الكتاب: سماء المقال في علم الرجال
المؤلف: أبو الهدى الكلباسي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٥٦
المجموعة: أهم مصادر رجال الحديث عند الشيعة
تحقيق: السيد محمد الحسيني القزويني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان المعظم ١٤١٩
المطبعة: أمير - قم
الناشر: مؤسسة ولي العصر (ع) للدراسات الإسلامية - قم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٩٠١٣٧-٢-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٩٠١٣٧-٠-٩ / ٢ VOLS

سماء المقال
في علم الرجال
أبو الهدى الكلباسي
المتوفى سنة 2356 ه‍
الجزء الثاني
تحقيق
مؤسسة ولي العصر للدراسات الاسلامية
السيد محمد الحسيني القزويني
1

بسم الله الرحمن الرحيم
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من
قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي
الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء
أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما (سورة الأحزاب)
3

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه
وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا
وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى
تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا
4

المقام الثاني
في نقد المشتبهات
الأول
في
إسماعيل بن أبي زياد
المعروف ب‍ (السكوني)
5

المقام الثاني
في نقد المشتبهات وفيه مقاصد أيضا
الأول
في
إسماعيل بن أبي زياد المعروف ب‍ (السكوني)
وفيه مباحث:
(المبحث) الأول
في تحقيق شخصه واسمه ولقبه.
فنقول: إنه إسماعيل بن مسلم، أبي زياد السكوني الشعيري، وقد وقع ذكره
في الأسانيد بأنحاء مختلفة:
فذكر تارة إسماعيل بن مسلم (1) وأخرى إسماعيل بن أبي زياد (2) وثالثة

(1) وقع بعنوان إسماعيل بن مسلم في أسناد عدة من الروايات تبلغ زهاء ثلاثين موردا.
معجم الرجال: 3 / 185.
(2) وقع بعنوان إسماعيل أبي زياد في أسناد عدة من الروايات، تبلغ واحدا وستين
موردا. معجم رجال الحديث: 3 / 108.
7

إسماعيل بن مسلم السكوني (1) ورابعة السكوني (2) وخامسة الشعيري (3) إلى
غيرها من التعابير التي (4) كما ستقف على بعضها فيما سيجئ إن شاء الله
تعالى.
والمراد في الكل واحد، لاشتهاره في رواة الأخبار ومعروفيته بما ذكر بين
الأحبار، كما قال النجاشي
(إسماعيل بن أبي زياد، يعرف بالسكوني الشعيري، له كتاب قرأته على أبي
العباس، أحمد بن علي بن نوح، قال: أخبرنا الشريف أبو محمد الحسن بن
حمزة قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي عن
إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري، بكتابه) (5).
وقال الشيخ في الفهرست
(إسماعيل بن أبي زياد السكوني، يعرف بالشعيري أيضا، واسم أبي زياد
مسلم) (6).

(1) كما في التهذيب: 9 / 398 ح 1422 والفقيه: 4 / 351 ح 819.
(2) وقع بهذا العنوان في أسناد كثير من الروايات، تبلغ ألفا وستة موارد. معجم الرجال:
23 / 103.
(3) كما في الكافي: 5 / 127 ح 6، 305 ح 8، 6 / 318 ح 10 و 7 / 167 ح 1 والتهذيب:
6 / 295 ح 822 و....
(4) كإسماعيل بن مسلم الشعيري، كما في التهذيب: 2 / 297 ح 1198 و 3 / 256
ح 713، وإسماعيل السكوني كما في التهذيب: 6 / 386 ح 1147 وإسماعيل الشعيري كما في
الكافي: 5 / 557.
(5) رجال النجاشي: 26، رقم 47.
(6) الفهرست: 13 رقم 3.
8

نعم، إنه قد عنون النجاشي أيضا:
(إسماعيل بن أبي زياد الموصوف بالسلمي، والمنصوص بالوثاقة، قال: روى
عن أبي عبد الله عليه السلام ذكره أصحاب الرجال) (1). وتبعه في الخلاصة (2).
والظاهر أنه المراد مما عنونه الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام بقوله: (إسماعيل
ابن زياد السلمي كوفي) (3).
وسقوط (أبي) من قلمه، سهو منه، كما استظهره في المنهج (4) وهو غير
معروف في الرواة، بل لم أقف على ما تيقن إرادته منه، والظاهر عدم وقوعه،
لعدم اتفاق الرواية عنه فيما أعلم مطلقا أو مقيدا بالسلمي.
ويؤيده عدم ذكر الأصحاب في باب الألقاب (السلمي) وقد جرت
طريقتهم على ذكر الألقاب والإضافات الواقعة في الأسانيد.
وهذا كما يكشف عن عدم الوقوع، يكشف عن عدم إرادته من الإطلاقات،
وإلا لقيد به في موضع.
وهذا بخلاف (السكوني) فقد وقع ذكره مطلقا ومقيدا بأنحاء مختلفة، كما وقع
ذكره في باب الألقاب تارة: بعنوان (السكوني) وأخرى: بعنوان (الشعيري)،
بل السلميين جماعة (5) كإسماعيل بن حازم، وابن خطاب، وابن كثير.

(1) رجال النجاشي: 27 رقم 51.
(2) الخلاصة: 9 رقم 12.
(3) رجال الشيخ: 174 رقم 87 (أصحاب الصادق عليه السلام).
(4) منهج المقال: 55.
(5) السلمي لقب كثير يعسر عدهم كالأخنس، واساف بن أنمار، والأشجع، وجمع من
المسمين بإسماعيل، وغيرهم. تنقيح المقال: 3 / 53، قسم الألقاب.
9

ومع هذا لم يذكر السلمي فيما ذكر، ولم أقف على روايتهم (1) وكل هذا مما
يرشد إلى إرادة السكوني من الإطلاقات.
فمن العجيب ما وقع للسيد الداماد في بعض تعاليقه على الاستبصار، فيما
روى فيه في باب من يجب عليه التمام في السفر بإسناده: (عن عبد الله بن
المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام) (2).
من أن إسماعيل بن أبي زياد، هذا، هو السلمي بضم المهملة واسكان اللام،
وقيل: بفتح السين وكسر اللام من بني سلمة، بطن من الأنصار، (3) دون
السكوني الشعيري، تعليلا بأن رواية عبد الله بن المغيرة، عن السكوني
الشعيري، غير معروفة. وأما أن تسميته الصادق عليه السلام (4) من دون التكنية
طريقة السكوني غالبا، فيكون هو، هو.
فمما لا يستحق الاصغاء إليه، فإذن الطريق على ما في التهذيب صحيح.
فإنه يضعف بأن الظاهر بملاحظة الاشتهار والمعروفية، هو السكوني

(1) أقول: في الكافي: 4 / 492 ح 17، عن إبراهيم بن محمد عن السلمي عن داود البرقي
وكذا روايات من كان ملقبا بالسلمي كثيرة نحو: يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد السلمي،
الكافي: 2 / 349 ح 7، وعلي بن الحسين السلمي، الكافي: 4 / 465 ح 9، وأبو عمرة السلمي،
الكافي: 5 / 20 ح 1، وابن عبد الرحمان السلمي، التهذيب: 6 / 123 رقم 216 و....
(2) الاستبصار: 1 / 232 ح 826.
(3) في القاموس: السلمة كفرحة... وبنو سلمة بطن من الأنصار... وليس سلمة في
العرب غير بطن الأنصار. القاموس المحيط: 4 / 131. وكذا في الصحاح: 5 / 1950.
(4) قد ذكر في القاموس من معنى السلام الشجر فقال: قيل لأعرابي السلام عليك،
فقال: الجثجات عليك، فقيل ما هذا جواب، فقال: هما شجران مران وأنت جعلت علي
واحدا، فجعلت عليك الآخر (منه رحمه الله).
10

الشعيري، مع أنه قد وقع روايته عنه في الأسانيد، كما روى في الكافي في
باب حد الوجه: بإسناده: (عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن أبي
عبد الله عليه السلام) (1).
وفي الاستبصار، في باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز (2).
فأما ما رواه: (أحمد بن محمد، عن بنان بن محمد، عن أبيه، عن ابن
المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه عن علي عليهم السلام) ونحوهما ما سيأتي
عن الفقيه والتهذيب (3).
مضافا إلى أن ما ذكره: (من أن تسميته...) يضعف بأنه لا ريب أنه مما
يؤكد الحمل عليه، ويؤيده كما أن نسبة الأمام عليه السلام مضمون الكلام إلى أبيه، مما
يقربه ويشيده، لغلبة هذا التعبير في أحاديثه.
ولقد أجاد بعض الأعلام (4) في تعليقاته على الكتاب، حيث إنه جزم بما

(1) الكافي: 3 / 28 ح 2.
(2) الاستبصار: 3 / 25 ح 80. أقول: رواية عبد الله بن المغيرة عن السكوني كثيرة،
كما في الكافي: 6 / 17 ح 1 والتهذيب: 9 / 171 ح 699 فيه: (عن عبد الله بن المغيرة، عن
السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام) والتهذيب: 7 / 76 ح 325 فيه: (ابن المغيرة عن السكوني
عن جعفر عليه السلام) وكذا في: 116 ح 502، 436 ح 1737، 8 / 38 ح 111، 152 ح 528 و
292 ح 1081 و....
(3) راجع: التهذيب: 3 / 56 ح 195، 166 ح 362 و 5 / 213 ح 716 والاستبصار:
1 / 424 ح، 2 / 273 ح و 3 / 25 ح 217.
وقوله: (ما رواه عن أحمد عن محمد بن بنان) الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف لأن
ما رووا عن بنان، هو محمد بن أحمد بن يحيى. وما في الاستبصار: 3 / 25 ح 80 و 255 ح 913
مصحف، كما أشار إليه المحقق الخوئي قدس سره. معجم الرجال: 3 / 369.
(4) الظاهر أن المراد منه هو الشيخ محمد ابن صاحب المعالم قدس سرهما.
11

ذكرنا، وزيف ما حكاه عن العلامة من احتماله لما جزم به السيد المشار إليه.
ثم إنه ذكر في الرواشح: (ومما لا يعرفه القاصرون، ولا ينبغي جهله، أن
السلمي مطلقا: بالسين المهملة، واللام المخففة وتشديدها، من أغلاط
القاصرين أينما وقع، ثم قد يكون بفتحهما جميعا، كما في كعب بن مالك وأبي
قتادة، وفي القاموس: (سلمة) محركة، أربعون صحابيا وثلاثون محدثا، وفي
بني قشير سلمتان.
وقد يكون بفتح السين وكسر اللام نسبة إلى بطن من الأنصار (بني سلمة).
وقال في المعرب: استلم الحجر، تناوله باليد أو القبلة، أو مسحه بالكف،
من السلمة بفتح السين وكسر اللام، وهي الحجر، وبها سمي بنو سلمة، بطن من
الأنصار.
وقال الجوهري: ليس في العرب سلمة غيرهم، فخطأه الفيروز آبادي فعد
جماعة من غيرهم) (1).

(1) الرواشح: 94.
أقول: قد وردت هذه الكلمة بوجوه مختلفة نحو: سلم، سلمة، السلمى وسلمى وإعراب
كل منها أيضا مختلفة واليك تلخيص ما أوضحناها في كتابنا (ضبط أسماء الرواة):
سلم: بفتح السين المهملة واللام. كما في توضيح الاشتباه: 175 رقم 787 وتنقيح المقال:
2 / 44 رقم 5032.
سلم: بفتح السين المهملة وسكون اللام. توضيح المشتبه: 5 / 142. فيه: عدة بطون في
العرب منها: السلم بن امرئ القيس.
سلمة: بفتح السين المهملة واللام والميم. قال المامقاني: هو من الأسماء المشتركة بين
الرجال والنساء. تنقيح المقال: 1 / 18 رقم 107 راجع أيضا: رجال ابن داود: 88 رقم 567 و
توضيح الاشتباه للساروي: 129 رقم 548، 12 رقم 33، 269 رقم 1304 و 41 رقم 142 و توضيح المشتبه: 5 / 136.
سلمة: بسكون اللام كفرحة... وقد وقعت التسمية بذلك في النساء والرجال أيضا لكن
التسمية بمحركة اللام أشيع. تنقيح المقال: 1 / 18 رقم 107
سلمة: بفتح السين المهملة وكسر اللام. توضيح الاشتباه: 177 رقم 795 وتنقيح المقال:
1 / 104 رقم 605 و 195 رقم 1549، توضيح المشتبه: 5 / 136. فيه: سلمة بن سعد جد
الأنصار السلميين: كعب بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهما.
السلمى: بضم السين المهملة وفتح اللام. التوضيح: 65 رقم 238، 131 رقم 554 و 57
رقم 200 والإيضاح: 90 رقم 28 والأنساب: 3 / 278. فيه: هذه النسبة إلى سليم وهي قبيلة
من العرب مشهورة يقال لها سليم بن منصور بن عكرمة... تفرقت في البلاد وجماعة كثيرة
منهم نزلت حمص. ثم عد كثيرا منهم، فراجع. وتبصير المنتبه: 2 / 739 والاكمال: 4 / 524
وتوضيح المشتبه: 5 / 139.
السلمى: بفتح السين المهملة واللام. التنقيح: 1 / 104 رقم 605 والتوضيح: 136
رقم 581 والإيضاح: 142 رقم 162 والأنساب: 3 / 280. فيه: هذه النسبة إلى بنى سلمة،
حي من الأنصار، خرج منها جماعة. ثم عد كثيرا منهم. كذا في الإكمال: 4 / 524 و
التبصير: 2 / 740 وتوضيح المشتبه: 5 / 140.
السلمي: بفتح السين المهملة وسكون اللام. الأنساب: 3 / 278. فيه: هذه النسبة الجد وهو
ممن كان في آبائه وأجداده سلم. منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن سلم بن محمد السلمى وأبو خلف
محمد بن عبد الملك بن خلف السلمى.... وتوضيح المشتبه: 5 / 141.
سلمى: بضم السين المهملة وسكون اللام، في الرجال. توضيح المشتبه: 5 / 143.
سلمى: بفتح السين المهملة وسكون اللام جماعة نسوة. توضيح المشتبه: 5 / 143.
سلمي: بضم السين المهملة وسكون اللام وكسر الميم وتشديد الياء. توضيح المشتبه:
5 / 144.
12

بقي أنه قد عنون ابن داود تارة: في الجزء الأول بقوله: (إسماعيل بن أبي
زياد يعرف بالسكوني الشعيري (ق) (جش) له كتاب، مهمل، واسم أبي زياد:
13

مسلم البزاز الأسدي) (1).
وأخرى: في الجزء الثاني بقوله: (وإسماعيل بن أبي زياد السكوني
الشعيري، كان عاميا) (2).
وفيه: أن مع اعتقاد إهماله، كما هو صريح أول كلاميه، لا يناسب ذكره في
ثاني الجزئين الموضوع لذكر المجروحين والمجهولين، كما أن مع اعتقاد
مجهوليته ومجروحيته لا يلائم ذكره في أول الجزئين الموضوع لذكر الموثقين
والمهملين.
هذا بناء على تغاير الغرض من الإهمال والجهالة، كما هو الظاهر من
التفرقة في المقال، وإلا فلا وجه لها مطلقا مع أن توصيفه بالبزاز الأسدي،
اشتباه منه بإسماعيل بن زياد البزاز الكوفي الأسدي التابعي، الذي عنونه شيخ
الطائفة في أصحاب الصادق عليه السلام (3).
وهو غير السكوني والسلمي المعنونين فيه أيضا، كيف لا! وإن تعدد العنوان،
مع شواهد المغايرة والإصابة، أقوى دليل على تعدد المعنون، وهو في المقام
موجود، لظهور الأمور المذكورة.
ثم إن العجب من النجاشي، كيف لم يعده من أصحاب الصادق عليه السلام، مع عده
من أصحابه، الشيخ في رجاله وتكثر رواياته عنه عليه السلام.

(1) رجال ابن داود: 49 رقم 175.
(2) رجال ابن داود: 231 رقم 54.
(3) رجال الشيخ: 147 رقم 86.
14

[اطلاق السكوني على أشخاص كثيرة]
ثم إنه يطلق السكوني على أشخاص كثيرة، على ما يظهر من التتبع في
الرجال وأسانيد الأخبار: كأحمد بن علي المعروف ب‍ (شقران) ورباح بن أبي
نصر، ومالك ابن حصين، وحسن بن عبد الله بن سعيد، وغيرهم.
واحتمال الإطلاق على الآباء والأجداد غير بعيد، كما احتمل السيد الناقد
اطلاقه على جماعة آخرين (1) وتبعه في التعليقات (2).
ولكن لا إشكال في أن الظاهر عند الإطلاق، هو المعنون، وان ذكر
النجاشي في ترجمة حسين بن عبد الله بن حمران الهمداني المعروف

(1) قال: السكوني اسمه إسماعيل بن أبي زياد مسلم، ويحتمل أن يطلق على: إسماعيل بن
مهران، والحسن بن الحسين، والحسن بن محمد بن الحسن، والحسين بن عبيد الله بن حمران،
والحسين بن مهران، ومحبوب بن حسان، ومحمد بن محمد بن النضر، ومهران بن محمد. نقد
الرجال: 458 وكذا في جامع الرواة: 2 / 446 وتنقيح المقال: 3 / 53 قسم الألقاب.
(2) في التعليقات: 95: الحسن بن الحسين السكوني و 36: أحمد بن رباح بن أبي نصر
السكوني و 108: الحسن بن محمد بن الحسن السكوني و 118: الحسين بن مهران بن محمد بن
أبي نصر السكوني و 131: إسماعيل بن مهران بن أبي نصر السكوني.
15

بالسكوني) (1).
وتبعه غيره (2) (3) كما أن الظاهر أنه المراد بالشعيري على الإطلاق، كما
صرح به الفاضل الاسترآبادي والجزائري، في المنهج (4) والحاوي (5) وان
يطلق أيضا تارة: على إبراهيم الشعيري، كما في الكافي في باب توجيه الميت
إلى القبلة: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم
الشعيري (6). ولكن لا يكاد أن ينصرف إليه الإطلاق.
وأما ما يظهر من النقد، من أنه المراد منه عند الإطلاق (7)، فلا وجه له.
وأخرى على بشار كما عنون الكشي بشار الشعيري ونقل بعض الأخبار
في اللعن عليه، (8) ويظهر من بعضها أن إطلاقه عليه بواسطة أنه كان بياع
الشعير. وثالثة على غيرهما (9).

(1) رجال النجاشي: 57، رقم 134.
(2) وفي التهذيب في أواخر كتاب الصلاة: روى عن علي بن جعفر السكوني، عن
إسماعيل ابن مسلم الشعيري. وفي كتاب الأقبال: ذكر الشيخ الفاضل جعفر بن محمد بن أحمد
ابن العباس محمد بن الدوريستي - رحمه الله تعالى - في كتاب الحسنى، قال: حدثني أبي، عن
محمد بن علي السكوني. ذكره في فضل إحياء ليلة القدر (منه رحمه الله).
(3) رجال ابن داود: 81 رقم 484 والخلاصة: 52 ومنتهى المقال: 111 ومنهج المقال:
114 واتقال المقال: 50.
(4) منهج المقال: 55.
(5) حاوي الأقوال: 216 (مخطوط)
(6) الكافي: 1 / 126 ح 1 وكذا في التهذيب: 1 / 285 ح 832.
(7) نقد الرجال: 459.
(8) رجال الكشي: 398 رقم 743.
(9) نحو أبي إسحاق الشعير، الكافي: 2 / 522 ح 2 وزكريا بن يحيى الشعير، الكافي:
7 / 24 ح 3 ومحمد بن صدقة الشعيري الاستبصار: 2 / 162 ح 3 وداود الشعيري،
الوسائل: 12 / 309 رقم 16378 وجعفر بن أمين الشعيري، الوسائل: 14 / 327 رقم
19323 وأمية ابن عمرو الشعيري، الوسائل: 17 / 458 رقم 2299 و 25 / 66 رقم
31198، وإن كان في بعض هذه الموارد، تأمل.
16

المبحث الثاني
في تحقيق مذهبه
من أنه عامي أو إمامي، والمشهور هو الأول، كما قال المحقق في النكت
تارة: السكوني عامي لا يعمل بما ينفرد به (1).

(1) النهاية ونكتها: 2 / 204 في المتاجر في بيع الحيوان وأحكامه وكذا في الاحتكار:
2 / 114.
وقال في شرائط الطلاق: والسكوني عامي لا أعمل بما ينفرد به: 2 / 428. وقال في العتق:
ولا أعمل بما يختص به السكوني، المصدر: 3 / 22. وفي الديات، البينات على الجناية:
والسكوني ضعيف وفي العمل بما ينفرد به توقف، المصدر: 3 / 379.
وقال في بيع النقد بالنسية: والسكوني، ضعيف. المصدر: 148 / 2 وكذا في شرائط الطلاق:
2 / 433. وقال في الشفعة: وهذه الرواية ضعيفة السند فهي ساقطة. المصدر: 2 / 230. وقال في
الشركة والمضاربة: هذه رواية عن النوفلي والسكوني وهما عاميان لا يعمل بما ينفردان به.
المصدر: 2 / 243.
وقال في الوصايا، إقرار المريض: والسكوني عامي، لكن الشيخ رحمه الله يستعمل أحاديثه
كثيرا لمكان ثقته وقد قال: إن أصحابنا يعملون على رواية السكوني. المصدر: 3 / 170.
وقال في الديات، ضمان النفوس: وقد عرفت أن الأكثرين يطرحون ما ينفرد به السكوني.
المصدر: 3 / 421.
17

وأخرى: بعد ذكر أحاديث من إسحاق بن عمار، والسكوني وغياث: (هذه
الأخبار ضعيفة - إلى أن قال - والسكوني عامي وغياث بتري، فلا حجة
فيها) (1).
وهو الظاهر من رميه بالضعف على الإطلاق فيه، وفي المعتبر (2).
وبه صرح العلامة في الخلاصة، قال: (إسماعيل بن أبي زياد السكوني
الشعيري، كان عاميا (3).
وصنع مثله ابن داود كما عرفت (4).
بل نفى الخلاف فيه، في السرائر، قال: (السكوني، بفتح السين، منسوب
إلى قبيلة من اليمن، وهو عامي المذهب بلا خلاف، وشيخنا أبو جعفر موافق
لذلك، ذكره في فهرست أسماء المصنفين) (5). (انتهى).
ولكن ما نسبه إلى الفهرست، غير مطابق للواقع، ولولا ما ذكره أخيرا لقلنا:
إن المراد به ما ذكره في العدة، فإنه قال: إنه عملت الطائفة بما رواه: حفص بن

(1) النهاية ونكتها: 2 / 417. في كتاب النكاح، باب إلحاق الأولاد بالآباء.
(2) المعتبر: 1 / 252.
(3) الخلاصة: 199 رقم 3.
(4) رجال ابن داود: 231 رقم 54.
(5) السرائر: 3 / 289.
18

غياث وغياث بن كلوب (1)، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم، من العامة
عن أئمتنا عليهم السلام (2).
وعليه جرى جدنا السيد العلامة في المجلد السادس من المطالع.
وجنح المولى التقي المجلسي رحمه الله في شرح المشيخة إلى إماميته، قال: (والذي
يغلب على الظن أنه كان إماميا، لكن كان مشتهرا بين العامة ومختلطا بهم، لأنه
كان من قضاتهم، وكان يتقي منهم، لأنه روى عنهم في جميع الأبواب، وكان عليه السلام
لا يتقي منه ويروي عنه جل ما يخالف العامة) (3).
وتبعه في التعليقات (4) وجرى عليه بعض المتأخرين (5)، بل عزاه إلى
النجاشي والفهرست ومعالم العلماء، استفادة مما صرحوا به في أول هذه
الكتب.
والمنصور هو المشهور، لما عرفت من التصريح به من جماعة من الفحول
كالشيخ في العدة (6) والحلي في السرائر (7) والعلامة في الخلاصة (8) وابن

(1) كلوب: بفتح الكاف وضم اللام المشددة. توضيح الاشتباه: 244 رقم 1166 و
تنقيح المقال: 2 / 367 رقم 9382.
(2) عدة الأصول: 1 / 380.
(3) روضة المتقين: 14 / 59.
(4) منهج المقال: 55. تعليقة الوحيد.
(5) المراد منه الاسترآبادي راجع: منتهى المقال: 53.
(6) عدة الأصول: 1 / 380.
(7) السرائر: 3 / 289.
(8) الخلاصة: 9 رقم 12.
19

داود في رجاله (1) بل قد عرفت نفي الخلاف فيه من الحلي (2) وقد سمعت
التصريح به أيضا من المحقق (3) وبه صرح السيد السند العلي في الرياض كما
نص في مبحث الرهن منه بأنه كان من قضاة العامة (4) وجزم به الفاضل
الخاجوئي (5) والسيد السند النجفي (6).
وأما ما يقال من أنه ذكره النجاشي والشيخ في الرجال والفهرست ومعالم
العلماء (7) من دون إشارة إلى قدح وضعف، فهو عندهم إمامي وكلام
ابن إدريس خفي المأخذ، فإن عدم وجود عاميته في كتب الرجال مشاهد
بالوجدان.
وكلام الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام لا دلالة فيه بوجه، بل ما في العدة
أيضا غير صريح ومع التسليم موهون، فإن صريح الكشي (8)، والنجاشي (9)،

(1) رجال ابن داود: 49 رقم 175.
(2) السرائر: 3 / 289.
(3) النهاية ونكتها: 2 / 204
(4) الرياض: 1 / 589 وكذا في 2 / 438 في شهادة العبد.
(5) الرياض: 1 / 589 وكذا في 2 / 438 في شهادة العبد.
(6) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 122.
(7) راجع: رجال النجاشي: 26 رقم 47، رجال الطوسي: 147 رقم 92 (أصحاب
الصادق عليه السلام)، الفهرست: 13 رقم 3 ومعالم العلماء: 9.
(8) رجال الكشي: 251 رقم 468. فيه: (قال محمد بن مسعود: سألت أبا جعفر حمدان
بن أحمد الكوفي عن نوح بن دراج؟ قال: كان من الشيعة وكان قاضي الكوفة).
(9) رجال النجاشي: 102 رقم 254. عند ترجمة أيوب دراج. فيه: (وأبوه نوح بن دراج
كان قاضيا بالكوفة وكان صحيح الاعتقاد).
وقال في ترجمة جميل بن دراج (وأخوه نوح بن دراج القاضي كان أيضا من أصحابنا و
كان يخفى أمره). رجال النجاشي: 126، رقم 328.
20

والتحرير الطاووسي (1)، والخلاصة (2)، تشيع نوح بن دراج، وظاهر النجاشي
والفهرست ومعالم العلماء، تشيع غياث (3)، ولم يظهر من غيرهم خلافه.
ففيه: أن مقتضى ما ذكره النجاشي، وابن شهرآشوب، في فاتحة كتابهما (4)،
وإن يقتضي إمامية المعنونين في كتابهما، لتصريح الأول بأن تأليف كتابه، لذكر
سلف الإمامية ومصنفاتهم. والثاني بأن كتابه في فهرس كتب الشيعة وأسماء
المصنفين منهم قديما وحديثا، ولذا ذكر السيد السند النجفي: (من أن ظاهر
النجاشي
نجاشي، أنه من أصحابنا) (5).
وإن يمكن الأشكال فيه أيضا: بأنه ذكر النجاشي حفص بن غياث، ولم
يذكر عاميته.
قال: (حفص بن غياث، أبو عمرو، القاضي، الكوفي، روى عن أبي
عبد الله عليه السلام وولى القضاء ببغداد الشرقية لهارون، ثم ولاه قضاء الكوفة) (6).
مع أن الظاهر، بل بلا اشكال أنه من العامة، نظرا إلى التصريح به من الشيخ في

(1) التحرير الطاووسي: 288 رقم 433
(2) الخلاصة: 175 رقم 3 فيه: (نوح بن دراج كان من الشيعة وكان قاضي الكوفة).
(3) راجع: رجال النجاشي: 305، رقم 834، الفهرست: 123 رقم 550، معالم العلماء:
90.
(4) رجال النجاشي: 3 ومعالم العلماء: 2.
(5) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 121.
(6) رجال النجاشي: 134 رقم 346.
21

الرجال والفهرست (1)، والعلامة في الخلاصة (2) وابن شهرآشوب في
المعالم (3)، والعلامة البهبهاني في التعليقات (4)، وبعض آخر في
المشتركات (5).
ولكن اقتضاء ما ذكره الشيخ في أول الرجال والفهرست، امامية المعنونين
فيهما محل الكلام، فإن غاية ما يقتضيه كلامه في الرجال، أنه موضوع لذكر
أسماء الرجال الذين رووا عن النبي والأئمة - صلوات الله عليهم - ومن
تأخر زمانه عنهم من رواة الحديث أو من عاصرهم ولم يرو عنهم.
وأين هذا مما ذكره! وأما كلامه في الفهرست، وأن يقتضي صدره لما ذكره، إلا
أن مقتضى صريح ذيله، أنه موضوع لذكر أرباب المصنفات والأصول من
الإمامية وغيرهم.
فمجرد عنوانه وسكوته عن مذهبه لا يكشف عن إماميته. ومما ذكرنا بان
أن الظاهر، من عدم ذكر خصوص النجاشي وابن شهرآشوب، كون الرجل
عاميا، عدمه.
وأما ما عن الحاوي: من أن إطلاق الأصحاب لذكر الرجل، يقتضي كونه
اماميا، فلا يحتاج إلى التقييد بكونه (من أصحابنا) وشبهه، ولو صرح به كان
تصريحا بما علم من العادة (6)، فمجازفة.

(1) رجال الطوسي: 175 رقم 176 والفهرست: 61 رقم 232.
(2) الخلاصة: 218 رقم 1.
(3) معالم العلماء 43 رقم 280.
(4) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 220.
(5) هداية المحدثين: 47.
(6) حاوي الأقوال: 6. (المخطوط).
22

وأما ما ذكر من صراحة كلام النجاشي في تشيع نوح، فغريب جدا، لعدم
وقوع عنوانه في كلامه رأسا.
ومن هنا عدم وقوع نقله منه في كلام المنهج، وفي كلام نفسه في الرحمة
وبالجملة: فلا ينتهض استظهار إماميته من الشيخ في الكتابين.
ويبقي ظهور كلام النجاشي ومعالم العلماء في إماميته، ويرجح عليه
تصريح الشيخ وجماعة بخلافه.
ويؤيده أسلوب كثير من رواياته، فإن في كثير منها: التعبير بجعفر عليه السلام مع
أن المتداول التكنية.
ومن هنا استشم في التعليقات من روايات غياث بن كلوب، رائحة كونه
من العامة، فإن ديدنه، ديدنه.
كما أن في كثير من الأحكام، نقلها في رواياته عن سيدنا خاتم النبيين أو عن
مولانا يعسوب الدين أو عن حججنا آبائه الطاهرين - صلوات الله تعالى
عليهم أجمعين -. ومنه يستشم رائحة التقية.
فمن الأول: ما في الكافي في صدر الكتاب الطهارة، في باب طهورية الماء:
(عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1).
ومثله في باب حد الوجه (2).
وفي الفقيه في باب عقوبة المرأة، على أن تسحر زوجها: (عن إسماعيل بن
مسلم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال

(1) الكافي: 3 / 1 ح 1.
(2) الكافي: 3 / 28 ح 3.
23

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وفي باب بيع اللبن المشاب بالماء: (روى إسماعيل بن مسلم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
ومن الثاني: ما فيه في الباب الأول، في باب ما أحل الله عز وجل من النكاح
وما حرم منه: (روى إسماعيل بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، أن
عليا عليه السلام، قال...) (3).
وفيه في باب النداء على البيع: (روى أمية بن عمرو، عن الشعيري، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:...) (4).
ومن الثالث: ما في التهذيب في أواخر باب تلقين المحتضرين بإسناده:
(عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام) (5). إلى غير ذلك من
الموارد الكثيرة.
ومنه أنه قد صرح النجاشي، والعلامة، وغيرهما: (بأن طلحة من
العامة) (6).
وروى في البصائر في باب الفرق بين أئمة العدل من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وأئمة الجور من غيرهم، بإسناده: (عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد

(1) الفقيه: 3 / 282 ح 1345.
(2) الفقيه: 3 / 173 ح 771.
(3) الفقيه: 3 / 263 ح 38.
(4) الفقيه: 3 / 172 ح 769.
(5) التهذيب: 10 / 224 ح 12.
(6) رجال النجاشي: 207 رقم 550 والخلاصة: 231 رقم 1.
24

عن أبيه عليهم السلام قال... إلى آخره) (1).
ويمكن أن يجاب عنه: بأن الظاهر، بل بلا إشكال، أن العمدة في وجه
اشتهار كونه من العامة، كلام الشيخ في العدة، وتصريح العلامة وابن داود من
باب المتابعة.
وأظهر منهما متابعة متأخري المتأخرين: كالسيد السند النجفي، وغيره، كما
يلوح المتابعة في سياق كلام الحلي في السرائر من وجه، وربما يأباه من آخر،
كما هو الظاهر من المحقق.
ومنشأ الاستظهار المزبور، عدم ظهور كلام منهم في هذه الموارد في
الأغلب إلا من باب الأخذ من قول الشيخ والنجاشي، فالمرجع عند التحقيق
كلام الشيخ، وهو موهون عموما، لما ظهر من طريقته من سرعة السير في
التصنيفات، كما سبق الكلام في المقام في محله، فمن المحتمل قويا أن يكون
المنشأ، الغفلة أو الاستناد إلى وجه ضعيف، وخصوصا لما يظهر خلافه من
كلام النجاشي، فإن الظاهر أنه لو كانت النسبة المذكورة ثابتة عنده لتعرض لها،
فعدمه ظاهر في العدم، ولا سيما مع ما عرفت من تصريحه بقراءة كتابه على
أستاذه، وذكره الطريق إليه مع اشتماله على بعض الأجلة.
هذا، مضافا إلى بعض الشواهد الآتية، مع ظهور ضعف النسبة المذكورة في
(نوح) فإن الظاهر الاتفاق على خلافها، بل وكذا في (حفص)، لظهور كلام
النجاشي المتقن المقدم على الأقران، في الخلاف. ولا وثوق بموافقة من تقدم، فإن
الظاهر من باب الاعتماد على الشيخ، بل وكذا الحال في (غياث)، وظهور
ضعف كلامه فيهم ربما يسري فيه أيضا.

(1) بصائر الدرجات: 52 ح 2.
25

ولقد أجاد المحقق النوري رحمه الله حيث إنه صرح بما ذكرناه، ولقد رأيت كلامه
بعد ما بنيت عليه.
قال بعد تضعيف عاميته: (وإنما هو شئ أخذ من الشيخ في غير كتابيه، وكل
من تأخر عنه وصرح به، فمستنده كلامه، فتعداد جماعة نسبوه إلى العامية
لا يغني من شئ، إلا أن يوجد ذلك في كلام من تقدم على الشيخ، أو عاصره،
ولم أقف على من نقله) (1).
وقد عرفت وهن المأخذ متأيدا بأن البرقي في رجاله، مع عدم بنائه على ذكر
المدح والقدح، كثيرا ما يتعرض لعامية الراوي، وقد عد في أصحاب
الصادق عليه السلام وقال: (إنه عامي، وقال إسماعيل بن أبي زياد السكوني كوفي
واسم أبي زياد مسلم، ويعرف بالشعيري، يروي عن العوام) (2). (انتهى). ولو
كان عاميا لذكره.
أقول: إن بناءه في كتابه هذا، على عدم التعرض للمذاهب والأوصاف
وغيرهما ومن هنا عدم تعرضه لوقف البطائني كما سبق، وعدم عامية سعيد بن
المسيب، مع أنه ذكر الشهيد في تعليقاته على الخلاصة متعجبا من ذكره
في القسم الأول، نظرا إلى ما هو المعلوم من سيرته في الأحكام الشرعية
المخالفة لطريقة أهل البيت عليهم السلام ولقد كان بطريقة جده أبي هريرة أشبه، وحاله
بروايته أدخل، والمصنف نقل أقواله في التذكرة، والمنتهى، بما يخالف طريقة
أهل البيت عليهم السلام.
وروى الكشي في كتابه أقاصيص ومطاعن، وقال المفيد رحمه الله في الأركان:

(1) مستدرك الوسائل: 3 / 575.
(2) رجال البرقي: 28.
26

وأما ابن المسيب فليس يدفع نصبه (1) (انتهى). فتأمل.
قوله: (والعوام) المراد به إما عوام بن حوشب، الذي ذكره النجاشي، وذكر له
الرواية عن مولانا الصادق عليه السلام وكذا الكتاب والطريق إليه (2).
وإما عوام بن عبد الرحمان، الذي عنونه الشيخ في رجاله، مقتصرا في ترجمته
بقوله: (أسند عنه) (3) ومن هنا يتطرق التعجب من الفاضل الشيخ أبي علي، في
عنوان الثاني دون الأول (4).
وبالجملة: ومع هذا، في النفس في ثبوت الإمامية له شئ من تصريح
الشيخ وظهور كلام السرائر في الاستقلال (5).
وتعرض غير واحد من العامة له في كتبهم كما سيأتي (6)، وعدم تعرضهم
لذكر رفضه كما عليه ديدنهم غالبا، بأنه قد وقع هذا التعبير من بعض الإمامية
أيضا، مثل: إسحاق بن عمار الصيرفي الثقة الأمامي، على ما هو الأظهر.
كما روى في البصائر في باب أن العلماء هم آل محمد صلى الله عليه وسلم بإسناده:
(عن إسحاق ابن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال...
إلى آخره) (7).

(1) تعليقة الشهيد على الخلاصة: 17. (المخطوط).
(2) رجال النجاشي: 303 رقم 826.
(3) رجال الطوسي: 264 رقم 666.
(4) منتهى المقال: 236.
(5) السرائر: 2 / 96 و 330.
(6) راجع: تهذيب الكمال: 3 / 96، تاريخ الإسلام للذهبي: 13 / 105، الضعفاء
والمتروكين: 59 رقم 85 وتهذيب التهذيب: 1 / 261 و 290.
(7) بصائر الدرجات: 31 ح 2.
27

وفي التهذيب عند الكلام في أحكام ما يوجد ممن افترسه السبع بإسناده:
(عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه، أن عليا عليه السلام...) (1).
وفي الآخر من باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبهها بمثله: (عن
إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السلام...) (2).
ومثل عبد الله بن ميمون القداح الموثق للقول النجاشي (3).
والمروي في حقه في كلام الكشي: (عن مولانا أبي جعفر عليه السلام قال:
يا بن ميمون! كم أنتم بمكة؟ قال: نحن أربعة) (4).
روى في البصائر في باب قول أمير المؤمنين عليه السلام بأحكامه بما في التوراة
والأنجيل والزبور والفرقان بإسناده عن عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر،
عن أبيه، عن علي عليه السلام، قال:
(لو وضعت لي وسادة ثم اتكيت عليها، لقضيت بين أهل الزبور بالزبور.
الحديث) (5).
وربما يشهد سياق الحديث بإماميته أيضا كما هو الظاهر من فقرته
المذكورة وفقراته المحذوفة، إلا أن يدعى أن الغالب في روايات السكوني
التعبير بالمذكور، والنقل على النحو المزبور، وهذا لا ينتقض بما اتفق في
روايات الإمامية: التعبير بتعبيره، إلا أن الدعوى المذكورة محتاجة إلى
الأثبات بالتتبع في الروايات.

(1) التهذيب: 1 / 337 ح 986.
(2) التهذيب: 1 / 237 ح 683.
(3) رجال النجاشي: 213 رقم 557.
(4) رجال الكشي: 245 رقم 452.
(5) بصائر الدرجات: 153 ح 5.
28

مضافا إلى إمكان وقوع التعبير عن غيره، مثل: غياث العامي الواقع في كثير
من الأسانيد المذكورة، مع أن التعبير بالأسامي كثير في العرب، وعادتهم
جارية على التعبير بهذه الأنحاء.
وربما يدل على إماميته: ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،
عن النوفلي، على عن السكوني، عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألت كيف أصنع مع الجنازة، أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن
شمالها؟)
فقال: (إن كان مخالفا فلا تمش أمامه! فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع
العذاب) (1). لبعد هذه الرواية عن طائفة العامة.

(1) الكافي: 3 / 170 ح 7.
29

المبحث الثالث
في تحقيق وصف أخباره
فنقول: المشهور أنها من الضعاف، كما يظهر من شيخنا الصدوق فيما ذكره
في باب ميراث المجوس: (من أنه لا أفتي بما ينفرد به السكوني بروايته) (1).
وهو صريح المحقق في النكت كما تقدم (2) والعلامة في المنتهى، فإنه قال
عند الكلام في التيمم بالنورة: (ولا تعويل على ما رواه الشيخ، عن السكوني،
لأن رواتها ضعيفة) (3).
وأصر فيه في الغاية الشهيد في الروضة والمسالك، كما قال في الأول:
في كتاب الجهاد: (والرواية ضعيفة السند بالسكوني) (4).
وفي ميراث المجوس: (وأما أخبار الشيخ فعمدتها خبره السكوني، وأمره

(1) الفقيه: 4 / 249 ح 804.
(2) النهاية ونكتها: 2 / 204.
(3) منتهى المطلب: 1 / 142.
(4) الروضة البهية: 2 / 393.
30

واضح) (1).
وفي صدر كتاب الديات: (والخبر سكوني وهو في غاية التضعيف) (2).
وفي الثاني: عند الكلام في إنفاذ القاضي حكم غيره: (ومرجع الحجة إلى
أمرين:
أحدهما: ضعف السند، نظر إلى أن طلحة بن زيد بتري، وقال الشيخ في
الفهرست والنجاشي إنه عامي والسكوني عامي أيضا، مشهور الحال، مع أنه
لم ينص أحد من الأصحاب فيهما على توثيق ولا مدح، مضافا إلى فساد
العقيدة فلا يعتد بروايتهما) (3).
وقال عند الكلام في حد السارق بعد أن ذكر رواية عن محمد بن قيس
والسكوني: (وحال الثانية واضح بالسكوني) (4)، إلى غير ذلك من الموارد.
وسلك مسلكه في المعالم، قال عند الكلام في قبول اللحم للطهارة: (ولم
أقف على دليل يدل على ثبوت الحكم بالخصوص سوى حديثين رواهما
الشيخان في الكافي والتهذيب (5)، أحدهما: رواية السكوني، والآخر: رواية
زكريا بن آدم، وكلتا الروايتين ضعيفان.

(1) الروضة البهية: 8 / 223.
(2) الروضة البهية: 10 / 110. وفيه: (لضعف سندها بالسكوني)
(3) المسالك: 2 / 306.
(4) المسالك: 2 / 351.
(5) لاحظ رواية السكوني في الكافي: 6 / 261 ح 3 والتهذيب: 9 / 86 ح 100
والاستبصار: 1 / 25.
ورواية زكريا بن آدم في الكافي: 6 / 422 ح 1 والتهذيب: 1 / 279 ح 107 و 9 / 119
ح 247.
31

وصرح بضعفه أيضا في المدارك (1) والذخيرة (2)، وأصر فيه من متأخري
متأخرينا الفاضل الخاجويي، حتى أنه قال ردا على السيد الداماد فيما سيأتي من

(1) راجع مدارك الأحكام: 2 / 12، فيه: (الرواية ضعيفة السند) و 2 / 181، فيه:
(وهي ضعيفة السند جدا) كذا في 2 / 241 و 3 / 276 فيه: (مع ضعف سنده بالسكوني) و
4 / 333 فيه: (لكنها ضعيفة جدا) وكذا في: 4 / 349 و 372، 5 / 388، 6 / 162 و 7 / 266.
واستدل بروايته مؤيدا أو في الآداب والمستحبات، فراجع: 1 / 177 و 2 / 119، 132،
138، 142 و 179 و 4 / 150، 164 و 8 / 32، 383 فيه: (يشهد لهذه، الرواية (أي رواية
السكوني) ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار).
(2) قد صرح المحقق السبزواري بضعف رواية السكوني في مواضع عديدة، منها:
في حكم المستحاضة المتوسطة بعد نقل رواية السكوني: (أنه خبر ضعيف لا يصلح
لمعارضة الأخبار السالفة). الذخيرة: 74 سطر 22. وفي التيمم لمن طلب الماء غلوة سهم: (ولم
نقف في هذا الباب على رواية سوى رواية السكوني وهي ضعيفة...). الذخيرة: 96 سطر 12.
وفي التيمم بالمعادن: (وأما خبر السكوني فضعيف يشكل التعويل عليه). الذخيرة: 98. وفي
من منعه زحام الجمعة عن الخروج، يتيمم ويصلي: (الرواية ضعيفة جدا) الذخيرة: 110
سطر 19. وفي الماء المطلق، بعد نقل خبر السكوني: (وهو ضعيف جدا). الذخيرة: 112
سطر 33. وفي نجاسة لبن الجارية: (وخالف في ذلك جمهور الأصحاب استضعافا للرواية).
الذخيرة: 156 سطر 21. وفي الاذان: (الرواية ضعيفة السند فالتعويل عليها مشكل).
الذخيرة: 259 سطر 11 كذا في قراءة الأخرس. الذخيرة: 273 سطر 13 و....
واستند إلى رواياته في مقام التأييد أو في الآداب والمستحبات، كما في بول الرضيع بقوله:
(تؤيده رواية السكوني). الذخيرة: 164 سطر 35. وفي الأذان والإقامة: (ويؤيد كون ذلك
على جهة الاستحباب، ما رواه الشيخ عن السكوني). الذخيرة: 255 سطر 17. وراجع أيضا:
صفحة 22 سطر 13، 21 سطر 38، 42 سطر 42، 53 سطر 11، 81 سطر 18، 89 سطر 9، 96
سطر 2، 246 سطر 28، 247 سطر 23، 249 سطر 12، 336 سطر 3، 337 سطر 14، 20 و
27 و....
32

كلامه: أن القول بأن مروياته من الموثقات لا من المضعفات، من ضعف التمهر
وقصور التتبع.
وجرى جماعة على أنها من الموثقات، كما هو الظاهر مما عن المحقق في
المسائل الغرية: (من أن السكوني، وإن كان عاميا، فهو من ثقات الرواة) (1).
وقال في المصابيح: (روى الكليني، في باب السحت، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني) (2).
وقد وصف فخر المحققين في الإيضاح، هذا السند بالتوثيق (3)، وتبعه على
ذلك، ابن أبي جمهور في درر اللئالي.
وفيه شهادة بتوثيق السكوني والنوفلي وإبراهيم بن هاشم، وكما يظهر منه
اختيار صاحب الإيضاح والدرر القول المذكور يظهر منه الميل إليه من نفسه.
واختاره السيد الداماد في الرواشح مصرا فيه، قال: (لم يبلغني من أئمة
التوثيق والتوهين في الرجال رمي السكوني بالضعف، وقد نقلوا إجماع
الإمامية على تصديق ثقته والعمل بروايته، فإذن مروياته ليست ضعافا، بل
هي من الموثقات المعمول، بها، والطعن فيها بالضعف، من ضعف التمهر
وقصور التتبع) (4).
وجرى عليه الفاضل الشيخ أبو علي قال: (من المشهورات التي لا أصل لها

(1) كما في محكي السيد بحر العلوم، في رجاله: 2 / 123. وكتاب المسائل الغرية للمحقق
الحلي صاحب الشرايع، وهو مخطوط لم يطبع إلى الآن.
(2) الكافي: 5 / 126 ح 2.
(3) إيضاح الفوائد: 1 / 403.
(4) الرواشح السماوية: 58.
33

ضعيف السكوني) (1).
ومال إليه في الرياض، كما قال في كتاب الديات، بعد ذكر خبر منه: (إنه
يمكن جبره بدعوى الشيخ إجماع العصابة على قبول رواياته، ولذا قيل
بوثاقته أو موثقيته كما يحكي عن الماتن في بعض تحقيقاته، ويعضده كثرة
رواياته وعمل الأصحاب بها غالبا وغير ذلك مما حقق في وجه تقويته وتقوية
صاحبه) (2).
وجنح الوالد المحقق إلى تصحيح رواياته.
ويمكن أن يستدل للأول بوجوه:
الأول: إن المعتبر في الخبر الموثق، بناء على العمل به على ثبوت وثاقة الراوي
وهي إنما تحصل غالبا بتوثيق أهل الرجال، والمفروض أنه لم يوثقه أحد من
علمائنا في كتبهم الرجالية، بل ذكروه مهملا (3)، وهذا وإن لا يكفي في الحكم
بضعفه في نفسه، لكنه يكفي في الحكم بضعف رواياته، لكفاية عدم ثبوت
الوثاقة في الحكم بالضعف في مقام العمل.
الثاني: إنه وإن لم يضعفه الأصحاب في كتبهم، لكنه ضعفه جماعة من العامة
كما حكى السيد السند النجفي (4) عن تهذيب الكمال، إنه قال:
(إسماعيل بن مسلم السكوني أبو الحسن أبي زياد الشامي، سكن
خراسان، وهو من الضعفاء المتروكين) (5).

(1) منتهى المقال: 53.
(2) رياض المسائل: 2 / 257.
(3) راجع: رجال ابن داود: 49 رقم 175.
(4) راجع: رجال السيد بحر العلوم: 2 / 121.
(5) تهذيب الكمال: 3 / 206 رقم 482.
34

وعن الدارقطني: أنه متروك يضع الحديث) (1).
وعن الذهبي: (أنه قاضي الموصل واه) (2).
وعن التقريب: نحوه، وقال: (متروك، كذبوه من الثانية) (3) (4).

(1) كتاب الضعفاء والمتروكين: 59 رقم 85. فيه: (يضع الحديث، كذاب، متروك).
(2) ميزان الاعتدال: 1 / 230 رقم 881.
(3) تقريب التهذيب: 1 / 69 رقم 512.
(4) قد جرى غير واحد من أرباب الرجال من الخاصة والعامة على ترتيب طبقات
للرواة ومن يحذو حذوهم، فجرى بعضهم على تخميس الطبقات، وأخرى على التسديس،
وثالث على التعشير.
وجرى المولى التقي المجلسي، على أنهم إثنا عشر. فجعل الأولى: للشيخ الطوسي،
والنجاشي وأضرابهما. والثانية: للشيخ المفيد وابن الغضائري وأمثالهما. والثالثة: للصدوق
وأحمد بن محمد بن يحيى وأشباههما. والرابعة: للكليني وأضرابه. والخامسة: لمحمد بن يحيى،
وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم، وأمثالهم. والسادسة: لأحمد بن محمد بن عيسى،
ومحمد بن عبد الجبار، وأحمد بن محمد بن خالد، وأضرابهم. والسابعة: للحسين بن سعيد،
والحسن بن الوشاء، وأمثالهما. والثامنة: لمحمد بن أبي عمير، وصفوان ابن يحيى، والنضر،
ولأصحاب موسى بن جعفر عليهما السلام. والتاسعة: لأصحاب أبي عبد الله عليه السلام. والعاشرة:
لأصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام. والحادية عشر: لأصحاب علي ابن الحسين عليهما السلام والثانية
عشر: لأصحاب الحسين وأمير المؤمنين عليهما السلام.
وسبقه على الترتيب المذكور، ابن حجر العسقلاني في كتابه التقريب، فجعل الأولى:
للصحابة على اختلاف مراتبهم. والثانية: لكبار التابعين، كابن المسيب. والثالثة: لطبقة
الوسطى من التابعين كالحسن وابن سيرين. والرابعة: لطبقة تليها من الذين جل رواياتهم
عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة. والخامسة: لطبقة الصغرى منهم الذين روى الواحد
والاثنين ولم يكن لهم السماع من الصحابة كالأعمش. والسادسة: طبقة عاصرو الخامسة،
لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريح السابعة: طبقة أتباع كبار
التابعين، كمالك والثوري. الثامنة: الطبقة الوسطى منهم كابن عيينة وابن علية. التاسعة:
الطبقة الصغرى من أتباع التابعين كيزيد بن هارون والشافعي وأبي داود والطيالسي
وعبد الرزاق. العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الاتباع ممن لم يلق التابعين كأحمد بن حنبل
الحادية عشر: الطبقة الوسطى من ذلك كالذهلي والبخاري. والثانية عشر: صغار
الآخذين عن تبع الاتباع كالترمذي. (منه رحمه الله).
35

الثالث: إن الظاهر ثبوت فساد مذهبه، كما هو المشهور المعروف من كونه
من العامة، وكفى في تضعيفه فسقه المنصوص عليه في الآية الكريمة (1) فأي
فسق أعظم من عدم الأيمان.
ويضعف الأول بأنهم وإن لم يوثقوه في كتبهم، لكن شواهد الوثاقة ظاهرة،
مثل رواية إبراهيم بن هاشم المعروف، عنه بواسطة النوفلي كثيرا، فإن روايته
عن النوفلي تكشف عن وثاقته، كما أن وثاقته كاشفة عن وثاقته أيضا.
وذكر الطريق من الشيخ في الفهرست مع اشتماله على الأجلاء، كابن أبي
جيد، وابن الوليد، والصفار، وإبراهيم بن هاشم، كما في أحد من طريقيه، وابن
الغضائري، وعلي بن إبراهيم، وأبيه، كما في الآخر (2).
والتصريح بوثاقته من مثل المحقق الثقة الثبت، بل وكذا شيخ الطائفة فيما حكي
عنه، بل ذكر السيد السند النجفي: (إن مما يؤيد الاعتماد على خبره، أن الشيخ
في النهاية قال في ميراث المجوسي: إنه قد وردت الروايات الصحيحة بأنهم
مورثون من الجهتين، قال: ونحن أوردناها في كتاب تهذيب الأحكام (3).

(1) إشارة إلى قوله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا). الحجرات، 6.
(2) الفهرست: 13 رقم 38.
(3) النهاية ونكتها: 2 / 271. ولكن فيه: (مع أنه قد رويت الرواية الصريحة وقد
أوردناها في كتاب (تهذيب الأحكام) بأنهم يورثون من الجهتين جميعا...).
36

ولم يذكر هناك سوى حديث السكوني (1).
وهذا من الشيخ، شهادة بصحة روايته. ولذا قال السيد السند المشار إليه: إن
ما اشتهر الآن من ضعف السكوني، فهو من المشهورات التي لا أصل لها) (2).
ونحوه ما ذكره الفاضل الشيخ أبو علي كما تقدم وسبقهما السيد الداماد فقال:
(إن ضعفه غلط من المشهورات الأغاليط) (3).
ومما ذكرنا يظهر أن من العجيب في الغاية، تضعيف الشهيد له بما مر من
المثابة، فإن مقتضى عبائره، ظهور ضعفه كالنور على الطور، مع أنه بمكان من
الفتور، فتأمل. فضلا عن أن الضعفاء الذين وقع الاتفاق على ضعفهم أكثر من
أن تحصى، مع أنه لم يصدر في حقهم منه بمثل ما مضى هذا.
ولا يخفى أن في كلام الشيخ في النهاية، وهنا بالإضافة إلى حوالته إلى
التهذيب، وهو ربما يوهن ما أيد به، فتأمل، مضافا إلى الموهن العام الثابت في
كلمات الشيخ.
والثاني: بعدم صدور تضعيفه من النجاشي (4) المطلع على الأحوال، المتثبت
في المقال، المتمهر في أوصاف الرجال، بل على هذا المنوال حال شيخ
الطائفة في الفهرست، والرجال (5)، وابن شهرآشوب في المعالم (6)، وبذلك
يتطرق الضعف في التضعيفات المذكورة، مع أن ما ذكر من المتروكية، متروك

(1) راجع: تهذيب الأحكام: 9 / 364 ح 1299،
(2) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 125.
(3) الرواشح السماوية: 57، الراشحة التاسعة.
(4) راجع: رجال النجاشي: 26 رقم 47.
(5) راجع: الفهرست: 13 رقم 38 ورجال الطوسي: 147 رقم 92.
(6) معالم العلماء: 9.
37

بظهور اشتهاره بين الرواة، وكثرة نقلهم عنه. والظاهر أن منشأ التضعيف توهم
المتروكية وتوهم نشوها من وضع الحديث، ولا يخفى فساد المنشأ.
والثالث: بأنه مبني على حمل الفسق في الآية على معناه المتبادر عند
المتشرعة، ومنه ما استدل بها على عدم حجية الخبر الموثق، وقد أثبتنا خلاف
هذا المقال على وجه الكمال في الأصول.
ودعوى كفاية عدم إيمانه وثبوت فسقه من الجهة المذكورة بالأولوية،
مدفوعة بما تقدم من الأشكال في ثبوت الدعوى المذكورة.
واستدل السيد الداماد على وثاقته: (بما ذكره الشيخ في العدة كما تقدم،
وذكره النجاشي والشيخ في كتابيه من غير تضعيف، وما ذكره المحقق
في النكت في طي كلام له ولا أعمل بما يختص به السكوني، لكن الشيخ
مستعمل أحاديثه لما عرف من ثقته، وفي المسائل الغرية: أن السكوني وإن
كان عاميا، فهو من ثقات الرواة. قال شيخنا أبو جعفر في مواضع من كتبه: إن
الإمامية مجمعة على العمل بما يرويه السكوني، وعمار ومن ماثلهما من
الثقات، وكتب أصحابنا مملوة من الفتاوى المستندة إلى نقله.
ولذلك تراه في المعتبر كثيرا ما يحتج برواية السكوني، مع تبالغه في الطعن
في الروايات بالضعف.
قال: ويدل على قبول خبر الواحد وإن كان عاميا صحيحة أبي بصير عن
الصادق عليه السلام، فيمن لم يصم يوم ثلاثين من شعبان ثم قامت الشهادة على
رؤية الهلال، لا تقتضيه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة.
وجه الدلالة: أن شهادة عدلين في باب الشهادة، كاخبار عدل واحد في باب
الرواية، فإذا كانت شهادة عدلين من جميع أهل الصلاة معتبرة، فكذلك يكون
38

رواية عدل واحد معتبرة منهم جميعا) (1).
أقول: وفيه أولا: أن ما ذكره من احتجاج المحقق برواياته غير سديد، فإني
لم أقف إلى الآن على موضع قد استدل بنفسها، بل صرح بالضعف في مواضع
من الكتاب المذكور.
فمنها: عند الكلام في التيمم بالجص والنورة، فإنه بعد ذكر روايته المقتضية
لجواز التيمم بها قال: (وهذا السكوني ضعيف، لكن روايته حسنة، لأنه أرض
فلا يخرج باللون عن اسم الأرض، كما لا يخرج الأرض الصفراء
والحمراء) (2).
ومنها: عند الكلام في جواز التيمم والصلاة لمن منعه الزحام يوم الجمعة.
قال بعد ذكر رواية مقتضية لإعادة الصلاة: (وهذه الرواية ضعيفة، قال
أبو جعفر: لا أعمل بما ينفرد به السكوني) (3).
ومنها: عند الكلام في حكم اللبن، قال: (لبن الآدميات طاهر، لبن ابن كان
أو بنت، وقال بعض فقهائنا: لبن البنت نجس، لأنه يخرج من مثانة أمها،
ومستنده حديث السكوني عن جعفر، والسكوني ضعيف، والطهارة هي
الأصل) (4).
نعم، ربما استند إلى رواياته في مقام التأييد بها أو في صورة اعتضادها
بعمل الأصحاب وجبران ضعفها به أو في الآداب والمستحبات.

(1) الرواشح: 57، الراشحة التاسعة. (نقله المؤلف ملخصا).
(2) المعتبر: 1 / 376.
(3) المعتبر: 1 / 399.
(4) المعتبر: 1 / 437.
39

فمن الأول: ما ذكره عند الكلام في عدم جواز التيمم إلا بعد طلب الماء،
استدلالا بالآية، قال: (ويؤيده رواية السكوني (1). وساق روايته.
ومن الثاني: ما ذكره في المبحث المذكور (إن التقدير بالغلوة والغلوتين، رواية
السكوني، وهو ضعيف، غير أن الجماعة عملوا بها، والوجه أنه يطلب من كل
جهة يرجو فيها الإصابة، ولا يكلف التباعد بما يشق. فتأمل) (2).
ومن الأخير: ما ذكره عند الكلام في أفضلية أداء صلاة الفريضة في المساجد:
(وينبغي لمن صلى في الطريق أن يجعل بين يديه حائلا ولو كومة من تراب أو
حنطة، روى ذلك السكوني.
وذكر في آخر كلامه في هذه المسائل: (واعلم أن ما تلوناه من الأحاديث
مع كونها آحادا لا يخلو عن ضعف) (3).
وثانيا: إن ما عزا إليه من مبالغته في الطعن في الروايات، مضعف بعدم
الوقوع، بل لا يطعن إلا بواسطة سوء المذهب مع عدم اعتضاد الرواية بالعمل،
ضعف مصرح به في كلام النجاشي ونحوه أو نحوهما.
وثالثا: إن ما استدل به من الرواية المذكورة لحجية الأخبار الموثقة، فيه مرية
ظاهرة، وربما أورد عليه الفاضل الخاجوئي رحمه الله: (بأنه مع كونه عاميا لم
يوثقه أحد من علماء الرجال، سوى أن ظاهر كلام الشيخ يفيد أن الأصحاب
كانوا يعملون بأخباره، ومن هنا نشأ ما نشأ من القول بثقته، مع ما فيه من
التناقض والاختلاف، فإن هذا القائل تارة يقول: إنه موثق، وأن الأصحاب

(1) المعتبر: 1 / 392.
(2) المعتبر: 1 / 393.
(3) المعتبر: 2 / 115.
40

أجمعوا على العمل بحديثه، وأخرى يقول: إنا لا نعلم إلى الآن أن الأصحاب
عملوا بحديثه.
والحق ما أشار إليه في نكت النهاية، على ما نقل من أنه أنكر العمل بما يرويه
السكوني، ونسبه إلى الشيخ معللا بما عرفت من ثقته، وهذا منه اعتذار للشيخ
في العمل به وايماء لطيف إلى أنه لا يجدي غيره نفعا، وهذه نكتة دقيقة يستفاد
بعد إمعان النظر مما أفاده رحمه الله فهم من فهم.
وبالجملة: لما لم يثبت توثيقه وهو عامي المذهب، ثبت وهنه وضعفه، فأئمة
التوثيق والتوهين وإن لم يرموه بالضعف صريحا، إلا أنهم رموه به كناية، وهو
أبلغ من التصريح، فهذا هو السبب في اشتهاره بالضعف).
وفيه: أن ما ذكره من التناقض، يضعف بأن الكلام الأول: من الشيخ في
العدة (1)، والثاني: من المحقق في المعارج، في إيراده عليه (2)، وأين أحدهما
من الآخر.
وفيه مناقشة يدفع بمخالفتها لظاهر السياق، مع أن قوله (أنهم رموه... إلى
آخره) لا يخلو من مجازفة ظاهرة، فإن غاية ما أثبته هو رمي المحقق بضعفه
كناية، فأين ذلك مما يقتضيه الإتيان بصيغة الجمع.
مضافا إلى أن المعهود من أئمة التوثيق والتوهين: النجاشي والشيخ
ونظراؤهما، فضلا عن أن من البعيد في الغاية أن يكون اشتهار ضعفه بواسطة
مثل هذه الكناية، مع أن الظاهر أن الغرض من التعليل المذكور، أن عمل الشيخ
وغيره برواياته، بملاحظة الاكتفاء في العمل بالرواية، بمجرد ثبوت الوثاقة،

(1) عدة الأصول: 1 / 380.
(2) معارج الأصول: 149.
41

ولما كان المفروض ثبوت وثاقته، فلذا جرى من جرى على العمل برواياته.
وهذا لما كان خلاف طريقة المحقق في العمل بالرواية، فإن المعتبر عنده
في العمل على ما صرح في بداية المعتبر، انضمام القرائن وقبول الأصحاب،
اعتذر عنه بما ذكر هذا.
وقد استوفى الكلام في المستدرك، فيما يدل على وثاقته، ونحن نذكر
كلامه بعينه ثم نعقبه بما يرد عليه.
قال: (أما السكوني، فخبره إما صحيح، أو موثق، وما اشتهر من ضعفه كما
صرح به بحر العلوم وغيره من المشهورات التي لا أصل لها، فإنا لم نجد فيما
بأيدينا من كتب هذا الفن، وما نقل عنه منها إشارة إلى قدح فيه، سوى نسبة
العامية إليه في بعضها الغير المنافية للوثاقة.
ويدل على وثاقته بالمعنى الأعم، بل الأخص عند نقاد هذا الفن أمور:
الأول: قول الشيخ في العدة: (وهو ممن رماه بالعامية ولأجل ما قلناه
عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب ونوح بن دراج،
والسكوني، وغيرهم من العامة من أئمتنا فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم
خلافه) (1).
الثاني: قوله أيضا في مواضع من كتبه كما يأتي.
الثالث: قول المحقق في المسألة الأولى من المسائل الغرية في رد من
ضعف الخبر المعروف (الماء يطهر ولا يطهر) (2) بأن الرواية مسندة إلى
السكوني، وهو عامي، قلنا: وهو وإن كان عاميا، فهو من ثقات الرواة.

(1) عدة الأصول: 1 / 380.
(2) الكافي: 3 / 1 ح 1 والتهذيب: 1 / 215.
42

وقال شيخنا أبو جعفر في مواضع من كتبه: إن الإمامية مجمعة على العمل
بما يرويه السكوني، وعمار ومن ماثلهما من الثقات، ولم يقدح المذهب
بالرواية، مع اشتهار الصدق، وكتب جماعتنا مملوة من الفتاوى المستندة إلى
نقله، فلتكن هذه كذلك (1).
الرابع: قول الشيخ في كتاب النهاية، في مسألة ميراث المجوسي: (وقال قوم:
إنهم يورثون من الجهتين معا، سواء كان مما يجوز في شريعة الإسلام،
أو لا يجوز.
وهذا القول عندي هو المعتمد - إلى أن قال: - مع أنه قد رويت الرواية، وقد
أوردناها في كتاب تهذيب الكلام، فإنهم يورثون من الجهتين جميعا) (2).
(انتهى). ولم يذكر هناك سوى حديث السكوني (3).
وفي رجال السيد الأجل، نقلا عنه الرواية الصحيحة، وهو أدل على
المطلوب.
وأما على الأول، فالوجه أن العمل بما تفرد بروايته، لا يكون إلا مع
صحتها، وقال السيد رحمه الله وما ذكره الشيخ والمحقق، ربما يقتضي الاعتماد على
النوفلي أيضا، فإنه الطريق إلى السكوني والراوي عنه.
الخامس: قول المحقق في المعتبر، في باب النفاس، في مسألة أنه لا يكون
نفاس حتى تراه بعد الولادة أو معها، بعد نقل خبر من السكوني ما لفظه:

(1) راجع خاتمة المستدرك: 575.
(2) النهاية ونكتها: 271.
(3) تهذيب الأحكام: 9 / 364 ح 1299.
43

(والسكوني عامي لكنه ثقة) (1).
السادس: قول ابن إدريس في السرائر، وهو من المنكرين على الشيخ أشد
الإنكار في عمله برواية السكوني، بعد تسليم جواز العمل بأخبار الآحاد
ما لفظه: (إسماعيل بن أبي زياد السكوني - بفتح السين - منسوب إلى قبيلة من
عرب اليمن، وهو عامي المذهب بغير خلاف، وشيخنا أبو جعفر موافق على
ذلك، قائل به، ذكره في فهرست المصنفين) (2). إلى آخر كلامه الذي سنذكره
مع ما استفاد منه.
السابع: رواية الأجلاء عنه، وفيهم جمع من أصحاب الاجماع مثل:
(عبد الله بن المغيرة كما في الفقيه، في باب ما جاء في الأضرار
بالورثة (3).
وفي التهذيب في باب تلقين المحتضرين من أبواب الزيادات (4) وفي باب
بينتين يتقابلان (5) وفي باب البينات (6).
و (فضالة بن أيوب) فيه في باب الحكم في أولاد المطلقات (7) وفي باب
قضاء شهر رمضان (8) وباب تلقين المحتضرين من الزيادات (9) وباب

(1) المعتبر: 1 / 252.
(2) السرائر 2 / 421.
(3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 135 ح 469.
(4) التهذيب: 1 / 445 ح 1439.
(5) التهذيب: 6 / 237 ح 583.
(6) التهذيب: 10 / 193 ح 757.
(7) التهذيب: 8 / 112 ح 387.
(8) التهذيب: 4 / 281 ح 852.
(9) التهذيب: 1 / 430 ح 1371.
44

التيمم (1) وباب الحد في الفرية والسب (2).
وفي الكافي، في باب حق الأولاد في كتاب العقيقة (3).
و (عبد الله بن بكير) في التهذيب، في باب التيمم (4).
و (جميل بن دراج) في الكافي، في باب الرجل يحج من الزكاة أو
يعتق (5).
وهؤلاء الأربعة من أصحاب الاجماع، وبين أن روايتهم عن أحد من
أمارات وثاقته، وفاقا للعلامة الطباطبائي.
والعباس بن معروف (6) وهارون بن الجهم (7) ومحمد بن عيسى (8)

(1) التهذيب: 1 / 187 ح 539.
(2) التهذيب: 10 / 70 ح 265.
(3) الكافي: 6 / 48 ح 6.
(4) التهذيب: 1 / 185 ح 534.
(5) الكافي: 3 / 557 ح 1.
(6) لم نقف على رواية العباس بن معروف، عن السكوني، بل يروي عنه بوسائط
متعددة كما في الكافي: 3 / 138 ح 2 و 216 ح 3: (... عن العباس بن معروف، عن اليعقوبي،
عن موسى بن عيسى، عن محمد ميسر، عن هارون بن الجهم، عن السكوني).
وفي التهذيب: 1 / 194 ح 561 و 201 ح 582: (... عن العباس بن معروف، عن أبي
همام، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن السكوني).
نعم: روى في التهذيب، في باب التيمم وأحكامه: 1 / 199 ح 578: (عن محمد بن أحمد ابن
يحيى، عن العباس، عن السكوني...). وفيه سقط قطعا، لأن الشيخ روى هذه الرواية قبل
صفحات تحت رقم 561 وفيه: (... عن العباس بن معروف، عن أبي همام، عن محمد ابن سعيد
ابن غزوان، عن السكوني).
(7) الكافي: 3 / 138 ح 2 و 216 ح 3.
(8) الكافي: 2 / 616 ح 10.
45

وأبو الجهم بكير بن أعين (1) والثقة الجليل سليمان بن جعفر الجعفري (2).
الثامن: ما تقدم من الفخر، من الحكم بكون السند الذي فيه السكوني
موثقا (3).
التاسع: وما ذكرناه في خلال حال الجعفريات من أن كثيرا من متون
أحاديثها موجودة في الكتب الأربعة بطرق المشايخ إلى النوفلي، عن
السكوني، عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه....
ويظهر منه أنه كان حاضرا في المجلس الذي كان يلقي أبو عبد الله عليه السلام
سنة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ولده الكاظم عليه السلام بطريق التحديث، ومشاركا
معه في التلقي عن والده عليه السلام، وهذا يدل على علو مقامه ورفعة شأنه
واختصاصه بالصادق عليه السلام.
ومنه يظهر أن من تشبث لعاميته بأسلوب رواياته، فإنه عن جعفر، عن أبيه،
عن آبائه عليهم السلام في غير محله، بل هو على خلافه أدل) (4).
أقول: وفيه أولا: إن ما ذكره تبعا لجماعة من أن اشتهار ضعفه مما لا أصل
له، فيمكن تضعيفه بأن بعد اشتهار عاميته وتسلمه بينهم كما عرفت، التصريح
به من غير واحد، بل سمعت نفي الخلاف فيه من السرائر (5).
وسمعت التنصيص بضعفه من جماعة من العامة، فيتجه حينئذ تضعيفه،
فتأمل.

(1) التهذيب: 8 / 215 ح 73.
(2) الكافي: 2 / 603 ح 1.
(3) إيضاح الفوائد: 1 / 403.
(4) خاتمة المستدرك: 576.
(5) السرائر: 2 / 421.
46

وثانيا: إن مرجع الأول، والثاني، والرابع، إلى أمر واحد، لظهور رجوع
الجميع إلى كلام الشيخ، وتعدد كلام شخص بحسب تعدد المورد، لا يوجب
تعدد الدليل، فهل يصح دعوى تعدد التزكية لو وقع التزكية من المزكي في
موضعين، بل عرفت تنصيص صاحب المعالم، بعدم اعتبار دعوى التعدد في
تزكية النجاشي والعلامة، لكون مرجع الثاني إلى الأول، مضافا إلى أن الثاني
إشارة إلى ما عرفت من المحقق من نقل كلام الشيخ، عن مواضع من كتبه
بدعوى الاجماع المذكور، مع أن ثبوت النسبة المذكورة عن غير العدة محل
الريبة.
وعلى هذا المنوال، حال الثالث والخامس، لظهور رجوعهما إلى كلام المحقق
فتخميس الأمرين عجيب في البين.
وثالثا: إن الاستناد بكلام الشيخ في النهاية، بناء على عدم الاشتمال على
التوصيف، يشبه بالأكل عن القفاء، وبناء على الاشتمال يوجب اختلال
الاستدلال بأصل المقال.
أما الأول: فلأن ملاك الاستدلال، استدلال الشيخ بروايته في هذا المقام،
مع أنه استدل بها في التهذيب، بأتم وجه، وأكمل بيان، فإنه - بعد ما نقل رواية
السكوني عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السلام:
(أنه كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه وبنته) (1) من وجهين: من وجه
أنها أمه، ووجه أنها زوجته - نقل اختلاف الأصحاب في ميراث المجوسي إذا
تزوج بإحدى المحرمات من جهة النسب في الشريعة، فحكى عن يونس بن
عبد الرحمان، وكثير ممن تبعه: أنه لا يورث إلا من جهة النسب والسبب

(1) التهذيب: 9 / 364 ح 1299.
47

الجائزين.
وعن الفضل بن شاذان، وقوم من تابعيه: أنه يورث من جهة النسب مطلقا
بخلاف السبب، فإنه يورث بجائزه.
قال: والصحيح عندي أنه يورث المجوسي من جهة النسب والسبب معا،
سواء كانا مما يجوز في الشريعة أو لا.
والذي يدل على ذلك، الخبر الذي قدمنا من السكوني، وما ذكره أصحابنا
من خلاف ذلك، ليس به أثر ولا دليل، بل إنما قالوا بضرب من الاعتبار.
ثم ذكر بعد ذكر بعض الإيرادات: فعلم أن الذي ذكرناه هو الصحيح، وينبغي
أن يكون عليه العمل، وما عداه يطرح، ولا يعمل عليه على حال (1).
فبعد استدلاله في نفس التهذيب بهذه المثابة من الجزم بلا امتراء،
الاستدلال بكلامه في النهاية، للكشف عن استدلاله في التهذيب، ليس إلا من
باب الأكل من القفاء.
وأما الثاني: فلأنه انما يكون أدل بواسطة كشف التوصيف بالصحة عن كون
الراوي من الأماميين المصرحين بالوثاقة، كما هو المصطلح في الصحيح مع
أنه بناء عليه يوجب هدم الاستدلال بالمرة.
وذلك لما عرفت من الشيخ من التصريح بعاميته، بل قد عرفت أنه العمدة في
هذا الأساس، وبعد التصريح بما ذكر فالتوصيف المذكور يوجب التناقض
والتهافت في الكلام، وبه يتطرق الوهن بالاستدلال بأصل كلامه في المقام.
هذا، مضافا إلى أن هذا الاحتمال ساقط من رأسه، لأن الوصف الكاشف
عما ذكر إنما هو من المصطلح عند المتأخرين خاصة، فكيف يتجه احتماله في

(1) التهذيب: 9 / 364 ح 1299 و 1301.
48

كلامه، فالمتعين بناء على ثبوته هو الحمل على ما هو المتعارف عند القدماء،
ومن الظاهر عدم تفاوت يعتد به في المقام.
ورابعا: أن الاستدلال بتوثيق المحقق، يضعف بما عرفت من تضعيفه، ولعله
لا مجال للحمل. ودعوى أن التضعيف من باب اشتراطه في العمل بالرواية،
الاشتهار والانجبار، ولو كان الراوي من الثقات فالتضعيف من جهة عدم
الانجبار، لا من جهة ضعف الراوي، مدفوعة بصراحة كلامه في غير مورد
بضعف نفس الراوي، مضافا إلى ما فيه مما سيأتي نظيره.
وخامسا: أن توثيق الفخر (1)، إنما هو من الوجوه المذكورة التي استدل بها
على وثاقته، وقد عرفت ما فيها.
وسادسا: أن حضور العامة في مجلسه الشريف غير عزيز، ومنه ما ذكره
النجاشي في ترجمة محمد بن ميمون، من أنه عامي، غير أنه روى عن أبي
عبد الله عليه السلام كما أن حفص وغياث المعدودين من العامة روايتهما عنه غير
عزيز، مع أن ما ذكره من ظهور ضعف التشبث بما ذكر لما ذكر كما ترى،
وأضعف منه ما في الذيل.
وأيضا دعوى دلالة غير واحد من الوجوه المذكورة على نفي الوثاقة بالمعنى
الأخص، كالنور على الطور، فدعوى الدلالة على الثبوت بمكان من السقوط.
نعم، إنه لقد أجاد في الوجه السابع فيما أفاد وأتى بما فوق المراد، فهو وجه
في غاية المتانة والسداد، فتأمل.

(1) إشارة إلى قول المؤلف فيما مر: (وقد وصف فخر المحققين في الإيضاح، هذا السند
بالتوثيق. راجع: إيضاح الفوائد: 1 / 403.
49

تنبيهات
الأول: قال الفاضل الحلي في السرائر، عند الكلام في ميراث المجوس:
(إن للسكوني كتابا يعد في الأصول، وهو عندي بخطي كتبته من خط
ابن اشناس البزاز وقد قرأ على شيخنا أبي جعفر، وعليه خطه إجازة وسماعا
لولده أبي علي ولجماعة رجال غيره) (1).
أقول: وفي الكلام المذكور، شواهد على اعتبار كتابه.
منها: قوله (يعد في الأصول).
ومنها: قوله (وهو عندي بخطي) فإن استكتاب كتاب من مثل هذا الفاضل
الذي لا يعمل بأخبار الآحاد، استنادا إلى أنه لا يوجب علما ولا عملا كما هو
شايع في كلماته في السرائر، شاهد قوي على اعتبار كتابه واعتبار مؤلفه.
ومنها: ما يظهر منه من استكتابه مثل ابن اشناس البزاز، فإنه أيضا من أجلة
الرواة والعلماء.
كما قال في رياض العلماء: (إنه كان من معاصري الشيخ الطوسي
ونظرائه).
ومنها: ما يظهر من قراءته على شيخ الطائفة، وكون خطه عليه، وإجازته
إياه لولده ولجماعة غيره، وكل من الأمور المذكورة يكشف عن اعتبار كتابه،

(1) السرائر: 3 / 289.
50

كما لا يخفى.
ويؤيده اشتهار غير واحد من رواياته بين الأصحاب، وتلقيهم بالقبول
وعملهم بمضمونه.
منها: ما رواه: (عن رجل استودع دينارين، واستودع آخر دينارا، فضاع
دينار منهما، فقال: يعطي صاحب الدينارين دينارا، ويقتسمان الدينار الباقي
بينهما نصفين) (1)، فإن الإفتاء على طبقه مع مخالفته للأصول، بل العلم
الإجمالي مشهور بين الأصحاب كما صرح به في الروضة، والرياض، بل قال
في الأول: بعد ميله إلى القرعة حاكيا عن الدروس، لكنه لم يجسر على مخالفة
الأصحاب (2).
وفي الثاني: هو في محله لجبر السند، والمخالفة للقواعد بعملهم مع كون الراوي
ممن حكى الطوسي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وقال بثقته
جماعة (3). (انتهى). وفيه شئ لا يخفى.
ومنها: الخبر المعروف، وهو: (أن الولاء لحمة كلحمة النسب) (4).
فإنه قد استدل به غير واحد من الفقهاء في غير مورد من موارد الإرث
بالولاء، بل ذكر الحلي أنه متلقى بالقبول عند العامة والخاصة، بل استدل في
أن الولاء للأولاد إذا عدم المنعم محتجا بالاجماع) (5).
وكل منهما منه عجيب، وربما ذكر السيد السند النجفي: (وهذا يدل على أن

(1) التهذيب: 6 / 208 ح 483.
(2) الروضة البهية في شرح اللمعة: 4 / 184.
(3) رياض المسائل: 1 / 602.
(4) التهذيب: 8 / 255 ح 296.
(5) مختلف الشيعة: 632.
51

أصل السكوني كان في زمن الشيخ والكليني ظاهرا متداولا، وأن الروايات
المنقولة عنه منتزعة من أصله.
وعلى هذا، فلا يقدح في اعتبار رواياته جهالة النوفلي أو ضعفه، كما يظهر
من كتب الرجال، ولعل التوثيق المذكور من فخر المحققين وابن أبي جمهور
مبني على عدم الالتفات إلى الواسطة لكونها من مشايخ الإجازة) (1).
أقول: وفي كلامه أنظار.
الأول: إن الذي يظهر من طريقة الأصحاب بعد إعطاء التأمل التام في
كلماتهم، أنهم كانوا يروون الأخبار من كتب جماعة مع وجود كتاب المنقول
عنه عندهم، كما يظهر الحال مما سيجئ - إن شاء الله تعالى - في قاعدة نقد
الطريق.
الثاني: إن ما يظهر منه من ترديده في النوفلي بين جهالته وضعفه ضعيف،
فإن الظاهر وثاقته نظرا إلى عدم صدور تضعيفه من أحد من أرباب الرجال.
نعم، غاية الأمر حكاية غلوه في آخر عمره عن قوم من القميين.
ويضعف بعدم الوثوق بغمزهم وقدحهم، ولا سيما بالغلو، ولا سيما مع ميل
النجاشي إلى عدمه، لقوله: (الحسين بن يزيد محمد بن عبد الملك النوفلي كان
شاعرا أديبا وسكن الري ومات بها، وقال قوم من القميين: إنه غلا في آخر
عمره، والله أعلم، وما رأينا له رواية تدل على هذا) (2).
ولقد أجاد العلامة البهبهاني في التعليقات، فيما جنح إلى وثاقته (3) بخلاف

(1) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 124.
(2) رجال النجاشي: 38 رقم 77.
(3) منهج المقال: 55. (تعليقة الوحيد عليه).
52

العلامة في الخلاصة من التأمل في رواياته بمجرد الغمز المذكور (1).
بل ربما ذكر المحقق الشيخ محمد محقق الشيخ في الاستقصاء (2): (إن النوفلي هو
الحسين بن يزيد، وضعفه أظهر ما يذكر، وليت شعري وجه ابتلائه وصاحبه
بهذه التضعيفات حتى أنه ذكر في رياض العلماء تارة: (السكوني هو إسماعيل
ابن أبي زياد السكوني الشعيري من أصحاب الصادق عليه السلام وهو الذي يروي
عنه النوفلي الضعيف الكذاب العامي كثيرا، ولقرب جواره اشتهر هو أيضا
بالكذب، حتى أنه يضرب به المثل في الكذب والافتراء).
وأخرى: بعد ذكر الاسم والنسبة والرواية: (والمشهور أنه عامي وينسب
بالكذب والضعف، حتى أنه يضرب به المثل في الافتراء على الألسنة، وقد
يقال: إنه غير ضعيف، ولكن اشتهر بذلك لجاره السوء، أعني: النوفلي) (3).
(انتهى).
فإنه مع عدم صدور التضعيف من أحد من أرباب الرجال في شأنه،

(1) الخلاصة: 216 رقم 9.
(2) كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، مخطوط لم يطبع إلى الآن.
(3) رياض العلماء: 228، من القسم الثاني الخاص بترجمة علماء العامة، مخطوط لم يطبع
إلى الآن.
قال في أوله: القسم الثاني من كتابنا المسمى برياض العلماء وحياض الفضلاء في أحوال
علماء العامة ومن ضاهاهم من أصحاب الشمال - إلى أن قال -: إعلم أن غرضنا الأهم من
وضع كتابنا هذا، إيراد أحوال علماء أصحابنا الإمامية ولكن لما كان الأشياء إنما تعرف
بأضدادها، بحثنا عن أحوال علماء العامة وسائر أهل الضلال ومع ذلك كان المقصود عدم
وقوع المستبصرين في ورطة الاعتقاد بتشييع جماعة من علماء المخالفين بمجرد الحسبان والظن
والتخمين كما وقع ذلك لجماعة....
53

واختصاص التضعيف بمن عرفت، يروي عنه إبراهيم بن هاشم عن أبيه كثيرا،
وهو من أقوى أمارات الوثاقة.
الثالث: إن ما احتمله من ابتناء التوثيق المذكور على الوجه المزبور، في غاية
الوهن، لما عرفت من أن النوفلي غير مذكور في كلمات الأصحاب بالمدح
والقدح، بل قد عرفت اشتهاره بالضعف، وأين هذا المقام من مقام مشايخ
الإجازة، والمعروفين بالصلاح والسداد والوثاقة والاعتماد.
نعم، إن علي بن إبراهيم، وأباه من مشايخ الإجازة، ولكن من المعلوم عدم
كفاية شيخوخة بعض أجزاء السند للتصحيح أو التوثيق.
ثم إنه يظهر من بعض الأفاضل (1) أن للسكوني كتاب التفسير، فحكي عنه

(1) هو العالم الكامل والمتتبع الفاضل السيد محمد أشرف الحسيني، سبط السند السناد
السيد الداماد، في كتابه المسمى بفضائل السادات، ولقد استقصي الكلام في ذكر الأخبار في
هذا الباب حتى تجاوز عن المائة، وهو كتاب شريف قد أعجبني ذكر فائدة منه في المقام وهي:
أنه قد روى عن الخصال، في أبواب العشرة، عن مولانا الصادق عليه السلام إنه قال: إن الله تبارك
وتعالى جعل الشهوة عشرة أجزاء، تسعة منها في النساء وواحدة في الرجال، ولولا ما جعل
الله عز وجل فيهن من أجزاء الحياء على قدر أجزاء الشهوة، لكان لكل رجل تسع نسوة
متعلقات به).
ولا يخفى أن ذيل الحديث يخالف صدره، فإن مقتضى الصدر لكان لكل نسوة تسعة رجال،
ولقد اضطرب الأبطال في حل هذا الأشكال.
فمنهم: من ذكر أن المراد، فرض مجلس خاص بأن يكون فيه رجال تسعة ونساء تسع،
فأراد كل من النساء الوصول إليهم.
ومنهم: من قرأ التسع، بضم التاء.
قال: وخطر بالبال أن يكون المراد: لولا الحياء المانع فيهن في وقت المقاربة، لكانت واحدة
منهن لشدة شهوتهن عدلة تسع متعلقات الرجل.
قال: واستحسن ذلك جماعة عند مذاكرة هذا الحديث، منهم العلامة المجلسي، قال: ونظيره
ما ذكر لي أنه روى الدارقطني، ما يقرب إلى هذا المضمون، من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن قطع
فاطمة يدا السارق بحد النصاب، أقطع يدها، فحزنت لذلك، فنزل الله ذلك (إن أشركت
ليحبطن عملك) فحزن صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، فنزل الله ذلك: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ففرحا
بذلك.
وما وجه فرحهما؟ قال: قلت: لعل الوجه فيه، أن أراد الكلام بعنوان الشرطية لا يفرض
الوقوع ولا بأس بالذكر. ففرح السائل واستحسن وتعجب من ذكر الوجه بديهة، ذرية بعضها
من بعض (منه رحمه الله).
54

رواية مفصلة عنه في التفسير، ونسب آخر الكتاب - كتاب التفسير - إلى
السكوني، ولم أقف على تلك النسبة لو كان المراد هو السكوني المعروف هذا،
ونسب البعض المذكور في آخر الكتاب - كتاب التحصين - إلى السيد السند
رضي الدين بن طاووس، مع أن التحصين المعروف للعالم التقي ابن فهد
الحلي، ولعل المراد غير الكتاب المعروف، وإن ولم أقف على تلك النسبة
أيضا.
الثاني: (1) إنه حكى في رياض العلماء، عن صاحب الطبقات عن السمعاني
إنه قال: (السكوني - بفتح السين وضم الكاف وسكون الواو آخرها نون - بطن
من كندة) (انتهى).
البطن دون القبيلة، وفوقها: الفخذة مؤنثة، وإن أريد الحي فمذكر، ذكره في
المجمع (2).

(1) أي: الثاني من التنبيهات.
(2) مجمع البحرين: 6 / 215، مادة (بطن).
55

وكندة، بكسر الكاف أبو حي من اليمن، وهو كندة بن ثور، ذكره في
الصحاح (1).
وقد تقدم عن تهذيب الكمال، من أنه كان شاميا سكن في خراسان (2).
الثالث: إنه يظهر من صاحب القاموس، أن الشعير إقليم بالأندلس، وموضع
ببلاد العذيل، ومحلة ببغداد، قال: منها الشيخ عبد الكريم بن الحسن بن
علي (3).
وظن الرواشح، أنه من أغلاطه (4).
قال: والصحيح: الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني من زعفرانية
بغداد، التي منها الحسن بن محمد صاحب الشافعي، لا من زعفرانية همدان
التي منها القاسم بن عبد الرحمان، شيخ أبي الحسن الدارقطني
وشيخ الطائفة ذكر الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، في الفهرست
في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد، المنتقل من الكوفة إلى إصفهان،
وحكايته في ذلك معروفة.
أقول: والذي ذكر الشيخ في الفهرست، أنه ذكر في الطريق إلى إبراهيم
الثقفي: (أخبرنا به الأجل المرتضى، والشيخ أبو عبد الله المفيد رحمه الله جميعا، عن
علي ابن حبشي الكاتب، عن الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، عن

(1) الصحاح: 2 / 532، مادة (كند).
(2) تهذيب الكمال: 3 / 206 رقم 482.
(3) القاموس المحيط: 2 / 62، مادة (شعر).
(4) الرواشح السماوية: 57. الراشحة التاسعة.
56

أبي إسحاق إبراهيم).
ولا وجه لرجحان ظن الغلط من القاموس بعد تسليم اتحادهما إلا أن يقال:
أن يظهر للمتتبع أنه قد وقع له أغاليط غريبة وتصاحيف عجيبة، توجب تطرق
الظن باشتباهه، كما ذكر في خور: الخور واد وراء برجيل، مع أن الصحيح:
الخور واد وزابن: جبل، ومنه قول الشاعر:
سقى السررة المحلال ما بين زابن * إلى الخور وسمى البقول المديم
فإن كلام القاموس مأخوذ مما ذكره الأودي، على ما في الطراز نقلا، وذكر
في المقوقس: قاقيس بن صعصعة بن أبي الحريف، محدث مع أنه ذكر الذهبي
في المحكي عن كتاب مشتبه الأنساب، في الخريف: أن عبد الله بن ربيعة،
تابعي يكنى أبا الخريف، بفتح الحاء المهملة ضبطه الدولابي، وخالفه ابن
الجارود فأعجمها وبمعجمه وفاق.
ثم قال: قيس بن صعصعة بن أبي الخريف، فصحف وغلط وارتكب
في كلامه الشطط، ونحوهما غيرهما، اللهم إلا أن يجاب بأنه قد وقع له
اشتباهات أيضا حتى أنه ذكر بعض الأعاظم: أنه لا وثوق بكلماته مطلقا كما
تقدم الكلام فيه، فتأمل.
57

المقصد الثاني
في
عمار بن موسى الساباطي
59

المقصد الثاني
في
عمار بن موسى الساباطي
ويتأتى الكلام في المقام تارة: في تحقيق مذهبه، وأخرى: في وثاقته
وضعفه، وثالثة: في اعتبار رواياته، فهاهنا مباحث:
[المبحث الأول: في تحقيق مذهبه]
الأول: في تحقيق مذهبه، فنقول: إنه قد اختلف في أنه من الإمامية أو
الفطحية، فالمنصور كما هو المشهور، بل المجمع عليه هو الثاني، كما جرى
عليه الكشي (1) والشيخ في الفهرست (2) والاستبصار (3) والتهذيب (4)

(1) رجال الكشي: 253 رقم 471.
(2) الفهرست: 117 رقم 515.
(3) الاستبصار: 1 / 372 ح 8.
(4) التهذيب: 7 / 100 ح 41.
61

والمحقق والعلامة في الخلاصة (1) والمنتهى (2) والمختلف (3) والفاضل الحسن
ابن داود (4) والفاضل البحراني (5) والعلامة البهبهاني (6) والسيد السند
النجفي (7).
وبه صرح غير واحد من الفقهاء، كصاحب المجمع (8)، ومدارك (9)،
والذخيرة (10)، وغيرهم.
وأصر فيه الفاضل الحلي في السرائر، عند الكلام في محاذاة مكان الرجل
في حال الصلاة مع المرأة أو تقدم مكانها عليه، فإنه قال موردا على الشيخ:
(وقد ذهب بعض أصحابنا إلى خطر ذلك، اعتمادا على خبر رواه عمار
الساباطي، وعمار هذا فطحي، كافر، ملعون). فأطال في المقال مستدلا بدليل
مختل الحال.
فقال: (ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا،
خصوصا إذا أوردها الكفار ومخالف المذهب مثل عمار) (11).

