثق به وان لم يكن راويه عدلا فبملاحظة هذا كله
يقع لنا الشك والتأمل فيما ذكرتم من الاكتفاء بالظنون (إلا أن الإنصاف)
رجحان الوجه الثاني فان بناء الفقه على الظنون وأمرها يستقيم بدونها فإنه
لا يتم منها حكم من الاحكام الكلية بل والجزئية بدونها وبدون ضم
الأصول إليها كما سينبه عليه فيما بعد والجواب عن الآية سيذكره
فيما بعد.
271

(وحاصله) منع عمومها لما نحن فيه إذ الفاسق فيها نكرة في سياق
الإثبات وهو غير عام.
(ودعوى) العموم بطريق الحكمة، (في محل المنع) في غير ظواهر
القرآن من العمومات والاطلاقات التي سبقت لبيان ظاهرها لا لحكم آخر
فكيف فيها التي لم يقصد منها إلا أصل التشريع وبيان الحكم في الجملة
فهي أشبه بالقضايا المهملة والتعليل فيها لعلة مقصور على مثل موردها.
(ودعوى) التعدي وظهور عدم الخصوصية بحيث يشمل المقام
(في محل المنع) لقيام احتمال الخصوصية بل رجحانها لوضوح الفرق
بين قتل جمع كثير من المسلمين وسبى نسائهم ونهب أموالهم بخبر واحد
فاسق فلابد من التبين إلى حد العلم كما أمر سبحانه وبين المسائل الفقهية
التي ثبت فيها جواز التعبد بالظن وورد الشرع به بل لا يستقيم امرها
إلا به في أمثال أزمنتنا بل وفى زمن الشرع مع العذر في خطئه والثواب
عليه لما لحقه من المشقة في استفراغ وسعه كما ذكر ذلك مفصلا فيما
بعد فلذلك أمر أعلى الله مقامه - بالتأمل لعدم تمامية ما ذكره رادا به
على المكتفين بالظنون فقوله أولا " نعم يتوجه عليهم، الخ، قد تبين
وظهر عدم اتجاهه كما عرفت، والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
فان قلت النكرة في سياق الاثبات وإن لم تفد العموم.
حاصل الغرض من هذا الايراد إرادة احكام القول باعتبار العلم في التبين
عن خبر الفاسق مطلقا أعني من غير فرق بين ما كان من قبيل مورد الآية
الذي هو الإخبار بالردة وغيره حتى ما تعلق بالتزكية الذي نحن فيه
272

وبيان ذلك أنه بعد الغاء الخصوصية للمورد لظهور عدمها بملاحظة التعليل
الذي هو خوف الوقوع في الندم بارتكاب ما ليس بمعلوم الذي لا فرق فيه بين
المورد وغيره والموضوع في الآية وان لم يكن في نفسه عاما ومن ألفاظ
العموم الا انه راجع إليه بطريق الحكمة إذ الحكم إذا علق على مطلق وماهية
كان الموضوع لذلك الحكم تلك الماهية من حيث هي، وحينئذ فيجرى
ذلك الحكم في جميع افرادها لحلول تلك الماهية في كل فرد لها فاللازم
حينئذ اتباع هذا العموم ومقتضى هذا التعليل الذي هو اعتبار العلم في التبين
عن خبر كل فاسق حتى في التزكية التي نحن فيها، فلا وجه لقولكم
بالاكتفاء بالظن فيها حتى من الفاسق، وكون البناء في الفقه على الظن
لا يقضى برفع اليد عن هذا العموم وهذا التعليل القاضي باعتبار العلم وكذا
لا يرفع اليد عن الاجماع المدعى للشيخ وغيره على اعتبار العدالة في الراوي
(ولو قلت) ان العدول وهم المشايخ - أخبرونا بالتثبت لشهادتهم
بصحة تلك الأخبار:
(قلنا) ان ذلك لا يفيدنا العلم لاحتمال الخطأ والاشتباه فليس لنا
التعويل على أخبارهم مع عدم حصول العلم به لاحتمال الوقوع في الندم
الذي هو مقتضى التعليل وحينئذ فيبقى الاجماع المدعى على اعتبار العدالة خليا
عن المعارض إذ المخبر به عادل بل عدول فيقبل من دون تبين هذ
حاصل هذا الايراد ومقتضاه اعتبار العلم في التبين عن خبر الفاسق مطلقا
ثم أجاب - أعلى الله مقامه - بما حاصله كفاية الظن في التبين وعموم
الآية غى محل المنع كما عرفت سابقا وذكره مفصلا في الجواب فلاحظ
وتأمل جدا والله أعلم.
273

(قوله أعلى الله مقامه)
وكونه في الباقي حجة لا بد من تأمل
الوجه عدم الحجية في العلة المخصوصة (كما حققناه في محله) لبطلان
كونها منشأ للحكم الذي هي علة له إذ بعد فرض تخصيصها وخروج
بعض المسمى منها كيف يكون المسمى من حيث كونه مسمى هو المنشأ
والعلة في ذلك الحكم بل ذلك يكشف عن كون المنشأ في ذلك الحكم
والعلة فيه المسمى المستفاد وشيئا آخر وهو خلاف الفرض إذ المفروض
ان العلة في ذلك الحكم هو نفس المسمى دون غيره كما هو ظاهر التعليل
بها فعدم اعتبارها وعدم حجيتها بعد تخصيصها للمنافاة الظاهرة بين كونها
علة وتخصيصها ولا كذلك العمومات بعد تخصيصها إذ لا اشكال فيها
أصلا لعدم المنافاة فيها رأسا كما هو واضح وحينئذ (فالقول) بان
حال العلة حال العمومات في الحجية بعد التخصيص إذ هي في المعنى عام
فحالها حاله ويصيبها ما يصيبه كما صدر عن بعض الفضلاء (كما ترى) في محل
المنع والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
على أن قبول قول خصوص العادل يكون حينئذ تعبدا
وستعرف حاله إلخ.
هذا هو الظاهر إذ لا خصوصية للعدالة في قبول الخبر بل المدار
على وثاقته وصدقه وتحرزه عن الكذب وليس اعتبار العدالة الا لهذا إذ
لا حاجة في الخبر إلا إليه ولذا نقول باعتبار اخبار جميع المتحرزين
274

عن الكذب بحيث عرف من حالهم الصدق وان عرفوا بسوء العقيدة كالواقفية
والفطحية وغيرهم إذ لا منافاة في قبح العقيدة لقبول الخبر بل على
ذلك طريقة العقلاء ولذا ادعى الشيخ الاجماع على قبول اخبار جماعة
هذه صفتهم (وقد حققناه ذلك في رسالة في الاخبار) والمتحصل هو هذا
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
سيما على القول بان العدالة حسن الظاهر أو عدم ظهور
الفسق.
قد عرفت ان إرادة الأخير من المعدلين والموثقين لاخفاء في فساده
كما اعترف به سابقا وصرح به واما الأول فالظاهر بل لعل المقطوع به
إرادة الطريقية منه للملكة التي هي العدالة وليست العدالة هي نفس حسن
الظاهر وان لم يكشف عن الملكة بل ومع فقدها لكنا نقول بان العادل
لعدالته مقبول الخبر من دون تبين أصلا (نعم) الفاسق لابد في قبول
خبره من التبين الظني الاطمئناني بحيث يطمئن به العقلاء ولا يرتابون في العمل
به والتعويل عليه وان لم يحصل إلى حد القطع بل كان احتمال الكذب
ضعيفا جدا لا يلتفت إليه وهذا هو الضابط فلابد من مراعاته والله أعلم
(قوله أعلى الله مقامه):
إلا أن يقال الفاسق من حيث إنه فاسق لا يحصل الظن
القوي منه.
لا يخفى ان هذا من الاحتمالات الواهية التي لا ينبغي التعرض لها
ولكن المصنف أعلى الله مقامه - أراد التنبيه على كل ما يحتمل أو يقال
275

وإن كان واضح الفساد بين البطلان طلبا لايضاح المطلب بأكمل وجه
وسيأتى منه عن قريب التعرض لبيان فساده بقوله فيما بعد " على أن
الفاسق الذي لا يحصل الظن من خبره هو الذي لا يبالي في الكذب اما
المتحرز عنه مطلقا أو في الروايات فمنع حصوله منه مكابرة سيما الفاسق
بالقلب لا الجوارح ".
(قلت) وكلما زاد الفاسق تحرزا عن الكذب وتحاشيا عنه
زاد الوثوق بخبره والاطمئنان بقوله، ومن هذا الباب اخبارا الموثقين
وأعاظمهم كعبد الله بن بكير وأمثاله الذين بلغوا في الاعتماد والقبول
مراتب عالية ولذا ادعى الكشي اجماع العصابة على تصحيح ما يصح
عن جماعة منهم عبد الله بن بكير.
(قوله أعلى الله مقامه):
لكن المتبادر من الفاسق فيها والظاهر منه هنا من عرف
بالفسق.
هذا في محل المنع إذ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ولا خصوصية
لهذا اللفظ ولا دخول للعلم والمعرفة فيها وانما العلم طريق لها محرز
للموضوع المترتب عليه حكمها إذ التكليف بالحكم موقوف على اثبات
موضوعه فلابد من اثباته بطريقه وهو العلم أو ما قام مقامه فان ثبت
فذاك والا فان ثبت موضوع العادل فواضح أيضا وان لم يثبت شئ
بل كان هذا الموضوع المبتلى به مجهولا فلا يجوز قبول خبره والتعبد به
لإصالة حرمة العمل بالظنون وما وراء العلم التي قامت عليها الأدلة الأربعة
وحكم بها العقل والشرع والاجماع فلابد من الخروج عنها اما بالتبين
العلمي أو التبين العقلائي بحيث يكتفون به في أقوالهم واخبارهم بناء
276

على أنه حجة شرعية كما هو الظاهر والا فلا يجوز العمل بقوله والتدين
به مع كونه مجهولا لم يتبين حاله ولم يظهر امره لفقد الدليل والأصل
عدم الحجية وحينئذ فالمجهول من الرواة لا يجوز قبول خبره فما يظهر
من (المصنف) من الميل إلى القول بحجيته بقول؟؟ مطلق مما لا وجه
له أصلا.
(نعم) بناء على القول بالظن المطلق في الاحكام كما يراه يتجه
ذلك لكن يدور الامر على ما يراه من الظن المنفتح عنده اما بالأحكام
أو بالأدلة أو بهما على الاحتمالات والأقوال التي نحن في غنية عنها لظهور
انفتاح باب العلم بمقدار لا يضر اجراء الأصول فيما عدا المفتوح (كما حققناه
في محله) (1) والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
على أن المستفاد حينئذ عدم قبول خبر الفاسق لاشتراط
العدالة والوساطة بينهما موجودة قطعا.
قد عرفت وتبين لك حرمة العمل بالمظنة وما وراء العلم مطلقا فاللازم
الاقتصار على ما خرج بالدليل عن ذلك الأصل وتلك القاعدة فان قلنا
باشتراط العدالة كان اللازم قبول خبر العادل دون غيره مطلقا وإلا كما
هو الوجه - كان الخارج - مضافا إلى العادل - ما تحقق فيه العنوان المستفاد
من دليل ذلك الحارج من باقي الأقسام الأربعة على اصطلاح المتأخرين

(1) لعله يشير بذلك إلى رسائله في الأصول العملية والتي كتبها بطلب
من السيد المجدد الكبير الحسن الشيرازي والتي فرغ منها في سنة 1282 ه‍.
(المحقق)
277

أو مطلق المتحرز عن الكذب أو صحيح القدماء إلى غير ذلك مما يراه
المستفيد وذلك المحصل ولا دخل في ذلك للقول بالواسطة وعدمها بل
لا فرق في ذلك بين القول بالواسطة وعدمها لوضوح انه ما عدا ذلك
الخارج بعنوانه المستفاد من دليله فاللازم فيه الاجتناب وعدم جواز العمل
مطلقا فتأمل جيدا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
أو تخصيصه بالعدالة بالمعنى الأعم فتأمل
لعله أعلى الله مقامه أشار بالتأمل إلى أن هذا التخصيص تجوز صرف
وخلاف الظاهر فكيف يجوز (والجواب) بأنه لا بأس به بعد قيام
القرينة بل القرائن من الشيخ عليه فاللازم هو الحمل عليه كغيره
من المجازات المحفوفة بالقرائن والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
بل على تقدير اعتماد الكل أيضا لعل الامر كذلك فتأمل
هذا كما يقول أعلى الله مقامه إذ اطلاق لفظ الثقة ينصرف إلى
غيره وان فرض اعتماد الكل عليه في أقواله ورواياته إذ اعتمادهم
عليه بعد فرض فسقه انما هو من جهة أقواله لظهور صدقه وضبطه فيها
وما كان اعتمادهم عليه على الاطلاق حتى يناسبه اطلاق لفظ الثقة عليه
المساوي ظاهرا وبحسب الاصطلاح المتأخر على الظاهر - للفظ العدل
وان اطلق أحيانا على غير العدل الإمامي فإنه للقرينة واما مع عدمها
278

فاطلاقه تدليس ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى أن اعتماد الكل لا يرفع
التدليس فلو قال قائل بأنه لا تدليس بعد اعتماد الكل قيل له لا وجه
له والله أعلم (1).
(قوله أعلى الله مقامه). ولا يخفى ان الروية المتعارفة المسلمة المقبولة انه إذا قال
عدل إمامي - النجاشي كان أو غيره فلان ثقة انهم
يحكمون بمجرد هذا القول بأنه عدل إمامي كما هو ظاهر
اما لما ذكر - إلى قوله - على منع الخلو.
لا يخفى ما في هذه الوجوه التي ذكرها لاختصاص لفظ ثقة حيث
يذكر بالعدل الامامي من كون الظاهر من الرواة التشيع وكون الظاهر
من التشيع حسن العقيدة إذ دعوى الظهور في المقام غير مناسب
إذ لا لفظ هناك للتشيع حتى يحسن فيه دعوى ظهوره في ذلك لو سلم
الظهور إلا أن يريد من الظهور الظن بواسطة الغلبة للتشيع في ذلك
أعني في حسن العقيدة لو سلمت الغلبة ومثله دعوى الانصراف إلى الكامل
فإنها في محل المنع بل لا يلتزم هو مبه في سائر المطلقات بل اللازم
في المطلقات حملها على المعنى الأعم إذ هو الموضوع له اللفظ بعد فرض
اطلاقه الا أن يكون هناك انصراف لبعض الافراد بواسطة شيوع ذلك
المطلق في ذلك الفرد من جهة غلبة وجود ذلك الفرد في الخارج وغلبة

(1) إلى هنا انتهى المصنف مما علقه على الفائدة الأولى من الفوائد
للوحيد البهبهاني طاب ثراه وفيما يلي شرع في تعليقه على الفائدة
الثانية منها. فلاحظ. (المحقق)
279

استعماله فيه إلى حد حصل الانصراف فإنه حينئذ فإنه يجب حمل ذلك المطلق عليه
وهو في المقام غير موجود الا بدعوى الاصطلاح فإنها غير بعيدة بل لعله الظاهر
وان أمكن المناقشة فيه إذ قد ينافيه اطلاق هذه اللفظة من بعض على غير
العدل الامامي كما صدر من العلامة رحمه الله - في خلاصته ولذا أنكر الشيخ
البهائي دعوى هذا الاصطلاح لكن الظاهر ثبوته بين المتأخرين والاطلاق
من بعض على غير الامامي غير قادح في الاصطلاح إذ هو مع القرينة
والمدعى مع التجرد عنها واما دعوى الاصطلاح حتى بين المتقدمين منهم
كالشيخ والنجاشي والمفيد ومشايخهم ومن تقدم عليهم فغير معلوم إذ
لا يزيد لفظ الثقة على العدل وقد عرفت مذهب الشيخ فيه وانه ظاهر
الاسلام مع عدم ظهور الفسق الشامل للعدل الامامي والموثق وغيرهما
مع أنه لا يعتبر عنده في قبول الخبر العدالة بالمعنى الأخص بل يكتفى
بالأعم فتدخل الموثقات جميعا بل يكفي عنده مطلق التحرز عن الكذب
فالانصاف ان دعوى الاصطلاح في الجملة مسلمة واما غيره من
الوجوه فهو محل غش كالذي ذكره المحقق الشيخ محمد (1) ونقله
عن جماعة من المحققين من أن ديدن النجاشي إذا قال: " فلان ثقة " ولم
يتعرض إلى فساد عقيدته ارادته العدل الامامي إذ ديدنه التعرض إلى الفساد
لو كان فعدمه ظاهر في عدم ظفره وهو ظاهر في عدم وجوده لبعد
وجوده مع عدم ظفره لشدة بذل جهده وزيادة معرفته لوضوح ان
ذلك لا يفيد اعتمادا بحيث يكون الراوي عدلا اماميا ويكون خبره من قسم
الصحيح فيكون حجة وراجحا في مقام التعارض إلى غير ذلك من ثمرات
الصحيح إذ لم يثبت إرادة هذا القائل وهو النجاشي أو غيره من علماء

(1) الشيخ محمد - هذا - هو ابن الشيخ حسن ابن الشيخ زين الدين الشهيد
الثاني - رحمهم الله -. (المحقق)
280

الرجالية وكان عدلا اماميا كما يقول (المصنف) وتبعه في ذلك (السيد
المحسن في رجاله) ردا قول من خصصه بالنجاشي كما يقضى به ظاهر
المحكى عن المحقق الشيخ محمد ونقله عن جماعة كما سمعت فإنه بمجرد
هذا القول من قائله لم يثبت إرادة هذا المعنى المستظهر وانما هو مجرد
ظهور كونه مرادا له وهو غير كاف في شهادة هذا المريد أو اخباره
بالعدالة بالمعنى الأخص لو قلنا بان التزكية من أحدهما حتى يكون قوله
نافعا لنا ونرتب عليه آثاره.
(نعم) هو نافع على القول بان التزكية من الظنون الاجتهادية
إذ قد يحصل لنا بواسطة قول النجاشي مثلا مظنة بحسن حال الرجل
المقول فيه هذا اللفظ أو وثاقته بالمعنى الأعم أو الأخص فيحصل
هناك اعتماد ما، ولعل هذا هو المراد للمصنف بل والمحقق أعلى الله
مقامهما والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
أو لغير ذلك
لعل المراد من غير ذلك كون حذف المتعلق مفيدا للعموم فيكون
مراد القائل: " ثقة " انه موثوق به من كل جهة في حسن عقيدته وافعاله
وتجنبه للمعاصي والمحرمات من الكذب وغيره والمنافات لقبول قوله وشهادته
فيكون هذا اللفظ أعني الثقة - كالمرادف للفظ عادل، والله أعلم.
281

(قوله أعلى الله مقامه):
نعم في مقام التعارض بان يقول آخر فطحي مثلا يحكمون
بكونه موثقا معللين بعدم المنافاة ولعل مرادهم عدم معارضة
الظاهر النص وعدم مقاومته الخ.
حاصل المراد ان النص لا يعارض الظاهر وان نافاه في الدلالة
بل اللازم فيهما الجمع بتقديم النص على الظاهر والتصرف في الظاهر
كما هو الشأن في مواردهما كالعام والخاص فإذا كان في كل من المتعارضين
نصوصية من جهة وظهور من أخرى أخذنا بالنصوصية وطرحنا الظهور
من الجانبين وما نحن فيه من هذا الباب فان لفظ ثقة نص في معناها
الذي هو التوثيق وظاهر بواسطة الروية المسلمة في كونه اماميا ولفظ
فطحي نص في فساد المذهب ولعله ظاهر في عدم ثبوت العدالة أصلا
أعني حتى في اخباراته على تأمل في ثبوت ذلك عند قائله، إذ لعله يرى
ثبوتها في رواياته وهذا معنى قوله فيما بعد " مع تأمل فيه " أي مع تأمل
في هذا الظهور بالنسبة إلى قائله وعلى هذا فلو فرض الظهور طرحناه
وأخذنا بالنصوصية من الجانبين وحينئذ فيكون الحاصل انه فطحي موثوق
به وهذا معنى تعليلهم بعدم المنافاة الا ان الوجه خلافه بل اللازم
في مقام التعارض والتنافي بين القولين بالنصوصية من الجانبين أو الظهور
كذلك أو الظهور من أحدهما دون الاخر انما هو اتباع ما هو الأقوى
من القولين لاعتضاده بمرجحات تخصه ككونه أعلم وأخبر وأتقن وأمتن
في هذا الفن وأزيد اطلاعا وأوسع باعا إلى غير ذلك من المرجحات
كما هو الشأن في سائر العلوم بل وكافة الصنايع لبناء العقلاء على ذلك
282

ولذا نقول بتعيين الرجوع في التقليد إلى الأفضل كما هو الأقوى والمشهور
ابتداء وفى غير مقام التعارض فكيف معه، إذ لا يبقى مع معارضة الأفضل
لغيره ظن بغيره ولا وثوق فكيف تترك العقلاء ما فيه الوثوق مع امكانه
وتيسره وترتكب ما ليس فيه وثوق بالمرة بل محض احتمال ووهم بل قد
يكون مع الريب والاضطراب ان هي الا فرية بينة يبرأ من دعواها
من تأملها.
مع أن التزكية بناء على انها من الظنون الاجتهادية كما هو الظاهر
لا مناص عن القول بذلك كما هو واضح وحينئذ فالقول بتقديم الجارح
مطلقا في غير محله.
(ودعوى) انه اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل فلا منافاة بين
القولين إذ مرجعهما على هذا إلى أدرى ولا أدرى (في محل المنع) إذ
هو لا يلائم القول في العدالة بالملكة كما هو الظاهر لوضوح المنافاة بينهما
بناء عليه مع أن كونه اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل انما يتم لو كان هو
الا خبر وهذا ما نقول من تعيين الرجوع إلى ما اعتضد بامارة الرجحان
من كونه أخبر وغيره مما يوجب المظنة والوثوق بقوله من غير فرق بين
الجارح أو المعدل واما تقديم الجارح مطلقا فلا كما لا وجه للقول
بالجمع بين القولين تحكيما للنص على الظاهر فيحكم بكونه ثقة في دينه كما
هو الشأن في الاخبار المتعارضة بمثل ذلك لوضوح الفرق بين المقامين
إذ الجمع في الاخبار لو كان التعارض من هذا الباب أعني بين النص
والظاهر كالعام والخاص والمطلق والمقيد انما هو لحكم أهل اللسان
بعد تنزيل الكلامين بمنزلة كلام واحد لمتكلم واحد لا يجوز عليه العدول
فيكون بعضه وهو النص قرينة للظاهر ومن الواضح ان هذا لا يأتي فيما
نحن فيه إذ لا يكون كلام شخص قرينة لآخر مع إمكان الاختلاف
283