(1) الخلاصة: 243 رقم 6.
(2) منتهى المطلب: 1 / 17، 26، 27 و...
(3) مختلف الشيعة: 1 / 157.
(4) الخلاصة: 243 رقم 6.
(5) منتهى المطلب: 1 / 17، 26، 27 و...
(6) مختلف الشيعة: 1 / 157.
(7) الخلاصة: 243 رقم 6.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 304.
(9) مدارك الأحكام: 1 / 107.
(10) ذخيرة المعاد: 6، 9، 15، 21، 22 و... عبر في كل هذه الموارد عن روايته بالموثقة.
(11) السرائر: 2 / 167.
62

وجرى على الأول، السيد الداماد (1) واستظهر السيد السند النجفي القول به
من شيخنا المفيد والنجاشي، نظرا إلى ما ذكره الأول: من أن عمارا من
أصحاب الأصول المعروفة، ومن جملة الفقهاء والرؤساء والأعلام المأخوذ
عنهم الحلال والحرام، والفتيا، والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق
إلى ذم واحد منهم) (2).
وما ذكره الثاني: (من أن عمار بن موسى الساباطي، أبو الفضل، مولى
وأخويه: قيس، وصباح، رووا عن أبي عبد الله عليه السلام، وكانوا ثقات في
الرواية) (3) فإن عنوان النجاشي لشخص، وسكوته عن بيان مذهبه، ظاهر في
إماميته (4).
ومال السيد السند النجفي في موضع من رجاله إلى إماميته، أو رجوعه إليه
كغيره من الفطحية (5).

(1) الرواشح السماوية: 57، الراشحة التاسعة.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 163، نقلا عن الرسالة الهلالية (المخطوطة) التي ألفها
الشيخ المفيد رحمه الله ردا على من يقول بأن شهر رمضان ثلاثون يوما وأنه لا ينقص.
(3) رجال النجاشي: 290 رقم 779.
(4) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 164. قال بعد نقل كلام المفيد والنجاشي: (وظاهرهما
أنه مع التوثيق صحيح المذهب).
(5) قال في خاتمة رجاله بعد ذكر كلام النجاشي وعدم تعرضه لمذهبه: والظاهر منه ومما
حكيناه عن المفيد: استقامته في المذهب، أو رجوعه إلى الحق كغيره من الفطحية. رجال السيد
بحر العلوم: 4 / 126.
قال المحدث النوري: ومن جميع ما ذكرنا ظهر أن عمار ثقة، فطحي، لكنه في حكم الإمامية،
بل في شرح الوافي للسيد صاحب مفتاح الكرامة: ويحتمل قويا أن يكون إماميا. خاتمة
المستدرك: 633.
63

ويدل على المختار: ما صرح غير واحد من الأعلام مثل: الكشي،
والعياشي، على ما حكى عنه الكشي (1)، والشيخ في الفهرست (2)، والتهذيب،
في باب بيع الواحد بالاثنين (3)، وابن شهرآشوب في معالم العلماء (4)،
والعلامة في الخلاصة، وابن داود، أنهما عنونه في الجزء الثاني، وذكر الأول
ما ذكره الشيخ في الفهرست (5)، والثاني ما ذكره الكشي (6)، وظاهرهما:
الجزم به.
وهو المصرح به في كلمات غير واحد من الفقهاء على ما ستطلع على نبذة
منها إن شاء الله تعالى، ولو لم يثبت بتصريح هؤلاء الأبطال لما يثبت شئ من
مطالب علم الرجال، وكان تنصيص أحد منهم كاف في انتهاض المرام، فكيف
بما اتفقت عليه كلمة هؤلاء الأعلام.
هذا مضافا إلى ما رواه في الكافي، في باب (ما يفصل بين الحق والباطل)
بسند لا ريب فيه إلا بواسطة الواسطي، وهو لا يخلو عن اعتبار وإن حكى
العلامة البهبهاني عن النجاشي: أنه ذكر في شأنه المدح العظيم، ولكنه
غير مستقيم:
عن هشام بن سالم، قال: كنا بالمدينة بعد وفات أبي عبد الله عليه السلام أنا

(1) رجال الكشي: 253 رقم 471.
(2) الفهرست: 117 رقم 515.
(3) التهذيب: 7 / 100 ح 431.
(4) معالم العلماء: 87 رقم 601.
(5) الخلاصة: 243 رقم 6.
(6) رجال ابن داود: 263 رقم 360.
64

وصاحب الطاق (1)، والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر، أنه صاحب
هذا الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده، وذلك أنهم
رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
(إن الأمر في الكبير، ما لم يكن به عاهة) فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل
عنه أباه فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟
فقال: (في مائتين خمسة). فقلنا: في مائة؟
فقال: (درهمان ونصف). فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا!
فرفع يده إلى السماء، فقال: (والله ما أدري ما تقول المرجئة).
قال: فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر
الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه
ولا إلى من نقصد؟ نقول إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟
إلى الخوارج؟
فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يومئ إلي بيده، فخفت أن يكون
عينا من عيون أبي جعفر المنصور، وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس
ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر عليه السلام عليه، فيضربون عنقه، فخفت أن يكون
منهم.
فقلت للأحول: تنح، فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني

(1) هو محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي، مولى الأحول، أبو جعفر، يلقب
بمؤمن الطاق، ويلقبه المخالفون شيطان الطاق... روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد
الله عليهم السلام... فأما منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر. رجال النجاشي: 325 رقم 886.
قال الشيخ: كان ثقة، متكلما، حاذقا، حاضر الجواب. الفهرست: 131 رقم 583.
65

لا يريدك.
فتنح عني لا تهلك، وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ.
وذلك إني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت
على الموت، حتى ورد بي إلى باب أبي الحسن عليه السلام، ثم خلاني ومضى.
فإذا خادم بالباب، فقال لي: أدخل، رحمك الله! فدخلت فإذا أبو الحسن
موسى عليه السلام فقال لي ابتداء:
(لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية، ولا إلى المعتزلة، ولا
إلى الخوارج، إلي! إلي!)
فقلت: جعلت فداك مضى أبوك؟
قال: نعم. قلت: مضى موتا؟
قال: نعم. قلت: فمن لنا بعده؟
فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جعلت فداك! إن عبد الله يزعم
أنه من بعد أبيه.
قال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله! قال: قلت: جعلت فداك! فمن لنا من
بعده؟
قال: إن شاء الله أن يهديك هداك. قال: جعلت فداك! فأنت هو؟
إلى أن قال: فقلت له: جعلت فداك! أسألك كما كنت أسأل أباك؟
فقال: سل تخبر ولا تذع! فإن أذعت فهو الذبح!!
فقال: فسألته فإذا هو بحر لا ينزف! قلت: جعلت فداك! شيعتك وشيعة أبيك
ضلال فألق إليهم، وادعهم إليك، فقد أخذت علي الكتمان.
قال: من آنست منهم رشدا فألق إليه! وخذ عليه الكتمان! فإن أذاعوا فهو
الذبح وأشار بيده إلى حلقه.
66

قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول، فقال لي: وما وراءك؟
قلت: الهدى، فحدثته بالقصة.
قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير، فدخلا عليه وسمعا كلامه وسألاه، وقطعا
عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجا، فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار
وأصحابه. وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس) (1).
ونقلنا الخبر بطوله لجودته، وهو كالصريح في فطحية عمار، ودعوى أن
مقتضى صريحه، فطحية طائفة عمار دونه، - ولعله لذا ترك الاستدلال به عليه
غير واحد - مدفوعة بالبعد عما هو المتعارف من موافقة الطائفة والأصحاب.
ويشهد عليه ما سمعت من اشتهار فطحيته، بل الظاهر أنه قد ابتلى بهذه البلية
غير واحد من أبناء الزمان، بل ذكر الكشي: (أنه قال بامامة عبد الله، عامة
مشايخ العصابة، وفقهائها، لما روى عنهم عليهم السلام أنهم قالوا:
(الإمامة في الولد الأكبر من ولد الأمام إذا مضى) فذكر الامتحان
والرجوع، وقال: إنه مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون الا شاذا
منهم) (2).
وروى في الكافي، في باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل بسنده: عن
الوليد بن صبيح، أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(إن هذا الأمر لا يدعيه صاحبه إلا بتر الله عمره) (3).
وبالجملة: فالظاهر أن من جملة الباقين على تلك العقيدة الفاسدة، كان

(1) الكافي: 1 / 351، ح 7.
(2) رجال الكشي: 254 رقم 472.
(3) الكافي: 1 / 373، ح 5.
67

عمارا وأصحابه.
وأما ما استظهره السيد السند من شيخنا المفيد رحمه الله ومال إليه (1)، فلعل
الظاهر أن كلا منهما في غير محله، وذلك: لأن ملاحظة صدر كلامه وذيله في
رسالته المعمولة في تطرق النقصان إلى شهر رمضان، على حذو سائر الشهور
- خلافا لمن جرى على عدم الإصابة، كشيخنا الصدوق في الفقيه، استدلالا
بجملة من الأخبار - تكشف عن الخلاف، فإن الظاهر من كلامه عدم إرادة
التوصيف بالأوصاف المذكورة بالإضافة إلى عمار ونظرائه، وعلى فرض
الظهور لا يخلو الاعتبار عن الغبار.
وبيان ذلك: أنه بعد ما ذكر دليل المخالف مع الجواب، قال:
(وأما رواة الحديث بأن شهر رمضان، شهر من شهور السنة، يكون تسعة
وعشرين يوما ويكون ثلاثين يوما، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن
علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وأبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد
الحسن بن علي بن محمد - صلوات الله عليهم - والأعلام والرؤساء المأخوذ
منهم الحلال والحرام - إلى أن قال فممن روى عن أبي جعفر محمد بن علي
الباقر عليهما السلام: (أن شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور): أبو جعفر محمد بن
مسلم، أخبرني بذلك أبو غالب أحمد بن محمد الزراري عن أحمد بن محمد
عن أحمد بن الحسن عن أبان عن عبد الله بن جبلة، عن العلا، عن محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان).

(1) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 164. قال بعد نقل كلام المفيد والنجاشي: (وظاهرهما
أنه مع التوثيق صحيح المذهب).
68

وروى محمد بن قيس مثل ذلك ومعناه: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد
ابن قولويه، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن إبراهيم بن مهران،
عن الحسين بن سعيد، عن يوسف بن عقيل، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
(إذا رأيتم الهلال فافطروا! أو شهد عليه عدول من المسلمين، فإن لم تروا
الهلال فأتموا الصيام إلى الليل، وإذا غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم افطروا).
وروى محمد بن سنان، عن أبي الجارود، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام محمد
ابن علي عليهما السلام، يقول:
(صم حين يصوم الناس! فإن الله جعل الأهلة مواقيت).
وروى مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله جعفر بن
محمد عليهما السلام قال:
(يصيب شهر رمضان ما يصيب الشهور من النقصان، يكون ثلاثين يوما
ويكون تسعة وعشرين يوما) (1) إلى آخر كلامه.
فأنت خبير بأن من المحتمل قويا أن يكون المراد من فقهاء الأصحاب،
رواة الأحاديث بلا واسطة، والمراد من الأعلام والرؤساء - إلى آخر
الأوصاف - المشايخ الذين ذكرهم في الخبرين الأولين.
وذلك، لعدم تعارف توصيف الرواة بهذه الأوصاف إلا نادرا ومنفردا،
بخلاف المشايخ نظير أبي غالب وابن قولويه وغيرهما، لظهور اتصافهم
بهذه الأوصاف.

(1) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 163، نقلا عن الرسالة الهلالية (المخطوطة) التي ألفها
الشيخ المفيد في الرد على من يقول: بأن شهر رمضان ثلاثون يوما وأنه لا ينقص.
69

مضافا إلى شهادة السياق من الفصل بين ذكر الفقهاء من الأصحاب وبين
ذكر الأعلام، مع أنك قد عرفت أنه عد من هذه الرواة: محمد بن سنان، عن أبي
الجارود.
والمشهور بين أرباب الرجال، ضعف كل منهما.
فحكى النجاشي عن ابن عقدة في وصف الأول: (أنه رجل ضعيف جدا،
لا يعول عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرد به) (1).
والعلامة عن ابن الغضائري: أنه غال، لا يلتفت إليه. وعن الفضل: إن من
الكذابين المشهورين، ابن سنان، وليس بعبد الله) (2).
والتضعيفات وإن لا يخلو عن ضعف، إلا أنها توهن كون الأوصاف
المذكورة، ولا سيما قوله (ولا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم).
وذكر الكشي في وصف ابن الجارود من الأخبار ما يدل على كذبه وكفره
ولعنه.
قال: (سماه مولانا أبو جعفر عليه السلام ب‍ (سرحوب) وذكر أنه اسم شيطان أعمى
يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى، أعمى القلب) (3).
ومما ذكرنا يظهر أنه لو استظهرنا عموم الأوصاف، كانت التوصيفات خالية
عن الصواب.
واحتمال الإرادة من الطعن والذم المنفيين، ما هو بالقياس إلى الاعتماد

(1) رجال النجاشي: 328 رقم 888.
(2) الخلاصة: 251 رقم 17.
(3) رجال الكشي: 229 رقم 413.
70

وقبول القول والوثاقة كما وقع من العلامة البهبهاني (1)، كما ترى.
ويقوى ما ذكرنا - من عدم العموم - أنه قد ذكر للقول بعدم النقصان، حديثا:
(عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن
مولانا أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا) (2).
فأجاب: بأن هذا حديث شاذ، نادر، غير معتمد عليه، في طريقه: محمد بن
سنان، وهو مطعون عليه، لا تختلف العصابة في تهمة وضعه، وما كان هذا
سبيله، لا يعمل عليه في الدين، بل يتطرق الأشكال، ولو على وجه
الاختصاص أيضا، ومنه يستكشف عدم الاتقان.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما جرى عليه الفاضل المعاصر في المستدرك: من أن
أخبار عمار معتمدة لابد من العمل عليها، وإن قلنا بعدم حجية الموثق مطلقا،
أو عند وجود معارض صحيح.
قال: وذلك لوجود الدليل الخاص على حجيتها، استكشافا ذلك من
المواضع الأربعة.
منها: ما سمعت من كلام شيخنا المفيد رحمه الله، فإنه على فرض تمامية دلالته،
دعوى دلالته على حجية خصوص عمار، ولو بناء على عدم الحجية، في غاية
الصعوبة، فضلا عما سمعت من الكلام في مفاده.

(1) تعليقة الوحيد على منهج المقال: 167. (المخطوط).
(2) الكافي: 4 / 78 ح 1.
71

[ما يستدل به على إمامية عمار الساباطي]
هذا، واستدل للقول بإماميته بما رواه الكشي، عن مولانا الكاظم عليه السلام، أنه
قال:
(استوهبت عمار الساباطي من ربي، فوهبه لي) (1).
قال السيد الداماد في هوامش كتاب عيونه في الفقه: إنه يدل على إماميته
من وجهين: فإن قوله (استوهبت) صريح في استيهابه، وليس يستوهب ناقض
عهد التوحيد والأيمان، وقد ورد في التنزيل الكريم:
(ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين (2) فإذا لم يكن ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فكيف يكون ذلك له عليه السلام.
وقوله عليه السلام: (فوهبه لي) فقد تقرر في علم أصول الأيمان، أنه لا يكون
المغفرة إلا للمؤمنين، فإذن قوله (فوهبه لي) في قوة إني سألت ربي أن يهديه
ويعرفه الأمر فهداه وعرفه.

(1) خاتمة المستدرك: 630 - 631.
(2) التوبة: 113.
72

ويضعف أولا: بأنه رواه الكشي في موضع: بالارسال (1).
وفي الآخر: بإسناده عن عبد الرحمان بن حماد الكوفي، عن مروك (2).
وفي ثالث: بإسناده عنهما عن رجل. ففي السند جهالة وارسال واضطراب
واختلال (3).
وكل منها فضلا عن جميعها يمانع عن انتهاض الاستدلال، ولا سيما مع
مخالفته لما اتفقت عليه كلمة علماء الرجال، مضافا إلى ما سمعت من الخبر
المستفيض.
وأما ما استشكله بعضهم في قوله (عبد الرحمان بن حماد) من استظهار
سقوط (أبي) قبل (ابن حماد)، نظرا إلى أن الموجود في كتب الرجال، هو
(عبد الرحمان بن أبي حماد) دونه.
فيضعف، بأن رواية إبراهيم بن هاشم عنه، غير عزيز، ومنه: ما في التهذيب
في باب (نية الصائم) (4) وباب (الكفارة في إفطار يوم شهر رمضان) (5) وفي
الاستبصار في باب (ما يحصن وما لا يحصن) (6) وباب (من نذر أن يحج
ماشيا فنحر) (7) وكما روى في التهذيب أيضا في (باب المياه وأحكامها)

(1) رجال الكشي: 253 رقم 471.
(2) رجال الكشي: 406 رقم 763.
(3) رجال الكشي: 504 رقم 968.
(4) التهذيب: 4 / 189 ح 533.
(5) التهذيب: 4 / 212، ح 618.
(6) الاستبصار: 4 / 205 ح 769.
(7) الاستبصار: 4 / 49 ح 168.
73

بإسناده عن أبي القاسم، عن عبد الرحمان بن حماد (1).
كما أن نفي وجوده في الكتب غير جيد، لما في الفهرست من قوله:
(عبد الرحمان بن حماد، له كتاب، رويناه بالأسناد الأول، عن أحمد بن أبي
عبد الله، عن أبيه، عن عبد الرحمان بن حماد) (2).
قيل: أحمد بن أبي عبد الله هو البرقي، وأبوه من أصحاب مولانا الرضا
عليه آلاف التحية والثناء، وكذا إبراهيم بن هاشم الذي روى عن
عبد الرحمان، وهما في مرتبة واحدة، فالظاهر اتحادهما.
وثانيا: أنه قد وقع التعارض بين الخبر المقتضي لفطحيته مع اعتضاده
بالاشتهار، والمقتضي لاستيهابه، ومن الظاهر عدم الاجتماع، فلابد من
الترجيح، ولا إشكال في رجحان الأول، لما عرفت من اعتباره مع الاعتضاد،
بخلاف الثاني.
ففيه وجوه من الأخلال، ومن هنا ما عن صاحب التكملة بعد استبعاد
الاستيهاب، من الحكم بالطرح له أو لضعفه، وإما ما ذكره في المستدرك من
نفي الاستبعاد، نظرا إلى أن الفطحية أقرب المذاهب الباطلة إلى مذهب
الإمامية، إذ ليس فيهم إنكار للحق وتكذيب لأحد من الأئمة الاثني
عشرية عليهم السلام، بل لا فرق بينهم وبين الإمامية أصولا وفروعا، إلا في اعتقادهم
إمامة إمام بين الصادق والكاظم عليهما السلام في سبعين يوما من غير تغيير في
الأحكام وغيره من اللوازم الباطلة (3).

(1) التهذيب: 1 / 416 ح 1313.
(2) الفهرست: 109 رقم 465.
(3) خاتمة المستدرك: 631.
74

أقول: قد عرفت عدم انقطاع هذه الفتنة برأسها بعد انقضاء سبعين يوما،
وبقاءها في الجملة في برهة من الزمان، والظاهر بقاء عمار على فطحيته إلى
آخر زمانه، ويكون مصداقا لما روى في الكافي في الباب المتقدم، بسنده عن
مولانا الصادق عليه السلام قال:
(من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله، كان
مشركا) (1).
ولعله لذلك وقع إطلاق المشرك في الاستدلال من السيد الداماد، بل
مقتضاه عدم الانقياد لمولانا الكاظم عليه السلام أو غيره أيضا، فكيف يقع الاستيهاب
من مولانا الكاظم عليه السلام؟
ومن ثم ما يقال: من أنه لو كان من الصادق عليه السلام، لكان له وجه (2)، مع أن
احتمال التقية في الخبر لا يخلو عن قرب، لعدم وقوع مثل هذه الواقعة في شأن
الأجلاء والعظماء الذين هم أعلى من عمار بمراتب.
مضافا إلى أن الظاهر أنه كان صاحب أتباع وأصحاب، ومالك أوضاع
وأسباب.
أما الأول: فلما تقدم في حديث هشام (3).
وأما الثاني: فلما رواه في الفقيه في باب علة وجوب الزكاة: عن مولانا
الصادق عليه السلام أنه قال لعمار بن موسى الساباطي:

(1) الكافي: 1 / 373 ح 6.
(2) ذكر المحدث النوري ذلك القول عن صاحب التكملة. خاتمة المستدرك: 631.
(3) الكافي: 1 / 351، ح 7. إشارة إلى ما في آخر الحديث: (فكل من دخل عليه قطع،
إلا طائفة عمار وأصحابه).
75

(يا عمار! أنت رب مال كثير؟ قال: نعم جعلت فداك. قال: فتؤدي ما فرض
الله عليك من الزكاة؟ قال: نعم.
قال: فتخرج الحق المعلوم من مالك؟ قال: نعم.
فقال: يا عمار، إن المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يبقى، والديان حي
لا يموت، أما أنه ما قدمت فلن يسبقك، وما أخرت فلن يلحقك) (1).
وكل منهما من بواعث التقية، فالظاهر أنه لا إشكال في فطحيته، بل ربما
يظهر من بعض رواياته: أنه لم يكن في بعض الأزمان عارفا بامامة مولانا
الصادق عليه السلام، بل وكذا، إمامة آبائه عليهم السلام أيضا.
فإنه روى نقلا قال: (كنت لا أعرف شيئا من هذا الأمر، فخرجت حاجا فإذا
أنا بجماعة من الرافضة، فقالوا: أقبل إلينا، فأقبلت إليهم.
فقالوا: يا عمار! خذ هذه الدنانير وادفعها إلى أبي عبد الله عليه السلام.
فقلت: أخشى أن تقطع علي دنانيركم.
فقالوا: خذها ولا تخش.
فقلت: هاتوها! وأخذتها بيدي - إلى أن ذكر دخوله عليه عليه السلام - قال: فقال:
(يا عمار! آتنا بالمائة دينار!)
فقلت في نفسي: (والله ما سبقني رسول ولا كتاب، فمن أين علم أن معي
دنانير؟!).
فقال عليه السلام: (لا يزيد حبة ولا ينقص، فوضع الميزان فوالله ما زادت
ولا نقصت).

(1) من لا يحضره الفقيه: 2 / 7 ح 1578.
76

ثم قال: (يا عمار! سلم علينا).
قلت: (السلام عليكم ورحمة الله بركاته).
فقال: (ليس هكذا يا عمار!).
فقلت: (السلام عليك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!)
فقال: (ليس هكذا).
فقلت: (السلام عليك يا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!).
قال: (صدقت يا عمار!) ثم وضع يده على صدري، وقال: (حان لك أن
تؤمن) فوالله ما خرجت من عنده حتى توليت له وتبرأت من عدوه) (1).
وأما ما احتمله السيد السند النجفي رحمه الله من رجوعه عن الفطحية (2)،
فلا يعرف له مأخذ، بل قد اعترف بما ذكرنا نفسه في موضع آخر من رجاله.
قال: والقول الذي اختاره الشيخ والمحقق: من كونه فطحيا ثقة في النقل،
هو أعدل الأقوال وأشهرها، لثبوت كل من الأمرين بنقل الثقات الأثبات،
وعليه يحمل كلام المفيد والنجاشي، فإن فساد مذهبه أمر معلوم لا يخفى على
مثلهما (3). (انتهى).
قلت: مع أن في دلالة سكوت النجاشي عن التعرض للمذهب على الإمامية
محل النظر، لما وجدنا من سكوته مع ثبوت فساد مذهب المسكوت عنه، كما
في عبد الله بن بكير (4)، فإن الظاهر فطحيته، لشهادة الشيخ في

(1) دلائل الإمامة: 265 ح 194.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 126.
(3) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 169.
(4) رجال النجاشي: 222 رقم 581.
77

الفهرست (1) والعدة (2)، ومحمد بن مسعود على ما حكى عنه الكشي (3)
والعلامة في الخلاصة (4)، مع أنه سكت عن ذكر مذهبه.

(1) الفهرست: 106 رقم 452.
(2) عدة الأصول: 1 / 381.
(3) رجال الكشي: 345 رقم 639.
(4) الخلاصة: 106 رقم 24.
78

المبحث الثاني
في وثاقته وضعفه
الظاهر هو الأول، نظرا إلى صدور توثيقه من جماعة من الأعلام.
فمنهم: النجاشي، قال: (عمار بن موسى الساباطي، أبو الفضل، مولى،
وأخويه: قيس، وصباح، رووا عن أبي عبد الله عليه السلام، وكانوا ثقات
في الرواية) (1).
وهو مقتضى صريح كلام شيخنا المفيد، لعده من أصحاب الأصول، وجملة
الفقهاء، والرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام،
الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم (2).
ومنهم: شيخ الطائفة، فإنه ذكر في التهذيب: (من أنه وإن كان فطحيا، لكنه
ثقة في النقل) (3).

(1) رجال النجاشي: 290 رقم 779.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 163، نقلا عن الرسالة الهلالية (المخطوطة) التي ألفها
الشيخ المفيد رحمه الله ردا على من يقول بأن شهر رمضان ثلاثون يوما وأنه لا ينقص.
(3) التهذيب: 7 / 100 ح 465.
79

وفي الاستبصار، فإنه قال في باب بيع الذهب والفضة: (إن هذه الأخبار،
لا يعارض [ما قدمناه، لأن المتقدمة منها أكثر، لأنا أوردنا طرفا منه هاهنا
وأوردنا كثيرا من ذلك في كتابنا الكبير، ولأن هذه الأخبار أربعة منها
الأصل] (1) فيها عمار الساباطي وهو واحد، وقد ضعفه جماعة من أهل النقل،
وذكروا أن ما ينفرد بنقله لا يعمل عليه، لأنه كان فطحيا فاسد المذهب، غير أنا
لا نطعن عليه بهذه الطريقة، لأنه وإن كان كذلك، فهو ثقة في النقل لا يطعن
عليه) (2).
ومنهم: المحقق في المعتبر كما سيأتي كلامه إن شاء الله تعالى، بل ربما
ينصرح من الشيخ في العدة دعوى إجماع الطائفة على العمل برواياته، كما
عزا إليه المحقق (3)، والعلامة البهبهاني في تعليقات المدارك أيضا.
فإنه ذكر في أوائل العدة: (وإذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية
والواقفية والناووسية وغيرهم، نظر فيما يروونه، فإن كان هناك قرينة
تعضده، خبر آخر من جهة الموثوقين بهم، وجب العمل به.
وإن كان هناك خبر يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا
العمل به إذا كان متحرزا في روايته موثوقا في أمانته، وإن كان مخطئا في أصل
الاعتقاد، ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير
وغيره، وأخبار الواقفية مثل سماعة ابن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان

(1) ما بين القوسين قد أضفناه من المصدر ليتم المعنى.
(2) الاستبصار: 3 / 95 ح 325.
(3) قال المحقق: إن الأصحاب عملوا برواية عمار، لثقته حتى أن الشيخ ادعى في العدة:
إجماع الإمامية على العمل بروايته ورواية أمثاله. المعتبر: 1 / 60.
80

ابن عيسى، ومن بعد هؤلاء، بما رواه بنو فضال، وبنو سماعة، والطاطريون،
وغيرهم، فيما لم يكن عندهم فيه خلاف) (1).
وأما ما ذكره السيد السند النجفي رحمه الله من أن شمول العموم له غير معلوم،
لأنه فرع المماثلة في التوثيق، ولم يظهر من العدة ذلك (2).
فلا وجه له، لما عرفت من توثيقه نفس الشيخ في موضعين، فضلا عن
غيره، ولم يثبت وثاقة عبد الله بن بكير المذكور في كلامه بأزيد من هذا، بل
لم يوثقه النجاشي رأسا.
نعم، وثقه الشيخ في الفهرست (3)، وهو ظاهر كلام الكشي في موضع (4)،
كما هو الظاهر مما ادعى من إجماع العصابة على تصحيح ما يصح من
روايته (5).
وربما استدل في المستدرك على اعتبار رواياته - مضافا إلى ما عرفت من
دعوى الاجماع من الشيخ - بما ذكره المحقق في أسئار المعتبر: (من أن
الأصحاب عملوا برواية هؤلاء، يعني عليا وعمارا، كما عملوا هناك) (6).
ولو قيل: قد ردوا رواية كل واحد منهما في بعض المواضع.
قلنا: كما ردوا رواية الثقة في بعض المواضع، متعللين بأنه خبر واحد، وإلا

(1) عدة الأصول: 1 / 381.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 168.
(3) الفهرست: 106 رقم 452.
(4) رجال الكشي: 345 رقم 639.
(5) رجال الكشي: 375 رقم 705.
(6) المعتبر: 1 / 94.
81

فاعتبر كتب الأصحاب فإنك تراها مملوة من رواية علي وعمار) (1).
ويضعف بأن الظاهر منه الاستدلال بكلام المحقق، لدعوى الاجماع على
كون رواياته علة تامة لثبوت الحكم في مواردها، كما هو معنى الحجية.
مع أن مقتضى صريح كلام المحقق، أن رواياته من باب جزء العلة، بمعنى
أنه إذا وردت رواية منه، وعمل الأصحاب بها، أو انضم إليها القرائن، كانت
حجة، وأين هذا من ذاك؟!.
وإن أبيت عنه، فاسمع لصدر كلامه هذا، فإنه بعد ما حكم بطهارة سؤر
الطيور واستدل عليها بروايتي البطائني والساباطي.
قال: (لا يقال: علي بن أبي حمزة واقفي وعمار فطحي، فلا يعمل بروايتهما.
قلنا: الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة، قبول الأصحاب أو انضمام
القرينة، لأنه لولا ذلك لمنع العقل من العمل بخبر الثقة، إذ لا وثوق بقوله، وهذا
المعنى موجود هنا، فإن الأصحاب عملوا بروايتهما كما علموا هناك) (2) إلى
آخر كلامه.
وأنت خبير بظهوره فيما ذكرنا، ويشهد عليه رد روايته في مواضع من
المعتبر في صورة عدم الاقتران، كما ذكر عند الكلام فيما لو صلى على
غير القبلة، في تضعيف استدلال الشيخ برواية عمار: (والجواب بالطعن في
الرواية لضعف سندها، فإن عمارا فطحي) (3).
وفيما إذا تمكن من غسل الثوب بعدما صلى فيه لعدم التمكن، في تضعيف

(1) خاتمة المستدرك: 630.
(2) المعتبر: 1 / 94.
(3) المعتبر: 2 / 74.
82

ما جرى عليه الشيخ من القول بالإعادة، استنادا إلى رواية عمار: (الرواية
ضعيفة السند، لأن رجالها فطحية) (1).
ومن العجيب: استشهاده بقوله أيضا: (إن عمارا مشهود له بالثقة في النقل،
منضما إلى قبول الأصحاب لروايته هذه، ومع القبول لا يقدح اختلاف
العقيدة) (2)، فإنه صريح فيما ذكرنا من القول بالاعتبار في صورة الانضمام.
وبالجملة: لم أجد من أنكر وثاقته، نعم: أنه ربما يظهر الترديد في المقام
مما ذكره العلامة في الخلاصة، فإنه بعد ما ذكر في ترجمته من كلام الشيخ
ورواية الكشي، قال: (والوجه عندي أن روايته مرجحة) (3).
لو قيل: إن ما ذكره لعله من جهة فساد مذهبه دون الترديد في وثاقته.
فيندفع: بأنه قد أكثر في الخلاصة من الاعتماد على روايات فاسدي
العقيدة، كما لا يخفى على المتتبع، وهو المصرح به في كلام بعض الفحول
أيضا، ولكنه لا يقاوم ما قدمناه من تصريح جماعة من الأعلام بوثاقته.
بل قال السيد السند النجفي رحمه الله في جملة كلام له: (وأما عمار، فمجمع على
توثيقه، وفضله، وفقاهته، وقبول روايته) (4) (انتهى). وهو جيد.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما صنعه ابن داود رحمه الله حيث إنه عنونه في الجزء
الثاني من رجاله، وقال: (عمار بن موسى الساباطي أبو الفضل، مولى،
وأخوه: قيس، وصباح، (قر)، (ق)، (جخ)، (كش)، كان فطحيا، (كش)، قيل:

(1) المعتبر: 1 / 445.
(2) المعتبر: 1 / 73. قاله في المنزوحات.
(3) الخلاصة: 108 رقم 24.
(4) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 168.
83

إن أبا الحسن موسى عليه السلام، قال:
(استوهبته من ربي، فوهبه لي ربي) (1).
وإن قلت: الظاهر أن الوجه فيه، فساد مذهبه.
قلت: إنه ينافيه، تعرضه لأخويه في الجزء الأول، مع أن الظاهر أنهما أيضا
من الفطحية، كما صرح به السيد السند النجفي (2). فتأمل.
وأيضا أن ما عزي إلى الشيخ: من ذكره في أصحاب مولانا الباقر عليه السلام
غير مطابق للواقع، لعدم ذكره فيه، وإنما المذكور فيه: (عمار بن أبي
الأحوص) (3).
والظاهر أنه الذي ذكره في أصحاب مولانا الصادق عليه السلام أيضا بقوله: (عمار
ابن أبي الأحوص، أبو اليقظان البكري الكوفي أسند عنه) (4).
ولا ريب في المغايرة كما يشهد به أمور مضافا إلى أن مقتضى ظاهر كلامه،
تصريح الشيخ بإخوة قيس، مع أنه في عدم مطابقته للواقع كالسابق، فضلا عن
عدم مناسبة تكرار الكشي، ولكن لك تصحيح الأخوين بالعناية.
وبالجملة: فلا وجه لما صنعه، بل ربما يظهر من بعض الروايات: أنه كان من
أصحاب الأسرار، كما روى في الكافي في باب (الكتمان) بإسناده: (عن
سليمان بن خالد، عن عمار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
(أخبرت بما أخبرتك به أحدا)

(1) رجال ابن داود: 253 رقم 266.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 169.
(3) رجال الطوسي: 239 رقم 36.
(4) رجال الطوسي: 250 رقم 437.
84

قلت: لا، إلا سليمان بن خالد.
قال: أحسنت، أما سمعت قول الشاعر:
فلا يعدون سري وسرك ثالثا * ألا كل سر جاوز الاثنين شاع (1)
والظاهر أنه هو الساباطي، كما أن الظاهر أن سليمان هو ابن دهقان، لرواية
كل منهما عن الآخر.
وربما احتمل في التعليقات: (أن يكون التحسين من باب الطعن
والتوبيخ) (2).
بل استظهره بعض المتأخرين: (نظرا إلى أنه لولاه، لما كان في البيت شهادة
أصلا ولا مناسبة مطلقا).
وفيه: إنه يمكن أن تكون الشهادة من باب إرادة المبالغة، ولا بعد فيه، مع
أنه لا يقدح فيما استظهرناه، فإن صدره ظاهر فيما ذكرناه.
ويؤيده، ما ثبت من أن سليمان من الأجلة والأعيان، وناهيك ما ذكره
النجاشي: (من أنه كان قارئا، فقيها، وجها، ومات في حياة مولانا
أبي عبد الله عليه السلام فتوجع لفقده، ودعا لولده وأوصى بهم أصحابه) (3).
وكذا ما عن الإرشاد: عن عدة من شيوخ أصحاب مولانا أبي عبد الله عليه السلام
وخاصته، وبطانته، وثقاته الصالحين - رحمهم الله تعالى - (4).

(1) الكافي 2 / 224 ح 9.
(2) منهج المقال: 173. تعليقة الوحيد عليه.
(3) رجال النجاشي: 183 / 484.
(4) الإرشاد: 288.
85

المبحث الثالث
في اعتبار رواياته وعدمه
فنقول: قد اختلفوا فيه على أقوال:
القول بالاعتبار:
كما هو الظاهر من غير واحد من الفقهاء، على ما ينصرح من التتبع في
كلماتهم، كما فيما ذكروا من تطهير البئر بالتراوح، وكذا وجوب نزح سبعين
دلوا لموت الإنسان، وكذا وجوب الاجتناب عن الإنائين المشتبهين، وكذا
بطلان صلاة الأمام إذا كان موقفه أعلى من موقف المأموم، فإن المستند في
الأحكام المذكورة، روايات عمار، فيظهر من الإفتاء على طبقها، القول
باعتبار رواياته.
وكذا يظهر القول به من جماعة من مواضع اخر، مثل ما جرى غير واحد من
القدماء والمتأخرين، على استحباب تقديم غسل الدبر، استنادا إلى روايته،
87

كما وقع من الذكرى (1) والدروس (2) والفوائد الملية (3) والمشارق (4)
والحدائق (5) وكذا ما جرى السيد الداماد على حرمة مس المحدث ما على
الدرهم والدينار، استنادا إلى روايته.
وصرح بهذا القول العلامة البهبهاني في غير موضع من حواشيه على
المدارك، قال في بعضها موردا على صاحب المدارك: إن الموثق حجة،
ولا سيما موثقة عمار، لدعوى الشيخ إجماع الطائفة على العمل بها.
وهو مقتضى ما صرح به السيد السند النجفي رحمه الله فيما سيجئ إن شاء الله
تعالى.
والقول بعدم الاعتبار:
والقائلون به بين من يظهر منهم أنه لفساد مذهبه، كما هو مقتضى كلام
المحقق في مواضع من المعتبر.
فمنها: ما ذكره عند الكلام في غسل الأناء من النجاسات (6) وكذا في
نواقض الوضوء (7) وكذا في ماء الأسئار (8)، وكذا في استحباب الأذان

(1) الذكرى: 1 / 20.
(2) الدروس: 1 / 3.
(3) الفوائد الملية في شرح الرسالة النفلية للشهيد الثاني. قال المحقق الطهراني: وهو
شرح مزج فرغ منه صفر 955 رأيت نسخة منه في المجلس كتبت في رجب 963، ثمان سنوات
بعد التأليف. الذريعة: 16 / 360.
(4) مشارق الشموس: 1 / 81.
(5) الحدائق الناضرة: 2 / 45.
(6) المعتبر 1 / 460.
(7) المعتبر: 1 / 114.
(8) المعتبر: 1 / 93.
88

والإقامة لمن أذن بنية الانفراد، ثم أراد أن يصلي جماعة (1).
فإنه بعد ما نقل في كل من هذه المواضع رواية عن عمار، ضعفها باشتمال
السند على الفطحية.
وأما ما ربما يتراءى منه من استدلاله بروايته عند الكلام في قراءة
العزائم (2).
فالظاهر أن استدلاله بها من باب الموافقة للأصل، كما لا يخفى على من
لاحظ كتابه.
نعم، إنه ربما يظهر ذلك مما ذكره عند الكلام في التراوح، فإنه قال: (فإن
غلب الماء، تراوح عليها قوم، اثنين اثنين يوما، لرواية عمار بن موسى.
ثم ذكر الرواية مجيبا عن الطعن فيها بضعف السند: (فإن رواتها ابن فضال،
عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار، وكلهم فطحية، بأن
المذكورين وإن كانوا بها متصفين لكنه مشهود لهم بالثقة، ولا طعن في روايتهم،
إذا لم يكن معارض) (3).
لكن الظاهر أن الوجه في استدلاله بها تلقيها الأصحاب بالقبول، كما جرت
طريقته على العمل بالروايات الموثقة المعتضدة بعمل الأصحاب، كما يشهد به
ما صرح في ذيل كلامه هذا، من أن هذه الرواية وإن ضعف سندها، فإن
الاعتبار يؤيدها من وجهين، أحدهما: عمل الأصحاب على رواية عمار، لثقته
على أن الشيخ ادعى في العدة إجماع الإمامية على العمل بروايته، ورواية

(1) المعتبر: 2 / 137.
(2) المعتبر: 2 / 176.
(3) المعتبر: 1 / 60.
89

أمثاله ممن عددهم...) (1).
ومثله ما ذكره في ذيل هذا المبحث بعد ذكر رواية عمار: (لا يقال: هذا السند
فطحية، لأنا نقول: هذا حق، لكنه من الثقات مع سلامته عن المعارض،
والرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا، وقبول الخبر بين
الأصحاب مع عدم الراد له يخرجه إلى كونه حجة) (2).

(1) المعتبر: 1 / 60.
(2) المعتبر: 1 / 62.
أقول: إن التتبع في المعتبر، يثبت أن عمل المحقق قدس سره بروايات عمار بأمور:
1 - انضمام رواياته بعمل الأصحاب، كما قال في الأسئار بعد نقل روايته: (... الوجه الذي
لأجله عمل برواية الثقة، قبول الأصحاب أو انضمام القرينة... موجود هنا. المعتبر: 1 / 94.
وقال في المنزوحات: (إن عمارا مشهود له بالثقة في النقل، منضما إلى قبول الأصحاب
لروايته هذه، ومع القبول لا يقدح اختلاف العقيدة). المعتبر: 1 / 73.
وفي الأسئار: (لا يقال: عمار فطحي ومحمد بن سنان ضعيف وحفص بن غياث عامي، لأنا
نقول: هذه الروايات وإن ضعف سندها فإن فتوى الأصحاب يؤيدها). المعتبر: 1 / 101. كذا
في أحكام الوضوء. المعتبر: 1 / 175.
هذا إذا لم يخالفها أكثر الأصحاب وإلا لم يعمل بها، كما في سجدتي السهو: (وخبر
الأصحاب نادر ينفرد به عمار الساباطي وهو فطحي فلا يعمل بها، ويعارضه بما رواه سماعة
... وهو اختيار أكثر الأصحاب). المعتبر: 2 / 399.
2 - إذا لم تكن لها معارض من الروايات الصحيحة، كما قال في التراوح: (... ولا طعن في
روايتهم إذا لم يكن لها معارض من الحديث السليم). المعتبر: 1 / 59. وفيه أيضا: (رواية عمار،
وإن كان ثقة، لكنه فطحي فلا يعمل بروايته مع وجود المعارض السليم). المعتبر: 1 / 67.
وفي الأسئار: (الجواب بالطعن بضعف السند ووجود المعارض... والجماعة فطحية فلا يترك
لأجله رواية الفضل...). المعتبر: 1 / 94.
وفيها أيضا: (عمار وإن كان فطحيا، وسماعة وإن كان واقفيا، لا يوجب رد روايتهما
هذه، أما أولا: لشهادة أهل الحديث لهما بالثقة، وأما ثانيا: فلعمل الأصحاب بالحديث
وسلامتهما من المعارض). المعتبر: 1 / 103.
وفي أحكام النفاس: (وإن كان في سندها فطحية، لكنهم ثقات في النقل ولا معارض لها
ويؤيدها الأصل). المعتبر: 1 / 252.
وفي غسل الأناء لموت الفأرة: (الرواية ضعيفة لانفراد الفطحية بها، ووجود الخلاف في
مضمونها). المعتبر: 1 / 46. وكذا في غسل الأناء من القذر. المعتبر: 1 / 462.
وفيمن صلى على غير القبلة: (فإن عمار فطحي، فلا يترك بخبره الخبر السليم). المعتبر:
2 / 74.
3 - إذا لم تكن منافية للأصل كما قال في دفن الميت: (والسند كله فطحية وهو مناف
للأصل). المعتبر: 1 / 326. وفي الوضوء: (ولا حجة في رواية عمار لضعفها، فإن الرواة لها
فطحية وهي منافية للأصل ومخصصة لعموم الأحاديث الصحيحة). المعتبر: 1 / 114. وفي
النفاس كما مر: (... ويؤيدها الأصل). المعتبر: 1 / 252.
4 - قد عمل برواياتها في المستحبات والآداب، كما هو طريق الفقهاء. قال في استحباب
الأذان: (في هذه الرواية ضعف، فإن سندها فطحية، لكن مضمونها استحباب تكرار الأذان
والإقامة وهو ذكر الله، وذكر الله حسن). المعتبر: 2 / 137. وفيه أيضا: (وهذه الأخبار
تتضمن آدابا فلا مشاحة في طرقها). المعتبر: 2 / 148.
5 - قد عمل أيضا برواياتها إذا كانت مؤيدة للروايات الأخرى، كما في باب الأذان.
المعتبر: 2 / 391. وفيما يجوز قطع الصلاة. المعتبر: 2 / 258. وفي صلاة الميت. المعتبر:
2 / 358 و....
90

وهذا هو الظاهر من العلامة في مواضع من المنتهى، مثل ما ذكره في
التراوح (1)، ونزح السبعين لموت الإنسان (2)، وماء الأسئار (3): من تضعيف

(1) منتهى المطلب: 1 / 12.
(2) منتهى المطلب: 1 / 13.
(3) منتهى المطلب: 1 / 26 و 27.
91

روايته بفطحية الراوي، ولكنه استدل بروايته مع هذا عند الكلام في النفاس (1).
وقد اختلف كلامه في المختلف، فاستدل بروايته تارة، وضعفها أخرى.
فمن الأول: ما جرى على طهارة الأرض والحصر والبواري، إذا أصابها
بول وشبهه من النجاسات المانعة ثم جففها الشمس، استنادا إلى رواية
عمار (2).
وكذا ما جرى على عدم اعتبار تعدد الغسل فيما لو وقع الأناء في الماء
الراكد الكثير أو الجاري، تعويلا على روايته (3).
ومن الثاني: ما جرى على تضعيف ما حكى عن الشيخ، من الاستدلال على
وجوب غسل الأناء سبع مرات بموت الجرد، بما رواه عمار (4).
ويظهر هذا القول: من السيد السند في المدارك، فإنه ضعف روايته في غير
موضع منه، بأنه فطحي كما في التراوح وغيره (5).
وربما عزي إليه في الحدائق عند الكلام في وجوب إسماع المصلي جواب
السلام، الاستدلال بروايته في وجوب رد السلام طاعنا عليه: بأن الأخبار
الموثقة إن كانت معتبرة، فلا وجه لتضعيفها لسوء مذهب راويها في غير مرة،
وإلا فلا وجه للاستدلال بها.

(1) منتهى: 1 / 123.
(2) مختلف الشيعة: 1 / 61.
(3) مختلف الشيعة: 1 / 64.
(4) نفس المصدر.
(5) مدارك الأحكام: 1 / 67، 93، 107، 132، 154، 280 و.... وذكر روايات عمار
في موارد عمل بها أو لم يناقش في سندها، فراجع: مدارك الأحكام: 1 / 130، 159، 181،
344، 360 و....
92

قال: (ولكن هذه قاعدته من استدلاله بها عند الحاجة لها وردها بضعف
السند عند اختيار خلاف مفادها.
وقد عبر عن روايته مستدلا بها ب‍ (الموثقة) ومعرضا عنها ب‍ (الرواية) وهي
طريقة غير محمودة، إلا أن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو إلى
الفساد أقرب من الصلاح، أوجب لهم اختلال الزمام، وعدم الوقوف على
قاعدة في المقام) (1).
وطعن بهما أيضا في البناء على الأكثر، فيما لو شك في عدد الركعات،
مستعجبا منه (2).
ولكن الظاهر أن الطعن على الطاعن نظرا إلى أنه وإن يوهم كلامه في
المقامين المذكورين، الاستدلال بالخبر وقبوله على وجه الإطلاق، ولكن
الظاهر أن استدلاله به في كل منهما بواسطة موافقها للخبر الصحيح.
وبعبارة أخرى: أن ذكره من باب التأييد واعتضاد الخبر الصحيح، كما ذكر
في الأول: صحيحة محمد بن مسلم (3)، وفي الثاني صحيحة عبد الرحمان (4)،
وعلى هذا جرت طريقته، ومن هنا أنه لم يظهر الاستدلال بروايته في موضع
لم يكن موافقا للخبر الصحيح، أو الأصل. فأي كلام على هذا الكلام.
وأما ما ذكره من اختلاف التعبير في مقامي الاستدلال والاعراض، فطعن
في غير موقعه، فإن التتبع في الكتاب يشهد بخلافه، فإنه عبر عنها كثيرا

(1) الحدائق الناضرة: 9 / 76.
(2) الحدائق الناضرة: 9 / 211.
(3) مدارك الأحكام: 3 / 474.
(4) مدارك الأحكام: 4 / 256.
93

بالموثق في مقام الأعراض، كما وقع منه ذلك في شرح قول المحقق: (فإن
لم يكن له كفن جعل في القبر، وسترت عورته، وصلى عليه بعد ذلك) (1).
وفي شرح قوله: (ولا ينعقد والأمام أعلى من المأموم) (2).
وفي شرح قوله: (والموطن الذي يتم فيه، هو كل موضع له فيه ملك) (3).
وبين من يظهر منه أنه لتفرده بالغرائب (4)، مضافا إلى سوء مذهبه، أو الوجه
الأول خاصة.
كما يظهر من العلامة في المنتهى عند الكلام في استحباب الابتداء بأي
المخرجين، فحكم بالتسوية، استنادا إلى أن عمارا لا يوثق بما ينفرد به (5).
وكذا ما عن السيد السند الجزائري في غاية المرام: (من أن عمارا كان من
الفطحية لا يعتمد على رواياته، سيما إذا اختص بنقلها وعارضها ما هو أوضح
منها سندا، لتهافتها واختلالها متنا وسندا، حتى يضرب به المثل بين أرباب
الحديث، فيقال: كأنه خبر عمار، للحديث الذي تكثرت وجوه اختلاله
وتهافته.
قال: سمعت من أوثق المحدثين يوما أنه قال: سبعون خبرا يرويها عمار،
لا يقابل فلسا واحدا عندي، وهذا محمول منه على شدة المبالغة في عدم
القبول، إلا إذا تعاضدت أو توافقت).

(1) مدارك الأحكام: 4 / 173.
(2) مدارك الأحكام: 4 / 320.
(3) مدارك الأحكام: 4 / 443.
(4) هو عطف على قوله: والقائلون به (أي عدم الاعتبار) بين من يظهر منهم أنه لفساد
مذهبه.
(5) منتهى المطلب: 1 / 47.
94

وكذا من المحدث الكاشاني، كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
وتحقيق المقام:
إنه يأتي الكلام تارة: في أن سوء مذهبه هل يقتضي تضعيف رواياته أم لا؟
وأخرى: في أنه بناء على الأول، هل ينجبر ضعف رواياته بعمل الأصحاب
أم لا؟
وثالثة: في أنه هل وقع في أخباره التهافت أم لا؟
ورابعة: في أنه بناء على الأول، هل بلغ على حد يقتضي عدم اعتبار
أخباره لعدم حصول الاطمينان أم لا؟
فيقع الكلام في مقامات أربع، إلا أن الأولين منها وظيفة علم الأصول، وقد
فصلنا الكلام فيهما في كتابنا المسمى بالمقاصد المهمة، فنقتصر في الكلام في
الأخيرين.
فنقول: أما الأول، فالأظهر القول بالوقوع، كما يكشف عنه التتبع في
أخباره وهو المنصرح في كلمات جماعة من الأصحاب.
فمنها: ما رواه الشيخ في التهذيب بالأسناد عن عمار الساباطي، عن أبي
عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - قال:
(وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير؟ قال: ينزف كلها) (1).
فإن نزح جميع الماء بوقوعها، مخالف للأخبار وكلمة الأصحاب، فإنه
لم يقع في شئ منها الحكم المذكور، كما لم يظهر من أحد منهم ذلك أيضا،
لا ايجابا ولا استحبابا.

(1) التهذيب: 1 / 242 ح 699.
95

نعم، إنه قد جرى في المدارك على القول بايجابه في الثالث، على القول
بنجاسة ماء البئر بالملاقاة، استنادا إلى ما يستفاد مما في صحيحة عبد الله بن
سنان: من أنه إن مات فيها ثور أو نحوه، أو صب فيها خمر، ينزح الماء كله،
ومضعفا للرواية المذكورة، بأنها ضعيفة السند، متروكة الظاهر، متهافة
المتن (1).
ومنها: ما رواه فيه أيضا بإسناده: (عنه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(رجل شك في المغرب، فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثة؟
قال: يسلم، ثم يقوم فيضيف إليها ركعة، ثم قال: هذا والله مما لا يقضى
أبدا) (2).
وروى فيه أيضا بإسناده: عنه قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام: (عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة؟
قال: يتشهد وينصرف، ثم يقوم فيصلي ركعة، فإن كان صلى ركعتين كانت
هذه تطوعا، وإن كان صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة.
قلت: فصلى المغرب، فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟) (3) الحديث.
فإن المشهور بين الأصحاب - كما في البحار (4) والحدائق (5)، بل
اجماعهم، كما في الرياض (6) -: على أن من شك في عدد الفريضة الثانية

(1) مدارك الأحكام: 1 / 67.
(2) التهذيب: 2 / 182 ح 727.
(3) التهذيب: 2 / 182 ح 728.
(4) البحار: 88 / 233.
(5) الحدائق الناضرة: 9 / 164.
(6) الرياض: 1 / 218.
96

كالصبح، والثلاثية، كالمغرب، يجب عليه إعادة الصلاة، ودلت عليه أخبار
متكثرة.
ومن هنا أنه أجاب في الاستبصار بعد ذكر الخبر الأول: أنه شاذ، مخالف
للأخبار كلها، وإن الطائفة قد أجمعت على ترك العمل به) (1).
وقال العلامة المجلسي في البحار، بعد ذكر جملة كلام: (وبالجملة، إنه
يشكل التعويل على هذا الخبر الذي رواه عمار، الذي قل أن يكون خبر من
أخباره خاليا عن تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى، وترك الأخبار
الكثيرة الصحيحة الدالة على البطلان، وإلا لكان يمكن القول بالتخيير) (2).
وقال في الوافي: (ولو كان الراوي غير عمار، لحكمنا بذلك، إلا أن عمارا
ممن لا يوثق بأخباره) (3).
نعم، إنه قد حكى في المختلف (4) والذكرى (5) نقلا عن الصدوق في المقنع،
أنه قال:
(إذا شككت في المغرب ولم تدر أفي ثلاث أنت أم في أربع، وقد أحرزت
الثنتين في نفسك وأنت في شك من الثلاث والأربع، فأضف إليها ركعة أخرى،
ولا تعتد بالشك. فإن ذهب وهمك إلى الثالثة، فسلم وصل ركعتين بأربع

(1) الاستبصار: 1 / 38 ح 105.
(2) البحار: 88 / 234 ح 36.
(3) الوافي: 2 / 146. من الطبعة القديمة.
(4) المختلف: 1 / 134.
(5) الذكرى: 225.
97

سجدات) (1).
قال في الذكرى بعد نقل ذلك: (وهو قول نادر) (2) (انتهى).
ولا يخفى أن في دلالة عبارة المقنع على ما نسبا إليه محل الأشكال، بل
الظاهر خلافه، حيث إنه في سابق الكلام المذكور:
(وإذا شككت في الفجر فأعد! وإذا شككت في المغرب فأعد، وروي: إذا
شككت في المغرب) فساق الكلام المذكور. ومن المعلوم أن ظاهر السياق هو
القول المشهور.
ومنها: ما رواه الشيخ فيه أيضا بإسناده: عنه، عن أبي عبد الله عليه السلام:
(من السهو ما يجب فيه سجدة السهو، فقال: إذا أردت أن تقعد فقمت، أو
أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت أن تسبح فقرأت،
عليك سجدتا السهو، وليس في شئ مما يتم به الصلاة سهو.
وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثم ذكر من قبل أن يقوم شيئا أو يحدث
شيئا؟ قال: ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشئ - إلى أن قال: - وعن
الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلي الفجر قال: لا يسجد سجدتي
السهو حتى يطلع الشمس ويذهب شعاعها) (3).
ففي الخبر المذكور وجوه من التهافت والاضطراب:
الأول: ما يظهر من صدره من وجوب السجدة للقيام في موضع القعود
وبالعكس، فإنه مناقض لصريح الفقرة الثانية، إن أراد بها ظاهرها.

(1) المقنع والهداية: 1 / 30.
(2) الذكرى: 225.
(3) التهذيب: 2 / 353 ح 1466.
98

مضافا إلى ما في التفصيل حينئذ من المباينة الظاهرة.
وإن أراد بها ما يوافق التفصيل، فخلاف السياق.
فقد أجاد بعض مشايخ المحققين فيما حكي عنه: من رده بالمناقضة.
وأما ما عن العلامة في المنتهى من دفعها: (بأنه لما استفيد من السؤال الأول
أن سجود السهو، انما هو بالاتيان بالقيام في موضع القعود وبالعكس، سئل
ثانيا عن أنه لو ذكر قبل أن يأتي بشئ من القيام بالكلية أو يفعل شيئا مطلقا؟
أجاب عليه السلام: بأنه لا سجود سهو هنا، إلا أن يتكلم، وهو معنى صحيح
لا منافاة فيه، للحكم الأول) (1).
كما ترى، لظهور قوله: (فقام) في تحقق القيام، بل نقول: إنه تهافت آخر،
فإن قوله (فقام) ظاهر في التحقق بخلاف قوله (ثم ذكر من قبل)، لظهوره في
عدمه.
الثاني: قوله أنه قال: وليس في شئ مما يتم به الصلاة سهو، فإنه لا يظهر له
وجه لم يقع مثله في غيره، وقال في الوافي: لعل المراد: أن لا سجدتي سهو
فيما يتدارك به السهو. مثل أن يسهى عن سجدة فسجد أو عن تشهد فتشهد (2).
وفيه مضافا إلى ما فيه من الخفاء، أن المشهور بين الفقهاء في الموضعين
المذكورين وجوب السجدة.
بل قال في الحدائق: (قد تكاثر الأخبار بوجوب سجدة السهو في الموضع
الثاني، قال: وهو الذي صرح أكثر الأصحاب، بل نقل بعض شراح الشرايع أنه

(1) منتهى المطلب: 1 / 418.
(2) الوافي: 2 / 149 من الطبعة القديمة.
99

لا خلاف فيه بين الأصحاب) (1).
ويشبهه ما رواه الشيخ بإسناده: عن عمار، أنه قال:، سألت أبا عبد الله عليه السلام:
(عن رجل ينسي الركوع أو سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟
قال: لا، قد أتم الصلاة) (2).
وما استظهره في الوسائل: من أن المراد إذا ذكر قبل فوت محله وأتى بما
نسيه بقرينة قوله (قد أتم الصلاة) (3)، كما ترى.
الثالث: قوله: (عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلي
الفجر...) (4).
فإن تحديد الزمان على الوجه المذكور مخالف لاطلاق قوله عليه السلام (من أنه
ليسجدهما متى ما ذكر) مضافا إلى أنه مما لم يذهب إليه أحد من الأصحاب
فيما أعلم، ولا دليل عليه أيضا غيره، كما قال في الحدائق.
والظاهر أنه لا قائل بين الأصحاب، على أن قوله: (يسهو في صلاته
فلا يذكر ذلك حتى يصلي الفجر) لا يخفى ما فيه.
وفسره في الوافي: بدخول وقت كراهة الصلاة، وفيه ما فيه.
ومنها: ما رواه الصدوق: عنه عن مولانا الصادق عليه السلام قال:
(سألته عن سجدتي السهو، هل فيهما تسبيح وتكبير؟
فقال: لا! إنهما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الأمام، كبر إذا سجد،
وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سهى، وليس عليه أن يسبح فيهما، ولا

(1) الحدائق الناضرة: 9 / 150.
(2) التهذيب: 2 / 354 ح 1466.
(3) الوسائل: 8 / 238 ح 10528.
(4) التهذيب: 2 / 354 ح 1466.
100

فيهما تشهد بعد السجدتين) (1).
فإن فيه أيضا وجوها من التهافت.
الأول: ما يظهر منه من عدم وجوب الذكر فيهما مع أن المنصور كما هو
المشهور، القول بالوجوب، كما يدل عليه صحيحة الحلبي المروية في الكافي
والتهذيب:
(قال: تقول في سجدتي السهو: بسم الله وبالله، وصلى الله على محمد وآل
محمد.
قال الحلبي: وسمعته مرة أخرى يقول فيهما: بسم الله وبالله، السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (2).
واعتراض المحقق عليها تارة: بمنافاتها للمذهب من حيث تضمنها وقوع
السهو من الأمام عليه السلام.
وأخرى: باحتمال أن يكون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم.
مدفوع، أولهما: باحتمال أن يكون المراد (وسمعته مرة أخرى يقول: تقول
فيهما...) بل هو الظاهر كما لا يخفى على المتأمل في السياق، فلا حاجة لما
ذكره في الوافي من نفي البأس عن نسبة السهو إلى الأمام عليه السلام.
وثانيهما: بظهورها في اللزوم، كما هو ظاهر.
فقد بان ضعف ما في المنتهى (3) والمدارك (4) والذخيرة (35) من القول بعدم

(1) الفقيه: 1 / 341 ح 996.
(2) الكافي: 3 / 356 ح 5 والتهذيب: 2 / 196 ح 773.
(3) منتهى المطلب: 1 / 418.
(4) مدارك الأحكام: 4 / 240.
(5) الذخيرة: 381.
101

الوجوب.
الثاني: ما يظهر منه من وجوب التكبير، ولا قائل به في الأصحاب، نعم إن
المحكي عن المشهور: القول باستحبابه.
وهو ضعيف أيضا حيث أن مقتضى العمل به، القول باستحبابه لخصوص
الأمام عليه السلام، مع أن في المحكي عنهم، القول باطلاق الاستحباب.
الثالث: ما يظهر منه من عدم وجوب التشهد فيهما، مع أن المشهور
المنصور، القول بالوجوب، بل عن الفاضلين في المعتبر (1) والمنتهى (2): أنه
قول علمائنا أجمع.
ويدل عليه ما في صحيحة الحلبي: (واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة
تتشهد فيها تشهدا خفيفا) (3). ومثله ما في بعض الروايات (4).
فلا وجه لما عن العلامة في المختلف: من استقراب القول بالاستحباب،
استدلالا بأصالة البراءة، والرواية المذكورة (5).
وما عن المدارك: من التأييد بانتفاء الأمر بالتسليم في الصحيحة، والأمر
بالتشهد في صحيحة ابن سنان (6)، مع ورودهما في مقام البيان (7).

(1) المعتبر: 2 / 410.
(2) منتهى المطلب: 1 / 418.
(3) التهذيب: 2 / 196 ح 773، الاستبصار: 1 / 380 ح 1441 والفقيه: 1 / 230
ح 1019.
(4) الكافي: 3 / 355 ح 3، التهذيب: 2 / 196 ح 772.
(5) المختلف: 143.
(6) الكافي: 3 / 355 ح 3 والتهذيب: 2 / 196 ح 772.
(7) مدارك الأحكام: 4 / 283.
102

وأضعف منه متابعته في الذخيرة (1) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
المتهافتة المروية عنه، وقد جمعنا كثيرا منها في سابق الأزمان.
وربما استشهد المحقق القمي، في القوانين (2) لما ذكرنا بعد ما ذكر من أن
عمار الساباطي، مع كثرة رواياته وشهرتها، لا يخفى على المطلع برواياته،
ما فيها من الاضطراب والتهافت الكاشفين عن سوء فهمه وقلة حفظه، بما رواه
في الكافي بإسناده: (عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إن عمارا الساباطي يروي عنك رواية، فقال: ما هي؟
قلت: إن السنة فريضة.
قال: أين يذهب؟ ليس هكذا حدثته! إنما قلت له: من صلى فأقبل على
صلاته، ولم يحدث فيها، أو لم يسه فيها، أقبل الله عليه ما أقبل عليها، فربما
رفع نصفها، أو ثلثها، أو خمسها، وإنما أمرنا بالسنة، ليكمل بها ما ذهب من
المكتوبة) (3).
أقول: إنه يمكن أن يكون ما حكاه عمار، هو الذي سمعه عن الأمام عليه السلام،
والمراد من قوله عليه السلام: (وأين يذهب؟ ليس هكذا حدثنا): إنه ليس المراد من
قولي ما يفهم من ظاهره، بل المراد... إلى آخره.
ووقع نظيره في الأخبار كثيرا، وبه يدفع الاستبعاد.
فمنها: ما في الكافي بإسناده عن الثمالي قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
(إياك والرياسة! وإياك أن تطأ أعقاب الرجال!

(1) الذخيرة: 381.
(2) لم نجد على ما فحصنا في القوانين المطبوعة التي بأيدينا.
(3) الكافي: 3 / 362 ح 1.
103

قلت: (جعلت فداك، أما الرياسة فقد عرفتها، وأما أن أطأ أعقاب الرجال
فما ثلثا في يدي، إلا مما وطئت أعقاب الرجال؟) (1).
فقال: (ليس حيث تذهب، إياك أن تنصب رجلا دون الحجة، فتصدقه في
كل ما قال) (2).
وما رواه فيه أيضا: عن أحدهما عليهما السلام قال:
(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر).
قال: (فاسترجعت).
فقال: (ما لك تسترجع؟ قلت: لما سمعت منك).
فقال: (ليس حيث تذهب، إنما أعني الجحود وإنما هو الجحود) (3).
وما رواه فيه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام إن رجلا قال له: إن من قبلنا يروون
إن الله يبغض بيت اللحم؟ فقال:
(صدقوا وليس حيث ذهبوا، إن الله يبغض البيت الذي يؤكل فيه لحوم
الناس) (4).
وما رواه في التهذيب بإسناده: عن عمار الساباطي، قال:
(كنا جلوسا عند أبي عبد الله عليه السلام بمنى، فقال له رجل: ما تقول في
النوافل؟)

(1) أي: مشيت خلفهم لأخذ الرواية عنهم.
(2) الكافي: 2 / 298 ح 5.
(3) الكافي: 2 / 310 ح 7.
(4) الكافي: 6 / 309 ح 6.
104

فقال: (فريضة).
قال: (فزعنا وفزع الرجل!!)
فقال أبو عبد الله عليه السلام: (إنما أعني صلاة الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الله عز وجل، يقول:
(ومن الليل فتهجد به نافلة لك (1) (2). ونظائرها كثيرة.
وإن قلت: إنه قد وقع نظائر هذه المخالفات، للاجماع والمناقضات بحسب
الظواهر في غير مورد، ويشبه أن يكون من أظهرها ما رواه الشيخ في التهذيب
عن علي بن مهزيار، في الصحيح، قال:
(كتب إليه أبو جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة، قال:
(الذي أوجبت في سنتي هذه - وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من
المعاني، أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار، وسأفسر لك بعضه إن شاء
الله تعالى، إن موالي أسئل الله صلاحهم، أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم،
فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر
الخمس، قال الله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم، ان صلاتك
سكن لهم، والله سميع عليم) (3) - إلى أن قال: - ولم أوجب ذلك عليهم في كل
عام، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله تعالى عليهم، وإنما أوجب

(1) الأسراء: 79.
(2) الكافي: 2 / 242 ح 28.
(3) التوبة: 103.
105

عليهم الخمس في سنتي هذه، في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول،
ولم أوجب ذلك عليهم في آنية، ولا متاع، ولا دواب، ولا خدم ولا ربح ربحه
في تجارة، ولا ضيعة، إلا ضيعة سأفسر لك أمرها، تخفيفا مني عن موالي،
رضا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينويهم في ذاتهم.
فأما الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:
(واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى...) (1).
فالغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة
يفيدها، والجائزة من الإنسان للانسان التي لها خطر، والميراث الذي لا
يحتسب من غير أب ولا ابن ونحوها، فمن كان عنده من ذلك فليتوصل إلى
وكيلي، ومن كان نائبا فليتعمل لإيصاله.
فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام، فهو نصف السدس،
فمن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه
نصف سدس ولا غير ذلك) (2) (انتهى ملخصا).
ففيه وجوه من الأشكال، كما نبه عليها في المنتقى.
الأول: إن المعهود المعروف من أحوال الأئمة عليهم السلام أنهم خزنة العلم وحفظة
الشرع، يحكمون فيه بما استودعهم الرسول وأطلعهم عليه، وأنهم لا يغيرون
الأحكام بعد انقطاع الوحي، وانسداد باب النسخ، فكيف يستقيم قوله في هذا
الحديث: (أوجبت في سنتي هذه، ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام) إلى غير

(1) الأنفال: 41.
(2) التهذيب: 4 / 141 ح 398.
106

ذلك من العبارات الدالة على أنه عليه السلام يحكم في هذا الحق بما شاء واختار.
والثاني: إن قوله: (ولا أوجب عليهم الا الزكاة التي فرضها الله عليهم)
ينافيه قوله بعد ذلك: (فأما الغنائم والفوائد، يرحمك الله فهي واجبة عليهم في
كل عام).
والثالث: إن قوله: (وإنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه، من الذهب
والفضة التي قد حال عليهما الحول) خلاف المعهود، إذ الحول يعتبر في
وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا الخمس.
وكذا قوله: (ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا خدم ولا دواب)
فإن تعلق الخمس بهذه الأشياء غير معروف.
والرابع: إن الوجه في الاقتصار على نصف السدس غير ظاهر، بعد ما علم
من وجوب الخمس في الضياع التي تحصل بها المؤنة.
قلت: مضافا إلى أنه قد تعرض فيه لدفع الاشكالات أيضا، ويظهر من
بعض، الارتضاء به، أنه على تقدير التسليم لا يقدح فيما نحن بصدده، فإن
الغرض تحقيق وقوع كثرة الاختلال، وعدمها في خصوص أخبار عمار، وأين
هذا من دعوى وقوع كثرة الاختلال في مطلق الأخبار! ومنه الافتراق بين
الشبهة المحصورة وغيرها.
وقد ظهر مما ذكرنا، أنه قد أجاد في الحدائق في الرد على صاحب الوسائل
فيما مال إلى اختصاص المنع من قضاء الصلاة، فريضة كانت أو نافلة، بالنهار
بالسفر، عملا بما يقتضيه خبر عمار: (بأنه لو كان الراوي غير عمار لحصل منه
الاستغراب، ولكنه من عمار المتكرر منه نقل الغرائب غير غريب) (1).

(1) الحدائق الناضرة: 6 / 325.
107

ولا تتوهمن مما ذكرنا عدم اعتبار أخباره رأسا، فإن له أيضا روايات
معتبرة موافقة للأخبار والقواعد والأصول، وعمل بها الأعاظم والفحول،
ونحن نذكر منها يسيرا من الكثير.
فمنها: ما رواه في التهذيب بإسناده عن عمار بن موسى، عن مولانا أبي
عبد الله عليه السلام قال:
(سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟
قال: (إن كان خرج نظيفا من العذرة، فليس عليه شئ ولم ينقض وضوؤه.
وإن خرج متلطخا بالعذرة، فعليه أن يعيد الوضوء. وإن كان في صلاته قطع
الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة) (1).
فإن عدم النقض، مع عدم التلطخ مما يدل عليه الأخبار، عموما وخصوصا.
ومثله ثبوت النقض معه في عمل الأصحاب، وحمل الشيخ عليه بعد
استدلاله به، ما ورد من إطلاق وجوب الوضوء في خروجه مطلقا (2)، وتبعه
المحقق في المعتبر، قال: (وهذه وإن كان سندها فطحية، إلا أنها منبهة على
الاحتمال المذكور، ولأن الأصل بقاء الطهارة) (3).
ومنها: ما رواه فيه أيضا بإسناده عنه، عن مولانا الصادق عليه السلام قال:
(سألته عن المرأة يواقعها زوجها، ثم تحيض قبل أن تغتسل؟
قال: (إن شاءت أن تغتسل غسلت، وإن لم تفعل فليس عليها شئ، فإذا

(1) التهذيب: 1 / 11 ح 20.
(2) التهذيب: 1 / 11 ذيل حديث رقم 19.
(3) المعتبر: 1 / 107.
108

طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة) (1).
فإن تداخل الغسلين مما اتفق عليه الأصحاب، ودل عليه غيره من
الأخبار، وقد فصلنا المقال على وجه لا مزيد عليه في كتابنا في الفقه.
ومنها: ما رواه فيه أيضا بإسناده عنه، عن مولانا الصادق عليه السلام:
(في رجل صلى على غير القبلة، فيعلم وهو في الصلاة، قبل أن يفرغ من
صلاته؟
قال: (إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب، فليحول وجهه إلى القبلة
حين يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة، فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة،
ثم يفتح الصلاة) (2).
فإن ما يستفاد منه، من عدم إضرار الانحراف في الصورة الأولى، وإضراره
في الصورة الثانية، مما اتفقت عليه الكلمة، وأجمعت عليه الطائفة، كما صرح
به في المدارك (3).
وعن شيخنا البهائي: (أنه لا يحضرني أن أحدا من الأصحاب خالف في
الحكمين) (4).
ومنها: ما رواه فيه بإسناده عنه كذلك:
(في الرجل ينسي سجدة، فذكرها بعد ما قام وركع؟)
قال: (يمضي في صلاته، ولا يسجد حتى يسلم، فإن سلم سجد مثل

(1) التهذيب: 1 / 396 ح 1229.
(2) التهذيب: 2 / 48 ح 159.
(3) مدارك الأحكام: 3 / 153.
(4) حبل المتين: 200.
109

ما فاته).
قلت: (فإن لم يذكر إلا بعد ذلك؟)
قال: (يقضي ما فاته إذا ذكره) (1).
فإن وجوب قضاء السجدة المنسية، مما دلت عليه الأخبار من الصحاح
وغيرها وتلقاها الفحول بالقبول.
ومنها: ما رواه فيه عنه كذلك أيضا:
(في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشك في الركوع ولا يدري أركع
أم لا، ويشك في السجود فلا يدري سجد أم لا؟
قال: لا يسجد ولا يركع يمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا) (2).
فإن المصرح به في كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف، كما في
الحدائق (3) وبلا خلاف أجده كما في الرياض (4) أنه لا حكم للشك مع الكثرة،
ودل عليه أيضا غيره من الأخبار.
هذا، ولا يخفى أن فيه تلويحا أيضا على بعض المرام، أعني قلة ضبط
عمار، نظرا إلى ظهور كون السؤال لنفسه.
ونقتصر في هذا المضمار بهذا المقدار.

(1) التهذيب: 2 / 153 ح 604.
(2) المصدر.
(3) الحدائق الناضرة: 9 / 288.
(4) الرياض: 219.
110

وأما المقام الثاني: (1)
ففيه قولان:
القول بعدم بلوغ اضطراب أخباره إلى الحد المذكور، كما هو مقتضى كلام
السيد السند النجفي رحمه الله، بل مقتضى صريح كلامه: عدم وقوع المخل بالمعنى
منه رأسا.
قال: (ولا ينافي التوثيق وقوع الخلل في ألفاظ حديثه أحيانا، فإن منشأه
النقل بالمعنى، وقد ثبت جوازه، والغالب عدم تغيير المعنى بما يقع له من
الخلل، فلا يخرج حديثه عن الحجية نظرا إلى اشتراط الضبط) (2).
وهو الظاهر من غير واحد من الفقهاء في تمسكهم برواياته.
والقول ببلوغ الاضطراب إليه، كما هو مقتضى صريح كلام جماعة ممن
تقدم من الأعلام كالعلامة على الإطلاق، والمجلسي، وغيرهما.
والذي أراه في المقام، هو التوقف في المرام، نظرا إلى أنه كما وقع منه نقل
الأخبار على وجه الصحة والاستقامة، كذا وقع منه النقل على وجه التهافت
والاضطراب، وإن كان ترجيح الثاني لعله لا يخلو عن قوة، كما ينكشف بالتتبع
في أخباره.
ويؤيده التصريح به من مثل غواص بحار الأنوار وغيره من سوابقي
المضمار.
وأما ما ذكره السيد السند المشار إليه، ففيه:

(1) أي: على القول بسوء مذهبه هل بلغ إلى حد يقتضي عدم اعتبار أخباره لعدم
حصول الاطمينان أم لا؟
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 170.
111

أولا: إن ما يظهر منه من ندرة وقوع الخلل، ليس على ما ينبغي، كما يظهر
مما قدمناه، ويشهد عليه موافقة ثلة من الأجلة.
وثانيا: إن ما ذكره من أن ما وقع في أخباره من الخلل، من باب النقل
بالمعنى.
ويقتضيه أيضا ما ذكره العلامة التقي المجلسي: (من أن الذي يظهر من
أخبار عمار أنه كان ينقل بالمعنى مجتهدا في معناه، وكل ما في خبره فمن
فهمه الناقص) (1)، ليس بالوجه، فإن الظاهر أن المنشأ سوء ضبطه، وكثرة
سهوه، كما لا يخفى على المتتبع المتأمل.
نعم، إن الظاهر أن ما ذكره هو المنشأ في البعض. هذا، ولكن الظاهر أنه
لا اشكال في اعتبار رواياته في مقام الترجيح، بمعنى إذا تعارض خبران
ولم يترجح أحدهما على الآخر بوجه إلا أن أحدهما كان موافقا مع روايته،
فهو يرجح على الاخر، لكفاية مطلق الظن. والظن المطلق في مقام الترجيح،
كما أنه يقوي اعتبار رواياته في صورة التعدد، وأولى منه ما لو اعتضد مع ذلك
برواية غيره، فإنه يقوي الظن بالإصابة حينئذ، فإن من البعيد توافق كل منهما
على السهو في النقل، والخطأ في الفهم، كما هو ظاهر.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره صاحب الجواهر عند الكلام في العصير
الزبيبي، حيث إنه قدح في روايته بما قيل من أنه متفرد برواية الغرائب (2)، مع
أن روايته في المقام مع تعدده معتضد بغيره.
بقي أنه قد اختلف كلمة القوم في كنيته.

(1) روضة المتقين: 14 / 204.
(2) الجواهر: 6 / 35 وكذا في الوضوء: 2 / 302 وغسل الميت: 5 / 336.
112

فهم بين أنها (أبو الفضل) كما هو مقتضى كلام النجاشي (1) وابن داود (2)
وهو الظاهر من السيد السند النجفي رحمه الله (3).
وأنها (أبو اليقظان) كما هو مقتضى كلام الشيخ في الرجال (4).
وأنها (أبو يعقوب) كما هو الظاهر من كلام المحقق الاسترآبادي (5) على ما
هو الحال في النسخة الموجودة.
واختلف كلام الناقد التفرشي (6) والعلامة البهبهاني (7) حيث أنهما ذكرا
تارة: في المكنين ب‍ (أبي الفضل) وأخرى: في المكنين ب‍ (أبي اليقظان. وربما
يظهر الترديد من الأول في الثاني في الترجمة، وهو كما ترى، ولكن الأمر فيه
هين، واحتمال التعدد قائم.
ثم إن أبا اليقظان كنيته لجماعة وهم: نوح بن الحكم، وعمار بن ياسر، وأبي
الأحوص، كما صرح به الناقد (8) وغيره (9).
وربما يظهر من ابن داود خلافه في الأول، فإنه ذكر على ما في النسختين
الموجودتين من كتابه: (نوح بن الحكم بن اليقظان الهمداني - إلى أن قال: - ق

(1) رجال النجاشي: 290 رقم 779.
(2) رجال ابن داود: 263 رقم 360.
(3) رجال بحر العلوم: 3 / 162.
(4) رجال الطوسي: 250 رقم 437.
(5) منهج المقال: 397.
(6) نقد الرجال: 247 رقم 15.
(7) تعليقته على منهج المقال: 396.
(8) نقد الرجال: 402.
(9) جامع الرواة: 2 / 426.
113

كوفي، ثقة) (1).
ولكن الظاهر أنه اشتباه منه، والصحيح (أبو اليقطان) كما هو المذكور في
رجال الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام (2)، كما أن التوثيق غير موجود في
النسخة الموجودة من الرجال.

(1) رجال ابن داود: 197 رقم 1643. في النسخة المطبوعة (منشورات الرضي): نوح
ابن الحكم أبو اليظيان.
(2) رجال الطوسي: 250 رقم 437.
114

تنبيهات
[المراد من الساباطي]
الأول: إنه ذكر العلامة في الفائدة الأولى من الفوائد المرسومة في ختام
الخلاصة:
(الساباطي اسمه عمرو بن سعيد) (1).
وذكر التفرشي في النقد في باب النسب: (الساباطي اسمه عمرو بن سعيد
المدائني، وقد يطلق على عمار بن موسى) (2).
وقال بعض المتأخرين بعد ذكرهما: ويطلق أيضا على أخويه: قيس وصباح
وابنه إسحاق (3).

(1) الخلاصة: 270 رقم 28.
(2) نقد الرجال: 408.
(3) عن الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة: (بإسناده عن عمرو بن سعيد، عن الحسن
ابن صدقة، قال: قال أبو الحسن عليه السلام: قيلوا: فإن الله عز وجل يطعم الصائم في منامه ويسقيه).
وقال المولى التقي المجلسي رحمه الله في شرحه على الفقيه نقلا: (وهو مجرب سيما للمجتهدين).
قال الفاضل المحدث النوري في دار السلام: (حدثني بعض العلماء الراسخين - وقاه الله
تعالى من شرور الشياطين - قال: عزمت في بعض ليالي رجب أن أصوم نهاره، فكففت
عن العشاء، لأن أتسحر، فلما أخذت مضجعي لم أنتبه إلا قبيل الفجر، فنازعني نفسي
وخوفتني عن لذع نار الجوع، فغلبت عليها بسرعة زوال زمانه ودوام فوائد انطوائه، فصمت
ورقدت قرب الزوال، فإذا بمجلس قد أعد فيه طعام لا أقدر أن أصفه، فأكلت منه حتى
أشبعت، وإلى الآن لم أجد بلذته طعاما، فلما انتبهت رأيت نفسي شبعانا من غير ثقل الطعام كما
هو عادة أهل دار السلام، رزقنا الله فيه المقام) (منه رحمه الله).
115

أقول: ويرد على الكل كلام.
أما الأول: فلعدم إطلاق الساباطي على عمرو المذكور فيما وقفت عليه من
كلمات علماء الرجال، ولو سلمناه فلا ريب في أن الاقتصار عليه في غير
موقعه، لكثرة إطلاق الساباطي على عمار.
وأما الثاني: ففيه مضافا إلى ما تقدم أن ما يظهر منه من قلة إطلاقه على
عمار، بالإضافة إلى عمرو، غير سديد.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما صنعه المحقق الأنصاري في رجاله (1) حيث
اقتفى أثر النقد.
وأما الثالث: ففيه أولا: مع ما تقدم أن إطلاق الساباطي على الأخوين محل
المنع، لأن المستند ما ذكره النجاشي والعلامة وغيرهما: (من أن قيس: أخو
عمار الساباطي، وما ذكره العلامة أيضا من أن صباح: أخو عمار الساباطي
ودلالتهما على المدعى كما ترى.
وثانيا: أن ما ذكره من إطلاقه على ابنه، مبني على ما جرى من تعدد إسحاق
ابن عمار، أعني الساباطي والصيرفي، والحق هو الاتحاد، وأن المتحد هو
الصيرفي دون الساباطي الفطحي، كما ربما توهم وفاقا لغير واحد من الفحول،

(1) رجال الأنصاري: 109.
116

كما سيجئ إن شاء الله.
مع أنه بناء على التعدد يتأتى الممانعة من الإطلاق أيضا، لضعف دلالة
المستند، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
نعم، إنه كان المناسب: ذكر حديد، وعلي بن حديد، ومحمد بن مرازم بن
حكيم حكيم، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن عمر وأبي الحسن، فإن التتبع في كتب
القوم وأسانيد الأخبار يكشف عن الإطلاق.
أما الأول: فلما يظهر من كتاب الغيبة للشيخ، فإنه قال: (حدثنا عمرو بن
منهال القماط، عن حديد الساباطي) (1).
وأما الثانيان: فلما يظهر من النجاشي في الترجمة (2)، بناء على ظهور تعلق
القيودات مطلقا إلى المذكور بالأصالة.
هذا، وذكر الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام: (محمد بن حكيم الساباطي،
وله إخوة: محمد، ومرازم، وحديد، بنو حكيم) (3).
ومقتضاه: إطلاقه على المذكور بالأصالة بناء على ما ذكر كما أنه ربما
يقتضي المغايرة لكلام النجاشي الذي يظهر منه إطلاقه على محمد بن مرازم،
فتأمل.
وأما الثالث: فلما يظهر من الفقيه في باب (الموصى له يموت قبل
الموصي) (4).

(1) الغيبة: 57 ح 52.
(2) رجال النجاشي: 274 رقم 717، فيه: (علي بن حديد بن حكيم المدائني الأزدي
الساباطي). و 365 رقم 986، فيه: (محمد بن مرازم بن حكيم الساباطي الأزدي).
(3) رجال الطوسي: 285 رقم 78.
(4) الفقيه: 4 / 210 ح 5488 كذا في الكافي: 7 / 13 ح 2 وفي التهذيب: 3 / 296
ح 16، 8 / 144 ح 497 و 9 / 231 ح 904 والاستبصار: 3 / 339 ح 1210 و
4 / 138 ح 516.
117

وأما الأخير: فلما يظهر من الكافي في باب (الرجل يوصي إلى آخر
ولا يقبل وصيته) (1).
وكذا من التهذيب في باب (بيع الواحد بالاثنين) (2).
الثاني: إنه روى في التهذيب في باب (تطهير الثياب والبدن من
النجاسات) رواية بإسناده عن عمار الساباطي، ثم قال: (وبهذا الأسناد عن
إسحاق بن عمار) (3).
وروى قبلهما رواية عن إسحاق بن عمار.
وقد وقع الأشكال في أن المشار إليه، هو السند السابق حتى يكون الراوي
في كل منهما إسحاق، أو السند المتصل.
وقد تردد في المقام صاحب المشارق في بحث الجبائر (4)، وعن الإشارة
إسناده إلى إسحاق (5).
والتحقيق إسناده إلى عمار، للقرب، وروايته الخبر في الاستبصار مسندا

(1) الكافي: 7 / 7 ح 1. الصحيح: باب (إن صاحب المال أحق بماله ما دام حيا). وهو بعد
باب الذي ذكره المؤلف.
(2) التهذيب: 7 / 100 ح 431 و 433 وكذا في 9 / 186 ح 748 والفقيه: 4 / 201
ح 5465.
(3) التهذيب: 1 / 425 ح 1353.
(4) مشارق الشموس: 149.
(5) لم نجده في إشارة السبق، لاحظ فيه الطهارة الاضطرارية: 74. يمكن أن يكون مراد
المؤلف (الإشارات إلى ما تكرر في الوسائل من الاحالات) لعبد الصاحب بن الشيخ حسن
الصغير ابن صاحب الجواهر.
118

إلى عمار (1) وكون الراوي في السند المتصل مصدق بن صدقة، وهو كثير
الرواية عن عمار، فيتعين وقوع الزيادة في السند، ونظائره في التهذيب
غير عزيز (2).
الثالث: إنه روى الصفار في البصائر في باب (أن الأئمة يتكلمون بالألسن
كلها): (بالأسناد عن عمار الساباطي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (يا عمار
أبو مسلم فطلله وكسا وكسحه فسطورا. قلت: جعلت فداك، ما رأيت نبطيا
أفصح منك، فقال: يا عمار، وبكل لسان) (3).
الرابع: إنه قد تكثر في أسانيد الأخبار رواية إسحاق بن عمار وقد اختلف
في أنه ابن عمار الساباطي، أو الصيرفي، متحدا أو متعددا، ولما كان من
المهام أعجبني ذكره في المقام على حسب ما يقتضيه الحال من الأجمال.
فنقول: إنه قد اختلفوا فيه على أقوال:
القول: بأنه ابن عمار الساباطي، والقائلون به بين: جازم بفطحيته كما هو
مقتضى صريح الفهرست (4) وابن طاوس في التحرير (5) والخلاصة (6)،
ويقتضيه كلام الروضة في مواضع.

(1) الاستبصار: 1 / 78 ح 242.
(2) قال المحقق الخوئي: والصحيح ما في الاستبصار، بقرينة سند الرواية السابقة عليها،
فإن السند فيها: (عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي) وهذا السند
كثير في الكتب الأربعة ولا سيما في التهذيبين وفي جميعها عمار. معجم الرجال: 3 / 56.
(3) بصائر الدرجات: 353 وعنه البحار: 26 / 191 وكذا في الاختصاص: 289.
(4) الفهرست: 117 رقم 515.
(5) التحرير الطاووسي: 38 رقم 21 و 22.
(6) الخلاصة: 243 رقم 6.
119

منها: ما ذكره في دية سلس البول، قال: (لكن في الطريق إسحاق وهو
فطحي) (1) بل قال جدنا السيد العلامة: إن عادته المستمرة جعل الحديث
باعتبار إسحاق بن عمار موثقا (2).
ومتردد فيه كما هو مقتضى غير واحد من كلمات المحقق.
منها: ما ذكره في الشرايع، في ميراث المفقود: (وفي إسحاق، قول) (3).
وهو مقتضى ما صنعه ابن فهد في المسألة المذكورة، فصنع كالصنيعة
المسطورة (4).
ومضطرب فيه، فجازم بالوحدة والفطحية تارة، وبها بالامامية أخرى،
ومتردد ثالثة، كما ينصرح من كلمات المقدس (15).

(1) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 10 / 266.
(2) نعم، قال في باب الطلاق، فيمن طلق مرات في طهر واحد، بعد نقل رواية إسحاق
ابن عمار: (وهذه الرواية من الموثق). الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 6 / 43. وقال
في عدة الأمة المتوفى عنها سيدها بعد ذكر رواية إسحاق: (هذا القول ليس ببعيد لمن لم يعمل
بالخبر الموثق، فإن خبر إسحاق كذلك). المصدر: 6 / 70. وفي باب الديات - بعد نقل كلام
الشهيد الأول لرواية إسحاق - قال: (نسبه إلى الرواية لأن إسحاق فطحي وان كان ثقة،
والعمل بروايته مشهور) المصدر: 10 / 252.
(3) شرايع الإسلام: 4 / 846.
(4) المهذب البارع: 4 / 419. وكذا قال في دية سلس البول: 5 / 358، ولكن قال في
كفارات الأحرام: (والمستند صحيحة إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام قال: سألته عن رجل
محرم وقع على أمة محرمة...): 2 / 382. وقال في عدة الأمة المتوفى عنها سيدها: (المعتمد،
الأول، لموثقة إسحاق بن عمار...) 3 / 500 وكذا في الرجل يظاهر جاريته: 3 / 531 والظهار
إذا عجز صاحبه عن الكفارة: 3 / 544.
(5) قال المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 1 / 176: فلرواية إسحاق وإن
لم تكن صحيحة.... وقال في ج 1 ص 359: وقال في المنتهى بالصحة، والذي رأيته في
الكافي أن في سندها إسحاق بن عمار، قال المصنف: إنه فطحي (وان كان ثقة والوقف فيما
انفرد به) فلا يناسب تسميتها منه بالصحة، وان كان الرجل جيدا لا بأس به على ما أفهم من
كتاب النجاشي.
وقال في ج 2 ص 458: وليستا بصحيحتين لإسحاق وسهل بن زياد. وقال في ج 3،
ص 245: والرواية غير صحيحة لغياث بن كلوب وإسحاق. وقال في ج 3 ص 388: مع القول
في إسحاق، ومع ذلك قال في المنتهى: في الصحيح عنه، كأنه يريد الصحة إلى إسحاق. كذا في
ج 4 ص 236 و 239. وقال في ج 4 ص 257 معترضا على العلامة في المنتهى: مع القول في
إسحاق ومع ذلك سماها بالصحيحة. وقال في ج 8 ص 278: مع عدم الصحة لوقف إبراهيم
والقول بفطحية إسحاق. وقال في ج 9 ص 564: وإسحاق مشترك، بل الظاهر أنه ابن عمار
الذي لهم فيه كلام. وقال في ج 11 ص 576: وهذه ضعيفة بالقول في فطحية إسحاق والجهل
بحال غياث بن كلوب.
وقال في ج 1 ص 296 و ج 2 ص 96: وصحيحة إسحاق بن عمار. وقال في ج 2 ص 27:
وموثقة إسحاق بن عمار... وإسحاق، قيل: انه فطحي ثقة، ولكن افهم من النجاشي مدحا
عظيما له وأنه من أصحابنا ومن بيت كبير من الشيعة، والشيخ قال: أصله معتمد وإن كان
فطحيا والمصنف قال: عندي التوقف فيما ينفرد به، وليس هذا من ذاك وهو ظاهر، وبالجملة:
هذا الرجل لا بأس به وقول في مثله مقبول. وقال في ج 2 ص 96: صحيحة إسحاق بن عمار...
وإسحاق وان قيل إنه فطحي الا أنه لا بأس به في مثله، فتأمل. وقال في ج 2 ص 101 و 322
في الصحيح عن إسحاق بن عمار. وقال في ج 3 ص 84: في الصحيح عن إسحاق بن عمار (الثقة
الفطحي المعتمد).
وقال في ج 3 ص 178: وهو ثقة وله أصل معتمد وهو لا بأس به. وفي ج 8 ص 400 - بعد
حديث مرسل عن إسحاق - قال: لا يضر إرسال إسحاق لأنه مؤيد ومقبول.
وقال في ج 11 ص 287: وبالجملة: أنا لا أعتقد فطحية يونس بن يعقوب، والظاهر أنه
مقبول، وكذا أكثر ما نسب إلى الفطحية مثل الحسن بن علي بن فضال، بل إسحاق بن عمار
من العلماء أيضا.
وقال في ج 8 ص 250: وإسحاق وان كان فيه قول الا أني أظنه خيرا لا بأس به يعلم من
محله خصوصا من النجاشي.
120

والقول: باشتراكه بينه وبين إسحاق بن عمار بن حيان الصيرفي.
فهم بين من جرى على اشتراكه بينهما في الشخص والحديث، كما هو
مقتضى كلام شيخنا البهائي، قال في بداية المشرق: وقد يكون الرجل متعددا
فيظن أنه واحد، كما اتفق للعلامة - طاب ثراه - في إسحاق بن عمار، فإنه
مشترك بين اثنين: أحدهما من أصحابنا، والاخر فطحي (1).
والمحقق الاسترآبادي في حاشية الوسيط، قال: الظاهر من التتبع، أن
إسحاق بن عمار اثنان: ابن عمار بن حيان، وهو المذكور في النجاشي، وابن
عمار الساباطي وهو المذكور في الفهرست، وأن الثاني فطحي دون الأول (2).
والفاضل النظام فإنه عنون الصيرفي في القسم الأول والساباطي
في الثاني، كما أنه بعد عنوان الصيرفي، حكى عن شيخنا البهائي أنه قال:
وإياك أن تظن أنه الساباطي كما ظنه غيرك (3).

(1) مشرق الشمسين: 95.
(2) ذكر عنه الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال ولم نجد في النسخة المخطوطة
الموجودة عندنا من الرجال الوسيط. ولكن ظاهر كلامه في الرجال الكبير، اتحادهما. راجع:
منهج المقال: 52. وقال تلميذه أبى على الحائري.
(3) قال السيد بحر العلوم: أول من تنبه للمغايرة وحكم بالاشتراك في هذا الاسم،
شيخنا المحقق البهائي رحمه الله فإنه قال في حاشية الخلاصة عند ذكر عبارته المتقدمة: (هذا وهم من
المصنف وقد اقتفى أثره ابن داود، والحق أن المذكور في كلام النجاشي (امامي ثقة) والمذكور في
فهرست الشيخ (فطحي، ثقة) وهذا مما لا يشتبه على من له أدنى مسكة إذا تتبع الكلامين
المذكورين). رجال السيد بحر العلوم: 1 / 308.
122

وهو خيرة جماعة كالعلامة البهبهاني (1) وشارح المشيخة (2) والمحدث
البحراني (3) وصاحب الوافي (4) والذخيرة (5) والرياض (6).
وبين من جرى على اشتراكه بينهما في الشخص فقط، كما عليه الفاضل
العناية (7) وتبعه الفاضل الخاجوئي (8) وبعض آخر.
والقول بأنه إسحاق بن عمار الصيرفي الأمامي كما هو الظاهر من
النجاشي (9) وبه صرح سيد السند النجفي (10) وجدنا السيد العلامة والوالد
المحقق رحمه الله، وعليه استقر رأي جدنا العلامة، وهذا هو الأقرب.
وللقول الأول وجوه:
الأول: اشتهار عمار الساباطي في الرواة، وكثرة روايته في الأخبار،
وانصراف الإطلاق إليه فيهما، وهذا الوجه يشبه أن يكون مستند الشيخ في
الفهرست، فإنه جرى على الوحدة، وعنون بقوله: (إسحاق بن عمار الساباطي
له أصل، وكان فطحيا، إلا أنه ثقة وأصله معتمد عليه) (11).

(1) منهج المقال: 52، تعليقة الوحيد عليه.
(2) روضة المتقين: 50 - 51.
(3) منهج المقال: 52، تعليقة الوحيد عليه.
(4) روضة المتقين: 50 - 51.
(5) الذخيرة: 358.
(6) الرياض: 2 / 373.
(7) مجمع الرجال: 1 / 195.
(8) الفوائد الرجالية: 68.
(9) رجال النجاشي: 71 / 169.
(10) رجال السيد بحر العلوم: 1 / 307.
(11) الفهرست: 15 رقم 52.
123

ويضعف بما سيأتي إن شاء الله تعالى من الأدلة الدالة على التعدد بحيث
لا يبقى بعد ملاحظتها مسرح لهذه الدعوى.
وربما ذكر جدنا السيد العلامة أن المستند ما رواه في التهذيب عن محمد بن
سنان، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(كان موسى بن عمران إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض
وخده الأيسر بالأرض، قال إسحاق: رأيت من آبائي من يصنع ذلك، قال
محمد بن سنان: يعني موسى في الحجر في جوف الليل) (1).
نظرا إلى أن الراوي أخبر بأن مراد إسحاق، جده: موسى، فإسحاق بن
عمار في المقام: إسحاق بن عمار بن موسى الساباطي، ولما كان رجلا واحدا
في الأسانيد. وعلم أنه المراد في المقام فهو المراد في غيره، وهو الذي فهمه
المحدث الكاشاني في الوافي.
فإنه ذكر في بيان الحديث - أي: موسى الساباطي، جد إسحاق - مجيبا عنه
بأنه رحمه الله وإن أصاب في التوحيد، إلا أنه أخطأ في التعيين، لأن إسحاق بن
عمار هو: الصيرفي، والساباطي لا وجود له في الأسانيد، وما وقع في
التهذيب، فالظاهر أن كلمة من آبائي زائدة، والمراد بموسى: موسى بن
جعفر عليهما السلام فإنه هو الذي ينبغي أن يذكر فعله في المقام، وعدم التصريح باسمه
الشريف، لعله لعائق منه، مع وجود القرينة الحالية استشهادا بتفسيره من
محمد بن سنان على ما وقع التصريح به من الشيخ في الخلاف، فإنه ذكر فيه بعد
ذكر الحديث:
قال: وقال إسحاق: رأيت من يصنع ذلك، قال ابن سنان: يعنى: موسى بن

(1) التهذيب: 2 / 109 ح 414.
124

جعفر عليهما السلام في الحجر في جوف الليل (1).
وصنع مثله في المعتبر (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) ونهاية الأحكام (5)
والمدارك (6) مع أنه على تقدير ثبوت آبائي، يمكن أن يكون تصحيف
أباهي به.
أقول: لا يخفى أن دعوى أن الخبر المذكور الداعي له لعنوان الساباطي، في
غاية البعد، بل الظاهر أن المنشأ له، ثبوت إسحاق بن عمار في الأسانيد،
واشتهار عمار الساباطي، وانصراف الإطلاق إلى الشايع، فيظن الوحدة، وأنه
إسحاق بن عمار الساباطي.
كما يقع ذلك الاشتباه في الأنساب كثيرا، مع أن ثبوته في المقام لا يقتضي
ثبوته في غيره، ودعوى أنه مبني على ثبوت الاتحاد، مدفوعة بأنه لا دليل
على هذا التقدير إلا الانصراف، وإلا فقد عرفت خلافه، مع أنه بناء على وقوع
زيادة الكلمة فلا تعيين في الساباطي فلا خطأ في المقام.
الثاني: الجمع بين كلامي النجاشي والشيخ في الفهرست، وتقييد كل منهما
بالآخر، فإنه ذكر النجاشي: (إسحاق بن عمار بن حيان، أبو يعقوب،
الصيرفي، مولى بني تغلب، شيخ من أصحابنا، ثقة، في بيت كبير من الشيعة،
روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام، له كتاب النوادر، روى عنه غياث بن

(1) الوافي: 8 / 818.
(2) المعتبر: 2 / 271.
(3) منتهى المطلب: 1 / 303.
(4) التذكرة: 1 / 125.
(5) نهاية الأحكام: 1 / 498.
(6) مدارك الأحكام: 3 / 25 - 24.
125

كلوب) (1).
وقال الشيخ في الفهرست: (إسحاق بن عمار بن موسى الساباطي، له أصل،
وكان فطحيا إلا أنه ثقة، وأصله معتمد عليه) (2).
فمقتضى الجمع بينهما: الحكم باتحادهما، ومن هنا ما ذكر العلامة في
الخلاصة: (إسحاق بن عمار بن حيان، مولى بني تغلب، أبو يعقوب، الصيرفي،
كان شيخا من أصحابنا، ثقة، روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام وكان فطحيا.
قال الشيخ: إلا أنه ثقة، وأصله معتمد عليه، وكذا قال النجاشي، والأولى
عندي التوقف فيما ينفرد به) (3).
ونظيره ما صنعه ابن داود، فعنون تارة: (إسحاق بن عمار بن حيان، مولى
بني تغلب، أبو يعقوب، الصيرفي، (جش)، (كش): ثقة، هو واخوته، (ست):
فطحي إلا أنه معتمد عليه) (4).
وأخرى: إسحاق بن عمار، (ق)، (م)، (ست): فطحي الا أنه معتمد عليه (5).
وسبقهما ابن طاوس في التحرير (6).
والظاهر أن الجمع المذكور، هو الوجه في ظن الاتحاد من هؤلاء الأطواد،
ثم سرى الوهم على من ورد على كلامهم لحسن ظنهم بمقامهم ولا سيما كلام
العلامة.

(1) رجال النجاشي: 71 رقم 169.
(2) الفهرست: 15 رقم 52.
(3) الخلاصة: 200 رقم 1.
(4) رجال ابن داود: 48 رقم 164.
(5) رجال ابن داود: 231 رقم 50.
(6) التحرير الطاووسي: 38 رقم 21.
126

ويضعف بالأمارات الدالة على خلاف الوحدة والقرائن الكاشفة عن
المغايرة، فإن الجد المذكور في كلام النجاشي: حيان، والمذكور في كلام
الشيخ في الفهرست: موسى، وأين أحدهما من الآخر.
وأما ما وقع في مشيخة الفقيه عند ذكر طريقه إلى يونس بن عمار من في
قوله في انتهاء الطريق: (عن أبي الحسن يونس بن عمار بن العيص، الصيرفي،
التغلبي، وهو أخو إسحاق) (1).
فالظاهر أنه من سهو الأقلام، مع أن الأول صيرفي، تغلبي، كوفي، ووصف
بهذه الأوصاف غير واحد من أهل هذا البيت في غير مورد، كما ذكر الشيخ في
أصحاب الصادق عليه السلام في بعض إخوته فقال: (يونس بن عمار الصيرفي،
التغلبي، كوفي) (2).
وفيه: (إسماعيل بن عمار، الصيرفي، الكوفي) (3).
وفي ابنه كما في أصحاب الرضا عليه السلام: (محمد بن إسحاق بن عمار،
الصيرفي، كوفي) (4).
وفي بعض أحفاده كما في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام: (علي بن محمد بن
يعقوب ابن إسحاق بن عمار، الصيرفي، الكسائي، الكوفي، العجلي) (5).
بخلاف الثاني، فإنه غير موصوف بشئ منهما، بل مذكور بالساباطي كما
مر التصريح به من النجاشي، والشيخ، وغيرهما. وساباط - على ما هو

(1) الفقيه: 4 / 74 (المشيخة).
(2) رجال الطوسي: 337 رقم 67.
(3) رجال الطوسي: 149 رقم 135.
(4) رجال الطوسي: 388 رقم 23.
(5) رجال الطوسي: 388 رقم 23.
127

المحكي عن غير واحد من أهل الخبرة من علماء الفن وغيرهم - موضع
بمدائن كسرى (1).
مضافا إلى أنه موصوف في كلام النجاشي بأنه شيخ من أصحابنا، ثقة، في
بيت كبير من الشيعة (2). وأين هذا من التوصيف بالفطحية، ومن هنا أنه عنون
الكشي: (إسحاق وإسماعيل ابني عمار، روى بإسناده عن زياد، أنه قال: كان
أبو عبد الله عليه السلام إذا رأى إسحاق بن عمار وإسماعيل، قال: (قد يجمعهما
لأقوام، يعني الدنيا والآخرة) (3).
وكيف هذه المرتبة العالية والمنقبة السامية، مع ثبوت وصف الفطحية. ومن
ثم لما بنى السيد بن طاووس على القول بالاتحاد جرى بعد ذكر الخبر على
الاستبعاد، وبعد وضوح ضعف المبنى يتضح ضعفه بلا شبهة ترى.
على أن إخوة عمار الصيرفي: جعفر، وعلي، وهذيل.
بخلاف الساباطي، فإن أخواه كما مر: قيس، وصباح.
وإخوة إسحاق الصيرفي: يونس، ويوسف، وقيس، وإسماعيل، وابنا أخيه:
إسماعيل، علي، وبشير، وغيرهم من هذا البيت، كما ستعرف الباقي إن شاء
الله تعالى، ولم يثبت أحد منهم في الساباطي أو ثبت غيرهم.
ومن هنا، ثبوت الاختلاف في المقام بحسب المذهب، والنسب، والبلد،
والأخوة، والأولاد، والعشيرة.
هذا، ولا يذهب عليك ما في صنيعة ابن داود من الأنظار.

(1) رجال الطوسي: 481 رقم 25.
(2) رجال النجاشي: 71 رقم 169.
(3) رجال الكشي: 402 رقم 752.
128

الثالث: كلام العلامة في الخلاصة (1)، مع استفادة نوع اتحاد من كلامي
النجاشي والشيخ، والظاهر أنه مستند كافة من تأخر عنه، مثل: الشهيد الثاني،
والمقدس، وصاحب المدارك، والذخيرة، والمعراج والنقد (2)، وفساده يظهر
مما مر.
ومستند القول بالتعدد: الأخذ بظاهر كل من كلامي النجاشي والشيخ، فإنه
لا ريب في ظهورهما في التعدد، وعدم ذكر كل منهما ما ذكره الآخر لا ينافي
وجوده، كما ذكر الفاضل العناية: (من أن غاية الأمر، نسيان ذكر ابن الصيرفي
أصالة في الفهرست لا تبعا، فإنه ذكره في ترجمة غياث بن كلوب، منه، وهذا
منه كثير كما يظهر بالتتبع) (3).
وأما ابن الساباطي، فالظاهر، وأزيد منه، أن النجاشي رحمه الله لم يتعرض له
عمدا وقصدا، لما يظهر من خطبة كتابه، فانظر على أنه يجوز نسيان ذكره فيه،
كيف لا! وقد نسي الحسن بن محبوب الجليل، مع أنه وكتاب مشيخته معلوم،
حاضر، ظاهر عنده، كما يظهر من ترجمة جعفر بن بشير (4) وغيره.
والشيخ الطوسي قدس سره لما عرف أنه ليس من رواة أحد من الأئمة عليهم السلام
ما ذكره في رجال أحد من الأئمة عليهم السلام من كتاب رجاله ونسي ذكره في باب
(من لم يرو عنهم عليهم السلام) منه، وليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام،
وحيث كان وضع كتاب الفهرست لذكر أمثاله ذكره أصالة.

(1) الخلاصة: 1 رقم 200.
(2) نقد الرجال: 40.
(3) مجمع الرجال: 1 رقم 195.
(4) رجال النجاشي: 119 رقم 304.
129

وفيه: أن ما يظهر منه من تعرضه لحال خصوص ابن الصيرفي في ترجمة
غياث، فغير وجيه، فإنه ذكر في الطريق إلى كتابه: (أخبرنا أبو عبد الله عن
محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، ومحمد بن الحسن، عن سعد، عن الحسن
ابن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب بن فيهس البجلي، عن إسحاق بن
عمار) (1).
إلا أن يقال: إن الظاهر أن إسحاق بن عمار الراوي عن غياث، هو
الصيرفي، بشهادة كلام النجاشي (2).
مع أن ما يظهر منه من تعرضه لحال رجال في ترجمة غيرهم ليس في
محله، فإن تعرضه فيه لحال الرجال في تراجمهم قليل، فضلا عن غيرها.
نعم، إنه قد كثر ذلك من النجاشي، كما ذكر عبد الله بن رباط (3) البجلي في
ترجمة أخيه الحسن بن رباط (4) وفي ابنه محمد بن عبد الله (5) وذكر عبد الله

(1) الفهرست: 123 رقم 550.
(2) رجال النجاشي: 71 رقم 169.
(3) رباط: بكسر الراء. إيضاح الاشتباه: 130 رقم 129، 279 رقم 626 والخلاصة:
112 رقم 56 وتوضيح الاشتباه: 95 رقم 387، 207 رقم 968 و 304 رقم 1495.
قال في التنقيح: 1 / 114 رقم 687: حركة الراء على ثلاث وجوه:
ألف: رباط بالضم: كغراب وهو لقب الحسن بن علي بن أبي بكر.
ب: رباط بالكسر: أخذ من الرباط بمعنى ما يشد به القربة والدابة.
ج: رباط كشداد: من يربط الأوتاد.
(4) رجال النجاشي: 46 رقم 94.
(5) رجال النجاشي: 356 رقم 955.
130

أخو حماد بن عثمان في أخيه حماد (1) وذكر عبد الله بن محمد في طريقه إلى
جابر بن يزيد الجعفي (2)، إلى غيرها من المواضع المتكثرة.
مضافا إلى أن ما ذكره من عدم تعرض النجاشي له عمدا، ففيه: أنه لا وجه له
إلا فطحيته، فإن المصرح به في خطبة كتابه أنه موضوع لذكر الإمامية، مع أنه
تعرض فيه لكثير من ذوي المذاهب الفاسدة.
كما تعرض لحسن بن محمد بن سماعة وقال: (إنه من شيوخ الواقفة، وكان
يعاند في الوقف ويتعصب) (3).
وحسين بن أبي سعيد وقال: (كان هو وأبوه، وجهين في الواقفة) (4) وذكر
فيه ذموما ليس هنا موضع ذكرها.
وحسين بن أحمد البوشنجي وقال: (كان عراقيا، مضطرب المذهب) (5).
وخالد بن طهمان (6) وقال: (كان من العامة) (7).
إلى غير ذلك، فضلا عما ذكره جدنا السيد العلامة، من استظهار عدوله عما
جرى عليه في الفهرست، استنادا إلى أنه قال في أصحاب الصادق عليه السلام:

(1) رجال النجاشي: 46 رقم 94.
(2) رجال النجاشي: 129 رقم 332.
(3) رجال النجاشي: 40 رقم 84.
(4) رجال النجاشي: 38 رقم 78.
(5) رجال النجاشي: 168 رقم 165.
(6) طهمان: بضم الطاء المهملة وسكون الهاء. إيضاح الاشتباه: 172 رقم 251 وتوضيح
الاشتباه: 144 رقم 626.
(7) رجال النجاشي: 151 رقم 397.
131

(إسحاق بن عمار الصيرفي الكوفي) (1).
وفي أصحاب الكاظم عليه السلام: (إسحاق بن عمار، ثقة، له كتاب) (2).
ولا إشكال في اتحاد المعنون: الأول، مع ما عنونه النجاشي.
وأما الثاني: فالظاهر الاتحاد، لرواية الصيرفي كثيرا عن مولانا
الكاظم عليه السلام، والتصريح بالصيرفي عند الرواية عن مولانا الكاظم عليه السلام في
بعض الأسانيد (3).
وبأنه له كتاب، وقد ظهر من تصريح النجاشي بأن الكتاب لابن حيان،
وبأنه الثقة (4)، الظاهر في كونه اماميا، وإسحاق بن عمار، على فرض وجوده
فطحي.
فمنه يظهر عدوله، وإلا فإن كان ممن يروي عن أحد من الأئمة عليهم السلام ذكره
في أصحابه، وإلا أورده فيمن لم يرو، وعدمه دليل على عدمه، وقد ثبت تأخر
تصنيف الرجال عن الفهرست، لما ينصرح من مواضع منه.
فمنها: ما في ترجمة إبراهيم بن صالح، قال: (له كتب ذكرناها في
الفهرست) (5).
ونحوه، في إبراهيم بن محمد بن سعيد (6) وابن سليمان النهمي (7) وفي

(1) رجال الطوسي: 149 رقم 135.
(2) رجال الطوسي: 342 رقم 3.
(3) كما في التهذيب: 2 / 49 ح 161، 4 / 86 ح 251 و 8 / 53 ح 175.
(4) رجال النجاشي: 71 رقم 169.
(5) رجال الطوسي: 450 رقم 71.
(6) رجال الطوسي: 451 رقم 73.
(7) رجال الطوسي: 451 رقم 74.
132

ترجمة والد الصدوق: (له تصانيف ذكرناها في الفهرست (1) ومثله في
الغضائري (2) وغيره. (انتهى ملخصا). فتأمل.
ومما ذكرنا بان ضعف القول بالاشتراك رأسا، بل سلم الفاضل عدم
الاشتراك في الحديث، مستدلا بعدم ذكر أحد من مشايخ هذا الفن، أن
ابن الساباطي من أصحاب أحدهم عليهم السلام وإن سلم كونهما في مرتبة وطبقة،
لا يوجب الاشتراك فيه، وأن إسحاق بن عمار المذكور في الروايات المذكورة
في الكشي (3) في هذا المقام لا يحتمل الاشتراك، لما فيها من القرائن، ونحوها
جميع كتب الأخبار.
ويمكن تضعيف الأول: بأنه ذكر ابن شهرآشوب في المعالم: (إسحاق بن
عمار ثقة، من أصحاب الصادق عليه السلام، وكان فطحيا) (4) فتأمل.
والثاني: بأنه بعد فرض ثبوته ووثاقته، وكونه صاحب أصل معتمد عليه من
أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، مجرد دعوى بلا برهان.
فالأظهر القول بالاتحاد، وكون المتحد ابن الصيرفي الأمامي الثقة، لأنه
قد تكثر ذكر إسحاق بن عمار في الأسانيد على سبيل الإطلاق، ووقع في
بعضها مقيدا بالصيرفي، كما فيما رواه الكليني: (عن سهل، عن علي، عن
الحسن، عن إسحاق بن عمار الصيرفي) (5).
والشيخ في التهذيب: (عن محمد، عن الحسن، عن غياث عن إسحاق بن

(1) رجال الطوسي: 482 رقم 34.
(2) رجال الطوسي: 471 رقم 52.
(3) رجال الكشي: 325 رقم 589.
(4) معالم العلماء: 26 رقم 133.
(5) الكافي: 5 / 318 ح 56.
133

عمار الصيرفي) (1) والصدوق في الخصال: حدثنا محمد بن الحسن، عن
الصفار، عن غياث، عن إسحاق بن عمار الصيرفي ونحوها غيرها.
فالظاهر أن المراد من المطلق، هو المقيد المذكور، مع أن عمار الساباطي
قد وقع ذكره في الأسانيد على أنحاء أربعة: مطلقا، ومقيدا، والتقييد تارة:
بالساباطي، وأخرى: بابن موسى، وثالثة: بالجمع بينهما، فمن المظنون، بل
المقطوع أنه لو كان إسحاق بن الساباطي أيضا لوجد في الأسانيد مقيدا
بإحداها، بل وقع مطلقا أو مقيدا بالصيرفي على أن كلا من إسحاق الصيرفي،
وعمار الساباطي، كثير الرواية ومن المشاهير، فلو كان إسحاق ابنا للساباطي
أيضا، لوقع روايته عنه ولو نادرا، لمساعدة الطبقة وقضاء العادة، مع أن من
المعلوم خلافه (2).

(1) التهذيب: 8 / 53 ح 94.
(2) ومما يشهد على حسن حاله مضافا إلى التوثيق، ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال:
(عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني قد وطنت نفسي على لزوم الحج في
كل عام، بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي؟ فقال: وقد عزمت على ذلك؟ قلت: نعم.
قال: فإن فعلت ذلك فأيقن بكثرة المال، وأبشر بكثرة المال).
وما رواه في كامل الزيارات في باب زيارة الملائكة الحسين بن علي - صلوت الله تعالى
عليهما - بطرقه المستفيضة عن إسحاق بن عمار: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك يا بن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! كنت في الخير ليلة عرفة فرأيت نحوا من ثلاثة ألف أو أربعة ألف رجل،
جميلة وجوههم طيبة ريحهم، شديد بياض ثيابهم، يصلون الليل أجمع، ولقد كنت أريد القبر
واقبله، فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق، فلما طلع الفجر، سجدت فرفعت رأسي فلم أر منهم
أحدا.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أخبرني أبي عن أبيه، قال: مر بالحسين عليه السلام: أربعة ألف ملك وهو
يقتل فعرجوا إلى السماء، فأوحى الله تعالى إليهم أنزلوا إلى قبره فأسكنوا عند قبره
شعثا غبرا إلى يوم تقوم الساعة. (انتهى). فإن رؤية الملائكة لا تتفق إلا للأوحدي من
الصلحاء. (منه رحمه الله). راجع: كامل الزيارات: 115.
134

تذييلان
[في أولاد إسحاق]
أحدهما: أنه خلف إسحاق المذكور ولدين، أحدهما: محمد، والآخر:
يعقوب، وكان الأول، ثقة، جليلا، اماميا، كما يظهر من تصريح النجاشي
وغيره (1).
وربما حكى العلامة عن شيخنا الصدوق وقفه، وتوقف فيه نفسه (2).
ولعل مستنده ما رواه في العيون في أبواب دلائل الرضا - عليه آلاف التحية
والثناء -: (بإسناده عن أبي مسروق، قال: دخل على الرضا عليه السلام جماعة من
الواقفة، فيهم محمد بن إسحاق بن عمار) (3).
وفيه: مع ضعف السند بجهالة جرير ومحمد بن أبي عبد الله وعدم ثبوت
توثيق مسروق معارض بالشواهد الدالة على خلافه.
منها: ما ذكره شيخنا المفيد من عدة ممن يروي النص على إمامة مولانا
الرضا عليه السلام والإشارة إليه من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من

(1) رجال النجاشي: 361 رقم 968، الفهرست: 149 رقم 631 و 153 رقم 667،
والخلاصة: 158 رقم 123.
(2) الخلاصة: 200 رقم 1.
(3) عيون أخبار الرضا: 2 / 213 ح 19.
135

شيعته (1).
ومنها: ما تقدم من توثيق النجاشي له وعدم ذكر وقفه (2)، وكل منهما ظاهر
في العدم، كما هو ظاهر الشيخ في الفهرست أيضا (3).
ومنها: رواية عن مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - في موارد
متعددة، كما روى الكليني في باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا
عليه آلاف التحية والثناء: (بإسناده عن محمد، قال: قلت لأبي الحسن
الأول عليه السلام: (ألا تدلني إلى من آخذ ديني؟ فقال: هذا ابني) (4).
ومثله ما رواه شيخنا الصدوق عنه، في باب النوادر من نكاح الفقيه (5)
والشيخ في باب من أحل الله تعالى نكاحه من نكاح التهذيب (6).
ومما ذكر، يظهر ضعف ما يظهر من النجاشي: من اختصاص روايته عن
مولانا أبي الحسن موسى عليه السلام، مضافا إلى ما يقال: من أنه روى في التهذيب
في كتاب المكاسب: (عن إسحاق بن عمار، قال: دخلت على الصادق عليه السلام
(فخبرته أنه ولد لي غلام.
فقال: ألا سميته محمدا؟
قال: قد فعلت.
قال: فلا تضربه، ولا تشتمه، جعله الله قرة عين لك في حياتك، وخلف

(1) الإرشاد: 304.
(2) رجال النجاشي: 71 رقم 169.
(3) الفهرست: 15 رقم 52.
(4) الكافي: 1 / 312 ح 4.
(5) الفقيه: 3 / 431 ح 4492.
(6) التهذيب: 7 / 243 ح 12.
136

صدق بعدك) (1).
وأي فضل في خلف فاسد المذهب، يعادي ولي الله، كما ذكره السيد السند
النجفي (2).
ومعلوم أن الواقفي الفاسد العقيدة، المشارك مع الكفار في الخلود واللعنة،
لا يكون خلف صدق، كما ذكره جدنا السيد العلامة.
واستدل به العلامة البهبهاني أيضا وفيه تأمل، فتأمل.
مضافا إلى رواية الكشي، الواقعة المذكورة مع عدم عده فيهم (3).
وأما ما ربما يوهم ذلك مما قد يلوح من بعض الأخبار، نوع اختصاص له
بابن أبي حمزة الواقفي، كما ذكره بعض الأجلة (4)، فمما لا يخفى ما فيه.
وأما يعقوب: فهو في الرجال غير مذكور، وله ابن يسمى بمحمد مثله،
وسبط يسمى بعلي ذكره الشيخ في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام، وذكر: (أنه
روى عنه التلعكبري، وسمع منه، وله منه إجازة) (5).

(1) التهذيب: 6 / 361 ح 158.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 1 / 322.
(3) رجال الكشي: 402 رقم 752.
(4) المراد منه السيد بحر العلوم، حيث قال: (وقد يلوح من بعض الأخبار نوع
اختصاص له بابن أبي حمزة الواقفي المذكور، وكأن ذلك هو الذي أدخل الوهم والاتهام
بالوقف، فظن فيه ذلك وهو برئ منه. رجال السيد بحر العلوم: 1 / 322.
(5) رجال الطوسي: 481 رقم 25.
137

[في إخوة إسحاق]
ثانيهما: أنه كان لإسحاق المذكور إخوة أربعة، وهم: إسماعيل، وقيس،
ويوسف، ويونس.
كما أن لوالده إخوة ثلاثة، وهم: جعفر، وعلي، وهذيل.
ولإسماعيل ابنان، وهما: بشير، وعلي
وربما ذكر في المعالم في ترجمة إسماعيل: (أنه من أصحاب الصادق عليه السلام،
وكان فطحيا إلا أنه ثقة، له أصل) (1).
والظاهر أنه اشتباه منه، فإن الظاهر أنه مما ثبت من فطحية طائفة عمار،
كما قال العلامة البهبهاني، المقرر بقاء عمار وطائفته على الفطحية (2)، ومن
حسبان أنه من ولده.
ويضعف، بأنه من ولد عمار بن حيان، فلا دليل على فطحيته، كما أنه
لم يذكره أحد غيره.
ولقد أجاد السيد السند النجفي، حيث قطع بفساد الوهم المذكور (3).
ومما ذكر يظهر ما في كلام العلامة المشار إليه من تأييد التغاير بين
الإسحاقين، باستظهار تغاير ولد الصيرفي عن ولد الساباطي، بعدم نسبة أحد
من علماء الرجال إلى يونس، ويوسف، وقيس، وإسماعيل، بالفطحية بل

(1) معالم العلماء: 10، رقم 52.
(2) منهج المقال: 52 تعليقة الوحيد عليه وفي النسخة المخطوطة: 81.
(3) قال السيد بحر العلوم في رده: (وما قاله في إسماعيل فهو قد انفرد به، ولم يشاركه
أحد من علماء الرجال، فإنهم بأسرهم ذكروا إسماعيل بن عمار ولم يقل أحد منهم إنه كان
فطحيا ولا أن له أصلا ولا ريب في كون ذلك وهما. رجال السيد بحر العلوم: 1 / 302.
138

الظاهر العدم.
ثالثها: (1) أنه روى في الكافي في الصحيح: عن إسحاق بن عمار، أنه لما
سئل مولانا الصادق عليه السلام شيئا لخوفه عن العقارب، فأجابه:
(انظر إلى بنات نعش الكواكب الثلاثة، الوسطى منها بجنبه كوكب صغير
قريب منه، يسميه العرب السها، ونحن نسميه أسلم، أحد (2) النظر إليه كل
ليلة، وقل ثلاث مرات: اللهم رب أسلم، صل على محمد وآل محمد وعجل
فرجهم وسلمنا. قال إسحاق: فما تركته من دهري إلا مرة واحدة فضربتني
العقرب) (3).
أقول: وهذه خاصية عجيبة، وقد ذكرها رئيس الفلاسفة ابن سينا فيما نظمه
في مجرباته قال:
ومن رأى عشية نجم السها * لم تدن منه عقرب يمسها
ونظيره، ما ذكر فيه من أن رؤية الشولة (4) يوجب الوداد، وكف
الخضيب (5) العناد. قال:
في شولة العقرب (6) نجم توأم * برأي عين من يراه يعلم

(1) هذا توسع عن المؤلف في التذييلات فإنه قال في أول الفصل: تذييلان فجعل هذا
ثالثها.
(2) أحددت إليه النظر بالألف، نظرت إليه متأملا. مصباح المنير: 125.
(3) الكافي: 2 / 570 ح 6.
(4) الشولة: كوكبان نيران، متقاربان، ينزلهما القمر يقال لهما حمة خف العقرب. الصحاح
5 / 1742.
(5) كف الخضيب: نجم. الصحاح: 1 / 121.
(6) شولة العقرب: ما تشول (أي ترفع) من ذنبها. الصحاح.
139

إذا رآه امرئان اصطحبا * واتفقا ودا وذا تحاببا
إلى أن قال:
كف الخضيب فرقة إلى الأبد * لكائن من كان في كل أحد
إذا رآه اثنان أو جماعة * افترقوا إلى قيام الساعة
وفيه عجايب أخر، ثم إن ما ذكره عليه السلام من أنا نسميه أسلم، قد وقع نظائره
أيضا في جملة من الموارد، كما ورد في الحمص، ففي رواية:
(هو الذي يسمونه عندكم الحمص، ونحن نسميه العدس) (1).
وفي أخرى: (إن العدس تسمونه الحمص، ونحن نسميه العدس) (2).
وعلى هذا، فالظاهر أن المراد بالحمص، في مقدار أخذ التربة، أو أكلها هو
العدس.
ولقد أجاد العلامة المجلسي رحمه الله من الاحتياط في الاكتفاء في الاستشفاء
بمقدار العدس، وتبعه الوالد المحقق في الرسالة، وما صنعه جدنا العلامة في
المنهاج، من تزييفه بأنه لا وجه له، لا وجه له.
وأيضا قد ورد في بعض الأخبار: من تسمية أقسام من التمر، بأسام
عندهم عليهم السلام، كما في الخبر المروي في الكافي في باب التمر.
هذا، ولكن ربما يظهر من الطريحي: أن أسلم اسم معروف للسها، ولكن
ينافيه عدم ذكر هذا اللفظ من القاموس، والنهاية، والمصباح فضلا عن هذا
المعنى له.

(1) الكافي: 6 / 342 ح 2.
(2) البحار: 12 / 250 ح 16.
140

المقصد الثالث
في
عمر بن حنظلة
141

المقصد الثالث
في
عمر بن حنظلة
لم يتعرض له قدماء الأصحاب في كتبهم عدا الشيخ في الرجال، في باب
أصحاب مولانا الباقر والصادق عليهما السلام.
فقال في الأول: عمر يكنى أبا صخر وعلي ابنا حنظلة، كوفيان، عجليان (1).
وفي الثاني: عمر بن حنظلة العجلي (2)، البكري، الكوفي (3) وقد نقل عنه
عنهما الفاضل الأستر آبادي في التلخيص (4) والسيد الناقد في النقد (5).
فما ذكره جدنا السيد العلامة في بعض تحقيقاته من عدم وجدانه في

(1) رجال الطوسي: 131 رقم 64.
(2) عجل: قبيلة من ربيعة، وهو عجل بن لجيم بن صعب، والعجلية من منتسب إلى
عجل، ذكره في المجمع (منه رحمه الله).
(3) رجال الطوسي: 251 رقم 451.
(4) تلخيص المقال في علم الرجال المشهور بالرجال الوسيط: 177. (المخطوط).
(5) نقد الرجال: 253، رقم 26.
143

نسختين عنده إلا في الثاني، مبني إما على غلط النسخة، أو الاشتباه.
ونحوه اقتصار ابن داود على النقل عن الصادق عليه السلام خاصة (1) وسبق
البرقي الشيخ، فعنونه في رجاله في أصحاب مولانا أبي عبد الله جعفر بن
محمد عليهما السلام قال:
(عمر وعلي ابنا حنظلة، العجليان، عربيان، كوفيان، وكنية عمر أبو
صخر) (2). (انتهى).
ويكنى به غيره أيضا كما في الكافي: (3) (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن
أبي عبد الله، عن أبي صخر، أحمد بن عبد الرحيم) (4).

(1) رجال ابن داود: 145 رقم 1118.
(2) رجال البرقي: 17.
(3) رواه في آخر باب الاعتكاف (منه رحمه الله).
(4) رواه في آخر باب الاعتكاف (منه رحمه الله).
144

[أقوال العلماء في وثاقة وضعف عمر بن حنظلة وضعفه]
وبالجملة: يظهر من متأخري الأصحاب، الاختلاف في حاله، فمقتضى
كلام الشهيد في الدراية: القول بالتوثيق، وتبعه السيد السند الجزايري في
غاية المرام نقلا، وربما يظهر من صاحب المنتقى القول بضعفه وهو مقتضى
كلام السيد الداماد في حاشية الاستبصار.
وأول من جرى على ذكر كلام فيه شيخنا الشهيد، فإنه ذكر في الدراية:
(وعمر بن حنظلة، لم ينص الأصحاب عليه بجرح ولا تعديل، لكن أمره عندي
سهل، لأني حققت توثيقه من محل آخر، وإن كان قد أهملوه) (1).
وقريب منه ما ذكره في حاشية الروضة في كتاب الوكالة: (وأما عمر بن
حنظلة، فالأصحاب وإن لم ينصوا عليه بجرح ولا تعديل، لكن عندي ثقة،
لمدح رأيته في حقه من الصادق عليه السلام).
واعترض عليه نجله في المنتقى بأن من عجيب ما اتفق له - يعني: والده
الشهيد - أنه قال في شرح بداية الدراية: (إن عمر بن حنظلة لم ينص
الأصحاب بجرح ولا تعديل، ولكنه حقق توثيقه من محل آخر، ووجدت

(1) الدراية: 131.
145

بخطه في بعض فوائده ما صورته: عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا تعديل،
ولكن الأقوى عندي أنه ثقة، لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت: (إذن
لا يكذب علينا).
والحال أن الحديث الذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلقه به في هذا
الحكم، مع ما علم من انفراده به غريب. ولولا الوقوف على هذا الكلام،
لم يختلج في الخاطر أن الاعتماد في ذلك على هذه الحجة.
وقد سلك مسلكه المحقق الشيخ محمد في الاستقصاء في مواضع منه.
منها: ما ذكره في باب نوافل الصلاة في السفر بالنهار: (وأما عمر بن حنظلة،
فلم يعلم من حاله ما يفيد توثيقا ولا مدحا يعتد به، وما قاله جدي قدس سره: من أن
الأصحاب لم ينصوا عليه بتوثيق ولا مدح، وأنه عرف توثيقه هو أعلم
بمأخذه، وقد رأينا في أوائل الخلاصة، أن وجهه قوله في حديث المواقيت،
وهو ضعيف، وعلى تقدير الصحة فالتوثيق أمر آخر.
قال: ووجدت له كلاما حاصله: أن التوثيق من الخبر، ثم ضرب على ذلك
وجعل عوضه لفظ من محل آخر، والظاهر أنه ليس مأخذه، وذلك غير بعيد،
لأنه لا يختلج في بال آحاد الناس، فكيف مثله، وصرح بإهماله في باب حكم
الوذي والمذي منه) (1).
أقول: الظاهر انحصار المأخذ في الخبر، لما صرح به في الحاشية والفوائد،
وعدم وجدان غيره بعد الفحص، ولا ينافيه ما ذكر، فنفي البعد عن كون غيره
لا يخلو عن بعد.
وأما الخبر، فهو ما رواه الكليني في باب وقت المغرب والعشاء الآخرة:

(1) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، هو مخطوط لم يطبع إلى الان.
146

عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، قال: فقال أبو
عبد الله عليه السلام:
(إذا لا يكذب علينا. قلت: قال وقت المغرب إذا غاب القرص، إلا أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جد به السير، أخر المغرب ويحيل بينها وبين
العشاء. فقال: صدق) (1).
ورواه فيه أيضا في باب وقت صلاة الظهر والعصر أيضا (2).
والكلام فيه تارة: من جهة السند، وأخرى: من جهة الدلالة.
أما الأولى: فلا إشكال فيه باعتبار الأوليين.
وأما الأخير: فالظاهر من طريقة الأصحاب، أن الحديث من جهته من
القوي، وهو ما اشتمل على غير الأمامي الممدوح.
أما الأول: لما صرح به الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام بقوله: (يزيد بن
خليفة واقفي) (3).
ولكنه مبني على اتحاده كما ينصرح من الخلاصة (4) والنقد (5) والتعليقات
والمنهج (6) وهو الظاهر من جدنا السيد العلامة، وهو لا يخلو عن إشكال، فإنه
عنون أيضا في أصحاب الصادق عليه السلام، بقوله: (يزيد بن خليفة الحارثي

(1) الكافي: 3 / 279 ح 6.
(2) الكافي: 3 / 275 ح 1.
(3) رجال الطوسي: 364 رقم 15.
(4) الخلاصة: 265 رقم 1.
(5) نقد الرجال: 377.
(6) منهج المقال: 375. وراجع أيضا: معجم رجال الحديث: 20 / 111.
147

الحلواني، عربي وليس من بني الحارث، ولكنه من بني يامن، إخوة الحارث
وعدادهم فيهم) (1).
والظاهر مغايرته مع المعنون في أصحاب الكاظم عليه السلام (2).
واتحاده مع ما عنونه النجاشي بقوله: (يزيد بن خليفة الحارثي، روى عن
أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب، يرويه جماعة) (3)، للموافقة الظاهرة، والظاهر منه
عدم واقفيته، فيقوي العدم بعد ظهور الاتحاد والمغايرة.
فقد أجاد بعض المتأخرين في استظهاره ما استظهرناه، بل قال: (لا وجه
للحكم بالاتحاد سوى توافق تسمية الأب).
والعجب من ابن داود فيما جرى على عنوان المعنون في أصحاب
الصادق عليه السلام في كل من الجزئين (4)، والظاهر أن الراوي هو المعنون في كلام
النجاشي، وما يوافقه فيتجه حينئذ إماميته، فيكون الحديث من جهته من
الحسان.
وأما الثاني: فلما رواه الكشي، قال: (حدثني حمدويه، قال حدثني محمد
ابن عيسى، ومحمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن
أحمد، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن النضر بن سويد، رفعه قال: دخل على أبي
عبد الله عليه السلام رجل يقال له يزيد بن خليفة، فقال: من أنت؟
فقال: من بلحارث بن كعب، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام:

(1) رجال الطوسي: 338 رقم 75.
(2) رجال الطوسي: 364 رقم 15.
(3) رجال النجاشي: 452 رقم 1224.
(4) رجال ابن داود: 205 رقم 1726 و 284 رقم 554.
148

(ليس أهل بيت إلا وفيهم نجيب أو نجيبان، وأنت نجيب بلحارث بن
كعب) (1).
والسند ذو طريقين إلى النضر، أحدهما: حمدويه، عن محمد بن عيسى.
والآخر: محمد بن مسعود، عن علي بن محمد، عن محمد بن أحمد.
والأول وإن كان صحيحا، إلا أنه مرفوع، ولكن لما كان الرافع محمد بن
عيسى، وهو من الأجلاء، يكفي في دفع المحذور.
مضافا إلى ما يظهر من النجاشي من اعتماد الثقات عليه، فإنه ذكر في
طريقه إلى كتابه: (أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا أبي الحسن بن داود،
قال: حدثنا ابن عقدة، قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثنا عبيد الله بن
أحمد، عن علي بن الحسن، عن محمد بن أبي حمزة، عن يزيد، بكتابه) (2).
فإن الراوي عنه من الثقات الفضلاء، لو قلنا باتحاد الثمالي مع التيملي، كما
هو ظاهر جماعة، بل لو قلنا بالتغاير، ونفينا كونه من الرواة، كما ينصرح ممن
قال من أن التيملي المجهول، لا أصل له ولا كتاب، فيتعين فيه أيضا، فضلا عن
رواية يونس بن عبد الرحمان عنه، كما هو الحال في الخبر المبحوث عنه (3)
وهو من أصحاب الاجماع بناء على دلالة العبارة على تصحيح الحديث
باعتبار وثاقة الراوي خاصة، بل لو قلنا باحتمال الاعتبار المذكور، واعتبار
حصول مطلق الظن بأخبار الرواة ولو بواسطة الاحتفاف بالقرائن، نظرا إلى
اعتبار الوثاقة من باب الظن بصدق الرواية، فإذا فرض الظن بصدق فلا حاجة

(1) رجال الكشي: 334 رقم 611.
(2) رجال النجاشي: 452 رقم 1224.
(3) الكافي: 3 / 275 ح 1.
149

إلى الوثاقة، فلا أقل من ظهور رواية يونس في الصدق باعتبار الاحتفاف.
وأما الثانية: (1) فالظاهر الدلالة على الوثاقة، نظرا إلى أنه رتب نفي كذب
الرواية، لكونه الراوي لها، ومن الظاهر أن الظاهر منه الوثاقة.
ولقد أجاد السيد السند الجزائري في موافقته نقلا للشهيد في الدلالة على
التوثيق، بل قال: هذا الحديث يستفاد منه توثيق ابن حنظلة من غير شك
ولا ريب.
ومن العجيب ما حكي عن بعض، من الدلالة على القدح، لان المعنى أنه
لا يكذب في خصوص هذا الخبر، لأنه من المشهورات لا يقبل الكذب فيه من
أحد، ومفهومه جواز الكذب في غيره وهو كما ترى.
وقريب منه ما استظهره الوالد المحقق رحمه الله من أن (إذا) وقتية ظرفية للحال،
وأصلها (إذن) وقد رسمت بالألف، كما حكي في المعنى أن الجمهور يكتبون
(اذن) بالألف، وكذا رسمت في المصاحف.
والغرض نفي الكذب في زمان النفي، فمقتضاه صدور الكذب في سوابق
الأزمان.
قال: واحتمال كون (إذا) تعليلية من شيخنا السيد في غاية العلة، لعدم سبق
معلول في المقام، مع أنه لم يذكر في (إذن) ولا (إذا) كونها تعليلية.
وفيه: أنه لا يبعد أن يكون العلة نفس مجئ (عمر) بالرواية، فإن المفهوم
منه أنه لما كان هو الراوي، فلا يحتمل فيه الكذب، بخلاف ما لو كان غيره.

(1) عطف على قوله: والكلام فيه تارة: من جهة السند، وأخرى: من جهة الدلالة. أما
الأولى: فلا إشكال فيه....
150

هذا، ويستفاد مدحه من جملة من الأخبار أيضا، كما روى في الكافي
والتهذيبين: بالأسناد عن عمر بن حنظلة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(القنوت يوم الجمعة؟).
فقال: (أنت رسولي إليهم في هذا، إذا صليتم جماعة وفي الركعة الأولى،
وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية) (1).
وما رواه في البصائر: بالأسناد عن عمر بن حنظلة، قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: (إني أظن أن لي عندك منزلة؟)
فقال: (أجل).
قلت: (فإن كان لي حاجة؟)
قال: (وما هي؟)
قلت: (فعلمني الاسم الأعظم).
قال: (وتطيقه؟).
قلت: (نعم).
قال: (فادخل البيت).
قال: (فدخلت البيت، فوضع أبو جعفر عليه السلام يده على الأرض فأظلم البيت
فأرعدت فرائص عمر).
فقال: (ما تقول؟ أعلمك؟).
قال: (فقلت لا) فرفع يده فرجع البيت كما كان (2).
وما رواه في آخر روضة الكافي: عن عمر بن حنظلة عن مولانا أبي

(1) الكافي: 3 / 427 ح 3 والتهذيب: 3 / 16 ح 57.
(2) بصائر الدرجات: 210.
151

عبد الله عليه السلام قال: (يا عمر، لا تحملوا على شيعتنا، وارفقوا بهم، فإن الناس
لا يحملون ما تتحملون) (1).
ولكنها من باب الشهادة على النفس، إلا أنها لا يخلو عن التأييد، بل بعد
ثبوت الوثاقة بما مضى، يثبت بها المدعى.
ثم إنه كان له أخوان أحدهما: علي، كما تقدم في كلام الشيخ في أصحاب
الباقر عليه السلام (2) وقال في الصادق عليه السلام: (علي بن حنظلة العجلي الكوفي) (3)
وربما حكى عنه في الوسيط بزيادة (أخو عمرو) (4)، وهو غير موجود في
النسخة الموجودة والعبارة المحكية في النقد (5) وهو كما ترى مجهول الحال.
وربما ينصرح من الفاضل الخاجوئي القدح فيه وفي رواياته، نظرا إلى
ما روى عن علي بن حنظلة، عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن
الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟
فقال: (إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر فهو سواء).
قلت: (فأي ذلك أفضل؟)
فقال: (هما والله سواء، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت).
قال: ولا يخفى أن سؤاله عن أفضلية أحدهما على الآخر بعد حكمه عليه السلام بأنهما متساويان مما لا محل له بل هو مما يدل على سوء فهمه أو عدم

(1) الكافي: 8 / 334 ح 522.
(2) رجال الطوسي: 131 رقم 64.
(3) رجال الطوسي: 241 رقم 296.
(4) الرجال الوسيط المخطوط: 164. فيه: (على بن حنظلة العجلي الكوفي (قر، ق) يكنى
أبا صخر، أخو عمرو).
(5) نقد الرجال: 234 رقم 93.
152

إذعانه بما قال الأمام عليه السلام ولذلك أكده بالقسم، ومن هذا شأنه، فالاعتماد على
روايته مشكل. فهذه الرواية مما تقدح فيه.
وأنت خبير بما فيه بعد التأمل مع أنه روى في البصائر: (بإسناده عن
عبد الأعلى بن أعين، قال: دخلت أنا وعلي بن حنظلة على أبي عبد الله عليه السلام
فسأله علي بن حنظلة عن مسألة فأجابه فيها.
فقال علي: فإن كان كذا؟ فأجابه بوجه آخر.
فقال له: وان كان كذا؟ حتى أجابه فيها بأربعة وجوه، فالتفت إلى علي بن
حنظلة وقال: يا أبا محمد! قد أحكمناها) (1).
ورواها السيد السند النجفي عن الاختصاص (2) والمولى التقي المجلسي
عنهما (3) والمحاسن (4) مستدلا عليه بحسن حاله.
قال: وهذا الخبر يدل على مدحه، ويستنبط منه حسن حاله، وجهالته
بعبد الأعلى لا يضر، لأن الراوي عنه ابن مسكان، وهو ممن أجمعت على
تصحيح خبره العصابة، مع أن تكرره في الأصول المعتبرة يؤذن باعتباره، وهو
مبني على مغايرة ابن أعين، مع مولى آل سام، والظاهر الاتحاد، لما في
الكافي في فضل نكاح الأبكار:
(بإسناده عن علي بن رئاب، عن عبد الأعلى بن أعين مولى آل سام) (5).
فتأمل.

(1) بصائر الدرجات: 328.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 157 والاختصاص: 287.
(3) روضة المتقين: 14 / 211.
(4) المحاسن: 2 / 299.
(5) الكافي: 5 / 334 ح 1.
153

هذا، وربما روى ذيل الرواية بوجه آخر مع زيادة وهو: (فالتفت إلي فقال:
قد أحكمناه).
فسمعه الصادق عليه السلام، فقال: (لا تقل هكذا! فإنك رجل ورع، من الأشياء
أشياء ضيعته) (1).
ثم إن من العجيب، ما عن الفاضل التستري في بعض تعليقات التهذيب
عند ذكر خبر من علي بن حنظلة، كأنه عمر بن حنظلة، على ما ينبه عليه
الأخبار الواردة في طلاق المخالف، وان ذكرهما الشيخ في الرجال مختلفين.
ولقد أجاد العلامة البهبهاني رحمه الله في رده في التعليقات فليراجع (2).
وثانيهما: محمد، كما ينصرح من رجال الشيخ، فإنه عنون في أصحاب
الباقر عليه السلام تارة: محمد بن الحنظلة القيسي الكوفي (3).
وأخرى: محمد بن حنظلة العبدي أبو سلمة الكوفي، والظاهر أن أحدهما
ابن حنظلة المعروف، كما ربما يرشد إليه ما رواه في الإكمال، في باب ذكر
التوقيعات بإسناده: (عن سعد عن الشمشاطي قال: كنت مقيما ببغداد وتهيأت
قافلة اليمانيين للخروج فكتبت أستأذن في الخروج معها فخرج:
(لا تخرج معها فمالك في الخروج خيرة وأقم بالكوفة).
وخرجت القافلة وخرجت عليها بنو حنظلة فاحتاجوها.
قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء.
فخرج: (لا تفعل) فما خرجت سفينة في تلك السنة إلا خرجت عليها

(1) بصائر الدرجات: 328.
(2) تعليقة الوحيد: 249.
(3) رجال الطوسي: 284 رقم 65.
154

البوارح فقطعوا عليها) (1).
والعجب من اقتصار الوسيط (2) والنقد (3) على ذكر أحدهما، فالأول:
الثاني. والثاني: الأول.
[الكلام في مقبولة عمر بن حنظلة]
ثم إنه روى الخبر المعروف في وجوب الترجيح وغيره المروي في كتب
المشايخ الثلاثة المعروف بالمقبولة، وعرفها في الدراية بما تلقوه بالقبول،
وعملوا بمضمونه من غير التفات إلى صحته وعدمه.
قال: (كحديث عمر بن حنظلة في المتخاصمين، قال الشارح: وإنما سموه
بالمقبول لأن في طريقه محمد بن عيسى وداود بن الحصين، وهما ضعيفان،
وعمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل) (4).
أقول: ويرد على الماتن: أن من الظاهر أنه لا مجال للعمل بالرواية من دون
التفات إلى صحتها وعدمها، فلابد من الالتفات وإحراز الصحة، ولا سيما في
هذه الرواية المشتملة على أحكام مهمة.
وحينئذ، فإن التفت وأحرز اشتمالها على جهات الصحة ولو من القرائن

(1) إكمال الدين: 2 / 491 ح 14.
(2) الوسيط: 214. (المخطوط).
(3) نقد الرجال: 253 رقم 26.
(4) الرعاية في علم الدراية: 130.
155

المفيدة للظن بالصدور، فما الفرق بينها وبين الصحيح عند القدماء؟
وإن التفت وأحرز اشتمال السند على جهة الضعف، ولكن عمل بها بواسطة
القرائن الخارجة المفيدة للظن، فما الفرق بينها وبين الضعيف المنجبر، إلا أن
يقال: إن المقصود وجه ثالث وهو: الالتفات وإحراز الصحة ناظرا إلى الجهات
الراجعة إلى المتن، من حيث روايتها في الكتب المعتبرة واشتهار العمل بها بين
الطائفة وعدم الالتفات إلى الجهات الراجعة إلى خصوص السند من جهة
ضعف الراوي ووثاقته.
وحينئذ، يفترق مع الصحيح عند القدماء، بأن من الظاهر أن المصطلح في
الصحيح عندهم هو: مطلق ما ظن بصدوره ولو بواسطة لحاظ الجهات الراجعة
إلى السند، كما يفترق مع الضعيف المنجبر بأن المدار على لحاظ جهة الضعف،
ثم العلاج بالاشتهار وتقويته بالانجبار.
وهذا بخلاف ما هو المعمول في المقبولة، فإن المدار فيها على عدم
اللحاظ، ولعله غاية التصحيح في المقام من هذا الكلام.
ولكنه لا يخلو من تكلف وتجشم، كما يشهد عليه تعليل المرام، فإن
مقتضى صريحه لحاظ الضعف، فتأمل.
مع أن دعوى الافتراق به في غاية البعد، مضافا إلى أنه بناء عليه فالحد
لا يخلو عن القصور في الإفادة أيضا.
ويرد على الشارح: أن دعوى ضعف المذكورين ضعيفة.
أما الأول: (1) فلأنه يمكن أن يستدل لضعفه بوجوه، أقواها: ما ذكره الشيخ
في كتابيه من التصريح بضعفه كما في الفهرست (محمد بن عيسى ضعيف،

(1) أي: محمد بن عيسى.
156

استثناه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله من رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما
يختص بروايته) (1).
ويضعف بأن الظاهر أن تضعيفه بواسطة متابعة شيخنا الصدوق رحمه الله كما أن
تضعيفه بواسطة متابعة شيخه ابن الوليد وتضعيفه، على ما نقله العلامة البهبهاني
في التعليقات عن أول المجلسيين: (بواسطة أنه كان يعتبر في الإجازة أن يقرأ
على الشيخ المجيز، أو يقرأ الشيخ، ويكون السامع فاهما لما يرويه.
وكان ابن عيسى صغير السن لا يعتمدون على فهمه عند القراءة) (2).
وهو كما ترى، مع أن ما نسب إلى الصدوق من قوله: لا أروي ما يختص
بروايته، مختل الحال، فإنه ذكر العياشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى:
(وكان محمد بن الحسن بن الوليد، يستثني من رواية محمد بن أحمد بن
يحيى، ما رواه عن السمراني - إلى أن قال: - قال أبو العباس بن نوح: وقد
أصاب شيخنا أبو جعفر في ذلك كله، وتبعه ابن بابويه، إلا في محمد بن عيسى،
فلا أدري ما رأيه في ذلك، لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة، فإن الظاهر أن
قوله: (لا أدري ما رأيه) من مقالة أبي العباس.
والفرض عدم الإصابة في الاستثناء لما ذكر من التعليل، وهو كما ترى يدل
على خلاف المطلوب. فالأقوى القول بالوثاقة، لتصريح النجاشي (3)
والخلاصة (4) والمجلسيين (5) بوثاقته وجلالة قدره.

(1) الفهرست: 140 رقم 601.
(2) منهج المقال: 313، تعليقة الوحيد عليه.
(3) رجال النجاشي: 333 / 896.
(4) الخلاصة: 141 رقم 22.
(5) روضة المتقين: 14 / 249 والوجيزة: 56.
157

وقال في التعليقات تارة: لا تأمل في رجحان التعديل. وأخرى: أنه يظهر
عدم غلوه وفضله وعلوه (1).
وقال جدنا السيد العلامة: (والمتحصل مما ذكر: أن المعدل لمحمد بن
عيسى هو: الفضل بن شاذان (2) والكشي (3) والنجاشي وأستاذه أحمد بن نوح
والعلامة (4) وابن داود (5) والسيد الداماد (6) والمجلسيان (7) وجملة من
مشايخنا - طاب الله تعالى ثراهم - وقلما يتفق اجتماع مثل هؤلاء الموثقين في
توثيق شخص، فلا ينبغي التأمل في وثاقته وصحة حديثه). (انتهى).
وظهر مما ذكرنا ضعف ما جرى في المدارك (8) من إكثار تضعيف رواياته،
استنادا إلى ما سبق.
وأما الثاني: (9) فالظاهر وثاقته ووقفه.
أما الأول: فلما صرح به النجاشي من أنه كوفي، ثقة (10) وهو المصرح به

(1) تعليقة الوحيد: 313.
(2) رجال النجاشي: 333 رقم 896، الخلاصة: 141 رقم 22.
(3) رجال الكشي: 507 رقم 980.
(4) الخلاصة: 141 / 22.
(5) رجال ابن داود: 275 رقم 474. أقول: لم يوثقه ابن داود، بل ذكره في القسم الثاني
المعد للضعفاء والمجروحين، تدل على تضعيفه.
(6) الرواشح: 165.
(7) روضة المتقين: 14 / 249 والوجيزة: 56.
(8) مدارك الأحكام: 1 / 111، 2 / 169، 3 / 350 و 420 و 4 / 280.
(9) أي: داود بن الحصين.
(10) رجال النجاشي: 159 رقم 421.
158

في كلام غير واحد (1).
وأما الثاني: فلما ذكره الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام، من أنه واقفي (2)،
كما هو المحكي عن ابن عقدة ومقتضى كلام النجاشي وان كان خلافه، لسكوته
عن بيان مذهبه، وظاهره إماميته كما هو المنصرح من طريقته، بل هو مدار
تصحيح الأخبار من الأخيار، ولكن لا يبقى بعد ما مر لظهوره مجال.
وأما ما ذكره في الرواشح: (من أنه لم يثبت عندي وقفه، بل الراجح جلالة
قدره وشأنه، والعلامة قد استصحه في المنتهى في باب قنوت الجمعة) (3).
حيث قال: (ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن الحصين... إلى آخره،
وان كان قد توقف فيه في الخلاصة (4)، وابن داود ذكره في الممدوحين،
والحق ما ذكرت في شرعة التسمية من أن غمزه بالوقف من طريق ابن عقدة
وهو زيدي لا يتكل عليه في مخالفة وجوه الأصحاب، ورد شهادة أشياخنا

(1) قد ذكر المامقاني توثيقه: عن الكاظمي في التكلمة وعن المجلسي في الوجيزة،
والحائري في الحاوي، والسيد في المدارك، العلامة في المنتهى مع أنه توقف فيه في الخلاصة
والسيد الداماد في الرواشح. تنقيح المقال: 1 / 408
ولاحظ ترجمته في: إتقان المقال: 58، أعيان الشيعة: 6 / 368، تعليقة الوحيد على منهج
المقال: 134، جامع الرواة: 1 / 302، رجال ابن داود: 2 / 245، القسم الثاني، روضة المتقين:
14 / 113، الفهرست للشيخ: 68 رقم 267، طرائف المقال: 1 / 465، خاتمة المستدرك:
593، معجم رجال الحديث: 7 / 97، منتهى المقال: 129، منهج المقال: 134، هداية المحدثين:
58 و....
(2) رجال الطوسي: 349 رقم 5.
(3) الرواشح: 165، عند البحث في المقبول.
(4) الخلاصة: 221 رقم 1.
159

الأثبات) (1).
ففي كلامه أنظار، فإن الاعتماد في الأقوال في الجرح والتعديل على
الظنون الاجتهادية، ولا ريب في حصول الظن بقول الغامز لوثاقته.
ومن هنا اعتذار النجاشي في ذكره الأصحاب في كتبهم مصرحا بعظم محله
وثقته وأمانته، مع أن استصحاح العلامة السند المذكور، غايته إلى داود، كما
هو أحد التعبير المذكور.
ويشهد عليه توقفه فيه في الخلاصة، مع قطع النظر عن ضعف الاعتماد على
الاستصحاح المذكور على تقدير شهادته، فضلا عن ذكر ابن داود في باب
المجروحين حذو ذكره، فيمن ذكره وصنيعه عجيب، وصنيعه أعجب، وما ذكره
في الذيل لا يخلو عن المجازفة.

(1) منتهى المطلب: 1 / 337.
160

الركن الثالث
فيما يعرف به الرجال
161

الركن الثالث
فيما يعرف به الرجال
وهي الألفاظ الشايعة وهي كثيرة نذكر منها في المقام
ما يفتقر إلى تشريح المرام في فصول
الأول: في (أسند عنه)
قد أكثر الشيخ خاصة إطلاقه في تراجم الرجال في الرجال، في خصوص
أصحاب مولانا الصادق عليه السلام حتى قيل أنه ذكره في ترجمة مائة وستين
وسبعة (1) كلهم من أصحابه، إلا رجلين منهم، فإنهما من أصحاب

(1) أقول: قد ذكر لفظة (أسند عنه) في رجال الشيخ في ثلاثمائة وأربعة وأربعين موردا
على ما تفحصت بالدقة إلا ما زاغ عنه البصر.
ذكرت العبارة في أصحاب الباقر عليه السلام في حق شخص واحد، وهو:
حماد بن راشد الأزدي: 117 رقم 39.
وفي أصحاب الصادق عليه السلام في ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين شخصا.
وفي أصحاب الكاظم عليه السلام في شخصين:
1 - موسى بن إبراهيم المروزي: 359 رقم 7.
2 - يزيد بن الحسن: 364 رقم 19.
وفي أصحاب الرضا عليه السلام في سبعة أشخاص:
1 - إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر: 367 رقم 4.
2 - أحمد بن عامر بن سليمان الطائي: 367 رقم 5.
3 - داود بن سليمان بن يوسف: 375 رقم 2.
4 - علي بن بلال: 380 رقم 7.
5 - عبد الله بن علي: 381 رقم 16.
6 - محمد بن سهل البجلي الرازي: 389 رقم 34.
7 - محمد أسلم الطوسي: 390 رقم 49.
وفي أصحاب الهادي عليه السلام في شخص واحد، وهو:
محمد أحمد بن عبيد الله بن المنصور: 442 رقم 14.
163

الباقرين عليهما السلام وهما: بكر ابن كرب الصيرفي (1) ومعاذ بن مسلم (2).
ولم يقع ذلك من غيره إلا تبعا منه كما وقع من العلامة في الخلاصة، في
ترجمة محمد بن عبد الملك، قال: (من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام، كوفي،
نزل بغداد، أسند عنه) (3).
وفي يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: قال: تابعي، أسند عنه. (4)
وعن المحقق الشيخ محمد، الاستعجاب عنه، نظرا إلى ذكره مع عدم ذكر
مرجع الضمير، فنقل كلام الشيخ بصورته والضمير في كلامه راجع إلى مولانا

(1) رجال الطوسي: 156 رقم 29.
(2) رجال الطوسي: 314 رقم 541.
(3) الخلاصة: 250 رقم 6.
(4) الخلاصة: 264 رقم 1.
164

الصادق عليه السلام، قال: وهذا من جملة العجلة الواقعة منه (1).
وقريب منه ما ذكره الفاضل الجزائري في الحاوي (2).
وأجيب عنهما: (بأن ما ذكراه، مبني على قراءته بصيغة المعلوم، ولم يظهر
ذلك من العلامة رحمه الله فلعله قرأها بصيغة المجهول) (3).
أقول: الظاهر أنه من باب كمال الاستعجال، ولا مسرح لما ذكر من
الاحتمال، نظرا إلى أنه قد ذكر في الخلاصة غير واحد من المذكورين في
تراجمهم هذه اللفظة، كإبراهيم بن نصر القعقاع (4) وأحمد بن عائذ (5) والحسن
ابن صالح (6) معرضا عن ذكرها فيها.
والظاهر أن الوجه فيه خفاء المفاد وعدم وضوح المراد، فالظاهر أن ذكره
فيهما من باب الاستعجال لظهور عدم الخصوصية، فتأمل.
ومما ذكرنا ظهر أن ما ينصرح من الوالد المحقق قدس سره من ذكره العلامة
في خصوص الأنصاري خاصة مستقلا لا تبعا، غير وجيه.
واتفق ذكره من الشيخ في غير الباب المذكور نادرا، كما ذكره في باب
أصحاب مولانا الباقر عليه السلام في ترجمة حماد بن راشد (7).

(1) استقصاء الاعتبار. مخطوط لم يطبع إلى الان.
(2) الحاوي: 344 رقم 2135.
(3) المجيب هو الحائري، في منتهى المقال: 327، (الطبعة الحجرية) ترجمة يحيى ابن
سعيد الأنصاري.
(4) الخلاصة: 6 رقم 16 ورجال الطوسي: 145 رقم 55.
(5) الخلاصة: 18 رقم 28 ورجال الطوسي: 143 رقم 14.
(6) الخلاصة: 215 رقم 17 ورجال الطوسي: 166 رقم 7.
(7) رجال الطوسي: 117 رقم 9.
165

وفي باب أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام في موسى بن إبراهيم المروزي (1).
وما ذكره بعض المعاصرين من عدم وقوع ذكره منه في غير الباب المذكور
ضعيف.
وبالجملة: قد اختلف في المراد منه على أقوال:
الأول: إن المراد أنه روى بالأسناد عن مولانا الصادق عليه السلام أي: بالنقل
والواسطة، كما يظهر مما ذكره في الرواشح (2) فيما جرى على أن بناء الشيخ
في هذا الكتاب على ذكر أصحاب الرواية دون اللقاء، استشهادا بوجوه تقدم
ذكرها في فواتح الكتاب، مع كلام منا معه في هذا الباب
قال: (قد أورد الشيخ في أصحاب مولانا الصادق عليه السلام جماعة جمة، إنما
روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم، والأخذ من أصولهم المعول
عليها، ذكر كلا منهم وقال: أسند عنه) (3).
وذلك المسلك يبتدأ من لدن أصحاب مولانا الباقر عليه السلام، وربما كان يختلج
ذلك بالبال أيضا نظرا إلى سياق كلامه في غير هذا الباب، كما تكرر منه
في أصحاب مولانا الباقر عليه السلام: (روى عنه وعن أبي عبد الله عليه السلام) كما في
ترجمة: حبيب السجستاني (4) وحماد بن بشير (5) وحفص الأعور (6)

(1) رجال الطوسي: 359 رقم 7.
(2) الرواشح السماوية: 63، الراشحة الرابعة عشر.
(3) الرواشح السماوية: 65.
(4) رجال الطوسي: 116 رقم 32.
(5) رجال الطوسي: 117 رقم 38.
(6) رجال الطوسي: 119 رقم 57.
166

وغيرهم (1).
فإنه لا ريب في أن الضمير فيها يرجع إلى الأمام المذكور في عنوان هؤلاء
الأصحاب، فالظاهر نظرا إلى اتحاد السياق رجوعه إلى مولانا الصادق عليه السلام.
فمنه يظهر أنه بصيغة المعلوم دون المجهول، مع أن بناءه على أنه إذا كانت
رواية الراوي عن خصوص مولانا الباقر عليه السلام يكتفى بذكر الاسم، لدلالة شاهد
الحال، وإذا كانت روايته عنهما ينبه عليه بتلك المقالة، فالظاهر أنه كلما كانت
رواية الراوي بدون الواسطة اكتفى بذكر الاسم، وكلما كانت معها نبه عليها به.
ويؤيده ما وقع في التراجم المتكثرة: روى عنهما، كما في موسى بن
عبد الله الأشعري (2) وموسى الحناط (3) ومنصور بن الوليد (4) ومعمر بن
عمر (5) وميمون القداح (6).
فإن الظاهر عن المراد، روى من مولانا الباقر والصادق عليهما السلام كما ينصرح
من تراجم، منها: ما في بكر بن حبيب، روى عنه وعن أبي عبد الله عليهما السلام (7).

(1) كما في إسماعيل بن زياد البزاز. رجال الطوسي: 104 رقم 16 وخازم الأشل 120
رقم 4 وربيعة بن ناجد بن كثير. 121 رقم 3 ورفيد مولى بني هبيرة. 121 رقم 4 وزياد بن
عيسى أبو عبيدة. 122 رقم 5 وزياد الأحلام. 123 رقم 6 وزياد الاسواد ألبان. 123 رقم 8.
(2) رجال الطوسي: 307 رقم 437.
(3) رجال الطوسي: 308 رقم 446. فيه: الخياط.
(4) رجال الطوسي: 313 رقم 532.
(5) رجال الطوسي: 316 رقم 575.
(6) رجال الطوسي: 317 رقم 600.
(7) رجال الطوسي: 109 رقم 18.
167

ونحوه ما في بدر بن الخليل (1) والحسن الأحمري (2) وغيرهما.
وكذا ما في غير واحد من التراجم: تابعي أسند عنه، كما في ترجمة
محمد بن سوقة (3) ومعاد بن الأسود (4) ووهب بن عمرو (5) ويحيى بن
سعيد (6) ويحيى بن القاسم أبي بصير الأسدي (7).
وكذا ما في بعض التراجم من ذكر الواسطة في النقل، كما قال: (وعجلان
عن الأرجاني، عن أبي عبد الله عليه السلام) (8).
و (محمد بن سنان عن الغلام الذي أعتقه أبو عبد الله عليه السلام) (9).
و (أبو يحيى الصنعاني عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام) (10).
وبعد ما اختلج ذلك بالبال، رأيت أنه جرى عليه بعض أصحابنا أيضا،

(1) رجال الطوسي: 110 رقم 25.
(2) رجال الطوسي: 113 رقم 4.
(3) رجال الطوسي: 290 رقم 161.
(4) كذا في المخطوط بقلم المؤلف، وفي المطبوع: (معان بن الأسود بن قيس العبدي
الكوفي، تابعي، أسند عنه). رجال الطوسي: 320 رقم 647. وكذا في الإتقان: 236، جامع
الرواة: 2 / 236 ومنتهى المقال: 303.
(5) رجال الطوسي: 327 رقم 18.
(6) رجال الطوسي: 290 رقم 161.
(7) رجال الطوسي: 333 رقم 9.
(8) رجال الطوسي: 341 رقم 13.
(9) رجال الطوسي: 340 رقم 10.
(10) رجال الطوسي: 341 رقم 11.
168

مشيدا لبنيانه ومؤيدا لأركانه، قال: (الظاهر أن المراد أنه روى الحديث
بإسناده عن مولانا الصادق عليه السلام، أي: روى عنه بالواسطة، نظير قول النجاشي:
(عبد العزيز، له كتب، قد ذكرها الناس،... منها كتاب ما أسنده عن
الصحابة) (1).
قال: (وتلك الجماعة ممن أدركوا زمانه وممن رووا عنه، كما يرشد إليه
ما ذكره في أول الكتاب، ولا ينافيه ذكر الجوهري ونحوه في أصحابه،
لاحتمال التعدد والسهو (2) وغيرهما ويرشد إليه أيضا، عدم ذكره من لم يرو

(1) رجال النجاشي: 240 و 242 رقم 640.
(2) إن الشيخ قد ذكر القاسم بن محمد الجوهري تارة: من أصحاب الصادق عليه السلام قائلا:
القاسم بن محمد الجوهري مولى تيم الله كوفي الأصل روى عن علي بن أبي حمزة وغيره له
كتاب. رجال الطوسي: 276 رقم 49.
وأخرى من أصحاب الكاظم عليه السلام قائلا:... له كتاب واقفي. المصدر: 358 رقم 1.
وثالثة: فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام قائلا:... روى عنه الحسين بن سعيد. المصدر: 490 رقم 5.
اشتبه الأمر على ابن داود حيث عده رجلين وقال: (إن الشيخ ذكر القاسم بن محمد
الجوهري في رجال الكاظم عليه السلام وقال: كان واقفيا وذكر في باب من لم يرو عن الأئمة عليهم السلام
وروى عنه الحسين بن سعيد، فالظاهر أنه غيره والأخير ثقة). رجال ابن داود: 154
رقم 1219.
قال المحقق الخوئي في رده: يظهر فساده مما بيناه ولم يظهر أنه إلى أي شئ استند في توثيقه
الأخير.
وقال قبل هذا بأسطر: إنه لا ينبغي الشك في اتحاد القاسم بن محمد الجوهري، وأما ذكره
الشيخ في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وفيمن لم يرو عنهم عليهم السلام فهو لا يدل على التغاير،
فإن ذلك قد تكرر في كلامه قدس سره وقد بينا في المقدمة أن الذي يظهر منه أنه يذكر في أصحاب كل
إمام من لقيه وإن لم يكن له رواية عنه عليه السلام وقد يصرح بذلك فيقول (أسند عنه) يريد بذلك أنه
روى عن الأمام عليه السلام مع الواسطة، ويذكر فيمن لم يرو عليهم السلام من لم يعاصر المعصوم أو
عاصره وليست له رواية منه بلا واسطة، فبين العنوانين عموم من وجه. معجم رجال الحديث:
14 / 48.
169

عن غيره من الأئمة عليهم السلام من تلك الجماعة فيمن لم يرو وقد يصرح بروايته
عنه، كما قال: (محمد بن إسحاق، أسند عنه، وروى عنهما) (1) ونظيره
غيره (2).
وعدم ذكره في أضرابهم، لعدم التزامه ذكر ذلك في جميع مظانه، ألا ترى
أنه قد تعرض لكثير من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام، ومع ذلك كثيرا ما
لا يتعرض فيهم لذلك، مع كون الرجل ثقة عنده على ما يظهر من غير ذلك
الموضع.
ونادرا يتعرض له في أصحاب الصادق عليه السلام، وكثيرا ما لا يتعرض له.
وكذا ديدنه في غيره من أشياء أخر، ثم نفى الوقوف على أحد ممن تفطن
له، إلا على السيد الداماد (3)، ولا يخفى أن كلام السيد الداماد وان كان موافقا
له من وجه، إلا أنه مباين له من آخر (4).

(1) رجال الطوسي: 281 رقم 22.
(2) كما في جابر بن يزيد. المصدر: 163 رقم 18، محمد بن مسلم بن رباح. المصدر: 300
رقم 317 ووهب بن عمرو الأسدي. المصدر: 327 رقم 18.
(3) الرواشح السماوية: 63، الراشحة الرابعة عشرة.
(4) قال السيد: اصطلاح كتاب الرجال للشيخ في الأصحاب، أصحاب الرواية،
لا أصحاب اللقاء، ولذلك إنما ذكر محمد بن أبي عمير في أصحاب أبي الحسن الثاني علي بن
موسى الرضا عليهما السلام ولم يذكره في أصحاب أبي الحسن الأول موسى بن جعفر عليهما السلام مع أنه ممن
لقيه عليه السلام وهو من أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأنسكهم نسكا وأورعهم وأعبدهم
وأوحدهم جلالة وقدرا وواحد زمانه في الأشياء كلها، وممن أجمع أصحابنا على
تصحيح ما يصح عنه و... لما قد قال في الفهرست: أنه أدرك أبا إبراهيم عليه السلام ولم يرو عنه ومراده:
أنه قليل الرواية عنه عليه السلام لا أنه لم يرو عنه أصلا. ففي كتب الأخبار عموما وفي التهذيب
والاستبصار، خصوصا روايات مستندة عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام وقال
النجاشي في كتابه: أنه لقي أبا الحسن موسى عليه السلام وسمع منه أحاديث كناه في بعضها، فقال يا
أبا أحمد.
وأيضا لم يذكر في أصحاب أبي جعفر الجواد عليه السلام مع أنه قد أدركه، لهذا الوجه بعينه.
وبناء على هذا الاصطلاح ذكر في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام
القاسم بن محمد الجوهري وهو من أصحاب الكاظم عليه السلام لقاء ورواية ولم يلق أبا عبد الله عليه السلام
اتفاقا.
وروى في أصحاب الكاظم عليه السلام على أنه من أصحاب اللقاء له والرواية عنه جميعا. فقال:
القاسم بن محمد الجوهري له كتاب وقفي وفي أصحاب الصادق عليه السلام على أنه من أصحابه لالقاء
له ولا سماعا منه، بل رواية بالأسناد عنه فقال: القاسم بن محمد الجوهري مولى تيم الله الكوفي
الأصل روى عن علي بن أبي حمزة وغيره له كتاب.... الرواشح السماوية: 63 الراشحة الرابعة
عشرة.
ذكرنا كلام السيد الداماد بطوله لما فيه فوائد كثيرة.
170

هذا مع ما في كلماته أيضا مما لا يخلو عن نظر ولكن مع هذا الظاهر أنه
أحسن ما ذكر في المقام.
الثاني: أنه سمع عنه الحديث على وجه الاستناد أي الاعتماد
كما صرح به في القوانين (1)، والظاهر أنه مأخوذ مما نقله العلامة
البهبهاني رحمه الله في التعليقات عن جده المولى التقي المجلسي رحمه الله من أنه قال:

(1) قوانين الأصول: 486.
171

(أن المراد أنه روى عنه الشيوخ واعتمدوا عليه، وهو كالتوثيق، ولا شك أن
هذا المدح أحسن من لا بأس به) (1).
وفيه مضافا إلى منافاته لتخصيص إكثاره من الشيخ بالباب المذكور أنه
ذكره في ترجمة محمد بن عبد الملك، مع حكمه بضعفه.
وكذا في ابن صالح (2)، مع أنه ذكر في التهذيب في باب المياه: (أنه زيدي
متروك العمل بما يختص بروايته) (3).
وأما ما ذكره من أنه كالتوثيق، فلا يخلو عن تأمل، لعدم الظهور في الرواية
على وجه الاستناد أولا، وكون الرواية من الشيوخ ثانيا.
الثالث: ما حكي عن بعض السادة الأجلاء (4) من أن الأشبه أن المراد أنهم
أسندوا عنه ولم يسندوا عن غيره من الرواة
كما تتبعت ولم أجد رواية أحد من هؤلاء عن غيره إلا أحمد بن عائذ، فإنه
صحب أبا خديجة، وأخذ عنه، كما نص عليه النجاشي (5).
والأمر فيه سهل، فالفعل على ذلك بصيغة المعلوم، والمراد أن هؤلاء رووا

(1) الفوائد الرجالية للوحيد: 31. (المطبوع في آخر رجال الخاقاني).
(2) رجال الطوسي: 166 رقم 7. فيه: (الحسن بن صالح بن حي أبو عبد الله، الثوري
الهمداني أسند عنه).
(3) التهذيب: 1 / 408 ح 1282.
(4) المراد منه: النحرير الرباني السيد بشير الجيلاني رحمه الله، كما صرح به أبو علي
الحائري قدس سره. منتهى المقال: 1 / 75. الهامش رقم 4. (طبعة آل البيت)
(5) رجال النجاشي: 98 رقم 246.
172

عن مولانا الصادق عليه السلام دون غيره من الأئمة عليهم السلام والرواة.
وفيه: أنه يضعف بما ذكره بعض المتأخرين (1) من أن غير واحد من هؤلاء،
سوى أحمد بن عائذ، رووا عن غيره أيضا، منهم محمد بن مسلم، والحارث
ابن مغيرة، وبسام بن عبد الله الصيرفي (2).
أقول: ومنه ما ذكر في ترجمة غياث بن إبراهيم: (أنه أسند عنه وروى عن
أبي الحسن عليه السلام (3). هذا مضافا إلى مخالفته لظاهر اللفظ.
الرابع: أنه إشارة إلى ما ذكره ابن عقدة
فإنه صنف كتابا في أصحاب الرجال الذين رووا عن مولانا الصادق عليه السلام
وذكر أنهم أربعة آلاف رجل. وأخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه عنه.
كما ذكره العلامة في الخلاصة (4)، والشيخ في ديباجة الكتاب في قوله:
(ولم أجد لأصحابنا كتابا جامعا في هذا المعنى، الا مختصرات، وقد ذكر كل
انسان منهم طرفا الا ما ذكره ابن عقدة من رجال مولانا الصادق عليه السلام فإنه
قد بلغ الغاية في ذلك، ولم يذكر رجال باقي الأئمة عليهم السلام، وانا أذكر ما ذكره،
وأورد من بعد ذلك ما لم يذكره) (5).

(1) المراد منه: الرجالي الخبير أبو علي الحائري.
(2) منتهى المقال: 1 / 76. (طبعة آل البيت)
(3) رجال الطوسي: 270 رقم 16.
(4) الخلاصة: 204.
(5) رجال الطوسي: 2.
173

فالفعل على ذلك بصيغة المعلوم، والمراد أخبر ابن عقدة عنه (1) وحكي
القول به عن بعض.
ونفى البعد عنه بعض المتأخرين، قال: (وربما يظهر منه وجه عدم وجوده
إلا في كلام الشيخ في خصوص الباب من الكتاب المذكور، بل وثمرة قوله أني

(1) قال في رياض العلماء بخطه الشريف في ترجمة ابن عقدة: (كان من مشاهير قدماء
علماء الزيدية، ولأجل مخالطته للشيعة الإمامية قد يظن أنه منهم. وقد أورده أصحابنا في كتب
الرجال وأثنوا عليه جدا. وفيما ذكره أصحابنا في كتب رجالهم غني عن التعرض لحاله، لكن قد
أورد صاحب كتاب مسالك الأمصار من العامة كلاما في شأنه أعجبني نقله).
قال فيه: (أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، مولى بني هاشم، المعروف بابن عقدة، حافظ
العصر والمحدث البحر، والمصيب في اللبة والنحر، لولا كثرة تخليطه وتغليظ نار الأعداء على
سليطه، لكان قبسا لهدى، وملتمسا لندى، لكن خبط العشواء خطب عقيلة الشمس العشاء،
فحبط عمله، وأنبت أمله، أو باد، ونسب إليه الرفض، والله أعلم بمواطن الاعتقاد، والله
المجازي وإنما للناس الانتقاد - إلى أن قال: - ونسب إلى التشيع فمقت.
قال الدارقطني: أجمع أهل الكوفة أنه لم ير بالكوفة من زمن ابن مسعود إلى زمن ابن عقدة
أحفظ منه.
وقال ابن أحمد الحاكم: قال لي ابن عقدة: دخل البرديجي الكوفة، فزعم أنه أحفظ، فقلت:
لا تطول. تقدم إلى دكان وراق وتزن بالقبان من الكتب ما شئت، ثم تلقى علينا، قال: فبقي. قال
الدارقطني: قال ابن عقدة أنا أجيب في ثلاث مائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني
هاشم، وقال ابن عقدة أحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها.
وقال الدارقطني: يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده. وقال أبو سعيد الماليني: أراد
ابن عقدة أن ينتقل، فكان كتبه ستمائة حملة، مولده تسع وأربعين ومائة، وتوفي سنة إحدى
وقيل سنة اثنين وثلاثين وثلاث مائة. انتهى ما في كتاب مسالك الأمصار. منه رحمه الله.
راجع: رياض العلماء المخطوط، القسم الثاني: 47.
174

ذاكر ما ذكره ابن عقدة، ثم أورد ما لم يذكر) (1).
وأورد عليه الوالد المحقق قدس سره، بأنه مجرد الخرص (2) والتخمين، مضافا
إلى أنه ذكره أيضا في باب أصحاب مولانا الباقر عليه السلام، فضلا عن أن الشيخ
لم يذكره في ترجمة زرارة (3). ومن البعيد كمال البعد، عدم عده ابن عقدة من
أصحاب مولانا الصادق عليه السلام.
قلت: وقد تقدم منا أيضا ذكره منه في باب أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام (4)،
مضافا إلى أنك عرفت أن الرجال الذين ذكرهم ابن عقدة في كتابه، أربعة
آلاف رجل، كما سمعت من العلامة، والرجال الذين ذكر الشيخ في ترجمتهم
هذا اللفظ مائة وستون وسبعة (5)، فأين هذا من ذاك.
الخامس: أن المراد: أنه روى عنه الحديث مسندا إلى الغير وأسند الحديث
عنه وبواسطة إلى الغير
فكأنهم اعتمدوا على إسناده فأسندوا إلى من أسند هو عنه، ونسب الرواية
إليه كما جنح إليه الفاضل النراقي في العوائد (6).

(1) منتهى المقال: 1 / 76.
(2) أي: التظني فيما لا تستيقنه. لسان اللسان: 1 / 330.
(3) رجال الطوسي: 132 رقم 1.
(4) وتقدم في أول الباب في هامشنا، بأنه قدس سره ذكره في أصحاب الباقر والرضا
والهادي عليهم السلام.
(5) وقد مر في أول الباب، بأن هذه العبارة ذكرت في رجال الشيخ، ثلاثمائة وأربعة
وأربعون موردا.
(6) العوائد: 274.
175

وفيه: ما يظهر مما تقدم، وربما حكي في التعليقات عن بعض، إيمائه إلى
عدم الوثوق، ولم يظهر وجهه.
وهناك وجوه أخرى كلها بالأعراض عنها أحرى، وتوقف في المقام الوالد
المحقق قدس سره، قال: (قد بقي تلك اللفظة آوية في زاوية الخفاء، وبه اعترف
غير واحد من الأجلاء).
176

الثاني: في (بتري) (1)
قد ذكر لكل من لفظه ومعناه وجهان:
فللأول تارة: أنه بضم الباء وسكون التاء المثناة الفوقانية، كما ذكره العلامة
البهبهاني في التعليقات (2)، والفاضل الطريحي في المجمع.
وأخرى: أنه بكسر الباء الوحدانية التحتانية كما حكاه في التعليقات،

(1) قال النوبختي: وأما البترية من أصحاب الحديث: أصحاب الحسن بن صالح بن حي
وكثير النواء، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبي المقدام ثابت
الحداد، ومن قال بقولهم، فإنهم دعوا إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوا بولاية أبي بكر وعمر،
وأجمعوا جميعا أن عليا خير القوم جميعا وأفضلهم، وهم مع ذلك يأخذون بأحكام أبي بكر
وعمر، ويرون المسح على الخفين وشرب النبيذ المسكر وأكل الجري، واختلفوا في حرب
علي عليه السلام ومحاربة من حاربه. فرق الشيعة: 13.
أنظر حول البترية: الفهرست لابن النديم: 253، الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر
البغدادي: 16 - 24 والملل والنحل للشهرستاني: 1 / 161، فرهنگ فرق اسلامي: 10 - 11،
تاريخ أديان ومذاهب جهان: 3 / 1228 - 1251 ريحانة الأدب: 2 / 402 تعليقة الوحيد على
منهج المقال: 417، كشاف اصطلاحات الفنون: 1 / 167، معارف ومعاريف: 2 / 348،
مقباس الهداية: 2 / 349، أصول الحديث: 184، كليات في علم الرجال: 408.
(2) منهج المقال: 410. تعليقة الوحيد عليه.
177

والمجمع عن بعض.
وللثاني تارة: أنه من باب النسبة إلى (كثير النواء) لأنه كان أبتر اليد.
وأخرى: أنه من باب النسبة إلى (المغيرة بن سعيد) لأن لقبه الأبتر.
وربما يختلج بالبال وجهان آخران:
أحدهما: أنه بفتح الباء الموحدة التحتانية وسكون التاء المثناة الفوقانية
بمعنى القطع، كما قال في المجمع: (بتر الشئ بترا، من باب قتل: قطعه قبل
الإتمام) (1).
والآخر: أنه بفتح التاء المثناة الفوقانية وفتح الباء الموحدة التحتانية
وتشديد الراء، نظرا في كل من الوجهين، إلى ما رواه الكشي في ترجمة
سلمة بن كهيل: (عن سدير، أنه قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي سلمة بن
كهيل، وأبو المقدام، وسالم، وكثير النواء، وجماعة معهم، وعند أبي جعفر عليه السلام
أخوه: زيد بن علي، فقالوا لأبي جعفر عليه السلام: (نتولى عليا وحسنا وحسينا،
ونتبرأ من أعدائهم.
قال: نعم.
قالوا: نتولى أبا بكر وعمر، ونتبرؤ من أعدائهم، قال: فالتفت إليهم زيد بن
علي، وقال لهم: أتتبرؤون من فاطمة! بترتم أمرنا، بتركم الله).
فيومئذ سمو البترية (2). فيدل قولهم على الوجه الثاني كما يدل قوله على
الأول.