في الرأي والاجتهاد فلا وجه للجمع بما ذكروا مع تعدد المتكلم بل
ولا مع اتحاده وتعدد الكتاب المتضمن للجرح والتعديل لانفتاح باب
العدول وتبدل الرأي بل ومع اتحاد الكتاب أيضا كما هو واضح جدا
فالوجه حينئذ انما هو الرجوع إلى الامارات والمرجحات واتباع ما هو
الأقوى كما اختاره (المصنف) فيما بعد ونقله عن الأكثر ومع فقد
المرجحات وفرض التساوي فلا يقال بالجمع المتقدم كما نقله فيما بعد
عن الأكثر واستظهره حيث قال فيما بعد: " لعل الأكثر على الثاني
وأنه هو الاظهر " الخ كما عرفت ما فيه، فلا وجه للقول به كما
لا وجه لاحتمال التخيير أو القول به كما في الاخبار المتعارضة لو تكافأت
وتساوت من جميع الوجوه، إذ التخيير هناك انما هو للتعبد البحت
للأخبار المستفيضة جدا ان لم تكن متواترة المعتضدة بفتوى المشهور جدا
ان لم يكن الكل وهو غير آت في المقام وشبهه كتعارض الأقوال
في اللغة بل اللازم في مثله الرجوع إلى الأصول والقواعد في ذلك المورد
ومنها الاخذ بالمتيقن من القولين إن كان ككونه ثقة في الجملة ولو
في إخباراته ورواياته وانه متحرز عن الكذب وقلنا باعتباره كما هو
الظاهر واما مع عدم تحقق متيقن في الجملة بحيث يكون الخبر بسببه
معتبرا بل الامر دائر بين مقبول ومردود فلا اشكال في سقوط الخبر
عند ذلك عن الاعتبار لعدم احراز ما هو الحجة لنا فكيف يجوز العمل
ولا حجة كما هو واضح والله أعلم.
284

(قوله أعلى الله مقامه):
أو يكون ظهر خلاف الظاهر واطلع الجارح الخ.
لعل هذا عطف على قوله سابقا: " ولعل مرادهم " في بيان عدم
المنافاة التي عللوا بها ويكون حاصله ان عدم المنافاة لامرين:
(الأول) عدم معارضة الظاهر للنص بل اللازم الجمع بينهما
كما عرفت وعرفت ما فيه.
(والثاني) ان المنافاة انما تكون حيث يكون ما اطلعا عليه وشهدا به
أمرا متحدا وكان موردا للنفي والاثبات فهناك تكون المنافاة حاصلة
اما لو كانا أمرين متغايرين فلا وما نحن فيه من هذا الباب إذ المعدل
اطلع على وثاقته فأخبر بها والجارح اطلع على كونه فاسد المذهب
لكونه فطحيا مثلا فأخبر به وحينئذ فعلينا العمل بهما لعدم المنافاة
فنقول هو فطحي ثقة لعدم انحصار الوثاقة بالامامي
ولكن لا يخفى ان هذا مناف لما تقدم من أن الروية المسلمة في قول
القائل: فلان ثقة الحكم بأنه عدل امامى وحينئذ فلا يمكن الجمع بينهما
لوضوح المنافاة إذ الثقة على ما تقتضيه الروية المسلمة يقضى بكونه عدلا
اماميا وحينئذ فلا يكون فطحيا كما يقول الجارح فأين الجمع بينهما؟
بل هو غير ممكن إذ كل منهما ناف لما يقول الاخر وعلى هذا فليس
الجارح قد اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل بل كل منهما طالع على ضد
ما اطلع عليه الاخر فكل منهما ناف لما يقول الاخر حتى بالنسبة
إلى العدالة المرادة من لفظ ثقة المشهود به بناء على الملكة إذ الظاهر أن
الجارح بالفطحية لا يشهد بها ولا يريدها إلى هذا الحد إذ غاية
285

ما يريد انه فطحي وإن كان ثقة في دينه وهذا معنى قوله فيما بعد
لا يخلو من اشكال إذ الجارح بالفطحية لا يلائمه القول بالملكة
في معنى العدالة على الظاهر وان احتمل لامكان حصولها لغير الامامي
ولكن لا بد من اتحاد الجرح والتعديل في المذهبين فلو اختلف لم تتحقق
العدالة لمعنى الملكة على ما هو المراد عندهم اللهم الا ان يقال بان مبنى
العدالة المشهود بها على الظهور بواسطة غلبة التشيع والجارح اطلع
على خلاف هذا الظهور وهذا معنى قوله أو يكون ظهر خلاف الظاهر
أي ظهر للجارح خلاف ما ظهر للمعدل وحينئذ فلا تنافى في الجمع
بينهما إذ مرجعهما إلى أدري ولا أدري.
(نعم) على فرض ثبوت الاصطلاح في لفظ ثقة وانه مختص
بالامامي يكون الجمع غير ممكن لحصول التنافي بينهما كما هو واضح.
(ويحتمل) عطف قوله أو يكون على قوله سابقا الا ان
لا يكون مضرا الذي رفع به احتمال كونه من التدليس ويكون
حاصله ان احتمال كونه من التدليس مندفع بأمرين على وجه منع الخلو.
(الأول) ان التدليس انما يكون مع عدم اعتبار الموثق وليس
كذلك بل هو معتبر عند الكل كما يقضى به اجماع الشيخ على قبول اخبار
الطاطريين وبنى فضال وأمثالهم أو انه الحق وإن كان محل خلاف
كما هو ظاهر وإذا كان معتبرا فلا تدليس إذ الغرض من التوثيق
في الرواية انما هو قبول الخبر وهو حاصل على كل تقدير أعني حتى
مع فساد العقيدة.
(الثاني) ان التدليس اظهار ما هو خلاف الواقع عنده بحيث
يكون الواقع عنده مخالفا لما أظهره وهذا غير حاصل من المعدل
إذ غاية ما حصل منه انما هو الوثاقة التي أخبر بها وهى قدر مشترك بين
286

الامامي وغيره واما فساد المذهب فلم يتعرض له فلعله لم يطلع عليه
كما اطلع عليه الجارح، وحينئذ فلا تدليس إذ لم يظهر خلاف ما هو
عليه في الواقع حتى يغش غيره ويوقعه في خلاف ما هو عليه في نفس الامر.
ولكن لا يخفى ان هذا مناف أيضا لدعوى الروية المسلمة فان
مقتضى تلك الروية ان لا يقال هذا اللفظ الا فيمن أحرز انه عدل امامى
اما إذا لم يحرز لعدم اطلاعه أو اطلع على خلافه فليس له الاطلاق
فلو اطلق والحال هذه كان مدلسا وغاشا اللهم الا ان يقال بأنه عول
في كونه اماميا على الظهور الحاصل من الغلبة المورثة للمظنة فهو غير
مدلس وإن كان غير مطلع تماما.
(قوله أعلى الله مقامه):
لكن لعله لا يخلو من نوع تدليس.
هذا بحسب السياق مختص بالأخير أعني قوله: " أو يكونا من واحد "
ووجه التدليس اظهار ما لم يكن مرادا بتوثيقه بقوله: " فلان ثقة " بعد
حمله على التوثيق بالمعنى الأعم الذي هو خلاف الظاهر من هذا اللفظ
بواسطة الديدن والاصطلاح ونحوهما من الوجوه القاضية بحمله على المعنى
الأخص أعني المختص بالامامي دون غيره فيكون هذا الموثق قد اطلق
لفظا وأراد غير ظاهره من دون دلالة على ذلك فيوقع غيره في غير
ما هو المراد له وهذا هو التدليس والغش ولكن لا يخفى ان هذا
لا يأتي مع فرض الجمع بين الجرح والتعديل وإن كان فيه ما عرفت
إذ يكون الجرح بالفطحية لكونه نصا قرينة على التصرف بقوله: ثقة
بطرح ظهوره في الامامية على ما ذكروا أو يكون كالعام والمطلق
287

المعارضين بالخاص والمقيد وحينئذ فلا يكون تدليسا.
(نعم) قبل ظهور تلك القرينة ونصبها يكون تدليسا ولكن لا يخفى
ان التدليس لا يرتفع بمجرد ظهورها ولو في كتاب اخر لهذا المعدل
أو في محل اخر من الكتاب الواحد بل لا بد من اتصالها بذلك التوثيق
بحيث يعدان كلاما واحدا كسائر القرائن الصارفة التي يقصد بنصبها
الاعلام بالمراد حتى لا يقع بخلافه من يقف على ذلك اللفظ هذا
على فرض كون المراد من قوله: ثقة هو المعنى الأعم بقرينة قوله:
فطحي لكنه ممنوع كما عرفت بل هو محمول على المعنى المصطلح عليه
بناء عليه ويحكم بالتعارض والتنافي ويرجع إلى الترجيح ولا وجه للجمع
كما عرفت وهذا كما يجرى مع تعدد الجارح والمعدل فكذا مع الاتحاد
في الكتابين بل الكتاب الواحد مع امكان العدول وتبدل الرأي كما أن
وجه التدليس المذكور يجرى في صورة التعدد أيضا وكذا وجه دفعه
بناء على ما ذكروه من الجمع والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
الا ان لا يكون مضرا عندهم الخ
لا يخفى أيضا ان عدم ضرره من جهة اعتبار الموثق عندهم لا يقضى
بعدم ضرره كلية حتى ينتفى التدليس أصلا لحصول الضرر في مقام
الترجيح عند التعارض لدورانه مدار قوة الظن وحينئذ فيحصل التدليس
ولا ينفع اعتبار الموثق لو انفرد إذ مع معارضته بالصحيح يكون
ساقطا لرجحان الصحيح عليه ومقتضى قول المعدل ثقة أنه عدل امامي
لعدم الصارف له عن ظاهره فيكون الخبر صحيحا واللازم تقديمه وطرح
288

الموثق وهذا إنما جاء بواسطة التوثيق المجرد عن ظاهره فقد أوقع
من عثر عليه في خلاف الواقع وهذا هو التدليس وقد ينعكس الامر
فيكون الترجيح في الواقع للمعارض كما لو فرض انه هو الصحيح ولكن
بواسطة التوثيق المجرد عن الصارف عن ظاهره يحكم بالتخيير لو فرض
انتفاء المرجح من غير صفة الصحة الموجودة في كل من المتعارضين والواقع
خلافه وهذا انما جاء بواسطة التوثيق ولو قرن بما يكشف عن المراد به
لم يجئ هذا كله وهذا هو التدليس وحينئذ فالضرر غير مرتفع
بل هو موجود والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
واما إذا كان مثل علي بن الحسن (1) فمن جرحه يحصل
ظن وربما يكون أقوى من الإمامي فهو معتبر في مقام اعتباره
الوجه في حصول الظن بجرحه وكونه أقوى من الإمامي أنه مع وثاقته
جدا أخبر وأعلم من غيره من علماء الرجال كما ذكروا ذلك في ترجمته ففي
تعليقة (المصنف): عن العدة ان الطائفة عملت بما رواه بنو فضال، وكثيرا
ما يعتمدون على قوله في الرجال ويستندون إليه في معرفة حالهم من الجرح
والتعديل بل غير خفى أنه أعرف بهم من غيره بل من جميع علماء الرجال
فإنك إذا تتبعت وجدت المشايخ في الأكثر - بل كاد أن يكون الكل -
يستندون إلى قوله ويسألونه ويعتمدون عليه.
(قلت) فإذا كان حاله بهذه المثابة وهذه المنزلة فلا اشكال في حصول
الظن بقوله بل وكونه أقوى من كثير فهو معتبر حيث لا معارض له

(1) المراد علي بن الحسن بن علي بن فضال الفطحي (المحقق)
289

أصلا أو كان ولكن ليس بأرجح منه، وهذا معنى قوله: " معتبر في مقام
اعتباره والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وعدم اعتباره على ما سيجئ في ابان وغيره
ابان هذا هو أبان بن عثمان (1) والجارح له ابن فضال فإنه قال فيه:
انه ناووسي (2) وعدم اعتبار جرحه لظهور خلافه أو تبينه لا لإجماع
الكشي الذي هو اجماع الطائفة على تصحيح ما يصح عنه (3) كما قد
يظن إذ لا منافاة بينهما كما ترى مثله في عبد الله بن بكير إذ هو مع كونه
فطحيا من أهل الاجماع المذكور بل لكثير من الامارات القاضية بعدم
ثبوت هذا الجرح مثل كونه من أصحاب الكاظم عليه السلام وكثرة
روايته عنه مع أن الناووسية هم الذين وقفوا على الصادق عليه السلام
وانه لم يفرق أحد بينها وبين روايته عن الصادق عليه السلام وانه ترحم

(1) المذكور في المتن من عبارة (الوحيد) أبان بن عثمان فكان نسخة
المصنف من المتن سقط منها (بن عثمان) فاحتاج إلى تعريفه بقوله: " ابان - هذا -
هو أبان بن عثمان " فلاحظ.
(2) تقدم معنى الناووسية في الفائدة العاشرة من الفوائد التي عقدها المصنف
رحمه الله - في بيان الفرق المنحرفة، ص 127 فراجعها
(3) راجع رجال الكشي ص 322 تحت عنوان (تسمية الفقهاء من أصحاب أبي
عبد الله عليه السلام) فإنه عد أبان بن عثمان من الستة نفر الذين أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنهم. (المحقق)
290

عليه في موضعين من (الفهرست) كما في (التعليقة) (1) فإنه يعطى عدم كونه
من الناووسية عنده ويؤيده روايته ان الأئمة اثنا عشر وما عن (المعراج)
من أن قول علي بن الحسن لا يوجب جرحه لمثل هذا الثقة الجليل، وما
عن الصدوق في المجلس الثاني من (أماليه) في الصحيح عن ابن أبي عمير
قال: حدثني جماعة من مشايخنا منهم أبان بن عثمان وهشام بن سالم ومحمد
ابن حمران وما عن ابن أبي عمير من إكثار الرواية عنه مع أنه لا يروى
إلا عن ثقة كما في (العدة) وما عن العلامة في الخلاصة من تصحيح
طريق الصدوق إلى العلاءين سيابة مع أنه فيه (2) وما عن ابن أبي نصر
البزنطي من أنه يروى عنه وهو كابن أبى عمير لا يروى الا عن ثقة إلى
غير ذلك من الامارات والدلائل الدالة على عدم ثبوت الجرح المذكور
أعني كونه من الناووسية بل لعل الثابت عدمه فلعل الثابت كونه
من القادسية (3) (كما قيل) فكأنه من التصحيف والله أعلم.

(1) راجع تعليقة الوحيد البهبهاني في ترجمة أبان بن عثمان والمراد
أن الشيخ رحمه الله - ترحم على أبان بن عثمان في موضعين من فهرسته ولكن
لم نجد الترحم عليه من الشيخ الا في موضع واحد من الفهرست وذلك
في ترجمته فراجع.
(2) وكذلك صحح العلامة طريق الصدوق إلى أبى مريم الأنصاري
مع أن في طريقه أبان بن عثمان راجع الفائدة الثامنة من الفوائد الملحقة
بخاتمة (الخلاصة).
(3) ويؤيد ذلك ان بعض نسخ رجال الكشي ابدل لفظة (الناووسية)
بلفظة (القادسية) وينقل السيد محمد باقر الموسوي الأصفهاني في رسالته
التي الفها في أحوال أبان بن عثمان المطبوعة بإيران سنة 1305 ه‍.
عن المحقق الأردبيلي - رحمه الله - في كتاب الكفالة من (مجمع الفائدة) -
291

هذا حاله بالنسبة إلى جرح علي بن فضال له من جهة عدم ثبوته
بل وظهور خلافه وهكذا غيره بالنسبة إلى علي بن فضال وغيره لو قلنا
بان المتبع في الجرح والتعديل انما هو الظن كما هو الظاهر اما لو بنينا
انه من الشهادة فلا اشكال في عدم اعتبار جرحه كتعديله بعد فرض
كونه فطحيا كغيره من غير الامامية لعدم اعتباره شهادة غير الامامية
وهكذا لو قلنا بأنه من باب الرواية واعتبرنا العدالة بالمعنى الأخص
في قبولها نعم بان الجرح والتعديل من باب الرواية وكفاية
العدالة بالمعنى الأعم بل مجرد التحرز عن الكذب والملكة فيه كما هو
الظاهر في نفس الرواية إذ هو المتحصل من الأدلة (كما أوضحناه
في محله) - كان الامر دائرا مداره بلا اشكال ولا ريب والله أعلم
(قوله أعلى الله مقامه):
وأيضا بعد ظهور المشاركة إحدى العدالتين مستفادة فلا
يقصر عن الموثق فتأمل.
لا يخفى انه لو ثبت مشاركة هذا المعدل الذي هو من غير الامامية
كعلي مثلا لغيره من الامامية في اعتبار العدالة في قبول الخبر بناء عليه
ولو بالمعنى الأعم فلا اشكال في كون الحاصل والمستفاد من تعديله انما
هو العدالة بالمعنى الأعم، وحينئذ فيكون الخبر من قسم الموثق بناء

- شرح الارشاد ان ما لديه من نسخة الكشي بدل قوله: (وكان
من الناووسية) وكان قادسيا، وهو يناسب ما جاء في ترجمته من أنه
كان كوفي الأصل والقادسية قرية قرب الكوفة من جهة البر بينها وبين
الكوفة خمسة عشر فرسخا كما ذكره الحموي في معجم البلدان وصفي
الدين في مراصد الاطلاع فلاحظ. (المحقق)
292

على أن التعديل من باب الظن لحصوله وكذا لو قلنا بأنه من باب
الرواية وقلنا باعتبار الموثقات ولو في الموضوعات كما هو الظاهر واما
على الشهادة فلا اشكال في عدم اعتبارها لفقد شرطها الذي هو العدالة
هذا لو ثبت المشاركة اما مع عدم ثبوتها وانما هو محض ظهور وظن
بواسطة ما ذكر من انى رويته وديدنه التعرض لفساد العقيدة كالوقف
والناووسية وغيرهما من مقام جوابه وفائدته فعدمه ظاهر في عدمه فهو
غير مجد وغير نافع لنا بحيث نرتب عليه آثار الثابت عندنا فان الظن
لا يغنى من الحق شيئا ولعل قوله فتأمل إشارة إلى ذلك وهكذا نقول
في موارد سؤال الامامي المعروف غيره كعلى مثلا عن حال رجل
فيجيبه بأنه ثقة على الاطلاق مع ملاحظته أن ديدنه التعرض للوقف
والناووسية وغيرهما فان ذلك بمجرده لا يقضى بإرادة العدالة بالمعنى
الأخص أعني العدالة المختصة بالامامي لعدم العلم به لاحتمال إرادة العدالة
بالمعنى الأعم (نعم) ربما يحصل ظهور ومظنة بإرادة الأخص بواسطة
ذاك الديدن وهو غير مفيد وحيث يحصل العلم بإرادته بواسطة القرائن
الموجبة له فلا كلام.
والحاصل فالامر يدور مدار العلم أو ما قام مقامه والله أعلم
(قوله أعلى الله مقامه):
واشكل من ذلك ما إذا كان الجارح إماميا والمعدل غيره
الظاهر أن المتبع في ذلك أيضا هو الرجوع إلى الامارات والمرجحات
فيتبع أقواها من غير فرق بين أن تكون مع الجارح أو المعدل اماميا
كان أو غيره إذ المناط انما هو الظن فهو المتبع أينما كان فلا اشكال
على الظاهر والله أعلم.
293

(قوله أعلى الله مقامه):
وإذا لم تظهر صحتها ولافسادها فهو أيضا من القوي.
فيه ان كونه قويا ككونه حسنا أو صحيحا أو موثقا من الاصطلاح
البحت للمتأخرين في تقسيم الاخبار الذي أحدثه العلامة وشيخه ابن طاووس
وهو معلق على موضوع واقعي ككون الراوي اماميا فيكون كذا وغير
إمامي فيكون كذا وهو في الفرض غير محرز لفرض الاشتباه وعدم العلم
فمن أين يثبت كونه قويا؟ والحال انه مختص بحسب الاصطلاح بالممدوح
غير الامامي وهو غير معلوم فكيف نرتب عليه آثاره ونعمل به لو قلنا
بحجيته ونقدمه أو نرجحه أو نرجح غيره عليه في مقام الترجيح عند
المعارضة بغيره الذي هو أقوى أو أضعف وكل هذا وغيره من احكام
ذلك المجهول موقوف على ثبوته والعلم به المنتفى بالفرق (نعم) يثبت
الحكم المشترك والقدر المتيقن اما غيره فلا كما هو واضح ولعل هذا
هو المراد له لوضوح كون القوي أسوأ حالا من الحسن فهذا المجهول
اما من الحسن الذي هو الامامي الممدوح في الجملة أو مما هو أضعف منه
وأقل درجة وهو القوى الذي هو غير الامامي وممدوح في الجملة
فمرتبته في الحقيقة متيقنة فهو ان لم يكن من القوى فهو في حكمه
لحصول المدح لهذا المجهول على كل تقدير فهو حسن في الجملة فلو
قلنا باعتبار الحسن مطلقا أخذنا به ولعل هذا مرادهم من عده حسنا
على ما نقله عنهم بعد هذا حيث قال: " ولكن نراهم بمجرد ورود
المدح يعدونه حسنا " إذ كونه حسنا في الجملة متيقن فهذا المتيقن هو
المقصود لهم لا خصوص الحسن المقابل للقوي في الاصطلاح إذ هو
294

غير متيقن كمقابلة ولا أصل في المقام يثبته وكون اظهار المدح
مع عدم اظهار القدح مع عدم التأمل منهم ظاهر في كونه اماميا
على ما ذكر فيما بعد مسلم لكنه غاية ما يحصل به - مع ملاحظة القرائن
والامارات التي منها كون ديدنهم التعرض للفساد على قياس ما ذكر
في التوثيق الظن وهو غير نافع في اثبات الموضوع مع أن الظن غير
حاصل الا لمن حصل له ذلك الديدن وهو غير معلوم هذا مع عدم
التعارض اما معه فالمتبع هو الظن كما عرفت في التوثيق من غير فرق
بين موارد الترجيح وظهوره لاحد المتعارضين وعدمه إذ هو المناط
فلا يقدم النص فيحكم بكونه قويا حتى مع فقد المرجح (فاحتمال)
الحكم بكونه قويا أو القول به للجمع بين النص والظاهر كما عن الأكثر
في باب التوثيق مع فقد المرجح (في محل المنع) كما عرفت هناك فتأمل
جيدا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
الظاهر أنه لا يقصر عن الثاني مع احتمال كونه من الأول
الظاهر ما استظهره إذ مدخلية اللغة والنحو وشبههما إنما هو فيما
يعود إلى المتن لا إلى الصدور والذي يطلب فيه الصدق الذي هو أجنبي
عنهما كما أنه أجنبي عن مثل (القارئ) أيضا فلا وجه لالحاقه بالأول
كما احتمله فيما بعد اللهم الا ان يقال بان (القارئ) لعله ظاهر
في كونه مرجعا في علم القراءة مركونا إليه فيه فهو نظير مشايخ الإجازة
فربما يكون مشعرا بالوثاقة ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك أو إلى
دفع ما يرد من منافاة ما احتمله أخيرا في (القارئ) لما جزم به أولا
295