(1) مجمع البحرين: 3 / 213، مادة (بتر).
(2) رجال الكشي: 236 رقم 429. وكذا في البحار: 37 / 31 و 72 / 178.
178

الثالث: في (بندفر)
وهو على ما ذكره جماعة كالسيد الداماد في الرواشح (1) وجدنا السيد
العلامة رحمه الله في بعض رسائله، والفاضل الشهشهاني في غاية القصوى. إما بفتح
الباء الموحدة وسكون النون والدال المهملة أخيرا، بمعنى العلم الكبير على
ما صرح به في القاموس (2) وجمعه بنود، وفي الصحاح: (البند العلم الكبير،
فارسي معرب، قال الشاعر: وأسيافنا تحت البنود الصواعق) (3).
و (فر القوم) بفتح الفاء وضمها وتشديد الراء خيارهم ووجههم، فالتركيب
إما إضافي أو مزجي، وعلى الوجهين مفاد التركيب: علم كبير لخيار
القوم، منهم.
والأول أبلغ في المدح، وأيا منهما كان، يظهر منه الوثاقة، إذ بعيد غاية البعد
أن يصف الرجل بكونه علما كبيرا لخيار أهل الشريعة، أو منهم، ولم يكن ثقة،
بل وناهيك في ذلك الجزء الثاني، فكيف بانضمام الأول، فإن المراد بوجه

(1) الرواشح: 71.
(2) القاموس المحيط: 1 / 289.
(3) الصحاح: 2 / 450. (مادة: بند).
179

الشبه: الارتفاع أو كونه مما يعلم به الطائفة ويعرفون به.
وكيف كان، لا مساق للشبهة في استفادة الوثاقة من هذه الكلمة.
أقول: إن هذه اللفظة لم يتفق في تراجم الرجال في الكتب الرجالية
بأسرها، إلا في ترجمة محمد بن إسماعيل النيسابوري المعروف، الراوي عن
الفضل، وقد تقدم نقل الأقوال، وتحقيق الحال في هذا المجال.
وأصلها من كلام الشيخ في الرجال في باب من لم يرو، وهذه عبارته:
(محمد بن إسماعيل، يكنى أبا الحسن النيسابوري، يدعى بندفرو) (1).
وعلى هذا الوجه، نقله الفاضل الاسترآبادي في المنهج (2) والوسيط (3).
ولكنك خبير أولا: بأن مقتضى صريح العبارة، أنه ليس على مساق سائر
الألفاظ الرجالية الكاشفة عن وثاقة الموثقين وضعف المجروحين، بل مقتضاه
أنه مدعو به بين الناس، فلا اعتماد بمفاده، فكم من ألقاب رفيعة قد اشتهر بها
الوضيع.
وثانيا: بأن العبارة كما ترى (فرو) بالواو، وأين هذا من (الفر) بدونه
بالمعنى الذي ذكروه، على أن في النسخة المعتبرة الموجودة من الكشي في
ترجمة الفضل ذكر: (أبو الحسن، محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري) (4).
وهو كما ترى بالقاف والياء، كما حكي في الرواشح عن بعض معاصريه من

(1) رجال الطوسي: 496 رقم 30. فيه: (بندفر) من دون (واو) واختلف في أن الصحيح
(بندفر) أو (بندقي) فراجع تفصيل الكلام: الرواشح السماوية: 72، الراشحة التاسعة عشر.
(2) منهج المقال: 283.
(3) الرجال الوسيط المخطوط: 205.
(4) رجال الكشي: 538 رقم 1024.
180

أنه يذكر: أبا الحسن، فيقول: محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري.
قال: وآخرون أيضا يحتذون مثاله، فأورد عليه بأني لست أراه مأخوذا من
دليل معول عليه، فإن بندقة بالنون الساكنة بين الباء الموحدة والدال المهملة
المضمومتين قبل القاف: أبو قبيلة من اليمن، ولم يقع إلي في كلام أحد من
الصدر السالف، أن محمد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة، غير
أني وجدت في نسخة من الكشي البندقي، وظني أن في الكتاب: البندفر بالفاء
والراء، كما في رجال الشيخ، والقاف والياء تصحيف وتحريف (1).
وفيه: أنه لم يقع ذكر نفسه في غالب كتب الرجالية، فضلا عن نسبه ولقبه،
مع تكثر وقوع أسامي الرجال من دون ذكر القبيلة ونحوها، فكيف يصح نفي
كونه من القبيلة المذكورة بمجرد عدم الظفر، وعدم ذكر الشيخ في الرجال أنه
منها مع تعرضه لنفسه لا يكشف عن عدمه، لأنه ليس بناؤه على ذكر أمثاله،
فإن بناءه فيه على مجرد ذكر الأسامي.
وأما عدم دلالة مجرد وقوع ذكره في سند من الكشي، فأظهر من أن يذكر.
نعم، إنه لو تعرض له النجاشي ولبعض أحواله ولم يذكره، لكان ذلك وجها
قريبا للعدم.
مضافا إلى أن دعوى الظن بالتصحيف، مع ظهور اتفاق النسخ بعيدة، فضلا
عما في التلقب بهذا اللفظ الصعب المستصعب، من الصعب المستصعب.
بقي أنه قد ذكر في الرواشح: أنه ربما يقال له أيضا: (بندويه) وربما يقال:

(1) الرواشح السماوية: 71.
181

(ابن بندويه) وقال في القاموس: محمد بن بندويه من المحدثين (1).
أقول: ولست أراه مأخوذا من مستند يركن إليه، لعدم ذكر ما ذكره رأسا في
شئ من عبائر القوم (2).

(1) الرواشح السماوية: 71 والقاموس المحيط: 1 / 289.
(2) قال ابن ناصر الدين: بندويه: بموحدة مكسورة وفتحها أبو علي الغسائي ثم دال
مهملة مضمومة: والد عوف بن أبي جميلة، قيل: اسمه: بندويه.
ثم قال: ومحمد بن بندويه الخراساني. توضيح المشتبه: 1 / 82 وكذا ذكره ابن مأكولا.
راجع: الإكمال: 2 / 182
182

الرابع: في (ثبت) (1)

(1) لم نجد هذه الكلمة في كتابي الشيخ على ما فحصنا. وذكرها النجاشي في موارد ونقل
عنه العلامة وابن داود:
1 - في الحسن بن علي بن النعمان: (ثقة، ثبت). رجال النجاشي: 40 رقم 81 وفي
الخلاصة: 41 رقم 17.
2 - الحسين بن أشكيب: (ثقة، ثقة، ثبت). رجال النجاشي: 44 رقم 88 والخلاصة: 50
رقم 8.
3 - عبد الله بن محمد الأسدي: (ثقة، ثقة، ثبت). رجال النجاشي: 226 رقم 595.
الخلاصة: 105 رقم 18 ورجال ابن داود: 210 رقم 878.
4 - علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح: (كان ثقة في الحديث، واقفا في المذهب،
صحيح الرواية، ثبتا، معتمدا على ما يرويه). رجال النجاشي: 259 رقم 679 والخلاصة:
100 رقم 44.
5 - علي بن إبراهيم بن هاشم: (ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح الحديث). رجال
النجاشي: 260 رقم 680، الخلاصة: 100 رقم 45 ورجال ابن داود: 237 رقم 998.
6 - عبد الرحمن بن الحجاج البجلي: (كان ثقة، ثقة، ثبتا، وجها). رجال النجاشي: 238
رقم 630، الخلاصة: 113 رقم 5 ورجال ابن داود: 252 رقم 1075.
7 - علي بن النعمان: (كان علي ثقة، وجها، ثبتا، صحيحا، واضح الطريقة). رجال
النجاشي: 274 رقم 719 والخلاصة: 95 رقم 25.
8 - محمد بن عبد الله بن محمد: (كان في أول أمره ثبتا، ثم خلط به). رجال النجاشي:
369 رقم 1059، الخلاصة: 256 رقم 53 ورجال ابن داود: 505 رقم 447.
قال الشهيد الثاني: (قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عند بحثه عن واقعة صفين
ما صورته: (ونحن نذكر ما أورد نصر بن مزاحم في كتاب الصفين في هذا المعنى فهو في نفسه:
ثقة، ثبت، صحيح النقل، غير منسوب إلى هوى ولا ادغال، وهو من أصحاب الحديث).
(انتهى). وهذا يشعر بأنه ليس إماميا). تعليقة الشهيد على الخلاصة: 172. المخطوط.
وقال السيد التفريشي في حق صاحب المعالم: (الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني، وجه
من وجوه أصحابنا، ثقة، عين، صحيح الحديث، ثبت، واضح الطريقة، نقي الكلام، جيد
التصانيف). نقد الرجال: 90 رقم 58.
واستعمله النجاشي في غير هذه الموارد أيضا: كما قال في ترجمة عبد الله بن سنان: (قيل
أنه روى أبي الحسن عليه السلام وليس بثبت). رجال النجاشي: 214 رقم 558.
وعبد الله بن مسكان: (قيل: إنه روى عن عن أبي عبد الله عليه السلام وليس بثبت). رجال
النجاشي: 214 رقم 559.
وفي ترجمة حماد بن عيسى بعد نقل كلام: (هذا القول ليس بثبت). رجال النجاشي: 143
رقم 270. معناه: أنه ليس بمتثبت، أي ليس بمحكم ومتقن، كما في المصباح: (رجل ثبت -
ساكن الباء - متثبت في الأمور).
183

الذي يظهر من كلام اللغويين: أنه قد استعمل في معان:
(الحجة) و (البينة):
كما قال في النهاية: (الثبت - بالتحريك - الحجة والبينة وثابت القلب،
والذي لا يزل لسانه عند الخصومات.
كما قال في الصحاح: (ورجل ثبت، أي: ثابت القلب. قال الشاعر:
ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر
ويقال أيضا: فلان ثبت الغدر، إذا كان لا يزل لسانه عند الخصومات - إلى
184

أن قال: - وتقول أيضا: لا أحكم بكذا إلا بثبت، أي: بحجة) (1).
(والثقة):
كما قال في القاموس: (الأثبات: الثقات، والدائم، المستقر، والمتثبت في
الأمور.
(والعادل الأمامي الضابط):
كما قال في المصباح: ثبت الشئ يثبت ثبوتا، دام واستقر، فهو ثابت. ثم
قال: ورجل ثبت - ساكن الباء - متثبت في أموره، والأسم: ثبت بفتحتين، ومنه
قيل للحجة: ثبت، ورجل ثبت أيضا، بفتحتين إذا كان عدلا اماميا ضابطا،
فتأمل (2).
ويظهر جملة مما ذكر، مما ذكره في المجمع (3).
واختلف في المراد والمفاد على أقوال:
الأول: أن المراد، أنه يحتج بحديثه
ولا يدل على العدالة، كما جرى عليه الشهيد في الدراية، حيث إنه ذكر أن
مفاده: (أنه يحتج بحديثه، وهو أعم من العدالة، لأنه يجامع ضعف الرواية، وإن
كان من صفات الكمال، لظهور أنه قد يحتج بالرواية الضعيفة، إذا انجبرت
بالخارج) (4).

(1) النهاية في غريب الحديث: 1 / 206 والصحاح: 1 / 245 مادة: (ثبت).
(2) القاموس المحيط: 1 / 150 والمصباح المنير: 1 / 110.
(3) مجمع البحرين: 2 / 196، مادة: ثبت.
(4) الدراية: 76.
185

الثاني: أن المراد به: أنه حجة
ومفاده التوثيق، كما جرى عليه السيد الداماد قال: (ومن ألفاظ التوثيق
والمدح: ثقة، ثبت، بالتحريك أي: حجة) (1).
وتبعه بعض الأماجد، تعليلا بأن معنى كونه حجة في الدين، كما هو
المقصود بالتثبت في المقام، من قوله بلا ثبت ولا بينة، أنه مرجع الأنام
وملجأهم فيه، يهربون ويلوذون به، ومن لوازمه الوثاقة، والعدالة. (انتهى).
وربما مال السيد المشار إليه إلى كونه أقوى الألفاظ في التوثيق (2).
قيل: وكان نظره إلى أنه يقال للأئمة عليهم السلام حجج الله، وكذا لأمناء المسلمين
من نوابهم.
وفيه: أن دلالة تلك الألفاظ على ما زاد من الوثاقة، من باب القرائن
الخارجية، ومنها الإضافة، ومن شواهده أنهم لا يذكرون في شأن الأوتاد
كزرارة وأضرابه (3).
قلت: وفيه: أن ما ذكر من المراد مقدوح بما سيأتي إن شاء الله تعالى.
مضافا إلى أنه يمكن أن يكون نظر السيد فيما أفاد، إلى أن التتبع في
التراجم يقضي بأنهم لا يذكرون هذا اللفظ في ترجمة شخص إلا مع توصيفه
بالتوثيق، بخلاف لفظ ثقة، فإنهم كثيرا ما يذكرونه في التراجم مع عدم
التوصيف بالثبت، فمنه يظهر أنه من أقوى الألفاظ يعده في إفادة التعديل،
وهذا بخلاف قولهم (ثقة) فإنه كثيرا ما يذكرونه في التراجم مع التوصيف
بأمر آخر.

(1) الرواشح السماوية: 60، الراشحة الثانية عشر.
(2) المصدر.
(3) راجع: تكملة الرجال: 1 / 47.
186

الثالث: أن المراد به: أنه محكم غير مخلط
نظرا إلى ما يشهد به التتبع في كلماتهم، كما يرشد إليه ذكره النجاشي في
ترجمة محمد بن عبد الله، من أنه كان في أول أمره ثبتا ثم خلط (1).
ولا يدل على العدالة كما هو واضح، وهو المحكي عن بعض الأساطين.
الرابع: أن المراد به: أنه المعتمد في النقل.
كما جرى عليه الوالد المحقق رحمه الله استشهادا بتعقيب (ثقة في الحديث) به
وتعقيبه ب‍ (المعتمد) في ترجمة إبراهيم بن هاشم (2).
وتعقيبه ب‍ (صحيح النقل) في نصر بن مزاحم (3).
وب‍ (صحيح النقل) في صاحب المنتقى (4).
وب‍ (صحيح) في داود بن النعمان (5).

(1) رجال النجاشي: 396 رقم 1059.
(2) الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف، حيث أن أصحاب الرجال لم يصرحوا بتوثيق
إبراهيم بن هاشم، بل هذه العبارة في حق ابنه علي، كما في رجال النجاشي: 260 رقم 680،
رجال ابن داود: 237 رقم 998 والخلاصة: 100 رقم 45.
(3) تعليقة الشهيد على الخلاصة: 32. المخطوطة. وعنه تنقيح المقال: 3 / 270.
(4) هو الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني المتوفى 1011، قال السيد التفريشي
فيه: وجه من وجوه أصحابنا، ثقة، عين، صحيح الحديث، ثبت، واضح الطريقة، نقي
الحديث، جيد الكلام. نقد الرجال: 90 رقم 58. الظاهر أن ما في المتن: (صحيح النقل) من
سهو قلمه الشريف، أو لعله استفاد من كلام غير السيد التفريشي ولم نجده.
(5) قاله النجاشي في أخيه، علي بن النعمان:... روى عن الرضا عليه السلام وأخوه داود أعلى
منه وابنه الحسن بن علي وابنه أحمد، رويا الحديث، وكان علي ثقة، وجها، ثبتا، صحيحا،
واضح الطريقة. رجال النجاشي: 274 رقم 719.
187

بناء على كون الغرض من صحة الراوي هو الاعتماد على نقله كما هو
الأظهر، وب‍ (ثقة في الحديث) و (صحيح في الرواية) و (المعتمد على ما
يرويه) في علي بن محمد، وب‍ (ثقة) في إسماعيل بن جعفر، وب (ثقة ثقة) في
حسين بن أشكيب وغيره، بناء على دلالة (ثقة) على الاعتماد دون العدالة،
حيث إن الظاهر كون تعقيب (ثقة) أو تعقيبه بما ذكر، من باب الأرداف
بالمرادف.
قال المحقق المذكور رحمه الله: وكذا يرشد إليه ما في ترجمة الكليني: (من أنه
من أوثق الناس وأثبتهم في الحديث) (1).
وما في سهل بن زياد: (من أنه لم يكن بكل الثبت في الحديث) (2).
وهذا هو الوجه الوجيه، ولا مرية تعتريه، فلقد أجاد فيما أفاد، وبه يظهر
ضعف غيره من الأقوال، مضافا إلى ما ذكره المحقق المشار إليه في تضعيف
الثالث: من أن كون المراد: المحكم الغير المخلط، مدخول بأنه لم يقابل الثبت
بالتخليط، في غير الترجمة المذكورة، كما يشهد به الاستقراء. (انتهى)، فتدبر.

(1) رجال النجاشي: 377 رقم 1026.
(2) رجال النجاشي: 192 رقم 513.
188

[قولهم: (حجة)]
ثم أنه عد السيد السند الكاظمي في عدته، من الألفاظ الصريحة في
التوثيق: قولهم (هو حجة) أي مما يحتج بحديثه.
قال: (والاحتجاج بالحديث وان كان أعم، غير أن هذه الكلمة صارت بين
أهل هذا الشأن، تدل على علو المكان، لما في التسمية باسم المصدر من
المبالغة، كأنه صار من شدة الوثوق وتمام الاعتماد، هو الحجة بنفسه، وان كان
الاحتجاج بحديثه، وهذا بخلاف ما إذا قيل: (فلان مما يحتج بحديثه) فإنه
ليس بمثابته، نعم: يفيد مدحا) (1).
قلت: لا يحضرني الآن إطلاق هذا اللفظ في مورد، نعم: لا بأس بما ذكره
في مفاده.

(1) عدة الرجال: 1 / 117.
189

الخامس في (ثقة)
وهي في اللغة على ما ينصرح من القاموس (1) والمصباح (2) بمعنى
الاعتماد.
ومنه ما يقال: وبه ثقتي، ولكن قد كثر استعمالها بمعنى المفعول، كالخلق
بمعنى المخلوق.
وأما في إطلاقات أرباب الرجال، فقد اختلف في المراد بها بين الفحول
والأبطال، فيظهر من جماعة أنها من اصطلاحات أرباب هذا الفن كما ربما
يستظهر من الشهيد في شرح الدراية، قال: (وهذه اللفظة، وإن كانت مستعملة
في أبواب الفقه أعم من العدالة، لكنها هنا لم تستعمل إلا بمعنى العدل) (3).
وصرح بعض الأساطين بأنها مصطلحة عندهم في العدل الضابط الأمامي
المعتمد عليه في أمر الدين (4).

(1) القاموس: 3 / 297.
(2) المصباح المنير: 2 / 647.
(3) الرعاية في شرح الدراية: 203.
(4) راجع مقباس الهداية: 2 / 147، عدة الرجال للكاظمي: 1 / 111 ومنتهى المقال:
لأبي علي الحائري: 1 / 43.
190

وربما حكي عن شيخنا البهائي في فواتح مشرقه التصريح بأنها مصطلحة في
العدل الضابط (1).
ولكنه ليس على ما ينبغي، فإنه ذكر أنهم يريدون من قولهم (فلان ثقة) أنه
عدل ضابط، لأن لفظ (الثقة) من الوثوق، ولا وثوق بمن يتساوى سهوه
وذكره، فإن الظاهر أن المراد، تعيين المفاد بحسب اللغة دون الاصطلاح.
ومثله ما جرى عليه بعض الفحول (2) من دلالتها على الصدق والاعتماد
والعدالة استنادا إلى التبادر وصحة سلبها عمن لم يتصف بها.
وذهب الوالد المحقق رحمه الله في رسالته المعمولة لمفاد هذه اللفظة، إلى أن
المراد هو المعنى اللغوي، نافيا لتطرق الاصطلاح، وهو الأظهر.
وربما يظهر الترديد في المقام من العلامة البهبهاني رحمه الله (3).
والدليل على المختار ما يظهر من الاستقراء في كلماتهم والتتبع في
اطلاقاتهم ويظهر ذلك من موارد كثيرة.
أحدها: إنا نرى أنهم يقيدون ذكر التوثيق تارة بقولهم: (في الحديث). كما
قال في الفهرست في ترجمة أحمد بن إبراهيم: (وكان ثقة في حديثه، حسن
التصنيف) (4). ومثله غير عزيز كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأخرى بقولهم: (في الرواية) كما ذكر النجاشي في الحسين بن أحمد: (من

(1) مشرق الشمسين: 39.
(2) المراد منه هو: السيد محمد الطباطبائي المعروف بالسيد المجاهد، المتوفى سنة 1242،
ابن صاحب الرياض. راجع: مفاتيح الأصول: 376.
(3) الفوائد الرجالية للوحيد: 26. المطبوع في آخر رجال الخاقاني.
(4) الفهرست: 30 الرقم 80.
191

أنه ثقة فيما يرويه) (1).
ومن الظاهر أن التقييد المذكور غير ملائم لإرادة العدالة، بل الظاهر الملائم
هو المعنى اللغوي، والظاهر اتحاد المفاد في مطلق الموارد.
ودعوى إرادة المصطلح في خصوص صورة الإطلاق بعيدة، مضافا إلى
عدم اتفاقها من أحد.
ومن ثانيها: أنه قد كثر في كلماتهم إطلاقها على غير الأمامي، كالفطحي
والواقفي والزيدي والعامة ومضطرب المذهب.
فمن الأول: ما ذكره في الفهرست في عبد الله بن بكير: (من أنه فطحي إلا أنه
ثقة) (2).
وفي الحسن بن فضال: (فطحي المذهب، ثقة) (3).
وفي أحمد بن الحسن: (كان فطحيا غير أنه ثقة في الحديث) (4).
وفي إسحاق بن عمار: (له أصل وكان فطحيا إلا أنه ثقة، وأصله معتمد
عليه) (5).
ومن الثاني: ما ذكره فيه أيضا في أحمد بن بشير: (من أنه ثقة في الحديث،
واقفي المذهب) (6).
وما ذكره النجاشي في الحسن بن أبي سعيد: (كان هو وأبوه وجهين في

(1) رجال النجاشي: 68 رقم 165.
(2) الفهرست: 106 رقم 452.
(3) الفهرست: 48 رقم 153.
(4) الفهرست: 24 رقم 62.
(5) الفهرست: 15 رقم 52.
(6) الفهرست: 20 رقم 54. وفيه بعنوان: أحمد بن أبي بشر السراج.
192

الواقفية، وكان الحسن ثقة في حديثه، ذكره أبو عمرو الكشي في جملة الواقفة) (1).
وما ذكره أيضا في إدريس بن الفضل: (واقف، ثقة) (2).
وفي أحمد بن أبي بشير السراج: (ثقة في الحديث، واقف) (3).
ومن الثالث: ما ذكره النجاشي في يحيى بن سالم: (من أنه كوفي، زيدي،
ثقة) (4).
وفي عبادة بن زياد الأسدي: (كوفي، ثقة، زيدي) (5).
وفي أحمد بن محمد بن سعيد: (جليل، ثقة، زيدي، جارودي) (6).
وفي يحيى بن سالم: (زيدي، ثقة) (7).
ومن الرابع: ما ذكره النجاشي في معاوية بن عمار: (من أنه كان وجها في
أصحابنا، ومقدما، كثير الشأن، عظيم المحل، ثقة، وكان أبوه عمار ثقة في
العامة، وجها) (8).
وفي يحيى بن سعيد: (عامي، ثقة) (9).

(1) رجال النجاشي: 38 رقم 78. فيه: الحسين بن أبي سعيد، هاشم بن حيان.
(2) رجال النجاشي: 103 رقم 258.
(3) رجال النجاشي: 75 رقم 181.
(4) رجال النجاشي: 444 رقم 1201.
(5) رجال النجاشي: 304 رقم 830.
(6) رجال النجاشي: 94 رقم 333.
(7) رجال النجاشي: 444 رقم 1201. لا يخفى أن هذا مكرر.
(8) رجال النجاشي: 411 رقم 1096.
(9) رجال النجاشي: 443 رقم 1196.
193

وفي إسحاق بن بشير: (ثقة، روى عن أبي عبد الله عليه السلام، من العامة) (1).
فتأمل.
ومن الخامس: ما ذكره النجاشي في الحسن بن أحمد بن المغيرة: (من أنه
كان عراقيا، مضطرب المذهب، وكان ثقة فيما يرويه) (2).
فهذه الإطلاقات المتكررة المتباينة، كيف يجتمع مع دعوى تطرق
الاصطلاح في الإمامية.
ولقد أجاد الشهيد الثاني في المسالك (3) فيما نظر في تصحيح العلامة رواية،
بأن في سندها معاوية بن حكيم، وهو وإن كان ثقة، جليلا، روى عن مولانا
الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -، كما نقله النجاشي، إلا أن الكشي قال: إنه
فطحي.
والحق أنه لا منافاة بينهما، لأن كثيرا من الفطحية بهذا الوصف، سيما بني
فضال، مع أنهم إنما يزيدون في الأئمة عليهم السلام عبد الله بن جعفر، فلا ينافي روايته
عنه.
قال: فعلى هذا، ما انفرد به الكشي من الحكم بكونه فطحيا لا معارض له
حتى يطلب الترجيح) (4).
وثالثها: انه قد يقع في بعض كلماتهم، إردافها بأنه من الإمامية، ومن ذوي
العقائد الصحيحة، كما في الفهرست في أحمد بن إبراهيم: (أصله الكوفة،

(1) رجال النجاشي: 72 رقم 171.
(2) رجال النجاشي: 68 رقم 165 وفيه: الحسين بن أحمد بن المغيرة.
(3) ذكره في كتاب النكاح عند الكلام في وطي الدبر. (منه رحمه الله).
(4) المسالك: 1 / 349.
194

وسكن بغداد، ثقة في الحديث، صحيح العقيدة) (1).
ومن المعلوم أنه لو كانت مصطلحة في العدل الأمامي، لم يكن وجها
للتقييد.
ومثله ما ذكره النجاشي: (من أن يحيى بن إبراهيم، ثقة هو وأبوه، أحد القراء،
كان يتحقق بأمرنا) (2).
هذا، فإن الظاهر أنه مراده: أن من معاشر الإمامية.
رابعها: ما وقع في بعض التراجم، من تقييدهم الوثاقة بنفس الراوي دون
رواياته، كما في الفهرست: (أحمد بن محمد، كان ثقة في نفسه، غير أنه أكثر
من الرواية عن الضعفاء، والمراسيل) (3).
وما ذكره النجاشي في حسن بن محمد بن جمهور: (ثقة في نفسه، روى عن
الضعفاء، ويعتمد المراسيل) (4).
فإن الظاهر أن المراد من قولهم: (ثقة) هو المعنى اللغوي، أعني: الاعتماد.
فتارة: يقيد بالنفس، وأخرى: بالرواية. وثالثة: يطلق ويراد الإطلاق.
خامسها: ما وقع كثيرا في إطلاقاتهم، من إردافها بالمعنى اللغوي وما يقاربه،
كما في الفهرست في إسماعيل بن مهران: (ثقة، معتمد عليه) (5).

(1) الفهرست: 32 رقم 86.
(2) رجال النجاشي: 62 رقم 144.
(3) الفهرست: 20 رقم 55.
(4) رجال النجاشي: 62 رقم 144.
(5) الفهرست: 11 رقم 32.
195

وفي إسماعيل بن شعيب: (ثقة، سالم فيما يرويه) (1).
وفي أحمد بن محمد بن جعفر: (ثقة، مسكون إلى روايته) (2).
وفي داود بن زيد: (ثقة، صادق اللهجة) (3).
ونحوه ما ذكر النجاشي في حماد بن عيسى: (من أنه كان ثقة في حديثه،
صدوقا) (4).
واستدل الوالد المحقق رحمه الله بالاستقراء في كلماتهم أيضا، وقد وقعت
ملاحظة كلماته بعد ما استقرأت في كلماتهم ونذكر كلامه في المقام تتميما
للمرام.
فنقول: إنه ذكر موارد:
منها: أن الشيخ قد يقول في ترجمة بعض الرواة في موضع: (ثقة) وفي آخر:
(ثقة في الحديث)، كما قال في الرجال في أحمد بن إبراهيم، تارة: (ثقة) (5).
وأخرى: (ثقة في الحديث) (6).
وفي الفهرست في الحسن بن علي بن فضال: (ثقة في الحديث، وفي
رواياته) (7). وفي الرجال: (ثقة) (8).

(1) الفهرست: 11 رقم 33.
(2) الفهرست: 32 رقم 85.
(3) الفهرست: 68 رقم 273 وفيه: داود بن أبي زيد.
(4) رجال النجاشي: 142 رقم 370.
(5) رجال الطوسي: 445 رقم 44.
(6) الفهرست: 30 رقم 80.
(7) الفهرست: 47 رقم 153.
(8) رجال الطوسي: 371 رقم 2.
196

كما أنه قال في الفهرست: (أيوب بن نوح، ثقة) (1).
وقال العلامة في الخلاصة: (ثقة في رواياته) (2)، فان مقتضى ما ذكر: كون
المقصود هو الوثاقة في الحديث.
ومنها: ما يقال: (ثقة، صحيح السماع)، كما في أحمد بن محمد بن
طرخان (3). حيث إن الظاهر كون صحة السماع تفسيرا للوثاقة، ومن باب ذكر
المرادفات.
وكذا ما يقال: (ثقة، صحيح الحديث، معتمد عليه)، كما في أحمد بن الحسن
ابن إسماعيل (4)، وغيره (5).
و (ثقة، صحيح)، كما في عباس بن معروف (6) وغيره (7).
و (ثقة، مأمون في الحديث)، كما في عبد السلام (8).

(1) الفهرست: 16 رقم 49.
(2) الخلاصة: 12 رقم 1.
(3) رجال النجاشي: 87 رقم 210.
(4) رجال النجاشي: 74 رقم 179.
(5) كما في يونس بن عبد الرحمن. رجال ابن داود: 285 رقم 565.
(6) الخلاصة: 118 رقم 4.
(7) كما في حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني. رجال النجاشي: 141 رقم 368، محمد بن
إسماعيل بن بزيع. رجال الطوسي: 386 رقم 6، علي بن مهزيار. رجال الطوسي: 381 رقم 22
والحسين بن يسار. رجال الطوسي: 373 رقم 23.
(8) هو: عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي. رجال الكشي: 615 رقم 1149. وفي
علي بن سعيد بن رزام: (ثقة في الحديث، مأمون). رجال النجاشي: 259 رقم 677 وفي
إبراهيم بن نصير الكشي: (ثقة، مأمون، كثير الرواية). رجال الطوسي: 439 رقم 14.
197

و (ثقة، صدوق)، كما في يعقوب بن يزيد (1)، وغيره (2).
و (ثقة، معول عليه)، كما في علي بن الحسن بن رباط (3).
و (ثقة، معتمد، لا يطعن عليه)، كما في هارون بن موسى (4).
وذكر أن نظائر هذا كثير في كلماتهم.
ومنها: أنه قد يقال: (ثقة عند العامة) (5) أو (ثقة في العامة) (6) أو (كان ثقة
عند العامة) أو (وثقه العامة) (7) وإرادة العدالة من الوثاقة فيما ذكر بعيدة،

(1) رجال النجاشي: 450 رقم 1215.
(2) كما في عبد الله بن إبراهيم. رجال النجاشي: 216 رقم 562، علي بن محمد بن
شيروان. رجال النجاشي: 269 رقم 705، علي بن عبد الله بن غالب. رجال النجاشي: 275
رقم 722 ومحمد بن مسعود. رجال النجاشي: 350 رقم 944.
(3) رجال النجاشي: 251 رقم 659.
(4) رجال النجاشي: 439 رقم 1184. وفي إسماعيل بن مهران: (ثقة، معتمد عليه).
رجال النجاشي: 26 رقم 49 وكذا في أحمد بن علي بن أحمد بن العباس. الخلاصة: 20 رقم 53.
وفي يعقوب بن إسماعيل السكيت: ثقة، مصدقا (صدوقا) لا يطعن عليه. رجال النجاشي:
449 رقم 1214. وفي أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني: كان ثقة في حديثه، ورعا، لا يطعن
عليه. رجال النجاشي: 86 رقم 208 وفي عبد الله بن سنان: ثقة من أصحابنا، جليل، لا يطعن
عليه في شئ. رجال النجاشي: 214 رقم 555. وفي علي بن مهزيار: ثقة في روايته، لا يطعن
عليه. رجال النجاشي: 253 رقم 664. وفي علي بن سليمان بن الحسن: كان ورعا، ثقة، فقيها،
لا يطعن عليه في شئ. رجال النجاشي: 260 رقم 681.
(5) كما قال الشيخ في عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون المدني (الثقة عند العامة، أسند
عنه). رجال الطوسي: 234 رقم 188.
(6) كما قال النجاشي في معاوية بن عمار: (كان أبوه عمار ثقة في العامة). رجال النجاشي:
411 رقم 1096.
(7) قال النجاشي في إسحاق بن بشير أبو حذيفة الكاهلي: (ثقة، روى عن
أبي عبد الله عليه السلام من العامة، ذكروه في رجال أبي عبد الله عليه السلام). رجال النجاشي: 72
رقم 171.
198

والظاهر اتحاد المقصود بالوثاقة فيما ذكروا، المقصود بها، في التوثيق المتنازع فيه.
ومنها: ما قد يقال: (ثقة عند المؤالف والمخالف) كما ذكره الشهيد الثاني في
بعض تعليقات الخلاصة في حق عبد السلام بن صالح (1).
ومن البعيد كمال البعد، اتفاق الاتفاق على العدالة بالمعنى المصطلح، من
المؤالف والمخالف في حق شخص، فضلا عن أشخاص كثيرة، بخلاف
الاعتماد والصدق.
ومنها: أنه قال الشيخ في الرجال: (محمد بن الحسن بن الوليد، ثقة) (2).
وقال العلامة في الخلاصة: (موثوق به) (3). إذ الاصطلاح بعد ثبوته لا يطرد
في موثوق به، ولا مجال لاستعماله في العدالة.
والظاهر اتحاد المقصود بهما، وكذا اتحاد المقصود ب‍ (ثقة) هنا وسائر
الموارد.
وذكر موارد أخرى، ولقد تحمل العناء في إكمال الاستقراء، حتى صرح في
جملة كلام له: بندرة اتفاق مثل هذا الاستقراء في الرجال وغيره، وهو كذلك،
ولكنه جرى على أن المراد: هو الاعتماد في خصوص النقل، وهو بعد محل
الأشكال.
وربما استدل المحقق المذكور عليه بوجوه أخرى أقواها وجهان:
أحدهما: عدم إتيان أحد من أرباب الرجال بذكر تطرق الاصطلاح فيها في

(1) تعليقة الشهيد على الخلاصة: 27. مخطوط.
(2) رجال الطوسي: 495 رقم 23.
(3) الخلاصة: 147 رقم 43.
199

شئ مما ذكر، ويبعد كمال البعد ثبوته مع عدمه.
وثانيهما: إنه قد وقع ثقة في كلام غير الأمامي كابن عقدة، وابن نمير، وابن
حجر، والذهبي، والظاهر وحدة المفاد، فالظاهر الاستعمال في المعنى اللغوي.
(انتهى).
وإن قلت: سلمنا، ولكن لا إشكال في تصحيح الفقهاء خبر كل من ذكر في
ترجمته هذه اللفظة، ولم يجر التصحيح في لسان المتأخرين غالبا، إلا بعد
ثبوت عدالة الراوي وإماميته وضبطه، بل مقتضى صريح كلام العلامة في
مواضع من الخلاصة استفادة العدالة منها صريحا.
منها: ما ذكره في ترجمة إدريس بن زياد الكفرثوثي (1)، فإنه بعد ما ذكر كلام
النجاشي: من أنه يكنى أبا الفضل، ثقة، ذكر كلام ابن الغضائري: من أنه يروي عن
الضعفاء، وقال: (والأقرب عندي قبول روايته، لتعديل النجاشي له، وقول ابن
الغضائري لا يعارضه، لأنه لم يجرحه في نفسه ولا طعن في عدالته) (2).
وقريب منه، ما ذكره في ترجمة علي بن السري (3).
ومن البين عدم استلزام مجرد الاعتماد الذي هو المعنى اللغوي لثبوت
الأوصاف المذكورة، فما وجه التوثيق؟
قلت: نعم، وهذا إشكال قوي قد اضطرب الفحول، حتى استراحوا بدعوى
ثبوت الاصطلاح، ليترتب عليه التوفيق والاصلاح، مع أنك قد عرفت أنها

(1) الكفرثوثي: بفتح الكاف والفاء، وسكون الراء وضم الثاء المثلثة وسكون الواو
وكسر الثاء المثلثة الثانية. إيضاح الاشتباه: 82 رقم 5 وتنقيح المقال: 1 / 104 رقم 608
وتوضيح الاشتباه: 48 رقم 166.
(2) الخلاصة: 12 رقم 2.
(3) الخلاصة: 96 رقم 28.
200

دعوى بلا دليل، وكلاما فاقد التحصيل.
ولكن يمكن أن يجاب عنه: بأنه إذا ذكر في ترجمة شخص هذه اللفظة،
فيمكن إثبات الأوصاف المذكورة، مع عدم ثبوت الاصطلاح.
وتحقيق المرام، أنه يتأتي الكلام تارة: في استفادة العدالة، وأخرى: في
الإمامية، وثالثة: في الضبط.
أما الأول: فالظاهر أن الوجه فيه، ما ثبت من التتبع في كلمات النجاشي
ونحوه من مؤسسي الفن من استقرار طريقتهم على عدم توثيق أحد من الرواة،
إلا بعد ثبوت عدالته بمعنى الأعم، أعني: ما يجتمع مع سوء المذهب، مثل:
الفطحية والزيدية والواقفية ونحوها، كما صرح به السيد السند النجفي رحمه الله (1)
استنادا إلى وجوه:
أحدها: إنه يظهر من التتبع في كتاب النجاشي، أنه أدرك جماعة من أعلام
الرواة وأعاظمهم، ولكن لما رمى بعضهم بأدنى تضعيف وغميزة، تجنب عن
النقل عنهم والاستفادة منهم، وهؤلاء بين من صرح بعدم روايته عنهم، وبين
من يظهر ذلك من طريقته وسلوكه في رجاله.
فمن الأولين: أحمد بن محمد بن عياش الجوهري، فإنه قال: (كان سمع
الحديث وأكثر، واضطرب في آخر عمره، رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي
ولوالدي، وسمعت منه شيئا كثيرا، ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أرو عنه
وتجنبته، وكان من أهل العلم والأدب القوي وطيب الشعر) (2).
وكذا إسحاق بن الحسن، فإنه قال: (كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته

(1) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 146.
(2) رجال النجاشي: 85 رقم 207.
201

بالكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني عنه، وكان في هذا الوقت
غلواء (1) فلم أسمع منه شيئا) (2).
وكذا محمد بن عبد الله بن محمد، فإنه قال: (سافر في طلب الحديث عمره،
وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه،
ورأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت من الرواية عنه، إلا بواسطة
بيني وبينه) (3).
ومن الآخرين: علي بن عبد الله المخزومي، فإنه قال: (كان فاسد المذهب
والرواية، وكان عارفا بالفقه) (4).
وذكره في باب الكنى، وقال: (إنه مضطرب جدا) (5).
قال: ولم أجد له رواية عنه وليس إلا لضعفه واضطرابه.
وكذا هبة الله بن أحمد، فإنه قال: (سمع كثيرا وكان يتعاطى الكلام، ويحضر
مجلس أبي الحسين بن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتابا، وذكر أن
الأئمة عليهم السلام ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب
سليم بن قيس الهلالي، أن الأئمة عليهم السلام إثنا عشر من ولد أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام) (6).
ولم أجد لهذا الرجل ذكرا في طرق الأصول والكتب، مع تقدم طبقته،

(1) وفي المصدر: علوا. سيأتي عن المؤلف التحقيق في معناه.
(2) رجال النجاشي: 74 رقم 178.
(3) رجال النجاشي: 396 رقم 1059.
(4) رجال النجاشي: 268 رقم 698.
(5) رجال النجاشي: 461 رقم 1262.
(6) رجال النجاشي: 440 رقم 1185.
202

وتعويل ابن العباس بن نوح عليه، وليس ذلك إلا لضعفه مما ارتكبه من تصنيف
الكتاب المذكور.
متأيدا ذلك، بأنه ذكر في جعفر بن محمد بن مالك بن سابور - بعد تضعيفه
وحكاية فساد مذهبه ورواياته -: (ولا أدري كيف روى شيخنا النبيل الثقة،
أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة، أبو غالب الرازي (1) - رحمهما الله
تعالى -) (2). وكذا ما حكاه في عبد الله بن أحمد بن أبي زيد، المعروف
بالأنباري عن الحسين بن عبيد الله، قال: (قدم أبو طالب بغداد، واجتهدت أن
يمكنني أصحابنا من لقائه فأسمع منه، فلم يفعلوا ذلك) (3).
قال: دل ذلك على امتناع علماء ذلك الوقت عن الرواية عن الضعفاء، وعدم
تمكين الناس من الأخذ عنهم، وإلا لم يكن في رواية الثقتين الجليلين عن ابن
سابور غرابة، ولا للمنع عن الأنباري وجه.
وثانيها: قولهم في مقام التضعيف يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء
والمجاهيل (4) فان هذا الكلام من قائله في قوة التوثيق لكل من روى عنه.

(1) في المصدر: الزراري.
(2) رجال النجاشي: 122 رقم 313.
(3) رجال النجاشي: 232 رقم 617.
(4) كما في محمد بن أحمد بن يحيى: كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل. رجال
النجاشي: 348 رقم 939. وفي الحسن بن محمد بن جمهور: يروي عن الضعفاء ويعتمد على
المراسيل. رجال النجاشي: 62 رقم 144. وكذا في أحمد بن محمد بن خالد. رجال النجاشي: 76
رقم 182 وعلى أبي سهل. رجال النجاشي: 263 رقم 688.
وفي الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن:... روى عن المجاهيل أحاديث منكرة ورأيت
أصحابنا يضعفونه. رجال النجاشي: 64 رقم 149. وفي جعفر بن محمد بن مالك:...
ويروي عن المجاهيل... ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام....
رجال النجاشي: 122 رقم 313.
203

وثالثها: قولهم ضعفه أصحابنا (1) أو غمز عليه أصحابنا (2) أو بعض
أصحابنا (3) من دون تعيين، إذ لولا الوثوق بالكل لما حسن هذا الإطلاق، بل
وجب تعيين المضعف والغامز، أو التنبيه على أنه ذلك من الثقات.
ورابعها: اعتذارهم من الرواية عن بني فضال والطاطريين وأمثالهم من
الفطحية والواقفية وغيرهم، بعمل الأصحاب برواياتهم لكونهم ثقات في النقل
وعن ذكر ابن عقدة باختلاطه بأصحابنا ومداخلته لهم وعظم محله وثقته
وأمانته.
الوجه الثاني: أنه قد استقرت طريقتهم على أنهم إذا وثقوا أحدا لم يذكروا
له شيئا من قوادح الوثاقة والعدالة، مع أن بناءهم على ذكر أمثال هذه الأمور،
فعدم ذكرهم دليل على العدم، بل ربما يعقبون التوثيق بذكر ما يؤكده، مثل:
(لا يطعن عليه في شئ) كما ذكره النجاشي في عبد الله بن سنان (4).
و (لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه) كما في عبد الله بن المغيرة (5).

(1) كما في إسماعيل بن سهل الدهقان. رجال النجاشي: 28 رقم 56. والحسن بن أبي
عثمان: رجال النجاشي: 61 رقم 141. أمية بن علي: رجال النجاشي: 105 رقم 264.
(2) كما في أحمد بن الحارث. رجال النجاشي: 99 رقم 247.
(3) كما في محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري. رجال النجاشي: 324 رقم 884.
(4) رجال النجاشي: 214 رقم 558.
(5) رجال النجاشي: 215 رقم 561.
204

و (لا لبس فيه ولا شك) كما في عبيد بن زرارة (1).
كما أنهم إذا ذكروا في حق شخص شيئا من القوادح المذكورة، لا يذكرون
له التوثيق، فإذا وثقوا شخصا ولم يذكروا له شيئا مما ذكر، فيظهر منه وثاقته
وعدالته، فتأمل.
وأما الثاني (2): فالظاهر أنه من جهة عدم ذكر سوء المذهب، فإن بناء علماء
الرجال على ما يظهر من التتبع في كلماتهم على ذكر المذهب، إن كان على
خلاف الحق، فإذا وثقوا شخصا وسكتوا عن بيان مذهبه، فالظاهر أنه من
الإمامية كما ذكر في الحاوي: أن إطلاق الأصحاب لذكر الرجل يقتضي كونه
إماميا فلا يحتاج إلى التقييد بكونه من أصحابنا وشبهه.
قال: ولو صرح به كان تصريحا بما علم من العادة (3).
واستجوده الفاضل الحائري (4).
وربما يخص ذلك بالنجاشي كما عن الرواشح: من أن عدم ذكر النجاشي كون
الرجل عاميا، يدل على عدمه (5).
ونحوه ما عن المحقق الشيخ محمد (6) واعترض عليه السيد الكاظمي رحمه الله في

(1) رجال النجاشي: 233 رقم 618.
(2) إشارة إلى ما مر: وتحقيق المرام، أنه يتأتى الكلام تارة: في استفادة العدالة، وأخرى:
في الإمامية، وثالثة: في الضبط. أما الأول: فالظاهر أن الوجه فيه...
(3) حاوي الأقوال: 6. (المخطوط).
(4) منتهى المقال: 1 / 43.
(5) الرواشح السماوية: 67، الراشحة السابعة عشر.
(6) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، المخطوط. عنه: منتهى المقال: 1 / 43.
205

عدته من أنه لا وجه للتخصيص (1).
وكيف كان، أنه يدل عليه الاستقراء في كلماتهم، فإن التتبع في كتبهم
يكشف عن أن بناءهم على ذكر فساد مذهب ذوي العقائد الفاسدة، وعدمه
يدل على العدم.
ومنه ما ذكر في العدة: (من أن ديدن النجاشي التعرض لما عليه الراوي من
فساد المذهب، فعدمه ظاهر في عدمه، لبعد وجوده مع عدم ظفره لشدة بذل
جهده وزيادة معرفته) (2).
فيمكن إثبات المرام بهذا البيان، وإلا فقد عرفت استعمالهم هذه اللفظة في
غير مورد في الواقفية والزيدية، فكيف يصح دعوى تطرق الاصطلاح
في الإمامية.
هذا، مضافا إلى ما ذكره الوالد المحقق رحمه الله: من أنه لا إشكال في الحكم
بحسن حديث الراوي وحسن مذهبه، بمجرد ذكر مدحه في الفهرست مثلا،
ولا إشكال في عدم دلالة ألفاظ المدح على الإمامية، فما يكفل مؤنة الحسن
فهو الكافل في الصحة، مع أنه لا ريب في صحة الخبر، لو ذكر في ترجمة
الراوي غير (ثقة) من ألفاظ التعديل، ولا كلام في عدم دلالة غير (ثقة) على
الإمامية فما يكفل مؤنة الإمامية في غير ثقة فهو الكافل فيها، لظهور وحدة
السياق والمساق.
وأما الثالث: فتوضيح الحال فيه يتوقف على تشريح معنى الضبط.

(1) عدة الرجال: 1 / 115.
(2) نفس المصدر.
206

فنقول: إنه قد فسره في الصحاح (1) والقاموس (2): بالحفظ بالحزم، وفسر
الحزم: بضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة.
وفسره في المجمع: (بالحفظ البليغ، والحزم بالمهملة ثم المعجمة، قال:
(ضبط الشئ ضبطا: حفظه حفظا بليغا، والضبط: الحزم، ومنه رجل ضابط، أي:
حازم) (3).
وظاهر كلام الأخير مغايرته مع الأولين، فإن ظاهر الأخير: أن الضبط يطلق
تارة ويراد منه الحفظ البليغ، ويطلق أخرى ويراد منه مطلق الاتقان، بخلاف
الأولين، فإن ظاهرهما أن معناهما: هو الحفظ البليغ المتقن.
كذا ذكر الوالد المحقق رحمه الله، إلا أن مقتضى تفسيرهما الحزم بما ذكر...،
إطلاق الضبط بمعنى مطلق الاتقان أيضا، لظهور أن الأخذ بالثقة، عبارة أخرى
عن ضبط الأمر، ومرجعه إليه، إلا أن كلامهما لا يخلو عن شئ، وذلك لأن
مقتضى التفسير أن معنى الضبط: خصوص الحفظ البليغ، مع أن مقتضى كلامه
في تفسير الحزم، إطلاق الضبط على الأمر المتقن.
واحتمل المحقق المشار إليه ولعل الصواب هو الأخير، لما نجد استعماله
في كل من المعنيين، ولكن احتمل الوالد المحقق تارة: أن يكون (بالحزم)
في كلام الصحاح سهوا، وكان الغرض أن يقول (والحزم) وتبع القاموس
للصحاح، فيرجع مقالتهما إلى مقالته.
ودعوى المنع من الرجوع لعدم ذكر البليغ في مقالتهما دون مقالته، مدفوعة
بأن المقصود بالحزم في مقالتهما هو الحفظ البليغ، فيرجع مقالتهما إلى مقالته.

(1) الصحاح: 3 / 1139، مادة (ضبط) و 5 / 1898، مادة (حزم).
(2) القاموس المحيط: 2 / 384، مادة (ضبط) و 4 / 97، مادة (حزم).
(3) مجمع البحرين: 4 / 260، مادة (ضبط) و 6 / 39، مادة (حزم).
207

وأخرى: أن يكون الحزم في عبارة المجمع، معطوفا على البليغ، وهو سهو
وكان الغرض أن يقول (وبالحزم) فيرجع مقالته إلى مقالتهما، لكنه خلاف
الظاهر، بل الظاهر أنه عطف على (الحفظ).
ثم جرى على إمكان إرجاع الضبط في جميع موارد استعماله إلى الحفظ
البليغ، والمقصود به: الصيانة التامة، لا حفظ الشئ في الخاطر.
فما ذكره في الصحاح والقاموس، أوجه مما ذكره في المجمع. (انتهى).
ولكنك خبير بما في الاحتمالين المذكورين من شدة البعد، مع أن مقتضى ما
احتمل في مقالتهما، أن يكون معناه: الحفظ المطلق، ومطلق الاتقان.
وما ذكره: (من أن المقصود بالحزم... إلى آخره) يضعف بظهور خلافه،
فإن المقصود بالحزم في كلامه على ما فسره، هو مطلق الاتقان، وهو في قبال
مطلق الحفظ في كلامه، بناء على هذا الاحتمال.
ومن الظاهر عدم رجوع مقالتهما إلى مقالته، كما أن ما ذكره في الاحتمال
الثاني، مع أنه لا يرجع إلى محصل، يضعف بأنه لا مجال لهذا الاحتمال بحسب
السياق، فإنه ذكر ما هذا لفظه:
(ضبط الشئ ضبطا، من باب ضرب: حفظه حفظا بليغا، والضبط: الحزم) (1).
وأما عند أرباب الدراية والرجال، فقد ذكر الأكثرون: أن المراد به غلبة
الذكر على النسيان، كما ينصرح مما عن المعارج (2) والتهذيب (3) والنهاية (4)
والزبدة وغيرها وربما ذكر في شرح الدراية: (أنه كون الراوي حافظا، متيقظا،

(1) مجمع البحرين: 4 / 260، مادة (ضبط).
(2) معارج الأصول: 151.
(3) تهذيب الوصول إلى علم الأصول، للعلامة الحلي: 77.
(4) نهاية الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي. (مخطوط).
208

غير مغفل. إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه، حافظا له من الغلط والتصحيف
والتحريف، إن حدث منه، عارفا بما يختل المعنى إن روى بالمعنى) (1).
ولا يخفى مغايرته للمعنى الأول، فإنه يحتاج إلى الثبوت بخلاف الأول،
لكونه موافقا للأصل.
ومنه ما أورد في الشرح المذكور، على مشترطي الضبط والعدالة معا، بإغناء
الثاني عن الأول، لأن العدل لا يجازف برواية ما ليس بمضبوط على الوجه
المعتبر (2)، وكل من الوجهين محتمل للمقام.
إذا عرفت ما ذكر، فنقول: إن قلنا بتطرق الاصطلاح في الضبط، في غلبة
ذكر الشخص على سهوه، كما هو مقتضى ما تقدم، والمصرح به في كلام بعض
الأعاظم من أنه في اصطلاح أرباب الدراية والأصول والرجال، على ما صرح
به جماعة غلبة ذكر الراوي على سهوه، لا بالعكس، ولا التساوي.
فمن الظاهر، أنه لا حاجة في ثبوت هذه الحالة في أكثر أفراد الإنسان إلى
الدليل، لظهور أن حال الأكثر جارية على ذلك المنوال، فهو الأصل في هذا
المجال، فالظاهر أن استفادة الضبط بواسطة الأصل المذكور.
وإن قلنا أن المراد به هو الاتقان في الرواية، وشدة المحافظة والاهتمام
فيها عن عروض قوادح القبول، فيغاير ما هو المصطلح عند أرباب الأصول،
كما ربما جنح إليه الوالد المحقق، نظرا إلى ما فسره به الشهيد الثاني في الدراية
كما تقدم، وما ذكر: (من أنه يعرف ضبط الراوي: بأن تعتبر روايته برواية
الثقات المعروفين بالضبط والاتقان، فإن وافقهم في رواياته غالبا ولو من

(1) الرعاية في علم الدراية: 185.
(2) الرعاية في علم الدراية: 186.
209

حيث المعنى، بحيث لا يخالفها أو تكون المخالفة نادرة، عرف كونه ضابطا
ثبتا) (1)، وإلا فلا، فإنه يرشد إلى اختلاف الاصطلاح، إذ الضبط بمعنى غلبة
الذكر، لا حاجة فيه إلى التشخيص والثبوت.
وما قيل في حبيب بن مظاهر الأسدي: من أنه ذكره العلامة في رجال
الصحيح (2)، وفي الحاوي في الحسن (3)، وهو الأوفق، لأنه وإن كان في أعلا
درجة الزهد والعبادة والتوفيق والسعادة، إلا أن الضبط في الحديث أمر آخر
يحتاج إلى الثبوت.
وكذا ما ذكره بعض علماء الرجال في حق الصدوق المجمع على عدالته: من
أن توقف بعض في اعتبار روايته، لعله لعدم ثبوت ضبطه (4).

(1) الرعاية في علم الدراية: 193.
(2) رجال العلامة: 61 رقم 2.
(3) حاوي الأقوال: 182 رقم 917.
(4) قال الشيخ سليمان الماحوزي: كان بعض مشائخنا يتوقف في وثاقة شيخنا الصدوق -
عطر الله مرقده - وهو غريب مع أنه رئيس المحدثين المعبر عنه في عبارات الأصحاب
بالصدوق... بلغة المحدثين: 410 الهامش 2.
قال المحقق البحراني: والعجب من بعض القاصرين، أنه يتوقف في توثيق الشيخ الصدوق
ويقول: إنه غير ثقة، لأنه لم يصرح بتوثيقه أحد من علماء الرجال، وهو من أظهر الأغلاط
الفاسدة، وأشنع المقالات الكاسدة، وأفظع الخرافات الباردة، فإنه أجل من أن يحتاج إلى
التوثيق، كما لا يخفى على ذوي التحقيق والتدقيق. لؤلؤة البحرين: 374.
وقال الرجالي الخبير أبو علي الحائري بعد نقل كلام الماحوزي: فلأنك خبير بأن الوثاقة
أمر زائد على العدالة، مأخوذ فيها بالضبط، والمتوقف في وثاقته، لعله لم يحصل له الجزم به
ولا غرابة في ذلك أصلا. منتهى المقال: 282، الطبعة الحجرية.
وقال المحقق النوري: وما في رجال أبي علي من المعذرة بأن العدالة أمر زائد... وإلا
فعدالة الرجل من ضروريات المذهب.... خاتمة المستدرك: 525.
210

فيتطرق المنع من دلالة (ثقة) على الضبط بهذا المعنى، إلا أن الظاهر أنه
لا وجه لهذا الوجه.
وما جنح إليه المحقق المشار إليه، استنادا إلى ما ذكره، غير سديد، لضعف
الجميع.
ويمكن استفادة المرام أيضا بالاستفادة من نفس لفظة (ثقة)، نظرا إلى أن
من لا ضبط له ولا تمكن من حفظ الأحاديث، لا وثوق بخبره إذا روى عن
الحفظ، كما تقدم ذلك عن شيخنا البهائي رحمه الله، فيثبت بنفس التوثيق، ثبوت
الضبط، لاعتبار الضبط في مفهوم الوثاقة، فإذا وثقوا أحدا، يظهر منه مضافا
إلى اعتقاد الوثاقة فيه، اعتقاد الضبط، بل قال شيخنا بعد كلامه المتقدم: (وهذا
هو السر في عدولهم عن (عدل) إلى (ثقة) (1) ويبعده التوصيف بالحسن مع
الثبوت الأحسن، وثبوت عدالة الموثقين أجمع.
وأما ما ذكره الفاضل الخاجوئي، من المخالفة في المقام، استنادا إلى أنهم
ذكروا في ترجمة حبيب بن المعلى الخثعمي من أنه ثقة، ثقة، صحيح، وهو مع
ذلك رجل نسي كثير السهو، كما يشهد به ما رواه الصدوق عنه: (أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام فقال: (إني كثير السهو، فما أحفظ صلاتي إلا بخاتمي، أحوله
من مكان إلى مكان، فقال: لا بأس (2).
قال: (فهذا الرجل مع أنه كثير السهو، حتى أنه بلغ في سهوه إلى هذا المبلغ،

(1) مشرق الشمسين: 40.
(2) الفقيه: 1 رقم 255 رقم 781.
211

وثقوه وأكدوا توثيقه، فكيف يصح أن يقال أنهم أرادوا بقولهم: (فلان ثقة)
عدل، ضابط) (1). (انتهى). منظور فيه، كما هو ظاهر.
ويمكن إتمام المرام أيضا: بأنه لما ثبت أن الغالب من الرواة المذكورين في
كتاب النجاشي، إذا وثقهم ولم يتعرض لفساد مذهبهم، أنهم من الأماميين
العادلين الضابطين، فإذا شككنا في حال شخص ووجدنا توثيقه في كتاب
النجاشي مثلا مع عدم تعرضه لفساد مذهبه، فالظاهر دخوله في الطائفة
واستجماعه للصفات المذكورة. فتأمل.
وأما ما ذكره العلامة البهبهاني رحمه الله من وجوه من الاحتمال في المقام:
(من أن الروية المتعارفة المسلمة أنه إذا قال النجاشي (ثقة)، ولم يتعرض
لفساد المذهب، الحكم بكون الراوي عدلا إماميا.
إما لاستقرار سيرة الأماميين من أهل الرجال على التعرض لفساد المذهب،
دون حسنه.
أو لأن الظاهر التشيع، والظاهر من الشيعة حسن العقيدة.
أو لأنهم وجدوا أنهم اصطلحوا ذلك في الأمامي وإن أطلقوا على غيره مع
القرينة.
أو لأن المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل) (2)، لا يخلو من الكلام.
وقد ظهر من تضاعيف ما ذكرنا ضعف القول بثبوت الاصطلاح، وكذا
ما استدل بعض الأعاظم عليه، بكثرة إطلاق أرباب الرجال هذه اللفظة في هذا

(1) مشرق الشمسين مع تعليقة الخاجوئي: 39.
(2) الفوائد الرجالية للوحيد المطبوعة في آخر رجال الخاقاني: 18، منتهى المقال:
1 / 44 المقدمة الخامسة ومقباس الهداية: 2 / 149.
212

المعنى وشيوع دورانها فيه، بحيث لا يعد استعمالاتها في عرفهم ولا يحصى،
ويعلم أن تمسك القوم في مقام التعديلات بنفس اللفظ، لا بالقرينة.
ويتبادر ذلك عندهم مضافا إلى ما في خصوص الثاني، من عدم تعرض
أرباب الرجال في التراجم لذكره بالخصوص أصلا، مع أن أربابها إماميون
قطعا، ولا يناسب إهمال هذا الوصف الجليل العزيز الوجود في تلك الأعصار،
المثمر في مقام العمل، والمسامحة فيه مع أنهم بمدائح أهون.
ومن أنهم يستثنونه عن مدلول اللفظة، ويقولون: (إنه ثقة إلا أنه فطحي) (1)
وهو دليل الشمول، وإلا كان العطف، أنسب (2).
ويرد عليه: مضافا إلى ما تقدم أن ما ذكره من عدم تعرض أرباب الرجال
لذكر الإمامية أصلا، يضعف بتعرضهم لها في غير واحد من التراجم، كما ذكر
النجاشي في ترجمة الياس بن عمرو: (من أنه متحقق بهذا الأمر) (3)، والظاهر
أن المراد بيان إماميته.
وفي أحمد بن إبراهيم: (من أنه كان ثقة، صحيح الاعتقاد) (4).
وما ذكر في الفهرست في هذه الترجمة: (من أنه ثقة في الحديث، صحيح
العقيدة) (3). مع أن الظاهر أن غرض النجاشي من تأليف كتاب رجاله الذي هو
العمدة في هذا الفن، لم يكن للمراجعة إليه في نقد أسانيد الأخبار على الطريقة

(1) كما في إسحاق بن عمار. الفهرست: 15 رقم 52..
(2) راجع: مفاتيح الأصول للسيد المجاهد: 376.
(3) رجال النجاشي: 107 رقم 272.
(4) رجال النجاشي: 84 رقم 203.
(5) رجال النجاشي: 32 رقم 86.
213

المعروفة بين متأخري الأصحاب، كما يظهر لمن لاحظ ما ذكره في صدر كتابه،
على أن ما ذكره من أخذ قيد الاعتماد في أمر الدين فمع أنه لا موافق له من
السلف والخلف، لا يحتاج إليه بعد اعتبار القيود الثلاثة المذكورة: من العدالة
والإمامية والضبط.
214

وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها
[اختلاف الرجاليين في معنى العدالة]
أحدها: أنه ربما يشكل الأخذ بتوثيقات أرباب الرجال وجرحهم، من أن
مذهب النجاشي مثلا في العدالة غير معلوم لنا، فكيف يصح لنا الأخذ بالجرح
والتعديل منه بدون ذكر السبب، بل الجرح والتعديل من النجاشي ونحوه
مأخوذ من كلام القدماء، كابن نوح وابن عقدة ونحوهما من الأماميين
وغيرهم، فكيف يصح لنا التعديل مع هذا الخلاف والاختلال.
وقد أجيب عنه بوجوه:
الأول: أن الجارح والمعدل وإن أمكنه أن يبني الأمر في الجرح والتعديل على
مذهبه، إلا أن هذا الوجه مع علمهم بالاختلاف في غاية البعد، لأن عمدة
مقاصدهم في تأليف هذه الكتب أن يكون مرجعا لمن يأتي بعدهم، وأن
ينتفعوا بها.
وإذا لوحظ هذا المعنى، مع عدالة المصنفين وورعهم، يظهر أن مرادهم
بالعدالة: المعنى الذي هو مسلم عند الكل ويدل عليه اتفاق أصحابنا على قبولهما
مطلقين، فإنهم لم يزالوا يحكمون بعدالة الرواة، ويستندون في ذلك إلى الشيخ
والنجاشي وغيرهما.
215

وإن قلت: سلمنا، ولكنه ينقدح من وجه آخر، وهو: أنه قد يكون مذهب
المجتهدين اللاحقين، أن العدالة هي المعنى الأدنى، فلا يعلم حينئذ هل كان
الراوي متصفا بهذا المعنى، أم لا؟ فلو لم يسقط المؤلف اعتبار هذا المقدار،
لكان النفع أكثر.
قلت: مع أن هذا النفع بالنسبة إلى الأول أقل، لذهاب الأكثر إلى المعنى
الأعلى، بل ادعى عليه الاتفاق فيه، إنا نراهم يمدحون الرجل بمدائح كثيرة
توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر، بل وأزيد منه.
ومع ذلك لا يصرحون بعدالتهم، فمن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعلى
فليأخذ بمقتضى هذا المدح، وهذا من أعظم الشواهد على أنهم أرادوا بالعدالة:
المعنى الأعم، فهم لاحظوا الأطراف وأخذوا بمجامع النفع.
بل نقول: إن ما يظهر بالتتبع أنهم لا يختلفون في أن العدالة هي الملكة التي
تبعث على ملازمة التقوى.
نعم: يتأتى الكلام في أمور:
أحدها: في اعتبار المروة وعدمه، والمشهور أيضا اعتبارها، بل ظاهر الكنز
اجماعهم عليه وليس بذلك البعيد.
نعم، صرح جماعة من المتأخرين بعدم اعتبارهم (1) ولا يثمر خلافهم
في المقام ثمرة، فإن الكلام في تعديل أهل الرجال، والظاهر اعتبار المروة
عندهم.
سلمنا، لكن العدالة المعتبرة في قبول الرواية، هي التي توجب الثقة
والاعتماد، ومن لا مروة له لا اعتماد عليه غالبا.

(1) راجع: جواهر الكلام: 13 / 280 و 301.
216

وثانيها وثالثها: اختلافهم في الكاشف عن العدالة وعدد الكبائر، ولا يضر
شئ منهما، لما مر من أن العدالة التي تعتبر هنا ما يوجب الثقة والاعتماد،
ولا يحصل ذلك بمجرد ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق، بل لا يحصل إلا من
له ملكة الاجتناب عن جميع الذنوب، ولو كانت صغيرة، بل ولو مما اختلف
في ذنب في كونه من الكبائر ولم يكن عند الموثق منها.
قال: فظهر أن الظاهر من توثيق علماء الرجال إرادة ما يلزم العدالة عند الكل،
ولو لم يكن إلا اتفاق الطائفة على قبول التعديل من أهل الرجال، لكفانا في قبول
قولهم. (انتهى).
ولقد أتعب المجيب نفسه في الجواب (1)، وبعد بمقدار الأتعاب عن
الصواب. ولقد دقق الوالد المحقق النظر في المرام، فأتى بما هو التحقيق بعد
التعميق في المقام.
فأورد عليه أولا: بأنه لم يثبت كون (ثقة) في كلمات علماء الرجال
مستعملة في العدالة بالمعنى المصطلح، كما هو مبني صدر الجواب المذكور.
وثانيا: بأنه لم يثبت كون النجاشي مثلا عالما بأحكام العدالة ومسائلها، حتى
يتمكن من الأخذ على الوجه المزبور.
وثالثا: بأنه على تقدير التسليم، كيف يتمكن النجاشي مثلا من الأخذ على
ذلك الوجه لعموم الانتفاع، مع أن بعض الأقوال في الكبيرة قد حدث في هذه
الأعصار، مع أنه من أين علم أن كتابه يصير مرجعا لمن تأخر حتى يأخذ
بما ذكر.

(1) أصل الجواب من المحقق القمي رحمه الله في القوانين. وأخذه منه بعض من تأخر عنه وزاد
عليه ما سد به الثغور. راجع: قوانين الأصول: 459.
217

ورابعا: بأن البناء في جميع الفنون، على رسم الشخص معتقده في كتابه،
ألا ترى أن متون الفقه، بل متون الفنون بحذافيرها، لا تزيد على مختارها
المصنف غالبا والمقصود بها انتفاع الغير أيضا.
وخامسا: بأن المحقق السبزواري نفى القول بالملكة ممن تقدم على العلامة،
وقال: (إن الظاهر أن العلامة اقتفى في ذلك، لكلام الرازي ومن تبعه من
العامة) (1).
والعلامة المجلسي نفي القول باعتبار المروة عن كثير من القدماء (2)، فكيف
يتجه الأخذ بالتوثيق ممن يقول بكون العدالة من باب الملكة، أو يعتبر المروة
في العدالة.
وسادسا: بأن دعوى عدم حصول الوثوق بمن لا مروة له، قد صدر أيضا
ممن اعتبر المروة في العدالة، وقد زيفناه في محله.
وسابعا: بأن دعوى كون المقصود بالتوثيق هو: كون الشخص مجتنبا عن
جميع المعاصي، كما ذكره بعيد في الغاية، لأنه لا يتفق إلا لأندر نادر، مع أن
الموثقين في غاية الكثرة.
وثامنا: بأن مقتضى الذيل، أن المقصود بالتوثيق ما يلزم العدالة، ومقتضى الصدر
كون المقصود به نفس العدالة، فالتنافي في البين، بين.
وتاسعا: بأنه كيف يتأتى الاعتماد على مجرد الاتفاق في هذه المعركة
العظمى من دون الاستناد إلى مدرك وثيق وسند سديد.
ولقد أجاد في الجواب، وأتى بما هو الصواب ويزيد عليه، مع ذلك أن عمدة

(1) كفاية الأحكام: 279.
(2) البحار: 88 / 32.
218

أساس هذا البناء، النجاشي ومقتضى صريح كلامه في فاتحة كتابه: أن الداعي
لتصنيف كتابه هذا، رفع تعيير قوم من المخالفين بأنه لا سلف لكم الأماميين من
المصنفين (1). فحداه هذا التعيير لذكر المصنفين وذكر كتبهم وشرح الحال،
وأين هذا مما أطال فيه المقال.
وأيضا أن من العماد شيخ الطائفة في كتابيه، ومع ذلك أنه لم يتعرض
للتوثيقات رأسا إلا نادرا، فكيف تستقيم هذه الدعوى.
ودعوى أن في ذكر الطرق والمصنفات وأسامي الرواة، كما هو مدار أمر
الكتابين، فوائد غير خفية، فتصنيف بعض الكتب لبعض الفوائد والآخر للآخر،
مدفوعة، بأنا لا نضائق في ثبوت ما ذكر، إلا أن الكلام في عنوان التوثيق، وأين
أحدهما من الآخر.
ولذا عد غير واحد من المذكورين في الرجال من المجاهيل، واتصف
الأخبار المشتملة على أحدهم بالضعاف، مضافا إلى أن دائرة العدالة أضيق
من دائرة الوثاقة، ومرتبتها أعلى من مرتبتها بالضرورة.
ومن البعيد في الغاية، بل مما يقطع بالعدم، تعبير المادح والمزكي في مقام
المدح والتزكية بلفظ دون مقام الممدوح والمزكى.
على أن الظاهر، بل بلا إشكال أنهم لو كانوا في مقام التعديل لصرحوا
بالمرام، وأتوا بعدل في الكلام، ولا داعي للعدول عنه بثقة.
وأما ما ذكره شيخنا البهائي في وجه العدول كما مر، فغير وثيق، لظهور أن
التعبير بالثقة لاظهار الوثوق بالموثق من جهة التحرز عن الكذب، أو عن مطلق
المعاصي، ولا من جهة إظهار الوثوق بكلامه من جهة الاتصاف بالحفظ،

(1) رجال النجاشي: 3.
219

وعدم الابتلاء بكثرة النسيان، بحيث لم يكن موثقا بخبره، فإن هذه الصفة من
باب الأمراض العارضة، وطبيعة لو خلي ونفسها منها سالمة، ولا تحتاج
إحرازها، بل هي بالأصالة ثابتة.
على أنه كثيرا ما يوثقون بنحو قولهم (ثقة في الحديث) أو (ثقة في الرواية)
وأمثالها. ومن الظاهر جريان طريقهم على تصحيح الحديث بنحو التوثيق
المذكور.
ومن الظاهر، بل المقطوع عدم استفادة ثبوت مرتبة ملكة العدالة، بل
أقصاها بمثلها، ودعوى الثبوت من مجازفة لا يتصور فوقها.
الثاني: إن المدار في التوثيقات، إنما هو على قول العلماء المعتمدين،
والمشاهير المطلعين على سر اشتراط العدالة، ولا شك أنهم عالمون بما يخل
بها، بحيث يوجب رد حديث صاحبها، بل لا يراد بالعدالة هنا، إلا أمر معلوم
لا يجوز التجاوز عنه، بل المراد بها ما يتوقى صاحبها عما يوجب الاختلاف
في المقال، وذلك أمر مختلف باختلاف الناس والأحوال، وإنما عرفت العدالة
بما عرفت بناء على الغالب.
قال المحقق المشار إليه: والظاهر أن المقصود به، الجواب من وجهين.
أحدهما: إن أرباب التوثيق المتصدين له، أشخاص معتمدون، معروفون،
عارفون باشتراط العدالة في الرواية، وبالأمور المنافية للعدالة.
والموجب لرد الرواية فهم يلاحظون في التوثيقات جميع الأمور المعتبرة
في العدالة قطعا.
والآخر: إن المقصود بالعدالة المشروطة في الراوي، ليس ما هو المعنى
المصطلح، بل الحالة الرادعة عن الكذب، لاختلال المقال بين الراوي
المروي عنه، وهذه تختلف باختلاف الناس، فبعض الأشخاص يكفي في
220

إمساكه عن الكذب أدنى حالة رادعة، بخلاف الاخر، بواسطة قوة ميله إلى
الكذب.
فلا ضير في اختلاف المذاهب في العدالة، لأن المختلف فيه غير ما هو
المراد هنا، والمختلف فيه هو المعروف بما عرفت، إلا أن التعريف باعتبار
الغالب، حيث إن العدالة المعتبرة في غالب الموارد، هو العدالة بالمعنى
المعروف به.
أقول: ويضعف الأول، بما تقدم آنفا في كلمات الوالد المحقق رحمه الله.
والثاني، بأنه خلاف صريح مشترطي العدالة في الرواة، مع خروجه عن مورد
الأشكال.
الثالث: بأن تحصيل العلم برأي جماعة من المزكين أمر ممكن بغير شك من
جهة القرائن الحالية والمقالية، إلا أنها خفية المواقع، متفرقة المواضع،
فلا يهتدى إلى جهاتها، ولا يقدر على جمع أشتاتها، إلا من عظم في طلب
الإصابة جده، وكثر في التصفح في الآثار كده، ولم يخرج عن حكم الاخلاص
في تلك الأحوال قصده.
وفيه: مضافا إلى عدم اندفاع الأشكال بالإضافة إلى من لم يمكن تحصيل
العلم برأيه، أن ما يقتضي كلامه من إمكان تحصيل العلم برأي مثل النجاشي
وابن عقدة وابن نوح وغيرهم، في جزئيات مسألة العدالة، مطالب بدليله.
على أنه قد يعلم كون المزكى مما لا يكفي عند المزكي كما هو الحال في الشيخ،
بناء على كون المدار عنده في العدالة، على مجرد ظهور الإسلام، وعدم ظهور
الفسق، فلم ينفع العلم برأي المزكي في دفع الأشكال كما ذكره الوالد المحقق.
الرابع: بأن الذي جرت به عادة القوم في التعديل، إنما هو التوثيق بالذي
نقول، ويتجاوز ما نريد كقولهم: (ثقة، ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة) أو
221

(ورع) أو (تقي) أو نحو ذلك، وأقله أن يقولوا: (ثقة)، ولا يقال لمن لا يعرف
منه إلا ظاهر الإسلام، ولم يظهر منه الفسق، ولو لعدم الاختبار: (أنه ثقة)،
وإنما الثقة ذاك الذي يوثق به ويعتمد عليه ولا يرتاب فيه، وأقل مراتبه ما جاء
في صحيحة ابن أبي يعفور (1).
وإن شئت فارجع إلى نفسك، فإنك لا توثق إلا من اختبرت فلم تجد عليه
وصمة، ولم تعثر على عائبة، فما ظنك بأجلاء الثقات من العلماء الأعلام.
وفيه: أن ما ذكر من جريان العادة في التعديل على التعديل، بما هو المتجاوز

(1) إشارة إلى ما رواه الصدوق عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟
فقال: إن تعرفوه بالستر، والعفاف، وكف البطن، والفرج، واليد، واللسان، ويعرف
باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من: شرب الخمر، والزنا والربا، وعقوق
الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك.
والدلالة على ذلك كله، أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء
ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته واظهار عدالته في
الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور
جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة. فإذا كان كذلك،
لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته؟ قالوا: ما رأينا
منه إلا خيرا، مواظبا على الصلوات، متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته
وعدالته بين المسلمين.
وذلك: إن الصلاة ستر وكفارة للذنوب. وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا
كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين. وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة، لكي
يعرف من يصلي ممن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع. ولولا ذلك، لم يمكن أحد
أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين. الفقيه: 3 / 38 ح 328
(طبعة جماعة المدرسين). ووسائل الشيعة: 18 / 288 (الطبعة الإسلامية).
222

عن المراد، فلعمري أنه بمكان من البعد عن طريق السداد، فإن الغالب بل
الأغلب هو التوثيق بلفظة (ثقة) وأين ذلك مما ذكره.
ومنه يظهر ما في قوله فما ظنك بأجلاء الثقات من العلماء الأعلام.
مضافا إلى أنه مبني على كفاية مجرد الوثاقة، وأين ذلك من العدالة،
ولا سيما بناء على اعتبار الملكة.
مع أنه بناء على القول به، لا يثمر في دفع الأشكال عن القائلين باعتبار
الملكة وغيرها في العدالة، مع اكتفائهم في ثبوتها في الرواة، بمجرد التوثيق
المذكور.
ومع ذلك، هو أجود مما ذكر في المقام، ولكنه من باب الأعراض عن دفع
الأشكال عن القوم المذكور.
وأما ما يقال: من أن مرجعه إلى أن الظاهر من كون الرجل ثقة، وإن كان
المقصود بالثقة هو المعنى اللغوي، هو كونه حاويا لكل ما يمكن أن يتخيل في
العدالة، ودونه الكلام، دونه الكلام.
وأجاب عنه الوالد المحقق رحمه الله بوجوه، صرح نفسه بضعفها وما يرد عليها -
إلى أن قال: - إن الذي يظهر بالتتبع التام أن المقصود بالوثاقة في تلك اللفظة، هو
الاعتماد في الأسناد، واستفادة العدالة من باب الغفلة.
قال: وبهذا المقال يتأتى الجواب عن الأشكال، لكن من قبيل السالبة بانتفاء
الموضوع.
وحاصله: إن المراد بقولهم (ثقة) أنه معتمد عليه، في نقل الرواية،
ولا اشكال فيه إذا قيدوا التوثيق بقولهم (في روايته) ونحوه.
وأما في صورة الإطلاق كما هو الغالب، فدونه المقال والأشكال.
أقول: ولقد أجاد فيما حققه كما هو طريقته المستقرة، فإنه لا إشكال في
223

عدم الدلالة على العدالة عند الخاصة، لما تقدم من كثرة إطلاقها على ذوي
العقائد الفاسدة، مثل: الفطحية، والواقفية، والزيدية، وغيرهم.
وأما دلالتها على العدالة الجامعة مع سوء المذهب، ففيها إشكال، لعدم دلالة
اللفظ بنفسها، وعدم ثبوت عدم الاعتماد والنقل إلا على العدول، بل غاية
ما ثبت هي التحرز عمن ظهر فسقه، فلا يبقى إلا الاعتماد في النقل، بل الظاهر
أنه هو المعنى العرفي بل اللغوي.
وما ينصرح من جماعة من أهل اللغة، من أن معناها: مطلق الاعتماد، ليس
بمعتمد، لما حققناه في مورد آخر من عدم الوثوق التام بكلمات أهل اللغة
في خصوصيات معاني المواد.
ومما ذكرنا، ينصرح ضعف ما تقدم عن شيخنا البهائي رحمه الله في وجه عدولهم
عن (عدل) إلى (ثقة) (1)، بل وكذا العلامة فيما تقدم منه في الكفرثوثي (2).
ومثله ما ذكر في البرقي (3) فإنه بعد ما حكي عن الشيخ من أنه ذكر في حقه
(ثقة)، وعن ابن الغضائري (أنه مطعون عليه) قال:
(الاعتماد على قول الشيخ الطوسي من تعديله) (1)، بل الظاهر أنه الطريقة
المشهورة.

(1) مشرق الشمسين: 40.
(2) رجال العلامة: 12 رقم 2.
(3) أي: محمد بن خالد البرقي أبو عبد الله.
(4) الخلاصة: 139 رقم 14.
224

[في تكرر لفظة (ثقة)]
ثانيها (1): إنه قد تكرر صورة (ثقة) من النجاشي في التراجم، وربما استوفى
ابن داود المكررين في فصل رسمه لذلك، وأنهاهم إلى أربعة وثلاثين (2).
ويضعف، بأن منهم: حسان بن مهران، وداود بن أسد، وعبد الصمد بن
بشير، مع عدم عدهم منهم.
وقد اتفق التكرار من العلامة أيضا اقتفاء لأثر النجاشي (3).
وربما حكى اتفاقه من الشيخ في الفهرست، في ترجمة أحمد بن داود
القمي (4).
ولكنه في غير محله، لعدم التكرار في النسخة الموجودة، والمحكية في
النقد (5).

(1) عطف على قوله: وينبغي التبيه على أمور: أحدها.
(2) رجال ابن داود: 207.
(3) كما في إبراهيم بن مهزم: 6 وإسحاق بن جندب: 11 وأحمد بن حمزة بن اليسع: 14
وجارود بن المنذر الكندي: 37 والحسن بن علي بن عبد الله: 44 و....
(4) الفهرست: 29 رقم 77.
(5) نقد الرجال: 22.
225

نعم، إنه حكى ابن داود اتفاقه عن الغضائري وأنه زاد خمسة رجال على
المذكورين في كلام النجاشي (1)، وقد اتفق أيضا من ابن نمير على ما نقله العلامة
في ترجمة خلاد. (2)
وبالجملة: إنه يقع الكلام في أن الصورة الثانية كالأولى، أو بالنون.
وعلى الأول، إنما يفيد زيادة العدالة، أو المدح، أم لا؟
أما الأول: فالظاهر الأول، وفاقا لجماعة منهم الشهيد في الدراية، نظرا إلى
أنه المكتوب في النسخ كافة على الظاهر، لانطباق النسخة الموجودة عليه،
وكذا كل من حكى عن النجاشي.
ومن البعيد في الغاية، تطرق الغلط في الجميع، بل من المقطوع عدمه،
مضافا إلى ما يقال: من أنه على ذلك التقدير يكون موضوعا، غايته أن يكون
تأكيدا ولا ضير فيه، لكثرة وقوعه في كلمات الفصحاء، فضلا عن غيرهم،
بخلاف الاحتمال الاخر، فإنه على تقديره يكون تابعا كشيطان وليطان
ونحوه، فيكون بمنزلة المهمل، فيرجح الأول.
أما الأول: فظاهر.
وأما الثاني: فلأن هذا الوزن إنما في المثال كعدة، وثقة، وسنة، وأضرابها،
ولم يوجد في المبادي الموضوعة ونق ينق.
وأيضا فإن من جزم به أو احتمله جعله من التابع، ففي القاموس: وثقة ثقة،
من الأتباع، وفي حاشية الدراية: ذكر جماعة من أهل اللغة منهم ابن دريد في

(1) وهم: علي بن حسان الواسطي، محمد بن قيس أبو نصر الأسدي، محمد بن الحسن بن
الوليد أبو جعفر، محمد بن محمد بن رباط وهشام بن سالم الجواليقي. رجال ابن داود: 208.
(2) رجال العلامة: 67 رقم 9.
226

الجمهرة: من جملة الأتباع: ثقة، ثقة (1).
وعلى هذا، يحتمل أن يكون ما وقع فيه الجمع بين هاتين الكلمتين، من باب
الأتباع.
وأما الثالث: فلأن التابع ليس مرادفا للمتبوع، كما صرح به شيخنا
البهائي رحمه الله وغيره (2)، وليس له معنى آخر بالضرورة.
وأما الأخير، فلأجل التنبيه، بل لم يقع الأتباع في كلام الفصيح أصلا.
ومما ذكر، يظهر ما في الاحتمال الثاني، كما جرى عليه الفاضل
الخاجوئي رحمه الله.
نظرا إلى كلام الجمهرة، فصحف الأتباع بزعم التكرار وأضعف منه الجزم به
كما عن الفاضل الهندي في بعض تعليقاته.
وأما الثاني: فالظاهر فيه الأول نظرا إلى اقتضاء التكرار، فإنه الغرض
المتصور في المقام كما يشهد به ملاحظة المحاورات، وإلا للزم اللغو
في الكلام.
وربما جرى الوالد المحقق تبعا للسيد السند الشهشهاني على الثاني،
استنادا إلى أن حسن التأكيد في مقام الإنكار، ولا يتصور ذلك بالإضافة إلى
المخاطب، فلابد أن يكون ذلك من السابقين، فيشعر بأن صاحب الترجمة ممن
وقع فيه الكلام، ويشهد به عدم وقوعه في تراجم الأجلاء.
ويضعف، بأن التأكيد كما يحسن في مقام الإنكار المتحقق، كذا يحسن

(1) جمهرة اللغة: 3 / 1253.
(2) راجع: الصمدية، مبحث التوابع، شرح الكافية للمحقق الرضي الاسترآبادي:
1 / 298 ومبادي العربية: 4 / 339.
227

في مقام الإنكار المتوقع، نظير (ما أصلح حال الصلح) في الخصومة المتوقعة.
وأيضا كما يحسن بيان أصل المرام، كذا يحسن بيان تحققه على الوجه
الكامل أو الأكمل، ولا ريب أن البيان الثاني وتاليه إنما يتأتى في التأكيدات، فلا
ينحصر فائدة التأكيد في دفع إنكار المنكر، لكي يتفرع عليه ما ذكر.
مضافا إلى ما ذكر في ترجمة عبد الله بن المغيرة، من أنه ثقة، ثقة، لا يعدل به
أحد في جلالته ودينه وورعه (1).
ثالثها (2): إنه كثيرا ما يتردد التوثيق المذكور في التراجم بين كونه وصفا
للمذكور بالأصالة أو بالتبع، والظاهر، الأول، نظرا إلى الغلبة، فإنه الغالب
في التوثيقات، فالمشكوك ملحوق بالغالب، كما هو القضية المطردة.
مضافا إلى أنه الظاهر من أساليب الكلام، ولا سيما إذا تكثر ذكر المتعلقات،
بل ربما يقطع به، كما لو فرض مع التكثر لزوم خلو المذكور بالأصالة عن البيان.
نعم: ربما يظن أو يقطع بالخلاف، لأمر خارج ولا كلام فيه، كما هو ظاهر.
ومن هنا أن الظاهر مما ذكره النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن نعمان
الأعلم: (من أنه ثقة، له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد) (3)، إرادة
توثيق الحسن دون أبيه، وفاقا لجماعة، ويشهد عليه أيضا توثيق أبيه في
ترجمته.
مضافا إلى ما عن الفاضل العناية، من أنه لا يذكر التوثيق لرجل مرتين،
سواء ذكر فيه بالأصالة أو بالتبع، كما في محمد بن عطية الموثق في أخيه
الحسن، لا في ترجمته، وأن التأسيس خير من التأكيد.

(1) رجال النجاشي: 215 رقم 561.
(2) عطف على قوله: وينبغي التبيه على أمور: قد مر أحدها وثانيها.
(3) رجال النجاشي: 40 رقم 81.
228

قال: ولا سيما في كلام النجاشي، فإنه في نهاية الوجازة والبلاغة كما لا يخفى.
وأما ما جنح إليه السيد السند التفرشي كما عن السيد السند النجفي
في المصابيح: من إرادة توثيق أبيه، نظرا إلى ما ذكره في ترجمته بقوله:
(علي بن النعمان الأعلم، وأخوه داود، أعلى منه، وابنه الحسن وابنه أحمد
رويا الحديث، وكان ثقة، وجها، ثبتا، صحيحا، له كتاب) (1)، ليس بالوجه،
لعدم المنافاة وعدم رفع الظهور المذكور.
نعم، ربما يقال: لعل غرضه أن ذكر داود في ترجمة علي، وأنه أعلى من علي،
والسكوت عن حال ابنيه يكشف عن عدم وثاقتهما.
وفيه ما فيه: هذا، ويرد على ما ذكره الفاضل المشار إليه.
أولا: إن ما يظهر منه من تسلم توثيق محمد بن عطية، محل الأشكال، فإنه
ذكر النجاشي في ترجمة الحسن بن عطية: (ثقة، وأخواه أيضا: محمد وعلي
كلهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام) (2).
والعبارة كما ترى لكل من الوجهين محتملة.
وأما ثانيا: إن ما يظهر منه أيضا من اختصاص الموثق في ترجمة الغير،
بالمورد المذكور، يضعف بوقوعه في موارد متعددة:
منها: توثيقه لعمرو بن منهال (3)، في ترجمة ابنه الحسن (4).

(1) نقد الرجال: 95 رقم 117.
(2) رجال النجاشي: 46 رقم 93.
(3) منهال: بكسر الميم وسكون النون. توضيح الاشتباه: 37 رقم 128 وتنقيح المقال:
1 / 75 رقم 441 وإيضاح الاشتباه: 98 رقم 52 و 157 رقم 205.
(4) رجال النجاشي: 57 رقم 133.
229

وليعقوب، ورقيم، في ترجمة أخيهما عمرو بن إلياس (1).
ولحيان بن علي، في ترجمة أخيه مندل (2) (3).
إلى غير ذلك، وظهر مما ذكرنا، أن الظاهر مما ذكره النجاشي في ترجمة
محمد بن إسماعيل من قوله: (محمد بن إسماعيل بن بزيع، أبو جعفر، مولى
المنصور أبي جعفر وولد بزيع، بيت منهم: حمزة بن بزيع، كان من صالحي هذه
الطائفة وثقاتهم، كثير العمل، له كتب) (4)، إرادة بيان أوصاف محمد من الصلاح
والوثاقة وكثرة العمل.
وأما ما فهم العلامة من الخلاف في بيان الأوصاف، فغير خال عن
الاعتساف، فقد ذكر في ترجمة حمزة بن بزيع: (كان من صالحي هذه الطائفة
وثقاتهم، كثير العمل) (5).
فإنه مأخوذ من كلام النجاشي وقد عرفت المراد، والظاهر أن حمزة من
المجاهيل، بل ورد في شأنه ما يدل على الوقف، ومن هذا وأمثاله عدم الوثوق
بتوثيقات العلامة وتضعيفاته، لما ثبت من طريقته من أن بناءه كان على قلة
التأمل وسرعة السير، كما ذكر في المنتقى في جملة كلام له، ولا سيما بعد الاطلاع

(1) رجال النجاشي: 289 رقم 773.
(2) مندل: بفتح الميم والدال المهملة وسكون النون. تنقيح المقال: 3 / 247
رقم 12136 ورجال ابن داود: 281 رقم 517 والخلاصة: 260 رقم 6 وتوضيح الاشتباه:
287 رقم 1403.
(3) رجال النجاشي: 422 رقم 1131.
(4) رجال النجاشي: 330 رقم 893.
(5) رجال العلامة: 54 رقم 5.
230

على ما وقع للمتأخرين من الأوهام في باب التزكية وشهادتهم بالثقة لأقوام،
حالهم مجهولة أو ضعفهم مترجح، لقلة التأمل وخفة المراجعة، حيت اعتمدوا
في التأليف طريقة الاكثار، وهي مباينة في الغالب لتدقيق النظر، تحرير
الاعتبار. (انتهى).
وتقدم الكلام في هذا المرام.
231

السادس في: (جل)
وهو بالفتح أو بالكسر، أي: جليل. قال في القاموس: فهو جليل، وجل
بالفتح والكسر (1).
وفي بعض التراجم: (جلة) كما في ترجمة الحسن بن أبي عقيل: (إنه من جلة
المتكلمين) (2).
وفي نصر بن الصباح: (لقي جلة من كان في عصره من المشايخ العلماء) (3).
إلى غير ذلك (4).

(1) القاموس المحيط: 3 / 360، مادة: جل.
(2) الفهرست: 194، رجال ابن داود: 110. وما في رجال العلامة: 40 رقم 9: من جملة
المتكلمين، مصحف.
(3) رجال الطوسي: 515.
(4) كما في ترجمة الحسين بن القاسم...: كان أبوه القاسم، من جلة أصحابنا. رجال
النجاشي: 66 رقم 157. وفي منصور بن حازم: ثقة، عين، صدوق، من جلة أصحابنا
وفقهائهم. رجال النجاشي: 413 رقم 1101. وفي أحمد بن داود بن سعيد: وكان من جلة
أصحاب الحديث من العامة ورزقه الله هذا الأمر. الفهرست: 34 رقم 90. وفي علي بن
إسماعيل بن ميثم...: وميثم من جلة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. الفهرست: 87
رقم 364. وفي أبي منصور الصرام: من جلة المتكلمين من أهل نيسابور. الفهرست: 190
رقم 853.
233

وهو بكسر الجيم جمع الجليل كالأجلة، كما صرح به في القاموس، فما
ربما يزاد الألف بتوهم السقوط، أو يضم الجيم بتوهم كونها بمعنى الأكثر، كل
منهما ساقط لا يستطر.
234

السابع في: (حسن الانتقاء)
والظاهر أن المقصود أنه حسن الاختيار والسليقة في تصرفاته العلمية، كما
قال في المصباح: (وانتقيت الشئ، أي: اخترته) (1).
وفي المجمع: (الانتقاء الاختيار) (2).
وربما يشهد به سياق الكلام أيضا، فإنه ذكر ذلك في ترجمة الحسن بن محمد
ابن سماعة: (من أنه نقي الفقه، حسن الانتقاء) (3).
وقريب منه ما في الفهرست، في أحمد بن إبراهيم بن معلى: (من أنه كان ثقة
في حديثه، حسن التصنيف) (4).
والظاهر أن من ذلك، تسمية المحقق كتابه ب‍ (منتقى الجمان في الأحاديث
الصحاح والحسان).
والجمان، بضم الجيم وتخفيف الميم: الدر، جمع جمانة.

(1) المصباح المنير: 2 / 624.
(2) مجمع البحرين: 1 / 420.
(3) رجال العلامة: 212 رقم 2.
(4) الفهرست: 30 رقم 80.
235

ولعمري إنه كتاب قليل العديل، بل عديم النظير، فإنه كما ذكر في فاتحته:
(مفتاح لباب الدراية الأشب، ومعوان على بناء ربع الرواية الحزب، ومثابة
يتبوؤها المستعدون لاستنباط الأحكام، ويلتقط منها المجتهدون درر الفوائد
الموضوعة على طرف الثمام) (1).

(1) منتقى الجمان: 1 / 3.
236

الثامن في: (كان حظيا عندهم)
كما ذكره النجاشي في يونس بن يعقوب (1). والظاهر أنه بالحاء المهملة،
والظاء المعجمة، بمعنى: المنزلة والمكانة، كما قال في الصحاح: ورجل حظي،
إذا كان ذا حظوة ومنزلة، وقد حظي عند الأمير واحتظى بمعنى (2).
وقال في القاموس: والحظة كعدة: المكانة. (3)
ومن هنا ما ذكر في الترجمة المذكورة: (من أنه اختص بأبي عبد الله
وأبي الحسن عليهما السلام وكان يتوكل لأبي الحسن عليه السلام ومات بالمدينة في أيام
مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - فتولى أمره، وكان حظيا عندهم،
موثقا) (4).
قوله: (فتولى أمره) الظاهر تولى أمر موته، من غسله وكفنه ودفنه وغيرها،
كما يظهر مما رواه الكشي عن أبي النضر، (قال: سمعت علي بن فضال يقول: مات

(1) رجال النجاشي: 446 رقم 1207 والخلاصة: 185 رقم 2.
(2) الصحاح: 6 / 2316، مادة (حظا).
(3) القاموس المحيط: 4 / 319، مادة (الحظوة).
(4) رجال النجاشي: 446 رقم 1207.
237

يونس بن يعقوب بالمدينة، فبعث إليه أبو الحسن الرضا - عليه آلاف التحية
والثناء - بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه، وأمر مواليه وموالي أبيه وجده
أن يحضروا جنازته، وقال لهم: احفروا له في البقيع. ووجه إلى زميله (1): صل
عليه أنت) (2).
والظاهر أنه من أجلاء رواة الإمامية، وكان في زمان من الفطحية، ولكن
رجع.
وذكره في الخلاصة في القسم الأول واعتمد عليه وقبل رواياته (3).
كما عن الفاضل عبد النبي، ذكر في قسم الثقات (4).
فما عن المنتهى، في صلاة الكسوف: (من أني لا أعرف حاله) (5)، غير وجيه.

(1) في المصدر: ووجه إلى زميله محمد بن الحباب وكان رجلا من أهل الكوفة: صل عليه
أنت.
(2) رجال الكشي: 386 رقم 721.
(3) رجال العلامة: 185 رقم 2.
(4) حاوي الأقوال: 163 رقم 666. (مخطوط).
(5) منتهى المطلب: 1 / 350.
238

التاسع في: (درست)
قال السيد الجليل في غاية القصوى (1): إنه من ألفاظ المدح.
ففي النجاشي: إن درست، بمعنى صحيح (2)، وقد ثبت أنه من ألفاظ التوثيق.
ولو قيل: إن الألقاب كثيرا ما يوضع تعيينا تفألا، فأين دلالتها على معروفية
الملقب بمفاد المدلول؟
قلنا: الأغلب الغلبة، ويكفي فيما نحن بصدده.
أقول: إن عدة من ألفاظ المدح، في غاية الغرابة من مثله، فإنه بمنزلة اسم
الراوي، فإنه درست بن أبي منصور، الواقفي (3)، بشهادة جماعة من
الأصحاب مثل النجاشي (4) والشيخ في كتابيه (5) في الرجال في أصحاب

(1) (غاية القصوى) منظومة في العقائد للسيد الجليل ابن سلطان العلماء السيد محمد ابن
السيد دلدارعلي. الذريعة: 16 / 15.
(2) رجال النجاشي: 162 رقم 430.
(3) وقد صرح على كونه واقفيا الكشي في رجاله: 556 رقم 1049 والشيخ في رجاله
في أصحاب الكاظم عليه السلام: 349 رقم 3 ونقل عنهما العلامة وابن داود.
(4) رجال النجاشي: 162 رقم 430.
(5) الفهرست: 69 رقم 278.
239

الصادق والكاظم عليهما السلام (1) والسيد ابن طاوس (2) وابن شهرآشوب (3).
ولقد أجاد بعض المتأخرين فيما ذكره من أن التوقف في وقفه من العلامة
البهبهاني (4)، بعد شهادة عدلين مرضيين، بل عدول مرضيين، لعله ليس بمكانه.
فإذا ثبت أنه من قبيل الأسامي، فأي دلالة فيه على الوثاقة؟ فهل ترى
اتصاف الملقبين بالألقاب الممدوحة في ابتداء العمر بمدلولاتها؟ ولو في
الغالب!!.
بل الغالب انعكاس الأمر، كما هو أوضح من البدر، ونحوه الأسامي
والكنى.
فما ذكره من أنه بمنزلة صحيح في إفادة الوثاقة، وكذا دعوى الغلبة، في
غاية العلة والغرابة.

(1) رجال الطوسي: 191 رقم 36 و 349 رقم 3.
(2) التحرير الطاووسي: 101 رقم 149.
(3) معالم العلماء: 49 رقم 326.
(4) تعليقة الوحيد: 138.
240

العاشر في: (سليم الجنبة)
كما في ترجمة عبد الله بن محمد بن خالد وأخيه (1). ونحوه: سالم الجنبة،
كما في أحمد بن محمد بن عاصم (2) وغيره (3).
وحكي عن بعض (4): إن معناه: سليم الأحاديث، وسليم الطريقة.
وعن آخر: إن معناه خصوص الأخير.
وربما يظهر من المحقق القمي التوقف.
وقال الوالد المحقق رحمه الله في بعض فوائده: الجنبة - بالتحريك - شق الإنسان
أو غيره، وإليه يرجع تفسيره بالناحية من الصحاح (5) لو كان المقصود بالناحية،
الطرف الداخل كما يرشد إليه ما قاله في المصباح: من أن الجنب من الناحية،
تعليلا بأنه ناحية من الشخص (6).

(1) رجال النجاشي: 219 رقم 572، رجال العلامة: 110 رقم 35 ورجال ابن داود:
197 رقم 815.
(2) الفهرست: 28 رقم 75 ورجال ابن داود: 42 رقم 132.
(3) كما في أحمد بن طلحة. الخلاصة: 16 رقم 16.
(4) المراد منه: الوحيد البهبهاني. راجع: الفوائد الرجالية المطبوعة في آخر رجال
الخاقاني: 36.
(5) الصحاح: 1 / 101.
(6) المصباح المنير: 1 / 110.
241

والجنبة - بالاسكان: الناحية أيضا كما في الصحاح والقاموس، فهو يحتمل
الأسكان والتحريك، ولعل الأول، أظهر.
وهي كناية عن الذات على الوجهين، كما في الجناب بالفتح، سواء كان
المقصود به الفناء، أو الناحية.
وربما يرشد ما في ترجمة إسماعيل بن شعيب: (من أنه سالم
فيما يرويه) (1)، إلى كون الغرض سلامة الأحاديث.
وكذا يرشد إليه ما في أحمد بن هلال: (من أنه صالح الرواية) (2).
بل يرشد إليه ما يقال صحيح الحديث كما في ترجمة جماعة (3).
وكذا ما يقال ثقة في الحديث (4) أو في الرواية (5) وأمثالهما (6)، بل يرشد

(1) الفهرست: 11 رقم 33 والخلاصة: 9 رقم 7.
(2) رجال النجاشي: 83 رقم 199، الخلاصة: 202 رقم 6 ورجال ابن داود: 425
رقم 44.
(3) كما في إبراهيم بن نصر. رجال النجاشي: 21 رقم 28، الحسن بن علي بن النعمان.
رجال النجاشي: 40 رقم 80، الحسن بن علي بن بقاح. رجال النجاشي: 40 رقم 82، أحمد
بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب. رجال النجاشي: 74 رقم 179 و....
(4) كما في إبراهيم بن سليمان بن عبد الله. رجال النجاشي: 18 رقم 20، أحمد بن أبي بشر
السراج. رجال النجاشي: 75 رقم 181، أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع. المصدر: 84،
أبو الحسن أحمد بن محمد. المصدر: 92، أحمد بن محمد بن أحمد. المصدر: 93، عبيد الله بن أبي
زيد أحمد: 232، علي بن سعيد. المصدر: 259، علي بن إبراهيم بن هاشم. المصدر: 260 و.
(5) كما في محمد بن عبد الله بن غالب. رجال النجاشي: 340 رقم 913، الخلاصة: 255
رقم 45 ورجال ابن داود: 505 رقم 446.
(6) كما في الحسين بن أبي سعيد: (ثقة في حديثه). رجال النجاشي: 38 رقم 78، وفي
الحسن بن محمد بن جمهور: (ثقة في نفسه). رجال النجاشي: 62 رقم 144، جعفر بن
محمد بن جعفر: (كان ثقة في أصحابنا). رجال النجاشي: 122 رقم 314، أيوب بن نوح بن
دراج: (ثقة في رواياته). رجال النجاشي: 102 رقم 254.
242

إليه سياق المقام، لكون فن الرجال موضوعا للتعرض لأحوال ناقلي الأخبار.
فالظاهر كون الغرض، السلامة في النقل بشهادة المقام.
قال: فقد بان ضعف ما لعله مستند القول بكون الغرض سلامة الرواية
والمذهب من عموم حذف المتعلق.
أقول: إنه ربما ينافي المعنى المذكور، سياق ما ذكره في الفهرست في أحمد بن
محمد بن عاصم: (من أنه ثقة في الحديث، سالم الجنبة) (1)، فإنه بناء عليه
يقرب إلى التكرار، أو يرجع إلى التأكيد، وكل منهما بعيد.
ونحوه ما في النجاشي، في عبد الله بن محمد بن خالد: (من أنه ثقة، سليم
الجنبة) (2).
وفي أحمد بن محمد بن طلحة: (ثقة في الحديث، سالم الجنبة) (3).
وأظن أنه بمعنى سلامة المذهب، نظرا إلى سياق كلماتهم، وربما يقع
في كلماتهم مطلقا كما في أحمد بن الحسن بن إسماعيل: (من أنه سليم) (4).
وفي محمد بن أحمد بن عبد الله: (كان ثقة، سليما) (5).

(1) الفهرست: 28 رقم 75.
(2) رجال النجاشي: 219 رقم 572،
(3) الفهرست: 28 رقم 75 والخلاصة: 16 رقم 16.
(4) الفهرست: 22 رقم 56.
(5) رجال النجاشي: 346 رقم 935 والخلاصة: 156 رقم 103.
243

وفي علي بن الحسن العاصمي: (كان ثقة في الحديث، سالما) (1).
ونحوها غيرها، والظاهر، اتحاد المفاد.

(1) رجال النجاشي: 93 رقم 232. قاله النجاشي في أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة.
244

الحادي عشر في: (شرطة الخميس)
الشرطة: بضم الشين المعجمة وسكون الراء وفتح الطاء المهملة، واحد
الشرط، كغرفة وغرف.
والخميس: بالفتح بمعنى الجيش، كما صرح به في النهاية والمجمع (1)
وغيرهما. سمي به لانقسامه إلى خمسة أقسام: المقدمة، والساقة، والميمنة،
والميسرة، والقلب.
ووجه التعبير به عن جماعة إما: بملاحظة أن الشرطة مأخوذ من (شرط)
بفتحتين، بمعنى العلامة، وسمي به مقدمة الجيش، أو أقويائهم، لأنهم جعلوا
لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء، كما ينصرح ذلك من المصباح (2)
والمجمع وغيرهما.
أو من الشرط، بمعنى التهيؤ، سموا بهم، لأنهم يتهيؤون لدفع الخصم، كما
صرح به في الأول.

(1) مجمع البحرين: 4 رقم 257.
(2) مصباح المنير: 1 / 309، مادة (شرط).
245

أو من الشرط، بمعنى الألزام، كما ربما ينصرح مما رواه الكشي في ترجمة
أصبغ ابن نباتة (1).
(قال: قيل له: كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: إنا ضمنا له الذبح،
وضمن لنا الفتح، يعني أمير المؤمنين عليه السلام) (2).
وربما ذكر المولى التقي المجلسي في بعض حواشي التهذيب: (الشرط: الأقوياء
الذين يتقدمون الجيش، فهم أخص من المقدمة، كأنهم شرطوا أن لا يرجعوا
حتى يفتحوا أو يقتلوا، وكان الأصبغ منهم).
وقال السيد السند التفرشي: (والشرطة، طائفة من الجيش) (3).
والظاهر أن المراد: الطائفة المخصوصة لا مطلقها.
فما قيل عليه: من أن الشرطة هي مقدمة الجيش لا مطلق طائفته، ليس
بالوجه.
ثم إنه لا يخفى أنها تدل على غاية قوة إيمان من ذكر في حقه، بل من
المبشرين في لسان يعسوب المؤمنين - صلوات الله تعالى عليه - كما في
ترجمة عبد الله بن يحيى الحضرمي: (إنه قال لي علي عليه السلام يوم الجمل: (أبشر
يا بن يحيى! فإنك وأباك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول
الله صلى الله عليه وسلم باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء

(1) نباتة: بضم النون. راجع: رجال ابن داود: 52 رقم 204 وتنقيح المقال: 1 / 150
رقم 1008 ورجال العلامة: 193 رقم 45 وإيضاح الاشتباه: 80 وتوضيح الاشتباه: 66.
(2) رجال الكشي: 103 رقم 165.
(3) نقد الرجال: 209 رقم 279.
246

شرطة الخميس على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
كما أن الظاهر دلالته على الوثاقة، كما جرى عليه جمع من الطائفة، كيف
وقد فضل الله تعالى المجاهدين على القاعدين درجة وأجرا عظيما (2)،
فكيف بمن هو من أعيانهم ومنتخبيهم، وللذبح ملتزميهم.
قيل: وناهيك في الفضل والبهاء، تسميتهم بذلك من الله سبحانه في السماء.
ثم إنه قد ذكر ذلك في ترجمة جماعة:
كأصبغ بن نباته (3) وسهل بن حنيف (4) ويحيى الحضرمي وابنه (5) وأبي يحيى
الحنفي (6)، بل عن البرقي أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل (7).

(1) رجال الكشي: 6 رقم 10.
(2) إشارة إلى آية 95 من سورة النساء.
(3) رجال الكشي: 103 رقم 164.
(4) رجال البرقي: 4.
(5) وهو: عبد الله. رجال الكشي: 6 رقم 10، الخلاصة: 104 رقم 8.
(6) رجال الطوسي: 38 رقم 5، رجال البرقي: 4، رجال ابن داود: 407 رقم 97
والخلاصة: 192.
(7) رجال البرقي: 3. وقال الكشي: وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو
خمسة آلاف. رجال الكشي: 6 رقم 10.
247

الثاني عشر في: (صليب)
قد وقع في بعض التراجم تارة: مطلقا كما وقع في أبان بن محمد (1)
وعبد الله ابن جبلة (2).
وأخرى: مسبوقا بقولهم (عربي) كما في إسحاق بن غالب وأخيه
عبد الله (3) وعيسى بن صبيح. (4)
والظاهر أن المقصود به: الخالص. أي: أنه عربي خالص، غير ملتبس النسب
بغيره، كما هو الحال في جماعة على ما يظهر من كلماتهم في التراجم كما ذكروا
في بعضها: العربي الخالص كما عن المعرب يقال: عربي صليب، أي: خالص، وفي
الحاوي في الترجمة الأولى من الجملة الثانية بعد نقل عربي صليب في حقة:
الصليب الخالص النسب، أي: لم يلتبس بغير العربي.

(1) رجال النجاشي: 187 رقم 497.
(2) رجال النجاشي: 216 رقم 563. وكذا في عبد الملك بن عتبة. رجال النجاشي: 239
رقم 635.
جبلة: - بفتح الجيم والباء الموحدة واللام المخففة -. توضيح الاشتباه: 204 رقم 955 و 65
رقم 239، إيضاح الاشتباه: 209 رقم 348، الخلاصة: 237 رقم 21 وتنقيح المقال: 1 / 207
رقم 1608.
(3) رجال النجاشي: 72 رقم 173.
(4) رجال النجاشي: 296 رقم 804.
249

ثم إن في ترجمة ربيع بن أبي مدرك: (إنه يقال له المصلوب، لأنه كان صلب
بالكوفة على التشيع) (1).
ثم إنه ذكر في المجمع: أن صليب النصارى هيكل، مربع، يدعون النصارى أن
عيسى - على نبينا وآله وعليه السلام - صلب على خشبة على تلك الصورة، وفي
المعرب هو شئ كالتماثيل تعبده النصارى (2). (انتهى).
ولا يخفى إنه كثيرا ما يتعرض لما يرتبط من اللغات والأسامي بالرجال،
وتعرض للمعنى المذكور للصليب، دون المعنى الذي ذكرناه، فهو من باب السهو
والغفلة.
ثم إنه قد يقع في كلماتهم في التراجم صميم مطلقا، كما في محمد بن جميل
ابن صالح (3) ومسبوقا بالمسبوق (4) كما في معاوية بن وهب (5) ومعمر بن
خلاد (6) ومحمد بن مارد (7) وغيرهم (8)

(1) رجال النجاشي: 165 رقم 432، الخلاصة: 71 رقم 2 ورجال ابن داود: 149
رقم 432.
(2) مجمع البحرين: 1 / 101، مادة (صلب).
(3) رجال النجاشي: 361 رقم 971. فيه: (عربي، صميم، ثقة). لم نجد على ما فحصنا
ورود (صميم) مطلقا في ترجمة أحد من الرواة، فالظاهر أنه من سهو قلمه الشريف أو كان في
النسخة الموجودة عنده هكذا.
(4) أي: بالعربي.
(5) رجال النجاشي: 412 رقم 1098. فيه: (عربي، صميمي).
(6) رجال النجاشي: 361 رقم 971. فيه: (عربي، صميم، ثقة). لم نجد على ما فحصنا
ورود (صميم) مطلقا في ترجمة أحد من الرواة، فالظاهر أنه من سهو قلمه الشريف أو كان في
النسخة الموجودة عنده هكذا.
(7) أي: بالعربي.
(8) رجال النجاشي: 412 رقم 1098. فيه: (عربي، صميمي).
250

ومعناه: معنى الصليب، كما قال في المصباح: (وصميم الشئ خالصه) (1).
وفي القاموس: (ورجل صميم كأمير، محض) (2).
وفي المجمع: (الصميم كأمير، الخالص) (3).
وقد وقع ذكره في غير مورد من النجاشي وتبعه غيره وفي الأغلب أقرانه
بالتوثيق، بل الظاهر عدم الانفكاك إلا في جعفر بن أحمد السمرقندي وسعد بن
طريف (4).
ولذا يقل فائدة البحث في الدلالة على الوثاقة، وإن كان دعوى ظهورها غير
بعيدة، ولا سيما مع ملاحظة السكوت عن المعارض، ولعله لذا جعله الشهيد
الثاني في الدارية من ألفاظ التوثيق كما عن سبطه (5) في شرح الاستبصار،
عند الكلام في الكر.
كما هو الظاهر مما عن الفاضل الجزائري والمحدث البحراني في
الحاوي البلغة من عد المذكورين في الثقات، ولكن الظاهر من العلامة البهبهاني
في التعليقات العدم، حيث أنه عنون النجاشي إبراهيم بن نصر القعقاع، فذكر:

(1) المصباح المنير: 1 / 348.
(2) القاموس المحيط: 4 / 142.
(3) مجمع البحرين: 6 / 103، مادة (صمم) فيه (الصميم ككريم: الخالص).
(4) لم نجد في رجال النجاشي ولا فيمن تبعه أن يتعرضوا فيهما بلفظة (صميم). راجع
رجال النجاشي: 121 رقم 310، ترجمة جعفر بن أحمد السمرقندي و 178 رقم 468، ترجمة
سعد بن طريف.
(5) هو الشيخ محمد صاحب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار. مخطوط لم يطبع إلى
الآن. لم نجده في الدراية على ما فحصت في مظانه.
251

(أنه ثقة، صحيح الحديث، له كتاب) (1).
فذكر طريقا إليه منتهيا إلى جعفر بن بشير، ذكر العلامة المشار إليه أن في
رواية جعفر بن بشير عنه، إشعار بالوثاقة (2).
والظاهر أن الاستناد بالأشعار، من جهة سقوط التوثيق من نسخته، وإلا أن
النجاشي مصرح بتوثيقه، والشواهد ثابتة بثبوته، فالاستناد إليه دونه، كاشف
عن استظهار عدم الدلالة وأما دلالته على وثاقة من.

(1) رجال النجاشي: 21 رقم 28.
(2) تعليقة الوحيد: 28، وفيه: إبراهيم بن نصير.
252

الثالث عشر في: (صحيح الحديث)
قد تقدم اختلاف اصطلاح القدماء والمتأخرين، ومن الظاهر عدم الدلالة
على العدالة فضلا عن الإمامية.
فما ذكره الشهيد في الدارية من أن صحيح الحديث بمنزلة ثقة (1) كما هو
المحكي عن ظاهر السيد الداماد (2)، بعيد عن السداد.
كما أن ما حكم به الفاضل الجزائري في ترجمة عبد السلام بن صالح: من أن
قولهم: (صحيح الحديث) ينافي كون الرجل عاميا، ليس على ما ينبغي، اللهم
إلا أن يدعي انصراف تصحيح الحديث، سواء كان في باب الراوي، أو الكتاب،
إلى كون الراوي إماميا، قضية أن الغالب في الرواة الإمامية. فثبت العدالة
بالمعنى الأخص كما ذكره الوالد المحقق رحمه الله.
وربما اعترض على الدراية في العدة: (بأن أقصاه الصدق والضبط، وهما
لا يستلزمان الوثاقة المأخوذ فيها الأيمان، بل ربما قضت الإضافة باختصاص

(1) الرعاية في علم الدراية: 204، فيه: (صحيح الحديث، فإنه يقتضي كونه ثقة،
ضابطا، ففيه زيادة تزكية).
(2) الرواشح السماوية: 60، الراشحة الثانية عشر.
253

المدح بالحديث دون المحدث.
كما قال الشيخ في سعد بن طريف القاضي: (إنه صحيح الحديث) (1)، وقد قال
النجاشي: (إنه يعرف وينكر) (2).
وروى الكشي عن حمدويه الثقة: (إنه ناووسي) (3). اللهم إلا أن تقوم قرينة على
خلافه.
فإن قيل: إنما يعد حديث المحدث صحيحا في نفسه، إذا كان ثقة.
منعنا ذلك، لأن المدار في القبول والتصحيح عند المتقدمين على الصدق
والضبط.
وبالجملة: الوثاقة بالمعنى الأعم، ولا يتوقفون في ذلك على الأيمان، كيف
وهم ممن يقبلون أخبار الموثقين ويعدونها في الصحاح، وليس البحث في
كلام المتأخرين وكان ذلك من باب الخلط بين الاصطلاحين) (4).
وفيه: إن دلالة (ثقة) على الأيمان محل للكلام، إلا بالقرائن الخارجية
الجارية في قرينها أيضا، ودلالة المورد على ما ذكره ممنوعة، لاحتمال كونها
من باب وقوع المخالفات الشائعة.
ثم إنه ربما يستدل به على اعتبار من روى عنه ومنه، ما استدل على اعتبار
محمد بن أحمد العلوي، بملاحظة أنه روى عنه أحمد بن إدريس، وقد ذكر في
ترجمته: (أنه صحيح الحديث) (5).

(1) رجال الطوسي: 92 رقم 17.
(2) رجال النجاشي: 178 رقم 468.
(3) رجال الكشي: 215 رقم 384.
(4) انتهى كلام المحقق الأعرجي في عدة الرجال: 1 / 118.
(5) الفهرست: 26 رقم 71.
254

ثم إنه ربما يقال في بعض التراجم (صحيح) وربما يستظهر اتحاد مفاده مع
ما تقدم.
وأما دعوى دلالته على العدالة، استنادا إلى الإطلاق، فمفاده الصحة من
جميع الجهات، فممنوعة، إلا أن أصل الاستظهار محل الارتياب، لوقوع
المقيدات في كلماتهم.
فتارة: يقيد ب‍ (الحديث) كما تقدم
وأخرى: ب‍ (العقيدة) كما في الفهرست، في أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع:
(ثقة في الحديث، صحيح في العقيدة) (1).
ونحوه ما في محمد بن محمد: (من أنه صحيح العقيدة) (2)، وقريب منهما ما
في غيرهما (3).
وثالثة: بالسماع كما في أحمد بن محمد بن طرخان: (أنه ثقة، صحيح
السماع) (4).
ورابعة: بالمذهب كما في محمد بن أحمد المفجع: (أنه من وجوه أهل اللغة
والأدب والحديث، صحيح المذهب، حسن الاعتقاد) (5).
فمن المحتمل إرادة الصحة في العقيدة أو المذهب من الإطلاق.

(1) الفهرست: 32 رقم 86.
(2) رجال النجاشي: 393 رقم 1051.
(3) كذا في محمد بن إبراهيم بن جعفر. رجال النجاشي: 383 رقم 1043.
(4) رجال النجاشي: 87 رقم 210.
(5) رجال النجاشي: 374 رقم 1021.
255

الرابع عشر في: (ضعيف)
ربما نفى الريب تارة، والأشكال أخرى، في إفادته القدح في الرواية
وسقوطها عن درجة الاعتبار.
وفيه ما يتأتى من الأشكال في المضمار، ويتأتى الكلام في إفادته القدح
في الراوي.
فعن الأكثر: القول بالإفادة، والظاهر أن المستند ظهور اللفظ في تضعيف
الراوي، ولما كان غير مقيد بقيد، فيحمل على إطلاقه. وهو إما من جهة سوء
المذهب، أو الفسق، أو كليهما، وعلى أي تقدير يفيد الضعف.
وجرى العلامة البهبهاني على القول بالعدم، نظرا إلى أنا قد تتبعنا كلماتهم
في تراجم الرجال، فوجدناهم أنهم كثيرا ما يضعفونهم بما لا يوجب القدح
فيهم، فحينئذ إذا حكموا بضعف أحد ولم يبينوا الوجه فيه، فيشك أن الوجه فيه
من الأمور القادحة أم لا؟ فمع الشك لا يتجه الحكم.
وذلك لما في إبراهيم بن يزيد، فإنه جعل كثرة الأرسال ذما وقدحا (1).

(1) كذا في كلام الوحيد أيضا. والظاهر أنه سهو، لأنه لم يقل أحد من الرجاليين ذلك في
إبراهيم بن يزيد. ويحتمل قويا أن يكون مراده أحمد بن محمد بن سيار الذي قيل فيه:
كثير المراسيل. كما في رجال النجاشي: 80 رقم 192، الفهرست: 22 رقم 60، رجال ابن داود:
422 رقم 39 والخلاصة: 203 رقم 9، ولم نجد من الرواة من يوصف بكثرة المراسيل غيره.
257

وفي جعفر بن محمد بن خالد الرواية عن الضعفاء والمجاهيل من عيوب
الضعفاء (1).
وفي محمد بن الحسن بن عبد الله، روى عنه البلوى، والبلوى رجل
ضعيف. (2)
وفي جابر يروي عنه جماعة غمزوا فيهم إلى غير ذلك.
ومثل ما في أحمد بن عبد الله الجعفري (3) والمعلى بن خنيس (4)
وعبد الكريم بن عمر (5) والحسن بن راشد (6) وغيرهم، فتأمل.
وبالجملة كما أن تصحيحهم غير مقصور على العدالة، فكذا تضعيفهم

(1) هو من سهو قلمه الشريف وفي المصدر: محمد بن مالك. وراجع أيضا: رجال العلامة:
210 رقم 3. فيه عن ابن الغضايري: (يروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء
مجتمعة فيه).
(2) رجال النجاشي: 324 رقم 884.
(3) الصحيح: محمد بن عبد الله الجعفري الذي قال فيه ابن الغضائري: (لا نعرفه إلا من
جهة علي بن محمد صاحب الزنج، ومن جهة عبد الله بن محمد البلوى، والذي يحمل عليه،
فأمره فاسد). الخلاصة: 256 رقم 54.
(4) الخلاصة: 259 رقم 1.
(5) قال العلامة فيه: (قال ابن الغضائري إن الواقفة تدعيه والغلات تروي عنه كثيرا
والذي أراه، التوقف عما يرويه). الخلاصة: 243 رقم 5. مع أن النجاشي قال فيه: (كان ثقة،
ثقة، عينا). رجال النجاشي: 245 رقم 645.
(6) الخلاصة: 213 رقم 9.
258

غير مقصور على الفسق، وهذا غير خفي على من تتبع وتأمل.
ولعل من أسباب الضعف عندهم: قلة الحافظة، وسوء الضبط، والرواية من
غير إجازة، والرواية عمن لم يلقه، واضطراب ألفاظ الرواية، وايراد الرواية
التي ظاهرها الغلو أو التفويض أو الجبر أو التشبيه، وغير ذلك كما في كتبنا
المعتبرة، بل هي مشحونة منها كالقرائن، مع أن عادة المصنفين إيرادهم جميع
ما رووه، كما يظهر من طريقتهم.
وبالجملة: أسباب قدح القدماء كثيرة، وغير خفي أن أمثال ما ذكر ليس منافيا
للعدالة (1).
وهو كلام جيد، متين، ولكن قد وقع اختلال في نقل هذا الكلام في منتهى
المقال، وممن قصر نظره في النقل عنه، نقل جزء من الكلام فجعله مورد النقض
والابرام بما ليس في تحته طائل، ولا في ذكره وتضعيفه حاصل.

(1) انتهى كلام الوحيد رحمه الله، راجع: الفوائد الرجالية المطبوعة في آخر رجال الخاقاني:
37.
259

الخامس عشر في: (عين ووجه)
اختلفوا في دلالتهما على القول بالوثاقة، كما جرى عليه السيد الداماد (1)
والمولى التقي المجلسي (2) وبعض الأساطين (3).
وهو الظاهر من الفاضل الاسترآبادي في ترجمة الحسن بن علي بن زياد،
فإنه ذكر وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمد بن عيسى، ولا ريب
أن كونه عينا من عيون هذه الطائفة، ووجها من وجوهها أولى (4).
والظاهر أن المراد بالوثاقة هو العدالة بالمعنى الأخص، كما ينصرح من
العلامة البهبهاني (5) وبعض الأساطين (6) والوالد المحقق.

(1) الرواشح السماوية: 60.
(2) روضة المتقين: 14 / 45. قال في ترجمة الحسن بن علي بن زياد: وكان هذا الشيخ
عينا من عيون هذه الطائفة وهذا توثيق - إلى أن قال: - بل الظاهر أن قوله وجه، توثيق.
(3) الظاهر أن المراد منه هو المحقق القمي. قال: فمن أسباب الوثاقة... قولهم: عين، وجه.
فقيل: إنهما يفيدان التوثيق وأقوى منهما: وجه من وجوه أصحابنا. القوانين: 485.
(4) منهج المقال: 103.
(5) الفوائد الرجالية المطبوعة في آخر رجال الخاقاني: 32.
(6) القوانين: 485.
261

وعلى القول بالمدح المعتد به، كما ذهب إليه العلامة المشار إليه، واستدل
للقول الأول للأول: بأن العين المذكور في التراجم، إما مأخوذ من العين
الباكية، أو الربيئة أو الميزان، والأخير هو الأظهر، لكونه مذكورا في ترجمة
جماعة كثيرة.
وأن الغالب كون العين مرادفا لثقة، فيقولون: (ثقة، عين) بحيث يظهر أن
الغرض هو التأكيد، وأن المراد منه ما يناسب الوثاقة ويؤكده، وليس ذلك إلا
لمعنى الأخير، لأن الميزان لما كان في كمال الاستواء والاستقامة، بحيث
لا يزيد أحد كفيه على الاخر، فتشبيه الرجل به يفيد كونه كاملا في تلك الصفة،
فيدل على كمال الوثاقة.
كما أن مولانا الصادق عليه السلام سمى أبا الصباح الكناني ميزانا، لثقته، بل روى
الكشي بالأسناد عن أبي الصباح، أنه قال: إن الميزان ربما كان فيه العين،
فقال عليه السلام: (أنت ميزان ليس فيه عين) (1).
فظهر صحة التشبيه بالعين بمعنى الميزان، لإفادة توكيد الوثاقة.
وأورد عليه بأنها ظاهرة في نفسها في الباكية، لأشهريتها. فالظاهر أنه المراد
منها تشبيها للشخص بين الأكفاء بالعين بين الأعضاء، وقد شاع استعماله
في الشخص تشبيها له بالعين بالمعنى الباكية، في مثل ما يقال: فلان من أعيان
البلد ونحوه ما شاع في اللغة الفارسية (2) أيضا. إلا أن التشبيه فيه باعتبار
الامتياز الدنيوي، بخلاف المقام، فإن التشبيه فيه باعتبار الامتياز في الصدق
أو العدالة، وإن أمكن التشبيه بالنابغة في عموم النفع، وكونها من أسباب الحياة،

(1) رجال الكشي: 350 رقم 654.
(2) كما تداول في كلماتهم: (فلأني، چشم وچراغ أين طائفة است). (منه رحمه الله).
262

بكون الغرض عموم نفع الراوي وإحياء الشريعة. وكذا التشبيه بالربيئة في حفظ
الدين والدنيا.
وأما الميزان، فاستعمال العين فيه نادر، وكذا الحال فيما احتمله المولى
التقي المجلسي من كون المشبه به هو الشمس والخيار، بل الظاهر أن استعماله
فيهما، بل وكذا الميزان متروك في العرف، بل مفقود الأثر.
أقول: وفي كل من الكلامين كلام:
أما الأول: ففيه أولا إني لم أقف على ذكر معنى الميزان في معاني العين
واطلاقاته فيما وقفت عليه من كتب اللغة، من قبيل النهاية والمصباح
والصحاح والقاموس والمجمع.
نعم، إنه معروف في الكتب الأصولية كما هو صريح القوانين (1)، وظاهر
الفصول (2) وفي الاعتماد عليه بعد ما ذكر الأشكال، ويشبه أن يكون منشأ
الاشتباه ما ذكره في الصحاح والقاموس من معانيه: ميل الميزان، كما قال في
الصحاح: في الميزان: عين إذا لم يكن مستويا (3).
وقال في القاموس في طي ذكر معانيه: (الميل في الميزان) (4).
واليه يرجع قول أبي الصباح: (إن الميزان ربما كان فيه عين).
ومثله ما وقع في الجواب، ويشهد عليه أن الفاضل الأديب والعالم الأريب
السيد علي خان (5) قد حكى في أنوار الربيع في أنواع البديع، عن الفاضل الشيخ

(1) قوانين الأصول: 485.
(2) الفصول الغروية: 303.
(3) الصحاح: 6 / 2171، مادة (عين).
(4) القاموس المحيط: 4 / 253، مادة (عين).
(5) هو السيد صدر الدين علي بن نظام الدين أحمد الحسيني الدشتكي الشيرازي
المعروف بالسيد على خان المدني المتوفى سنة 1118.
كتاب (أنوار البديع) شرح لبديعيته التي نظمها في اثنتي عشرة ليلة في مائة وسبعة وأربعين
بيتا. راجع الذريعة: 2 / 426، خاتمة مستدرك الوسائل: 386 ورياض العلماء: 3 / 363.
263

بهاء الدين السبكي (1) أنه جمع معاني العين في قصيدة وذكر لها معاني كثيرة،
وليس فيها معنى الميزان، بل ذكر فيها ما ذكرنا من الميل فيه في قوله:
وينصب بينهم قسطاس حق * خلت من كل تطفيف وعين
كما أنه حكى عن الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن عيسى اللغوي، قصيدة
جمع فيها معاني العجوز، وقد جعلها مشتركة بين اثنين وستين معنى.
قال: وفسر معانيها الشيخ أثير الدين أبو حيان اللغوي، وبعد الفراغ من
النقل قال: بقي للعجوز معان أخر لم ينظمها الشيخ، فنظمتها بتوفيق الله
سبحانه، فذكر أشعارا فيها.
وهذا أيضا يؤيد بأنه ليس من معانيه الميزان، فإنه من أعاظم فرسان هذا
الميدان.
وثانيا: إن ما استبعده من كونه في الجميع، بمعنى الباكية والربيئة، إن أريد
منه أن يكون بالمعنى المطابقي فلا إشكال فيه، كما لا إشكال في جريان هذا
المحذور في معنى الميزان أيضا، وإن أريد منه أن يكون من باب الكناية،
فالاستبعاد ممنوع.
وثالثا: إنه وإن كان في الغالب مرادفا لثقة، ولكن ربما يأبى بعض كلماتهم
عما استظهره من الأرادف المذكور.
وذلك كما ذكر النجاشي في محمد بن مسعود العياشي: من أنه ثقة، صدوق،

(1) هو أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي أبو حامد بهاء الدين السبكي الشافعي
المتوفى سنة 773. راجع: ريحانة الأدب: 2 / 434 والوافي بالوفيات: 7 / 246.
264

عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها (1).
فإنه يبعدها عطف المعطوف المذكور، فإنه لا يلائم المعنى المزبور إلا بعناية.
وكذا ربما يبعدها ما ذكره النجاشي وغيره في الترجمة المذكورة: من أنه كان
في أول أمره عامي المذهب، وسمع حديث العامة فأكثر منه، ثم تبصر، مع أن
من المتداول في كلماتهم أيضا إرداف ثقة بثقة، ولو كان المراد تأكيد الوثاقة،
لأردفوها أيضا بالثقة.
وأما الثاني: فلأنه لا داعي للحمل على الباكية، إلا أشهريتها وامكان تصحيحها
للمعنى المناسب للمقام.
ويندفع الأول: بعدم إيجابها للحمل، مع استلزامه للتكلف المذكور.
والثاني: بعدم الدليل على التعين مع إمكان التصحيح بوجه أنسب منه، كما
سنذكره إن شاء الله تعالى.
مضافا إلى أن ما ذكره - من أن التشبيه في المقام باعتبار الامتياز في الصدق
والعدالة - يضعف بما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والتحقيق: إنه بمعنى سيد القوم، وكبيرهم، ورئيسهم، وشريفهم، وصاحب
جاههم، ومرتبتهم.
كما قال في الصحاح: (وعين القوم أشرافهم) (2).
وقال في المصباح: (وأعيان الناس أشرافهم) (3).
وقال في القاموس: (من جملة معانيه: السيد، وكبير القوم) (4).

(1) رجال النجاشي: 350 رقم 944.
(2) الصحاح: 6 / 2171، مادة (عين).
(3) المصباح المنير: 2 / 441.
(4) القاموس: 4 / 253.
265

وقال في المجمع: (وأعيان الناس، أشرافهم) (1).
ومنه الخبر: (أعيان بني الأم يتوارثون، دون بني العلات) (2).
وهذا معنى ظاهر يوافقه اللغة وكلمات أرباب الرجال.
ومن هذا وقوع ذكره في ترجمة جملة من الرؤساء، كما ذكر في ترجمة
العياشي (3) والكشي (4) والأشعري (5).
والظاهر أن نحوه وجه كما يشهد عليه، مضافا إلى إردافه كثيرا ما به في
غير موضع ما ذكره أهل اللغة.
كما قال في المصباح: (وجه - بالضم - وجاهة فهو وجيه، إذا كان له حظ
ورتبة. - وقال في جملة كلام له: - قدمت وجوه القوم، أي: ساداتهم) (6).
وقال في القاموس: (الوجه معروف - إلى أن قال -: وسيد القوم، الجمع
وجوه) (7).
وقال في المجمع: (والوجه والجاه، القدر والمنزلة، وقد وجه الرجل
- بالضم - أي: صار وجيها ذا جاه وقدر) (8).
ويشهد عليه أيضا غير واحد من كلماتهم، كما قال في الفهرست والخلاصة:

(1) مجمع البحرين: 6 / 287.
(2) التهذيب: 9 / 327 ح 13.
(3) رجال النجاشي: 350 رقم 944.
(4) رجال النجاشي: 372 رقم 1018.
(5) المراد منه، هو محمد بن علي بن محبوب الأشعري الذي قال النجاشي فيه: شيخ
القميين في زمانه، ثقة، عين، فقيه. رجال النجاشي: 349 رقم 940.
(6) المصباح المنير: 2 / 649.
(7) لاحظ: القاموس المحيط: 4 / 296.
(8) مجمع البحرين: 6 / 366.
266

(إسماعيل بن علي بن إسحاق، كان شيخ المتكلمين في أصحابنا ببغداد، وجههم
ومتقدم النوبختيين في زمانه) (1).
وذكر النجاشي: (إن له جلالة في الدنيا والدين، يجرى مجرى الوزراء) (2).
وقال النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى: (يكنى أبا جعفر، أول من سكن
قم - إلى أن قال -: وأبو جعفر شيخ القميين، ووجههم، وفقيههم، غير مدافع،
وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان) (3).
وقال قريب منه في الفهرست والخلاصة (4) وهو الذي أخرج محمد بن علي،
الملقب بأبي سمينة، الضعيف، الفاسد الاعتقاد، من قم، فإنه ورد فيه واشتهر
بالكذب، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مرة، ثم اشتهر بالغلو فخفي
فأخرجه عن قم (5).
وكذا أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن قم، ولكنه أعاده إليها
معتذرا إليه، ولما توفي مشى في جنازته حافيا، حاسرا، مبرء نفسه مما
قذفه به (6).
وكذا أخرج سهل بن زياد من قم إلى الري (7).

(1) الفهرست: 12 رقم 36 ورجال العلامة: 9 رقم 10.
(2) رجال النجاشي: 31 رقم 68.
(3) رجال النجاشي: 81 رقم 198.
(4) الفهرست: 25 رقم 65 ورجال العلامة: 13 رقم 2.
(5) راجع: رجال النجاشي: 332 رقم 894.
(6) راجع: الخلاصة: 14 رقم 7 ورجال ابن داود: 43 رقم 122.
(7) رجال النجاشي: 185 رقم 490.
267

وبالجملة، فاخرج جماعة من قم (1) ومن الظاهر عدم التمكن منه إلا من
الرئيس الكبير، ومنه ما عن المولى التقي المجلسي أنه أخرج جماعة من قم
لروايتهم عن الضعفاء وايرادهم المراسيل في كتبهم وكان اجتهادا منه، والظاهر
خطأه، ولكن كان رئيس قم، والناس مع المشهورين إلا من عصمه الله
تعالى (2).
وفي ترجمة معاوية بن عمار كان وجها في أصحابنا ومقدما، كبير الشأن،
عظيم المحل، ثقة (3) إلى غير ذلك من كلماتهم.
وظهر مما ذكرنا معنى ما قاله النجاشي وغيره في ترجمة أحمد بن أبي زاهر:
(من أنه كان وجها بقم، وليس حديثه بذلك النقي) (4).
وأما ما احتمل فيه: من أن يكون المقصود أن وجاهته كان عند أهل قم:
لكن حديثه ليس محل الركون، لعدم الوثوق بنقله.
أو أنه كان وجها وكان ساكنا بقم، لكن أحاديثه كانت من المراسيل، أو
مروية عن الضعفاء، فلا بأس به في نفسه، بل في حديثه، فلا يصغى إليه.

(1) كما في الحسين بن عبد الله المحرر القمي، قال الكشي: أخرج من قم في وقت كانوا
يخرجون منها من اتهموه بالغلو. رجال الكشي: 512 رقم 990. وقال العلامة وابن داود فيه:
اخرج من قم مع المتهمين بالغلو. الخلاصة: 216 رقم 8 ورجال ابن داود: 240 رقم 143.
(2) روضة المتقين: 14 / 27.
(3) رجال النجاشي: 411 رقم 1096.
(4) رجال النجاشي: 88 رقم 215، رجال ابن داود: 227 رقم 16 والخلاصة: 203
رقم 11.
268

السادس عشر في: (غلام)
كثيرا ما، يقال: (فلان غلام فلان) كما في ترجمة أحمد بن محمد بن أبي
عبد الله الآملي: (أنه غلام الخليل) (1)
وفي ترجمة طاهر: (أنه غلام أبي الجيش) (2).
وقد يعد من ذلك ما رواه الكشي في ترجمة (ميسر (3): (عنه عن
أحدهما عليهما السلام أنه قال: قال لي: (يا ميسر! إني لأظنك وصولا لبني أبيك (4)؟)
قلت: نعم، جعلت فداك! لقد كنت في السوق وأنا غلام وأجرتي درهمان،
كنت أعطي واحدا عمتي وواحدا خالتي.
فقال: أما والله لقد حضرك أجلك مرتين، كل ذلك يؤخره) (5).

(1) مجمع الرجال: 1 رقم 135 والخلاصة: 205 رقم 20.
(2) رجال النجاشي: 208 رقم 552.
(3) ميسر: بضم الميم وفتح الياء المثناة من تحت وكسر السين المهملة المشددة. ايضاح
الاشتباه: 284 رقم 649، رجال ابن داود: 195 رقم 1625 وتنقيح المقال: 3 / 194 رقم
11431.
(4) وفي المصدر: (وصولا لقرابتك).
(5) رجال الكشي: 244 رقم 447.
269

ولكن لا يخفى ما فيه، كما أنه قد يقال إنه من غلمان فلان، بل ربما اتفق
في ترجمة بعض الأعيان، كما في ترجمة الكشي: (أنه من غلمان
العياشي) (1).
والظاهر أنه بمعنى المتأدب والتلميذ، على ما ينصرح من فحاوي كلماتهم،
كما قال النجاشي في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبد الله: (وكان إسماعيل بن
عبد الله من غلمان أحمد بن أبي عبد الله البرقي، وممن تأدب عليه) (2).
وقال السيد السند النجفي في ترجمة أحمد بن يحيى بن زيد: (أنه
أبو العباس المعروف ب‍ (ثعلب) - بالثاء المثلثة والعين المهملة - إمام الكوفيين،
بغدادي، حجة، ثقة في صناعته، وهو صاحب الفصيح، أخذ عنه غلامه
أبو عمرو الزاهد، والأخفش الصغير علي بن سليمان، وغيرهما، وكان معاصرا
للمبرد، وبقي بعده، مات سنة إحدى وتسعين ومائتين ببغداد.
وفيه وفي المبرد قيل:
ذهب المبرد وانقضت أيامه * فليذهبن أثر المبرد ثعلب
وتزودوا من ثعلب فبكأس ما * شرب المبرد عن قريب يشرب (3)
وصرح به بعض المتأخرين في ترجمة بكر بن حبيب، قال: (ويجئ بمعنى
المتأدب، أي: التلميذ في عبائر القوم أكثر كثير، فلاحظ ترجمة أحمد بن

(1) رجال الطوسي: 497 رقم 38.
(2) رجال النجاشي: 97 رقم 242.
(3) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 5.
270

عبد الله الكرخي (1)، وأحمد بن إسماعيل بن سمكة (2)، وعبد العزيز بن
البراج (3)، ومحمد بن جعفر بن أبي الفتح الهمداني (4)، والمظفر بن محمد
الخراساني (5)، ومحمد بن بشير (6)، وترجمة الكشي (7)، مما لا يحصى كثرة،
بل لم أجد إلى الآن استعمال الغلام في كتب الرجال في غير التلميذ، ويظهر
ذلك من كتب غير الرجال.
ففي كشف الغمة، في جملة حديث: (فدعا أبو الحسن عليه السلام بعلي بن أبي حمزة
البطائني، وكان تلميذا لأبي بصير، فجعل يوصيه - إلى أن قال: - أنا أصحبه
منذ حين، ثم يتخطاني بحوائجه إلى بعض غلماني) (8).
وفي تفسير مجمع البيان: (الغلام للذكر أول ما يبلغ - إلى أن قال: - ثم

(1) رجال الكشي: 566 رقم 1071. فيه: وكان أحمد أحد غلمان يونس بن عبد الرحمان.
(2) رجال النجاشي: 97 رقم 242. فيه: (وكان إسماعيل بن عبد الله من غلمان أحمد
ابن أبي عبد الله البرقي وممن تأدب عليه). وكذا في الفهرست: 31 رقم 83.
(3) قال ابن شهرآشوب: (أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز المعروف بابن
البراج، من غلمان المرتضى رضي الله عنه). معالم العلماء: 80 رقم 545.
(4) قال النجاشي في ترجمته: (... وكان أبو الحسن السمسمي أحد غلمانه). رجال
النجاشي: 394 رقم 1053.
(5) قال الشيخ: (المظفر بن محمد الخراساني يكنى أبا الجيش، متكلم... وكان عارفا
بالأخبار، وكان من غلمان أبي سهل النوبختي). الفهرست: 169 رقم 738.
(6) قال النجاشي في ترجمته: (... وكان أبو الحسن السمسمي أحد غلمانه). رجال
النجاشي: 394 رقم 1053.
(7) هو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو، صاحب كتاب الرجال من غلمان
العياشي. رجال الطوسي: 497 رقم 38.
(8) كشف الغمة: 2 / 249 والبحار: 48 / 65.
271

يستعمل في التلميذ، فيقال: غلام تغلب) (1). (انتهى) (2).
وأما ما حكي عن المحقق الشيخ محمد، من أن مقتضى كلامه عدم استعمال
الغلام في التلميذ في الرجال، فلا وجه له، إذ الظاهر أن منشأه ما ذكره
في ترجمة بكر ابن حبيب، فإنه لما ذكر النجاشي: (أنه كان من غلمان
إسماعيل بن ميثم، له في الأدب كتاب التصريف، كتاب ما يلحن فيه
العامة) (3).
وذكر في الخلاصة: (وهو من غلمان إسماعيل بن ميثم في الأدب (4). ذكر
المحقق المشار إليه نقلا.
واحتمال أن يكون المراد من غلمانه لكونه تأدب عليه، غير معروف الذكر
في الرجال، وكأنه مأخوذ من النجاشي، والعجلة اقتضت إسقاط لفظ (له في
الأدب كتاب التصريف) فلا ينبغي الغفلة عن ذلك.
ولا يخفى أن الظاهر أن المراد أن احتمال أن يكون مراد العلامة من قوله:
(إنه من غلمان إسماعيل بن ميثم في الأدب) أنه من غلمانه، لتعلمه عنده
في علم الأدبية، بعيد، فإن تعلمه فيه عنده غير معروف الذكر في الرجال، وأين
هذا من المحكي عنه في البين، فإن في البين بون المشرقين، ثم إن التلميذ لفظ
شايع مشهور وفي غالب كتب اللغة غير مذكور.

(1) مجمع البيان: 6 / 504 في تفسير سورة مريم، الآية 7.
(2) مجمع البيان: 6 / 504، سورة مريم، الآية 7.
(3) رجال النجاشي: 110 رقم 279.
(4) رجال العلامة: 26 رقم 5.
272

نعم، ذكر في الطراز (1) نقلا، التلميذ، كقطمير: الخادم، وغلام الصانع، متعلم
الصنعة، وإهمال الدال لغة فيه، وزنه فعليل، لا تفعيل، إذ ليس في كلام العرب
تفعيل بالكسر، إلا ما كان أصله الفتح، ثم اتبعت كتنبيت، وترغيب، وجمعه:
تلاميذ. - إلى أن قال -: واشتهر إطلاق التلاميذ على طلبة العلم، لأنهم غلمان
مشاتخهم، والأصل فيه غلمان الصانع.
وتلمذه تلمذة، كد حرجه دحرجة واستخدمه فهو متلمذ بكسر الميم
وفتحها، وما اشتهر من قول الناس تلمذ له بتشديد الميم خطأ، منشأه توهم أن
التاء زائدة.
وصرح أيضا نقلا في (لمذ) بأن التاء في تلميذ أصلية، وقولهم تلمذه أي:
صار تلميذا غلط، وذكر ما يقرب إليه في رياض العلماء، بل حكي عن بعض
الفضلاء أنه ألف رسالة جيدة في تحقيق معناه وبيان وجه اشتقاقه، وصرح فيه
أيضا بخطأ من ظن أن تاءه مزيدة.
هذا، وبكر بن محمد بن حبيب المذكور، هو أبو عثمان المازني البصري
النحوي الذي كان إمام عصره في النحو والأدب، أخذ الأدب عن أبي عبيدة
والأصمعي وغيرهما.
وأخذ عنه أبو العباس المبرد، وله كتب: كتاب الألف واللام، والتصريف،
والعروض، والقوافي، وغيرها، بل قيل: ما رأيت نحويا قط يشبه الفقهاء إلا

(1) كتاب (الطراز الأول والكناز لما عليه من لغة العرب المعول)، من أحسن ما كتب في
اللغة وهو للسيد صدر الدين علي بن نظام الدين أحمد الحسيني الدشتكي الشيرازي المعروف
بالسيد علي خان المدني شارح (الصحيفة) و (الصمدية)، المتوفى 1120 أو 1118. راجع
الذريعة: 15 / 157، رياض العلماء: 3 / 363 وأمل الامل: 2 / 176.
273

حيان بن هرمة، والمازني.
وكان في غاية الورع، وحكى المبرد: إن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ عليه
كتاب سيبويه، وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه، فامتنع أبو عثمان من ذلك،
فقلت له: جعلت فداك، أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضافتك.
فقال: إن كتاب سيبويه يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله
تعالى، ولست أرى أن أمكن منها ذميا، غيرة على كتاب الله تعالى وحمية.
قال: فاتفق واقعة ذكرها، وفيها: إن الواثق أمر بإشخاصه، فأمر له بألف
دينار، ورده مكرما.
قال المبرد: فلما عاد إلى البصرة، قال لي: كيف رأيت يا أبا لعباس؟ رددنا
لله مائة، فعوضنا ألفا. ذكره ابن خلكان في وفياته (1). ذكرناه في المقام ملخصا
لجودته.

(1) وفيات الأعيان: 1 رقم 283 رقم 118.
274

السابع عشر في: (غلواء)
قد وقع هذه اللفظة في قليل من التراجم في كلمات النجاشي، كما قال في
ترجمة أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون: (إنه كان قويا في الأدب
قد قرأ كتب الأدب على شيوخ أهل الأدب، وكان قد لقي أبا الحسن علي بن
أحمد القرشي المعروف بابن الزبير، وكان غلواء في الوقت).
وقد اضطرب الأنظار في لفظه ومعناه، فقرأه العلامة البهبهاني في التعليقات
على ما ينصرح من كلامه الآتي إن شاء الله تعالى، بالغين المعجمة المضمومة
من الغلو (1).
والسيد السند النجفي: بالعين المهملة المضمومة، قال: ومعنى كونه علوا في
الوقت: كونه أعلى مشايخ الوقت سندا.
قال في الترجمة المذكورة، تعليلا لاطلاقه عليه، لتقدم أحمد وإدراكه لابن
الزبير الذي لم يدركه غيره من المشايخ) (2).

(1) تعليقة الوحيد: 39.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 12.
275

وهو الظاهر من العلامة المشار إليه أيضا في ترجمة ابن الزبير، قال:
(والعلو بالمهملة على ما في النسخ، والظاهر أن المراد به، هو علو الشأن) (1).
وعن السيد الداماد: (إن قول النجاشي (وكان علوا في الوقت) أي: كان
غاية في الفضل والعلم والثقة والجلالة في وقته وأوانه).
ويظهر من الفاضل الجزائري الشيخ عبد النبي في الحاوي، التوقف فيه، قال:
(إن قول النجاشي (وكان غلواء في الوقت) لا نعرف معناه) (2).
وهو الظاهر من المحدث البحراني في اللؤلؤة (3) وبعض آخر.
أقول: التحقيق أن لفظه بالغين المعجمة المفتوحة ممدودة، كما هو الحال في
النسخة المعتبرة من النجاشي (4).
وحكى في اللؤلؤة عن بعض الفضلاء: (من أنه يظهر من الشيخ عبد النبي،
أنه بالغين المعجمة، لأنه نقطها في كل موضع ذكرها) (1).
فضبطه بالعين المهملة ممن وقع، بل ذكر بعض: لعله المعروف، غير وجيه.
وأما معناه: فالظاهر أنه بمعنى أول الشباب، كما قال في الصحاح: والغلواء
والغلو والغلواء أيضا: سرعة الشباب وأوله، عن أبي زيد) (6).
وقال في القاموس: (وفي حديث علي عليه السلام، شموخ أنفه وسمو غلوائه. غلواء

(1) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 159.
(2) حاوي الأقوال: 170 رقم 698.
(3) لؤلؤة البحرين: 417.
(4) في المطبوع: علوا. راجع: رجال النجاشي: 87 رقم 211.
(5) لؤلؤة البحرين: 417.
(6) الصحاح: 6 / 2449.
276

الشباب: أوله وسرعته) (1).
ومنه ما في المقامة الأولى الصنعائية من المقامات الحريرية: (أيها السادر
في غلوائه، والسادل ثوب خيلائه).
فالظاهر أن المراد، أنه لقي أبا الحسن عليه السلام وكان في أول الشباب.
ويشهد عليه قوله في ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكران: (من أنه كثير
السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته في الكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب
الكليني عنه، وكان في هذا الوقت غلواء، فلم أسمع منه شيئا، له كتاب الرد على
الغلاة) (2).
فإن الظاهر، أن عدم سماعه منه لشبابه وعدم وصوله إلى حد الكمال. (3)
وكان من طريقتهم التجنب عن الرواية عن الشبان، كما حكى الكشي عن
نصر بن الصباح: (من أن ابن محبوب لم يكن يروي عن ابن فضال، بل هو أقدم
من ابن فضال وأسن، وأصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن
أبي حمزة) (1).
وذكر العلامة البهبهاني: (أنه يظهر من ترجمة أحمد، أن تهمته لروايته عنه في

(1) لاحظ: القاموس المحيط: 4 / 373.
(2) في المطبوع: (علوا). رجال النجاشي: 74 رقم 178.
(3) قال السيد الخوئي قدس سره: الظاهر أن جملة (هذا الوقت) في كلامه إشارة إلى زمان رواية
إسحاق كتاب الكليني، والمراد أن روايته لهذا الكتاب كان في عنفوان شبابه ولم يكن النجاشي
في ذلك الزمان موجودا ولأجله لم يسمع منه شيئا وإنما أدركه في زمان شيبه وهو مجاور الكوفة.
معجم رجال الحديث: 3 / 45.
(4) رجال الكشي: 512 رقم 989.
277

صغر سنه) (1).
ويؤيد ما ذكرنا، أنه لا يلائم بوجه، تفريع عدم السماع على عالي السند، أو
العارج إلى الغاية في الفضل والجلالة، بل وكذا الغلو في المذهب والطريقة، لما
ترى من كتابه في الرد على هذه الطائفة.
ومما ذكرنا، ظهر ضعف ما ذكره العلامة المشار إليه، ردا على النجاشي: من أن
تأليفه كتاب الرد على الغلاة يشعر بعدم غلوه، ولعل رميه به لتأليفه كتاب نفي
السهو عنه، كما هو عند معظم القدماء، كما يظهر من الفقيه، فلا وثوق بالحكم
بغلوه، فإن ارتكاب هذا الشطط في الإيراد والجواب مبني على ما جرى في
قراءة هذا اللفظ على غير صوب الصواب.
بقي أنه ربما احتمل في الحاوي في الترجمة الأولى: رجوع الضمير في
(كان غلواء) إلى القرشي (2).
ولا يخفى ما فيه: لظهور رجوعه إلى صاحب الترجمة، كما هو الظاهر في
سائر المتعلقات.
ولقد أجاد السيد السند النجفي في قوله: (إن المرجع في الفعل الأخير
كسابقه، ابن عبدون) (3).

(1) تعليقه الوحيد على منهج المقال: 108.
(2) حاوي الأقوال: 170 رقم 698.
(3) رجال بحر العلوم: 2 / 12.
278

الثامن عشر في: (مولى)
ويطلق هذا اللفظ كثيرا في التراجم، ويطلق في اللغة على معان كثيرة: من
المالك، والعبد، والمعتق، والمعتق، والصاحب، والقريب، كابن العم ونحوه،
والحليف، والابن، والعم، والنزيل، والشريك، وابن الأخت، والولي، والرب،
والناصر، والمنعم، والمنعم عليه، والمحب، والتابع، والصهر، كما صرح بها في
القاموس (1).
وأما في كلمات الأصحاب:
فذكر الشهيد الثاني في الدراية: (إنه يعرف الموالي منهم، يعني: الرواة من أعلى
ومن أسفل بالرق.
بأن يكون قد أعتق رجلا فصار مولاه، أو أعتقه رجلا فصار مولاه، فالمعتق
بالكسر مولى من أعلى، والمعتق بالفتح مولى من أسفل.
أو بالحلف - بكسر الحاء - وأصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد

(1) القاموس المحيط: 404، مادة (ولي).
279

والتصاعد والاتفاق، ومنه الحديث (1)، فإذا حالف أحد آخر، صار كل منهما
مولى الآخر بالحلف.
أو بالاسلام، فمن أسلم على يد آخر كان مولاه يعني بالاسلام. ثم قال:
والأغلب مولى العتاقة.
وقد يطلق على معنى رابع: وهو الملازمة كما قيل: مقسم مولى ابن عباس،
للزومه إياه.
وخامس: وهو من ليس بعربي، فيقال: فلان مولى وفلان عربي خالص (2)
صريح، وهذا النوع كثير) (3).
أقول: إن ما يظهر من صدر كلامه من كثرة استعمال المولى بمعنى المعتق
في كلماتهم، غير وجيه.
وأسوأ منه ما يظهر من الذيل من أغلبية مولى العتاقة، بل لم يظهر ذلك إلا في
مواضع عديدة بالقرائن الخارجية، كما ذكر النجاشي: (أبو رافع مولى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسمه أسلم كان للعباس بن عبد المطلب رحمه الله فوهبه

(1) إشارة إلى حديث رواه أنس بن مالك بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حالف بين المهاجرين
والأنصار في داري، وفي بعض: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار.
راجع: صحيح البخاري: 3 / 57، 7 / 92 و 8 / 154، صحيح مسلم: 7 / 183، سنن أبي
داود: 2 / 12 ومسند أحمد: 3 / 111.
وقد ورد في الجوامع الروائية للشيعة: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار).
راجع: البحار: 19 / 37، 38 / 334، 75 / 444 و 104 / 366. نعم! قال الطريحي: (حالف
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار أي: آخى بينهم). 5 / 40، مادة (حلف).
(2) ليس في المصدر (خالص).
(3) الرعاية في علم الدراية: 390.
280

للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلام العباس أعتقه) (1).
وذكر الشيخ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (بلال مولى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
وفيه أيضا: (ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (3).
وفي أصحاب علي عليه السلام: (قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام) (4).
وأما بمعنى الحلف، فلم أقف على موضع يتيقن إرادته منه. نعم، ذكر
النجاشي: (عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري، حليف الأنصار) (5).
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثقف بن عمرو بن سميط حليف بني
عبد شمس) (6).
ولكن أين هذا من إطلاق المولى وإرادته منه؟.
وقريب منه ما ذكر النجاشي: (من أن صفوان بن يحيى، كانت له منزلة من
الزهد والعبادة، وكان شريكا لعبد الله بن جندب، وعلي بن النعمان، وروي
أنهم تعاقدوا في بيت الله الحرام، أنه من مات منهم صلى من بقي صلاته، وصام
عنه صيامه، وزكى عنه زكاته. فماتا وبقي صفوان، فكان يصلي في كل يوم مائة

(1) رجال النجاشي: 4 رقم 1.
(2) رجال الطوسي: 8 رقم 4.
(3) رجال الطوسي: 11 رقم 8.
(4) رجال الطوسي: 55 رقم 2.
(5) رجال النجاشي: 225 رقم 590.
(6) رجال الطوسي: 12 رقم 15. فيه: ثفاف، وفي أسد الغابة كما أثبتنا راجع: أسد الغابة:
1 / 298.
281

وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويزكي زكاته ثلاث دفعات،
وكلما يتبرع به نفسه، مما عدا ما ذكرناه، يتبرع عنهما مثله) (1).
هذا، مع أن دعوى الأغلبية المذكورة، يناقض دعوى أكثرية معنى العربي
الغير الخالص في الحواشي.
وقال الوالد المحقق رحمه الله: إن المولى، إما أن يذكر مفردا غير مضاف،
فالظاهر، بل بلا إشكال، أن الغرض: العربي الغير الخالص، ويرشد إليه
ما في ترجمة حماد بن عيسى حيث إنه قال النجاشي: (مولى، فحكى القول
بأنه عربي) (2). وهذا القسم كثير.
وإما أن يذكر مضافا إلى طائفة، نحو: مولى بجيلة، وبني أسد، فالظاهر، بل
بلا إشكال، أن الغرض هنا النزيل.
لكن لو قيل: هم موالي بني هاشم، فالظاهر أن الغرض: العتقاء كما
في المصباح (3) وهذا القسم أيضا كثير، بل ما في كلمات أرباب الرجال
لا يخرج عن القسمين المذكورين، إلا نادرا.
وإما أن يذكر مضافا إلى مفرد من المعصوم عليهم السلام أو غيره، وحينئذ

(1) رجال النجاشي: 197 رقم 524.
قال بعد المعاقدة المذكورة: (وحكى أصحابنا أن إنسانا كلفه حمل دينارين إلى أهله، إلى
الكوفة، فقال: إن جمالي مكرية وأنا أستأذن الأجراء).
قال: (وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن أحد من طبقته. - رحمه الله تعالى -).
(منه رحمه الله).
(2) رجال النجاشي: 142 رقم 370.
(3) المصباح المنير: 2 / 672.
282

فالغرض: إما المعتق بالفتح، كما في ترجمة بلال، وقنبر، وأبي رافع.
أو الملازمة، كما في ترجمة ثوبان، حيث قيل: (مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
صحبه ولازمه).
أو الحلف، أو الإسلام، فيما يأتي فيه الكلام، هو القسم الأخير، وأما
القسمان الأولان، فلا ينبغي الكلام فيهما.
أقول: أما ما استظهره من إرادة العربي الغير الخالص فيما لو ذكر مفردا
غير مضاف، فلا بأس به.
ويؤيده ما وقع في بعض التراجم تارة: أنه عربي، كما في الحسن بن الحسين
السكوني (1) وغيره (2).
وأخرى: أنه عربي صليب، كما في إسحاق بن غالب الأسدي (3)، إلا أنه
ربما يشكل بعدم ذكر هذا المعنى في اللغة له.
وأما ما استظهر من إرادة النزيل فيما لو أضيف إلى طائفة، فيشكل بما مر
في كلام الشيخ: (من أن ثقف بن عمرو، حليف بني عبد شمس) (4).
ومثله ما ذكر في الخلاصة: (من أن بشر بن البراء بن المعرور، حليف بني

(1) رجال النجاشي: 51 رقم 114.
(2) كما في أحمد بن إسماعيل بن عبد الله. رجال النجاشي: 97 رقم 242، بريد بن معاوية
العجلي. رجال النجاشي: 112 رقم 287، حفير بن الحكم العبدي أبو المنذر. رجال النجاشي:
131 رقم 337، حكم بن سعد الأسدي الناشري. رجال النجاشي: 136 رقم 352.
(3) رجال النجاشي: 72 رقم 173. وكذا في عبد الله بن جبلة. المصدر: 216 / 563
وعيسى بن صبيح العرزمي. المصدر: 296 رقم 804.
(4) رجال الطوسي: 12 رقم 15.
283

عدي) (1).
فإنه يضعف الظهور المزبور، ويقوي احتمال إرادة الحليف في الفرض
المسطور.
كما أن ما استظهره من إرادة العتقاء، فيما لو قيل: هم من موالي بني هاشم،
يشكل بما ذكر: من أن الحسن بن علي النعمان، مولى بني هاشم (2).
وكذا غيره مع ظهور عدم التفرقة في الصيغ.

(1) رجال العلامة: 25 رقم 1.
(2) رجال النجاشي: 40 رقم 81.
284

التاسع عشر في: (مخلط)
ذكر بعض أصحابنا أن الظاهر من تتبع كلماتهم، أنه عبارة عن القول
بالمناكير، سواء بلغ الغلو أم لا.
وقال بعض المتأخرين (1): المراد عدم المبالاة في الرواية عن الأشخاص،
من الجمع فيها بين الغث والسمين، والعاطل والثمين.
أقول: الذي يظهر لي بعد التتبع في كلماتهم أنه بمعنى الخلط بمعنى المزج،
ولكن المراد منه: أنواع مخصوصة منه:
أحدها: خلط الاعتقاد الصحيح بالفاسد، مثل أن يصير غاليا بعد الاعتقاد
الصحيح، كما قال النجاشي: (طاهر بن حاتم، كان صحيحا، ثم خلط) (2).
ويشهد على ما ذكرنا، ما ذكره الشيخ في الفهرست في ترجمته: (كان
مستقيما ثم تغير وأظهر القول بالغلو) (3).
وقال في العدة: (وما يختص الغلاة بروايته، فإن كانوا ممن عرف لهم

(1) المراد منه هو أبو علي الحائري، راجع: منتهى المقال: 1 / 120.
(2) رجال النجاشي: 208 رقم 551.
(3) الفهرست: 86 رقم 360.
285

استقامته وحال غلوه، عمل بما رووه في حال الاستقامة وترك حال خطأهم،
ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب في حال
استقامته، وتركوا ما رواه في حال تخليطه) (1).
وقال في الفهرست، في علي بن أحمد: (كان إماميا مستقيم الطريقة، ثم خلط
وأظهر مذهب المخمسة (2) وصنف كتبا في الغلو والتخليط) (3).
وثانيها: خلط الروايات المنكرة إلى غيرها، كما قال النجاشي: (عمر بن
عبد العزيز، يروي المناكير وليس بغال) (4).
وقال في معالم العلماء، في علي بن أحمد العقيقي: (إنه مخلط) (5).
ونقل الشيخ في الفهرست في ترجمته عن ابن عبدون: (إن في أحاديث
العقيقي مناكير) (6).
وقريب منهما ما في إسماعيل بن علي: (من أنه كان مخلط الامر

(1) عدة الأصول: 1 / 381.
(2) قال العلامة كما يأتي: (معنى التخميس عند الغلاة - لعنهم الله -: أن سلمان الفارسي
والمقداد وعمار وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن ذلك،
علوا كبيرا).
(3) الفهرست: 91 رقم 379.
(4) رجال النجاشي: 248 رقم 754.
(5) معالم العلماء: 68 رقم 469 وليس فيه (إنه مخلط). وهو من سهو قلمه الشريف إذ
جملة: (إنه مخلط) من الشيخ في الرجال في باب من يرو عنهم عليهم السلام: 486 رقم 60. وعنه ابن
داود: 260 رقم 331.
(6) الفهرست: 97 رقم 414.
286

في الحديث، يعرف منه وينكر) (1).
وثالثها: خلط أسانيد الأخبار بالآخر، كما في محمد بن جعفر: (إنه كان
ضعيفا مختلطا فيما يسنده) (2).
وفي جهم بن حكيم: (إن له كتابا ذكره ابن بطة، وخلط إسناده، تارة قال:
حدثنا أحمد بن محمد البرقي عنه، وتارة قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أبيه،
عنه) (3).
وفي جعفر بن يحيى: (إن كتابه يختلط بكتاب أبيه، لأنه يروي كتاب أبيه عن
أبي عبد الله عليه السلام، فربما نسب إلى أبيه، وربما نسب إليه) (4).
ويحتمل كلا المعنيين الأخيرين ما في محمد بن الحسن، قال في الفهرست:
(له كتب أخبرنا برواياته كلها إلا ما كان فيه من غلو أو تخليط) (5).
ورابعها: خلط المطالب الصحيحة بغيرها، كما في المعالم في ابن إدريس:
(عن سديد الدين، إنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه) (6).
ويظهر ما ذكر، مما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في الروض: (من أن ابن
إدريس، ادعى اتفاق المخالف والمؤالف، على رواية (إذا بلغ الماء لم يحمل

(1) الفهرست: 13 رقم 37 ورجال ابن داود: 231 رقم 57.
(2) رجال النجاشي: 372 رقم 1019. فيه: (مخلطا فيما يسنده).
(3) رجال النجاشي: 372 رقم 333.
(4) رجال النجاشي: 126 رقم 327.
(5) الفهرست: 146 رقم 615.
(6) هذا أيضا من سهو قلمه الشريف، إذ ليس هذه العبارة عن ابن شهرآشوب، بل هي
من كلام الشيخ منتجب الدين في فهرسه: 173 رقم 421.
287

خبثا) (1)، وهذه دعوى عرية عن البرهان، بل البرهان قائم على خلافه - إلى
أن قال: - والخبر المرسل إنما يتم من ضابط ناقد الأحاديث، لأن مثل هذا
الفاضل، وإن كان غير متكرر (2) التحقيق، فإنه لا يتحاشى في دعاويه مما
يتطرق إليه القدح) (3).
وسبقه فيما ذكره في المعتبر، قال: (وما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع
المخالف والمؤالف، فيما لا يوجد إلا نادرا) (4).
هذا، فقولهم مخلط على الإطلاق محتمل لكل من المعاني المذكورة، وليس

(1) في المصدر: (إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا).
(2) في المصدر: (منكور)، الظاهر أن (منكر) هو الصحيح.
(3) روض الجنان: 142.
(4) المعتبر: 1 رقم 53.
قال السيد المحقق الخوئي قدس سره: أما ما ذكره الشيخ محمود الحمصي من أن ابن إدريس مخلط لا
يعتمد على تصنيفه، فهو صحيح من جهة وباطل من جهة.
أما أنه مخلط في الجملة فمما لاشك فيه، ويظهر ذلك بوضوح من الروايات التي ذكرها فيما
استطرفه من كتاب أبان بن تغلب، فقد ذكر فيها عدة روايات ممن لم يدرك الصادق عليه السلام، وكيف
يمكن أن يروي أبان المتوفى في حياة الصادق عليه السلام عمن هو متأخر عنه بطبقة أو طبقتين.
ومن جملة تخليطه: أنه ذكر روايات استطرفها من كتاب السياري، وقال: واسمه
أبو عبد الله صاحب موسى الرضا عليهما السلام. وهذا فيه خلط واضح، فان السياري هو أحمد بن
محمد بن السيار أبو عبد الله وهو من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام، ولا يمكن روايته عن
الكاظم والرضا عليهما السلام.
وأما قوله: لا يعتمد على تصنيفه فهو غير صحيح، وذلك فان الرجل من أكابر العلماء
ومحققيهم، فلا مانع من الاعتماد على تصنيفه في غير ما ثبت فيه خلافه. معجم رجال الحديث:
15 / 63.
288

صريحا في شئ منها.
ومما ذكرنا يظهر القدح في المعنيين المذكورين، وأضعف منهما ما عن
السيد السند المحسن الكاظمي، (من دعوى ظهوره في القدح، لظهوره في فساد
العقيدة) (1)، فإنه ينافي إطلاقه على مثل العقيقي والحلي، فإن صحة مذهبهما،
بل جلالة شأنهما مما لا يستريب فيه أحد.
بقي أنه ذكر في المجمع: (المخلط، هو الذي يحب عليا ولا يبرأ من عدوه،
ومن هذا قول بعضهم: إن صاحبي كان مخلطا، كأن يقول طورا بالجبر وطورا
بالقدر) (2).
أقول: إن ما ذكره في معناه غير معروف عند أهل اللغة والرجال، نعم إنه
قد وقع هذا الإطلاق في بعض الأخبار، ففي التهذيب: (قلت لأبي جعفر عليه السلام
رجل يحب أمير المؤمنين عليه السلام ولا يبرأ من عدوه؟ فقال: هذا مخلط) (3).
والظاهر، بل بلا إشكال أنه المستند فيما ذكره، وأنت خبير بمباينة مفاد
المستند لما ساق كلامه، كما أن ما ذكره من المورد للمعني المذكور، لا يخفى
لما فيه من الضعف والقصور، فإن الظاهر أنه من باب المعاني التي ذكرنا له،
ولا يرتبط بما ذكره، وكم وقع له من نظائره بحسب المواد أيضا، كما قال في
مادة (الق) في حديث علي عليه السلام: (الق دواتك، أي: أصلحها) (4).
فإن الظاهر أنه من باب الأمر، كما هو مقتضى صريح عبارته، ولا يناسب ذكره

(1) عدة الرجال: 1 / 164.
(2) مجمع البحرين: 4 رقم 246، مادة (خلط).
(3) التهذيب: 3 / 28 ح 97.
(4) مجمع البحرين: 5 / 136.
289

في هذه المادة، بل المناسب ما ذكره من أن: (في الدعاء: (نعوذ بك من الألق)،
أي: الجنون) ونظائره.
مضافا إلى أن الظاهر أنه من الليقة ولا يرتبط بالاصلاح، ودعوى أن وضعها
فيه من باب الاصلاح فاسدة (1).
ومنه ما ذكره في مادة (خفت) بعد قوله تعالى (ولا تخافت بها) (2) وقوله
تعالى (يتخافتون بينهم) (3)، وإنه من التخافت، قوله تعالى:
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم) (4)، فإنه من
الاستخفاء بمعنى الاستتار (5). فخلط بين مادة (خفت) و (خفا).
كما ربما يقال: إنه ذكر في مادة (شهد): (وشهدانج، حب معروف) (6).
فزعم أيضا أنه من مادة شهد، مع أنه معرب (شاه دانه) أي: حب الملك.
ولكن لا يخفى أن نسبة الزعم المذكور في غاية الفتور، فإن الظاهر أن الذكر
من باب المناسبة كما عليه الطريقة المستمرة.

(1) أقول: ما استشكل عليه من ذكره في باب (الق) صحيح، إذ هو من باب (لاق) وأما
قوله (ولا يرتبط بالاصلاح) غير تام، لأن في اللغة استعمل بمعنى الاصلاح كما في القاموس:
(لاق الدواة يليقها ليقة وليقا وألاقها: جعل لها ليقة أو أصلح مدادها). القاموس المحيط:
3 / 291، مادة (لاق) وكذا في الصحاح: 4 / 1552، مادة (ليق). ولسان العرب: 12 / 377،
من الطبعة الحديثة المصححة الملونة.
(2) الأسراء: 110.
(3) طه: 102.
(4) النساء: 108.
(5) مجمع البحرين: 2 / 199.
(6) مجمع البحرين: 3 / 82.
290

ونظير ما ذكر، ما قد وقع له من عدم ذكر بعض معاني بعض مواد الواقعة
في الكتاب العزيز.
ومن ذلك: عدم ذكره معنى (الجر) في قوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم
والسلاسل يسحبون) (1) في مادة سحب ومعانيه.
كما أنه لم يذكر (الثقب) في معنى السم في قوله تعالى (حتى يلج الجمل في سم
الخياط) (2).
كما ذكر الطبرسي في المجمع: (السم بفتح السين وضمها: الثقب، ومنه السم
القاتل، لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن، حتى يقتل إلى القلب، فينقض بنيته، ثم
إن المشهور فتح السين). (3)
ومقتضى ما تقدم من الطبرسي ونحوه البيضاوي (4) ضمه أيضا.
وذكر الأخير في مقام التفسير، أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو
البعير فيما مثل في ضيق المسلك وهو ثقبة الأبرة، وذلك مما لا يكون، فكذلك
ما توقف عليه.
وربما ينافيه ما ذكره في معنى الجمل، من أنه الحبل الغليظ من القنب، وقيل:
حبل السفينة، (انتهى).
ولعل الحمل عليه أنسب، وكيف كان فلقد أجاد المحدث البحراني فيما ذكر:

(1) غافر: 71.
(2) الأعراف: 40.
(3) مجمع البيان:
(4) تفسير البيضاوي: 2 / 78.
291

من أنه لم يحط بها تمام الإحاطة (1).
ونحوه ما ذكر بعض المعاصرين: (من أنه ليس محيطا بحل جل ما يوجد
فيهما، فضلا عن كله، ولكن لا خفاء في أنه غير قادح في علو مقامه، لوقوع
أمثاله هذا، مضافا إلى سمو مرتبته في الورع والسداد كما هو المصرح به
في كلام ثلة من الأطواد.
وذكرنا جملة من الكلام في هذا المرام، في رسالتنا المسماة ب‍ (البدر التمام).

(1) لؤلؤة البحرين: 67.
292

العشرون في: (مجفو)
قد وقع ذلك من النجاشي في السياري (1) وهو مأخوذ من الجفاء بمعنى
الأعراض، كما قال في المصباح: (جفوت الرجل وأجفوه، أعرضت عنه أو
طردته وهو مأخوذ من جفاة السيل وهو ما نفاه) (2).
وفي المجمع: (الجفاء - بالمد - غلظ الطبع والبعد والأعراض، يقال: جفوت
الرجل وأجفوه، إذا أعرضت عنه) (3).
فإذا نسب إلى الرواية، فالمراد: أن الرواية معرض عنها، كما أنه إذا نسب
إلى الرجل، فالمراد: أن نفسه معرض عنه، ومنه قول مولانا أمير المؤمنين
- عليه الصلاة والسلام - في كتاب له إلى عثمان بن حنيف على ما رواه في
النهج، معاتبا على حضوره في بعض المجالس بقوله عليه السلام: (ما أظنك تجيب إلى

(1) أي: أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد الله الكاتب... يعرف ب‍ (السياري)... مجفو
الرواية. رجال النجاشي: 80 رقم 192.
(2) المصباح المنير: 1 / 104.
(3) مجمع البحرين: 1 / 89، مادة (جفأ).
293

طعام قوم غنيهم مدعو وعائلهم مجفو) (1).
[المخمسة]
هذا، وقد وقع (المخمسة) في علي بن أحمد الكوفي (2) ومعناه كما
ذكره العلامة: أن سلمان والمقداد وعمار وأبا ذر والصيمري، المتوكلون
بمصالح العالم من جانب الله سبحانه (3).

(1) نهج البلاغة: كتاب 45.
(2) الفهرست: 91 رقم 379.
(3) الخلاصة: 233 رقم 10. فيه: (معنى التخميس عند الغلاة - لعنهم الله -: أن سلمان
الفارسي والمقداد وعمار وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله
عن ذلك، علوا كبيرا).
294

الركن الرابع
في نبذة من القواعد المهمة
الباب الأول
فيمن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنهم
295

الركن الرابع
في نبذة من القواعد المهمة وفيها أبواب
الباب الأول
فيمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم
وتحقيق المقام يقتضي تمهيد مقدمة وهي:
إن (الصحيح) في اصطلاح المتأخرين من زمان العلامة، عبارة عن كون
كل من رجال السند عدلا إماميا في قبال الأقسام الثلاثة، بل الأربعة الباقية.
وربما يطلقون على غيره في موارد خاصة، كما سيظهر إن شاء الله تعالى
بعضها.
وأما القدماء: فالمدار فيه عندهم على ما يقتضيه كلام شيخنا البهائي رحمه الله
في فاتحة المشرق: على الوثوق بالصدور ولو من جهة القرائن، كوجود الخبر
في كثير من الأصول الأربعمائة.
أو تكرره في أصل أو أصلين فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.
297

أو وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد من أصحاب الاجماع (1).
ونحوها من الجهات حاكما بأن ما ذكره الصدوق في أول الفقيه (2) مبني عليه.
وأما ما ذكره الوالد المحقق رحمه الله في بعض رسائله: من أن المدار عندهم على
الخبر المظنون ولو بالقرائن، استفادة من الكلام المذكور، وكنت بانيا عليه مدة
مديدة، بل لعله المشهور في الألسنة، فغير سديد بلا مرية يكشف عنه المراجعة
إلى الكلام، فإنه قال: وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا - قدس الله
تعالى أرواحهم -، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث
اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه.
وصرح بمقالته ثلة منهم:
المحقق المدقق في المنتقى، ولكن أصر في الإنكار في المستدرك حتى أنه
ذكر: (نحن نسأل هذا الشيخ وهذا المحقق عن مأخذ هذه النسبة، فإنا لم نجد
في كلمات القدماء ما يدل على ذلك، بل هي على خلاف ما نسباه ومن تبعهما،
بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثقة، وإن كان غير
الأمامي) (3).
واستند للأولى من الدعويين بكلام الشيخ في العدة، وهو لسان القدماء
ووجههم.
فقال في عنوان القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو بطلانها، أو

(1) مشرق الشمسين مع تعليقات المحقق الخواجوئي: 26.
(2) من لا يحضره الفقيه: 1 / 3. فيه: (ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع
ما رووه، بل قصدت فيه إيراد ما أفتى به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين
ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته).
(3) خاتمة المستدرك: 763. الفائدة السابعة.
298

ما يترجح به الأخبار بعضها على بعض، القرائن التي تدل على صحة متضمن
الأخبار التي لا توجب العلم، أربعة أشياء:
العقل، أي: أصل الإباحة والحظر.
والكتاب، خصوصه أو عمومه، أو دليله أو فحواه.
والسنة المقطوع بها من جهة التواتر.
قال (1): (فإن ما يتضمنه خبر الواحد، إذا وافقه مقطوع على صحته أيضا
وجب العمل به، وإن لم يكن ذلك دليلا على صحة نفس الخبر لجواز أن يكون
الخبر كذبا وإن وافق السنة المقطوع بها) (2).
ثم ذكر الاجماع، وقال: (فإنه متى كان كذلك دل أيضا على صحة متضمنه،
ولا يمكننا أيضا أن نجعل الاجماع دليلا على صحة نفس الخبر، لجواز أن
يكونوا أجمعوا على ذلك عن دليل غير الخبر أو خبر غيره، ولم ينقلوا استغناء
بالاجماع على العمل به، ولا يدل ذلك على صحة نفس الخبر.
فهذه القرائن كلها تدل على صحة متضمن أخبار الآحاد، ولا تدل على
صحتها أنفسها، لما بينا من جواز أن تكون الأخبار مصنوعة، وإن وافقت هذه
الأدلة) (3). (انتهى).
قال (4): (أنظر كيف صرح في مواضع عديدة بأن موافقة هذه الأدلة
لا توجب الصحة في نفس الخبر، ولا يصير الخبر بها صحيحا، وعلى هذا كافة

(1) أي الشيخ.
(2) عدة الأصول: 1 / 371.
(3) عدة الأصول: 1 / 372.
(4) أي المحقق النوري.
299

الأصحاب. ومع ذلك كيف يجوز نسبة ذلك إليهم من غير اكتراث، ثم ترتيب
الآثار عليها.
إلى أن قال: والظاهر أن الشيخ ومن تبعه اشتبه عليهم المعمول به بالصحيح،
ولا ملازمة بينهما كالمتأخرين، كالضعيف المنجبر والحسن عند من يرى
حجيتهما، فلابد في المقام من ذكر موارد أطلقوا الصحيح على خبر غير الثقة
لمجرد الاقتران، وإلا فاعتمادهم ببعض القرائن في مقام العمل لا تنهض
لاثبات الدعوى) (1).
وفيه:
أما أولا: فإن التتبع في كلمات الأصحاب، يكشف عن صحة ما ادعاه
شيخنا البهائي وغيره من المحققين، وعدم اشتباه أحد الأمرين بالآخر.
ونحن نذكر جملة منها في المقام إثباتا للمرام.
فمنها: ما ذكره لسان القدماء في العدة في ترجيح الأخبار المتعارضة بعد
ذكر جملة من المرجحات: (فإن كان الخبران يوافقان العامة، أو يخالفانها،
نظر في حالهما، فإن كان متى عمل بأحدهما أمكن العمل بالآخر على وجه من
الوجوه بخلاف الاخر، وجب العمل بذلك الخبر، لأن الخبرين جميعا منقولان،
مجمع على نقلهما، وليس هناك قرينة تدل على صحة أحدهما ولا ما يرجح
أحدهما به على الاخر، فينبغي أن يعمل بهما إذا أمكن) (2).
إلى أن قال بعد شطر من الكلام: (وكذلك القول فيما يرويه المتهمون
والمضعفون، فإن كان هناك ما يعضد رواياتهم ويدل على صحتها، وجب العمل

(1) خاتمة المستدرك: 764. الفائدة السابعة.
(2) عدة الأصول: 1 / 378.
300

به وإن لم يكن هناك ما يشهد لرواياتهم بالصحة وجب التوقف) (1).
وكذا ما ذكره فيما يتفرع على الاجماع، فذكر: (أنهم إذا أجمعوا على العمل
بمخبر خبر (2)، هل يقطع على صحة ذلك الخبر أم لا؟
والذي نقوله: إذا أجمعوا على العمل بمخبر خبر، وكان الخبر من الآحاد
ينظر في ذلك، فإن أجمعوا على أنهم قالوا ما قالوه لأجل ذلك الخبر قطعنا
بذلك على أن الخبر صحيح صدق، وإن لم يظهر لنا من أين قالوه، فإنا نعلم
بإجماعهم أن ما تضمنه الخبر صحيح، ولا يعلم بذلك صحة الخبر).
إلى أن قال: (ومتى فرضنا على أنهم أجمعوا على أنه ليس هناك ما لأجله
أجمعوا على ما أجمعوا عليه غير هذا الخبر، فإن هذا يوجب القطع على صحة
هذا الخبر، لأنه لا فرق بين أن يسندوا إجماعهم إلى الخبر بعينه فيعلم به
صحته، وبين أن ينفوا إسناده إلى سواه، فإنه به يعلم أيضا صحته) (3).
ومنها: كلامه في أول التهذيب: (في بيان ما سأله بعض، من تصنيف هذا
الكتاب وكيفية تصنيفه، من أن أذكر مسألة فاستدل عليها من ظاهر القرآن من
صريحه، أو فحواه، أو دليله، أو معناه.
وأما من السنة المقطوع بها، من الأخبار المتواترة، والأخبار التي تقترن
إليها القرائن التي تدل على صحتها) (4).
ومنها: كلام المحقق في بداية المعتبر، فإنه قال: (أفرط الحشوية في العمل

(1) عدة الأصول: 1 / 382.
(2) كذا في المخطوط بقلم المؤلف، وفي المصدر: إذا أجمعوا على العمل بخبر، هل
يقطع....
(3) عدة الأصول: 3 / 81 من الطبعة القديمة.
(4) التهذيب: 1 / 3.
301

بخبر الواحد، حتى انقادوا لكل خبر، وما ظنوا تحته من التناقض، فإن من
جملة الأخبار قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ستكثر بعدي القالة).
واقتصر بعض عن هذا الافراط، فقال: كل سليم السند يعمل به، وما علم أن
الكاذب قد يصدق.
وأفرط آخرون حتى أحال استعماله عقلا ونقلا، وكل هذه الأقوال منحرفة
عن السنن.
والتوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته، عمل به.
وما أعرض الأصحاب عنه، أو شذ، يجب إطراحه) (1). (انتهى).
فظهر بفضل الله سبحانه مما ذكرنا، الجواب عما ذكره: من أنا نطالب
الجماعة الذين نصوا على المقالة المذكورة بشاهد صدق يصدق هذه الدعوى،
من كلام أحد من القدماء، وإلا فإنا من عذر في عدم قبوله، مضافا إلى ما ذكرنا
مما يدل على خلافه.
وأما ثانيا: فإن مقالة شيخنا البهائي وغيره (أن القدماء يصفون الخبر
بالصحة بمجرد الوثوق بالصدور، ولو من جهة الاقتران بالقرائن) (2)، وغاية
ما يستفاد مما ذكره الشيخ في العدة فيما استند من كلامه، أنه إذا اقترن مضمون
الخبر بالدليل المقطوع، فذلك لا يوجب قطعية نفس الخبر، لظهور أن مجرد
موافقة المحكي للمقطوع، لا يوجب القطع بصدور الحاكي (3).
فمفاده منع صحة الخبر وقطعيته إذا قطع المضمون، وأين هذا من المنع

(1) المعتبر: 1 رقم 29.
(2) مشرق الشمسين مع تعليقات المحقق الخواجوئي: 26.
(3) عدة الأصول: 1 / 371.
302

بصحته بواسطة الاقتران بالقرائن، فهو أجنبي عن المقام رأسا، وغرور عن
ظاهر العبارة.
واستند للثاني منهما، بالاطلاق في موارد لا يقدح في الدعوى قضية
الاتفاق على إطلاق الصحة على الصحيح والموثق، لظهور ثبوت المناط، بل
على الوجه الأكمل، ولذا طويت عنها كشحا.
وأما دعوى تطرق الاصطلاح في خصوص القسمين المذكورين بشهادتها،
كما ربما ينصرح من كلامه، فغير مسموعة جدا، ولا سيما بعد ما ذكرنا من
المعارض الصريح.
ثم إنه بعد ما أطال المقال فيما تقدم ذكر: إنا إذا أعرضنا عما ذكرنا وسلمنا
من الجماعة أعمية صحيح القدماء، وأنه قد يكون من جهة الوثاقة وقد يكون
من جهة الاقتران، فلا ريب أن المراد من الصحيح في هذا المقام الصحيح من
الجهة الأولى استنادا إلى وجهين: أحدهما: أن العصابة حكموا بصحة كل
ما صح عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث متعينة.
وبالجملة: الكل حكموا بتصحيح الكل وما صح عنهم غير محصور، فلذا
لا يجوز أن يكون السبب، الجهة الثانية.
والآخر: أن ذلك قريب من المحال العادي، لأن جل أحاديثنا الموجودة
تنتهي إلى هؤلاء، والله العالم بما لم يصل منها إلينا.
هذا محمد بن مسلم أحد الستة الأولى، روى الكشي عن حريز عنه، قال:
(ما شجر بي رأي قط إلا سألت أبا جعفر عليه السلام حتى سألته عن ثلاثين ألف
حديث، وسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ستة عشر ألف حديث) (1).