من عدم اعتبار (شاعر، وقارئ) لأجل الحديث بان السابق انما
كان لأجل الظهور وهو لا ينافي الاحتمال والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
المتعارف المشهور انه تعديل وتوثيق للراوي نفسه.
لعل الظاهر من هذا اللفظ المركب أعني ثقة في الحديث انه موثوق به
في الأحاديث والاخبار المروية عن أئمة الهدى عليهم السلام لا مطلق
الاخبارات كما هو المعنى اللغوي ولعل هذا هو المتعارف في أزمنتنا هذه
والمنساق إليه الفهم من هذا اللفظ فيكون الراوي صادقا متحرزا
عن الكذب في الأحاديث التي يرويها فليس هذا اللفظ من المجمل
كما صدر من بعض مشايخنا لاحتماله أمورا ثلاثة كونه متحرزا
عن الكذب في حديثه كما هو معناه اللغوي، وكونه ثقة في الرواية الذي
هو أعم من الوثاقة المطلقة المنصرفة إلى العدالة، وكونه ثقة عند أهل
الحديث كما يقال: فلان امام في النحو فيكون مشعرا بكونه مسلم الوثاقة
فيكون أقوى من لفظة ثقة لاشعاره بالاتفاق دونها ولما لم يكن دليلا
على تعيين أحد الاحتمالات كان مجملا هكذا ذكر رفع الله درجته
لكن الظاهر خلافه لظهوره فيما ذكرنا فهو شهادة بذلك أو اخبار عنه
اما كونه تعديلا وتوثيقا للراوي نفسه كما هو المشهور فيكون كقولهم ثقة
أو عدل على الاطلاق كما يدعى - أعلى الله مقامه - فلعله غير ظاهر فيه
بل لعل الظاهر الفرق بين التوثيق مطلقا مجردا عن الإضافة إلى الحديث
وبينه مضافا إليه كما نسبه فيما بعد إلى القيل (1) اللهم الا أن يكون

(1) أي نسبه (الوحيد) في التعليقة إلى (القيل) فإنه قال: " وربما قيل
بالفرق بين الثقة في الحديث والثقة وليس ببالي القائل ". (المحقق)
296

ثبت اصطلاحهم على ذلك وخفى على غيره أو انه ظهر إرادة ذلك
بواسطة قرائن دلت عليه لكنه مسلم فيما دلت عليه القرائن دون ما خلا
عنها وليس منها كون العدالة لهذا الموثق ثابتة عندهم وانما يذكر هذا
لأجل الاعتماد الذي هو الغرض والثمرة كما يقول فيما بعد إذ ذلك
لا يوجب صرف هذا اللفظ أعني قولهم: ثقة في الحديث إلى غير
معناه المنصرف إليه أعني قولهم ثقة في الحديث كما يقضى به التركيب
بل هو باق على معناه مضافا إلى ما علم من خارج في هذا الشخص
من تعديل وغيره كما هو واضح، وحينئذ فيكون المراد من قولهم: ثقة
في الحديث انما هو التوثيق من جهة الحديث إذ هو الغرض الأصلي
من الرواة سيما ولا دليل معتدا به على اشتراط العدالة في الخبر بل ولا
شهرة عليه محققة وان ادعاها بعضهم كصاحب (المعالم) لكنها لم تثبت
كما في (الفصول) بل المعروف بين القدماء انما هو اعتبار الوثوق في الصدور
المعبر عنه بصحيح القدماء بل الامر على ذلك إلى أن حدث الاصطلاح
الجديد في الاخبار الذي أحدثه العلامة وشيخه ابن طاووس أعلى الله
مقامهما وعلى هذا فما ذكره المصنف " منشأه الاتفاق على ثبوت العدالة
وانه ذكر لأجل الاعتماد غير تام إن فسر بما ذكرنا من ثبوت العدالة
لهذا الموثق في الخارج وكذا لو فسر بإرادة الاتفاق على اعتبار العدالة
بالمعنى الأخص كما هو ظاهر من اعتبرها ونسبها إلى المشهور كصاحب
(المعالم) بل ومن ادعى الاجماع عليها كالشيخ في (العدة) نعم لو أريد
من كلامه إرادة العدالة بالمعنى الأعم اتجه إذ لا يزيد التوثيق والتعديل
بالمعنى الأعم للشخص على التوثيق في الحديث لكنه مع بعده عن ظاهر
العبارة راجع إلى قوله فيما بعد: " ويمكن ان يقال " والله أعلم.
297

(قوله أعلى الله مقامه):
كما سيجئ في أحمد بن إبراهيم بن أحمد فتأمل.
لا يخفى ان المذكور في ترجمة احمد هذا انه ثقة في حديثه
كما في الفهرست والنجاشي والخلاصة (1) فقد يقال بالفرق بينه وبين
المقام الذي هو ثقة في الحديث معرفا باللام ولعل الظاهر عدم الفرق
بينهما مع أن الشيخ في (رجاله) وثقه على الاطلاق فلا يبعد كون
ملحوظه في ذلك التقييد هو ذلك الاطلاق فيفيد وثاقة الراوي نفسه
ويحتمل كون ملحوظه بذلك الاطلاق هو التقييد المصرح به في (الفهرست)
فيفيد وثاقة الراوي في أحاديثه ورواياته من دون ملاحظة حال الراوي
نفسه كما لعله الألصق بوضع (الفهرست) الذي به تعرف الطرق
إلى الكتب التي تؤخذ الأحاديث منها ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ما يرد
عليه من احتمال الفرق الذي عرفت وامكان دفعه بما سمعت والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ووجه الاستفادة اشعار العبارة.
هي قولهم: ثقة في الحديث ووجه الاشعار ان التقييد بالحديث يومئ
ويشير؟؟ إلى أن الوثاقة المقصودة للمعبر بهذا اللفظ المركب والمقيد انما هي
(هامش) (1) في أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن معلى بن أسد العمى أبى بشر
البصري راجع فهرست الشيخ الطوسي (ص 54) برقم (90)
ورجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام (ص 455) برقم
(100) وراجع: رجال النجاشي (ص 75) وخلاصة العلامة الحلي
(ص 16) برقم (20). (المحقق) (*)
298

في خصوص الأحاديث لا مطلقا والا لترك التقييد فهذه العبارة مشعرة
بكون الوثاقة المشهود بها أو المخبر بها هي التي بالمعنى الأعم أعني التي تجامع
فساد العقيدة وصحتها وحينئذ فيكون هذا نافعا بشرطية هذا الأعم.
(قوله أعلى الله مقامه):
الا ان المحقق نقل عن الشيخ أنه قال: يكفي في الراوي
أن يكون ثقة متحرزا عن الكذب في روايته وإن كان فاسقا
بجوارحه فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى أن هذا مناف للاجماع على اشتراط
العدالة بالمعنى الأعم الذي اعترف به الشيخ بل هو ادعاه كما عرفت سابقا.
ووجه المنافاة ان مجرد التحرز عن الكذب في الرواية لا يلازم العدالة
ولو في مذهبه كما هو واضح، فكيف هذا يلتئم مع ما ادعاه من الاجماع
على اعتبار العدالة بالمعنى الأعم وقد يدفع بان هذا مذهب له ورأي
آخر وكم له ولأمثاله من أمثال ذلك ولا امتناع في ذلك بعد إن كان
باب العدول مفتوحا والمعصوم من عصمه الله أو يقال بأن الإجماع
الذي يدعيه انما هو على الأعم من ذلك أعني على اعتبار الوثاقة
ولو في الأحاديث وعلى اعتبار التحرز عن الكذب دون غيره من سائر
المعاصي وهذا هو الأقوى والأظهر من الأدلة كما حررناه في محله
والله أعلم.
299

(قوله أعلى الله مقامه):
ولعل اشتراطهم العدالة الخ
لا يخفى ان هذا خلاف ظاهر من اشترطها لظهور الاشتراط في
دوران القبول مدار الشرط وجودا وعدما كما هو الشأن في كل شرط
من غير فرق بين المتقدمين والمتأخرين ولعل الامر بالتأمل فيما بعد
إشارة إلى ذلك وقد تقدم لنا في هذا المطلب ما ينبغي ان يلاحظ.
(قوله أعلى الله مقامه):
وما رواه العامة عن أمير المؤمنين عليه السلام مثلا لعله
غير صحيح عندهم ويكون معمولا به الخ.
لا يخفى ان ما رواه العامة إن كان موثوقا بصدوره مطمئنا به
فلا اشكال في أنه من قسم الصحيح عند القدماء ويكون معمولا به عندهم
الا أن يكون موافقا للتقية كغيره من أقسام الصحيح التي من طرقنا
ومثله ما رواه الواقفية والفطحية وغيرهم من سائر الفرق ومن هذا الباب
ما حكى عن الشيخ من دعوى اجماع الطائفة على العمل برواية السكوني
وعمار، وحفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج
وغيرهم من العامة كما ادعى عمل الطائفة بما رواه عبد الله بن بكير
وسماعة بن مهران وبنو فضال والطاطريون وعلي بن أبي حمزة
وعثمان بن عيسى من غير العامة فان ذلك ليس الا ان روايتهم من قسم
الصحيح عندهم من جهة ظهور وثاقتهم في دينهم وضبطهم وحصول
الاعتماد عليهم واما لو كان ما رواه العامة أو غيرهم غير موثوق به
300

لجهالة راويه أو ظهور ضعفه فلا اشكال في أنه ليس من قسم الصحيح
أصلا ولا يعمل به جزما لوضوح فقد الشرط في قبول الخبر الذي
هو الوثوق في الراوي (فدعوى) المصنف أعلى الله مقامه هنا انه
يعمل به عندهم مع أنه ليس من الصحيح (كما ترى) في محل المنع
وما في بعض الأخبار من أنه إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما
روى عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي فاعملوا به متروك الظاهر مناف
للأدلة المحكمة المعتبرة فاللازم طرحه أو تخصيصه بما لو جمع شرائط
الحجية في نفسه كما هو واضح فالوجه كون النسبة بين الصحيح عند
القدماء والمعمول به هو العموم المطلق فكل معمول به صحيح عندهم
ولا عكس ولعل الامر بالتأمل أخيرا إشارة إلى ما ذكرنا من عدم تمامية
كون النسبة هي العموم من وجه وعدم صحة كون ما رواه العامة معمولا به
مع كونه غير صحيح عندهم بل لا يعملون الا بالصحيح عندهم لعدم
الاعتماد على غيره وعموم الخبر المذكور لا يقولون به كما عرفت بل
لا يقوله أحد الا الحشوية (1) والاجماع على خلافه بل الأدلة الأربعة
على خلافه.

(1) الحشو: في اللغة ما يملأ به الوسادة وفى الاصطلاح عبارة
عن الزائد الذي لا طائل تحته وسميت الحشوية حشوية لانهم يحشون
الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أي يدخلونها فيها وليست منها وجميع الحشوية يقولون
بالجبر والتشبيه وان الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع
والبصر وقالوا: كل ثقة من العلماء يأتي بخبر مسند عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فهو حجة
ويقول أبو سعيد الأمير العلامة الفقيه نشوان بن سعيد بن -
301

واما النسبة بين صحيح القدماء وصحيح المتأخرين، فالظاهر أنها العموم
من وجه لافتراق صحيح القدماء عن صحيح المتأخرين بالموثوق صدوره
لا من جهة وثاقة الراوي بل من جهة الامارات والقرائن الخارجية القاضية
بظن الصدور مع وثاقة الراوي لاعراض المعظم عنه أو الكل بحيث يوجب
الشك فيه بل قد يوجب ظن الغفلة والسهو أو الخطا والاشتباه من راويه

- نشوان اليمنى الحميري المتوفى عصر يوم الجمعة (24) ذي الحجة
سنة 573 ه‍ في كتابه (شرح رسالة الحور العين (ص 149 - ص 151)
طبع مصر سنة 1367 ه‍ ما نصه: ".. وقالت الحشوية هو (أي الله)
واحد ليس كمثله شئ ومعنى ذلك: أي ليس مثله شئ في العظمة
والسلطان والقدرة والعلم والحكمة وهو موصوف عندهم بالنفس واليد
والسمع والبصر وحجتهم في ذلك من الكتاب قوله تعالى: " يد الله
فوق أيديهم " وقوله: " ويحذركم الله نفسه " وقوله تعالى: " كل شئ
هالك الا وجهه وقوله: " وكان الله سميعا بصيرا وقالوا: لا تدركه
الابصار في الدنيا ولكنها تدركه في الآخرة ويحتجون بقوله تعالى:
انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " وبقوله: " وجوه يومئذ ناضرة
إلى ربها ناظرة " ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم سترون
ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة أربع عشرة.. وقالت الحشوية
ان الإمامة ليست لازمة ولا واجبة ولكن ان أمكن الناس ان ينصبوا
إماما عدلا من غير إراقة دم ولا حرب فحسن وان لم يفعلوا ذلك
وقام كل رجل منهم بأمر منزله ومن يشتمل عليه من ذوي قرابة ورحم
وجار فأقام فيهم الحدود والاحكام على كتاب الله وسنة نبيه جاز
ذلك ولم يكن بهم حاجة إلى امام ولا يجوز إقامة السيف والحرب.
وقال بعض الحشوية: ان الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -
302

لا العموم المطلق كما ذكره فيما بعد اللهم الا ان يقال: بان هذا انما
يتم لو كان المعتبر من ظن الصدور هو الظن الفعلي لا النوعي لكن الظاهر
ممن اعتبره إرادة النوعي وحينئذ فيتم ما ذكره من العموم المطلق لعدم
افتراق خبر الثقة عن الظن بحسب النوع إذ المراد من النوعي انه لو خلى
ونفسه ومع قطع النظر عن الموانع الخارجية كان مفيدا للظن وهذا لا ينفك
عن خبر الثقة وان لم يفد الظن أحيانا لبعض العوارض، إذ ذاك مناف
للظن الفعلي لا النوعي كما هو واضح لكن قد يقال: بان هذا بعيد
من معتبريه لعدم اعتبار العقلاء ما يظن به بحسب النوع وإن كان الواقع
المظنون بخلافه اللهم الا ان يقال بأنه من التعبد البحت نظير أدلة
الشهادة فإنها من التعبد البحت ونظير الأصول على الأقرب فإنها
من التعبد البحت أيضا لكن هذا بعيد عن مذاق القدماء في اعتبار
الاخبار إذ الظاهر أن اعتبارها عندهم كاعتبار الاستصحاب من باب
بناء العقلاء وهو على الظاهر مقصور على الظن الشخصي الفعلي
لا أقل من اعتبار عدم الظن بالخلاف كما هو أحد الوجوه وأقربها في اعتبار
الظواهر الخطابية ومثلها الكتبية أعنى الخطوط والنقوش وحينئذ فعلى
هذا تكون النسبة بين الصحيحين هي العموم من وجه لافتراق صحيح

لم ينصا على رجل بعينه واسمه فيجعلوه إماما للناس وان الإمامة شورى
بين خيار الأمة وفضلائها يعقدونها لأصلحهم لهم ما لم يضطروا
إلى العقد قبل المشورة لفتق يخاف حدوثه على الأمة فإذا خافوا وقوع
ذلك وبادر قوم من خيار الأمة وفضلائها أو رجلان من عدولها وأهل
الشورى فعقدوا الإمامة لرجل يصلح لها، ويصلح على القيام لها ثبتت
إمامته ووجبت على الأمة طاعته وكان على سائر الناس الرضا ".
303

المتأخرين بخبر الثقة المظنون واقعا خلافه بناء على اعتباره من باب
التعبد البحت كما هو أحد الوجوه أو الأقوال في اعتباره فإنه صحيح
بالاصطلاح الحادث بناء على اعتباره كذلك وليس هو من صحيح
القدماء بناء على اعتبارهم عدم الظن بالخلاف في اعتبار الصحيح عندهم
كما عرفت هذا ان قلنا بان التعريف انما هو للحجة من الصحيح والمعتبر
اما لو قلنا بأنه للأعم كما هو الظاهر من تعريفهم فلا، بل تكون النسبة
هي العموم والخصوص المطلق كما ذكر أعلى الله مقامه إذ التعريف
من المتقدمين والمتأخرين انما هو للأعم من الحجة إذ هو لما وقع
الاصطلاح عليه الذي هو الأعم لا لما هو الحجة والمعمول به عندهم
كما يرشد إليه دخول الصحيح الموافق للثقة في تعريف الصحيحين مع أنه
غير معمول به وليس بحجة فذو التعريف أعم من المعمول به.
(قوله أعلى الله مقامه):
ولعل منشأ قصر اصطلاحهم في الصحة، الخ.
الظاهر أن المنشأ في قصر لفظ الصحيح في الاصطلاح الحادث
على ما رواه العدل الامامي عن مثله واختصاصه به هو انه الفرد الكامل
لمدلوله فكان أولي به من غيره سواء قلنا باعتبار غيره من باقي الأقسام
أعني الحسن والموثق والضعيف المجبور بالشهرة أم لا، فهذا نوع
مناسب مع أنه اصطلاح ولا مشاحة فيه مع أنه لو قلنا بعدم
الاختصاص بحسب الاصطلاح الجديد بالفرد الأكمل بل عممناه للجميع
اختلط الاصطلاح الحادث بالجديد ولم يكن هناك مائز بينهما.
304

(قوله أعلى الله مقامه):
ومما ذكرنا ظهر فساد ما توهمه بعض المتأخرين الخ.
بيان ذلك أن صحة المتقدمين كما عرفت وتبين غير مرة ليست
الا الظن بالصدور والوثوق به وأين هذا من تعديل الراوي؟ لوضوح ان صحة
نفس حديثه موثوقا بصدوره ومظنونا به لامارات هناك توجب ذلك
ككون رواياته موجودة في الأصول التي عليها العمل والمعمول أو كونها
مشهورة بين الأصحاب مفتى بها كما ذكر الشيخ رحمه الله وغيره ذلك
في كثير من الرواة هذا حال الصحة عند المتقدمين فلا يفيد قول
الرجالي لو كان منهم كالشيخ والنجاشي وأمثالهما من المتقدمين توثيقا
وتعديلا لصاحب الحديث كما هو واضح.
واما المتأخرين الذين أحدثوا الاصطلاح الجديد كالعلامة وشيخه
ابن طاووس وأمثالهما ممن قال به فالظاهر أنه يفيد تعديلا وتوثيقا
لراويه إذ ذاك فائدة الاصطلاح إذ لا ثمرة له إلا حمل اللفظ المصطلح
فيه على ذلك المعنى المصطلح عليه متى صدر من لافظه مجردا عن القرائن
الصارفة عنه وحينئذ فيكون ذلك نافعا في تزكية ذلك الراوي إما لعد
ذلك من الشهادة أو من الرواية كما هو المشهور أو لكونه من الظنون
الاجتهادية كما هو الأقرب على ما سمعت فكان على (المصنف)
التفصيل كما سمعت بين كون القائل بهذا القول من شيوخ الرجال
المتقدمين أهل الاصطلاح السابق فلا يفيد تعديلا وبين كون القائل
من أهل الاصطلاح الجديد فيفيد، بل قد يقال بإفادة التعديل والتوثيق
لو قال الرجالي الفقيه في كتب الاستدلال: في الصحيح أو الحسن
305

أو نحو ذلك كما هو دأبهم وديدنهم ذكر ذلك في مقام الاستدلال إذ هو
توثيق اجمالي لرواة الخبر جميعا ولا حاجة إلى التنصيص على وثاقة كل
راو بخصوصه لحصول الغرض بالاجمال كما يحصل بالتنصيص والتفصيل
(وكون ذلك) في غير مقام التزكية والموارد المعدة لها ككتب الرجال
إذ هي المعدة لها من جهة ان الغرض منها والمقصود ليس الا بيان أحوال
الراوي لا كالكتب الفقهية الاستدلالية المعدة لبيان الاحكام والأقوال
فيها (غير قادح) بعد ظهورها في إرادة ذلك ولو استطرادا للحاجة
الماسة إليه ومساواتها للموارد المعدة لذلك من غير فرق أصلا ولعل
قوله فيما بعد: " فتدبر " إشارة إلى ذلك.
(قوله أعلى الله مقامه):
فالمشهور أن المراد صحة كل ما رواه حيث تصح الرواية
إليه الخ.
هذا هو الظاهر والمنساق من حاق اللفظ كما فهمه (المصنف)
وجملة ممن تأخر عنه بل ومن تقدم عليه وعن بعض الاجلاء ان عليه
الشهرة بل عن المحقق الداماد: ونسبته إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى
الاجماع عليه (وكيف كان) فالظاهر من العبارة هو ذلك واما كون
الراوي الذي قيل في حقه ذلك ثقة فليس في العبارة دلالة عليه ولا ملازمة
بين تصحيح حديث شخص وتوثيقه بناء على مصطلح القدماء في الصحيح
الذين منهم مدعي هذا الاجماع بل هو أعم لعموم الصحة عندهم
إذ الصحيح عندهم ما كان موثوقا بصدوره مطمأنا به ولو كان من غير
جهة الوثاقة للراوي بل لكونه متحرزا عن الكذب مضبوطا في النقل
وإن كان فاسقا بجوارحه بل وفاسدا في العقيدة نعم تلك الملازمة مسلمة
306

على اصطلاح المتأخرين إذ ليس الصحيح عندهم إلا ما كان الراوي له
ثقة بل عدلا اماميا، وحينئذ (فدعوى) كون المفهوم من هذه العبارة
توثيق هؤلاء الذين قيل في حقهم ذلك كما قيل (في محل المنع).
نعم يبعد كل البعد عدم وثاقة الراوي ومع ذلك اتفق جميع
العصابة على تصحيح جميع ما رواه وعلى الاعتماد على أحاديثه وعلى
رواياته مع ملاحظة ان كثيرا من الأعاظم الثقات لم يتحقق منهم
الاتفاق على تصحيح حديثه ولا قيل في حقه هذا القول ولا ادعيت
هذه الدعوى له فليس ذا إلا لكون هؤلاء فوق العدالة بمراتب ولو بالمعنى
الأعم الشامل لمثل عبد الله بن بكير والحسن بن علي بن فضال وأمثالهما
بل لهم المايز في رواياتهم كما في ابن أبي عمير من أنه لا يروي إلا عن ثقة
كما عن عدة الشيخ ومثله البزنطي (1) وخصوصا بعد ملاحظة ما ادعاه
الشيخ من الاجماع على اعتبار العدالة ولو بالمعنى الأعم فان ذلك
لا يلائم الاتفاق المذكور مع فقد العدالة منهم بل ومع الجهل بثبوتها
لهم ومما ذكرنا يظهر وجه الاعتماد على هذا الاجماع وانه قوة الظن
بصدقه لنص العلماء على وثاقة مدعيه وجلالته وانه الخبير والبصير بالاخبار
والرجال كالعلامة والشيخ والنجاشي واعتراف الباقين به متلقين بهذه
الدعوى منه بالقبول هذا مع الاعتراف من غيره بها كالمحقق الداماد