(1) رجال الكشي: 163 رقم 276.
303

هذه ستة وأربعون ألف حديث أجوبة مسائله، وهي أزيد من تمام أحاديث
الكتب الأربعة، والله أعلم بسائر أحاديثه.
ولا أظن أن أحاديث زرارة تنقص من أحاديثه، وهو الذي قال في حقه أبو
عبد الله عليه السلام: (لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب) (1). وهكذا حال
أغلب الجماعة.
والمراد من (العصابة) الفرقة الشيعة الإمامية، والتعبير بها لعله تبعا لمولانا
أبي عبد الله الصادق عليه السلام فيما ذكره في رسالته المعروفة، فإنه عليه السلام خاطبهم
فيما بقوله: (أيتها العصابة المرحومة المفلحة، وأيتها العصابة المرحومة
المفضلة) (2).
والمراد منها في المقام: حملة الآثار ونقاد الأخبار، وهم في ذلك العصر
خلق كثير وجم غفير منتشرون في البلدان، فاحتمال إطلاع كل واحد منهم
على جميع أحاديث كل واحد من الجماعة، وعلمه بالاقتران، ثم إطلاع
الكشي على ذلك فاسد بالبديهة.
وفيه: أنه إنما ينتهض ردا على من ادعى أن المراد من الصحيح، خصوص
الصحيح من الجهة الثانية، ولم يصدر عن أحد، بل المدعي الأعم من الجهتين،
ولا ريب في أن التعميم أنسب بثبوت مقالته، فالدليل لخلاف الدعوى مؤيد مع
أن احتمال التبعية في التعبير لا يخلو عن بعد، بل الظاهر أنه من جهة تعارفه
في الكلمات، كما يشهد إليه ما في فقرة اللعن من زيارة العاشوراء وغيرها.
ومنه ما ذكره النجاشي في ترجمة أبي غالب: (من أنه شيخ العصابة

(1) رجال الكشي: 133 رقم 210.
(2) الكافي: 8 / 5 ح 1.
304

في زمنه) (1).
وما ذكر في المقنعة في جواز التطوع في السفر الصيام، من أنه جاءت
أخبار بكراهية ذلك، وعليها العمل عند فقهاء العصابة) (2). مع أن الاحتمال
المذكور فيها مما يقطع بالعدم.
وأضعف من كلامه، اعتراض الفاضل الخاجوئي من استظهار عدم
اختصاص التنويع بالمتأخرين (3)، استنادا إلى ما وقع من النجاشي وغيره، أنه
صحيح الحديث أو ثقة أو ضعيف.
وما ذكر الشهيد الثاني في الدراية، من أنهم اختلفوا في العمل بالحسن،
فمنهم من عمل به مطلقا كالصحيح وهو الشيخ، ومنهم من رده مطلقا وهم
الأكثرون، حيث اشترطوا في قبول الحديث، الأيمان والعدالة (4).
وما صرح به الشيخ في الاستبصار، بأن عمار الساباطي ضعيف (5)، ونحوه
أكثر من أن يحصى.
قال: بل نقول: إن هذا الاصطلاح كان معروفا بين القدماء، كما يشهد عليه
ما في الكافي، في باب النص على الأئمة الاثني عشر.
ففيه: (قال محمد بن يحيى لمحمد بن الحسن: يا أبا جعفر، وددت أن هذا
الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله، قال: فقال: لقد حدثني قبل

(1) رجال النجاشي: 83 رقم 201.
(2) المقنعة: 350.
(3) الفوائد الرجالية: 170.
(4) الرعاية في علم الدراية: 90.
(5) الاستبصار: 1 / 372 رقم 8.
305

الحيرة بعشر سنين) (1). (انتهى ملخصا).
ولعمري، أن مثله من مثله لعجيب، كيف وإن الدعوى إطلاق الألفاظ
المعهودة في التنويع، وإرادة المعاني المعهودة.
وأما إطلاقها وإرادة غيرها، أو إرادتها من غيرها، كما هو الحال في الموارد
المذكورة فأجنبي عنها، مع أن الظاهر عدم تجدد اصطلاح في الضعيف، مضافا
إلى عدم انتهاض البعض بكلام الشهيد، إلا من باب النسبة إلى من تقدم.
ويضعف بأن غايته نسبة العمل والرد في المصداقين دون الإطلاقين.
نعم، ربما يوجد في كلامهم إطلاق الصحيح على العدل الأمامي، إلا أن
الظاهر أنه من باب الإطلاق على أحد الأفراد.
والشاهد على المرام مضافا إلى عدم ثبوت الإطلاق على الوجه المذكور،
الإطلاق على الخلاف، ومنه: إطلاقهم في المبحوث عنه في المقام.

(1) الكافي: 1 / 526 ح 2.
306

في ذكر الجماعة
إذا عرفت ما تقدم، فنقول: في بيان المرام، وأنه من مهام الكلام، نظرا إلى
ما ذكره بعض الأعلام من أنه على بعض التقادير يدخل آلاف من الحديث
الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها، أو يجري عليها حكمها.
إن في المقام مباحث من الكلام:
[المبحث] الأول
في ذكر الجماعة
فنقول: إنه ذكرهم الكشي في مواضع ثلاثة، وجعلهم على طبقات ثلاث:
الأولى: من أصحاب الباقرين عليهما السلام، قال في موضع في تسمية الفقهاء من
أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء
الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، وقالوا:
307

إن أفقه الأولين ستة: زرارة، ومعروف بن خربوذ (1)، وبريد (2) وأبو بصير
الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي (3)
قالوا: أفقه الستة: زرارة. وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير
المرادي، وهو ليث بن البختري (4) (5).
قوله: هؤلاء الأولين، إما أن يكون المشار إليه: جميع الفقهاء من
أصحابهما عليهما السلام أو خصوص الستة المذكورة.
ويرشد إلى الأول ظهور السياق من وجهين: لفظ (الفقهاء)، وقوله: (أفقه

(1) خربوذ: بالخاء المعجمة المفتوحة والراء المشددة والباء المضمومة. ابن داود: 190
رقم 1576، رجال العلامة: 170 رقم 10، توضيح الاشتباه: 10، 284 وتنقيح المقال: 1 / 16
رقم 94.
(2) بريد: بضم الباء، وفتح الراء. رجال ابن داود: 214 رقم 6، رجال العلامة: 134
رقم 3، إيضاح الاشتباه: 120 وتنقيح المقال: 1 / 112 رقم 673.
(3) كان محمد بن مسلم ختن بريد العجلي على ما ذكر في سند الكافي في باب فضل
التجارة والمواظبة عليها، قال فيه: (قال بريد لمحمد: سل لي أبا عبد الله عليه السلام عن شئ أريد أن
أصنعه، إن للناس في يدي ودائع وأموالا وأنا أتقلب فيها وأردت أن أتخلي عن الدنيا وأدفع إلى
كل ذي حق حقه، قال: فسأل محمد أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك، وخبره بالقصة وقال: ما ترى له؟
فقال: يا محمد! أ يبدأ نفسه بالحرب، لا! ولكن يأخذ ويعطي على الله جل اسمه (منه رحمه الله).
قوله: بالحرب، قال في الصحاح: حربه حربا كطلبه طلبا أي: صلب ماله. منه رحمه الله
(4) البختري: بفتح الباء وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء وتشديد الياء. رجال العلامة:
136 رقم 2، توضيح الاشتباه: 136 و 239 و 295، تنقيح المقال: 2 / 29 رقم 4858 رجال ابن
داود: 82 رقم 501 و 214 رقم 6.
قال العلامة في إيضاح الاشتباه: 259 وتنقيح المقال: 1 / 159 رقم 1186: البختري:
- بضم الباء وسكون الخاء -.
(5) رجال الكشي: 238 رقم 431.
308

الأولين).
والى الثاني، عدم تسمية الفقهاء منهم عدا الستة المذكورة.
وربما استظهر الوالد المحقق رحمه الله الأول، وأن الغرض انعقاد الاجماع على
تصديق جميع الفقهاء من أصحابهما، وإنما ذكر ستة منهم أفقههم.
قال: ومقتضى ذلك، أن يعامل معاملة الاجماع مع كل من ذكر في ترجمته:
(أنه فقيه، وهو من أصحابهما) كما ربما جرى عليه السيد الداماد فيما يظهر
من كلامه في ثعلبة (1).
قلت: وهو جيد، فإن مقتضى صريح العبارة، دعوى الاجماع على تصديق
الأولين من أصحابهما، وأن أفقه الأولين ستة، فمورد الاجماع غير مورد
الأفقهية، كيف لا! ومورد الأول مطلق الأولين، ومورد الثاني خصوص الستة،
والمباينة بينة. وأما عدم تسمية عدا الستة، فلا يعارض هذه الصراحة.
ومما ذكرنا، يظهر أن ترديده بعد ذاك الاستظهار غير وجيه، كما أن ما عزا
إلى السيد غير سديد، فإنه ذكر في الرواشح: (قال أبو عمرو الكشي في ترجمة
ثعلبة بن ميمون: ذكر حمدويه عن محمد بن عيسى، أن ثعلبة مولى محمد بن
قيس، وهو ثقة، خير، فاضل، مقدم معدود في العلماء والفقهاء والأجلة من
هذه العصابة) (2).
قلت: والذي عهدناه من سيرته في كتابه، أنه لا يورد الفقه والعلم والفضل
والتقدم، من أجلة هذه العصابة وعلمائها، إلا فيمن يحكم بتصحيح ما يصح
عنه. قال المحقق المشار إليه: الظاهر أن استفادته السيرة المسطورة، من جهة

(1) الرواشح السماوية: 51.
(2) الرواشح السماوية: 52.
309

أنه فهم من العبارة كون الاجماع المدعى في حق جميع الفقهاء، لا خصوص
الأشخاص المذكورين، استشهادا بما ذكره في وجه الاستفادة في موضع من
قوله.
ألا ترى، أنه عند ذكر طبقات المجمع على تصحيح ما يصح عنهم، بقوله
في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وتسمية الفقهاء
من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام وتسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم الكاظم
وأبي الحسن عليهما السلام. وأنت خبير بما فيه، فإن الظاهر منه، أن منشأ استفادة
السيرة، التتبع في كتاب الكشي، بأن التتبع فيه يكشف عن جريان سيرته
وسنته على أنه إذا عد شخصا من الفقهاء يحكم بتصحيح ما يصح، وينقل
الاجماع في حقه، كما يشهد به الموارد المذكورة، وأين هذا مما ذكره!.
هذا، ويرد على السيد المشار إليه، أن ما استفاده من كلامه، خال عن
التحصيل، وما عهده عن سنته، دعوى بلا دليل، كيف لا! وإنه لم يقع منه ذلك إلا
في الموارد الثلاثة المذكورة، وكيف تنتهض بذلك، الدعوى المزبورة.
هذا، لو كان المراد دعوى الاستقراء، والحاق المشكوك بالغالب، ولا تتم
الدعوى إلا به، وإن كانت العبارة عنها قاصرة.
وإن كان المراد دعوى التلازم في الذكر، كما هو مقتضى صريح العبارة،
ففيه، مضافا إلى فسادها في خصوص المقام، أن التتبع في كلماته كاشف عن
الخلاف، كما أنه عنون في موضع محمد بن الوليد، ومعاوية بن حكيم،
ومصدق بن صدقة، ومحمد بن سالم.
وقال: (هؤلاء كلهم فطحية من أجلة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم
310

أدرك الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -) (1).
وقال في موضع آخر: (قال محمد بن مسعود: عبد الله بن بكير وجماعة من
الفطحية هم فقهاء أصحابنا، منهم: ابن بكير، وابن فضال، وعمار الساباطي،
وعلي بن أسباط - وعد عدة - فقال: وعد عدة من أجلة العلماء) (2).
فأنت ترى أنه مع إطلاقه القول بالعلم والفقه والعدالة، بل من أجلة أهلها،
لم يدع في حقهم الاجماع، ولعله نقصا منه جعل الدعوى، إيراد أمور من الفقه
والعلم والفضل والتقدم المتقدم.
ويضعف حينئذ بعدم موافقة الدليل للدعوى، كما هو أظهر من أن يخفى.
هذا، ولا يخفى ما في عبارة الكشي من الخروج عن السلامة والمتعارف
من العربية، ونظيره ما ذكره في موضع آخر، كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
والطبقة الثانية من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام فقال في موضع آخر:
(تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك
الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل بن دراج (3) وعبد الله بن
مسكان (4) وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وأبان بن عثمان، وحماد بن

(1) رجال الكشي: 563 رقم 1062.
(2) رجال الكشي: 345 رقم 639.
(3) دراج: بالدال المهملة المفتوحة والراء المشددة. إيضاح الاشتباه: 82 وتنقيح المقال:
1 / 159 رقم 1195. وفي توضيح الاشتباه للساروي: بضم الدال وهو غير صحيح، لأن كتابه
كما عن سيدنا الأستاذ، غير متقن. وصرح - دام ظله الوارف - مرارا: بأن دراج بفتح الدال،
صحيح قطعا وبضم الدال، غلط قطعا.
(4) مسكان: بضم الميم وسكون السين المهملة. توضيح الاشتباه: 133 و 212،
إيضاح الاشتباه: 236 وتنقيح المقال: 1 / 345 رقم 3067 و 2 / 216 رقم 7073.
311

عثمان.
قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه، يعني: ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء: جميل
ابن دراج، وهم أحداث أبي عبد الله عليه السلام) (1).
قوله: (من دون أولئك) إما تابع لقوله: (هؤلاء)، فقوله: (ستة نفر) بالجر
تابع له أيضا، فالاجماع مقصور على الستة، كما أن الفقهاء محصور فيهم.
أو خبر مقدم لقوله: (ستة نفر) فالاجماع غير مقصور على الستة، كما أن
الفقهاء أيضا غير محصور فيهم.
كذا ذكره الوالد المحقق - رفع الله تعالى مقامه -.
قوله: (وهم أحداث) الظاهر أنه بمعنى الشباب، كما في الصحاح: يقال
للفتى حديث السن، فإذا حذفت السن قيل حدث، بفتحتين وجمعه أحداث.
وهذا هو الظاهر بحسب العبارة، كما حملها المحقق المشار إليه عليه
وغيره.
ويحتمل أن تكون العبارة (حداثا) أي: المحدثون كما قال في المجمع بعد
ذكر المعنى الأول: (ومنه حديث فاطمة سلام الله تعالى عليها مع النبي
- صلوات الله عليه وآله -.
فوجدت عنده أحداثا، أي: شبابا وفي بعض النسخ حداثا، أي: جماعة
يتحدثون، قيل: وهو جمع شاذ حمل على نظيره، كسامر، وسمار، فإن السمار
المحدثون) (2).

(1) رجال الكشي: 375 رقم 705.
(2) مجمع البحرين: 2 / 246، مادة (حدث).
312

والطبقة الثالثة من أصحاب الكاظمين عليهما السلام فقال في موضع ثالث:
(تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم الكاظم، وأبي الحسن الرضا عليهما السلام
أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم، وأقروا لهم بالفقه
والعلم، وهم ستة نفر آخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي
عبد الله عليه السلام منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري،
ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن
محمد بن أبي نصر.
وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضال
وفضالة (1) ابن أيوب، وقال بعضهم مكان فضالة: عثمان بن عيسى.
وأفقه هؤلاء: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى) (2).
قوله: (وهم) الظاهر أنه راجع إلى هؤلاء، وهو إشارة إلى الفقهاء.
ويمكن أن يكون راجعا إلى الفقهاء ابتداء، ويلزم على كلا الوجهين انحصار
الفقهاء، واقتصار الاجماع في الستة.
قوله: (وفضالة بن أيوب) قد احتمل فيه جدنا السيد العلامة رحمه الله فيه وجهين:
أحدهما: أن يكون عطفا على الحسن بن علي، واحتمل عليه وجهين:
أن يكون المراد: قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن
فضال. وقال بعض آخر: مكانه، فضالة بن أيوب.
وأن يكون في العبارة حذف وتقدير، أي: قال بعضهم مكان الحسن بن

(1) فضالة: بفتح الفاء. راجع: إيضاح الاشتباه: 254، توضيح الاشتباه: 84، 122
و 246 وتنقيح المقال: 2 / 336 رقم 8749 و 3 / 5 رقم 9444.
(2) رجال الكشي: 556 رقم 1050.
313

محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، الحسن بن علي بن فضالة وفضالة،
بأن يكون الأول في مكان الأول، والثاني في مكان الثاني.
وثانيهما: أن يكون عطفا على (مكان) في قوله (وقال بعضهم مكان
الحسن) أي: قال بعضهم: (فضالة) أي: أنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنه، أي: زاد ذلك البعض على الستة المذكورة.
وهو يصح على تقدير ذكر (ابن محبوب)، و (ابن فضال)، مستظهرا
احتمال الأخير تعليلا بقوله: (وقال بعضهم مكان فضالة) ونافيا لخلو الأول
عن ظهور.
أقول: وهو لا يخلو عن أنظار جلية وخفية.
والأظهر الأول، لكن مع اتحاد البعض في المعطوف والمعطوف عليه، أي:
قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن
أيوب.
وهذا، وإن يستلزم تغاير البدل والمبدل منه في الوحدة والتعدد، وهو
خلاف الظاهر، إلا أنه مع ذلك أظهر الوجوه المذكورة.
فمحصول كلامه: دعوى إجماع العصابة على ثمانية عشر رجلا، ولا خلاف
في ستة عشر منهم، وإنما الخلاف في اثنين: واحد في الطبقة الأولى، وواحد
في الطبقة الأخيرة، كما أنه لا خلاف في عدد الطبقتين الأوليين. وإنما الخلاف
فيه في الثالثة، فمقتضى كلامه مماثلتها للسابقين، ومقتضى كلام بعض، زيادتها
عليهما بواحد.
وبوجه آخر، لا خلاف في الطبقة الثانية لا شخصا ولا عددا، بخلافها
في غيرها. ففي الأولى خلاف شخصا، وفي الثانية شخصا وعددا، فمجموعهم:
اثنان وعشرون.
314

فما ذكر في الرواشح: (من أن هؤلاء على اعتبار الأقوال المختلفة
في تعيينهم، أحد وعشرون، بل اثنان وعشرون رجلا) (1)، في غير محله،
لسقوط التعيين في الأول رأسا وفي الثاني أضرابا.
ودعوى احتمال ابتناء الثاني على إدراج ثعلبة، مدفوعة، بأنه على تسليمه
كان عليه التعيين في ثلاثة وعشرين، كما سيجئ التصريح به في كلامه.
ومما ذكرنا ينصرح ضعف جملة من الكلمات.
منها: ما ذكره ابن داود في حمدان، في قوله: (كش) هو من خاصة الخاصة
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه والأقرار له بالفقه في آخرين) (2).
فإن ما ينصرح منه من التنصيص المذكور غير صحيح، إلا أن يكون على
ما استظهرناه من كون المراد دعوى الاجماع على مطلق الفقهاء من
الأصحاب، إلا أن اختصاصه به حينئذ غير خال عن الارتياب.
وأما ما صححه في الرواشح:
تارة: بابتنائه على ما هو المعهود من سيرته والمأثور من سنته، أنه لا يطلق
القول بالتفقه والثقة، والخيرية والعد من خاص الخاص إلا فيمن يحكم
بتصحيح ما يصح عنه وينقل على ذلك الاجماع (3)، فمجازفة ظاهرة.
وذلك: لأن التوصيف بالأوصاف المذكورة، لم يقع منه إلا في الترجمة
المذكورة فيما حكى عن العياشي، فكيف تتجه دعوى المعهودية من السيرة.
ونظيره ما مر منه في ثعلبة، نعم لا يقصر ما ادعاه نفسه في ثعلبة، عما ادعاه

(1) الرواشح السماوية: 47.
(2) رجال ابن داود: 84 رقم 524.
(3) الرواشح السماوية: 52، الراشحة السادسة.
315

الكشي، فإنه ذكر أن في تضاعيف تتبع فهارس الأصحاب وطرقهم وأصولهم
وجوامعهم، واستقصاء أصول طبقات الأسانيد ومراتبها ودرجاتها، يستبين
استصحاح ما يصح عن ثعلبة كأولئك المعدودين.
قال: فيبلغ من يقال بتصحيح ما يصح عنه: اثنين وعشرين، بل ثلاثة
وعشرين، إلا أن من العجيب ما نقله عن رهط من أهل عصره، من أنهم مهما
وجدوا طريقا صحيحا حقيقيا فيه: (ثعلبة) جعلوه حسنا، لأنه غير موثق
بالتصريح في الخلاصة (1).
مع ما عرفت من التصريح بتوثيقه، وفوقه مذكور في موضعين من الكشي.
وفي أحدهما: (أنه فقيه، ثقة، خير) (2).
وفي الآخر: (نقل عن مولانا أبي جعفر عليه السلام أنه ذكر في حقه أنه كان من
خصيص شيعتي (3)، وعن العياشي.
وأخرى: بابتنائه على كون النقل من معرفة الرجال دون الاختيار ففي غاية
البعد، بل مما يقطع بالعدم.
ومنها: ما ذكره في الجواهر عند الكلام في الأذان والإقامة، في تصحيح
ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي علي، قال: (أبو علي الحراني، يحتمل كونه
سلام بن عمرة الثقة، فيكون الخبر صحيحا في طريقيه إن لم يكتف في صحة
الخبر في صحة سنده إلى من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وإلا

(1) الرواشح السماوية: 52.
(2) رجال الكشي: 412 رقم 776.
(3) رجال الكشي: 563 رقم 1064. فيه: (عن حمدان الحضيني قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: إن أخي مات، فقال لي: رحم الله أخاك فإنه كان من خصيص شيعتي.
قال محمد بن مسعود: حمدان بن أحمد من الخصيص؟ قال: الخاصة الخاصة.
316

فلا تقدح جهالته، لأن في أحد طريقيه: ابن أبي عمير، والآخر: الحسين بن
سعيد، وهما ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهما) (1).
فقد بسطنا الكلام في الإيراد عليه بوجوه في الفقه، ملخصها.
أولا: إن من يحتمل كونه سلام بن أبي عمرة، كما هو المذكور في كلام
النجاشي (2)، أو سلام بن عمر، كما هو المذكور في الفهرست (3)، بناء على
اتحادهما كما يشهد به اتحاد الطريق، هو أبو علي الخراساني، نظرا إلى ما رواه
في الكافي في كتاب الحجة بسنده: (عن بدر، عن أبيه، قال: حدثني سلام
أبو علي الخراساني، عن سلام بن سعيد المخزومي) (4).
ومن هنا استظهار العلامة البهبهاني في التعليقات، إرادة أبي علي
الخراساني عن سلام، وإرادة سلام بن أبي عمرة الثقة عن المطلق (5).
وأين هذا مما ذكره من الحراني، مضافا إلى أن الظاهر سقوط هذا الاحتمال
رأسا، إذ الظاهر أنه لو كان سلام بن أبي عمرة، مكنى بأبي علي، لذكره
النجاشي مع ظهور عدمه.
وثانيا: إن مجرد احتمال كون سلام هو الخراساني الثقة، لا يوجب تصحيح
الخبر، بل لابد من الثبوت، فتفريع الصحة على مجرد الاحتمال كما ترى.
وثالثا: إن ما ذكره من الاكتفاء بما ذكر وعدمه، غير مربوط بسابقة
رأسا. الظاهر أن الكلام لا يخلو عن سقط، فإنه لا يتم إلا بمثل ويحتمل كونه

(1) جواهر الكلام: 9 رقم 42.
(2) رجال النجاشي: 189 رقم 502.
(3) الفهرست: 82 رقم 339. وفيه: (سلام بن عمرو).
(4) الكافي: 1 / 400 ح 6.
(5) تعليقة الوحيد: 166.
317

غيره فيكون ضعيفا، وبه يتخلص عن السابق أيضا.
ورابعا: إن ما ذكر من أن حسين بن سعيد ممن اجتمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه، من عجائب الاشتباه، إذ لم أقف على كلام أحد عده من
هذه العصابة.
بقي أن من العجيب أنه لما صحح في المدارك (1) ما رواه سليمان بن خالد،
في إعادة الغسل لمن رأى البلل قبل أن يبول (2).
نظر في كلامه في الذخيرة، بأن في السند سليمان المذكور وهو واقفي، إلا
أنه نقل الكشي قولا بأنه ممن أجمعت...) (3).
اعترض عليه الفاضل الخاجوئي رحمه الله بأن ما أضافه إلى الكشي ليس
في كتابه منه عين ولا أثر، بل هو مما ذكره الفاضل الأستر آبادي في رجاله
الأوسط في ترجمة عثمان هذا (4) وهو منه غلط في الفهم.
وتبعه غيره فيه من غير تأمل دقيق فيما في رجال الكشي، فإنه حكى فيه
عن نصر أنه كان واقفيا وراويا عن أبي حمزة الثمالي، ولا يتهمون).
ففهم منه أنهم لا يتهمونه في رواياته مطلقا، فعبر عنه بقوله (ونقل (كش)
قولا بأنه ممن اجتمعت...)، وليس هذا معناه (5).
ولكن الخبير بصير بما فيه، فإن منع الثبوت في رجال الكشي خلاف
العيان، إلا أنه لما كان رجال الكشي غير مرتب أصلا، والإجماع المذكور

(1) مدارك الأحكام: 1 / 304.
(2) الكافي: 3 / 49 ح 1.
(3) مدارك الأحكام: 1 رقم 306.
(4) تلخيص المقال: 153. (المخطوط).
(5) الرسائل الفقهية للفاضل الخاجوئي: 1 / 326.
318

في الطبقات مذكور في موارد متشتتة من هذا الكتاب، فيعسر الاطلاع إلا بنهج
خاص، ومن ثم وقع الفاضل فيما وقع من الإنكار وغيره من المحاذير العجيبة.
ثم إن مدار التفاوت في كلامه حيث جعل الطبقة الثالثة دون الثانية، وهي
دون الأولى، على التفاوت في الزمان، أو مع الرتبة، أو الأخير خاصة، فيه
وجوه.
بقي أن ما يقتضيه كلامه من تثليث الطبقات غير سديد.
أما الطبقة الأولى، فثلاثة منهم وإن كانوا على الوجه المذكور في كلامه
وهم: معروف، وبريد، وفضيل، ولكن الباقي منهم على خلافه، كما عدهم شيخ
الطائفة من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام (1).
وأما الطبقة الثانية، فغير واحد منهم من مرتبة الطبقة الثالثة، إذ من
المذكورين فيها جميل بن دراج، وقد صرح النجاشي (2) والعلامة (3) بأنه
يروي عن الصادق والكاظم عليهما السلام ونحوه في رجال الشيخ (4).
وأما حماد بن عيسى فهو من الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام كما في رجال
الشيخ (5)، وأما أبان فهو من الصادق والكاظم عليهما السلام، كما في رجال النجاشي

(1) عد الشيخ زرارة بن أعين من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام. رجال
الطوسي: 123، 201 و 350. وكذا محمد بن مسلم. رجال الطوسي: 135، 300 و 358.
وأبو بصير ليث بن البختري. رجال الطوسي: 134، 278، 358.
(2) رجال النجاشي: 126 رقم 328.
(3) رجال العلامة: 34 رقم 1.
(4) رجال الطوسي: 163 رقم 39 و 346 رقم 4.
(5) رجال الطوسي: 174 رقم 152 و 346 رقم 1. وقال الشيخ في رجاله، في أصحاب
الصادق عليه السلام: إنه بقي إلى زمان الرضا عليه السلام.
319

والفهرست (1).
وأما عبد الله بن مسكان فقد أنكر النجاشي روايته عن الصادق عليه السلام، وقال:
(إنه روى عن مولانا أبي الحسن عليه السلام) (2).
وفي رجال الكشي: (أنه لم يسمع عن أبي عبد الله عليه السلام إلا حديث: من
أدرك المشعر فقد أدرك الحج) (3).
فلم يبق في تلك الطبقة إلا ابن بكير، إذ هو غير مذكور في الرجال إلا
في الصادق عليه السلام (4).
وأما المذكور في الطبقة الثالثة، فثلاثة منهم أيضا على مقتضى ما ذكره وهم:
يونس وابنا المغيرة ومحبوب (5).
وواحد منهم من أصحاب الصادق والإمامين عليهم السلام وهو: ابن أبي عمير (6)

(1) رجال النجاشي: 13 رقم 8 والفهرست: 18 رقم 52.
(2) رجال النجاشي: 214 رقم 559.
(3) رجال الكشي: 382 رقم 716.
(4) رجال الطوسي: 224 رقم 27.
(5) عد الشيخ يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام. رجال
الطوسي: 364 و 364. وكذا عبد الله بن المغيرة. رجال الطوسي: 355 و 379. والحسن بن
محبوب. رجال الطوسي: 347 و 372.
(6) عده الشيخ من أصحاب الكاظم عليه السلام. رجال الطوسي: 288. وقال في الفهرست:
وأدرك من الأئمة عليهم السلام، ثلاثة: أبا إبراهيم موسى عليه السلام ولم يرو عنه، وأدرك الرضا عليه السلام وروى عنه
والجواد عليه السلام. الفهرست: 142.
قال النجاشي: لقي أبا الحسن موسى عليه السلام وسمع منه أحاديث... وروى عن الرضا عليه السلام.
رجال النجاشي: 326.
وأما قول المؤلف (من أصحاب الصادق عليه السلام) كما في رجال ابن داود، فهو سهو جزما،
كما صرح به السيد الخوئي، لأن محمد بن أبي عمير الذي كان من أصحاب الصادق عليه السلام مات في
حياة الكاظم عليه السلام وهو غير هذا، سيأتي عن المؤلف مزيد كلام فيه مع تعليقتنا عليه.
320

والباقيان من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام (1).
ومن ثم جرى جدنا السيد العلامة على التسبيع، فجعل الأولى من أصحاب
الباقرين عليهما السلام وهم: معروف، وبريد، وفضيل.
والثانية من أصحاب الصادق عليه السلام وهو: عبد الله بن بكير.
والثالثة من أصحاب الباقرين والكاظم عليهم السلام وهم: زرارة، وأبو بصير،
ومحمد بن مسلم.
والرابعة من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وهم: جميل، وأبان، وعبد الله
ابن مسكان.
والخامسة من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام وهم: حمادان وابن
أبي عمير.
والسادسة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام وهم يونس وعبد الله بن
المغيرة، والحسن بن محبوب.
والسابعة من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام وهو: صفوان.
وقد أورد عليه الوالد المحقق رحمه الله بأنه كان ينبغي أن يعد ابن أبي عمير من
طبقة ثامنة، أي: من كان من أصحاب الصادق والكاظم والرضا والجواد عليهم السلام،

(1) وهما: صفوان بن يحيى الذي عده الشيخ من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام.
رجال الطوسي: 352، 378 و 402.
وأحمد بن أبي نصر البزنطي، عده الشيخ أيضا من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام.
رجال الطوسي: 344، 366 و 397.
321

حيث إنه من أصحاب الرضا عليه السلام كما في رجال الشيخ (1)، بل من أصحاب
الكاظم عليه السلام أيضا كما ذكره النجاشي (2)، بل من أصحاب الجواد عليه السلام أيضا كما
ذكره الشيخ في الفهرست، وإن ذكر فيه أنه لم يرو عن الكاظم عليه السلام (3).
وقد ذكر ابن داود (4) والفاضل الخاجوئي أنه من أصحاب الصادق عليه السلام (5)
واعترف به في التسبيع حيث عده من أهل الطبقة الخامسة.
وإن قلت: إنه مبني على كون ابن أبي عمير من أصحاب مولانا الجواد عليه السلام
أيضا، ولم يذكره غير الشيخ في الفهرست (6)، ونسخ الفهرست مختلفة، فبعضها
مشتمل على قوله: (والجواد عليه السلام) كما تقدم، وهو مطابق لما حكاه عنه غير
واحد من أرباب الرجال، وبعضها، بل أكثرها كما في كلام بعض الأصحاب
خال عن ذلك، وهو مطابق لما نقله العلامة في الخلاصة (7) وابن داود (8) نقلا،
وهو مقتضى كلام من الشهيد الثاني وصاحب المدارك نقلا، فلم يثبت كون قوله
المذكور منه، بل الظاهر أنه من زيادة بعض الناظرين.
قلت: الظاهر صحة النسخة المشتملة عليه، لأن وفاة مولانا الجواد عليه السلام

(1) رجال الطوسي: 388 رقم 26.
(2) رجال النجاشي: 326 رقم 787.
(3) الفهرست: 142 رقم 607.
(4) رجال ابن داود: 259 رقم 1272.
(5) الفوائد الرجالية: 43.
(6) الفهرست: 142 رقم 607.
(7) رجال العلامة: 140 رقم 17.
(8) رجال ابن داود: 159 رقم 1272.
322

في سنة عشرين ومائتين (1) ووفاته سنة سبع عشرة ومائتين (2) فهو قد أدرك
أكثر أزمنة مولانا الجواد عليه السلام، فمن البعيد كمال البعد عدم روايته، أو عدم
تمكنه منها عنه.
أقول: بل الظاهر أن عدم الاشتمال من غلط النسخة، كما يشهد عليه ثبوته
في النسخة الموجودة، وهو الحال فيما حكى عن الفهرست في النقد (3) ونحوه
ما عن الحاوي (4) والمجمع (5)، بل عن الحاوي أن ما حكيناه عن الفهرست
موجود في النسخ المعتبرة، وفيها ذكر الأمام الثالث عليه السلام، بل استعجب الفاضل
الشيخ أبو على ما ذكره الشهيد من أنهم لم يذكروا الأمام الثالث عليه السلام، نظرا إلى
وجوده فيما وقف عليه من نسخ الكتاب.
ثم إنه لا يخفى أن المصرح به في كلام الشيخ إدراكه لمولانا موسى بن
جعفر عليهما السلام وعدم روايته عنه (6)، والمصرح فيه في النجاشي خلافه، فإنه قال:
(لقي أبو الحسن موسى عليه السلام وسمع منه أحاديث، كنى في بعضها فقال يا أبا
أحمد) (7).
وهو الظاهر، لتأخر النجاشي، وظهور ملاحظة كلام الشيخ.
ثم أقول: إنه يرد عليها، أن ما ينصرح منهما، من أن ابن أبي عمير من

(1) كما في الكافي: 1 / 492.
(2) كما في رجال النجاشي: 327 رقم 887.
(3) نقد الرجال: 284 رقم 49.
(4) حاوي الأقوال: 126 رقم 484.
(5) مجمع الرجال: 5 رقم 117.
(6) الفهرست: 142 رقم 607.
(7) رجال النجاشي: 326 رقم 887.
323

أصحاب مولانا الصادق عليه السلام واستند فيه الوالد المحقق رحمه الله بأنه ذكره ابن
داود (1) والفاضل الخاجوئي: أنه من أصحابه عليه السلام (2)، ليس على ما ينبغي،
لعدم وقوع ذكره من أصحابه من أحد من المشايخ المؤسسين كالنجاشي وهو
أعرفهم وأضبطهم والشيخ في كتابيه والعلامة في الخلاصة.
وأما ما يظهر من ابن داود، من ذكره الشيخ في أصحاب مولانا
الصادق عليه السلام فيما ذكره من قوله: (محمد بن أبي عمير، بياع السابري (ق)
(ضا) (جخ) (3)، فمن غرائب اشتباهاته الواقعة له في هذا الكتاب، وكم وقع
له من نظائره كما تقدم مفصلا، لعدم وقوع ذلك منه.
ومنه اقتصار النقد في النقل على الرمز الثاني (4).
وأما استناده إلى كلام الفاضل الخاجوئي، فعلى تقدير ثبوته، في غير محله،
لعدم الدليل عليه.
ويؤيده أيضا أن ابن أبي عمير مات في سنة سبعة عشر ومائتين، كما ذكره
النجاشي (5)، ووقع انتقال روح مولانا الصادق عليه السلام إلى أعلى غرف دار السلام
في سنة ثمان وأربعين ومائة على ما عن التهذيب (6) والإرشاد (7)، والفاصلة
بين الزمانين تسعة وستون، ولابد من مضي عشرين سنة مثلا ليحسن عده من

(1) رجال ابن داود: 159 رقم 1272.
(2) الفوائد الرجالية: 43.
(3) رجال ابن داود: 159 رقم 1272.
(4) نقد الرجال: 284 رقم 49. فيه: (ست، ثقة، ضا جخ).
(5) رجال النجاشي: 327 رقم 887.
(6) التهذيب: 6 / 78 ح 22.
(7) إرشاد المفيد: 271.
324

أصحابه عليه السلام فيقرب سنه إلى تسعين، وهو لا يخلو عن بعد في نفسه، وعدم
التعرض له أو عدم الاطلاع عليه.
ومن هنا ما ذكر بعض نقلا من أن ما في التهذيب، في باب (ما يجوز فيه
الصلاة من اللباس): (العباس، عن صفوان، عن صالح، عن محمد بن أبي
عمير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام) (1).
لاشك أن الواسطة محذوفة، لأنه لم يلقه (2).

(1) التهذيب: 1 / 274 ح 806.
(2) العجب من المؤلف كيف خفي عليه بأن محمد بن أبي عمير هذا، غير محمد بن أبي
عمير، زياد الذي من أصحاب الاجماع، إذ محمد بن أبي عمير هذا، بياع السابري توفي في حياة
الكاظم عليه السلام كما في الكافي: 7 / 126 ح 1، (كتاب المواريث، باب الرجل يموت ولا يترك إلا
امرأته)، ومحمد بن زياد الذي من أصحاب الاجماع، توفي في سنة سبع عشرة ومائتين كما في
رجال النجاشي: 327 رقم 887، أي: أدرك الجواد عليه السلام أربع عشرة سنة.
مضافا إلى أن محمد بن أبي عمير هذا يروي عن أبي عبد الله عليه السلام في موارد عديدة، كما في
الكافي: 3 / 420 ح 4، 3 / 443 ح 4 و 7 / 126 ح 1 والتهذيب: 1 / 274 ح 806 و 2 / 370
ح 1538 والاستبصار: 1 / 393 ح 1500. والقول بإرسال هذه الروايات، مشكل.
وأيضا يروي عن محمد بن أبي عمير هذا، هشام بن سالم، كما في رجال الكشي: 143
رقم 224، وهشام، من مشايخ ابن أبي عمير زياد، وروى عنه كثيرا بحيث رواياته عنه تبلغ
مائتين وخمسة وعشرين موردا كما في معجم رجال الحديث: 22 / 105.
قال السيد المحقق البروجردي قدس سره: محمد بن أبي عمير بياع السابري مات في حياة العبد
الصالح عليه السلام وأوصى إلى محمد بن نعيم، ويظهر من الحكاية أنه من الخامسة. الموسوعة الرجالية:
4 / 307.
وقال في موضع آخر: رواية ابن أبي عمير وهو من السادسة ومات سنة 217 عن أبي
عبد الله عليه السلام مرسلة، إلا أن يكون رجلا آخر كما يدل عليه بعض الأسانيد الأخر ونبهنا عليه
في محله. المصدر: 1 / 341. ولاحظ أيضا صفحة: 343.
325

ويرد على جدنا السيد العلامة رحمه الله أنه كان عليه أن يعد (معروف) من الطبقة
التاسعة، بعد ما سمعت من ثبوت الثامنة، لأنه من أصحاب الباقرين عليهما السلام كما
تقدم.
وكذا من أصحاب مولانا علي بن الحسين عليهما السلام كما صرح به الشيخ
في الرجال (1)، وحكى عنه في النقد (2).
مع أن ما ينصرح منه: من عدم رواية عبد الله بن مسكان عن مولانا
الصادق عليه السلام غير الرواية المذكورة، كما تقدم ذكره ونظائره.
هذا وقد حكي عن السيد السند النجفي قدس سره أشعار في ضبط الجماعة، ينبغي
ذكرها ثمة وهي:
قد أجمع الكل على تصحيح ما * يصح عن جماعة فليعلما
وهم أولو نجابة ورفعة * أربعة وخمسة وتسعة
فالستة الأولى من الأمجاد * أربعة منهم من الأوتاد
زرارة، كذا بريد قد أتى * ثم محمد وليث يا فتى
كذا الفضيل بعده معروف * وهو الذي ما بيننا معروف
والستة الوسطى أولو الفضائل * رتبتهم أدنى من الأوائل
جميل الجميل مع أبان * والعبدلان ثم حمادان
والستة الأخرى هم صفوان * ويونس عليهم الرضوان
ثم ابن محبوب كذا محمد * كذاك عبد الله ثم أحمد

(1) رجال الطوسي: 101 رقم 12.
(2) نقد الرجال: 348 رقم 2.
326

وما ذكرناه الأصح عندنا * وشذ قول من به خالفنا
والظاهر أنه نظم لعبارة الكشي، وما ادعى من الاجماع، فحينئذ فعده ليثا،
ليس على ما ينبغي إلا أن يكون مبنيا على ما استظهرنا سابقا: من أن المرادي
أجل شأنا من الأسدي، وأن أحاديثه أحق بالاستصحاح منه، خلافا لمن تقدم.
327

المبحث الثاني
في مفاد العبائر المتقدمة من أنها هل تقتضي صحة المروي، أو
الرواية؟
فيه أقوال:
القول بالأول: كما ذهب إليه الشهيد (1) والسيد الداماد (2) والمولى التقي
المجلسي (3) والفاضل السبزواري (4) والعلامة البهبهاني (5) وعليه جرى جدنا

(1) الرعاية في علم الدراية: 79.
(2) الرواشح السماوية: 47، الراشحة الثالثة.
(3) الرعاية في علم الدراية: 79.
(4) الرواشح السماوية: 47، الراشحة الثالثة.
(5) الفوائد الرجالية المطبوعة في آخر رجال الخاقاني: 29. فيه: (أن المراد صحة كل
ما رواه حيث تصح الرواية إليه، فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم عليه السلام وإن كان فيه ضعف، وهذا
هو الظاهر من العبارة).
329

السيد العلامة.
قال: (إن مسانيدهم ومراسيلهم ومقاطيعهم بأسرها مقبولة، ناسبا إياه إلى
كثير من العلماء الأعلام، بل ذكر في الرواشح أن مراسيلهم ومرافيعهم ونحوهما
معدودة عند الأصحاب من الصحاح). (انتهى). ولكن فيه كلام سننبهك إن
شاء الله تعالى.
والقول بالثاني: كما فهم منها في الوافي (1) وهو المحكي عن صاحب
الاستقصاء وهو خيرة الوالد المحقق قدس سره في الرسالة المنفردة وغيرها مصرا
فيه.
ونقله في المنتهى عن السيد السند صاحب الرياض، مصرا فيه بعد سلوكه
في كثير من مصنفاته على طريقة المشهور، حتى أنه ادعى أنه لم يعثر
في الكتب الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات، على عمل
فقيه من فقهائنا - رضوان الله تعالى عليهم - بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده
أحد الجماعة وهو إليه صحيح (2).

(1) الوافي: 1 / 22 المقدمة الثانية.
(2) لم نجده في الرياض على ما فحصنا، الظاهر أنه سمع ذلك أبو علي الحائري عن أستاذه
صاحب الرياض شفاها، كما يروي عن أستاذه الوحيد البهبهاني مباشرة وشفاها مالا يوجد في
تعليقته على منهج المقال. راجع مقدمة منتهى المقال: 51 الهامش الثاني.
هذا، وقد استدل نفسه في الرياض بصحة الرواية مع جهالة بعض رواتها مستدلا برواية
أصحاب الاجماع كما في: (الرجل يشتري من رجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير أن
يحمله على الكره) بقوله: (لوجود ابن أبي عمير في سند الأول الجابر جهالة الراوي بعده... مع
اعتبار سند بعضها بوجود صفوان الذي أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة).
رياض المسائل: 1 / 520.
وفي حديث لا تلق ولا تشتر ما تلقي ولا تأكل منه: (لاعتبار سند الخبرين بوجود ابن
محبوب في الأول وابن أبي عمير في الثاني، مع صحة السند إليهما وهما ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنهما). المصدر: 1 / 521.
وفي الرجل يشتري المتاع إلى أجل: (ونحوه خبران آخران في سندهما جهالة إلا أن
أحدهما صفوان وفي ثانيهما الحسن بن محبوب، الذين قد أجمع على تصحيح ما يصح منهما
العصابة). المصدر: 1 / 531.
وفي رجل أقرض رجلا دراهم فرد عليه أجود منها بطيبة: (وقصور السند بالجهالة منجبر
بوجود الحسن بن محبوب فيه، وقد اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه).
المصدر: 1 / 577.
وفي المزارعة: (مع أن سند أحدهما صحيح إلى صفوان وجهالة من بعده مجبورة بكونه ممن
أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة). المصدر: 1 / 614.
وفي المكاتب يشترط عليه مولاه أن لا يتزوج إلا بإذنه: (الثاني القريب من الصحيح،
لانجبار ضعف بعض رواته برواية ابن محبوب). المصدر: 2 / 235.
وفي حديث: عن رجل قال لله على أن أصوم حينا: (أبو الربيع وإن جهل كخالد بن حريز
الراوي عنه، إلا أن رواية الحسن بن محبوب عنهما جبرت قصورهما): المصدر 2 / 257.
330

قال: (وذهب إليه بعض أفاضل العصر، وليس لهما دام فضلهما ثالث) (1).
ومراده بالبعض المزبور، هو السيد السند النجفي بحر العلوم، كما نص عليه
في فاتحة الكتاب (2).
وكل من المحكي والحكاية في الأول والثاني عجيب، ويظهر الوجه فيهما
فيما سيأتي إن شاء الله من الكلام في المقام الرابع والتفصيل بين الطبقة الأولى

(1) منتهى المقال: 1 / 56.
(2) راجع: رجال السيد بحر العلوم: 2 / 367.
331

فالثاني والثانيتين فالأول كما ينصرح من جدنا العلامة في الإشارات وسبقه
المحقق القمي في أجوبته عن الأسئلة.
والأظهر الأول لوجوه:
الأول: إن الأمر في المقام دائر بين إرادة الأسناد من الموصول أو الحديث،
والظاهر الثاني، نظرا إلى أن التتبع في كلماتهم يكشف عن أنهم في بيان حال
أحاديث الرواة دون أسانيدها، من حيث صحتها وضعفها وكثرتها وقلتها.
فمن الأول: ما في ترجمة صدقة بن بندار: (ثقة، خير، له كتاب، حسن،
صحيح الحديث) (1).
وما في محمد بن جعفر: (حسن الحفظ، صحيح الحديث) (2).
وما في منبه (3) بن عبد الله: (صحيح الحديث) (4).
ومن الثاني: ما في محمد بن خالد البرقي: (ضعيف في الحديث) (5).
وما في محمد بن سليمان: (ضعيف في حديثه) (6).

(1) رجال النجاشي: 204 رقم 544.
(2) رجال النجاشي: 394 رقم 1053.
(3) المنبه: بضم الميم وفتح النون وكسر الباء المشددة. تنقيح المقال: 2 / 219 رقم 7085،
توضيح الاشتباه: 287 وإيضاح الاشتباه: 302.
(4) رجال النجاشي: 421 رقم 1129.
(5) رجال النجاشي: 335 رقم 898.
(6) المراد منه محمد بن سليمان بن زكريا الديلمي راجع: مجمع الرجال: 5 / 219،
الخلاصة: 256 رقم 55 ورجال ابن داود: 272 رقم 452.
332

وما في موسى بن سعدان (1): (ضعيف في الحديث) (2).
وما في موسى بن جعفر الكميذاني (3): (ضعيف الحديث) (4).
ومن الثالث: ما في محمد بن إبراهيم المعروف (5): (صحيح العقيدة، كثير
الحديث) (6).
وما في محمد بن أبي بكر: (له منزلة عظيمة، كثير الحديث) (7).
وما في محمد بن أحمد المعروف بابن الثلج: (ثقة، عين، كثير الحديث) (8).

(1) سعدان: بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة وفتح الدال المهملة. تنقيح المقال:
2 / 22 رقم 4798 وتوضيح الاشتباه: 289، 198 و 169.
(2) رجال النجاشي: 404 رقم 1072.
(3) الكميذاني: بضم الكاف وفتح الميم وسكون الياء، قرية بقم. الوافي: 1 / 33.
ولكن ضبطه العلامة وابن داود والساروي: (الكمنذاني) بضم الكاف والميم وسكون
النون. رجال ابن داود: 281 رقم 524، الخلاصة: 258 رقم 5 وتوضيح الاشتباه: 289
وقال المامقاني: الكمنداني نسبة إلى كمندان - بضم الكاف وفتح الميم وسكون النون وفتح
الدال والألف والنون - اسم لبلدة قم الطيبة في أيام الفرس فلما فتحها المسلمون اختصروا،
فسموها قما. تنقيح المقال: 2 / 310 رقم 8530.
(4) رجال النجاشي: 406 رقم 1077.
(5) في المصدر: المعروف بابن زينب.
(6) رجال النجاشي: 383 رقم 1043.
(7) رجال النجاشي: 379 رقم 1032.
(8) رجال النجاشي: 381 رقم 1037.
333

ومن الرابع: ما في جابر بن عياض (1): (ثقة، قليل الحديث) (2).
وما في جهم (3) بن حكيم: (ثقة، قليل الحديث) (4).
وما في الحسن بن موقف (5): (قليل الحديث) (6).
وغيرها من ذكر نقاوة أحاديثهم، كما في محمد بن الوليد: (نقي
الحديث) (7). ونفيها، كما في أحمد بن زاهر: (كان وجها بقم، وحديثه ليس
بذلك النقي) (8).
ووثاقتهم، كما في جعفر بن محمد بن سماعة: (ثقة في الحديث) (9).
ويعقوب بن نعيم (10) وغيره (11).

(1) كذا في المخطوط. والصحيح: جلبة بن عياض، أبو الحسن الليثي أخو أبي ضمرة.
عياض: بكسر العين المهملة وتخفيف الياء المثناة من تحت. توضيح الاشتباه: 242 بعد
رقم 1150 و 65 رقم 236 وتنقيح المقال: 1 / 148 رقم 977 والخلاصة: 22 رقم 3.
(2) رجال النجاشي: 128 رقم 330.
(3) الجهم: بفتح الجيم، وسكون الهاء. الخلاصة: 37 رقم 5، إيضاح الاشتباه: 101،
رقم 60، 136 رقم 149 و 191 رقم 299، توضيح الاشتباه: 101 قبل رقم 421 و 114 رقم
489 وتنقيح المقال: 1 / 197 رقم 1585 و 240 رقم 2002.
(4) رجال النجاشي: 130 رقم 333.
(5) كذا في المخطوط بقلم المؤلف وفي المصدر: الحسن بن موفق.
(6) رجال النجاشي: 57 رقم 132.
(7) رجال النجاشي: 345 رقم 931.
(8) رجال النجاشي: 88 رقم 215، فيه أحمد بن أبي زاهر.
(9) رجال النجاشي: 117 رقم 305.
(10) رجال النجاشي: 449 رقم 1213.
(11) كما في إبراهيم بن سليمان عبيد الله: (كان ثقة في الحديث). رجال النجاشي:
18 رقم 20 وأحمد بن أبي بشر: (ثقة في الحديث). المصدر: 75 / 181 وكذا في أحمد بن
الحسن بن علي: 80 / 194 وأحمد بن إبراهيم بن أبي رافع: 84 / 203 وأبو الحسن أحمد بن
محمد: 92 / 229 وأحمد بن محمد بن أحمد: 93 / 232 وعبيد الله أبي زيد: 232 / 617 وعلي بن
سعيد: 259 / 677 وعلي بن محمد بن عبد الله: 267 / 693 وعلي بن إبراهيم بن هاشم:
260 / 680 و....
334

وجودة أحاديثهم، كما في سهل بن رادويه (1): (ثقة جيد الحديث) (2).
واختلاطهم فيها كما في إسماعيل بن علي: (كان مختلطا في الحديث، يعرف
وينكر) (3).
وغير ذلك مما يتعلق بالأحاديث. (4)

(1) في المصدر: زاذويه. قال المامقاني: زاذويه: بفتح الذال والواو سكون الياء. تنقيح
المقال: 2 / 75 رقم 5395.
(2) رجال النجاشي: 186 رقم 492.
(3) رجال النجاشي: 32 رقم 69.
(4) روى الكليني والشيخ نقلا في الصحيح عن زرارة: (قال: قلت له: النفساء متى تقعد
تصلي؟ قال: تقعد بقدر حيضها...) وقد ضعفه المحقق بأن المفتي فيه مجهول، فلعله ممن لا يجب
اتباع قوله. [راجع: المعتبر: 1 / 245].
وعن العلامة وجماعة من المتأخرين: متابعته في كلامه. [راجع: منتهى المطلب: 1 / 120].
وقال في الذخيرة: ولقد أحسن بعض أفاضل المتأخرين حيث قال بعد نقل كلام المحقق وما
أعجبه وما أبعده عن مقتضى الذوق السليم بعد فرض عدالة الراوي وصحة عقيدته، فكيف
إذا انضم إلى ذلك جلالة قدره وعلمه وفضله، مع ما هو معلوم من عادة السلف في مثله.
وليت شعري أين وجد المحقق لزرارة أو غيره من رواة أحاديثنا حكاية استفتاء لغير
المعصوم وإثبات ما يفتيه به في عضون ما يرويه. ما هذا بموضع شك ولا مظنة ريبة وإنما هي
غفلة عن حقيقة الحال وقلة تدبر في محل الحاجة الشديدة إلى كثرته، وقد اعتبر بمثله
المتأخرون فاقتفوا فيه الأثر. والتحقيق أحق أن يتبع. (انتهى). [راجع: ذخيرة العباد:
75].
ولنا فيه كلام على البعض المذكور، والظاهر أن صاحب المنتقى في المنع من الاطلاع على
فتوى الرواة. (منه رحمه الله).
335

وما ذكره الوالد المحقق قدس سره من منع الغلبة، نظرا إلى إطلاق الصحة
في كلامهم على الراوي، كما يقال: (ثقة صحيح) والأمر فيه دائر بين إضمار
المضاف، أي: صحيح الحديث أو غيره، بأن يكون المحذوف لفظة
(في الحديث) وكون الأمر من باب إطلاق الصحة على الراوي باعتبار الخبر
واطلاقها في كلامهم أيضا على بعض أجزاء السند، كما في الإطلاق على
الطريق، بالمعنى المقابل للسند، ليس على ما ينبغي.
أما أولا: فلأن ما ذكره من دوران الأمر بين الوجهين غير مسلم، لاحتمال
أن يكون المراد: صحيح العقيدة وأمثاله.
كما في محمد بن محمد: (أنه صحيح العقيدة) (1).
وفي محمد بن بشر: (جيد الكلام، صحيح الاعتقاد) (2).
وفي السكين: (كان ثقة، عينا، صحيح الاعتقاد) (3).
أو المذهب: كما في محمد بن أحمد المفجع: (من وجوه أهل اللغة والأدب،

(1) رجال النجاشي: 393 رقم 1051.
(2) رجال النجاشي: 381 رقم 1036.
(3) المراد: محمد بن علي بن الفضل بن تمام بن سكين بن بنداد. رجال النجاشي: 385
رقم 1046. سكين: بضم السين المهملة وفتح الكاف وسكون الياء المثناة من تحت على وزان
زبير. إيضاح الاشتباه: 290 رقم 672، توضيح الاشتباه: 275 رقم 1331، 269 رقم 1303
و 174 رقم 782، الخلاصة: 85 رقم 6، رجال ابن داود: 104 رقم 704 وتنقيح المقال:
2 / 41 رقم 4996.
336

والحديث: صحيح المذهب، حسن الاعتقاد) (1).
وفي محمد بن علي بن محبوب: (صحيح المذهب) (2).
أو السماع: كما في أحمد بن محمد بن طرخان: (ثقة، صحيح السماع) (3).
وأما ثانيا: فلأن بعد فرض دوران الأمر بين الوجهين المذكورين، فالظاهر
الأول، للغلبة، بل لم أقف على خلافه في موضع، ولعله لما ذكرنا أنه بعد ما ذكر
من الاحتمالين المذكورين في رسالته المعمولة، في تصحيح الغير، استظهر
ما استظهرناه.
وأما ثالثا: فلأن ما ذكره من إطلاق الصحة على بعض أجزاء السند، ففيه:
إنه من إطلاقات متأخري الفقهاء، ولا يرتبط بالكلام في المقام.
وإذا ثبت ما ذكرناه، فلا ريب في أن تصحيح أخبار هؤلاء يتوقف على
اعتبار أمور ثلاثة: اعتبار الراوي عنهم، واعتبار أنفسهم، واعتبار من يروون
عنه.
وبعبارة أخرى: اعتبار الحاشيتين والجماعة، وهذا على ما هو الأغلب
في الأغلب من توسط الواسطة بين الجماعة والمعصوم عليهم السلام، والمفروض أنه
ادعى الاجماع على تصحيح أخبار هؤلاء، مكتفيا فيه بثبوت اعتبار الحاشية
التحتانية، فيلزم منه دعوى الاجماع على صحة أخبارهم بمجرد ما ذكر من
الثبوت وهو المطلوب.
الثاني: إنه لو كان الغرض مجرد الاجماع على الصدق، لما كان وجها

(1) رجال النجاشي: 374 رقم 1021.
(2) رجال النجاشي: 349 رقم 940.
(3) رجال النجاشي: 87 رقم 210.
337

للتخصيص في الدعوى بهم.
وما يقال: من منع تجاوز الاتفاق على الصدق عنهم ولو سلمنا، فغاية
ما يمكن إثباته، إنما هي اتفاق جماعة من أرباب كتب الرجال المعروفة، وأين
هذا من اتفاق العصابة.
ولو سلمنا، فغاية الأمر ثبوت متفق على صدقه في الجملة، وإن كان من
أصحاب سائر الأئمة عليهم السلام أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما ثبوت، متفق على صدقه في الجملة، وإن كان من أصحاب الباقرين أو
الكاظمين عليهم السلام في كلام الكشي، فدونه الكلام.
ولو سلمنا، فثبوت متفق على صدقة من فقهاء أصحاب الأئمة المذكورين،
دونه خرط القتاد، مدفوع بأنها تدقيقات غير نافعة، فإن التتبع في أحوال
الرجال يكشف عن اتفاق العصابة على وثاقة جماعة غير الجماعة من الفقهاء
من أصحاب الأئمة المذكورين وغيرهم.
وأما لزوم ثبوت الاتفاق من أصحاب هؤلاء الأئمة المذكورين، فغير
سديد، لظهور أنه لو كان الغرض دعوى الاجماع على الصدق، لادعى أيضا
فيمن اتفق الاجماع على صدقه وإن كان من أصحاب غيرهم، لظهور عدم
خصوصية فيهم.
ولذا اكتفى بعض المحققين على المنع عن وجود شخص أجمع علماء
الرجال، فضلا عن العصابة على توثيقه، وها نحن نذكر جمعا من الجماعة
المذكورين اطمينانا للناظرين.
فمنهم: زكريا بن آدم، قال النجاشي: (ثقة، جليل القدر، عظيم، وكان وجها
338

عند الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - له كتاب) (1).
وروى الكشي بإسناده عنه: (قال: قلت للرضا - عليه آلاف التحية
والثناء -: أريد الخروج عن أهل بيتي، فقد كثر السفهاء فيهم؟ فقال: لا تفعل!
فإن أهل بيتك يدفع عنهم بك، كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن
الكاظم عليه السلام.
وقال الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -: (إنه المأمون على الدين
والدنيا) (2).
ومنهم: أبان بن تغلب (3)، فقال في الفهرست: (ثقة، جليل القدر، عظيم
المنزلة في أصحابنا، لقي أبا محمد علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا
عبد الله عليهم السلام وروى عنهم وكانت له عندهم حظوة وقدم، وقال له أبو جعفر
الباقر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة، وافت الناس، فإني أحب أن يرى
في شيعتي مثلك).
وقال أبو عبد الله عليه السلام لما أتاه نعيه: (أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان،
وكان قارئا فقيها لغويا (4). وذكر قريب منه النجاشي (5). والعلامة (6) وعن

(1) رجال النجاشي: 174 رقم 458.
(2) رجال الكشي: 594 رقم 1111.
(3) تغلب: بفتح التاء وسكون الغين وكسر اللام وإذا نسب إليه فتح اللام. راجع:
توضيح الاشتباه: 3، تنقيح المقال: 1 / 3 رقم 19 ورجال العلامة: 21 رقم 1.
(4) الفهرست: 17 رقم 51.
(5) رجال النجاشي: 10 رقم 7.
(6) الخلاصة: 21 رقم 1.
339

الكشي ذكر أحاديث كثيرة في فضله وجلالته (1).
ومنهم: عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي، فإن آل أبي شعبة بيت مذكور
في أصحاب الإمامية وكان كلهم ثقات، مرجوعا إلى ما يقولون، وكان عبيد الله
كبيرهم ووجههم، وصنف الكتاب المنسوب إليه، وعرضه على أبي عبد الله عليه السلام
وصححه، قال عند قراءته: أترى لهواء مثل هذا؟ كما صرح بما ذكر،
النجاشي (2). وتبعه العلامة (3). وذكر ما يقرب إليه في الفهرست (4).
بل الظاهر، أن مرتبة المذكورين فوق مرتبة غير واحد من أصحاب
الاجماع، ومن هنا أن المولى التقي المجلسي رحمه الله في اللوامع (5)، جرى على
الاستعجاب في عدم عد الأخير من أصحاب الاجماع، ثم قال: إن الذي يخطر
بالبال، أن الوجه فيه: أن أصحاب الاجماع مضافا إلى الوثاقة، كانوا من أرباب
الاجتهاد في الأخبار والجمع بين الروايات، بخلاف أمثاله، فإنهم من شدة
ورعهم كانوا لا يفتون، بل كان مدار أمرهم على السماع من المعصوم عليهم السلام.
وعلى هذا المنوال، الحال في الفرق بين الكليني والصدوق، فإن الصدوق
من أرباب الرواية والدراية، بخلاف الكليني، فإنه من أرباب الرواية خاصة

(1) رجال الكشي: 594 رقم 1111 و 1112 و 595 رقم 1113 و 1114.
(2) رجال النجاشي: 230 رقم 612.
(3) الخلاصة: 112 رقم 2.
(4) الفهرست: 106 رقم 455.
(5) اللوامع القدسية شرح فارسي ل‍ (من لا يحضره الفقيه) كتبه بعد شرحه العربي
المسمى ب‍ (روضة المتقين)، خرج منه الطهارة والصلاة والزكاة والحج والزيارات إلى آخر
أبواب الحقوق وفروض الجوارح في ثلاث مجلدات فرغ منها في 1066 وبها يتم نصف الفقيه،
ثم كتب الربع الثالث من الفقيه من كتاب القضاء إلى آخر الكبائر. راجع: الذريعة: 18 / 369.
340

عندهم، ومن ثم ينقلون فتاوى الصدوق في غير مورد، بخلاف الكليني، مع
أنه لا خفاء عند المتتبع في أن الكليني أيضا كان من أرباب الدراية والاجتهاد
كما صرح به في بداية الكافي، باختيار التخيير في تعارض الأخبار (1).
ومع ذلك، ان ما نقل من الأخبار إنما هو بعد ترجيحه على غيره، ولم ينقل
الأخبار المعارضة، كي يحتاج في الجمع بالكلمات الصادرة من الصدوق
والشيخ. (انتهى). وكلامه لا يخلو عن النظر.
نعم، إن بعضهم كانوا في الدرجة القصوى من العلم والزهد والعبادة، كما
حكى الكشي عن نصر (2): (إن ابن أبي عمير كان يحفظ أربعين مجلدا) (3).
وعن يونس: (إنه بحر طارس بالموقف والمذهب) (4).
وعن الفضل (5): (إنه سعى له إلى السلطان أنه يعرف أسامي عامة الشيعة
بالعراق، فأمره السلطان أن يسميهم، فامتنع، فجرد وعلق بين الغفارين (6)،
وضرب مائة سوط أبلغ الضرب الألم (7) فكدت أن أسمي، فسمعت نداء محمد
ابن يونس يقول: يا محمد بن أبي عمير، أذكر موقفك بين يدي الله عز وجل،

(1) الكافي: 1 / 20.
(2) أي: نصر بن الصباح.
(3) رجال الكشي: 590 رقم 1103.
(4) رجال الكشي: 590 رقم 1104.
(5) أي: الفضل بن شاذان.
(6) كذا في المخطوط بقلم المؤلف وفي المطبوع: (العقاري) أي: النخلين.
(7) الانتقال من الغايب إلى المتكلم من تلخيصه المخل. في المصدر: قال الفضل: فسمعت
ابن أبي عمير يقول: لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط، أبلغ الضرب الألم إلي، فكدت أن
أسمي فسمعت نداء....
341

فتقويت بقوله وصبرت) (1).
وعنه أيضا: (إنه رأى أحدا يعاتب صاحبه بأنك رجل معيل، وما آمن أن
تذهب عيناك بطول سجودك! وأكثر في ذلك. فقال: أكثرت علي ويحك،
لو ذهبت عين أحد من السجود، لذهبت عين ابن أبي عمير، ما ظنك برجل
سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر، فما يرفع رأسه إلا زوال الشمس) (2).
وسيجئ اعتذاره في طول السجود، بطول سجود جميل بن دراج
واعتذاره فيه بطول سجود معروف (3).
وعن إبراهيم بن هاشم: (إن ابن أبي عمير كان بزازا، فذهب ماله وافتقر
وكان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع دارا كان له يسكنها بعشرة آلاف
درهم فحمل المال إلى بابه فخرج إليه فقال: ما هذا؟ فقال: هذا مالك الذي
علي.
قال: ورثته؟ قال: لا.
قال: وهب لك؟ قال: لا.
قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال: لا.
قال: فما هو؟
قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني.
فحكي عن ذريح (4)، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: (لا يخرج عن مسقط

(1) رجال الكشي: 591 رقم 1105.
(2) رجال الكشي: 592 رقم 1106.
(3) أي: معروف بن خربوذ. رجال الكشي: 211 رقم 373.
(4) في المصدر: حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام.
342

رأسه بالدين، ارفعها لا حاجة لي فيها، وإني لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم
واحد وما يدخل ملكي منها درهم واحد) (1).
واشتهر الاستدلال به لاثبات أن الدار من المستثنيات، وأما عدم تصرفه
في الوجه المذكور، استنادا إلى الخبر المزبور، فلا يخلو عن فتور وقصور، فإن
مقتضاه عدم جواز إلزام البيع، وأما بيعها بنفسه فلا.
نعم، إنه مقتضى الاحتياط التام ولحاظ العلة في المقام، ولذا ذكر
في الجواهر أن ذلك من ابن أبي عمير لكمال ورعه وعلو همته، وإلا فليس
مراد مولانا الصادق عليه السلام من عدم بيع الدار عدم بيع المالك برضاه واختياره
لوفاء دينه، إذ لا ريب في جوازه، بل لا أجد خلافا فيه.
ويمكن دعوى الاجماع أو الضرورة على خلافه، بل المراد عدم اللزوم
والاجبار (2).
وحكي عنه (3): (إنه حج يونس بن عبد الرحمن أربعا وخمسين حجة،
واعتمر أربعا وخمسين عمرة، وألف ألف جلد، ردا على المخالفين.
قال: ويقال: انتهى علم الأئمة عليهم السلام إلى أربعة نفر، أولهم: سلمان وجابر
والسيد (4) ويونس بن عبد الرحمن) (5).
وعنه: (إنه سمع الثقة، عن مولانا الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - أن

(1) التهذيب: 6 / 198 ح 441.
(2) جواهر الكلام: 25 / 335.
(3) أي: الفضل بن شاذان.
(4) المراد منه: السيد بن محمد الحميري الشاعر.
(5) رجال الكشي: 485 رقم 917.
343

يونس في زمانه، كسلمان في زمانه) (1).
الثالث: إنه لو كان المراد دعوى الاجماع على الصدق، لما عبر بهذا التعبير،
فالتعبير بهذه العبارة السمحة شاهد صدق على ما ذكرناه.
ومن هنا جرى على التفصيل من تقدم ذكره، ولكن سيأتي إن شاء الله
تعالى إثبات المرام على الإطلاق أيضا.
وللقول الثاني وجوه أيضا:
الأول: إن الظاهر أن المقصود: الاجماع على صحة ما ثبت صدوره عنهم
بطريق صحيح، وما صدر عنهم إنما هو إسناد الجماعة إلى من فوقهم.
نعم، لو كانت روايتهم عن المعصوم عليهم السلام بلا واسطة، فيصدر عنهم الحديث،
لكن لا كلام فيه، وأما روايتهم عنه بحذف الواسطة، فلا يشملها الإطلاق.
والحاصل: أن الجار والمجرور في المقام، يمانع عن حمل الموصول على
الحديث.
قلت: وتوضيح الممانعة: أن المأخوذ في الكلام لفظة المجاوزة حقيقة،
والذي تجاوز عن هؤلاء حقيقة إنما هو الأسناد دون المسند، ولكنك خبير
بأنها وإن كانت للمجاوزة، ولكن للمجاوزة العرفية، دون الحقيقة التي لا يلتفت
إليها إلا بعد تعميقات من النظر.
وذلك لما نرى من صحة استعمالها فيها، بل على هذا المنوال، الحال
في كثير من الألفاظ، بل كلها ألا ترى أنه لا يراد من (سرت من البصرة إلى
الكوفة)، الابتداء بالسير من النقطة الأولى منها، منتهيا إلى النقطة الأخرى
منها، فالممانعة غير ثابتة مع أن كونها للمجاوزة في المقام، محل الريبة لما ذكره

(1) رجال الكشي: 485 رقم 919.
344

الفاضل الرضي رحمه الله (1): (من أن (عن) للمجاوزة، يعني لبعد شئ عن المجرور
بسبب إحداث مصدر المعدي بها، نحو: (رميت السهم عن القوس) أي: بعد
السهم عن القوس بسبب الرمي.
وكذا: (أطعمه عن الجوع) أي: بعده عن الجوع بسبب الإطعام.
وكذا: (أديت الدين عن زيد) وقولهم: (رويت عنه علما) و (أحدث عنه)
مجاز كأنك نقلته عنه) (2). (انتهى).
فمن المحتمل قويا أن يكون بمعنى (من) كما ذكره في المغني، من جملة
معانيها ممثلا له بقوله تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن
السيئات) (3) مستشهدا للأول بقوله تعالى: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن
ما عملوا) (4) بدليل (فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) (5)
(ربنا تقبل منا) (6).

(1) المراد: محمد بن الحسن نجم الملة والدين المحقق الرضي الأستر آبادي المتوفى سنة.
688.
قال الحر العاملي: كان عالما، محققا، مدققا... وكان وفاته سنة 686. أمل الآمل: 2 / 255.
قال السيد محسن الآملي في تاريخ وفاته: وهذا التاريخ (686) لا يصح لما ستعرف من أن
فراغه من شرح الكافية كان سنة 686 كما في بعض النسخ أو سنة 688 كما في بعض آخر وفي
خزانة الأدب: أن شرحه للشافية متأخر عن شرحه للكافية... فالظاهر أن تاريخ الوفاة بذلك
اشتباه بتاريخ فراغه من شرح الكافية. أعيان الشيعة: 9 / 151.
(2) شرح الكافية في النحو: 2 / 341.
(3) الشورى: 25.
(4) مائدة: 16.
(5) المائدة: 27.
(6) البقرة: 127.
345

الثاني: أنه لو كان المقصود به الحديث، فلا مجال لكون الغرض، الاجماع
على صحة الحديث باعتبار جميع أجزاء السند، كما هو ظاهر. فلابد أن يكون
الغرض الاجماع على صحة الحديث باعتبار أصحاب الاجماع ومن فوقهم،
أو باعتبار الأصحاب خاصة، وليس الأول أولى من الثاني.
وفيه: أنه لا ريب أن ما ذكرناه يثبت الأولوية، ودعوى الممانعة المذكورة
ممنوعة.
الثالث: إن عطف التصديق على التصحيح، يدل دلالة قوية على كون
المقصود الأسناد، أو كون المقصود تصحيح الحديث عمن روى عنه هؤلاء
من الأمام أو الرواة بلا واسطة.
وفيه: أنه مبني على كون التصديق من باب العطف التفسيري، دون المغائر
على المغائر، وهو ممنوع، على أنه يمكن أن يعارض بأن الظاهر أن المراد من
قوله: (ما يصح عن هؤلاء) صحة الخبر.
ومن الظاهر موافقة قوله: (على التصحيح) له، فيتجه إرادة ما ذكرناه،
فينصرح منه أن أخبارهم معدودة من الصحاح، سواء كانت مع الواسطة أو
بدونها.
الرابع: إنه ذكر الشيخ في الفهرست، في ترجمة ابن أبي عمير: (إنه روى
عنه أحمد بن محمد بن عيسى، كتب مائة رجل من رجال أبي
عبد الله عليه السلام) (1).
والظاهر، بل من المقطوع، أن جميع ما فيها لم يكن أخبار معتمدة، وأيضا

(1) الفهرست: 142 رقم 607.
346

حكي فيه عن ابن بطة: (إن لابن أبي عمير أربعة وتسعين كتابا) (1). ولا خفاء
في بعد اعتبار الجميع.
وفيه: - مضافا إلى أنه استبعاد في غير محله، كيف لا وإن كتبهم لم يكن
على منوال كتب أحاديث المتأخرين، بل كان بعضها مشتملا على عشرة
أحاديث فما زاد وأمثالها - إن الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسى، وهو من
رؤساء القميين وقد اشتهر نهاية دقتهم في الرواية وتجنبهم عن الضعفاء، حتى
أنه أخرج البرقي عن قم لظنه روايته عنهم، فالظاهر اعتبار الأخبار المذكورة
ومن البعيد في الغاية عدمه.
وللقول الثالث، اختلاف التعبير في الطبقة الأولى مع غيرها، فإنه عبر فيها
بالتصديق، وفي غيرها بالتصحيح، ومن الظاهر أن تصديقهم لا يستلزم الحكم
بصدور الرواية عن الأمام عليه السلام، دون التصحيح، فلو رووا عن مجهول أو
ضعيف لم يلزم ما ذكر في شأنهم من الحكم بالصحة.
نعم، لو أرسلوا عنه يتجه ما ذكر، وهذا بخلاف ما لو قالوا عن رجل عنه،
فلا يكون صحيحا، فالتصديق لا يستلزم التصحيح مطلقا، بل في الجملة بخلاف
التصحيح، فإنه يستلزم مطلقا.
وفيه: أن الظاهر منه أن الطبقة الثالثة أدون من الثانية، وهي أدون من
الأولى، فهي أعلى من الثانية بمرتبة، ومن الثالثة بمرتبتين.
فلو قيل: إن المراد من العبارة في الطبقة الأولى ما ذكر، يلزم الانعكاس،
وهو مع أنه خلاف ظاهر العبارة، خلاف ما يظهر من النظر في تراجمهم.
فالظاهر، أن وجه تغيير التعبير ما ذكره جدنا السيد العلامة رحمه الله من أن نشر

(1) نفس المصدر.
347

الأحاديث لما كان في زمن الصادقين عليهما السلام، وكان المذكور في الطبقة الأولى
من أصحابهما وكانت روايتهم غالبا عنهما بلا واسطة، فيكفي الحكم بصحة
الحديث، تصديقهم.
وأما المذكور في الطبقتين الأخيرتين، فعلى ما ذكره لما كان من أصحاب
مولانا الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام، وكانت رواية الطبقة الثانية عن مولانا
الباقر عليه السلام على ما ذكره مع الواسطة، والطبقة الثالثة كذلك بالنسبة إلى مولانا
الصادق عليه السلام أيضا ولم يكن الحكم بتصديقهم كافيا في الحكم بصحة الحديث،
فأتى بلفظ التصحيح.
ولما تحقق رواية كل من في الطبقة الثانية عن مولانا الصادق عليه السلام من غير
واسطة وكذلك الطبقة الثالثة بالنسبة إلى مولانا الكاظم والرضا عليهما السلام أتى
بتصديقهم أيضا، وأورد عليه تارة: بأن مراعاة مثل هذه التدقيقات في كلام
القدماء، ولا سيما أهل الرجال ولا سيما الكشي غير ثابتة، بل الظاهر عدمه،
فانظر إلى اشتمال عبارته على وجوه من التفنن والتسامح.
وأخرى: بأن رواية الطبقة الأولى عن الصادقين عليهما السلام مع الواسطة وعن
آبائهما الأطيبين عليهم السلام كثيرة، وإن كانت قليلة بالنسبة إلى غيرها، وعلى
ما أسسه رحمه الله تخرج تلك الأحاديث عن هذه القاعدة، لعدم دخولها في ضابطة
التصديق، لكونها مع الواسطة، ولا في التصحيح، لكونهم من الطبقة الأولى
ولا أظن أحدا يلتزم بهذا، على اختلاف مشاربهم.
وأظن الذي أوقعه في هذا المضيق كلام الشيخ البهائي في المشرق، حيث
قال في عداد القرائن: (ومنها: وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد
الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل، أو
على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد
348

ابن محمد بن أبي نصر) (1).
مضافا إلى ما فيه من التكلف ومخالفة الجماعة وصحة إطلاق الصحة على
رواية الثقة عن المعصوم بلا واسطة.
كما قالوا في يحيى بن عمران الحلبي: (روى عن أبي عبد الله وأبي
الحسن عليهما السلام، ثقة، ثقة، صحيح الحديث) (2). ومثله في أبي الصلت الهروي (3).
ويرد على الأول (4) أن حاصل كلامه - كما صرح به في ذيل كلامه هذا - أن
التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الأئمة عليهم السلام من غير واسطة. والتصحيح إذا
كانت معها. ومن الظاهر أنه ليس تدقيق يبعد عن ملاحظة مثل الكشي.
وعلى الثاني إنه لا ريب في أن غالب رواية الطبقة الأولى، بل الأغلب
بلا واسطة، ومجرد ثبوت روايتهم معها، في ضمن روايات معدودة محصورة
محققة لمصداق الكثرة، غير قادح في كلامه.
وما ذكره من المحذور غير لازم، لظهور أن المراد أن التعبير بالتصديق فيها
للغلبة المذكورة، لا بواسطة انحطاط في مرتبة الطبقة، والمحذور مبني على
الثاني، وأما المذكور في الآخر، فليس بشئ مع أن ما ذكره مبني على الغالب.

(1) مشرق الشمسين: 27.
(2) رجال النجاشي: 444 رقم 1199.
(3) رجال النجاشي: 245 رقم 643. فيه: (روى عن الرضا عليه السلام، ثقة، صحيح الحديث).
(4) أراد من الأول: الوالد المحقق ومن الثاني: صاحب المستدرك - قدس الله أسرارهما -
(منه رحمه الله).
349

المبحث الثالث
في أن الاجماع المذكور هل يفيد توثيق الجماعة فقط، أو مع
الوسائط، أو لا ولا.
وعلى الأول، هل يفيد العدالة بالمعنى الأخص أو الأعم، فيه وجوه:
فعن الشهيد في غاية المرام، القول بالدلالة على توثيق الجماعة والوسائط.
ولكنه لا يخلو عن شئ، فإنه قال نقلا: - بعد أن أورد الحديث المشتمل
سنده علي الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع - وقد قال
الكشي: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن الحسن بن محبوب (1).
قلت: وفي هذا توثيق ما لأبي الربيع، فإنه كما ترى لا يوافق ما إليه يعزي.
وجرى جدنا السيد العلامة رحمه الله على إفادة التوثيق بالمعنى الأخص
في الجماعة وعدمها مطلقا في الوسائط.
وبه صرح بعض أجلتنا (2) والسيد السند الكاظمي في العدة نقلا (3).

(1) رجال الكشي: 556 رقم 1050.
(2) المراد منه هو السيد بحر العلوم. راجع رجاله: 2 / 367.
(3) العدة في الرجال: 1 / 199.
351

واستظهر الوالد المحقق رحمه الله القول بالدلالة على العدالة بالمعنى الأعم
في الجماعة والوسائط.
واستدل جدنا المشار إليه على الأول: بأن اتفاق الأصحاب على تصحيح
حديث شخص وقبوله بمحض صدوره عنه من غير تثبت والتفات إلى من قبله،
ليس إلا من جهة شدة اعتمادهم عليه.
ومن البعيد في الغاية، شدة اعتمادهم على من كان من الفساق، بل الظاهر
منه كونهم في أعلى مراتب الوثاقة والعدالة.
فإن قلت: المراد من الوثاقة المستفادة من الاجماع، إما معناه الأخص أي:
الأمامي العدل الضابط أو الأعم. وعلى التقديرين لا نسلم دلالة الاجماع
عليها.
أما الأول: فلظهور أن جماعة منهم قد حكم في الرجال بفساد عقيدتهم،
كعبد الله بن بكير (1)، والحسن بن علي بن فضال (2).
فقد حكم شيخ الطائفة بفطحيتهما، كما حكيه الكشي أيضا عن العياشي (3)،
وكذا أبان، فإنه حكى الكشي (4)، عن ابن فضال ناووسيته (5) وعثمان بن

(1) الفهرست: 106 رقم 452.
(2) الفهرست: 47 رقم 153.
(3) رجال الكشي: 345 رقم 639.
(4) رجال الكشي: 352 رقم 660.
(5) الناووسية هم القائلون بالإمامة إلى مولانا الصادق عليه السلام الواقفون عليه، وقالوا: إنه
حي لن يموت، حتى يظهر، ويظهر وهو القائم المهدي - عجل الله تعالى فرجه -.
وفي الملل والنحل: زعموا أن عليا عليه السلام مات وستسق الأرض عنه، قبل يوم القيامة فيملأ
الأرض عدلا. قيل: نسبوا إلى رجل يقال له ناووس، وقيل: إلى قرية تسمى بذلك
ذكره العلامة البهبهاني في التعليقات نقلا. (منه قدس سره).
352

عيسى، فإنه حكم شيخ الطائفة بوقفه (1)، ودلت عليه جملة من الروايات (2).
وأما الثاني: فلأنه لو دل لزم توثيقهم لكل من ادعى الاجماع في حقه، وهو
باطل، لعدم توثيقهم لأبان وعثمان.
قلت: نختار الأول، ونقول: إنه لم يثبت اعتقاد مدعي الاجماع فساد عقيدة
من ادعى عليه الاجماع، أما ابن فضال وعثمان، فإنه لم يحك الكشي الاجماع
فيهما (3)، بل إنما نقله عن البعض، وأما ابن بكير وأبان (4)، فإنه حكى فساد
مذهبهما عن الغير ولم يثبت اعتقاده به.
ولو سلمنا، نقول: إن المدعي ظهور العبارة فيما ذكر وثبوت خلافه في بعض
المواضع، لدلالة أقوى غير مضر وهذا كما يقال: إن لفظة (ثقة) تدل على كون
الموثق إماميا عدلا، ومع ذلك كثيرا ما يوصف من فسدت عقيدته به.
وعلى الثاني: بأن الصحيح عند القدماء ومنهم الكشي: عبارة عما ثبت
صدوره عن المعصوم عليه السلام، سواء كان ذلك من جهة مخبره، أو من القرائن
الخارجة.
فالمراد من (تصحيح ما يصح عنهم) الحكم بصحة خبرهم، وظاهر أن ذلك
لا يستلزم عدالة الوسائط بوجه، لظهور أنه يكفي في الحكم بالصحة أحد
الوجهين المذكورين، فالحكم بالصحة أعم والعام لا يدل على الخاص.

(1) رجال الطوسي: 355 رقم 28.
(2) رجال الكشي: 597 رقم 1117 والغيبة: 63 ح 65.
(3) رجال الكشي: 345 رقم 639.
(4) رجال الكشي: 352 رقم 660.
353

قلت: وفيه أن دعوى عدم ثبوت فساد عقيدة ابن بكير وأبان عنده، لما ذكر،
مدخولة، لأن ظاهره الاعتماد عليه، بل لم يجز في كتابه في التوثيق والتضعيف
إلا بالنقل عن الغير إلا نادرا، ولولا اعتماده على المنقول عنه، لما نقل عنه بهذه
الكثرة وما اكتفى به في المقامين، بل لم يكن فائدة في النقل.
نعم، يمكن القدح في ناووسيته، بعدم ذكرها الشيخ والنجاشي، وروايته عن
مولانا الكاظم عليه السلام (1)، بل روايته أن الأئمة عليهم السلام إثنا عشر، كما في الكافي:
(بإسناده عن الوشاء، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
نحن إثنا عشر إماما) (2).
مضافا إلى عده ابن أبي عمير الثقة الجليل، من مشايخه فيما رواه الصدوق
فيما عن الخصال، والأمالي، في قوله: (حدثنا جعفر بن محمد، عن الحسن،
عن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير، قال: حدثني جماعة من مشايخنا منهم:
أبان بن عثمان، وهشام بن سالم، ومحمد بن حمران) (3).
بل ذكر المجيب في موضع آخر: إن في قوله (مشايخنا) وجوه من الدلالة
على المدح، لكونه من مشايخ مثل ابن أبي عمير، واضافته إلى ضمير المتكلم
مع الغير المستفاد كونه من الشيعة، بل من مشايخهم وتقديمه في الذكر على
مثل هشام بن سالم الثقة الجليل القدر.
ومن هنا مال ثلة من المتأخرين إلى ما ذكرنا، بل استظهر المجيب أيضا فيه
صحة عقيدته ووثاقته.

(1) الكافي: 1 / 57 ح 6.
(2) الكافي: 1 / 533 ح 16.
(3) الخصال: 1 / 218، الأمالي للصدوق: 5 والبحار: 93 / 184.
354

وليته أجاب عنه بما ذكرناه، كما أن الظاهر عدم ثبوت وقف عثمان أيضا،
لما ذكرناه في موضع آخر.
مع أن الانصاف أن ثبوت الخلاف فيما ذكر، قادح في الظهور المزبور، نظرا
إلى ضعف الظهور، وظهور ثبوت خلافه فيما ذكر.
نعم، لو فرض قوته كما لو كانت العبارة صريحة فيه، لكان لما ذكره وجه،
بخلافه في خلافه.
فالتحقيق اختيار الوجه الثاني، والجواب عن المحذور المذكور، بأن العمدة
في المقام عدم توثيق النجاشي لهما (1).
ويضعف ظهوره في ضعفهما ذكر الشيخ، طريقا إلى الأول مع انتهائه إلى
البزنطي الذي ذكر في حقه: أنه لا يروي إلا عن ثقة (2)، وكذا إلى الثاني (3)
ومثله النجاشي في الثاني، بل ذكر إليه طريقين ينتهي ثانيهما إلى أحمد بن
محمد بن عيسى الذي حاله معروف (4)، بل الظاهر أنه المنتهى إليه في طريق
الشيخ أيضا.
مضافا إلى ما يقال: من أن مدعي الاجماع، ليس بناؤه على التوثيق غالبا،
فعدم توثيقه لا ينافي الوثاقة، وغيره لم يثبت عنده إجماع العصابة.
ثم إنه ذكر أنه تظهر الثمرة في معروف بن خربوذ، فإنه لم يوثق في كتب
الرجال صريحا، وإن ذكروا له مدحا، فإنه على المختار، من دلالة الاجماع

(1) راجع: رجال النجاشي: 222 رقم 581 و 13 رقم 8.
(2) الفهرست: 18 رقم 52.
(3) راجع الفهرست: 106 رقم 452.
(4) رجال النجاشي: 13 رقم 8.
355

على الوثاقة، يكون حديثه معدودا في الصحاح، بخلافه على غيره، فيكون
حسنا.
وكذلك الحال في أبان وعثمان، فإنه على المختار، يعد حديثهما موثقا أو
صحيحا، بخلافه على غيره، فلا يكون مندرجا تحت الأقسام الثلاثة.
قال: وأنت إذا تصفحت كلمات المحققين المتأخرين السالكين إلى مراعاة
هذا الاصطلاح في الأحاديث، وجدتهم مطبقين في الحكم بأن حديث
(معروف) وهو يشهد على ما اخترناه.
أقول: لا يخفى أن الثمرة غير متفرعة على ما اختاره، كما أن الأطباق
المذكور غير شاهد على ما ذكره.
أما الأول، فلظهور ثبوت إماميته من جهة ذكره غير واحد من أرباب
الرجال، مع عدم القدح في مذهبه كالكشي (1) وابن طاووس (2) والعلامة (3)،
بل عن الفاضل الجزائري، عده في قسم الثقات (4).
ووثاقته، بل عدالته وصلاحه، من جهة ما رواه الكشي: (عن نصر بن
الصباح الثقة، المعتمد، عن الفضل بن شاذان الثقة، الجليل، الفقيه، قال: دخلت
على محمد بن أبي عمير وهو ساجد، فأطال السجود، فلما رفع رأسه ذكر له
طول سجوده. فقال: كيف لو رأيت جميل بن دراج.
ثم إنه حدثه أنه دخل على جميل، فوجده ساجدا فأطال السجود، فلما

(1) رجال الكشي: 204 رقم 359.
(2) التحرير للطاووسي: 276 رقم 411.
(3) الخلاصة: 170 رقم 210.
(4) حاوي الأقوال: 154 رقم 616.
356

رفع رأسه، قال له محمد بن أبي عمير: أطلت السجود، فقال له: لو رأيت
معروف بن خربوذ) (1)، ولا ريب في ظهوره في الوثاقة، بل العدالة والصلاح.
ومنه يظهر الكلام في الثاني، فإن إطباقهم على الأمر المذكور، ينتهض على
الوجه المزبور أيضا، بل الظاهر عدم اختصاص الوجه في التصحيح أو التوثيق
بما ذكره.
وأما ما استدل به على الوجه الثاني، فأورد عليه الوالد المحقق رحمه الله بأن
الصحة وإن لا تستلزم عدالتهم لما ذكر، إلا أن العمدة في حصول الظن
بالصدور، إنما هي عدالة الراوي، ولو بالمعنى الأعم، فعدم دلالة العام على
الخاص لا ينافي ما ذكر، إذ عدم الاستلزام لا ينافي الظهور، وما ادعيناه هو
الظهور.
كيف والمطلقات ظاهرة في الأفراد الشائعة، مع أنه قد يضعف الراوي
في الرجال بروايته عن الضعفاء.
على أن حصول القرائن الموجبة للظن بالصدور للجماعة في كل مورد رووا
فيه في كمال البعد، ومن ثم استظهر كون ركون الجماعة إلى الوسائط، بواسطة
اطلاعهم على كون من فوقهم بمكان من الورع أيضا.
قال: ولعل التفرقة في المقام بالدلالة على عدالة الجماعة، دون من فوقهم
كما جرى عليه المستدل غير مناسبة فقد بان دلالة نقل الاجماع على عدالة
الجماعة، بل عدالة من فوقهم على تقدير دلالته على اعتبار الخبر، لكن
لا دلالة فيه على كون الجماعة، أو من فوقهم اماميا حيث إن غاية الأمر الدلالة

(1) الكشي: 211 رقم 373.
357

على كون الجماعة بل ومن فوقهم في مكان عال من الورع والتقوى، لكن
لا ظهور للعبارة في الإمامية. (انتهى).
وهو جيد، ومع ذلك لا يخلو من النظر كما لا يخفى.
358

المبحث الرابع
اختلف مشارب الأصحاب في تسمية الأحاديث التي في سندها أحد
الجماعة.
وقبل الخوض في المرام نقول: إن الجماعة بين أحوال ثلاثة:
أعني الأمامي الثقة، وهم الأكثر، وغير الأمامي المصرح بالتوثيق، وغير
الأمامي الغير المصرح بالتوثيق.
والوسائط في الحاشيتين بين أحوال خمسة والحاصل من ضرب الثلاثة
والخمسة، وضرب الحاصل في المضروب فيه المذكور يبلغ خمسة وسبعين.
ولكن لا إشكال في صور منها بالصحة، وأخرى بالضعف، وثالثة بثالث،
كما هو ظاهر، ولا نطيل فيها.
ومورد الكلام في أربعة عشر منها، وهي ما لو كانت الحاشية التحتانية من
رجال الصحيح مع الصور المذكورة للجماعة ومن فوقهم.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنه يظهر من التتبع الاختلاف على أقوال:
الأول: ما جرى عليه جماعة من متأخري الأصحاب، من التسمية
بالصحيح على ما عزا إليهم في الرواشح، قال: (إن مراسيلهم ومرافيعهم
ونحوهما إلى من يسمونه من غير المعروفين، معدودة عند الأصحاب من
الصحاح، من غير اكتراث منهم، لعدم صدق حد الصحيح عليها.
359

فعد من ذلك ما في المختلف، في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة: (إن
حديث عبد الله بن بكير صحيح، مع أنه فطحي، استنادا إلى الاجماع
المذكور) (1).
وما في فوائد خلاصة الرجال: (إن طريق الصدوق إلى أبي مريم صحيح
وإن كان في طريقه أبان، وهو فطحي لكن الكشي قال: إن العصابة أجمعت
على تصحيح ما يصح عنه) (2).
وما في شرح الإرشاد للشهيد الثاني في مسألة تكرر الكفارة بتكرر الصيد
في قوله في جملة كلام منه، في رواية ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض
أصحابه (3).
وما في المسالك في مبحث الارتداد لا تقتل المرأة بالردة لصحيحة
الحسن بن محبوب عن غير واحد من أصحابنا (4).
قال: ونظائر ذلك في كتبهم وأقاويلهم كثيرة لا يحويها نطاق الاحصاء) (5).
أقول: وفيه أن عد ما في المختلف مخالف للمرام، لأنه قال: (وما رواه
فضالة في الصحيح، عن عبد الله بن بكير وهو وإن كان فطحيا إلا أنه ثقة،
للاجماع المنقول في كلام الكشي).