(1) البزنطي بقول مطلق ينصرف إلى أحمد بن محمد بن عمرو
ابن أبي نصر مولى السكون - حي باليمن - ويكنى بابى جعفر توفى
سنة 221 ه‍ كما ذكر النجاشي في رجاله وذكره الشيخ في الفهرست
وكتاب الرجال وذكره أيضا الكشي في رجاله والعلامة الحلي في الخلاصة
وغيرهم من أرباب المعاجم الرجالية. (المحقق)
307

في المحكى عن رواشحه (1) وغيره كالنجاشي في بعض التراجم كترجمة
ابن أبي عمير حيث نسب إلى الأصحاب قبول مراسيله ولا فارق
بينه وبين غيره (فالتأمل) في هذه الدعوى وهذا الاجماع كما وقع
من غير واحد وتبعهم في (منتهى المقال) في الرجال (2) (مما لا ينبغي)
لحصول الاطمئنان باخبار هؤلاء بحيث يساوى الصحيح الذي يرويه العدل
الامامي بل ويزيد على كثير من الصحاح في القوة خصوصا في مثل
ابن أبي عمير والبزنطي ويولس بن عبد الرحمن وأمثالهم وحينئذ
(فالخدش) في هذا بأنه غير نافع بعد كون الحجية غير منوطة بأصل
الظن أو بقوته كي تدور مدارها وانما؟؟ هي تابعة للدليل (في محل المنع)
لظهور المساواة بين ما قام عليه الدليل وبين المقام بل ظهور الأولوية
أعني اعتبار اخبار هؤلاء بالنسبة إلى اخبار غيرهم لحصول دعوى
الاجماع ممن عرفت بالمعنى المزبور فيهم دون غيرهم هذا في غير باب
التعارض بان كانت اخبارهم سليمة عن المعارض واما مع وجوده
والرجوع إلى المرجحات فلا اشكال في تقديمها ولزوم الترجيح بها
وترك معارضها لحصول ما هو المناط في باب التراجيح من قوة الظن الذي قضت به الأدلة بواسطتها هذا في معنى هذا القول وهذه الدعوى
والوجه في اعتبارها واما من قيلت في حقه فهم الستة الأواسط والستة

(1) راجع: الراشحة الثالثة من الرواشح السماوية للسيد الداماد
(ص 45) طبع إيران سنة 1311 ه‍.
(2) راجع: منتهى المقال لأبي على الحائري في ترجمة محمد بن أبي
عمير. (المحقق)
308

الأواخر دون الستة الأوائل (1) فان المدعى لهذه الدعوى وهذا القول
والأصل فيه انما هو (الكشي) في رجاله والمحكى من عبارته انما هو
ذلك كما نص عليه جملة ممن تأخر من أهل هذا الشأن كالشيخ الحر

(1) الستة الأوائل هم الفقهاء من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبى
عبد الله الصادق عليهما السلام وهم: زرارة ومعروف بن خربوذ
وبريد بن معاوية العجلي وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار
ومحمد بن مسلم الطائفي (قالوا) وأفقه الستة زرارة وقال بعضهم:
مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث ابن البختري
واما الستة الأواسط فهم الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله الصادق (ع)
وهم: جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير
وحماد بن عيسى وأبان بن عثمان وحماد بن عثمان (قالوا): وزعم
أبو إسحاق الفقيه يعنى ثعلبة بن ميمون أفقه هؤلاء جميل بن دراج
وهم احداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام واما الستة الأواخر
فهم الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم الكاظم وأبى الحسن الرضا (ع)
وهم: يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي
عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي
نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن
فضال وفضالة بن أيوب وقال بعضهم مكان فضالة عثمان بن عيسى
وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى راجع: رجال الكشي
(ص 206) و (ص 322) و (ص 466)، وهؤلاء على اختلاف الأقوال
في تعيينهم مراسيلهم ومرافيعهم ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من
يسمونه من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب رضوان الله عليهم -
من الصحاح. (المحقق)
309

في اخر وسائله في الفائدة التي عقدها فيمن قيل في حقهم هذا القول
ناقلا لعين اللفظ المتضمن لهذه الدعوى ومثله السيد محسن في (عدته
في الرجال) حاكيا به عن غير واحد من الثقات ثم قال بعد حكاية
العبارة بعينها ولفظها على طولها: " هذا نص ما في الكتاب وهو عندي
نسخة جليلة في أعلى مراتب الصحة وقد حكى الاجماع على تصحيح
ما يصح عن الأواسط والأواخر غير واحد من المتأخرين كابن طاووس
والعلامة وابن داود لكن كل في ترجمته انتهى.
وحينئذ فما اشتهر بين جملة من أهل هذا الفن كالشيخ أبى على
في كتابه (منتهى المقال) وغيره من أن الطائفة أجمعت على تصحيح
ما يصح عن ثمانية عشر ستة من الأوائل وستة من الأواسط وستة
من الأواخر مما لا وجه له ولا أصل فان الستة الأوائل لم يدع في حقهم
هذه الدعوى ولا قيل فيهم هذا القول وانما المدعى فيهم انما هو
إجماع العصابة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه وأين هذه الدعوى
من تلك؟.
(قوله أعلى الله مقامه):
مع أنه لعل عند هذا القائل يكون تصحيح الحديث أمرا
زائدا على التوثيق فتأمل.
لعل مراده ان ايراد هذا (المحقق) على هذا القيل انما يتم لو كان
المراد لمدعى هذا الاجماع خصوص ما فهم المشهور من صحة الحديث
على وجه لا يتوقف فيه حتى مع الجهل بالواسطة بل ومع الاضمار ومع
القطع وعدم الانتهاء إلى الامام إلى غير ذلك وكل هذا غير معلوم
إرادته لمدعيه إذ يحتمل ارادته المعنى الأعم من لفظ الصحيح كما هو
310

المعنى المعروف بين القدماء وذلك لا يلازم التوثيق للراوي فضلا عن أن
يكون الحديث بتلك المنزلة هذا لو خلينا ونفس الصحة التي ادعيت
ولكن بواسطة الاجماع المدعى المتعلق بها المتلقى بالقبول ممن تقدم وتأخر
يكون المراد الاجماع على وثاقة هؤلاء دون من سواهم إذ لا معنى
للاجماع والاتفاق على الوثوق والاطمئنان باخبارهم كما هو معنى القديم
الا ذلك وهذا غاية ما يترقى في حمل هذه العبارة وحينئذ فتكون
الفائدة والثمرة بين أهل الاجماع وغيرهم عدم ثبوته بهذا المعنى بحيث
يكون مجمعا عليه في حق غيرهم واما كون المراد ما فهم المشهور فلا
دليل عليه لا من حاق اللفظ الذي هو الصحة والتصحيح إذ هي عند
القدماء الذين منهم المدعي عبارة عن الأعم أعني الموثوق بصدوره
لا بحيث يكون معتبرا مقبولا كما يفهم المشهور ولا من خارج كما هو
المفروض ويحتمل كون المراد له أعلى الله مقامه - دفع ايراد هذا
المحقق بطريق اخر.
(وحاصله) ان هذا الرجل المقصود بالقيل لعله يرى أن الصحة
المذكورة في دعوى الاجماع وإن كان ظاهرها المعنى المعروف بين القدماء
الذي هو الأعم من وثاقة الراوي لكنها لما كانت في مقام الاعتماد
وكمال الوثوق بما يرويه هؤلاء وفى بيان المايز لهؤلاء عن غيرهم واظهار
الخصوصية لهم دون من عداهم كان المناسب إرادة الوثاقة للراوي
إذ بها يكون الاعتماد وعليها المعول ولا كذلك المعنى الأعم فإنه
بمجرده لا ينفع ولا يثمر، إذ قد يفترق عنه كثيرا فلا يكون مقبولا
معتمدا وإن كان صحيحا بذلك المعنى كما هو واضح وحينئذ فيكون
ذلك قرينة على إرادة الوثاقة للراوي من لفظ التصحيح وإن كان
لو خلينا ونفسه كان المراد ذلك المعنى القديم أعني المعروف بين القدماء
311

إلا أنه غير مناسب لما يقتضيه المقام وما سبقت له هذه الدعوى وعلى
كل حال فالمعنى المشهور لهذه الدعوى غير مراد لعدم الدليل عليه بل
المراد اما الوثاقة للراوي وان العصابة والطائفة اجمعوا عليها أو المعنى
المصطلح بين القدماء لكنه غير مناسب كما عرفت فيتعين الأول
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
نعم يرد عليه الخ.
لعل هذا ايراد ثاني على المحقق رحمه الله وحاصله ان القدح
من بعضهم في بعض هؤلاء الذين ادعوا في حقهم الاجماع انما يكون
قادحا في هذا الاجماع إذا استلزم التصحيح المدعى وثاقتهم لكنه
ليس كذلك إذ تصحيح روايات شخص وكونها معولا عليها عندهم قد
يكون مع عدم وثاقته كم نصوا عليه في كثير من الرواة وذلك اما لوجود
تلك الروايات في الأصول المعتبرة والمعول عليها، أو لرواية الثقات لها
وان لم تكن في الأصول وحينئذ فقدح البعض في بعض هؤلاء لا يقضى
بسقوط رواياتهم أو بعدم ثبوت الاجماع المدعى الذي هو على قبول
رواياتهم ويحتمل انه ايراد على الاجماع المدعى وأهله ومحصله ان
ما ذكرت أيها (المحقق) غير وارد عليهم ولكن يرد عليهم ان الاجماع
المدعى على التصحيح لا يقضى بوثاقة هؤلاء ولا نعرف به أحوالهم
ومنزلتهم بالوثاقة والعدالة التي هي الأهم من معرفة الرواة والمناسب
لهذا الفن الموضوع لمعرفة الرجال من جهة العدالة والوثاقة والمدح والقدح
إلى غير ذلك مما يتعلق بنفس الراوي وحينئذ فلعل ذلك يكون قرينة
312

على كون المراد من هذا الاجماع ما فهم البعض من كون المراد انما هو
وثاقة هؤلاء لا ما فهم المشهور من كون رواياتهم معتبرة من دون تعرض
لأحوالهم من الثقة وغيرها وحينئذ فيكون هذا نصرا لذلك البعض المعبر عنه
بالقيل وهذا الاحتمال انسب بكلمة نعم الظاهرة في الاستدراك فكأنه
- أعلى الله مقامه قال: لا يرد على هذا الاجماع ما أورده (المحقق)
ولكن يرد عليه هذا وهو المناسب أيضا لجمع الضمير في قوله " يرد
عليهم " كما في بعض النسخ لكن هذا الايراد أيضا مندفع كما نبه عليه
إذ من البعيد كل البعد اتفاق جميع العصابة على تصحيح حديث شخص
ومع ذلك هو غير ثقة بل هو أمر بملاحظته وحده ومع قطع النظر عما
ذكروا في أحوالهم من الوثاقة والعظم بين الطائفة فوق الوثاقة بمراتب.
(نعم) لا يلزم كون الوثاقة بالمعنى الأخص أعني العدل الامامي
بل الأعم الذي هو الثقة في دينه وهو كاف إذ لا يعتبر في قبول الخبر
أزيد من ذلك كما يشهد له اجماع الشيخ على قبول اخبار الطاطريين وبنى
فضال وأمثالهم ممن يوثق بهم في دينهم وكما هو المتحصل من أدلة
حجية خبر الواحد حتى آية النبأ بناء على الاستدلال بها بل وغيرها
مما عساه يظهر منه اعتبار العدالة إذ لا خصوصية لها في قبول الخبر
الا من جهة العصمة عن الكذب الضار بقبول الخبر فإذا حصلت
من دونها سقط اعتبارها وجاز القبول لحصول الغرض بل الظاهر
من تلك الأدلة كفاية مطلق التحرز عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه
لو اتفق كما يقول الشيخ وهذا هو الحق واليه اذهب (كما حررناه
في الأصول) والله أعلم.
313

(قوله أعلى الله مقامه):
نعم النسبة إلى التخليط كما وقعت في أبي بصير يحيى
الأسدي ربما تكون قادحة فتأمل.
وقد يقال بان النسبة إلى التخليط قد لا تكون منافية للعدالة بالمعنى
الأعم أيضا وذلك إذا أريد من التخليط خلط الاخبار الغث بالسمين
والعاطل بالثمين أو أريد الخلط بين المحبة لعلى عليه السلام وعدم البراءة
من عدوه كما فسره في مجمع البحرين (1) لوضوح عدم المنافاة في ذلك
للعدالة بالمعنى الأعم.
(نعم) قد تكون منافية لو أريد منها خلط الاخبار على وجه
التدليس ولعل الأمر بالتأمل إشارة إلى ذلك وان المنافاة قد تتحقق
وقد لا تتحقق كما يدل عليه قوله: " ربما ".
(قوله أعلى الله مقامه):
نعم يمكن ان يفهم منها اعتداد ما بالنسبة إليه فتأمل.
لعل وجه التأمل أنه بناء على كل من القولين في معنى تلك العبارة
وتلك الدعوى ما فهم المشهور وما قيل من أن المفهوم وثاقة الراوي
لو كان من أهل الاجماع وعلى كل حال فلا تعرض للمروي عنه
فمن أين يفهم منها اعتداد ما بالنسبة إليه؟ (ويمكن الجواب) بان الاتفاق
على تصحيح رواية شخص بعظمة شيخه المروي عنه وأنه لا يأخذ

(1) راجع: مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي النجفي
بمادة (خلط). (المحقق)
314

الاخبار ولا يتلقاها الا عمن يعتمد عليه ويركن إليه ومن هنا كون
الراوي من مشايخ الإجازة مشعرا بالوثاقة.
(قوله أعلى الله مقامه):
وهو كالتوثيق لا يخلو من تأمل نعم إن أراد منه التوثيق
بما هو أعم من العدل الامامي فلعله لا بأس به فتأمل.
لا يخفى ان رواية الشيوخ عن شخص معتمدين عليه ظاهر في توثيقهم
له ولو بالمعنى الأعم من العدل الامامي وحينئذ فان ثبت ذلك لنا
مع وثاقة الشيوخ المعتمدين عليه أفادنا توثيقا لذلك الشخص الذي يروون
عنه معتمدين عليه والا بان لم يعلم ثبوت ذلك عن المشايخ بل هو
اجتهاد من قبل هذا المدعى كما هو الظاهر أو لم يثبت وثاقة الشيوخ
الراوين عنه على وجه الاعتماد فلا يفيدنا توثيقا لوضوح انه توثيق
من غير معلوم الوثاقة فلا ينفع (نعم) يفيدنا مدحا في الجملة وهذا
هو المراد مما حكاه عن جده الذي اعترف به فيما بعد بقوله لكن لعله
توثيق من غير معلوم الوثاقة اما انه روى عنه الشيوخ إلى أن قال
نعم ربما يستفاد منه مدح وقوة وحينئذ فتأمله فيما قال جده أولا حيث
قال: " قوله وهو كالتوثيق لا يخلو من تأمل كما ترى في محل المنع
إذ غرضه أعلى الله مقامه بالنسبة إلى من لم يثبت عنده ذلك كما عرفت
نعم كونه يفيد مدحا أحسن من (لا بأس به) لعله محل منع كما يقول
المصنف أعلى الله مقامه فيما بعد حيث قال: " نعم ربما يستفاد منه
مدح وقوة لكن ليس بمثابة قولهم لا بأس به بل أضعف منه وهو كما
يقول واما ايراده الأول ففي محل المنع ولعل الامر بالتأمل إشارة
315

إلى ذلك وكما اختلفت الآراء في إفادة هذه الكلمة (1) الوثوق أو المدح
أو عدمهما فكذا اختلفت في قراءتها فمن قارئ بالمجهول ولعل الأكثر
عليه والمتعارف على الألسن والأنسب بالقول بايمائها إلى عدم الوثوق
أو احتماله ولعله لاشعارها بعدم الاعتناء والاعتداد به وانها مسوقة
في مقام تحقيره وقرأ جماعة من المحققين بالمعلوم واختلفوا في مرجع
الضمير فقيل: إلى الإمام عليه السلام كما عن المحقق الشيخ محمد
والفاضل صاحب الحاوي (2) ولكن ينافيه ما ذكره الشيخ في كتاب رجاله
في جابر الجعفي حيث قال أعلى الله مقامه: " جابر بن يزيد أبو عبد الله
الجعفي أسند عنه روى عنهما (3) إذ لو كان ضمير أسند إلى الإمام عليه السلام
فلا معنى لقوله روى عنهما وما ذكره أيضا في رجاله
في محمد بن إسحاق بن يسار حيث قال محمد بن إسحاق بن يسار
المدني مولى فاطمة بنت عتبة أسند عنه يكنى أبا بكر صاحب المغازي
من سبي عين التمر وهو أول سبي دخل المدينة (وقيل) كنيته
أبو عبد الله روى عنهما مات سنة إحدى وخمسين ومائة (4)
وعن المحقق الداماد: ان الضمير يرجع إلى الإمام عليه السلام ولكن
لا سماعا بل اخذه من أصحابه الموثوق بهم ومن أصولهم المعتمد عليها

(1) يعنى قولهم: (أسند عنه) في ترجمة أحد الرواة.
(2) الشيخ محمد هذا هو ابن الشيخ حسن ابن الشيخ زين الدين
الشهيد الثاني وصاحب الحاوي هو الشيخ عبد النبي بن سعد الدين الجزائري.
(3) راجع: رجال الشيخ الطوسي باب أصحاب الصادق (ع)
(ص 163، برقم 30).
(4) راجع: رجال الشيخ الطوسي باب أصحاب الصادق (ع)
(ص 281، برقم 22). (المحقق)
316

فمعنى أسند عنه أنه لم يسمع منه بل سمع من أصحابه (1) وفيه
انها قيلت فيمن روى عنه شفاها وسماعا كمحمد بن مسلم وغيره وقد
يقال في مرجع الضمير مع القراءة بالمعلوم: إنه ابن عقدة، ولكن
في خصوص رجال الصادق عليه السلام (2) والله أعلم.

(1) راجع: الراشحة الرابعة عشرة من الرواشح السماوية للمحقق
الداماد (ص 65) طبع إيران.
(2) واستند هذا القائل إلى أن الشيخ الطوسي رحمه الله ذكر
في أول كتاب رجاله ان ابن عقدة ذكر أصحاب الصادق عليه السلام
وبلغ في ذلك الغاية قال رحمه الله وانا أذكر ما ذكره وأورد
من بعد ذلك من لم يذكره فيكون المراد أخبر عنه ابن عقدة وليس
بذلك البعيد وربما يظهر منه وجه عدم وجوده أي وجود لفظ أسند
عنه الا في كلام الشيخ رحمه الله وسبب ذكر الشيخ ذلك في رجاله
دون فهرسته وفى أصحاب الصادق عليه السلام دون غيره بل
وثمرة قوله رحمه الله وانا أذكر ما ذكره (ابن عقدة) وأورد من بعد
ذلك من لم يذكره فتأمل جدا هذا كلام هذا القائل الذي استند إليه
ذكره المولى علي الكني في كتابه (توضيح المقال في الدراية والرجال)
ص 42 طبع إيران سنة 1302 ه‍ ثم إن الفاضل قال عقيب ذلك:
قلت: ولا يخفى بعد ذلك أيضا (اما أولا) فلتنافر (أسند عنه) مع
(أخبر عنه) بل القريب إليه (أسند به) إذ مفاد (أخبر عنه) أنه نقل عنه أمرا
آخر وهو غير مقصود في توجيهه (واما ثانيا) فلان مقتضى كلام الشيخ
حيث ذكر أنه يذكر ما ذكره مع اعترافه بأنه بلغ في ذلك الغاية أن يكون
أكثر رجال الصادق عليه السلام ممن أسند عنه والواقع خلافه ". (المحقق)
317

(قوله أعلى الله مقامه):
وربما يقال بايمائه إلى عدم الوثوق ولعله ليس كذلك
فتأمل.
اما وجه إيمائه إلى عدم الوثوق فلبناء الفعل على المجهول فإنه ربما
يشعر بعدم الاعتناء وعدم الاعتداد به وانه ليس ممن يعتنى بروايته
بل هو مهجور متروك ساقط من الأعين ولكن قد يتفق الرواية عنه
ويمكن ان يقال بأنه ان لم يدل على المدح المعتد به أو في الجملة فلا دلالة
فيه على عدم الوثوق كما قد يقال بل الظاهر دلالته على المدح وهذا
معنى قوله: " ولعله ليس كذلك " الخ.
(قوله أعلى الله مقامه):
والأول أظهر إن ذكر مطلقا
وجه كون الأول أظهر نسبة الضمير أعني به إلى نفسه فيفيد
كونه في مذهبه لا بأس به ووجه الثاني ان نظر الرجال انما هو
إلى الروايات حين ملاحظة مذهبه بتوقف أصل الاعتبار والحجية عليه
أو الترجيح لو قلنا باعتبار غير العدل الامامي عليه وحينئذ فيكون المستفاد
بواسطة ذلك أنه لا باس برواياته.
(أقول) ولعل الاظهر من قولهم: (لا باس به) مع الاطلاق
وعدم التقييد بنفسه وغيرها إرادة نفي البأس من جميع الوجوه كما يقتضيه
كون النكرة في سياق النفي ولعله لذا قبل بإفادة التوثيق كأنهم
رأوا أن نفي البأس عنه إنما كان من حيث النقل والرواية لأن كلامهم
318

انما هو في الرواية فكان في قوة نفي البأس عن روايتهم ونفي البأس
عن الرواية موجب لقبولها؟؟ إنما ترد لخوف منها فإذا انتفى امتنع ردها
ومعلوم ان قبول الرواية من حيث هي مع قطع النظر عن الأمور الخارجية
فرع قبول الراوي وعدالته وثقته، وحينئذ فيفيد نفى البأس مطلقا توثيقه
هذا غاية ما يقال في توجيهه واستغربه (السيد محسن) في رجاله
وقال: " من الغريب ان أناسا عدوه في كلمات التوثيق " قلت: الانصاف
والظاهر عدم بلوغه هذا الحد (نعم) هو يفيد مدحا يعتد به فوق سلامة
مذهبه وحسن عقيدته لا خصوص كونه في مذهبه كما استظهره (المصنف)
هنا مع أنه فيما بعد استظهر كونه لا بأس به بوجه من الوجوه حيث
قال: " والأوفق بالعبارة والأظهر أنه لا بأس به بوجه من الوجوه ولعله
لهذا قيل بافادته التوثيق الخ فلعله يظهر التنافي بين كلاميه وقد
يقال بان استظهاره الأول هنا بالنسبة إلى ما يوهمه ما قيل في إبراهيم بن
محمد بن فارس من تساوى الاحتمالين في مذهبه أو في رواياته لو ذكر
نفي البأس مطلقا ولكن الأقرب منه والأظهر والأوفق بهذه العبارة
من حيث نفي البأس على الاطلاق هو نفيه من جميع الوجوه وكيف
كان فالظاهر ما قلناه من إفادته مدحا معتدا به لكن لا بحيث يفيد
التوثيق على وجه يساوى ألفاظه كثقة ونحوها نعم لا يخلو من اشعار
(والحاصل) فالأقرب هو القول بإفادة المدح لا التوثيق ولا القول بعدم
إفادته شيئا بحيث يكون مجملا كما يقضى به ما نسب إلى القيل
والله أعلم.
319

(قوله أعلى الله مقامه):
ولعل غيره من الأئمة عليهم السلام أيضا كذلك
فتأمل فان أصل هذا لا يخلو من تأمل نعم قولهم من الأولياء
ظاهر فهيا فتأمل.
اما قولهم من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام فليس ظاهرا
في العدالة كما قيل نعم هو ظاهر بل صريح في التشيع ولو قلنا بظهوره
في العدالة فلا فرق بين الأئمة عليهم السلام في ذلك إذ لا خصوصية
لبعضهم في ذلك فلا فرق بين ان يقال: فلان من أولياء أمير المؤمنين
عليه السلام أو من أولياء الحسن عليه السلام مثلا أو غيره
من الأئمة عليهم السلام في عدم ظهوره في كونه عدلا ولو قلنا به
قلنا في الجميع نعم قولهم من الأولياء على الاطلاق ظاهر فيها بل وفيما
فوقها وانه من الأوتاد ومن أولياء الله إذ هو المنساق منها بحسب
الاستعمال كما هو واضح فلا يقال هذا عام ومطلق ومع الإضافة إلى أحد
الأئمة عليهم السلام خاص فكيف يقال بالفرق بينهما ويحكم
بالظهور في العدالة من دون تأمل في المطلق وفى المقيد لا يحكم بل
يتأمل فيه مع أن المطلق لا يدل على المقيد بخصوصه والعام لا يدل
على الخاص لوضوح ان الفارق هو العرف وهو المحكم في باب
الألفاظ والمتبادر ما سمعت ولعل الامر بالتأمل أخيرا إشارة إلى ذلك
أعني إلى دفع ما يتوهم من انكار الفرق بين اللفظين والله أعلم.
320

(قوله أعلى الله مقامه):
قيل هما يفيدان التعديل.
حكى المصنف عن التقى المجلسي ان قولهم: (عين) توثيق بزعم
انه استعارة للصدق لأن العين بمنزلة الميزان قال مولانا الصادق عليه السلام
في حق أبى الصباح الكناني (1) أنت ميزان فسماه بالميزان لصدقه
وأورد عليه (السيد محسن) في رجاله بأنه فرق بين لفظ الميزان والعين
قال وكأنه لم يراع العرف (قلت): لو سلم كون لفظ الميزان
ظاهر في ذلك الا انه فرق بين اللفظين كما ذكر السيد أعلى الله
مقامه مع أن لفظ الميزان محتمل لمعان عديدة ككونه حقا ولا عيب فيه
ولا نقص من جميع الوجوه كما يرشد إليه ما في ذيل الخبر (2) حيث
قال له: " يا سيدي رب الميزان فيه عين فقال له الصادق عليه السلام:

(1)
أبو الصباح الكناني: اسمه إبراهيم بن نعيم العبدي من
عبد القيس ونزل في بنى كنانة فنسب إليهم ترجم له الشيخ الطوسي
رحمه الله في كتاب رجاله (ص 102، برقم 2) في باب أصحاب
الباقر عليه السلام فقال: " قال له الصادق عليه السلام أنت
ميزان لا عين فيه يكنى أبا الصباح كان يسمى الميزان من ثقته، له
أصل.. " وذكره أيضا في باب أصحاب الصادق عليه السلام
(ص 144، برقم 33) وترجم له النجاشي في كتاب رجاله (ص 16)
والكشي في رجاله (ص 299، برقم 199).
(2) راجع: الخبر في رجال الكشي (ص 299، برقم 199). (المحقق)
321

أنت ميزان لا عين فيه فيفيد إرادة تنزيهه من جميع العيوب التي لا يخلو
منها أكثر الناس لا خصوص السلامة من منقصة الكذب كما يفيده
المحكى عن التقى أعلى الله مقامه ويحتمل كون المراد من قوله: أنت
ميزان انك معتدل وانك على الجادة لا اعوجاج فيك بوجه من الوجوه
كالميزان الذي لا عين فيه فإنه معتدل ومتساوي الطرفين لا يزيد أحدهما
على الاخر بل هما سواء ويحتمل غير ذلك واما لفظ العين فالظاهر منه
إرادة كونه معتبرا وعمدة الناس والمنظور إليه فيما بينهم وله امتياز
ورفعة ومنزلة عندهم، ونحو ذلك مما يفيد هذا المعنى المشابه للعين
من جهة كونها العمدة من الانسان الذي لا قوام له بدونها فكأنه استعارة
بالكناية التي علاقتها المشابهة ولعل التقي المجلسي أعلى الله مقامه -
انصرف نظره الشريف إلى ما ورد في بعض الأخبار من أنه بين الحق
والباطل أربع أصابع فما رأته عينك فهو الحق دون ما سمعته اذنك (1)
هذا في قولهم عين واما قولهم (وجه) فقد حكى عنه أيضا (2)
ان الظاهر أنه توثيق لان داب علمائنا السابقين في نقل الاخبار كانوا
لا ينقلون الا عمن كان في غاية الوثاقة ولم يكن يومئذ مال ولا جاه يتوجهون
إليهم له بخلاف اليوم ".

(1) روى الصدوق في الخصال (ج 1 - ص 220) طبع إيران
(طهران) سنة 1377 ه‍ ما هذا نصه سئل أمير المؤمنين عليه السلام
كم بين الحق والباطل؟ فقال: أربع أصابع ووضع أمير المؤمنين
عليه السلام يده على عينيه؟؟ فقال ما رأته عيناك فهو الحق وما سمعته
أذناك فأكثره باطل ".
(2) يعنى: حكى السيد محسن في عدته عن التقي المجلسي رحمه الله - (المحقق)
322

وأورد عليه السيد محسن أيضا بما هذا لفظه: قلت: جعل الوجه بمعنى ما يتوجه إليه وإضافته إلى الطائفة لأدنى ملابسة أي ما تتوجه إليه
الطائفة (وهو كما ترى) خلاف ما يعقل الناس انما يعقلون ما ذكرنا
وقال (1) فيما ذكره سابقا ما هذا لفظه: " وكذا قولهم عين من عيون
هذه الطائفة ووجه من وجوهها وما كان ليكون عينا للطائفة تنظر بها
بل شخصها وانسانها فإنه معنى العين عرفا ووجهها الذي به تتوجه ولا
تقع الانظار الا عليه ولا تعرف الا به فان ذلك هو معنى الوجه
في العرف الا وهو بالمكانة العليا وليس الغرض من جهة الدنيا قطعا
فيكون من جهة المذهب والاخرى " انتهى.
والذي يظهر ان المراد بقولهم (وجه) ان الراوي ذو وجاهة واعتبار
وجلالة وعظم بين نقلة الاخبار والآثار فكأنه من التشبيه بالوجه حيث إنه
العمدة من الانسان ومحط اللحاظ والنظر من بين سائر الأجزاء فهو
كمعنى العين بل هو فيه أظهر منه فيه.
(والحاصل) فالذي يظهر انهما (2) لا يفيدان التعديل والتوثيق
بل غاية ما يفيدان المدح المعتد به كما استظهره المصنف أخيرا (3).

(1) يعنى: السيد محسن في عدته
(2) يعني لفظي (عين ووجه).
(3) فقد قال المصنف يعنى الوحيد في آخر كلامه: " وعندي
انهما يفيدان مدحا معتدا به ". (المحقق)
323

(قوله أعلى الله مقامه):
وأقوى من هذين قولهم وجه من وجوه أصحابنا
مثلا فتأمل.
قد يقال بأنه لا وجه للفرق بين إضافة الوجه للأصحاب وعدمه بجعل
المضاف أقوى بل هما ان لم يكونا سواء فقد يقال: بان المطلق أقوى
لانصرافه إلى الأكمل وقد يدفع بأنه مع الإضافة ظاهر بل صريح
في كونه اماميا ووجيها في الحديث فيهم ومرجعا للعامة أو للواقفة أو غيرهم
من المنحرفين ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
فإنه يطلق على الأصل كثيرا منها ما سيجئ في ترجمة
أحمد بن الحسين بن المفلس وأحمد بن محمد بن سلمة وأحمد ابن
محمد بن عمار.
بيان الاطلاق في تراجم هؤلاء اما الأول فان فيه: " روى عنه
حميد بن زياد كتاب زكريا بن محمد المؤمن وغير ذلك من الأصول ذكره
الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام فهذا يدل
على اطلاق الكتاب على الأصل والا لم يتم قوله: وغير ذلك من الأصول
وفى أحمد بن محمد بن سلمة روى عنه حميد أصولا كثيرة منها
كتاب زياد بن مروان وفى أحمد بن محمد بن عمار كثير الحديث
والأصول ثم قال أخبرنا بكتبه الخ (1)

(1) راجع: في ترجمة أحمد بن الحسين بن مفلس رجال الشيخ -
324

(قوله أعلى الله مقامه):
وديباجة الفهرست.
فان الشيخ ذكر في أول فهرسته هكذا: " وبعد فانى لما رأيت
جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا
وما صنفوه من التصانيف ورووه من الأصول فقد اطلق (المصنف) بإزاء الأصل.
(قوله أعلى الله مقامه):
عند خالي بل وجدي أيضا على ما هو ببالي أن كون الرجل
ذا أصل من أسباب الحسن وعندي فيه تأمل.
وجه القول بإفادة الحسن أن قولهم: ذو أصل مع الاطلاق له
وعدم ذكر فساد عقيدته وغيرها من معائبه ربما يشعر بل يظهر منه
التعويل على ذلك الأصل بل قد يشعر بوثاقة صاحبه إذ لو كان فاسد
العقيدة لتعرضوا له كما هو ديدنهم ذلك كما لا يخفى والغرض للقائل
انما هو مع الاطلاق لهذا القول والا فقد يتفق كون الرجل ذا أصل
مع فساد العقيدة بل هو كثير كما نبه عليه فيما بعد ولكن ذلك للمعلومية

- الطوسي في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام - (ص 441
برقم 26)، وفى ترجمة أحمد بن محمد بن سلمة - باب من لم يرو عنهم
عليهم السلام أيضا من رجال الشيخ (ص 440، برقم 22) وفى ترجمة
أحمد بن محمد بن عمار راجع فهرست الشيخ (ص 53، برقم 88). (المحقق)
325

من خارج للتنبيه عليه ممن تعرض له كما أنه قد يكون ذا أصل مع أنه
متروك العمل بما يختص بروايته كما نبه عليه أعلى الله مقامه فيما بعد
في الحسن بن صالح البتري وهذا كله غير مناف للمدعى إذ المدعى
انما هو مع الاطلاق وعلى هذا فيكون غرض القائل بكونه من أسباب
الحسن هو الحسن الاصطلاحي بالتقريب المذكور ولكنه محل نظر وتأمل
كما تأمل فيه أعلى الله مقامه إذ لم يثبت ذاك الديدن في قولهم: (ثقة)
مع عدم التعرض لفساد المذهب.
(نعم) لا ينبغي التأمل في إفادة هذا القول حسنا ما، أعني غير
الحسن الاصطلاحي للمتأخرين لاختصاصه بالإمامي الممدوح بما لا يبلغ
التوثيق وهو في المقام غير معلوم لعدم احراز كونه اماميا كما اعترف به
أعلى الله مقامه أخيرا حيث قال رفع الله درجته -: " والظاهر أن
كون الرجل صاحب أصل يفيد حسنا غير الحسن الاصطلاحي وكذا
كونه كثير التصنيف وكذا جيد التصنيف وأمثال ذلك بل ترقى
حتى قال بل كونه ذا كتاب أيضا يشير إلى حسن ما ولعل ذلك
مرادهم مما ذكروا.
(قلت): وعلى هذا فيتم ما قاله خاله وجده (1) من إفادة الحسن
بالمعنى الأعم الذي لا ينافيه فساد العقيدة (ودعوى) انه لا يجدى في المقام
نفعا كما صدر من الشيخ أبي علي (2) في كتابه: (كما ترى) إذ لا اشكال

(1) خاله هو المولى محمد باقر المجلسي الثاني صاحب (البحار) وجده
هو والده المولى محمد تقي المجلسي الأول وقد أشرنا في (ص 150)
السابقة إلى وجه النسبة فراجعها.
(2) راجع: مقدمة كتاب (منتهى المقال) للشيخ أبى على الحائري
(ص 11) طبع إيران سنة 1300 ه‍. (المحقق)
326

في نفعه وفائدته إذ الغرض من ذكر هذه الألفاظ المتداولة بينهم بيان
مقتضاها من مدح وقدح حتى تترتب ثمراتها من اعتبار لذيها في نفسه؟؟
لو قلنا باعتباره في نفسه بان قلنا باعتبار مطلق الحسن والممدوح ولو
بالمعنى الأعم أو اعتبار في قام الترجيح للسند أو الدلالة إلى غير ذلك
وكانه رحمه الله فهم من الأستاذ (1) إرادة الحسن بالمعنى الأعم
في تأمله فيما حكاه عن خاله وجده فاورد عليه بعد تلك الدعوى التي
سمعتها بقوله: " لكن تأمله - سلمه الله في ذلك لانتحال كثير من أصحاب
الأصول المذاهب الفاسدة لعله ليس بمكانه لان ذلك لا ينافي الحسن
بالمعنى الأعم كما سيعترف به دام فضله الخ.
(وأنت خبير) بان هذا الايراد ليس بمكانه بل مراده من الحسن
المعنى الأخص الذي هو المصطلح عليه بين المتأخرين فهذا هو الذي تأمل
فيه بعد حمله كلام خاله وجده عليه ثم استدرك (2) بعد ذلك بقوله:
والظاهر الخ.
وحاصله انه يتم ما ذكراه لو أرادا الحسن بالمعنى الأعم.
(قلت): ولعل هذا هو المراد لخاله وجده ومن قال بمقالتهما
أعلى الله مقامهما لا ان كونه ذا أصل يفيد حسنا بالمعنى المصطلح
عليه عند المتأخرين حتى يحتاج إلى ما ذكرنا من التوجيه ودعوى الديدن
كما في قولهم: ثقة ولعل هذا هو الأقرب لبعد الديدن في لفظ ثقة
فكيف في هذا اللفظ وإذا لم يثبت الديدن فلا دلالة على ارادته من هذا
اللفظ نعم هو ظاهر في الحسن في الجملة لو خلي ونفسه مع قطع
النظر عن ملاحظة غيره مما قيل فيه كما هو الشأن في غيره من الألفاظ

(1) يعنى أستاد الشيخ أبي علي وهو الوحيد البهبهاني صاحب التعليقة
(2) يعنى: صاحب التعليقة (الوحيد). (المحقق)
327

التي تذكر في مقام المدح أو الذم فان غرض الرجالي انما هو بيان
ما يستفاد منها في نفسها لو لوحظت وحدها مجردة عن غيرها حتى لو كان
هناك ما ينافيها كان من المعارضات لها فيلحظ عند ذلك الترجيح كغيرها
من الامارات المتعارضة وهذا ضابط كلي لابد من ملاحظته في جميع
موارده وحيث كان البحث في هذا الباب انما هو في الظهور اللفظي وانه
ماذا، كان قليل الثمرة إذ هو أمر بين لا خفاء فيه لدى أهل اللسان
وأهل العرف لو كان لذلك اللفظ متفاهم عندهم ولم يتجدد للرجالي
اصطلاح فيه والا كان اللازم اتباعه كما هو الشأن في جميع الألفاظ
المتداولة بين العلماء في فنهم المشتملة عليها كتبهم المستفاد منها فتاواهم
وشهراتهم بل واجماعاتهم محصلها ومنقولها كما أن الامر كذلك في الكتاب
والسنة بل وجميع الألفاظ الدائرة بين الناس في محاوراتهم وخطاباتهم
منذ خلق الكلام والمتكلم إلى اخر الأبد ولكن اللازم الملاحظة والتأمل
وعدم التسرع والله هو المستعان.
(قوله أعلى الله مقامه):
وكون المراد من العامي ما هو في مقابل الخاصي لعله
بعيد فتأمل.
لعل الامر بالتأمل لاشكال المقام المحتاج إلى النظر والتأمل كسائر
الموارد المشكلة المحتاجة إليه.
(ويحتمل) إرادة دفع ما يقال عليه من أن اطلاق العامي على عوام
الشيعة شائع ذائع ولا ريب انه بهذا المعنى مقابل للخواص وحينئذ
فلا بعد فيه.
328

مع أن بعد هذا المعنى لا يقتضى كون المراد بالخاصي ما يقابل العامة
كما احتملته في مقابل من اخذه مدحا بل لا مانع من أن يكون المراد
بالعامي ما يقابل الخاصة والمراد بالخاصي الذي هو محل الكلام من كان
من الخواص بأنا نقول المرجع في المقام هو الظهور كما عرفت والظاهر أن
الخاصي نسبة إلى الخاصة والعامي نسبة إلى العامة فكما ان الخاصة
والعامة متقابلان فكذا الخاصي والعامي ولا ريب ان الخاصة ظاهر في الشيعة
وحينئذ فلم يبق ظهور في المدح والمدار عليه كما عرفت والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها قولهم قريب الامر وقد اخذه أهل الدراية مدحا
ويحتاج إلى التأمل.
لا يخفى ان هذا اللفظ في حد ذاته لو خلينا ونفسه دلالته على المدح
خفية بل هو مجمل ولكن بعد اخذ أهل الدراية وأهل هذه الصناعة
ذلك مدحا يكون ذلك كاشفا عن اصطلاح بينهم وحينئذ فأي معنى
للتأمل بعد ذلك وقد يقال بان الاصطلاح غير ثابت جزما ولا اجماع
أصلا كما يكشف عنه ما عن (الفهرست) في ترجمة علي بن الحسن بن
فضال فإنه قال فيه " فطحي المذهب كوفي ثقة كثير العلم واسع الاخبار
جيد التصانيف غير معاند وكان قريب الامر إلى أصحابنا الإمامية القائلين
بالاثني عشر (1) وما عن (النجاشي) في ترجمة الربيع بن عمرو انه
على خلاف المذهب والطريقة لكنه ليس بذلك البعد والمباينة بل هو

(1) راجع: فهرست الشيخ الطوسي (ص 118، برقم 393). (المحقق)
329

قريب (1) إذ أقصاه إرادة القرب من حيث كونه اماميا أو ما يقرب من ذلك
من دون تعرض للمدح والقدح وحينئذ فالمتبع في هذا اللفظ ما يكتنف به
من القرائن في موارد استعماله ومع اطلاقه فلا يفيد مدحا حتى يعد
من ألفاظه إذ لم نقل بانصرافه إلى إرادة القرب من جهة المذهب ان
ثبت الانصراف بواسطة كثرة الاستعمال فيه وحينئذ فيفيد مدحا خاصا
وفي الجملة ولو في المذهب دون غيره مما يتعلق بالراوي من وثاقة
وغيرها مما ينفع في قبول الرواية وعدمه ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها قولهم ضعيف ونرى الأكثر يفهمون منه القدح
في نفس الرجل ويحكمون به بسببه ولا يخلو من ضعف.
لا يخفى ان هذا اللفظ لو خلينا ونفسه ظاهر في نسبة الضعف
إلى الرجل نفسه لا إلى رواياته أو طريقته في اخذها وتحملها كأن
يروي عن المجاهيل أو عن الضعفاء مثلا فهو كما يفهم الأكثر من كونه
قدحا في نفس الرجل فقوله أعلى الله مقامه " ولا يخلو من ضعف "
لا يخلو من ضعف.
ولكن غرضه أعلى الله مقامه انه بعد ملاحظة موارد اطلاق هذه
الكلمة نراهم يطلقونها على من لم يكن ضعيفا في نفسه بل لأمور أخر
تتعلق برواياته أو طرق تحملها بحيث صار ذلك ديدنا لهم لا انه أمر

(1) الذي في رجال النجاشي (ص 125) هكذا ربيع بن
سليمان بن عمرو كوفي صحب السكوني واخذ عنه وأكثر وهو قريب الامر
في الحديث.. فلاحظ. (المحقق)
330

اتفاقي وفى بعض الموارد حتى تأخذ بظاهر اللفظ ما دام مجردا عن الصارف
وحينئذ فلا يعول على ذلك الظهور لو كان هو المستند بل اللازم الرجوع
في المراد من هذا اللفظ إلى موارده الخاصة حتى يتبين الحال والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وفى محمد بن الحسن بن عبد الله روى عنه البلوى والبلوى
رجل ضعيف إلى قوله مما يضعفه
المراد ان هذا الجعفري أعني محمد بن الحسن بن عبد الله قد رمى
بالضعف وغمز عليه لرواية البلوي عنه والبلوى رجل ضعيف كما
في (الخلاصة) (1) وزاد (النجاشي) ذكر بعض أصحابنا انه رأى
له رواية رواها عنه علي بن محمد البردعي صاحب الزنج وهذا أيضا
مما يضعفه (2) فانظر إلى تضعيفهم رحمهم الله وزيادته لرواية الضعفاء
عنه ولعل الغامز (ابن الغضائري) بل هو هو لما عرف من طريقته من التسرع
في القدح.