(1) مختلف الشيعة: 1 / 156.
(2) خلاصة الأقوال: 277، الفائدة الثامنة.
(3) لم نجده على ما فحصنا في روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان. ولم يخرج منه إلا
مجلد في الطهارة والصلاة. راجع الذريعة: 1 / 511، 10 19، 13 / 74 و 277 ورياض العلماء:
1 / 387.
(4) المسالك: 2 / 358.
(5) الرواشح السماوية: 47، الراشحة الثالثة.
360

ولا دلالة فيه على إطلاق الصحة على تمام أجزاء السند، كما هو الفرض
في المقام لأنهم يعبرون عن وصف السند:
تارة: بطريق الإطلاق، كما في قولهم: في الصحيح، أو في الموثق.
وأخرى: بطريق الإضافة، كما في قولهم: في صحيح زرارة أو موثق
سماعة.
وثالثة: بطريق المعنعن كما في قولهم: في الصحيح، عن علي بن حديد.
وما يدل على توصيف تمام أجزاء السند بالصحة، إنما هو الأولين، دون
الأخير، بل غايته هو الصحة إلى الشخص المذكور.
بل ربما أفرط بعض فجرى على التعبير المذكور ولو كان في السند جماعة
من الضعفاء، وبما مر يظهر ضعف الاستناد بما في الشرحين.
وأما عبارة العلامة في الفوائد، وإن لا تقصر عن تلك الجهة، إلا أن قصارى
ما يثبت به هو الثبوت في الطريق، وهو غير السند. فتأمل هذا!
ولا يذهب عليك أن ما عزي عليه من فطحيته مما لم يقل به أحد حتى نفسه
في الخلاصة، فإنه لو ثبت الطعن بالمذهب، لكان بالناووسية كما سبق.
ونظيره ما وقع للمحقق في المعتبر، عند الكلام في استحباب التغطية
للمتخلي، حيث أنه حكم بوقف علي بن أسباط (1)، مع أن الطعن فيه إنما هو
بالفطحية كما هو صريح النجاشي، دون الوقف (2).
وقد أطلنا الكلام في المقام في تحقيق حال التغطية والتقنع للمتخلي فقها
ورجالا في كتابنا في الفقه.

(1) المعتبر: 1 / 133. فيه: علي بن أسباط واقفي.
(2) رجال النجاشي: 252 رقم 663.
361

هذا، ويمكن انتصار السيد السند المشار إليه في دعواه بموارد أخرى من
كلماتهم، مثل ما ذكره الشهيد في المسالك عند الكلام في حلية أكل الغراب
وعدمها، في قوله: (وفي طريق الرواية أبان، والأظهر أنه كان ناووسيا إلا أن
العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عنه وهذا مما يصح سنده) (1).
وما ذكره المحقق الخوانساري في المشارق عند الكلام في الاستنجاء:
(وما رواه في الصحيح عن محمد بن النعمان، وقال في الحاشية معتذرا
عن التصحيح: إن في طريق هذه الراية أبان، وهو ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه، فلذا حكمنا عليها بالصحة) (2).
وما ذكره الفاضل السبزواري في الذخيرة، عند الكلام في صلاة الجمعة
في حال الغيبة بعد إطلاقه الصحة على رواية: (وإنما جعلنا هذه الرواية من
الصحاح، مع أن في طريقها أبان بن عثمان، لكونه ممن اجتمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه) (3).
وما ذكره المحدث البحراني في الحدائق عند الكلام في جواز المسح على
الحائل لضرورة، بعد الاستدلال برواية أبي الورد: (وهي وإن كانت ضعيفة
السند باصطلاح متأخري أصحابنا، إلا أنها مجبورة بعمل الأصحاب واتفاقهم
- إلى أن قال: - مع أن الراوي عنه هنا بواسطة حماد بن عثمان، وهو ممن
اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والرواية بناء على ظاهر هذه
العبارة صحيحة. ومقتضى غير الأخير، إطلاق الصحة على رواياتهم إذا

(1) المسالك: 2 / 193.
(2) مشارق الشموس: 252.
(3) ذخيرة المعاد: 408، وكذا في صفحة: 72، 128 و 146.
362

لم يكن فيها قادح من غير جهتهم خاصة) (1).
ومن هنا ما صنعه في الذخيرة، من عدم إطلاق الصحة في غير الصورة
المذكورة، كما قال عند الكلام في ارتفاع الحدث بالوضوء: (والمندوب
في صحة الرواية إلى ابن بكير وهو ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنه، اشعار باعتبار الرواية) (2).
وفي استحباب غسل قاضي صلاة الكسوف للتارك عمدا مع استيعاب
الاحتراق - بعد ما ذكر ما رواه الشيخ، عن حماد، عن حريز في الصحيح عمن
أخبره -: (وهذه الرواية إرسالها غير ضائرة لأنها رواية معمولة عند
الأصحاب، مشهورة بينهم مع أن في صحتها إلى حماد بن عيسى، وهو ممن
اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، إشعار بحسنها والاعتماد
عليها) (3).
ونحوهما ما صنعه في غير مورد منه (4). فتأمل.

(1) الحدائق: 2 / 310
(2) ذخيرة المعاد: 5.
(3) ذخيرة المعاد: 1 سطر 8. قريب من هذا في: 1 سطر 34.
(4) كما قال في المسح على الخفين: (وفي طريق هذه الرواية عثمان بن عيسى، وهو واقفي
غير موثوق به، إلا أنه قيل أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وذكر الشيخ
في العدة أن الأصحاب يعملون برواياته). ذخيرة المعاد: 1 سطر 27.
وقال في موضع آخر: وفي صحة الرواية إلى فضالة الواقع في الطريق وهو ممن قيل إنه
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه إشعار ما بحسن هذه الرواية: 1 سطر 37.
في حديث أن النبي أمر من توضأ ثلاثا بإعادة الوضوء: (وطعن المحقق في سنده لمكان
الأرسال، ثم قال: ولو قيل مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك، لأن
في رجاله من طعن الأصحاب، فإذا ارسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم - إلى أن
قال: - اشتهر بين الأصحاب العمل بمراسيل ابن أبي عمير، وذكر الشيخ في العدة أنه لا يروي
إلا عن الثقات، وذكر الكشي أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم).
ذخيرة المعاد: 1 سطر 40.
وفي رواية صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام عن الوضوء مثنى مثنى، وبعد نقل إشكال المنتقى،
قال: (فجهالة الواسطة غير ضائر في صحة الرواية وإن كان صفوان هو ابن يحيى، فما ذكره من
تحقق الواسطة صحيح، وهو قادح في الصحة المصطلح عليها، لكن صفوان، ممن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، والظاهر من حاله وجلالة شأنه أنه لا يروي إلا عن
الثقات وقد نص على ذلك الشيخ في العدة، وهذا يعملون الأصحاب بمراسيله، وقد صرح
بذلك الشهيد في الذكرى، فعلى هذا، تحقق الواسطة غير قادح في الاعتماد على الخبر). ذخيرة
المعاد: 1 سطر 41.
وكذا في عبد الله بن مسكان، في من نسي مسح رأسه: 1 / 35. وفي صفوان وابن أبي عمير،
في وضوء الجبيرة: 1 سطر 37 و....
363

وأما الأخير، فهو وإن يدل على العموم، إلا أني لم أقف إلى الان بمثله عن
غيره.
ومن العجيب مضايقته (1) في غير مورد من الإطلاق في غيرها، حتى قال
في الجمع بين الأختين، ردا على العلامة في الاستدلال للاطلاق بالاجماع:
(بأنه خروج عن الاصطلاح، لضيق الخناق، والتستر بالأعذار الواهية) (2)،

(1) الضمير يرجع إلى صاحب الحدائق.
(2) الحدائق الناضرة: 23 / 519. وقال في العقد على المهر المجهول - بعد نقل تمسك
الشهيد في المسالك بمرسل ابن أبي عمير مستدلا بأنه لا يرسل إلا عن ثقة -: (وتعليل العمل
بمراسيل ابن أبي عمير بما ذكره، إنما هو تخريج من المتأخرين، بناء على عملهم بهذا الاصطلاح
وضيق الخناق فيه، ويعتذرون بهذه الأعذار الواهية ليتسع لهم المجال إلى العمل بالاخبار. - إلى
أن قال -: ونحوه قولهم... والمنقول عن ابن أبي عمير في إرساله الروايات إنما هو حيث
ذهبت كتبه لما كان في حبس الرشيد خمس سنين فقيل: إن أخته وضعتها في غرفة فذهبت
بالمطر، وقيل: إنها دفنتها تلك المدة حتى ذهبت فحدث لذلك من حفظه وأرسل الأخبار
لذلك، ولكنهم لضيق الخناق في اصطلاحهم واحتياجهم إلى العمل بأخباره لفقوا لأنفسهم هذا
الاعتذار الشارد). الحدائق: 24 / 441.
364

ففي البين بون المشرقين.
ولقد أجاد في الذخيرة فيما سلك فيه.
الثاني: التسمية بالصحي، كما جرى عليه السيد الداماد، قال بعد كلامه
المتقدم: (والحق الحقيق بالاعتبار عندي، أن يفرق بين المندرج في حد
الصحيح حقيقة وبين ما ينسحب عليه حكم الصحة، فيصطلح على تسمية
الأول صحيحا والثاني صحيا أي: منسوبا إلى الصحة ومعدودا في حكم
الصحيح.
قال: ولقد جرى ديدني واستمر سنني في مقالاتي ومقاماتي على إيثار هذا
الاصطلاح، وأنه بذلك لحقيق) (1).
ونهج على منهجه جدنا العلامة قدس سره في المنهاج، فكثيرا ما يعبر عنه ما
في ثاني مجلديه، وأورد عليه بأنه خلاف الظاهر أيضا، حيث إن حقيقة
المنسوب، انتساب الموصوف إلى حقيقة المدخول، فمعنى البغدادي رجل
منسوب إلى حقيقة البغداد، لا إلى مجازه، فحقيقة الصحي خبر منسوب إلى
حقيقة الصحة، فإذن عاد المحذور.
متفصيا عنه، بأن استقرار الاصطلاح إنما هو في الصحيح لا في الصحة، كما

(1) الرواشح السماوية: 47
365

أن الاصطلاح مستقر في الموثق لا التوثيق، فالمقصود بالصحي هو الموصوف
بالصحة المستفادة من نقل الاجماع. (انتهى)، فتأمل (1).
الثالث: طريقة التشبيه، كما جرى عليه شارح المشيخة وتبعه العارج إلى
قصوى الغاية.
قال: والتحقيق عندي في مثل هذه الأسانيد أن ينظر في أهل الاجماع ومن
فوقه، فإن كان نفسه من رجال الصحة وفيمن فوقه ضعف، يسمى بالخبر
كالصحيح.
وإن كان فيمن فوقه ممدوح سئ المذهب سمى بالقوي كالصحيح أو موثق
كذلك، فالموثق كالصحيح أو ممدوح إمامي، فالحسن كالصحيح، وقس عليه
ما كان نفسه سئ المذهب مصرحا بالتوثيق، كابن بكير (2) وصنوف أحوال
من فوقه.
ففي شئ من صور الخمس لا يسكت عن التشبيه، وكل يسمى بما يقتضيه
المجموع منه وممن فوقه.
ففي الضعيف: الخبر، وفي القوي: القوي، وفي الموثق والصحيح: الموثق،

(1) ولكن جرى على التصريح بالصحيح في باب صوم السنة من روضة المتقين، قال:
(وروى ابن مسكان في الصحيح عن إبراهيم بن المثنى، وهو مجهول الحال ولا يضر بصحته،
لأن الطريق إلى عبد الله بن مسكان وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه).
(منه أعلى الله مقامه). راجع روضة المتقين: 3 / 241.
(2) حكى في الوافي في تعليقات المقدمة الثانية من المقدمات المعنونة في أول الكتاب عن
المحقق في المعتبر في مقام عدم اعتبار مراسيل ابن أبي عمير: أنه يرسل عن أربعين من أصحاب
مولانا الصادق عليه السلام، فيهم المجاهيل والضعفاء، فإذا ارسل احتمل الجميع. (منه قدس سره). راجع
الوافي: 1 / 24، الهامش الثاني.
366

وكذلك ما كان نفسه ممدوحا سئ المذهب، كأبان بن عثمان. ويسمى قويا
في أربع صور، وفي واحدة ضعيفا.
وجرى عليها في الرياض أيضا، كما قال عند الكلام في المبتدئة
والمضطربة: (وفي مرسلة يونس الطويلة، التي هي كالصحيحة، بل قيل:
صحيحة لعدم تحقق الأرسال بمثل غير واحد، مضافا إلى كون المرسل مع
وثاقته ممن أجمعت العصابة) (1).
وقال عند الكلام في فك مطلق أقارب المملوك: (المرسل كالموثق بابن
بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه) (2).
بل جرى عليها ولو لم يكن الحاشية التحتانية من رجال الصحة، كما قال
في اجتماع الكلالات الثلاث: (المعتبرة كالموثق بالحسن بن علي، عن عبد الله
ابن المغيرة، المجمع على تصحيح ما يصح عنه) (3).
وفيه أولا: إن مقتضى ما ذكره من أنه لا يسكت عن التشبيه في شئ من
صور الخمس، أنه لو كان كل من الأصحاب والحاشية الفوقانية مصرحا
بالتوثيق يسمى بالموثق كالموثق، مع أنه لا وجه للتشبيه فيه.
وما لو كانت الحاشية المذكورة من رجال الصحة، يسمى بالصحيح

(1) الرياض: 1 / 39.
(2) رياض المسائل: 2 / 343 وكذا في باب الصيد: 2 / 269. وكذا في اختلاف البايع
والمشتري: (المرسل كالموثق بابن أبي نصر الثقة المجمع على ما يصح عنه مع أنه لم يرو إلا عن
الثقة كما في العدة). الرياض: 1 / 518. وفي شهادة الوكيل والوصي: (المرسل كالموثق بأبان
المجمع على تصحيح ما يصح عنه). الرياض: 2 / 433
(3) رياض المسائل: 2 / 355.
367

كالموثق، وبناء الطريقة على ترقي الفوقانية من درجة النازلة بقوة الاجماع،
ومقتضى التشبيه المذكور خلافه.
وثانيا: ويرد على قوله وكذلك من كان نفسه ممدوحا سئ المذهب على
حذو ما ذكر، كما يظهر بالتأمل.
368

المبحث الخامس
في أنه يتأتى الأشكال في حجية الاجماع المذكور تارة: من جهة
الأشكال في أصل تحققه، وأخرى: في حجيته بعد فرض ثبوته.
أما الأول: فلأن المراد منه في المقام، هو المعنى اللغوي أعني الاتفاق،
وهو متحقق باتفاق جماعة، دون المعنى المصطلح المعتبر فيه اتفاق الكل، أو
دخول المعصوم عليه السلام.
هذا بناء على تسليم ما يقتضى ظاهر العبارة من تحققه بالمعنى المذكور،
وإلا فيمكن القدح فيه، بناء عليه أيضا، نظرا إلى أن المراد إما الاجماع على
وثاقتهم بالمعنى الأعم، أو الأخص، أو مجرد الاعتماد.
وفي المنع عن الكل، مجال، لأن كثيرا من هؤلاء قد ضعفه بعض علماء
369

الرجال كأبان (1) وعثمان (2) والأسدي (3)، بل قد ضعف بعض ابن بكير
في مواضع (4) مع أن النزاع المعروف في اعتبار مراسيل ابن أبي عمير يدل على
القدح في الاجماع على اعتبار أخباره.

() ذكره ابن داود في القسم الثاني في رجاله: 226 رقم 3. وقال العلامة: فالأقرب عندي
قبول روايته وإن كان فاسد المذهب. الخلاصة: 21 رقم 3. وقال في المنتهى في كفارة من أتى
إمرته وهي حائض: (في طريقها أبان بن عثمان وفيه قول) منتهى المطلب: 1 / 116 وفي
النفساء: (أبان بن عثمان وهو ضعيف). المصدر: 1 / 120 وفيما يبطل به الصلاة: (في طريقها أبان
ابن عثمان فلا تعويل على روايته). المصدر: 1 / 296 وفي باب المستحقين للزكاة: (وفي طريقها
أبان بن عثمان وهو ضعيف) المصدر: 1 / 523.
وقال المحقق في باب الاستنجاء: (وفي طريقها أبان بن عثمان وهو ضعيف). المعتبر: 1 / 125
وكذا في باب الاستحاضة: 1 / 245 وفي باب المستحقين للزكاة: 2 / 580.
وقال فخر المحققين في قصاص الطرف: وهذه الرواية ضعيفة، لأنها مرسلة وراويها أبان بن
عثمان وهو ضعيف). إيضاح الفوائد: 4 / 631. إلى غير ذلك من أقوال العلماء.
(2) قال العلامة في عثمان بن عيسى: والوجه عندي التوقف فيما ينفرد به. الخلاصة: 244
رقم 8. وذكره ابن داود في القسم الثاني في رجاله المعد للمذمومين: 258 رقم 317.
(3) المراد منه هو يحيى بن القاسم الأسدي، ذكره العلامة في القسم الثاني في رجاله المعد
لمن لا يعتمد على روايته، وقال بعد نقل الأقوال: والذي أراه، العمل بروايته وإن كان مذهبه
فاسدا. الخلاصة: 264 رقم 3. وكذا ذكره ابن داود في القسم الثاني في رجاله مع ذكره القسم
الأول أيضا. رجال ابن داود: 284 رقم 552.
لا يخفى أن هذا بناء على عدهما أبي بصير الحذاء متحدا مع الأسدي، وهو غير تام.
(4) كما عن العلامة في المنتهى بعد ذكر حديث (المرأة رأت الدم في أول حيضها)
قال:
بأن روايته ضعيفة، فإن عبد الله بن بكير فطحي). منتهى المطلب: 1 / 102. وكذا بعد ذكر
حديث (الدقيق يتوضأ به) قال: هذه الرواية ضعيفة، إذ في طريقه ابن بكير وهو فطحي.
المصدر: 1 / 142.
370

أقول: والجواب أما عن الأول: فبأن المعتبر في المقام هو الظن بالوثاقة،
ولا ريب في أنه إذا اتفق الأصحاب والعصابة على قبول أخبارهم يحصل منه
الظن بالوثاقة وهو كاف في المقام، بل قد عرفت إثبات الوثاقة بالمعنى الأعم
في الجماعة ومن فوقهم، مع أن دعوى اعتبار اتفاق الكل في إجماع المصطلح
مدخولة، وإن يدل عليه بعض الحدود من الأعلام.
ولقد أجاد من قال: إنه قد شاع إطلاق الاجماع على اتفاق طائفة من
الإمامية كما يعرف من أدنى تتبع لموارد الاستدلال، بل على هذا المنوال،
الحال في اعتبار دخول المعصوم عليه السلام، نظرا إلى أصل فساد الطريقة الثانية
وعدم اعتبار الاتفاق في الأولى، حسبما تقرر في محله، من القول باعتباره
من باب تراكم الظنون.
وأما عن الثاني: فبأنه لم يضعف أحد من علماء الرجال أبانا إلا ما يظهر من
بعضهم من كونه من الناووسية (1)، وهو أيضا خلاف التحقيق كما تقدم.
وأما عثمان، فلا قدح فيه إلا من جهة وقفه (2)، وما يقتضيه خبر
الجواري (3).

(1) كما في رجال الكشي: 352 رقم 660.
(2) كما صرح به النجاشي بقوله: (كان شيخ الواقفة ووجهها وأحد المستبدين بمال
موسى عليه السلام). رجال النجاشي: 300 رقم 817. وقال الشيخ: (واقفي المذهب). الفهرست: 120
وفي الرجال: (واقفي) رجال الطوسي: 355.
(3) المراد ما رواه الكشي: (... وكان عنده مال كثير وست جوار فبعث إليه
أبو الحسن عليه السلام فيهن وفي المال، وكتب إليه إن أبي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه وقد صحت
الأخبار بموته. واحتج عليه. قال: فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات فليس من ذلك شئ، وإن
كان قد مات على ما تحكي، فلم يأمرني بدفع شئ إليك، وقد أعتقت الجواري).
رجال الكشي: 598 رقم 1120.
371

ولا إضرار في الأول، بناء على حجية الموثقات كما هو الأظهر.
وأما الثاني، ففيه، مع ما في سنده من الأشكال (1) لا يقدح في وثاقته مع
وقفه على أن الظاهر توبته كما يدل عليها ما رواه الكشي عن النصر (2).
ومن هنا ما ذكره العلامة البهبهاني رحمه الله من أنا لم نقف على أحد من فقهائنا
السابقين تأمل في روايته في موضع من المواضع (3)، بل ربما مال إلى كونه من
الإمامية.
وأما الأسدي، فقد تقدم عدم صدور تضعيفه من أحد سوى ممن ظن اتحاده
مع الحذائين، وظهر ضعفه مع ثبوت وثاقته ووجاهته.
وأما نسبة التخليط فهي مقدوحة من رأسها وغير قادحة على تسليمها.
وأما ابن بكير، فقد صرح بوثاقته في الفهرست (4).

(1) لوقوع محمد بن جمهور في سنده الذي قال النجاشي فيه: (ضعيف في الحديث، فاسد
المذهب وقيل فيه أشياء، الله أعلم بها من عظمها). رجال النجاشي: 337 رقم 901.
وقال ابن الغضائري: (كان ضعيفا في الحديث، غاليا في المذهب، فاسدا في الرواية،
لا يلتفت إلى حديثه، ولا يعتمد على ما يرويه). الخلاصة: 251 رقم 18.
(2) رجال الكشي: 597 رقم 117.
(3) تعليقة الوحيد على منهج المقال: 219.
قد مر آنفا في تعليقتنا من تصريح المحقق والعلامة وابنه فخر المحققين بضعفه، فراجع:
المعتبر: 1 / 125، 245 و 2 / 580، منتهى المطلب: 1 / 116، 296، 523، وإيضاح الفوائد:
4 / 631.
(4) الفهرست: 106 رقم 452.
372

واعتمد على روايته في الخلاصة (1) وذكر النجاشي طريقا إليه (2) وعده
الكشي من فقهائنا (3)، فالظاهر كما هو المشهور، القول بوثاقته.
ولقد أجاد (4) الفاضل السبزواري فيما قال من أنه ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه.
وظاهر الشيخ في العدة اتفاق الأصحاب على العمل بروايته (5)، مع توثيق
أئمة الرجال له.
والعادة تقضي بأن وقوع التوقف في تصحيح روايات المخالف والاحتياط
في الجرأة على توثيقه، والتحرز عن إكثار الرواية عنه من أكثر من الموافق،
ومع هذا فتوثيق الأصحاب له ومخالطتهم إياه ورواية أجلائهم، كابن أبي عمير
وصفوان وغيرهما، مما يدل على كمال ثقته وجلالته وضبطه (6). (انتهى).

(1) الخلاصة: 106 رقم 24.
(2) رجال النجاشي: 222 رقم 581.
(3) رجال الكشي: 345 رقم 639.
(4) ذكر عند الكلام في استحباب الوضوء للتجديد ونحوه ما ذكره في مباحث اللباس
نقلا من أن ابن بكير وإن كان فطحيا، لكنه من الشهرة والجلالة بمكان، حتى قال الكشي: إنه
ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وأقروا له بالفقه، وعلى هذا المسلك سلك في
غير موضع. (راجع ذخيرة المعاد: 226)
فما يظهر من القدح فيه عند الكلام مما لو لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به...، ليس ينبغي.
(منه أعلى الله مقامه) (راجع ذخيرة المعاد: 318).
(5) عدة الرجال: 1 / 381.
(6) ذخيرة المعاد: 1 سطر 5. وكذا قال في صلاة المبطون: (وهذه الطرق أيضا معتبرة
جدا، لأن ابن بكير وإن كان فطحيا، لكنه من أجلاء الثقات، ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنهم). المصدر: 1 سطر 39
373

ولكن فيه كلام غير خفي.
نعم، ربما يشكل ذلك بما وقع منه في طلاق العدة، فقد روى في الكافي
والتهذيب: (عن رفاعة، عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن رجل
طلق امرأته، حتى بانت منه وانقضت عدتها، ثم تزوجت زوجا فطلقها أيضا،
ثم تزوجت زوجها الأول، أ يهدم ذلك الطلاق الأول؟
قال: نعم.
قال ابن سماعة: وكان ابن بكير يقول: المطلقة إذا طلقها زوجها ثم تركها
حتى تبين، ثم تزوجها، فإنما هي عنده على طلاق مستأنف.
قال ابن سماعة: وذكر الحسين بن هاشم، أنه سأل ابن بكير عنها، فأجابه
بهذا الجواب.
فقال له: سمعت في هذا شيئا؟
فقال: لا! هذا مما رزق الله من الرأي.
قال ابن سماعة: وليس نأخذ بقول ابن بكير، فإن الرواية: إذا كان بينهما
زوج) (1).
وقريب منهما في الرواية الأخرى (2) وأشد منهما ما في الثالثة (3) فينصرح

(1) الكافي: 6 / 77 ح 3، التهذيب: 8 / 30 ح 88، والاستبصار: 3 / 271 ح 963.
(2) الكافي: 6 / 78 ح 4، التهذيب: 8 / 30 ح 89، والاستبصار: 3 / 271 ح 964.
(3) التهذيب: 8 / 35 ح 107 والاستبصار: 3 / 279 ح 982 فيه: (عن عبد الله بن بكير،
عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الطلاق الذي يحبه الله تعالى، والذي يطلق
الفقيه، وهو: العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر، بشهادة شاهدين وإرادة
من القلب، ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة، وهي
آخر القروء، لأن الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت
تزوجته وحلت له، فإن فعل هذا بها مائة مرة، هدم ما قبله وحلت للأزواج، فإن راجعها قبل
أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات، يراجعها ويطلقها، لم تحل له إلا بزوج).
374

منها وقوع أكاذيب منه فأين هو من الوثاقة.
ومن هنا قال شيخ الطائفة قادحا في الرواية بعد ما ذكر في الروايات من
الاضطراب: (إن من هذه صورته، يجوز أن يكون أسند ذلك إلى زرارة، نصرة
لمذهبه الذي كان أفتى به، وأنه لما رأى أن أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه،
أسنده إلى من رواه عن مولانا أبي جعفر عليه السلام، وليس ابن بكير معصوما،
لا يجوز عليه هذا، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق إلى اعتقاده
مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من الغلط
في إسناد فتيا يعتقد صحتها، لشبهة دخلت عليه إلى بعض أصحاب
الأئمة عليهم السلام) (1). (انتهى)
ولكن لا يخفى ما في كلامه من الكلام!! هذا، ويمكن التفصي عنه: بأن غاية
الأمر وقوع التعارض بينه وبين ما يدل على وثاقته من الأمارات الرجالية
وغيرها، من تصريح الشيخ بها، وسكوت النجاشي عن ضعفه، بناء على دلالة
سكوته عنه على الوثاقة، كما عليه بعض، ورواية الأجلاء عنه، واشتهار عد
حديثه من الموثقات وغيرها مما تقدم، ولا ريب في رجحان تلك الأمارات.
وأما كلام الشيخ، فالانصاف أنه لا يظهر منه أزيد من احتمال أنه نسب
ما اعتقده من صحة فتواه إلى زرارة، نصرة لمذهبه، وهو مجرد احتمال لا يدل
على القطع بالقدح، بل ربما يظهر من السياق وثاقته عنده، فإنه لولا ثبوت

(1) الاستبصار: 3 / 276 ح 982.
375

وثاقته لأجاب بجهالة حاله، أو ضعفه، مستريحا عن التطويل بهذه المثابة.
نعم، إنه لا يخلو عن قدح فيه، ولكن الأصحاب بين مفرط ومفرط، فجرى
في المسالك على الاستعجاب منه: (من أنه مع هذا القدح العظيم فيه، قال
في كتاب الرجال: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه) (1).
وقريب منه، ما صنعه في الروضة (2).
وكلامه بكلا طرفيه محل الكلام.
أما الأول: فلما تقدم.
أما الثاني: فلأن دعوى الاجماع، إنما وقعت من الكشي في كتابه المسمى
بمعرفة الرجال (3)، وغاية الأمر أنه اختصره مسميا له ب‍ (اختيار الرجال) وهذا
هو الموجود في هذه الأعصار وغيرها، كما سبق تحقيق المقال. ومن هنا
إطباق الأصحاب على استنادها إليه.
وذكر في الرواشح: (إن مقتضى كلامه، تجويز إسناده إلى زرارة نصرة
لمذهبه، لشبهة دخلت عليه، فزينت له رأيه، وروجته عليه، فتأكد في ذلك ظنه
إلى حيث قد ظن استناده فيه إلى زرارة، فسوغ ذلك الاستناد، وهذا كثيرا ما
يقع للانسان فيما يعتقده ويراه ويحبه ويهواه، إذ (حبك للشئ يعمي ويصم)
لا تجويز وقوع ذلك منه على سبيل الاختلاق) (4). وبنى على هذا عدم
مصادمة هذا التجويز، مع نقل الاجماع، ولكن فيه ما فيه.

(1) المسالك: 2 / 16.
(2) الروضة البهية: 6 / 39.
(3) رجال الكشي: 275 رقم 705
(4) الرواشح السماوية: 54، الراشحة السابعة.
376

وربما ذكر في الرياض: (إن ما وقع من ابن بكير ليس قدحا فيه ولا منافيا
لدعوى الاجماع، استنادا إلى احتمال رؤية المصلحة في ذلك، لتشييد ما رآه
وصححه بأدلة، هي مستند عنده وحجة شرعية، بعد أن رأى أن قدماء الرواة
وأصحابه لا يقبلون منه ذلك بالمرة لنسبة ذلك إلى رأيه، فالتجأ إلى اختراع
تلك النسبة إلى زرارة، إعلاء لمذهبه، ويكون ذلك عنده كذبا لمصلحة. قال:
ولعل مثل ذلك عنده لا ينافي العدالة) (1).
وهو أمتن من سابقه إلا أنه لا يخلو عن النظر أيضا.
وأما عن الثالث: فبأن النزاع فيه إنما نشأ من متأخري الأصحاب من الفقهاء
والأصوليين، كالشهيد ونجله والمحقق الأردبيلي وتلميذه والعلامة
الخوانساري وولده.
والظاهر إطباق القدماء على مراسيله كما ذكر النجاشي: (إن أصحابنا
يسكنون إلى مراسيله) (2). وعن الذكرى: (إن الأصحاب أجمعوا على قبول
مراسيله) (3). واستند المانعون إلى أمور لا إضرار فيها بالاجماع المذكور كما
لا يخفى على من لاحظها.
وأما الثاني (4): فلأن الاجماع الذي ثبت حجيته هو الكاشف عن قول
المعصوم عليه السلام، ومن الظاهر انتفاؤه في المقام، فلا وجه للحجية.

(1) الرياض: 2 / 177.
(2) رجال النجاشي: 326 رقم 887.
(3) الذكرى: 4.
(4) عطف على قوله في أول المبحث الخامس: يتأتى الأشكال في حجية الاجماع المذكور،
تارة: من جهة الأشكال في أصل تحققه، وأخرى: في حجيته بعد فرض ثبوته. أما الأول: فلأن
المراد منه في المقام....
377

والجواب: إن حجيته على التحقيق إنما هو لكونه في نفسه موجبا للعلم من
باب تراكم الظنون، أو للظن به على وجه.
وحينئذ فلو ادعى في المقام، العلم بوثاقة الجماعة، فلا مرية، وإلا فلا ريب
في حصول الظن منه، وهو حجة في الرجال، ولو على القول بحجية الظنون
الخاصة، لوجهين:
أحدهما: إطباق الأصحاب عليه ظاهرا كما قال بعض الفحول: الظاهر من
القائلين بلزوم الاقتصار على الظنون الخاصة في نفس الأحكام الشرعية،
جواز الاعتماد على كل ظن في اللغات، ولم أجد أحدا ادعى لزوم الاقتصار
عليها في اللغات وكذا في الرجال.
وثانيهما: دليل الانسداد الذي لا محيص عنه في المقام ولا مناص.
وأجاب عنه جدنا السيد العلامة رحمه الله (بأن مدلول الاجماع بالدلالة
الالتزامية، كونهم في أعلى درجات الوثاقة، فكما يكتفي بنقل عدل عن
النجاشي مثلا توثيق راو في توثيقه، فليكتف بذلك بنقل الكشي، بل هنا أولى،
لنقله ذلك عن كل الأصحاب، بل يحتمل القبول هنا ولو على القول بعدم جواز
الاجتزاء في التذكية بقول المذكى الواحد، كما يظهر وجهه للمتأمل.
مضافا إلى أنه يمكن أن يقال: إن الظاهر من الكشي اعترافه بذلك، فيكون
هو من المذكين لهم أيضا). (انتهى).
وهو جيد إلا أن ما ذكره من احتمال القبول ولو على القول المذكور، لا يخلو
من القصور.
378

الباب الثاني
في نقد الطرق والمشيخة
وينبغي قبل الخوض في المرام، تمهيد مقدمات.
الأولى: إنه قد اختلف طريقة المشايخ الثلاثة في الكتب الأربعة، في ذكر
الأخبار سندا، فإن ثقة الإسلام يلتزم بذكر الواسطة غالبا، وفي حكمه ما يقع
منه ما يعبر عنه في كلام أهل الدراية بالتعليق.
وهو أنه كثيرا ما يعلق بعض السند على ما تقدم عليه، فيكتفى بذكر البعض
حوالة على ذكر البعض الاخر في السند السابق.
وذلك: كما قال في باب الشكر: (على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام...) (1).
فقال: (ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد، قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام...) (2).

(1) الكافي: 2 / 96 ح 16.
(2) الكافي: 2 / 97 ح 17.
379

ونحوه ما ذكر أيضا - بعد ذكر أخبار -: (علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،
عن أبي عبد الله صاحب السابري) (1).
إلى أن قال: (ابن أبي عمير، عن ابن رئاب، عن إسماعيل بن الفضيل) (2).
إلى أن قال أيضا: (ابن أبي عمير، عن حفص البختري) (3).
إلى غير ذلك مما يقع له أمثاله كثيرا، فإنه قد اكتفى في السند الثاني
في الأول، وفي السندين الثانيين في الثاني، بذكر البعض، حوالة على ذكر
البعض الآخر في السند السابق.
ومن المعلوم أنه في حكم الأسناد، كما صرح به جماعة كصاحب
المنتقى (4) والمولى التقي المجلسي، والسيد السند الجزائري، بل نقله الأول
عن طريقة القدماء.
وأما ما ربما يتوهم من أنه من باب الأرسال، فضعيف جدا، حيث إن
التعليق المذكور إنما يتفق في كلامه في صورة اتحاد المبدو به في السند
اللاحق، مع المذكور في السند السابق دون غيرها، ولو كان من باب الأرسال،
لأتفق في صورة المغايرة أيضا.
مضافا إلى ما ستعرف، وظهر مما ذكر ضعف ما صنعه في التهذيب، في
القرب بباب الجزية: (فذكر محمد بن يعقوب، مرسلا عن يونس بن
عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير) (5).

(1) الكافي: 2 / 98 ح 27.
(2) الكافي: 2 / 99 ح 28.
(3) الكافي: 1 / 48 ح 1.
(4) منتقى الجمان: 1 / 23، الفائدة الثالثة.
(5) التهذيب: 4 / 111 ح 325.
380

فإن الرواية في الكافي من باب التعليق، والرواية عن يونس، بتوسط علي
ابن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار. فنسبة الأرسال عجيبة، بل
الظاهر أنه قد جرى على هذا المنوال في غير مورد.
ولقد أجاد في الوسائل في الالتفات إلى تعليق المقام (1).
وقد تخلف نادرا عن الالتزام المذكور بقسميه، وأرسل الخبر كما اتفق
في مواضع.
كما قال في باب الكون والمكان: (وروي أنه سئل) (2).
وفي باب الاستراحة في السعي والركوب فيه: (معاوية بن عمار، عن أبي
عبد الله عليه السلام) (3).
وفي الروضة في حديث العلماء والفقهاء: (وقال العسكري عليه السلام) (4).
بل، ربما صرح بالإرسال كما في أواخر كتاب العقل (5)، كما وقع فيه الرفع
أيضا (6).
وأما شيخنا الصدوق، فقد اختلف أنحاء ذكره.

(1) وسائل الشيعة: 9 / 32 ح 11451. فيه: (وعن علي، عن أبيه، عن إسماعيل بن
مرار، عن يونس، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام).
(2) الكافي: 1 / 90 ح 5.
(3) الكافي: 4 / 437 ح 2.
(4) الكافي: 8 / 327 ح 505.
(5) الكافي: 1 / 25 ح 23. وكذا في: 1 / 59 ح 22، 1 / 120 ح 2، 3 / 6 ح 6، 6 / 406
ح 2 و 8 / 242 ح 335.
(6) وهو كثير، كما في الكافي: 1 / 11 ح 3، 12 ح 11، 13 ح 12، 20 ح 13، 26 ح 28،
26 ح 29 و....
381

فتارة: ينقل الحديث بصورة الفتوى (1)، وأخرى: نسبه إلى النبي، أو أحد
من الأئمة - صلوات الله تعالى عليهم - (2).
وثالثة: قال: روي عن النبي (3) أو أحد من الأئمة صلوات الله تعالى
عليهم (4).
ورابعة: ذكر الراوي عن المعصوم عليهم السلام (5).
وخامسة: ذكر الراوي عن الراوي (6).
وسادسة: ذكر أشخاصا منهم، ثلاثة (7) أو أربعة (8)، بل ثمانية كما في باب

(1) الكافي: 1 / 12 ذيل حديث 17، 1 / 16 ذيل حديث 22 و....
(2) الفقيه: 1 / 12 بقوله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ عنه الناس ما يسقط من وضوئه.
و 1 / 122 ح 279: وكان النبي صلى الله عليه وسلم والحسين بن علي وأبو جعفر محمد بن علي عليهم السلام يختصمون
بالكتم.
(3) الفقيه: 1 / 524 ح 1489، 2 / 220 ح 2230 و....
(4) في الحديث الأول والثاني والثالث من المجلد الأول: بقوله: قال الصادق عليه السلام
وفي: 2 / 317 ح 2557: روي عن الأئمة عليهم السلام أنهم قالوا من حج بمال حرام نودي عند
التلبية لا لبيك عبدي ولا سعديك. وموارد كثيرة.
(5) الحديث الرابع والسادس والثامن من المجلد الأول بقوله: سأل هشام بن سالم أبا عبد
الله عليه السلام، وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليه السلام، وسأل عمار الساباطي،
أبا عبد الله عليه السلام و....
(6) الفقيه: 1 / 344 ح 1003: روى حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام... 1 / 345
ح 1006: روى العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام و....
(7) كما في الفقيه: 1 / 112 ح 232، بقوله: روى يحيى بن سعد الأهوازي، عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر، عن محمد بن حمران، قال: قال الصادق عليه السلام....
(8) كما في الفقيه: 4 / 123 ح 5255: ما رواه الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن
زرارة.
وخمسة كما في المصدر: 1 / 333 ح 979: روى أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن
أبي عمير، عن حريز، عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام....
382

الفطرة من أبواب الصوم (1)، وهو في غاية الندرة كما ذكر في ذيل عنوان نكت
حج الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم - مبتدئ من بعض مشايخه إلى
المعصوم (2).
وفيما حذف الواسطة ذكرها في آخر الكتاب، قائلا: وما رويته عن فلان
فقد رويته عن فلان.
ولهذا قد قرب الوسائط المحذوفين المعبر عنهم بالطرق والمشيخة إلى
أربعمائة، وهم الغرض في مورد البحث من لزوم نقدهم في اعتبار الأخبار
وعدمه.
وربما وقع إخلال منه بذكرهم، ومنه: إخلاله بذكره الطريق إلى هشام

(1) الفقيه: 2 / 182 ح 2082. فيه: روى محمد بن مسعود العياشي، قال حدثنا محمد
نصير، قال حدثنا سهل بن زياد، قال حدثني منصور بن العباس، قال حدثنا إسماعيل بن
سهل، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام....
(2) الفقيه: 2 / 238 ح 2292. فيه: روى محمد بن أحمد السناني وعلي بن أحمد بن موسى
الدقاق، قالا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال حدثنا بكر بن عبد الله
ابن حبيب، قال حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران،
قال قلت لأبي جعفر عليه السلام....
وروى أيضا بتسع وسائط كما في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بينة: 3 / 106 ح 3426.:
في رواية محمد بن بحر الشيبان، عن أحمد بن الحرث، قال حدثنا أبو أيوب الكوفي، قال: حدثنا
إسحاق بن وهب العلاف، قال حدثنا أبو عاصم النبال، عن ابن جريح، عن الضحاك، عن ابن
عباس، قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
383

المثنى، كما روى عنه في باب البدءة بمكة والختم بالمدينة (1).
وكذا إلى شريف بن سابق التفليسي (2) وعلي بن إسماعيل الميثمي (3)
وعبد الله بن هلال (4) وبريد بن معاوية (5) وأبي يحيى بن سعيد (6).
بل المنصرح من المولى التقي، النقاد كثرته، فإنه ضبط من لم يذكر الطريق
إليهم فارتقاهم إلى ما يقرب إلى مائة وعشرين.
قال: وأخبارهم يزيد على ثلاثمائة، والكل محسوب من المراسيل عند
الأصحاب، لكنا بينا أسانيدها، إما من الكافي، أو من كتب الحسين بن سعيد،
وربما اتفق العكس.
فذكر الطريق مع عدم الرواية، بل عن المولى المشار إليه: أن من صنع
الصدوق فيه هذه الصنيعة تقرب إلى العشرة.

(1) الفقيه: 2 / 558 ح 3138. فيه: (روى هشام بن المثنى عن سدير عن أبي جعفر عليه السلام)
ولم يذكر طريقه إليه في المشيخة.
(2) الفقيه: 3 / 162 ح 3594 و 3 / 193 ذيل ح 3724.
(3) الفقيه: 4 / 21 ح 4984.
(4) الظاهر أنه من سهو قلمه الشريف لأن الصدوق لم يرو عنه بلا واسطة، بل الصحيح:
محمد بن عبد الله بن هلال، كما في الفقيه: 4 / 50 ح 5070، بقوله: روى محمد بن عبد الله بن
هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام. وكذا في 4 / 69 ح 5127 ولم يذكر طريقه إليه في
المشيخة.
(5) كما في الفقيه: 1 / 216 ح 649، 498 ح 1429، 548 ح 1527 و 3 / 397 ح 4397.
ولم يذكر طريقه إليه في المشيخة، ولكن ذكر في تدبير المملوك، 3 / 123 ح 3467: وروى ابن
محبوب، عن علي بن رئاب، عن بريد بن معاوية...، وذكر طريقه إلى الحسن بن محبوب في
المشيخة.
(6) الفقيه: 1 / 112 ح 232.
384

وربما عزا الوالد المحقق قدس سره إلى السيد الداماد أن مقتضى كلامه في حاشية
الاستبصار أن الصدوق في الفقيه ذكر طريقه إلى محمد بن القاسم بن الفضيل
ولم يرو عنه، ومن هذا أن محمد بن الفضيل الذي يروي عن أبي الصباح
الكناني، وأكثر الصدوق في الرواية عنه، هو محمد بن القاسم بن الفضيل.
أقول: إنه ذكر السيد المشار إليه في الموضع المذكور، أنه كلما كان
في الأسناد: محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، فالمعنى: محمد بن
الفضيل بن يسار، على ما حققناه في غير موضع، وذلك مما استفدته من
الصدوق في الفقيه.
والظاهر، أن وجه الاستفادة أن الصدوق قد أكثر في الرواية عن محمد بن
الفضيل عن أبي الصباح الكناني، وذكر في المشيخة طريقه إلى محمد بن
القاسم بن فضيل البصري. (1)
ولم يذكر في المشيخة طريقه إلى محمد بن الفضيل، ومحمد بن القاسم بن
فضيل هو النهدي، وجده فضيل بن يسار، وهو ثقة.
فالظاهر أن محمد بن الفضيل المتكرر في الأسانيد، هو محمد بن القاسم
المذكور في المشيخة، وإنما أسقط القاسم من باب الاختصار.
وأنت خبير بأن مقتضى كلامه أن المراد بمحمد بن الفضيل المشترك، هو
سبط (يسار) لا (غزوان) ولا (كثير)، بشهادة كلام الصدوق في المشيخة من
ذكر طريقه إليه، وإلا لزم عدم ذكر الطريق، فهو على خلاف ما عزا إليه أدل،
فلا مجال لما أورد عليه من ثبوت روايته عنه.
كما أنه ذكر في الفقيه، في باب الفطرة، كتب محمد القاسم بن الفضيل

(1) الفقيه: 4 / 494. قسم المشيخة.
385

البصري إلى أبي الحسن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - (1)، ونحوه أيضا
في الباب المذكور (2).
وربما اتفق فيه مجرد ذكر المذكور من دون ذكر طريق.
كما قال في طريق خمس وسبعين ومائتين: (وما رويته عن محمد بن
القاسم، فقد رويته عنه) (3).
كما نبه عليه الفاضل الاسترآبادي (4)، وتبعه الناقد (5).
والظاهر أنه محمد بن القاسم المفسر الاسترآبادي، وقد تكثر رواية
الصدوق عنه في معاني الأخبار بلا واسطة، كما قال في باب معاني الحروف
المقطعة: (حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي المعروف بأبي الحسن
الجرجاني المفسر - رضي الله عنه -) (6).
وفي باب معنى الموازين: (حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي
المفسر) (7). وفي باب معنى الزهد في الدنيا: (حدثنا محمد بن القاسم المفسر

(1) الفقيه: 2 / 177 / 2065. فيه: كتب محمد بن القاسم بن الفضيل البصري إلى أبي
الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الوصي....
(2) الفقيه: 2 / 180 ح 2073. فيه: كتب محمد بن القاسم بن الفضيل البصري إلى أبي
الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن المملوك...
(3) الفقيه: 4 / 502، قسم المشيخة.
(4) منهج المقال: 415.
(5) نقد الرجال: 423.
(6) معاني الأخبار: 24.
(7) معاني الأخبار: 33.
386

الجرجاني) (1). إلى غير ذلك.
والظاهر أنه كان من مشايخه، ولم يكن بينهما واسطة مطلقا، فذكره
في المشيخة من باب السهو لعدم الطريق.
طريق الشيخ في كتابيه
وأما شيخ الطائفة، فقد جرى تارة: على طريقة الكليني فيما مر من الصور
السابقة.
وأخرى: على طريقة شيخنا الصدوق قدس سره حتى أنه ربما اقتصر على الراوي
الأخير، فحذف جملة من الوسائط، وذكر بعضا منها في آخر التهذيبين. وقد
ترقى الطرق المذكورة فيهما عن الأربعين، وأحال البواقي إلى الفهرست
الموضوع لذكر الطرق إلى المصنفات والأصول، وهم المقصود بالبحث
في المقام أيضا.
ومن ثم ربما يتردد الحديث في كلامه، بين كونه من باب التعليق، كما هو
طريقة الكليني كثيرا، وبين كونه من باب الحذف، كما هو طريقة الصدوق.
ومنه ما رواه في الاستبصار في باب أكثر النفاس، حيث أنه روى: (عن
أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب، عن محمد بن
مسلم).
ثم روى: (عن علي بن الحكم، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن

(1) معاني الأخبار: 33.
387

مسلم) (1).
والمرددة بين الأمرين، يتردد أمره بين صحة الخبر وضعفه، لعدم ذكر
الطريق إلى علي بن الحكم. ويرجح الأول غلبة الذكر في الطريق.
وقد جرى ثالثة: على أنحاء مختلفة ووجوه مضطربة.
منها: ما ربما روى عن الكليني، الخبر المبني على التعليق، مقدما للمعلق
على المعلق عليه، فيوهم نقل الكليني الرواية عن القدر المشترك، مع أنه
لا يروي عنه.
كما روى في أنه لا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام: (عن الكليني، عن أحمد
بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي بصير...).
ثم قال: (وعنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن
محبوب، عن أبي ولاد الحناط) (2).
مع أن الكليني روى عن العدة ومن بعده، فروى عن أحمد بن محمد، عن
ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي بصير (3).
فرواية الكليني من باب التعليق، فروايته عن أحمد بتوسط العدة، ولكن
الشيخ غير الترتيب، فأوهم ما أوهم من اشتباهات متعددة كما لا يخفى.
هكذا ينبغي تحقيق المقام، دون ما وقع في بداية المشرق.

(1) الاستبصار: 1 / 152 ح 528 و 529.
(2) التهذيب: 2 / 289 ح 876 و 877.
(3) الكافي: 4 / 177 ح 1 و 2.
388

الثانية (1): إن الكلام على ما يظهر مما تقدم، إنما هو في الفقيه والتهذيبين،
دون الكافي، ولكن يطرد البحث فيه عند دقيق النظر.
وذلك: لأن الظاهر، بل بلا إشكال أن بناءه على منوال غيره من المشايخ،
من كثرة الاهتمام بذكر المخبرين.
ومن هنا أن الظاهر أن صدور أسانيده، بل وكذا بعده من المشايخ. ومن ثم
تصحيح روايات النيسابوري عن الفضل، من جماعة، بل الجميع على ما ذكره
بعض، مع تصريحهم بمجهوليته، استنادا منهم إلى عدم كونه من سلسلة الواسطة
في إيصال الرواية بحيث لو لم تكونوا لم تصل الرواية إلى الراوين بخلاف
سلسلة الواسطة في إجازة الرواية، وقد أصابوا في هذه الحيثية الايصالية،
ولكن ما حكموا بمجهوليته فقد عرفت أنه ضعيف في الغاية.
ثم إن الكلام مبني على عدم لزوم الإجازة، وأن الاستجازة لمجرد الدخول
في عنوان الرواية، فذكر الواسطة حينئذ مستغنى عنه بلا ارتياب.
نعم، إن من جرى على لزوم الإجازة، كما جرى عليه الفاضل القطيفي
مصرا فيه في الغاية، وتبعه بعض من تأخر، فيحكم باللزوم على الإطلاق.
وجنح إليه الحبر النحرير في خاتمة المستدرك (2)، بل استظهره من جماعة
من الأعلام منهم شيخ الطائفة فيما ذكره في آخر مشيخة التهذيب، في وجه
ما ذكره من الطرق المحذوفة وذكرها في المشيخة، من أن يخرج الأخبار بذلك
عن حد المراسيل ويلحق بباب المسندات، مع أنه ذكر في هذه الطرق طرقه
إلى ثقة الإسلام، والمذكورين في طرقه إليه من مشايخ الإجازة.

(1) عطف على قوله في أول الباب: وينبغي قبل الخوض في المرام تمهيد مقدمات: الأولى.
(2) راجع خاتمة المستدرك: 759، أواخر الفائدة السادسة.
389

فمنهم: الشيخ المفيد، عن ابن قولويه، كما في الطريق الأول، وقريب منه
ما ذكره في الطريقين الأخيرين.
أقول: ويمكن استظهاره من ثقة الإسلام أيضا، فإنه قد التزم في الكافي
في أصوله وفروعه، فيما رواه عن الفضل بن شاذان، بذكر محمد بن إسماعيل،
وقد تقدم استظهار أنه النيسابوري، وأنه من مشايخه.
ومن هنا ما جرى غير واحد على تصحيح ما رواه عنه، نظرا إلى أن ذكره
لمجرد الاتصال، وقد تقدم تفصيل المقام في ذلك المجال، كما أنه يمكن
استظهاره من رئيس المحدثين، الشيخ الصدوق أيضا، فإنه قد التزم في ذكر
الطرق والأسانيد بذكر المشايخ، كوالده وابن الوليد وغيرهما من المشايخ
الأجلة، بل هو الظاهر من غير واحد من القدماء، ولكن الوجه فيه غير معلوم.
ومن العجيب ما استدل عليه في المستدرك، بما رواه في الكافي: (باسناده
عن أحمد بن عمر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء -:
الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول أروه عني، يجوز لي أن أرويه
عنه؟
قال: فقال: إذا علمت أن الكتاب له، فاروه عنه) (1).
قال: وظاهره معهودية الحاجة إلى الرواية، وقرره على ذلك، وإنما سؤاله
عن كفاية المناولة التي هي أحد أقسام التحمل، فأجابه بالكفاية مع العلم بكون
الكتاب له ومن مروياته (2).
فإن استظهار معهودية الحاجة، ثم التقرير عليه غريب، فإن الظاهر الذي

(1) الكافي: 1 / 52 ح 6.
(2) خاتمة المستدرك: 381.
390

لا ينبغي أن يستريب فيه أن مورد السؤال إنما هو الاستفسار عن الحاجة إلى
الاذن في الرواية، ونص الجواب على عدم الحاجة مع العلم، فهو صريح
في الخلاف بلا ريبة، وحمله على المناولة أبعد شئ بلا مرية.
وربما استند الفاضل القطيفي بأن المجاز له يصير بالإجازة راويا متصل
الاسناد بخلافه بدونها، وإن صح إسناد الكتاب مثلا إلى المصنف، لكن صحة
الاسناد لا يلزم أن يكون راويا - إلى أن قال: - فهو حينئذ ممن لم تنقل به
الرواية عن أهل البيت عليهم السلام فلا يجوز له العمل بما لم ير ولم يرو له.
فالمتوهم بعد هذا، هو الراد على دين الله والعامل بغير سبيل الله ومن يبتغ
غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
وأنت خبير بما فيه، مع ما فيه من الإطالة والاصرار.
فإن ملخصه عدم صدق الرواية على أحد إلا بعد الإجازة، وهو خلاف اللغة
والعرف، بل الشرع كما مر في الخبر واشتهر بين المتأخرين أنه من باب التيمن
والتبرك في الدخول في سلسلة الرواية وعنوان الراوي (1).
واستشكل فيه، بأن الظاهر للمتتبع أن الأصحاب كانوا في غاية المبالغة
في المواظبة عليها، كما حكي عن أحمد بن محمد بن عيسى، أنه مع كونه من
مشايخ القميين وفقهائهم ورؤسائهم، حيث أنه كان يلقي السلطان، غير مدافع،
وشد الرحال من قم إلى كوفة إلى بعض، استجازة لبعض الكتب.
بل عن الشهيد أنه قد رأى خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم
عند ولادتهم مع تاريخ ولادتهم (2).

(1) راجع خاتمة المستدرك: 375.
(2) الرعاية في علم الدراية: 271.
391

بل ذكر السيد الجليل ابن طاووس في كشف المحجة في إجازته لابنه من
الإجازة لاخوته وأخواته أيضا.
بل قال: وإن جاز الأذن لمن عساه يولد لي من الذكور والبنات بعد هذه
الأوقات، فقد أذنت لهم أيضا في الرواية عني.
وهذا لا يلائم العنوان المذكور الذي لا يقاوم أدنى المستحبات، مع جريان
عادتهم على إجازة الكتب الفقهية وغيرها من الكتب العلمية، فضلا عما جرى
غير واحد من الاستجازة عن العامة كما ذكروا في ترجمة الشهيد الأول، أنه
يروي مصنفاتهم عن أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة وغيرهما (1).
الثالثة: إن الوسائط في ذكر الأخبار تارة: من باب مشايخ الإجازة.
وأخرى: من باب نقلة الرواية. ولشدة مواظبة القدماء على الإجازة،
يدخلون كلا من السلسلتين في الأخرى.
وبناء على عدم لزوم النقد في الأولين بخلافه في الأخرين، يهتم معرفتهما
وامتياز كل منهما عن الأخرى. وكثيرا ما يقع الاشتباه ويشكل التميز.
بل عن المحقق العاملي: إنه قد أعيت معرفتهم على ناس كثيرين، حتى أن
المحقق القمي صنف رسالة في ذلك. - إلى أن قال: - إنه ذكر في شرح طهارة
الوافي، طرقا أربعة إلى معرفة المشايخ. (انتهى).
ولما رأى الوالد المحقق - طاب الله تعالى ثراه وجعل الجنة مأواه - هذا
المطلب في كلام المحقق المشار إليه تصدى لتحصيل الشرح المذكور، فلم
يظفر عليه، ورأيت بعد ذلك في طي كلام من المستدرك نقل وجوه أربعة
للتمييز.

(1) راجع: أمل الآمل: 85 ونقد الرجال: 145.
392

والظاهر أنها هي المشار إليها فيما مر وهي النص عليه.
وقول الشيخ: وطريقي إلى ما أخذته من كلمات فلان عن فلان. وأما إذا
قال: طريقي إليه فلان، فلا، لأنه قد يكون من حفظه.
ورواية الشيخ عمن يعلم أنه لم يشاهده، فيكون أخذه من كتابه، كما قاله
الشيخ في آخر التهذيبين، والعلم بأنه ليس صاحب كتاب أصلا كأحمد بن
الوليد، وأحمد بن العطار. (انتهى).
ولا يخلو ما ذكر من تأمل، وقد ظهر لي مضافا إلى الرجوع إلى كتب رجال
الأصحاب من التصريحات، منهم في الباب، موازين للتميز بين الأمرين.
أحدها: رواية كل من الشيخين عن شخص بلا واسطة فإن الظاهر من
المقطوع أنه من المشايخ وذلك لما ثبت من عدم روايتهما وغيرهما من
نحوهما الأخبار الا بالإجارة ولزوم ذكر المشايخ في ذكر الأخبار حذوا لنقله
مضافا إلى ما يظهر من التتبع في طرقهم وأسانيدهم من أن الشخص المروي
عنه بلا واسطة من المشايخ في كلماتهم، وهذا ميزان يظهر منه شيخوخة جمع
كثير من الأصحاب والوسائط.
وثانيها: توسط شخص وما زاد في رواية الشيخين عن كتاب مشهور،
فالواسطة من المشايخ وذلك لظهور أن الكتاب كان موجودا عنده معتبرا لديه،
فالظاهر أن الواسطة من المشايخ.
وذلك، كما ذكر الشيخ في مشيخة التهذيب في طرقه عن الكليني: (فما
ذكرناه في هذا الكتاب، عن الكليني، فقد أخبرنا به الشيخ المفيد، عن ابن
قولويه عنه) (1).

(1) التهذيب: 10 / 5. (المشيخة).
393

(وأخبرنا أيضا: الحسين بن عبيد الله عن أبي غالب، والتلعكبري، وابن
قولويه والصيمري والشيباني كلهم عنه) (1).
(وأخبرنا به أيضا أحمد بن عبدون، عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحسين
عبد الكريم، عن محمد بن يعقوب، جميع مصنفاته وأحاديثه سماعا
وإجازة) (2).
وثالثها: رواية المشايخ عن شخص مع الواسطة، بشرط أن يكونوا من
الأشخاص المذكورين في الواسطة من الرواية عن الكتب المعروفة، ويظهر
ذلك لما مر، فتأمل.
ورابعها: قول الشيخ في الفهرست وغيره: أخبرني فلان، فإن الظاهر أن
المخبر من المشايخ لما تقدم، وقد وقع ذلك في الفهرست في غاية الكثرة، بل
قل عدم وقوعه في التراجم المعنونة.
ومثله ما لو ذكر النجاشي مثله، وهو أيضا مثله، كما هو على الخبير
غير ستير.
الرابعة: (3) إنه ينبغي أن يعبر عن المحذوفين المبحوث عنهم في المقام
بالطريق، كما عبرنا به إيضاحا للمرام، وفارقا للمذكورين في طي ذكر
الأخبار، ويعبر عنهم أيضا بالمشيخة.
ولكن ذكر السيد الداماد في الرواشح: (أن المشيخة بإسكان الشين بين
الميم والياء المفتوحتين، جمع الشيخ، كالشيوخ والأشياخ والمشايخ، على

(1) التهذيب: 10 / 22 (المشيخة).
(2) التهذيب: 10 / 27 (المشيخة).
(3) عطف على قوله في أول الباب: وينبغي قبل الخوض في المرام تمهيد مقدمات.
394

الأشهر عن الأكثر).
وقال المطرزي (1) في كتابيه: المغرب والمعرب، أنها اسم جمع، والمشايخ
جمعها، وأما المشيخة: بفتح الميم وكسر الشين، فاسم المكان من الشيخ
والشيخوخة، كالمسيحة من السياحة. ومعناها عند أصحاب هذا الفن:
المسندة، أي: محل ذكر الأشياخ والأسانيد (2). (انتهى).
وفيه: إن ما يظهر منه من أن المشيخة بفتح الميم وكسر الشين، اسم مكان
خاصة، ففيه صرح في القاموس بأن من جموع الشيخ: المشيخة بفتح الميم
والشين (3) وهو الظاهر من شارحه الأديب في تاج العروس (4).
كما أن ما يظهر منه من أنها المصطلح عند أصحاب هذا الفن ليس على
ما ينبغي، لعدم وقوع التصريح به من أحد فيما أعلم، فضلا عن وقوع
الاصطلاح، بل المسموع من بعض المشايخ: هو المشيخة بكسر الشين.
ومما ذكر يظهر الكلام فيما ذكر من معناه، بل الظاهر أن المراد به: هو
الشيوخ المذكورون في هذا المقام، وذكر المشايخ غير قادح، لشيوع التغليب.
الخامسة: إن العنوان المبحوث عنه، من العناوين الأصولية أو الرجالية؟.
جزم بالأول الوالد المحقق قدس سره في الرسالة المعمولة، بعد عنوانه

(1) هو ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الخوارزمي أبو الفتح الحنفي المتوفى
سنة 610، له كتاب المغرب في ترتيب المعرب، اختصره من كتابه المعرب، تكلم فيه على
الألفاظ التي يستعملها فقهاء الحنفية من الغريب. راجع: معجم المطبوعات العربية والمعربة:
2 / 1760 ومعجم المؤلفين: 13 / 71.
(2) الرواشح السماوية: 75، الراشحة العشرين.
(3) القاموس المحيط: 1 / 272، مادة (شيخ).
(4) تاج العروس: 7 / 286.
395

في الرجال (1)، نظرا إلى أن بعض الفحول (2)، وهو أبو العذر في الغور في هذا
الغمر، عنونه في الأصول وتبعه غير واحد ممن تأخر.
وتعرضنا له في سوابق الأيام في الأصول، مع أن هذا العنوان، وعنوان لزوم
نقد أخبار الكتب الأربعة، أختان متراضعتان من لبن واحد، والعنوان الثاني
وهو الأخت الكبرى، مسألة أصولية معروفة، فعلى منواله، الحال في هذا
العنوان.
مضافا إلى أن البحث في الرجال، إنما يكون عن الموضوعات، أعني:
أحوال الرواة، وقد يبحث فيه عن الألفاظ المتعلقة بتلك الأحوال، والبحث
في هذا العنوان، إنما هو عن الحكم، أعني: لزوم النقد، كما هو الحال في أخته
الكبرى، فلا مجال لكون هذا العنوان من المسائل الرجالية.
أقول: ويضعف الأول: بأن المراد من البعض السيد السند، صاحب
المفاتيح، ومن الظاهر أن عنوانه المسائل فيها غير شاهد على أنها من المسائل
الأصولية.
كيف لا، وقد عنون فيه (قاعدة نفي الجرح)، و (أصالة التزكية) و (مسألة
العدالة) ومعنى لفظة (ثقة) من الألفاظ الرجالية.
كما أنه قد عنون في البشارات، جملة من القواعد الفقهية وطائفة من
الرجال، كأبي بصير، وإسحاق بن عمار، والنوفلي، والسكوني، وغيرهم.
والأمر فيها أوضح من أن يبين، مضافا إلى أنه قد عنون الكلام السيد السند

(1) راجع: رسالة في لزوم نقد المشيخة لوالد المؤلف: 11.
(2) المراد منه هو السيد المجاهد ابن صاحب الرياض. راجع: مفاتيح الأصول: 329.
396

التفرشي في النقد (1)، ونحوه غيره.
والثاني: بأن التراضع من لبن واحد لا يكشف عن الاتحاد من جميع
الحيثيات، لظهور وقوع الاختلاف في كثير من الأوقات.
والثالث: بأن البحث في الأصول، إنما هو فيما يتعلق بالدليل، وهو إما
لفظي، أو شرعي، أو عقلي.
والبحث في المقام، إنما يتعلق بأحوال الرجال، فلا مجال لكون العنوان من
المسائل الأصولية، مع أن لزوم النقد وعدمه متفرع على تحقيق الحال فيهم،
من أنهم من مشايخ الإجازة، أو رجال الرواية.
مضافا إلى أنه يستلزم أن يكون البحث في تميز أبي بصير، وتحقيق حاله
مثلا من المسائل الأصولية، لرجوع الأمر إلى الحكم، أعني: لزوم العمل
بأخباره وعدمه.
إذا عرفت ما تقدم، فنقول: قد اختلف الأصحاب في الباب على قولين:
القول باللزوم، كما يظهر من المنتقى في غير موضع منه، وأصر فيه السيد السند
النجفي (2)، مدعيا عليه إطباق المحققين والمحصلين من أصحابنا، وهو خيرة
جدنا السيد العلامة في المطالع، واستظهره الوالد المحقق قدس سره (3) من صاحب
المدارك، فإنه قد زيف ما استدل على اعتبار الأشبار الثلاثة في الأبعاد،
بما رواه محمد بن إسماعيل بن جابر:

(1) راجع: نقد الرجال: 417، الفائدة الرابعة.
(2) ولكنه صرح بخلافه عند الكلام في التطوع في وقت الفريضة. (منه رحمه الله).
(3) راجع: رسالة في لزوم نقد المشيخة لوالد المؤلف: 16، فصل فيما استدل به على عدم
وجوب نقد المشيخة.
397

(بأن الشيخ رواه في التهذيب، بطريقين في أحدهما: عبد الله بن سنان (1)
وفي الآخر: محمد بن سنان (2) والراوي عنهما واحد، وهو محمد بن خالد
البرقي - إلى أن قال: - والذي يظهر من كتب الرجال وتتبع الأحاديث، أن ابن
سنان الواقع في طريق الرواية واحد، وهو محمد، وأن ذكر عبد الله وهم،
فيكون الرواية ضعيفة لنص الشيخ (3) والنجاشي (4) على تضعيفه) (5).
وعلى إفساد الغبار للصوم بما رواه في التهذيب (عن محمد بن الحسن
الصفار، عن محمد بن عيسى، عن سليمان الجعفري) (6)، باشتمال السند على
عدة مجاهيل (7).
ويضعف بأن الكلام إنما هو في المحذوفين، وقدح السيد في الموضعين
المذكورين، إذ الأول مروي في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة،
بقوله: (أخبرني الشيخ - أيده الله تعالى - عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد
ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر) (8).
ثم رواه أيضا بفاصلة: (عن الشيخ، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن

(1) التهذيب: 1 / 41 ح 115.
(2) التهذيب: 1 / 37 ح 101.
(3) الفهرست: 131 رقم 580.
(4) النجاشي 328 رقم 888.
(5) مدارك الأحكام: 1 / 50.
(6) التهذيب: 4 / 214 ح 621.
(7) مدارك الأحكام: 6 / 52.
(8) التهذيب: 1 / 37 ح 101.
398

أبيه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن عبد الله بن
سنان، عن إسماعيل بن جابر) (1). وهو كما ترى.
والثاني بظهور (السند) كل الظهور في المذكورين، بل لا يحضرني الآن
اطلاق السند على المحذوفين، وإن وقع إطلاق الطريق على المذكورين.
مضافا إلى أن للشيخ إلى الصفار طريقين:
أحدهما: شيخنا المفيد، والغضائري، وابن عبدون، كلهم عن أحمد بن
محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه.
والآخر: ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد. وهؤلاء كلهم من
الثقات.
والظاهر أن منشأ الغفلة في الأول، إطلاق الطريق في كلامه، فتبادر إلى
ذهنه الشريف، المحذوفون، كما هو الغالب في كلمات المتأخرين.
نعم، يمكن استظهار القول بلزوم النقد منه مما ذكره عند الكلام في سقوط
الوتيرة في السفر وعدمه.
فإنه بعد ما نقل عن الذكرى من عدم سقوطه، تعويلا على ما رواه في الفقيه،
عن الفضل بن شاذان، قال: وهو جيد لو صح السند، لكن في الطريق عبد
الواحد بن عبدوس (2) وعلي بن محمد القتيبي، ولم يثبت توثيقهما، فالتمسك

(1) التهذيب: 1 / 41 ح 115.
(2) قال الفاضل الجزايري في الحاوي: عبد الواحد بن عبدوس، لم يذكر في كتب
الرجال، وهو من مشايخ الذين ينقل عنهم الصدوق من غير واسطة، وهو في طريق الرواية
المتضمنة لايجاب ثلاث كفارات على من أفطر على محرم.
وقد وصفها العلامة في التحرير بالصحة، وتبعه الشهيد الثاني محتجا بذلك ولكونه المشائخ
الذين ينقل عنهم الصدوق بغير واسطة مع تكرر ذلك، فإنه يظهر الاعتماد عليه.
وأقول: قد ذكر الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - رواية
من ثلاث طرق، أحدها: عبد الواحد، وقال عقيب ذلك، وحديث عبد الواحد بن محمد بن
عبدوس عندي أصح.
ولا يخفى أن هذه قرائن لا تبعد إفادتها الاعتماد على ما يرويه. (انتهى). وما ذكره جيد
(منه قدس سره).
399

بعموم الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط أولى (1).
هذا وفي كلامي السيد المشار إليه كلام لا يخفى على المتأمل الخبير
المتفطن البصير.
والقول بالعدم كما هو الظاهر من السيد السند التفرشي، فيما ذكره في آخر
النقد: (من أنه لو قال قائل بصحة أحاديث الكتب الثلاثة الموجودة من الكتب
والأصول، وإن كان الطريق إلى هذه الكتب والأصول ضعيفا، إذا كانوا مصنفو
هذه الكتب والأصول ومن فوقها من الرجال إلى المعصوم ثقات، لم يكن
مجازفا) (2).
وكذا من الفاضل السبزواري في مواضع من الذخيرة، بل ذكر عند الكلام
في المبطون بعد التصريح بعدم إضرار الجهالة في الطريق: (وعلى هذا نجري
في مباحث هذا الشرح، ونعد مثل هذه الأخبار صحيحا، مع التقييد بقولي على
الظاهر أو عندي إشارة إلى مثل هذا الأمر) (3).
وكذا من المحقق الخوانساري في أوائل المشارق، فإنه بعد قدحه فيما رواه

(1) مدارك الأحكام: 3 / 27.
(2) نقد الرجال: 426.
(3) ذخيرة المعاد: 39.
400

الشيخ في التهذيب، عن علي بن جعفر عليه السلام، باشتماله على الغضائري، لعدم
تنصيص الأصحاب على توثيقه، نص على عدم إضرار عدم التوثيق (1)،
استنادا إلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وهو مقتضى صريح السيد السند النجفي عند الكلام في سهل بن زياد،
خلاف ما تقدم، قال: (إن وضع المشيخة لبيان الطرق إلى أصحاب الكتب
والأصول، وإن لم يكونوا وسائط في النقل، والظاهر أن ما اشتمل على ذكر
المشايخ من الروايات كغيره مما ترك فيه وأنه لا حاجة إلى توسطهم
في النوعين) (2).
وعليه جرى جدنا العلامة رحمه الله في الشوارع، وكذا الوالد المحقق قدس سره
في رسالته البديعة.
واستدل القائلون بعدم اللزوم، بأن الظاهر أن الشيخين أخذ الأخبار من
كتب صدور المذكورين، وكتبهم كانت متواترة في زمانهم، والوسائط من
مشايخ الإجازة، وإنما ذكروا تيمنا وتبركا، فالمجهول والمعلوم والمذكور
والمتروك، على نهج سواء.
أقول: وفيه أنه إنما يسلم في الطرق المتمحضة، دون المركبة.
وبيان المرام: إن التأمل في المشيخة يكشف عن أن الطرق على قسمين:
الأول: الطرق المتمحضة في ذكر المشايخ، وهي قليلة كما في مشيخة الفقيه
في الطريق إلى الصفار وهو محمد بن الحسن بن الوليد (3).

(1) مشارق الشموس: 13.
(2) رجال السيد بحر العلوم: 3 / 30.
(3) الفقيه: 4 / 434. (المشيخة).
401

والظاهر أن الحال على هذا المنوال، في الطريق إلى إبراهيم بن هاشم وهو:
أبوه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، والحميري.
وفي طريقه الاخر: محمد بن موسى المتوكل، عن علي بن إبراهيم (1).
وكذا في الطريق إلى الأشعري، وهو المذكور في أول الطريقين
المذكورين.
وكذا في الطريق إلى إسماعيل بن عيسى، وهو: محمد بن ماجيلويه رضي الله عنه
عن علي بن إبراهيم (2)، وفي التهذيب في الطريق إلى الكليني (3).
وكذا في غير واحد من الطرق أيضا.
الثاني: الطرق المركبة من المشايخ وغيرهم، وهذه هي الأغلب
في المشيختين، كما في مشيخة الفقيه في الطريق إلى الحسن بن هارون وهو:
محمد بن الحسن رضي الله عنه، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
البزنطي، عن عبد الكريم (4). وغيرها من الطرق المتكثرة.
وفي مشيخة التهذيب، في الطريق إلى علي بن مهزيار، وهو: الشيخ المفيد،
عن الصدوقين (5)، ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، والحميري،
ومحمد ابن يحيى، وأحمد بن إدريس، كلهم عن أحمد بن محمد، عن العباس
ابن معروف. (6)

(1) الفقيه: 4 / 521. (المشيخة).
(2) الفقيه: 4 / 448. (المشيخة).
(3) التهذيب: 10 / 4. (المشيخة).
(4) الفقيه 4 / 506. (المشيخة).
(5) المراد هو الشيخ الصدوق وأبوه.
(6) التهذيب: 10 / 85. (المشيخة).
402

وكذا في الطريق إلى يونس بن عبد الرحمن (1) وهو المذكور في السابق
إلى الحميري، وانضمام علي بن إبراهيم عن إسماعيل بن مرار، وصالح بن
السندي.
ويقرب إليه طريقاه الآخران أيضا، إليه إلى غير ذلك من الطرق.
وأوضح من ذلك، الطرق المذكورة في الفهرست كما عنون عبيد الله بن
علي الحلبي، وذكر له الكتاب والطريق إليه، وهو: الشيخ المفيد، والصدوقان،
وابن الوليد، عن سعد بن عبد الله، والحميري، عن أحمد وعبد الله ابني قيس
الأشعري، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان (2). وعلى هذا
المنوال، حال غير واحد من طرقه.
فبعد ثبوت هذا التركيب والانضمام، كيف يتجه إجراء حكم التمحض
والانفراد، بل مقتضى صريح كلام الشيخ أن الأخذ وقع تارة: من مثل كتاب
الكافي المشتمل أسانيده على ذكر المشايخ وغيرهم.
وأخرى: من مثل كتاب الحسين بن سعيد المشتمل أسانيده على ذكر الرواة
خاصة، فإنه ذكر في آخر التهذيب: (واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء
بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا
الحديث من أصله) (3).
فإن الظاهر أن المراد من القسمين المذكورين ما ذكرناه، والتعبير بالاقتصار
من جهة في أوائل التهذيب من ذكر الطريق إلى الكافي أيضا، على أن مقتضى

(1) التهذيب: 10 / 82. (المشيخة).
(2) الفهرست: 106 رقم 455.
(3) التهذيب: 10 / 4. (المشيخة).
403

صريح كلامه، أن ذكر الطرق من باب خروج الأخبار عن حد المراسيل
والالحاق بباب المسندات (1).
فدعوى أنه من جهة التيمن والتبرك، مدخولة.
نعم، ربما يشكل ذلك في الالتزام بذكر المشايخ حذو الالتزام بذكر الرواة،
ودخول الأولين في الجهة المذكورة في كلامه حذو دخول الآخرين، مع أن
من الظاهر، الاستغناء عن ذكرهم، إلا أنه يمكن أن يجاب بأنه مبني على
ما استقرت طريقة القدماء من اعتبار الإجازة في العمل بالأخبار.
ولذا التزموا بذكر مشايخ الإجازة حذو الالتزام بذكر سلسلة الرواية إلا أن
من المعلوم أن انضمام الأولين إلى الآخرين لا يوجب اتحاد الحكم.
وأما دعوى تواتر الكتب المأخوذ عنها وإن كانت مشهورة بين الأصحاب،
كما هو الظاهر من الشهيد الثاني في شرح الدراية (2) والفاضل السبزواري
في الذخيرة (3) والمحقق الخوانساري في المشارق (4) وشيخنا البهائي
في المشرق (5) والوجيزة (6) والسيد السند النجفي في كتابه في الرجال (7)
وأصر فيها العلامة المجلسي رحمه الله في شرح الأربعين كما قال:
(كانت الأصول الأربعمائة عندهم، يعني: المحدثين، أظهر من الشمس

(1) أنظر: التهذيب: 10 / 5. (المشيخة).
(2) الرعاية في علم الدراية: 72.
(3) ذخيرة المعاد: 22.
(4) مشارق الشموس: 13.
(5) مشرق الشمسين: 26.
(6) الحبل المتين: 6 - 7،
(7) رجال السيد بحر العلوم: 4 / 77.
404

في رائعة النهار، فكما أنا لا نحتاج إلى سند لهذه الأصول الأربعة، فإذا أوردنا
سندا فليس إلا للتيمن والتبرك والاقتداء بسنة السلف.
وربما لم نبال بذكر سند فيه ضعف أو جهالة لذلك، فكذا هؤلاء الأكبار
المؤلفين لذلك كانوا يكتفون بذكر سند واحد إلى الكتب المشهورة، وإن كان
فيه ضعف أو مجهول، وهذا باب واسع شاف نافع إن أتيتها يظهر لك صحة كثير
من الأخبار التي وصفها القوم بالضعف). (انتهى).
ولكن إثبات هذا المقال غير خال عن الأشكال، وإن أصر فيه المحدث
المشار إليه مستشهدا عليه بوجوه كلها لا يخلو عن الكلام.
أحدها: إنك ترى الكليني رحمه الله يذكر سندا متصلا إلى ابن محبوب، أو إلى ابن
أبي عمير من أصحاب الكتب المشهورة، ثم يبتدئ بابن محبوب (1) ويترك
ما تقدمه من السند، وليس ذلك إلا لأنه أخذ الخبر من كتابه، فيكتفي بايراد
السند مرة واحدة، فيظن من لا دراية له في الحديث، أن الخبر مرسل.
أقول: وفيه: أن الظاهر، بل بلا إشكال أنه من باب التعليق، كما يشهد به
اختصاص الطريقة المذكورة باشتراك السند اللاحق في المبدو به ثانيا، كما
تقدم تحقيق الحال.
فمن المحتمل قويا أخذ الخبر من كتاب المبدو به أولا، وكون ترك الواسطة
بينه وبين المشترك، من باب الحوالة إلى السابق.
الثاني: إنك ترى الكليني والشيخ وغيرهما، يروون خبرا في موضعين
ويذكرون سندا إلى صاحب الكتاب، أو يضم سند أو أسانيد غيره إليه.
وتراهم لهم أسانيد صحيحة في خبر يذكرونها في موضع، ثم يكتفون بذكر

(1) الكافي: 1 / 451 ح 40.
405

سند ضعيف في موضع آخر، ولم يكن ذلك، إلا لعدم اعتنائهم بايراد تلك
الأسانيد، لاشتهار هذه الكتب عندهم.
وفيه: أن من المحتمل قويا أن اكتفاءهم بذكر الخبر الضعيف في موضع،
بواسطة احتفائه بالقرائن المفيدة للظن، بصدقه والاطمينان بوروده، لا بواسطة
عدم الاعتناء بايراد تلك الأسانيد.
الثالث: إنك ترى الصدوق رحمه الله مع كونه متأخرا عن الكليني، أخذ الأخبار
عن الأصول المعتمدة، واكتفى بذكر الأسانيد في الفهرست، وذكر لكل كتاب
أسانيد صحيحة ومعتبرة، ولو كان ذكر الخبر مع سنده لاكتفى بسند واحد
اختصارا، ولذا صار الفقيه متضمنا لصحاح الأخبار، أكثر من سائر الكتب.
فظهر أنهم كانوا يأخذون الأخبار من الكتب، وكانت الكتب عندهم
مشهورة.
وفيه: أن الظاهر أن المراد أنه لما ذكر لكل كتاب أسانيد صحيحة،
فيستكشف منه اشتهار تلك الكتب وتواترها، ولكن الدعوى المذكورة ظاهرة
الفساد، وكيف وإن تعدد أسانيده إلى الأصول المأخوذ عنها نادر.
الرابع: إنك ترى الشيخ رحمه الله إذا اضطر في الجمع بين الأخبار إلى القدح
في سند، لا يقدح فيمن هو قبل صاحب الكتاب، بل يقدح إما في صاحب
الكتاب، أو فيمن بعده من الرواة، كعلي بن حديد (1) وأضرابه (2)، مع أنه

(1) الاستبصار: 1 / 40 ح 112 و 3 / 94 ح 325.
(2) كما قال بعد قوله: فأما ما رواه أحمد بن محمد عن البرقي عن وهب بن وهب عن أبي
عبد الله عليه السلام: فهذا الخبر محمول على التقية، لأن راويه وهب بن وهب وهو عامي ضعيف،
متروك الحديث. الاستبصار: 1 / 48 ح 134. وكذا فيما روى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن
أحمد السياري، قال: فهذا خبر ضعيف وراويه السياري. الاستبصار: 1 / 237 ح 846.
406

في الرجال ضعف جماعة ممن يقعون في أوائل الأسانيد.
وفيه: إن أريد ممن هو قبل صاحب الكتاب، من كان من مشايخ الإجازة،
فمن الظاهر أن عدم التضعيف بواسطة ثبوت وثاقتهم عنده، كما ربما نفى بعض
الريب في عدالتهم عموما.
وإن أريد منه غيرهم، فدعوى عدم التضعيف غير مسموعة.
الخامس: إنك ترى جماعة من القدماء والمتوسطين يصفون خبرا بالصحة،
مع اشتماله على جماعة لم يوثقوا، فغفل المتأخرون عن ذلك واعترضوا
عليهم، كأحمد بن محمد بن يحيى العطار، والحسين بن الحسن بن أبان،
وأضرابهما، وليس ذلك إلا لما ذكر.
وفيه: أن من المحتمل قويا وجه التصحيح، اطلاع المصححين على عدالة
الوسائط، دون اعتقادهم بعدم الحاجة إلى توسطهم والنظر في حالهم.
ويشهد عليه ملاحظة أحوال هؤلاء الوسائط، فإن أغلبهم - كما ثبت لنا -
كانوا في غاية الوثاقة، ومن لم يثبت لنا حالهم لعدم تعرض المتعرضين، فلعل
حالهم كان على هذا المنوال، أو ثبت صحة خبرهم بشواهد أخرى.
السادس: إن الشيخ قدس سره فعل ما فعل الصدوق لكن لم يترك الأسانيد طرا
في كتبه فاشتبه الأمر على المتأخرين، لأن الشيخ عمل لذلك كتاب الفهرست
وذكر فيه أسماء المحدثين والرواة، من الإمامية وكتبهم وطرقه إليهم، وذكر
قليلا من ذلك في مختتم كتابي التهذيب والاستبصار.
فإذا أورد رواية، ظهر على المتتبع أنه أخذه من شئ من تلك الأصول
المعتبرة، وكان للشيخ في الفهرست إليه سند صحيح، فالخبر صحيح مع صحة
سند الكتاب إلى الأمام عليه السلام وإن اكتفى الشيخ عند إيراد الخبر بسند فيه ضعف.
وفيه: أنه وإن كان كلاما صحيحا إلا أنه لم يظهر وجه حجيته للمقام،
407

وارتباطه بالمرام، إلا أن يرجع مفاده إلى الوجه الثالث، بدعوى كثرة طرق
الشيخ في كل خبر، وهي كأختها فاسدة ضعيفة.
السابع: إن الشيخ رحمه الله ذكر في الفهرست عند ترجمة محمد بن بابويه
القمي رحمه الله ما هذا لفظه: (له نحو من ثلاثمائة مصنف، أخبرني بجميع كتبه
ورواياته جماعة من أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان، وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، وأبو الحسين جعفر بن
الحسن بن حسكة القمي، وأبو زكريا محمد بن سليمان الحمراني كلهم
عنه) (1).
فظهر أن الشيخ روى جميع مرويات الصدوق - نور الله تعالى ضريحهما -
بتلك الأسانيد الصحيحة، فكلما روى الشيخ خبرا من بعض الأصول التي
ذكرها الصدوق في فهرسته، فسنده إلى هذا الأصل صحيح، وإن لم يذكر
في الفهرست سندا صحيحا إليه.
وهذا باب غامض دقيق ينفع في الأخبار التي لم تصل إلينا من مؤلفات
الصدوق.
وفيه: أن غاية ما يقتضيه كلام الشيخ في الفهرست، صحة سنده إلى شيخنا
الصدوق، ولا يترتب عليه ما ذكره، فإنه مع عدم الحاجة إلى صحة سنده إليه،
لظهور أن الواسطة من مشايخ الإجازة لا يثمر صحة سنده إليه في اعتبار سند
الصدوق إلى من روى عنه، كما هو ظاهر بين هذا، ولكن مع ذلك لا يخلو
ما ذكره من جودة وقوة تمهر، ولذا ذكر الكلام بتمامه في القوانين.
هذا، ويمكن تأييد المرام بوجوه أخرى:

(1) الفهرست 156 رقم 695.
408

أحدها: إنه لا يخفى لمن نظر في الفهرست وتتبع فيه، أن غير واحد من
الأصول المعتبرة والكتب المعتمدة كانت موجودة عند الشيخ، وهذا هو الظاهر
من سياق كلامه في كثير من التراجم وصريحه في بعضها.
كما قال في ترجمة محمد بن بحر: (له نحو من خمسمائة مصنف ورسالة،
كتبه موجودة أكثرها ببلاد خراسان) (1).
فمن الظاهر أن ذكر الأسانيد إلى هذه الكتب، من باب الإجازة المتداولة
في تلك الأعصار.
وثانيها: إن الظاهر من كلام النجاشي في غير واحد من التراجم، أن غير
واحد من هذه الكتب كانت موجودة عنده، فإذا كانت موجودة فيثبت وجودها
عند الشيخ بالأولوية.
وثالثها: إنه قد استطرف الحلي رحمه الله في آخر السرائر، شطرا من أخبار تلك
الكتب (2)، ومن الظاهر أنها كانت موجودة، فبالأولوية المزبورة يثبت المرام
أيضا.
ورابعها: إنه قد روي في الكافي، في باب من بلغه ثواب من الله تعالى على
عمل: (عن هشام بن سالم - بوسائط ثلاثة - قال علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام) (3).
وذكر ابن طاووس في الأقبال بعد ذكر الخبر المذكور عن الكافي: ووجدنا

(1) الفهرست: 132 رقم 587.
(2) السرائر: 3 / 549.
(1) الكافي: 2 / 87 ح 1.
409

هذا الحديث في أصل هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام (1).
ومقتضى صريحه أن الأصل المذكور كان موجودا في زمانه، فالظاهر أنه
كان موجودا في زمان الكليني بالأولوية.
وخامسها: إنه روي في الكافي في باب المرأة يرتفع طمثها ثم يعود، وحد
اليأس من المحيض: (بإسناده عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن
أحمد ابن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(المرأة التي قد يئست من المحيض، حدها خمسون سنة) (2).
ورواه الشيخ في التهذيب في أواخر باب الحيض والاستحاضة والنفاس:
(عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن بعض أصحابنا
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام)... (3).
ورواه المحقق في المعتبر عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر (4).
فرواه في الكافي عن أحمد، بواسطتين، وفي التهذيب بواسطة،
وفي المعتبر بلا واسطة، ومن الظاهر تمكنهما من الرواية بلا واسطة بالأولوية،
فيكشف عن وجود الكتاب عندهما وكون ذكر الوسائط من باب الاتقان.
ثم إنه لا يخفى أن رواية الكافي عن بعض الأصحاب بواسطة، ورواية
التهذيب بواسطتين، والظاهر وقوع الاشتباه في التهذيب لغلبة الاشتباه فيه،
مضافا إلى موافقة الكافي المعتبر، وقد غفل عنه في الوسائل (5).