(1) راجع: الخلاصة: القسم الثاني - (ص 255) في ترجمة محمد
ابن الحسن بن عبد الله الجعفري.
(2) راجع: رجال النجاشي (ص 248) والبلوى هذا هو عبد الله
ابن محمد الذي ترجم له الشيخ في (الفهرست) والعلامة في (الخلاصة)
وابن الغضائري في رجاله الضعفاء وابن داود في كتاب الرجال وغيرهم (المحقق)
331

(قوله أعلى الله مقامه):
بل ربما كان مثل الرواية بالمعنى ونظائره سببا.
لا يخفى ان النقل بالمعنى بشرائطه مما لا بأس به اجماعا ونصا بل
لعله المتعارف بين الناس وديدنهم عليه كما صرح بذلك (السيد محسن)
في رجاله حيث قال - بعد نقله بلفظ القيل بان الظاهر هو حكاية اللفظ
بعينه ولقائل أن يقول: إن الظاهر هو العكس إذ الغالب هو الحكاية
بالمعنى كما هو جارى العادة ولا سيما في الاخبار الطويلة الخ.
(قلت) هو كما يقول أعلى الله مقامه - والشاهد له الرجوع
إلى الخارج وتتبع أحوال الناس في إخباراتهم فإنك لا تكاد تجد
من يحافظ على نقل خصوص الألفاظ من غير زيادة ولا نقصان ولعل
السر تعلق الغرض بالمضمون المعبر عنه بالصلب في الأخبار المرخصة في هذه
الطريقة وهذه العادة بل لعل الظاهر أن ذلك من الامضاء لا من الترخيص
في ابتداء تلك العادة إذ الظاهر أن ذلك هو الديدن بين الناس من قديم
الزمان إلى اخر الأبد.
(نعم) فيما كان الغرض تعلقه بنفس الألفاظ لو اتفق كما
في الخطب والزيارات والأدعية ونحوها فهناك لابد من النقل باللفظ لعدم
حصول الغرض الا به واما فيما عدا ذلك فلا بأس بالجميع أعني
النقل باللفظ والنقل بالمعنى لاعتبار الجميع مع جمعه الشرائط نعم
في مقام التعارض يترجح النقل باللفظ عليه وحينئذ فقد يطلق الضعف
على مثل ذلك وفى الحقيقة لا ضعف.
332

(قوله أعلى الله مقامه):
وقال جدي رحمه الله الغالب في اطلاقاتهم انه ضعيف
في الحديث أي يروى عن كل أحد انتهى فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إرادة رفع ما عساه يقال: من أن الغرض من ضعف
الرجل ضعف حديثه فأي فرق بين القولين كما عرفت أولا حيث
قلت: ثم اعلم أنه فرق ظاهر بين قولهم ضعيف وبين قولهم ضعيف
في الحديث فالحكم بالقدح فيه أضعف، بل نقول لا فرق بينهما إذ الثمرة
فيهما واحدة وهى ضعف الحديث وحينئذ فلا تفاوت بين قلة الإطلاق
في أحدهما دون الاخر أو تساويهما بان نقول الفرق بينهما واضح
فان ضعف الراوي المستفاد من اطلاق (ضعيف) يثمر ضعف الخبر وان
رواه عن عدل بخلاف الثاني أعني قولهم (ضعيف في الحديث) فإنه
يقبل لو رواه عن العدل والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وكانه لرواية ما يدل عليه ولا يخفى ما فيه وربما كان
غيرهما كذلك فتأمل.
لعل وجه الامر بالتأمل الدفاع ما يقال: إن تبين ضعف تضعيفهما
أعني ابن الغضائري وأحمد بن محمد بن عيسى في بعض الموارد
لا يوجب ضعف تضعيفهما مطلقا وفى جميع الموارد بان المدار في المدح
والقدح على حصول الوثوق والاطمئنان ومع ملاحظة ما ذكر من حالهما
لا يحصل الاطمئنان لما عرفت من أن سجيتهما التساهل في التضعيف
والتسرع إليه وهو موجب للوهن فيه وعدم الاعتماد عليه وإن كان
333

الداعي لهما الحرص على صون الروايات عن الخلل لكن كان عليهما
التأمل وعدم التسرع فيه كالتعديل بل لعل ذلك موجب للوهن في تعديلهما
لكشف ذلك عن حصول سجية لهما في التساهل والتسامح في أمورهما
من غير فرق بين الجرح والتعديل. وحينئذ فكما لا يعتنى بتضعيفهما
وجرحهما فكذا في تعديلهما لابتناء امرهما على التسامح والتسرع ومن كان
هذه حالته وذي سجيته لا يعتنى بأقواله.
(قوله أعلى الله مقامه):
لكن الكليني قائل به والأخبار الكثيرة واردة به ووجه
بأنها تثبت من الوحي إلا أن الوحي تابع ومجيز، فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى دفع ما يقال على هذا الوجه بأنه
مناف لظاهر (وما ينطق عن الهوى) إذ هو نطق عنه ولحوق الإجازة
لا يخرجه عن ذلك بان يقال المراد بالنطق عن الهوى ما كان
من محض محبته وميله ولم تلحقه اجازة وامر بما رآه راجحا اما لو أمر
بان يختار ما ترجح بإرادته فليس هو من النطق عن الهوى (وبيان ذلك)
في الجملة: ان الله سبحانه أكمل عقل نبيه فعرفه واطلعه على المصالح
والمفاسد ومقتضيات الاحكام بل وأسبابها قبل نزول الوحي بها وان ذلك
حصل لهم ببعض طرقهم من العلم كالنفذ في قلوبهم وهو من طرق الوحي
الخفى (وكيف كان) فليس هو من النطق عن الهوى لكنه مأمور
بالوقوف وعدم النطق حتى ينزل الوحي ظاهرا لمصالح هناك لا تحتملها
عقول الضعفة من خلقه كما يفصح عنه توقفه عن صفة الرب ونعته لما
سئل (صف لنا ربك) حتى جاءه الوحي بالتوحيد مع أنه بمكان
من البداهة والظهور وهذا معنى قوله أعلى الله مقامه الا ان الوحي
334

تابع ومجيز وهذا باب واسع عريض طويل لا يسعه المقام رزقنا الله
الوصول إلى أعلاه قبل لقاه انه الوهاب الذي لا يخيب من رجاه.
(قوله أعلى الله مقامه):
وسيجئ في محمد بن سنان ما يشير إليه بخصوصه، فتأمل.
(لا يقال): ان الذي يظهر مما في تلك الترجمة ان هناك شيئا
كان فزال كما يدل عليه قوله:
(فطرسية) (1) وهذا غير عدم إرادة

(1) يشير بقوله: (فطرسية) إلى ما ذكره الكشي في رجاله
(ص 488) بقوله: بعد ذكره لرواية في شان محمد بن سنان وشفاء
عينه - "... ووجدت بخط جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عبد الله
ابن مهران عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن سنان جميعا
قالا: كنا بمكة وأبو الحسن الرضا عليه السلام بها فقلنا له:
جعلنا الله فداك نحن خارجون وأنت مقيم فان رأيت أن تكتب لنا إلى
أبى جعفر عليه السلام كتابا نلم به قال فكتب إليه فقدمنا فقلنا
لموفق (هو خادم لأبي جعفر الجواد عليه السلام): أخرجه إلينا
فأخرجه إلينا وهو في صدر موفق فاقبل يقرأه ويطويه وينظر فيه ويبتسم
حتى اتى على اخره يطويه من أعلاه وينشره من أسفله قال محمد بن
سنان: فلما فرغ من قراءته حرك رجله وقال: ناج ناج فقال احمد:
ثم قال ابن سنان: فطرسية انظر في معنى فطرسية صدر الرواية التي
رواها الكشي عن حمدويه المتضمنة شكاية محمد بن سنان إلى الرضا (ع)
وجع عينه وكتابته كتابا إلى ابنه أبى جعفر الجواد عليه السلام ودعاءه
له بقوله: (ناج ناج) وذهاب كل وجع في عينه (المحقق).
335

الحقيقة من نفس القدح (لأنا نقول) ان الذي يشهد بما ذكرنا قول (فضل)
من منع الرواية عنه في حال الحياة لما فيه من الخوف من الناس (1)
(قوله أعلى الله مقامه).
كما وقع من الباقر عليه السلام بالنسبة إلى جابر
في الصادق عليه السلام كما سنذكره في ترجمة عنبسة.
نقل المصنف أعلى الله مقامه في ترجمة عنبسة عن الكافي في باب
النص على الصادق عليه السلام عن أبي الصباح ان الباقر عليه السلام
قال مشيرا إلى الصادق عليه السلام هذا من الذين قال الله
عز وجل: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا) الآية وعن جابر
الجعفي عن الباقر عليه السلام قال: سئل عن القائم فقال: هذا
والله قائم آل محمد قال عنبسة فلما قبض عليه السلام دخلت
على الصادق عليه السلام فأخبرته بذلك فقال: صدق جابر ثم قال
لعلكم ترون ان ليس كل امام هو القائم بعد الامام الذي كان قبله (2).

(1) الفضل هذا هو الفضل بن شاذان ويشير بمنع الفضل
الرواة عن الرواية عنه أحاديث محمد بن سنان في حال حياته إلى ما ذكره
الكشي في رجاله (ص 428) فإنه روى عن أبي الحسن علي بن محمد
ابن قتيبة قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان: ردوا أحاديث
محمد بن سنان عنى وقال: لا أحل لكم ان ترووا أحاديث محمد بن
سنان عنى ما دمت حيا واذن في الرواية بعد موته.
(2) راجع: ما ذكره المصنف الوحيد رحمه الله في التعليقة
(ص 253) في ترجمة عنبسة بن مصعب (المحقق).
336

(قوله أعلى الله مقامه):
وكذا بالنسبة إلى من روى عن الرضا عليه السلام
ومن بعده لما سنذكر في إبراهيم بن عبد الحميد (1) انهم
ما كانوا يروون عنهم عليهم السلام إلى غير ذلك من أمثال
ما ذكر فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى دفع ما عساه يقال: بأنه لا دلالة
في الرواية عن الإمام عليه السلام بمجردها على الاعتراف والاقرار به
حتى يكون ذلك علامة ودليلا على عدم الوقف ممن روى عن الرضا
عليه السلام إذ ليس بلازم على الراوي ان لا يروى الا عمن يعتمد عليه
بل كثيرا ما يروى عن غير الثقة وعن المجهول سيما في الروايات التي
تعدد فيها الطريق فان تكثير الطرق أمر مطلوب مرغوب إليه حتى تدخل
في قسم المستفيض بل المتواتر ولذا كثيرا ما يروون عن غير الثقة فكيف

(1) راجع التعليقة للوحيد (ص 59) وقد ترجم لإبراهيم بن
عبد الحميد الأسدي الكوفي الأنماطي هذا النجاشي في رجاله وقال:
روى عن أبي عبد الله عليه السلام وكذا ذكره الشيخ في الفهرست
ووثقه وقال: له أصل وكذلك ذكره في كتاب رجاله (ص 366)
في باب أصحاب الرضا عليه السلام فإنه قال: أدرك الرضا (ع)
ولم يسمع منه على قول سعد بن عبد الله واقفي له كتاب وذكره
أيضا في باب أصحاب الكاظم (ص 344) وقال: انه واقفي.
337

عن غير الامام بان يقال فرق واضح بين الرواية عن الامام المتظاهر
بالإمامة (1) والمعلوم بها بين الناس وسائر الفرق وبين غيره لدلالة الأول
على الاقرار والاخذ بقوله واتباعه وانه من اتباعه والقائلين به والا لما
روى عنه وهذه امارة واضحة والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
بل لعل الاحتمال الثاني أقرب فالمراد في علي بن حسان
هذا الاحتمال على أي تقدير فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى دفع ما يقال من أن تعيين الاحتمال
الثاني وهو عدم وجوده كبيرا في زمانه بحيث يصل إلى خدمته بل كان
كذلك بعده بالنسبة إلى علي بن حسان (2) دون الآخرين (3) على أي

(1) يعنى عن الرضا ومن بعده من الأئمة عليهم السلام -.
(2) هذا هو علي بن حسان بن كثير الهاشمي مولى لهم كما ذكره
الشيخ الطوسي في الفهرست (ص 124) والنجاشي في رجاله (ص 189)
وذكره الكشي أيضا في رجاله (ص 383) قال: " قال محمد بن
مسعود: سالت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان قال:
عن أيهما سالت؟ اما الواسطي فهو ثقة واما الذي عندنا يشير
إلى علي بن حسان الهاشمي فإنه يروى عن عمه عبد الرحمن بن كثير
فهو كذاب واقفي أيضا لم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام - ".
(3) الآخران هما سماعة بن مهران وحنان بن سدير راجع (ص 9)
في الفائدة الثانية و (ص 127) في ترجمة حنان بن سدير الصيرفي
و (ص 175) في ترجمة سماعة مهران من تعليقة الوجيد البهبهاني
طبع إيران التي بهامش رجال (منهج المقال) للاسترآبادي. (المحقق)
338

تقدير أعني على تقدير الأقربية وعدمها - من أين بان ذلك من جهة
قول علي بن فضال لما سئل عنه -: بأنه " كذاب " وهو واقفي أيضا
لم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام " فإنه ظاهر في الاحتمال الثاني
وإن كان كل من الآخرين محتملا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها قولهم ليس بذاك وقد اخذه خالي - رحمه الله - (1)
ذما ولا يخلو من تأمل.
الظاهر من هذه اللفظة ما استظهره أعلى الله مقامه من اشعارها
بالوثوق والمدح في الجملة ولعل الامر بالتأمل في آخر كلامه إشارة
إلى خفاء الدلالة من اللفظة المذكورة فيحتاج إلى العامل لا إلى دفع
ما يقال من أن نفى الاعلى لا يثبت الأدنى بان الظهور المذكور من حيث
تعارف الكلمة المزبورة لا من جهة ان النفي يثبت كما صدر من بعض
مشايخنا (2) فان ذلك انما يتم لو كان هناك لفظ متضمن لنفى الاعلى بان
يقال ليس بحيث يوثق به وثوقا تاما حتى يقال عليه ما قال من أن نفى
الاعلى لا يثبت الأدنى لكنه غير متحقق إذ ليس في المقام الا قولهم
" ليس بذاك " والكلام في معناه واحتمال (المصنف) ان يراد انه ليس
بحيث يوثق به وثوقا تاما بل استظهاره له فيما بعد في مقام الرد
على (خاله) وبيان حاصل المعنى المستفاد من هذه اللفظة وان قولهم:
" ليس بذاك " بمنزلة قولهم: ليس بحيث يوثق به وثوقا تاما، الذي

(1) خاله هو العلامة المجلسي الثاني صاحب (البحار).
(2) هو الشيخ ملا علي - رحمه الله - (المحقق)
(منه - رحمه الله)
339

لو قبل به كان إفادته لهذا المعنى مما لا اشكال به ولعل غرض شيخنا
- أعلى الله مقامه - انه لو سلمنا كون هذه اللفظة بمنزلة ما ذكرت من أنه
ليس بحيث يوثق به وثوقا تاما فمن أين يثبت ما ادعيت واستظهرت
من المدح في الجملة؟ وغاية اللفظ المذكور نفى الاعلى والامر هين.
(قوله أعلى الله مقامه):
وكذا أسباب الرجحان فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى دفع ما يقال: من أنه لا ثمرة في تفاوت
المراتب في المقامين أعني الرجحان والمرجحية بعد ان لم يكن الخبر حجة
بان الثمرة تظهر في مقام التعارض فيقدم الراجح من جميع الجهات
على المرجوح ولو من بعض الجهات، ولو تعارضت جهات الرجحان
والمرجوحية قدم الأقوى في الرجحان دون الأضعف فيه وترك الأشد
في المرجوحية، وقدم الأهون والأسهل فيها، وهذا هو الضابط الذي
يرجع إليه في سائر موارده ولا خصوصية لظن دون آخر بل مطلق
الظن معتبر في باب التراجيح (كما حررناه في رسالة مستقلة) والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها قولهم قطعي
هذا الوصف ذكره غير واحد من علماء الرجال في ترجمة الحسين بن
محمد بن الفرزدق كالعلامة في الخلاصة والنجاشي، وفى (الايضاح) -
بعد ذكر الاسم والنسبة إلى الأب والجد وجد الأب وهو (بجير) مع الضبط
بضم؟؟ الباء المنقطة تحتها نقطة وفتح الجيم واسكان الياء والراء أخيرا (قال):
340

" المعروف بالقطعي بضم القاف وإسكان الطاء، كان يبيع الخرق بالخاء
المعجمة المكسورة والقاف أخيرا وكل من قطع بموت الكاظم عليه السلام
كان قطعيا (1) وفى (التعليقة) على قوله: " وكل من قطع بموت الكاظم
- عليه السلام - كان قطعيا " لا يخلو من بعد فانا لم نجد من يوصف به
غيره مضافا إلى أنه من مشايخ التلعكبري، فكيف يناسبه هذا الوصف
فتأمل (2).
وعن الشهيد الثاني: " كتب ولد المصنف يعنى العلامة - على حاشية
(الايضاح) انها بفتح القاف لا ضمه قال: وانما هو من سهو
القلم " (3) وفى (منتهى المقال) بعد ذكر ما في (التعليقة) قال:
" أقول: الامر كما ذكره دام فضله - إلا أنه لم يظهر من (الايضاح)
وصفه بذلك (4).
قلت ظهور (الايضاح) في الوصف مما لا ينبغي إنكاره وإلا لكان
قوله: " وكل من قطع " الخ خلا عن الفائدة فليس هو الا للوصف
وأن ذا الترجمة داخل تحت هذه الكلية وعلى هذا فيكون ذو الترجمة ممن
قطع بموت الكاظم - عليه السلام - ومقتضى ذلك ان كل من قطع بموت

(1) راجع ايضاح الاشتباه للعلامة الحلى (ص 28) في ترجمة
الحسين بن محمد بن الفرزدق بن بجير القطعي (ص 28).
(2) راجع التعليقة للوحيد في ترجمة الحسين بن محمد بن الفرزدق
القطعي (ص 382).
(3) راجع تعليقات الشهيد الثاني - رحمه الله - على خلاصة العلامة
الحلي (مخطوط).
(4) راجع: منتهى المقال للشيخ أبى على الحائري في ترجمة الحسين
ابن محمد بن الفرزدق. (المحقق)
341

الكاظم عليه السلام فهو قطعي بالضم لا بالفتح كما عن (الملل
والنحل) (1) وكما يقول ولده في الترجمة وان الضم من سهو القلم
وفى (منتهى المقال) ان القطعي بالفتح من قطع بموته، وبالضم والفتح
بالنسبة إلى هذا القطعي أعنى الحسين ذا الترجمة الذي يبيع الخرق وان
الذي من سهو القلم ما ذكره ولده لا والده وهو موقوف على ترجيح
ما عن (الملل والنحل) وليس، وعليه يتجه ما ذكره أولا من إنكار
الوصف فيما ذكره في (الايضاح) لكن الشأن في ذلك والظهور المدعى
انما هو من جهة الساق وظهوره في الوصفية مما لا اشكال فيه والله أعلم
(قوله أعلى الله مقامه):
وليس كذلك بل هو ابن نوح كما ستعرف في إبراهيم
ابن عمر اليماني.
ذكر المصنف أعلى الله مقامه - في ترجمة إبراهيم بن عمر اليماني
الصنعاني " أن أبا العباس الذي يذكره (النجاشي) ليس بمشترك بل الظاهر أنه
ابن نوح لأنه شيخ (النجاشي) مع أن ابن عقدة بينه وبينه وسائط
مضافا إلى أن أبو نوح جليل والآخر عليل والاطلاق ينصرف إلى الكامل
سيما عند أهل هذا الفن خصوصا (النجاشي) فإنهم يعبرون عن الكامل به
اما الناقص فلا، بل ربما كان عندهم ذلك تدليسا فتأمل " (2).

(1) راجع كتاب الملل والنحل للشهرستاني (ج 1 - ص 278)
طبع القاهرة سنة 1368 ه‍.
(2) راجع (ص 24) من التعليقة المطبوعة بإيران بهامش
(منهج المقال) للاسترآبادي. (المحقق)
342

(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها قولهم من أصحابنا وربما يظهر من عبارتهم عدم
اختصاصه بالفرقة الناجية.
لا ينبغي التأمل في ظهور اللفظة المذكورة في الفرقة الناجية لو خلينا
ونفسها واطلقت مجردة عن القرائن ومع قطع النظر عن خصوصيات
الموارد ولا ينافي ذلك إرادة غيرها من أصحاب الأصول والمذاهب الفاسدة
كعبد الله بن جبلة ومعاوية بن حكيم لو كان من غيرنا فإنه محل اشكال
ولو ثبت فان ذلك لقرائن المقام وخصوص المورد (2).
(قوله أعلى الله مقامه):
ومع انتفائها فالراجح لعله الأول لما ذكر.
المراد انه مع انتفاء القرينة المعينة للمراد من قولهم (مولى) فالراجح
هو الأول وهو العربي غير الخالص لما ذكر من كونه الأكثر إرادة
ولكن لا يخفى انه انما يتم لو بلغت تلك الكثرة حدا يوجب الانصراف
إليه عند الاطلاق كما هو الشأن في غيره من الألفاظ التي استعملت في معان

(1) قال الشيخ في أول الفهرست: "... فإذا ذكرت كل واحد
من المصنفين وأصحاب الأصول فلابد من أن أشير إلى ما قيل فيه من
التعديل والتجريح وهل يعول على روايته أولا وأبين عن اعتقاده وهل
هو موافق للحق أو هو مخالف له لان كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب
الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة ".
(المحقق)
343

متعددة وهو في المقام لا يخلو من تأمل والله أعلم (1).
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها ان يؤتى بروايته بإزاء روايتهما إلى قوله والسابقة
أقوى منها فتأمل.
المراد بالسابقة " ترك رواية الثقة أو الجليل، أو تأول محتجا بروايته
ومرجحا لها عليها " ولا اشكال ولا ريب في كونها أقوى من هذه المتضمنة
للتوجيه والجمع لوضوح عدم اختصاصه بالأدلة لرجحان الجمع بين
الاخبار مهما أمكن وان لم يكن كل من المتعارضين حجة بل كانت الحجة
والدليل منحصرا في أحدهما إلا أنه لا بأس به صونا للاخبار عن الطرح
فلا يفيد التوجيه والجمع حجية كل من الخبرين حتى يفيد كون الراوي ثقة
ومعتمدا بل هو أعم، (نعم) ترك الرواية مع كون الراوي ثقة وجليلا
لأجل العمل بمقابلها كما في السابقة - دليل على وثاقة الراوي لمقابلها
بل وكونه أوثق وأشد اعتمادا، فيفيد التوثيق بل وكونه أقوى وهذا
بالنسبة إلى التوجيه والجمع واضح ولكن بالنسبة إلى صورة الطرح
المذكورة في هذه الامارات فلا بل هي عين ما ذكره في السابقة من ترك
رواية الثقة أو الجليل لأجلها بل والتخصيص للكتاب وغيره بها فإنه
من الطرح أيضا على أن يكون المراد من قوله: " من غير جهته "
أي من غير جهة الجمع بل تطرح ابتداء والظاهر كون المراد من الطرح
هنا طرح الرواية من غير جهة الراوي المجهول بل من جهة راو آخر

(1) إلى هنا انتهى المصنف مما علقه على الفائدة الثانية من الفوائد
للوحيد البهبهاني - طاب ثراه - وفيما يلي شرع في تعليقة على الفائدة
الثالثة منها فلاحظ. (المحقق)
344