(1) عنه في البحار: 2 / 256.
(2) الكافي: 3 / 107 ح 2.
(3) التهذيب: 1 / 397 ح 58.
(4) المعتبر: 1 / 199.
(5) وسائل الشيعة: 2 / 336 ح 2296.
410

وسادسها: إنه ذكر شيخنا المفيد رحمه الله في الرسالة العددية: (من جملة الأخبار
الدالة على عدم نقصان شهر رمضان حديثا بسنده عن محمد بن الحسين، عن
محمد بن إسماعيل، عن محمد بن يعقوب بن شعيب، عن أبيه، عن أبي
عبد الله عليه السلام فأجاب بأن ليعقوب بن شعيب رحمه الله أصلا قد جمع فيه كافة ما رواه
فيه عن أبي عبد الله عليه السلام، ليس هذا الحديث منه، ولو كان مما رواه يعقوب بن
شعيب، لأورده في أصله الذي جمع فيه حديثه عن أبي عبد الله عليه السلام.
وفي خلو أصله عنه دليل على أنه وضع، مع أنه قد روى فيها من الأخبار
ما يقرب إلى الخمسين أو ما يتجاوز عنه، وغير واحد منها بواسطتين وبوسائط
ثلاث، بل في كثير منها بواسطة واحدة، والظاهر أن الجميع مأخوذ من كتب
الأصول.
سابعها: إنه ذكر المحقق في المعتبر عند الكلام في حرمة مس المحدث كتابة
القرآن.
تارة: وفي جامع البزنطي عن محمد بن مسلم... (1) ونحوه ما ذكر عند
الكلام في صلاة العيدين، وقال البزنطي في جامعه (2).
وأخرى: وفي كتاب الحسن بن محبوب عن خالد....
وظاهر كلامه، النقل من نفس الكتابين وحضورهما عنده.
ثامنها: إنه ذكر في رياض العلماء (3) بخطه الشريف عند التعرض لعمر بن
عبد العزيز الأموي: قد رأيت بإصبهان بخط ابن طاووس في كتابه الذي ألفه في

(1) المعتبر: 1 / 188.
(2) المعتبر: 2 / 320.
(3) قسم العامة منه مخطوط لم يطبع إلى الآن.
411

الفتن والملاحم، ما هذه صورته:
فصل فيما رأيته في أصول الشيعة من مدح عمر بن عبد العزيز، قال: سأل
رجل أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام عن عمر بن عبد العزيز، فقال: أهو من
الشجرة الملعونة؟
فقال: (لا تقل لعمر بن عبد العزيز إلا خيرا، ما صنع أحد إلينا بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع إلينا عمر بن عبد العزيز).
ومن الأصل المذكور عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يبعث عمر بن عبد العزيز أمة
واحدة).
وكتب في افراد هذا الأصل: تم كتاب موسى بن القاسم البجلي. (انتهى).
والبجلي المذكور من ثقات الرواة وذوي الكتب والجلالة وحسن الطريقة
كما صرح به النجاشي (1).
وقال أيضا: فصل، ورأيت في كتاب حماد بن عثمان ذي الناب، وهو من
أصول أصحابنا في مدح عمر بن عبد العزيز. فساق الخبر.
تاسعها: إنه ذكر الشيخ في التهذيب في باب علامة أول دخول شهر رمضان
وآخره في تضعيف ما رواه ابن أبي عمير عن حذيفة بن منصور رحمه الله: (إن كتاب
حذيفة بن منصور رحمه الله عرى منه، والكتاب معروف مشهور، ولو كان هذا
الحديث صحيحا عنه لضمنه كتابه) (2).
ولا يخفى اقتضاؤه معروفية الكتاب ومشهوريته والظاهر أن حال
غير واحد من الأصول كانت على هذا المنوال، إلا أن يقال: إن غاية ما يقتضيها

(1) النجاشي: 405 رقم 1073.
(2) التهذيب: 4 / 169 ح 482.
412

ما ذكر، اشتهار كثير من الكتب وتواترها، وأما دعوى اقتضاء اشتهار جميعها
وتواترها فبمعزل عن التحقيق.
ولقد أجاد من قال: إن الذي يظهر من النظر في علم الرجال، عدم تواتر
جميع الكتب المأخوذة عنها أحاديث الكتب الثلاثة في زمان الشيخين، بل
كثير منها كان غير متواتر. (انتهى).
بل جرى السيد السند النجفي رحمه الله في بعض كلماته على عدم تواتر الكتب
مطلقا (1).
نظرا إلى ما ذكره في الفهرست في ترجمة علي بن مهزيار: من أنه روى
العباس بن معروف روى نصف كتاب مثالبه عن علي بن مهزيار (2).
وما ذكره في ترجمة العلاء بن رزين: له كتاب وهو أربع نسخ، روى في كل
نسخة منه بطريق غير طريق الأخرى (3).
وما ذكره في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري: إلا ما كان فيه
تخليط أو غلو أو تدليس أو ينفرد به (4).
وما ذكره في ترجمة يونس بن عبد الرحمن: إلا ما ينفرد به محمد بن عيسى
ابن عبيد ولم يرو غيره، فإنه لا يعتمد عليه ولا يفتى به (5).
ولكنه يضعف أيضا بأنه إن أراد منه نفي التواتر على الإطلاق - ولعله
الأظهر - فلا يخفى ما فيه.

(1) أنظر: رجال السيد بحر العلوم: 4 / 147.
(2) الفهرست: 88 رقم 369.
(3) الفهرست: 112 رقم 488.
(4) الفهرست: 144 رقم 612.
(4) الفهرست: 181 رقم 789.
413

وإن أراد نفي التواتر في الجملة، فهو جيد وجيه.
فالتحقيق، أن غاية ما يقتضيه التأمل والتتبع، تواتر كثير من هذه الكتب،
دون تواترها على الإطلاق ولا نفي تواترها كذلك.
وحينئذ فلابد من الحكم بعدم تواتر المشكوك فيه، قضية كفاية عدم الثبوت
في الحكم بالعدم في مقام العمل، إلا أن يدعي حصول الظن بالتواتر على
الإطلاق، نظرا إلى ظهور تواتر أغلب تلك الكتب، فالمشكوك محمول على
الأغلب والظن به حجة من باب حجية الظن المطلق، ولكنه محل الأشكال.
مما ذكرنا، ينصرح ضعف ما استدل على القول بعدم لزوم النقد على
الإطلاق.
تارة: بأن قول الصدوق والشيخ (روى فلان) خبر عدل يشمله ما دل على
حجية خبر العدل، وذكر الطرق في آخر الكتاب لا يصلح لصرفه عن ظاهره،
أعني: كونه عن علم عادي، لاحتمال أن يكون الغرض مجرد اتصال السند.
وبعبارة أخرى: ما دل على حجية خبر العدل أعم من أن يكون عن علم
يقيني لا يحتمل خلافه، أو عن علم عادي، أعني: الظن المعتمد.
وقول الصدوق والشيخ خبر، ظاهره أنه عن علم ولو كان عاديا، فيدخل
تحته، وذكر الطرق في آخر الكتاب لا يصلح لصرفه عن ظاهره، ولا يضر
ضعف الضعيف.
وأخرى: بأن إطباق المتأخرين قائم ظاهرا على أن رجال الطرق من
مشايخ الإجازة، وقد ثبت عدم احتياجهم إلى التوثيق، فيكون كل من رجال
الطرق من الثقات والعدول، ويشهد عليه ما اتفق من تزكية الشهيد الثاني في
الدراية لهم على سبيل العموم في بحث العدالة.
قال: (ويعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليهما، أو
414

بالاستفاضة، بأن يشتهر عدالته بين أهل النقل وغير هم من أهل العلم،
كمشايخنا السالفين من عصر الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله وما بعده إلى
زماننا هذا، فإنه لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص
على تزكية، ولا بينة على عدالة، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم
ورعهم، زيادة على العدالة.
وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك،
ككثير ممن سبق على هؤلاء وهم طرق الأحاديث المدونة غالبا) (1).
هذا كلامه، وأنت خبير بشمول هذه التزكية الوافية من مثل الشهيد من أهل
الدراية لمشايخ الكليني الذين هم عاصروه وأخذ هو عنهم بلا واسطة، وكذا
جميع طبقات مشايخ الشيخين الأخيرين، لحيلولتهم كلا بين العصرين.
وثالثة: بأن العلامة قد صحح طرق الشيخين إلى أرباب الكتب المشهورة مع
حيلولة رجال الطرق في البين، فإن ذلك يفيد وثاقة جميع رجال الطرق،
وعليه المدار، بناء على اعتبار تصحيح مثله.
ورابعة: بأن الكليني روى في باب صفة الوضوء ما صورته: (علي بن
إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة وبكير، أنهما سئلا
أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بطست أو تور فيه ماء،
فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة - إلى آخر الحديث البياني -) (2).
وقد ذكر الشيخ هذا الحديث بطوله في التهذيب (3).

(1) الرعاية في علم الدراية: 192.
(2) الكافي: 3 / 25 ح 5.
(3) التهذيب: 1 / 56 ح 7.
415

لكنه فرقه في مواضع، وذكر في كل موضع حكما يناسب الموضع، فرواه
في أربعة مواضع:
فروى بعضها عند الكلام في عدم جواز الأقبال في غسل اليدين بهذا السند:
(أخبرني الشيخ، عن أحمد، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد، عن عثمان عن ابن
أذينة، عن بكير وزرارة، ابني أعين) (1).
وبعضها عند الكلام في مسح الرجلين بهذا السند: (أخبرني الشيخ، عن
أحمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي
عمير، عن ابن أذينة، عن بكير وزرارة ابني أعين) (2).
وبعضها عند الكلام في كفاية المرة في غسل الوجه واليدين بهذا السند:
(أخبرني الشيخ، عن أبي القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم،
عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة وبكير) (3).
وبعضها عند الكلام في كفاية الأصبع في مسح الرأس والرجل بهذا السند:
(أخبرني الشيخ، عن أحمد، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسين، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة
وبكير ابني أعين) (4).
فهذا من أوضح الشواهد على أن أخبار التهذيب والاستبصار مأخوذة من
الكتب والوسائط من مشايخ الإجازة.
قال الوالد المحقق: وتحرير هذا المقال، أن الشيخ كثيرا ما فرق المتن

(1) التهذيب: 1 / 56 ح 158.
(2) التهذيب: 1 / 76 ح 191.
(3) التهذيب: 1 / 81 ح 211.
(4) التهذيب: 1 / 90 ح 237.
416

الواحد المروي في الكافي المشتمل على أحكام، على الأحكام ورواها
بأسانيد مختلفة مشتركة في الراوي عن المعصوم عليه السلام، أو مع الراوي عن
الراوي مثلا، فالوسائط المتوسطة بين الشيخ والقدر المشترك بين الأسانيد،
من باب مشايخ الإجازة، والقطعات مأخوذة من كتاب القدر المشترك.
وإن قلت: إنه يحتمل أن يكون اختلاف الأسانيد إلى القدر المشترك من
جهة تفريق الرواية من القدر المشترك على قطعات بأن رواها القدر المشترك
تارة بتمامها لبعض، وأخرى روى قطعاتها لابعاض.
قلت: إن تفريق الرواية على القطعات بعيد، حيث إن التفريق من أصله
غير معهود، وإن وقع من بعض أرباب جمع الأخبار، ولا سيما مع وجود القدر
المشترك بين أحكام القطعات، كما في المورد المذكور، لكون القطعات في
الوضوء البياني.
نعم، ذكر طرق الإجازة على وجه الاختلاف بالنسبة إلى القطعات بعيد
أيضا، مع فرض كون الطرق، طرق مجموع كتاب القدر المشترك، لكن مناسبة
الأبواب للقطعات يوجب ظهور كون اختلاف الأسانيد من جهة اختلاف طرق
الإجازة، لا تفريق الرواية. (انتهى).
ويضعف حديث تصحيح العلامة، بأن مقتضى صريح كلام العلامة، اختلاف
حال رجال الطرق وأنهم بين مجاهيل وغيرهم، وأنه جرى على تصحيح طرق
الشيخين فيما لم يكن رجال الطرق من المجاهيل، فكيف يصح الحكم بوثاقة
رجال الطرق على الإطلاق.
قال في الفائدة الثامنة في آخر الخلاصة: (نحن نذكر في هذه الفائدة على
سبيل الأجمال، صحة طرقهما إلى كل واحد ممن يوثق به، أو يحسن حاله، أو
وثق وإن كان في الطريق من لم يحضرنا معرفة حاله من جرح أو تعديل،
417

تركناه أيضا. كل ذلك على سبيل الأجمال) (1). (انتهى).
وأما الاستدلال الأخير، فيضعف - مضافا إلى ما في التفرقة بين تفريق
الرواية من الرواة وبين تفريقها من المشايخ محل الأشكال - أن غاية
ما يقتضيه، أن الشيخ كان يأخذ من كتب المشايخ ولا كلام فيه.
وأما اقتضاؤه لوقوع الأخذ من خصوص صدور المذكورين كما هو
المبحوث عنه، فغير ظاهر، كما هو ظاهر.
بقي أنه ربما يتردد الخبر بين كونه مذكور الطريق وعدمه، كما يتفق كثيرا
من الصدوق في روايته عمن ذكر الطريق إليهم، الرواية بطريق الأرسال،
كقوله: (روى عن إسحاق بن عمار) (2)، فإن ظاهره الأرسال، مع أنه مذكور
في الطريق والمشيخة، فهل يبنى على الأرسال أو الأسناد؟
استظهر الوالد المحقق، عن المحقق الشيخ محمد، القول بالأول. قال:
(وظاهره مصير والده المحقق إليه).
وربما استظهر عن المولى التقي المجلسي وسلطاننا، القول بالثاني، كما هو
مقتضى ما صنعه صاحب المدارك (3)، حيث أنه حكم بأن ما ذكر في الفقيه، في
باب أحكام السهو في الصلاة: (أنه روى عن إسحاق بن عمار) من باب
الموثق وعن الفاضل الاسترآبادي (4) التوقف (5).

(1) رجال العلامة: 275.
(2) كما في الفقيه: 1 / 351 ح 1025، 2 / 221 ح 2234، 2 / 388 ح 2781،
2 / 462 ح 2974، 3 / 198 ح 3749 و....
(3) مدارك الأحكام: 4 / 283.
(4) منهج المقال: 52.
(5) رسالة في لزوم نقد المشيخة لوالد المؤلف: 85، التنبيه التاسع والخمسين.
418

والظاهر أن نظر الأولين إلى أن الظاهر من قوله في ذكر الطرق: (وما رويته
عن فلان)، الرواية بالطريق المعلوم، لا المرسل الذي هو المجهول، لفرض
الجهل بالواسطة، بناء على الأرسال.
وما أجاب عنه الوالد المحقق، بأن عبارات القدماء غير مناسبة الحال، فمن
المحتمل من العبارة المذكورة، إرادة مطلق الرواية لا يخلو من المرية.
كما أن الظاهر أن مستند الآخرين، إلى أن الظاهر من مثل الصدوق في مثل
الفقيه، التحرز عن ذكر الأخبار المرسلة التي لا اعتبار بها، فإذا دار الأمر بين
كون الخبر من باب المرسل الغير المعتبر، أو المسند المعتبر، فالظاهر هو
المعتبر، نظرا إلى ملاحظة حال الصدوق وما ذكر في فاتحة خصوص هذا
الكتاب ولتوقف تصادم الوجهين وتعارض النظرين، ولعله الأوجه في البين.
ونظيره أنه ربما يرسل الكليني ويروي الشيخ عمن روى عنه الكليني، مع
ثبوت الطريق عن المروي عنه، فيحتمل كونه من باب الأرسال، لظهور
المتابعة، وكونه من باب الأسناد، لذكر الطريق.
ولعل الأظهر، الأول، نظرا إلى الغلبة، بل نفى الأشكال فيه الوالد المحقق بعد
استظهاره.
ومنه ما رواه في الكافي (1) والتهذيب (2) عند الكلام في السعي بين
الصفا المروة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، فإن رواية الكليني عنه
من باب الأرسال قطعا.

(1) الكافي: 4 / 437 ح 2.
(2) التهذيب: 5 / 155 ح 512.
419

والظاهر أن رواية الشيخ عنه أيضا من باب المتابعة، ولكن يهون الخطب
في خصوص المقام رواية الصدوق الخبر المذكور بطريق صحيح، كما هو
المصرح به في كلام بعض الأجلة.
420

الباب الثالث
في أقسام الخبر
ينقسم الخبر:
تارة: باعتبار صفة الراوي.
وأخرى: باعتباره.
وثالثة: باعتبار المروي عنه.
أما الأول: فالمشهور بين متأخري الأصحاب من زمان العلامة، على
أقسام أربعة:
421

الأول: (الصحيح)
وقد عرفه الشهيد في الذكرى، بما اتصلت روايته إلى المعصوم عليهم السلام بعدل
إمامي (1).
واعترض عليه في شرح الدراية بأن الاتصال بالعدل المذكور، لا يستلزم
أن يكون في جميع الطبقات بحسب إطلاق اللفظ، وإن كان ذلك مرادا (2).
واعترض عليهما في المنتقى:
أولا: بأن قيد العدالة مغن عن التقييد بالإمامي، لأن فاسد المذهب لا يتصف
بالعدالة حقيقة.
كيف والعدالة حقيقة عرفية في معنى معروف لا يجامع فساد العقيدة،
وادعاء والدي رحمه الله في بعض كتبه، توقف صدق وصف الفسق بفعل المعاصي
المخصوصة على اعتقاد الفاعل كونها معصية، عجيب.
وكان البناء في تخيل الحاجة إلى هذا القيد على تلك الدعوى، والبرهان
الواضح قائم على خلافها.
ولم أقف للشهيد على ما يقتضي موافقة الوالد عليها، ليكون التفاته أيضا
إليها، فلا ندري على أي اعتبار نظر.

(1) الذكرى: 4.
(2) الرعاية في علم الدراية: 78.
422

وثانيا: بأن الضبط، شرط في قبول خبر الواحد، فلا وجه لعدم التعرض له
في التعريف وقد ذكره العامة في تعريفهم وما ذكره الوالد، في وجه عدم الذكر:
من أن اعتبار العدالة يغني عن ذكره، لأن العدل لا يجازف برواية ما ليس
بمضبوط على الوجه المعتبر.
فذكره تأكيدا وجرى على عادة القوم في التزامهم بذكره في شروط قبول
خبر الواحد، منظور فيه، فإن منع العدالة من المجازفة التي ذكرها لا ريب فيه،
وليس المطلوب بشرط الضبط، الأمن منها، بل المقصود السلامة عن غلبة
السهو والغفلة المقتضية لوقوع الخلل على سبيل الخطأ.
وحينئذ فلابد من ذكره، غاية الأمر أن القدر المعتبر يتفاوت بالنظر إلى
أنواع الرواية، فما يعتبر في الرواية من الكتاب قليل، بالنسبة إلى ما يعتبر في
الرواية من الحفظ كما هو واضح.
أقول: وفي المضمار أنظار:
الأول: إن ما ذكره (من أن الاتصال بالعدل لا يستلزم...)، ظاهره صدق
الاتصال. ولو فرض العدل المذكور في أي جزء من أجزاء السند، كما مر، هو
ظاهر تقرير الإيراد في المنتقى، بأن إطلاق الاتصال بالعدل، يتناول الحاصل
في بعض الطبقات، ومن الظاهر خلافه.
إذ الاتصال، إما بالاتصال الكلي بالعدل المذكور، أو بالاتصال الجزئي به.
والثاني، إما في خصوص الجزء الأخير، أو غيره.
لا إشكال في صدق الاتصال المذكور في الأول، كما لا إشكال في أنه
المراد من هذا المقال، ويمكن دعوى الصدق في الثاني.
وأما دعوى الصدق في الثالث، كما هو ظاهر الإطلاق، فمجازفة ظاهرة،
فإنها ترجيح بلا مرجح لفرض اشتمال السند على كل من العدل الأمامي
423

وغيره، كما هو المفروض.
وبعد تركب شئ من أمرين لا وجه لتوصيفه بأحدهما خاصة، بل هو
ترجيح المرجوح على الراجح في المقام، لفرض غلبة غير العدل الأمامي على
العدل الأمامي كثيرا.
الثاني: إن ما ذكره من الأغناء المذكور، نظرا إلى التعليل المزبور، مورد
الوهن والفتور.
وبيان ذلك المرام مع بسط في المقام:
إنه قد اختلف في اجتماع العدالة مع سوء المذهب وعدمه، على قولين.
القول بالعدم، كما هو مقتضى ما اشتهر مما نقله فخر المحققين عن والده
العلامة على ما نقله الشهيد الثاني في تعليقات الخلاصة عند الكلام في أبان:
(من أنه لا فسق أعظم من عدم الأيمان) (1).
وكذا ما ذكره السيد الداماد في الراشحة السادسة والعشرين من الرواشح:
(من أن الفسق شريطة وجوب التثبت، وأعظم الفسوق عدم الأيمان) (2).
وهو المصرح به، في كلام المحدث البحراني الشيخ سليمان في المعراج (3).
وأصر فيه العلامة الفقيه النجفي في الجواهر (2) وهو مقتضى الاعتراض

(1) تعليقة الشهيد على الخلاصة: 3.
(2) الرواشح السماوية: 115، الراشحة السادسة والثلاثون. قوله (السادسة والعشرين)
من سهو قلمه الشريف.
(3) قال في ترجمة أبان: (ولا موجب لعدالته بعد ظهور فساد عقيدته الذي هو أعظم
أنواع الفسق، إن لم يكن كفرا). معراج أهل الكمال: 20.
(4) جواهر الكلام: 41 / 19. فيه: (وأي فسق أعظم من فساد العقيدة).
424

المذكور من المنتقى (1).
والقول بالاجتماع كما جرى عليه الشهيد في المسالك، فإنه نظر في
الاستدلال بقوله تعالى: (ان جائكم فاسق...) لاثبات اشتراط الإسلام في
الشاهد، بأن الفسق أنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة، مع العلم بكونها
معصية، أما مع عدمه، بل مع اعتقاد أنه طاعة، بل من أمهات الطاعات، فلا.
والأمر في المخالف للحق في الاعتقاد كذلك، لأنه لا يعتقد المعصية، بل
يزعم أن اعتقاده من أهم الطاعات، سواء كان اعتقاده صادرا عن نظر، أم
تقليد - إلى أن قال: والعامة مع اشتراطهم العدالة في الشاهد، يقبلون شهادة
المخالف لهم في الأصول، ما لم يبلغ خلافه إلى حد الكفر، أو يخالف اعتقاده
دليلا قطعيا بحيث يكون اعتقاده ناشئا من محض التقصير.
قال: والحق أن العدالة تتحقق في جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها
بحسب اعتقادهم ويحتاج في إخراج بعض الأفراد إلى دليل (2). (انتهى).
وتبعه شيخنا البهائي في الزبدة، حيث أنه قال:
إنا نمنع صدق الفاسق على المخطئ في بعض الأصول، بعد بذل مجهوده

(1) استغرب جدنا السيد العلامة رحمه الله ما سمعه عن بعض الأعاظم، من عدم إمكان أن
يعتقد أحد عدالته، موردا عليه بأن العدالة عبارة عن الحالة النفسانية المعهودة. ولا شبهة في
أن اطلاع شخص بعدالته، أسهل من اطلاعه على عدالة غيره، واطلاع الغير على عدالته،
لأن الإنسان على نفسه بصيرة.
قال: وتوهم استلزام اعتقاد شخص عدالته، للاعتقاد بكونه ايمنا عن سخط الله تعالى
فاسد، لوضوح أن الأمن من سخطه تعالى من المعاصي الكبيرة، وهو إنما يكون عدلا إذا
لم يكن ايمنا. منه قدس سره.
(2) المسالك: 2 / 321.
425

ونص الأصحاب على توثيقه، ولو جامع التفسيق لارتفع الوثوق بعدالة أكثر
الموثقين من أصحابنا.
وتبعهما المحدث الكاشاني في المفاتيح نقلا (1).
وهو خيرة جدنا العلامة في الإشارات، كما جرى عليه جدنا السيد العلامة
في بعض رسائله الرجالية.
وصرح به الوالد المحقق في بعض تحقيقاته، استظهارا من العلامة الطوسي
في التجريد، واستدلالا له بعدم أخذ الإمامية من أحد من أصحابنا ممن عرف
العدالة، وباشتراك العدالة في الذكر بين الخاصة والعامة في الفقه والأصول.
وعرفها الحاجبيان بما مرجعه إلى أنها ملكة نفسانية توجب الاجتناب عن
الكبائر، والاصرار عن الصغائر وخلاف المروة.
وهذا تعريف المشهور من الخاصة للعدالة، والظاهر وحدة الاصطلاح
بتسليم كون الموثق ما كان سنده عدل غير امامي، بل تعريفه بما دخل في
طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته.
إذ الظاهر كونه مبنيا على دلالة (ثقة) على العدالة، كما عليه بناؤهم فضلا
عن أن الشهيد الثاني حكم في الدراية بافتراق الصحيح والموثق في خصوص
المذهب، واشتراكهما في الوثاقة (2).
وبقول أرباب الرجال في ترجمة غير الأمامي، كثيرا (ثقة إلا أنه

(1) مفاتيح الشرايع: 3 / 278. فيه: (لأن غير المؤمن، فاسق وظالم، لاعتقاده الفاسد
الذي هو من أكبر الكبائر).
(2) الرعاية في علم الدراية: 84.
426

فطحي) (1) مثلا بناء على دلالة (ثقة) على العدالة كما هو المشهور، لاقتضاء
الاستثناء عموم المستثنى منه للمستثنى، وباشتراط الأيمان من غير من ندر،
ظاهرا في موارد اشتراط العدالة متأيدا بما في رواية البزنطي عن
أبي الحسن عليه السلام: (طلاق السنة أن يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن
يغشيها، بشاهدين عدلين، كما قال الله تعالى في كتابه.
قلت: أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق، أ يكون طلاقا؟
فقال: كل من ولد على الفطرة، أجيزت شهادته على الطلاق، بعد أن تعرف
منه خيرا) (2).
وكذا رواية عبد الله بن المغيرة: (قال: قلت للرضا - عليه آلاف التحية
والثناء -: رجل طلق امرأته وشهد شاهدين ناصبيين؟
قال: كل من ولد على الفطرة، وعرف بالصلاح في نفسه، جازت
شهادته) (3). (انتهى ملخصا).
وفي الكل نظر.
أما الأول: فلامكان أن يقال: إن الظاهر من فحاوي كلماتهم، اعتبار
الإمامية أيضا، مضافا إلى اعتبار الملكة المذكورة في تحقق العدالة.
ويشهد عليه، أنه لا ريب في أن العدالة المعرفة في كلماتهم بما عرفوا به:
العدالة التي يترتب عليه الأحكام الشرعية، من جواز الاقتداء، ونفوذ الحكم،

(1) كما في ترجمة عبد الله بن بكير: (أنه فطحي المذهب إلا أنه ثقة). الفهرست: 106
رقم 452. وكذا في ترجمة إسحاق بن عمار: (من أنه كان فطحيا إلا أنه ثقة). الفهرست: 15
رقم 52. وقريب منه في ترجمة أحمد بن الحسن بن فضال. الفهرست: 24 رقم 62.
(2) التهذيب: 8 / 49 ح 712.
(3) التهذيب: 6 / 284 ح 188.
427

وقبول الشهادة، وجواز التقليد وغيرها. ومن الظاهر، اشتراط الأحكام
المذكورة بالامامية.
وبوجه آخر، إنه لما كان مورد كلماتهم في بيان الأحكام للإماميين،
فالظاهر منها اشتراطها فيها، ومن ثم أن المستدل المحقق المذكور بعد استدلاله
بما ذكر، اعترف بانصراف التعريف إلى الأمامي.
وأما الثاني: فلأن الظهور المزبور بعد ما عرفت ممنوع، بل نقول: إن الظاهر
عدم اكتفاء العامة في تحقق العدالة بمجرد الملكة المذكورة، بل يشترطون في
تحققها عدم الاتصاف بالرفض، كما يشهد عليه ما حكاه في المعراج (1) عن
الذهبي - ذهب الله تعالى بنوره - في كتابه ميزان الاعتدال: أنه ذكر في حال
أبان بن تغلب: (أنه شيعي، جيد، صدوق، قبلنا صدقه وعليه بدعة، وكان غاليا
في التشيع) (2).
فلقائل أن يقول: كيف ساغ له أن يبدع، وحد الثقة العدالة، وكيف يكون
عدلا من هو صاحب بدعة.
وجوابه: أن البدعة على ضربين:
فبدعة صغرى، كغلو التشيع، أو التشيع بلا غلو وهذا كثير في التابعين.
وبدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والطعن على أبي بكر وعمر
(؟؟؟) والدعاء إلى ذلك، فهذا لا يحتج بهم، ولا كرامة فيه). (انتهى). فلا مجال
لوحدة الاصطلاح.
وأما الثالث: ففيه أن التسليم المذكور ممنوع، فإنا لم نقف على من أخذ

(1) معراج أهل الكمال: 10.
(2) ميزان الاعتدال: 1 / 5 رقم 2.
428

العدالة في تعريف الموثق، ولا بأس بأن نذكر شطرا من عبائرهم في تعاريفهم.
فقد ذكر الشهيد في الدراية: (بما دخل في طريقه من نص الأصحاب على
توثيقه مع فساد عقيدته، ولم يشتمل باقيه على ضعف) (1).
وذكر في المعالم: (الموثق هو ما دخل في طريقه من ليس بإمامي، لكنه
منصوص على توثيقه بين الأصحاب ولم يشتمل باقي الطريق على ضعف من
جهة أخرى) (2).
وذكر السيد الداماد في الرواشح: (الموثق، هو ما دخل في طريقه، فاسد
العقيدة المنصوص على توثيقه) (3).
وذكر شيخنا البهائي في المشرق: (إن كان جميع سلسلة السند، كلا أو بعضا
غير إماميين مع توثيق الكل، فموثق) (4).
وعلى هذا المنوال حال سائر العبائر.
وأما الرابع: ففيه أولا: إن كثرة وقوع الاستثناء المذكور في التراجم
ممنوعة، كما لا يخفى على المتتبع، بل لم نقف عليه إلا في ترجمة عبد الله بن
بكير، فإنه ذكر الشيخ في الفهرست: (أنه فطحي المذهب إلا أنه ثقة) (5).
وثانيا: إن الظاهر أن الاستثناء فيه، ليس من باب الاستثناء عن العموم
المتحقق، بل من باب العموم المتوهم، ويشهد عليه ما ذكره الشيخ في الفهرست

(1) الرعاية في علم الدراية: 84.
(2) معالم الأصول: 249.
(3) الرواشح السماوية: 41.
(4) مشرق الشمسين: 26.
(5) الفهرست: 106 رقم 452.
429

أيضا في ترجمة إسحاق بن عمار: (من أنه كان فطحيا إلا أنه ثقة) (1).
وقريب منه ما فيه في ترجمة أحمد بن الحسن بن فضال: (من أنه كان
فطحيا، غير أنه ثقة في الحديث) (2).
وأما الخامس: ففيه - مضافا إلى ما في اللمعة، في باب صلاة الجمعة وكذا
في باب القضاء من الاكتفاء باشتراط العدالة، وتوجيه الشارح في الباب الثاني
لعدم اشتراط الأيمان بدخوله في العدالة - إنه يمكن أن يكون من باب الغفلة،
أو تكثر انفكاك الأيمان عن العدالة.
وأما الأخيران، فلأنه ربما يلوح من سياق الجواب، العدول عن جواب
خصوص السؤال، بل ربما جزم به فيما حكي عنه من أنهما محمولتان بشهادة
العدول، عن جواب السؤال على التعبير بما هو جامع بين التقية والحق الذي
لا يزالون يستعملونه.
وصرح به أيضا في الجواهر، فإنه قال: إن من المعلوم عدم إرادته بذلك،
بيان قبول شهادة الناصب الذي هو كافر بلا خلاف وبلا إشكال، بل قوله (كل
من ولد على فطرة الإسلام...) كالصريح في إرادة الشيعة ولو بضميمة
قولهم عليهم السلام على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا (3).
هذا، وأما ما ذكره الشهيد من عدم انصراف الفاسق إليهم، وتحقق العدالة
فيهم، فتحرير كلامه: أن التأمل في الإطلاقات العرفية، يكشف عن أن الحكم
المعلق على أمثال الفاسق والشارب وغيرهما، من أمثلة اسم الفاعل، بل وكذا

(1) الفهرست: 15 رقم 52.
(2) الفهرست: 24 رقم 62.
(3) جواهر الكلام: 41 / 17.
430

الماضي والمضارع، إنما يتيقن ثبوته لها إذا اجتمع أمور خمسة:
أحدها: تحقق قصد الفعل، فلو وقع الفعل ساهيا أو خاطئا، فلا ينصرف إليه
اللفظ، فلو قيل مثلا: يجب لشارب الخمر حد الثمانين، فالظاهر منه عند
العرف، ثبوت الحكم إذا تحقق منه الشرب على وجه التعمد دون السهو والخطأ
وأما ثبوت الدية في قتل الخطأ، فهو من باب الثبوت بالدليل الخارج.
ثانيها: وقوع العمل بالجوارح على طبق النية، فلا يكفي في المثال المذكور
مجرد القصد بدون العمل على طبقه.
وثالثها: موافقة اعتماده في موضوع العمل مع الواقع، فلو فرض اتفاق
شرب الخمر من أحد باعتقاد كونه خلا، انصراف الحكم إليه محل الأشكال.
ورابعها: موافقة اعتقاده في حكم العمل مع الواقع، فلو فرض اتفاق الشرب
من أحد باعتقاد كونه طاعة وثوابا، فالانصراف محل الأشكال بلا إشكال.
وأوضح منه، ما لو اعتقد الجواز، كما لو اعتقد شربه للمرض فشربه بهذا
الاعتقاد، فوجوب الحد بناء على عدم الجواز لا يخلو عن الأشكال.
وخامسها: وقوع العمل بتوسط إرادة اختيارية، فلا يشمل صورة الإجبار
والاكراه.
وإذا ظهر ذلك، فشمول الفاسق للمخالفين ومن يحذو حذوهم واعتقد أن
عمله محض الطاعة وطاعة محضة، لا يخلو من شوب شبهة ومرية (1).
وهذا كلام جيد متين وإن تكثر التشنيع عليه من المتأخرين.
وأما ما أورد عليه المولى المقدس الأردبيلي رحمه الله بانيا على عدم الاجتماع،
مع كمال الأصرار، استنادا إلى ما ورد من الأخبار في حق المخالفين من

(1) راجع: المسالك: 2 / 321.
431

مذمتهم وتوصيفهم بالضلال (1)، وما ورد من أن من لم يعرف إمام زمانه مات
ميتة الجاهلية (2).
ومن ورد في حقه أمثال هذه الأحاديث، كيف لا يكون فاسقا، وإلى أنه
يلزم على ما ذكره، عدم فسق كل من اعتقد أن ما يفعله ليس بحرام، فلا يكون
فاسقا بقتل الأنبياء والأئمة - صلوات الله تعالى عليهم - والشرب والزنا وأنواع
المعاصي، بل عدم عصيان الكفار، وهو ظاهر.
هذا، مع قطع النظر عن الأولين وأن متابعة الكفار في الدين، فيلزم كونهم مع
ذلك معذورين في عداوتهم مع الله ورسوله وأهل بيته.
وبالجملة، مفاسد هذا القول كثيرة، وقد بالغ في ذلك ولا ينبغي صدور مثله
عن مثله (3).
فيضعف بأن غاية ما يظهر من الشهيد، عدم صحة الاستدلال بخصوص
الآية للمدعى، نظرا إلى ثبوت الفسق لهم، وذلك لا ينافي عدم الالتزام
بالمفاسد المذكورة لدليل خارج، بل مقتضى صريح صدر كلامه عدم قبول
شهادتهم مطلقا، فضلا عن غيرها، كما يشهد عليه ما ذكر من أن ظاهر
الأصحاب الاتفاق على اشتراط الأيمان في الشاهد، وينبغي أن يكون
هو الحجة.
ثم نقل عن المحقق، الاستدلال عليه بأنه فاسق وظالم من حيث اعتقاده

(1) الكافي: 1 / 180، باب معرفة الأمام والرد إليه و 1 / 374، باب فيمن دان الله
عز وجل بغير إمام من الله.
(2) الكافي: 1 / 376، باب من مات وليس له إمام.
(3) راجع: مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 302.
432

الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر.
ثم نظر في الاستدلال بما تقدم ونحوه سياق كلامه فيما ذكر المحقق: من أن
كل مخالف في شئ من العقائد ترد شهادته، سواء استند ذلك إلى التقليد أو
الاجتهاد فإنه ذكر بعد ذلك: المراد بالأصول التي ترد شهادة المخالف فيها،
أصول مسائل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.
وأما فروعها من المعاني والأحوال وغيرهما، من فروع علم الكلام
فلا يقدح الاختلاف فيها.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما أورد عليه في الجواهر، بمثل ما تقدم مبالغا فيه
من أنه من غرائب الكلام المخالف لظاهر الشريعة وباطنها، إذ من ضرورة
المذهب عدم المعذورية في أصول الدين التي منها الإمامة، بل ما حكاه من
العامة لا يوافق ما ذكره، ضرورة المخالفة في الغرض، للدليل القطعي الناشئ
عن تقصير، ومن الغريب دعوى معذورية الناشئ اعتقاده عن تقليد.
وبالجملة، لا يستأهل هذا الكلام ردا، إذ هو مخالف لأصول الشيعة (1).
(انتهى).
وربما جرى في الرياض على استحسان مسلك المسالك، إن اختير
الرجوع في بيان معنى الظلم والفسق إلى العرف، استنادا إلى أن المتبادر منهما
مدخلية الاعتقاد في مفهومهما.
قال: وأما إن اختير الرجوع إلى اللغة، فمنظور فيه، لعدم مدخلية الاعتقاد
فيهما جدا (2).

(1) جواهر الكلام: 41 / 18.
(2) رياض المسائل: 2 / 426.
433

أقول: الظاهر أن مستنده في منع المدخلية بحسب اللغة، إطلاق ما ذكر
في اللغة في معنى الفسق، من أنه الخروج عن الشئ، كما قال في القاموس:
الفسق - بالكسر - الترك لأمر الله تعالى، والخروج عن طريق الحق، أو الفجور
كالفجور... وإنه لفسق خروج عن الحق، وفسق: جار وعن أمر ربه خرج،
والرطبة عن قشرها خرجت، كانفسقت، قيل: ومنه الفاسق، لانسلاخه عن
الخير... والفويسقة: الفأرة، لخروجها من جحرها (1). (انتهى).
ونحوه عبائر جماعة آخرين كصاحب المجمع (2) والبيضاوي (3)
وكنز العرفان (4) وزبدة البيان (5)، فإنهم قد صرحوا أيضا بأن الفسق: الخروج
عن طاعة الله كما في الأول، وعن الاستقامة بالفكر والعصيان كما في الثاني،
وعن الشئ كما في الثالث، وعن الطاعة كما في الأخير.
ومنه استدلال السيد النبيل، ولده الجليل بجملة من الكلمات المذكورة (6).
ويمكن الأشكال فيه، بعدم الاطمينان بكلماتهم في أمثال المقام، نظرا إلى
أن بيان معاني الألفاظ تارة: من باب بيان المعاني التحقيقية.
وأخرى: من باب بيان المعاني التسامحية، والذي يظهر من التتبع والتأمل
في كلماتهم عدم جريان طريقتهم على بيان المعاني التحقيقية بمعنى بيان

(1) القاموس المحيط: 3 / 285، مادة (فسق).
(2) مجمع البيان: 1 / 66. في تفسير قوله تعالى: (وما يضل به إلا الفاسقون). البقرة، 26.
(3) تفسير البيضاوي: 1 / 74.
(4) كنز العرفان: 384.
(5) زبدة البيان: 690.
(6) المراد هو السيد محمد الطباطبائي المعروف بالسيد المجاهد المتوفى: 1242 ابن صاحب
الرياض. راجع: مفاتيح الأصول: 362 عند البحث في: اشتراط الأيمان في الراوي.
434

معاني الألفاظ بحقائقها وتشريح مداليلها بدقائقها، فإن بناءهم في جل
الأوقات، بل كلها على توضيح المعاني بمجرد الألفاظ المألوفة والكلمات
المعروفة.
ونحن نذكر لك مثالين في المقام ليكون أنموذجا ودليلا على المرام:
أحدهما: إنه ذكر الفاضل الراغب في المفردات في معنى الأناء: (إنه ما يوضع
فيه الشئ) (1).
وقال الفيومي في المصباح: (الاناء والانية: الوعاء والأوعية لفظا
ومعنى) (2).
وما ذكر جماعة منهم معنى له، بل أحالوه على العرف كما قال في الصحاح:
(الأناء معروف، وجمعه آنية) (3).
وصنع مثله في القاموس (4) والمجمع (5) ولقد استراحوا في الحوالة
المذكورة عن تعب التحقيق وأما ما ذكره الراغب وصاحب المصباح في بيان
المعنى، فمن الظاهر أنه ليس من باب المعنى التحقيقي، لظهور أن معنى الأناء
ليس مطلق ما يوضع فيه الشئ، ولا مطلق ما يطلق عليه الوعاء.
ومن هنا أن العلامة النجفي، كاشف الغطاء تدقيقا للمقام بعد ما ذكر، من أن
تفسير الآنية بالظرف والوعاء والأواني بالظروف والأوعية تفسير بالأعم كما
هي عادة أهل اللغة من التفسير بالأعم والحوالة إلى العرف في تحقيق المعنى،

(1) مفردات ألفاظ القرآن: 29.
(2) المصباح المنير: 28. فيه: وزنا ومعنى.
(3) الصحاح: 6 / 2274.
(4) القاموس المحيط: 4 / 302، مادة (أنى).
(5) مجمع البحرين: 1 / 36.
435

استظهر أنها عبارة عما جمعت فيه أمور:
أحدها: الظرفية.
ثانيها: أن يكون المظروف معرضا للرفع والوضع، فما كان وضعه على
الوضع دون الرفع، كموضع فص الخاتم وقاب الساعة ونحوهما ليس منها.
ثالثها: أن تكون موضوعة على صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند
أهله، من أكل، وشرب، أو طبخ، أو غسل، ونحوها، فليس الغليان ولا رأسها
ولا رأس الشطب ونحوها منها.
رابعها: أن يكون لها أسفل يمسك ما يوضع فيها وحواشي كذلك، فما خلى
عن ذلك، كالقناديل ونحوها، لم يكن منها (1).
ولكن، كما أن الكلامين من اللغويين محل الكلام، كذا كلام الكاشف مورد
النقض والابرام.
أما الأول: فلأنه إن أريد منه خصوص الموضوع لما يوضع فيه الشئ،
فلا يشمل الموضوع لما يصب فيه، فيلزم خروج ظروف المياه كالكوز
وظروف الچاهي (2).
وإن أريد منه الأعم من الموضوع وغيره، فيلزم دخول مثل الحياض إذا
وضع فيها الشئ، ولا سيما في صورة الخلو عن الماء.
وأما الثاني: فلظهور صدق الوعاء على المصوغ من الفضة وغيرها للدعاء مثلا مع صدق الأناء (3) بلا امتراء، ومنه اختيار القول بالجواز فيه من السيد

(1) كشف الغطاء: 184.
(2) كذا بقلم المؤلف قدس سره والصحيح: الشاي.
(3) كذا بخط المؤلف. والظاهر أن الصحيح: (مع عدم صدق الأناء).
436

السند النجفي في قوله:
وجاز في الفضة ما كان وعاء * لمثل تعويذ وحرز ودعاء
بل صدقه على القلب.
ومنه قول يعسوب الدين - صلوات الله تعالى عليه -: (إن هذه القلوب
أوعية فخيرها أوعاها) (1). ومن الظاهر عدم إطلاق الأناء عليه.
وأما الثالث: فللاستغناء عن اعتبار الشرط الأول بعد اعتبار الشروط
الثلاثة الباقية بلا إشكال، لتحقق الشرطية بعد تحقق الثلاثة، كما أن الظاهر
الاستغناء عن الثاني والرابع بعد اعتبار الثالث، لظهور أن بعد فرض كون الشئ
موضوعا لما يعتاد استعماله عند أهل البيت، من أكل، وشرب، وطبخ، وغيرها
فلا محالة يكون المظروف موضوعا للرفع والوضع كليهما، وكذا يكون
صاحب الحواشي والأسفل، فيمسك بها ما فيها مع أن الثالث خارج عن بيان
حقيقة الشئ بماهيته، وهو المنظور في المقام، بل بيان بالأمر الخارج.
نعم، إنه لا بأس بغيره من تلك الجهة، مضافا إلى أنه كان عليه اعتبار أن
يكون من غير جنس القطن والجلد، لخروج مثل الكيس والدلو، وإلا لزم
تسليم صدق الأناء عليهما، مع أن من الظاهر عدمه.
ثم إنه ربما يقال إنه يعتبر في إطلاق الأناء أن يكون ظرفا للماء خاصة،
استنادا إلى كلام بعض اللغويين وبعض الإطلاقات.
ويندفع بما وقع من إطلاقه على غيره في الأخبار وكلام الأخيار، ففي
الصحيح كما في الرياض: (لا تأكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة) (2).

(1) نهج البلاغة: قصار الحكم رقم 147 والبحار: 1 / 189.
(2) رياض المسائل: 1 / 96.
437

وفي رواية داود بن سرحان: (لا تأكل في آنية الذهب والفضة) (1).
وأما الفرق بين الإناء والآنية، فسفسطة ظاهرة، وقال المحقق في الشرايع:
(لا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب وفضة) (2).
وفي النافع: (يحرم أواني الذهب والفضة في الأكل وغيره) (3).
وقال العلامة في الإرشاد: (يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل
وغيره) (4).
وفي المدارك: (لا يحرم المأكول والمشروب في أواني الذهب والفضة) (5).
وذكر بعينه في الذخيرة (6)، بل الظاهر أن نظائرهما غير عزيزة.
وثانيهما (7): إنه ذكر في الصحاح في معنى التكبر: (التكبر: التعظم) (8).
وفي القاموس: (تكبر: واستكبر) (9).
وفي المجمع: (استكبر الرجل: رفع نفسه فوق مقدارها، والاستكبار طلب
الترفع وترك الاذعان للحق، ومنه قوله تعالى: (استكبروا استكبارا) (10).

(1) الكافي: 6 / 267 ح 1.
(2) الشرايع: 1 / 44.
(3) المختصر النافع: 20.
(4) إرشاد الأذهان: 240.
(5) مدارك الأحكام: 2 / 379.
(6) ذخيرة الأحكام: 173.
(7) عطف على قوله: ونحن نذكر لك مثالين في المقام ليكون أنموذجا ودليلا على المرام.
أحدهما....
(8) الصحاح: 2 / 802، مادة (كبر).
(9) القاموس المحيط: 2 / 128.
(10) مجمع البحرين: 3 / 465، مادة (كبر).
438

فإنك خبير بأن هذه الكلمات غير وافية لبيان حقيقة التكبر، بحيث يمكن
الحكم بدوران الحكم الشرعي مثلا مدار تلك المعاني.
وربما تصدى الغزالي في الأحياء لبيان حقيقة الحال، وأطال فيها المقال،
وملخصه: (هو أن يرى الإنسان لنفسه مرتبة، وكذا لغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة
نفسه فوق مرتبة غيره.
قال: فعند هذه الاعتقادات الثلاثة، يحصل فيه خلق الكبر، لا أن هذه الرؤية
هي الكبر، بل هذه الروية وهذه العقيدة تنفخ فيه، فيحصل في قلبه اعتداد
وفرح وركون إلى ما اعتقده، وعز في نفسه بسبب ذلك) (1).
وهو وإن دقق النظر وأتى بالأمور الثلاثة المذكورة، إلا أنها غير وافية لبيان
حقيقة الحال أيضا، بل كان عليه اعتبار أمرين آخرين:
أحدهما: إيقاع العمل بالجوارح على طبق هذه الاعتقادات، وإلا فلو فرض
تحققها ولم يعمل على طبقها، أو جاهد نفسه وعمل بخلافها، فلا ريب في عدم
تحقق التكبر.
وثانيهما: إيقاع العمل المذكور في غير موضعه، بأن ترفع نفسه وطلب
ترفعها في موضع لا ينبغي له ذلك، وذلك: كما في خطائه في أصل هذه
الاعتقادات، بأن اعتقد الترفع على شخص مع عدم تفوقه عليه في الواقع، أو
خطائه في اعتقاده بوصول تفوقه إلى هذه المرتبة المقتضية لطلب الترفع بهذه
المرتبة.
والدليل على اعتبار هذا الأمر، ما نشاهد من وقوع الاعتقادات الثلاثة
المذكورة مع العمل بالجوارح بحسبها من الأكابر، بالإضافة إلى الأصاغر مع

(1) إحياء العلوم: 3 / 323، باب في بيان حقيقة الكبر وآفته.
439

عدم اندراج شئ منها في عنوان التكبر، وعدم ترتب شئ من الذم عليها.
فإذن قد اعتبر في التكبر ما عرفت من الأمور الخمسة، بل لعله يمكن
بالتأمل زيادة أمور أخر مع أنه قد اكتفى اللغويون في معناه بما عرفت.
وبالجملة، فلا اطمينان بصحة كلماتهم في خصوص أمثال تلك الدقائق،
فلا اطمينان بعدم مداخلة الاعتقاد في مدلول الفسق مع أنه يمكن أن يقال: إن
ظاهر ما ذكروا في معناه من الخروج أو التجاوز، هو الخروج والتجاوز
باعتقاد كونه خارجا ومتجاوزا، وإلا فصدق الخروج والتجاوز في عمل
المعتقد عدم خطائه وخروجه محل الأشكال.
وأما ما أورد في الجواهر عليه، (بأن التدبر في كلام الشهيد يقتضي نفيه
المعصية، وليس مبني كلامه على نفي إطلاق اسم الفسق والظلم عليهما، وإلا
فلا وجه للنظر بناء على ما ذكره، ضرورة تقدم المعنى العرفي على اللغوي.
نعم، المتجه منع صدق الفاسق على المخالف في العقيدة، والفرض عدم
معذوريته في الاعتقاد المزبور الذي دخل به في قسم الكافرين، فضلا عن
الفاسقين والظالمين، وأي فسق أعظم من فساد العقيدة التي لم يعذر
صاحبها) (1)، يندفع بأن الظاهر أن التدبر في كلامه يقضي بخلاف ما ذكره، فإن
الظاهر أن مبني كلامه هو نفي الإطلاق، دون نفي المعصية، مضافا إلى أن
ما يظهر من تسليمه لعدم مداخلة الاعتقاد في مفهومهما بحسب اللغة، يضعف
بما عرفت.
هذا، ولقد طال المقال، ومع ذلك بقي في البال ما لم يذكر لضيق المجال
وعدم اقتضاء الحال.

(1) جواهر الكلام: 41 / 19.
440

الثالث: (1) إن ما ذكر في وجه اشتراط الضبط، من أن المقصود: السلامة عن
غلبة السهو والغفلة...، يضعف بأن العدالة كما تمنع عن رواية ما ليس بمضبوط
على الوجه المعتبر، كذا يمنع عن الرواية إذا علم من نفسه عدم ضبطها وغلبة
سهوها على ذكرها.
بل ربما يقال: إن مراد الشهيد (2) خصوص ذلك، فلا يتجه الاعتراض.
وأما ما ذكره شيخنا البهائي رحمه الله موردا عليه بأن لقائل أن يقول: إنه إذا كثر
سهوه فربما يسهو عن أنه كثير السهو فيروي.
ففيه، إنه مبني على فرض تحقق غلبة السهو كما لا يخفى، وبه يخرج عن
مورد تعريف من مضى بما مضى. فليتأمل.
ولقد أصر في الاشتراط شيخنا المشار إليه، قال: والحق عدم إغناء العدالة
عن الضبط، ونعم ما قاله العلامة من أنه من أعظم الشرائط، فإن غير الضابط
ينقص في السند والمتن تارة، ويزيد أخرى، ويبدل ثالثة.
فإن قلت: فكيف يصح الحكم بصحة السند بمجرد التوثيق من غير نص على
الضبط.
قلت: مرادهم بقولهم (فلان ثقة) أنه عدل، ضابط، لأن لفظة (الثقة) من
الوثوق، ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره، أو يغلب سهوه على ذكره، وهذا

(1) لا يخفى أن المراد: الثالث من أنظار المضمار التي تقدم ذكر أولها وثانيها، بعد ذكر
تعريف الصحيح. (منه قدس سره).
(2) راجع: الرعاية في علم الدراية: 185.
441

هو السر في عدولهم عن قولهم (عدل) إلى قولهم (ثقة) (1). (انتهى ملخصا).
وفيه مضافا إلى ما تقدم إن ما ذكره من أن مرادهم بقولهم (فلان ثقة) العدل
الضابط، إن أريد منه أنه من باب تطرق الاصطلاح، كما يشهد عليه صدر
الكلام فعليه بإثبات ذلك المرام.
وإن أريد أنه من باب دلالة اللفظ والاشتقاق، كما يشهد عليه الذيل.
ففيه، إنه كثيرا ما، يتحقق الوثاقة مع عدم إحراز العدالة ولا سيما بناء على
القول باعتبار الملكة، مع أن ما ذكر في السر في العدول، يضعف بأن الظاهر أن
السر فيه أن غرضهم لما كان في ذكر رواة الحديث وقبول مقتضيات روايتهم
وردها، ولما كانت العمدة في القبول وعدمه، وثاقة الراوي وعدمها، ومن ثم
ما اشتهر من أن المدار في قبول الروايات وردها عند القدماء على الظن
بالصدور وعدمه، فلهذا مضافا إلى سهولة إحراز الوثاقة بالإضافة إلى إحراز
العدالة، وقع منهم التوثيق دون التعديل.
والظاهر أن الوجه في التصحيح بمجرد التوثيق بواسطة إحراز الضبط
بواسطة الغلبة في غلبة الذكر على السهو في الإنسان، فإن الغلبة المذكورة هي
الحالة الغالبة، ومنه الحكم بالحسن مع اطراد إشكاله وعدم كفاية جوابه.
ثم إنه ربما يطلق الصحيح في كلمات متأخرينا على غير هذا الاصطلاح
كما صرح به غير واحد من الأصحاب (2). وقد تقدم تفصيل الكلام في هذا
المرام.

(1) مشرق الشمسين: 37.
(2) راجع: الرعاية: 79.
442

الثاني: (الموثق)
وقد عرفه في البداية: بما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه
مع فساد عقيدته، ولم يشتمل باقيه على ضعف (1).
أقول: إن التوثيق تارة: من غير الأمامي، للامامي.
ومنه ما وقع من علي بن الحسن بن فضال، لمحمد بن إسماعيل بن بزيع (2)
وغيره (3).
ومن ابن عقدة، لحسن بن علوان (4) وغيره (5) ومن غيرهما لغيرهما.
وأخرى: من غير الأمامي لغير الأمامي. ومنه توثيق ابن حجر، لابن نمير
وغيره.
والظاهر أن التقييد في الحد بتنصيص الأصحاب على التوثيق، للاحتراز
عن تنصيص غير الأصحاب عليه.

(1) الدراية: 23.
(2) رجال النجاشي: 33 رقم 893.
(3) كما في جميل بن دراج. رجال النجاشي: 126 رقم 328، داود بن فرقد. رجال
النجاشي: 158 رقم 418 و....
(4) تنقيح المقال: 1 / 289 رقم 2617.
(5) كما في داود بن زربي أبو سليمان. رجال النجاشي: 160 رقم 424، زياد بن أبي غياث.
رجال النجاشي: 172 رقم 452، سعيد بن عبد الرحمن. رجال النجاشي: 181 رقم 477 و....
443

ومنه يظهر عدم اعتبار توثيق غيرهم عنده، ويظهر من التتبع في كلمات
الأصحاب اختلافهم في هذا الباب على أقوال:
القول بالاعتبار، كما هو الظاهر من المحقق والعلامة وغيرهما
في استضعافهم أبان بن عثمان بأنه من الناووسية (1).
فإن الظاهر أن مستند تضعيفهم ما نقله الكشي: عن محمد بن مسعود عن ابن
فضال أنه كان من الناووسية (2)، ولا مستند له غيره.
وأما ما ذكره ابن داود من أنه ذكر أصحابنا أنه كان ناووسيا (3)، فمحمول
على الاشتباه، لو أريد منه الحكم به على سبيل الاستقلال.
كما أن ما احتمله المحقق القمي رحمه الله من إمكان اطلاع العلامة في الحكم
بالناووسية على جهة أخرى، غير وجيه.
وأوضح منه ما عنه في المختلف، عند الكلام في تحريم مس كتابة القرآن
على المحدث، فإنه ذكر بعد الاحتجاج برواية أبي بصير: (إن هذا الحديث وإن

(1) وقال العلامة: فالأقرب عندي، قبول روايته وإن كان فاسد المذهب. الخلاصة: 21
رقم 3. وقال في المنتهى في كفارة من أتى امرأته وهي حائض: (في طريقها أبان بن عثمان وفيه
قول). منتهى المطلب: 1 / 116، وفي النفساء: (أبان بن عثمان وهو ضعيف). المصدر: 1 / 120
وفيما يبطل به الصلاة: (في طريقها أبان بن عثمان فلا تعويل على روايته). المصدر: 1 / 296 وفي
باب المستحقين للزكاة: (وفي طريقها أبان بن عثمان وهو ضعيف) المصدر: 1 / 523.
وقال المحقق في باب الاستنجاء: (وفي طريقها أبان بن عثمان وهو ضعيف). المعتبر: 1 / 125
وكذا في باب الاستحاضة: 1 / 245 وفي باب المستحقين للزكاة: 2 / 580.
(2) رجال الكشي: 352 رقم 660.
(3) رجال ابن داود: 30 رقم 6.
444

كان في طريقه الحسين بن مختار، وهو واقفي إلا أن ابن عقدة وثقه) (1).
وجرى على هذا القول، العلامة البهبهاني (2) والسيد السند النجفي (3).
والقول بعدم الاعتبار كما هو الظاهر من شيخنا البهائي في المشرق، حيث
أنه اعترض على ثاني كلام العلامة، بأن الاعتماد في توثيق واقفي، على
ما حكاه زيدي عن فطحي (4)، لا يخفى ضعفه. فتأمل.
وهو الظاهر من صاحب المدارك عند الكلام في كراهة ائتمام الحاضر
بالمسافر، فإنه بعد ما ذكر رواية من فضل بن عبد الملك، قال: (وهذه الرواية
معتبرة الأسناد، إذ ليس في طريقها مطعون فيه سوى داود بن الحصين، وقد
وثقه النجاشي، لكن قال الشيخ وابن عقدة: إنه كان واقفيا ولا يبعد أن يكون
الأصل في هذا الطعن من الشيخ، كلام ابن عقدة وهو غير ملتفت إليه لنص
الشيخ والنجاشي على أنه كان زيديا جاروديا، وأنه مات على ذلك (5) ويظهر
القول به من جماعة.
والقول بالتفصيل بين التوثيق، فالأول والجرح فالثاني كما ربما يحكى عن
شيخنا البهائي رحمه الله في بعض تحقيقاته.
والأظهر هو الأول، نظرا إلى وجود المقتضي وفقدان المانع.
أما الأول: فلقوله تعالى: (ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا) (6) فإن الظاهر أن

(1) مختلف الشيعة: 1 / 26.
(2) تعليقة الوحيد على منهج المقال: 116.
(3) رجال السيد بحر العلوم: 2 / 306.
(4) مشرق الشمسين: 49.
(5) مدارك الأحكام: 4 / 365.
(6) الحجرات: 6.
445

التبين أعم من استكشاف الحال، أو الفحص عن صدق المقال، ولا يختص
بالثاني على الأظهر وإن حكم الوالد المحقق رحمه الله بالاختصاص، نظرا إلى ظهور
الأمر بالتبين بملاحظة المورد في الفحص عن صدق المقال.
ويضعف، بأن مقتضى صريح التعليل للتبين بعدم وقوع إصابة القوم
بالجهالة، أن الأمر بالتبين من باب الطريقية المحضة الكاشفة عن الواقع من
دون ملاحظة الخصوصية، فإذا فرض تحقق الطريقية في الاستكشاف عن
الحال، فلا وجه للتخصيص بالفحص عن المقال، والمفروض ثبوت تحقق
الطريقية لتوقفه على ثبوت الوثوق ونحوه، المتوقف على ثبوت وثاقته
بالتوثيق المفروض في المقام ثبوته من موثق موثق، كالنجاشي ونحوه، مضافا
إلى استقرار طريقة العقلاء في العمل بما يثقون به.
وأما الثاني: فلأن الظاهر أنه لا مانع في المقام إلا الاستناد بأمور من أن
المعتبر في العمل بأخبار المخبرين، الأيمان والإسلام لما يدل عليه كما هو
المفضل في محله وأن الجرح والتعديل من باب الشهادة ومن شرطها: الأيمان،
وأن المعتبر في قبول خبر الفاسق، الفحص عن صدق مقاله الذي لا يتمكن في
أمثال المقام.
والكل منظور فيه، لما حققنا ضعف الأول على الوجه المبسوط في محله
ونحوه الثاني والثالث بما تقدم.
ومما ذكرنا ظهر مستند القول الثاني مع الجواب.
وأما التفصيل: فالظاهر أن المستند أنه إذا وثق غير الأمامي الا أمامي المعاند
له، فالمظنون بالظن المتاخم للعلم هو صدقه في مقاله.
ومن هنا ما اشتهر: (من أن الفضل ما شهدت به الأعداء).
وهذا بخلاف جرحه له فإنه ربما يكون منشؤه مجرد المعاندة.
446

ويضعف، بأن الكلام إنما هو في الموثق الموثق، دون الموثق المطلق،
ونحوه الكلام في الجارح، فلا مجال لتخيل هذا القادح.
هذا، قوله: (على فساد عقيدته) لا يخفى شموله لخبر المنكر للألوهية، أو
النبوة مع استقرار الاصطلاح على عدم تسمية خبرهم بالموثق، ولذا ذكر في
شرح البداية: (إن اتفاق أئمة الحديث والأصول على اشتراط إسلام الراوي،
حال روايته، وإن لم يكن مسلما فلا يقبل روايته، وإن علم من دينه التحرز عن
الكذب) (1).
فالأولى الزيادة في الإمامة.
قوله: (ولم يشتمل باقيه على ضعف) وجه التقييد ظاهر، فإنه لو اشتمل
طريق الموثق على بعض رجال الضعفاء، فيسمى بالضعيف، لظهور أن النتيجة
لأخس المقدمتين تابعة.
ولكن لا يخفى أن الظاهر منه، عدم الاشتمال على خصوص الضعيف مع
انسحاب الحكم في الاشتمال على المجهول أيضا. فتأمل.

(1) الرعاية في علم الدراية: 181.
447

الثالث: (الحسن)
عرفه في بداية الدراية: (بما اتصل سنده إلى المعصوم عليه السلام بإمامي ممدوح،
من غير نص على عدالته، مع تحقق ذلك في جميع مراتبه، أو في بعضها، مع
كون الباقي من رجال الصحيح) (1).
ولو قال: ما كان سنده كلا ممدوحا بغير التوثيق، أو بعضا إذا كان الباقي
منصوصا به، لكان أولى.
وأورد الوالد المحقق على تعاريف القوم: بأن كثيرا ما، من الأمور يوجب
حسن الحديث واعتبار القول والظن بصدق الراوي، مع عدم صدق المدح
عليه، سواء كان من باب اللفظ أو غيره.
أما الأول: فهو نحو الترحم والاسترضاء، كما في الحسين بن إدريس،
حيث إنه حكى المولي التقي المجلسي رحمه الله أن الصدوق ترحم عليه أزيد من
ألف مرة) (1)، ونحوه غيره.
وأما الثاني: فهو نحو كون الراوي وكيلا لأحد من الأئمة عليهم السلام، أو كونه ممن
يترك بروايته رواية الثقة، أو تؤول، محتجا بروايته مرجحة على رواية الثقة،
أو يخصص بروايته الكتاب، أو كونه كثير الرواية، أو رواية الثقة عنه، أو

(1) الرعاية في علم الدراية: 81.
(2) روضة المتقين: 14 / 66.
448

الأجلاء، أو كون رواياته كلا أو جلا مقبولة، أو ذكر النجاشي أو الشيخ في
الفهرست مثلا طريقا إلى كتابه أو رواياته.
قال: فالأحسن جعل المدار في الحسن على كون بعض رجال السند
موصوفا بالحسن، وبعبارة أخرى: موصوفا ببعض أسباب اعتبار القول.
قلت: إن كثيرا من الأمور المذكورة مما يستكشف منه كون الراوي موصوفا
بالوثاقة، أو في غاية الوثاقة. فحينئذ يدخل خبرهم في الصحيح.
ثم إنه ذكر في البداية: (إنه قد يطلق الحسن على ما اتصف بعضه بما ذكر،
إن لم يكن الباقي منصوصا بالوثاقة).
قال الشارح: (ومن هذا القسم حكم العلامة وغيره بكون طريق الفقيه إلى
منذر بن جيفر حسنا (1) مع أنهم لم يذكروا حال منذر بمدح ولا قدح.
ومثله طريقه إلى إدريس بن زيد (2).
وأن طريقه إلى سماعه بن مهران، حسن (3)، مع أن سماعة واقفي.
وإن كان ثقة فيكون من الموثق، لكنه حسن بهذا المعنى، وقد ذكر جماعة
من الفقهاء أن رواية زرارة - في مفسد الحج إذا قضاه أن الأولى حجة الإسلام -
من الحسن، مع أنها مقطوعة) (4).
وفيه، أولا: إنه ذكر في الفهرست (إن منذر بن جيفر العبدي، له كتاب روى
عنه صفوان) (5).

(1) الخلاصة: 280.
(2) الخلاصة: 281.
(3) الخلاصة: 277.
(4) الرعاية في علم الدراية: 82.
(5) الفهرست: 170 رقم 745.
449

وذكر النجاشي: (له كتاب روى عنه إسماعيل بن مهران) (1).
وفي ثبوت الكتاب له ورواية صفوان وابن مهران كفاية في عد خبره
والطريق المشتمل عليه، من الحسان، فإن كلا منهما من المصرحين بوثاقتهم
في كلام ثلة من الأعيان.
وثانيا: إنه وصف الصدوق، إدريس المذكور، بكونه صاحب الرضا - عليه
آلاف التحية والثناء - وحكم بأن كتابه معتمد (2)، وما ذكر يكفي في الاتصاف
في الباب بلا شوب شبهة وارتياب، ولذا ذكر المولى التقي المجلسي: أنه يجعل
الخبر حسنا (3) وسيجئ إن شاء الله تعالى ما يؤيده.
وثالثا: إن عد طريق سماعة من الحسان، يمكن أن يكون من باب تقديم
الموثقات عليها.
هذا، وما يظهر منه الترديد في وثاقته ليس بالوجه، بل قد كرر النجاشي
في الترجمة، التصريح بالوثاقة (4).

(1) رجال النجاشي: 418 رقم 1119.
(2) كذا نقله المجلسي في روضة المتقين: 14 / 48. أما عده الصدوق من أصحاب
الرضا عليه السلام فقد ذكره في المشيخة في طريقه إلى إدريس بن زيد. وأما حكمه بأن كتابه معتمد
فعلى ما ذكره في مقدمة الفقيه: (وجميع ما فيه، مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول
وإليها المرجع).
(3) روضة المتقين: 14 / 48.
(4) رجال النجاشي: 193 رقم 517.
450

الرابع: (القوي)
وهو في لسان ثلة من الأواخر، كصاحب الرياض، وجدنا العلامة
وغيرهما، عبارة عما كان كل واحد من رجال السند، أو بعضه، غير امامي
ممدوح، في قبال الحسن.
وكان على مؤسسي الأقسام المعروفة زيادة هذا القسم أيضا، لظهور أن
الحصر فيها غير حاصر.
وذكر الشهيد في البداية تارة: أنه يطلق على الموثق. وأخرى: على
ما يروي الأمامي الغير الممدوح ولا المذموم.
قال الشارح: كنوح بن دراج، وناحية بن عمارة الصيداوي، وأحمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري وغيرهم). (انتهى) (1).
ولا يخلو ما ذكره من الكلام. وعد العلامة غير واحد من الطرق من القوي،
كطريق الصدوق إلى عبد الكريم بن عتبة، والحسين بن حماد، وحميد بن
المثنى، وسعيد بن عبد الله الأعرج، وغيرهم (2).
والظاهر أن عبد الكريم، سهو عن عبد الملك، فإنه المذكور في الطريق

(1) الرعاية في علم الدراية: 84.
(2) الخلاصة: 281.
451

دونه (1).
ثم إنه ذكر الوالد المحقق رحمه الله أن الظاهر لعله عموم الاصطلاح في الحسن
والقوي، لما لو كان الراوي ممدوحا بأدنى درجات المدح مما لا يفيد الظن
بصدق الراوي وصدور الخبر، نحو (له كتاب) كما يتفق في التراجم كثيرا، بل
(فاضل) كما ذكر في ترجمة علي بن محمد بن قتيبة (2) وغيره (3) أو (ما رأيت
أفضل منه) (4) كما في القاسم بن محمد، بل صريح بعض يقتضي عموم
الاصطلاح في الحسن لما ذكر إلا أن الحق التفصيل في الحجية بالحجية، فيما
لو كان المدح بما يوجب الظن بالصدق والصدور وعدم الحجية في غيره.
وهو جيد، بناء على دوران الحجية مدار الظن دون الوثوق والاطمينان،
كما هو الظاهر.

(1) قوله (سهو) من سهو قلمه الشريف حيث أن الصدوق قدس سره ذكر الطريق إلى
عبد الكريم بن عتبة كما ذكر الطريق إلى عبد الملك بن عتبة. راجع: الفقيه: 4 / 459 و 488.
كذا نقل الرواية عن عبد الكريم بن عتبة كما في الفقيه: 1 / 335 ح 980 وعبد الملك بن
عتبة كما في الفقيه: 2 / 134 ح 1951، 252 ح 2333 و 436 ح 2902.
(2) رجال النجاشي: 259 رقم 678.
(3) كما في محمد بن عبد الله. رجال النجاشي: 36 رقم 72. وعلي بن محمد العدوي
الشمشاطي. المصدر: 263 رقم 689 وأحمد بن إبراهيم المعروف بعلان الكليني. رجال
الطوسي: 438 وجعفر بن محمد بن مسعود. المصدر: 459 و....
(4) ما وجدت هذه العبارة في الكتب الرجالية على ما فحصت، يمكن أن يكون مراده
محمد القاسم بن محمد بن أبي بكر، حيث نقل المامقاني عن يحيى بن سعيد، بأنه قال: ما رأينا
من يتفضل عليه. راجع تنقيح المقال: 2 / 23 رقم 9597.
نعم قد روى الكشي عن محمد بن مسعود بأنه قال: فما رأيت فيمن لقيت بالعراق وناحية
خراسان أفقه ولا أفضل من علي بن الحسن بالكوفة. رجال الكشي: 530 رقم 1014.
452

ثم إن الظاهر تقديم الموثق على الحسن، فضلا عن القوي، فإن المدار
في قبول الخبر على الوثوق، وهو متحقق في الموثق، بخلافه في أخويه، بل
لا مجال لعنوان التعارض حينئذ.
نعم، لو فرض تحقق الوثوق من المدح في الحسن، فهو يقدم على الموثق،
فضلا عن القوي لرجحانه عليه بالمزية الكاملة، أعني جهة الإمامية إلا أن
الظاهر اندراجه حينئذ في الصحاح، فإن الظاهر من كلماتهم أن المدار
في المدح المأخوذ في تعريف الحسن، المدح الغير البالغ حد الوثوق، ويقدم
الحسن على القوي، لتساويهما في جهة المدح ورجحان الأول من الجهة
المذكورة.
وأما الصحيح فيقدم على الجميع لتقدمه على الموثق من الجهة المذكورة.
وقد عرفت تقدم الموثق على أخويه.
هذا بناء على الترجيح بالظن الضعيف، ومجرد الأقربية إلى الواقع، وإن
لم يحصل الظن به، كما جزم به بعض الأصحاب مستدلا عليه بوجوه، وإن
كانت الوجوه غير ناهضة.
ومن هنا ما جزم بعض الأجلة (1) من أهل العصر بابتناء الترجيح على
المرجح الظني قادحا في الوجوه المذكورة (2).
واختلف كلام الوالد المحقق رحمه الله في المدار في خصوص المقام.
فربما جرى تارة: على ما ينصرح من كلامه على الأول وأطال المقال
في المقدم.

(1) هو الفاضل المدقق البارع، صاحب البدايع (منه رحمه الله).
(2) راجع: بدايع الأفكار: 431.
453

وسلك تارة: مسلك الثاني وحكم بتقدم ذي الجهة المذكورة هذا ومن تلك
الأقسام المذكورة الضعيف.
والمراد به ظاهر، إلا أنه قد يكون من باب ثبوت الضعف بأحد من الأمور
القادحة.
وأخرى: من باب عدم ثبوت الاعتبار، وهو تارة: من جهة عدم ثبوت أصل
الموضوع أعني نفس الراوي رأسا، كما هو الحال في المهملين أي: غير
المذكورين في الكتب الرجالية، ويقع ذلك كثيرا.
وأخرى: من جهة عدم ثبوت الوصف بعد ثبوت الموضوع، كما هو الحال
في المجاهيل.
وأما باعتبار الرواية، فله أقسام أيضا.
المسند، والمتصل، ونحوه المعنعن، والمرفوع، والمعلق، والعالي الأسناد،
والمقطوع، والموضوع، والمعلل، والمدرج.
ولا نطيل فيها بذكر المقال، لضيق الوقت والمجال، ولكن نقول: إنه ينبغي أن
يعد من ذلك، أقسام أخر غير مذكورة في كلماتهم.
454

أقسام أخر للحديث غير مذكور في كلماتهم
الأول: (المبدل)
وهو تارة: من المبدل الحرفي. وأخرى: من المبدل الاسمي.
أما الأول: فكما يقع كثيرا تبديل بعض الحروف بالآخر، كما وقع تبديل
(واو) العطف ب‍ (عن)، كما يتفق في كثير من الطرق، تعدد الرواة للحديث
في بعض الطبقات، فيعطف بعضهم على بعض بالواو.
وحيث إن الغالب في الطرق وهو الوحدة، وقوع كلمة (عن) في الكتابة بين
أسماء الرجال، فمع الأعجال يسبق إلى الذهن ما هو الغالب، فتوضع كلمة
(عن) في الكتابة موضع (واو) العطف، كما نبه عليه في بداية المنتقى.
قال: وقد رأيت في نسخة التهذيب التي عندي بخط الشيخ رحمه الله عدة مواضع
سبق فيها القلم إلى إثبات كلمة (عن) في موضع الواو، ثم وصل بين طرفي
العين وجعلها على صورتها واوا، والتبس ذلك على بعض النساخ فكتبها
بالصورة الأصلية في بعض مواضع الاصلاح، وفشا ذلك في النسخ المتجددة.
فلابد من استفراغ الوسع في ملاحظة أمثال هذا وعدم القناعة بظواهر الأمور.
قال: ومن المواضع التي اتفق فيها هذا الغلط مكررا: (رواية الشيخ عن سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران،
455

وعلي بن حديد والحسين بن سعيد) (1).
فقد وقع بخط الشيخ رحمه الله في عدة مواضع منها إبدال أحد واوي العطف،
بكلمة (عن)، مع أن ذلك ليس بموقع شك أو احتمال، لكثرة تكرر هذا الاسناد
في كتب الحديث والرجال (2). (انتهى).
ومن العجيب ما أورده عليه بعض المتأخرين (3) من منع القطع على السهو،
نظرا إلى أنا لم نجد قلم الشيخ ينقل الأسانيد ويضيف إليها شيئا يسيرا وهو
ما بينه وبين الكتاب المنقول عنه، فليس ما يدعون عليه من السهو نوع غلط
في الاجتهاد، بل من سبق القلم إلى ما يريد الكاتب، فلا راد له غير مخالفة
العادة، ولكن صاحب المنتقى رحمه الله فتح للناس بابا ما تبعوه، وزادوا عليه.
ومما نقل في المنتقى أنه وقف على سند التهذيب بخط الشيخ، فوجده غير
أسانيد كثيرة، وفي كثير منها كتب (عن) بدل الواو، وبالعكس.
فلا أدري كيف قطع - رفع الله درجته - على أن هذا التغيير كان بقلم الشيخ،
ولعل آخر مثلك من المجتهدين قطع على كون ذلك غلطا فغيره.
ففيه - مضافا إلى ضعف المنع من القطع على السهو ومنع ثبوت عدم وقوع
ما ذكره - أن مقتضى كلامه تسلم الابتناء على وقوع السهو من الشيخ، ومن
الظاهر عدم اختصاص مورد السهو بما ذكره وجريانه فيما منعه.
كيف وإن السهو في سقوط سطر أو أقل وأكثر، غير عزيز، على أن مقتضى
صريح كلام صاحب المنتقى رحمه الله مجرد دعوى وقوع السهو من الشيخ من دون

(1) التهذيب: 2 / 67 ح 13.
(2) منتقى الجمان: 1 / 25. الفائدة الثالثة.
(3) هو السيد السند، السيد صدر الدين في تعليقاته على المنتهى. (منه رحمه الله).
456

دعوى وقوع غلط في الاجتهاد، فما ادعاه هو عين مدعاه، فأي كلام يرد
عليه، وأي وهن يتجه إليه، حتى عبر بما عبر. والعجب من بعض المعاصرين
في ارتضائه بكلامه.
وكيف كان، إنه وقد نبه على وقوع هذا الأبدال في غير مورد، كما ذكر
عند الكلام في صفة تغسيل الميت، بعد ذكر حديث عن التهذيب:
(بالأسناد عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن علي بن حديد، عن
عبد الرحمن بن أبي نجران، والحسين بن سعيد، عن حماد عن حريز) (1).
إلى أن قال: إن رواية علي بن حديد عن أبي نجران، في إسناد هذا الخبر،
أحد المواضع التي وقع السهو فيها بوضع كلمة (عن) في موضع (واو)
العطف (2).
وذكر عند الكلام في كيفية الصلاة على الأموات، بعد ذكر حديث عن
الكافي: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن
الحلبي، عن زرارة) (3).
إلى أن قال: رواية الحلبي في طريق هذا الخبر عن زرارة، من سهو
الناسخين بغير شك وسيأتي في هذا الباب أسناد مثله، وفيه: (عن الحلبي
وزرارة) وهو الصواب (4) وربما اتفق التبديل بعكس المذكور.
ومنه ما ذكر فيه في باب حرمة الحرم بعد ذكر حديث عن التهذيب: (عن

(1) التهذيب: 1 / 302 ح 47.
(2) منتقى الجمان: 1 / 245.
(3) الكافي: 3 / 183 ح 2.
(4) منتقى الجمان: 1 / 273.
457

موسى بن القاسم، عن عبد الرحمن، وعلاء، عن محمد بن مسلم) (1).
هذا صورة الأسناد فيما يحضرني من نسخ التهذيب، ولا ريب أن عطف
(علاء) غلط، والصواب (عن علاء)، فإن (موسى) لا يروي عنه بغير واسطة،
وتوسط (عبد الرحمن) بينهما متكرر في الطريق بكثرة، فلا مجال للشك في
الحكم بحسب الواقع (2).
وأما الثاني (3): فقد وقع أيضا بكثير.
ومنه: ما ذكره فيه في أواخر كتاب الحج بعد ذكر حديث: (بالأسناد عن
محمد بن القاسم، عن أبان، عن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام...) (4).
من أن محل التصحيف فيه هو قوله: (محمد بن القاسم)، فإن كونه تصحيفا
لموسى بن القاسم، مما لا ريب فيه (5).
ونحوه ما وقع من تبديل (ابن سنان) ب‍ (ابن مسكان)، بل ذكر فيه بعد ذكر
حديث: (عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين
ابن سعيد، عن النضر بن سويد، عن ابن مسكان قال...) (6).
إن إثبات (ابن مسكان) مكان (عبد الله بن سنان)، غلط متكرر الوقوع
في كتابي الشيخ، وقد نبه عليه في غير موضع.

(1) التهذيب: 5 / 111 ح 34.
(2) منتقى الجمان: 2 / 37.
(3) أي المبدل الاسمي. والأول المبدل الحرفي وقد سبق في أول الفصل.
(4) التهذيب: 5 / 410 ح 1426.
(5) منتقى الجمان: 3 / 477.
(6) التهذيب: 1 / 108 ح 282.
458

ومنه: ما ذكر عند الكلام في صفة تغسيل الميت، بعد ذكر حديث: (عن
النضر، عن ابن مسكان، عن مولانا الصادق عليه السلام) (1).
اعلم أن المتكرر في الطرق، رواية النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان،
لا عبد الله بن مسكان، كما اتفق في إسناد هذا الخبر في الكافي (2)
والتهذيب (3) فيقوم فيه احتمال الغلط لوقوع مثله في غير مواضع.
ويشهد له أيضا قول الكشي: (روى إن عبد الله بن مسكان، لم يسمع عن
أبي عبد الله عليه السلام، إلا حديث من أدرك المشعر) (4). (انتهى) (5).
ولكن في الشهادة المذكورة نظر كما يعرف، وجملة من نظائره مما مر.
وربما وقع الأبدال المذكور في خصوص الاستبصار دون التهذيب، كما هو
الحال في بعض أخبار المواقيت، ونحوه أيضا ما وقع من تبديل (محمد بن
سالم) ب‍ (محمد بن سنان) (6).
كما روى في التهذيب في باب صلاة الأموات من الزيادات: (عن علي بن
الحسين، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن سنان، عن أحمد بن النضر، عن
عمرو بن شمر، عن جابر، عن مولانا أبي جعفر عليه السلام) (7).
وذلك: لأنه لا يساعد طبقة أحمد روايته عن محمد: إلا أن يكون عمره

(1) التهذيب: 1 / 308.
(2) الكافي: 3 / 139 ح 2.
(3) التهذيب: 1 / 108 ح 282.
(4) رجال الكشي: 382 رقم 716.
(5) منتقى الجمان: 1 / 244.
(6) الاستبصار: 1 / 471 ح 3.
(7) التهذيب: 3 / 325 ح 1012.
459

مائة سنة، وهو في غاية البعد.
وقع هذا السند بعينه برواية محمد بن سالم، في موضعين من هذا الباب قبل
السند المذكور، إلا أن في ثانيهما رواية عمرو عنه عليه السلام (1).
ووقع أيضا بعدة بفاصلة قليلة: (أبو علي الأشعري، عن محمد بن سالم،
عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن مولانا أبي
جعفر عليه السلام) (2).

(1) التهذيب: 3 / 317 ح 984 و 320 ح 995.
(2) التهذيب: 3 / 326 ح 1018.
460

الثاني: (المزيد فيه)
وهو حرفي أيضا تارة، واسمي أخرى.
أما الأول: فمثل ما وقع من كتابة الحسين بدل الحسن، بل ربما ينصرح من
المنتقى تكثر الزيادة المذكورة، كما ذكر في باب حكم من يبدو له الإفطار بعد
ذكر: (بالأسناد عن سعد، عن حمزة، عن البرقي، عن عبيد بن الحسن) أن
في النسخ التي تحضرني لكتابي الشيخ (عبيد بن الحسين) (1)، وهو تصحيف
شايع في كلمتي الحسن والحسين، بحيث يكفي في الجزم باصلاحه عند
الممارس أدنى قرينة، فكيف مع تعددها وقوتها، فإن المذكور في الرجال هو
عبيد بن الحسن (2) ولا يعرف في شئ من الطرق رواية لعبيد بن الحسين.
قال: والعلامة حكم بصحة الحديث في المختلف (3) وفرض كونه ابن

(1) التهذيب: 4 / 278 ح 841.
(2) راجع: إتقان المقال: 86، بهجة الآمال: 5 / 318، تنقيح المقال: 2 / 235، جامع
الرواة: 1 / 524، رجال ابن داود: 1 / 125 رقم 923، الخلاصة: 1 رقم 127، رجال النجاشي:
234 / 619، رجال المجلسي: 250 رقم 1140، طرائف المقال: 1 / 323 رقم 3347، معجم
رجال الحديث: 11 / 46 رقم 7391، منتهى المقال: 198، منهج المقال: 216، نقد الرجال:
213 رقم 6 وهداية المحدثين: 108.
(3) المختلف: 1 / 247، فيه (ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح).
461

الحسين، ينافي الصحة لجهالته (1).
وأما الثاني: فيقع كثيرا بتوسط ابدال (الواو) ب‍ (عن) ونادرا لغيره.
ومنه ما فيه في باب المواقيت، بعد ذكر حديث: (بالأسناد عن أحمد، عن
جعفر، عن حماد، عن محمد، عن عبيد الله الحلبي) (2). من أن المعروف
المتكرر رواية حماد بن عثمان عن عبيد الله الحلبي بغير واسطة، فتوسط
محمد بينهما، موضع نظر.

(1) المختلف: 1 / 247، فيه (ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح).
(2) التهذيب: 2 / 35 ح 108 والاستبصار: 1 / 272 ح 984.
462

الثالث: (المنقوص)
وينكشف النقصان تارة: بملاحظة الطبقات، كما ذكر فيه في باب مقدمات
الأحرام - بعد ذكر حديث: (عن موسى بن القاسم، عن معاوية بن وهب) (1) -:
(إن الممارسة تقتضي ثبوت الواسطة في رواية موسى عن معاوية، فيصير
الطريق منقطعا) (2).
ومراده بالممارسة رعاية الطبقة، كما ينصرح من كلامه الآخر.
وأخرى: بملاحظة الاستقراء، كما ذكر فيه، في باب كيفية الوضوء - بعد ذكر
حديث: (بالأسناد عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن زرارة) -:
(هكذا صورة السند في التهذيب (3)، وكأنه سقط منه سهوا، كلمتا (عن
حريز) بعد (حماد)، لأن ذلك هو المعهود الشايع في الطرق المتكررة) (4).
وكذا ما ذكر فيه، في باب صفة تغسيل الميت: (إن في أخبار هذا الباب
حديثا يوهم بظاهر إسناده، أنه من الصحيح الواضح، فإن الشيخ يرويه:
(بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن
مولانا أبي عبد الله عليه السلام) (5).

(1) التهذيب: 4 / 232 ح 57 و 5 / 64 ح 11 والاستبصار: 2 / 140 ح 4.
(2) منتقى الجمان: 3 / 148.
(3) التهذيب: 1 / 8 ح 11.
(4) منتقى الجمان: 1 / 146.
(5) التهذيب: 2 / 341 ح 266.
463

والممارسة تطلع على أنه منقطع، لأن الحجال لا يروي عنه عليه السلام
بغير واسطة (1).
ونحوه ما ذكر في الذخيرة، عند الكلام في أحكام اللباس - بعد ذكر خبر
عن علي بن جعفر -: (وإنما عددنا هذه الرواية من الصحاح، جريا على
المشهور، وقد يتوقف في ذلك بناء على أن الشيخ نقلها عن محمد بن علي بن
محبوب، عن العمركي، عن علي بن جعفر (2)، والشايع المتعارف هو وجود
الواسطة بين ابن محبوب والعمركي، فلا يبعد سقوط الواسطة سهوا، وهذا من
عادة الشيخ، والواسطة بينهما في الأكثر محمد بن أحمد العلوي، وهو مجهول،
فإذن الحديث معلل) (3).
وثالثة: بملاحظة كل من الوجهين المذكورين، كما ذكر فيه - بعد ذكر
حديث، بالأسناد عن موسى بن القاسم، عن جميل بن دراج (4) -: (هذا
الحديث منقطع الأسناد، لأن موسى بن القاسم يروي في الأسانيد المتكثرة،
عن جميل بن دراج بواسطة أو ثنتين، ورعاية الطبقات قاضية أيضا بثبوت
أصل الواسطة، وفي جملة من يتوسط بينهما: إبراهيم النخعي، وهو مجهول،
والعلامة مشى على طريقه في الأخذ بظاهر السند والأعراض عن إمعان النظر،
فجعل الحديث في المنتهى (5) من الصحيح) (6).

(1) لم نجده في الباب المذكور.
(2) التهذيب: 2 / 366 ح 1520.
(3) ذخيرة العباد: 223.
(4) التهذيب: 5 / 379 ح 1322.
(5) منتهى المطلب: 2 / 797.
(6) ذخيرة العباد: 596.
464

ورابعة: بملاحظة وقوع السند ومتنه بعينها في موضع آخر مشتملا على
النقصان المنكشف به وبغيره.
ومنه: ما ذكره فيه في باب القنوت - بعد ذكر حديث: (عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زرارة) (1) -: (إن في إسناد هذا الخبر غلطا
واضحا، لأن ابن أبي عمير إنما يروي عن زرارة بالواسطة، وقد مرت رواية
الحديث بعينه في صدر الباب، بطريق الشيخ وهو مشتمل على ابن أبي
عمير (2) وروايته لحديث زرارة بتوسط ابن أذينة، غالبا ما يكون هو الواسطة
بينهما، فالظاهر أنه هو المتروك في هذا الأسناد) (3).
هذا، وقد يجتمع في السند النقصان، أعني: الزيادة والنقصان، كما ذكر فيه
في باب أحكام السهو والشك - بعد ذكر خبر: (عن سعد بن عبد الله، عن ابن
أبي نجران، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة) (4) -:
(إن في هذا الخبر اجتماع غلطي النقصان والزيادة في إسناده، فإن سعدا
إنما يروي عن ابن أبي نجران، بواسطة أحمد بن محمد، وابن أبي نجران يروي
عن حماد بغير واسطة، كالحسين بن سعيد.
فكان حق الأسناد أن يكون هكذا: (عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي
نجران، والحسين بن سعيد عن حماد) (5).

(1) التهذيب: 3 / 198 / 4.
(2) التهذيب: 1 / 10 ح 16.
(3) منتقى الجمان: 2 / 56.
(4) التهذيب: 2 / 347 ح 1440. وليس في الرواية (عن زرارة).
(5) منتقى الجمان: 2 / 305.
465

الرابع: (المكرر)
وهو تارة في الأجزاء، ومنه ما روى في التهذيب في باب الأحداث
الموجبة للطهارات: (عن الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن
أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس، جميعا عن محمد بن
يحيى، عن يعقوب بن يزيد) (1).
ثم ذكر السند مع متنه بعينها بتكرر محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس
المذكورين (2).
وأخرى: في الجميع، ومنه ما روى في التهذيب في باب ميراث الإخوة
والأخوات: (عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، وعلي بن الحكم، عن
مثنى الخياط (3)، عن زرارة). ثم روى السند والمتن بعينهما (4).

(1) التهذيب: 1 / 26 ح 65.
(2) التهذيب: 1 / 33 ح 88.
(3) في المصدر (الحناط).
(4) التهذيب: 9 / 320 ح 1150 و 1151.
466

الخامس: (المعكوس)
كما روى الشيخ في التهذيب: (بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن
علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه علي بن يقطين).
ثم رواه أيضا: (بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن الحسين بن علي بن
يقطين، عن أخيه الحسن، عن أبيه علي بن يقطين) (1) وذكر المتن المتقدم
بعينه (2).
ولا يخفى ما فيما بين السندين من التعاكس كما ذكر في المنتقى أن المعهود
المتكرر ما وقع في الأسناد الأول، من رواية الحسن عن أخيه الحسين،
فعكسه في الثاني من سهو الناسخين.
قال: وربما ظهر من كتب الرجال تصويبه، لكنه ليس بمعروف في غير هذا
الأسناد مطلقا فيما أعلم مع كثرة التتبع (3).

(1) التهذيب: 1 / 371 ح 1136.
(2) التهذيب: 1 / 375 ح 1155.
(3) منتقى الجمان: 1 / 113.
467

وإلى هنا نختم المقال حامدا لله الملك المتعال المنعم على عباده الضعفاء
بأنواع نعم لا يحاط بها نطاق الاحصاء، ومصليا على أشرف الرسل وآله هداة
السبل. وقد فرغ منه العبد العاثر والمسكين الخاسر، ابن أبي المعالي ابن الحاج
محمد إبراهيم - عاملهم الله تعالى بفضله العميم - المدعو بأبي الهدى تارة،
وبكمال الدين أخرى، مع أنه بأبي الهوى وقاصر الدين أحرى، في الأرض
المباركة الميمونة الشهيرة بالغري، والنجف على ساكنها الألوف من التحية
والتحف، بعد ما وقع الفراغ من أصل البنيان في مدة مديدة قبل هذا الزمان
في بلدنا ومسقط رأسنا المعروف ب‍ (إصفهان) حامدا لنعماء ربه الجليل، مصليا
على أشرف المبعوثين لهداية السبيل وآله الذين هم شهداء دار الفناء وشفعاء
دار البقاء، وكان الفراغ في العشر الثاني من الثلث الثاني من الربع الثاني من
الثلث الثاني من العشر العاشر من العشر الرابع من العشر الرابع من الألف
الثاني من الهجرة النبوية على هاجرها ألف سلام وتحية سنة 1340.
468