فان ذلك يفيد اعتماد عليه، وإلا لكان الطرح من جهته أيضا وهو
خلاف ما فرض من كون الطرح من غير جهته وقد يقال " في السابقة "
بان ترك رواية الثقة أو الجليل أو تأول محتجا بروايته ومرجحا لها عليها
لا يدل على كون الراوي ثقة فضلا عن كونه أوثق إذ لعل رجحان
الرواية والعمل بها انما كان لأمور أخر خارجة عن الراوي توجب العمل
بها وتقديمها كشهرة عظيمة فتوائية واجماعات محكية على ذلك الحكم الذي
تضمنته تلك الرواية فان ذلك موجب للعمل بالرواية وان لم تحرز وثاقة
الراوي بل واحرز عدمها على الأظهر الأشهر بل لعل الكل عليه إلا
من شذ وندر بل صرح (المصنف) في فوائده الأصولية (1) بان كل
من قال بحجية الخبر قال بحجية الخبر الضعيف المجبور بالشهرة.
(والحاصل) فمجرد التقديم لا يدل على ما نحن فيه من الوثاقة بل
ولا على المدح ويمكن الجواب بان الغرض ان التقديم بمجرده لو خلينا
ونفسه ومع قطع النظر عن غيره من الامارات - لو كانت - هو من
الامارات لا مطلقا حتى مع لحاظ غيره من ساير الامارات ولعل الامر
بالتأمل إشارة إلى ذلك أيضا وإن كان بالنسبة إلى هذا الأخير بعيدا
والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها كونه كثير الرواية وهو موجب للعمل بروايته
مع عدم الطعن عند الشهيد، الخ.
لا اشكال ولا ريب في إفادة كونه كثير الرواية مدحا ما بل ومدحا
معتدا به لدلالته على علمه ومعرفته وزيادة بصيرته بل لو كان كثير

(1) فوائده الأصولية عتيقة وجديدة طبعا معا بإيران. (المحقق)
345

الرواية عن الإمام عليه السلام - بلا واسطة بل مشافهة وسماعا منه
كان ذلك دالا على أنه كثير الاتصال به شديد الصحبة له بل ربما يبلغ
ذلك به إلى كونه من خاصته وبطانته وهكذا لو كان كثير السماع من
الشيخ فإنه أعلى مراتب التحمل للرواية فإنه يفيد مدحا تاما سيما لو
كان من يتحمل منه من المشاهير أو من الاجلاء وكيف كان وعلى كل
حال فلا يفيد التوثيق والتعديل أصلا حتى مع عدم الطعن فيه فما عن
الشهيد (1) من القول بافادته ذلك مع عدم الطعن في محل المنع بل لا بد
من التنصيص عليه بالتوثيق أو ما هو بحكمه كما عن الشهيد (2) رادا عليه
نعم يكون بذلك في نظم الحسان كما عن جماعة عد حديث علي بن
الحسين السعد آبادي حسنا لكثرة روايته (3).
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها كونه ممن يروى عنه أو عن كتابه جماعة من الأصحاب
قد يقال (4) بتقييده بالواجبات والمحرمات فان كثرة الروايات
في المستحبات والمكروهات لا تدل على القوة والمدح للتسامح فيها.
(وأنت خبير) بان فتح باب التسامح في السنن لا ينافي الظهور

(1) المراد بالشهيد - هنا - الشهيد الأول محمد بن مكي الشامي العاملي.
(2) يريد بالشهيد - هنا - الشهيد الثاني زين الدين العاملي.
(3) راجع ما ذكره (الوحيد) في التعليقة (ص 122) في ترجمة الحكم
ابن مسكين وراجع أيضا (ص 229 - ص 230) في ترجمة علي بن الحسين
السعد آبادي.
(4) القائل هو الشيخ ملا علي رحمه الله. (منه قدس سره)
(المحقق)
346

المدعى وان رواية جماعة من الأصحاب عنه أو عن كتابه امارة على المدح
له ولكتابه بل ربما يدل على نوع اعتماد في الجملة سيما لو كانت
الجماعة كثيرة وخصوصا لو كان فيهم الجليل أو المعتمد أو من أهل
الاجماع إلى غير ذلك من الامارات التي يختلف لأجلها المدح قوة وضعفا
ولا فرق في هذا الظهور بين كون الاخبار متعلقة بالواجبات والمحرمات
أو كانت في السنن فتأمل جيدا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ويظهر مما سيذكر في عبد الله بن سنان ومحمد بن سنان
وغيرهما مثل الفضل بن شاذان وغيره.
لا يخفى ان مثل عبد الله بن سنان ومحمد بن سنان وأمثالهما غير
محتاجين فيهم إلى هذه الامارة وشبهها لتبين حالهم وظهور وثاقتهم
بل وجلالتهم ولكن غرض المصنف - أعلى الله مقامه - ان تبين حالهم
وظهور امرهم حتى صار بهذه المثابة بهذه الامارة وأمثالها فان علماء
هذا الفن شكر الله سعيهم - جمعوا تلك الامارات وضبطوا تلك الدلائل
حتى اتضح الحال وزال الاشكال فالغرض انها بنفسها من امارات المدح
والاعتماد فكيف إذا انضاف إليها غيرها مما هو مثلها أو أعظم منها كما
في عبد الله بن سنان ومحمد بن سنان واضرابهما ولكن قد يقال بان
الموجود في ترجمة عبد الله بن سنان غير ما بأيدينا إذ الموجود في (النجاشي)
في حقه - بعد الترجمة - وانه " ثقة من أصحابنا جليل لا يطعن عليه
في شئ روى عن أبي عبد الله - عليه السلام - (وقيل) روى
عن أبي الحسن - عليه السلام - وليس يثبت " ثم ذكر كتبه - ثم قال -
" روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمته في الطائفة وثقته
347

وجلالته " (1) ومن الواضح ان المستفاد منه ان الباعث لرواية الجماعات
والداعي لهم هو عظمته في الطائفة وكونه ثقة جليلا فيهم وهذا غير
ما نحن فيه من كون رواية الجماعة من امارات المدح والاعتماد وان المدح
أو الاعتماد انما أخذناه من تلك الامارات لا ان الباعث والداعي للاخذ
منه هو الاعتماد والوثاقة المحققة لهم من خارج فلذلك أخذوا عنه وأكثروا
كما في الترجمة على ما في (النجاشي) فهي أجنبية عن المقام مع أن الجماعة
المذكورة امارة غير الجماعات المذكورة في الترجمة.
(وقد يجاب) بان الظاهر من الكلام ثبوت نوع ارتباط وتلازم
بين روايات الجماعات والأمور المذكورة فإذا لم تعلم الأمور المذكورة وعلم
روايات الجماعات كان امارة للأمور المذكورة.
(فان قلت) روايات الجماعات غير رواية الجماعة وكون الأولى
امارة لا يستلزم كون الثانية كذلك
(قلت) رواية جماعة من أصحابنا وان لم يساو رواية الجماعات
ضرورة لكنه دال على تلك الأمور في الجملة جزما وليس هو بخال
عنها أصلا بل هو إمارة بالنسبة إلى مفاده وما يقتضيه وضعه وهذا
معنى قوله - أعلى الله مقامه -: " ويظهر مما سيذكر في عبد الله بن سنان "
واما محمد بن سنان فإنه - أعلى الله مقامه - ذكر فيه كلاما طويلا
واختار وثاقته وجلالته وانه من أهل الاسرار وقال في جملة كلامه:
" ومما يشير إلى الاعتماد عليه وقوته كونه كثير الرواية، ومقبولها
وسديدها وسليمها ورواية كثير من الأصحاب عنه، سيما مثل الحسين
ابن سعيد والحسن بن محبوب ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب

(1) راجع: رجال النجاشي (ص 158).
(المحقق)
348

وأحمد بن محمد بن عيسى وغيرهم من الأعاظم " الخ (1).
وفى الفضل بن شاذان ذكر - أعلى الله مقامه - ما يدل على ذلك
فإنه ذكر في ترجمته أحوال البخاري وانتقاله من بلد إلى بلد وفى كل
منها يأخذ عنه المحدثون ولا يمنعهم الحسد له لفضله وزيادة علمه وحافظته
بل يكثرون من الاخذ ويزدادون حتى " ازدحم عليه المحدثون في سمرقند
أكثر من مائة الف محدث وكان يحدثهم على المنبر حتى حسده مشايخ
سمرقند ثم جاء إلى نيشابور في أيام الفضل بن شاذان فاجتمع عليه
من المحدثين قريب من ثلثمائة الف محدث " الخ (2).
ودلالة هذا على ما ذكر واضح فان اخذ الجماعة للرواية من الشيخ
فضلا عن الكثير وفضلا عن الأكثر من الامارات والدلائل على الاعتناء
بالشيخ وحسن ظنهم به بل والاعتماد عليه في الجملة والا لم يأخذوا
منه ولم يتحملوا عنه ولا احتملوا مشقة ذلك وهكذا كما زاد الاخذ
والاخذ قويت الدلالة على المدح وحسن الحال وحينئذ فلا يقال إنه
ليس فيما ذكر في الفضل دلالة على المقام (كما وقع من بعض مشايخنا) (3)
لما عرفت من ظهور الدلالة وإن كان ما دل غير متعلق بخصوص
الفضل ولكن ذكر في ترجمته وإن كان متعلقا بأحوال غيره.

(1) راجع تعليقة (الوحيد) - ص 298 - في ترجمة محمد بن سنان.
(2) راجع تعليقة (الوحيد) - ص 260 - في ترجمة الفضل بن شاذان.
(3) هو الشيخ ملا علي - رحمه الله - (منه - قدس سره -).
(المحقق)
349

(قوله أعلى الله مقامه):
بل بملاحظة اشتراطهم للعدالة في الراوي يقوى كونه
من امارات العدالة.
لا يخفى ان اشتراط العدالة في الراوي لو قلنا به فإنما هو
من جهة العمل لا لمجرد الرواية (وقد يقال) بان اخذ الرواية
من الراوي ليس الا للعمل وعلى ذلك الديدن فتأمل جيدا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
والتخلف في الأمارات الظنية غير عزيز ولا مضر كما مر
في الفائدة الأولى فتأمل
لعل وجه التأمل ان التخلف إذا كان في الأمارات الظنية غير عزيز
خرجت الامارة عن كونها امارة لان العام لا يدل على الخاص فلا
معنى لنفى كونه مضرا بل ذلك خلل في كون الامارة إمارة.
(فيجاب) بان حجية الامارة انما كان من جهة حصول الظن بها
وهو انما يكون مع عدم المعارض لها المقدم عليها لقوته فحيث لا معارض
فاللازم اتباعها وهذا معنى كون التخلف غير مضر.
(قوله أعلى الله مقامه)
ومنها رواية محمد بن إسماعيل بن ميمون وجعفر بن بشير
عنه أو روايته عنهما فان كلا منهما امارة التوثيق لما ذكر
في ترجمتهما.
فإنه ذكر في ترجمتهما انما رويا عن الثقات وروى الثقات عنهما وليس
350

ذلك الا لمزية لهما على ما عداهما من الرواة وحينئذ فإذا رأينا أحد هاذين
الشخصين روى عن رجل كان في ذلك نوع امارة على المدح والقوة ان لم
يكن على الوثاقة في الجملة إذ تلك القضية أعني انهما يرويان عن الثقات
ويروى الثقات عنهما اما أن تكون كلية متضمنة للحصر بمعنى انهما لا يرويان
الا عن ثقة كما قيل في ابن أبي عمير والبيزنطي بل ولهما زيادة ان
الراوي عنهما لا يكون الا ثقة ومنشأ ذلك التتبع واستقراء حالهما ولكن
حيث كانت هذه الدعوى بعيدة في نفسها ومحتملة الخطأ والاشتباه من قائلها
لم تكن مفيدة للتوثيق عندنا مضافا إلى العلم الاجمالي بوجود الجارح بل
وكثرته اللازم لأجله البحث والفحص ما أمكن والا فالحكم بالجهالة
الموجبة لسقوط الخبر عن الاعتبار لعدم احراز الشرط الذي هو الوثاقة
(نعم) ربما يحصل من ذلك نوع مدح في الجملة هذا لو كان المراد
بتلك القضية الحصر المذكور.
واما لو كان المراد الغلبة بمعنى ان الغالب في الراوي عنهما والذي
يرويان عنه هو الثقة كما لعله الظاهر من هذه العبارة فمن حيث قاعدة
الغلبة وان المشكوك يلحق بالأعم الأغلب ربما يحصل هناك مظنة بوثاقة
ذلك الراوي أو المروى عنه لكنه كما ترى (نعم) ربما يحصل من ذلك
نوع سكون في الجملة في الراوي عنهما والذي يرويان عنه الا انه لا ينفع
في مقام العمل كما هو واضح.
(نعم) يفيدنا ذلك زيادة مدح في الرجلين المذكورين إذ في رواية
الثقة الواحد عن شخص امارة المدح فكيف الثقات لكنه أجنبي
عما نحن بصدده من معرفة حال الراوي عنهما والذي يرويان عنه.
351

(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها وقوعه في سند حديث وقع اتفاق الكل أو الجل
على صحته إلى قوله - فتأمل.
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى دفع ما يقال من أن اتفاق الكل أو الجل
لعله ناشئ عن اجتهادهم فيكون ذلك نافعا لهم في عملهم، أمالنا فلا
إذ ليس ذلك قول الفقهاء في الكتب الاستدلالية التي لم تعد للشهادة في الصحيح
أو الموثق إلى غير ذلك.
(ووجه الدفع) بان اتفاقهم على الاجتهاد مثلا لعله يوجب الظن
بوثاقة الرجل لا أقل من إفادته المدح المعتد به جزما، والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وقريب مما ذكر قولهم فقيه فتأمل.
لا يخفى ان هذا اللفظ بنفسه من دون ضم قولهم من فقهائنا أو
من أصحابنا أعم من كونه من فقهائنا (فدعوى) انه قريب ما ذكر
الذي ضم إليه من فقهائنا (محل منع) وقد يقال بان ايراده في الكتب
الرجالية مع عدم التعرض لفساد مذهبه ظاهر في كونه من أصحابنا ولعل
الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
واعترض جدي - رحمه الله - عليهم بان العادل إذا
أخبر بالعدالة أو شهد بها فلابد من القبول انتهى فتأمل:
حاصل الاعتراض على المحقق الشيخ محمد والشهيد وصاحب المعالم
352

ومن حذا حذوهم في التوقف في تزكية العلامة وابن طاووس ومن ماثلهما
ان الرجالي المزكى بعد احراز عدالته لا بد من الاخذ بخبره والعمل على وفق
ظاهره إذ هو خبر عادل فيشمله ما دل على اعتباره ولا يلتفت
إلى احتمال خطئه أو غفلته أو تسرعه والا لا نسد باب القبول لاخبار العدول
لعدم سلامتها من ذلك (نعم) لو قامت في مورد امارات الاشتباه والخطأ
تركناه أو عرف من حاله التسرع كابن الغضائري والا فلا وجه للتوقف
ولا خصوصية للعلامة وابن طاووس بل المدار على ذلك واحتمال انه
اخذه عن غيره تقليدا له كالعلامة عن النجاشي لا يلتفت إليه لمنافاته
لظاهر التزكية من كونها على سبيل الاستقلال مع أنها لو كانت من محض
التبعية والحكاية لكانت تدليسا إذ هي حكاية بصورة الشهادة والعادل
لا يدلس (وقد يقال) بان التوقف في مثل العلامة ممن عرف منه التسرع
وعدم التثبت التام كابن الغضائري فلا تحصل الطمأنينة بتوثيقاته ولعل
الامر بالتأمل إشارة إلى هذا (ويحتمل) انه إشارة إلى أن خبر العادل
بالعدالة إن كان من باب الشهادة فلا معنى لوجوب القبول على الاطلاق
بل لابد من حصول الشرائط للقبول من التعدد وغيره مع أنه لو تحقق
التعدد بالنسبة إلى الكتب الرجالية كما هو المبتلى به في هذه الأزمان فليس
ذلك من الشهادة بل ولا من الخبر إذ هي رسوم ونقوش والشهادة
والخبر من مقولة الألفاظ كما عرفت سابقا في أول الكتاب وحينئذ
فليس الا ان نقول بان التزكية المتداولة في هذه الأزمان ليس إلا
من باب الظنون الاجتهادية وحينئذ فيدور الامر مدار الظن لا انه
لابد من القبول على كل حال كما يقوله المجلسي الأول الذي هو جده
- أعلى الله مقامهما.
353

(قوله أعلى الله مقامه): وإن كان ما سنذكره في محمد بن سنان عنه ربما يأبى
عنهما (1) لكن يمكن العلاج.
ربما يكون وجه الإباء منافاة توثيق المفيد - رحمه الله - في (الارشاد)
لتضعيفه في رسالته في الرد على الصدوق رحمه الله - في أن رمضان
لا ينقص مستدلا بحديث حذيفة بن منصور عن مولانا أبى عبد الله
عليه السلام قال: " شهر رمضان لا ينقص ابدا " فإنه قال في رده
" وهذا حديث شاذ نادر غير معتمد عليه في طريقه محمد بن سنان وهو
مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه وما كان هذا سبيله
لم يعمل عليه في الدين " انتهى.
وحينئذ فلعل ذلك يقضى بعدم الوثوق بتلك التوثيقات لكشفها
عن عدم التثبت وعدم التروي على الوجه الأكمل فعلى هذا لا خصوصية
لتوثيقات (الارشاد) بل المدار على التثبت وعدمه ووجه العلاج امكان
عدول المفيد - رحمه الله - عما في الرسالة أو إرادة الالزام على الصدوق
- رحمه الله - بما لعله يعتقده من ضعف محمد بن سنان والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وفى العلة نظر فتأمل.
اما وجه النظر فلان اختصاص المفيد - رحمه الله - بتوثيق جماعة
دون كتب الرجال كاختصاص بعض كتب الرجال به دون سائرها فكما

يعنى عن القوة والاعتماد راجع التعليقة للوحيد (ص 11)
طبع إيران. (المحقق)
354

ان اختصاص الشيخ مثلا بتوثيق رجل لا يضر به عدم توثيق الباقين
ضرورة عدم اعتبار الاتفاق في التوثيق فكذلك توثيق المفيد واما وقوع
التصريح بضعفهم من غيره على وجه يقرب الاتفاق فحاله كحال تصريح
غير الشيخ مثلا بضعف رجل مع توثيق الشيخ فكما ان تقديمه عليه
من باب تقديم الجرح على التعديل أو من باب الترجيح فكذلك تقديمه
على قول المفيد.
واما وجه الامر بالتأمل فهو دفع ما قد يقال من أن صدور ذلك
من المفيد مرارا يوجب قوة احتمال ارادته من التوثيق أمرا اخر كما قد
يقال بل قيل في اجماعات الغنية والخلاف والسرائر (1) بان مخالفة
جماعة أو الاجماع لا يوجب الوهن في دلالة كلام المخالف والا لم يحكم
بمخالفة أحد للاجماع أو للشهرة والتالي باطل بالبديهة والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وربما تعد من الصحاح بناء على أنه يبعد ان لا يكون
فيهم ثقة وفيه تأمل.
وجه التأمل واضح لمنع الاستبعاد:
(أولا) لكثرة الرواة غير العدول بل العدول في جنب غيرهم
أقل قليل:
(وثانيا) لو سلم الاستبعاد فلا يثمر في تصحيح الخبر لوضوح
عدم احراز موضوع الصحيح الذي هو العدل الامامي على اصطلاح
المتأخرين إذ غاية الاستبعاد المدعى حصول المظنة وهى غير نافعة نعم

(1) الغنية لابن زهرة والخلاف للشيخ الطوسي والسرائر لابن
إدريس الحلى وكلها مطبوعة بإيران. المحقق)
355

على اصطلاح المتقدمين هو موثوق بصدوره فالموضوع محرز بعد فرض
كون الراوي هو الثقة الجليل عن غير واحد أو عن رهط كما هو العنوان
ولا حاجة في ذلك إلى احراز موضوع الثقة لعدم توقف الاصطلاح القديم
عليه إذ مداره على الظن والاطمئنان بالصدور وهو حاصل بدونه
لكنه غير مراد المصنف والا لم يتم قوله: " بناء على أنه يبعد الخ
كما هو واضح ويحتمل في وجه التأمل ما افاده (بعض مشايخنا) (1)
وهو انه كما أن تعدد الراوي موجى لقوة الرواية فكذلك وثاقة الراوي
بل الثاني أولي وأقوى لحجية خبر العدل دون غيره.
(قلت): أو للاتفاق على حجية خبر العادل دون غيره فلو كان
في الجماعة عدل لكان اللائق بل اللازم بحال الراوي ذكره ليكون أولي
في الاعتماد عليه كما هو الغرض من تحمل الرواية واخذها ونقلها فعدم
ذكره لعله ظاهر في عدم وجود العدل فيهم نعم لو كان هناك مانع
لذكر العدل لنسيان الراوي أو تلف كتب الأسانيد كما اتفق لابن أبي عمير
جاء ذلك الاستبعاد هكذا أفاد الأستاذ أعلى الله مقامه.
ولكنك خبير بان المطلب بعد محتاج إلى ما ذكرنا من عدم الفائدة
في الاستبعاد المدعى لو سلمناه إذ الغرض صيرورة الخبر صحيحا
ومحض الاستبعاد لا يثبته كما هو واضح ولعله لوضوحه تركه والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وقال في المدارك لا يضر ارسالها لان في قوله غير واحد
اشعارا بثبوت مدلولها عنده وفى تعليله تأمل فتأمل.
وجه التأمل ان هذا الاشعار المدعى إن كان مجرد احتمال فحق

(1) هو الشيخ ملا على - رحمه الله - (منه قدس سره)
356

لكنه لا ينفع وإن كان المدعى بعنوان الظهور بحيث يساوى سائر الظواهر
اللفظية التي قام الاجماع على اعتبارها ففي محل المنع إذ لا وضع لهذا
اللفظ في هذا المعنى كما هو واضح ولا قرينة بالفرض.
(ثم لو سلمنا) ثبوت هذا المدلول عنده بحيث يصح له العمل به
فلا ثمرة لنا بحيث يصح لنا العمل به أيضا إذ لم يثبت لنا ذاك المدلول
بطريق معتبر لفرض جهالة الراوي وعدم احراز وثاقته.
(نعم) لو لم نقتصر على الثقة وقلنا باعتبار صحيح القدماء كان
الامر دائرا مداره ولا يلزم فيه فرض المقام من كون الراوي غير واحد
وكذا لو قلنا باعتبار اخبار أهل الاجماع كما هو ظاهر سيما مثل ابن أبي
عمير كان اللازم العمل به ولا يشترط فيه كون المروى عنه غير
واحد كما هو فرض (المدارك)، مع أنه غريب على طريقته من عدم
قبوله المراسيل ولا فرق بين المفروض الذي هو تعدد الراوي واتحاده
وحصول الظن بالصدق والتفاوت فيه لا يناسب طريقته في الاخبار والله أعلم
ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى المغشوشية في أصل كلام (المدارك)
كما نبهنا عليه والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
مع احتمال الصحة لبعد الخلو عن الثقة.
قد عرفت ما فيه مع أنه تأمل سابقا في نظيره الذي لا فرق بينهما
لتحقق الاحتمال فيهما فاللازم الاقتصار على قوله سابقا على هذا والا
فهي قوية غاية القوة فلاحظ وتأمل.
357

(قوله أعلى الله مقامه):
كذا قال المحقق الشيخ محمد رحمه الله وفيه تأمل ظاهر
الوجه ما قاله المحقق إذ لا يفيد قول الثقة: " لا احسبه الا فلانا "
التوثيق له كغيره من التوثيقات المعتبرة عندهم بل غاية ما يفيد انما هو
الظن بمساواة هذا الرجل الذي قيل في حقه ذلك لفلان الذي يحسبه هو
عنده وليس هذا من الشهادة بالتوثيق لو قلنا بان التزكية منها ولا هي
من الخبر لو قلنا بأنها منه كما هو المشهور، وحينئذ فكيف يتم ما نسب
إلى ظاهرهم من العمل به والبناء عليه كما ذكر المصنف إذ غايته انه
ظن عند هذا القائل، أو اعتماد وتعويل وهو غير معتبر لأصالة حرمة
العمل بالظن مطلقا الا ما قام عليه الدليل من اجماع أو غيره وهو في المقام
غير ثابت كما هو واضح فتأمل المصنف غريب بل دعوى ظهوره أغرب (نعم)
يتم لو حصل من قول هذا القائل ظن بحسن حال هذا الشخص الذي قيل
في حقه هذا القول أو بوثاقته كان نافعا لا بمجرد هذا القول كما هو
ظاهر نسبة المصنف إليهم ولعل غرض المصنف هو صورة حصول الظن
من قوله لا مطلقا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ولما تعذر يكتفى بالظن الأقرب وهو الحاصل بعد البحث
هذا هو الوجه إذ لا دليل على اعتبار الظن قبل البحث والأصل
عدمه هذا مع تيسر البحث اما مع تعذره لفرض جهالته كما هو
المفروض فلا دليل على كفاية الظن مطلقا فالأصل عدم الاعتبار.
(وبعبارة أخرى) الشرط في قبول الخبر عدالة الراوي السالمة
358

من الجرح وهو غير محرز وتعذر الشرط لفرض الجهالة لا يقضى
بسقوط الشرط كما لو كان أصل التوثيق غير ثابت لجهالة الرجل فان
أحدا لا يدعى قبول خبره لعدم ثبوت الشرط الذي هو العدالة لو قلنا
باشتراطها ومجرد العجز عن تحصيل الشرط لا يقضى بسقوطه، وهكذا
لو ثبت التوثيق من أحد واحتمل وجود الجارح لم يكن ذاك التوثيق نافعا
لعدم الدليل على اعتباره ونفى الجرح بالأصل لا وجه له بعد العلم
الاجمالي بوجود الجارح بل وكثرته وحينئذ فاللازم سقوطه والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
وكون المعتبر هو أقوى مراتبه لم يقل به أحد، الخ.
هو كما يقول أعلى الله مقامه - وهو في غاية القوة والمتانة لما في الاقتصار
على الأقوى من تعطيل الاحكام لكثرتها وتحقق التكليف بها مع أن
احراز الأقوى متعسر بل متعذر إذ ما من ظن الا وفوقه ما هو أقوى
منه حتى ينتهى إلى العلم فاما ان تعتبره بخصوصه والاجماع على خلافه
وأنت لا تقول به واما ان تقول بكفاية الظن (نعم) لك ان تقول
باعتبار الظن الاطمئناني لعدم العلم بكفاية ما دونه في مثل المقام الذي هو
احراز كون الراوي ثقة بعد تعذر العلم أو عدم التكليف له لتعسره كما
هو الشأن في سائر التوثيقات بل وسائر الظنون الرجالية وليس لقائل
أن يقول: تعيين هذه المرتبة من الظن من أين إذ هو على الأصول
والضوابط بعد فقد ما يدل على كفاية ما دونها والأصل العدم وحينئذ
فنأخذ مرتبة وسطى لا مطلق الظن ولا العلم، وخير الأمور أوسطها
فقول (المصنف) فيما بعد: " وتخصيص خصوص ما اعتبرت من الحد بأنه
إلى هذا الحد معتبر دون ما هو أدون من ذلك أنى لك باثباته إن أراد
359

خصوص الأقوى فهو كما أفاد سابقا من مخالفته للاجماع وغيره وإن كان
غرضه الاكتفاء بما دونه مطلقا وان لم يصل إلى الحد الذي ذكرنا
من الاطمئنان ففي محل المنع إذ يكفي في تعيينه الأصول وكون
الظن الحاصل في بعض التوثيقات لا يزيد على المقام بل هو اما مساو له
أو أدون كما أفاد فيما بعد لا يقضى باعتباره بعد كون اعتبار ذلك التوثيق
للدليل أعني ما دل على اعتبار الشهادة به أو الخبر لو قلنا بأحدهما -
أو الظن الحاصل بعد البحث والفحص عن المعارض حيث تيسر كما هو
الظاهر فاللازم مع عدم تيسر البحث عن المعارض طلب ما يطمأن به
من الظنون.
(نعم) مع عدم تيسره وتحقق التكليف في المورد فعلا يكتفى بمطلق
الظن كما هو الشأن في سائر الموارد ولعل الامر بالتأمل أخيرا إشارة
إلى ذلك فلاحظ وتأمل جيدا والله أعلم
(قوله أعلى الله مقامه):
والاعتراض بان كثيرا من مشايخ الإجازة كانوا فاسدي
العقيدة مندفع إلى قوله فتأمل.
حاصل الاعتراض بان كثيرا من مشايخ الإجازة كانوا فاسدي العقيدة
فكيف يصح الحكم بالصحة لمحض كونهم مشايخ الإجازة كما يقول الجماعة
الذين حكى عنهم وحاصل الدفع الذي ذكره أعلى الله مقامه انه
لا منافاة مع إرادة العدالة والوثاقة بالمعنى الأعم المتناول لفاسد العقيدة
وانما تكون المنافاة لو كان المراد خصوص المعنى الأخص وهو غير
مراد لهؤلاء الجماعة ولكن لا يخفى ان هذا لا يصحح اطلاق الصحة
بعد ظهورها في المعنى الأخص وهذا هو غرض المعترض ولعل الامر
360

بالتأمل إشارة إلى هذا والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
(على أنه ربما يكون ظاهر شيخية الإجازة حسن العقيدة
الا ان يظهر الخلاف فتأمل).
لا يخفى ان ظهور حسن العقيدة من شيخية الإجازة لو سلم
انما هو مع وجود هذا اللفظ اما مع عدمه ودعوى كون الذي اطلق
في حقهم لفظ الصحة انهم من مشايخ الإجازة كما في المقام، فلا، ولعل
الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك وقد يقال بان المقصود والغرض انما هو
حصول المظنة بحسن العقيدة وهى حاصلة بعد احراز شيخية الإجازة ولو
من الخارج إذ يبعد طلب الحديث والاستجازة فيه وفى روايته من غير
الامامي سيما مع امكان الاستجازة من الامامي لظهور التعصب
في الامامية القاضي بالتحاشي من غيرهم مهما أمكن سيما في طلب الروايات
المتعلقة بالدين فحيث لم يعلم شيخ الإجازة بسوء العقيدة تحصل المظنة
بحسنها وهو كاف كغيره من موارد الظن المتعلقة بالرجال التي ثبتت
كفايته فيها كالاتحاد والتعدد والتشخيص للمشترك إلى غير ذلك وهذا
متجه حيث يحصل الظن ولكن الشأن في دعوى حصوله بمجرد احراز
كونه شيخ اجازة مع الاعتراف بكثرة مشايخ الإجازة من فاسدي العقيدة
كما سبق فان ذلك يقضى بتعارف الاستجازة من فاسدي العقيدة من دون
تحاش أصلا كما يقضى به الاعتبار إذ بعد وثاقة الرجل في دينه وضبطه
واتقانه في الحديث بحيث عرف ذلك من حاله فأي بأس في الاستجازة
منه واخذ الأحاديث عنه وما كان اخذ الأحاديث عن غير الامامية
بأعظم من العمل بها من غيرهم بل غاية ما يقصد من الاخذ انما هو
361

العمل وهاهم يعملون باخبار غير الامامية كما يعملون بها كما عرفت
في غير مقام ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها أن يكون الراوي من آل أبي الجهم إلى قوله فتأمل.
لعل وجه التأمل دفع ما يقال من أن ما يذكر في الترجمة (1) المزبورة
ان آل أبي الجهم بيت كبير وبيت جليل وذلك لا يفيد ولا ينفع فيما
نحن فيه من ذكر الامارات للمدح أو الاعتماد بان المراد بالجلالة
والكبر ما كان من جهة الرواية وبالنسبة إلى ما يتعلق بالحديث لان
الرجالي انما يتكلم في أحوال الراوي من حيث الرواية ولعل الوجه
في التأملات الآتية المذكورة في الآل ذلك أيضا فان المذكور في ترجمة
جعفر بن المثنى انه من بيت آل نعيم وهم من بيت جليل وفى عمر
ابن أبي شعبة: ان آل أبي شعبة بيت مذكور في أصحابنا فلاحظ وتأمل
والله الهادي المعين.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومنها ان يذكره النجاشي أو مثله ولم يطعن عليه فإنه ربما
جعله بعض سبب قبول روايته منه على ما سيجئ في الحكم بن
مسكين فتأمل.
لا يخفى ان الرجالي النجاشي كان أو غيره إذا ذكر رجلا ولم
يطعن عليه لا يدل على مدح له فضلا عن الوثاقة والاعتماد لوضوح ان

(1) يريد بالترجمة المزبورة ترجمة منذر بن محمد بن منذر وسعيد بن أبي
الجهم فراجع التعليقة للوحيد (ص 12).
362

ذلك بمجرده أعم من كونه معلوما لديه أو مجهولا (نعم) لو كانت بذاك
قرائن اتبعت كما أنه لو كانت هناك قرائن دالة على كونه اماميا عنده
أيضا كانت متبعة كالمذكور للشيخ في (الفهرست) فإنه ينبغي القطع
بكونه اماميا عنده لأنه فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنفين
منهم كما صرح هو بذلك في أول (الفهرست) ومثله القول في رجال
النجاشي لتصريحه في أول كتابه بأنه لذكر سلف الامامية رضوان الله
عليهم و مصنفاتهم وهكذا كل من كان على هذا النهج وعرف به
فان ذلك من أعظم القرائن على كونه اماميا عنده كما اعترف بذلك
غير واحد منهم اما مجرد ذكر الرجالي رجلا من غير قدح وإشارة
إلى مخالفته في المذهب فلا يدل على صحة العقيدة وانه امامى كما عن (الحاوي)
واستجوده في (منتهى المقال) هذا بالنسبة إلى صحة الاعتقاد وفساده
واما بالنسبة إلى الوثوق والاعتماد على قوله بمجرد عدم الطعن عليه فأولى
بعدم الدلالة كما هو واضح وحينئذ فقول هذا البعض بان ذكر (النجاشي)
له مع عدم الطعن يكون سببا لقبول روايته كما ترى في غير محله ولعل
الامر بالتأمل إشارة إلى ذلك.
(قوله أعلى الله مقامه):
ومن القرائن لحجية الخبر وقوع الاتفاق على العمل به
إلى أن قال أو التجربة مثل ما ورد في خواص الآيات
والأعمال والأدعية التي خاصيتها مجربة مثل قراءة آخر الكهف
للانتباه في الساعة التي تراد وغير ذلك.
عد التجربة من القرائن الموجبة لحجية الخبر مما لا وجه له لوضوح
ان غاية ما يستفاد منها هو الظن ولا دليل على اعتبار الكبرى
363

بل الدليل على عدم اعتباره قائم حتى في السنن فان أحدا لا يقول
باعتبار مجرد الظن فيها. (نعم) لو جاء خبر فيها غير جامع طريقه لشرائط
الحجية كان مثبتا لها على المشهور للاخبار المعتبرة النادبة للاخذ به والحاثة
والمرغبة عليه وان لم يكن فيه تجربة فجعله التجربة من جملة القرائن
على اعتبار الخبر في محل المنع سيما في الاحكام الالزامية كالوجوب
والحرمة. (نعم) ذاك يتم بناء على اعتبار الظن المطلق كما هو عليه
على الظاهر كما يدل عليه تأمله في (فوائده الأصولية) في استفادة الحكم
الشرعي من الرؤيا لو اتفق بل ربما يظهر منه الميل إلى لزوم اتباعه
مستندا إلى ما روى عنهم من أنه (من رآنا فقد رآنا فان الشيطان
لا يتصور بصورنا ولا بصور أحد من شيعتنا) وهو كما ترى مخالف للأدلة
القطعية والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
أو تأليفا لقلوبهم أو استعطافا لهم إلى التشيع أو غير ذلك
فتأمل.
لا يخفى ان اللازم في موارد تعارض الامارات الرجوع إلى الترجيح
وتقديم أقواها ولا خصوصية في ذلك لمورد فما نحن فيه من تعارض
الامارات في الراوي بين كونه من الشيعة أو المخالفين حاله كسائر الموارد
التي وقع فيها التعارض والحكم في الجميع واحد وهو تقديم أقوى الامارتين
فإذا كانت امارة التشيع أقوى قدمت وحمل المعارض على مالا ينافيها
وهذا معنى قول المصنف أعلى الله مقامه - هنا: " فتحمل كيفية الرواية "
كما يتفق لبعض الرواة " يقول عن جعفر عن أبيه " بهذه العبارة الوحشة
التي لا تناسب من اعترف كونهم حججا على الخلق وانما تناسب من بنى
364

انه أحد الرواة فهي ظاهرة في عدم التشيع ولكن لرجحان معارضها
تحمل هذه الكيفية من الرواية على التقية أو غيرها من الوجوه التي ذكرها
وغيرها ولعل الامر بالتأمل إشارة إلى ما نبهنا عليه والله أعلم.
(قوله أعلى الله مقامه):
بل ربما ظهر مما ذكرنا ان القدح بامثالها مشكل وان
لم يصادمها التوثيق والمدح، فتأمل).
لعل الامر بالتأمل إشارة إلى دفع ما يقال من أنه لا اشكال في أن مثل
الكتابة والولاية من قبل الجائر إعانة على الظلم فيشملها أدلة حرمة الإعانة
على الاثم غاية الأمر انه لو كانت امارة تعارض ذلك الظهور عول
عليها أو يتردد إن كانت مما يقاوم ذلك الظهور والا فالتعويل عليه
كما في سائر أسباب القدح والمدح وحينئذ فأي معنى للاشكال والتأمل
(ووجه الدفع) والجواب عنه ان مثل الكتابة والولاية من قبل الجائر
ليست محرمة مطلقا وعلى كل حال بل حرمتها منوطة بقصد الإعانة
على الظلم ومع الشك فأصالة الصحة في أفعال المسلمين جارية بلا اشكال
ولا خلاف ومجرد الظهور لا عبرة به وحينئذ فإذا وصف الراوي
بكونه كاتب الخليفة أو واليا من قبله مثلا لا يحكم بالقدح فيه
لوقوع ذلك على وجوه فلعله لا يوجب القدح والأصل الصحة اجماعا
وحينئذ فلا فرق بين هذين الوصفين وبين غيرهما مما ظاهره القدح ككونه
يشرب النبيذ مثلا لا يحكم بمجرده بالقدح لاحتماله وجوها في بعضها العذر.
(فان قيل) هذا موجب لسد باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
اللذين بهما قوام الدين وإحكام شريعة سيد المرسلين إذ العمدة في مواردهما
انما هو التعويل على ذلك الظهور كما هو الغالب فإذا بطل التعويل عليه
365

كان ذلك سدا لبابهما ومبطلا لأدلتهما.
(قيل له) لا عبرة بالظهور في بادئ بدء ومن أول وهلة اما لو احتف
ذلك الظهور بقرائن تؤكده بحيث يحكم العقلاء بمقتضاه ويعد تركه
من التهاون في الدين فلا، (وبالجملة) المرجع في تشخيص الموضوع
في هذين البابين إلى العقلاء والا فالمرجع قاعدة الحمل على الصحة لقوتها
جدا مع أن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر مشروط بشروط لو شك
في حصولها لدفعناه بالأصل وحينئذ فلنا ان نترقى ونقول لا تجري قاعدة
الامر بالمعروف والنهى عن المنكر الا مع القطع بالموضوع والا فمع احتمال
الصحة فاللازم اجراء قاعدتها لما علم من اهتمام الشرع بستر معائب عبيده
مهما أمكن كما هو المستفاد من تتبع موارد الشرع ولعل امره بالتأمل
في آخر ما ذكره في امارة شرب النبيذ إشارة إلى ما ذكرنا من الايراد
ودفعه.
(وحاصل) ما نقول: إن خبر الواحد وإن كان حجة ويجب
الالتزام بمضمونه الا انه لا يزيد على المحسوس والمشاهد والمرئي والمسموع
بل أقصاه تنزيله منزلته وهو بمجرده لا يوجب قدحا فانا إذا رأينا أحدا
يضرب يتيما أو يشرب نبيذا فلا نحكم عليه بأنه ظالم لليتيم وفاعل في شربه
للحرام ولم نعلم وجهه أكان ضربه للتأديب مع اذن فيه أم لا وهل
كان شرابه للتقية وللتداوي أو نحوهما من الوجوه التي يعذر فيها أم لا؟
فكيف يسوغ لنا ذمه ولم نحرز ما يوجبه بل نبقى بالنسبة إلى حامله
من المترددين هذا مع قطع النظر عن قاعدة حمل المسلم على الصحة إذ هو
على القاعدة لا يحتاج إلى قاعدة أخرى بعد كون الفعل مشترك الوجوه
فهو كاللفظ المشترك فكما انه لا يجوز حمله على معانيه من دون قرينة
366

معينة لصلاحية اللفظ في حد ذاته للجميع فصرفه إلى بعضها بخصوصه
دون غيره ترجيح بلا مرجح قد استقلت العقول بقبحه فكذا الفعل
المتعدد الوجه إذ نسبة الفعل إلى كل من تلك الوجوه كنسبته إلى غيره
فلا بد في صرفه إلى أحدها وتخصيصه به من صارف ومعين وحينئذ
فلا ينعقد لنا والحال هذه موضوع الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
بل لا بد من تعيين ما يكون موردا لهما من تلك الوجوه التي نسبة ذلك
الفعل إليها على حد سواء هذا بحسب القاعدة وكونه بمنزلة اللفظ المشترك
المحتاج في صرفه إلى خصوص بعض معانيه إلى قرينة معينة مضافا
إلى قاعدة الحمل على الصحة المجمع عليها نصا وفتوى القاضية بلزوم
مراعاتها مهما أمكن وانه " كذب سمعك وبصرك " كما في خبر محمد
ابن الفضيل عن الصادق عليه السلام (1) وانه " ضع أمر أخيك

(1) روى الكليني في كتاب (الروضة) ص 147 طبع إيران
(طهران) سنة 137 ه‍ عن سهل بن زياد عن يحيى بن المبارك
عن عبد الله بن جبلة عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأول
عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك الرجل من اخواني يبلغني
عنه الشئ الذي أكرهه فاسأله عن ذلك فينكر ذلك وقد اخبرني قوم ثقات
فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك
خمسون قسامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم لا تذيعن عليه شيئا تشينه به
وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله في كتابه (ان الذين يحبون
ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم ".
وروى هذه الرواية أيضا الصدوق ابن بابويه في كتاب (ثواب الأعمال)
ص 221 طبع إيران بسنده عن ابن المتوكل عن محمد بن يحيى عن سهل عن يحيى
ابن المبارك عن ابن جبلة عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى (ع)
ورواها المجلسي عن الصدوق في البحار (ج 75 - ص 255) طبع
طهران سنة 1386 ه‍.
والمراد بقوله عليه السلام خمسون رجلا يشهدون ويقسمون عليه
وذكر بعض شراح هذا الحديث: " لعل هذا مختص بما كان فيما يتعلق
بنفسه من غيبته أو الازراء به ونحو ذلك فإذا أنكرها واعتذر إليه
يلزمه ان يقبل عذره ولا يؤاخذه بما بلغه عنه ويحتمل التعميم أيضا فان
الثبوت عند الحاكم بعدلين أو أربعة واجراء الحد عليه لا ينافي أن يكون غير الحاكم
مكلفا باستتار ما ثبت عنده من أخيه من الفسوق التي كان مستترا بها.
367

على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك
سوء وأنت تجد لها في الخير محملا (1) كما في خبر الكافي عن مولانا

(1) يعنى: احمل ما صدر عن أخيك من قول أو فعل على أحسن
محتملاته وإن كان مرجوحا من غير تجسس حتى يأتيك منه أمر لا يمكنك
تأويله فان الظن قد يخطئ والتجسس منهي عنه كما قال تعالى:
ان بعض الظن اثم وقال: " ولا تجسسوا " وفى بعض نسخ الكافي
حتى (يغلبك) بالغين المعجمة ذكر هذا التفسير المجلسي في (البحار)
(ج 75 - ص 200) طبع إيران (طهران) سنة 1386 ه‍ وروى
هذا الحديث الكليني في الكافي (ج 2 - ص 362) في كتاب الايمان
والكفر باب التهمة وسوء الظن طبع إيران (طهران) سنة 1381 ه‍
بسنده عن حسين بن عمر بن يزيد عن أبيه عمن حدثه عن الحسين
ابن المختار عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) في كلام له
(ثم اورد الحديث) وذكره أيضا الصدوق بن بابويه في الأمالي (ص 182)
ورواه عنه المجلسي في البحار في كتاب العشرة - باب التهمة والبهتان وسوء الظن
بالاخوان - فراجعه. (المحقق)
368

أمير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك من الاخبار التي لا حاجة إلى
سطرها بعد وضوح الامر، وبذلك يتبين قوة قاعدة الحمل على الصحة
على قاعدة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر بل يظهر عدم التنافي بينهما
وعدم التعارض لا انهما متعارضان فنحتاج إلى الترجيح إذ موضوع الامر
بالمعروف والنهى عن المنكر ما علمت أنه معروف اجتمعت فيه الشرائط
وكذا النهى عن المنكر فإذا حصل وتحقق كان موجبا للقدح في فاعله
لو كان وعد في صفات الذم والقدح التي نحن بصددها وتوجه حينئذ
الامر بالردع له، فينفتح عند ذلك باب النهى عن المنكر وعلى قياسه
باب الأمر بالمعروف فهاتان القاعدتان نظير الأصل العملي كأصل البراءة
والإباحة والدليل الاجتهادي فكما لا تعارض بين الأصل والدليل إذ
موضوع الأصل ما لم تعلم بالحرمة أو غيرها مما يخالف الأصل وموضوع
الدليل ما تعلم فكذا هاتان القاعدتان كما عرفت مفصلا والله أعلم.
369

هذا ما أردنا بيانه وقصدنا تبيانه من هذه التعليقة والحمد
لله أولا واخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على
سيد خلقه ونبي رحمته المبعوث
في أمته وعلى أهل بيته الطاهرين
وخيرة الله من الخلق أجمعين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
إلى يوم الدين جعلنا الله من
خاصتهم والذابين عنهم والمؤيدين
لمذهبهم والمقومين لسلطانهم
بين أوليائهم وأعدائهم وقبل
لقائهم انه الكريم الوهاب
(وكان الفراغ) من هذه
المباركة ضحى الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى من
شهور السنة الخامسة عشرة بعد الألف والثلاثمائة
هجرية 1315
370